النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله
كتاب البيوع
الجزء الأول مما يحل ويحرم من البيوع
ما يحل ويحرم من بيع الطعام بالطعام
من الحبوب جنسًا بجنسه أو بخلافه
أو مما فيه صنعة من ذلك كله
وذكر الفواكه البقول
من الواضحة أجمع العلماء على جواز التفاضل في بيع كل شيء يدًا بيد، من صنف
واحد، ومن صنفين، عدا الذهب والورق، وما كان من الأطعمة صنفًا واحدًا،
يريد: المدخرات، فالقمح والشعير والسلت والعلس صنف واحد في الزكاة، وفي
تحريم التفاضل في بيع بعضها ببعض، أو دقيق أحد منها بالآخر أو بدقيقه، ولا
يجوز فيها جزاف بجزاف، ولا جزاف بكيل، وخبز جميعها صنف واحد، ولا يجوز
مثلاً بمثل إلا تحريًا ولا وزنًا، والسويق والخريدة والخبز صنعة، يجوز
التفاضل في بيع ذلك بحب منها أو بدقيق أو بعجين.
ومن كتاب محمد: قال مالك: ولا خبز في مد حنطة، ومد دقيق بمد حنطة، ومد دقيق
كانت بيضاء كلها أو سمراء.
[6/ 5]
(6/5)
قال ابن القاسم: وكذلك - عندي - إردب حنطة
وإردب شعير بمثلهما، واتقاه مالك للذريعة.
قال مالك في مدين من حنطة أو من دقيق، بمد حنطة ومد دقيق: فإن كان مد
الحنطة ومد الدقيق ليس أحدهما أرفع من مدي الحنطة، والآخر أدنى منهما، كان
الدقيق أو الحنطة، فلا بأس به، وإن كان مد الدقيق والحنطة كلاهما أجود أو
أردأ مما قابلهما، أو أحدهما أجود أو أردأ والآخر مثل ما قبلهما، فذلك
جائز.
قلت لمحمد: فقد كره مالك مد حنطة ومد دقيق بمثلهما، وهو مثل ما أخذت من
هذا؟ قال: كرهه مالك للذريعة، ولا بأس به عندي أن يكون قمح وشعير بمثلهما
كيلاً وجودة، أو يتفق القمحان في الجودة، وشعير أحدهما أدنى أو أرفع من
الآخر، أو اتفق الشعيران خاصة، فأما إن كان أحدهما أجود مما قابله من بر أو
شعير، والآخر أدنى مما قابله، فلا يجوز. كما قلنا في المراطلة بالذهبين
والفضتين. قال أحمد بن ميسر: لا يجوز من ذلك شيء، ولا يعجبني قول محمد.
قال مالك: ومن سأل رجلاً أن يبدل له طعامًا بأجود منه يدًا بيد، فإن كان
على المعروف، ليس بشرط لازم كالبيع الذي إذا قال: نعم، لزمه، ولكن إن شاء
تم ذلك وإن شاء رد ما أخذ، فذلك جائز إذا كان مثل الكيل سواء، وكان يدًا
بيد. قال مالك: ولا يكون مع أحد الطعامين - يريد المدخرين من صنف - عرض أو
طعام من غير صنفه، ولا فضة، كما لا يجوز أن يكون شيء مع أحد الورقين أو أحد
الذهبين، وأما ذهب بفضة، أو صاع قمح بصاع تمر مع أحدهما شيء عرض أو غيره،
فجائز إن كان ذلك يدًا بيد.
قال مالك: ويجوز الدقيق بالحنطة منها، وإن كان لها ريع وهذه السمراء أكثر
دقيقًا من البيضاء، وهي بها مثلاً بمثل جائز.
قال ابن المواز: إن عبد العزيز بن أبي سلمة يرى أن طحينه صنعة تبيح التفاضل
فيهما
[6/ 6]
(6/6)
وقال مكحول: لا يجوز الدقيق والقمح على
حال.
قال ابن الماجشون في الواضحة: وإنما أجازه مالك فيما قل فيما بين الجيران
والرفقاء، فأما ما كثر مما يدخله التكايس، وتدعو إليه الرغبة في معاملة،
فكرهه ونهى عنه لما فيه من الريع إذا طحن.
من كتاب محمد: قال مالك: ويجوز دقيق القمح بالشعير والسلت مثلاً بمثل.
قال: ويجوز خبز أحدهما بدقيق الآخر أو بحبه أو بعجينه متفاضلاً، وكذلك
السويق والجريدة للصنعة في ذلك، ولا تصلح الجريدة بالسويق إلا مثلاً بمثل.
قال أبو بكر الأبهري: الجريدة جليل السويق.
قال مالك: ولا خير في العجين بالحنطة ولا بالدقيق. محمد: يريد متفاضلاً،
ويجوز بالدقيق تحريًا مثلاً بمثل. قال مالك: لا بأس بالعجين بالدقيق على
التحري مثلاً بمثل.
وروى عيسى في العتبية، أن ابن القاسم كرهه، ثم رجع فأجازه، وفي الواضحة أنه
جائز.
ومن كتاب محمد قال: ولا بأس بسلف الخميرة للجيران ويرد وزنها. قال في
العتبية: على التحري، من سماع ابن القاسم، قال محمد: وكره أشهب العجين
بالعجين تحريًا، قال: ولا بأس بدقيق القطنية بعضها ببعض متفاضلاً، ما لم
يكونا من حب واحد، وكذلك صنف منها بدقيق الآخر، ولا يصلح العدس بدقيق إلا
مثلاً بمثل.
[6/ 7]
(6/7)
قال ابن القاسم: دقيق القطنية وخبزها
مختلف، كاختلاف منافع حبها، إلا البسيلة والجلبان فهما صنف واحد، واللوبيا
والحمص فهما صنف واحد. قال: وسويق القطنية كلها صنف، لا يجوز الفضل بين
سويق العدس وسويق حمص أو فول، لتقارب منافعه. قال أشهب: وكذلك خبزها لا
يصلح فيه التفاضل، لتقارب منافعه. محمد: وهذا أحب إلينا.
قال أشهب: والأرز والدخن والذرة أصناف، حبه ودقيقه، فإذا صار خبزًا تقاربت
منافعه وحرم التفاضل فيه، وكذلك خبز قمح أو شعير أو سلت بخبز أرز أو دخن أو
ذرة، لا تفاضل فيه، فأما خبز بعض ذلك بخبز شيء من القطنية فذلك صنفان.
