النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم
عونك اللهم

الجزء الأول من كتاب
المديان والتفليس في الدين
وما جاء فيه من التشديد
واللين وإنظار المعسر والغريم
من كتاب ابن حبيب: ذكر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الترغيب في الرفق بالمديان: أن النبي عليه السلام قال: أحب الله عبدا سمحا إذا قضى، سمحا إذا اقتضى، وفيا يأخذ حقه في عفاف وافيا أو غير واف وروى أن النبي عليه السلام قال: من سره أن يفرج الله عنه كربه، ويعطيه سؤله - وفي حديث آخر - أن يظله الله في ظله، فلينظر معسرا أو يخفف عه، وذكر ما روي من التشديد في الدين، وقوله صلى الله عليه وسلم: إن صاحبكم محبوس دون الجنة بدين عليه في رجل استشهد، وفي حديث آخر: قال: صلوا على صاحبكم ولم يصل عليه.
[10/ 5]

(10/5)


قال ابن حبيب: قال أصبع في هذه الأحاديث في التشديد في الدين: إنها منسوخة، وإنها كانت قبل أن يفرض الله الصدقة فيقضى منها عن الغارمين، فلما فرضها وجعل قضاء الغارمين منها. صار ذلك على السلطان، فإن لم يقضه فإثمه عليه دون الغريم المعسر إلا من كان في سرف أو فساد، وذكر نحو ذلك عن ابن أشهاب أنه تأوله، وذكر/قول النبي صلى الله عليه وسلم: من مات وعليه دين فعلينا، ومن مات وترك مالا فلورثته. وفي حديث آخر: إن ترك كلا فإلينا كله، ومن ترك دينا فعلينا دينه فقال رجل: يا رسول الله، فمن لنا بعدك؟ قال: يأخذ الله الولاة لكم بمثل ما يأخذكم به لغرمائكم يوم القيامة، ثم صار رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد ذلك على من مات وعليه دين.
قال أصبغ عن أبي العباس الزهري: إن الله وضع ذلك في الدنيا بقوله سبحانه في المعسر: (فنظرة إلى ميسرة) أفيأخذه في الآخرة.
وروي أن معاذا لما خلعه النبي صلى الله عليه وسلم من ماله لغرمائه وبقي لهم فقال: يا رسول الله فكيف بالتباعة؟ فقال عليه السلام: لا تباعة في الدنيا ولا في الآخرة يعني تباعة الإثم، وروي أن من أدان دينا ينوي قضاءه أداه الله عنه، وإذا لم ينو قضاءه أتلفه الله، وفي حديث آخر: إذا مات أحد من خصمائه وإن كان ينوي قضاءه، فالله قادر أن يرضي عنه غريمه وفي حديث آخر: قال:
[10/ 6]

(10/6)


النبي صلى الله عليه وسلم: فأنا وليه يوم القيامة، وروي أن من أدان في غزو، أو حج، أو كفن ميت لا كفن له، أو في صلة رحم، أو نفقة على العيال، أو في نكاح لخوف العنت فعلى الله سبحانه وعلى ولاة المسلمين أن يقضوا عنه، وفي حديث آخر: قضى الله عنه يوم القيامة.
وفي العتبية/من سماع ابن القاسم: قال مالك: إن عبد الله بن عمرو وابن حرام والد جابر بن عبد الله استشهد يوم أحد وعليه دين قد رهقه، فقال النبي عليه السلام لجابر: إذا كان الجداد فآذنوني، قال جابر فآذنته، فوضع عليه السلام فيه يده ودعا فيه، فكال منه أهل دينه وبقي بعد ذلك مثل الذي كان فيه.
في تفليس الغريم وخلع ماله،
وما الذي يباع عليه من ماله؟
وكيف يباع؟ وهل يؤاجر الحر أو العبد؟
وهل يؤمر بانتزاع مال عبده أو بأخذ شفعته
أو باعتصار هبته، أو تؤخذ نفقة بعثها إلى أهله
وذكر الكفن والرهن فيمن مات عريانا،
وفي الخادم تدعيه زوجة المفلس
أو هل يكون قيامهم تفليسا دون الإمام؟
قال ابن حبي وغيره: قال ابن شهاب: لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم غرماء معاذ على أن خلع لهم ماله، ولم يأمر ببيعه.
[10/ 7]

(10/7)


قال مالك في سماع ابن القاسم في العتبية وفي كتاب ابن المواز وابن حبيب: ويترك له ما فيه نفقة له ولأهله وعياله، وكسوة له ولأهله، وفي زوجته شك، يريد كسوتها، وكذلك في المختصر، قال ابن المواز وابن حبي عن مالك: تترك له نفقته ونفقة أهله بقدر الشهر، قال ابن حبيب: يعني بأهله زوجته وولده الصغير، قال عنه ابن القاسم في العتبية: وكذلك في إخدامه، يريد أن يؤاجر نفسه ففضل عن نفقة أهله ونفقته فضل بعد، أن يؤخذ منه.
قال في كتاب ابن المواز: ولا يؤاجر لغرمائه، قال الله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) وكذلك لا يؤاجر المأذون لغرمائه إن فلس.
قال سحنون في العتبية: ويترك للمفلس قدر كسوته ونفقته ولا يترك كسوة زوجته.
قال ابن القاسم في العتبية: يترك له ما يكفيه هو وزوجته وولده الصغير الأيام، وفي كتاب آخر: قدر الشهر.
قال في العتبية: ويترك له للسنة إلا أن يكون فيها فضل عن لباس مثله، وإن كان شيئا يسيرا لا خطب له ترك له قدر ما يعيش به الأيام.
قال في كتاب ابن المواز: إن كان الذي يوجد معه لا خطب له يتجر فيه لا شيء له غيره فليترك له يعيش به، قال أصبغ: إن كان قدر نفقته شهرا أو نحوه.
قال ابن حبيب: وقال ابن الماجشون ومطرف: ويباع عليه خاتمه ومصحفه، وقاله مالك في كتاب ابن المواز.
[10/ 8]

(10/8)


ابن حبيب: قال مطرف عن مالك: ويستأنى في بيع ربعه يتسوق به الشهر والشهرين، وأما الحيوان فلا يؤخذ إلا اليسير، قال مطرف: ويشترط السلطان عندنا فيما يبيع الخيار ثلاثا.
وقال في كتاب ابن المواز: وأما الحيوان والعروض أسبوع بيعا، وأما الدور والأرضون فالشهر والشهرين ثم تباع ويقسم بين من حضر/من غرمائه، وفي العتبية من سماع ابن القاسم نحوه.
قال مالك في موضع آخر: ومن شأن بيع السلطان عندنا أن يبيع بالخيار ثلاثة أيام.
قال سحنون في غير مسألة من بيع السلطان، وليبع بالخيار لعل زايدا يأتيه، ولم يذكر الأجل في الخيار.
وكتب إليه شجرة في الحاكم يبيع الشيء في سوق المسلمين على غائب أو طفل أو مفلس، هل له يشتريه من مبتاعه؟ قال: لا أحب له ذلك إلا أن يتداوله الملاك فتسقط عنه الظنة.
قال ابن المواز وابن حبيب: قال مالك: وإذا قصر مال المفلس عن دينهم اتبعوه بما بقي إلا أن يكونوا يوم خلعوه رضوا بأخذه بيعا فها هنا إن باعوه فقصر ثمنه عن دينهم فلا يتبعوه، وقاله ابن القاسم وابن الماجشون وأصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ويباع على المفلس سريره وقينته ومصحفه وخاتمة، قال مالك: ولا تباع كتب العلم في دين الميت، وقال في موضوع آخر: والوارث وغير الموارث فيها سواء ممن هو لها أهل، وإليه ذهب سحنون، وغيره من أصحابنا يجيز بعيها ويرى أن تباع في الدين على الميت.
[10/ 9]

(10/9)


قال محمد بن عبد الحكم: بيعت كتب ابن وهب بعد موت بثلاث مائة دينار، وأصحابنا متوافرون، فما أنكروا ذلك.
قال ابن المواز: قال مالك: وليس لغرماء الميت أن يؤاجروا أم ولده، ولهم أن يؤاجروا ومديروه ويبيعوا كتابة مكاتبه، ولا يجبر على اعتصار/ما وهب لولده أو نحله، ولا على طلب شفعة له فيها فضل، وكلك في شفعة الميت، والورثة أولى منهم. ومن كتب دارا بمعنى الحبس على ولديه، وكتب: إنهما إن شاءا باعا وإن شاءا أمسكا ا، فرهقهما دين وفلسا، فلهما بيع الدار.
ومن العتبية من سماع أصبغ، وذكر ابن المواز: قال ابن القاسم فيمن بعث بنفقة إلى عياله، فقام فيها غرماؤه، فلهم أخذها، فإن قال الرسول: قد وصلتها إلى أهل صدق مع يمينه، وللغرماء أخذها من عياله إن قاموا بحدثان ذلك، فإن تراخى ذلك مدة ينفق ذلك في مثلها، فلا شيء لهم كمغترق الذمة ينفق على عياله، وقال أصبغ، ولو قاموا بحدثان ذلك فقال أهله: قضينا ذلك في نفقة تقدمت، وفي كراء منزل، لم يصدقوا إلا أن يأتوا على ذلك بلطخ وبرهان.
ومن كتاب ابن المواز: ولا يؤاخر المفلس فيما بقي عليه كان حرا أو عبدا مأذونا، ولسيد العبيد بيعه، ولا شيء لهم من ثمنه، وإن أفاد مالا عند مبتاعه أخذه غرماؤه، وإن عتق اتبعوه به، وإن أراد أن يستعمله في غير التجارة فله ذلك، وليس لغرمائه أن يأبوا ذلك، وليس لهم في عمله شيء إلا أن يفيد مالا من غير إجارته ومن غير كسب يده، فأما الحر إن أجر نفسه فيفضل له من أجرته فضلة بينة بعد عيشته، فذلك لغرمائه بخلاف العبد.
ومن العتبية، ومن كتاب ابن المواز: قال ابن/القاسم بن مالك: والكفن أولى من الدين، والمرتهن أولى بالرهن من الكفن، وفي كتاب الرهن من الرهن، وفي كتاب الرهون وكتاب الجنائز هذا.
[10/ 10]

(10/10)


ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون في الذي يقام عليه بالديون فيقول: لا مال عندي وبيد امرأته خادم تقول: هي لي، ويصدقها الزوج، ويقول الغرماء: بل هي له، فكتب إليه: إذا كانت في حيازة المرأة والزوج يقوم بأمرها فهي للزوج، ولا يقبل قول بعد التفليس، وعلى المرأة البينة.
وسأله حبيب عن الصناع يقرون بالدين وليس لهم أموال يقضون منها إلا عمل أيديهم: قال: ينظر عمل يده فيترك منه قدر مؤنته وقوت عياله، ويأخذ الغرماء ما بقي عليه، قيل: وإن كان لا دين عليه، ولكن عليه نفقة أولاد له من امرأة فارقها، قال: تترك له نفقة نفسه وزوجته، فإن فضل شيء أنفق منه على ولده وإلا فلا شيء لهم.

في المفلس له أمة ولها ولد صغير
فدبره، هل تباع الأمة في دينه؟
والنصراني يموت وعليه دين وله
خمر وخنازير، هل تباع؟
من العتبية: قال أصبغ فيمن دبر ولد أمته الصغير ثم استدان وفلس فلا تباع الأمة للتفرقة، ولكن تخارج ويأخذ الغرماء خراجها من دينهم إلى مبلغ حد التفرقة فتباع حينئذ، أو يباع منها بقدر باقي الدين، إلا أن يموت السيد دون ذلك فتباع الأمة إن وفت بالدين وعتق/ثلث المدبر، فإن كان في بعضها وفاء بالدين عتق الصبي في باقيها وما في نفسه مبلغ الثلث من ذلك إن لم يدع غير ذلك، وإن كانت هي المدبرة دون الولد: فالجواب سواء، قال أبو محمد: يريد في قوله: تباع الأمة بعد موت إن وفت بالدين، يريد: تباع مع مارق من الولد في صفقة والله أعلم.
[10/ 11]

(10/11)


قال سحنون في النصراني يموت وعليه دين للمسلمين ولا يترك غير خمر وخنازير، قال: فلا يجبر ورثنه على بيع ذلك، وليتربص الطالب بهم، وإذا باعوا ذلك وصار مالا قام فيه وقضي له به، وكذلك مركب بمرسى بساحلنا وفيها الخمر وغيرها، فلا يجبرهم الإمام على بيع الخمر، ولكن يجعل من يتحفظ بهم، فإن باعوها أخذ من ثمنها العشر.

في المفلس يوهب له الشيء هل عليه قبوله؟
أو أن يعفو عن دم عمد ليأخذ الدية، أو يقبل سلفا ممن يسلفه؟ وكيف إن ورث أباه، أو أوصى له به أو أجاز وصية أبيه بأكثر من ثلثه؟
قال ابن حبيب: وليس لغرماء المفلس أن يجبروه على قبول ما وهب له أو وصل به أو على أخذ شفعته.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: قال: إن تصدق عليه أحد بدنانير يؤديها في دين فيأبي قبولها، فلا يجبر على قبولها، قال عنه أصبغ: ولو بذل له رجل سلف أو معونة/إلى أجل فلا يجبر على قبول ذلك، وهو في المعين أقيس، والجواب واحد.
قال عنه أبو زيد: وإذا ورث أباه فالدين أولى به، ولا يعتق إلا ما فضل عن الدين منه، فأما إن وهب له فهو يعتق عليه، وليس لأهل الدين فيه شيء، لأنه لم يوهب له ليأخذه غرماؤه، وإنما اعنرى به العتق، وأعرف من قول ابن القاسم أنه لا يجبر على أن يعفو عن دم أبيه ليأخذ الدية، ولا أن يعفو عن دية وجبت له.
قال ابن حبيب: قال مطرف: وليس له أن يجيز وصية بماله. وبقية هذا المعني في باب إقرار المفلس.
[10/ 12]

(10/12)


في المفلس يثب عليه غرماؤه فيمكنهم من ماله هل يكون كمن فلسه الإمام في أحكامه؟
من العتبية من سماع ابن القاسم، وقال في المديان يقول عليه غرماؤه فيمكنهم من ماله فيبيعون ويقتسمون، ثم يداين آخرين فليس للأولين دخول فيما بيده إلا أن يكون فيه فضل ربح، ويكون هذا بمنزلة تفليس السلطان، وكذلك روى أصبغ وأبو زيد عن ابن القاسم، وهو في كتاب ابن المواز: وإذا قاموا ففلسوه فيما بينهم وقسموا ما بيده ثم دوين؛ أن الآخرين أولى بما في يديه كتفليس الإمام.
قال في كتاب ابن المواز: ولو أبقي بعضهم بيده ما صار له، ثم داينه/آخرون فهو كتفليس السلطان، وهذا المعني مستوعب في باب بعد هذا. قال فيه وفي العتبية: ولو قاموا عليه فلم يجدوا معه شيئا فتركوه ثم دوين فليس هذا تفليسا، فإن قيم عليه تحاص فيما بيده الأولون والآخرون إلا أن يكونوا بلغوا به السلطان ففلسه فيكون هذا تفليس لأنه يبلغ من كشف حالته مالا يبلغه غرماؤه، ولو علم أنهم يبلغون من ذلك ما يبلغه السلطان رأيته تفليسا، ولكن لا أقوله خوفا ألا يبلغوا ذلك، وقاله أصبغ.
وقال أصبغ في العتبية: تفليسهم إياه دون السلطان تفليس إذا اجتمعوا وتبين ذلك، ومن تبيانه أن يجدوا في حانوت الذي تفالس فيه الشيء اليسير والسقط فيقسمون على تفليسة والإياس من ماله، ويطلقونه، فهذا تفليس كنحو فعل السلطان به.
[10/ 13]

