النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم
عونك اللهم
كتاب الوصايا الخامس

فيمن أوصي أن يفرق ثلثه في المساكين أو في سبيل الله
كيف يفرق؟ وفيمن يفرق؟
وهلي يعطي منه أقاربه؟
أو أوصي به لغني وفقير
كيف يقسم؟ أو أوصي للأرامل؟
ومن المجموعة روي ابن وهب عن مالك فيمن أوصي بثلثه صدقة، ولم يسم شيئا؛ فلتقسم علي أهل الحاجة.
قال فيه، وفي كتاب ابن المواز: وإذا قال: يقسم علي المساكين. قال في كتاب ابن المواز: ورقا وحنطة. قال في الكتابين: فليعط المتعففون أحب إلي. وإن أعطي الطوافين فواسع. ولا بأس أن يفضل بعضهم؛ للحاجة والزمانة والذين يعطيهم الورق فلا يعطيهم الحنطة.
ومن المجموعة سئل ابن كنانة في الموصي بثلثه للمساكين؛ أيدخل فيه أهل الحاجة من قرابته؟ قال: لا؛ لأن المساكين منهم الذين يتكففون الناس، فهم أولاد أقاربه؛ إلا أن ينص أقاربه أو يقول: في أهل الحاجة. فيدخل فيه أهل الحاجة من أقاربه، إلا أن ينص أقاربه أو يقول: في أهل الحاجة. فيدخل فيه أهل الحاجة من أقاربه، ممن ليس بوارث، ولا موصي له، ولا تضرهم القرابة بل هم أولي أن لا يحرموا.

(11/527)


ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف فيمن أوصي بثلثه للمساكين، فلم يقسم حتي صار بعض ورثته مساكين؛ فلم يقسم حتي صار بعض ورثته مساكين؛ فللوصي أن يعطيهم كما يعطي المساكين.
ولو كانوا يوم أوصي مساكين، وليس في ميراثهم ما يغنيهم، فليعطوا علي المسكنة.
وقال ابن الماجشون/: أما إذا افتقروا قبل قسمة؛ فليعطوا منه. ولو كانوا يوم أوصي مساكين لم يعطوا. وكأنه زواه عنهم؛ لعلمه بفقراهم.
وقال أصبغ؛ عن ابن القاسم: لا يعطوا؛ افتقروا بعد الوصية أو كانوا فقراء.
قال ابن حبيب بقول ابن الماجشون: قال مطرف وابن الماجشون: ولو كان حبس تجري غلته للمساكين؛ فقال مالك: إن ولده إذا افتقروا؛ يعطون (1) منه، كانوا يوم حبس فقراء، أو أغنياء. ولكن لا يعطوا جميع غلة الحبس؛ خيفة أن يندرس شأن الحبس؛ ولكن يبقي منه سهم؛ يجري علي المساكين؛ ليبقي اسم الحبس. ويكتب علي الولد كتاب؛ أنهم إنما أخذوا علي المسكنة، لا علي حق لهم دون المساكين. وقاله أصبغ.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك في التي أوصت بثلثها في المساكين، ولها أقارب مساكين؛ قال: فلا يعطوا جميعه وليعطوا منه (2)، إلا من كان وارثا.
ومن أوصي بسدسه لمعينين، وسدسه الآخر للمساكين، فأعطي سدس المعينين، ثم افتقروا قبل يقسم سدس المساكين؛ فإن كانوا يوم الوصية محاويج (3)، فرجعوا إلي تلك الحال، فلا شئ لهم مع المساكين؛ فإن كانوا يوم الوصية أملياء (4)، ثم حدثت لهم الآن حاجة؛ فلهم الدخول في سدس المساكين.
__________
(1) في الأصل، يعطوا بحذف النون.
(2) في الأًصل، فلا يعطوا جميعا وليعطوا منها.
(3) المحاويج: المحتاجون المفتقرون.
(4) الأملياء جمع ملئ وهو الغني المقتدر.

(11/528)


ومن المجموعة، قال ابن كنانة: وإن أوصي لأقاربه، وللمساكين بوصية، فلا يعطي من ذلك الغني من أقاربه، ولكن المحاتجين؛ وكأنه إذ جمعهم مع المساكين؛ إنما قصد لذوي الحاجة منهم.
قال ابن القاسم: بلغني عن مالك / في الموصي بثلثه في السبيل، والفقراء، واليتامي؛ فليقسم بالاجتهاد؛ لا أثلاثا.
قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: إن قال: ثلثي لقرابتي، وللمساكين. فلا يعطي قرابته نصفه، ولا يعطي أغنياؤهم، ولكن فقراؤهم بالاجتهاد.
قال ابن القاسم، وأشهب: وإن قال: ثلثي لفلان، وللمساكين. فلا يعطي النصف، ولكن بالاجتهاد؛ بقدر حاجته، وحاله.
قال محمد: ولو مرت فلان قبل يقسم له، فلا شئ للمساكين.
قل أشهب: وكذلك لو قال: ثلثي بين بني إخوتي، وبين بني أختي وبين ولدي فلان. فلا يكون بينهم أثلاثا، ولكن قدر الحاجة والعدد. وقاله ابن القاسم. وقال: ليس كالقائل: ثلثي لفلان؛ وفلان. وأحدهما فقير، والآخر غني؛ فالثلث بينهما نصفين.
قال أشهب في الكتابين: وإن قال: ثلثي لفلان، ولبني فلان، قال: ففلان كرجل من بني فلان؛ يأخذ كأحدهم.
ومن المجموعة، وغيرها قال ابن القاسم عن مالك: إذا أوصي أن يتصدق بثلثه علي المساكين؛ درهما درهما. فأعطاهم نصفا نصفا، فجوزوه؛ قال ابن القاسم: إن كان ذلك لأمر، لزمه من قدر أو غيره؛ يعرف ذلك من حضره؛ فإن زاد الوصي علي ما أوصي به، أو نقص، ضمن. وإن كان ذكره للدرهم علي وجه تفرقته وصيته، حتي تتم، فما زاد الوصي، أو نقص علي وجه النظر، فجائز، ولا يضمن. وذكر المسألة في العتبية (1)؛ من سماع ابن القاسم.
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 479 - 480.

(11/529)


وذكر ابن المواز، في السؤال؛ فكثر المساكين، فأعطاهم نصف درهم بين رجلين؛ قال: لا شئ عليه.
ومن العتبية (1)، وكتاب ابن المواز ابن القاسم / عن مالك فيمن أوصي بصدقة؛ دينار من غلة له؛ في كل سنة؛ في قمح. هل يفرق بمد النبي ـ عليه السلام ـ، أو بمد هشام؟ قال: إن كثر الطعام؛ فبمد هشام. وإن قل؛ فبالمد الأصغر.
قال أبو زيد عن ابن القاسم في الموصي لأيتام المعافر وأراملهم بمائة دينار؛ فإن كان الموصي من المعافر، وسكناه بالريف، وكان إذا قدم الفسطاط نزل المعافر؛ فالمائة لأيتام المعافر وأراملها من أهلها، لا لسكانها من غيرهم. وإن كان الموصي ليس من أهل المعافر، لكنه بها ساكن. أو لم يكن يسكن بها؛ فهي لكل من سكن المعافر؛ من يتيم أو أرملة؛ كانوا معافرين، أو غير معافرين.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن أوصي بشئ في السبيل؛ فليخرج ذلك في الغزو، ولا يخرج في حج، ولا عمرة. وإن تأخر إبان الغزو.
وقال عنه أشهب فيه وفي العتبية (2): ولو كات الموصي بالمدينة، فقدم قوم من المصيصة حجاجاً، فقطع بهم؛ فلا يعطوا منه؛ لأنهم أبناء سبيل، وليسوا بسبيل. وليعط المتحملين في الغزو، أو بيعت به إلي هناك. قيل فقد يموت المعطي قبل يصل. قال: ما ذلك عليك. قال مالك: إنما سبيل الله الغزو. وأما ما كان من السواحل لا يخاف فيها من العدو، ولا يتحفظ منهم كثير تحفظ؛ فلا يعطي فيها شئ. وقال أشهب: الإسكندرية، ودمياط، وشبهها من السواحل؛ من مزاجين أهل الشام ومصر؛ الذي يخاف أهلها، ويخاف عليهم؛ فذلك غزو. وإن شاء بعض ورثته الغزو/ وإن كان له بنات وبنت ابن؛ دخلت مع عماتها؛ قال أشهب: لأن الموصي لبني فلان مائة؛ يدخل ولد الولد؛ بخلاف المواريث.
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 479 - 480.
(2) البيان والتحصيل، 13: 36.

(11/530)


قال ابن القاسم: والقسم بينهم سواء الذكر والأنثي. قال أصبغ: وهذا مما لم يختلف فيه.
قال محمد: هذا إن سماهم، أو عزلهم بذات أنفسهم، ولم يرد إبهامهم وقوله: بني فلان. علي الإبهام؛ حتي يعلم أنه أراد ذات أنفسهم؛ فيقسم بالسواء. فأما إذا أبهمهم؛ فهو لمن أتي بعد ذلك.
قال: ولو كان لفلان، أو لولده امرأة حامل؛ لدخل ما في بطنها في الوصية مع الولد؛ وإن وضعته بعد موت الموصي. وذلك إن لم يردهم بأسمائهم.
قال محمد: فإن قال: لولد فلان. وليس له غير ولد واحد؛ فالثلث كله له.
ولو قال: لبني فلان كان له ثلث الثلث؛ لأن أقل البنين ثلاثة.
وفي قول أشهب؛ في الواحد؛ فهو مثله؛ لأن أقل الإخوة ثلاثة، إلا أن يكون مستفيضا في أفواه الناس؛ أن الإخوة اثنان (1): وليس هذا كالفرائض.
ومن العتبية (2)؛ روي أبو زيد؛ عن ابن القاسم؛ في الموصي بمائة لبني يزيد، فليدفع إلي من كان من ولد يزيد.
ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز، قال أشهب: وإذا أوصي بثلثه لفخذ، أو لبطن، أو لقبيلة؛ يحصون أو لا يحصون؛ يعرفون أو لا يعرفون. أو قال: لبني فلان، فالثلث بينهم بقدر الحاجة؛ الذكور والإناث؛ بقدر حاجتهم، لا علي عدتهم.
__________
(1) في الأصل، اثنين.
(2) البيان والتحصيل، 13: 326.

(11/531)


قال ابن المواز: / وقال ابن القاسم؛ فيمن أوصي لبني فلان؛ ولا ولد له، فمات ولم يولد له؛ وقف. وإن لم يعلم؛ فالوصية باطل.
وقال أشهب: الوصية باطل؛ علم أنه لا ولد له أو لا يعلم إذا مات الموصي، ولا ولد للموصي له؛ إلا أن يموت، لفلان حمل يومئذ.
قال محمد: كل من أوصي لقوم باعيانهم، تعمدهم، وعلم أنه عزاهم وحدهم، وليس بحبس؛ فالقسم بينهم بالسواء. ومن مات منهم بعد موت الموصي، وقبل القسم فحقه لورثته، ولا يدخل معهم من ولد. قاله مالك وأصحابه أجمع، وعليه ثبتوا.
قال مالك: إلا الغلة الجارية، أو سكني؛ فيؤثر فيه أهل الحاجة.
قال محمد: وذلك إذا قال: لهؤلاء النفر. وهم عشرة؛ فالأمر علي ما قال ابن القاسم، وأصبغ، فأما إن قال: لولد فلان. وإن عرف عدتهم يوم أوصي، فهو علي الإبهام، والقسم علي قدر الحاجة، ولاحظ لمن مات، ولا يحرم من ولد.
وروي نحوه أشهب عن مالك، وقال به.
ولو قال: ثلثي لفلان وفلان، وأولادهم. لم يقسم إلا علي قدر الحاجة، ولاحق لمن مات، ولا يحرم من ولد. وقاله ابن القاسم؛ فيمن قال: لإخوتي وأولادهم. أو لبني فلان. وقاله أشهب. وهو أحب إلينا.
ومن المجموعة، ذكر قول ابن القاسم، وسحنون في المدونة، في ولد فلان، وفي الأخوال وبينهم إذا كانوا عددا معلوما (1).
وقال ابن المواز: قال مالك في الموصي لأخواله، وأولادهم: إنه لمن أدركه القسم.
----------------
(1) في الأصل، كانوا عدد معلوم والصواب ما أثبتناه.

(11/532)


قال محمد: / ولو قال: لأخوالي أو لإخوتي. لم يكن لأحد سوي من كان حيا منهم يوم أوصي؛ وهم كالمعينين. من مات منهم قبل موت الموصي فلا حق له، ولا لورثته. ومن مات بعده؛ فحقه ثابت ما لم يدخل الولد، فيكون قد أبهم.
قال عنه ابن وهب وابن القاسم في قوله بتمرة حائطه لقوم وولدهم؛ فذلك علي من أدرك جذاذه.
قال مالك: وكذلك لمسكنة بني فلان؛ فهو يوم القسم.
فيمن أوصي لقرابته أو لأهله أو لآله
أو لمسكنته أو لرحمه وما أشبه ذلك
من كتاب ابن المواز والمجموعة قال مالك فيمن أوصي لأقاربه بمال؛ فليقسم علي الأقرب فالأقرب؛ بالاجتهاد.
قال مالك في العتبية (1) من سماع ابن القاسم: ولا يدخل في ذلك ولد البنات. وقاله في كتاب ابن المواز.
قال عيسي: وينظر فيه علي قدر ما يري، ويترك؛ فربما لم يدع غير ولد البنات، وولد الخالات.
قال مالك في كتاب ابن المواز: ولا يدخلون في وصيته لولده، وعقبهم.
قال ابن عبدوس: قال ابن كنانة في الموصي لقرابته وله أعمام، وعمات، وأخوال، وخالات، وبنات أخ، وبنات أخوات فليقسم ذلك الإمام بينهم علي الاجتهاد علي قدر مسكنتهم. فإن كان له أعمام، أو إخوة، أو بنو أخ؛ وبنات الأخت؛ من ذلك. وليس فيه قدر، ولكن بالاجتهاد.
__________
(1) البيان ولتحصيل، 12: 428.

(11/533)


قال علي عن مالك: إذا كان له بنو بنين، وإخوة، وبنو إخوة، أو قرابته ما كانت فإنما فيه الاجتهاد، ويفضل أهل / الحاجة منهم، ولا يفضل لقرابته. وهو لجميع أقاربه، ويدخلون فيه من قبل أبيه وأمه، ويعطي فقراء أبناء ورثته وفقراء أبناء من لم يرثه. وهو لمن حضر القسم، ولا شئ لمن غاب.
قال ابن القاسم في العتبية (1)؛ من رواية عيسي. وذكر عنه ابن المواز نحوه: لا يدخل الخال والخالة، ولا قرابته من الأم؛ إلا أن تكون له قرابة من قبل الرجال.
قال عنه عيسي: وهذا آخر قوله: والنساء والرجال فيه من قبل الأب شرع (2) سواء.
قال عن ابن المواز: ويبدأ بالفقراء، ويعطي بعد ذلك الأغنياء.
قال أشهب فيه وفي المجموعة في الموصي لقرابته: إن كل ذي رحم منه؛ من قبل الرجال، والنساء محرما (3) أو غير محرم؛ فهو قرابة ولا يفضلوا بالقرب، وأسعدهم به أحوجتهم. وإن كان له أخ، وابن خال؛ وابن الخال أفقرهم، فليس الأقرب أولي، وذو الحاجة يؤثر؛ ولكل فيها حق. ولا يدخل قرابته الوارثون؛ استحساناً وليس بقياس؛ وكأنه أراد غير الوارث، كالموصي للفقراء بمال، ولرجل بمال وهو فقير؛ فلا يعطي مما الفقراء، وكما لا يعطي العامل عليها الفقير سهمين في الزكاة. وكذلك إن لم يقل: لقرابتي. وقال: ذو رحمي.
قال ابن عبدوس قال ابن الماجشون: إذا قال علي قرابتي ورحمي. فإنه يدخل فيه الخولة والقرابة، حيث ذهبت، وبنو البنات، وبنات البنات.
قال ابن المواز: قال أشهب: ومن أوصي لقرابته، وله قرابة مسلمون، ونصاري؛ فهم في ذلك سواء، ويؤثر الأحوج.
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 347.
(2) في الأصل، شرعا ولعل الصواب ما أثبتناه بعاتبار كون سواء تأكيدا لشرع يقول الطغرائي في لاميته:
مجدي أخيرا ومجدي أولا شرع ... ... ... ... ولشمس رأد الضحي كالشمس في الطفل
(3) في الأصل، محرم والصواب ما أثبتناه.

(11/534)


ومن العتبية (1) عن أصبغ عن ابن القاسم، وذكره ابن المواز؛ فيمن أوصي بثلثه / للأقرب، فالأقرب؛ وترك أبويه وجده، وأخاه، وعمه؛ فلتقسم عليهم بقدر حاجتهم إليه، ويفضل الأقرب، فالأقرب.
قال محمد: قال مالك: ما لم يكونوا ورثة؛ فإنا نري أنه لم يرد بوصيته ورثته.
قال فيه وفي العتبية (2): والأخ أقرب من الجد، ثم الجد. قال عنه عيسي: يبدأ بالأخ، فيعطي أكثر من الجد؛ وإن كان الأخ أيسرهما ثم يعطي الجد أكثر من العم؛ وإن كان أيسر منه، ثم يعطي العم ولا يعطي الأخ جميعه. ولو كان الذي أوصي به علي هذا حبس، فالأخ الأول وحده. فإذا هلك صارت لجده، ثم بعده العم.
قال في المسألة الأولي: وإن كانوا ثلاثة إخوة مفترقين؛ فالأخ الشقيق أولي، ثم الذي للأب، وإن كان الأقرب موسرا، والأبعد معدما، فليعطي الأقرب علي وجه ما أوصي، ولا يكثر له. وإن كانت وصية علي وجه الحبس؛ فالأخ أولي وحده لا يدخل معه غيره.
قال عنه أصبغ في العتبية (3): في الموصي لقرابته بمال؛ فليقسم علي الأقرب فالأقرب. ويبدأ بالفقراء، حتي يغنوا منها فإن فضل منها شئ؛ عطف به علي من بقي من أقاربه من الأغنياء.
قال لنا أبو بكر ابن محمد: إن قال: علي قرابتي. نظر إلي المال، فإن كان قليلا كان لأهل حرمه دون غيرهم. وإن كثر دخل فيه الخؤولة، وغيرهم.
قال ابن كنانة في الموصي لأقاربه، وسماها صدقة، ولم يسم أهل الحاجة، ولا غيرهم؛ فلا يعطي إلا الفقراء خاصة. فإن يذكر صدقة؛ فأغنياء قرابته وفقراؤهم في ذلك سواء. إلا أن يريد الفقراء دون الأغنياء.
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 282.
(2) البيان والتحصيل، 13: 282.
(3) البيان والتحصيل، 13: 296.

(11/535)


قال ابن القاسم، عن مالك / في العتبية (1)، والمجموعة، وكتاب ابن المواز: ومن أوصي لأهله؛ فعصبته أهله. وإني لأري لأخواله. قال في المجموعة: ومواليه حقاً، ولكن العصبة أبين. ويجتهد في مثل هذا، ويثبت، ولا يعجل.
قال ابن المواز: قال ابن القاسم ومن قال: ال فلان، فهو كقوله: أهل فلان. وهم العصبة، والبنات، والأخوات، والعمات. ولا تدخل فيه الخالات.
قل أبو زيد عن ابن القاسم: وإن لم يبق منه إلا الخال، والخالة لم يدخل فيه، وهو لعصبته دونهما (2).
قال ابن وهب في العتبية (3) من رواية أصبغ: إذا أوصي بثلثه علي مسكنته؛ فهم الذين يرجع لهم (4) نسبه، ومواليه عتاقه.
قال ابن القاسم: ونري في سعه المال أن يؤثر به القرابة؛ الأقرب فالأقرب.
ويعطي مواليه من ذلك، ولا يحرمون إذا كانوا مساكين. وينظر الموصي باجهاده؛ ولا يخيب هؤلاء، ولا هؤلاء. وقاله أصبغ.
ومن كتاب ابن حبيب قال: وقال مطرف، وابن الماجشون: إذا أوصي بثلثه لقرابته، أو لرحمة، أو لذوي رحمه، أو لأهله، أو لأهل بيته؛ فإن قولنا ـ وهو قول مالك وأصحابنا ـ: أنه يدخل في ذلك جميع قرابته، ورحمه، وأهله من قبل أبيه وأمه أي ذلك قال: يدخل فيه الأعمام والعمات، والإخوة والأخوات، والأخوال والخالات، وبنوهم الذكور والإناث، وبنو البنات، وبنات البنات، ومن أشبههم من القرابات؛ من كل من لم يرثه؛ ممن حجب، أو ممن ليس بوارث.
وذكر أصبغ عن ابن القاسم قال: ليس لقرابته، وذوي رحمه، وأهله من قبل أمه من ذلك شئ، مع قرابته من قبل أبيه، في جميع ذلك، ولا لود البنات؛ / إلا
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 296.
(2) في الأصل، لم يدخل فيه وهو لعصبته دونهم.
(3) البيان والتحصيل، 13: 296.
(4) في الأصل، فهم الذين يرجع إليه نسبه والصواب ما أثبتناه.