ومن العتبية قال يحيى بن يحيى: قال ابن القاسم: يجوز خبز القطنية بخبز
الأرز متفاضلاً، كالنحل من أصناف مختلفة. من كتاب محمد، قال: والأرز
المطبوخ بالهريسة لا يصلح إلا مثلاً بمثل. قال أصبغ: وهو مثل عجينها لا
يصلح إلا على التحري.
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم، قال: والفول والعدس والحمص لا يجوز
التفاضل بينهما. ابن القاسم وجميع أصحاب مالك: ذلك جائز.
وفي سماع أشهب: وأمر القطاني مختلف، منه ما يجوز ذلك فيه، ومنه ما لا يجوز،
فالحمص والعدس، لا يجوز ذلك متفاضلاً.
ومن كتاب محمد، قال مالك: والحمص واللوبيا صنف، والبسيلة والجلبان صنف،
وكذلك في الواضحة.
[6/ 8]
(6/8)
قال ابن حبيب: وما ييبس ويدخر من البقول،
كالثوم والبصل، فلا يباع الصنف منه بصنفه متفاضلاً، ولا رطبه بيابسه، ولا
جزافًا منه بمكيل ولا بجزاف، وذلك كله جائز في البصل بالثوم يدًا بيد.
قال ابن حبيب: والكرسنة صنف واحد منفرد، كالدن صنف والحراسيا، كالزفيزفيا،
والكمثرى، ولا يدخر إلا بعضه في العال، فهي كالخضر في جواز التفاضل فيها في
الصنف.
ومن كتاب محمد قال مالك: والزفيزفا من رطب الفواكه التي يجوز فيها التفاضل
يدًا بيد. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم، أخضر كله ويابسًا، وكذلك عيون
البقرة، ولا يجوز في العنب التفاضل بعضه ببعض، وإن كان أحدهما لا يتزبب،
وكذلك التين وأحدهما لا ييبس، ويحكم فيه بالأغلب من أمره، وأما التفاح،
وعين البقر - وإن يبس بعضه - فليس بالغالب، ولا ييبس لأجل معاش، بل ليتداوى
به، فله حكم رطب الفاكهة، ولا بأس بالتفاضل في يابسه بيابسه، وكذلك الموز
لا بأس به. وذكر عنه أنه لم يعجبه. وقال غيره: اللين منه - يريد أخضره
بنضيجه - ولا بأس بحامض الرمان بحلوه متفاضلاً. قال مالك: والثوم والبصل
بخلاف البقول، والغالب فيهما أن ذلك لا ييبس ويدخر، ولا يصلح التفاضل في
رطبه ولا في يابسه.
يريد أخضره بنضيجه - ولا بأس بحامض الرمان بحلوه متفاضلاً. قال مالك:
والثوم والبصل بخلاف البقول، والغالب فيهما أن ذلك لا ييبس ويدخر، ولا يصلح
التفاضل في رطبه ولا في يابسه.
ومن كتاب محمد، قال ابن القاسم: والشمار والأنيسون صنف، والكمونان صنف،
وذلك كله من الطعام. وقال أصبغ، ومحمد، في هذه الأربعة: ليست من
[6/ 9]
(6/9)
الأطعمة، وهي من الأدوية، وإنما التابل
الذي من الطعام: الفلفل والكرويا، والكسبر، والقرفا، والسنبل. قال أشهب:
قال مالك: كل واحد من ذلك صنف. قال ابن سحنون: واتفق العلماء على أن
الزعفران جائز بيعه قبل استيفائه.
ابن القاسم، في حب الغاسول، ليس بطعام، وإن كان تأكله الأعراب إذا أجدبوا،
والحلبا عند ابن القاسم من الطعام. قال أصبغ: أما اليابسة، فليس لها حكم
الطعام، وأما الخضراء، محمد: والمنبوثة، ينبتها أهل المنازل للأكل، فمن
الطعام، وبمجرى البقول.
قال ابن القاسم: والخردل والقرطم من الطعام، لا يباع حتى يقبض، وكحب فجل
الزيت، وليس حب فجل الروس، ولا بزر البصل والجزر والبطيخ والقرع والكراث من
الطعام، ولا بأس ببيع الصنف منه بصنفه متفاضلاً، وببيعه قبل قبضه.
ومن الواضحة: وقال في بزر البقول، وبزر تمر البحاير مثل ما ذكر محمد. قال:
ويجوز الأجل في الصنف الواحد منه وبخلافه متساويًا ومتفاضلاً. وقال: الشماز
هو البسباس، والقرح: السونيز، هما من سائر التوابل، وكذلك الخردل، وأما
الحرف والحلبا فدواء، ويجوز أحدهما بالآخر إلى أجل متساويًا ومتفاضلاً.
في بيع الرقيق والدواب
والحيوان كله بعضه ببعض
إلى أجل من صنف واحد
قال ابن حبيب: اتفق العلماء أن ما عدا الذهب والورق والطعام من صنف، يجوز
فيه التفاضل يدًا بيد، من صنف واحد، فإذا اختلف، جاز فيه
[6/ 10]
(6/10)
التفاضل يدًا بيد وإلى أجل، والرقيق بجميع
أجناسها: ذكرانها وإناثها، صغارها وكبارها، عجمها وفصائحها صنف، لا يجوز
فيه التفاضل إلى أجل، واختلاف أبدانها يصير به صنفين، يجوز فيها واحد
باثنين إلى أجل. واختلاف الذكور، النفاذ، والتجارة والبضارة، والصنعة
باليد، والكتابة والقراءة، إذا كان ذلك نافذًا، فيكون هذا صنفًا يجوز
الواحد منه في اثنين ممن ليس ذلك فيه إلى أجل، وكذلك الخياط، والبناء،
والصائغ، والخزار، وشبهه، يسلم الواحد في اثنين ممن ليس ذلك فيه، واختلاف
الصنعة اختلاف، كالعبد التاجر النبيل في خياطين أو بنائين أو خرازين إلى
أجل.
ومن كتاب ابن المواز، قال: والفصاحة والتجارة والنفاذ في العبيد صنف، وما
سوى ذلك صنف، وإن اختلفت الصفات والقيم في الذكر والأنثى، وليست الفصاحة
وحدها بشيء، وأما التجارة - وإنا لم يكن فصيحًا - فهي صنف، ومن تمام نفاذه
أن يكون كاتبًا حاسبًا، والاختلاف في الإناث: الصنعة، الطبخ والخبز. قال
ابن القاسم: والرقم كذلك، وليس الغزل وعمل الطيب صنعة توجب أن تكون صنفًا.