(10/13)


في تفليس الغائب
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن وهب عن مالك في الغائب له ماله حاضر فقام غرماؤه بتفليسة، قال: ذلك لهم ولا يؤخرون لاستبراء ما عليه لغيرهم لأن ذمته باقية، ولكن ما يعرف أن عليه لغائب فالتحاص قال: وأما الميت فيستأنى بهم لأن ذمته قد ذهبت وهذا في ميت معروف بالدين، فأما من لا يعرف به فليعجل قضاء دينه.
قال مالك في كتاب ابن المواز: نحون في المعروف بالدين أو يظن ذلك به لم يعجل بقسم ماله حتى يتبين أمره، وإن لم يعرف بذلك فضوا مكانهم ولم ينتظروا.
والمفلس إذا بيت عروضه لم ينتظر بقسمته، ولم تؤخر لاستواء أمره، وإن خيف أن يكون عليه دين لغيرهم إلا بمعرفة تعرف من دين فيحاص به مع من قام، وليس الحي كالميت، قال ابن حبيب: قال أصبغ عن ابن القاسم، ورواه عيسى عنه في العتبية في الغائب يقوم به بعض غرمائه، وليس فيما حضر من ماله وفاء ففلس، قال: أما الغيبة القريبة كالأيام اليسيرة فليكتب فيه ليكشف ملاؤه من عدمه، وأما في الغيبة البعيدة فلا يعرف ملاؤه من عدمه، أو يعرف فيها عدمه، قال في العتبية: ولا يدرى أين هو فهو كالتفليس ويحل المؤجل من دينه، ومن باع منه سلعة فوجدها فله أخذها وأما إن عرف فيها ملاؤه فلا تفليس ويقضي من حل دينه، ويبقي المؤجل على أجله، ولا يأخذ البائع سلعته. وذكر ابن المواز مثله عن ابن القاسم وأشهب في البعيد الغيبة ولا يعرف فيها ملاؤه من عدمه أنه يفلس، وقال: ولو كان حاضرا بمصر وله بالأندلس مال لا يدرى ما حدث عليه ألا يفلس وبقول ابن القاسم أخذ أصبغ استحسانا، قال: والقياس قول أشهب، وليكتب في قوله بتفليسه إلى موضع هو غائب حتى يتم ذلك عليه، وذكر ابن حبيب، عن أشهب وأصبغ مثله/وذهب مذهب أصبغ.
[10/ 14]

(10/14)


قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون في غائب بعث بمتاع فقام غريم له فطلب عقل المتاع أو ثمنه، قال: لا يعقل له ذلك الحاكم، وليضرب لذلك أجلا.
ومن العتبية: قال ابن القاسم عن مالك في الغائب تقوم الغرماء عليه بدين قد حل، قال: يبيع السلطان فيها ماله ويقضيهم ولا يستأني قدومه وحجته.

في حبس المديان وكشف أمره والعمل فيه
من كتاب ابن حبيب: روى أن عمر بن عبد العزيز لم يمكن يسجن الحر في الدين ويقول بالأدب يسعى في دينه، قال ابن عبد الحكم: وذلك بعد انكشاف عدمه. قال ابن جريح: وكان أبو بكر وعمر يسجنان المعسر الذي لا يجد شيئا يعلم له أنه ما يجد فضاء في فرض ولا عرض، وأنه إن وجد قضاء حيث لا يعلم ليقضينه.
قال ابن وهب: قال مالك: لا يحبس إن كان معسرا لا شيء له، وإن كان يجد قضاء فلم يقض سجن، قال عن مطرف: ولا يحبس في الدين حر ولا عبد، ولكن يستبرأ أمره فإن أتهم أن يكون خبأ شيئا سجن، وإن لم يكن ذلك ترك ولا يؤاجر. قال الله سبحانه: (وإن كان ذو عشرة فنظرة إلى ميسرة)، إلا أن يحبس قدر التلوم في اختباره ممن يعرفه، أو يأخذ عليه حميلا، ونحو هذا عن مالك في كتاب ابن المواز قال: يحبس الحر والعبد حتى يستبرأ أمره لعله غيب مالا ولا حد في ذلك إلا كشف حاله، وإن علم أنه لا شيء له/لم يحبس في الحر والعبد.
قال عيسى بن دينار في العتبية عن ابن القاسم: ولا يسأله الحاكم إذا سجن البينة أن لا مال له، ومن يشهد أنه لا مال له فهذا غموس وزور، ولكن يكشف عن أهل الخبرة به، إن لم يجد له ماله حلف وأطلق.
[10/ 15]

(10/15)


ومن كتاب ابن حبيب: مطرف عن مالك، ومثله في كتاب ابن المواز والعتبية من سماع ابن القاسم: وإذا تبين لدده حبس، مثل أن يتهم بمال أخفاه قال: ومثل هؤلاء التجار الذين يأخذون أموال الناس ثم يقولون: ذهبت ولا نعرف ذلك، والرجل في السوق وفي موضعه لا يعلم أنه سرق له شيء ولا احترق منزله، ولا أصيب بشيء، فهؤلاء يحبسون حتى يوفوا الناس حقوقهم، أو يتبين أن لا شيء لهم فيطلقهم، ولا يلازمهم أحد.
قال مالك في الذين يعاكسون ويقولون: ذهب لنا ولا يعرف ذلك، فإنهم يسجنون، وإن شهد لهم ناس أنه لا شيء لهم، فهذا لا يعرف، ولا يعجل سراحهم حتى يستبرأ أمرهم. قال في كتاب محمد وابن حبيب: وأرى في الذين يتفالسون في السوق ولا يعرف ما يعرفون به، وأن يخرجوا من السوق، وقال عن مطرف: فإنه لا يزال يزال يفعل ذلك الرجل منهم ثم يظهر له مال ومتاع، فلينف هؤلاء من السوق.
قال مطرف: وتسجن النساء ومن فيه بقية رق في الدين في اللدد والتهمة، وكذلك من قسم ما وجد له بين غرمائه، والملد بما بقي واتهم.
قال مطرف: ولا يحبس/الأبوان في دين الولد لأن مالكا قال: لا يحلف القاضي الأب للولد إن طلب يمينه، فاليمين أيسر، ولكن يأمره الإمام فيما ثبت له عليه أن يقضيه، وأما غير الأبوين من سائر القرابات فإنه يحبس، وقاله كله ابن الماجشون عن ابن القاسم عن مالك، قال أصبغ: وقال أشهب: وقال ابن القاسم: فإن شح الابن في استحلاف أبيه أحلف له، وكانت جرحه على الابن.
ومن العتبية من سماع عيسى فيمن له دين على رجلين فأخذ بهما شاة بحقه فسجن أحدهما، فللمسجون إن سجن الآخر إن كان له مال أو اتهم بمال.
[10/ 16]

(10/16)


قال سحنون فيمن سجن في دين لامرأته أو لغيرها فليس له أن تدخل إليه امرأته، لأنه إنما سجن للتضييق عليه، فإذا لم يمنع لديه لم يضيق عليه.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وإذا حل الدين فطلب العزيم النظرة ووعد بالقضاء، فليؤخره الإمام حسب ما يرجو له، ولا يعجل عليه، وأما إذا تفالس وقال: ما عندي ولم يوعد بالقضاء ويسأل الصبر فليحبس إن جهل عدمه، وقال: ويحبس في الدريهمات ليسره قدر نصف شهر، وفي الكثير المال أربعة أشهر، وفي الوسط منه شهرين.
وقال في سماك حل لرجل عليه سمك فسأل الصبر حتى يخرج يتصيد، قال:
يصبر عليه، قال: ولا يحبس المكاتب في الكتابة، ويحبس له السيد في دينه، وقال: وليس على الإمام أن يوقف/المفلس للناس ينذرهم أن يعترفه أحد، وقاله مطرف بخلاف المحجور عليه.
ومن كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب عمن يجب عليه الحق فيقول: أنا فقير، وظاهره ليس بظاهر فقير، فأقام بينة أنه فقير، ولم تزل البينة: يأخذ عليه حميلا ويسجن حتى تثبت البينة، قال: بل يسجن حتى تزكي بينته، وعمن وجب له على رجل دين فسأل أن يؤخر يوما أو نحوه، قال: يؤخر ويعطي حميلا بالمال فإن لم يكن يجد حميلا بالمال إلى يوم، ولا وجد المال سجن.
وقال ابن عبد الحكم: ويحبس الوصي فيما على اليتامى من دين إن كان لهم في يديه مال ولم يدفعه، وكذلك الأب إن كان بيده للولد مال. ويحبس الكفيل بالمال إذا غاب الغريم، فإن حبس الكفيل فليس على الغريم إن يدفع الحق إلى الكفيل حتى يؤخذ به، ولكن يحبس للكفيل إن طلب ذلك حتى يخلص، ويحبس الرجل فيما يلزمه من النفقات إذا كان بها مليا، ويحبس الجد والجدة وغيرهما من القرابة في الدين، ولا يخرج المحبوس لجمعة ولا لعيدين، واستحسن إذا اشتد مرض
[10/ 17]

(10/17)


أبويه أو ولده وأخيه وأخته ومن ويقرب من قرابته، أو خيف عليه الموت أن يخرج فيلسم عليه، ويؤخذ منه كفيل بوجهه، ولا يفعل ذلك به في غيرهم من القرابة، ولا يخرج لحجة الإسلام ولو أحرم بحجة أو عمرة أو لنذره، حنث بذلك، ثم قيم عليه بالدين فليحبس فيه، ويبقي على/إحرامه، ولو ثبت عليه الدين يوم نزوله بمكة ومنى أو عرفة وهو محرم استحسنت أن يؤخذ منه كفيل حتى يفرغ من الحج ثم يحبس بعد النفر الأول، ولا يخرج ليغير على العدو إلا يخاف عليه الأسر أو القتل بموضعه، فليخرج إلى غيره، وإن قذف رجلا في السجن أخرج لإقامة الحد عليه، ثم يرد. ويحبس في قليل الدم وكثيرة، وفي الدم والقصاص حتى يؤخذ به ويحبس المسلم للكافر في الدين، وإذا مرض المحبوس لم يخرج إلا أن يذهب عقله فيخرج بحميل، فإذا عاد عقله رد إلى السجن، ويحبس النساء على حدة، والرجال على حدة فيما يجب عليهن، ويحبسن فيما يحبس فيه الرجال، ولا يحبس العبد في حالة الخطأ، لأن الطلب على سيده، وإذا امتنع الأب من النفقة على ولده الصغير حبس هذا بضربهم وبقتلهم، وليس هذا كدين الولد على أبويه. ويحبس الأخرس في الدين إذا كان يعقل بالإشارة والكتاب، ويحبس أهل البلاء من أعمي ومقعد ومن لا يدان له ولا رجلان. وتحبس أم الولد في دين إذن لها السيد في التجارة به، فلحقها دين. ويحبس كل من فيه رق في الدين، أصحابنا لا يرون حبس الأب في دين الولد، ولو امتنع الأب من دفع دين ولده، يريد: وهو به ملي، قال محمد: إذا دفع الولد. ولا يمنع المحبوس في الحقوق ممن يسلم عليه، ولا ممن يخدمه، وإن اشتد/مرضه واحتاج إلى أمة تباشر منه ما لا يباشر غيرها، وتطلع على عورته، فلا بأس أن تجعل معه حيث يجوز ذلك، وإذا حبس الزوجان في دين، فطلب الغريم أن يفرق بينهما، وطلب الزوجان أن يجمعا، فذلك لهما إن كان الحبس خاليا، وإن كان فيه رجال غيرهما حبس معهم الرجل وحبست المرأة مع النساء.
[10/ 18]

(10/18)


وقال سحنون في المسجون: لا يمكن أن يكون معه امرأته وتبيت عنده، لأنه إنما حبس ليضيق عليه.
قال محمد بن عبد الحكم: ولا يفرق بين الأب والابن ولا غيرهما من القرابات إن سجنوا، وإذا أقر المحبوس لرجل أنه كان أجره على خروج معه لسفر يخدمه أو يصنع صنعة هاهنا، لم يخرج لذلك، ولو قامت عليه بذلك بينة، كان العمل مما يعمله في السجن أو خارجا منه، فلا يخرج حتى يقضي الدين، ثم يطلبه الرجل بعمله، وإذا شاء الطالب له فسخ الإجارة لسجنه فذلك له، وإذا طلب الزوج أن يخرج بامرأته إلى بلد فأقرت بدين لرجل، أو بايعته، أو قامت بذلك بينة، وأرادوا حبسها، وطلب الزوج أن يخرج بها فإنها تحبس إن قامت بينة بما عليها، وأما إن أقرت لابنها أو لغيره ممن يتهم عليه أو يكون ذلك كراهية الخروج لم تصدق، وينظر الإمام في ذلك بقدر ما ينزل به ويشاور فيه.

