النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات بسم الله الرحمن الرحيم
وصلي على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
الجزء الرابع
من كتاب الإقرار
في اقرار العبد الماذون له في التجارة
وذكر الحجر عليه وفي إقرار العبد المحجور عليه
من كتاب ابن سحنون قال مالك وأصحابه: إقرار العبد المأذون له في التجارة
بالدين لمن لا يتهم علية جائز وإن كان مديانا ما لم يقم علية الغرماء.
وكذا إقرارة بالعروض والحيوان والرقيق أو بوديعة أو عارية أو غصب أو إجازة
قال ابن ميسر أو رهن أو مضاربة ما لا يستنكر ولا يتبين فية كذا وكذلك
اللقطة، ولا يلحق شىء مما أقر بة رقبة وذلك فيما فى يدية أو فى ذمتة.
وإذا كان عليه دين محيط لم يجز إقراره لسيده / بدين ولا وديعة ولا عارية
ونحو 136/و
ذلك، ولا يجوز إقراره بشئ من جراحات الخطأ والجنايات الخطأ.
وإن أقر أنه جرح حرا عمدا فقال قطعت يده أو فقأت عينه فذلك باطل إذا لا
قصاص بينهما فيما دون النفس، وإن أقر أنه قتله عمدا فلولية القصاص فإن
استحبوه على استرقاقه فلا حق لهم فيه. قال ابن المواز: ويضرب مائة ويحبس
سنة.
قال ابن سحنون: ويجوز إقراره بالجراحات العمد والجنايات في العبيد، فإن شاء
سيد المجني عليه أن يقتصر فذلك له، وإن طلب الدية فليس له ذلك وإقراره
[9/ 331]
(9/331)
بالسرقة يلزمه وإن لم يكن فيها قطع وعليه
غرمة لأن إقراره بوصول الأموال إليه جائز ويقطع فيما فيه القطع، وإقراره
بالزنى يلزمه ويحد به، ويحد في إقراره بقذف مسلم حر، ولايجوز إقراره بمهر
زوجته إذ لا يتزوج إلا بإذن سيده، ولا يجوز إقراره بالكفالة أو بمال لأن
ذلك من المعروف ولا إقراره بعتق عبده أو بكتابته. ويجوز إقراره بالنكاح
وسيده مخير في إجازته أو فسخة، ويلزمه إقراره بالطلاق.
وإن أقر أنه افتض امرأة بأصبعة لم يلزمة غرم شئ، وقال سحنون: وإذا قال الحر
لرجل غصبت من عبدك ألف درهم رددتها إليه فصدقة العبد في درهت فإن كان
مأذونا صدق ولا يصدق غير مأذون.
قال محمد: في هذا دليل أن المأذون إن قال غصبت من فلان مالا أو سرقته منه
أن ذلك يلزمه. وإذا أقر أنه اشتري أمة فافتضها ثم استحقت فلا شئ عليه من
العقر / فإن جحد البائع فهو إقرار بجناية فإن شاء ربها أخذتها ولا شئ له من
136/ظ
عقر (1) ولا نقص وإن شاء ضمنه، وإن زعم أن عذرتها ذهبت عنده من غير فعله
فإن شاء ربها أخذها ولا شئ له من عقر ولا نقص وإن شاء ضمنه قيمتها أجاز
البيع وأخذ الثمن أو يأخذها ناقصة وكذلك في ذهاب عينها.
وإن قال ذهبت عينها من فعلي فهو ضامن لما نقصها ذلك وإن شاء ربها أجاز
البيع فأخذ الثمن وإن أقر له وطء أمة بشبهة فافتضها (2) بغير إذن سيدها
فهذا جناية ولا يلزمه شئ إلا أن يقر أنه وطئها بشراء فلربها إجازة البيع
وأخذ الثمن.
وقد اختلف في الحجر على المأذون. فقال غيرنا: إن حجر عليه سيده في سوقة فهو
حجر وإن حجر عليه في غير سوقة فليس بحجر. وما أقر به بعد الحجر من دين لم
يلزمه في رقبته ويلزمه فيما بيده من المتاع. فإن كان عليه دين قبل الحجر
فأولئك أولي ممن أقر له بعد الحجر، وكذلك إن مات مولاه ولم يحجر عليه.
[9/ 332]
__________
(1) 1) العقر: الجرح.
(2) في الأصل، فأفضاها.
(9/332)
وقال ابن القاسم عن مالك: لا يحجر عليه إلا
عند السلطان فيكون هو الذي يوقفه للناس ويسمع به في محله ويشهد على ذلك
ويأمر أن يطاف به حتي يعلم ذلك ثم لا يلزم مبايعته كالحجر.
قال محمد وفرق غيرنا بين حجر سيده عليه في سوقة وفي غير سوقة ولا فرق بين
ذلك. وقالوا: إن أقر بعد الحجر لزمه فيما في يديه ولا يلزمه في رقبته. وهذا
كما قالوا وتأييدا لقولنا أن الدين لا يلزم رقبة المأذون ثم نقضوا هذا
فقالوا إن حجر عليه السيد ثم أخذ / ما بيده من المتاع فإقراره بعد ذلك باطل
ولا فرق بين كونه بيد 137/والعبد أو بيد السيد، ولو جاز هذا لم يئأ سيده أن
يبطل ديون المأذون إلا فعل بأن يحجر عليه ويقبض ما في يديه. وإذا باع الرجل
عبده المأذون ولا يدن عليه معلوم وترك متاعا في يدي مولاه ثم أقر بدين أو
بمتاع بعينه أوب بوديعة بعينها أو بعارية فذلك مقبول ولو رد على بائعة بعيب
جاز إقراره، وكذلك لو وهبه سيده فقبضه الموهوب ثم أقر بدين فإقراره جائز
يرجع إلي مولاه. وقال غيرنا: لايجوز إقراره؟ ولو رجع إلي مولاه بوراثة قم
أقر فإقراره جائز ولا يجيزه غيرنا. وقالوا: فإن أذن له في التجارة ثانية ثم
أقر بدين من التجارة الأولي أن ذلك يلزم رقبته ولا يصدق على المتاع الذي
كان في يد مولاه فيقال لهم المال الذي لم يختلف فيه أن دين المأذون فيه
أولي من رقته الذي قد اختلف في لحوق الدين بها.
قال: والمدبر وأم الولد إذا أذن لهما في التجارة فلهما حكم العبد المأذون،
وكذلك إذا أذن العبد المأذون لعبده في التجارة بإذن سيده. وإقرار المأذون
له بالشركة في الشئ الحاضر وفي التجارة الكبيرة جائز.
وإقراره بشركة المفاوضة جائز فيما في يدية كله. ومفاوضته للحر والعبد جائزة
والعبد الذمي التاجر ومولاه مسلم أو ذمي أو حر في مستأمن أو حر مسلم أو عبد
فذلك سواء.
[9/ 333]
(9/333)
وكذلك إن كان مولاه مرتدا أذن له في اسلامه
فإقراره / جائز ما لم يحجر 137/ظ
عليه وعلى مولاه السلطان في قول ابن القاسم.
وقال سحنون: هو بالردة محجور عليه دون حجر السلطان ولا يجوز إذنه له في
الردة وإقراره في ردة مولاه كإقرار المحجور عليه وإقرار المأذون جائز وإن
كان مولاه صبيا أذن له أبوه أو وصيه ولا يجوز إذن غيرهما من جد وغيره.
وكذلك الأمة التاجرة فيما وصفنا وإن ولدت ولدا فلا يكون ولدها تاجرا إلا أن
يأذن له مولاه كان عليها دين أو لم يكن، والعبد والمحجور عليه يحد في
إقراره بالزني ويقطع في اقراره بالسرقة ولا يغرم السرقة ولو كانت قائمة كان
سيده أولا وكذلك الأمة ومن فيه بقية رق.
وأما المأذون فليغرم بالسرقة إن كانت قائمة إن أقر بها وإن استهلكها وله
مال فالقيمة في ماله. وإن كان لا مال له لم يتبع بها.
وإن أقر بدن عمد فليقتص منه كان مأذونا أو غيره وإن كان للدم وليان فعفا
أحدهما فلا شئ للآخر في رقبته ولا في ماله.
وإن أقر العبد المحجور عليه بسرقة لا قطع فيها لم يجز ذلك عليه في إجماعنا.
لو كان مأذونا لزمه غرمها في إجماعنا. قال غيرنا: كان تاجرا أو يؤدي الغلة
أو مكائبا فذلك عليه، وقولنا أن ذلك يلزم المكائب ولا يلز عن ال غلة
كالمحجور عليه ويلزمه إقراره بالنكاح ويخير سيده في إجازته أو فسخة وإن أقر
بجنابة على حر دون النفس لم يجز فالمأذون وغيره في ذلك سواء وإقرار المكائب
بجناية الخطأ لا يلزمه وإذا أقر العبد بدم / عمد فعفا بعض الأوليا فلاي لزم
الإقرار لأنه صار إلي مال. 138/و
ولو حكم الحاكم عليه بالعمد ثم عفا بعضهم لم يقبل إقراره وبطل القود، ويجوز
إقرار العبد ومن فيه بقية رق عليه بالطلاق وبأن زوجته أخت رضاعة وبأنها
ارتدت وهي تنكر.
وغذا أقر مكائب أو عبد بجرح فيه قصاص فعفا المجروح ليرجع ذلك إلي مال يفدي
به أو يسلمه السيد فلا يجوز إقراره.
[9/ 334]
(9/334)
قال أحمد بن ميسر: إذا أقر العبد المحجور
عليه بشئ لرجل لم يجز إقراره وإن أقر له بدين فإن أسقطة عنه السيد سقط ولم
يلزمه إن عتق وإن لم يسقطة حتى عتق أتبع به وكذلك اللقطة يقر أنه أتلفها
بعد السنة فأما إن أقر أنه أتلفها قبل السنة فلا تلزمه وإن عتق لأنه إنما
أقر بشئ في رقبته وإن كان بعد سنة ففي ذمته.
في اقرار المكائب أو العبد بين الرجلين
وذكر الإقرار للمكائب أو العبد
من كتاب سحنون ونحوه في كتاب ابن المواز: وإذا أقر المكائب بدين عليه أو
ببيع أو بشراء أو بوديعة أو عارية في يديه أو بدار بكذا فذلك كله جائز أقر
لحر أو لعبد أو مسلم أو كافر.
وكذلك لو أحاط الدين الذي أقر له به بما في يديه فإن عجز بقي في ذمته في
إجماعنا وهذا يدل أن دين العبد لا يعدو ذمته. وقال محمد بن عبد الحكم مثله
في إقرار بالدين أو مباعية أو اجارة وشبهه.
/ وقال: فإن أقر بوديعة لرجل لم يحكم بها عليه إلا أن يعتق وهي بيده 138/ظ
فإن تلفت قبل أن يعتق فلا شئ عليه.
قال: ولا يلزمه اقراره بالعرية الا أن يعتق فيأخذ ذلك من أقر له به وإن عجز
ذلك سيده، ولا يجوز اقراره في غصب ولا جناية لا تلزمه في بدنه، ولا يلزمه
اقراره في شئ في يديه أنه غصبه ويلزمه اقراره بالحدود ويحد حد عبد ما بقي
عليه من الكتابة شئ.
قال ابن المواز: اقرار المكاتب لازم في البيع والشراء وكل ما لزم المأذون،
ولا يجوز اقراره بالغصب ولا بما يلزم رقبته ولا يلزمه أيضا إن عجز أو عتق
لأن ذلك لو ثبت كان في رقبته.
[9/ 335]
(9/335)
ومن كتاب ابن سحنون ونحوه في كتاب ابن
المواز: واقرار المكاتب لسيده بدين أو وديعة أو عاية في يديه جائز ويجوز
اقراره باإجارة وبكل ما يلزم المأذون، ولا يجوز اقراره بغصب الأموال ولا
بما يلزم رقبته ولا يتبع بذلك إن عجز.
قال سحنون: ويقبل اقراره بجناية فيها قصاص في اجماعنا، وقال أصحابنا لا
يجوز اقراره بجنايات الخطأ أو بأنه افتض امرأة بأصبعة ولا يلزمه ذلك في
ذمته ولا في رقبته.
وقال ابن عبد الحكم: وإن أقر أنه تزوج امرأة لم يلزمه نكاح ولا صدق إذا لم
يجز له سيده.
وقال النعمان: إن أقر أنه افتض حرة أو أمة بأصبعة لزمه ذلك دين في رقبته
فإن قضي عليه القاضي بذلك فودي بعضه ثم عجز بطل عنه ما بقي.
قال ابن عبد الحكم / فإن لزمه الدين فلم فسخ عنه الباقي؟ وإن كان 139/و
لا يلزمه فلم حكم عليه به؟
وقد جامعونا أن دينة من بيع وشراء لا يسقط بعجزه فهذا يدل أن الأول لا
يلزمه ولو لزمه مثل هذا يسقطة العجز.
قال محمد: واقراره بالعيوب فيما باع يلزمه وكذلك بالإجارة والكراء وأنه
واجر من يخدمه. وكذلك في كتاب ابن سحنون.
وقال ابن سحنون كذلك إن أقر أن ولده الذي حذث في الكتابة أو اشتراه في
الكتابة بإذن سيده في قول ابن القاسم. وكذلك شراؤه بإذن سيده كل من يعتق
على المكاتب لو كان حرا فيجوز اقراره بالدين.
وقال سحنون: عبد الملك لا يدخل في الكتابة بالشراء إلا الولد، وقال أشهب عن
مالك: يدخل الولد فقط يشتريها بإذن السيد ثم يجوز اقرارهما حينئذ.
وقال غيرنا: يجوز اقرار الولد يتشريه في الكتابة وكذلك أبوية ولم يذكر إذن
السيد وأما غير هؤلاء يشتريهم فلا يجوز اقرارهم.
[9/ 336]
(9/336)
قال ابن عبد الحكم: قال السمان: وان اشتري
غيرهم من ذوي رحمة فله بيعهم ولا يجوز اقرارهم وهو يقول إن اشتراهم الحر
عتق عليه وهذه مناقضة.
قال ابن سحنون: ويجوز اقرار مكاتب المكاتب أو أمة مكاتبة أو كانت مدبرة
مكاتبة ولا تبطل كتابة المكاتب يريد سيده ولا اقراره رجوع مولاه وكذلك /
139/ظ
مكائب الحربي المستأمن والمرتد إذا كاتب عبده ثم قتل لم تجز كتابتة ولا
اقراره فيها فإن صار إلي بلد الحرب وقف ماله وهذا المكاتب فإن رجع إلي
الإصلام جازت الكتابة وإن قتل بطلت وإن أسلم قبل أن يلحق بدار الحرب جازت
الكتابة ولزم اقراره فيها.
قال ابن سحنون وابن عبد الحكم: واقرار الحر للمكاتب أو لعبد مأذون أو غير
مأذون يلزمه.
قال ابن عبد الحكم: وللسيد خصومته لغير المأذون وأخذ ما أقر له به ولا يأخذ
ما أقر به للمكاتب ولا للمأذون.
وقال أصحاب أبي حنيفة ليس للسيد طلب ما أقر به لغير المأذون حتي يحضر
العبد، وهذا يدل أن المالك للعبد لا للسيد وحكي نحوه سحنون.
قال ابن عبد الحكم: ومنأقر أنه غصب من عبد فلان شيئا والعبد حاضر مأذون أو
غير مأذون فليرده إليه وإن طلب السيد قبضته دفع إلي العبد وقيل للسيد خذه
منه إن شئت.
وإن غاب العبد وليس بمأذون أخذه السيد وإن كان مأدونا لم يأخذه ونظر فيه
القاضي
قال سحنون: وإقرار الحر للمكاتب أو للعبد بوديعة أو عارية جائز كان العبد
مأذونا أو غير مأذون، وإن غاب العبد فلمولاه أخذ ذلك المال من المقر، وفي
قول غيرنا لا ياخذه حتي يحضر العبد.
قال ابن القاسم: وللسيد أخذ وديعة عبده الغائب كان مأذونا أو غير مأذون.
[9/ 337]
(9/337)
قال سحنون: وكذلك إقرار الحر / للأمة
وإقرار الذمي للعبد التاجر جائز 140/و
غاب مولاه أو حضر.
وإن أقر العبد للحر بوديعة فأقر العبد بها لغيره فإن كان مأذونا جاز إقراره
وإن كان غير مأذون بطل إقراره ولمولاه أخذها حضر العبد أو غاب.
ومن أقر لعبد تاجر بدين بين رجلين فذلك جائز ولا يكون مأذونا بإذن أحدهما
له في التجارة والإقرار له جائز وهو مال له حتي ينزعه الموليان، وإذن له
أحدهما فهو كالمحجور عليه لا يجوز إقراره بالديون.
في اقرار الأجير
من كتاب ابن سحنون: وإذا قال الأجير إن ما في يدي من قليل أو كثير من تجارة
أو متاع أو مال عين أو دين لفلان وأنا فيه أجير فذلك يلزمه في كل ما في
يديه يومئذ لا حق للأجير فيه إلا طعامه وكسوته وما سوي ذلك فللمقر له فإن
لم يعرف ما كان في يديه يوم أقر فالقول المقر له في جميع ما يوجد في يد
الأجير.
وإن قال في شئ أصبت هذا بعد اقراري فهو لي لم يصدق إلا ببينة أنه أصابة بعد
اقراره.
وقال اشهب: القول قول الأجير مع يمينة، وقاله أهل العراق.
قال: ولو أقر أن ذلك الشئ كان في يديه يوم أقر فهو للأستاذ ولا يصدق الأجير
عليه في إجماعنا.
وإن أقر أن ما في يديه من تجارة كذا فلفلان لزمه ذلك كما قال وما كان من
غيرها فلا يكون لفلان وما كان بيده من تلك التجارة فقال أخذته بعد اقراري
فإنه لفلان دونه / حتي يقيم بينة أنه أفاده بعد اقراره، وفي قول غيرنا:
القول قوله 140/ظ
مع يمينة.
[9/ 338]
(9/338)
ولو قال: كان في يدي يوم الإقرار ولم يدخل
في اقراره لم يصدق في اجماعنا ولو قال: لم يكن يومئذ في يدي فقامت بينة أنه
كان في يدية فهو للأستاذ في اجماعنا.
وإن قال: إن ما في يدي من تجارة أو مال فلفلان وبيده عين وصكوك بدين فذلك
كله لفلان في اجماعنا، وما كان من صك أخذ به بعد ذلك فقال هو مالي وهب لي
أو ورثته كلف البينة. والقول قول المقر له.
وقال غيرنا: المقر مصدق مع يمينة وإن قال ما في يدي من الحنطة لفلان فهو له
كما قال. فإن قال في حنطة في ديي أفدتها بعد اقراري لم يصدق.
وقال أشهب وأهل العراق: ويصدق مع يمينة وإن قال ما في يديه من الطعام لفلان
وبيده حنطة وشعير وسمسم وتمر ثم جحد وثبتت عليه البينة باقراره وإن ذلك في
يديه فإن نستحسن ألا يكون لفلان إلا الحنطة والشعير. ولو قال قائل: يدخل
فيه التمر ما عتق إلا أن يكون البلد طعامهم التمر فيكون للمقر له.
وقال غيرنا: لا يدخل في ذلك إلا الحنطة وما سواها فللأجير ويحلف
قالوا: ألا تراه لو أمره يشتري له طعاما فاشتري له تمرا أو سمسما أو شعير
لضمن
قال ابن سحنون: لا حجة بهذا إنما ينظر إلي ناحية الأمر وطعامه وما يشبه أكل
مثله فلا يضمن ما اشتري له من ذلك، ولو كان ممن أكله الشعير / فاشتري 141/و
له القمح وينظر أيضا إلي الغالب من أكل البلد، فإن كان التمر ضمن في قولنا
بشرائة لغيرة وإن أقر بذلك وفي يديه تمر وشعير وسمسم فالشعير للمقر له دون
السمسم وإن كان البلد جل عيشهم غير التمر استحببت ألا أجعل له التمر بعد
يمين المقر. وإن كان عيشهم التمر كان له التمر.
ولو قال قائل: ما يدخل التمر في اقراره في كل بلد لم أعب ذلك. قال غيرنا:
لا شئ له من التمر والشعير والسمسم. وأخبرنى محمد بن يسار عن سحنون بن سعيد
فيمن حلف لا أكلت طعاما وقد أكل بقلا فإن كان ليس بعيشه ولا عيش البلد لم
يحنث ورواه عن ابن القاسم.
[9/ 339]
(9/339)
في اقرار الذمي أو الحبي المستأمن
والإقرار له والتداعي في ذلك
من كتاب ابن سحنون: وما أقر به الذمي لمسلم من دين أو غصب أو وديعة أو
عارية فذلك يلزمه.
وما أقر له به من جراحات خطأ أو عمد فهو مأخوذ بذلك، وإن أقر بذلك لذمي لم
أعرض له إلا أن يتراضيا بالتحكام إلينا. وما أقر من نكاح أو طلاق أو عتاق
لم أعرض له فيه.
وإن أقر أنه استهلك خنزيرا لمسلم كان نصرانيا وقال استهلكته له بعد إسلامه
وقال الآخر بل قبل إسلامي فإنه يضمن له في إجماعنا.
ولو أقر ذمي أني استهلكت خمر الذمي وأنا حربي وقال الآخر بل بعد الذمة
فالقول قوله ويأخذ بذلك وكذلك / الخنزير، وكذلك لو قال الذمي لذمي كان
141/ظ
حربيا استهلكت لك الخمر وأنت حربي وكذبه الآخر فهو ضامن في إجماعنا.
وإذا أقر الحربي المستأمن في دار الإسلام بدين لمسلم لزمه ذلك فإن قال
داينته بدار الحرب وقال المسلم بل بدار الإسلام فالدين يلزمه في إجماعنا.
وكذلك لو فصل كلامه فهو سواء وكذلك القبض والغصب والبيع وإقراره لمسلم أو
لذمي أو حربي مستأمن سواء. أو أقر لعبد مأذون أو لمكاتب بكل ما أقر به ما
في يده من دار أو عبد أو ثوب أو حيوان أو غيره فذلك يلزمه.
وإن قال: غصبتك هذا الثوب بدار الحرب وقال ربه بل بدار الإسلام فرب الثوب
أحق به وكذلك في الدين لا ينفع قوله داينته بدار الحرب وما أقر به من نكاح
أو طلاق أو مكاتبة لم أعرض له فيه وكذلك بنكاح مستأمن إلا أن يتحاكما إلينا
بالتراضي ولا أعرض له في إقراره بالزني وأرده إلي أهل دينة.
وإن أقر بسرقة في أرض الإسلام قطعته سرقها لمسلم أو لذمي وإن أقر بقذف مسلم
حد به.
[9/ 340]
(9/340)
وإن أقر لمسلم بدين أو وديعة أو عارية فذلك
موقوف، فإن أسلم لزمة ذلك وإن قتل لم يجز إقراره في شئ من هذا وكذلك
المرتد.
وقال محمد بن عبد الحكم: إقراره جائز ما لم يوقفه السلطان فإذا أوقفة ثم
أقر فإقراره موقوف.
فإن فعل بطل ذلك ولزمه ما أقر به قبل الإيقاف، وإن أسلم لزمه ذلك كله، ولو
أقر قبل الإيقاف بنكاح لم يلزمه لأن / نكاحه لا يجوز وإن كان ببينة. 142/و
قال ابن سحنون: وإذا أقر له مسلم بشئ أخذ به وإن أقر المرتد أنه كائب عبده
أو أعتقه فذلك موقوف فإن قتل بطل ذلك وإن أسلم لزمه. وكذلك إقراره بالنكاح.
وإن أقرت المرتده بقذف أو سرقة أو زني فإن عادت إلي الإسلام حدت للقذف وقطع
يدها للسرقة ولا حد عليها للزني لأنه يوضع عنها بالإسلام وإن تمادت على
الردة حدت للقذف ثم قتلت ثم القتل يأتي على باقي الحدود وإن أسلمت ضمنت
المال الذي أقرت بسرقته مع الحد وتضمن إن تمادي بسيرها إلي يوم القطع وكذلك
المرتد.