قال في الواضحة، مثله، وقال: تسلم ذات الصنعة في اثنتين لا صنعة فيهما، ولا
خير في الطباخة بالجاريتين، لتقارب ذلك. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم في
العتبية، وزاد: إلا أن تكون صناعة أو رقامة. قال ابن القاسم في كتاب محمد:
ولا التي تقرأ أو تكتب صنف ولا الفارهة وحدها صنف، ولا بأس بعبد تاجر في
أمة تخبز وتطبخ، أو في اثنتين، لاختلاف المنافع، وأرجو أن يكون خفيفًا.
وذكر عيسى، عن ابن القاسم في العتبية، مثل ما ذكر محمد في ذلك كله.
[6/ 11]
(6/11)
ومن كتاب محمد: قال أصبغ: وأرى إن كانت
جارية قارئة كاتبة نحريرة، أن تسلم في غيرها من الإماء. وكذلك قال في
الفارهة الجملية للحاف، تسلم في جاريتين طباختين، أو من سائر الإماء.
قال محمد: هذا استحسان، والقول ما قال ابن القاسم، وهو القياس، وأحب إلينا،
ولو أخذت به فيما تقارب لدخل في غيره.
وذكر ابن حبيب هذا الذي قال أصبغ في القارئة والفارهة، أنه قال له بعض
أصحاب مالك، إلا أنه قال: الفائقة في الجمال.
ومن كتاب محمد، والواضحة: والاختلاف في الخيل، السبق، والجودة.
وإذا بلغت أن تكون جداعًا، فهي والقرح سواء، والحولي من صغارها، وما بلغ
الجدع فما فوق، فهو من كبارها، وهو صنف.
قال في كتاب محمد: وليس الفرس الجميل السمين العربي صنفًا، حتى يكون جوادًا
سابقًا، وصغارها صنف وكبارها صنف، فيسلم صنف واحد في الآخر من ذلك، إن كان
بمعنى البيع، لا بمعنى السلف، وإن تقارنوا في الأصل. قال: ولا بأس بكبير في
صغيرين فأكثر أو صغير في كبيرين، كان صنفًا واحدًا أو مختلفًا. ثم قال في
موضع آخر من كتاب محمد: ولا خير في حولي في حوليين ككبير في كبيرين، والجدع
له حكم الكبار، والحولي صغير.
قال ابن القاسم: ولا خير في صغير في كبير، ولا في كبيرين فأكثر. وهذا من
الزيادة في السلف، قال: وروى ابن وهب، عن مالك، أنه أجاز فرسًا فارهًا في
جدعين، وجارية فارهة في جاريتين دونها. قال: والجدع عند ابن القاسم من
الكبار. قال: والفرس السابق الجيد عنده صنف، وسواه صنف، فلو أسلم فرسين
جوادين في فرس ليسا مثله، جاز، ولا يدخله زيادة الضمان حتى يكون من نوعه
ومن صنفه.
[6/ 12]
(6/12)
قال عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية: لا
خير في صغير في كبير من جنسه من البهائم كلها، ولا كبير في صغير؛ لأنه من
الزيادة في السلف، والذي يشبه التبايع: سلم كبير في صغيرين، أو صغيران في
كبير، وكذلك صغيران في كبيرين، أو كبيران في صغيرين، ولا بأس بكبار البغال
بصغار الحمير، على هذا المعنى.
قلت: لِمَ كرهت كبار الحمير في صغار البغال؟ قال: قد قاله مالك، وما فيه
غير الاتباع، وكأنه كرهه؛ لأن الحمير تنتج البغال، قيل: فإلى أجل قريب؟
قال: إن كان خمسة أيام وما يشبهها مما لا تهمة فيه، فجائز.
قال ابن القاسم: وليس الذكر والأنثى اختلافًا يبيح سلم بعض ذلك في بعض من
جنس واحد، لا في الرقيق، ولا الأنعام والحيوان كله.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: والحمير كلها صنف على اختلاف أثمانها
وألوانها وأجناسها، وسرعة سيرها، إلا صغارها، فإنها صنف، وكبارها صنف،
الحولي صغير، والقارح والمرباع كبير، والحمير مع البغال صنف لا يسلم بعضها
في بعض. قال مالك: إلا الحمر الأعرابية. قال ابن القاسم: جعلت صنفًا
منفردًا تسلم في الحمير المصرية وفي البغال. قال: وحمير مصر كلها صنف،
رفيعها ورضيعها.
ومن العتبية روى عيسى، عن ابن القاسم نحوه، وقال: لا يسلم بغل في حمارين،
ولا حمار في بغلين، إلا كبير في صغيرين، أو صغير في كبيرين، وهي مثل
الحمير. وقاله مالك.
وقال عيسى، وأصبغ: إذا بان اختلاف الحمير، فهم كالخيل والإبل.
[6/ 13]
(6/13)
قال ابن القاسم: ولا يسلم الحمير صغارها في
صغارها، ولا كبارها في كبارها، ولا خير في صغير في كبير، ولا كبير في صغير،
ولا بأس بصغيرين في كبير.
ومن الواضحة قال: والحمير والبغال صنفان، يجوز التفاضل بينهما إلى أجل، ولا
أحد يقول بقول ابن القاسم في ذلك. قال: والبغال كبارها صنف مما بلغ الحمل
والركوب، وصغارها صنف، والحمير كذلك صغارها مما بلغ الحمل والركوب صنف،
وكبارها صنف، وإذا اختلفت الحمير والبغال في سيرها وجريها اختلافًا بينًا،
جاز بينها واحد في اثنين، وأباه ابن القاسم.
قال ابن حبيب: وليس السير في الجبل يوجب الاختلاف؛ لأن المبتغى منها السبق
والجودة، إلا البراذين الدك العراض، لا جري فيها ولا سبق يراد لما تراد له
البغال، من الحمل والسير، فلا بأس أن يسلم السبوق والهملاج البالغ منها في
اثنين من خلافه.
ومن كتاب محمد وابن حبيب: وأما الإبل مما كان فيه النجابة والرخلة صنف. قال
ابن حبيب: والحمولة، وإن لم تكن له نجابة، وله فضل حمل، يحمل القباب
والمحامل، فيسلم في حواشي الإبل. قال ابن المواز: وصغارها صنف وكبارها صنف.
قال ابن حبيب: وليس اختلاف أسنانها صنفًا تفاضلاً، إلا صغارًا لا حمل فيها،
فتكون صنفًا، وكبارها صنف. قال في كتاب ابن المواز: قال مالك في ابنتي مخاض
في حقة، أو حقة في جذعين، أو جذعة في حقتين، فذلك كله لا خير فيه.