(11/536)


أن لا تكون له قرابة من قبل أبيه؛ فيكون ذلك لجميع قرابته من قبل أمه، ولولد البنات؛ لأنه يري أن إياهم، أراد إذ لم تكن له قرابة من قبل أبيه، فيكون ذلك لجميع قرابته؛ من قبل. وكان من قبل أمه له قرابة قليلة؛ مثل واحد، واثنين.
وبقول مطرف وابن الماجشون أقول. ولكن يؤثر الأقرب فالأقرب؛ علي قدر القربي والحاجة. ولكلهم فيها حق.
قال ابن الماشجون في موضع آخر من كتاب ابن حبيب: ويقسم بينهم علي الاجتهاد، ويؤثر الأقرب فالأقرب، والأحوج؛ إن اتسع المال. ولابد من عمومهم كلهم؛ فإن ضاق المال؛ سوي بينهم فيه؛ لأنهم كلهم قرابة.
ومن المجموعة، والعتبية (1) من سماع ابن القاسم: ومن أوصي بثلثه للفقراء من فخذه. فإن لم يكن فيهم؛ ففي الذين يلونهم.
قال مالك: ويبدأ بالذين أوصي لفقرائهم بقدر، ولا يعطي أغنيائهم. ثم إن فضل شئ؛ أعطي مسكنة الأقصين. وذكره أشهب في كتاب ابن المواز.
قال موسي بن معاوية عن ابن القاسم: إذا أوصي لفقراء بني عمه، وأقاربه بغلة حائطه، فلم يشهد علي ذلك إلا أغنياء بني عمه؛ قال: لا يجوز شهادتهم إلا في شئ تافه، أعطي مسكنة الأقصين. وذكره أشهب في كتاب ابن المواز.
قال موسي بن معاوية عن ابن القاسم: إذا أوصي لفقراء بني عمه، وأقاربه بغلة حائطه، فلم يشهد علي ذلك إلا أعتياء بني عمه؛ قال: لا يجوز شهادتهم إلا في شئ تافه؛ لا يتهمون في مثله، ولعلهم لا يدركون ذلك. وإذا استغني بعض فقرائهم، وافتقر بعض أغنيائهم؛ فإنما لمن كان يوم القسم فقيرا؛ عند كل غلة. وكذلك في تنقل أحوالهم مرة بعد مرة. وقاله مالك.

فيمن أوصي لمواليه
من المجموعة، وكتاب ابن المواز قال مالك من أوصي بصدقه علي مواليه، وله موال من / قبل أبيه، وموال من قبل قرابة له يتوارثون؛ فليبدأ بالأقرب فالأقرب من مواليه دنية، ويعطي الآخرون منه إن كان في المال سعة، إلا أن يكون في
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 439.

(11/537)


الأباعد من هو أحوج من الأقارب؛ فيؤثرون عليه. ويبدأ أهل الحاجة؛ أباعد أو غيرهم.
قال مالك في سماع ابن القاسم من العتبية (1)، وكتاب ابن المواز: وما في ذلك أمر بين غير ما يستدل عليه من كلامه، ويري أنه أراده.
قال عيسي وسحنون عن ابن القاسم: إن بين من أعتق بخاصة؛ وإلا فكلهم مواليه.
وروي ابن المواز عن ابن القاسم أن مالكا اختلف قوله؛ فقال: يدخل فيه كوالي أبيه. وقال مثل القول الذي ذكرنا.
قال ابن المواز: يدخل فيه كل مولي له يوم مات؛ كان هو أعتقهم، أو ورث ذلك من عصبته قريبة أو بعيدة، ويؤثر الأحوج ممن كان، ويقسم بينهم بقدر حاجتهم.
قال ابن عبدوس: قال علي عن مالك؛ في قوله: علي موالي: إنه يدخل فيه موالي الموالي، مع الموالي.
وقال ابن الماجشون: إن قال علي الموالي عتاقه. فهو لمن أعتق خاصة، لا لموالي مواليه، ولا موالي أبيه، وجده، ولا أولاد من أعتقه الموصي. وإن قال: لموالي. وهم ممن يحاط بهم؛ فكذلك. وإن كانوا كثيرا متفرغين، مجهولين، ولم يقل: عتاقه. دخل فيه موالي الموالي، وأبناؤهم، وأبناؤهم، وموالي أبيه، وأخيه.
وروي ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم أنه إن قال ثلثي لموالي. فذلك لمواليه العتاقة، ولموالي مواليه، ولأبنائهم، ولمن جر ولاءهم؛ كان مواليه ممن يحاط بهم، أو متفرعين، حتي يقول: لموالي عتاقه.
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 434.

(11/538)


وذكر عن ابن الماجشون مثل ما ذكر عنه ابن عبدوس، ورد، وقال: / قال لموالي وقد انقرض مواليه عتاقه، ولهم موال وأولاد؛ فذلك عليهم جميعا؛ كان مواليه العتاقة الذين انقرضوا يحاط بهم، أو متفرعين مجهولين.
ومن المجموعة: علي عن مالك: وإن أوصت امرأة لمواليها، ولم تقل: عتاقة. أو تري أنها أرادت شيئا بعينه، ويعلم بذلك أنما أرادت من أعتقت وولد من أعتقت، كمن قال: ولا ولد له أصلي هذا أو عبدي علي ولدي. علمنا أنه أراد من عبد له، ويكون حبسا؛ لأنه أراد مجهوله. ولو قال: وله أولاد عبدي هذا لولدي. كان لهم مالاً يفعلون ما شلؤوا، ولا ينتظر به في (1)، ولا نسب.
ومن العتبية (2) قال أصبغ عن ابن وهب: إذا قال: ثلثي لموالي. وله انصاف موال، فليعط كل نصف منهم نصف ما يعطي المولي التام؛ إن جعل لكل واحد عشرة، فلهؤلاء خمسة خمسة.
قال ابن المواز: ورواها ابن القاسم عن ابن وهب عن مالك.
وقال ابن حبيب: إذا كان ليس له إلا أشقاص موالي؛ نصف مولي، وثلث آخر، وربع آخر، ولغيره باقي الولاء؛ فالوصية لهم، وهم فيها سواء. ولو كان له موال، وهم تامون (3) وأشقاص موالي؛ فإن أخذ المولي التام دينارا؛ أعطي من له نصف ولائه نصف دينار، ومن له ثلثه دينار. وقاله أصبغ.
ومن العتبية (4) روي عيسي عن ابن القاسم عن مالك، وذكره ابن المواز عنه في الموصي لمواليه أنه يدخل في امهات أولاده المعتقون بعده، ومدبروه إن خرجوا من الثلث، وفضلت منه فضلة.
__________
(1) كلمة غير واضحة في الأصل تركنا مكانها بياضا.
(2) البيان والتحصيل، 13: 298.
(3) في الأصل، وهم تأمين.
(4) لبيان والتحصيل، 13: 298.

(11/539)


قال عنه ابن المواز: فأما المعتق / (1) ولو كان من فوق اثنان أو واحد، ومن أسفل اثنان أو واحد؛ ومن أسفل اثنان أو واحد؛ قال: قالثلث بيهم علي عدتهم، ولأنه لما قال: موالي [ولا يلزم كل فوقه هذا إلا سلام منفردة. علمنا أراد جمع جميعهم] (2).
ومن العتبية (3)، وكتاب ابن المواز روي أشهب عن مالك في من أوصي بحوائط له علي مواليه، وأولاد أولادهم؛ يأكلون تمرها؛ لكل إنسان منهم أربعون صاعا، أوصي بذلك إلي رجل؛ فأراد وصيه أن يبتاع لهم من ثمر الحائط رقيقا للحائط يعملون فيه؛ ليكون ذلك أعدل فيما بينهم وبين الورثة، فأبي ذلك الموالي؛ فليس ذلك لهم. ولكن لا أري أن يشتري ذلك لهم، في عام واحد، فبقطع بهم. ولكن يشترون؛ بعضهم في ثمرة، وبعضهم في تمرة أخري. ولا يسترون ذلك في مرة واحدة.

فيمن أوصي لجيرانه ما حد الجوار؟
وذكر عيال الجار وحشمه
من المجموعة قال عبد الملك فيمن أوصي لجيرانه؛ فحد الجوار الذي لا شك فيه؛ ما كان يواجهه، والجوبة (4) المستقبل بعضها بعضا؛ يجمعهم الطرق، والمدخل والمرج، وما وزي ذلك مما لصق بالمنزل من ورائه وجنباته. فأما إن تباعد بين العدوتين، حتي يكون بينهما السوق المتسع؛ فإنما الجوار فيما ذكرنا من أحد العدوتين. وقد تكون دارا عظمي ذات مساكن كثيرة، كدار معاوية، وكثير بن الصلت؛ فإذا أوصي أهلها الجيرانه؛ اقتصر به علي أهل الدار.
__________
(1) لوحة من صورة الأصل لم يتضح محتواها ولم نجد نصا لها في نسخة أخري فلم يتيسر نشرها ضمن هذا الكتاب.
(2) ما بين معقوفتين مضطرب في التعبير غامض في المعني يتوقف فهمه في الغالب علي الصفحة التي لم تنشر.
(3) البيان والتحصيل، 13: 36.
(4) الجوية: فجوة أو خلوة بين البيوت سميت بذلك لانجبياب الشجر عنها.

(11/540)


قال: وإن سكن هذه الدار ربها وهو الموصي؛ فإن أشغل أكثرها، وقد سكن منها معه غيره/ فيها؛ فالوصية لمن كان خارجها، لا لمن فيها. وإن كان إنما سكن أقلها؛ فهو كالمكتري، والوصية لمن في الدار خاصة. ولو أسقاها كلها بالكراء، ثم أوصي لجيرانها؛ فالوصية للخارجين منها؛ من جيرانها. وقال مثله كله سحنون في كتاب ابن المواز.
قال عبد الملك: وجوار البادية أوسع من هذا، وأشد تراخيا؛ إذ لم يكن دونه أقرب منه إلي الموضع درب جار، وهو علي أميال، إذا لم يكن دونه جيران، إذا جمعهم الماء في المورد، والمسرح للماشية، وبقدر ما ينزل، ويجتهد فيه.
قال ابن سحنون عن أبيه: والجوار في القري أن كل قرية صغيرة، ليس لها إيصال في البناء، والكثرة من الأهل، والحارات فهم جيران. وإن كانت كبيرة كثيرة البنيان، كلقشانة، فهي كالمدينة في الجوار.
قال عبد الملك: وإذا أوصي لجيرانه أعطي الجار الذي أسمي المسكن له، ولا يعطي زوجته، ويعطي خدمه إلا أن ينصهم. ويعطي الولد الكبير البائن عنه بنفقته. وأما الجارالمملوك؛ فمن كان يسكن بيتا علي حدة؛ فليعط؛ كان سيده جارا، أو لم يكن.
وقال ابن سحنون عن أبيه: يعطي ولده الأصاغر، وأبكار بناته؛ ويدخلون في الاجتهاد.
وفي الباب الذي يلي هذا ذكر إن مات بعضهم.

(11/541)


فيمن أوصي لولد فلان
فمات بعضهم قبل القسم أو ولد له ولد
وكيف إن أوصي لمجهولين أو لجيرانه فكان هذا؟ (1) /
من المجموعة ذكر رواية ابن القاسم في الموصي لولده وولد ولده، أو لمواليه؛ إن ذلك لمن حضر القسم؛ لا يحرم من ولد ولا شئ لمن مات. وكذلك لأخواله، وأولادهم.
قال أشهب: إذا أوصي لولد رجل، أو لمواليه؛ وهم عشرة معروفون؛ فمن مات قبل القسم؛ فنصيبه لورثته، ولا شئ لمن ولد؛ بخلاف من أوصي للمساكين، أو السبيل، أو الأرامل، أو بني تميم.
وقال مثله عبد الملك، وقال: إذا كانوا معروفين؛ فيحمل أمره علي أنه أراد أعيانهم. وقاله سحنون.
ومن العتبية (2) وغيرها قال أشهب عن مالك في امرأة أوصيت في مرضها لولد فلان؛ لكل واحد بعشرة فولد له قبل موتها، ومات ولد آخر؛ فلا شئ لمن مات، وأما من ولد موتها؛ فيعطي عشرة، مع من يعطي.
وكذلك في كتاب ابن المواز عنه، وقال: أوصت لهم؛ وهي تعرف عدتهم.
وقال أشهب: إذا أوصي بثلثه لبني فلان، وهم أربعة؛ يعرف عدتهم، أو لا يعرفها؛ فمات بعضهم قبل موته، وولد آخرون؛ فالثلث لمن بقي وللمولود، ولا شئ لمن مات. ولو سماهم لم يكن للمولود شئ، وردت حصة الميت منهم إلي ورثة الموصي.
__________
(1) كلمة كتبت هكذا في الأصل والغالب أنها محرفة عن لفظ آخر.
(2) البيان ولتحصيل، 13: 28.

(11/542)


قال ابن المواز: كل من أوصي لقوم بأعينهم، تعمدهم، وعلم أنه عزاهم بأعيانهم، ولم يكن حبسا؛ فالقسم بينهم بالسوية، ولا يحرم من مات، ولا شئ لمن ولد. هذا قول مالك الذي عليه أصحابه أجمع.
ومن المجموعة قال عبد الملك: ومن أوصي لجيرانه؛ فهو من المجهول؛ فمن وجدته يوم القسم جارا دخل في ذلك؛ لأنه لم يقصد المعينين. وكلذك لو انتقل بعضهم، أو كلهم، وحدث بعضهم غيرهم، / وبلغ صغير، وبلغت البكر؛ فذلك لمن حضر القسم. وكذلك لو كان ذا جيران قليل، فكثروا. وكذلك إن كانت غلة تقسم؛ فهي لمن حضر القسم في كل غلة.
وروي علي عن مالك فيمن أوصي لبني أخوين له؛ اثنان لواحد، وثلاثة لآخر، بثلاثة من دوره، ورقيقة، وبعشرين دينارا؛ ينفق عليهم منها؛ فمات الاثنان، وبقي الثلاثة، فطلبوا ما بقي؛ فإن حظ الميتين من النفقة لورثتهما؛ لأنهم مسمون بأعيانهم.
فيمن أوصي بثلثه لفلان ولعقبه
كيف ينتفع به؟
وفيمن تصدق علي ولد ولده
من المجموعة وكتاب ابن المواز قال أشهب: ومن أوصي بثلثه لفلان وعقبه؛ فليس لفلان أن يأكل من ذلك شيئا، ولا يستهلكه. وله الانتفاع به فيما لا يهملك من التجارة، فيأكل ربحه كله، وعليه ضمانه. ويدخل في ذلك كل من ولد له؛ فإذا انقرض آخر عقبه؛ كان لورثة آخر عقبه بالميراث. وإن كان آخر عقبه امرأة؛ فذلك لها مال من مالها؛ تصنع به ما شاءت.
وإن قال: ثلثي لفلان ولفلان وعقبه. فلهما الانتفاع به، من غير استهلاك. وما ولد للذي أوصي لعقبه، دخل معهما في الانتفاع به، فإن مات الذي سمي لعقبه ولا عقب له؛ فالمال يصير بين ورثته، وبين الحي شطرين، ولو كان الذي

(11/543)


مات لم يوصي لعقبه؛ فلا شئ لورثته ما بقي شريكه، أو أحد من عقبة؛ ممن يكون له عقب. فإن لم يبق منهم إلا من لا عقب له؛ صار المال بين ورثة الميت الأول؛ / الذي لم يوص لعقبه، وعقب الذي أوصي لعقبه؛ إذا كان ذلك للعقب، ممن لا عقب له. ولو مات، ولا عقب للموصي لعقبه؛ فالمال بين ورثتهما شطرين.
ومن المجموعة ابن نافع عن مالك في المتصدق بصدقة علي ولد ولده في غير وصية، فلم يبق منهم إلا بنت؛ فذكر المسألة بطولها في كتاب الحبس.
فيمن أوصي لولد رجل ولا ولد له
أو لفقراء بني فلان وهم أغنياء
أو لمن قد مات. أو مات الموصي له
قبل موت الموصي
من المجموعة: قال ابن القاسم في الموصي لولد رجل ولا ولد له؛ فإن علم الموصي أنه لا ولد له، وقف حتي ينظر هل هو يولد له. وإن كان لم يعلم. أنه لا ولد له؛ فالوصية باطل. وقاله أشهب، وقال: كمن أوصي لرجل قد مات، وقد علم بموته؛ فذلك لورثته. وهذا إن جهل أمر الوصية؛ فأما إن علم أنها لزكاة فرط فيها فلا شئ لورثة الميت فيها، ولا لدين عليه. وليتصدق بها في وجه الزكاة، كمن أوصي بزكاته لمن ظنهم فقراء وهم أغنياء. وليس كمن أوصي لرجل، فمات قبل موت الموصي.
قال ابن كنانة: إذا مات الموصي له، فعلم الموصي بموته؛ فليشهد أنه رجع. فإن لم يشهد فلا شئ لورثة الموصي.
ومن كتاب ابن المواز قال أشهب في الموصي لولد فلان، فمات الموصي ولا ولد لفلان يوم مات فالوصية باطل، علم الموصي بأنه لا ولد له أو لم يعلم، وإن ولد له بعد ذلك إلا أن يكون كان حمل يوم مات الموصي.

(11/544)


ومن العتبية (1) روي عيسي عن ابن القاسم قيمن أوصي / لبني فلان ولم يوجد لفلان ولد فإنه يرجع ميراثا.
قال عنه أبو زيد: إذا أوصي لفقراء بني عمه، فوجدوا أغنياء، فليوقف عليهم، فمن افتقر منهم دفع إليه. فإن لم يفتقر منهم أحد رجعت ميراثا لورثة الموصي.

فيمن أوصي بمثل نصيب أحد بنيه أو أحد ورثته
من كتاب ابن حبيب قال: ومن قول مالك فيمن أوصي لرجل بمثل نصيب أحد بنيه؛ فإن كانوا ثلاثة فله الثلث. أو أربعة فالربع. وإن كان مع البنين غيرهم من الورثة عزلت مورايثهم، وقسمت باقي المال علي البنين، فما أصاب واحداً فمثله للموصي له؛ كان خمس جميع المال، أو سدسه أو ما كان. ثم يجمع أنصباء الورثة مع ما بقي، فيقسم بينهم. وإن قال فلان وارث مع ولدي. أو من عدد ولدي. أو: الحقوه بميراثي. أو: ورثوه في مالي.
أو يكون له ابن ابن قد مات أبوه، فيقول: ورثوا ابنه مكان أبيه. ففي هذا كله إن كان البنون ثلاثة فهو كابن رابع معهم. أو له ثلاثة بنين وابنتان (2)؛ فيكون كرابع للذكور إن كان ذكر (3). وإن كان الموصي له أنثي فهي ثالثة مع الابنتين؛ فتكون وصيته (4) تسع المال. وإن كان ذكراً فخمس المال؛ بخلاف قوله: مثل نصيب أحد ولدي.
ومن العتبية (5) روي عيسي عن ابن القاسم عن مالك فيمن أوصي لرجل بمثل نصيب أحد ورثته، وهم عشرة أولاد ذكور، وإناث. أو ذكور كلهم؛ فله عشر ماله. وقاله أبو الزناد.
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 341.
(2) في الأصل، وله ثلاث بنون وابنتين وذلك خطأ بين.
(3) في الأصل، وإن كان ذكر.
(4) في الأصل، فيكون وصيته.
(5) البيان والتحصيل، 13: 124 ـ 125.

(11/545)


وأنكر مالك قول من قال: يكون كولد زائد معهم.
ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ: إن أوصي لرجل/ بمثل سهم أحد ولدي، أو بمثل جزئه، أو كبعض ولدي، أو كأحدهم فهو سواء؛ فهو كوصيته بمثل نصيب أحدهم. قال محمد: ما لم يقل: له سهم من سهام مالي، او جزء من مالي. فهذا لا أعطيه إلا سهم واحد مما انقسمت فريضته عليه علي جميع ورثته من عدد السهام؛ كثر ذلك الجزء، أو قل؛ ما لم يكن أقل من ثلاثة أسهم، فلا أزيد علي الثلث إلا برضا الورثة.
قال مالك في الموصي لرجل بمثل نصيب أحد ورثته، وهم رجال، ونساء، وزوجات وأم؛ فلينظر إلي عدد من يرثه؛ فإن كانوا عشرة، فله العشر. وإن قال: مثل نصيب أحد ولدي، أو مثل حظه. أخرج حق من شرك الولد. ثم إن كان الولد أربعة فالمموصي له ربع ما بقي. أو ثلاثة فثلث ما بقي؛ علي هذا. وإن كان واحد أخذ ذلك كله إن حمله الثلث. ثم يرجع الولد، وباقي الورثة إلي ما بقي، فيجمعونه، فيقسمونه علي فرائض الله.
قال ابن عبد الحكم: وهو أصح عندنا من قول أهل الفرائض. وكذلك روي عيسي عن ابن القاسم في العتبية (1) قال: وإن كان ولده بنات، قسم ماله علي الفرائض، ثم كان له سهم ابنة من بناته، ثم اخلط جميع ما بقي، فقسم باقيه علي الفرائض.
ونحوه في كتاب ابن المواز. وقال: إن كان ولده بنات فللبنات الثلثان (2). فإن كن أربعة فله ربع الثلثين. أو ثلاثة فثلث الثلثين علي هذا. وفي واحدة نصف المال إن أجاز الورثة، وإلا فالثلث.
قال أصبغ: وقاله كله مالك، وابن القاسم، وأشهب.
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 127.
(2) في الأصل، فللبنات الثلثين.