لو قال: إنما اردتدت بعد الغنيمة فالقول قوله حتي تأتي بينة بخلاف ذلك.
ولو تزوج امرأة وقد شهد عليه بالردة فقال تزوجها في الردة وقالت بعد أن رجع
إلي الإسلام فالقول قولها قياسا على القول إن مدعي الحلال أولا يفسخ النكاح
لإقراره بفساده وعليه نصف الصداق المسمي لأنا لم نقبل قوله في إيصال
الصداق.
[9/ 341]
(9/341)
ولو اوقفة السلطان وأوقف ماله فثبتت بينة
أنه باع سلعة أو اشتراها فقال هو كان ذلك في الردة أو قبلها وادعي بائعة
خلاف ذلك فلا يلزم البيع إن قتل / أو 142/ظ
مات مرتدا.
وإذا ارتد وقد طلق ثم راجع الإسلام وقد قمت بينة برجعته فقال هو ارتجعت في
الردة أو بعد الرجوع إلي الإسلام وخالفته المرأة فذلك سواء ولا رجعة له
والردة تفسخ النكاح فكيف تكون له الرجعة.
ومن هذا باب في كتاب المرتدين وأحكامهم مستوعب.
فيمن قال أقررت لك أو جنيت عليك
وأنا صبي أو مجنون أو إذا كنت عبدا
أو قبل أن أسلم وأنا حربي
أو قال: جنيت عليك أو قذفتك وأنا عبد أو أنت حربي
وقال الآخر بعد العتق أو الإسلام
أو قال قطعت يمينك ويميني باقية
وقال الآخر بعد أن قطعت
ونحو هذا من التداعي في حالين مختلفين
من كتاب ابن سحنون: وإذا أقر رجل لرجل فقال أقررت لك بألف درهم وأنا صبي.
قال ابن المواز: أو بدارى هذه وأنا صبي وقال الطالب بل أقررت لي بذلك وأنت
رجل فالقول قول المقر مع يمينه ولا شئ عليه.
وقال سحنون: هذا قول ابن القاسم وأهل العراق، وكذلك إن قال أقررت لك بذلك
في نومي أوقال قبل أن أخلق فذلك عندهم باطل لأنه نسبه إلي حال لا يثبت فيه
إقرار
وقال سحنون: يلزمه الإقرار في ذلك كله ويعد كالنادم وكأنة قال أقررت لك
وكنت في اقراري كاذبا فلا خلاف أن هذا يلزمه، وإن قال قد أقررت لك
[9/ 342]
(9/342)
بذلك وانا ذاهب العقل من برسام (1) أو لمم
(2) أو كنت / سفيها أو مولي علي 143/و
فقد قال العلماء من أهل المدينة وأهل العراق إن علم أن ذلك كان أصابة كان
ذلك باطلا وإن لم يعلم أنه أصابه فهو ضامن للمال وكذلك في كتاب ابن المواز.
قال سحنون: فلما نسب الإقرار إلي وقت جنون لا يعرف لزمة عند جميعهم ويعد
كالنادم، وكذلك قوله قبل أن أخلق فهو ندم.
ولو قال اخذت منك ألف درهم بغير طوعك وأنا صبي او وأنا ذاهب العقل وقد كان
يعرف أن ذلك أصابة فهو ضامن المال بخلاف الإقرار وهذا أشبه.
قال ابن المواز ومحمد بن عبد الحكم: ولو قامت عليه بينة بفعله ذلك في الصبا
للزمة.
ولو أقر في الصبا أنه فعل ذلك لم يلزمه بإقراره وهو كبير أن قد يستهلك وهو
صغير كالبينة.
وإن قال: أقررت لك بكذا وأنا ذاهب العقل فإن علم أن ذلك أصابه فلا شئ عليه
وغن لم يبه لزمه. وقد قيل إن وصل كلامه لم يلزمه شئ. وقاله ابن المواز.
وقال ابن عبدالحكم: ولو سمعت منه بينة إقراره بذلك وهو مريض مغمور تارة
يضيق فقال أقررت بذلك وأنا في غمرة الحمي أهذي لقبل ذلك منه.
وإن قامت بينة أنه قذف أو سرق وهو ممن يذهب عقله ويرجع وقالوا وما ندري فعل
ذلك وهو يعقل أم لا فلا حد عليه في قذف ولا سرقة. وقاله أشهب في السرقة
ويحلف ما فعل ذلك وهو يعقل.
قال ابن عبد الحكم / وإن قال المريض طلقت امرأتى في مرضي هذا وأنا 143/ظ
أهذي من غمرة الحمي أو كان (3) فقال كنت لا أعقل فإذا كان له سبب
[9/ 343]
__________
(1) البرسام هنا: مرض يفقد معه الإنسان القدرة على التمييز.
(2) اللمم: جنون خفيف يعتري الإنسان.
(3) كلمة في الصل غير واضحة تركنا مكانها بياضا.
(9/343)
من مرض ونحوه مما يمكن ذلك فيه فهو مصدق أن
ذلك كان في غمرته أو وهو لا يعقل. فإن لم يكن له سبب يعرف فلا يصدق.
وأما من قال كنت أهذي فقلت امرأتى طالق أو غلامي حر ولا يعرف أصدق أن كذب
فليحمل من ذلك ما يحمل ويقبل منه.
وكذلك لو قال لقيني لصوص فهددونى بالقتل فحلفت فهو مصدق
قال محمد بن عبد الحكم: وإن قال أقررت لك بألف درهم وأنا صبي فقال الآخر بل
وأنت بالغ مرشد فالقول قول المقر، وكذلك لو كان محجورا عليه ثم زال عنه
الحجر فقال أقررت لك في الحجر فهو مصدق مع يمينة.
وفي باب الإقرار في الطلاق ذكر من قال طلقتك وأنا صبي أو مجنون. وكذلك في
باب العتق وفي باب الإقرار بالنكاح قوله تزوجتك وأنا نائم أو قبل أن أولد.
قال محمد بن عبد الحكم: وإن قال أقررت لك وأنا عبد وهو الان حر فالقول قوله
مع يمينه كما لو أقر مريض ثم قال أقررت ولم اكن عاقلا وقد كان تصيبه غمرة
الحمي قال فالقول قوله مع يمينه. وقد اختلف في هذا قال ابن الحكم.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا أقر الحر لرجل أني قد أقررت لك بكذا وأنا عبد وقد
كان عتق / فذلك يلزمه في اجماعهم بخلاف قوله وأنا صبي. 144/و
وكذلك حربي أسلم ثم أقر أنه أقر في دار الحرب لفلان بكذا في دخلة دخلها
بأمات فهذا يلزمه في اجماعهم.
وكذلك لو قال دخل علينا فلان بأمان فأقررت له بألف درهم فهذا يلزمه لأمنه
أقر بذلك وهو ممن يجوز إقراره.
ولو قال اقررت لك وأنا بدار الحرب وهو الآن بدار الإسلام فهذا يلزمه.
وكذلك المسلم يقر أنه كان أقر لفلان بكذا وهو حربي فذلك يلزمه.
[9/ 344]
(9/344)
وإذا قال: أقررت لك بكذا فذلك يلزمه إن
اعتق وقال الطالب بل يعد عتقك فإن المال يلزمه ويكون المال للعبد دون سيده.
وقد قال أيضا: القول قول المقر للسيد دون عبده إذا أعتق ويتبعهما له إن لم
يستثنه سيده وإن أقر وهو مسلم وقد كان مشركا محاربا أنه أخذ في حربه من
فلان ألف درهم وقال فلان بل أخذتها مني بعد إسلامك فالحربي يصدق في قول ابن
القاسم، وأما في قول سحنون وهو قول أهل العراق فإن الحربي لها ضامن ولا
يصدق لأنه أقر بالتعدي وادعي ما يزيل عنه الضمان، ألا تري لو فقأ رجل عين
رجل اليمني وعين الفاقي اليمني قد ذهبت فقال المفقوءة عينه فقأت عينى وعينك
ذاهبة وقال الفاقي بل قبل أن تذهب فالقول قول المفقوءة عينه والفاقي ضامن
لأرش العين وكذلك الجراحات وغيرها في قول سحنون لأنه / وقعت الإقرار 144/ ظ
لا عين له فهو يدعي طرح الدية.
وفي قول ابن القاسم: القول قول الفاقئ ولا شئ عليه.
قال سحنون: ولو قال المسلم قد كنت أخذت من هذا الحربي مائة دينار في الحرب
وقال هو أخذتها مني بعد الإسلام فالقول قول المسلم في قول ابن القاسم، وفي
قول ابن سحنون وأهل العراق: ولو أن المسلم أخذ من الحربي عرضا أو عبدا فقال
أخذته منك في الحرب فلا يصدق والحربي مصدق في أنه إنما أخذه منه بعد اسلامه
لأن المسلم أقر أنه ملك الحربي ثم ادعي زوال ملكة عنه إليه بأمر يجوز فهو
المدعي كما لو قال سبيت ابنك في الحرب فلا يصدق في هذا إلا أن يأذن المسلم
وهو موثوق في يديه فيقول اشتريته والابن معروف أنه كان حربيا فيصدق عليه
المسلم.
قال محمد بن عبد الحكم: ومن أسلم من أهل الحرب ثم أقر أنه أخذ من رجل مالا
أو جرحة جرحا أو غار على قرية فقتل وسبي وأخذ المال فقال المقرن له بل
فعلته بعد اسلامه فالقول قول المقر مع يمينه. لأنه حال كان بها وكذلك لو
قال قتلت في تلك الحال لم ألزمة شيئا وهو كالصبي يقر أنه فعل ذلك في صباه
وكذلك خارجي رجع إلي الجماعة فقال إنما فعلت ذلك قبل رجوعى إلي الجماعة
[9/ 345]
(9/345)
وقال المدعي بل بعد ان رجعت فالخارجي مصدق
مع يمينة، وكذلك حربي يغير عل المسلمين أو لم يغر على / الرفاق فتاب فأتي
إلي الإمام تائبا فقامت البينة أنه 145/وأغار على أحد ولم يوقت متي ذلك
فقال كان ذلك قبل أن أتوب فلا يقام عليه حد الحرابة حتي تؤقت البينة أنه
فعله بعد أن تاب.
وكذلك المريض بهذي فقال أقررت وأنا لا أعقل وقال الطالب بل وأنت تعقل
فالمريض مصدق مع يمينة.
وإن قال أقررت لك في وقت لا أدري أكنت حينئذ صبيا أو بالغا لم يلزمه بذلك
الإقرار شئ لأنه لم ينسبه إلي وقت يلزمه ولا ألزمه إياه بالشك.
قال أبو محمد: الذي أعرف من أصولهم أن من لم يكذب المدي عليه فإن المدعي
يحلف ويقبل قوله وهذا قد قال خصمة أقررت لي وأنت رجل فلم يدفع ذلك بتكذيب
له.
قال محمد بن عبد الحكم: ولو قال عبد قد عتق لرجل حر قذفتك وأنا رقيق فقال
الرجل بل وأنت معتق فالرجل مدع وليس على القاذف إلا حد العبد أربعين جلده.
وقال المقذوف بل وأنا حر فالقول قول المقذوف.
قال ابن بعد الحكم: ولو قال من أسلم من الحربين لرجل قذفتك قبل أن أسلم
وقال الرجل بل بعد غسلامك. فهو مدع، ولو كتب رجل على رجل براءة من كل حق له
قبله ثم قال كانت لك على خمسون دينارا قبل تاريخ البراءة فدخلت في البراءة
وقال الآخر بل هي بعد البراءة فهو المدعي والمطلوب برئ مع يمينة.
قال / ابن المواز وابن عبد الحكم: ومن قال لعبد: دفعت إلي مائة دينار 145/ظ
وأنت في ملك زيد وقد كان يعرف أن زيدا ملكه وهو الآن لمحمد فقال العبد:
دفعها إليك وأنا في ملك محمد فالقول قول الذي المال في يديه وهو المقر. قال
ابن عبد الحكم مع يمينه. قال ابن المواز: كان المقر عدلا أو غير عدل ولو
كانت المائة بيد العبد فقال العبد هي لزيد أو قال هي لي ملكتهاوأنا في ملك
زيد. وقال محمد بل ملكتها وأنت في ملكي صدق محمد وعليه اليمين لزيد إذا طلب
ذلك زيد.
[9/ 346]
(9/346)
ومن كتاب ابن سحنون: ومن أعتق عبدا ثم أقر
أنه أخذ منه ألف درهم قبل أن يعتق وقال العبد بل بعد أن أعتقنى فالقول قول
العبد ويرد إليه ما قبض منه. وكذلك لو قال: قطعت يدك قبل أن أعتقك وقال
العبد بل بعد العتق فعليه دية حر.
وقال ابن بعد الحكم: القول قول القاطع، وكذلك في كتاب ابن ميسر: القول قول
السيد مع يمينه فإن نكل حلف العبد وكانت له دية حر وإن حلف برئ إلا أن
يتيبين كذبه مقل أن يكون جرحا طريا والعتق قديم فيقض منه في عمده.
قال اسن سحنون: ومن أعتق أمته ثم قال أخذت منك هذا الولد قبل أن أعتقك
وقالت هي بل بعد أن أعتقني فإن كانا ولدته قبل العتق فالقول قول السيد، وإن
ولدته بعد العتق فالولد عتيق، وإن قالت: ولدته بعد العتق وقال السيد قبل
العتق فإن كان في حوز السيد / فالقول قول السيد وإن كان في 146/و
حوز الأمة فالقول قول الأمة. وكذلك إن قال: أعتقك بعد أن ولدته وقالت هي
قبل أن ألده فالقول قول من في يديه الولد.
وإن قال: أخذت منك الغلة قبل أن أعتقك كل شهر خمسة دراهم وقالت هي: أخذتها
بعد العتق فالقول قول السيد ويحلف.
وإن قال: جامعتك قبل أن أعتقك وقالت هي بل بعد أن أعتقني جامعتنى غصبا
فالقول قول السيد. وإن كان ممن لا يشار إليه بذلك حددت له.
ومن أسلم من أهل الحرب فقال له رجل غصبتك ألف درهم وأنت في دار الحرب وقال
هو بل في دار الإسلام بعد أن اسلمت فالغاصب ضامن وكذلك الجراحات مايصدق به
المقر في تقادمها وحداثة إسلامه مما لا يمكن أن يكون بعد اسلامه في قول
سحنون.
وإذا قال: سبيت ابن هذا من دار الحرب وهو صبي وقال الحربي الذي أسلم بل
غصبته في دار الاسلام فإن كان الابن في وثاق المسلم وحوزه فالقول قوله وإن
كان في حيازة الأب فالقول قول الأب.
[9/ 347]
(9/347)
وإذا أقرالرجل لعبد قد أعتق أنه أخذ منه
ألفا وهو عبد لفلان وقال العبد بل أخذتها مني بعد العتق فالقول قول العبد.
وإن قال: أخذت من هذا المكائب ألف درهم قبل أن يكائب وقال المكائب بل بعد
الكتابة فالقول قول المكائب والمال له دون مولاه.
ومن باع عبدا من رجل فأقر رجل آخر أنه غصب / من هذا العبد مائة 146/ظ
درهم قبل أن تبيعه وقال مبتاعه بل غصبتها منه وهو عبدي فالمائة لمولاه
الآخر دون الأول وكذلك الجراحات إلا أن يكون الابن يصدقه فيما قال.
ومن عرف بالرق ثم عتق قم قال قتلت فلانا خطأ أو عمدا وأنا عبد وقال ورثة
المقتول بل قتلة بعد أن عتق أنه لا شئ على العبد في هذا وهو مصدق، قاله ابن
القاسم، واهل العراق قالوا لأنه أقر على مولاه. وقا سحنون: والقول قول ورثة
المقتول والمقر مأخوذ بإقراره.
قال ابن سحنون: قبل لأهل العراق فلم لم تنظروا إلي الإقرار في وقته كما
نظرتم إلي اقرار الذي قال فقأت عينك وأنا بصير فقلتم القول قول المفقوءة
عينه؟
ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: وإذا أقر من أسلم من الحربيين فقال أقررت
لفلان بمائة وأنا مستأمن فالمائة تلزمه لآنه أقر في حال يلزمه الإقرار.
وكذلك لو قال: دخل علينا فلان فأقررت له بدار الحرب أو أقررت له بدار الحرب
وهو بدار الإسلام فذلك يلزمه، ولو قال مسلم أقررت لحربي وهة بدار الحرب
لزمه ذلك.
ولو قال الحربي بعد إسلامة أخذت منك كذا وأنا حربي وقال الآخر أخذته مني
بعد إسلامك فلا ضمان على الذي أسلم.
وإذا قال مسلم: أخذت من هذا الذي كان حربيا بدار الحرب في الحرب مائة دينار
وقال الآخر أخذته مني بعد أن أسلمت لم يكن عليه شئ.
ولو أن الساعي بيده / شاه فقال لرجل أخدتها منك في صدقتك وقال ربها 147/و
[9/ 248]
(9/348)
بل غيرها أخذت وهذه لي فالقول الساعي ولو
كانتا شاتين فقال أخذتها منك في الصدقه وقال المؤدي أخذت مني واحدة وأخري
لم تجب علي فالقول قول المؤدي مع يمينه.
وإذا أسلم أهل مصر أو دخلو علينا بأمان ولهم في يدي أهل الإسلام رقيق
وأموال وأولاد فقالوا أخذتم ذلك من بعد الأمان وقال من ذلك بيده أخذناه قبل
الأمان وكان يعرف أنهم يعدونهم يسبون ويغنمون فأما الأموال كلها فهي لمن هي
بيدها وأما الرقيق فإن خيروا بالرق فهم لمن هم بيده، وإن أنكر الرقيق أن
يكونوا كانوا في ايديهم برق ولا بينة على ذلك فهم أحرار لأنه لم يصح عليهم
حوز برق.
وكذلك إن قالوا لم يحزنا (1) برق ولم يقم على ذلك بينة وقالوا غصبتمونا
أنفسنا ونحن أحرار قال وسواء كان ذلك المال قائما أو مستهلكا وكذلك الحيوان
والنساء والرجال
قال: وإن كان بأيديهم صبيان لا يعرفون عن أنفسهم فادعي (2) آباؤهم انهم
أخذوا بعد الأمان وقال من هم بأيديهم بل قبل الأمان وقد عرف أنهم يحاربون
يغيرون ويغار عليهم ثم أسلموا ودخلوا بأمان فأراهم رقيقا لمن هم بأيديهم.
وإذا أسلم قوم من اهل الحرب ووجد في ايديهم رقيق للمسلمين وأموال فقالوا
اسلمنا عليهم وهو في ايدينا وقال أربابهم بل / أخذتم ذلك بعد دخولكم 147/ظ
مسلمين إلي دار الإسلام فإذا لم أقبل قول أهل الحصن إذا أسلموا فيما
بأيديهم لزمني أن أقول إذا ادعوا أموالا ورقيقا منهم في أيدي أهل الإسلام
فقالوا أخذوا منا بعد أن صرنا في الإسلام أن أكلف أهل الإسلام على ذلك
البينة.
ومن بيده عبد أقطع فقال قطعة فلان والعبد في ملكي وقال القاطع قطعته وهو في
ملك غيرك وهو معلوم أنه كان لغيره فالقول قول القاطع مع يمينه فإن نكل غرم
قيمة القطع للأول والثاني يغرم للواحد بالنكول وللآخر بالإقرار.
[9/ 349]
__________
(1) في الأصل، لم يجوزنا.
(2) في الأصل، فادعو آبائهم.
(9/349)
وقال ابن سحنون: وإن قال المشتري قطعته وهو
في ملكي وقال القاطع بل في ملك من باعه منك فالأرش للمشتري والقول قوله.
قال ابن عبد الحكم: وإذا أقر رجل أقطع اليد اليسري فقال قطعت يسري فلان قبل
أن تقطع يدي، وقال المقطوع بل بعد أن قطعت يدك فإن القاطع تلزمه الدية ولا
يبرأ مما فعل بالدغمي وقاله سحنون وقد تقدم لسحنون مثله في العين. قال ابن
عبد الحكم في موضع آخر: إن القول قول القاطع.
وكذلك لو قطعت يده فودي فادعي عليه رجل أنك قطعت يدي بعد ذلك وقال هو قبل
فالقاطع مصدق كمن كتب براءة على رجل من مائة دينار ثم قام عليه بصك فيه
عشرون دينار يقول انه من غير المائة وقال المطلوب بل هي من المائة فهو مصدق
مع يمينة حتي تقوم بينة أن ذلك بعد البراءة، وكل ما / شك فيه 148/و
فالقول قول الواهب.
وقال ابن سحنون: القول قول الموهوب، وقال: كما لو قال: قطعت يده فوهبته
وقال الأخر قطعت يده بعد الهبة.
قال ابن عبد الحكم وقال أصحاب أبي حنيغة في هذه المسألة: وقوله قطعته ثم
وهبته أن القول قول الواهب، وقالوا في الأول إن القول قول الموهوب والقاطع
ضامن، وهذا خلاف قول النبي.
قال ابن المواز: وكذلك في الصدقة قال ابن عبد الحكم: وكذلك لو قطعه أجنبي
مقر بالقطع فقال سيده قطعه قبل أن أتصدق به على فلان وقال فلان بل بعد أن
قبضته بالصدقة منك، وكذلك لو باعه فقال البائع قطعته قبل أن أبيعه منك،
وقال المبتاع بل بعد البيع فالقول قول السيد الأول وليس للمبتاع رده عليه
وله عليه اليمين، وكذلك لو أعتقه وقال قطعت يده قبل العتق وقال العبد بل
بعد العتق
[9/ 350]
(9/350)
فالعبد مدع والسيد مصدق، ولو تداوله بيعا
بعد بيع أو ميراثا بعد ميراث ثم أقر رجل أنه قطع يده فقال واحد إن ذلك كان
في ملكه فالقاطع مصدق.
ومن كتاب أحمد بن ميسر وإذا قال البائع للعبد قطعت يده قبل البيع وقال /
المبتاع بل بعد البيع فالمبتاع مدع وله يمين البائع، فإن نكل فللمبتاع عليه
ما نقص العبد بعد يمينه ما لم يتبين كذبه مثل أن يشتريه منذ أيام يسيرة وأن
القطع قديم، ولو صدقه المبتاع أنه قطعه قبل البيع ورده عليه فإنه يعتق عليه
إن كانت الجناية عمدا وإن لم يصدقه لن يعتق.
ومن ابتاع عبدا من المغنم فقال رجل قطعت يده وهو في المغنم وقال المشتري بل
قطعته بعد شرائي له قال يحلف المشتري ويغرم لأهل الجيش ما نقصه إلا أن يأتي
من علم الجرح ما يدل على صدق المشتري فيصدق مع يمينه.
وإن قال المقر قطعته في الحرب صدق مع يمينه.
ولو أسلم نصراني فأقر رجل أنه قطع يده وهو نصراني وقال الآخر جنيت علي بعد
إسلامي فالقول قول القاطع مع يمينه فإن نكل حلف الآخر، وقبل قوله وكان له
دية مسلم، يريد في الخطأ ولو تبين كذب الجاني بطراء الجرح وقدم إسلام هذا
فالقول قول المجني عليه مع يمينه.
وفي باب الإقرار في الدماء بقية من هذه المسائل.
قال بن المواز: ومن اشترى رجلا في المغانم فقال آخر قطعت يده في الحرب وقال
مشتريه بل بعد أن اشتريته أنا فالقول قول المقر مع يمينه، وكذلك لو أسلم
نصراني فقال لرجل قطعت يده بعد أن أسلمت وقال القاطع إنما قطعتها قبل
إسلامك فالقاطع مصدق مع يمينه ويعزم له دية نصراني.