قال ابن حبيب: والاختلاف في البقر: غزر اللبن في ألبانها، وفراهية العوامل
الذكور منها القوية على الحرث، وإلا فهي كلها صنف من عوامل وغيرها من ذكر
أو أنثى، ولا خير في بقرة في ثورين، أو ثور في بقرتين، إلا على ما ذكرنا من
غزر اللبن في البقرة، وفراهية الثور، ولا بأس بصغارها التي لم تبلغ حد
العمل بكبارها متفاضلة إلى أجل.
[6/ 14]
(6/14)
قال في كتاب محمد: قال مالك: الغنم كلها
صنف، صغارها وكبارها، إلا ذات اللبن، ولم يجز كبشًا في خروفين. وروى عنه في
ضائنة في معزتين: لا تجوز إلا أن تكون المعزتان صغيرتين، وليس بشيء، والأول
هو المعروف. قال ابن حبيب: الغنم كلها صنف، من معز وضأن، وكبار وصغار،
لبانها وغير لبانها، وليست في اللبن متباينة الفضل، إلا ما غزر لبنه جدًا
من المعز خاصة، فتسلم في حواشي المعز وفي الحدة من الضأن، ولا يعرف من غزر
لبن الضأن ما يوجب ذلك. وقال ذلك مالك وأصحابه.
ومن العتبية، من سماع عيسى، من ابن القاسم، قال: والطير كله ليس في الجنس
الواحد منه من الاختلاف ما يجوز بعضه ببعض إلى أجل، ولا تجوز دجاجة بيوض في
اثنتين ليستا مثلها في كثرة البيض، وكذلك في الأوز. وكذلك في الواضحة، في
البيوضة، وزاد: والديكة والدجاج صنف، وصغارها وكبارها صنف، والأوز صنف،
والحمام صنف، لا يفترق في ذلك ذكر ولا أنثى ولا صغار ولا كبار.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: الديكة والدجاج صنف. قال أصبغ: لا
يسلم بعضها في بعض، إلا الدجاج ذات البيض، فإنها صنف. قال: وتسلم الدجاجة
البيوض، أو فيها بيض في ديكين، أو ديك في دجاجتين منها.
ومن العتبية عيسى، عن ابن القاسم: والحمام كله صنف، وليس كثرة البيض
والفراخ فيها اختلافًا، ولا الصغير والكبير، لا فيه ولا في شيء من الطير
يبيح التفاضل إلى أجل.
ومن الواضحة: وسائر الطير الوحشي مما لا يقتنى لفراخ، ولا لبيض مثل الحجل،
واليمام، وشبهها، فمجراه مجرى اللحم، ولا يباع بعضه ببعض، وإن كان
[6/ 15]
(6/15)
حيًا، إلا تحريا يدًا بيد، ولا يجوز أوز،
ودجاج، أو حمام؛ لأنه اللحم بالحيوان، وليس اختلاف الألبان في شيء مما تقدم
ذكره اختلافًا.
ومن كتاب محمد: قال مالك في بعير في بعيرين، مثله أحدهما نقدًا، والآخر إلى
أجل: لا خير فيه. وروى عنه ابن عبد الحكم، أنه أجازه، وكرهه. قال: وأحب
إلينا ألا يجوز. وقال سحنون: هذا حرام؛ لأن نصف المعجل ثمن المعجل، ونصفه
في حمل إلى أجل. محمد: وقال ابن القاسم: هذا جائز إذا لم يكن في المنفرد
فضل عن المعجل من الحملين.
قال أصبغ: ولقد اضطر المخزومي طرد القياس نية لأشهب، حتى قال: لو كان دينار
في دينارين أحدهما معجل مع صاحبه، والآخر مؤجل، لجاز.
في بيع غير الحبوب من الطعام جنسًا بجنسه أو بخلافه
وبيع الشيء من ذلك بما يخرج منه
وذكر الشاة باللبن، والدجاجة بالبيض
من كتاب محمد: قال مالك: والزيوت أصناف لاختلاف أصولها؛ فزيت الزيتون،
والفجل، والججلان، والقرطم، يجوز زيت صنف بزيت الآخر متفاضلاً، يدًا بيد.
قال مالك: وكل ما يسكن الماء من الترمس فما دونه، والطير فما فوقه صنف، لا
يباع متفاضلاً، وبيض الطير كله صنف واحد، النعام والطاوس مما فوقه ودونه،
ما يطير وما لا يطير، مما يستحيا أو لا يستحيا، صغيره وكبيره، لا يباع إلا
مثلاً بمثل تحريًا، وإن اختلف العدد.
قال محمد: وأرى في بيض النعام إن استثنى صاحبه قشره، فلا بأس به بغيره من
البيض تحريًا، ولا يجوز أن أسلمه بقشره؛ لأن له ثمنًا. قال: وبيض الحيتان
صنف.
[6/ 16]
(6/16)
قال ابن القاسم: وودك الرؤس من الطعام لا
يباع قبل قبضه، ولا بعضه ببعض متفاضلاً، فاستثقل ابن القاسم كسب الجلجلان
بالطعام إلى أجل، ولم يوجبه.
قال أصبغ: لا بأس به، وإن كان يؤكل، وقد قال ابن القاسم في حب الغاسول وإن
كان يأكله الأعراب من الجدب. وقال أشهب: ولا باس بالجراد متفاضلاً.
قال ابن القاسم: ولا بأس بخل العنب كقول مالك في خل التمر بالتمر، لطول
الأمد، وكثرة الصنعة، وبخلاف نبيذه. ثم قال ابن القاسم في العنب بخله: لا
أدري، إن كان يطول كالتمر، فلا بأس به.
ومن العتبية: يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: لا يصلح خل التمر بنبيذ
متفاضلاً، لتقارب منافعه، ولا خل التمر بنبيذ الزبيب متفاضلاً. وفي كتاب
أبي الفرج أن نبيذ الزبيب ونبيذ التمر صنفان.
ومن كتاب محمد: ولا خير في رب عسل القصب بعسله، إلا أن يدخل ربه أبزار،
فيصير صنعة، ولا خير في الجلجلان بالشبرق أو بالزنبق، قال: والجبن كالسمن
والزبد، لا يجوز باللبن.
وقد اختلف في الجبن باللبن المضروب، فأجيز وكره، وأجازه ابن القاسم. وأجاز
مالك المضروب بالزبد والسمن.
ومن العتبية، روى أبو زيد، عن ابن القاسم قال: لا بأس بالفقاع بالقمح.