(11/546)


قال أصبغ: وسواء قال: مثل سهم أحد ولدي. أو مثل / جزئه. أو كبعض ولدي. أو كأحدهم.
قال ابن القاسم في المجموعة: وإن أوصي لرجل بثلثه، ولآخر بمثل نصيب أحد ولده ـ يريد: وهم ثلاثة ـ فالثلث بينهما نصفين. قاله مالك، وكذلك ذكر عنه ابن حبيب.
ومن العتبية (3) قال عيسي عن ابن القاسم: إذا قال: له سهم كسهم ولدي. وله ولد واحد فإما أعطاه جميع المال، وإلا فالثلث. وقاله سحنون في المجموعة.
قال عيسي: وإذا قال من عدد ولدي. فإن كان الموصي له ذكرا (4) فله سهم ذكر. وإن كان أنثي فله سهم أنثي. ويخلط مع الولد في العدد؛ فإن كان معهم أهل فرائض أخرجت فرائضهم، ثم أخذ الموصي له، كما وصفنا مما بقي، ثم يقسم كل ما بقي بين جميع الورثة.
ولو قال: هو وارث مع ورثتي. فلتعد الحاجة؛ فإن كانوا ثلاثة فهو رابعهم. ثم علي هذا الحساب.
ومن المجموعة قال سحنون: وإن قال: لفلان مثل نصيب أحد ورثتي من ثلث مالي. أو قال: له من ثلث مالي مثل نصيب أحد ورثتي. فهو سواء. فإن كان بنوه ثلاثة فله ثلث الثلث.
ومنه، ومن العتبية (5) عن أبي زيد عن ابن القاسم في الموصي لبنت ابنه من ثلثه بمثل نصيب إحدي بناته (6)، وترك بناتاً، وغيره فليعزل الثلث، ثم يقسم ...
-------------
(3) البيان والتحصيل، 13: 128.
(4) في الأصل، فإن كان الموصي له ذكر.
(5) البيان والتحصيل، 13: 334.
(6) في الأصل، أحد بناته.

(11/547)


الثلثان علي الفرائض، فما صار لإحدي بناته (1)؛ فتعطي بنت الابن مثله من الثلث. فإن فضل شئ من الثلث، كان لأهل الفرائض كلهم؛ فتصير (2) ابنة الابن مع البنات كأنها منهن.
قال ابن حبيب عن أصبغ فيمن ترك ورثة مختلفين من زوجة، وأم، وإخوة لعلات (3)، فقال: لفلان سهم مثل سهم احد ورثتي. زدته علي عددهم، ثم أخذ نصيباً من جملة العدد. ولو قال: مثل سهم أحد ولدي. وهم ذكور وإناث فله سهم من عدد الذكور والإناث. بخلاف قوله: هو وارث مع ولدي.
ومن المجموعة قال ابن كنانة: وإن قال: ورثوا فلاناً في مالي مثل سهم واحد من ولدي. فليعط (4) من الثلث مثل سهم أحد ولده. فإن كان له ابنان، وابنتان (5)، أعطي الربع.
وإن قال: ورثوا فلاناً في مالي، فإنه يرث سهماً كسهم وارث من ولده علي وجه الوصية. فإن كان ولده ثلاثة جعل رابعهم وإن كانوا أربعة جعل خامسهم. فأخذ ذلك من الثلث.
وإن قال: كسهمان (6) وارث. ولم يسم ولداً، ولا غيره؛ فإنه يجعل في ذلك جميع الورثة من زوجة، وغيرها. __________
(1) في الأصل، لأحد بناته.
(2) في الأصل، فيصير بالياء.
(3) إخوة العلات: إخوة من امهات شتي من رجل واحد ويقال أيضا هم بنو علات أي بنو أمهات شتي من أب واحد وعكسها أولاد أخياف.
(4) في الأصل، فليعطي بإثبات حرف العلة.
(5) في الأصل، فإن كان له ابنين وابنتين.
(6) السهمان بضم السين جمع سهم بمعني النصيب يقال أصابه في القسمة سهم واحد أو سهمان اثنان بفتح السين أو سهمان كثيرة بضم السين والسهم بهذا المعني يجمع أيضا علي أسهم وسهمه وإذا كان السهم بمعني قدح الميسر الذي يقارع به أو واحد النيل فإنه يجمع علي سهام.

(11/548)


وإن عني أن يورثوه مع ورثته، ولم يعن وجه الوصية فإنه لا يقدر أن يزاد في ورثته، وإنما يصح هذا بمعني الوصية. ولا أعلم لمن أوصي بهذا وجهاً غير الوصية.
ومنه، ومن العتبية وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإن أوصي له بمثل نصيب أحد ولده، ولا ولد له، وجعل يطلب الولد ومات ولم يولد له؛ فلا شئ للموصي له.
وقد قال مالك فيمن قال: اكتبوا ما بقي من ثلثي لفلان، حتي انظر لمن أوصي. فمات ولم يوصي فلا شئ لصاحب باقي الثلث.
ومنه، ومن العتبية (1) أشهب عن مالك فيمن أوصي لرجل، بمثل نصيب رجل من ولده وهم خمسة، فهلك بعضهم قبل الموصي؛ فللرجل مثل نصيب أحدهم يوم مات الموصي. ولو ولد له فمات وعددهم / أكثر، فكذلك؛ إنما النظر إلي عددهم يوم موت الموصي. ولو لم يبق إلا واحد، فهذا يرجع إلي الثلث إذا لم يجز الورثة.

فيمن أوصي لرجل بجزء أو بسهم من ماله
من العتبية (2) روي عيسي عن ابن القاسم فيمنأوصي لرجل بجزء من ماله، أو بسهم ن ماله؛ فلينظر من كم تقوم فريضته؟ فإن كانت من ستة فله السدس. وإن كانت من اثني عشر فله نصف السدس. وإن كانت من أربعة وعشرين فسهم منها. وإن كان ورثته ولداً (3) فإن كانوا ذكرا (4) وأنثي فله الثلث.
وإن كانوا ابناً وابنتين (5)، فله الربع. وإن كانوا ابنين وابنتين (6)، فله السدس. __________
(1) البيان والتحصيل، 13: 71.
(2) البيان والتحصيل، 13: 123.
(3) في الأصل، وإن كان ورثته ولد.
(4) في الأصل، وإن كانوا ذكر.
(5) في الأصل، وإن كان ابن وابنتان.
(6) في الأصل، وإن كان ابنان وابنتان.

(11/549)


فإن لم يكن غير ولد واحد فله الثلث. وإن لم يكن له وارث فله السدس لأن ستة أسهم أدني ما تقوم منه الفرائض.
ومنه، ومن المجموعة قال أشهب: إن لم يترك إلا ابنته، ومن لا يجوز الميراث، وليس معه غيره ممن لا يعلم عدده؛ فإن له سهما (1) من ثمانية؛ لأنه أقل سهم سمي الله لأهل الفرائض.
قال ابن القاسم: وإن كان أصل الفريضة ستة، إلا أنها تبلغ بالعول عشرة؛ فله سهم من عشرة.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن عبد الحكم: إن أوصي له بجزء من ماله، أو بسهم من سهام ماله فقد اختلف فيه؛ فقيل: له الثمن لأنه أقل سهم ذكر الله تعالي من الفرائض. وقيل: يعطي سهما (2) مما تنقسم عليه الفريضة؛ قلت السهام، أو كثرت. وقيل: يعطي سهماً من سهام فريضته إن كانت تنقسم علي ستة، فأقل؛ ما لم يجاوز الثلث، فيرد إلي الثلث إن لم / تجز الورثة. فأما إن انقسمت علي أكثر من ستة، فلا ينقص من السدس؛ لأن ستة أصل ما تقوم منه الفرائض.
قال ابن المواز: والذي هو أحب إلي، وعليه جل أصحاب مالك، واختاره ابن عبد الحكم أن له سهماً مما تنقسم عليه فريضته؛ قلت السهام أو كثرت.
وقال أشهب: إذا أوصي له بسهم من ماله فله سهم مما تنقسم عليه فريضته، كما قال مالك فيمن أوصي أن يعتق من عبده دينار فلينظر إلي مبلغ قيمته، فيعتق منها دينار يكون جزءاً فيه. وإن لم يكن للموصي بالسهم إلا ولد واحد فللموصي له المال إن أجاز ذلك الولد، وإلا فالثلث؛ كمن أوصي لرجل برأس من رقيقه فلم يدع إلا رأسأ واحداً. أو ماتوا إلا واحداً فهو له إن حمله الثلث. __________
(1) في الأصل، فإن له سهم.
(2) في الأصل، وقيل يعطي سهم.

(11/550)


وإن لم يدع غير أخت، أو بنت، ومن لا يحوز المال، ولا يعرف معها من يعرف بعينه، ولا يعرف عدده؛ فإن له الثمن استحساناً، وذلك بعد الإياس من معرفة خبره. ولو زيد علي الثمن من يري من حاجته رأيته حسناً؛ لما بلغني عن علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وعبيدة أنهم أجازوا لمن لا وارث له أن يوصي بماله كله، كأنه أنفذ الثلثين فيما يتبغي أن يفعل فيه بعده.
قال أشهب: لأن الثلث له. وإن كان ليس هذا قولنا؛ إلا أني قويت به علي الاستحسان.

فيمن أوصي لرجل بباقي ثلثه علي أن يوصي بوصايا
فمات قبل ذلك
ومن العتبية (1)، والمجموعة قال ابن القاسم: قال مالك فيمن قال: اكتبوا ما بقي من ثلثي لفلان فإني أريد أن أوصي غداً فمات / قبل أن يوصي. قال: فلا شئ لفلان.
قال ابن القاسم: لأنه لا يدري ألو أوصي له أيبقي له شئ أم لا؟
وقال أشهب في العتبية (2): له الثلث كله. وروي عنه محمد بن خالد مثله.
وروي أبو زيد عن ابن القاسم أنه لا شئ له. وذكره عن مالك.
قال عيسي عن ابن القاسم، فيمن أوصي لرجل بعشرة دنانير، ثم قال: إنما أريد أن أوصي غداً، ولكن اشهدوا أن ما بقي من ثلثي لفلان. ثم مات قبل أن يوصي فلا شئ له.
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 146.
(2) لبيان والتحصيل، 13: 146.

(11/551)


فيمن أوصي لرجل بمائة ولآخر بمائتين
ولفلان مثله ولم يبين مثل أيهما أراد؟
أو قال: شريك معه أو معهم
أو قال: وباقي ثلثي لمن فضلته ثلثان وللباقين ثلثه؟
من المجموعة روي ابن وهب، وعلي عن مالك فيمن أوصي لفلان بمائة دينار، ولآخر بمائتين، ثم قال للثالث: ولك مثله. ولا يدري أيهما أراد.
قال: لو أعطي نصف ما سمي لكل واحد كان صواباً. وذكره ابن القاسم عن مالك في كتاب ابن المواز.
وقال مالك في كتاب ابن المواز وفي العتبية (1) من رواية عيسي عن ابن القاسم عن مالك قال: وإن كانوا ثلاثة أعطي ثلث نصيب كل واحد. فإن ضاق عنهم الثلث حاصص بذلك أهل الوصايا.
وقال العتبي عن أصبغ عن ابن القاسم مثله. وإن هذا آخر قوليه وهو في كتاب ابن المواز. قال: وإن قال: لفلان، وفلان خمسمائة. ثم قال: ولفلان مثله. أعطي ثلث خمسمائة. وإن لم يسع الثلث حاصص بذلك. وقاله أصبغ قال في كتاب ابن المواز: وإن قال: لفلان عشرون، ولفلان ثلاثون ولفلان عشرة. حتي / تم خمسمائة دينار، ثم قال: ولفلان مثله. فإن كان عدد الموصي لهم غيره عشرة؛ أعطي عشر جملة ما أوصي لهم. وإن كانوا خمسة، فالخمس.
ولو قال: فله مثلهم. ولم يقل: مثله. أعطي مثل جميع وصيته لهم.
قال ابن القاسم فيه، وفي العتبية (2)، وفي كتاب ابن حبيب عن أصبغ عنه: وإن قال: لفلان مائة، وفلان مائتان (3). قيل: ففلان. قال: هو شريك معهما. __________
(1) البيان والتحصيل، 13: 272.
(2) البيان والتحصيل، 13: 93.
(3) في الأصل، وإن قال لفلان مائة وفلان مائتين.

(11/552)


فإنه يجمع الثلاثمائة، فتعطي بينهما، ثم يقسم ما بقي علي الرجلين علي الثلث والثلثين.
قال ابن المواز: وإن كانوا ثلاثة فهو رابع. وإن كانوا أربعة فهو خامس.
وقال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم مثله. وإن هذا آخر قوليه؛ كان يقول: له نصف وصيتهما.
قال: وكذلك قوله: ولفلان مثله، أو مثل أحدهما. وفي القول الآخر في قوله: لفلان مثله، أو مثل أحدهما. فإن كان اثنين أعطي مثل نصف وصاياهما من باقي الثلث، لا ما أوصي لهما. وإن كانوا ثلاثة أعطي مثل ثلث وصاياهم من باقي الثلث.
قال ابن القاسم في المجموعة: وكذلك إن قال: هو شريك معهم بالسواء. قال العتبي: وقد قال ابن القاسم في موضع آخر: يكون له نصف وصية كل واحد من الرجلين؛ ليس من بقية الثلث، ولكن من وصاياهم.
قال ابن القاسم فيمن أوصي لأربعة بوصايا مختلفة بعشرة، وعشرين، وثلاثين، وأربعين. ثم كلم في آخر، فقال: هو شريك معهم. قال: يعطي نصف وصية كل واحد. فإن قال: هو شريك معهم بالسوية. أعطي ربع وصية/ كل واحد. وإن كانوا خمسة فخمسها.
قال ابن المواز: قال ابن القاسم: إذا أوصي لهما بعشرة، ولآخر بعشرين، ولآخر بثلاثين. ثم قال في آخر: أشركوه معه. فكأنه قال: وله مثل نصفه. فإن كانا اثنين (1) أعطي ربع وصية كل واحد. وإن كانوا ثلاثة فسدس وصية كل واحد؛ فعلي هذا يحسب.
ومن المجموعة عن ابن كنانة فيمن أوصي لقوم بوصايا مختلفة من ثلاثة دنانير إلي عشرة، إلي خمسة عشر، ولآخرين بدينارين دينارين، ثم قال: وما بقي من ثلثي __________
(1) في الأصل، وإن كانا اثنان.

(11/553)


فثلثاه لمن فضلت في وصيتي، والثلث للآخرين. قال: والثلثان ـ يريد: مما بقي ـ لكل من زادت وصيته علي دينارين؛ لأن ذلك أقل ما أوصي به، ثم يقسم الباقي علي عدد من بقي، فيساوي بينهم فيه علي قدر تفاضل وصاياهم.
فيمن أوصي لفلان بمائة ولم يقل دنانير ولا دراهم
أو قال خمسة أمداد ولم يفسر
أو قال بشاة من غنمي ولم يفسر
أو قال: بكبش أو ضائنة أو ببقرة وشبه ذلك
من كتاب ابن المواز، والمجموعة عن ابن القاسم. ومن العتبية (1) رواية أصبغ عنه فيمن أوصي لفلان بمائة، ولم يسم شيئاً، ولا يدري ما أراد؛ فإن كان بلده الغالب فيها الدنانير فله دنانير. وإن كان الغالب الدراهم فله دراهم. وإن كان هذا، وهذا فله الدراهم ـ وهي الأقل ـ حتي يوقن أنه أراد الأكثر، أو يكون لوصيته وجه يستدل به بمثل أن يقول: لفلان مائة دينار، ولفلان عشرة دنانير، ولفلان مائة. ولا يذكر ما هي فله مائة دنانير. وكذلك إن تقدم / ذكر الدراهم فله الدراهم وإن كان بلد دنانير إذا جري للكلام بساط يدل. وقاله أصبغ.
والمسألة في كتاب ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم.
وقال فيه أصبغ: ولو قال: أعطوه خمسة أمداد. ولم يقل: قمحاً. ولا شعيراً. فليعط (2) من القمح لأنه الغالب في الناس.
ومن العتبية (3) روي يحي بن يحي عن ابن القاسم فيمن قال: أعطوا فلاناً مائة. ولم يذكر ما هي قال: قال مالك: تكون له مائة درهم. __________
(1) البيان والتحصيل، 13: 283 ـ 284.
(2) في الأصل، فليعطي بإثبات حرف العلة.
(3) البيان والتحصيل، 13: 196 ـ 197.

(11/554)


ومن كتاب ابن المواز: وإذا أوصي له بشاة من ماله؛ فإن كان له غنم فهو شريك بواحد في عددها ضأنها ومعزها، وذكورها وإناثها، وصغارها وكبارها. فإن هلكت كلها؛ فلا شئ له. وإن لم يكن له غنم، فله في ماله قيمة شاة من وسط الغنم إن حملها ثلثه، أو فيها حمل منها. ولو قال: من غنمي. فمات، وليس له غنم فلا شئ له. وإن مات، ولا غنم له إلا شاة صغيرة، أو كبيرة فهي له إن خرجت من ثلثه، أو ما خرج منها. قال أشهب: وإن أوصي له بتيس من غنمه. فلينظر إلي كل ما يقع عليه اسم تيس منها، ولا يقع ذلك في البهم، والإناث؛ فينظر إلي عدد ذلك، فيكون فيها وحدها شريكا (1) بواحدة. وأما إن قال: بشاة. يعني من غنمه فالتيوس، والمعز، والضان، والصغير، والكبير يدخل في العدد.
ولو قال: كبشاً. لم يدخل في ذلك إلا كبار ذكور الضأن. ولو قال: نعجة. لم تكن إلا في كبار إناث الضأن.
فأما إن قال: بقرة من بقري. دخل فيه ذكور البقر وإناثها. وإن قال: ثور. لم يكن إلا في ذكور الكبار. وإن قال: عجل. لم يكن إلا في ذكور / العجول.
فإن قال: بقرة من عجولي. كان في الذكور والإناث من العجول. ولو قال: شاة من بهمي. أو ضائنة من خرفاني. لم يدخل في ذلك كبارها.

فيمن أوصي بعشرين ديناراً صدقة أو لفلان
فكلم أن يزيد فقال: زيداً ولم يفسر
ومن قال لفلان عندي دنانير
من المجموعة قال ابن كنانة فيمن أوصي بصدقة عشرين ديناراً. فقيل له: زد فإن لك مالاً. فقال: زيدوا، فقال: لو زادوا علي العشرين من ثلثها كان حسناً. __________
(1) في الأصل، شريك.

(11/555)


قال ابن حبيب: قال أصبغ فيمن أوصي لرجل بوصية، ثم كلم أن يزيده فقال: زيدوه. ثم مات، ولم يسم ما يزاد قال: قد قيل: يزاد مثل ثلث وصيته.
ولا أراه، ولكن يزاد بقدر المال، وقدر الوصية بالاجتهاد من الإمام، مع مشورة أهل العلم.
قال العتبي عن أبي زيد عن ابن القاسم فيمن أوصي، فقال: لفلان علي دنانير. فقال: يعطي ثلاثة وهو أقل ما تكون الدنانير.

فيمن أوصي بثلثه لثلاثة
ثم سمي لكل واحد تسمية مختلفة أو متفقة
أو سمي لاثنين وسكت عن الثالث
من العتبية (1)، من سماع ابن القاسم قال مالك فيمن أوصي بثلثه لثلاثة نفر، ثم قال: لفلان عشرة، ولفلان عشرون (2). وسكت عن الثالث. ويعطي للموصي بعشرة عشرة، وللآخر عشرون (3)، ثم يقسم ما بقي من الثلث الثلث، وعلي العشرة، والعشرين بالحصص.
قال اصبغ في كتاب ابن المواز: يأخذ المسكوت / عنه ثلث الثلث، يقسم ثلثا الثلث بين المسمي لهما علي ثلاثة أجزاء؛ لصاحب العشرة جزء، ولصاحب العشرين جزءان.
ومن العتبية (4) روي أبو زيد عن القاسم فيمن قال: لفلان عشرة، ولفلان عشرون، ولفلان ثلاثون. فوجد الثلث مائة؛ قال: يرد الفضل عليهم بقدر ما حصل بيد كل واحد. ولو قال: لفلان عشرة، ولفلان عشرون. وسكت عن __________
(1) البيان والتحصيل، 12: 435.
(2) في الأصل، ولفلان عشرين.
(3) في الأصل، وللآخر عشرين.
(4) البيان والتحصيل، 13: 336.

(11/556)


الثالث؛ فليضرب للمسكوت عنه في الثلث بالثلث الثلث، ويضرب فيه المسمي لهما؛ كل واحد بما سمي له.
وإن قال: ثلثي لعبد الله؛ ومحمد، وأحمد، لعبد الله عشرة، ولمحمد عشرة، ولأحمد عشرة. فالثلث بينهم أثلاثاً.
ولو سمي تفاضلاً تحاصوا فيه بقدر التفاضل.
قال ابن القاسم: وإن أوصي لواحد بعشرة، ولآخر بعشرين، ولآخر بثلاثين.
ثم أوصي لهم بعد ذلك بالثلث؛ فليعطوا التسمية، ثم يقسموا (1) ما بقي من الثلث أثلاثاً.
وقال أيضاً: بقدر ما بأيديهم. وذكره في المجموعة.