وقال أصبغ عن ابن القاسم / فيمن تزوج امرأة على أن كل امرأة يتزوجها عليها
طالق ثم ظهرت له امرأة فقال تزوجتها قبل أن أتزوج ذات الشرط وقالت هي بل
بعد تزويجي تزوجتها فالقول قول الزوج.
[9/ 351]
(9/351)
ومن حدَ في قذف فقيم عليه بقذف آخر فقال
كان ذلك قبل أن أحد وقال المقذوف بل بعد الحد فالقول قول المقذوف وكذلك قال
بن المواز ومحمد بن عبد الحكم، قال بن المواز إذا حلف أنه ما قذفه بعد الحد
الذي ضرب فيه.
فيمن أقر لرجل بمال وقال دفعه إلى آخر
قرضا أو وديعة أو أرسل به إلي
وكيف إن كان ثوبا أو عبدا
فقال أتاني به عارية
أو قال في العبد هو بن فلان
أو قال في الثوب بعثه إلي
لأخيطه أو لأقطعه ونحو هذا
ومن كتاب بن سحنون: ومن أقر فقال دفع إلى زيد هذه الألف لفلان وكلاهما
يدعيها فليحلف فلان مع شهادة المقر إن كان عدلا ويأخذها، وإن نكل أو كان
المقر غير عدل فإنها تكون للدافع، وكذلك لو قال هذه الألف لفلان دفعها إلى
فلان فإن حلف فلان مع شهادة المقر أخذها ولا شيء للدافع فإن نكل أو لم يكن
المقر عدلا فليردها إلى الدافع إلا أن يقول هذه الألف لزيد غصبه إياها عمرو
ودفعها إلي فغبت عنها وأنا أعلم أنها غصب وعمرو يجحد فعلى المقر ألف لزيد
لتعديه في قبض ماله ويلزمه ألف أخرى لعمرو/ الدافع إليه إذا أنكر الغصب
مع يمينه لزيد ولا شهادة للمقر لأنه كالغاصب. قال: إلا أن يقول غصبها عمرو
ودفعها إلي وأمرني بردها إلى زيد فيصير شاهدا ويحلف معه زيد ويستحقها.
وقال غيرنا: إن قال هذه لفلان دفعها لفلان فهي للمقر له ولا تكون للدافع،
وإن ادعاها الدافع وحلف ضمن له المستودع ألفا أخرى فيقال لهم لا يعدو قوله
هي لفلان دفعها إلى فلان أن يكون في مقام شاهد أو يكون أنه رآه غصبها لفلان
ثم دفعها إليه وهو يعلم فهو كالغاصب فهذا يضمن ألفين ويقول أقر عبدي بقبضها
منه فيكون شاهدا.
[9/ 352]
(9/352)
وإذا قال: هذه ألف لزيد أقرضنيها عمرو
وكلاهما يدعيها فإن قال غصبها منه عمرو فأقرضنيها فقد حرج نفسه فعليه ألف
لزيد وألف لعمرو فإن قال أقرضنيها من مال زيد بأمره ففيها قولان: أحدهما
أنه يغرم لكل واحد / ألفا ولا يحلف لزيد مع شهادته لأن ذلك يوجب براءته ما
أقر به لعمرو أنه أقرضه فسقطت بهذا شهادته، والقول الآخر: أنه يغرم لزيد
ألفا ولا شيء لعمرو لأنه رسول.
وأما لو قال هـ (1) ذه الألف لعمرو تسلفها من زيد فأقرضنيها أو قال أقر
عندي بذلك عمرو حين أسلفني أو قال أقر عندي أنه أسلفنيها من وديعة لزيد
عنده فإن زيدا يحلف معه في ذلك كله ويأخذ الألف ولا شيء لعمرو، فإن نكل أو
لم يكن المقر عدلا كانت / الألف لعمرو ولم يكن على المقر لزيد شيء1 (1)
لأنه شاهده.
وإذا قال: هذا العبد الذي عندي لزيد باعه من عمرو بألف درهم وادعى البائع
أنه باعه بما ذكر وادعاه المقر له وحلف أنه لم يأذن له في بيعه فإنه يقضى
بالعبد للمقر له وبالثمن للبائع في إجماعنا.
وإن قال: هذا العبد الذي في يدي لفلان غصبته من فلان فإن كان المقر عدلا
حلف المغصوب منه مع شهادته واستحقه، وإن لم يكن عدلا أو لم يحلف معه فليقض
به للمقر دون المغصوب منه.
ولو قال: هذه الألف لفلان أرسل بها إلي كان إقرارا له، ولو قال أرسل إلي
بها مع فلان وادعاها كل واحد منهما بعد الإقرار بالرسالة فهي للأول دون
الرسول، فإن قال الأول ليست لي ولم أرسل بها وادعاها الرسول وقال كذبت في
الرسالة فإنها لرسول في إجماع العلماء، فإن كان المقر له غائبا وأراد
الرسول أن يأخذها وادعاها لنفسه فلا تكون له بعد إقراره بالرسالة، وإن قال
هي لفلان وكنت فيها رسولا فذلك أبعد له منها، ولو لم يقر الرسول بالرسالة
وقال ما دفعتها إليك إلا وديعة لي فقد قال بعض علمائنا إن كان المقر عدلا
لم يكن له على المقر شيء (2) والألف للرسول.
[9/ 353]
__________
(1) في الأصل، شيئا والصواب ما أثبتناه.
(2) في الأصل، شيئا والصواب ما أثبتناه.
12 - النوادر والزيادات 9
(9/353)
وإذا قال الخياط في ثوب في يديه إنه لفلان
أرسله إليه مع فلان وكل واحد منهما يدعيه فإن أقر الرسول بالرسالة ثم ادعاه
فإنه للذي أقر أنه أرسله به أولا وإن قال ما دفعته إليك إلا لنفسي وما/ قلت
إني رسول فالثوب له ولا شيء على الخياط للأول.
وكذلك القصار والصباغ والصائغ في هذا شاهد. فإن كان في شهادته جر إلى نفسه
لم تجز شهادته على الدافع وإن لم يكن فيها جر حلف معه الأول وأخذ ثوبه فإن
نكل عن اليمين فلا شيء له والثوب للدافع.
وإذا قال: هذا الثوب أسلمه إلى فلان ليقطعه قميصا وهو لفلان وادعاه كل واحد
منهما فإن كان قطعه وهو يعلم أنه لغير الذي دفعه إليه فقد أقر بالجرحة ولا
شهادة له والثوب في إجماعنا للدافع، وإن لم يحدث فيه شيئا فليحلف الذي قال
إنه له مع شهادته ويأخذه فإن لم يكن عدلا أو أبى أن يحلف فالثوب للذي دفعه
إلى الخياط.
وإن قال هذا الثوب أعارنيه فلان وبعث به إلي مع فلان وأقر المبعوث به بذلك
ثم ادعياه فهو للمعير، دون المبعوث به إليه.
وإن قال: فلان أتاني بهذا الثوب عارية من فلان وأقر بذلك الرسول فلا ينفعه
ما يدعي بعد ذلك وإن لم يقر بشيء وقال الثوب لي دفعه إليك وقال المقر فلان
أرسل به معك إلي عارية فالمقر شاهد للمعير ويحلف معه ويأخذ ثوبه فإن لم
يحلف أو كان المقر غير عدل فالثوب للدافع.
ولو قال في صبي في يديه هذا الصبي ولد لزيد غصبه من عمرو وهو عبد له وادعي
زيد أنه ابنه وادعي عمرو أنه عبده فإن كان المقر عدلا حلف معه المغتصب
وأخذ/ العبد، فإن ادعى نسبه والمغتصب منه ينكر نسبه لم يقبل دعواه ولم يثبت
نسبه، وإن لم يكن المقر عدلا أو نكل الحالف عن اليمين لم يقض له بشيء وكان
الابن ابنا للأول الذي ادعاه إذا لم يعرف كذبه ويكون حرا ثابت النسبة، وفي
قول سحنون لا يثبت النسب حتى يكون معروف الولادة عنده من أمته أو زوجته أو
يكون أصل الحمل عنده.
[9/ 354]
(9/354)
ولو قال الصبي ابن فلان له مع فلان، وفلان
يدعى نسبه فإنه يحلف به، فإن قال الرسول هو عبدي فإن العبد له يرد إليه حتى
يقيم مدعي النسب شاهدا آخر مع المقر أنه ابنه وأنه حر إلا أن يكون الصبي
يعرف عن نفسه فيقول أنا ابن فلان وينكر ملك الرسول فلا يثبت عليه ملك إلا
أن يكون كان في يد الرسول يحوزه حيازة الملك فيكون عبدا للرسول.
فيمن أقر أن الدين الذي على فلان
أو الوديعة التي لي عنده لفلان آخر
وكيف إن علم بذلك صاحبه
قبل دفع ذلك إلى الطالب
ومن كتب حق باسم رجل
هل لرب الحق أخذه دون من هو باسمه؟
من كتاب ابن سحنون: وإذا أقر فقال: الوديعة لي عند فلان لفلان فهو جائز
وللمقر له أخذها ممن هي بيده غاب المقر أو حضر إذا ثبت الإقرار وليس للمقر
أخذها. ولو كان عند فلان ودائع من أنواع شتى فقال المقر إنما/ غصب وديعة
كذا وقال المقر له بل كلها ففيها قولان أحدهما أنه ينظر فإن كان استودعه
إياها في وقت واحد فهي كلها للمقر له وإن كان أودعه إياها في أوقات مختلفة
فالمقر مصدق مع يمينه في أي وديعة شاء فهذا القول أيضا هو قول من خالفنا
أنا جميعها للمقر له كان المقر أودعها في وقت واحد أو في أوقات.
وإن قال فلان ما أودعني شيئا فالقول قوله. ويضمن المقر إن قال أودعنيها
المقر له فأودعتها لهذا بغير أمره أو قال بأمره فجحد ذلك الأمر فالمقر
ضامن.
ولو قال المقر ما أودعتني شيئا ولكن تصدقت بها عليه أو وهبتها له فأقررت
بها له فهو مصدق ولا يضمن.
[9/ 355]
(9/355)
وإذا قال المقر له قد أذنت له في إيداعها
فلانا فقال فلان قد دفعتها إليك أيها المقر فأنكر فالقول قول المودع إذا
كان قبضها في الإيداع بغير بينة ولا يضمن المقر وعليهما اليمين.
ولو قال: دفعتها إلى المقر له صدق مع يمينه إن ثبت إقرار المقر ولا ضمان
على المقر.
قال مالك: وإن قال من عنده وديعة قد رددتها إلى ربها فهو مصدق، ولو قال
قضيتك الذي لك علي لم يصدق وعليه البينة.
قال محمد بن عبد الحكم: ومن له ذكر حق على رجل فأقر أنه لرجل فلم يعلم
المطلوب حتى دفعه إلى الطالب ثم ندم المقر له فلا شيء على الدافع وإن أقام
بينة لأنه لم يتعد ويتبع به القابض له. ومن له على رجل مال وأمره/ أن يدفعه
إلى فلان أو كتب بذلك إليه كتابا وعرف أنه خطه وامتنع من الدفع وقال يبرئني
ذلك إن جحدني فالقول قوله وذلك له.
ولو أنه قبل السفنجة (1) على أن يدفعها ثم بدا له فليس له ذلك وليدفع
ويشهد، وكذلك قال ابن المواز، وهي مذكورة في الوكالات.
قال ابن المواز في الذي كتب إليه إليك أن ادفع إلى فلان الدين الذي لي عندك
أو الوديعة وعرفت خطه وأمارته فلا يلزمك الدفع ولا يقضي عليك به السلطان،
وإن أقررت بهذا كله عنده إلا أن يقر أنك رضيت بالدفع فيلزمك الدفع أو تقول
له تعود إلي حتى أدفع إليك فيلزمك الدفع وإلا فلا، لأن على من ذلك له أن
يوثقك بالاشهاد.
ولو صدقت كتابه ورسوله فدفعت إليه ثم جاء فأنكر فعليه اليمين وتغرم أنت له
وترجع أنت على من قبض منك ولا يضرك تصديقه أو لا فيما ذكر من أمر فلان له
بالقبض.
[9/ 356]
(9/356)
وقال أشهب في كتبه: إذا صدق الرسول أنه أمر
بأخذها فلا يرجع إليه إن غرمها.
قال ابن المواز فيمن لك عليه حق فأمرته أن يكتبه باسم رجل ميت وعرف المطلوب
أن الحق لي دونه فطلبته بحقي وغاب الذي له الاسم فأما المطلوب من دفعه حتى
يحضر صاحب الاسم فذلك له ولا يقضي عليه بالدفع وإن أقر أن الحق لك، لأن
دفعه لا يبرئه من صاحب الاسم ولو قامت بينة على إقرار صاحب/ الاسم بذلك
لقضي عليه بالدفع إليه ويبرأ بذلك لا يحكم عليه بدفع لا يبرأ به ولو أحضر
صاحب الاسم وقد كان أشهد له أن الحق له ثم بدا له فاقتضاه وأخذ فقال صاحب
الحق دفعت إلى صاحب الاسم ما يعلم أنه ليس له قال لا شيء عليه ويبرأ الغريم
لأن لوكيل البيع قبض الثمن وكل وكيل على وكالته حتى يعزل ولو حضرك إلى
السلطان فأقررت أن الذي كتب الحق عليك باسمه قد أمرك بالدفع إلى هذا لكنك
تخاف إن جحدك فيضمنك فلا يقضى عليك بالدفع إلى هذا.
ولو أقررت أنه جمع بينك وبينه وأمرك بالدفع إليه فقلت له أنت أنا أدفع إليك
فهنا يقضى عليك بالدفع إن أقررت أنك قلت ذلك لأنه من باب الضمان وإن لم تزد
على أن قلت أمرني بالدفع إليك فلا يقضى عليك بالدفع إلا ببينة على الإذن
إلا أن تقر أنك رضيت بالدفع فيكون هذا من باب الضمان.
ومن العتبية (1) قال أصبغ فيمن عليه لرجل مائة دينار فأتاه من زعم أنه وكله
ربها على قبضها وقال له أنا أضع عنك منها خمسين فإن أتى ربها فهن في مالي
أضمنها أو يذكر له أن ربها حطه خمسين فلا يصدقه على الوكالة فيقول له ادفع
إلي وأنا أضمن له الخمسين التي حططت إن أنكر قال إذا قبض على ذلك لزمه
الضمان في الوجهين ولكن إن كان إنما يقبض لغائب بعيد الغيبة أو لوجه يطول
مكثها به عنده لينتفع بها فليس بجائز/ لأنه ضمان بانتفاع وإن كان ربها قريب
[9/ 357]
__________
(1) البيان والتحصيل، 8: 157.
(9/357)
الغيبة ومعاملته منه قريب فيرضى أولا يرضى
فذلك جائز وضمان لازم لأنه معروف وليس بضمان بزيادة.
وروى أشهب عن مالك فيمن أسلفته أربعين درهما وأمرت صرافا يدفعها إليه
فقبضها فلما ردها دفعها إلى الصراف ظنه وكيلا فلا يبرأ بذلك فإن جحد الصراف
وكان متهما حلفه وهذه شبهة وقال سحنون وابن نافع يحلف له الصراف بكل حال.
فيمن قال غصبت منك عبدا غصبته أنت من فلان
وأقام آخر بينة أنه منه غصبه
أو رهن عبدا ثم قال غصبته من فلان
قال محمد بن عبد الحكم: ومن قال غصبت هذا العبد الذي غصبته أنت من فلان
والعبد في يد المقر أو في يد آخر يدعي ملكه فإن صدقه المغصوب منه قلنا له
رد العبد إلى الذي غصبته منه ويرده هو إلى ربه، وإن كان في يد مدع له غرم
المقر قيمته لمن غصبه هو منه فإن صدقك أنه غصبه من فلان دفع إلى فلان
الأكثر من قيمته يوم غصبه هو أو من قيمته التي أخذ من الغاصب الآخر قيمته
يوم غصبه الآخر.
قال أبو محمد: والذي قال محمد من هذا إن كان على أن ربه الأول يضمن الغاصب
الأول أوفر القيمتين من قيمته يوم غصبه الأول أو من قيمته يوم غصبه من
الثاني فليس هذا قول مالك وإنما له أن يضمن الأول قيمته يوم غصبه أو يأخذ
عين عبده/ أو يدعه ويدع الغاصب الأول ويضمن الثاني قيمته يوم غصبه من
الثاني ثم لاشيء له على الأول فإن أراه محمد أن الغاصب الأول إذا قبض قيمته
يوم غصبه الثاني منه وهي أكثر من قيمته يوم غصبه الأول أن يدفعها كلها إلى
ربه الأول لأنه مختار لتضمين الغاصب الثاني دون الأول فذلك صحيح، وإن قال
من غصبه من الآخر: العبد لي لم أغصبه من أحد قيل للمقر ادفع قيمته إلى الذي
[9/ 358]
(9/358)
غصبته أنت منه يوم غصبته أو ادفع إلى من
أقررت أن هذا غصب منه العبد إن كان قائما، يريد لم يحل عنده فإن فاء فعليه
للأول قيمته أيضا، يريد محمد قيمته عند غصبه الثاني، وإذا طال عنده ولم يفت
فربه الأول مخير بين تضمينه قيمته يوم غصبه أو أخذه بعينه. ولو قال لرجل
غصبتك هذا العبد الذي في يدي فصدقه ثم أقام غيره بينة أن هذا الغاصب غصبه
منه وأنه يأخذه صاحب البينة إن قام المقر له يطالبه فله تضمين الغاصب قيمته
بإقراره إنه من غصبه.
وليس قيام البينة للآخر يخرج هذا من الضمان لأنه يقول غصبته من غير الذي
شهدت له البينة وهو هذا.
ولو قال: أودعينه فلان فأقام آخر البينة أن المقر له غصبه منه فحكم له به
ثم قام من أقر له هذا بالإيداع على المقر فلا ضمان عليه لأنه لم يجن عليه
جناية.
ومن كتاب أحمد بن ميسر: ومن رهن عبدا ثم قال غصبته من فلان فإن كان مليا
ودى الدين ورده على صاحبه وإن لم يكن مليا/ ترك ذلك حتى يحل الحق فإن وجد
ما يؤدي في الدين رد العبد إلى ربه إن كان بحاله وإن دخله نقص في يديه فربه
مخير بين أخذه ولا شيء له غيره أو أخذ قيمته. وإن بيع لغير الغاصب ودي
الدين من ثمنه فإن فضل منه شيء كان لربه من قيمته واتبع الغاصب بباقيها.
فيمن أقر أنه غصب رجلا داراً
ثم قال هي لفلان أو قال بالبصرة
قال محمد بن عبد الحكم ونحوه في كتاب ابن سحنون: ومن أقر أنه غصب فلاناً
داراً ثم قال هي هذه فإن كانت في يديه دفعها إليه وإن كانت في يدي غيره فإن
صدقه الذي هي في يديه ودفعها إليه ردها إلى المقر له وإن أنكر ذلك من هي في
يديه فعلى المقر قيمتها.
[9/ 359]
(9/359)
قال ابن سحنون يقال للمقر بالغصب خلصها من
يد من هي بيده إن أنكر قولك وسلمها إلى ربها وإن لم تقدر على خلاصها فعليك
قيمتها للمغصوب منه، وكذلك الأرض والإماء والعبيد.
وكذلك لو قال غصبت فلانا مالا فأنفقته على فلان أو أودعته إياه أو قارضته
عليه وفلان منكر فالمقر ضامن للمال لربه إن لم يخلصه له.
قال ابن سحنون: فإن قال: غصبتك دارا ثم قال في نسق الكلام هي بالبصرة أو
بالكوفة ففيها قولان: أحدهما: إن كان المقر والمقر له غريبين (1) لا يعرفان
فالمقر مصدق مع يمينه، وإن كانا يعرفان ويعلم الناس أنهما لم يدخلا تلك
البلاد قط ولا/ ملكا بها مالا فبعض أصحابنا يرى هذا ندما ورجوعا عن إقراره
ولا يصدق وعليه أن يبين ما أقر به طائعا أو مكرها بالسجن، هذا معنى قول
سحنون.
فأما في قول غيره من أصحابنا فالقول قول المقر مع يمينه على أنه دخل البلد
أو لم يدخلها.
قال محمد بن عبد الحكم: وإن قال: غصبته دارا ثم قال بعد ذلك هي بالمدينة أو
بالكوفة صدق وحلف إن ادعى عليه غيرها فإن طلبه حبس المقرها هنا حتى يدفعها
إلى ربها أو إلى وكيل ربها، وإن قال أعطيته كفيلا حتى أوافيه بالبلد
فأدفعها إليه إلى أجل قدر المسافة فليس ذلك له إلا برضى الطالب وكذلك أحبسه
إذا كانت الدار معه بالبلد حتى يردها إليه.
وقال أبو حنيفة: إن قال هي التي بيد فلان فلا شيء عليه لأنه لا يزال بها
ولو كان عبدا أو دابة غرم القيمة لأنه لا يزال بها.
قلت لمن ناظرني عنه فإذا لم يزل بها فينبغي ألا يضمنه حتى يزال به وأنت
تضمنه الآن فقد وقع تضمينك بإخراجه من يده وإزالة ذلك هو فعل غير
[9/ 360]
__________
(1) في الأصل، غريبان.
(9/360)
الغاصب فأنت لا تضمنه بفعل نفسه وتضمنه فإن
الذي ذلك في يديه يقدر على إزالته، أرأيت لو قال قائل لا أضمنه ما دام حيا
لأنه يقدر على رده لأنه الحجة عليه أكثر من أن يقال إنه قد أخرج ملكه من
يديه، أرأيت ما فيها من الخشب والنقض أليس يقدر أن يزيله من موضعه فيلزمك
أن تضمنه ذلك وعليه الضمان و/ إخراج الشىء من يد مالكه، وقد خالف أبا حنيفة
صاحبه وقال بقولنا.
جامع الإقرار في البيوع
والتداعي في ذلك
وشيء من اختلاف الآمر والمأمور
من كتاب ابن سحنون وإذا أقر أنه باع عبده هذا من فلان وقبض الثمن ولم يسمه
وصرفه المشتري فهو إقرار لازم، وإن سمي الثمن كان إقرارا أجوز، وكذلك في كل
مبيع ولو سمي الثمن وقال لم أقبضه فالقول قوله وعلى المبتاع البينة بالدفع
إن ادعى ذلك وللبائع منع العبد حتى يقبض الثمن.
فإن دفع العبد ولم يكن له رده ليأخذ الثمن، ولو تقاررا بالبيع ولم يسميا
الثمن ثم استحق العبد فاختلفا في مبلغه فالقول قول البائع مع يمينه فيما
يشبه وإذا اختلفا في الثمن في عقد البيع تحالفا وترادا، وذكر رواية ابن وهب
أن المبتاع إذا قبضه مصدق ويحلف.
وقال ابن القاسم إنه إن لم يفت تحالفا، وقال أهل العراق مثل قول ابن القاسم
قالا وإن فات بيد المشتري بنقص فالقول قوله ويحلف، قال أهل العراق: إلا أن
يرضى البائع بأخذه ناقصا.
قال ابن القاسم: ليس له أخذه إلا أن يرضى المبتاع، وإذا قال: بعته من فلان
بألف وأنكر فلان الشراء ثم أقر به فأنكره البائع فلا شيء للمشتري لإنكاره
[9/ 361]
(9/361)
الأول كمن أقر لرجل بمائة درهم فقال الرجل
مالي عليك شيء ثم قال هي لي عليك فأنكره المقر فالقول قوله ولا شيء للطالب.
وفي قول غيرنا ينفذ شراؤه/ بألف ولا يضره قوله لم أبع.
وقال: لو قال بعتك هذا العبد بألف وقال المشتري ما اشتريته منك فصدقه
البائع ثم قال المشتري قد اشتريته لم يلزمه البيع ولم تقبل منه البينة على
ذلك في إجماعنا.
ولو قال: بعت منك هذا العبد فأنكر وقال ما اشتريته فأحلفه الحاكم فأقر أنه
اشتراه بذلك فذلك يلزمه.