فيمن ثبت عليه دين فغاب وأقر رجل أن له بيده وديعة أو بضاعة
ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شرحبيل إلى سحنون في رجل ثبت عليه دين فلم يوجد له مال، ثم غاب، فأتى رجل فذكر أن هذا الغائب أودعه جارية أو دنانير أو دراهم، فهل يقبل منه الحاكم ويأمر ببيع ما يباع من ذلك، فيقضي منه غرماء الغائب إن كان غائبا، أو متواريا بالبلد؟ فكتب إليه: ما أرى أن يقضي الحاكم غرماءه من المال الذي أقر هذا له به.
وسأله حبيب فقال: أتاني رجل فقال: إن هذا معه بضاعة لفلان الذي بصقلية، ولي أنا على فلان الغائب دين فأعدني في بضاعته هذه، فقال له: نعم فأعداه فيها إذا أتي بالبينة على ما ادعاه وذكر.
وسأله شجرة فيمن أخذ مالا قراضا يعمل فيه، ثم خرج إلى القيروان ثن قفل إلى مصر بغير علم ربه، وترك بيد أبيه ثلاثين دينارا فأقر بها الابن، فزعم رب
[10/ 19]

(10/19)


القراض أنه ماله وقام قوم بدين على الخارج إلى مصر لهم عليه في نفسه، وقامت امرأته بمهرها، والعامل عديم لا يعرف له مال ظاهر، فكتب إليه. إن ثبت أن غيبته منقطعة مثل مصر وغيرها فالمال الذي أقر به الابن أنه للغائب، يقضي منه غرماؤه وزوجته إن أثبتوا دينهم، وينظر في صاحب القراض فإن كان أعطاه إياه على العمل به بأرض تونس/والمال كثير أو قليل، فخرج به إلى مصر، وثبت ذلك، فليضرب رب المال مع الغرماء، وإن كان أعطاه إياه ولم يشترط عليه، والمال قليل فهو كذلك يضرب به مع الغرماء، وإن كان المال واسعا يحمل الخروج به إلى مصر، ولم يشترط عليه شيئا فليس لصاحب القراض أن يضرب به مع الغرماء.
في الغريم يطلب تفليسه وحبسه أحد غرمائه، وكيف إن كان معه قدر حق من قام به هل يفلس؟
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإذا طلب واحد من الغرماء سجن الغريم، وقال الباقون: ندعه يسعى، قال: فإن لد أو اتهم فللقائم أن يسجنه وللآخرين محاصة القائم في ماله، ثم إن أبقوا ما فاتهم في يديه، لم يكن للقائم أن يأخذ منه شيئا إلا أن يربح فيه أو يفيد فائدة من غيره فيضرب في الربح أو الفائدة القائم بما بقي له، وهؤلاء بما بقي لهم بعد الذي أبقوا بيده، وإن كان فيما أبقوا بيده وضيعة وطرأت فائدة، ضربوا فيها بالوضيعة، وبما بقي لهم أولا، وضرب فيها الأولون بما بقي لهم، وقاله ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم وأصبغ.
قال ابن حبيب: قال مالك: وإذا فلس لبعض غرمائه، وقال بعضهم: لا نفلسه، قسم ما بيده على ديونهم أجمع، فما صار للقائمين أخذوه ويبقي بيده نصيب الآخرين، ثم لا دخول فيه للذين أخذوا، وإن داين/آخرين واكتسب مالا فالذين لم يفلسوه عامله بعد ذلك أحق بما في يديه إلى مبلغ حقوقهم، فما فضل فللذين فلسوه، لأن الذين لم يفلسوه فيه بمنزلة غريم لم يفلسه غرماؤه حتى
[10/ 20]

(10/20)


داين آخرين ثم فلس، فكلهم يسرع في ماله بقدر دينه، وإن أفاد بعد التفليس فائدة بهة، أو وصية، أو ميراث، أو عقل خطأ أو عمد فليسرع في ذلك من فلس ومن لم يفلسه، ومن داينه بعد التفليس بقدر ديونهم.
قال ابن المواز: ومن هلك عن مال وعليه دين فطلب الورثة غرماءه، فتركوا لهم نصف حقوقهم وأخذوا النصف، ثم قدم غريم فأبى أن يضع، قال: يحاصه الورثة بما وضع الأولون للميت فيدخلون معه.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا قام به أحد غرمائه وله عليه دين يسير ليسجنه، وعليه كسائر غرمائه مال كبير لم يريدوا سجنه، فإما دفعوا إلى القائم دينه، وإلا بيع له مما بيده ما بقي بدينه، وإن أتى على جميعه، ولا يدخل معه فيه الآخرون بعد
التعريف لمن قدر عليه من غرمائه، فمن شاء قام وحاص هذا، ومن أبي فلا حصاص له، وإذا سجن لمن قام وكان له من دين وعروض أكثر من دين من قام به، فلا يفلس هذا، ولا يقضى إلا لمن حل أجله، ولو تلف ما بقي بيده ثم قام غريم، فلا يرجع على من أخذ حقه بشيء.

في المفلس والميت يقوم بعض غرمائه/وبعضهم حاضر فلم يقم وقد قسم المال وكيف إن فلس المفلس ثانية وقد أبقي بيده بعض غرمائه شيئا وعامل آخرين؟
وفيمن أبي من أخذ دينه المؤجل حتى يحل
من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في الميت يقسم ورثته ماله، والرجل عليه دين فلا يقوم به، وهو حاضر لقسمتهم لماله، ثم قام ذلك فلا
[10/ 21]

(10/21)


شيء له، إلا أن يكون له عذر في ترك القيام، أو يكون لهم سلطان يتقون به ونحو ذلك مما يعذر به، فهذا على حق أبدا وإن طال الزمن النبي عليه السلام:
لا يبطل حق امرئ وإن قدم.
ومن سماع ابن القاسم: قال مالك في الميت عليه طعام إلى أجل: فقال ورثته للطالب: خذ حقك، فقال: لا حتى يحل حقي، فإنه يجبر على أخذه، لأن مال الميت يباع، وقد لا يكون فيه وفاء، قال ابن القاسم في العروض: يجبر على أخذها في الفلس والموت.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا أعطى الغريم بعض ما عيه للطالب، فأبى إلا أخذ الجميع، أنه على أخذه. قال ابن القاسم: إلا أن يكون الغريم مليئا فلا يجبر الطالب، ويجبر المطلوب على أداء الحق كله.
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإذا قام بعض الغرماء بالغريم ففقلسوه، وباقيهم حضور عالمون، فلم يقوموا، فليس لهم بعد ذلك دخول فيما أخذوا القائمين، لأن سكوتهم تسليم كسكوتهم/عما أعتق الغريم، وقاله ابن القاسم وأشهب وأصبغ، وكذلك في كتاب ابن المواز، وقال فيه: وإذا لم يقم الباقون حتى داين آخرين، قال مالك: فلمن لم يقم من الأولين تفليسه ومحاصة من داينه بعد التفليس فحاص غرماءه، ثم أبقي بعضهم حصته بيده، وداين آخرين، ثم فلس، فالذين أبقوا بيده مع الذين عاملوه آخرا أولى بما في يديه إلى مبلغ ذلك، وإن نقص تحاصوا فيه خاصة، وأما إن كان فيه ربح أو أفاد فائدة فليتحاص في الربح والفائدة كل من بقي له عنده شيء.
قال في كتاب ابن حبيب: وإن كان فيه وضيعة ضرب في الفائدة لهؤلاء بالوضيعة، وضرب أيضًا الأولون بما بقي عليه ممن أبقي بيده شيئا أو لم يبق، وقد تقدم هذا في الباب قبل هذا، وذكر ابن حبيب عن مطرف أنه إذا فلس
[10/ 22]

(10/22)


ثانية فلا يدخل في ذلك كل من له دين قبل التفليس الثاني، كان ممن حاصص في الأولى أو لم يحاص، ولو ذهب كل ما بيده مما أبقى بيده بعض الغرماء وما عامله به آخرون، ثم أفاد فائدة لدخل فيها كل أحد من أول وآخر بجميع ما بقى لهم، وكذلك فيما يدخل عليه من ميراث أو عقل دية أو جرح، وإن كانت وضيعة في ذلك لأحد ما بقى من داينه آخر مع الذين أبقوا بيده ما أبقوا هم، يحاص في الفائدة هؤلاء وغيرهم بكل ما بقى لهم.
ومن العتبية قال سحنون فيمن مات وعليه دين لجماعة، فأتى بعضهم السلطان فأثبت دينه، فأمر/ببيع مال الميت وقسمته بينهم، ثم قام باقي غرمائه فلهم الدخول فيما أخذ الأولون، ولا يضرهم علمهم بموته وأن ماله يباع لغرمائه، وأما لو كان مفلسا لم يكن لتاركي القيام الدخول على من قام فيما أخذ، لأن المفلس قد بقيت ذمته والميت لم تبق له ذمة، وقد قال لي ابن القاسم عن مالك: لا يجوز أن يشترى دين على ميت لأنه لا ذمة له يطلب فيها، والمفلس له ذمة تتبع.
وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن فلسه غرماؤه ثم داين أحدهم، ثم فلس ثانية، فلم يكن في ماله وفاء بما داينه به آخر، ثم إنه داينه ثالثة بشيء آخر فربح فيه ربحا كثيرا، هل يكون أحق بذلك في دينه الأول والآخر؟ قال: لا، ولكن له أن يأخذ ماله الذي فلس داينه به آخر مرة، ثم هو في الفضل مع الغرماء اسوة يحاص بما بقى له من دينه الأول والأوسط، كمن فلس ثم داين آخرين، ثم فلس فللآخرين رؤوس أموالهم، ثم هم في الفضل أسوة غرمائه فيما بقى لهم، وكذلك في كتاب ابن المواز عن ابن القاسم، وروى عنه أبو زيد في الكتابين فيمن فلس وضرب على يديه فيقي ولا مال له ثم أعطاه رجلا علم بفلسه قراضا فداين الناس، ثم فلس، ثم طلب رب المال ماله فلا يكون أحق به لأن الناس داينوه.
[10/ 23]

(10/23)


قال في العتبية: والغرماء أولى به إلا أن يبقي فضل فيأخذه رب المال، إلا أن يكون تعدى العامل في المال بما أدخله في ذمته مثل أن يتعدى ما أمر به/أو يتسلفه فيكون به إسوة الغرماء، وقاله مالك، ولا ينبغي أن يدان في القراض، فإن ادان فيه فهو أولى به، ولا يجوز أن يقول له: داين، وإذا تعدى وماله معروف، وماله الذي تعدى عليه فيه معروف ببينة فهو أحق به من الغرماء، قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإذا فلس الغريم ومات رجل وعليه دين فليأمر القاضي من ينادي على باب المسجد في مجتمع الناس أن فلان ابن فلان قد مات أو فلس فمن كان له عليه دين، أو قراض، أو وديعة، أو بضاعة فليرفع ذلك إلى القاضي، وكذلك فعل عمر في الأسيفع.

في الرجل يفلس أو يموت وبعض غرمائه غائب فيأخذ من حضر حقه، وكيف إن هلك ما بقي من ماله ثم طرأ غرماء آخرون؟ وكيف إن طرأ له مال أو وهبه قبل قدوم الغائب؟
وهذا الباب أكثره في المدونة، إلا أن هذا أبين تفسيرا.
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون فيمن فلس أو مات وعليه دين فيأخذ غرماؤه ديونهم، وبقي من ماله ربع، أو عرض، أو حيوان، أو عين فهلك ذلك، ثم طرأ غرماء آخرون، فلا رجوع لهم على الأولين إن كان فيما أبقوا وفاء دين الطارئين، ولو كان أخذه الورثة في الموت لم يرجع الطارئون إلا عليهم، أملياء كانوا أم عدماء، وإن كان واحد مليئا أخذوا منه كل ما أخذ ما لم يكن أكثر من/ديونهم، ويرجع هذا الوارث على بقية الورثة بقدر حقه على أن تركة الميت ما أخذوا، وما بقى بيد هذا إن بقي شيء، ولا يتبع المليء منهم بما على المعدم، ويضمنوا ما أكلوا واستهلكوا، وما مات بأيديهم من حيوان ورقيق، أو هلك بأمر
[10/ 24]

(10/24)


من الله تعالى من العروض فلا يضمنوه، وما باعوه فلا محاباة فإنما عليهم الثمن، وما جني عليه عندهم فلهم أجمعين أرش ذلك، سواء كانت قسمتهم بأنفسهم أو بأمر قاض، وقاله كله ابن القاسم عن مالك.
قال أصبغ: قال ابن القاسم: ولو كان القاضي أمر ببيع الرقيق، أو الوصي أو وصي أوصي إليه فاشترى الورثة منهم كغيرهم، ولو يكن بمعنى القسمة ضمن بعضهم لبعض ما مات واتبعهم الغرماء بالأثمان، ولو كان قسموا لم يتبعوا، قال أصبغ: ولا أرى ذلك، وقسمتهم ذلك بينهم، وقسمة السلطان أو الوصي سواء، لأن مالكا قال في الحالفة بعتق أمتها إن كلمت فلانا، فباعتها، ثم مات أبوها وقد دارت إليه فورثتها هي وأخوتها فباعوها فاشترتها في حظها، وفي المدونة: فأخذتها في حظها، ثم كلمت فلانا فإن كانت قدر ميراثها لم تحنث، قال مالك: وشراؤها كالقسمة، قال ابن الماجشون ومطرف: فإن لم يكن فيما أخذ الورثة بعد دين الأولين كفافأ لدين الطارئين فلينظر إلى ما كان ينو بهم في الحصاص بحضورهم، فيطرح منهم ما أخذ الورثة ويتبعون الغرماء بما بقي، كل/واحد بما عليه لا يؤخذ فيه مليئ عن معدم، وكذلك في المفلس يظن الغرماء أن ماله لا يفي بدينه، ويقتسمون ماله، وتبقى فضلة فتركت بيده، ثم طرأ عليه دين وقد هلكت الفضلة أو لم تهلك وفيها وفاء بدين الطارئين أولا وفاء فيها مثل ما ذكرنا في الميت، يأخذ الفضلة ورثته ولو لم يكن في مال الميت والمفلس فضل عن دين الأولين رجع من طرؤ من الأولين بما كان ينوبه لو حضر، ولا يؤخذ فيه مليء بما على معدم، وليس لهم أن يأخذوا ما وجدوا من ذلك بعينه فيقسمونه، لكن على ما وصفنا، وقاله كله مالك، وذكر مثل ابن القاسم عنه أيضًا، وقد ذكرنا في باب من فلس وبعض غرمائه حاضر من هذا المعنى.

في مال الميت أوالمفلس يوقف للغرماء فيهلك في الإيقاف
من كتاب ابن المواز قال: وإذا جمع السلطان مال المفلس وأوقفه ليقضي غرماءه فتلف، فروى أشهب عن مالك: أن ضمانه من المفلس كان عرضا، أو
[10/ 25]

(10/25)


حيوانا، أو عينا حتى يصل إلى الغرماء، وروى عنه ابن القاسم أنه يضمن غير العين.
قال أبن حبيب وابن وهب ومطرف: وأما العين فضمانه من الغرماء، وكذلك ثمن ما باعه له من عروض وغيرها فصار عينا فهو من الغرماء، وبه أخذ ابن القاسم، وروى ابن الماجشون عن مالك أن ضمانه من الغرماء/كان عينا أو أو حيوانا أو عرضا، أو ما كان، لأن السلطان احتجنه عنه فضمانه من غرمائه من حضر منهم، أو غاب أو علم، كان دينه عرضا، أو حيوانا أو ما كان، وله قال: وقال ابن عبد الحكم بقول أشهب، وبه أقول، وقال أصبغ بقول ابن القاسم، وقال ابن حبيب أن أصبغ أخذ بقول ابن الماجشون.
محمد: قيل لابن القاسم: فلو اشترى من العبد أن أوقف سلعة فربح فيها، قال: الربح يقضى منه دينه. قيل له: كيف له ربح ما ضمانه من غيره؟ فسكت، وذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون ما ذكر عن ابن المواز، وقال: هو قول مالك وأصحابه، وقال: ولو قدم غريم بعد ضياع ماله ممن لم يكن علم لكان عليه من ضمان ذلك حصته كما أن كان يرجع على الحاضرين فيما يأخذون، وقاله مطرف.
قال محمد: قال أصبغ وعبد الملك: ولو بيعت دار الميت بأمر القاضي لدين عليه مائة دينار فاستحقت ممن اشتراها وأودعت فهلكت في الإيداع، ثم استحقت الدار، لرجع مشتريها على الذي بيعت لد الدار طالب الدين لأنه كان الثمن في ضمانة، فكأنه قبضه، وكذلك لو كان عبدا فباعه القاضي لغرمائه فضاع من رسول القاضي، فاستحق العبد الحرية، أن الثمن من الغرماء، وعليهم يرجع المشتري بالثمن، فإن لم يجد عندهم رجع به عليهم في مال المفلس أو الميت إن بقي له شيء، أو طرأ له ما يأخذ ذلك منه دون سائر الغرماء، لأنه عنهم يأخذه ويحسب عليهم/إن بلغ ذلك دينهم، وإن لم يكن للميت مال يرجع بالمائة أو بما عجز منها على الغرماء، وأما على رواية أشهب فذلك من المديان حتى يصل إلى
[10/ 26]