فيمن أوصي فقال لفلان عشرة دنانير
ولفلان وفلان عشرة
أو قال ثلثي لفلان أو لفلان
أو قال لفلان وفلان أو فلان
من كتاب ابن المواز ـ وأراه لأشهب ـ فيمن أوصي فقال: لفلان عشرة دنانير، ولفلان ولفلان عشرة. قال: فللأول سبعة ونصف، وللثالث سبعة ونصف، وللأوسط خمسة.
ولو قال: ثلثي لفلان، أو فلان، أو فلان. فالورثة مخيرون في دفع الثلث إلي من شاؤوا منهم. وإن شاؤوا قسموه بين اثنين منهم، أو بين ثلاثة. أو فضلوا بعضهم علي / بعض؛ إلا أن يأبي أحدهم أن يقبل من ذلك شيئاً فيكون ما دفع إليه، لصاحبيه من شاء الورثة منهما. ولا يرجع إلي الورثة مصابة من أبي منهم. ولو __________
(1) في الأصل، ثم يقسمون بإثبات النون.

(11/557)


أعطوا الثلث لأحدهم، فلم يقبله؛ لم يرجع ميراثاً. وهو لمن بقي من الثلاثة إلا أن يعرض عليهم أجمع، فيأبوا منه بعد أن عرض علي كل واحد منهم الثلث كله له خاصة، فأباه فليرجع ميراثاً لورثة الموصي.
ولو قال: ثلثي لفلان وفلان، أو فلان. فالورثة مخيرون؛ فإن دفعوه للأول فليس له منه إلا نصفه، ونصفه للثاني. إلا أن يشاء الورثة دفعه إلي الثلث؛ لأن قوله يحتمل أن يعني: ثلثي لفلان، وأشركوا معه فلاناً، أو فلاناً. ويحتمل أن يريد: اجمعوا ثلثي لفلان وفلان. أو اجعلواه لفلان. قال: وإن اختار الورثة أن يعطوا الثلث للثاني للثاني لم يكن له منه إلا نصفه، والنصف الآخر للأول لأن الموصي (1) لم يجعل الثاني إلا مع الأول. وأخرج الورثة الثالث فذلك لهم. وإن جعلوا الورثة الثلث للثالث لم يكن له منه إلا ثلاثة أرباعه، ويكون الربع للأول لأن أكثر دعوي الأول فيه بالنصف؛ لأنه يقول: أشرك معي أحدكما من أحبه الورثة. فله بذلك مقال. ويقول الثالث: بل جعل ذلك كله لي إن شاء الورثة. فله بذلك مقال، فالنصف له لا دعوي فيه. والنصف الآخر يدعي فيه الأول، والثالث فيقتسماه.

جامع في الوصية بالمجمول أو بما يشك فيه ويحتمل وجهين
أو بعتق العبد الذي حج معه فلم يعرف
أو بحقه عليه وله عنده وجهان (2) /
ومن العتبية (3) روي عيسي عن ابن القاسم فيمن قال في مرضه: لفلان تمرة حائطي، ولا يدري أي تمرة جعل له، أو كم سنة؟ فإن كان في النخل تمرة فهي له، وليس له غيرها. وإن يكن فيها تمرة فله تمر ذلك الحائط حياته. وكذلك في كتاب ابن المواز.
__________
(1) في الأصل (لأن الأول) والصواب ما أثبتناه.
(2) في الأصل، وله عنده وجهين.
(3) البيان والتحصيل، 13: 142.

(11/558)


ومن كتاب ابن المواز: وإذا قال: قد تصدقت علي فلان بجاريتي فلانة التي اشتريت من فلان، وابنتها. فطلب الموصي له الجارية وابنتها، فطلب الموصي له الجارية وابنتها، فقال الورثة: إنما نسب الجارية إلي ابنتها في الشراء، ولم يوصي بالولد. فلينظر؛ فإن اشتراها مع ولدها من فلان صدق الورثة، ولم يأخذ إلا الأم، ويجبر هو والورثة علي جمعهما في ملك واحد.
وقال عن أشهب: وذكره العتبي عن أصبغ عن ابن القاسم فيمن أوصي لرجل بعشرة، ولآخر بعشرين، ولآخر بالسدس. فإنما له سدس رأس المال لا سدس الثلث. قال ابن المواز: وروي ابن وهب عن مالك أن له سدس الثلث. قال ابن المواز: وروي ابن وهب عن مالك أن له سدس الثلث إن كان قوله هذا بعد وصية، وإن كان بعد إقرار بدين فله سدس جميع المال. قال محمد: بل له سدس جميع المال في المسألتين.
ومن العتبية (1) قال سحنون عن أشهب فيمن أوصي بعتق العبد الذي حج معه، وقد عرف أنه حج معه عبد إلا أنه لا يعرف، فادعي ذلك عبيده (2)؛ قال تبطل الوصية، هم رقيق.
قال أصبغ: قال ابن القاسم فيمن قال في وصيته: أعطوا فلاناً ثلث مالي، وخيروه. أتراها وصية؟ قال: نعم.
ومن المجموعة قال ابن القاسم: وإن قال: ما كان لي عند فلان من حق فهو له، وله عنده دين، / وقراض، ووديعة؛ فإن ذلك كله له. وقاله مالك. وإن قال: ما كان لي علي فلان من حق فهو له، فلا يعدوا الدين، ولا يدخل فيه القراض والوديعة.
قال ابن القاسم: قال مالك: ومن قال عند موته: ما كان لي علي قرابتي من حق فهو لهم. فمات، وله عند أحدهم قراض؛ قال: أراه له فيما يحضرني. __________
(1) البيان والتحصيل، 13: 219.
(2) في الأصل، عبده وسيكون التعبير أوضح لو قال (أحد عبيده).

(11/559)


قال عنه عليَّ فيمن قال لغلامه: أخْدُمِ ابني حتى يستغني، ثم أنت حرٌّ. ما حَدُّ الاستغناء؟ قال: يستغنون عن خدمته بمال يحدث لهم، أو قُوةٍ على ما يصلحهم، وربما كَبُرَ الولد، وليس بغنى عن خدمته، فإذا كان له من المال ما يستغني به عن خدمته، فأرى أن يُعتَقَ.
فيمن أوصى بعتث خيار رقيقه أو قُدمائهم
أو قال بعضُهم
أو بأحد أفراسه الثلاثة لرجل بعينه أو أبهمه
ولآخر بخير الباقين ولثالث بالباقي
من كتاب ابن عبدوس، وابن المواز، ومن العتبية (1) من رواية أصبغ عن ابن القاسم فيمن أوصى بعتق خيار رقيقه فَلْيُعتَقْ أعلاها ثمناً، ثم الذي يليه، ويقاربه في الثمن، حتى يوعَبَ الثلث. قال أصبغ: إلا أن يُرَى أنه أراد الخيار في الدين والصلاح بسبب يدُلّ أو بساط فيُحْمَلُ على ذلك، وإلا فأغلاها ثمناً.
قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وابن عبدوس: لإإن وسعهم كلَّهم الثلثُ أَعتِقَ منهم المرتفعون (2)، ولا يُعتَقُ الوخشُ مثلا ثمن خمسة عشر، هذا إن كانوا متباينين جداً في الثمن، فيُعْرَفُ بذلك أنه أراد المرتفعين منهم. وأما إن تقاربت أثمانُهم / فليُبدَّأ أهلُ الصلاح منهم. فإن قال: أعتِقُوا قُدَماءَ رقيقي. عُتِقَ الأول فالأول، حتى يَنفَدَ الثلث. فإن وسعهم الثلثُ كلّهم نُظِرَ إلى الذي يُظَنُّ أنه أراد في قدم الكسب وحدوثه فيبدأ بالقدماء، ولا شيء للمحدثين.
وإن اشتراهم جملة واحدة عُتِقَ ثلثهم بالسهم. وقال أصبغ.
ومن العتبية (3) روى أبو زيد عن ابن القاسم في الذي يقول: أعتِقوا عبيدي القدماء. وله عبيدٌ منذ عشر سنين، وعبيد منذ خمس سنين، ومنذ ثلاث، ومنذ __________
(1) البيان والتحصيل، 13: 280.
(2) في الأصل، المرتفعين.
(3) البيان والتحصيل، 13: 341.

(11/560)


سنةٍ، فإن حملهم الثلث عُتقوا كلهم. وإن كان له عبيدٌ منذ أقل من سنة، فليسوا بقدماء.
قال: فإن لم يكن له عبيد قبل السنة، وكلهم بعد السنة منذ خمس، وأربعة، وأكثر، وأقل، ولم يَسَعْهُمُ الثث تحاصوا، وعتق منهم مَحمِلُ الثلث.
ومن المجموعة قال ابن كنانة فيمن قال في مرضه: خيار رقيقي أحرارٌ. فقيل له: ومَن خيارُهم؟ فقال: فلان وفلان وفلان. قال: فلا يُعتَقُ إلا من سَمَّى، ولا عتق لباقيهم.
ومن المجموعة قال سحنون: ومَن أوصى أن يُعتَقَ بعضُ عبيده فليُعتَقْ ما لا يُشَكُّ فيه أنه بعضهم، وهو عبد واحدٌ. ولا يكون نصف عبد بعض عبيده.
ومن قال: بعض رقيقي أحرار. أو قال: حرٌّ. فأما قوله: حُرٌّ. فهو واحد من اثنين، أو من ثلاثةٍ. فإن قال: أحرار. فهم اثنان من ثلاثة، فأكثر.
ومن العتبية (1) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن له ثلاثة أفراس، أو ثلاثة أعبدٍ فأوصى لرجل بفرس منها، أو عبدٍ ولم يُعَيِّنْه، وقال: وخيروا فلانا بين الباقِيَيْن فيأخذ ما شاء. والثالث لفلان./ فليُعط (2) الأول ثلثها، يُعطَى وسطاً منها يكون فيه ثلثها. قال أصبغ: يعني: يُجْمَعُ له ثلث قيمة كل واحد في فريق منها بالسهم. فإن زادت القيمة عليه أتم من غيره ما بقي له، ثم يُخَيَّرُ صاحب الخيار، في خير ما بقي، حتى يُكْمِلَ فرساً، إن كان فيها كَسْرٌ من فرسٍ، ثم يكون للآخر ما بقي، جبيراً كان أو كسيراً. ومثله في المجموعة عن ابن القاسم.
ومن المجموعة لأشهب وهو في كتاب ابن المواز: وإذا قال: لفلان ثلثها. أو قال: فرسا منها: لم يُسَمٍّه – وخيروا فلانا بين الباقيَتين، وللثالث ثلثُ قيمتهم، يأخذ بالسهم. فإن جاءه أقل من فرسٍ فليس له غيره، وخُيِّرَ المخيرُ في __________
(1) البيان والتحصيل، 13: 131.
(2) في الأصل، فليعطي بإثبات حرف العلة.

(11/561)


الباقيين، فيأخذ أحدَهما، ويأخذ الآخر الباقي، ويأخذ الورثةُ ما فضل من الفرس الأول. وإن وقع سهم صاحب الثلث في اثنين، أخذ ذلك، وأخذ ذو الخيار الفرس الثالث، كما لو وقع له سهمه في واحد، ومات واحدٌ. وإن وقع له فرسٌ ونصف، أخذ ذو الخيار الفرس الباقي، وأخذ الثالث النصفَ.
قال ابن المواز: فإن قال: المخير يأخذ نصف هذا الفرس، ونصف الثالث. فقال أصبغ: ذلك له. ولم يُعجبني، وسأنظر فيه إن شاء الله.
قال ابن القاسم، في جميع هذه الكتب: فإن سمى للأول فرساً بغينه، فنسي، فله ثلث كل فرس، ثم يأخذ المُخَيَّرُ ثلثي المرتفِعِ، وثلث الوسط، ويُعطَى الموصى له بأدناها ثلثي الدنيء. وثلث الوسط. وقاله سحنون.
وفي كتاب ابن المواز قال في سؤاله: إذا عاب / الشهود على الفرس بعينه، أو قالوا: عُميَ علينا بعد أن كانوا يعرفون (1)، وحُكم بشهادتهم. قال ابن المواز: وقول ابن القاسم هذا صواب. وكان يقول: يأخذ صاحب المعين - يريد: إذا جهل - فيُعطى ثلث كل فرس، وللذي له خير الباقين نصف قيمة الرفيع، ونصف قيمة الوسط، وللثالث نصف قيمة الوسط، ونصف قيمة الدون بتحاصون بذلك كلهم. والأول أوضح منه.
ولو قال: لفلان خيرها، ولفلان أوسطها، ولفلان أدناها. فهلك أحدُها، فلم يُعلم ما هو خيرها، أو الوسط، أو الدون، فللموصى له بخيرها ثلثا المرتفع من الباقيين. وللموصى له بالأدنى ثلثا أدناهما. ولصاحب الوسط ثلث كل واحد. __________
(1) في الأصل، يعرفوه بحذف النون بدون مبرر للحذف.

(11/562)


فيمن أوصى لرجل بما في بيته
أو أوصى له بظرف وفيه طعام أو دراهم
أو تصدق بدار وفيها طوب وخشب
لمن يكون؟
من كتاب ابن المواز، والمجموعة، والعتبية (1) روى أشهب عن مالك في التي أوصت بجميع ما في بيتها لموالتها، أو قالت: ما في بيتي لها. فقالت الموالاة: تأخذ ثياب ظهرها. وقال الورثة: لم تُردٍ الثيابَ. فقال مالك: مَن يرث؟ قيل: كلالة. قال: وكم ثيابها؟ قيل: أمرٌ يسيرٌ. قال: ما أراها أرادت إلا أن تكون ثيابها لمولاتها. وما ثيابُها من متاع البيت، ولكنها تُورث كلالة. وكان إنما أرادت أن تكف مولاتها ثيابها. قيل فالتي ماتت فيها تدخل في ذلك؟ قال: نعم. وما كان من ثيابها وهنا فلا يدخل في ذلك.
ومن هذه الدواوين قال ابن القاسم فيمن قال: ادفعوا / هذا الخيش – قال في المجموعة – المسح الشعر لفلان. فوجدوه مملوءا طعاما فليأخذه بطعامه. ولو قال: أعطوه الخريطة الحمراء – والخريطة مملوءة دنانير فله الخريطة وما فيها. وكذلك إن قال: زقا كذا. فوجد مملوءا عسلا فهو له بما فيه من عسل. ولو كان مملوءا دراهم لم يأخذه إلا فارغا.
ومن كتاب التفليس من العتبية (2) قال عيسى عبن القاسم: إلا أن يكون قد عرف أن فيه دراهم فهو له – يريد: بما فيه –.
ومن العتبي (3) ة من الوصايا من سماع عيسى قال ابن القاسم فيمن تصدق بثلث دار له في مرضه، وفيها طوب، وخشب أعده للبناء، فطلب المعطى ثلث ذلك، ومنعه الورثة قال: لا شيء له في الطوب والخشب. وروى عنه أبو زيد فيمن
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 26.
(2) البيان والتحصيل، 13: 122
(3) البيان والتحصيل، 13: 192.

(11/563)


أوصى بثلثه للسبيل، إلا العِرَاضَ. وفي العراضِ خشب. وطوبٌ ملقى أعده للعمارة. فإن كان شيءٌ نقضه منها فلا يُباعَ شيء. وإن كان إنما جاء به لبناء بها فذلك يُباع، ويُخرجُ ثلثه (1)

فيمن له عبيدٌ مُسَمون (2) باسم واحد
أو ثيابٌ بصفة واحدة
فيقول عبدي أو ثوبي لفلان ولا يُعرف
أو يقول أعتقوا واحدا عن ظهاري
وفيهم من لا يُجزئ
وهذا الباب أكثره من كتاب العتق.
ومن المجموعة قال ابن كنانة: وإذا قال عند موته: يزيد حر. واسم كل واحد يزيد، فلم تُثبتُ البينة أيهم هو، فلا يُعتق منهم أحدا حتى تُثبت البينة بعينه.
وقال سحنون: إذا كان له عبدان اسم كل واحد ميمون، فقال: ميمون حر، وميمون لميمون. ثم مات، فإن حملهما الثلث أسهم / بينهما، فمن خرج له العتق فله الباقي. وقد قيل: إنما للحر نصف الباقي. وإن لم يحمِلِ الثلث إلا واحدا (3) خرج حُرا.
ومنه، ومن العتبية (4) رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: إذا قال في وصيته: ساج (5) ي الطراري لفلان. أو: عبدي فلان لفلان. فيوجد له عبيد بذلك الاسم، أو سيجان طرارية، فلينظر إلى عدد العبيد والسيجان، فإن كانوا
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 318 ـ 319.
(2) في الأصل، مسمين.
(3) في الأصل، إلا واحد.
(4) (البيان والتحصيل، 13: 202.
(5) المراد هنا بالساج: الطيلسان الأخضر ويجمع علي سيجان علي وزن تيجان.

(11/564)


خمسة فله خُمسهم. أو ثلاثة فله ثلثُهم يأخذ ذلك بالسهم. وهو كقوله: عبد من عبيدي لفلان. أو قال: ساجٌ من سيجاني لفلان. وقع له ساجٌ أو ساجان، أو عبد أو عبدان. وأما لو شهدوا عليه في صحته أنه أعتق عبده فلانا (1)، أو تصدق به على رجل وله عبيد على ذلك الاسم، ولا يعرفون من أراد فها هنا تسقط شهادتهم إذا أنكر السيد، ولم يُعينوا البينة (2) عبدا بعينه.
ومن المجموعة قال ابن القاسم، وأشهب – وذكره ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم – فيمن قال: اعتقوا عبدا من عبيدي في ظهار عليه. وله عبيد فلينظر إلى كل من لا يجوز منهم في الرقاب الواجبة، وإلى من تقصر الثلث عن قيمته، فيعزل، وينظر إلى ما يجوز من الرقاب الواجبة ممن قيمته الثلث فأدنى، فيسهم بين هؤلاء، فيعتق من خرج سهمه. قال أشهب: ولا عتق لمن بقي.
قال ابن القاسم في المجموعة: فإن لم يكن في الذين يجوزون في الرقاب الواجبة ممن قيمتُه الثلث فأدنى، فإنه تُبتاعُ له رقبة فتُعتَقُ عنه.
وقال / سحنون فيمن أوصى أن يُعتَقَ عنه أحدُ عبديه (3) عن ظهاره، فلم يُقوَّما حتى صار إلى ما لا يجوز في الظهار، فإنه يُعتَقُ عنه أحدُهما.

فيمن أوصى لفلان بميمون أو مباركٍ
أو بأحد عبْدَيْه ولم يُسَمِّه
أو أوصى له بالعتق على هذا
من كتاب ابن حبيب قال ابن الماجشون: من قال في وصيته: أعطوا لمحمد عبدي يزيد، أو مباركا (4). فليُسهم بينهما بغير قيمة، ويأخذ ما أخرج
__________
(1) (في الأصل، عبدي فلان.
(2) جمع المؤلف هنا بين الاسم الظاهر والضمير علي لغة أكلوه البراغيث والمراد إن لم يعين الشهود عبدا بعينه.
(3) في الأصل، أحد عبيده والصواب ما أثبتناه.
(4) في الأصل، أو مبارك.

(11/565)


السهم، إلا أن يرضى هي والورثة على واحد بغير مساهمة فلهم ذلك. وكذلك لو قال: يزيد أو مبارك لمحمد، والأخر لعبد الله. فعبد الله ومحمد بمثابة الورثة، إن تراضى محمد وعبد الله على أهدهما لمحمد بلا سهم جاز ذلك. وإن تشاحا أسهم لمحمد في أحدهما، والباقي لعبد الله. وهو كمن قال: يزيد حر، أو مبارك. وإنما يُسهم بينهما بغير تقويم فيُعتق من خرج سهمه، كان أقل من نصف قيمتهما أو أكثر، لأنه إذ أسماهما فقد أراد أن يكون كاملا للحرية، أو لفلان. ولا يجوز للورثة أن يجعلوا الحر واحدا منهما بلا سهم، لأن السهم حق لكل واحد منهما.
قال ابن الماجشون: وإن قال في وصيته: أعطو لزيد أحد عبدي (1). فله نصف قيمتهما بيأخذه بالسهم بلغ ذلك ما بلغ، بعض عبدٍ أو أكثر من عبد.
وإن قال: أحد عبدي (2) لزيد أو عمرو. فليسهم بين زيد وعمرو فمن خرج سهمه فهو شريك للورثة بنصف قيمتها على ما ذكر. ولو قال: يزيد أو مبارك لزيد أو لعمرو أسهم بين الرجلين (3)، فمن خرج اسمه أسهم له في يزيد أو مبارك. ومن خرج أخذه كاملا /.
وإن قال: أحد غلامي لمحمد، والآخر لعبد الله. فالعبدان لهما بينهما بالسواء، كما لو جعلهما لهما.
ولو قال: يزيد أو مبارك لزيد، والآخر لعمرو. فزيد مبادأ بالسهم، يُسهم له عليهما، فمن خرج له فيه السهم أعطيه، وكان الآخر لعمرو.
وإن قال: لزيد غلامي يزيد، أو لعمرو غلامي مبارك. فليس لهما إلا غلام واحددٌ. فإن تراضيا على أحد الغلامين، فوصيتُهما فيه وكان بينهما نصفين. وإن اختلفا أسهِمَ لهما على أحد العبدين فكان بينهما.
__________
(1) في الأصل، أحد عبيدي
(2) في الأصل، بين رجلين والصواب ما أثبتناه.

