النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات النوادر والزيادات الجزء 12
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الأول (1)
...
__________
(1) اشترك في تحقيق الجزء الثاني عشر من النوادر والزيادات الأستاذ أحمد
الخطابي من البداية إلى أواسط الجزء الثاني من كتاب العتق، والأستاذ محمد
بن عبد العزيز الدباغ من: مسائل من وسائل السهم (380) حتى النهاية.
(12/1)
من كتاب الحُبُس السُّنَّة (1) فى الأحباس
والحجة فيها
من المجموعة من رواية ابن وهب أنَّ النبيَّ- عليه السلام- قال لعمرَ ابن
الخطاب فى الحائط (2) الذي أراد صدقةً: حَبَّس أصلَه، وسَبَّلْ تمَرَه (3)
ويقال: إنه أول ما تُصدَّقَ به في الإسلام. قال ابن حبيب: ويقال له ثمغ
(4). قال: وقال: محمد بن كعب القَرطِيُّ: قد أوقف النبيُّ - عليه السلام -
قبل ذلك سبعَ حوائطَ، أوصى له بها المُخَيْرِقُ (5)
__________
(1) في الأصل كتب العِنوان هنا هكذا: كتاب الجزء الأول من الحبس السنة. وفي
آخره: تم الجزء الأول من كتاب الحبس. وكذلك كتب عنوان القسم الذي بعده:
الجزء الثاني من كتاب الحبس، فوحَدنا العنوان دون أن نعتبر اختلاف عبارات
النسخ الأخرى التي هي في الغالب من عمل النساخ
(2) لفظ (الذي) ساقط في الأصل، والإصلاح من ع وق.
(3) أخرجه الجماعة في صيغ عدة، انظر فتح الباري، 6: 321 وما بعها؛ ونيل
الأوطار، 6: 128؛ وعون المعبود، 3: 76
(4) ثَمَغُ: بفتح المثلثة والميم، وقيل بسكون الميم، وبعده غين معجمة وهي
أرض تلقاء المدينة المنورة، امتلكها عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر فتح
الباري، 6: 321 و 329.
(5) المُحيْرِقُ: بالتصغير لم أعثر على اسمه، هو إسرائلي الأصل، من بني
النضير، أسلم يوم أحد، واستشهد في غزوته، بعد أن أوصى بأمواله كلّها للرسول
عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. انظر ترجمة في الإصابة، 3: 393.
(12/5)
لمّا قُتِلَ بأحُدٍ؛ يضعها حيث أراه الله،
فحبَّسها؛ وهي أموال بني النَّضير. وذلك لاثنين وثلاثين شهرا من الهجرة.
[وصدقة عمَرَ على سبع سنين من الهجرة، قال ابن حبيب:] (1) قال محمد بن
سعدِ/ بن زرارةُ: وما أعلمُ أحداً من المهاجرين والأنصار من الصحابة إلاّ
16/ 112 وقد أوقف من ماله حبساً.
قال فيه وفي المجموعة من رواية ابن وهب وغيره: وقد أوقَف عمرُ وابن عمرَ
وعثمانُ وعليُّ بن أبي طالب وطلحةُ والزُّبير وزيدُ بنُ ثابتٍ وعمرو بنُ
العاص وعبد الله بنُ زيد وأبو طلحةَ وأبو الدَّحداح (2) وغيرُهم. وجعلها
عمر للسائل المحروم والضيف وذي (3) القربى وفي سبيل الله وابن السبيل.
قال مالكُ: المحروم؛ الفقير الذي يُحْرَمُ الرزقَ. ومن كتاب ابن حبيب (4)؛
قال ابن مسعود: هو المُحارَفُ (5) لا يتهيَّأ له الرَّزقُ. وقال ابن شهاب:
هو المتعفَّفُ لا يسأل فيُعطَى، ولا يُعْرَفُ مكانُه. قال مالك: واسم
الفقير يجمعهم. قيل لمالك: قال شُرَيْحُ لا حُبُسَ على فرائض الله. قال
مالك: تكلّم شريحّ ببلده، ولم يردِ المدينةَ؛ يرى أحباس الصحابة وأزواج
النبيَّ - عليه السلامُ -
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والتصويب من نسختي ع وق والبيان
والتحصيل.
(2) كذا ع (الدُّحْداح) وبهذه الصيغة اشتهر. انظر الإصابة في تمييز
الصحابة، 3: 59. وفي الأصل: الدحداحة.
(3) نسختى ع وق: ولذي.
(4) المراد بكتاب ابن حبيب الواضحة إحدى الأمهات في الفقه المالكي، فهي أصل
الفقه المالكي بالأندلس، كما كانت المدونة أصل الفقه المالكي في شمال
إفريقيا. وتقول كتب التراجم إن الواضحة كتاب فقهي، جمع فيه صاحبهُ المسائل،
وبوب فيه الأحاديث بحسب عناوين تلك المسائل الفقهية، فهو قد سلك مسلك مالك
في الموطأ. ومؤلفه: عبد الملك (172 - 238هـ) بن حبيب السلمي الطليطلي، فقيه
مشهور، متفنن في الأدب وسائر المعارف، انظر جذوة المقتبس، 7: 282؛
والديباج، 154 و 156؛ وترتيب المدارك.