(10/26)


أصل الدين، أو يضعه لهم السلطان، أو يعزله لهم الوصي، ويكون للمشتري محاصة الغرماء بالثمن، ولم يختلف قول مالك أن لا يضمن ذلك السلطان، وذكر ابن حبيب عن مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ، أن المشتري يرجع على الغريم بالثمن الذي تلف في الإيقاف، فإن لم يجد له شيئا رجع على الغرماء الذين بيع لهم ذلك، وقال مطرف وابن الماجشون: ويرجع على من كان غائبا ولم يقم.
ومن العتبية قال أصبغ: ومن قام بدين على ميت فباع له القاضي ماله ولا كفاف فيه، فأوقفه فهلك، ثم قدم غرماء آخرون، قال: المال من الغريم الذي أوقف له، ويرجع عليه القادمون بما ينوبهم منه.
في مال الميت أو المفلس يوقف وفيه فضل عن دينه فيهلك أو يهلك ما بقي بعد القضاء ثم طرأ الحي، أو يعتق أو يصدق، ثم طرأ غريم، أو يود أكله ثم يحدث له ملاء ثم يعدم ثم يطرأ غريم
من كتاب ابن حبيب: قال ابن الماحشون فيمن فلس فوجد له ألف درهم ومائة درهم، فيأخذ الألف غرماؤه، وأوقفت المائة فهلكت في الإيقاف، أو سلمت إليه فأنفقها، ثم طرأ غريم له مائتان، قال: إن تلفت في الإيقاف فهي من الطارئ، وإن أنفقها/المفلس فهي له من لا يرجع منها بشيء على الأولين، فأما المائة الأخرى: فيرجع منها الوجهين على الأولين على أن يحاصصهم في الألف بجزء من أحد عشر جزءا، وهذا الذي ذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون بعيد، وإنما ينبغي وهو أصل ابن القاسم أن يحاصهم في الألف ومائة بجزئين من اثني عشر جزءا فنصيبه مائتان إلا سدس مائة، فتحسب عليه المائة الذاهبة
[10/ 27]

(10/27)


ويذهب عليهم بخمسة أسداس مائة، وقد تقدم ما يدل على هذا من قول ابن الماجشون، قال ابن الماجشون: وكذلك لو بيعت طائفة من ماله لغرمائه فكانت كفاف دينهم، وكان الظن أن جميع مال لا يفي بدينه، فأخذ من قام حقه وبقي بيده ما بقي، ثم طرأ له غرماء فلا رجوع لهم على الأولين وإن هلك ما بقي بيده إذا كان فيه كفاف دين الطارئين وليتبع الطارئون ذمة غريمهم بما هلك بيده، وقاله مطرف، وخالفهما أصبغ فقال: إنما هذا الميت الذي لم تبق له ذمة فيحسب ما فضل عليهم، وأما من له ذمة قائمة فحق الطارئين في ذمته ولا يحسب عليهم ما هلك، كما لو حضروا وأبوا القيام فهلك ما بيع له في الإيقاف، لكان ضمان ذلك ممن قام بتفليسه دون من أبى أن يقوم، وبقول مطرف وابن الماجشون أقول.
قال أبو محمد: انظر كيف يكون مفلسا ومعه وفاء بحق من قام إلا أن يعلم أن عليه لآخرين دينا، ولو علم ذلك لكان يحاص فيه.
وقد تقدم في الباب الذي/قبل هذا الاختلاف في هذا المعنى، وقول أصبغ فيما هلك في الإيقاف من مال الميت أن من طرأ من غريم يرجع بحصته في الحصاص فيما أوقف ذلك له من الغرماء، قال ابن الماجشون: وسواء كان ما بقي عينا أو عرضا، فلا يرجع القادم على الأولين إلا بما يبقى له بعد أن تحسب عليه قيمة العرض أو وزن العين.
قال ابن الماجشون: ولو كان له عبد أبق فاقتسم الغرماء ماله، ثم قدم الأبعد فمات، أو أبق ثانية، ثم طرأ غريم، فلا يرجع على الأولين فيحاصهم إلا بما يبقى له بعد قيمة العبد، ولو لم يقدم العبد لحاصهم بجميع دينه، ولو أرجعت على الأولين فلم يأخذ منهم شيئا، ثم قدم العبد لرجع طلبه في العبد دونهم.
قال أبو محمد: يريد: إلا أن يبقى له شيء بعد ثمن العبد، وكذلك كل ما يظهر للغريم من عطية وغيرها قبل أن يأخذ الطارئ من الغرماء شيئا، فإن حقه يرجع فيما ظهر للمفلس، وقاله مطرف، وقال: ليس هذا مما يقطعه الحكم، وقال أصبغ: إذا حكم له بالرجوع على الغرماء بالحصاص مضى ذلك ولم يرجع حقه
[10/ 28]

(10/28)


في الطارئ كحميل الوجه يقضى عليه بالمال، ثم يأتي الغريم قبل قبض الطالب، قال ابن حبيب وبالأولى أقول، ولا يشبه الحميل إلا في الاستحسان.
قال ابن الماجشون: ولو وهبه أبوه بعد أخذ الغرماء ماله أو ورثه بحق عليه، ثم طرأ غريم له دين/تاريخه تاريخ دين الأولين، لكان له الدخول مع الأولين، لأن مالكا قال: إذا وهب له أبوه وعليه دين محيط أنه يعتق ولا شيء لغرمائه فيه، ولو أنه اشتراه وأخذه في دية أو دم عمد فهذا يرد عتقه إن لم يكن مليا يوم عتق عليه، بخلاف الهبة والميراث الذي لم يكن حق أحدهما به، ولو كان قد حلف بحرية عبد إن اشتراه فعتق عليه، ثم طرأ غريم، ثم جهل أمره فإن لم يكن يوم عتق عليه مليا بحق الطارئ، رد عتقه وأخذ منه الطارئ دينه، فما فضل منه عتق، وإن عجز ثمنه عن الدفع رجع بالباقي فحاص به الغرماء فيما قبضوا، وقد قال مالك فيمن حلف لغريم بعتق عبده ينوي فيئه يوم كذا، فلم يفعل فعتق عليه، أن للمحلوف له رد عتقه في دينه إن لم يجد غيره، فهذا أبين من مسألتك، ولو ملكه في مسألتك بهبة أو ميراث فكما ذكرنا في الأب. قال ابن الماجشون: وإنما يباع للغريم من العبد الذي في عتق مناقصة يقال: من يشتري منه بكذا على أن باقيه حر، فيقول رجل: أنا آخذ بذلك نصفه، ثم يقول آخر: آخذ ثلثه، ويقول آخر: ربعه، حتى يقف على يقف، ولو أنه فلس فكان ما بيده كفاف غرمائه فيما يرون فقسم، ثم حدث له ملاء من هبة أو ميراث أو دين، أٌر له به رجل ولا بينة عليه، ثم يعتلف ذلك من يديه، ثم طرأ/غريم، فلا رجوع له على الأولين وليتبع ذمته، ولو اقتسم غرماؤه ماله كله بعد أن ثبت لهم ببينة يوم قام طارئ عليه بما به فذهب ليرجع على الأولين، فرجع شهيدان كانا شهدا لبعض الأولياء بما به، وقالا: شهدنا بزور، فقال باقي الأولين للطارئ: ارجع على الذي أخذ المائة بشهادتهما دوننا، قال: بل نرجع عليهم أجمع وفيهم الذي رجع شاهداه، ثم يرجعون على الشاهدين الراجعين بالمائة وفيهم الذي رجع شاهداه، وقاله مطرف وأصبغ.
[10/ 29]

(10/29)


في التركة تباع وتقسم بين الورثة وفيهم أصاغر،
ثم ينمو ذلك أو ينقص، ثم يطرأ وراث أو غريم
من العتبية من سماع ابن القاسم فيمن ترك بنين صغارا أوصى بهم رجلا، وترك ثلاثمائة دينار فتجر فيها لهم الوصي فصارت ستمائة دينار، ثم طرأ على الميت دين: ألف دينار، أن الستمائة تؤدى كلها في الدين، لأنه لو أنفق عليهم المال لم يضمنوه، ولو أن الورثة كلهم كبار لا يولى عليهم فباعوا التركة وتجروا وربحوا فليس عليهم إلا رأس المال، ولهم النماء وعليهم النقصان، وكذلك يضمون ما غابوا عليه من العين، وأما الحيوان إن تلف أو نما فلا ضمان عليهم فيه.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وأمين الوصي/إذا باع للغريم، ثم تلف الثمن عنده فلا ضمان عليه، وكذلك الوصي إذا كان أمره على الصحة، قيل: فإذا قسم ذلك الوصي بين الورثة وطرأ دين وقال الورثة: قد تلف ما قبضنا، قال: لا يقبل قولهم فيما يغاب عليه، وأما الحيوان فلا يضمنوه إلا أن يتلف بسببهم، وما أنفقوا على أنفسهم غرم الكبار ما صار لهم منه، وما أنفق على الصغار فلا يتبعون به، وما ربح الوصي للصغار في ذلك دخل الغرماء في أصله وربحه، وما ربح الكبار فيه لا يدخل فيه الغرماء، لأن الكبار ضمنوه ولا يضمنوا الحيوان، ولكن إن اشتروا بما قبضوا من حيوان أو غيره حيونا فهلك، فهذا ضمان منهم، وإن كان جميعهم صغارا ومولى عليهم فتجر لهم الوصي بما ورثوا، ثم طرأ دين، صار ذلك كله في الدين، لأنه لو أنفق عليم لم يضمنوه هم ولا الوصي، وأما أشهب فقال: إن طرأ دين رجع عليهم أجمع، فإن لم يكن عند الصغار بحصتهم، وإن لم يوجد أيضًا عند الكبار شيء اتبع الغرماء الصغار والكبار بقدر حصصهم التي ورثوا، وبه قال أصبغ.
[10/ 30]

(10/30)


وروي عن أشهب فيمن ترك مائتين وولدين صغرين فرفع الوصي مائة كل واحد إلى عمل بها فصارت أربعمائة، ثم طرأ على الميت أربعمائة دينار دين، فلا تؤخذ من الصغار إلا المائتين/التي ورثا، وخالف ابن عبد الحكم فقال: إن ترك ولدين كبيرا وصغيرا فورث كل واحد مائة فأكلاها، ثم أفادا مالا، وطرأت مائة على الميت دينا، قال: تؤخذ كلها من الكبير خاصة، ولا يرجع الكبير على الصغير بشيء، ثم إن طرأ مائة للميت أخذها الكبير وحده، ولو تجر الوصي للصغير في مائة فربح فصارت أربعمائة، ثم طرأ دين على الميت مائة، فعلى الكبير خمسها، وعلى الصغير أربعة أخماسها، وأما لو قدم عليهم وارث فلا يتبع كل واحد إلا بقدر حصته من صغير أو كبير، ولا يأخذ من أحد عن أحد، وكذلك عن مالك في كتاب ابن المواز: وهو في الأول من الوصايا.

في الغريم يطرأ على غرمائه، أو على
ورثته أو على موصى لهم، أو وراث
على ورثة، أو موصى على ورثة
قال محمد بن المواز: قال مالك: وإذا باع الورثة تركة الميت وأكلوا ذلك واستهلك، ثم أتى غرماؤه، فإن كان لا يعرف بمداينة الناس، فبيع ورثته جائز، وتتبعهم الغرماء بالثمن دينا، ولا سبيل لهم إلى السلع، وإن كانت قائمة بيد المبتاع، ولو هلك الثمن بأيديهم من غير سببهم لم يضمنوه، ولو كان معروفا بالدين، كان للغريم أخذ السلع حيث كانت بلا ثمن/، ويرجع المشتري على الورثة بما دفعوا إليهم إلا أن يشاء المشترون أن يدفعوا قيمة ما بأيديهم، أو نقص قيمته يوم قبضوه، فذلك لهم، ويرجع المشترون على الورثة بالثمن.
[10/ 31]

(10/31)


قال عبد الملك: ولو قبضوا ما باع غرماؤه وفضلت فضلة فورثوها، ثم جاء غريم، وقد كان بيع الورثة مبادرة، وهم الآن معدمون، فليرجع على الغرماء بما كان ينوبه معهم، ويرجع جميعهم على الورثة ولو كان بيعهم على ثان، وكبيع السلطان، وأجراه مجرى السلطان، قال محمد: فإن لم يجد الطارئ هاهنا عند الغرماء شيئا لم يكن له على ما باع الورثة سبيل، ولا على المشتري، لأن بيعهم ليس على مبادرة لأنفسهم، وإنما تعدوا في مسألة عبد الملك فقضوا الدين وتركوا واحدا من الغرماء وهم عالمون، فلذلك لزم الغرماء الغرم له، ورواية ابن القاسم عن مالك نحوه.
قال ابن القاسم: وأما الوارث يبيع الدار ثم يطرأ وارث معه فهذا يرجع في الدار كان الوارث البائع مليا أو معدما، كان عالما بالوارث معه أو غير عالم، ويرجع المشتري على بائعه بالثمن، بخلاف الغريم يطرأ إذ لا حق للغريم في رقبة الدار، إنما حقه دين، إذ لو قال له الوارث: نعطيك الدين، أو قال ذلك له المشتري لنفذ بيع الدار، ولا يكون ذلك في الوارث، ولا يباع عليه ملكه.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: ولو ترك ألف درهم عينا وعبدا/وعليه دين لرجلين لكل واحد ألف درهم وحضر أحدهما فأخذ الألف العين، ثم قدم الغائب وقد هلك العبد، قال: ينظر قيمة العبد، فإن كانت قيمته ألف درهم فلا رجوع له على قابض الألف، ولا ينظر إلى قيمة العبد يوم مات ولا يوم مات السيد، ولكن على أوفر قيمة مضت عليه من يوم قبض الغريم الألف إلى أن مات العبد، فإن بلغ ألف درهم لسوق زاد أو زيادة بدن، فلا رجوع على الغريم الأول بشيء، وإن كان أوفر قيمة مضت له خمسمائة رجع القادم على الغريم الحاضر بمائتين وخمسين وحسب العبد على الغائب، وإن اختلفا فقال الحاضر: بلغت قيمته ألفا، وقال الطارئ خمسمائة، فالقول قول الطارئ إن لم تقم بينة، ولو كان إنما باع الوصي العبد بألف فقضاها للحاضر، وبقيت الألف العين فلا رجوع للطارئ على الحاضر بشيء، ولو رد العبد بعيب بعد أن تلفت الألف التي عزلت للغائب، وقدم الغائب، قال: يباع العبد ثانية للحاضر الذي كان بيع له دون الغائب إلا أن ينقص من الثمن شيء فيرجع على الغائب من نقصانه بما يصيبه إلا
[10/ 32]

(10/32)