(11/566)


ولو قال: لزيد غلامي يزيد، أو غلامي مبارك حر. أسهم بينهما، فإن خرج يزيد كان لزيد. وإن خرج مبارك كان حرا. وليس لزيد، ولا للورثة أن يتراضوا على عتق أحدهما، أو يُعطوا لزيد واحدا بلا سهم لأنه حرية تُرجى لأحدهما.
وقال أصبغُ في جميع ما وصفت: الورثة مخيرون، كان شيء واحد أو شيئان (1)، أو لا سهم في شيء منه إلا فيما فيه ذِكر حرية، إلا في قوله: لزيد أحد عبدي (2). فله نصف قيمتها بالسهم لأنه شَركه فيها. وبقول ابن الماجشون قال ابن حبيب.
وفي الباب الذي يلي هذا من معاني هذا الباب.
ومن المجموعة قال علي بن مالك فيمن أوصى لرجل برأس من رقيقه، وترك ثلاثة أعبدٍ وقيمة واحدة عشرة، والآخر عشرون، والثالث ثلاثون: فحقه عشرون، فإنه يُسهم له فإن خرج له مَن قيمته ثلاثون فله ثلثاه. وإن خرج ذو العشرين فهو له. وإن خرج ذو العشرة، أخذه، وأعيد السهم، ليأخذ بقيمة حقه.

فيمن أوصى بخدمة عبده لفلان ولفلان
سنة سنة / ولم يذكر مَن يُبدأ
أو: عبدي يخدُمُ أحد بني فلان ولم يُسَمهم
أو: يخدم فلانا ولم يؤقت.
ثم هو لفلان أو وهب خدمته لرجل
من المجموعة قال ابن كنانة فيمن أوصى في عبدين له يخدمان بني فلان وبني فلان سنة سنة، ولا يوهبان، ولا يوهبان، ولم يُسم من يبدأ، قال: ما أرى فيه أفضل من القرعة، فمن خرج له سهم التبدئة بُدى به، ثم الذي يليه. فإذا أخذهما أهل __________
(1) في الأصل، كان شئ واحد أو شيئين والصواب ما أثبتناه.
(2) في الأصل، أحد عبيدي

(11/567)


الميت سنة، رجع إلى الذي كانت له التبدئة أولا، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه كما كان شأنهم أولا.
وإن قال: عبدي يخدُمُ رجلاً من هؤلاء الثلاثة نفر ولم يُسمهم، فليُقرع بينهم فمن خرج سهمُه خدمه، ولا شيء للآخر. ولو قال – يريد لورثته –، أنظروا فأخدموا غلامي واحدا من هؤلاء الثلاثة. فذلك للورثة، يُخدمون (1) من شاؤوا.
قال أشهب: وإذا قال في وصيته: لفلان خدمة عبدي سنة، ولفلان بقيته. فكأنه قال: يخدم فلانا سنة، ثم هو لفلان بتلا.
وكالقائل: لفلان ثلثي، ولفلان منه عشرة دنانير. فالعشرة مبدأة. وإن قال: يخدم فلانا (2). ولم يقل: حيائه. ولا وقت. وقال: فإذا مات فهو لفلان. فأما في قول من رأى أنه إذا أخدمه عبدا أنه له حيائه وإن لم يَقل حيائه، فإنه يخدمه حياته إن خرج من الثلث، ثم هو للآخر. وإن لم يخرج فما خرج منه فهو على ذلك. وأما في قول من لا يراه له حيائه فإنه يكون له على ما يرى من الاجتهاد أنه أريد به من طول أو قصر، أو أنه يكون له ذلك حتى يسترد ذلك الورثة، بعد الاختدام، والسكنى، فإنهما يتحاصان صاحب / الخدمة بقيمة ما يُرى له منها، وصاحب الرقبة بعد موت المخدم بقيمته على المرجع، فيكون فيه ثلث الميت بينهما على ذلك.
والذي أرى أن القائل: عبدي يخدم فلانا. أنه يخدمه حيائه. وإن فعل ذلك. وقال رجل/ اشهدوا أني وهبتُ خدمة عبدي هذا لفلان. ثم مات فلان فلا شيء لورثته من خدمته. ويرجع إلى الورثة.
ومن الناس من يقول: إذا رم يؤقت أجلا: ولا حياته فللسيد أن يرجع في خدمته متى شاء.
__________
(1) في الأصل، يخدموا بحذف النون والصواب ما أثبتناه.
(2) في الأصل، يخدم فلانا.

(11/568)


ولا أرى ذلك. وأراه له حياته.
وقال ابن المواز: إذا أوصى أن يخدم فلانا، ولم يؤقت فلم يختلف أصحابُنا أن ذلك حياة المخدم. وهو إن شاء الله قول ابن القاسم، وأشهب. إلا أن ابن القاسم قال فيمن قال: وهبتُ خدمة عبدي هذا لفلان. إن ذلك حياة العبد، حتى يُستدل أنه حياة المخدم.
وقال أشهب: بل هو حياة المخدم.
فيمن أوصى بوصايا وأوصى معها بما لا أمد له
من وقيد مسجد وسقي ماء أو نفقة وشبه ذلك
ومن المجمعوعة، وكتاب ابن المواز قال مالك في الموصي بوقيد في مسجد أبدا، وأوصى بوصايا، فليحاص للمسجد بالثلث، قال سحنون: وقاله الرواة.
قال عبد الملك: يُضرب للمجهول بالثلث: فينظر ما وقع له يوقف لذلك ما وقع له. ولو وقع في وصيته أصناف من هذا المؤبد المجهول ضُرب للمجهولات كلها بالثلث. ولو لم يوص بغير المجهولات، قسم الثلث على عدد المجهولات.
وكذلك إن قال: قِدُوا في المسجد – يعني أبدا – واسقوا رواية كل يوم، وأنفقوا على فلان ما عاش. فإنما يُضرب لهذين مع النفقة بالثلث / يريد: مع أهل الوصايا غيرهم.
ومن كتاب ابن المواز وأراه لأشهب ومن أوصى أو يُنفق على فلان درهم في كل شهر، ويُعتق، وحملان في السبيل، وأن يُتَصدق بدرهم كل شهر فليُعَمر صاحب النفقة، ويُحاص له بكل شهر بدرهم مبلغ تعميره.
ويُحاص للفرس، وللعبد بقيمة وسطه، ويحاص له بالدرهم كل شهر بالثلث كاملا يُجمع الثلث. وإن قلت: بالمال. كان حسنا. فإن خرج نصف وصاياهم انتفق على الموصى له بدرهم كل شهر نصف درهم كل شهر.

(11/569)


وأما الصدقة بدرهم كل شهر، فيتصدق بدرهم كاملا كل شهر لأن تعجيل الصدقة أفضل. وإن لم يصر للعبد والفرس ما يُشترى به ذلك، أعين به فيها.
وذكر ابن القرطبي أن أشهب يرى أن يُحاص بما أوصي به مما لا أمد له من وقيد مسجد أو سقي ماء بالمال كله.
فيمن أوصى بأن يُعطى فلان دنانير (1) أو وصية
أو إقراره أو يؤخذ منه دَينٌ ادعاه قبله
من العتبية (2)، والمجموعة وروى أشهب وابن نافع عن مالك فيمن أوصى: أن أعطوا فلانا مائة درهم، وخذوا منه خمسة دنانيى لي عليه. فأنكر فلان الدين، قال: فإن كان في المائة درهم فضل (3) عن الخمسة دنانير أعطي الفضل. وإن كانت الخمسة أكثر أحْلِف في الفضل على المائة. فإن نكل غرم – يريد: الفضلة – قال: ويحلف في هذا، وإن لم تكن بينهما خلطة لا يُنظر في هذا إلى خلطة.
وقال سحنون: ومن أوصى لرجل بألف درهم، وقال: وخذوا منه عشرين دينارا دينا لي عليه. فأنكرها، فليُحَاسَب بها في الألف درهم، ويُعطى ما بقي.
ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال أشهب: وإن أوصى لرجل بمائة دينار، وبأن تُؤخذ منه مائة درهم. قال: فليُحبس من المائة دينار قدرُ مائة درهم، ويُعطى ما بقي. وإن قال: يؤخذ منه فرسٌ. فليؤخذ قيمة فرس وسط، ويُعطَي المائة. وإن أوصى أن يُعطة مائتي أردب قمح ويُؤخذ قيمة فرس وسط، ويُعطي المائة. وإن أوصى أن يُعطَى مائتي أردبِ قمح ويُؤخذ منه مائة أردب شعير فليُحبَسْ عنه من القمح قدرُ مائة أردب شعير ويعطي ما بقي.
__________
(1) في الأصل، دنانير بالتنوين.
(2) البيان والتحصيل، 13: 27.
(3) في الأصل، فضلا والصواب ما أثبتناه.

(11/570)


قال في كتاب ابن المواز: وكذلك إن قال: خُذوا منه فرسا. لأخذَ منه وسطا من الخيل.
ومن العتبية (1) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال عند موته: لفلان عندي عشرة دنانير، ولي عنده خمسة دنانير. قال: يأخذ فلان من ماله عشرة دنانير، ويُقيم ورثته البينة في الخمسة إذا أنكرها. ولو قال: أعطوه عشرة وصية، ولي عليه خمسة. لم يُعط إلا خمسة.
فيمن أوصى لرجل بدنانير فحال جواز الناس في الوزن
أو قال يُخرجُ عني درهمان كل يوم
من صرف كذا فزاد الصرف
من المجموعة قال ابن كنانة فيمن أوصى لرجل بدنانير فحال وزن الناس، فصار يجوز بينهم أنقصُ من ذلك أو أوزن فإنما كان يُعطى ما يجوز بين الناس يوم موت الموصي إن كان الموصي يعلم جواز الناس يومئذ. وإن لم يكن يعلم فإنما للموصي له الوزن الذي كان يعلم به الموصي.
وكذلك في المكيال يتغير، وقد أوصى له بكيل.
ومن العتبية (2) روى أصبغ عن ابن القاسم فيمن أوصى بصدقة فأمر أن يُخرج منها كل شهر درهمان من صرف اثني عشر بدينار، ثم صار الصرف عشرين بدينار، فليخرج / عنه سدسُ دينار كل شهر ما بلغ.
قال أصبغ: وذلك إن نقص عن اثني عشر، فالسدس يُخرَجُ عنه لقوله: درهمين من صرف اثني عشر. ولو لم يَقل: من صرف كذا. أخرجت عنه الدرهمين كل شهر، زاد الصرف أو نقص.
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 235.
(2) البيان والتحصيل، 13: 284.

(11/571)


في الوصية لأم الولد
وهل يٌقضَى لها بما لها من حلي وثياب؟
وكيف إن أوصى لها بالنفقة ما لم تُنكحْ؟
من المجموعة روى ابن وهب، وعليٍّ عن مالك فيمن أوصى لأم ولده بثلثه أن ذلك جائز.
قال عنه ابن وهب وابن نافع: وما كان لها من حُلي وثياب مما يُعرف أنه لم يُعطها ذلك في حياته تأليجا (1) فهو لها.
قال عنه علي: ما أعطاها في صحته، فنافذ لها. ثم بلغني عنه أنه قال: يُنظر إلى ناحيته، ويساره فإن كان ذلك يسيراً في قدر ماله يُعطَى مثله لمثلها فهو نافذ، وما كان على غير ذلك، ويُرى أنه تاليجٌ إليها لم يَجُزْ، ورجع ميراثا.
قال عنه ابن وهب: وإن أوصى لها بخمسين ديناراً يُنفَق عليها منها ما عاشت ما أقامت مع ولدها، ولم تُنكَحْ، فمات الوالد، قال: لها النفقة منها ما عاشت.
وقال ابن القاسم بهذا مرة، وقال أيضا: لا نفقة لها إن مات الولدُ.
وكذلك في باب آخر عن مالك: فلا نفقة لها.
قال ابن القاسم: وإن أوصى لها بوصية على أن لا تتزوج (2) فذلك نافذ. ثم إن تزوجت نُزغَ منها.
قال ابن القاسم عن مالك: وإذا أوصى إلى زوجته على أن لا تتزوج، فتزوجت، فلتُفسَخْ وصيتُها.
قال أشهب: وليس هذا مكروها (3)، ولا مَنْ بِيع الغرر.
__________
(1) التألج: سبق شرحه وأصله التوليج من ولج ماله توليجا إذا جعله في حياته لبعض ولده فشامع الناس بذلك فانقدعوا عن سؤاله.
(2) في الأصل، يتزوج بالياء التحتية.
(3) في الأصل، وليس هذا مكروه والصواب ما أثبتناه.

(11/572)


ومسألة مالك إذا أوصى لأم ولده على أن لا تُنكح / فصالحها الورثة، ثم تزوجت مكتوبة في الجزء الثاني.
فيمن أوصى بما في بطن أمته لرجل
أو للعتق فأعتقها الورثة أو باعوها
من المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: ومن أوصى بما في بطن أمته لرجل، فمات الموصي، والثلث يحمل الأم، فأعتقها الورثة، فعتقهم جائز فيها، وفي الجنين، وتبطل الوصية.
قال أشهب: وولاؤها للورثة. ولو أعتق أحدُهم نصيبه منها، قوم عليه باقيها، وولاؤها وولاؤ جنينها له. ولا شيء على معتقها للموصى له بالجنين، إذ لا قيمة له.
ولو أوصى به لرجل، أو أوصى بعتقه، والثلث لا يحمل الأم حاملا، فالورثة بالخيار، إن شاؤوا أوقوفها حتى تضع فتُنفذ الوصية في الجنين، وفي القطع للموصى له به بجميع ثلث الميت إلا أن يشاء أن يُقطع له ذلك في الخادم (1) نفسها فذلك له.
وأرى أن الذي يقطع هذا التخيير عن الورثة أن تُعتَقَ الأمة، فيُعتَقَ جنينُها، وتبطل الوصية.
فإن لم يفعلوا حتى قطعوا له بالثلث في جميع التركة، أو في الأمة، ثم أرادوا عِتقها، لم يسقط عنه بعتقهم شيء مما صار له في الثلث، ولا يسقط عنهم فيما يجوز لهم من عتقها إلا ما كان يصير له من الجنين.
فإن كان إنما قُطع له بالثلث من كل شيء، فليُقَوَّمْ عليها ثلثها، ويتبعها ولدها بلا قيمة فيه. ولو كان إنما أخذ الثلثَ فيها، ولم يستكملها، فكذلك في عتقهم.
__________
(1) الخادم واحد الخدم غلاما كان أو جارية.

(11/573)


ولو كانت الوصية بعتق الجنين، خُيروا بين إيقاف الأم، أو عتق ما حمل الثلثُ منها بما في بطنها إذا وضعت. وولاءُ ذلك للموصي. / وقال في الجزء الثالث: إن لم يخرج من الثلث، فليس على الورثة حبسُها، ولهم بيعُها، وتبطُلُ الوصية. ولو حبسوها حتى تضع، ولم تكن أبطلت الوصية عنهم عتق جنينها، إن كان يخرج من الثلث. فإن أعتق الأم بعض الورثة، ولم يُردِ الوصية، فهي كلها حرة عليه بالقيمة، وجنينها حر معها عنه لا عن الميت.
وإن دَبرها قبل أن تلد، وصارت له، فتدبيرها جائز، وتبطل وصية الميت، قال أشهب: قال مالك: ومن أعتق ما في بطن أمته، ثم مرض، فهلك، فإن الأمة تُباعُ بما في بطنها، إن قام غرماؤه، واحتاج ورثته. وإن تأخر بيعها، حتى تضع كان الولد حرا.
ولو أعتق الجنين أو وهبه، ثم باعها قبل أن تضع، فولدها يتبعها. ولو ولدت قبل بيعها، عُتِقَ الولدُ، وصار للموهوب له.
قال عبد الملك: إذا أوصي بجنينها لرجل، فولدت قبل أن تُبتاع أو تُقَسم، فهو للمُعطى إن حمله الثلثُ. وكذلك إن أعتقه.
ولا يُمنعُوا من بيع الأم من أجله في دَين ولا اقتسام أو حق ذي حق.
ولم أعلم أحدا من أصحابنا قاله.
وقال ربيعة، ومالك: إذا تصدق بجنينها، ثم أعتقها قبل الوضع، فهي حرة وجنينُها. ولا شيء للمتصدق عليه.

(11/574)


في الوصية والهبة والإقرار للقاتل
وقبل الضرب أو بعده
وفي الموصى له أو وارث الموصى له
أو سيده يقتل الموصي
وكيف إن كان الموصى له صبياً أو مجنوناً (1)؟
من كتاب ابن المواز قال مالك وأصحابه وهو في العتبية (2)، عن ابن القاسم، وأشهب في الموصى له يقتل الموصى له يقتل الموصي: إنه مثل الوارث إن قتله / عمدا، فلا وصية له. وإن قتله خطأ فله وصيتُه في ماله دون ديته، لأن الدية عنه وُدِيَت، وهو يودي فيها. وأما في العمد، فيُتهم على تعجيل الوصية، كما يُتهم الوارث.
وإذا أوصى لقاتله بعد أن جرحه وهو يعلم أنه هو الجاني عليه، أو لا يعلم، وكانت له حياة، ثم مات، فالوصية له نافذة عنه، ولكن إن كان عمدا، فإنها من ثلث ماله دون ديته، لأنها لم تجب إلا بعد موته، كما لم يعلم به. وأما في الخطأ فله ذلك في ثلث المال، والدية. ولو جرحه عمداً بعد الوصية، وعلم الميتُ أنه الجارح، وأقر له الوصية، فهي نافذة في ماله دون ديته، وإن لم يعلم أنه الجارح، بطلت في العمد، في المال والدية. وتكون له في الخطأ في المال دون الدية.
ومن كتاب ابن المواز، وذكره ابن عبدوس عن أشهب، ولو أوصى لرجلين، فقتله أحدُهما، فتبطل مُصَابَة القاتل، ومصابة الآخر جائزة، كمن أوصى لوارث وغير وارث.
قال في المجموعة: هذا في العمد. وأما في الخطأ فجائزة لهما – يريد: إلا من الدية فلا شيء للقاتل فيها –. قال: ولو أن عشيرة جرحوا رجلاً عمداً، وأحدهم عبده، ثم أوصى بعتقه، وأوصى لغيره من العشيرة بوصية، ثم مات، فالوصية جائزة، ويُبدأ بالعتق، ولا تهمة فيه، لأن الجرج قبل الوصية.
__________
(1) في الأصل، إن كان الموصي به صبي أو مجنون.
(2) البيان والتحصيل، 13: 266.

(11/575)


قال ابن المواز: سواء علم أو لم يعلم. ولو كان الجرح بعد الوصية لم يجز في العمد، في عتق، ولا غيره. ويجوز في الخطأ.
قال في المجموعة: ويُبدأ العتقُ. وإذا أوصى لرجل، ثم جرحه الموصى له، ثم قتله آخر غيرُه، فالوصية للجارح جائزة، إذا لم يُقْتَل. ولو كان إنما جرحه الثاني أيضا، ثم مات من / الجرحين، لم تَجُزِ الوصية للأول، لأنه قاتل مع غيره، كوارث قتل هو وأجنبي مورثه، فلا ميراث للوارث.
قال أشهب في الكتابين: ومن أوصى لمعتوه، فقتله المعتوه بعد الوصية، فالوصية له نافذة، إذ لا تهمة عليه. وكذلك الصبي كما لو قتل الصبي أو المعتوه موروثه. (1) والمعتوه أعذرهما. وقد يؤخذ الصبي بفعله.
قال: ولو أوصى لمكاتب رجل، فقتله سيد المكاتب، فإن كان المكاتب ضعيفا عن الأداء، وأداء الكتابة أفضل لسيده، بطلت الوصية للتهمة. وإن كان قويا على الأداء، وعجزه أفضل لسيده، لكثرة ثمنه، وقلة ما بقي عليه، فالوصية للمكاتب جائز في الثلث. ولو كان القتل خطأ, جازت من ماله على كل حال واستحسن هاهنا أن يكون من ثلث عقله.
وقال في كتاب ابن المواز: ولو أوصى لعبد رجل، أو مدبره، أو معتق له إلى أجل، أو معتق، أو معتق بعضه، فعمد سيده، فقتل الموصي، فذلك كله واء، وتبطل الوصية، إلا أن تكون الوصية بشيء تافه لا يتهم السيد في القتل على مثله فتنفذ. وإن كان له أن ينزعه منه يوما أن يبيعه، فذلك. فإذا كان تافها، فذلك نافذ في العمد والخطأ. وإن كان شيئا له بال بطلت الوصية في العمد وتجوز في الخطأ في ثلث المال. واستحسن أن يكون هاهنا في ثلث العقل.
ومن أوصَى لرجل بوصية، فقتله ابن الموصَى له، أو قتله أبوه أو أمه أو زوجته أو عبد أحد هؤلاء، أو أم ولد الموصى له، فالوصية جائزة، كان القتل عمدا أو خطأ.
__________
(1) (في الأصل، كما لو قيل الصبي أو المعتوه وارثه ولعل الصواب ما أثبتناه.

(11/576)


ولو وهب لرجل في مرضه هبة، فقتله / الموهوب، فالهبة له جائز، كان القتل عمدا أو خطأ.
ولو وهب لرجل في مرضه هبة، قبضها أو لم يقبضها، إذا كانت بتلا، عاش، أو مات ولم تكن وصية، لأن قتله أضر به، إذ لو عاش كانت من رأس ماله. وهي الآن من ثلثه.
ولو أمر له بدين في مرضه، فقتله، فالدين له ثابت. قال ابن المواز: وكذلك لو كثر الدين، لأنه ليس بقتله ثبت الدين. ولأن أم الولد لو قتلت سيدها عمدا، لعتقت إن عُفي عنها.
ولو أمر لوارثه بدين، أو وهب له هبة بتلا، فقتله الوارث، فلا شيء له من ذلك، بخلاف الأجنبي.