[6/ 17]
(6/17)
قال ابن حبيب: والجبن كله صنف، بَقَرِيُّهُ
وغَنَمِيُّهُ، لا يجوز فيه التفاضل، ولا رطبه بيابسه، ولا بأس بالسمن
بالزيت متفاضلاً، يدًا بيد، وبالعسل.
من كتاب محمد: قال مالك: لا تصلح شاة لبون بلبن، أو بسمن، أو بزبد إلى أجل،
ويجوز يدًا بيد. قال ابن القاسم: أيهما تأخر، ولا خير فيه.
ابن القاسم: والقياس: إذا عجل اللبن، جاز، وإذا عجلت الشاة، لم يجز إن كان
فيها حينئذ لبن، فإن لم يكن، فأيهما عجلت، جاز، وإن كان يكون لها إذا
عجلتها لبن قبل الأجل. وقاله مالك، وقاله أصبغ. قال أصبغ: وإن لم يجزه
القياس. وقاله سحنون في العتبية. وقاله ابن حبيب.
قال محمد: وكذلك الدجاجة في البيض، في جميع ما ذكرنا. وأجاز أشهب شاة
حلوبًا بلبن إلى أجل، إذا صح، ولم يبتغ ذلك فيها. وقال عنه البرقي: لا يصلح
لبن معجل بشاة مؤجلة. قال ابن حبيب: إذا كان اللبن والسمن، أو الجبن هو
المعجل، فجائز. واستثقله مالك، وجميع من لقيت يستخفه. وذكر في الدجاجة
البيوضة في البيض مثل ما ذك محمد.
قال محمد: وقال ابن القاسم: لا بأس بدجاجة لا تبيض ببيض مؤجل، وإن باضت قبل
الأجل، وإن كان فيها بيض لم تصلح بالبيض، إلا يدًا بيد.
وبهد هذا باب آخر في بيع الشيء بما يخرج منه، أو ينبت منه، أو يعمل منه من
سائر الأشياء.
[6/ 18]
(6/18)
باب ذكر ما يجوز فيه البدل من الطعام
تحريًا
أو القسم تحريًا فيه وفي غيره أو بمكيال مجهول
من العتبية من سماع عيسى: قال ابن القاسم، عن مالك في اللحم والجبن والبيض:
يجوز بيع بعضه ببعض تحريًا، بلا كيل ولا وزن. قال ابن القاسم: وذلك إذا
بلغه التحري ولم يكثر حتى لا يستضاع تحريه، وكذلك كل ما يباع وزنًا ولا
يباع كيلاً، فهذا مجراه.
قال ابن القاسم: وكل صنف من طعام أو غيره يجوز فيه التفاضل من صنفه، فلا
بأس بقسمته على التحري، كان مما يكال أو يوزن، أو لا يكال ولا يوزن.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وما يكال أو يُعد من طعام أو غيره، فلا
يقسم تحريًا، وأما ما لا يمكن فيه إلا الوزن فيقسم تحريًا، ويباع بعضه ببعض
تحريًا، مثل اللحم والخبز والحيتان.
قال ابن القاسم: ولو أن بينهما صبرة قمح وصبرة شعير، والقمح أكثر بأمر بين،
لم يجز أن يأخذ هذا القمح، وهذا الشعير، ولو أخذ أحدهما نصف الشعير كيلاً،
وسلم نصفه مع جميع القمح لصاحبه، جاز، ولا يجوز إن قسما الشعير جزافًا، إلا
أن يأخذ ما لا يشك أنه أقل من نصف.
قال مالك: ولا بأس أن يقسم الطعام المكيل بقصعة، أو بقفة، أو قدح، ولا يجوز
تحريًا. قال محمد: وذلك بموضع لا مكيال فيه، وأكرهه بالقفة.
[6/ 19]
(6/19)
ومن الواضحة وغيرها من قول مالك: ولا يجوز
فيه التفاضل من الطعام والإدام، فلا تجوز قسمته تحريًا.
ولا يقسم الطعام وهو زرع أو حزم أو مصبر إلا كيلاً، وكذلك السمن، والعسل،
والزيت، إلا كيلاً ووزنًا، مثلاً بمثل، وكذلك قسم الثمار في شجرها التي لا
يجوز فيها التفاضل، لا يقسم شجرها يابسه ولا مصبره، إلا كيلاً، وما لم ييبس
وقد حل بيعه، من عنب، أو تين، أو رطب، فيقسم عند اختلاف حاجة أهله إليه،
وكل ما يجوز فيه التفاضل، فلا بأس بقسمته في شجره، على التحري، رطبًا أو
يابسًا، أو بالأرض مصبرًا، مثل الفواكه الرطبة، وتمر النخل، وكذلك كل شيء
يجوز فيه التفاضل، مثل الكتان، والخيط، والنوى، والتين تحريًا، وإن كان
الكتان والحناء قائمًا قبل أن يجمع وقد طاب أو بعد أن جمع.
ولا يقسم ما لا يجوز فيه التفاضل تحريًا، إلا ما أرخص فيه من قليل اللحم
والخبز والبيض؛ لأن التحري يحيط بقليله، ولا خير في كثيره إلا وزنًا، وقاله
كله من أرضى من أصحاب مالك.
قال: قال ابن القاسم: لا تجوز شاة مذبوحة بشاة مذبوحة، إن لم يكن على الوزن
إلا أن يقدر على تحريهما. وقال سحنون، وأصبغ: لا يقدر على ذلك، ولا يجوز
ولم يعجب محمدًا قول أصبغ.
[6/ 20]
(6/20)
في المزابنة بالرطب باليابس من الطعام وذكر
التحري فيه
قال ابن حبيب: نهى الرسول عليه السلام عن المزابنة والزبن والزبان: هو
الخطر والخطار. فمن ذلك: شراء الرطب في شجره من رطب، أو تين أو عنب بيابس
من جنسه مكيل، أو زرع قائم، أو حصيد بمكيل من البر، أو مهذب مصبر بكيل أو
زيتون في شجره بمكيل من زيتون، أو زيت، ومنه: بيع الجزاف من كل شيء بكيل،
أو وزن، أو عدد من ذلك الجنس.
ومنه: بيع اللحم بالحيوان - يريد من جنسه.
وبعد هذا أبواب في بيع الجزاف.