أن يكون أتى على العبد وقت من يوم قضى ثمن يسوى فيه بالعيب ألفا فلا يرجع بشيء على الحاضر، وذلك إذا قامت بينة، ولو بيع العبد بالألف فيأخذها الحاضر، ثم قدم الغائب فأخذ الألف العين، ثم رد العبد بعيب فإن كانت قد/بلغت قيمة العبد ألفا لم يرجع الحاضر على القادم بشيء، ولو كانت قيمته خمسمائة، رجع الطارئ بمائتين وخمسين، وفي الأول من الوصايا في مثل هذا فيه قول مالك أنه إذا تجر الوصي في نصيب الصغير فربح، أن يقضي بذلك دين الميت، ويقضي الدين على ما أخذ الكبير فقط، وعلى ما أخذ الصغير من ربح.
قال مالك فيه وفي العتبية من رواية أشهب فيمن ترك قيمة ألف دينار، قال في العتبية: ألفا دينار وعليه دين: مائتان، فباع الورثة لأنفسهم بعض تركته وقالوا في باقي التركة وفاء لدنيه فالبيع باطل، وقد يذهب ما أبقوا أو يفسخ، وقد ما بياع ما يقال يبلغ ألفا، قيل: فإن جاء الأمر على العاقبة، قال لابد من فسخه بكل حال. محمد: يريد: لمعرفتهم بالدين وأن بيعهم لأنفسهم.
قال مالك: قال الله سبحانه: (من بعد وصية يوصي بها أو دين) وإذا أخذ الغرماء حقوقهم بقضاء سلطان أو وصي ثم طرأ غريم فليرجع على الغرماء يتبع كل واحد بقدر ما عنده مما ينوبه في الحصاص، ولا يتبع المليء منهم بما عند المعدم، وقاله مالك وأصحابه، قال ما لك: ولو كان بقيه فضله قدر حق الطارئ لم يرجع إلا على الورثة، قال ابن القاسم: كانوا أملياء أو معدمين، وليأخذ ممن يجد من الورثة كل ما صار إليه حتى يستوفي جميع حقه، ثم يرجع الوارث على باقي الورثة بحصة ذلك، علموا بالطارئ أو لم يعلموا، وكذلك/إن كانت الفضلة لا تفي بدينه حسب عليه، ويرجع على الغرماء بباقي ما يبقى مما كان يصيبه في المحاصة لو حضر، ولا يتبع المليء إلا بما عنده من ذلك، لا يأخذه بما عند الغريم منهم، وأما ما يرجع به على الورثة فليأخذ من المليء منهم حقه من كل ما صار إليه، قال أصبغ: وكذلك موصى له طرأ على موصى لهم، ثم أخذوا
[10/ 33]

(10/33)


وصاياهم، وبقيت فضلة فيها وصية الطارئ، أخذها الورثة، فإنها تحسب عليه، ولا يتبع بها إلا الورثة، وإن لم يكن فيما صار إليهم وفاء وصيته رجع على أصحابه بما بقي فيتبع كل واحد بما يصير عليه منه لا يأخذه بما عند المعدم منه مثل إن يوصي لثلاثة بمائة مائة والثلث مائتان وخمسون، وأخذ الحاضران مائتين والورثة خمسين ثم قدم الثالث فقد كان يجب له ثلاثة وثمانون وثلث، ويحسب عليه منها خمسون عند الورثة يطلبهم به، ويرجع على كل واحد من الموصى له بسبعة عشر إلا ثلثا لا يأخذ المليء منهما عن المعدم، وقال أشهب، وله أن يأخذ الوارث المليء بجميع ما صار إليه من الخمسين، ثم يتبعان جميعا باقي الورثة، وكذلك كل من يرجع على وارث من غريم على غريم، أو موصى له على موصى لهم فلا يتبع المليء منهم إلا كما يتبع المعدم، وأما إن طرأ وارث/على ورثة فيختلف، فقال ابن القاسم، ورواه عن مالك، وقاله أصبغ: إنه لغريم يطرأ على غرماء وموصى له على موصى لهم، وذهب أشهب وابن عبد الحكم إلى أن يقاسم الوارث الطارئ من وجده مليا منهم جميع ما صار إليه حتى كأنه لم يترك الميت غيرهما، ثم يرجعان على سائر الورثة بما يعتدلون به معهم، فمن أيسر منهم قاسموه، ثم رجعوا على الباقين هكذا حتى يعتدلوا.
قال محمد: والغريم يطرأ على الموصى لهم أو على ورثته، فذلك سواء، يأخذ المليء منهم جميع ما صار إليه إلى مبلغ حقه.
ومن مات عن امرأة وابن فأخذت المرأة الثمن والابن ما بقي، ثم قدمت امرأة له أخرى لم يعم بها فوجدت صاحبتها عديمة والابن مليئا فلترجع على الابن بخمس ثلث ما صار إليه، لأن حق الابن من التركة سبعة أثمان، ولهذه الطارئة نصف ثمن فأضعفها تصير خمسة عشر سهما، فلما من ذلك سهما، وترجع هي والابن على الأولى بنصف ما أخذت، فكل ما يؤخذ منها فستمائة على خمسة عشر سهما، سهم للطارئة وللابن أربعة عشر، وهذا الذي ذكر محمد إنما هو على مذهب
[10/ 34]

(10/34)


أشهب، وأما على مذهب ابن القاسم فإنما يقسم سهمها ثمانية، تأخذ من الابن سبعة أثمان نصف الثمن، ومن المرأة ثمن نصف الثمن
قال محمد: ولو قالت الطارئة: عبدي خفي من الميراث، أو قالت: تركت لكما ميراثي، فإن الابن/والزوجة ينتقص قسمهما ويرجعان فيقتسمان ما بأيديهما على خمسة عشر سهما، للزوجة سهم، وللابن ما بقي مثل أن يترك الميت ستة عشر دينارا، أخذت الزوجة دينارين، والابن أربعة عشر، فترد المرأة دينارا فتقسم على خمسة عشر، لها من ذلك سهم وللابن ما بقي، ويصير ذلك أن يرجع الابن عليها بأربعة عشر مهما من خمسة عشر من نصف الثمن الذي أخذت، ويبقي بيدها دينار وجزء من خمسة عشر جزء من دينار، وذلك خمس ثلث دينار، وذلك قراط وثلاثة أخمسا قيراط، فكذلك ينبغي أن يكون بيد الطارئة، فإن طرأ على الميت دين رجع عليهم به على حساب ما بأيديهم، وإذا طرأ وارث وغريم على بعض الورثة وهو ملئ وباقيهم عديم، فقال الأول منى ما أخذت، فأما فيما يغاب عليه فلا يصدق إلا ببينة، وأما الحيوان والسفن والرباع وما لا يغاب عليه، فهو مصدق ما لم يتبين كذبه مثل أن يذكر موت العبد بموضع فيه ثقات لا يعملون ذلك، وكذلك الدابة، فإن قالوا: مات عبد أو دابة لا يدري ما هي صدق فيه، وأما قوله: سرق الدابة، أو شرد البعير فهو مصدق مع يمينه.
محمد: ولو ترك ولدين وعبدين، فأخذ كل واحد عبدا على قسمة أو بيع فمات أحد العبدين ثم طرأ لهما أخ ثالث، قال ابن القاسم: فأما في القسم فقسمتهما باطل، ويدخل جميعهم في العبد الباقي، قال محمد: وأما لو كان/كل واحد عند شرائه من أخيه أو من وصي كانت مصيبته نصف العبد الميت بين الثلاثة أخوة، وهو النصف الذي لم يشتره، والنصف الذي اشتراه منه وحده، ثم يكون نصف العبد الحي الذي لم يقع عليه الشراء الطارئ مخيرا في إنفاذ بيع مصيبته منه، وهو سدس العبد، فإن أنفذه رجع بثمنه على من قبضه، ويكون نصف الميت المشترى مصيبته من مشتريه وحده يرجع الطارئ بثمن ما يستحقه
[10/ 35]

(10/35)


من هذا النصف المباع على أخيه الذي باع، ثم هو مخير أيضًا عليه في العبد الحي الذي بيده إن شاء أخذ ثلثه كله، السدس ثمن النصف المباع، والسدس من النصف الذي لم يقع عليه بيع، ويرجع هذا على الأخ الذي مات العبد بيده بثلث ما كان دفع إليه في ثمن العبد الحي، لأن مشتري العبد، إنما رقع شراؤه على نصفه، وكأن النصفين من العبدين وقع فيهما مبايعة، ونصفيهما الآخرين وقع فيهما مقاسمة بما وقع على المبالغة ضمن مشتريه، وما وقع على المقاسمة فسخت، ويكون مصيبة ذلك على جميع الورثة، لأن من اشترى شيئا فمات بيده فمصيبته منه لا يرجع على بائعه بشيء، ويرجع مستحقه على بائعه بالثمن، ولو كان بائعه عالما متعديا لزمته القيمة إن كانت أكثر من الثمن، وكذلك الحكم في النصف المباع من العبد الميت، وإذا لم يجز بيع حقه من النص المبيع/فله أخذ ثلث العبد الباقي، ويرجع من بيده العبد الحي على أخيه الذي باعه بثلث ما دفع إليه في ثمن النصف، قال: وما سكن الوارث من الدور إنما اغتل يظن ألا وارث معه، ثم قدم وارث، قال ابن القاسم: لا يرجع عليه فيما سكن، وقال مالك، وكذلك الأرض وما اغتل، فليرجع عليه، كان يعلم أنه معه وارث غير، أو لا يعلم، وقاله أشهب.
وهذا الباب مثله في الوصايا الأول.
في الرجل يقتل عمدا وعليه دين وترك ما لا بقي بدينه أو يقي فعفا أحد ولده عن دمه بغير شيء
من العتبية من كتاب الديات عن ابن القاسم، ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا قتل الرجل عمدا فترك ولدين، وترك مائة دينار، وعليه مائة دينار ببينة فعفا أحد ولديه عن الدم بلا شيء، وأخذ الآخر نصف الدية، قال: تؤدى المائة الدين من نصف الدية ومن المائة التركة من كل مائة سدسها للدين، فيبقى من
[10/ 36]

(10/36)


المائة التي ترك المائة خمسة أسداسها بين الولدين نصفين، وللذي لم يعف ما بقي له من نصف الدية، وهو أربعمائة وستة عشر وثلثان، قال ابن القاسم في رواية عيسى: فتقسم المائة الدين على اثني عشر جزءا، فعلى الذي لم يعف منه أحد عشر جزءا لأن خمسمائة من الدين ونصف المائة التركة، وللذي عفا نصف المائة عليه فيها نصف سدس الدين جزء من اثني عشر جزءا، وذلك ثمانية وثلث، يبقي له أحد وأربعون وثلثان، يريد: ويصح للآخر بعد الدين بسبب الدية والميراث أربعمائة وثمانية وخمسون وثلث، وذكر مثله ابن سحنون في كتاب الإقرار عن أشهب وسحنون.
وقال: ولو ترك الميت مدبرا أعتق في جميع هذا المال حتى يبلغ الثلث بعد الدين.
وقال عيسى عن ابن القاسم: وإن الخمسمائة التركة ونصفه من الخمسمائة التي يأخذها الابن الآخر من الدية، ويقسم ما بقي من التركة بين الولدين، وهو مائتان وخمسون، وبقية الخمسمائة المأخوذ من الدية للابن الذي لم يعف وحده، قال في كتاب ابن المواز: ولو عفيا ولا مال للميت جاز عفوهما، ولا قول للغرماء إلا أن يكون القتل خطأ لم يجز العفو عنه حتى يأخذ الغرماء دينهم من الدية، وفي عفو المقتول نفسه لا يجوز عفوه في الخطأ إلا في ثلثه، ويجوز في العمد ولو عفا الوارث، وذلك الوارث مديان، فيجوز ذلك في العمد، ثم إن عفا بعده وارث آخر لم يجز عفو الثاني إن كان مديانا، وغرماء هذا الثاني أحق به، إلا أن يكون على الميت دين فغرماؤه أحق بحصة من لم يعف، ولو لم يعف بعد عفو الأول أحد، كان كذلك دين المقتول أحق بما بقي من الدية من الوارث، وإن لم يحط دين الميت بما بقي من الدية وقد ترك الميت مالأ سواه/فيه وفاء بدينه فليقض دينه منه، ومن بقية الدين بالحصاص، ثم يكون بقية ماله بين ورثته كلهم، وما بقي من الدية لمن لم يعف خاصة.
[10/ 37]

(10/37)


ومن كتاب الإقرار لابن سحنون: وقال يعنى أشهب وسحنون فيمن قتل عمدا وله ابنان، وترك ألف درهم، وعليه دين عفا أحد الابنين عن نصيبين، وأخذ الذي لم يعف نصف الدية ستة آلاف درهم فإنها تضم إلى الألف التركة، ثم يقضى الدين على ذلك كله، فما وقع على الألف التي ترك خرج منها، وكان باقيها بينهما، ويرجع ذلك إلى أن يخرج الدين من الجملة ويقسم ما بقي بين الابنين على أربعة عشر سهما، للذي عفا سهم، والباقي للآخر، ولو أن عليه دين ثلاثة آلاف وخمسمائة، وأوصى لرجل بألف درهم فإنه يؤدى نصف السبعة آلاف في الدين، فيصير على الألف التي ترك نصفها، ونصفها الباقي فيه تكون الوصايا في ثلثه، لأن الوصايا لا تدخل إلا فيما علم الميت، فيأخذ الموصى له ثلث الخمسمائة وما بقي من المال كله يكون بين الولدين على عشرين جزءا، للذي عفا جزء، وهو نصف العشر، وللذي لم يعف تسعة عشر سهما، ولو ترك عبدا يساوي ألف درهم، وعليه ألف درهم دينار، فباعه القاضي وقضي دينه، ثم عفا أحدهما وأخذ الآخر ستة آلاف درهم نصف الدية، فليرجع أخوه عليه حتى بنصف سبعها، وذلك أربعمائة درهم، وثمانية وعشرون/درهما، وأربعة أسباع درهم ولو لم يقم الغريم حتى قبض الابن الستة آلاف وأخذ منها الغريم ألفا، فإن العبد بين الولدين نصفين والخمسة آلاف الباقية للأخ الذي لم يعف، ويرجع الذي لم يعف على الذي عفا بنصف سبع الدين الذي هو الألف درهم، وذلك أحد وسبعون درهما وثلاث أسباع درهم، فإن أداها وإلا بيع من نصيبه من نصف العبد بقدر ذلك، وإذا ترك ابنا وزوجة فعفا الابن وأخذ في دية أبيه اثني عشر ألف درهم وترك الميت عبدا يساوي ألف درهم، وعليه دين ألف، فللمرأة من ذلك كله الثمن ثمن العبد، وثمن الدية، ولو ترك ابنا وابنة وزوجة وعليه دين ألف درهم، فترك ألف درهم، فعفا الابن عن الدم على الدية، فإنه تدخل فيها الابنة والزودة بالميراث، وما كان على الميت دخل في الدية وفي المال، وما بقي من ذلك قسم على الفرائض، ولو ترك ابنين وابنة فترك مائة دينار وعليه مائة دينار فعفا أحد الابنين، فإن للابن الذي لم يعف
[10/ 38]

(10/38)