وكذلك لو ادعى هذا الشراء وأنكره فأحلفه فأقر فذلك لازم.
وإذا قال: بعت عبدي من فلان ولم يسم ثمنا فقال فلان اشتريته بخمسمائة فأنكر
البائع أن يكون باعه فالقول قول المبتاع ويحلف إلا أن يذكر من الثمن مالا
يشبه.
وقال غيرنا يحلف البائع ولا يلزمه البيع، وكذلك لو ادعى المشتري الشراء ولم
يسم الثمن فقال البائع بعتكه بألف درهم فجحد المشتري أن يكون اشتراه منه
بشيء فالبائع مصدق إن ذكر من الثمن ما يشبه.
وقال غيرنا يحلف المشتري ويبرأ وقد جامعونا أنه إن أقر أنه باع عبده من
فلان وقبض الثمن وصدقه المشتري أن البيع لازم وإن لم يسميا الثمن فقد
اتفقنا على ما اختلفنا فيه.
وإذا قال: اشتريت هذا العبد من فلان فجحد ذلك البائع فادعى الآخر أن العبد
كان له من أصله فلا يصدق ولا تقبل منه البينة لأن إقراره هدم ذلك وكذلك إن
ساومه ليشتريه.
وإن أقر أنه باع عبدا/ لم يسمه من فلان ثم جحد فليؤخذ بإقراره إن طلبه
المشتري ويلزمه أن يأتي بالعبد فأتى عبد أتى به فقال هو هذا فالقول قوله مع
يمينه.
[9/ 362]
(9/362)
فإن ادعى المبتاع عبدا بعينه وجحد البائع
حلف وبريء فإن نكل حلف المبتاع وأخذ العبد الذي ادعى.
وفي قول غيرنا: هذا الإقرار باطل، وإذا أقر أنه باع منه عبده فلانا والبينة
لا تعرف العبد والمشتري يعرفه فإن عرف غير بينة الإقرار بالبيع عبده فلانا
جازت شهادتهم وحكمت ببيع عبده فلان، وإن لم يكن أحد يعرف عبده كلفته أن
يأتي بعبد فما أتى به فقال هو الذي أقررت به فالقول قوله مع يمينه.
فإن ادعى المبتاع غيره حلف البائع وقيل للمبتاع إن شئت فخذ ما أقر به وإلا
فدعه وكذلك في الأمة والدار والدابة.
وإذا عرفوا هذه الأشياء ولم يسم الثمن فذلك جائز، فإن اتفقا في الثمن
لزمهما ما اتفقا فيه وإن اختلفا تحالفا وتقاسما.
وفي قول غيرنا إذا لم يسم الثمن لم يجز وإن عرف الشهود السلعة، ولكنه يحلف.
وأجمعنا أنه إن حدد الدار وسمي الثمن أنه جائز وإن جحده البائع ولم يعرف
الشهود الحدود بعد أن تقوم بينة على معرفة الحدود فذلك جائز.
وما أقر به أحد المتفاوضين من شراء أو بيع فهو لازم للآخر وكذلك لو تفاوضا
في نوع من التجارة إذا أقر به في ذلك النوع وما أقر به من شراء شيء مستهلك/
من تجارتهما وقال الثمن دين علينا فإن ذلك عليهما في المال الذي تفاوضا فيه
ولا يلزم ذمة شريكه من إقراره ولا تجاوز إقراره المال الذي بأيديهما ويلزم
ذمة المقر ما جاوز المال الذي تفاوضا فيه إلا أن يكون تفاوضا في نوع من
التجارة بمال على أن يشتريا به وبوجوهما فهاهنا يلزمهما ما جاوز المال إن
كانت هذه الشركة مكروهة.
وإذا أقر الوكيل على بيع العبد إنه باعه من فلان بكذا وصدقه فلان وجحد
الآمر فالبيع لازم والعهدة على الآمر دون الوكيل وكذلك البضاعة، وكذلك إذا
أمره بالشراء فالقول قول الوكيل في اجماعنا، ولو أمر بشراء عبد بغير عينه
وسمي جنسه
[9/ 363]
(9/363)
وثمنه فأقر الوكيل أنه قد اشترى هذا العبد
له بالثمن وجحد الآمر فالقول قول الوكيل ويلزم العبد الآمر إذا اشتراه بما
يشبه سواء دفع الثمن إليه أو لم يدفع، وقد أحال من فرق بين دفعه الثمن وغير
دفعه وقال: إذا لم يدفع الآمر الثمن إلى الوكيل لم يصدق الوكيل ويلزمه
البيع دون الآمر.
وإن مات البائع وأقر الوكيل لشراء العبد فإن كان الثمن في يديه أو دفعه إلى
البائع ببينة أو أقر بذلك الورثة فالشراء جائز ويدفع الآمر الثمن إلى
الورثة إن كان في يديه وإن جحد الورثة البيع ولم تكن بينة وقال الوكيل
اشتريت منه ودفعت إليه الثمن بلا بينة فالوكيل ضامن للمال ويحلف الورثة على
علمهم، وإن قبض/ البائع الثمن ببينة واستهلكه فالبيع تام لازم للميت.
وإذا أمر ببيع عبد فمات الآمر وأقر الوكيل وقالت الورثة إنما بعته بعد موت
صاحبنا فالقول قول ورثة الميت وإن كان العبد مستهلكا فالقول قول ورثة
الوكيل.
قال محمد بن عبد الحكم: ومن أقر أنه باع هذا العبد من هذا الرجل ولم يسم
الثمن ثم أنكر إقراره هذا فقامت عليه بذلك بينة فقال المقر له اشتريته
بخمسين دينارا فلا يصدق على هذه التسمية ولا يجب له العبد بهذا الإقرار إذا
لم يقم بالثمن بينة.
ولو مات المقر قبل أن يسأل عن الثمن لم يلزم بهذا الإقرار بيع إلا أن يدعي
المبتاع على ورثة البائع معرفة الثمن فيحلفوا علمهم ويبقى العبد لورثة
البائع.
ولو مات المتبايعان حلف ورثة البائع ما يعلمون الثمن، ولو قال ورثة المبتاع
نحن نعلم الثمن يقبل منهم، وإذا نكل ورثة البائع عن اليمين على العلم حلف
ورثة المبتاع وأخذوه وإن نكلوا فلا شيء لهم.
ولو قال البائع الثمن خمسون وحلف وطلب يمين ورثة المبتاع فحلف بعضهم ونكل
بعضهم فإن شاء البائع علم حصة من حلف إليهم إن كان النصف بذلك وإن قال لا
أرضى أن يتبعض علي العبد فذلك له.
[9/ 364]
(9/364)
قال محمد بن عبد الله، وعلى مذهب بعض
أصحابنا: إن الذين حلفوا إن شاؤوا أخذوا نصف من لم يحلف ويؤدوا / جميع
الثمن فذلك لهم.
وإذا أقر المشتري أنه اشترى من فلان هذه الدابة بكذا وكذا وصدقه البائع
وطالبه فأنكر الإقرار وحلف فللبائع بيع دابته ويصنع بها ما يشاء، وينفسخ
البيع الذي أقر به المشتري.
ومن ادعى أنه ابتاع هذا العبد من فلان ولم يسم الثمن فقال المدعى عليه بعتك
إياه بمائة فأنكر المبتاع أن يكون أقر بشيء وحلف ما أقر ولا اشترى فقامت
عليه بإقراره بينة فلا يلزمه بهذا بيع، ولو اختلفا في اليمين فتحالفا
وتقاسما، ومذهب أشهب في اختلاف المتبايعين في قلة الثمن وكثرته يتحالفان
بعد فوت السلعة وترد القيمة. وابن القاسم يرى ذلك في جنسين من الثمن يدعى
هذا صنفا وهذا صنفا ويرى في قلة الثمن وكثرته أن يتحالفا ما كانت. ويقول
أشهب بقول ابن عبد الحكم.
في الإقرار بالعيوب في البيوع
من كتاب ابن سحنون: وإذا أقر البائع أنه باع هذه الأمة من فلان وبها هذا
العيب فلفلان ردها بذلك فإن ادعى البائع أنه أبرأه منه فإن لم تقم بينة حلف
المشتري وردها فإن لم يحلف حلف البائع وبريء، وإن قال المشتري: اشتريتها
وبها هذا العيب وهو مما يحدث مثله وأقر البائع أنه باعها وبها عيب لم يسم
أي عيب هو فلا يلزمه بهذا الإقرار إلا اليمين في العيب الذي ادعاه المبتاع
أنه ما باعها وبها ذلك العيب. فإن قال: / بعتها وبها عيب لم يسمه وقال قد
ذهب بها فالقول قوله ويحلف ولا يرد عليه بهذا.
وإن أقر أنه باعها وبها عيب لم يسمه فجاء المشتري بها وبها عيب فقال البائع
ليس هذا هو وهو يرى ذلك العيب فالقول قوله مع يمينه وينظر في العيب الذي
قال المشتري فإن كان مما لا يحدث مثله رده وإن كان يحدث مثله أحلف البائع
ما باعها وذلك بها ويبرأ. فإن نكل حلف المشتري ما حدث عنده ورده به.
[9/ 365]
(9/365)
ولو كان اشترى رجل من رجلين فأقر أحدهما
بعيب سماه وجحد الآخر فللمشتري أن يرد على المقر حصته وإنما له على المنكر
اليمين. ولو كان المقر جحد حلف معه المشتري ورد على الآخر.
وإن اشترى رجلان من رجل فأقر البائع بعيب قائم في الأمة وقال أحد المشترين
قد رضيته وأراد الآخر أن يرد فاختلف فيها أصحابنا وأهل العراق، فروى أشهب
عن مالك أنه ليس لأحدهما رد دون الآخر فإما ردا جميعا أو أخذا.
وروى عنه ابن القاسم أن لأحدهما أن يرد حصته وأن للبائع ها هنا مقال وإن
كان البائع واحدا وله شريك مفاوض فأقر شريكه بالبيع وجحده الآخر البائع
فللمشتري أن يرد بإقرار الشريك المفاوض.
ومن أمر رجلا فباع خادما له ثم أقر الآمر بعيب فيها وجحده البائع أن ذلك لا
يلزم الآمر ولا شيء على البائع، وإن أقر به البائع وجحد الآمر فللمشتري أن
يرد على البائع.
ومن باع سلعة / فباعه المبتاع من أخرى ثم باعه الآخر بعيب فأقر له البائع
الثاني فإن قبلها بغير قضاء قاض فليس له ردها على البائع الأول في إجماعنا
وإن قبلها بقضاء قاض بهذا الإقرار أو جحد العيب فإما أن يحلف فليس له ردها
على الأول وله مخاصمته.
ولو قال المشتري الآخر بعتنيها وهذا العيب بها فاستحلفه القاضي فنكل وحلف
المشتري فرد القاضي عليه فأراد خصومة البائع الأول فقال له قد قلت لك إنها
لم يكن هذا العيب بها يوم بعتها فإن ذلك يضره وليس له ردها على الأول أنه
يزعم أنه حدث عند المشتري الأول لا أن يقول ما علمت بهذا العيب ولعله أن
يكون بها ولم أعلم فإنه أمكنه من خصومة البائع.
وإذا باع الآمر ثم أقر بعيب فيها لا يحدث مثله فإنها تلزم البائع. وكذلك
الشريكان في السلعة يبيعها أحدهما بإذن الآخر إذ لو أنكره وكان لا يحدث
مثله لزمهما بخلاف ما يحدث مثله.
[9/ 366]
(9/366)
ومن باع دارا ثم أقر أنه باعها وبها هذا
العيب الذي يحدث مثله من صدع في حائط أو كسر في جذع يخاف على الدار منه أو
كسر في الباب وكان الباب له بال من الدار فهذا ترد به الدار وكذلك فيما أقر
به من عيب في ثوب أو عرض أو حيوان.
ولو قال: بعتك هذا الثوب وهو خرق فجاء المشتري بخرق فقال بعتني وهذا به
وقال البائع ليس هذا الذي أقررت لك به وهذا عندك حدث وليس في الثوب خرق
غيره فلا/ يصدق البائع على ما قال.
ولو قال كان هذا الخرق صغيرا فازداد عنك ففيها قولان: أحدهما أنه مصدق،
والقول الآخر أنه مدع في قوله زاد فإن كان فيه خرق غير ذلك فقال البائع
بعتك وهذا به ولم يكن الآخر به فالقول قول البائع مع يمينه ويرد المشتري
الثوب وما نقصه أو يحبسه ويأخذ قيمة العيب.
وإن أقر أنه باعه وهو أقطع اليد فقيم عليه وهو أقطع اليدين فليس له رده.
وإن قال المشتري كذلك بعتنيه حلف البائع ما بعته كذلك ثم إن أراد المشتري
إمساكه ويرجع بالعيب فذلك له.
وإذا قال: بعته وبه قرحة ثم جاء المشتري به ليرده فقال البائع برأت تلك
القرحة وهذه غيرها فلا يصدق وللمشتري أن يرد بعد أن يحلف على ذلك.
جامع التداعي والإقرار في البيوع
وفي غير ذلك وفي اختلاف البينة في ذلك
من كتاب ابن سحنون قال سحنون فيمن ادعى على رجل فقال بعت منك هذه السلعة
بمائة دينار والرجل منكر فأقام عليه البائع البينة بذلك ثم أتى آخر يدعي
على ذلك المدعى عليه يقول إني بعت منك تلك السلعة بخمسين دينارا والرجل
منكر لذلك وهي سلعة واحدة ادعاها البائعان أن كل واحد منها باعها من
المشتري منفردا هذا بخمسين وهذا بمائة وأقاما بذلك بينة قال: يقضي عليه
[9/ 367]
(9/367)
بمائة للأول (1) / وللثاني بخمسين وقال له
خذ سلعتك قال: فإن أصاب بها عيبا فإن كان متماديا على إنكاره فليس له ردها
على واحد منهما، وإن قال بل اشتريتها من هذا كان له أن يردها عليه.
قال ابن سحنون: وإن قال اشتريتها من هذا ومن هذا قيل له إن أثبت دعواك على
واحد منهما فارددها عليه وليس لك ردها عليهما وأخذ الثمن من كل واحد منهما
الثمن الذي دفعت إليه لأن كل واحد قد أثبت شراء جميعها فليس لك أن ترد عليه
نصفها وتأخذ الثمن أجمع.
وقال في دار بيد رجل أقام آخر بينة على إقراره أنها للمدعي وأقام من بيده
بينة أن المدعي أقر أنها للذي هي في يديه فليقض بأعدلهما فإن تكافأتا بقيت
لمن هي في يديه، وكذلك في العبد والأمة والدابة والثوب والكيل والوزن، وإذا
شهد شاهدان بدار لرجل وشهد أحدهما له بدار أخرى فإنه يقضى له بالتي اجتمعا
عليها ولو أن يحلف مع الذي شهد له عن الآخر أو يقضى له بها. وكذلك إن شهدا
له بمال. وقال من خالفنا: إن شهد أحدهما بألفين والآخر بألف بطل ذلك كله
وهذه مناقضة لا يحتج عليها بأكثر من حكايتها. وقال بعضهم كقولنا إنه يقضى
له بالألف التي اجتمعا عليها.
وإن شهدا له بألف فقال أحدهما كنا جميعا عليها، وقال الآخر كنت وحدي فذلك
جائز.
وقال محمد بن عبد الحكم: وإذا قال: هذه الدار بيني وبين أخوي فلان وفلان
ميراثا/ عن أخينا وهما أخواه لأمه وأنا شقيقه وقال أخواه نحن أشقاء فالقول
قول المقر.
[9/ 368]
__________
(1) وقع تكرار أثناء تصوير النسخة الأصلية أدى إلى اضطراب في ترقيم
صفحاتعا.
(9/368)
فيمن أقر بغصب حمامة
وكيف إن فرَخت عنده أو قال هي ذكر
قال محمد بن عبد الحكم ومن أقر أنه غصب من فلان حمامة ففرخت عنده فيسأل فإن
قال: كانت ذكرا فلا شيء له في الفراخ. وإن قال: كانت أنثى فالأنثى وأفراخها
للمقر له كشاة ولدت عند الغاصب.
ومن أقر لرجل بحمامة أقر بما شاء من ذكر أو أنثى والذكر والأنثى يسمى حمامة
ويقال حمامة ذكر ولا يقال حمام ذكر وإنما الحمام جماع، وإن كان في بلد قد
جرى في ألفاظهم أن الحمام الواحد حمام على الغالب من عرفهم مثل الشاة تقع
على الذكر والأنثى، وهذه في كتاب الغصب مذكورة.
في الإقرار في الكراء والإجارة والمساقاة
من كتاب ابن سحنون: وإذا أقر أنه أكرى داره من فلان كل شهر بكذا وادعى ذلك
المكتري أو ادعى ذلك الساكن وأقر به رب الدار أو ادعاه أحدهما فقال له
الآخر نعم أو أجل أو صدق فذلك لازم.
ولو اختلفا في الإقرار أو في أجل كراء الدور ولم يكن تحالفا وترادا، وكذلك
في إجارة العبيد والأرض، وكذلك هذا في الحر والعبد المأذون والمكاتب
والمرأة والذمي/ والبينة والإقرار.
وإذا أقر بإجارة في دار لم يعرفها الشهود فإن حددها ووصف مكانها فذلك جائز،
يريد إن تصادقا وإن لم يحدها وجحد لم يجز، وكذلك في إجارة عبد لم يسمه فإن
عرفه الشهود وإلا لم يجز إذا جحد، والإقرار بكل لسان جائز إذا ترجم وعرف.
وقال محمد بن عبد الحكم فيمن بيده بستان فقال هو لعمرو ساقانيه على نصف
الثمرة فصدقه عمرو ثم قال بل هو لزيد ساقانيه على سنة على النصف فصدقه ثم
تخاصموا فإن البستان يبقى بيده إلى آخر السنة ثم يرفع إلى كل واحد
[9/ 369]
(9/369)
منهما نصف الثمن بإقراره ويكون البستان
للأول وهو عمرو ويغرم لزيد قيمته يوم يأخذه، ولو عطب أو غصب قبل تمام السنة
لم يضمنه حينئذ لزيد لأنه مقر أنه في يديه بإذن ولم يأت موضع التعدي إلا
بعد تمام السنة.
في الإقرار بالوديعة
والعارية وتصرف أوجه الإقرار بذلك
من كتاب ابن المواز ومحمد بن عبد الحكم: ومن أقر أن لفلان عنده وديعة فليقر
له بما شاء وهو مصدق من قليل وكثير ومعيب وغير معيب.
وإن أقر أنه ركب الدابة الوديعة ولبس الثوب فقال ربها هلكت الدابة قبل أن
تنزل عنها والثوب قبل أن تنزعه وقال الآخر بل بعد نزولي عنها ونزعي الثوب
وقامت بينة/ بالركوب واللباس فهو يضمن حتى يثبت أنه ردها إلى حيث كانت وأنه
نزع الثوب ورده إلى حيث كان فيبرأ من الضمان وذلك لقيام البينة بالركوب
واللباس ولو كان ذلك بإقرار باللباس والركوب وإنه نزل ونزع الثوب فالقول
قوله عند أصحابنا لا يؤخذ إلا بما أقر به. وقال أصحاب أبي حنيفة: إن ركبها
ببينة ونزل عنها ببينة لم يضمن فوافقونا في هذا وهو حجة عليهم فيما خالفونا
فيه إذا تسلف من الوديعة ثم ردها فقالوا يضمن وإن ردها.
قال ابن المواز: إذا ردها بما تسلف منها لم يضمن وأحسبه إن تسلفها بغير
بينة صدق في ردها. وإن كان ببينة لم يبرأ وهذا كله في كتاب الوديعة.
ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقر أن هذا الثوب عنده عارية بملك فلان أو من ملكه
أو لملكه أو بميراثه أو من حقه أو بحقه أو لحقه فهذا كله إقرار في إجماعنا.
ولو قال: هو عندي عارية لحرمة فلان أو بحرمته أو لقدره أو بقدره أو لشرفه
أو بشرفه أو باستعانته أو بشفاعته فليس هذا بإقرار بالثوب ولا بشيء منه.
[9/ 370]
(9/370)
وإن قال: هو عندي عارية على يدي فلان فليس
بإقرار له، وإن قال لفلان عندي مائة درهم أو قال قبلي ثم سكت ثم قال هي
وديعة قبلي قبل قوله وحلف.
ولو مات قبل أن يقر أنها وديعة أخذت من ماله وديعة / كانت أو من حق عليه.
وذكر ابن سحنون خلافه في قوله قبلي.
قال ابن عبد الحكم: ولو قال لفلان في بيتي ألف درهم أو في صندوقي ثم قال
استودعتها غيري. وصيرها هناك قبل ذلك منه وليس هذا بإقرار منه بها، ولو قال
له في مالي ألف درهم لزمه ذلك. وإن قال له من مالي مائة درهم سئل فإن قال
هبة قبل منه.
قال محمد بن عبد الحكم: والعارية جائزةو إلى أجل وإلى غير أجل. وقد استعار
النبي - صلى الله عليه وسلم - من صفوان السلاح في مخرجه إلى هوازن (1)،
وليس لذلك حد من الأيام قدر ذلك إن ما ليس بمعاوضة من عارية وشبهها يجوز
إلى أجل وإلى غير أجل. فإن كانت إلى أجل فهي إليه وإن كانت إلى أمر معروف
فذلك كالأجل كما استعار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مخرجه إلى هوازن
فمضى في وجهه ذلك ولم يكن أمراً معروفاً وجهه ولا فيه أجل فهو بيد المستعير
حتى يطلبه ربه فيأخذه.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قال لفلان عندي مائة درهم عارية فهي تلزمه في
إجماعهم. وكذلك كل ما يكال ويوزن، وأما قوله على مائة درهم وديعة لا يكون
إلا وديعة في إجماعهم. وإن قال دينا كانت دينا.
ولو قال له قبلي أو علي مائة درهم دينا وديعة لزمته دينا، ولو قال له قبلي
أو قال علي مائة درهم وديعة دينا لزمته دينا إذ لعله تسلفها أو استهلكها،
ولو قال لفلان / ألف درهم أو قال قبلي أو قال عندي فذلك يلزمه ديناً، وإن
قال بعد ذلك في غير نسق كلامه هي وديعة لم يصدق، وأما إن قال له معي ألف
درهم ثم قال هي بضاعة لم يصدق، وقال آخرون في قوله له عندي مائة درهم أنه
يصدق في قوله بعد ذلك إنها وديعة ويحلفه، وأجمعوا في قوله قبلي أنه لا يضمن
إلا في نسق الكلام.
[9/ 371]
__________
(1) انظر: الإصابة لابن حجر في ترجمة صفوان.
(9/371)
وأما قوله في منزلي أو في بيتي أو في كيسي
أو في صندوقي فليس هذا بدين في إجماعهم. ولو قال له في مالي كذا فهذا إقرار
وأما إن قال له من مالي كذا فهي هبة. فإن قام عليه أخذها، وكذلك قوله له
علي من دراهمي هذه مائة ولو قال له في مالي جارية لا حق لي فيها فهذا
إقرار، وإن قال في دراهمي هذه مائة فهو إقرار وأجمعوا أنه إن قال له عندي
مائة درهم وديعة قرضا أو قال دينا، ثم قال ضاعت وادعى الطالب أنها قرض
فالقول قوله، وكذلك قوله مضاربة قرضا فهي قرض، وكذلك قوله بضاعة قرضا في
إجماعهم.
في الإقرار بالهبة والصدقة والحيازة
من كتاب ابن سحنون وقال من يرضى من علمائنا إذا أقر رجل أنه تصدق على فلان
بهذه الدار وأن فلانا قبضها ثم جحد ذلك وهي في يديه فالإقرار جائز ويقضى
بها لفلان.
وكذلك العبد والأمة والعروض أو بيت من دار، وكذلك لو أقر رجلان أنهما تصدقا
بذلك عليه وادعى ذلك عليهما / فصدقاه.