من كتاب محمد: قال مالك: أكره الرطب باليابس في الفاكهة الرطبة من صنف
واحد، وإن جاز فيها التفاضل، من تفاح، وخوخ وغيره، لا على تساو أو تفاضل،
وإن كان يدًا بيد. وكره مالك رطب الثوم بيابسه، وكذلك البصل مثلاً بمثل،
ومتفاضلاً يدًا بيد. واختلف قول مالك في أخضر الموز بنضيجه، وأجازه، وكرهه.
من العتبية قال أصبغ: لا بأس بذكار التين بالتين متفاضلاً ومتماثلاً، نقدًا
ومؤجلاً، ولا يجوز الرطب الذي لا يتمر بالتمر. قال أشهب: ولا بأس بالتمر
القديم بالحديث.
ومن سماع عيسى، من ابن القاسم: ولا بأس بالتمر المنثور بالكيل تحريًا.
ولا يجوز البيض النيء بالمسلوق إلا مثلاً بمثل تحريًا وليس السلق فيه
بصنعة.
[6/ 21]
(6/21)
وكذلك في الواضحة، قال ابن القاسم، في
الزيتون الذي جني بالأمس، بما يجنى للغد أو اليومين مثلاً بمثل، وهو أشد
انفتاحًا، قال: لا يبدل، في اليوم واليومين، وإن علم أن هذا المجني آخر
يضمر وينقص، فلا خير فيه وكذلك الفدان يتسلفه الرجل لحاجته، ويحصد وفيه
رطوبة، ويرد عليه من زرعه اليابس إذا يبس، فإن كان لو ترك لضمر ونقص، فلا
خير فيه.
قال أصبغ، عن ابن القاسم: لا خير في رطب الزفيزف بيابسه، وكذلك العين بقرن.
قال أصبغ: لعموم النهي عن الرطب باليابس.
وروى أبو زيد، عن ابن القاسم، في التفاح الأخضر بالمقدد، لا بأس به إذا
تبين الفضل فيه.
ومن الواضحة قال: ولا يباع رطب الجبن بيابسه، وهو كله صنف بقريه وغنميه.
ومن كتاب محمد: قال مالك: لا بأس بالحالوم الرطب باليابس منه، والمعصور،
والقديم على التحري، ويجوز الجبن بالحالوم تحريًا. وكره الزيتون الأخضر
الطري بالمالح الذي قد أكل منه. ومن كتاب محمد: قال مالك: ولا بأس بيابس
الخبز برطبه على التحري إن قدر على ذلك، ولا يصلح بغير تحر.
محمد: وإنما جاز على التحري لدخول الصنعة فيه، وإنما يتحرى أن يتفق دقيقهما
أو عجينهما، لا على أنه إذا يبس هذا، كان مثل هذا، ولا على أن اليابس ولو
كان رطبًا، كان مثله، وخبز القمح بخبز الشعير، يجوز على تحري التساوي في
دقيقهما، لا على قدر الخبز، لثقل الشعير.
[6/ 22]
(6/22)
واختلف قول مالك في طري اللحم بالقديد
اليابس، أو باللحم المشوي، وآخر قوليه أنه كرهه وإن تحرى وبه أخذ ابن
القاسم، وأصبغ، وأخذ ابن وهب، وابن أبي الجمر بقوله الأول، وذكر ابن حبيب
مثل القول الثاني، قال: وكذلك مشوي بمشوي، أو قديد بقديد.
محمد: قال ابن القاسم: ولا بأس بالقديد من المشوي بالمطبوخ متفاضلاً، ولا
خير في قديد بمشوي وإن تحرى، ولا خير في طري السمك بمالحه وإن تحرى، ولا
بأس بقلة صبير بقلة صبير تحريًا. قال أصبغ: إن قدر أن يتحرى. وكرهه محمد.
وروى سحنون، عن ابن القاسم، في العتبية أنه لا يصلح إلا بالتحري.
قال ابن المواز: وكره مالك القرظ الأخضر باليابس، إلا أن يتبين الفضل
بالكثرة البينة أن لو يبس، وذلك يدًا بيد، ولا خير فيه إلى أجل.
في بيع نخل بنخل بثمرهما، وأرض بأرض بزرعهما
أو شيء من ذلك بطعام حاضر
وفي بيع الجبح بعسل أو بطعام
وذكر الجزاف بمكيل أو جزاف من الطعام
قال ابن حبيب وغيره: وكل ما لا يجوز فيه التفاضل من الطعام، فلا يجوز فيه
مكيل بجزاف، ولا جزاف بجزاف. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: لا يجوز جنان
بجنان مثله، فيهما طلع أو بلح. قال محمد: وإن اشترطا جذ البلح، لم يجز حتى
يتبين فيه الفضل - يريد: والبلح صغير - فيجوز، فإن اشترط أن يجذ أحدهما ما
صار له، جاز ذلك. قال ابن القاسم: وكذلك إن لم يكن في أحدهما شيء.
[6/ 23]
(6/23)
وذكر ابن عبدوس، في تفسير الشفعة، أن ابن
الماجشون يجيز نخلاً بنخل، فيهما تمر لم يؤبر ويقول: لأنه تبع وملغى، وأجاز
بيعهما بطعام.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: لا خير في بيع نخل بأصلها، فيها تمر، أو
طلع بتمر، ولا بشيء من الطعام نقدًا، ولا إلى أجل، إلا أن لا يكون فيها
حينئذ تمر.
قال أشهب، في شجرة خوخ بمثلها وفيهما خوخ: فإن كان يجذ كل واحد منهما ما
صار له قبل التفرق، جاز إن تبين الفضل بين الخوخين، وإلا لم يجز، وكذلك كل
ما جاز فيه التفاضل من الفواكه يجوز جزافًا منه بجزاف آخر، أو جزافًا بكيل،
أو وزن أو بعدد، إذا تبين الفضل، ولا يجوز إذا تقارب ذلك، وكذلك في غير
الطعام من جنس واحد، وإن كان ترابًا.
قال مالك: ولا يصلح في السنبل قتة بقتة، ولا صبرة بصبرة، ولا مكتل بمكتل،
ولا بأس بالطلع بالطلع متفاضلاً، كصغير البلح، وكذلك الجمار. محمد: ما لم
يترك الطلع حتى يطلب به الزيادة.
قال: والبلح الصغير إن كان مجذوذًا، واشترط جذاذه، فجائز، وإن لم يشترط
جذاذة فهو يؤول إلى طعام، فيدخله بيع تمر قبل بدو صلاحه. قال: والطلع طعام،
فلا يصلح بالطعام إلا يدًا بيد.
قال مالك: ولا تباع المقتاة بقمح وإن قبض المقتاة.
ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم قال: ولا يجوز بيع أرض بأرض، في كل
واحدة منهما زرع، إذا استثنى كل واحد زرع صاحبه، ولا تباع
[6/ 24]
(6/24)
أرض فيها زرع صغير بطعام، وأما أرض بيضاء
بطعام، فيجوز نقدًا ومؤجلاً. قال سحنون، عن ابن القاسم: ولا بأس بشراء
الأرض المبذورة، لا نبات فيها، بحنطة وغيرها.
ومن الواضحة: وقال في حائطي نخل، وتمرهما لم يؤبر، فلا يجوز بيع أحدهما
بالآخر بحال، ولا بيع أحدهما بطعام. قال في المدونة: فإن أبر تمرهما، فهو
جائز، وكذلك إن أبر أحدهما، فجائز. وإن سكتا عن الاشتراط. قال ابن حبيب:
وإن أبرا جميعًا، فشرط أحدهما تمرة صاحبه. ولم يشترط الآخر شيئًا، فذلك
جائز؛ لأن التمرتين تصير لواحد، وبيع أصل بأصل من صنف أو من صنفتين مثل
ذلك، والاعتقاد في تمرها كالإبار في النخل.
قال ابن حبيب: ولا خير في شراء تمر شجر قد طاب بتمر شجر قد طاب، وهما من
صنف واحد، أو من صنفين مما يجوز فيه التفاضل في الصنف أو مما لا يجوز؛ لأن
ما لا يدخله التفاضل في الجنس يدخله طعام بطعام مؤخر.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: لا تباع الخلايا بشيء من العسل نقدًا، ولا
إلى أجل. محمد: وإن لم يكن فيها يومئذ عسل. قال أصبغ: إذا لم يكن فيها
يومئذ عسل جاز بيعه بطعام غير العسل نقدًا، أو إلى أجل قريب لا يأتي فيه
العسل، وإلا لم يجز.
ومن الواضحة: ولا يجوز بيع جبح نحل العسل نقدًا، أو إلى أجل، ولا بيع عسل
بجبح نحل إلى أجل، ولا بأس ببيع ذباب النحل كيلاً بالدراهم، وبالعسل نقدًا
أو إلى أجل، وكذلك بيع عسل بكيل ذباب النحل إلى أجل، إلا أن لا يكون فيه
عسل، فيجوز بطعام إلى أجل قريب لا يكون فيه إليه العسل، وإن كان يأتي إلى
مثله فيه العسل، فلا يباع إلا بعين أو عرض.
[6/ 25]
(6/25)
قال ابن حبيب: وهو في المدونة، ولا بأس من
بيع شجر لا تمر فيها بتمر إلى أجل قريب.
في بيع اللحم بالحيوان
وبيع ما لا يحيا بما يحيا أو بطعام
من كتاب محمد، ابن المواز: وإنما نهى عن بيع اللحم بالحيوان من صنف واحد.
قال ابن حبيب: وذلك للفضل والمزابنة. ومن كتاب محمد، قال: وكل ما جاز في
لحمه التفاضل بعضه ببعض، جاز الحي منه بالمذبوح، وكره مالك الشارف أو
المكسورة من الأنعام باللحم، ثم أجازه. وكرهه ابن القاسم. وخففه أصبغ. قال
محمد: لا خير فيه، وبيعها باللحم أكره منه بالحية.
وكره ابن المسيب السارف بالثنية. وكره ابن القاسم الكبش الخصي بالطعام إلى
أجل، لأنه لا يعيب العجلة، ثم رجع فأجازه إن كانت فيه منافع غير ذلك. قال
في العتبية، من رواية عيسى: إذا كان يقتنى لصوفه. قال ابن المواز: وأجازه
أشهب، وأصبغ، كانت فيه منافع أو لم تكن، وليس الكبش الخصي كاللحم، بخلاف
الشارف والكسير.
قال مالك: وليس كل شارف سواء، وإنما ذلك في الذي شارف الموت، فأما شارف
يقبل ويدبر ويرتفع، فلا. قال: وإن كان كبشًا خصيًا لا منافع فيه قائمة ولا
مرجوة، فهو مثل ما ذكرنا. قال عيسى، عن ابن القاسم في العتبية فلا يجوز
بالطعام إلى أجل؛ لأنه لا يصلح إلا للذبح. قال في موضع آخر، ولا يجوز بحي
من الأنعام.
[6/ 26]
(6/26)
قال ابن القاسم، في رواية عيسى، وفي كتاب
محمد، في جدي بلبن: إن كان مما يستحيا فجائز نقدًا أو إلى أجل، وإن كان لا
يستحيا، لم يصلح إلا نقدًا. قال أصبغ في كتاب محمد: وذلك إذا كان له علة
مرض، أو على، لا رضاع له ولا حياة ولا سبيل إلا الذبح.
ومن كتاب محمد: ابن القاسم: ولا خير في لبن في شاة لحم إلى أجل، وهي التي
لا نفع فيها للبن، ولا لصوف، وإن استحيى مثلها للشحم، وكذلك هذه بطعام إلى
أجل، لا خير فيه. قال أصبغ: وهي التي لا يقتنى مثلها، فأما شاه لحم تقتنى
بالعمل والرعي للسمن، فلا باس بذلك فيها، وكره أشهب كبشًا بلحم مطبوخ إلى
أجل. وأجازه ابن القاسم، وقوله أحب إلينا.
وكره ابن القاسم ما لا يحيى من الطير بلحم طير تحريًا. قال أصبغ: لأنه حي
بعد، ولا بأس بالأوزة بالدجاجة أو بدجاج يدًا بيد وإلى أجل؛ لأن ذلك
يستحيا.
قال ابن القاسم: ومن ذبح له رجل شاة حية، لم أحب أن يأخذ بقيمتها منه لحمًا
ولا شاة حية.
ومن الواضحة: ولا يجوز حي من الأنعام بوحشي ذكي أو حي من ذوات الأربع؛ لأنه
لا يقتنى ولا يحيا حياة الاقتناء.
ولا يباع ثور حي بشاة مذبوحة، ولا شياه أحياء بثور جزير، أو جمل جزير، أو
بوحشي حي أو مذبوح ولا يباح ما لا يقتنى من الوحش أو الطير حيًا بحي مثله
من صنفه، إلا تحريًا مثلاً بمثل. وخففه بعض العلماء، ورأوه مثل ما يقتنى،
والأول أحب إلينا. ولا يباع حي بمذبوح منه، ولا حي مما يقتنى من الطير
[6/ 27]
(6/27)
الداجن، بحي مما لا يقتنى منه، مثل دجاجة
بحجلة حيتين، ولا دجاجة بيوضة بدجاجة قد انقطع منها ذلك، ولا تباع غير
البيوضة بشيء من الطير حي، إلا على التحري.