(5) في الأصل: المحارب بالباء، وهو تصحيف ظاهر، والإصلاح من نسختي: ع وق.
والمحارّف بالقاء وفتح الراء يقال للذي قتر عليه رزقه، وبه فسر جل المفسرين
قوله سبحانه: {. . . . حَقّ للسائل والمحروم}.
(12/6)
والتابعين هَلُمَّ جَرَّا. وهذه أوقاف
النبيَّ - عليه السلامُ - سبعُ حوائطَ. وينبغي للمرء أن لا (1) يتكلّمَ
إلاّ بما (2) أحاط به خُبراً (3).
قال ابن عبدوس وغيرُه: معناه: أمرُ المدينة موارَثُ لا يُدَافَعُ، ولا فرقَ
بين أن يُحَبَّسَ في سبيل الله؛ ببعض أرضه مسجداً، وببعضها طريقاً
للمسلمين، وبعضها يبنيه داراً يجعلها على أهل السبيل. والأحباسُ من ناحية
المساجد؛ فإن جاز أن تورَث المساجدُ، جاز ذلك في الأحباس، ولا خلافَ في
المساجد. وبقاءُ أحباس السلف دائرةً، دليلُ على منع بيعها وميراثِها،
والأحباس والمساجد (4) لم يُخْرِجْها مالكُها إلى ملك أحد، وهي باقيةُ على
مِلكِه، وأوجبَ سبيل منافعها/ إلى مَنْ حُبَّسَتْ عليه، فلزمه ذلك كما يعقد
في العبد الكتابةَ 16/ 113ظ والإجارةَ والإسكانَ (5). وأصلُ الملك له؛ فليس
للورثة حلُ شيء ممَّا أوجب في المرافق، وإن كان الملك باقياً عليه، كما قال
النبيُّ - عليه السلام (6) - لعمرَ: حَبَّسْ أصلَه، وسَبَّلْ تمَرَه (7).
في كراهية إخراج البنات من الحُبس
من المجموعة، وهو في غيرها: وقد حبَّس جماعةُ من الصحابة على بنيهم
وأعقابهم، ونهتْ عائشةُ عن إخراج البنات من الحُبس، وأغلظتْ فيه، وقالت: ما
مثلُ ذلك إلاّ مثلُ ما قال الله - سبحانه - في أهل الكفر: {وَقَاُاوا مَا
فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةُ لِذُكُورنَا وَمُحَرَّمُ عَلَى
أَزْوَاجِنَا} (8).
__________
(1) في ع وق (إلا) يتكلم.
(2) ع وق (فيما) أحاط.
(3) اقتباس من الآية الكريمة {وكَيْفَ تصبر على ما لم تحط به خبرا} الآية
68 من سورة الكهف.
(4) في ع وق: والمساجد والأحباس، تقديم وتأخير.
(5) في ع: زيادة (في الدار).
(6) ع وق - صلى الله عليه وسلم -.
(7) أخرجه الإمامان: البخاري ومسلم في الوصايا، والترمذي في الأحكام.
(8) الآية 139 من سورة البقرة.
(12/7)
وقد همَّ عمر بنُ عبد العزيز بردَّ ذلك.
وقال عليُّ بنُ زيادٍ عن مالكٍ: إنه كره أن تُخْرُجُ البناتُ من خُبُسِه
إذا تزوَّجنَ. ومن كتاب ابن المواز، والعتبية (1)؛ من سماع ابن القاسم؛ قال
مالك: إخراجهن منه؛ من عمل أهل الجاهلية؛ وما أرِيدَ به وجهُ الله؛ لا يكون
هكذا. قال في موضع آخرّ: وأكره هذا من العمل. قال عنه ابن القاسم أيضا إذا
حبُّس على ولده، فأخرج البنات منه إن تزوُّجن، فالشأن أن يبطلُ ذلك. ورأى
ابن القاسم؛ إن فات (2) مُضى على ما حَبُّس، وإن كان حيُاً ولم يُحَزْ عنه
الحُبُسُ فليردَّه، ويُدْخِلُ البناتِ (3) فيه. وإن حِيزَ عنه، أو مات (4)
مَضَى على شرطه. ولم يُذْكَرْ في كتاب ابن المواز (5) إن (6) حِيزَ عنه.
قال عيسى عن ابن القاسم: أكره ذلك؛ فإن كان المحبَّس حيّاً، فليَفْسَخْه،
ويجعلْه مُسْجَلاً، وإن مات؛ لم يُفْسَخْ./هذا لم يروه سحنون عنه، وأنكره.