في المدبر أو أم الولد يقتلان (1) السيد
وفي المعتق يعفو عن قاتله وهو وارث، أو غير وارث
وفي الموصَى له يشهد أن فلانا قتل الموصِي
وفي السيد يقتل الأمة وقد زوجها
ومن كتاب ابن المواز – وأراه لأشهب –: وإذا قتل المدبر سيده خطأ، فتدبيره بحاله. وإن كان عمدا، بطل تدبيره. فإذا عتق في الخطأ لم يتبع من الدية بشيء، لأنه إنما لزمه ذلك، وهو عبد.
وقال ابن القاسم: يتبع بدية سيده في الخطأ.
وأم الولد إذا قتلت سيدها عمدا، فلتعتق، لأنه عتق لازم من رأس المال، وتقتل به، إلا أن يُعفى عنها. ولا تتبع بعقل في عمد، ولا خطأ. وقال ابن القاسم في أم الولد بخلاف المدبر عنده.
__________
(1) في الأصل، يقتلا بحذف النون والصواب ما أثبتناه.

(11/577)


وقال عبد الملك: تتبع مثل المدبر.
وإذا قامت بينة على وارث، أنه قتل موروثه عمدا، فأبراه بن المقتول، فإنه يتهم في إبرائه، لأنه ولده يرى أنه يوجب له ميراثا زال عنه بالقتل، وهو عفو جائز، ولا يقتل به. ولكن لا يرثه بذلك، / ولا يكون مصابه وصية له من ثلثه، لأنه يتهم. ولكن لو لم يبرئه وقال: نصيبه من الميراث هو له وصية. فذلك جائز له، لأنها وصية لغير وارث.
ومن كتاب ابن المواز، والمجموعة، قال أشهب: وإذا قامت بينة على وارث بالقتل عمداً فكذبهم بعض الورثة، وصدقهم البعض، فإن ما صار للمكذبين من ميراثهم – يريد من الورثة – فهو للقاتل. وكذلك الموصَى له بوصية، كما لولا يجب بالقتل.
ومن عفا عن جارحه, ثم مات من الجرح، فأما في العمد فجائزٌ، لأنه لم يَعْفُ عن مال، وإنما عفا عن قِصَاص. وإن كان خطأ، لم يَجُزْ إلا من ثلثه. قيل: فإن كان القاتل عبداً لغيره، أو حُرّا، وقد عفا عنه في العمد؟ قال: قد اختُلِفَ في العبد، فابن القاسم يرى الحُرَّ، وقد عفا عنه في العمد؟ قال: قد اختُلِفَ في العبد، فابن القاسم يرى الحُرَّ والعبدَ سواءً. وقال أشهب: لا يجوز

(11/578)


عفوُه عن العبد وإن كان عمداً إلا في ثلثه بمنزلة الخطأ، لأن قتل العمد مال، إلا أن يشاء أولياء الحر أن يقتلوا. فإن لم يشاؤُوا القتل، فيصير مالاً، ويُجعَل في الثلث / الأقل من قيمة العبد أو دية المقتول. فإن كان العبد يجاوز الثلث، سقط عنه مَحْمِلُ الثلث، وقيل للسيد: اِفْدِ ما بقي من عبدك بحصة ذلك من الدية أو أسْلِمْهُ.

في المريض يُقِرُّ لرجل بمال اختانَهُ له
أو دار غصبها له أو بحرية عبد في يديه
أو أقر بمال لمَنْ لا يُعرَف
أو أقر بقتل عمداً أو خطأ
أو أقرَّ لمن يُتهَمُ عليه
من العتبية (1) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أقر في وصيته أن فلانا كان أعطاه مائة دينار يتصدق بها فتسلفها، وفلان ليس له وارث يسأل، فإن كان يرث المقر ولد أخرجت من رأس ماله. وإن كان يورث كلالة فإقراره باطل. ولو كان فلان حيا (2)، فسئل، فصدقه، فذلك جائز. وإن لم يُصدقه، بطل إقراره. ولو مات فلان وله ورثة فيُسألوا (3) كانوا كلالة أو ولدا (4). فإن صدقوه، جاز. وإن كذبوه، بطل ذلك. قال مالك: في التافه الذي لا يُتهم عليه – قال ابن القاسم: مثل الخمسة دنانير، والعشرة –.
وإذا أقر في مرضه، في عبد أنه إنما كان غصبه نفسه، وهو حر من أصله، فإن كان يورث كلالة بطل قوله، وإن ورثه ولد عتق من رأس ماله.
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 92.
(2) في الأصل، ولو كان فلان حي.
(3) في الأصل، كتبت هذه الكلمة محرفة فصححناها علي ما أثبتناه.
(4) في الأصل، أو ولد بالرفع والصواب ما أثبتناه.

(11/579)


وكذلك روى عنه أبو زيد. زاد عيسى: وكذلك ما قال مالكٌ فيه: لو قال في أمَتِه: ولدت مني. ولا يُعرف ذلك، ولا ذكره هو قبل ذلك.
قال عنه أبو زيد: وإن قال: بيعوا ثوبي هذا، وتصدقوا بثمنه، فإني كنت غصبتُه. وفي ثوب آخر بصدقة ثمنه فإنه ليس لي. ولفلان علي كذا، ولفلان كذا، ولفلان كذا، وإنهم يسكنون ببلد كذا، لقوم لا يُعرفون، ولو طلبوا لأعجزوهم. فإن لم يكن على ما ذكر / بينة غير قوله, بُدِى بالثياب التي ذكر فيُتصدق بثمنها، ثم يتحاص أصحاب الدَّين الذين يُعرفون، والذين لا يُعرفون. ولو كان على كل ما ذكر بينة، تحاص الجميع أهل الثياب وغيرهم.
وذكرها في موضوع آخر فقال: إن كان ورثته ولدا (1) قُبِلَ قوله في ذلك كله، أوصى بصدقة ذلك عن أهله، ولا يعرفون، أو بإيقافه لهم، فذلك جائز. وإن كان يورَث كلالة، فأوصى أن يوقَفَ ذلك لهم، حتى يأتي له طالب، فذلك جائز من رأس المال. وإن أوصى بأن يُتصدق به عنهم، لم يُقبل قوله، ولم يُخرج من رأس المال، ولا من الثلث، وهذا ناحية قول مالك. وذِكرُ هذه المسألة من أولها في رواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب: التفليس. وقال: يُبدأ هذا على الدَّين – يريد: الأشياءَ المعينة التي جُهُلَ أربابُها – قال: إلا أن تقوم بينة بالدفع، فيُبَدأَ. ثم قال: هذا كله واحدٌ. ثم ذكر مثل ما تقدم من قوله، وذكرها في موضع آخر إلى آخر المسألة.
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال عند موته: هذه الدار لفلان وكلني على حفظها وغلتها، فجحدته إياها فسلموا إليه داره، وغلتها من سنة كذا. وأشهد بذلك ناسا، فإن كان يرثه ولده، أسلمَت إلى ربها – يريد: وغلتها – وإن كان يورث كلالة، وكان المقر له ممن يُتهم عليه بصداقة، أو قرابة لا يرث بها لم يُقبل قوله. وإن كان ممن لا يُتهم عليه من الأباعد قَبِلَ إقرارُه له، كان عليه دَين، أو لم يكن. ولو كان إقراره في قرية قد أكثر عمارَتها أنها لفلان كان استخلفني __________
(1) في الأصل، إن كان ورثته ولد والصواب ما أثبتناه.

(11/580)


عليها، وكذبَّه ولده، فإقراره جائزٌ، ويأخذ القرية مَن أقر له بها، ولا يُتهم أن يُقر عن ولده. /
ولو قال: كنتُ قتلتُ فلانا عمداً، أو خطأ فأعطوا ورثَتَه الدية، واعتِقوا عني رقبة. فأما في العمد فإنما فيه القِصاصُ، فما أمر به من المال فيه فإن أراد به وجهَ الكفارة أنفِذَ في ثلثه. وأما الخطأ، فهو إقرار مما تحمله العاقلة، فهو في الثلث، وكذلك العتقُ من الثلث. ولو كان عليه بينة تُحِقُ ذلك كان من الثلث أيضا. وقاله مالك.
قلتُ: ولم لا يكون في الخطأ على العاقلة، كما لو كان حيّا؟ قال: لأنه أوصى بها، فكأنه حملها عن العاقلة.
ومن سماع ابن القاسم: ومَن أوصى لرجل بدَين، فطلبه الرجل، فلم يوجد، ولم يُعرف قال: يُتصدق به عنه، ويُقال: اللهم هذا عن فلان.
وقال مضن كان يُخالِط رجلا، فصار لأحدهما على الآخر فضل، فغاب الذي له الفضل، فلم يُعرف أين ذهب، وجُهِلَ اسمُه قال: يتصدق بذلك عنه، ثم إن جاء غرمَه له.
قال ابن القاسم: ويُنظر في إقراره بالدين للوارث، والصديق الملاطف فيُعزَل، وتكون وصاياه في ثلث ما بقي، ويُرَدُ ما عُزِلَ للوارث، فيرجع ميراثا، ويدخل في ثلثه المُدبر. وأما الصديق فإن كان ورثتُه ولدا، وأبوين، أو عصبة قريبة كالإخوة، وليس بينه، وبينهم سبب فإقراره نافذ. وإن كان يرثه أباعِدُ العصبة، أو مَوَال (1) فإن ذلك يرجع ميراثا، ويدخل في ثلثه المُدبر دون الوصايا.
ومن هذا المعنى بابٌ في آخر الجزء الأول من الوصيا.
__________
(1) في الأصل، أو موالي بإثبات الياء والصواب ما أثبتناه.

(11/581)


في إقرار المريض لزوجته بدَين أو مهر
أو بأرضٍ في يده في مرضه أو عند سفره
أو أقرّت له في مرضها بدَين أو / ببراءَة من صداقها
وفيه شيءٌ من الإقرار للوارث والوالد والصديق
من كتاب ابن المواز قال مالكٌ في مريض أقر لزوجته بمهر - قال في موضع أخر: بدين -: فإذا لم يكن له ولد منها، ولا من غيرها لم يَجُرْ إقراره.
قال ابن القاسم: وكذلك إن كان عليه دِين، ولا ولد له، فأقر لبعض ورثته بدَين، أو لصديق ملاطف، فيُتَّهَم.
فأما إن كان له ولدٌ، وترك وفاء فلا يُتهم أن يُقر لصديقه، إلا أن تُعلم منه الإساءة لولده.
قال ابن وهب عن مالك: إذا أقر لزوجته بدَين. فإن كان يرثه كلالة، أو بنتٌ، لم يَجز إلا أن يذكره في صحته. وإن أقامت شاهدا حلفت وقُضي لها.
وإن أقر مع ذلك بدين للناس، وكان ورثتُه بناتِه، لم يَجُز إقراره لزوجته.
قال مالك في مريض أقر لزوجته بعروض كثيرة عنده فإن اتُهِمَ لم يَجُز إقراره، وإن لم يُتهم جاز.
وإن أقرت هي في مرضها أنها قبضت منه مهرها فإن كان مات قبلها فذلك جائز. وإن كان حيا لم يَجز إلا أن يكون لها ولدٌ من غيره، وكان بيها، وبين زوجها أمر شيء فلا تُتهم هذه.
قال في سماع ابن القاسم في العتبية (1): أما التي ولدُها كبار، ولعل بينها، وبين زوجها غير الحُسن، فيُصدق، ولا يُتهم. وأما التي لا ولدَ لها ومثلُها يُتهم فلا يجوز.
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 410.

(11/582)


كما يُتهم في الإقرار الولدُ، والأخُ، والأبُ، والرجل المنقطع إليه.
قال سحنون: ويُتهم في إقراره للملاطِفِ إن كان ورثتُه عصبة. وإن أقر لزوجته ببقية من مهرها فإن كان له ولد منها، أو من غيرها، فذلك جائزٌ.
ومن العتبية (1) روى أشهب / عن مالك، فيمن أقر في مرضه لزجته بثلاثين ديناراً، ثم صَحَّ، فقال: كان ذلك تاليجا إليها. قال: ذلك يلزمه. وقاله سحنون.
قال سحنون: ولو قالت في مرضها: قبضتُ من زوجي. ثم مرض هو، فقال: ما قبَضتْ مني شيئا. ثم مات الزوج، أو لم يمتْ، وزعم أن قولها كان محاباة لها، وطلبت هي حقها. قال: يلزمها – إذا صحت – إقرارها. فإن مات الزوج فلورثته أن يلزموها إقرارها. ولو تمادى مرضُها حتى مات الزوج فالإقرار أيضا يلزمها.
وروى سحنون عن ابن القاسم في مريض أقر بدَين لمن يُتهم عليه من وارث أو غيره، ثم صح صحه بينة، ثم مرض، فمات إن ذلك الدين مأخوذ من رأس المال.
قال ابن حبيب، قال أصبغ في مريض أقر لزوجته بدين، وقد عُرف له بها صبابة ومَيل، وتغلبه على أمره، فلا يجوز إقراره كان له منها ولدٌ، أو لم يكن أو إن له ولد من غيرها، أو لم يكن كان صبّا بولده منها، أو من غيرها إذا كانت هي كما وصفنا. قال ابن القاسم عن مالك: إذا كان له منها ولد صغيرٌ، وله ولد من غيرها، وقد عُرف بانقطاعه إليها، وجفوتِه لولده من غيرها فإقراره لها جائز.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا أقر مريضٌ لزوجته بمهرها، ولا ولدَ له منها، وله ولد من غيرها فإنه يُتهم، ولا يجوز. قال ابن المواز: قوله: وله ولد من غيرها. ليس بشيء، والمعروف من قوله ما تقدم، أنه لا يُتهم في الولد وإن كان من غيرها إلا أن يُعرف منه إليها الإقصاء والبغضة، وله إلى زوجته مودة وانقطاع.
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 306.

(11/583)


ومن العتبية (1) روى عبد الملك بن الحسن عن ابن القاسم فيمن كتب وصيته / عند سفره إلى حج أو غرسة، وأقر فيها لزوجته، أو وارث له بدَين، وبتل حينئذ صدقة على ابنٍ صغيرٍ قال: ذلك جائز نافذ لأنه صحيح، ولا تهمة في السفر.
ومن العتبية (2) من سماع أشهب: وإذا أقر المريض في أرض بيده أنها لزوجته، وإنما يرثه ولد منها قال: ذلك أحرى ألا يُتهم، ولكن لا أرى لها سببا إلا أن تأتي بينة على قوله ذلك في صحته، أو على علم بمِلكِها قبل، وقد أوصى لأقارب له، ولم يُشهد على وصيته إلا أقاربهم فإن هذا ضعيف.

في إقرار المريض لوارثه بدَين أو لبعض بنيه
أو لقريب له غير وارث
وفيه شيءٌ من الإقرار للزوجة
من كتاب ابن المواز وقال في إقرار المريض لوارثه بالدَّين، فأما للولد أو للإخوة يرثونه (3)، فلا يُقبل إلا أن يكون لذلك وجه أو سبب يدل وإن لم يكن قاطعا. وأما للزوجة والذينُ من العصبة والصديق الملاطف، فإن كان في ورثته ولد جاز ولم يُتهم. وإن كان باقي ورثته مثل من أقر له أو أبعدَ فلا يجوز ذلك.
قال أشهب: إذا ورثه بناتٌ فإقراره لوارث من عصبته جائز، وكذلك لصديقه الملاطف، ولا أتهمه مع البنات أو الأبوين إلا أن يُعرف منه الإقصاء لولده والبغضة فلا يجوز إقراره للصديق الملاطف، وشبهه. وإن لم يُعرف بيه وبين ولده، أو أبوية شنآن فإقراره للصديق جائز.
قال ابن المواز: والأبوان (4) عندنا كالولد في رفع التهمة بهما.
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 252.
(2) البيان والتحصيل، 13: 51.
(3) (في الأصل، يوثره بحذف نون الرفع.
(4) في الأصل، والأبوين.

(11/584)


وقد قال ابن القاسم: إذا أقر في مرضه لصديق ملاطف فإنه كان يرثه ولده، أو ولدُ ولدٍ، فلذلك جائز إلا أن يكون عليه / دينٌ محيط، أو يكون ورثته عصبته فلا يجوز. وقال مالك في إقراره عند موته بدين لقريب له يُتهَمُ عليه، ولا يرثه، فلا يجوز. وإن لم يُتهم فذلك جائز.
قال ابن القاسم فيمن له إلى بعض ولده ميل، وانقطاع، وإلى بعضهم البغضة: فإقراره بالدين لبعضهم باطل، وكذلك الإخوة.
وإنما قال مالك هذا في إقراره للزوجة، وله ولد من غيرها ولا يُعرف له منها مودة، وقد أقصى ولده. ولعله له منها ولد صغير فلا يجوز.
قال محمد: وعلى هذا أصحابُنا.
وقد كان من قول ابن القاسم: إذا كان بنوه كلهم عنده في حال سواء لم يَجُز إقراره بدين لبعضهم في مرضه. وإن كان بعضهم بارا (1) به، وبعضهم عاقا له جاز إقراره بالدين للعاق، ولا يجوز للبار.
قال أصبغ: هذا حسن، ويصير العاق كأجنبي، وكالزوجة إن كان بها صبا، وكان يورَث كلالة اتُّهم، وإن لم يكن بها صبا، وله ولد منها، أو من غيرها لم يُتهم.
وذلك في العتبية من أول المسألة عن ابن القاسم، وأصبغ.
قلت لمحمد بن المواز: فقولكم إن كانوا ولدا كلهم، أو إخوة لم يَجز إقراره في المرض لبعضهم، إلا أن يكون لذلك وجه، أو سبب. فما ذلك؟ قال: أن يكون معاديا لم أقر له، ووادا لمن لم يُقر له. أو يكون بعضهم يتقاضاه في صحته، أو يكون وكيلا له في شيء فيقر له بشيء من ذلك السبب ففي مثل هذا رأى مالك أن يحلف الوارث، ويُقضى له بذلك.
__________
(1) في الأصل، وإن كان بعضهم بار به.

(11/585)


قال ابن القاسم عن مالك: إذ أقر لأخت بمائتين. وعشرين دينارا وله إخوة، ولها / بيه أنها كانت تتقاضاه منه في صحته، ولا بينة لها بأصل الحق، قال: تحلف وتأخذ.
قال: وإن أقر في مرضه أنه قبض صداق ابنته، فليؤخذ من ماله. فإن لم يدع مالا لم (يكن) للزوج البناءُ حتى يدفع الصداق ثم يرجع هو به على الأب.
وروى أشهب عن مالك: وإن أوصى أن لزوجته عليه من صداقها خمسين ديناراً، وخادماً. قال: لا شيء لها إلا أن يكون لها تفريع من بينة، أو كتاب. قال: ولو وُجد في كتبه براءة من ثلاثة دنانير من الخمسين ديناراً فليس بشيء، ولا يغرم ما بقي. قال: والوصية جائزة لمن يُتَم عليه من قريب القرابة، أو صديق مُلاطِف بخلاف الإقرار – يريد: في المرض –.
ومَن أقر لابنته بشيء في صحته، فلم تأخُذ حتى مات، فهو لها إلا أن يُقر لها استبشارا.
قال ابن حبيب: قال أصبغ في المريض يُقر بدين لقريب القرابة وهو يُرَث كلالة فإقراره جائز ما لم يكن له منه اللطف والخصوصية، كالصديق الملاطف – يريد: فلا يجوز – ولا يُنظر إلى صلاح المقر، ولا إلى طلاحه.
ومن كتاب ابن المواز قال أشهبُ عن مالك فيمن طلبه ابن عمه (1) مسكنا، قال: هو لامرأتي. وطلبه له ابن عمه الآخر فقال كذلك فقامت عليه بشهادتهما فقال: إنما قلتُه تنحيا منها. فذلك له، ولا يلزمه، وليس هذا على العطية.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون فيمن كان له بعير يكريه، وكانت زوجته إذا غايظته تقول: هَلُم بعيري. فتحسبه عنه، ولا يُقر لها به، ثم ترده عليه، وإذا رضيت فعلت ذلك مرارا، ثم / مرض الزوج فأقر أنه لها، فنازعها الورثة. قال:
__________
(1) في الأصل، بزعمه وهو خطأ واضح.