وللبنت ثلاثة أخماس الدية، وذلك ستمائة دينار بينهما على الثلث والثلثين، والمائة التي ترك بين الابنين والابنة أخماسا، ويقسم الدين على جميع التركة التي بأيديهم، وهي ستمائة دينار ثمن الدية، ومائة من التركة، فستة أسباع الدين على الابن الذي لم يعف، وعلى الابنة/فيما أخذا من الدية، فعليهما من ذلك خمسة وثمانون دينارا، وخمسة أسباع دينار، على الابن ثلثا ذلك، وثلث على الابنة، ويبقي من الدية أربعة عشر دينارا مخروجة من المائة التركة وهي بينهم أخماسا، وكذلك تؤدى هذه البقية من الدين أخماسا على كل ابن خمسا ذلك، وذلك خمسة دنانير وخمسة أسباع دينار، على البنت الخمس، دينارا وستة أسباع دينار.
ولو أن مريضا أقر بوديعة بعينها لرجل ثم قتل عمدا وترك ولدين فعفا أحدهما وأخذ الآخر نصف الدية إذ لم يعف، فيكون له خاصة، ويأخذ رب الوديعة وديعة لأنها بعينها، ولا شيء للابن الآخر، وكذلك لو أقر بدين: ألف درهم لرجل وقضاه إياها قبل أن يقتل فهو مثل هذا، ولو لحقه دين بعد ذلك فاتبع صاحب الدين الابن الذي لم يعف، فأخذ منه دينه، فإن ذلك لا يوجب للابن الذي عفا شيئا، وإن لم يتبع به الابن الذي لم يعف وأراد أن يتبع به الغريم الذي اقتضي في المرض، وكان دين هذا الذي لحق به في الصحة ألف درهم ببينة، فليس ذلك له، وإنما له أن يتبع بدينه الابن الذي لم يعف فيما أخذ من الدية، ولكن لو كان المقر له بالدين في المرض وارثا فأقر بألف درهم في مرضه دينا وقضاه إياها، ثم قتل ثم لحقه دين ببينة في الصحة، فإن إقراره للوارث باطل، فيؤخذ الألف من الوارث، ثم تكون هذه الألف التي/في الصحة على الابن الذي لم يعف منها ستة أسباع ونصف ألف دينار، ولا مال له غيره، ثم قتل العبد المريض وله ابنان، فهبته كالوصية قبضت أو لم تقبض، فإنما للموصى له ثلث العبد، فإذا قتل العبد المريض فشاء ورئته قتلوه، فإن استحيوه على أن يكون لهم فضت الدية على العبد، فثلثا الدية على ثلثي الورثة فيسقط ذلك الدية على ثلث العبد الذي هو للموهوب له العبد، فيخير بين أن يفديه بثلث الدية أو يسلمه، ولو أجاز الورثة جميع الوصية
[10/ 39]

(10/39)


صار العبد للموهوب له، وصارت الدية في رقبته، فإما فداه به الموهوب أو أسلمه بها للوارثة، فإن عفا الورثة على غير دية وقد أجازوا وصية صاحبهم، صار جميع العبد للموهوب له، وإن عفوا على غير دية وأبوا من إجازة الوصية صار ثلث العبد للموصى له، وثلثاه للورثة، فإن عفا أحد الابنين على الدية، فالحكم على ما شرحت لك، وإن عفا أحدهما على غير دية، فللأخ الذي لم يعف شطر الدية في رقبة العبد، فإن أجازوا وصية المقتول صار جميع العبد للموهوب له، ويخير في أن يفتك نصفه من الأخ إذا لم يعف بنصف الدية، أو يسلم نصفه إليه، فإن افتدى نصفه بنصف الدية لم يكن للأخ الذي عفا في نصف الدية شيء، وإن أبوا أن يجيزوا الهبة صار العبد بينهم أثلاثا، فإن عفا أحد الابنين على الدية سقط عن العبد ثلثا الدية، وقيل للموهوب له: إفتك ثلثك بثلث الدية، فيكون ثلث الدية بين الاثنين شطرين، أو أسلم ثلثه إليهما فيكون العبد بين الاثنين شطرين، وإن على أحد الابنين على غير دية، وجب للأخ الذي لم يعف شطر الدية في العبد، وله من العبد ثلث الدية، فيسقط عن ثلثه نصف ثلثه من العبد بثلث النصف، وذلك سدس الدية في قول المغيرة وغيره، وفي قول ابن القاسم، يخير بين أن يسلم نصف ثلث العبد الذي صار له بنصف ثلث الدية، أو يفتكه بها، فيكون ذلك للأخ الذي لم يعف دون الذي عفا، فإن أسلمه إليه لم يكن للأخ الذي عفا فيه معه شيء، وكذلك يقال للأخذ الذي عفا فيما صار له من العبد ميراثا: تفتك ثلثك بسدس الدية التي لأخيك الذي لم يعف، أو تسلم على شرحت من اختلافهم، فإن أجاز الذي عفا وصية المقتول وقال: عفوت من غير دية، وأبي الآخر أن يجيز، فقد صار للموهوب له العبد ثلثا العبد، وثلثه للأخ الذي لم يعف، ويصير للأخ الذي لم يعف شطر الدية في رقبة العبد، فسقط من ذلك ثلث النصف، وذلك سدس الدية، ويخير الموهوب له العبد في افتكاك ما صار له من العبد، أو يسلم على اختلافهم كما وصفت لك.
[10/ 40]

(10/40)


في المحاصة في المدبر والدين
وقد عفا أحد الولدين عن الدم
ومن العتبية/في الديات: روى عيسى عن ابن القاسم: ومن قتل عمدا وترك مائة دينار، وعليه مائة دينار دينا، وأوصى بوصايا، فعفا عن القاتل عل الدية، قال: يقضى الدين من المائة التي علم بها، وتبقي الدية لورثته، وتبطل الوصايا. انظر وفيها غير هذا، والمسألة الأولى في الذي عليه دين ولم يوص بشيء فعفا واحد من البنين، يدلك على ذلك.
قال عيسى: قال ابن القاسم: ولو ترك مائة دينار وخمسة وأربعين، وعليه مائة دينار، وأوصى بوصايا، فطرأ له مال بعد الموت، يريد: لم يعلم به، فليؤد الدين من المال الذي علم به، فتبقى خمسة وأربعون، فثلثها للوصايا: خمسة عشر، وإن كان فيها عتق يريد: بعينه، بدأ به، وتبقى ثلاثون للورثة مع المال الطارئ، وأما لو كان مع الوصايا مدبر، فإن الدين يخرج ويعتق في ثلث ماله مما علم به ومما لم يعلم، وذلك أنه ينظر في ثلث المال الذي علم به بعد إخراج الدين منه، فإن كان ثلث ما بقي من الذي علم به مائة، وثلث الطارئ مائتين، عتق ثلثاه في الطارئ، وثلثه في المعلوم، فإن فضل من ثلث المال المعلوم بعد ذلك شيء كان لأهل الوصايا، وإن لم يفضل شيء لهم، وإن أحاط الدين بالمال الذي علم به سقطت الوصايا، وعتق المدبر في ثلث الطارئ، ولو لم يف المال الذي علم به بالدين أخذ باقيه من الطارئ ثم عتق المدبر من ثلث ما بقي منه أو ما حمل منه، ولو ترك مدبرا قيمته مائة/دينار ولا دين عليه فعفا أحدهما فهو مثله، لأن المدبر يخرج مما علم به الميت ومما لم يعلم به، فيعتق في نفسه وفي الخمسمائة، وذلك اثنا عشر جزءا، فإذا أعتق المدبر قسم نصف الدين على اثني عشر جزءا، ويصير للذي لم يعف من نصف الدية أحد عشر جزءا من ذلك، وللذي عفا من اثني عشر، وقال محمد: وقيل: بل ليس للذي عفا من نصف
[10/ 41]

(10/41)


الدية إلا جزء من سبعة عشرة جزءا، وللذي لم يعف جزء من سبعة عشر، لأن ثلث المدبر خارج في نفسه فيبقى ثلثاه، لكل ابن ثلث، إلا أن باقية خرج بسببه نصف الدية فما فاتها ثلثا تبلغ خمسة عشر ثلثا فزد عليها ثلثي العبد، فذلك تسعة عشر ثلثا فباقي المدبر من جميعها خارج، فينبغي أن يقسم نصف الدية على سبعة عشر، يأخذ منها الذي عفا جزء ويعتق المدبر كله، قال محمد: والأول أحب إلي، ولو كان على هذا لكان إذا كان عليه دين: مائة ألا يكون للذي عفا شيء، وقال عيسى في العتبية عن ابن القاسم: وإن كان له مدبر قيمته مائة ولا دين عليه، فقال للذي عفى: كم كان يكون لك من المدبر لو لم تكن دية؟ فقال: ثلاثة، قلنا: فالمدبر يستتم عتقه في الخمسمائة دينار فيتم عتقه كله، ثم ترجع أنت على أخيك بمثل ما كان يكون لك من المدبر، وذلك ثلاثة وثلاثون دينارا وثلث، ولا يكون هذا كالدين يقضي على الحالين كما قال من قالوا ذلك، وذلك خطأ، ولا يكون الذي عفا أحسن حالا، لأن العافي في عفوه عن العمد لم يعف عن مال، فلذلك لم يضمن الدين، وأما إذا كان خطأ فليس لأحد عفو حتى يخرج الدين، ثم يخرج ثلث ما بقي للمدبر وللوصايا، قال: ولو كان على المقتول دين: مائة دينار، وله مدبر قيمته مائة. قال أبو محمد: فلم يفسر محمد على القول الأول إلا مجملا، وتفسيره: أن يكون للذي عفا نصف سدس أربعمائة من نصف الدية، لأنه يخرج المدبر، ويأخذ المديان مائة، وتبقى أربعمائة فتقسم بينهما على ما كان لكل واحد من أصل المال لو لم يكن دين ولا مدبر، وهو ستمائة، منهما خمسمائة للذي لم يعف، وله نصف المائة التي ترك الميت ونصفها لأخيه، وعلى القول الآخر تقسم الأربعمائة على سبعة عشر سهما؛ للذي عفا سهم، والباقي لأخيه، ولو كان مع ذلك وصية بعتق أو غيره، وترك المدبر مائة عينا، فوصاياه باطلة إذ لا تدخل فيما لم يعلم به الميت، وكذلك لو طرأت مائة له يعلم بها، قال: ومن ترك ثلاث بنين له على أحدهم مائة دينار، وترك مائتين، وأوصى بمائة، فالتركة ثلاثمائة، للوصايا منها سهما مائة، والمائتان بين البنين لكل ابن ثلاثمائة، فالذي عليه المائة عنده أكثر
[10/ 42]

(10/42)


من حقه، فاقسم ما حضر بين الولدين والموصى له على سبعة، للموصي له ثلاثة، ولكل ابن ممن لا دين عليه سهمان، ثم يتبع جميعهم الولد الذي عليه المائة بثلاثمائة، فكلما قبضوا قسموه على سبعة، وقال محمد: يأخذ الموصى له ثلث المائتين ويقسم ما بقي على الثلاث بنين/، فما صار للمديان رجع فيه صاحب الثلث بثلاثة أسباعه، والوارثان بأربعة أسباعه.

في إقرار المفلس وقضائه بعض غرمائه
وأفعاله في ماله في حياته
وإقرار المديان عند وفاته، وإقرار المأذون وقضائه
ومن كتاب ابن حبيب: قال النخعي وشريح: إذا فلس الحر فلا يجوز له بيع، ولا صدقة، ولا إقرار بدين، ولا بغير ذلك، وقال الليث فيمن أحاط به الدين: إن قضى بعض غرمائه أو رهن فذلك ماض ما لم يقوموا به، واختلف في ذلك قول مالك، فقال: يدخل في ذلك باقي الغرماء، وقال: لا يدخلون وذلك ماض، قال ابن القاسم: وعلى هذا جماعة من الناس، وإن فلس بحدثان ذلك مما كان قائم الوجه، قال ابن القاسم: وكذلك لو فطن المقتص باستغراقه وبادر الغرماء فهو أحق ما لم يكن الغرماء قد تشاوروا كلهم في تفليسه ولم يرفعوه، ثم خالفهم بعضهم إليه فقضاه فهذا يدخلون معه، وقال أصبغ: لا يدخلون معه، وبه أقول.
وروى عيسى في العتبية عن ابن القاسم مثل قوله هاهنا فذكره عن مالك.
ومن العتبية: قال أصبغ: وأما المريض فلا يجوز قضاؤه بعض غرمائه دون بعض إن كان مرضا مخوفا، وإن كان غير مخوف لا يحجب عنه القضاء في ماله، فله ذلك.
[10/ 43]

(10/43)


وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن لك عليه عشرة دنانير فتقاضيته، فأعطاه رجل سلعة ليبيعها ويوفيك، ففلس غريمك قبل بيعها أنك أسوة غرمائه في تلك السلعة.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وجه التفليس الذي لا يجوز إقرار المفلس فيه: أن يقوم عليه غرماؤه ويسجنوه، وقال أيضًا: إذا قاموا عليه على وجه التفليس، قال محمد: يريد: وحالوا بينه وبين ماله، وبين البيع والشراء، والأخذ والعطاء، واستتر عنهم، فحينئذ لا يقبل إقراره بدين ولا وديعة، وأما إن لم يكن لأحد منهم بينة، فإقراره جائز لمن أقر له إن كان في مجلس واحد ولفظ واحد، وقرب بعض ذلك من بعض، أو كان من له بينة منهم لا يستغرق ماله فيجوز إقراره، لأن أهل البينة ليس لهم تفليسه، قال: وقد كان من قول مالك: أن من أقر له المفلس إن كان يعلم منه إليه تقاضيا ومداينة وخلطة، أن يحلف ويدخل في الحصاص مع من له بينة، ويجوز إقراره المريض بالدين لمن لا يتهم عليه بخلاف المفلس.
قال مالك فيمن عليه دين فأقر في مال عنده أنه وديعة، فإن كان وارثا يعرف فصاحبه أحق به، إلا أن تأتي بأمر لا يعرف.
ومن كتاب ابن حبيب: قال ابن القاسم: إذا أقر المفلس لمن يتهم عليه ولمن لا يتهم عليه، ولا بينة لغرمائه، فإقراره جائز ويتحاصوا، وإن كان لغرمائه بينة لم يدخل معهم من أقر له ممن يتهم عليه أو لا يتهم عليه، وأما المقر عند الموت، فيدخل من أقر له ممن لا يتهم عليه مع دينه بالبينة، ولا يدخل معهم من يتهم عليه، ولو أقر لمن يتهم عليه وليس لجميعهم/بينة، جاز إقراره، وإن ضاق مال تحاصوا، فما وقع للمتهم عليه نظر، فإن كان وارثا يشركه الورثة، وإن كان غير وارث كان له إن كان في الورثة ولد، وإن كانوا كلالة كان للورثة دونه، قال ابن حبيب: وذلك إذ أقر بماله كله أو بجله مما لا تجوز وصيته له به، فأما إن كان إقر له بما أوصى له به لجاز، وقاله ابن القاسم وغيره وبه أقول.
[10/ 44]

(10/44)