ولو أقر أنه تصدق عليه بشقص في دار وأنه قبضه فذلك جائز عندنا جميعا، ولم
يجزه أهل العراق لأنه مشاع، وجامعونا أن لو تصدق رجلان بدار لهما على رجل
أن ذلك جائز وهذا هو صدقة المشاع.
وأجمع العلماء على أن الصدقة ببعض عبد جائزة والهبة والعمري والنحل في جميع
ما ذكرنا سواء، ولو أقر أنه وهب لفلان هذه الأمة وأن فلاناً قبضها منه ولم
تعاين البينة الحيازة فالهبة تلزمه، وإن قام عليه الموهوب قضي له بهذا إلا
أن يموت الواهب فيبطل حتى تشهد بينة على معاينتهم القبض في صحة الواهب
وكذلك العمري والنحل والعطية.
ولو أقر ورثة الواهب بذلك بعد موته وبالقبض في صحة الواهب أمضيته إن كانوا
حائزوا الأمور، وإن أقر بذلك إثنان منهم عدلان لزم ذلك من بقي إن أقر به
واحد عدل حلف الموهوب وأخذها وإن لم يكن عدلاً فله قدر حصته من الهبة.
[9/ 372]
(9/372)
ولو أقر الواهب بذلك بعد موت الموهوب فذلك
ماض ويقضى به لورثته، ولو قال: فلان وهبني هذا الثوب الذي في يدي فقال فلان
نعم أو صدقت أو أجل أو قال لعمري فهو إقرار بالهبة وكذلك العمرى والنحل.
وإن أقر بالهبة فذلك يلزمه أقر بالقبض أو لم يقره.
ولو قال للموهوب احلف على القبض لم يلزمه ولا يضره عندنا وليقبض الآن ما لم
يفلس الواهب أو يمرض أو يمت، ولو مات الواهب فقال ورثته لم يقبض الهبة،
وقال الموهوب / قبضت كلف البينة فإن لم يجد حلف من ورثة الواهب من يرى أنه
يعلم ذلك، يريد على العلم.
وإذا قال له وهبني هذه الجارية فقبضتها ثم أودعتها عندك فقال صدقت أو قال
نعم أو أجل فذلك يلزمه.
وكذلك إذا جاوبه بالفارسية أو بالقبطية أو غيرها وترجم ذلك رجلان، وكذلك لو
قال: وهبتك ولم يقبضها فلا يضر ذلك ويؤمر بدفعها إليه، ولو كان هذا بعد موت
الواهب كلف الموهوب البينة على القبض في صحة الواهب.
قال سحنون: ولو أقر مريض أنه تصدق في صحته بدار وأنه قبضها منه في صحته
والدار في يد المريض فذلك باطل إذا لم يثبت حوزها.
وإقرار المريض بالحوز لا ينفع ولا يكون في ثلثه لأنه أدخلها في أحكام رأس
المال ولم يقصد بها أحكام الثلث فتكون في الثلث، ولو قال تصدقت بها عليه في
مرض وقبضها ثم مات كانت له من الثلث قبضها المعطي أو لم يقبضها لأن أفعال
المريض في ثلثه حال في موضع ولا يحتاج إلى حيازة في هذا.
في الاقرار بالرهن
من كتاب ابن سحنون: ومن أقر برجل أنه رهنه داراً أو عبداً أو عرضاً بعينه
وأنه قبض ذلك فذلك جائز وليقبض الرهن إن لم يفلس الراهن أو تقوم عليه
الغرماء يريد أو بمرض قال فلا يجوز إقراره حينئذ حتى تشهد البينة على الرهن
وعلى
[9/ 373]
(9/373)
حيازته قبل ذلك/، وإذا كان الرهن بإقرار
منهما ولم يقبض الرهن فله قبضه ما لم يفلس الراهن ويقوم عليه الغرماء وكذلك
في الصدقة والهبة يدعيها فيصدقه الواهب فإن لم يقم عليه الغرماء فللموهوب
قبض الهبة والصدقة.
وإن أقر برهن شقص في دار وأنه قد قبضه جاز ذلك عندنا ولا يجيز غيرنا رهن
المشاع من ربع أو عبد أو غيره.
وإذا قال وهبتني هذا العبد وقبضته فقال له الراهن صدقت أو قال نعم أو قال
أجل أو قاله بالقبطية أو بالفارسية فذلك جائز ويلزمه ويدفع الرهن إلى
المرتهن، وإذا اختلفا فيما رهنه فالمرتهن مصدق فيما بينه وبين قيمة الرهن
كان بيد الراهن أو بيد المرتهن إذا أقر الراهن بالرهن وكذلك إقرار المأذون
والمكاتب.
وإذا أقر في دار برهن لم يحزها ولا عرفها الشهود فذلك لا يجوز إذا جحد ذلك،
وإن حددها وسماها رهنا فهو جائز، وكذلك إن لم يحدها وعرفها الشهود، وكذلك
العبد والأمة.
في الإقرار بالبراءة من كل حق
وجامع أوجه البراءات
من كتاب ابن سحنون: ومن أقر أنه لا حق له قبل فلان فهو جائز عليه وفلان
بريء في إجماعنا من كل قليل وكثير دين أو وديعة أو عارية أو كفالة أو غصب
أو قرض أو إجارة أو غير ذلك.
وقال سحنون: وقد قال مالك فيمن قال عند موته ما كان لي على قرابتي من
حقوقهم لهم وكان له عند أحدهم قراض قال: أراه له فيما يحضرني. / قال محمد:
وكذلك إن قال فلان بريء من ما لي عليه عند سحنون، وأما أنا فرأيت ألا يبرأ
من الوديعة في هذا ولا من العارية التي لا تضمن ولا من كل شيء أصله أمانة
ومن كل شيء أصله ضمان من قرض أو غصب أو كفالة أو وديعة فيها.
[9/ 374]
(9/374)
وقال غيرنا: إذا قال بريء من مالي عنده فهو
بريء مما أصله أمانة ولا يبرأ ما أصله ضمان من قرض أو غصب أو كفالة أو
وديعة خالف فيها. قالوا: وقوله بريء مما له عليه هو على الضمان. وإن قال
مما عنده فهو على الأمانة. قال محمد: ذلك سواء وقد أجمعنا أنه إذا قال هو
بريء مما لي قبله أن ذلك يجمع الضمان والأمانة ويبرأ من ذلك كله، فإن ادعى
الطالب بعد ذلك دعوى لم تقبل وإن أتى ببينة بدين فلا تقبل حتى يقولوا إنه
بعد تاريخ البراءة، وهذا يقضي على اختلافنا في إذا أبرأه مما عنده لأن
الوديعة وشبهها لا تفترق فيما عليه وقبله.
وقال سحنون في بعض أقاويله: إذا قال فلان بريء من كل حق لي عليه أو قال ما
لي عليه أو قال مما لي عنده أو قال لا حق لي قبله فذلك كله سواء وهو بريء
من كل شيء من أمانة أو ضمان.
قال محمد: وأنا أستحسن في قوله هو بريء مما لي عليه أنه لا يبرأ من
الأمانة، وإذا أقر أن فلاناً قد بريء من حقه قبله ولم يقل من جميع حقه ثم
قال إنما بريء من بعض حقي وبقي البعض فلا يصدق والبراءة جائزة/ في إجماعنا
في جميع حقه.
وكذلك في قوله هو بريء من الذي لي قبله أو من دين عليه أو من الذي لي عليه
أو من حقي عليه بريء من ذلك كله.
وكذلك لو كانت قبله كفالة بنفس أو مال فهو بريء منها، لأن ذلك من الحق،
وكذلك إن كان قبله قصاص أو أرش جناية فهو بريء من ذلك كله.
وكذلك امرأة لو شهدت بذلك كان زوجها بريئاً من المهر، وإن أقر أنه لا حق له
قبل فلان ثم ادعى قبله قذفا أو سرقة فيها قطع وأقام ببينة فلا يقبل ذلك إلا
أن تقول البينة أنه فعله بعد البراءة.
وإن أقر أنه بريء من قذفه إياه فليس له به قيام وهو كالعفو، ولو أبرأ من
السرقة بريء من الضمان ولم يبرأ من القطع إن قام به غيره.
ولو قال: لست من فلان في شيء لم تكن هذه براءة وتقبل منه البينة بما أقر به
قبل هذا القول.
[9/ 375]
(9/375)
ولو قال: برئت من فلان أو بريء مني فهو
براءة، وقال غيرنا: لا يكون هذا براءة لواحد منهما من حق له قبل صاحبه.
قال محمد: وهو لو قال برئت من هذه الدار أو بريء فلان مني في هذه الدار
برأه فيها.
وقد أجمعنا أن لو قال لست من هذه الدار في شيء أنه لا يقبل منه بعد هذا
دعوى فيها.
وكذلك لو قال: أنا بريء من هذه الدار إلى فلان وكذلك لو قال قد خرجت من هذه
الدار إلى فلان. وقال غيرنا في قوله قد خرجت منها إلى فلان لا يكون إبراء،
وقد أجمعنا لو قال: قد خرجت منها على مائة درهم قبضتها من/ فلان أن هذا
إقرار أنه لا حق له فيها لأن هذا صلح إن أقر به فلان.
وكذلك العبيد والحيوان والعروض والدين، ولو أنكر الذي في يديه الدار وغيرها
فقال قد أقر أنه قبض مني مائة درهم ظلما فليردها إلي فذلك له إذا حلف.
وإذا قال برئت من دين على فلان أو قال بريء فلان أو قال بريء فلان من ديني
فهو براءة في إجماعنا.
وكذلك لو قال: هو في حل ما لي عليه أو قد وهبته له فهو براءة إلا أن لا
يقبل الهبة، وإن مات قبل أن يرد ذلك فهو بريء وإن لم يعلم فورثته مقامه في
قبول الهبة أو ردها.
وقوله هو في حل وسعة ما لي عليه فهو براءة في إجماعنا.
ولو قال: ليس لي مع فلان شيء فليس هذا براءة من الدين وهو براءة من البضاعة
والوديعة وكل أمانة في إجماعنا. إلا في مذهب سحنون فإنه يرى ذلك من الدين
والأمانة.
وإن قال بريء إلىَ فلان مما لي عليه فهو إقرار بالقبض في إجماعنا.
[9/ 376]
(9/376)
وإن قال: لا قصاص لي قبله فله أن يطلبه
بجراح الخطأ إلا القول لا جراحة لي قبله فيبرأ من جراح العمد والخطأ في
إجماعنا.
وإن ادعى نفسا عمداً أو خطأ فهو على دعواه، وإن قال: لا قصاص لي قبله فادعى
قبله حدا فذلك له.
وإن أقر أنه لا حق له قبله فليس له أن يطلبه بقصاص ولا حد ولا أرش ولا
كفالة بنفس ولا بمال ولا دين ولا مضاربة ولا شركة ولا ميراث ولا دار ولا
أرض ولا رقيق ولا في شيء من الأشياء من عروض أو غيرها، إلا ما يستأنف بعد
البراءة / في إجماعنا.
وإذا أقر أنه لا دين له قبل فلان فليس له أن يدعي دية خطأ أو عمد صالح
عليها.
وإن أقر لرجل فقال: لست من هذه الدار في شيء ثم ادعاها وأقام بينة فيها أو
في بعضها فلا يقبل ذلك منه في إجماعنا لأنه قد أقر أنه لا حق له فيها.
وإن اشترى منها شيئاً بعد قوله هذا جاز ذلك.
وقال محمد بن عبد اله: إذا قال: لست من هذه الدار في شيء ثم ادعاها وأقام
البينة فيها أو في بعضها فإن ذلك يقبل منه وليس هذا بإقرار أنه لا حق له
فيها قد يكون من الكلام الجائز أن يقول لست منها في شيء يريد أن غيره
الناظر في أمرها من كراء وبناء وغيره لا على التبري منها إليه.
قال: وقال أصحاب أبي حنيفة: إنه لا يقبل منه دعواه فيها بعد قوله هذا،
وقالوا: إن قال لعبده لا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء ثم قال هو عبدي على
حاله حلف وصدق.
قال محمد: وقول الرجل ليس من هذا في شيء أبعد من الإقرار أنه لا ملك له على
ذلك من قوله لا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء فالذي يفهم من هذا أنه لا حق
له ولا رق له عليه وأنه مولاه.
[9/ 377]
(9/377)
قال ابن سحنون: وإذا أقر أنه لا هبة له قبل
فلان فادعاها صدقة قال ابن القاسم: فهو على دعواه، وقال سحنون: يقبل دعواه
في الصدقة وكذلك لو ادعى أنه لا صدقة له قبله فادعى هبة فهو على دعواه عند
ابن القاسم.
وكذلك إن ادعى شراء وإن قال لا بيع/ لي قبله ثم ادعى عبدا جعله له من صلح
فدعواه باطل والصلح بيع.
وإن قال: لا صلح لي فيه فادعى عبدا شراء فقيل إنه على دعواه وقيل إن دعواه
باطل بإقراره أنه لا صلح لي قبله.
وإن أقر أنه ليس من هذا العبد في شيء ثم ادعى أنه اشتراه لعبده قبل الإقرار
فلا يقبل منه وكانت المخاصمة لمقر أنه اشتراه له ولو ادعاه لنفسه لم يقبل
منه وكذلك الحيوان والعروض والعقار كله.
ومن العتبية (1) قال ابن القاسم عن مالك: ومن قال عند موته ما كان لي حق
على قرابتي فهو لهم ثم مات وله عند أحدهم قراض قال: أراه لهم في رأيي.
فيمن أبرأ رجلا ثم قام عليه بحق
وقال لم يدخل في البراءة وقال المطلوب قد دخل فيها
ومن كتب على رجل دينا
وجعل براءته منه أن يأتي بصك
وهذا الباب قد جرى من مسائله في كتاب الدعوى والبينات، قال ابن القاسم في
العتبية (2) عن مالك فيمن كتب على رجل براءة من كل حق له قبله وكان بينه
وبينه شركة أو مداينة ثم قام عليه بذكر حق لم يسمه في البراءة قال المبرأ
لقد دخل في البراءة ويبرأ، قال: وإذا قبض دينه من غريمه وكتب أنه حق قبله
ثم
[9/ 378]
__________
(1) البيان والتحصيل، 10: 386.
(2) البيان والتحصيل، 10: 354.
(9/378)
قام بذكر حق لا يدرى قبل البراءة أم بعدها
فليحلف المبرأ لقد دخل في البراءة ويبرأ وكذلك إن قام بعد موته.
قال ابن المواز: وإذا دفع إليه خمسين / وكتب له أن ذلك آخر حق له قبله ثم
قام عليه بحق فقال هو بعد البراءة وقال الآخر قبلها، فكل ما أشكل من هذا
الأمر قبل البراءة أم بعدها فلا يقضى به. وكذلك لو أخرج هذا ذكر حق لا
تاريخ فيه وبيد الآخر براءة لا تاريخ فيها فالبراءة أحق، وإن كان في أحدهما
تاريخ حكم بالذي فيه التاريخ وبطل الآخر.
ومن العتبية (1) روى أصبغ عن ابن القاسم فيمن عليه ذكر حق مائة دينار فأتى
ببراءة من مائة دينار دفعها إليه لا تاريخ فيها ولا نعلم البينة أقبل الحق
أم بعده فليحلف المطلوب ويبرأ.
قال أصبغ: يحلف أنه قضى لك الحق ويبرأ كما لو كان للحق تاريخ والبراءة بعده
بمال دفعه إليه وادعى الطالب أنه غير هذا فليحلف الآخر أنه هو ويبرأ.
وقال سحنون فيمن قام بصك ألف دينار فأتى المطلوب ببراءة من ألفي دينار وقال
دخلت الألف في المحاسبة فليحلف ويبرأ ولو أتى ببراءات متفرقة إذا جمعت مع
ذكر الحق أو مع أذكار الحقوق كانت أكثر منها أو أقل وليس في البراءات أنها
قبل أذكار الحقوق ولا غير ذلك فإن كانت البراءات المتفرقة لا تفي واحدة
منهن بالحق أو بأذكار الحقوق لم تنفعه البراءة.
وإن كانت واحدة من البراءات فيها جميع ذكر الحق يريد أو أذكار الحقوق، قالت
البراءات الباقية زيادة عليه فإنه يحلف ويبرأ.
قال أبو محمد وهذه المسألة لم أجدها وروايتي في العتبية / من رواية يحيى
ابن عبد العزيز عن العتبي وهي رواية ذكر الحق وهي في كتاب ينسب إلى سحنون
في الشهادات وقال رواها أصبغ عن ابن القاسم وقال في سؤاله وقال في الأكبر
قد
[9/ 379]
__________
(1) البيان والتحصيل، 10: 527.
(9/379)
دخل ذلك في الحساب والبراءة من غيره فزاد:
قال ذلك، كله سواء وذلك له براءة ويحلف إذا ادعى الآخر غير ذلك وإن كانت
البراءات أقل من ذكر الحق غرماه ما بقي.
قال أصبغ وردتها على ابن القاسم فثبت على هذا قال أصبغ: وهو رأيي.
وروى ابن القاسم عن مالك فيمن كتب على رجل ذكر حق وكتب فيه أن براءته منه
أن يأتي بذكر الحق فجاء به وقال الطالب سرقه مني فلا يقبل منه ويبرأ
المطلوب بعد أن يحلف ما أغنى له فيه وذلك مما يجوز بين الناس.
وإن كتب فيه: وإن جاء بالصك فليقبض به فيأتي به غير صاحبه قال: فلا يرفع
إليه شيء إلا بوكاله، ورواه أشهب عنه.
في الإقرار في النكاح والتداعي فيه
وما جرى فيه من ذكر الطلاق
من كتاب ابن سحنون ومن أقر أنه تزوج فلانة بألف درهم فصدقته ثم جحد الزواج
فإقراره يلزمه إن كانا طارئين وإن كانا من أهل البلد وأقر بذلك الولي ولم
يبين بماذا فذلك جائز ويأتنف الإشهاد فإن تقارا بالوطء فإن كانا من أهل
الحاضرة حدا ولا نكاح بينهما وإن كانا طارئين/ فذلك لازم للزوج. فإن مات
قبل البناء وقبل أن تدعي المرأة ذلك ثم ادعته وهما طارئان فذلك جائز ولها
الميراث والمهر، ولو أقر بهذا في مرضه وهما طارئان فهي زوجته ولها الميراث
ولا يصدق في المهر إن كان ورثته كلالة فإن كان ورثته ولدا صدق في المهر إن
سمي مهر مثلها فأقل إلا أن يكون أقر في المرض أنه تزوجها في المرض فذلك لا
يجوز.
ولو كانا غير طارئين فأقر في المرض أنه تزوجها في المرض أو في الصحة لم يجز
ذلك ولا مهر لها ولا ميراث.
فإذا أقرت امرأة أنها تزوجت فلانا بألف درهم ثم جحدت ذلك وادعاه الزوج وأقر
الولي أنه زوجها إياه بذلك فهو جائز ويؤمر بالإشهاد وإن أنكر ذلك الولي لم
يلزمهما إقرارها وإن تمادت عليه.
[9/ 380]
(9/380)
وإن أقرت في مرضها أنه تزوجها فصدقها وهما
طارئان فذلك مقبول ويتوارثان بذلك فإن لم يكونا طارئين فأقرت في مرضها أنها
تزوجته في صحتها وصدقها الولي فلا يقبل ذلك منها. ولو أقرت في صحتها بذلك
ثم مرضت فماتت قبل البناء وصدقها الولي أنه زوجها منه في صحته أو ادعى ذلك
الزوج بعد موتها فله الميراث وعليه الصداق.
وإن قالت تزوجته بلا بينة وقال هو بل بالبينة ولم يبن بها قيل له هلم
البينة فإن لم يجدها وأقر الولي بالنكاح
ثبت النكاح وقيل لهما اشهدا فيما يستقبلان.
وإن تقارا بالبناء وهي في حوز الزوج / وهما طارئان فالنكاح جائز ولا يكشف
الزوج عن شيء.
وإن كانا من أهل البلد فتقارا بالبناء فإن أتى الزوج بالبينة على النكاح
ثبت ذلك وإن لم يأت بها وأقر بالوطء حددتهما.
وإذا قالت: تزوجته وأنا في عدة وقال هو بل في غير عدة فالقول قوله.
وإن قالت تزوجته قبل أن أعتق وقال الزوج بل بعد أن عتقت أو قبل ذلك سواء
فالنكاح جائز.
ولو قال: تزوجتها بعد أن أسلمت وكانت مجوسية وهو مسلم وقالت هي: تزوجني قبل
أن أسلم فالقول قول الزوج. وقال محمد بن عبد الحكم القول قولها لأنها كانت
مجوسية.
قال ابن سحنون: ولو قالت تزوجته قبل أن أبلغ وقال الزوج بعدما بلغت فقال
سحنون مرة القول قولها وعلى الزوج البينة ثم قال بل القول قول الزوج وعلى
المرأة البينة لأنها تريد إبطال النكاح. وقوله الأول قول أهل العراق
وقالوا: وكذلك لو قالت تزوجتك وأنا مغلوبة على عقلي وقال الزوج بل وأنت
بصحة فالقول قوله.
[9/ 381]
(9/381)
وقال غيرنا: إن عرف أنها كانت مغلوبة على
عقلها فالقول قولها وإن لم يعرف ذلك فالنكاح لازم. وقالوا: هي بخلاف
المجوسية لأن المجوسية قد يجوز نكاحها.
وإن قال: تزوجتك وأنا صبي وقالت هي بل وأنت بالغ فالنكاح ثابت وإن بنى بها
فلها المهر فإن لم يسم فلها صداق المثل وإن لم يبن بها فطلقها/ فلها نصف
المسمى وإن لم يسم لها صداقا فلها المتعة إن أطاع.
قال ابن عبد الحكم: فإن أسلمت مجوسية فقال مجوسي تزوجتها وقال مسلم تزوجتها
وهم غرباء فقالت هي: تزوجني المسلم وأنا مجوسية وتزوجني المجوسي وأنا مسلمة
لم يثبت نكاح واحد منهما عليها.
قال ابن سحنون: وإذا قال تزوجتك وأختك في عقد قال ابن عبد الحكم أو قال
وأختك عندي قالا: وقالت المرأة بل تزوجتني وحدي ولم تكن أختي عندك فإن
النكاح يفسد لإقراره بفساده وعلي نصف الصداق المسمى إن لم يبن بها وإن لم
يسم صداقا فلا شيء لها. قال ابن عبد الحكم لها المتعة. قال ابن سحنون: وإن
بني بها لم يصدق على إبطال الطلاق والسكنى وكذلك لو ادعى أنه تزوجها في
عدة.
وإذا أقر أنه تزوجها وقد كان طلقها قبل ذلك ثلاثا فتزوجها قبل أن تنكح غيره
وقالت هي: ما طلقني أو قالت طلقني وتزوجت غيره ودخل بي وطلقني فليفرق
بينهما بإقراره على نفسه ولها المسمى إن بنى بها وإن لم يسم صداقا فلها
صداق المثل وإن لم يبن بها، وإن أقر لها بالتسمية فلها نصف وإن لم يسم فلا
شيء لها ولا متعة لأنه يقر بنكاح مفسوخ.
وإذا قال: تزوجتها أمس وقال: قلت إن شاء الله وقالت هي: ما استثنيت وقاله
الولي فالنكاح لازم. وقال غيرنا: لا يلزمه، وكذلك إن ادعت هي الإستثناء
ونفاه هو، وإذا أقر سيد الأمة أنه زوجها/ لزمه النكاح، وإن أقر بذلك سيد
العبيد لم يلزم العبد النكاح في إجماعنا.
[9/ 382]
(9/382)
قال: وكذلك أبو الصبي والصبية فإنه يلزم
الإبن والإبنة النكاح بإقرار الأب، وإن قال رجل لإمرأته ألم أتزوجك أمس؟ أو
قال أليس قد تزوجتك أمس؟ أو قال أو ما تزوجتك أمس؟ فقالت بلى ثم جحد الزواج
فهذا إقرار في إجماعنا.