(11/586)


لا يُنتفعُ بإقراره لها في مرضه. وذلك المنع الذي كانت تمنعه منه إذا أخذته منه لا ينفعها.
ومن العتبية (1) روى عيسى عن ابن القاسم قال: وإذا أقر لوارث بدَينـ، وأوصى بوصايا فالوصايا في ثلث ما يبقى بعد الدين. وذلك ميراث (2) أو أجازه بقية الورثة للوارث. وإذا كان له مُدبر، وبتل عبدا في مرضه، وأقر في شيء من تركته أنه لابنه، فليُعزل ما أٌر له به، وتكون وصاياه في ثلث ما بقي يعاد ذلك، فيورث إلا أن يُجيزه باقي الورثة وهم (3) ... الأمور أو يجيزوه قبل موته، وهم نائبون عنه ليسوا بزوجات، ولا من تحت يديه وولايته.
وإذا أوصى لوارث فليُبدأ العتق، ثم يُحاصَصُ الوارث بالوصايا، فما صار له، رجع ميراثا إن لم يُجزه الورثة – يريد: ويدخل المدبر في ثلث هذا كله الذي يبطل فيه الإقرار – قال عنه أصبغُ: وإذا أقر عند موته أن هذا لابنه مما ورثه عن أمه. ولا بينة فيه فإن كان يُعرف لها مال وعرضٌ، وكان أمرا بينا (4) قُبِلَ قوله. وإلا لم يَجُز.
وكذلك ماله في كتاب ابن المواز. وقال: وكان أمرا (5) غير مستنكر.
قال أصبغ في العتبية (6): ومن ترك أمه، وعمه فقامت الأم بدين أقر لها به في صحته، فطلب العم يمينها أنه ليس بتوليج فلا يمين عليها.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في التي أوصت في المرض أن ابنها وجد دينارا، فأعطاه إياها، فأدخلته في خلخالين لها، فقالت: أكفوه لي في ثمنها. فكفيت في
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 147.
(2) في الأصل، وذلك ميراثا بالنصب والصواب ما أثبتناه.
(3) كلمة غير واضحة تركنا مكانها بياضا.
(4) في الأصل، وكان أمر بين.
(5) في الأصل، وكان أمر غير مستنكر.
(6) (البيان والتحصيل، 13: 306.

(11/587)


غيرهما / قال: يُقسم الخلخالان (1) على الفرائض. ولو قالت: ردوا إلى ابني الدينار. لم يُقبل منها إلا ببينة.
وعن مسلمة تركت أخا وأختا مسلمين، وأوصت لأمها النصرانية بالثلث، وأقرت لأختها بعشرين ديناراً لم تدع غيرها قال: هي ميراث بين الأخ والأخت، ولا شيء للأم إلا أن يبقى بعد العشرين شيء فلها ثلثه – يريد: مما عملت به –.
وفي كتاب الإقرار باب من هذا فيه كثير مما ها هنا.

في إقرار المريض لوارثه، ولأجنبي بدين
أو أقر صحيح بذلك لأجنبي ولم يُتهم فيه
من كتاب ابن المواز: وإذا أقر المريض بدين لوارثه أو لصديق ملاطف، وأقر بدين لأجنبي، فقد اختلف فيه فقال ابن القاسم: إن أٌر لهما معا، إقرارا (2) متصلا، أو أقر للوارث، أو للصديق. قيل: فليتحاصا في ضيق ماله، فما صار للوارث شركة فيه الورثة بالميرات. وإن لم يرثه غيره، فذلك له. وإن أقر أولا لأجنبي، ولم يذكر الوارث، ولا الصديق، حتى ثبت إصراره، وأشهد عليه، ثم أقر لوارث لم يجز إقراره، وكان الأجنبي أولى.
وقال أشهب: إقراره للأجنبي مع الوارث لا يُقبل، ولا شيء للأجنبي، ولا للوارث إن شركة وارث لأنه إذا صار للوارث شيء، فشركه فيه باقي الورثة، رجع ذلك الوارث على الأجنبي فيقول: بالإقرار أخذتُ أنا، وأنت، ويبدك أثر مما بيدي. فيدخل معه. ثم ما أخذ منه، دخل فيه الوارث، فلا يزال كذلك حتى لا يبقى بيد الأجنبي شيء.
__________
(1) في الأصل، يقسم الخلخالين بالياء والصواب ما أثبتناه.
(2) في الأصل، أقر لهما معا أو إقرارا بزيادة أو وذلك سهو من الناسخ.

(11/588)


وكذلك اختلفا فيمن أعتق وعليه دَين غير محيط، ثم استحدث دَينا، / فأحاط الدينان بماله، فليُرد العتق كله عند أشهب لأنه لا يباعُ منه للدين الأول شيء إلا دخل فيه صاحب الدين الثاني.
وبقوله في المسألتين أقول.
وهذه في العتق، واتفقا في الوصية لوارث وأجنبي أنه يُحاصه في ضيق الثلث فما صار له، دخل فيه الورثة، وإن لم يرثه غيره لم يُحاص بشيء.
وإذا أقر بدين لأجنبي ولوارث، فأصاب الأجنبي بينة على دينه فهو أحق ولا شيء للوارث إن لم تكن له بينة.
وإذا لم تكن لهما بينة تحاصا كان ذو القرابة وارثا أو غير وارث فما صار لذي القرابة فإن كان غير وارث أخذه. وإن كان وارثا شركة فيه باقي الورثة إلا مَن لا يُتهم في إقراره له على ما ذكرنا قبل هذا.
وإذا أقر في مرضه لأجنبي بدين، ولوارثه بدين، وأقام أجنبي آخر بينة، فلا شيء للوارث حتى يأخذ الأجنبيان. والأجنبيان إن كان أحدهما ببينة فلا يُبدأ على الآخر. وإذا كان أجنبيا ووارثا (1) تحاصا. وإن كان للوارث بينة تحاصا. وإن كان للأجنبي وحده بينة بُدئ على الوارث. وإن كان أجنبيين (2) لأحدهما بينة، والآخر أقر له مع الوارث فالأجنبيان مُبديان به إن طلب الوارث أن يدخل فيتحاصا والذي لا بينة له منعه الذي له البينة لأنه إن كان حق صاحب البينة يحيط بالتركة. قال له: لا حق لك بإقرار فيه تهمة، ولي بينة. وإن كان لا يحيط بها، إلا أن مع حق الأجنبي / يحيط بهما فقال صاحب البينة: إنها إن دخلت على الأجنبي الذي
__________
(1) في الأصل، وإذا كانا أجنبي ووارث.
(2) في الأصل، وإذا كانا أجنبيان.

(11/589)


لا بينة له نقصه حقه، فرجع علي، فليس لها أن تدخل عليه لهذا. ولو فعلت أنت ذلك، فرجع علي فيشاء، وإني لو رجعت أنا عليك ما شئت منك ما انتقص علي، إذ لا تأخذ أنت شيئا (1)، وأنا الذي لي البينة، لم أستوِ في الأولى بفضل شيء عن الآخر فيها، فيكون للوارث.
وقد قال فيها غيري ممن رأى أن الأجنبيين إذا قَسما مال الميت بالسواء، فدخل الوارث على الذي لا بينة معه فقاسمه: إنه يقوم صاحب البينة على الوارث، فقاسمه الذي لا بينة له فيما صار له حاصّهُ فيه الوارث بجميع ما أقر به الميت. والأجنبي المُقر له بنصف ما أقر له به الميت، فما صار منه أيضاً للوارث، أخذه منه الذي له البينة، هكذا حتى لا يبقى بيد الوارث شيء. قال أصبغ، عن ابن القاسم في مريض أقر أن لفلان عنده ثلاثين ديناراً وثلاثين ديناراً من بقية حساب بينة، قال: يُقضى له بستين.
وقال أصبغ: ومن العتبية (2)، وكتاب ابن المواز فيمن أقر في مرضه لعمته، ولأجنبي بدين فإن كان عند الأجنبي بينة على أصل دَينه فهو أحق. ولو أقر لغير ذي رحم ممن لا يُتهم عليه لدخل مع الأجنبي.
قال في كتاب ابن المواز: ولو كان لقرابته الذين لا يرثونه بينة دخل معهم الأجنبي. وإن لم تكن له بينة حاصصهم ويحتفظ الوارث. وإن كان للوارث بينة، دخل معه الأجنبي، والقريب الذي لا يرثه. ولو أقر للأجنبيين فقط ولبعضهم بينة لتحاصوا كلهم. ولا يُتهم فيه. وإنما / يفترق هذا في التفليس، لا في الموت. وإذا أقر صحيح قبل أن يُفلِس أو يمرضَ لأجنبي، ولمن يُتهم عليه من قرابة، وغيرهم تحاصوا. وكذلك لو كان لأجنبي بينة، ولا بينة لذي القرابة، وكذلك لو أقر بهذا كله مريضٌ، ثم صح لتحاصوا .. لا خلاف في هذا.
__________
(1) في الأصل، إذ لا تأخذ أنت شئ بالرفع والصواب ما أثبتناه.
(2) البيان والتحصيل، 12: 459 ـ 460.

(11/590)


ومن أحاط به الدَّين، فأٌر في مرضه لأجنبي، فليتحاصوا. وإنما يفترق هذا في التفليس.
قال مالك: وإذا قال هذا لفلان، وهذا الشيء لفلان. فإن كان مليا صدق، ولا تحاضوا. وإن كان المُقر له مليا فليحلف.
قال ابن القاسم: هذا وهم. وقد قال قبل ذلك: إقراره عند الموت جائز بلا يمين. وبه أقول.
قال مالك: وإذا أقر عبد مأذون عند الموت أن لفلان عنده ثلاثين ديناراً بضاعة فإن لم يُتهم جاز، وإن أتُهم في قرابة، أو صداقة، فلا يجوز. وكذلك الحر يُقر لمن يُتهم عليه من ابن أو امرأة منقطعة مطلقة له منها ولد. وقال مالك: في إقرار العبد يلزمُ السيد فيما بيد العبد.
قال عنه ابن وهب: ومن أقر عند الموت، لمن بينه وبينه مخالطة فليس للوصي أن يُحلف المقر له، وله ذلك بلا يمين. قال ابن المواز: وكذلك لو لم يكن بيه وبينه مخالطة لأخذ ذلك بلا يمين.
قال عنه أشهب: إذا أوصى أن له عند فلان كذا. ولا خلطة بينهما، فيُحلف فلان. فإن نكل، غُرِّم. محمد: خلاف من يدعي على من لا خِلطةَ له معه.
قال مالك في المِديان يقول عند الموت: هذا مال فلان القراض، إن ذلك نافذ، فإن لم يُعرف ذلك بعينه، فله الحِصاص.
وقال في مصري مرض بمصر فقال: هذا السيف في السبيل فأنفِذوه. فليُنفذ كما / قال.
أشهب/ وإذا قال لفلان قِبَلِي وديعةُ مائة دينار في خريطة صفتها كذا؟ فوُجدت تلك الصفة، ليس معها ما يشبهها، فليأخذها. وإن وُجدت تلك الصفة وفيها أقل من العدد، فليس له غيرها. وما نقص كشيء ذهب. ولو لم يُسم

(11/591)


خريطة، ولا صفة، وقال: لفلان عندي مائة دينار بضاعة. فوجدت مائة دينار في خريطة لم يكن أحق بها، وكان أسوة. ولو قال: في خريطة كذا، في منطقة. فوجدت كذلك كان أحق بها. ولو وُجِدَت خريطة عليها بخط الميت: هذه لفلان. وقام شاهدان بخطه فهي للمسمى. وإن لم يُقر الميت بشيء. وقاله أشهب، وقاله ابن القاسم.
وقال: وكذلك لو وُجِدَ في دفتره بخطه: لفلان عندي كذا. وشُهِدَ على خطه لقُضيَ بذلك. وقال أصبغ.
وقال: هو كالإقرار. وقال مالك يأخذه بلا يمين كالإقرار.
قال مالك: وإن كان شاهد على خط المطلوب حلف الطالب. وإن كان شاهدا بالخط، وشاهدا بالإقرار تمت الشهادة، وقضيَ له بلا يمين إذا حلف أنه ما سقط ذلك عنه. وإن شهد شاهدان على معرفة خط الشاهر، حلف معهما الطالب. وأما شاهد واحد على الخط فليس بشيء كشهادة على شهادة.
قال محمد: أما شاهدان (1) على خط الشاهد فليس بمعمول به. بل لو شهدا أنهما سمعاه يقول ذلك لم يُقبَل نقلُهما حتى يُشهدهما. وإلا فهي شهادة السماع لا تجوز إلا فيما تجوز فيه.
ومن التقط لقطة فعرف بها، ثم أنفقها، ثم أقر بها عند الموت فلصاحبها المحاصة / بها.
وفي كتاب الإقرار من هذا باب فيه كثير مما ها هنا.
__________
(1) في الأصل، أما شاهدين.

(11/592)


في إقرار الولد على أبيه بدين بعد موته أو بوصية
أو شهد عليه الوارث بعتق أو دين أو وصية
أو يجيز وصيته بأكثر من ثلثه
من كتاب ابن المواز: ومن أوصى بماله كله لغير وارث، وليس له إلا وارث واحد ولد أو غيره مديان فأجاز وصيته، وأبى ذلك غرماؤه فذلك لغرمائه. ولا يجوز منه إلا الثلث. ولو عملوا بإجازته فلم يُنكروا، فلا رد لهم بعد ذلك. قال ابن القاسم، وأشهب، ومحمد.
وإن كان منهم مَن يجهل أن له رد ذلك، فله الرد إذا حلف مع معرفة الناس به أن مثله يجهل ذلك.
قال أشهب: ولو أقر الوارث المديان أن أباه أوصى لرجل بثلثه، أو بعتق ولا بينة فيه فلم يَجُز إقراره، ولا شهادته، ولا إقراره بعتق في صحة إذا لم يُصدقه غرماؤه.
وأما إقراره على أبيه بالدين، فيلزمه بخلاف إقراره عليه بصدقة، أو عِتق كما لو فعل ذلك هو في ماله.
وقال ابن القاسم: ذلك كله جائز إقراره على أبيه بدين أو بوصية، وعتق وإن أحاط به الدين إذا أقر قبل قيام غرمائه عليه كإقراره على نفسه، أو على أبيه بدين.
محمد: وهذا أصوبُ لأن أشهب يقول: لو أجاز وصية أبيه بأكثر من ثلثه، فلا يقبضه الموصى له حتى يموت الابن. إن ذلك جائز من ثلث الأب، ولم يجعله كصدقته من مال نفسه.
قال: وإذا أقر أن شيئا وديعة عن أبيه فذلك لازم كإقراره بدين /.
قال أشهب/ وإقرار بدين على أبيه جائز، إذا لم يَقم على الابن غرماؤه، أو يُقر لمن يتهم عليه ممن هو حاضر يقبض ما أقر له به. فإن كان هذا لم يَجز إقراره،

(11/593)


ويصير غرماء نفسه أولى، ثم يتبعه غرماء أبيه بما أخذ غرماء نفسه مما كان يصير لهم بإقراره.
قال أشهب: ولو أقر – ولا دَين عليه – أن أباه أوصى بأكثر من ثلثه، وأنه أجازك ذلك، وأشهد بذلك، ثم مات الابن بعد أن يداين، ولم يكن قبض الموصى له وصيته فليُبدأ بوصية أبيه، وإذا عُرف مال أبيه لأنه حق قديم للموصى له في وقت يجوز فيه قول الابن. فإن لم يوجد للأب شيء من ماله, وعلى الابن دَين، فإن الموصى لهم يُحاصون غرماء الابن، في مال الابن. وإن وُجد من مال الأب شيء أخذه الموصى له خاصة فيما عجز عليه، حاص به غرماء الابن لأن الوصية صارت على الابن حين استهلك التركة، قبل إنفاذها.
قال محمد: أما فيما بلغ ثلث الأب، فهو كذلك. وأما فيما جاوزه فإن كان مال الأب بيد الابن حتى مات بطل ما زاد على الثلث مما أجاز. وإن كان ذلك بيد غير، نُفذ ذلك للموصى له. وشهادة الوارثين على أنفسهما جائزة، فإن لم يكونا عدلين، لزمهم من الوصية بقدر ما صار إليهما من الميراث.
ومن ترك ولدين، وألفي درهم فأقر أحدهما لرجل أن له على الأب ألف درهم، فإن كان عدلا حلف، وأخذها من جميع التركة. وإن نكل، أو لم يكن عدلا، فليأخذ من المقر خمسمائة. ويحلف المنكر، فإن نكل غُرم خمسمائة. وقاله مالك، وابن القاسم.
وقال أشهب: له أن يأخذ الألف كلها / من نصيب المقر قال: لأنه لا ميراث لوارث (1) يزعم أن على الميت دينا (2). قال: وهو بخلاف إقراره بالوصية لأن الموصي له شريك في المال. وأما الدين فلا ميراث إلا بعد نصابه.
قال محمد: وقول مالك وابن القاسم أولى، وقد قال: لو شهد بالألف الدين عدلان، بعد أن اقتسما، فأعدم أحدُهما: فليأخذ الألف كلها من الآخر،
__________
(1) في الأصل، لأنه لا ميراث (إلا بعد) لوارث بإقحام إلا بعد سهواً من الناسخ والصواب ما أثبتناه.
(2) في الأصل، يزعم علي الميت دين والصواب ما أثبتناه.

(11/594)


ويرجع على أخيه، فيتبعه بنصفها. وخالف بين البينة والإقرار لأن البينة أثبت الألف على الميت، ولا يوجَبُ له فيؤخذ من ماله حيث وُجد، ويصير للأخ العمدة على أخيه. وأما بإقرار الميت، فلم يثبت الدين على الميت، ولا يوجب له بالغرم عمدة على أخيه، فصار إقرار الوارث على نفسه أن عنده زيادة على حقه، ولم يجب عليه أن يغرم عن أخيه ما لا يرجع به عليه. قال: ولو أقر هذا الرجل بألف على أبيهما، وكل واحد يُنكر قول أخيه فإن كان عدلين قُضي لك لطالب بشهادة شاهده، مع يمينه. فإن حلف واحد أخذ الألف من الأخوين، ثم يرجع الناكل على من أقر له بخمسمائة، وأحلِف الأخ الآخر أنه ما يعلم ما شهد به أخوه، ويرا. فإن نكل غرم له خمسمائة. وإن لم يكونا عدلين، كان ما قلنا من اختلاف ابن القاسم وأشهب. وكذلك في نكول من نكل مع العدل.
قال: ولو أقر كل واحد بوصية لرجل بالثلث أقر كل واحد لغير الذي أقر له الآخر فلم يختلفا في هذا إن كانا عدلين. وإن كان أحدهما أعدل / فليحلف كل طالب، ويأخذ ذلك من الولدين. وإن نكل واحد فالثلث لمن حلف، ولا شيء للذي أبى اليمين، على الذي شهد له لأنه لم يبق بيده من الثلث شيء بخلاف الدين لأن الدين من رأس المال، والوصية من الثلث، ولم يبق من الثلث شيء بيده. وإن نكلا، أو كان الولدان غير عدلين ودّى كل واحد إلى الذي أقر له ثلث ما في يديه. ولو رجعا بعد الحكم، وأقرا بأن الذي شهد به صاحبه حق بعد أن أخذ كل واحد ما أقر له به صاحبه فإن كل واحد منهما ضامن للذي أنكر وصيته ثلث ما في يديه، لأنه أقر أنه استهلك ذلك عليه.
قال: وإذا اقتسم الوارثان، ثم غاب أحدهما، أو أعدم، ثم قامت بينة بوصيته الثلث لرجل، أو أقر له الحاضر فإنما يأخذ ثلث ما بيده، ويتبع الآخر بمثله. ولو ترك مائة حاضرة، ومائة على أحد الوالدين – يريد محمد: وهو عديم أو غائب – وأثبت رجل الوصية له بالثلث: فإن المائة الحاضرة بين الموصى له والولد الآخر

(11/595)


نصفين لأن لكل واحد منهما ثلثها، وثلثُها للذي عليه الدّين فيؤخذ منه، فيكون بين هذين لأن حقهما في مال الميت سواء.
ولو أقر الولدُ الحاضر للموصى له، فكان عدلا، وحلف معه كان كما ذكرنا. وإن نكل أو لم يكن الولد عدلا لم يكن له مع المقر في المائة إلا ثلثُها، ولو قامت بينة أنه أوصى له بأقل من الثلث بمائة لا بالثلث، والمال كما ذكرنا فالجواب واحد لأنه يرجع إلى الثلث.
ولو أوصى له بأقل من الثلث مثل أن يوصى بمائة، وترك مائة حاضرة، وأربعمائة على إحدى الروايتين فليُحضر الورثة بين أن يُعطوه المائة / الحاضرة، أو يقطعوا له بثلث الحاضر، وثلث الدين، فيكون حينئذ كموصى له بالثلث، فتُقتسم المائة الحاضرة بينهما نصفين لأن حظهما في المال سواء لأن سهام الفريضة سهمان، فرُد عليهما نصفها لصاحب الثلث، فصارت ثلاثة، فأسقط سهم المديان، فيبقى لهذين سهمان لكل واحد منهم.
ولو ترك ثلاثة بنين وثلاثمائة فيها مائة على أحد الورثة، ومائتان (1) حاضرتان، وقد أوصى بالثلث، فالفريضة من ثلاثة، زد عليها مثل نصفها للثل تكون أربعة ونصفا أضعفها تكون تسعة الثلث ثلاثة ولكل ولد سهمان، فأسقط سهم الولد الذي عليه الدين تبقى سبعة، فللموصى ثلاثة أسباع المائتين الحاضرة، وللولدين لكل واحد سُبعا المائتين.
ولو ترك ولدا واحدا، فأقر أن هذه وديعة لفلان عند أبي، ثم قال: ولفلان معه. فإن كان قولا متصلا فهي بينهما، وإن لم يكن متصلا فإن كان عدلا، حلف الآخر، وكانت بينهما، فإن لم يحلف أو كان غير عدل فهي للأول مع يمينه. ولم يضمن المُقر للآخر شيئا لأنه لم يدفع إلى الأول شيئا بعد، ولكن لو دفعها، ثم أقر بعد ذلك أنها لفلان معه، فإنه يضمن للآخر ما أقر أنه له فيها، كان عدلا، أو غير عدل.
__________
(1) (في الأصل، ومائتين بالياء لا بالألف وذلك خطأ واضح.