وقال مالك؛ في الذي شرط أن من تزوج من بناته؛ أخرجت، إلا أن تردها رادة؛
قال: أرى أن ينقض ذلك، ويجعله حبسا مسجلاً. [ومن كتاب ابن المواز
__________
(1) انظر البيان والتحصيل، 12: 204.
(2) في ع وق: إذا فات ذلك.
(3) في ع وق: ويدخل فيه البنات، تقديم وتأخير.
(4) الأصل: (فات) والإصلاح من ع وق.
(5) ابن المواز (180 - 269هـ) هو محمد بن إبراهيم بن رباح الإسكندراني دفين
دمشق. ومن تآليفه كتاب الموازية في الفقه، وهو حسبما وصف به من أجل الأمهات
الفقهية التي ألفها المالكية وأصحها مسائل، وأوضحها أسلوباً، وأكثرها
استيعاباً للنوازل والأقوال، وقد رجحه أبو الحسن القابسي على سار الأمهات
وقال: إن صاحبه قصد إلى بناء فروع أصحاب المذهب على أصولهم في تصنيفه.
والدليل على أهميته أن ابن أبي زيد كثيراً ما يشير إليه في كتابه النوادر
والزيادات. . .
(6) (حرف (إنْ) ساقط في الأصل، ولا يستقيم الكلام بدونه والأكمال في نسختي
ع وق.
(12/8)
قال ابن القاسم إذا مات قبل أن يفسخه فلا
ينقضه القاضي قال محمد: وإنما يفعل ما قال مالك من فسخ الحبس. وأن يجعله
مسجلاً] (1) إنما ذلك ما لم يأب عليه من حبس عليهم. فإن أبوا؛ لم يجز له
فسخه، ويقر على ما حبس. وإن كان حيا إلا أن يرضوا له برده، وهم كباُر. قال
مالكُ: إن لم يخاصم، فليرد الحبس حتى يجعله على الصواب. قال ابن القاسم:
وإن خوصم؛ فليقره على حاله. في الحبس المؤيد والمرجوع إلى أولى الناس
بمحبسه أو إلى ملكه وملك وارثه أو إلى ملك الآخر من أهل الحبس وما يوجب ذلك
من اللفظ أو يدل عليه ومن حبس ولم يجعل لحبسه مخرجا أو قال في السبيل قال
ابن عبدوس: فمِنْ (2) معنى ما كان يفسره سحنون أن الأحباس على وجوه، فمن
حبس حبسا، فوصفه بالتأييد، أو بما يدل (3) أن لا مرجع فيه؛ مثل قوله:
حُبُسُ لا يباع. أو زاد: ولا يوهب ولا يورث حتى يرث الله الأرض ومَن عليها.
أو لم يقل. أو قال: حبس صدقة. فهذا مؤبد عند مالك. فإن كان على غير معينين؛
مثل قوله: على فلان وعقبه. أو قال: وولده فهذا قد أراد النسل، ومن يحدث
منهم. فإن انقرضوا رجعتْ إلى أوْلَى الناس بالمحبس حبساً. وإن كانت على ما
يتابد على قومٍ مجهولين؛ ليس لهم آخر يعرف؛ كقوله: على المساكين، أو أهل
سبيل الله، أو بني تميمٍ، أو بني زهرة. فهذا/مؤبد،113/ 16والأصل موقوف.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والإتمام من ع وق.
(2) في ع وق (ومن) معنى.
(3) في ع وق (دل) أن.
(12/9)
وإذا لم يجعل له مخرجا، فقال: حبس صدقة. أو
قال: لا يباع. فقد عرفنا أنه أراد التأبيد. وكمن قال: داري حبس (1).فينظر
الغالب من التحبيس في البلد؛ فإن كان في السبيل جعل ذلك فيه، وربما كان
سلاحاً؛ فيعرف أنه أراد بذلك السبيل. قال سحنون: ولم يختلف قول مالك أنه
إذا قال: حبس صدقة. أو حبس لا يباع، كان على قوم بأعيانهم أو بغير أعيانهم؛
أنها مؤبدة لا ترجع إليه، وترجع إلى أقرب الناس إليه يوم المرجع حبسا؛ إذا
انقرض من حبست عليه أولا. قال ابن عبدوس: قال سحنون: وقد استحسن بعض الناس
في الأحباس؛ إذا انقرض من حبس عليه وسمي، ولم يجعل عقباه لأحد؛ أنه (2)
يرجع إلى أولى الناس بالمحبس. وإن (3) لم يكن له من بأخذ المرجع حبسا أن
يكون في الفقراء. وقال بعضهم: وإذا كان له من يأخذ فيكون للفقراء من أهل
المرجع. وهذا كله استحسان. والقياس أن يكون الإمام ولى النظر فيه. ومن
المجموعة ابن القاسم عن مالك فيمن حبس على رجل وعقبه، أو ولدِه، وولدِ
ولدِه، أو قال: على ولدي. ولم يجعلْ لها مرجعاً، وانقرضوا (4)؛ إنها ترجع
إلى أوْلَى الناس به حُبُساً عليهم. قال؛ عنه ابن وهب: إذا حبس على أهل
فلانٍ، فهي حبس عليهم ما بقي منهم أحد؛ لأبنائهم، وأبناء أبنائهم. وإن سمى
قوما بأعيانهم؛ فإنها ترجع بعدهم إلى المحبس. فإن قال: حبس صدقة. أو: صدقة
حبس على فلان، وفلان. ثم هلك من حبست عليه؛ فهي ترجع/إلى عصبة المحبس
حبساً.