قال أحمد بن ميسير: وإذا أقر المديان المسجون، يريد: وقد أحاط به الدين، فإن كان قائم الوجه فإقراره جائز ما دام منبسط اليد في ماله، غير أني أستحسن إذا قرب من التفليس، وتعذرت عليه الحال، وخاف من قيام الغرماء فأقر لمن يتهم عليه من ولد أو والد، فإني أبطل إقراره وأراه تاليجا إليهم لما يخاف من ذهاب ما في يديه، وأما إقراره للأجنبيين فليس كذلك، قال أصبغ: قال ابن القاسم في المفلس يقول: هذا قراض فلان، فهو مصدق، وكذلك في الموت إن كان على أصل القراض والوديعة ببينة، قال أصبغ: وهذا قول مالك للآخر، وهذا أحب إلي وليس بالقياس، وأما في البيع يقر في التفليس أن هذه سلعة فلان، وعلى أصل البيع بينة، ولا يعينوها فلا يقبل قوله، أو يدعي بائعها أن الغرماء يعرفونها فليحلفوا، فإن نكلوا كان أحق بها مع يمينه.
قال أصبغ في العتبية عن ابن القاسم: وإذا فلس المقارض بدين عليه فأقر في بعض ما في يديه أنه ليس من مال القراض، قال: لا يصدق.
ومن كتاب محمد:/وإذا كان على الحر بينة فقال عند التفليس: هذا متاع فلان، فقيل: يكون أولى به من الغرماء وقيل: إذا لم يعينوا ذلك، وإنما شهدوا على إقراره بعبد أو سلعة لم يعينها لهم، فلا يقبل قول في تعيينه بعد التفليس، ويحلف الغرماء على علمهم، فإن نكلوا حلف البائع وأخذها، قال: ولو كان ذلك في قراض أو وديعة لقبلت قوله.
ومن كتاب ابن حبيب والعتبية: ابن القاسم عن مالك، ومثله في كتاب ابن المواز: فيمن مات وقبله ودائع وقراض ودين، ولم يوص بشيء من ذلك، فمات ولو يوجد شيء من ذلك يعرف، أنهم يتحاصون في مال إلا أن يوصي بشيء بعينه فيقول: هذا قراض فلان أو وديعته، فيكون أحق به ممن لا يتهم عليه، قال ابن
[10/ 45]

(10/45)


القاسم: وأما في التفليس فلا يصدق كما لا يصدق في الدين، قال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب: كان على أصل القراض والوديعة بينة أو لم يكن، ولو أقر بذلك في مرضه، ولم يعين، وجب به الحصاص، وأما في التفليس فلا، وقال أشهب، واختلفا في قول المفلس: هذا قراض فلان أو وديعته، وعلى أصلها بينة، فأجاز ابن القاسم إقراره، ولم يجزه أشهب إلا ببينة على التعيين، رواه عن مالك.
وقال أصبغ: يقبل قوله فيما عين من وديعة وقراض، كان عينا أو عرضا، كان على أصله ببينة أو لم تكن، لأنه أقر بأمانة ولم يقر بدين إذا أقر لمن لا يتهم عليه بالتاليج إليه، فأما إن لم يفسر ذلك وإنما/قال: في ماله وديعة كذا وكذا وقراضا كذا فلا يجوز، لأن هذا إقرار بدين.
وقال ابن حبيب، وقال أشهب في كتابه: إذا قال قراض فلان في موضوع كذا، فلم يوجد حيث قال، فلا ضمان عليه، وقال ابن وهب في سماعه: ومن أوصى عند وكان يلابس الناس في البيع فقال: هذا عِكْمُ فلان، وهذه الدنانير قراض عندي، وهذه الصرة وديعة عندي لفلان بغير بينة إلا قوله، قال مالك: إن كان مليئا جاز، وإن كان معدما لم يقبل منه يخص من أحب، قلت له: فإن لم يكن له مال أيتحاص كل من سمى فيما ترك؟ قال: نعم.
قال مطرف في المديان أو المفلس يوصي أبوه بماله كله فيجيز وصيته فلغرمائه رد ذلك، ولا يجوز منه إلا الثلث، ولو أقر أن أباه أوصى لفلان بالثلث، وأكذبه غرماؤه، فإن أقر قبل قيامهم، فذلك جائز، ولا يجوز بعد قيامهم، ولو أقر أن لفلان عند أبيه ودائع، أو له عليه دين، فإن كان فلان حاضرا حلف وقبل قول المديان إن كان قبل يقام عليه، ولا يقبل قوله بعد قيامهم، وقاله ابن الماجشون وابن القاسم، وقاله أصبغ في الدين، وأما في ودائع ابنه فجائز إن نصها، وإن لم نصها لم يجز.
[10/ 46]

(10/46)


قال ابن القاسم ومطرف عن مالك في المفلس يهب للثواب، فلغرمائه أخذ الثواب، وكذلك إن مات، ومن كتاب ابن المواز: في الحر يقر عند موته لصديق ملاطف، أو لزوجته ومن أتهم عليه، فإن كانوا عصبة لم يجز إقراره/وإن كانوا ولده أو ولد ولده أو أبويه جاز إقراره إلا أن يكون عليه دين محيط ببينة، أو يكون ولده عرف منه البعضة لهم فلا يجوز إقراره للصديق الملاطف.
قال مالك: ولو أقر لعمته بدين، ومن لا يرثه من رحمه، ولا بينة لهم، وعليه دين ببينة، فلا يجوز إقراره، وأما إقراره لأجنبي فذلك جائز، ويحاص أهل البينة.
قال مالك في المأذون له ينتزع ماله فيقر بديون للناس بغير بينة، فإن كان مما يشبه مداينة مثله، ويؤتمن على مثله وهم يعرفون بمخالطته وتقاضي، جاز إقراره، وإذا كان بيده مال لسيده لم يستنجزه به، فالسيد أحق به، وإن استنجزه به فالغرماء أحق به، إلا أن يكون عليه دين من بيع أو سلف، قال مالك: وأما إن كتب عليه دينا كثيرا لا من بيع يشبه مال العبد، فإن الغرماء أحق بماله إلا أن يرتهن بذلك رهنا فيكون أولى بالرهن. أصبغ: حتى يستوفي ما يشبه مداينه ويسقط الفضل.
قال مالك: إذا باع من عبده المؤذون سلعة، وأخذ منه رهنا، فلحق العبد دين، فإن كان دين السيد بقدر مال العبد ومبايعة مثله، فهو أحق بالرهن إذا كانت له عليه بينة، وإن كان على غير ذلك لم يكن أحق به، وإن كانت له به البينة: فقال ابن القاسم: ويفسخ رهنه لأنه كان على التاليج، وليحاص بقدر قيمة ما باع في الرهن وفي غيره من ماله إذا قامت له بينة، ولا بينة، ولا يكون أولى بالرهن في مبلغ/قيمة ما باع منه، قال اصبغ: وأنا أرى ذلك للسيد في الرهن إلا أن الرهن يقسم على ماله من صحيح الدين وفاسدة، فما قابل صحيحة كان به فيه رهنا، وقال أشهب وأصبغ في العبد يداين بغير إذن سيده، ثم يعتق فليتبع به ذمته، إلا إن يكن قد فسخه عنه سيده فلا شيء عليه منه.
[10/ 47]

(10/47)


ومن العتبية وكتاب ابن المواز وابن حبيب: قال أشهب عن مالك في الصانع يفلس، فيقول النساج: هذا الغزل لفلان، ويقول الصائغ: هذه سبيكة فلان، قال في كتاب ابن المواز: وكتاب ابن حبيب: لا يصدق إلا ببينة، وكذلك الوديعة، وقال في العتبية إلا أن يأتي ربه بشاهد ولذلك علامات، قال ابن المواز في رواية أشهب وابن عبد الحكم: لا يصدق إلا ببينة، وروي عن ابن القاسم في الصانع يسرق بيته فيقول: هذا ثوب فلان، وهذا متاع فلان، وقد سرق متاع الآخر، قال: يحلف أصحاب ذلك ويأخذونه، وكذلك المفلس. قال محمد: أما في المفلس فإن كان على أصل دفع ذلك إليه ببينة، وإن لم يعرفه البينة بعينه، أو على إقراره قبل فلسه، فإني أقبل قوله. وأما في سرقة بيته، أو حرقه بالنار، فيذهب بعض المتاع ويبقى بعض، فهو يقبل فيه إقراره ويصدق. قال عيسى: قال ابن القاسم عن مالك: إن إقراره لهم بذلك جائز بغير بينة، قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم: يجوز إقراره بما استعمل فيه، ولا يجوز بالوديعة. وقال أصبغ: يجوز إقراره في الوجهين إن عين ذلك،/وأما إن قال: دفع إلي ثوبا أعمله، وأودعني كذا ولم يعين، فلا يقبل قوله، ويصير كإقراره بدين.
قال أبو زيد في العتبية عن ابن القاسم: إذا قال: هذا قراض فلان ووديعته قبل قوله في الموت والفلس، وإن لم يكن على أصله بينة. ولو كان قد باع منه أمة أو سلعة وعلى ذلك بينة ولا يعرفونها بعينها، فقال بعد التفليس: هذه هي، أنه مصدق وبائعها أحق بها.
قال ابن حبيب: قال مطرف: وإذا أقر المفلس بدين لرجل فرد إقراره، وتحاص غرماءه، وبقيت لهم عليه بقية، ثم أفاد مالا، فإنه يدخل معهم فيه المقر له أولا، إذ لا تهمة هاهنا، ولو كان قد الآخر قبل الفائدة، جاز إقراره، وإن كانت الفائدة بتجارة دخل فيها المقر له آخرا، وكل من عامله بعد التفليس أو لا من
[10/ 48]

(10/48)


الأولين ومن المقر له أولا، لأن ما في يديه مال حادث. يريد بالتجارة كما قال مالك: أن من عامله بعد التفليس أحق من الأولين إن فلس الآن، وكذلك من ابقي بيده شيء من الأولين كان أحق، ولا يدخل في ذلك المقر له أولا، ولو أفاد فائدة بميراث، أو وصية، أو صدقة، أو عقل جرح لدخل فيه الأولون والآخرون، ولا يدخل في التفليس الثاني كل من له دين من الأولين ممن حاص في المال الأول أو لم يحاص، وقاله ابن الماجشون وابن القاسم.
قال ابن المواز: وقال أشهب في المفلس يفر بدين لرجل ثم يداين آخرين، ثم يفيد فائدة: أن المقر له يدخل/فيها مع الأولين والآخرين، ثم لا يرجع الأولون على المقر له فيأخذوا منه ما أخذه.
قال مالك في العبد المأذون يفر بالدين، ويقول السيد: لا أعرف هذا، فإقراره جائز، وكما لو حضرته الوفاة فأقر فذلك لازم فيما في يد الغلام إذا كان معروفا بمداينة الناس.
قال ابن وهب: لا يقبل إقرار المأذون غلا بالبينة، وقال أصبغ: ذلك جائز ما لم يكن لمن يتهم عليه مثل صديق ملاطف ونحوه. محمد: وهذا المعروف من قول مالك ما لم يفلس.
قال مالك في المأذون يقر عند موته لرجل ببضاعة ولا بينة فيها، فإقراره جائز إلا لمن يتهم فيه من قريب القرابة والصديق المنقطع إليه، فلا يؤخذ بقوله في هذا، وكذلك الحر يقر لولد ولده، ولامرأته المطلقة، وله منها ولد، فهذا يتهم ولا يصدق.
وبعد هذا باب في أفعال المديان من صدقة وعتق وغيره، وفي كتاب العتق: باب في عتق المديان.
محمد: قال مالك في كتاب المديان: أعطي سيده عشرة دنانير من كتابته، ثم عجز فطلب الغرماء تلك العشرة، فإن علم أنها من أموالهم التي داينوه فيها أخذوها من سيده.
[10/ 49]

(10/49)


في نكاح المفلس والمفلسة
من كتاب ابن حبيب: ذكر أنه روي عن ابن نافع عن مالك فيمن ابتاع عبدا فتزوج به، ثم طولب بالثمن ولا مال له وقد بني أو لم يبن، قال: يكون دينا عليه إذا لم يكن يعلم/منه خلابة قبل شرائه العبد، ولم يعلم منه إلا خيرا، فإن عرف بالخلابة أخذ صاحب العبد عبده، واتبعته المرأة بقيمته، وقال أصبغ: لو كان الزوج أخلب الخلابين لم يأخذ البائع العبد، وهو للمرأة بني بها أو لم يبن، وقال ابن القاسم في المرأة المديانة فتفلس أو لا تفلس حتى تتزوج، فليس لغرمائها أخذ مهرها في دينهم إلا أن يكون الشيء الخفيف مثل الدينار ونحوه، وليس لها أن تعطيهم جميع صداقها وتبقى بلا جهاز.
قال ابن القاسم: ليس للمفلس أن يتزوج في المال الذي فلس فيه، وله أن يتزوج فيما يفيد بعد ذلك.
ومن كتاب محمد: قال أشهب عن مالك فيمن أحاط به الدين يتزوج بعبد بعينه ثم يفلس: أن المرأة أحق به ما لم يصدقها إياه بعد أن وقف على فلس، وقاله ابن القاسم.
قال مالك: وإن كان دين قد أظله غرمه، ولزم به، وليس عنده غير العبد، والمرأة فيه أسوة، وإن كان لم يطله الدين ولم يلزم به حتى يرى الناس أنه لم يتزوج به فرارا، فالمرأة أحق به.
قال أصبغ: رجع مالك عن هذا إلى أن شراءه وبيعه وقضاءه ونكاحه جائز ما لم يفلس، به أقول.
[10/ 50]

(10/50)


في التي أعطت زوجها مالا على ألا يتزوج ففلس ثم تزوج، أو أقر لزوجته ثم فلس
من العتبية: قال أصبغ في التي أعطت زوجها بعد عقد النكاح مالا على أن لا يتزوج عليها، فلما فلس وأوقف ماله/تزوج قبل يقسم ماله: قال: لها أن تتبعه به، ولا تحاص مع الغرماء؛ وهو كدين حادث.
وروى عيسى عن ابن القاسم في الذي يشهد لزوجته بحق لها عليه ثم أقام سنتين إلى ثلاثة ثم فلس، فإنها تحاص غرماءه بذلك إن قامت بإقراره قبل التفليس بينة، ورواه أشهب عن مالك.
وروى سحنون عن ابن القاسم في مريض أقر بدين لمن يتهم عليه من وارث أو غيره، ثم صح حصة بينة، ثم مرض فمات، فإقراره جائز ثابت يؤخذ من رأس ماله ويحاص به الغرماء الذين لهم البينات.