قال محمد: قوله أو ما تزوجتك؟ كقوله أو ما قلت لك كذا؟ فهو إثبات كقوله ألم
أتزوجك؟
وإن قال لها: قد تزوجتك أمس فأنكرت ثم قالت بلى قد تزوجتني فقال هو ما
تزوجتك فلا يلزمه النكاح بهذا، وقال غيرنا: يلزمه.
وإذا قالت امرأة لرجل قد طلقتني أو قد خالعتني وهما طارئان فهذا إقرار
منهما بالزوجية، وكذلك لو قال الزوج إختلعت مني وقالت هي طلقتني فهذا إقرار
منها بأنها زوجته.
قال ابن سحنون: وإن قال لها إختاري أو أمرك بيدك في الطلاق فهو إقرار
بالنكاح.
وإن قال لها أنت علي حرام أو بائنة أو بته فليس بإقرار بالنكاح لأن
الأجنبية عليه حرام إلا أن تسأله هي الطلاق فيجيبها فهذا إقرار بالنكاح في
إجماعنا.
وكذلك لو قال لها: أنا منك مظاهر بخلاف قوله أنت علي كظهر أمي، ولو قال أنا
منك مول فهو إقرار بالنكاح في إجماعنا.
وإن قالت: أنت علي كظهر أمي إن وطئتك أو (1) إن دخلت دار فلان فهو إقرار
بالنكاح، وكذلك قوله ألم أطلقك أمس؟ أو قال: أو ما طلقتك؟ أو ليس قد طلقتك
أمس؟ فهذا إقرار بالنكاح / وبالطلاق.
ولو قالت له وهما طارئان قد خالعتني أمس وأنت مظاهر أو مولي مني فهو إقرار
منها بالنكاح.
وكذلك هذا ابني منك فصدقها أو قال هو ذلك فصدقته فهو إقرار بالنكاح في
إجماعنا.
[9/ 383]
__________
(1) في الأصل غير واضحة ولعل الصواب ما أثبتناه.
(9/383)
قال ابن عبد الحكم: ولو قالت له ما أنفقت
علي كما ينفق على الزوجات أو قال أجري (1) على ولدم مني هذه النفقة أو قالت
اجعل لي الطلاق بنفسي منك فهو إقرار بالنكاح.
ولو قالت له: طلقني فقال لها أمرك بيدك أو أنت طالق فهو إقرار منه بالنكاح.
قال ابن سحنون: وإذا أقر أنه تزوج امرأة ثم مرض فمات قبل أن تصدقه ثم أتت
بعد موته فصدقته وصدق الولي وهما طارئان فهي امرأته ولها الميراث في
إجماعنا.
وإن كان من أهل البلد ولم يبن بها ثبت النكاح وورثته، وإن كان ذلك بعد
البناء فأقرت هي بالوطء فإنها تحد ولا صداق لها ولا ميراث، ولو أقرت هي
بالنكاح في صحتها ثم ماتت قبل أن يصدقها الزوج ثم أتى فصدقها وهما طارئان
فالنكاح ثابت ويرثها.
قال ابن عبد الحكم: وإذا قال تزوجتها قبل أن أولد لم يلزمه ذلك في قولنا
وقول أبي حنيفة، وهذا يدل أن اللعب في النكاح لا يلزم، ولو قال تزوجتك في
المنام لم يكن هذا بشئ.
وإذا أقر أنه تزوج هذه المرأة ثم مات قبل أن تصدقه أو قالت امرأة تزوجت هذا
فماتت قبل أن يصدقها ثم صدق كل واحد منهما الآخر بعد موته فالنكاح لازم
ويرث كل واحد الآخر كما لو احتضر فقال: لي امرأة / بمكة سماها ثم مات فطلبت
ميراثها منه أن ذلك لها.
وكذلك لو قالت امرأة زوكي فلان بمكة فأتى بعد موتها فإنه يرثها باقرارها.
[9/ 384]
__________
(1) (أو) ساقطة من الأصل، أثبتناها لإثبات تسلسل صيغة الاستفهام.
(9/384)
في الإقرار بالطلاق
وفي المبتوتة تقول تزوجت زوجاً وطلقني
هل تحل بذلك للأول؟
وكيف إن تزوجها ثم قامت عليه بينة
أنه طلقها طلقة فقال كان ذلك في العصمة الأولى
والبينة لم تؤرخ ونحو هذا
من كتاب ابن سحنون: وإذا قال لامرأته طلقتك وأنا صبي صدق في قول ابن القاسم
وأهل العراق.
ولو قال: طلقتك في منامي أو قبل أن أولد لم يلزمه عنده ولا عندهم شئ.
وقال سحنون: يلزمه الطلاق وهو كالنادم وكمن قال طالق لا طالق.
ولو قال: طلقتك وأنا مغلوب على عقلي فإن كان ذلك قد أصابه فلا شئ عليه عند
ابن القاسم وأهل العراق وإن لم يصبه فالطلاق يلزمه. وقال سحنون: يلزمه
الطلاق على كل حال.
وإذا قال لامرأته كنت قلت إذا تزوجتك فأنت طالق فالطلاق يلزمه وإن تزوجها
اليوم ثم أقر أنه طلقها أمس فلا يلزمه شئ إلا أن يقول قلت أمس إن تزوجتك
فأنت طالق فيلزمه.
وإن قال: طلقتها إن شاء الله أو طلقتها وقلت إن شاء اله فالطلاق لازم ولا
ينفعه استثناؤه.
وإن قال: طلقتها منذ ثلاثة أشهر وقد تزوجتها قبل ذلك وقالت هي ما أدري متى
طلقني / فالطلاق لازم والعدة من يوم إقراره.
وإن أقر أنه طلقها ولم يمسها وليست له بامرأة لزمه الطلاق.
وإن قال: لي امرأة أخرى لم يصدق إلا ببينة فإن قامت بينة قيل له أيهما
نويت؟ ويصدق.
[9/ 385]
(9/385)
ولو قال زينب طالق وامرأته تسمى زينب وقال
زينب الأجنبية فإن قامت عليه بينة لزمه الطلاق وإن جاء مستفتيا لم يلزمه.
وكذلك لو نسبها إلى أبيها أو إلى أمها أو إلى ولدها فقال ابنة فلان أو ابنة
فلانة طالق ولم يسمها فهذا كله يلزمه إذا قامت عليه بينة.
وقال محمد بن عبد الحكم: ومن تزوج امرأة ثم قال قد علمت أنك أختي من
الرضاعة وأنكرت هي الرضاع فليفرق بينهما ولها نصف الصداق.
وإن قال: امرأتي طالق وله امرأة معروفة فقال إن لي امرأة أخرى أردتها ولا
بينة له فإن التي تعرف تطلق ولا يصدق أن له أخرى إلا ببينة.
وإن قال: ابنة زيد طالق وله امرأة اسم أبيها زيد طلقت ولا يصدق أنه أراد
غيرها، وإن سمى أخرى بذلك النسب والاسم، وكذلك قوله بنت فلانة وأمها تسمى
بذلك الاسم، وإن كانت من ولد رجل معروف بالجد فنسبها إلى جدها فإن قال أردت
غير امرأتي لم يصدق إن كان ذلك نسباً مشهوراً، وكثير من الناس ينسب إلى
الجد إذا كان مشهوراً.
ولو قالت جارية لرجل هذا ابني منك ثم قالت ما أنا لك زوجة وإنما أنا أم
ولدك وقد أعتقتني وقال هو بل أنت امرأة لي ولو قالت له هذا ابني منك فقال
صدقت ولكنه / من زنى أو قال صدقت فقط لم يكن هذا إقرارا بالنكاح قد يكون
ابنه منها وهي أمة له فإذا وصل الكلام فقال من زنى لم يلحق به ولو قال ابني
هو ثم سكت ثم قال من زنى لم يصدق ولحق به.
قال ابن المواز وابن عبد الحكم: وإن قال: طلقت امرأتي عائشة ثلاثا أو حنثت
بطلاقها ثلاثا وشهد عليه عند الحاكم أو أقر وقال لي امرأتان اسم كل واحدة
عائشة والتي أردت منها غائبة.
قال ابن المواز إن علم أن له امرأة أخرى تسمى عائشة دين (1) وإن لم يعلم
إلا بقوله حيل بينه وبين الحاضرة وقضي بفراقها.
[9/ 386]
__________
(1) في الأصل (دين ذلك) ولا يصح الكلام إلا بإسقاط (ذلك) أو بإضافة (في)
إليها، فيقال (دين في ذلك).
(9/386)
قال ابن عبد الحكم: وإذا قامت عليه بينة
أنهم لا يعلمون له امرأة غير عائشة هذه فتلوم له الحاكم فلم يثبت عنده أن
له غيرها فليحكم عليه بطلاقها قالا جميعاً فإن جاءت بعد ذلك بينة تشهد بما
قال رد القاضى حكمه وردت إليه التى طلقت عليه وطلق عليه عائشة التى أرادها.
قال ابن المواز: ويفسخ الحكم الماضي. قال ابن عبد الحكم: ليس هو بفسخ حكم
إنما ظهر له خلاف ما حكم به في الظاهر كما لو حكم بموته ثم أتى حيا.
قال ابن المواز وهو كعبد طلق طلقتين فحكم عليه بالبتات ثم ثبت بشاهدين أنه
كان حرا قبل طلاقه فتكون له الرجعة ويسقط عنه الحكم بالبينة وكذلك حر قتل
عبدا عمدا فحكم عليه بالقيمة وبالضرب والحبس ثم بين أن المقتول كان حرا
فينتقض الحكم ويرد القيمة ويقتل به.
/ وكذلك العبد يقتل حرا خطأ فيحكم فيه ثم يتبين أن القاتل حر فينتقض الحكم
وترجع الدية على العاقلة، وهذا كله بخلاف المطلق يرتجع ولا تعلم هي حتى
تنكح غيره. وامرأة المفقود تفوت بالبناء.
قال ابن المواز وابن عبد الحكم في المطلقة ثلاثا تريد نكاح الأول وتقول
تزوجت غيره وبنى بي وطلقني.
قال ابن المواز فأما المأمونة وبعد إقامة الزمان فلا أرى أن تكلف بينة ولا
تكشف وإن كانت من أهل الظنة ومن لا يوثق بها فلا يتزوجها حتى يستخبر لنفسه
ولو ارتفع إلى السلطان لم يأذن لمثل هذه إلا باستخبار وإذا وقع في قلب
الأول شك فليكف عنها حتى يختبر دون السلطان كأنه لا يرى للسلطان عليها
تكشف.
وقال ابن عبد الحكم: أما المرأة المقيمة التي لم يطل ذلك منها فلابد أن
يكون ذلك ظاهرا مكشوفا وإن طال الزماان ما يمكن موت الشهود فهي كالغريبة
وإن كانا غريبين قدما البلد فالقول قول المرأة.
[9/ 387]
(9/387)
وإن قالت المرأة قد تزوجت قبل أن تتزوجه
وقال الزوج تزوجتك قبل أن تتزوجي وهي غريبة فليفرق بينهما ولها نصف الصداق
إن سمى لها.
وإن قال: كان نكاحي تفويضا قبل أن تتزوجني وقد كان طلاقها ثلاثا وقالت هي
بل بعد أن تزوجت غيرك وسميت لي صداقا فليفرق بينهما ويحلف ما سمى لها ولا
صداق لها.
ومن طلق امرأته ثلاثا في مرار ثم تزوجها بعد زوج فقامت بينة / أن طلقها
طلقة أو اثنتين فقال كان ذلك في العصمة الأولى ولم تؤرخ البينة فهو مصدق
ولا تطلق عليه وكذلك من حلف بعتق رأس فحنث فأعتق رقبة ثم قيم عليه بذلك
اليمين ويحنثه فقال هو الحنث الأول فهو مصدق إذا لم تؤرخ البينتان.
في الإقرار بالعتق
ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقر لعبده أنه كان أعتقه أمس وقد كذب فإنه يعتق في
القضاء ولا يعتق في الفتيا في إجماعنا.
ولو قال: لقد أعتقتك واستثنيت فإنه يعتق في الفتيا والقضاء.
ولو قال: أعتقتك في منامي أو وأنا صبي فلا يعتق عند ابن القاسم وأهل العراق
في القضاء ولا في الفتيا ويعتق عند سحنون يريد في القضاء ويجعل قوله ندما،
فإن قال: أعتقتك وأنا ذاهب العقل فقال سحنون يعتق، وقال ابن القاسم وأهل
العراق: إن عرف أنه كان به ذلك لم يعتق وإن لم يعرف ذلك عتق بالقضاء، وإن
قال: أعتقتك قبل أن أشتريك أو أعتقتك أمس وإنما اشتراه اليوم فليعتق في قول
سحنون. وقال ابن القاسم وأهل العراق: لا يعتق إلا أن يريد أني قلت إن
اشتريتك فأنت حر فليعتق عند جميعهم.
ولو قال: أعتقت هذا لا بل هذا عتق جميعا.
ولو قال: أعتقتك على مال وفتات وقال العبد بل على غير مال فهو حر ولا شئ
عليه إلا بيمينه إلا أن يقيم بينة في قول ابن القاسم وأهل العراق.
[9/ 388]
(9/388)
وقال أشهب وسحنون / القول قول السيد ويحلف
لأنه لو قال له أنت حر وعليك كذا للزمه عندهم بخلاف الزوجة في الطلاق.
ولو قال له: جعلت أمرك أمس بيدك فلم تعتق نفسك وقال العبد ما أعتقت نفسي
فإنه يعتق، وكذلك أعتقتك على ألف فلم تقبل وقال العبد قبلته أو قال قد
أعتقتني على غير شئ فهو حر ويحلف وكذلك في تمليك المرأة في هذا.
وإذا أعتق شقصا له من عبد منذ زمان فقيم الآن عليه فقال أعتقتك وأنا معسر
وقال الشريك كنت موسرا فإن كان اليوم معسرا فلا شئ عليه وإن كان موسرا قوم
عليه إلا أن يعلم أنه إنما تركه لعدمه والناس والسيد والعبد يعلمون ذلك فلا
تقوم عليه الآن.
ومن كتاب ابن عبد الحكم: ومن قال لعبده لا حق لي عليك فلا شئ عليه وهذا على
المال. ولو قال له لا حق لي عليك في رقبتك حلف ما أراد العتق فإن نكل لزمه
العتق. وليس إذا ادعى لم يكن له في رقبته حق كان حرا. وعبيد الناس لا حق
لهم في رقابهم، ولو قال قد أبرأتك من الرق الذي لي عليك فهذا عتق، ولو قال
لا حق لي في رقبتك فليس بعتق إذا حلف ما أراد عتقا قد يبيعه وقد يهبه.
ولو قال لعبده ما يحل لي بيعك فليس هذا بشئ يلزمه. وكذلك لا يحل لي أو لا
يحل لي ميراثك وكذلك لأمته لا يحل لي وطؤك أو قال النظر إلى عريتك أو قال
النظر إلى فرجك ويحلف في هذا كله. وإن مات قبل أن يحلف فهي رقيق.
/ ومن أعطى عبده لرجل وأمره أن يعتقه عنه فأقر أنه أعتقه عنه ثم أقر أن
رجلا آخر أعطاه إياه فأعتقه عنه بأمره مع قياس قول أشهب العتق نافذ ولو علم
ذلك ببينة فإن الولاء لدافع العبد ولكن أتلف ولاءه على الآخر لأن إقراره
الأول قد ثبت عليه ولأن أشهب من قوله إذا قال له اعتق هذا العبد عني فأعتقه
عن نفسه أنه حر عن الدافع وولاؤه له.
[9/ 389]
(9/389)
الإقرار بالكتابة
وشئ من التداعي في ذلك
من كتاب ابن سحنون: وإذا أقر أنه كاتب عبده على ألف درهم أو قال ولم أسم
مالا وقال العبد بل على خمسمائة فالعبد مصدق في إجماعنا.
وكذلك قوله كاتبتك أمس على كذا فلم تقبل وقال العبد كنت قبلت فالعبد مصدق
كالبيع يقول كنت بعتك عبدي بكذا فلم تقبل وقال الآخر قبلت فالمبتاع مصدق.
ولو قال: كاتبت هذا لا بل هذا على كذا وكلاهما يدعي فيلزمه أن يكونا
مكاتبين.
ولو قال: كاتبت هؤلاء الثلاثة على الألف درهم إلا هذا وقال المستثنى أنا في
الكتابة فالقول قول السيد مع يمينه. وكذلك في العتق والطلاق.
وإن قال: كاتبتك وأنا صبي فلا شيء عليه عند ابن القاسم وأهل العراق وقال
سحنون: تلزمه الكتابة، وكذلك في البيع والشراء، ولو قال: كاتبتك قبل أملكك
وقال العبد بعد أن ملكتني (1) فالقول قول العبد في قولهم أجمع.
وإن قال / كاتبتك وقلت إن شاء الله فلا استثناء في ذلك، وقال غيره تنفعه
والسيد مصدق مع يمينه.
قال محمد: وأجمعنا أن إن قال كاتبتك واستثنيت الخيار لنفسي وقال العبد بلا
خيار أن القول قول العبد.
قال ابن المواز وابن عبد الحكم: وإذا قال كاتبت عبدي ميمون على مائة دينار
ثم قال لم أكاتبه وإنما كاتبت عبدي نصرا قال ابن المواز: كتابة ميمون بمائة
بلا يمين وتلزمه كتابة نصر، وقال ابن عبد الحكم: إن ادعى ذلك، العبد إن
كانا
[9/ 390]
__________
(1) في الأصل، بعد أن أملكتني.
(9/390)
مكاتبين جميعاً وليس عليهما ولا على أحدهما
يمين كما لو أقر لواحد أنه كاتبه ثم رجع عن ذلك فطلب يمين العبد فليس ذلك
له، قالا: وكذلك لو قال تزوجت فلانة بهذا العبد. قال ابن عبد الحكم ودفعه
إليها ثم أنكر النكاح وقال ابن المواز: ثم قال نسيت وطلب يمينها قالا: فليس
له أن يستحلفها، وكذلك لو أقر لرجل بدين ثم رجع عن إقراره وأراد أن يستحلفه
فليس ذلك له.
قال ابن المواز: أما في إنكاره أو قوله غلطت أو نسيت فلا يمين له عليه وأما
إن قال قد أقررت لك بذلك وأشهدت له ولكن تركت ذلك وديعة عنده أو رددته إليه
رأيت له عليه اليمين فإن حلف بريء من دعواه وإن نكل حلف الآخر وله أن يغرمه
مرة أخرى.
قالا: وكذلك إن شهد له شاهدان بحق فأراد المطلوب يمين الطالب فليس ذلك له،
قالا: وإن قال: كاتبت عبيدي وعبيدي هؤلاء الثلاثة بألف إلا فلانا منهم فذلك
إستثناء جائز ويكون / الاثنان مكاتبين بألف ويرق الذي استثنى إلا أن يقر له
بكتابة أخرى.
وقال ابن المواز: وكذلك إن قال إلا فلانا منهم فإني كاتبته على مائة إردب
قمح فهو إستثناء جائز.
في الإقرار بالرق
والدعوى في الحرية والنسب
من كتاب ابن سحنون قال سحنون: لا أعلم بين العلماء إختلافا أن الرجل
والمرأة يقران بالرق لفلان ولا تعلم لهما حرية أن ذلك جائز يوجب ملكهما
وكذلك صبي يعقل ويتكلم يقر بالرق وهو في يدي رجل يحوزه فلا يزيل عنه الرق
إلا البينة بأنه يحوزه.
قال محمد ابن عبد الحكم: وإن كان واحد من أقر بالرق معروف الأصل بالحرية
تعرف أمه أنها حرة لم يجز إقراره بالرق.
[9/ 391]
(9/391)
قال ابن سحنون: وأما اللقيط فقال أصحابنا
هو حر ولا ينظر فيه إلى حكم حاكم بحريته ولا يقبل إقراره بالرق. وقال
غيرنا: إذا لم يحكم بعتقه جاز إقراره بالرق.
وأجمعنا في امرأة معروفة بالحرية وأبواها أحرار (1) أن إقرارها بالرق باطل.
قال ابن المواز: وإقرار الصغير أنه مملوك لرجل ادعى رقبته فإقراره بالرق
باطل.
قال ابن المواز: وإقرار الصغير أنه مملوك لرجل ادعى رقبته فإقراره له جائز
إن كان يعرب عن نفسه. ولو قال الصغير أنا حر وأنا لقيط وقبل قوله ولم يلزمه
قول من هو في يديه وإن كان له حائزا لأنه لا يقر له بالرق.
قال ابن المواز وابن عبد الحكم في عبد يعرف بالملك لفلان فأعتقه ثم أقر
العبد بالرق لغير / مولاه فلا يقبل منه ذلك إلا ببينة كما لا يرق الحر نفسه
ولكن أقضى للمقر له بماله وبإمائه وعبيده إلا ما أعتق أو كاتب أو دبر أو
اتخذ أم ولد فليس له نقض شيء من هذا بإقراره غير أني أجعل خدمة المدبر
وكتابة المكاتب للذي أقر له بالملك وله انتزاع مال مدبره وأم ولده وكذلك لو
صدقه في ذلك من أعتقه إلا أنه يغرم ها هنا قيمة رقبة هذا العبد للمدعي ولا
ينقض عتقه ولا أزيل عنه ولاءه لأنه كالنسب.
قال أحمد ابن ميسر: وأما إن أقر بذلك في مرضه الذي يموت فيه فلا أقبل
إقراره في المال وهو ممنوع منه إلا ما يجوز له من وصيته ونفقته فأما مدبروه
ومكاتبوه فمثل مدبر الحر ومكاتبه إلا أن المقر يتقاضى الكتابة في صحة السيد
فإن عتق بالأداء فولاؤه للمعتق المقر ثم إن مات المكاتب فميراثه للمقر له
إن كان المقر حيا وإن كان ميتا فميراثه للذي ثبت له ولاء سيده أولا دون من
أقر له بالرق، ولو عجز المكاتب فإنه لمن أقر له بالرق، وأما مدبره فهو يخرج
من ثلثه إذا مات وولاؤهم للأول مع ما تركه المعتق من تركته، وكذلك ولاء أم
ولده لا تعتق بموته من رأس ماله.
[9/ 392]
__________
(1) استعمل الجمع خبرا عوض المثنى والمشهور في هذه الحالة المطابقة حيث
يقال وأبواها حران.
(9/392)
قال ابن المواز وابن عبد الحكم: ومن عرف
بالحرية فأقر بالملك لفلان لم يرق له بذلك أم ولده ولا ولده منها وهو حر
وكذلك ما تلد منه بعد ذلك.
ومن أعتق عبده ثم أقر العبد والسيد أنه كان ملوكا لزيد وادعى ذلك / زيد أو
أنكره فإنه لا يرق أبدا بإقراره ولا يرق إلا بالبينة ولا يزول الولاء
بالإقرار.
قال ابن عبد الحكم: وقال أصحاب أبي حنيفة إذا أقر بالرق لرجل وصدقه الذي
أعتقه جاز ذلك وإن لم يصدقه لم يجز لأن الولاء قد ثبت. قال محمد: فإذا ثبت
الولاء كيف يزول بالإقرار؟
قال ابن سحنون: ومن أعتق عبدا ثم أقر العبد أنه ملوك لآخر لم يجز الإقرار
إلا أن يصدقه المعتق فيجوز ذلك فيرق له. وهذا خلاف ما ذكر ابن المواز وابن
عبد الحكم.
قال ابن سحنون: إذا أقر أعتقه ثم أقر هو والعبد أنه لفلان وصدقهما فلان ولا
يعرف المعتق بحرية ولا جرى في عتقه حكم فإنه يرق لفلان في إجماعنا مع أهل
العراق وكذلك لو جرى بعد عتقه حكم بقصاص فيه أوحد أو شيء ما يحكم به في
الحر فأمضاه القاضي ولا يمنعه هذا أن يقبل قوله ويرق لمن أقر له.