__________
(1) هذا مقتضى السياق. وفي الأصل: داري مسجداً.
(2) في ع وق: أن يرجع.
(3) في ع وق: (فإن) لم.
(4) في ع وق: (فانقرضوا) بالفاء.
(12/10)
قال أشهب: وإذا قال: حبسا عليك، وعلى عقبك.
وقال مع ذلك صدقة لا تباع. أو لم يزد-يريد: فلا يرجع ملكا-قال هو وابن
القاسم: لأن الحبس كالصدقة. قال عبد الملك: إذا قال في صدقته: حبسا على
فلان. ولم يزد؛ فهي عمرى (1).وإن قال: صدقتي هذه على فلان، وهي محبسة. فهذه
تكون محبسة من بعده؛ ما لم يقلْ عليه. ولو قال ابتداء منه: هي محبسة على
فلانٍ يوماً. أو (2): هي محبسة كانت أيضا محبسة؛ لأنه قد وكدها بالتحبيس.
ولو قال: صدقة محبسة، وفلان يأخذها ما عاش. فإنها محبسة. وإذا قال: هي حبس
على فلان وفلان ولدي، وعلى من يحدث لي من ولد. فإذا انقرضوا فهي على فلان،
وفلان. فهي حبس؛ لأنها صارت على مجهول من يحدث له. قال: فإذا انقرض المسمون
من ولده، قبل أن يحدث له ولد، وهو حي [فلتخرج من يديه وتوقف غلتها؛ وإن مات
قبل أن يحدث له ولد صارت للذين سموا] (3) بعد انقراض بنيه، وإن حدث له ولد؛
صارت هي وغلتها إليهم، ورجعت ولايتها إليه. ومن كتاب ابن المواز قال مالك
فيمن قال: هذه الدار حبسا عليكم (4).أو قال: عليك. ولم يقل: صدقة. ولا قال:
وعلى أعقابكم (5) أو قال أولادكم، وفي الواحد وعقبك أو ولدك. فإن كان حيا،
ولم يخرجها مخرجا يعرف بها (6) مقصده؛ سألته، وقبلت قوله. قيل: فإن لم يسأل
حتى مات يريد وقد حيزت. قال: فمرجعها بعد موت من ذكر إلى ورثة صاحبها.
__________
(1) العمرى بألف مقصورة: هبة شيء مدة عمر الموهوب له أو المواهب، بشرط
الإسترداد بعد موت الموهوب له.
(2) في ع وق: (ثم) هي.
(3) ما بين معقوفتين ساقط فى الأصل، والإكمال من ع وق.
(4) في ع: عليهم.
(5) كذا في ع وق. وهو الصواب، وفي الأصل: ولا على أعقابكم.
(6) في نسختي ع وق: (له) مقصده.
(12/11)
وقال عبد الملك: يرجع مرجع الأحباس.
واختلفت الرواية عن ابن القاسم فيها. والذي في/المجموعة؛ أنها ترجع ملكا
له، أو إلى ورثته تراثاً. قال ابن المواز: وإذا سمى قوماً معينين، فوقت
حياتهم، أو سنين؛ فليس بحبس، وهي عمرى، ترجع [إلى المحبس أو إلى ورثته] (1)
تراثا بعد المدة؛ ما لم يذكر العقب، أو الولد. فإذا ذكر ذلك، فقد ذكر من لا
يعرف إلا بالصفة، ومجهولين، ولم يذكر وقت، فهذا حبس مؤبد لا يرجع إليه بعد
انقراض من حبسه عليه؛ وإن كان حيا. ويرجع إلى أقرب الناس له يوم يرجع. وإذا
قال: حبسا على فلان، لم يزد على هذا فكما [ذكرنا إن لم يذكر عقباً] (2) له
أو لغيره. ولا صدقة، ولا ذكر أيضا أجلا، ولا عمرى؛ فهو (3) الذي يرجع فيه
مالك، وقال: ما أحب أن يرجع ميراثا. واختلف فيه القول. وأحسن ما فيه أن
ينظر إلى مراده. وأسباب مخرج قوله: فيوجه إلى ذلك. قال ابن القاسم: فإن قصد
وجه حبسه (4)؛ لم يرجع إليه، ورجعت إلى أولى الناس به من عصبته. قال: وإن
لم يسم فلانا، ولا أحدا، ولكن قال: داري حبس كانت حبسا أبدا على الفقراء
والمساكين؛ إلا أن يكون في موضع جهاد ورباط، فيكون في سبيل الله أبدا.