(11/596)


ولو شهد شاهدان من الورثة أن أباهما أوصى لفلان بالثلث، ودفعا ذلك إليه، وشهدا أنه إنما كان أوصى به لآخر، وأنهما أخطا، فلا يُصدقان (1) على الأول وإن كان عدلين للضمان الذي دخل عليهما، ويضمنان (2) للآخر الثلث. ولو لم يكونا دفعا، أجزت شهادتهما للآخر، وأبطلتُها للأول.
وإذا أمر الوارث بدين على الميت يغترق التركة / ثم أقر لآخر بمثله. فإن لم يكن عدلا بُدئ بالأول إذ لا يقدر على الرجوع عنه. فكذلك لا يدخل عليه ما ينقصه. وإن كان عدلا، وجاء بعذر بين قبل قوله، وحلف الآخر مع شهادته فإن لم يحلف، كان كما قلنا إن لم يكن عدلا.
قال محمد: ويحلف الأول على علمه إذا نكل الآخر. ولو أقر الوارث أولا بوصية خرج من الثلث، أو بعتق، ثم أقر بدين، فإن كان عدلا جازت شهادته ما لم يكن بعد حكم بإقراره الأول، أو كان دفعه هو فلا يُرد ويلزمه الدين فيما ورث وإن أحاط ذلك بجميع ميراثه. ولا تباعة عليه لأنه لم تُنفذ الوصية. ويحلف المُقر له بالدين، ويثبت دينه، وتسقط الوصية. وإن لم يكن عدلا، أو نكل المطلوب لم يُرد عتق، ولا وصية. ثم يأخذ الطالب دينه مما ورث إن بقي له شيء من دَينه، وتسقط الوصية. وإن لم يكن عدلا، أو نكل المطلوب لم يُرد عتقٌ، ولا وصية. ثم يأخذ الطالب دَينه مما ورث فإن بقي له شيء من دَينه لم يُتبع به الوارث ما لم يكن هو الذي أنقذ الوصية فيُتبع بما أنفذ من عتق، أو وصية.
وإذا قال: أوصى أبي لفلان بالثلث، ولفلان بدين كلاما مُتصلا فالدين أولى، وتبطل الوصية إن اغترق الدين المال.
وكذلك لو أقر بتدبير في الصحة لأنه قول متصل. وإن بدأ بالوصية، ثم قطع، ثم أقر بالدين فإن كان عدلا حلف طالب الدين، وكان له، وتبطل الوصية إلا أن يفضل عن الدين شيء فيكون للآخر ثلثه. فإن لم يحلف، أو كان الولد غير عدل فللموصى له جميع الثلث، وما بقي للدين فإن لم يف ما بقي بالدين لم
__________
(1) في الأصل، ولا بصدقا بحذف النون.
(2) في الأصل، وبضمنا بحذف النون.

(11/597)


يضمن الوارث شيئا. ولو لم يُقر بالدين حتى دفع الثلث إلى الموصى له ضمن ذلك لطالب الدين إن لم يَف الباقي بالوصية بعد الدين، / بعد الوصية بالدين. ولا تِباعة لواحد منهما على الموصى له.
ولو أقر فقال: أوصى أبي لفلان بالثلث، وأعتق هذا العبد - وهو الثلث -. فإن كان بكلام متصل فالعتق أولى وإن لم يكن عدلا، وإن كان في كلام غير متصل بُدئ فيه بالوصية فهو مُبدأ، ـ ثم يُعتق العبدُ كله على الوارث.
محمد: سواء كان عدلا، أو غير عدل إن كان العبد يحمله الثلث.
وليس إٌراره بالعتق، يرد ما ذكر من الوصية بخلاف الدين الذي يحلف معه طالبه، ويستحق. ولو كانا وارثين (1) فأقرا هكذا كان مثل الدين تبطل به الوصية.
وغن ترك وارثا واحدا، وترك ثلاثة أعبد قيمتهم سواء لم يدع غيرهم فقال: أعتق أبيهذا العبد. وشهد عدلان أنه أعتق عبدا غيره. فإن كذبهما الوارث وقال: لم يعتق إلا هذا. أعتقت العبدين جميعا. وإن لم يكذبهما أعتقت الذي أُبته الشاهدان كله لأنه الثلث، وأعتقت نصف الذي شهد له الوارث لأنه حين لم يكذبهما فكأن أباه أوصى بعتقهما فالثلث بيهما. وإذا أكذبهما فقد أقر أن الحرية لهذا، وحده، فلا يملك من أقر له بحريته.
ومن قول أشهب إذا لم يكذب الوارث الشاهدين ولم يشهد على رجوع الميت عتق من شهدا له أنه يعتق من كل واحد منهما ما حمل الثلث، أو يستتم عتق الذي شهد له الشاهدان، أو يضرب فيهما جميعا بالسهم.
قال أشهب: والسهم أحب إلي، فيعتق نصف قيمتهما فيم جاءه السهم. فإن وقع للذي شهد له الأجنبيان أعتقه كله وإن كان أكثر من نصف القيمتين لأنه يثبت معه عتق / غيره، ولم أعتق من الذي أقر له الوارث شيئا، إلا أن يبقى من نصف القيمتين شيء، فيجعل فيه لأنه لا وارث مع المقر. وإن وقع السهم
__________
(1) في الأصل، ولو كانا وارثان والصواب ما أثبتناه.

(11/598)


الذي شهد له الوارث أعتقت منه عليه ما لو جازت في شهاجته, وأعتقت الآخر كله بكل حال، والشاهد في هذا من الورثة كشهادة الوارثين إذا اتُّهما ولم تجز شهادتها. وإن شهدا على التكذيب، ولم يكونا عدلين أعتقت الذي شهد له العدلان وثلثي العبد الذي شهد له الوارث - يريد: أو الوارثان -.
وقال ابن القاسم: بل يعتقان (1) جميعا.
قال: وإن شهد أجنبيان أنه أوصى لهذا بالثلث. وشهد وارثان أنه أعتق عبده في مرضه وهو قدر الثلث، فالشهادتان جائزتان (2)، ويبدأ بالعتق في عدالة الوارثين ما لم يتهما على حر الولاء في عبد لا يرغب في ولائه، فتبطل شهادتها، ويصير الثلث كله لموصى له به من هذا العبد وغيره.
قال محمد: ويعتق أيضا العبد في قول ابن القاسم إذا كان يخرج من الثلث لو لم تنفذ الوصية إن لم يكن مع المقر من ورثه سواهما، لأنهما مقران بأنه حر مبدأ. وإن كان معهما ورثة لم يعتق عليهما بقضاء وإن ثبتا على إقرارهما إلا أن يملكاه، أو يملكه أحدهما. وإلا أمرا أن يجعلا ما يصير لهما من ثمنه في عتق بغير قضية. وكذلك في خدمته يؤمران بترك خدمته في يومهما. وهذا قول مالك وأًحابه في الوارث يقر بالحرية، ومعه ورثة سواه.
أشهب: لأنه لا يقوم عليه لأنه على الميت يعتق فلا يجوز عتق عبد بلا تقويم.
قال أشهب: لأنه لا يقوم عليه لأنه على الميت يعتق فلا يجوز عتق عبد بلا تقويم.
قال أشهب: إلأا قوله: / ويعتق جميع منشهد له الوارثان إن لم يكونا عدلين، أو كان وارث واحد فإن أشهب إنما يرى أن يعتق ثلثا العبد فقط. وإن شهد وارثان أن الميت أوصى لفلان بثلثه، وأنه رجع، فأوصى به لفلان وهما يتهمان في الثاني فإن لم يكن وارث غيرهما جازت شهادتهما للثاني إن كان قولا متصلا. وإن كان معهما ورثة، لم تجز شهادتهما، إلا فيهما يصير لهما من ذلك إن أقاما
__________
(1) في الأصل بل يعتقا بحذف نون الرفع.
(2) في الأصل، جائزة بالأفراد.

(11/599)


على شهادتهما. وإذا شهد الوارث لرجل بوصية ألف درهم بعينها، وهي الثلث، ثم أقر لآخر بعد ذلك بالثلث - محمد: يريد: لمن يتهم عليه - فإنه يقضى للأول بالألف، ولا شيء للثاني. والوصية بعينها، والثث في ذلك سواء. وإن شهد وارثان أنه أوصى بالثلث لوارث, وأجاز الورثة، وشهد أجنبيان أنه أوصى بالثلث لأجنبي فليتحاصا إذ لا يجر الوارثان بها إلى أنفسهما شيئا. فما كان يصيبهما من ذلك فهو للوارث. وما كان يصيب غيرهما من الورثة أخذه. وكذلك لو كان في شهادة الوارثين أنه رجع عن وصيته للأجنبي إلى الوارث، وأنهما وجميع الورثة أجازوا ذلك، فذلك جائز على ما شهدا به لأنهما لم يشهدا لأنفسهما بشيء ع (1) هذه المسألة من أولها، ففيها إشكال في (الأم).
وإٌرار بعض الورثة بعتق عبد من التركة مستوعب في باب مفرد فيه اختلاف شهادة البنين للعبد بالعتق. وهذا الباب في كتاب الإقرار باب مثله فيهم من معاني هذا الباب، ومن الأقضية لابن سحنون.
قال أشهب: وإذا شهد وارثان أن الميت / أعتق عبده هذا وهو يخرج من الثلث فذلك جائز، وهو حر. ولو شهد أجنبيان أنه أعتق عبدا آخر جازت شهادتهما. والذي أعتق أولا أحق إذ ليس له أن يدخل عليه ما ينقصه إلا أن يكون عتقهما وصية، فيسهم بينهما، ويعتق نصف قيمتهما - يريد: في تساوي قيمتها - أو قال: أحدهما حر. وأما لو أعتقهما وقيمتهما مختلفة في مرضه، أو في وصيته لعتق منهما محمل الثلث بالسهم.
قال سحنون فيما ذكر أشهب: ليس هذا موضع سهم، وإنما السهم فيمن قال: رقيقي أحرار في مرضه أو في وصيته. فأما إن قال: فلان حر، وفلان حر. حتى سمى عبيدا فإنما يعتق محمل الثلث بالحصص.
قال أشهب: وتجوز شهادة الوارثين في عتقه إن لم يتهما في ولايته، ومعهما ورثة غيرهما لا يرثون الولاء.
__________
(1) سبق لنا القول بأن المؤلف من حين لآخر يأتي بهذا الرمز في كتابه ولعله يريد به العتبي.

(11/600)


قال: ولو لم يكن معهما من لا يرث الولاء فشهاتهما جائزة على ما تقدم وإن اتهما في الشهادة فوجه آخر أن يكون العبد الذي لم يشهدا له مرتفعا مرغوبا (1) فيه فيتهمان أن يشهدا بما شهدا لينقصاه من عتقه إذا لم يخرجا من الثلث، أو أسهم بينهما، فأصاب السهم من شهدا له رق الآخر، أو عتق منه جزء يسير، وشرك في الثلث.
قال: وينظر إذا اتهما بهذا، فردت شهادتهما إلى ما كان يصير للذي شهد له من العتق، فيعتق عليهما.
قال أبو محمد: - يريد ولا وارث غيرهما -.
قال: وهذا إن لم يحملهما الثث، ولو حملهما الثلث وأقاما على قولهما بينة لعتق منهما الذي شهدا له، وعتق الآخر بشهادة الشاهدين.
وإن شهد أجنبيان أنه أوصى بالثلث لرجل، وشهد وارثان أنه أعتق / عبدا بعينه وهو الثلث. فإن اتهما في العبد للرغبة في ولائه، أو لأن بعض ما أوصى به لصاحب الثلث من عيان فيه لم تجز شهاتهما، وأخذ الرجل الثلث. ثم إن قام الوارثان على شهادتهما عتق عليهما ذلك العبد إن لم يكن معهما وارث غيرهما. فإن كان معهما وارث لم يعتق، وليبع (2) فما وقع لهما من ثمنه رأيت أن يجعلاه في عتق. ولو اشترياه وأقام أحدهما على شهادتهما لعتق عليهما، أو على من ملكه منهما.
ولو شهد الوارثان أنه أوصى بالثلث لزيد، وشهد أجنبيان أنه أوصى به لعمرو، فذلك نافذ، والثلث بينهما، ولا تهمة عليهما في هذا.
ولو شهد أجنبيان أنه أوصى بعتق عبد سالم، وشهد وارثان أنه رجع عن ذلك، أوصى بعتق صالح قال: إن استوت قيمتهما، جازت شهادتهما، وأعتق صالح وحه. إلا أن يتهما في ولاء صالح، أو في استرقاق سالم.
__________
(1) في الأصل، مرتفع مرغوب فيه بالرفع والصواب ما أثبتناه.
(2) في الأصل، وليباه والصواب ما أثبتناه.

(11/601)


ولو شهد رجلان أنه أوصى بالثلث لزيد، وشهد الوارثان أنه رجع عن ذلك، وأوصى به لعمرو، أو أنه أشركه معه فيه لجازت شهادتهما إلا أن يتهما في الذي شهدا له فتبطل شهادتهما، ثم ل طلب للذي شهدات له عليهما فيما في أيديهما.
ولو شهد وارثان أنه أوصى بالثلث لزيد، ثم رجع فأوصى به لعمرو، وهما يتهمان في عمرو، فإن لم يكن له وارث غيرهما، جاز ما شهدا به لعمرو. وإن كان معهما وارث بطلت شهادتهما عن غيرهما من الورثة، ولمهما في أنفسهما ما إن أقاما على شهاتهما فيلزمهما له ما يصير إليهما من ذلك، لا ما صار لغيرهما.
ولو شهد أجنبيان أنه / أوصى لزيد بعبده ميمون، وشهد وارثاه أنه رجع عن ذلك، وأوصى لعمرو، وهو ممن لا يتهمان عليه، بمرزوق. فإن تساوت قيمة العبدين، أو كان مرزوق أرفع، فالشهادة جائزة. وإن زادت قيمة ميمون زيادة يتهمان فيها لم تجز الشهادة، وجازت شهادة الأجنبيين.
ولو شهد أجنبيان أنه أوصى بعتق ميمون وقيمته خمسمائة قال/ يتهمان في فضل قيمة سالم، ولكن يعتق سالم، ويشرع العتق فيهما بالحصص، كما لو لم يقل الوارثان: إنه رجع. فيعتق من كل واحد ثلثاه (1) أو أسهم بينهما. قال الشيخ: يريد: في قول ثان (2) فإن وقع السهم لسالم عتق، وكان ما بقي من الثلث في ميمون، ثم يعتق باقيه عليهما إن ثبتا على شهادتهما لإٌرارهما أنه العتيق. وإن وقع السهم لميمون عُتق، وكان ما بقي من الثلث في سالم.
قال أبو محمد: هكذا نص ما في الكتاب، وهو كلان فيه التباس. والذي يظهر لي أنهما لما اتهما وجب أن يعتق جميع سالم إذ قيمته الثلث، ويؤخذان بإقرارهما في ميمون لأنه يحمله الثلث وأن الميت رجع عن غيره.
وقد اختلف في المحاصة في هذا الأصل، فعلى أصل من جعل فيه القرعة، كأنه يقرع بينهما فإن وق السهم لسالم عتق، وقد استوعب ثلثا قيمتهما ويؤخذان
__________
(1) في الأصل، فيعتق من كل واحد ثلثيه والصواب ما أثبتناه.
(2) في الأصل، ثاني بإثبات الياء والصواب ما أثبتناه.

(11/602)


في ميمون بإقرارهما، وإن وقع السهم في ميمون عتق، وكان تمام قيمتهما في سالم، وذلك نصفه فيستتم عتق سالم لأن الأجنبيين (1) شهدا. وهو الثلث، وقد سقط الوارثان بالتهمة.
وإذا شهد رجلان / أنه أعتق عبديه هذين في مرضه وقيمتهما سواء، أو مختلفة، ولم يَدَع غيرهما فليعتق من كل واحد ثلثه. وفيها قول آخر هو أحب إلي وهو قول مالك: أن يسهم بينهما، فمن وقع له السهم عتق منه مبلغ ثلثيهما جميعا إن كان ذلك فيه. وإن كمل عتقه وبقي من الثلث شيء كان في الآخر. وأما لو أوصى بكل عبد لرجل لكان لكل واحد ثلث ذلك العبد. بخلاف العتق عند الموت الذي خصته السنة بالسهم.

باب آخر
من اختلاف الشهادة في عتق الوصايا
من كتاب ابن سحنون قال أشهب: وإذا شهد رجلان أو رجل أنه قال: إن قتلت فعبدي فلان حر، ثم شهدا هما أو غيرهما أنه قتل، وشهد غيرهما أنه مات موتا قال: ينظر إلى أعدل البيئتين فيقضى بها (2).
وقال سحنون بل بينة القتل يؤخذ بها.
قال أشهب: وكذلك لو شهد أنه أعتقه إن مات من مرضه هذا، أو من سفره هذا، وأنه مات في ذلك المرض أو السفر. وشهد آخران أنه أفاق من المرض، أو قدم من السفر فليؤخذ بأعدلهما. وأما لو شهدا أنه أعتقه إن قُتل قتلا، وإن مات موتا، وشهد آخران أنه قتل قتلا فلا عتق له لأن شاهديه بالعتق أبطلاه عنه برفع القتل كمن شهد أن فلانا أسلف فلانا ألف درهم ثم قبضها منه.
__________
(1) في الأصل، لأن الأجنييان وهو خطأ واضح.
(2) في الأصل، فيقضي بهما والصواب ما أثبتناه.

(11/603)


وإن شهد رجلان أنه قال: إن مت من سفري هذا فميمون حر وأنه مات فيه. وشهد آخران أنه قال: إن رجعت من سفري هذا فمت في أهلي فميمون حر، فإنه حر في ثلثه بكل حال. ولو كان / في ذلك موضع للنظر بأي الاشهدين يعتق لقيل بأعدلهما.
وإن شهد أنه قال: إن مت في جمادى الآخرة (1) ففلان حر. وإن مت في رجب ففلان - لآخر - حر. فشهد رجلان أنه ما ت في جمادى الآخرة، وشاهدان أنه مات في رجب، فليُقض بأعدل البينتين. وإن شهدا أنه قال: إن مت من مرضي هذا فعبدي حر. قالا: ولا ندري هل مات منه. وقال العبد: منه مات وكذبه الورثة فالقول قول الورثة مع أيمانهم لأن العبد مدع لما يزيل ما ثبت من رقه. ولو أقام بقوله بينة، والورثة بقولهم بينة قضيت بأعدلهما، لأنهما قد تكاذبتا.
وإن قال: إن مت من مرضي هذا ففلان حر. وإن برئت منه ففلان - لآخر - حر. فادعى كل عبد ما يوجب عتقه، وقالت الورثة: قد برئ منه. فالقول قولهم (2) مع أيمانهم، ولا يتعق إلا من صدقوه. فإن أقام من كذبوه بينة، ولم يقمها الذي صدقوه قضي بالبينة، ثم سألت الورثة فإن ثبتوا على قولهم، وكان العبد الذي (3) صدقوه يخرج من ثلث جميع التركة عتق عليهم، إلا أن يكون لم يقر بذلك إلا بعضهم فليبع (4) عليهم، ويؤمر المقر أ، يجعل حصته من ثمنه في عتق. ولو اشتراه أحد من المقرين وأقام على قوله عتق عليه. وإن أقام من صدقوه الورثة (5) بينة أي برئ، قضي بأعدل البينتين. فإن كانت بينة من كذبوه أعدل أعتق ذلك بالبينة، والآخر بإٌرار الورثة له. وإن كانت بينة من صدقوه أعدل، عتق، وزال العتق عن الآخر.
__________
(1) في الأصل، في جمادي الآخر وهذا الاستعمال دارجي والصواب ما أثبتناه.
(2) في الأصل، والقول قولها وذلك سهو من الناسخ.
(3) في الأصل، وكان العبد الدين صدقوه والصواب ما أثبتناه.
(4) في الأصل، فليباع بغير حذف والصواب ما أثبتناه.
(5) كذا علي لغة من يجمع بين الاسم الظاهر والواو أي لغة أكلوه البراغيث.

(11/604)


وقول ابن القاسم: آنه يعتق على من ملكه من الورثة المقرين أقاموا على إقرارهم أو رجعوا /. وكذلك اختلفا في البينة تشهد بعتق عبد، فردت شهادتهما، ثم اشتراه أحدهما.
قال سحنون، وإن قامت بينة أنه قال: إن مت من مرضي هذا فعبدي ميمون حر. وأنه مات منه. وشهد آخران، أنه قال: إن أفقت (1) منه فعبدي مرزوق حر. وأنه أفاق منه، ثم مات. فإن كانت البينتان عدلتين (2)، وفي العدالة سواء فيقضى لميمون، ويسقط مرزوق.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية (3) أنه يعتق نصف ميمون، ونصف مرزوق.
قال المغيرة: من شهد أن فلانا أعتق عبده، ثم دار إلأى ملك الشاهد بعد ذلك بابتياعه، لإإن كان الإمام رد شهادته لشيء ظهر من الشاهر سُئل الآن فإن أقام عليها عتق عليه، وإن رجع لم يعتق. وإن لم يرده الإمام إلا لانفراه فالعبد حر والولاء للمشهور عليه.

انتهى كتاب الوصايا الخامس
يليه
كتاب الحُبس الأول
__________
(1) في الأصل، فإن فقت والصواب ما أثبتناه.
(2) في الأصل، فإن كانت البنتان عدلتان وهو خطأ واضح.
(3) البيان والتحصيل، 13: 329.

(11/605)