وإنما الذي لا يرجع في الرق من كان مشهورا بالحرية وطال لأأمره فلا يقبل
قول هذا في إرقاق نفسه وإن صدق الذي أعتقه وعليه قيمته لفلان إن صدقه.
وأجمعنا فيمن في يديه عبد فأقر العبد أنه ملوك لآخر فكذبه الذي يحوزه وقاتل
هو عبدي فهو مصدق أنه عبده لإقرار العبد بالرق وصار كالقرض وصار الحائز
أولى به وتنازعوا في عبده بين رجل متشبث به لم يتقدم له فيه حيازة بملك
فقال هو عبدي وقال العبد أنا حر أو قال لفلان فقال أشهد / وسحنون وابن
المواز: القول قول العبد. قال ابن المواز إلا أن يقول له العبد أنت أعتقتني
فلا يقبل قول العبد إذا أنكر الذي هو بيديه عتقه.
قال ابن سحنون: وقال غيرنا: إن قال أنا حر فهو حر وإذا قال أنا ملك لفلان
فالقول قول الذي هو في يديه.
[9/ 393]
(9/393)
قال أشهب وسحنون: وإذا تعلق رجلان بعبد كل
يدعي ملكه فإن كان لا يتكلم كلف البينة فأن أقاماها قضي بأعدلهما فإن
تكافأتا كان بينهما. وكذلك إن لم يقيما بينة بعد أيمانهما، وإن نكل أحدهما
فهو لمن حلف وإن نكلا فهو بينهما وإن كان العبد كبيرا يتكلم ولا بينة لهما
كان العبد لمن أقر له بالرق.
وكذلك إن أقاما البينة وتكافأتا في العدالة بعد أيمانهما أو نكولهما، وإن
نكل أحدهما قضي به لمن حلف ولا ينظر إلى قول العبد أنه للآخر لأنه أبى أن
يدعيه حين نكل، وإن كانت إحدى البيتين أعدل قضي به لمن أقامها حتى يأتي
الآخر بأثبت من هذا ولا ينظر إلى قول العبد وكذلك إن أقامها أحدهما ولا
بينة للآخر قضى له بالبينة دون قول العبد.
وقال أبو حنيفة: إن لم تكن لهما بينة فهو لهما جميعا، قال أشهب: وهو لو
ادعى أنهما عبدان له لكلف البينة كما يكلفانها (1)
قال ابن المواز ومحمد ابن عبد الحكم في رجل لا يعرف أصله وهو يدعي الحرية
فأولد أمة له ثم أقر بالرق لرجل فإنه يرق له ويكون كل ما في يديه من رقيق
وعين وعرض يأخذه / منه إن شاء ولا يصدق على رق الولد ولا على رق أم الولد
ولا على رق المكاتب ولا من له من مدبر ومن معتق إلى أجل ولا يفسخ ما عقد في
عبده من إجارة ولا في أمته من نكاح ولا يصدق فيما تلد أم ولد من ذي قبل وهو
حر لأنه ولده من أم ولده ولا يجوز لها بيعها ولا أن يهبها.
قال ابن المواز: وللمقر له خدمة مدبرة وكتابة مكاتبة، وللمقر أن يعتق أم
ولده ولا حجة للذي أقر له بالرق في ذلك وليس له أن يعتق مدبره.
قال ابن عبد الحكم: ولو أن امرأة حرة في الظاهر فحدث فولدت أولادا فأقرت
أنها أمة لرجل وصدقها فإنها ترق له دون ولدها لما ثبت لهم من الحرية فلا
يرقون (2) بقول أمهم وكذلك لو كان صغيرا لا يعقل لم أرقه بقولهم.
[9/ 394]
__________
(1) فى الأصل، كما يكلفاها بحذف نون الرفع والصواب ما أثبتناه.
(2) في الأصل، فلا يرقوا بحذف نون الرفع.
(9/394)
وأما لو أقر رجل لامرأة بالملك لرجل فأقر
ذلك عليها ثم قامت بينة أنها حرة الأصل فإن هذا الرجل أعتقها قبل ذلك فإنها
يحكم لها بالحرية وليس للحر إرقاق نفسه والبينة أولى في هذا من الإقرار.
قال ابن سحنون قال أشهب وسحنون ومن بيده عبد بحوزه حيازة الرق بما يحوز
الناس به أرقاءهم فلا يقبل قول العبد أنه لرجل آخر يدعيه ولا دعواه أنه حر
وعلى السيد اليمين أنه لا يعلم أن لهذا فيه حقا.
وكذلك أم ولد الرجل لا يقبل إقرارها بالرق لغيره وكذلك لو أقرت أمة لرجل
بالرق ساعة واحدة ثم رجعت / مكانها فأقرت للآخر فإنها للأول إلا أن يقيم
الآخر بينة.
ولو أن قصارا أو ذا صنعة بيده عبد يحوزه فقال إنه عبدي وقال العبد بل أنا
لفلان أسلمني إليك وادعاه فلان فهو للحائز إلا أن يقيم الآخر بينة.
وكذلك إن حاز أمة فقالت أنا أمة لفلان أو مدبرته أو مكاتبته فالقول قول
الذي هي في يديه يدعي رقها.
وكذلك إن قالت: كنت لفلان فأعتقني وصدقها فلان فلا يقبل ذلك إلا ببينة إلا
أن يكون الذي هي في يديه لم يحزها ولم يعرف له منها خدمة ولا حوز وإنما
وجدت في يديه وقت الدعوى فالقول قولها.
ومن بيده غلام يحوزه بالملك فقال أنا ابن فلان وأمي أم ولده وقال الذي هو
وأمه في يديه أنت عبدي وأمك أمتي وقال الذي أقر له هو ابني فإن قال الغلام
ولد في ملك الذي هو في يديه فهو وأمه رق له ولا يلحق نسبه بمدعيه وإن لم
يعلم مولده إلا أن هذا يحوز بالملك فالقول أيضا قوله وأما إن وجد في يديه
متشبتا به ولم يتقدم له فيه حوز ولا خدمة معروفة فالغلام حر وإن لم يكن له
نسب معروف فهو لاحق بمن إدعاه في قول ابن القاسم.
[9/ 395]
(9/395)
وقال سحنون: لا يثبت بهذا النسب، وإذا ادعى
عبد رجل أنه ابنه أو أنه أعتقه فلا يصدق وهو رق لحائزه إلا أن تكون له فيه
حيازة ولا خدمة متقدمة وإنما هو متشبت به فإنه يكون حرا ولا يلحق به نسبه /
بدعواه.
وقال أحمد بن ميسر فيمن لا يعرف أصله وهو يدعي الحرية أقر لرجل بالرق فإنه
يرق له ويكون له ماله وأما ما ولد له فحر لا يضره إقرار أبيه. وكذلك ما
يولد له بعد هذا من أم ولده، وأما ما يولد له قبل انتسابه فيرقون برقه (1).
وما كان له من امرأة حرة فهي حرة فإن اختارت المقام فلسيده فسخ النكاح إن
لم يكن علم بالنكاح وإن بنا بها فلها المسمى وهي أولى بماله حتى تستوفي
مهرها، وإن لم يبن بها واختارت الفراق فلا مهر لها وإن اختارت المقام ففارق
عليه سيده فلها نصف الصداق وليس كعبد تزوجها بغير اذن سيده وإنما عقد هذا
ولا سبيل عليه وإنما حدد السبيل بإقراره.
ومن كتاب ابن سحنون ونحوه في كتاب ابن عبد الحكم: وإذا أقر رجل مجهول لرجل
بالرق فباعه المقر له فذلك جائز.
وكذلك الأمة وإن ادعت عتقا بعد البيع فإن أقامت بينة أنه أعتقها قبل البيع
أو أنها حرة الأصل قبلت بذلك وليس إقرارها بالملك إكذاب البينة كما لا
ألزمها إقرارها بالملك وهي معروفة النسب. وكذلك العبد.
ومن كتاب ابن المواز: ولو أن رجلا باع عبدا أو دفعه إلى المبتاع فقبضه ونقد
الثمن فمضى بالعبد إلى منزله والعبد ساكت لا يقر ولا ينكر وهو رجل أو صبي
يعقل فهذا إقرار بالرق ولا يصدق وإن ادعى الحرية / بعد أن بيع وقبضه
المبتاع إلا بالبينة. وكذلك لو عرضه للبيع وقلت فلم ينكر فهو إقرار بالرق
ولا يقبل إنكاره بعد ذلك. وكذلك إن وهبه أو أسلمه بجنايته فهو كالإقرار في
إجماعنا وكذلك لو كاتبه وأشهد عليه، وأما لو واجره ثم قال أنا حر قبل قوله
وقد يكون عليه الخدمة فيؤاجره، أما الرهن والبيع والسلام (2) في الجناية
وهو يعلم فلا ينكر
[9/ 396]
__________
(1) العبارة في الأصل، مضطربة وقد صححناها حسب سياق الكلام.
(2) كذا في الأصل، والظاهر أن المقصود والسلم.
(9/396)
قال سحنون: فلا يفعل منك هذا إلا بعهده،
ألا ترى لو كان بخدمة فقال أنا حر فالقول قوله لأن الخدمة ليست بإقرار
بالرق، وكذلك الاجارة وهو إقرار من المستأجر فإن العبد ليس له إلا أن يطول
الخدمة حتى يخرج من حد الاجارة.
ولو قال لرجل أعرني هذا العبد يخدمني فهذا إقرار من المستعير للمعير في
إجماعنا.
ومن قدم من بلد ومعه رجال ونساء وصبيان يخدمونه فادعى ملكهم وادعوا الحرية
فإنهم أحرار إلا أن يقيم البينة.
وإن كانوا أعاجم أعتاما أو سندا أو حبشا فهو بمنزلة هذا في إجماعنا إلا أن
يحازوا بما يحاز به الأرقاء من الوطء والبيع والاستخدام فيكون القول قول من
حازهم بمثل هذا أو يقرون بالملك بكلام أو بالبيع.
ومن عرض جارية للبيع وسام بها وهي ساكتة لا تنكر فليس هذا إقرار بالرق
وتصدق أنها حرة. وكذلك الغلام الذي يعقل.
وقال ابن عبد الحكم: ومن عرض غلاما للبيع وقلب على ذلك أو كانت أمة فلا /
ينكران ولا يدفعان فهو إقرار بالرق ولا ينفع دعواهما بعد ذلك الحرية إلا
ببينة.
ولو قالت الجارية بعتني لفلان فهو إقرار بالرقوكذلك قولها أرهنتني، وأما
قولها زوجتني فليس بإقرار، وإن قالت: هو أعتقني فليس بإقرار بالرق.
وكتب سحنون إلى شجرة في الذي أوصى بعتق جارية وهي حاضرة تسمع وصيته فلما
مات قالت إني حرة وقالت البينة إنها تسمع وصيته فلم تقر ولم تنكر وقالوا
إنا لا نعرفها له ملكا، قال: لا يضرها سكوتها. وعن امرأة (1) زوجها رجل أقر
وأقرت بذلك فلا يكون إقرارها بذلك إقرارا بالرق للذي زوجها. ولو كاتبها إذا
أعتقها على مال أو باعها نفسها كان إقرارا منها بالرق.
[9/ 397]
__________
(1) في الأصل وغرماء زوجها.
(9/397)
ولو قالت آجرتني من فلان فليس بإقرار
بالرق، ولو قال أرهنتني منه أو تزوج فلانة على رهن فهو إقرار بالرق. وكذلك
لو قالت لامرأة اختلعي من زوجك في اجماعنا.
ومن قال لآخر قد أعتقتني وهو مجهول فقال الآخر ما أعتقتك فهو إقرار بالرق
وكذلك لو قال ألم تعتقني أمس؟ أو قال أليس قد أعتقتني؟ أو قال أو ما
أعتقتني؟ فهو إقرار بالرق.
وقال ابن سحنون: ومن استأجر عبدا ثم ادعى رقه لم يصدق في اجماعنا ومن بيده
غلام لا ينطق يقول هو عبدي وجاره بالملك فلما كبر الغلام قال أنا حر فعليه
البينة في إجماعنا ولو كان الغلام ينطق فقال الرجل أنت عبدي / وقال الغلام
أنا حر فالقول قوله.
وكذلك الجارية والصغير والكبير في هذا سواء إذا لم يتقدم له فيه حوز بملك
ولا خدمة وكذلك لو قال أنا عبد لآخر ادعاه فالقول قول العبد، وكذلك لو قال
الصبي أنا لقيط فهو حر في إجماعنا.
قال ابن عبد الحكم في صبي قد عقل وهو بيد رجل فقال أنا ابنك من أم ولدك هذه
وهي أمة له وقال بل أنت وهي رقيق لي فهما رقيق له لأن الأم في يديه ولم
يثبت أنها أم ولد ببينة ولا إقرار.
قال أشهب وسحنون في الذي في يديه صغير يدعي ملكه إن القول قوله كالثوب في
يديه.
ومن في يديه أمة يحوزها ولها ولد فقال حائزها هذه لفلان فالقول قوله وكانت
أمة لفلان ويبقى ولدها لها إن زعم الولد له رقا إذا كان الولد معروفا بالرق
أو كان صغيرا وقد يقول بعتها بعد أن ولدت أو وهبتها فيصدق.
قال ابن عبد الحكم: ولو أقر أنها لرجل من سنتين ومنا ولد ولدته من أقل من
سنتين فإنها مع ولدها للمقر له.
[9/ 398]
(9/398)
قال ابن سحنون عن أبيه: ولو قامت بينة أنها
لفلان قضيت له بها وبولدها لأن البينة نفت ملك الآخر عن الأمة والأول إنما
أخذ بإقراره وهو لا يرجع بالثمن على أحد والمحكوم عليه بالثمن على بائعه
إلا أن يقول المقر وهبتها له قبل أن تلد فيقضى للآخر بها وبولدها.
وقال ابن عبد الحكم سواء الإقرار / في هذا والبينة إذا قامت بينة على أمة
أنها لفلان ولها ولد فالجارية له بلا ولد لا نعلم يشهد له بالولد ولا تثبت
أنها ولدته بعد أن ملكها. ولو جاز الفرق بين الإقرار والبينة جاز أن يقول
تجعلها له في الإقرار فولد الأول جعله له في البينة.
قال ابن المواز وإن قدمت امرأة بلدا فادعت أنها حرة فتزوجها رجل ثم قدم رجل
آخر فقال هي أمتي فأقرت له بذلك فلا يقبل منها إلا بينة وتبقى بحالها
وأولادها أحرار ما ولدت قبل إقرارها أو بعد.
ولو مات ورثها زوجها وولدها، ولو مات هو لم ترثه هي إلا أن يرجع ويذكر عذرا
يعذر به في إقرارها مثل أن يقول أقررت هربا من زوجتي وشبه ذلك فذلك لها.
ولو ماتت ولا ولد لها لورث الزوج النصف والنصف لبيت المال.
قال أحمد بن ميسر: وليس للذي أقرت له أن يأخذ قيمة ولدها من أبيهم ولا ترث
ولدها إن مات لأنه حر وهي مقرة أنها أمة فإن فارقها الزوج كانت عند السيد
بملك اليمين.
قال ابن سحنون: وإذا تزوجت امرأة على أنها حرة وهي غريبة لا يعرف أصلها ثم
أقرت بالملك لرجل صدقناها وتكون أمة له ولا تصدق على فساد النكاح، والزوج
مخير إن شاء فارق أو ثبت على النكاح، وإن كان دفع إليها مهرها قبل أن يقر
بالرق فهو برئ منه فإن طلب أن يفارق وكان أكثر من صداق مثلها رجع عليها
بالفضل وإن نسب بالنكاح لزمه جميع المهر وإن دفع المهر / إليها بعد إقرارها
بالملك لم يبرأ منه إلا أن يدفعه بإذن سيده، وكل ولد ولدت قبل الإقرار فهم
أحرار.
[9/ 399]
(9/399)
وإن كانت حاملا يوم أقرت فما في بطنها حر
وإن لم يعرف أحامل هي أم لا وهو مرسل عليها فما وضعت لأقل من ستة أشهر فهو
حر وما وضعت لأكثر فهو عبد وما حملت به بعد إقرارها فهو عبد. وإن طلقها بعد
إقرارها طلقتين لم تحرم عليها وطلاقها ثلاثا وعدتها عدة الأمة، ولو طلقها
قبل إقرارها طلقتين ثم راجعها فهي عنده علي طلقة ولو لم يراجعها كان له أن
يراجعها.
قال محمد بن عبد الحكم: إن ما ولدت قبل إقرارها وبعده وما في بطنها حر ولو
جعلت ما تلد رقيقا لفسخت النكاح ولو أوجبت عليها الرق من يوم يقر جعلت علي
الأب قيمة الولد كما لمستحقه وهي حامل، ولو ماتت لورثها الزوج لأنه لم يقر
أنها أمة! ولو مات الزوج لم يرثه هي فأقبل قولها فيما كان لها ولا أقبل
قولها عليه، ولو ثبت عليها الرق لفسخت نكاحها ولو طلقها طلقتين بعد الإقرار
كان له الرجعة.
هذا مما للزوج ولو طلقها اثنتين قبل الإقرار لم يزل إقرارها بالرق ما للزوج
من الرجعة وقد جامعنا علي هذا مخالفنا وهذا حجة لنا فيما خالفونا فيه.
ومن كتاب ابن سحنون: ولو أن رجلا مجهولا أقر بالرق لرجل وللمقر مال وعبيد
وولد لزمه ذلك في نفسه وماله ولا يصدق في أم ولده وولده ومدبره ومكاتبه في
إجماعنا.
ولو أن امرأة / مجهولة في يديها ابن لها صغير أقرت أنها وابنها رق لفلان
فهي مصدقة وهي وابنها رق له، ولو كان ابنها يتكلم فقال أنا حر فهو مصدق
ويكون حرا.
وأخبرني محمد بن يسار عن سحنون في رجل وامرأة قدما من بلد وهما زوجان فيما
قالا ثم قدم رجل فأقرت المرأة أنها أمة له فلا تصدق وعلي المدعي البينة.
وقال أيضا يقبل قولها في نفسها لا في الولد ولا في فتح النكاح وهذا القياس
والقول به.
ولو أن رجلا وامرأة في أيديهما ابن لهما صغير لا يتكلم فأقرا أنهما وابنهما
رق لفلان فذلك جائز عليهما وعلي الابن.
[9/ 400]
(9/400)
ولو قالا نحن رق لفلان وابننا لفلان آخر
فهو كما قالا إن صدقهما مولاهما فإن كذبها في الولد فالولد له معهما في
إجماعنا.
ولو أن رجلا وامرأة مجهولان كل واحد منهما يقول إنه رقيق للاخر وليس واحد
منهما في يد الآخر وكل واحد مصدق للآخر فهذا باطل ويبقيان علي ما كانا
عليه.
وأما لو تقدم إقرار المرأة للرجل وثبت رقها ثم أقر هو بعد ذلك أنه عبد لها
وصدقها فيما قالت ففيها لسحنون قولان:
أحدهما قال أولا قد ثبت وحرية الرجل بإقرارها له فليس له أن يرق نفسه وتعتق
الأمة بإقراره أنه لا رق له عليها، والقول الآخر أن الرجل الذي أقر أخيرا
مملوك للأمة إن ادعت ذلك وكذلك الرجل، لأن الثاني يصير مقرا بحرية الأول
وأنه رقيق له وهو مجهول فإذا صدقه الأول ثبت رق الثاني له كما لو قال/ رجل
مجهول لآخر أنا عبدك فقال له الآخر لا ثم قال صدقت وتمادي الأول علي إقراره
فإنه عبد له كعبد لك يقر لك بالمال فكذبته ثم صدقته وهو متماد علي إقراره
فإنه عبد لك.
ولو أن الرجل المجهول أقر لآخر بالملك فكذبه ثم رجع المقر فقال ما أنا لك
بعبد ثم رجع الذي كان كذبه فادعي ملكه فلا يقبل منه ولا سبيل له علي المقر
إذا جحد قبل رجوع المقر له.
ألا تري لو أن رجلا في يديه عبد فقال هو لفلان فقال فلان لا ثم قال بلي
فقال من هو بيده بل عبدي، فالقول قوله ولا حق فيه للاخر.
وإن قال من هو بيده هو عبدك يا فلان فقال له فلان بل هو لك ثم قال بل هو لي
وجحد المقر فأقام له البينة فلا تقبل بينة لأنه أقر به لحائزه.
وكذلك من أقر بعبد لزيد ثم أقام بينة أنه له فلا يقبل منه، ولو ادعي رجل
دارا إلا بيتا منها فجحد ذلك حائزها فأقام المدعي البينة أن الدار له وقال
كنت
[9/ 401]
(9/401)
بعت البيت فإني أقبل بينته. ولو قال: لم
يكن البيت لي قط كان قد أكذب شهوده فلا تقبل بينته في إجماعنا.
قال محمد بن عبد الحكم: وإن كان رجل يخدم رجلا فقال له ليس منك حر إلا
السدس وقال الخادم بل نصف حر فالقول قول الخادم إذا لم يقل أعتقني لأنه لم
يحزه كله علي الرق إذا كان فيه جزء من الحرية.
قال ابن المواز ومحمد بن عبد الحكم: ولو كان غلام في يدي رجل / فادعي رجل
آخر أن له ثلثيه وأنه أعتقهما وقال الذي هو في يديه إنما ثلثاه لي ولك أنت
ثلثه أعتقه فلي عليك قيمة الثلثين فالقول قول الذي بيده العبد لأنه حاز كله
علي الرق مع يمينه ويغرم له الآخر قيمة (1) ولا ينظر في هذا إلا أن هذا
يدعي قيمة الثلثين والآخر يقول إنما علي قيمة الثلث لأن من يحوز عبدا
بالملك فهو مصدق فيما يدعي من رقه.
فالأول قال الذي هو بيده لي ثلاثة أرباعه وربعه لك يا فلان وقال العبد بل
ربعاي لفلان ورعي لك، كان للذي في يديه العبد ثلاثة أرباعه لأنه إذا أقر
العبد برق ثلاثة أرباعه فحائزه أولي بما رق منه وإنما سقط عنه ما ادعي
العبد من الحرية فقط فيكون ربعه حرا.
قال ابن المواز بعد أن ذكر هذا الجواب: الجواب صحيح ما خلا قول العبد ربعي
حر فإني أتوقف عنه إذ لا يكون في عبد رق وإن قل إلا وأوصله رقيق كله وهذا
بخلاف قول العبد جميعي حر.
قالا: ولو قال حائزه لي ربعه ولفلان ربعه ولفلان آخر ربعه فسمي غير الذي
أقر لهما العبد فالقول قول حائزه. وأما إن قال العبد: ثلاثة أرباعه حر
فالقول قوله.
قال: وإن أقر في مكاتب له أو مدبر أنه ملك لفلان لم يفسخ التدبير ولا
الكتابة فإن رقا أخذهما المقر له وإن أدي المكاتب عتق وولاؤه لعاقد الكتابة
[9/ 402]
__________
(1) كلمة غير واصحة في الأصل.
(9/402)
ولكن أقضي بما أدي المكاتب من الكتابة
للمقر له وبخدمة المدبر فإن مات المقر أعتق / في الثلث وولاؤه للذي دبره.
وإن رق منه شئ أخذه ذلك المقر فكان رقيقا وإن قال المقر له أنا آخذ مال
المكاتب الذي لم يؤده فليس ذلك له. وإن قال آخذ مال المدبر مع خدمته فذلك
له لأن للسيد أخذ مال مدبره فمن له به أخذه منه، ومال المكاتب ليس لسيده
أخذه منه.
في الإقرار بالولد
من كتاب ابن سحنون قال: ومن في يديه صبي أو صبية فقال هذا ابني وهذه ابنتي
ومثله يولد وليس له نسب معروف فقال ابن القاسم وأهل العراق هو به لاحق، قال
ابن القاسم: ما لم يكن يعرف كذبه.