وقاله أشهب. قال مالك: وكذلك لو قال ذلك في وصيته. قيل: فله ولد محتاجون.
وأغنياء قال: يعطى المحتاجون منهم مع الفقراء الأجنبيين. قال: والحبس
المؤبد
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط في ع وق.
(2) ما بين معقوفتين ممحو في الأصل، والإصلاح من ع وق.
(3) في ع وق: (فهذا) الذي.
(4) في ع وق: (الحبس)، لم.
(12/12)
أن يقع على مجهولين. فإن ذكر على معلوم؛
فقال: فلان. قال في المجموعة: أو فلان وفلان. فإن لم يذكر مع ذلك ولدا، ولا
عقبا له، ولا (1) لغيره، ولا قال: حبسا صدقة. ولا قال: لا يباع. فهذه ترجع
إلى ملكه. وإن ذكر شيئا من ذلك، فهذا لا مرجوع فيه. قال مالك: وإن قال: حبس
لا يباع، ولا يوهب؛ ما عاش المحبس عليهم. فهذا لا يرجع إليه ملكا، ولكن إلى
ورثته (2) حبسا. [وكذلك حبس على فلان، وولده. أو قال: على ولد فلان. أو:
على ولدي. لكان حبسا] (3) على الولد، وولد الولد من الإناث والذكور، وليس
لولد الإناث شيء. ولكن هو للإناث من ولده الذكور. ولو قال: حبس على بني
فلان. ولم يقل: على ولده. رجعت إليه ملكا، وإلى ورثته تراثاً؛ ما لم يقل:
حبسا صدقة. ولو قال: لفلان، وابنه. رجع ذلك بعدهما ملكا لربه، ولوارثه يوم
مات. ولو قال: حبسا صدقة على ابني. فليرجع بعده مرجع الأحباس. ولو قال:
حبسا على ولدي. فكذلك. يريد ها هنا: وإن لم يقل صدقة. ولو قال: حبسا عليك،
وعلى أبنك. فهذا الذي يرجح (4) فيه. القول: ويستحسن فيه أن يكون حبسا.
وكذلك قوله: عليك، أو قال: على ابنك، أو قال على ابني. بخلاف قوله: عليك،
وعلى ولدك [أو قال على ولدك] (5) فقط، أو على ولدي. لأن هذا تعقيب. وكذلك:
على بني فلان.
__________
(1) في ع وق: (أو لغيره) ولا قال.
(2) في ع وق: (إلى عصبته) حبسا.
(3) ما بين معقوفتي ساقط من ع.
(4) في الأصل، يرجع بالعين، والتصويب من نسختي ع وق.
(5) عبارة (أو قال على ولدك) ساقطة في الأصل، والإتمام من ع وق.
(12/13)
قال ابن المواز: قال مالك: وإذا حبس على
قوم حياتهم؛ لم يزد على ذلك. فهذا تعمير. قال أشهب: ولو وهب هبة عبداً أو
غيره لرجل (1)،وقال فيها: لا تباع، ولا توهب. لكانت حبسا عليه، وعلى عقبه،
أو عليه وحده حياته؛ إن لم يذكر عقبه، ولا ما يدل أنه أراد ذلك.
فإذا/انقرض، رجعت إلى أولى الناس به. قال مالك: ومن حبس على رجل وعقبه، ثم
هو لآخر بتلا، ثم انقرض الذي بتلت له، ثم انقرض المحبس عليه، وعقبه، فإنها
ترجع ميراثا لورثة الذي بتلت له. قال ابن حبيب: قال مطرف: من حبس على رجل
شيئا؛ فسماه حبسا، فهو حبس موقوف. فإن لم يذكر صدقة، ولا عقبا، ولا قال: لا
يباع، ولا يورث. لأن الحبس لا يرجع إلا بشرط، فهو موقوف، إلا أن يقول: ما
عاش. أو: ما عاشوا. أو: على فلان بعينه. أو قال: فلان وفلان بأعيانهم. ينص
بلفظ؛ يقول: بعينه. أو: بأعيانهم. فيكون عمرى؛ يرجع مالاً له ولا يخرجها
قوله مع ذلك: صدقة. أو قوله: لا يباع، ولا يورث. أو: تعقبه. إياها إذا قال:
ما عاش. أو: عاشوا. أوقال: بعينه. أو: بأعيانهم، لأن هذا اشتراط للمرجع.