جامع القول في المديان والمفلس من قضائه في ماله
وقد جرى في كتاب العتق باب في عتق المديان مستوعب.
روى أشهب عن مالك في العتبية في المديان يتصدق أو يعتق، ثم أقام حينا، ثم قام غرماؤه في ذلك، فإ، أقام البينة أنه حين تصدق لا وفاء عنده فيما يرون، قال ابن القاسم: فلهم ذلك إذا يكونوا علموا بالصدقة، وإن كان في الصدقة فضل عن دينه لم يرد الفضل، وأما العتق فلا يرد إن طال زمانه ووارث الأحرار، وجازت شهادته.
وروى عيسى ومحمد بن خالد عن ابن القاسم في الرجل يرهقه دين فيزعم في جاريته أنها سقطت منه، قال: لا يصدق إلا أن تقوم بينة بذلك من النساء، أو يكون قد فشا هذا قبل ادعائه، أو كان يذكر ذلك، وإلا فلا، وتباع للغرماء.
[10/ 51]

(10/51)


قال عنه عيسى في غير رواية يحيى/بن عبد العزيز: أن الذي عليه المهر المؤجل لأجل قريب أو بعيد يحيط بماله أنه ليس له أن يعتق ولا تهب كسائر الديون.
قال عنه أصبغ وسحنون فيمن اعتق عبيده وعليه دين يغترق بعضهم، ثم يستحدث دينا، ثم يقوم به الغرماء الأولون، فليرد من عتق العبيد بقدر الذي كان لهم من الدين يوم العتق، فيباع لهم ويدخل فيه الغرماء الآخرون، ثم يعتق باقي العبيد، ثم لا يباع منهم شيء، وإنما يباع للأولين أول مرة. ومن العتبية في قول لأشهب أنه إذا دخل الآخرون على الأولين فقاصوهم، وبيع للأولين ثانية بقدر ما انتقصهم الآخرون، ثم يدخل في ذلك الآخرون، هكذا أبدا حتى يباعوا كلهم، ويوفى الدين قبل ذلك، وأعاب هذا أصبغ، وذكر أن ابن القاسم أعابه أيضًا، قال: وقد كان جنح إليه فيما أعلم، ثم رجع عنه، والمسألة مستوعبة في كتاب العتق، والاختلاف فيها.
قال أصبغ: قال ابن القاسم: ومن أحاط به الدين فلا يجوز أن يتحمل بحمالة ولا فيما بين وبين الله، وتفسخ الحمالة وهي كصدقته، قال أصبغ: وهي معروف، كما لا تجوز حمالة ذات الزوج بما الثلث، ولا تجوز حمالة المأذون أيضًا.
[10/ 52]

(10/52)


في البائع يجد سلعته في التفليس أو قد أخلطت بغيرها، أو تغيرت وكيف إن بيع بعضها أو انتقد بعض الثمن أو لم ينتقد؟ وفي المطلقة تفلس قبل البناء بها وبيدها ما أصدقت
من كتاب ابن المواز وفيه من العتبية من سماع ابن القاسم، ومن كتاب ابن حبيب: قال مالك في المفلس يجد البائع سلعته التي باع منه بيده، فإن شاء أخذها زادت أو نقصت بجميع الثمن، وإن شاء تركها وحاص الغرماء، وإن كان قد قبض بعض ثمنها فله رد ما قبض وأخذها أو تركها ومحاصتهم، قال ابن حبيب: ولو لم يبق له من ثمنها إلا درهم لم يأخذها إلا برد ما قبض، قال مالك في كتاب محمد: إلا أن يشاء الغرماء حبسها لغريمهم، ويعطوا للبائع الثمن أو ما بقي منه، فلا حجة للغريم ونماؤها له، وثواؤها منه، ولو قال: إما أن تحبسوها على أن تبروا بي وتضمنوها، وإلا فدعوه يأخذها، فليس له ذلك.
وقال يحيى بن يحيى عن ابن وهب في العتبية: إذا قال لهم هذا ثم حبسوها، ودفعوا الثمن، فضمانها منهم، يقاصهم بها المفلس فيما لهم عليه، وإن بيعت ففضلها للمفلس.
قال أبو محمد: قوله: فيما لهم عليه، يعنى فيما ودوا عنه من ثمنها، وذكر ابن حبيب من رواية ابن وهب عن ابن شهاب: أنه إذا قبض بعض ثمنها فليقاسم الغرماء ربها بالحصص، وقد ذكرنا قول مالك وأصحابه فيه. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون عن مالك: أما إذا زاد ثمن السعلة فالغرماء مخيرون بين أن يعطوا البائع ثمنها أو يسلموها، فإن كان بعض ثمنها فالبائع هو المخير إن شاء أخذها
[10/ 53]

(10/53)


ولا تباعة له، أو يتركها ويحاص. قال ابن الماجشون: وإذا/زاد ثمها فأعطى له الغرماء ما ائتمن من ماله أو من أموالهم فنماؤها للمفلس ما فضل عنه، ومصيبتها إن تلفت قبل أن تباع أو نقصت منهم، ليس على المفلس من ذلك شيء لأنه برئ بها إلى البائع فيما كان عليه منها من ثمنها، كالعبد الرهن يحرج فيأبى سيده أن يفدي أو يسلم، فيفتك المرتهن، ثم يموت، فمصيبته من المرتهن مصيبته ما أفتكه به، ويتبع بالدين الأول، فإن بيع بأكثر كانت الزيادة قضاء عن الراهن، وقاله أصبغ، قال ابن كنانة: ليس للغرماء أن يفدوها بأموالهم، ولكنها تبدية يبدونه بثمنها في مال المفلس إن كان له مال، وقال أشهب: ليس للغرماء أخذها بالثمن حتى يزيدوا على الثمن زيادة يحطونها عن المشتري من دينهم، وتكون لهم السلعة، لهم نماؤها وعليهم ثواؤها، وقال ابن القاسم: النماء والثواء فيها من المفلس، ولسنا نقول بشيء من هذه الأقاويل الثلاثة.
قال مطرف عن مالك في المفلس يقوم من باع منه عبدا، فأقام فيه البينة، فمات المفلس قبل يأخذه، قال: إذا قام البائع في حياته فهو أحق إذا أثبت ببينة، وليس وقف الغرماء وقفا لهذا حتى يقوم ويوقف له العبد بعينه.
ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم: قال مالك في المفلس يوقف السلطان ماله وفيه دابة، فمات المفلس قبل قسم المال، فيجد بائع الدابة دابته، قال: إذا وقفت له فهو أحق بها، وإن مات قبل أن توقف للبائع فهو/أسوة الغرماء، وليس إيقاف ماله إيقاف البائع إذا لم يجيء حتى مات المفلس، هذا يكون أسوة حتى ينقلوها في حياة المفلس، فتوقف له، فيكون أحق بها.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: إذا أصاب البائع جاريته التي تباع من المفلس، فطلب أخذها، وأبى ذلك الغرماء، فهو أحق بها، إلا أن يدفع إليه الغرماء ثمنها أو يضمنوه له وهم ثقات، أو يعطوه حميلا ثقة، فإن فعلوا فماتت فهي من المفلس، كما أن له فضلها، وليس له أن يأبي الغرماء من أخذها له ويقول: إما
[10/ 54]

(10/54)


برأتموني من ثمنها، وإلا دفعتموها إلى البائع وذلك لهم، ولا قول له، وكذلك ذكر ابن حبيب عن مالك، وقال: وليس لهم أن يقولوا له: نبيعها ونعطيك، إلا أن يضمنوا له، ثم نماؤها للغريم، ومصيبتها منه، ويتبع الغريم بما ودي عنه، وقال أصبغ: مصيبتها من الغرماء ونماؤها للغريم، لأن الغريم قد بريء منها، وإنما أخذوها، رجاء الفضل له ليأخذوه من دينهم، وكالعبد الرهن يجني فيفدي المرتهن بعد أن أسلمه الراهن، فيكون نماؤه للراهن، وإن هلك لم يضمن الراهن إلا الدين الأول دون ما فدوه به، وقاله ابن الماجشون، وبه أقول.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، ومن كتاب ابن المواز: وكتاب ابن حبيب: قال مالك فيمن باع راويتين زيت بعشرين دينارا فيقبض عشرة، ثم فلس المبتاع وقد باع رواية، فأراد البائع أخذ الرواية التي وجد، فإنه يرد ما قابلها مما قبض، وذلك خمسة/دنانير، ثم يأخذها، وكذلك لو كانت عشرة، ولم يجد إلا واحدة فليرد عشر ما قبض ويأخذها إن شاء، فعلى هذا يحق إن قبض عشر الثمن رد عشر ثمن ما وجد من سلعته، وإن قبض الثلث رد ثلث ما وجد بعد فض الثمن على ما فات وما بقي منها، وكذلك ما بيع من الأعدال وغيرها فيحسب أن ما انتقد عن الجميع.
قال ابن القاسم: وإن كانت عروضا مختلفة القيم في صفقة، وقبض بعض الثمن فلتقوم كل سلعة من ذلك، ويقبض الثمن على الجميع، ثم يقسم ما اقتضي لكل سلعة قدر ما يصيبها فإن شاء أخذ ما وجد ورد ما قبض من ثمنه إلا أن يشاء الغرماء أن يتموا له بقية ثمن هذا الذي وجد، مثل أن يبيع ثلاثة أرؤس بمائة دينار، فيقبض ثلاثين، وقيمة أحدهم نصف الثمن، وللآخر ثلاثة أعشار الثمن، والآخر خمس الثمن، فصار من الثلاثين على الذي قيمته النصف خمسة عشر، وعلى الذي قيمته ثلاثة أعشار تسعة دنانير، وعلى الآخر ستة دنانير، فمات فات منهم
[10/ 55]

(10/55)


حسب عليه فيه ما قبض من ثمنه، وحاص بما بقي، وما وجد منهم ردما وقع له وأخذه إن شاء، إلا أن يعطيه الغرماء بقية ما وقع له من الثمن، قال مالك: وكذلك إن باع خمس روايا زيت، فأخلطها بروايتين، ثم باع بعض ذلك، وقد كان نقد بعض الثمن، ثم فلس، فإذا عرف ذلك أخذ البائع إن شاء قدر ما يصير له مما بقي بعد أن يرد ما انتقد من الثمن حصة ما يسترجع، قال في كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم:/وكذلك الثياب والدواب وكل اشتري صفقة وإن اختلفت أصنافه فعلى ما ذكرنا من تقديم كل صنف وما يقع له من الثمن، ومما قبض من الثمن فيرد حصة ما قبض من ثمن ما يجد ويأخذه، إلا أن يعطي الغرماء قبض من الثمن فيرد حصة ما قبض من ثمن ما يجد ويأخذه، إلا أن يعطي الغرماء باقي ثمن ويبقوه، وإذا دفعوا إليه باقي ثمن ما وجده دخل بالحصاص معهم في ثمنها وفي باقي مال المفلس بما بقي له، وقاله مالك، قال محمد: يريد فيما فضل من ثمنها بعد ما فدوها به، يريد محمد: إن فدوها بأموالهم، قال: كما لو فدوها من مرتهن، أو فداها بعضهم.
قال مالك: وإذا اختلط ما ابتاع من قمح، أو عسل، وزيت بمثله، وعرف ذلك ببينة، فله أخذه من جملته، قال ابن القاسم: وإن خلط بشيء اشتراه من آخر كانا أحق به وتحاصا فيه.
قال محمد: وإن صب عسل هذا في جديدة هذا ولته فهما أحق بذلك من سائر الغرماء يتحاصون في ثمنها بقدر قيمة هذا من قيمة هذا ليس لهما غيره إن أحبا إلا أن يعطيهما الغرماء ثمن الجميع، أو يعطوا لمن شاؤوا ثمنه ويدخلون مدخله من الآخر، قال ابن أبي مطر: ثم وقف عنها محمد.
ومن العتبية من سماع أشهب في الذي يشتري من غير واحد فاشتري من هذا قمحا ومن هذا قمحا حتى اشتري من رجال فصبه كله في سفينته، ثم فلس قبل دفع الثمن فهم أحق بما في السفينة من الغرماء إذا ثبت ذلك، ويقتسموه على
[10/ 56]

(10/56)


الحصص، وذكر ابن الحبيب عن مطرف عن مالك. وابن عبد الحكم عن ابن وهب عن مالك مثل ما تقدم كله من خلطه/الشيء بمثله أن ذلك لا يبينه ولا يمنع بائعه من أخذه إذا ثبت ذلك، وهو كمن دفع صراف مائة دينار فصبها في كيس ثم فلس مكانها، أو بز يشتريه فيرقمه ويخلطه ببز غيره، فليس ذلك مما يمنع به البائع من أخذ ماله فيه، وقال مطرف وابن الماجشون وابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم وأصبغ، قال أصبغ: إلا أن يخلطه بغير نوعه مثل أن يصب زيت الفجل على زيت الزيتون، أو القمح القصيل على المغلوث جدا أو على المسوس حتى يفسد فيكون كما قد فات.
ومن العتبية: روى أصبغ عن ابن القاسم قال: بلغني عن مالك، وهي في كتاب ابن المواز فيمن اشترى سلعتين من رجل بثمنين، ثم فلس فوجد البائع أحدى السلعتين وفاتت الأخرى، فأعطاه الغرماء ثمن التي وجد، أن يحاصهم في ثمنها، وفي سائر مال الميت بثمن الفائتة، بمنزلة ما فدوها من جرح، أو رهن، قال عنه أبو زيد، في العتبية فيمن تزوج امرأة بعبدين فقبضتهما، ثم فلست وطلقها، قال أبو محمد: يريد: قبل البناء، فهو أحق بأخذ العبدين، قال أبو محمد: يريد: يكون شريكا فيهما.
قال ابن المواز: وإذا طلقت امرأة قبل البناء وفلست، فإن عرف المهر بيدها فالزوج أحق به حتى يأخذ نصفه، فإن لم يوجد إلا نصفه، فإن كان ما هلك بغير سببها يعرف ذلك، فليس له إلا نصف ما وجد، ولا محاصة له بما بقي، وإن كان بسببها حاص بنصف ما ذهب وفي سائر ماله/.
قال أصبغ في كتاب محمد: إن ضمان هذا [التي] أفتكوها من المفلس لأن ذلك سلف منهم له، إلا أنهم يبدون من ثمنها ما فدوها به، ثم يدخل معهم في الفضل سائر الغرماء.
[10/ 57]

(10/57)


قال ابن حبيب: قال مطرف: ولو وهب لرجل هبة للثواب فتغيرت عند الموهوب ثم فلس: أن الواهب أحق بها كالبيع، إلا أن يعطيه الغرماء قيمتها، وقاله ابن الماجشون، وقاله ابن القاسم عن مالك.
ومن كتاب ابن المواز: قال أصبغ فيمن اشترى من الفيء رقيقا بأكثر من سهمانه فلحقه درك لأهل ذلك الغزو، وعليه دين آخر ففلس وليس له غير تلك الرقيق، فأهل ذلك المغنم الذين باعوه أولى، بمقدار ما فضل فيهم عن سهم، وينظر قدر سهم منهم فيكون مالا من ماله لغرمائه سواهم، وهؤلاء أحق بالفضل يأخذوه أبو يتركوه، ويحاصون في جميع ذلك، وذلك إن كان شراه منهم خاصة بمقدار ما صار لهم وله خاصة دون الجيش، والحق ثابت عليه لم يختل بعضهم بعضا عليه، فأما إن أحيل عليه بما زاد عنده على حقه رأيت من احتال عليه أسوة الغرماء بما احتال، وكذلك إذا لم يشتر من قوم منهم بأعيانهم من شيء مما صار لهم خاصة بالقسم، لم يكن من احتال عليه بما زاد عنده على سهمه أحق بشيء مما بيده من ذلك، إذ ليست سلعا لقوم بعينهم، إنما هي غنائم يبيعها السلطان للخمس، ولأهل الجيش، فالمحتال/ليس ببائع، إنما أحيل بدين، فهو وغيره أسوة في تلك الرقيق، قال محمد: لم أدر من أي وجه قاله أصبغ، وأرى أن يكون المحتال يقوم مقام من أحاله سواء، يكون أحق بما زاد ثمنهم على سهمه على ما كان اشترى يوم الشراء.
وفي باب التحاص في مال المفلس: ذكر من طلق قبل البناء وفلست المرأة فوجد الصداق بعينه.
ثم الجزء الأول
من المديان والتفليس
بحمد الله
[10/ 58]

(10/58)