ومن العتبية، عيسى، عن ابن القاسم: وما لا ينتفع به إلا اللحم، مثل الداجن
كدجاجة لا تبيض، لا بأس أن تباع بما لا يستحيا من الطير على التحري. وفي
باب سلم الحيوان بعضه في بعض طرف من هذا المعنى.
في الأخذ من ثمن الطعام طعامًا أو في الاستهلاك
ومن له عليك طعام هل يبتاع منه ما يقضيه أو من وكيله؟
من كتاب ابن المواز: قال محمد: وقد كره أهل العلم الأخذ من ثمن الطعام
طعامًا بما آل إليه، فصار كأنه باع ما دفع من الطعام بهذا الطعام، فكذلك كل
ما خرج عن يدك بمتاجرة مما له مثل، فلا تأخذ في ثمنه إلا ما كان يجوز لك أن
تبيعه به إلى أجل، ولا يدخل ذلك في الغرض الذي ليس على متاجره. قال ابن
القاسم: ولا يدخل ذلك في الثياب في المتاجرة، ولا فيما لا يجب فيه إلا
القيمة في التعدي.
قال مالك: وإذا بعت من رجل طعامًا بثمن، فلا تأخذ منه فيه طعامًا يخالفه،
ولك أن تبتاع من غيره طعامًا سواه، أو في جنسه أكثر منه، أو أقل أو أجود أو
أردأ، وتحيل بالثمن على ثمن طعامك. قال مالك: وإن أحالك غريمك بالثمن، فلا
تأخذ من الذي أحالك عليه طعامًا إلا مثل طعامك، الذي بعت ممن أحالك صفة
وكيلاً، ولو أحلت أنت رجلاً بالثمن عليه، فلا يأخذ هو منه طعامًا إلا مثله
صفة وكيلاً. قال ابن القاسم: وإن أخذت بالثمن كفيلاً،
[6/ 28]
(6/28)
فغرم له الثمن بعد محله، فلا بأس أن يأخذ
هو في ذلك من غريمه طعامًا من صنف طعامك أقل أو أكثر، أو من غير صنفه،
وكذلك لو تبرع فرد الثمن بغير حمالة، فلا بأس أن يأخذ فيه طعامًا، وكذلك
قال في الواضحة وغيرها.
ومن وكلته على قبض ثمن طعامك، فقبض الثمن فأكله فلك أن تأخذ منه فيه
طعامًا.
ومن كتاب محمد وإذا باعه مائة إردب سمراء، فقد اختلف قول مالك، هل يأخذ في
ثمنها خمسين سمراء، فأجازه مرة، وأباه أخرى، وقال: لا يصلح أن تأخذ دون كيل
طعامك، لا بالثمن ولا ببعضه، ولا بأس أن يأخذ مثل كيل طعامه في جودته
بالثمن وأكثر منه. وأجاز أشهب أن يأخذ أقل كيلاً من حنطته. وأجاز ابن
القاسم أن يأخذ سمراء قضاء من ثمن سمراء، وإن كان الذي يأخذ أدنى مما باع.
قال: وفيه مغمز.
ومن كتاب محمد، قال: وإن بعت طعامًا، فلك أن تأخذ في ثمنه قبل تفرقكما
طعامًا يخالفه، إن كان المبتاع اكتال طعامًا، وإلا فليكتله له قبل أن
يتفرقا. وإن ابتعت بدانق ملحًا أو فاكهة، فلا تدفع فيه طعامًا، وادفع
درهمًا، وخذ ببقيته طعامًا، أو تأخذ بجزء بعد جزء من الدرهم حتى يعم
درهمًا، فيؤديه، وإذا قبضت ثمن طعام من رجل، فلا تبتاع به منه في المجلس
طعامًا.
وإن بعت بدينار قمحًا من رجل، ثم جنيته، أو ابتعت منه بدينار تمرًا، فأراد
بعد مقاصتك؟ قال مالك: لا أحبه، وليرد الثمن الذي اشترى. قال ابن القاسم:
بل يؤدي دينار التمر، ويأخذ منه ثمن قمحه، وإن رد إليه ذلك الدينار بعينه،
كما لا تستعمل غريمك بدينك عليه، ولكن تستعمله بدينار تدفعه إليه، ثم يقضيك
إياه.
[6/ 29]
(6/29)
ومن الواضحة: ومن ابتاع بدرهم لحمًا، أو
طعامًا، فوجد درهمه ناقصًا، فقال للبائع: خذ بما نقص من اللحم أو من الطعام
لم يجز. ودخله أربعة أوجه: بيعه قبل قبضه، والأخذ من ثمن الطعام طعامًا،
والتفاضل بين الفضتين، والتفاضل بين الطعامين، ولو كان غير الطعام دخله
الفضل بين الفضتين، وكذلك لو رد فلوسًا، ولو كان هذا بعد أن قبض الطعام،
دخله كل ما تقدم إلا بيعه قبل قبضه.
قول ابن حبيب في هذه المسألة: يدخله الأخذ من ثمن الطعام طعامًا. قال ابن
المواز: لا يدخل ذلك فيما كان قبل التفرق. وهذه المسألة قد ذكرتها في
الصرف، باب من أخذ من المجموعة أزيد أو أنقص، وما ذكر فيها في العتبية،
وكتاب ابن المواز.
قال ابن حبيب: ومن استهلك لرجل زرعًا استحصد أو لم يستحصد، أو طعامًا
جزافًا، فأجاز أن يصالحه من الطعام بما شاء من صنفه، وغير صنفه، وبما شاء
من عرض. نقدًا كله، وهذا إن كان الاستهلاك معروفًا، أو بحريق ظاهر، أو
غيره، وإن كان بالغيبة عليه، والانتقال له، لم يجز صلح على طعام.
ومن باع طعامًا بثمن مؤجل، فلا يأخذ به جبحًا فيه نحل، إذ لا يخلو من عسل،
إلا أن يكون فيه عسل لا يعتد به، فلا بأس بذلك.
ومن العتبية، قال ابن القاسم: قال مالك: ولا بأس أن يأخذ الرجل النوى،
والقصب، والتبن، من ثمن طعام، وكذلك في سماع أشهب.
وبعد هذا باب في شرائك الطعام ممن بعت منه طعامًا، في الجزء الثاني من
البيوع.
[6/ 30]
(6/30)
|