وقال ابن الماجشون: إذا كانت على إنسانٍ بعينه، فهي عمرى. وإن سماها صدقة؛
ما لم يقل: لا تباع، ولا تورث. أو يعقبها. وقال أصبغ-وذكره عنه ابن
القاسم-: إذا سماها حبسا؛ فهي موقوفة. وإن كانت على إنسان بعينه؛ سماها
صدقه، أو لم يسمها؛ قال: لاتباع، ولا تورث. أو لم يقل؛ فهو سواء إلا أن
يقول: ما عاش. أو: ما عاشوا. أو يقول: بعينه. أو: بأعيانهم. كقول مطرف.
وقال ابن كنانة كقول ابن الماجشون. وبه أقول
__________
(1) كذا في ع وق: عبدا أو غيره لرجل. وهو الأنسب. وفي الأصل: وهب هبة عبد
لرجل أو غيره وهو تصحيف. ... هجس
(12/14)
[12/ 15]
قال مطرف: وإذا قال: حبس على فلان. وقال بلسانه او بعينة. أو لم يقل؛ قال:
عل فلان، وفلان؛ فسمى جماعة. ثم قال بلفظه: بأعيانهم. [فهذه لا يكون حبسا.
وإن لم يسمهم] (1) / بأعيانهم؛ فهي حبس مؤبد، ولا ترجع ملكا. وإن ذكر صدقة.
وقال ابن الماجشون: هي عمرى؛ إذا لم يقل: تعقيبا. أو قال: لا يباع. ولو
قال: داري حبس، وهى على فلان. فهذه حبس أبدا؛ لأن قوله بعد ذكر الحبس، وهي
على فلان أمر مؤتنف. فيمن حبس في السبيل أو
حبسا لم يجعل له مخرجا من (2) المجموعة؛ قال مالك؛ فيمن حبس في سبيل
الله؛ قال: هذا لا يكون إلا في الجهاد. قال أشهب: كل سبيل خير؛ يدخل فيه.
قال: والقياس في أي سبيل الخير، وضع جاز والاستحسان أن يجعل في الغزو؛ لأنه
جل ما يعني (3) به الناس؛ في قولهم: في سبيل الله ذلك. وهو أحب إلي أن يكون
في سواحل المسلمين المخوف فيها من العدو. [ولا أحب أن يجعل شيء منها في
موضع قلة الخوف، وقلة الحفظ من العدو] (4).ابن القاسم عن مالك فيمن قال:
داري حبس. ولم يجعل لها مخرجا. قال: يصرف في الفقراء. قيل له: إنها
بالإسكندرية. قاليجتهد الإمام فيها، وله في ذلك سعة إن شاء الله.
...
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط في ع وق أي من قوله: (فهذه. . . يسمهم).
(2) في ع وق: (ومن) المجموعة.
(3) في ع وق: يعنون به من قال في سبيل الله.
(4) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والتصويب من ع وق أي من قوله: " العدو.
. . العدو ".
(12/15)
ومن العتبية (1)؛ من سماع ابن القاسم: ومن
أوصى بحبس داره؛ في ثلثه؛ ولم يجعل لها مخرجا؛ قال: يقسم على ذوي الحاجة.
قيل: أفيعطى منها ولده؛ وبعضهم محتاجون؟ قال: يعطى المحتاجون منهم مع غيرهم
من أهل الحاجة. قال عيسى؛ عن ابن القاسم: يقسم على المساكين، ويكون حبسا
عليهم. قال سحنون: ومن قال: تمر حائطي حبس على فلان. ولا يسمي أجلا؛ فإن
كان فيها حينئذ ثمرة قد أبرت؛ فله ثمرة تلك السنة. قال ابن القاسم: ولو
أوصى بشراء عبد، يجعل في السبيل. قال: يشترى،/ ويجعل في الرباط خدم الغزاة.
قيل: فطعامه؟: قال: يستأجر (2) في طعامه. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون
فيمن حبس حبسا على المساكين في حياته، أو في وصيته، ثم مات وافتقر ولده بعد
ذلك، فطلبوا الدخول فيها؛ قال: هم أحق بها، ولكن أرى أن يجعل طرفا منها
للمساكين؛ لئلا يدرس أصل (3) الحبس. ومن المجموعة؛ قال ابن كنانة: ومن حبس
دارا في سبيل الله. قال: فلا يسكن (4) فيها إلا المجاهدون، والمرابطون، ثم
من مات منهم فيها؛ فلا يخرج منها امرأته حتى تتم عدتها. فإذا تمت خرجت هي.
ويخرج من ليس بمجاهد، أو مرابط، والصغار من ولد الميت. قال: ومن حبس ناقته
(5) في سبيل الله، أو جعلها في سبيل الله؛ فلا ينتفع هو بها، ولا بنتاجها
إلا في السبيل. وله أن ينتفع هو بلبنها؛ لقيامه عليها
__________
(1) انظر البيان والتحصيل، 12: 227.
(2) في ع وق: (يعمل) في طعامه.
(3) في الأصل: (أهل) بالهاء وهو تصحيف ظاهر، والإصلاح من ع وق.
(4) في ع وق: (يسكنها إلا).