وقال سحنون: لا يلحق نسبه أبدا إلا من ولد في ملكه من أمة عنده أو كانت له
وليس للولد نسب معروف.
وقال كبار أصحابنا وأنا أقوله إنه لا يلحق بنسب هذا الولد إلا أن تكون أمه
أمة كانت له وولدته عنده أو عند غيره ثم باعه ولم يحزه نسب أو كانت عنده
زوجة له بقدر ما يلحق به الأنساب ويشبه أن يكون ولد من حين زالت عنه وإلا
لم يلحق به.
وإن كان للصبي أم معروفة والولد في يديها فصدقته في النكاح وهما طارئان فهي
امرأته والولد ولدهما وكذلك الصبي بيد رجل فقالت المرأة هذا ابني منك فهو
ابنها وهذا زوجها إن كانا طارئين، وإن كانا من أهل البلد ممن يجهل لم
أصدقهما وإن تماديا علي الإقرار. / حددتهما.
قال ابن المواز ومحمد بن عبد الحكم: إذا أقر الحر بالولد لزمه ذلك إن لم
يعرف كذبه ولم يعرف للصبي نسب وكذلك اللقيط، وهو قول أشهب في اللقيط، وكذلك
عبد رجل يستلحقه أنه يلحقه به إن لم يتبين كذبه.
وإن قال هذا الولد ولدي من زني وأمه أمة لم تكن بذلك أن ولد ولا يلحق نسبه
ولا يعتق عليه ولو اعتقناه عليه لجعلنا أمه أم ولد وهي أولي أن لا تباع لأن
[9/ 403]
(9/403)
الأمة مجتمعه علي نفي ولد الزني ولا تنفي
ولده من أمه فيلزم من أعتقه أن يجعل أمه أن ولد.
قال أحمد بن ميسر: إذا كان ملكه لها معروفا لم يزل ملكه عنها لحق به وكان
كاذبا في قوله من زني.
قال ابن سحنون في امرأة لها زوج معروف وبايديهما صبي فقال الزوج هو ابني من
امرأة غيرك وقالت هي هو ولدي من رجل غائب، فالقول قولها فإن رجعت إلي
تصديقه ولم تكن سمت الآخر ولا وصفته بصفه كان ابنه إن ادعاه وإن سمت رجلا
نسبته حتي يعرف بتلك الصفة فلا يجوز أن يلحق بالأول وإن قدم الغائب فأنكر
الولد لم يلحق بالأول إلا أن ترجع الأم إلي تصديقه ولا يصدق هو والأم تنكر.
قال ابن المواز وابن عبد الحكم: ولو قال في عبد له إنه ابنه وللعبد أب
معروف فإنه يعتق هذا العبد عليه ولا يلحق به نسبه ولا ينتفي من أبيه
المعروف كان صغيرا أو كبيرا أو لو اشتري صبيا فقال هو ابني من زني / لم
يعتق عليه ولم يلحق به.
قال ابن عبد الحكم وقال النعمان إذا أقر في عبد في يديه أنه ولده من زني
فلا يلحق به ويعتق عليه وكذلك لو كان في غير يديه ثم ملكه وهذا غلط.
قال ابن عبد الحكم وقال أيضا: لو اشتري أمة فقال: ولدت هذه مني من زني لم
تكن له أم ولد ولم يعتق عليه.
قال محمد: وقوله وقول أصحابه أنه إن أولد أمة بنكاح ثم اشتراها أنها بذلك
أم لود ولا فرق عندهم بين ذلك.
وإن كان يؤخذ بالحكم فقد أجمعت الأمة ألا يلحق به ولد زني، وإن كان يؤخذ
بإقراره فقد أقر أنها أم ولده.
قال ابن المواز في امرأة معها ولد فادعاه رجل أنه ابنه منها قالت هي بل هو
ولدي من غيرك ولم تسم أحدا فإن لم يحزه نسب غيره لحق بمستلحقه ما لم يتبين
[9/ 404]
(9/404)
كذبه. وإن سمت أحدا وحضر فادعاه كان أحق به
بإقرار المرأة له وهذا إن كانا طارئين فإن لم يكونا غريبين نظر من كان
الحائز لها وتعرف به. فإن لم تكن حيازة كان ولد زني لا يلحق بواحد منهما.
قال ابن المواز وابن سحنون: ومن التلقط لقيطا فادعي أنه ابنه لحق به عند
أشهب.
قال ابن المواز: وكذلك إن التقطه غيره وبعد الدهر الطويل لقبل قوله عند
أشهب.
قالا وقال ابن القاسم: إن جاء بعذر في طرحه مما يعرف به وجه قوله لحق به
وإلا لم يلحق به.
قال ابن سحنون وقال أهل العراق مثل قول أشهب / أنه يلحق به. وقال ابن
القاسم لا يلحق به. قال أشهب: وكذلك المرأة تدعي اللقيط أنه ابنها أنه يلحق
بها. وقال ابن القاسم لا يقبل قولها.
ولو أن صبياً في يدي رجل ادعي انه ابنه وله أب معروف وأمه أمة له قال أشهب
وسحنون لا يعتق ولا يثبت نسبه لأن له أبا معروفا. قال أهل العراق: يعتق ولا
يثبت نسبه، وهذا فاسد، وقد أجمعنا لو قال في عبد في يديه هو مثله في السن
أنه ابني لا يعتق ولا يلحق به.
وكذلك من ادعي في عبد لغيره انه ابنه وجحد المولي وقال المدعي اشتريت أمه
أو تزوجتها فلا يصدق في قول ابن القاسم وأهل العراق.
قال ابن القاسم فيمن ادعي أولاد أمة رجل وقال لسيدها زوجتنيها وولدت هؤلاء
الأولاد مني وقال السيد ما زوجتكما وما هم منك فلا يصدق المدعي ولا يثبت
نسب الولد منه فإن اشتراهم واشتري أمهم ثبت نسبهم منه ولا تكون أمهم أم ولد
لأنه أقر أنهم أولاده بنكاح.
قال ابن القاسم وهذا إذا كان مثلهم يولد لمثله ولم يكن لهم نسب معروف.
[9/ 405]
(9/405)
قال ابن المواز: ومن بيده صبي يحوزه وقال
هو عبدي وقال غيره هو ابني فإنه يلحق بمستلحقه ما لم يتبين كذبه ويبقي
رقيقا لسيده مثل أن تكون أمة قد عرفت بملك غيره ولا يعرفونها زالت من ملكه
ولا تزوجت هذا قط أو تكون مجلوبة مع ولدها من بلد قد عرفوا أن هذا ما دخلها
قط لمعرفة منهم.
قال ابن / المواز: ولو جاءت امرأة بولد فقالت هو من زوجي هذا وأنكره الزوج
فإن أقر بالزوجية لزمه الولد وإن أنكره لاعن وإن أنكر الزوجية وقال ولدته
مني من زني فإن كانا حاضرين ولا يعلم بينهما نكاح ولا اجتماع بسبب نكاح أو
سماع له فإنهما يحدان ويسقط نسب الولد.
وكذلك لو وجدت حاملا فحدت حد الزني ولا يقبل رجوعها هنا ويقبل رجوعه هو علي
إقراره بالزني.
وأما الطارئان فالقول قولها ولا ينظر إلي قول الرجل إنه زني بها وهي تدعي
الصحة.
وإن رجعا عن الزني لم يحد فيه ويحد للقذف.
وفي كتاب الاستلحاق كثير من معني هذا الباب.
في الإقرار في الدماء في النفس والجراح
وذكر التداعي في ذلك والبينات
وهذا الباب منه في كتب الدماء ومنه في كتاب الشهادات
قال ابن المواز: ومن أقر أنه قتل فلانا خطأ أو عمدا فلا يعجل فيه ولكن يشهد
علي قوله في الخطأ ويطلق سبيله ويحبس في العمد ثم يكشف عن الرجل فإن وجد
مقتولا أو ميتا أقسم فيه في الخطا وكانت الدية علي العاقلة ما لم يرجع عن
قوله لأنه لوث (1) من بينة.
[9/ 406]
__________
(1) اللوث: أن يشهد شاهد واحد علي إقرار المقتول قبل أن يموت أن فلانا
قتلني أو شهد شاهدان علي عداوة بينهما أو تهديد منه أو نحو ذلك وهي من
التلوث أي التلطخ.
(9/406)
قال أحمد بن ميسر قاله مالك. وقال أشهب
وابن وهب: لا تحمل العاقلة إقراره.
قال ابن المواز: وإنما يشهد علي إقراره في الخطا وهو لو رجع عنه لبطلت
القسامة لئلا يموت قبل / القسامة فينقل عنه الشهادة رجلان عدلان أو رجل
وامرأتان فتجب القسامة علي قول من يراها بقول لا. قال ابن المواز ويقتص منه
في العمد بلا قسامة قال فأما قبل أن يظهر أمر الرجل فلا ينفذ فيه حكم بقصاص
ولا دية لأنا لو فعلنا ذلك لأنفذنا وصاياه وتزوجت امرأته وعتقت أم ولده
وقسم ميراثه بقول هذا ولا يقبل رجوعه في ويقبل رجوعه في الخطأ.
قال ابن سحنون: ومن أقر أنه قتل فلانا عمدا وادعي ذلك عليه الولي فعليه
القصاص، وكذلك في جراح العمد مما فيه القصاص فليقتص منه.
قال ابن المواز: واختلف قول مالك في الأولياء يختارون أخذ الدية في العمد
فقال: ليس ذلك لهم وبه أخذ ابن القاسم.
وقال أشهب عن المغيرة عن مالك: إن ذلك لهم، وبه أقول، وقد نقض ابن القاسم
قوله إذ قال: إن عفا بعض الأولياء علي الدية قال احمد ميسر بغير إذن القاتل
قالا: إن ذلك يلزم من بقي ولا قول للقاتل.
قال محمد بن عبد الحكم: ومن أقر أنه قتل فلانا عمدا أو ادعي ذلك الأولياء
فلهم القصاص.
وروي أشهب عن المغيرة عن مالك أنهم بالخيار في القتل أو أخذ الدية وجاء به
الحديث.
واختلف قول مالك في العفو علي اختلاف قوله في الأصل، فقال مرة: إن عفا بعض
الأولياء فإن حلف ما عفا إلا علي أخذ حظه من الدية فذلك له وهذا علي قوله
إن الأولياء بالخيار ومرة قال: ليس للعافي شئ. وهذا / علي قوله إنهم ليسوا
بالخيار.
[9/ 407]
(9/407)
قال ابن عبد الحكم: وقوله في العبد يقتل
الحر أن أولياءه بالخيار في القتل فإن أبوا القتل خير رب العبد في فدائه
بالدية أو إسلامه.
قال محمد: وهذا علي قوله إن الخيار له، وكذلك في الصحيح يفقأ عين الأعور أن
له أن يعفو بالدية وله القصاص فهو مخير، ولو كان الدم لا يجب به إلا القود
(1) لما كان للأولياء أن يأخذوا العبد إن كرهوا القتل.
قال ابن سحنون وابن المواز وابن عبد الحكم وإذا أقر رجل أنه قتل فلانا وحده
عمدا ثم أقر آخر بمثل ذلك فإن الولي هما قتلاه عمدا فله قتلهما وإن صدق
أحدهما وبرئ الآخر ولا يقتل إلا الذي قال إنه قتله.
قال ابن المواز وابن عبد الحكم: ولو قال ما أدري علم ذلك ولكني آخذكما بذلك
فله قتلهما وله قتل واحد وله أن يأخذ من الآخر ما يلزمه من الدية علي قول
أشهب وروايته.
قال ابن المواز: لأولياء المقتول قتلهما وإن شاءوا عفوا عن أحدهما بالدية
أو باكثر وما اصطلحوا عليه ويقتلون الآخر فإن قال الثاني أنا قتلته مع
الأول فللأولياء أن يعفوا عن الأول بالدية كاملة ويلزمه ذلك وإن كره
لإقراره أنه قتله وحده يريد في رواية كما لو قال للأول عفونا عنك علي ديتين
لم يكن ذلك لهم في رواية أشهب ولا في غيرها / إلا أن يقول الولي لا أعفو
إلا علي ديتين أو أكثر فذلك له. فأما إن كان العفو من قبل الولي فلا يزاد
علي دية.
قال ابن سحنون: ولو قال الولي لهما قد صدقتما أن كل واحد منكما قتله وحده
فليس له قتل واحد منهما لأنه قد أحال وهو مكذب لكل واحد بتصدقه للآخر.
قال ابن المواز: ولو استحق الدم علي واحد بالقسامة ثم أقر آخر أنه قتله وقد
أقسموا علي الأول فللأولياء المقتول أن يقتلوهما هذا بالقسامة وهذا
بالإقرار.
[9/ 408]
__________
(1) القود: القصاص.
(9/408)
قال ابن عبد الحكم: واختلف قول أشهب في
الجراح فقال في كتبه ليس إلا القود، وسمعته وسئل عن الجراح فقال: المجروح
مخير أن يقتص أو يأخذ العقل.
قال ابن سحنون: ولو أقر رجل أنه قتله عمدا وقامت بينة علي آخر أن فلانا
غيره قتله فادعي الولي أنهما قتلاه فلا يقتل إلا الذي قامت عليه البينة
وحده. وكذلك هذا في جراحات العمد في قولنا.
وقال محمد بن عبد الحكم: إذا أقر رجل أنه قتله وحده عمدا وقامت البينة علي
آخر أنه قتله فللولي أن يقتل الذي قامت عليه البينة بالبينة والذي أقر
بإقراره.
قال ابن سحنون: وإن أقر أنه قتل فلانا خطأ وادعي ذلك الولي فقال ابن القاسم
عن مالك إن كان ممن يتهم فيه يريد غني ولده مثل الأخ والصديق لم يصدق وإن
كان من الأباعد فليقبل قوله ويكون العقل علي العاقلة بقسامة إن كان المقر
مأمونا / لا يتهم أن يرشيه الورثة. وقال المغيرة وعبد الملك: الدية علي
المقر في ماله، وروي ذلك عن مالك. وقال آخرون: يلزمه ما كان يلزمه مع
العاقله لو أقسم عليهم وقال غيرنا كقول المغيرة.
ومن أقر بقتل رجل خطأ وقامت بينة أن آخر قتله خطأ وادعي الولي ذلك ففي قول
ابن القاسم: الحكم علي قول البينة والدية علي عاقله من شهدوا عليه خاصة،
وفي قول المغيرة: عليهم نصف الدية وفي مال المقر نصفها، فإن ادعي ذلك الولي
علي المقر وحده لم يكن له شئ في قول ابن القاسم وفي قول المغيرة يكون علي
المقر جميع الدية في ماله. ولو ادعي ذلك علي من قامت عليه البينة وحده كانت
له عليه الدية وحده علي عاقلته في إجماعهم.
قال ابن عبد الحكم: ومن أقر أنه قتل ولي رجل ولم يقل عمدا ولا خطأ ثم قال
قتلته عمدا فللولي أن يقتله وإن قال خطأ لم يكن عليه شئ ولا علي العاقلة،
وقال ابن القاسام في كتبه إذا قال فتلني فلان ولم يقل عمدا ولا خطأ أن
للأولياء إن قالوا عمدا أن يقتلوه.
[9/ 409]
(9/409)
وقال في غير كتبه إنه لا شئ فيه لأنه لم
يقم علي القاتل بالعمد ولا يقبل قول الوارث في هذا. وهذا عندي صواب وهو
خلاف قوله وقول أشهب في كتبهما ودعوي غير الميت في العمد لا يقبل ولا في
الخطأ.
وقال أشهب: إن لم يقل عمدا ولا خطأ فإن كان حاله حالا يستدل بها علي العمد
مثل أن يكون مقطعا جراحا فيقسمون / علي العمد فإن لم يستدلوا علي شئ مما
أصبح عليه الولاة من عمد أو خطأ أخذ بذلك.
وقال ابن المواز نحو قول أشهب في الذي قال قتلني فلان فإن لم يقل عمدا ولا
خطأ أنه يكشف عن حال القاتل والمقتول وجراحه وسبب عدائه وبغيه ونحو هذا فإن
لم يظهر لذلك سبب من عمد أو خطأ فلا يقبل قول الأولياء في عمد ولا خطأ
وإنما يقبل قول القتيل.
قال ابن عبد الحكم: وإذا قال قتلت فلانا خطأ أو قال وهو مجروح قد أنفذت
مقاتله قتلني فلان خطأ فلا يقبل دعوي من ذلك. واختلف قول مالك فيه، والصحيح
أن ذلك دعوي مال وليس دعوي قصاص، ومن أقر أنه قطع يد رجل عمدا ويد آخر خطأ
وأنه مات منها فإنه يقتل بالقصاص ولا شئ عليه في الخطأ لأنه مقر علي عاقلته
بمال كما لو شهد عليه أنه قتل فلانا عمدا ومعه آخر قتله خطأ فيقتل المتعمد
وعلي عالقة المخطئ نصف الدية، وفي ذلك اختلاف، وهذا أحب إلي.
وإذا قال: جرحته أنا عمدا وجرحه آخر خطأ فمات مكانه فليقتص المقر ولا يصدق
علي جارح الخطأ.
وقال ابن القاسم: لعله مات من الخطأ فلا أقتله، ولو كان هذا حجة لكان إذا
جرحه رجلان فأمكن أن يموت من جرح أحدهما فلا أقتص منهما وهذا يفسد، وقول
أشهب أصح.
ولو قال: جرحته خطأ ثم قتلته عمدا سئل عن الجرح فإن قال موضحة.
[9/ 410]
(9/410)
فإنه يقتل وتؤخذ من ماله / دية الموضحة (1)
وكذلك ما لا تحمله العاقلة وإن كان جرحا تحمله العاقلة فلا شئ عليه لأنه
أقر علي غيره.
فإن قال: قتلت فلانا عمدا أو خطأ سئل فإن أيقن بالعمد قتل وإن قال أيقنت
بالخطأ فليس عليه إلا اليمين أنه ما قتله عمدا إن ادعي ذلك عليه الولي ولا
شئ علي العاقلة.
فإن قال رميت بسهم ورمي غيري بسهم فأصاب أحد السهمين رجلا فقتله ولا ندري
أي السهمين هو فلا يوجب هذا إقرارا.
وكذلك لو رمي جماعة صيدا فأصاب سهم أحدهم رجلا فقتله ولا ندري من هو لا شئ
علي واحد منهم.
قال ابن المواز وقاله أشهب لأنه قال في القاتل يهرب فينزل في بئر فينزل
إليه فيؤخذ هو وآخر كل يدعي أن الآخر نزل عليه.
فالذي أظن أن أشهب يهدر دمه وأن ابن القاسم يري الدية في أموالهما. قال ابن
المواز: يريد في العمد وأما في الخطأ فهو هدر ولا تحمل العاقلة إلا ما حق
عليها.
وكذلك مسألة السهمين والذين رموا صيدا فأصاب سهم أحدهم رجلا ولا يعرف صاحب
السهم فهو هدر لأنه خطأ فالإقرار والبينة في هذا سواء، إذا لم يعرف القاتل.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا أقر أنه قتل فلانا خطأ فلا شئ عليه فإن قامت
بينة علي رجل أنه قتل ذلك الرجل خطأ فالدية علي عاقلة من قامت عليه البينة
ولو كانت البينة بالعمد فللأولياء قتل من شهدوا عليه.
[9/ 411]
__________
(1) الموضحة: الجرحة التي تبدي العظم أي بياضه وحكمها أنها إذا كانت في
الراس أو الوجه فإنها يعرض لها خمس من الإبل أنا إذا كانت في غيرهما ففيها
الحكومة.
(9/411)
قال محمد/: ويحلف كل واحد من صاحبي السهمين
أنه ما يعلم أن سهمه هو القاتل علي واحد منهما خمسين يمينا إلا أن يدعي ذلك
أولياء المقتول علي احدهما فيقسموا في العمد وعلي العاقلة في الخطأ.
قال ابن المواز وابن عبد الحكم: وإن شهد رجلان أن فلانا قتله خطأ وشهد
آخران أن فلانا قتله عمدا قضي بأعدل البينتين، فإن قال الأولياء إنما قتله
من شهد عليه بالخطا برئ صاحب العمد وصاحب الخطا. إذا كانت بينة العمد أعدل
فقد أسقطت الأخري وقد كذبهم الأعدل ويضرب مائة ويحبس سنة فإن قالوا بل قتله
صاحب العمد فلهم القصاص إن كانت هي أعدل.
وإن كانت بينة الخطأ أعدل وقد ادعوا العمد فلا دية ولا قود وإن طلبوا يمين
المدعي عليه في العمد فلا يمين عليه لأن بينة الخطأ أعدل وقد أبرأته من
ذلك.
قال ابن المواز: وإن تكافأتا في العدالة فلا شئ للأولياء في عمد ولا خطأ
وإن ادعوه لأن كل بينة قد كذبت الخري وقد تكافأتا.
وقال ابن ميسر: والقول قولهم فيما يدعون من عمد أو خطا بالقسامة.
قال ابن المواز: وكذلك لو قال المقتول قتلني فلان خطأ وقال أولياؤه عمدا
فإن القسامة تبطل في العمد والخطأ ولا دم لهم ولا دية فإن رجعوا فادعوا ما
قال فليس ذلك لهم.
قال ابن عبد الحكم: وإذا قال رجل قطعت أنا وزيد يد فلان فجحد زيد فإن قال
المقر عمدا فللمقطوعة / يده قطع يد المقر.
فإن قال: أريد الدية فله في قياس قول أشهب في النصف دية اليد شاء القاطع أو
أبي.
وفي قول ابن القاسم إن تراضيا علي الدية تم ذلك.
وفي باب من قال أقررت لك وأنا صبي أو مجنون أو عبد أو محارب بشئ من معني
هذا الباب.
[9/ 412]
(9/412)
ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقر أنه قطع يد
هذا العبد وهو في يد من باعه من هذا الرجل وقال من هو في يده بل قطعته وهو
في ملكي بالأرش لمن بيده والقول قوله.
وقد تقدم في باب من قال أقررت وأنا صبي قول ابن عبد الحكم أن القول قول
القاطع.
قال ابن سحنون: ولو قال البائع قطعته إذ كان في ملكي وقال المشتري بل وهو
في ملكي ضمنته ذلك بعد أن يكون .... (1) الإقرار. وكذلك الهبة إذا قبضه.
ومن وهب عبدا لرجل فقبضه وأقر الواهب أنه كان قطع يده قبل الهبة وقال
الموهوب بل بعد الهبة والقبض فالقول قول الموهوب له والقاطع ضامن. وقال ابن
المواز وابن عبد الحكم: القول قول الموهوب لا الواهب.
وقال ابن سحنون: ولو لم يعرف بالهبة ولم يعرف فقال الواهب قطعت يده خطأ ثم
وهبته لك وقال الموهوب بل قطعت يده بعد قبضي له بالهبة فالقول قول الواهب،
وكذلك في البيع والعتق. إذا كان الإقرار علي. هذا، يريد قبل أن يعلم
بالهبة.
وقال ابن سحنون وإذا / قامت البينة علي الهبة والبيع والعتق قبل الإقرار لم
يصدق المقر وهو ضامن.
ولو أن اقطع اليمين قال قطعت يمين فلان قبل تقطع يدي (2)، وقال فلان بل
قطعتها وأنت مقطوع اليمين فعلي المقر دية اليد لأنه مدع لإسقاط الجناية كما
لو قال أمرتني أن أقطع يدك لم يصدق.
[9/ 413]
__________
(1) بياض بالأصل.
(2) المراد قبل أن تقطع يدي والمؤلف كثيرا ما يستغني عن أن في الذكر داخل
كتابه هذا.
(9/413)
النوادر والزيادات
على ما في المدونة من غيرها من الأمهات
لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني
310 - 386 هـ
تحقيق
الأستاذ محمد الأمين بوخبذة
محافظ الخزانة العامة بتطوان سابقًا
المجلد العاشر
1999 دار الغرب الإسلامي
الطبعة الأولى
(10/1)
|