(5) في الأصل: (باقية) بالباء: والياء، والإصلاح من ع وق.
(12/16)
[12/ 17]
قيل لابن القاسم؛ في تحبيس الثياب على قوم بأعيانهم، أو المساكين، أو في
سبيل الله. قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا. ولا بأس بتحبيس الثياب،
والسروج. قال أشهب: ذلك جائز. فإن أبهم الحبس، ولم يشترط فيه شرطا من عدد
الناس؛ فإن ما دفع من ثوب أو سرج أو سلاح إلى أحد من معينين أو المساكين،
أو من أهل سبيل الله؛ فهو عليه حبس حتى يموت. فإن بقي منه شيء ينتفع به
فليعط لغيره. وكذلك لو لم يبهمه، وجعل للبسه عدد أيام، فمضت، فليؤخذ منه،
فيدفع إلى غيره حتى لا يبقى منه شيء. وكذلك في دنانير تسلف. قال ابن
القاسم، وأشهب: وإن حبس رقيقا في سبيل الله، فهم (1) حبس يُستعمَلون/ في
السبيل. قال أشهب: فإن فضل من غلتهم شيء فُرَّقَ على فقراء ذلك الثَّغر
الذي هم به؛ فإن فضل عنهم جُعِلَ في أقرب الثغور إليهم. وإن لم يَكُنْ في
غلتهم فضل عن نفقتهم؛ لم يباعوا ما قام سوادُهم، بما يؤاجرون به أنفسهم،
وبما دخل (2) عليهم من معونة لهم، أو غيرها. فإن انقطع ذلك كله حتى يُخافَ
الهلاكُ عليهم، فليباعوا، وتُقَسَّمُ أثمانهم في سبيل الله إن رُئِيَ ذلك.
وإن رُئِيَ أن يُشترَى بها خيل، أو سلاح، أو غيرُه ممَّا يُجتَهَد فيه برأي
أهل الاجتهاد. وما ضعُفَ من الدواب (3)،حتى لا يكون فيه عُدةُ، ولا قوة؛
بيع، وجُعِلَ في مثله. ولا تباع الثيابُ، ولكن تُلْبَسُ، حتى لا يبقى منها
شيء، أو لا يوجد من يلبسها من أهل الغزو؛ فحينئذٍ يُنْظَرُ، فإن كان فيما
بقي منها ثمن (4) بيعت، ويُجَعلُ ثمنها فيما يُرَى من شأن الغزو؛ على رأي
المجتهد، وبقدر الزمان، وحاجة الناس في غزوهم. وهذه المسألة من أولها في
كتاب ابن المواز.
...
__________
(1) في نسختي ع وق: (فهو) وبلا شك، سبق قلم.
(2) في نسختي ع وق: (يدخل) عليهم.
(3) في الأصل: (الداب) والتصويب من ع وق.
(4) لفظ (ثمن) ممحو في الأصل، والإصلاح من ع وق.
(12/17)
في الصدقة التي تُصْرَفُ مصرف الحبس أو
مصرف العمرَى وقد ذُكِرَ العقِبُ أو لم يُذْكَرْ وما يكون منها لآخر
العَقِبِ مِلكاَ قال ابن عبدوس: وإذا قال صدقة على فلان وعقبه. ولم يَقُلْ:
حبساُ. فقال أكثُر أصحابنا: إنها ترجع بعد انقراض العقب مرجع الأحباس. وقال
بعضهم: يكون لآخر العقب ملكا مثل المرأة والشيخ الذي لا يعِقبُ، يبيع،/
ويصنع ما شاء. ومن كتاب ابن المواز؛ قال مالك: ومن تصدق بداره على رجل،
وولده؛ ما عاشوا، ولم يذكر فيها مرجعا، ولا شرطا؛ فإنها ترجع حبسا على
قرابته؛ في فقرائهم؛ يريد بقوله: وولده. فهم غير معينين. وكذلك في
المجموعة. وقال في كتاب ابن المواز: وإذا سماها؛ فقال: حبس على فلان وابنه.
فلان. فهذه ترجع ملكا؛ ما لم يَقُلْ: حبسا صدقة. أو قال: لا يباع. أو قال:
على فلان، وولده. فهذه تُخْرِجُ الأحباس. قال ابن المواز؛ فيمن قال لرجل:
داري صدقة عليك، وعلى ولدك ما عشتما. ولم يذكُرْ حبسا؛ فهي إلى صدقة
البَتْلِ أقرب. وقد اختلف فيه ابن القاسم، وأشهب؛ فاختلف قوله فيه؛ فقال في
قوله: صدقة عليك وعلى عقبك. فإن كان وجه الحبس؛ فهي حبس؛ لا ترجع إلى
مَلْكٍ. وقال في قوله: صدقة عليك، وعلى ولدك. فليست حبسا، وهي ملك لهما
بتلا؛ إلا أن يُسْتَدَلَ منه على الحبس. [وكذلك قوله: عليك وعلى عقبك. إلا
أن يذكر ما يدل على الحبس] (1)؛ فيقول: صدقة حبسا. أو قال: لا تباع، ولا
تورث. وهذا كله قول ابن القاسم وروايته.
__________
(1) ما بين معقوفتين زيادة ما في ق وباهتة لا تقرأ في ع.
(12/18)
قال محمد: وأقوى ما عندنا من قوله إنه إن
أخرجها مخرج الأحباس، وعقبها، فهي بموقف الأحباس؛ إلا أن يقول: صدقة بتلا
له، ولأعقابه. فيكون لآخر العقب ملكا. واجتمع على هذا ابن القاسم، وأشهب
(1) وعبد الملك. ومن المجموعة؛ عن مالك؛ فيمن قال لرجل (2): داري صدقة
عليك، وعلى ولدك. فهي ميراث للذي تصدق بها عليه، وعلى ولده. ومن كتاب ابن
المواز؛ قال/ابن القاسم: إذا قال: صدقة على فلان، وولده؛ ما عاشوا. ولم
يذكر له (3) مرجعا، ولا شرطا، فانقرضوا؛ فإنها ترجع مرجع الأحباس إلى أوْلى
الناس به من الفقراء. وقوله: حبسا عليه، وعلى ولده. أو قال: صدقة عليه،
وعلى ولده، وولد ولده. سواء. وقال أشهب؛ عن مالك فيمن تصدق بصدقة على ولده،
وولد ولده، فهلكوا إلا ابنة بقيت له؛ فأرادات البيع؛ فذلك لها؛ إذ لا عقب
لها. وكذلك قوله: صدقة على ولده، وولد ولده، وأعقابهم؛ صدقة بتلا، ولا تبقى
منهم إلا بنت لبعض ولده؛ فلها البيع. وقاله ابن القاسم. قال محمد: لأنه بين
إبتالها بالصدقة؛ يعني بالتناسل، فقد أوقفها لآخرهم بتلا (4).وقال أيضا عنه
أشهب: أما إن لم يَقُلْ: لا تُباعُ. فعسى أن يكون ذلك لآخرهم، ويُنظُر إلى
ما قصد الميت أن تكون لهم بتلا، أو أن تكون لهم حبسا. وقال أيضا مالك: ليس
ذلك لها، وما أرى هذا أراد إلا الحبس.
__________
(1) لفظ (وأشهب) ساقطة فيس الأصل، والإصلاح من ع وق.
(2) لفظ (لرجل) ساقط في الأصل، وثابت في النسختين.
(3) لفظ (له) ساقط في ع وق.
(4) كلمة (بتلا) ساقطة في الأصل، والإتمام من النسختين.
(12/19)
وقال ابن عبد الحكم عن مالك في امرأة
تصدَّقتْ بحائط على ابنتها حياتها، فحازته الابنة، ثم ماتت الأمُّ. قال:
فهو للبنت حبسا حياتها. فإذا ماتت البنت، رجع موروثاً عن الأم، وأخذ ورثة
الميت منه مورثها. قال عنه ابن القاسم في الذي (5) يقول: داري صدقة على
ولدي، وولد ولدي؛ لا يباع، ولا يوهب. فإنها ترجع بعد انقراضهم حبساً على
عصبته. وكذلك في المجموعة، ومن الكتابين؛ قال ابن القاسم، وأشهبُ: وإذا
قال: هي صدقة/ لك سكني. فليس له إلا سكناها صدقة دون الرقبة. قال محمد:
حياته. قال أشهب: وكذلك قوله: أسكنتُكَها، ولَعِقِبكَ. أو: هي لك سكنى،
ولعقبك. قال: من بعدِك. أو لم يَقُلْ، فهي ترجع بعد انقراضهم مَلْكاً له،
أو لوارثه. قال مالك، وابن القاسم: وكذلك في الدار، والخادم. قالوا: وإنما
ترجع لأولى الناس به؛ حبساً؛ إذا ذكر حبساً، ولم يذكرْ سكنى. ومن المجموعة؛
قالا: وكذلك الحُلِيُّ كالدُّور. قال أشهب: وكذلك سائر الأشياء من عبيد
وعروض وغيرها. قال ابن القاسم: وإذا أعمرَه داره، أو دابته، أو عبده؛
حياته؛ جاز. وترجع (6) بعد موته إلى ورثته. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن
الماجشون؛ عمن قال: داري صدقة على فلان، وولده. أوقال: وعَقِبه. ولم يَقُلْ
حبسا. إنها على الحبس. وإذا قال ذلك، وسمى الحبس، أو لم يُسَمَّه؛ إلا أنه
قال: وهي لآخرهم بتلا. فإنها بتل
---------------
(5) في ع وق: في (القائل) الذي.
(6) في الأصل: (ومرجع) ولعل الصواب ما أثبته نقلا عن النسختين.
(12/20)
لآخر العَقِبِ، [إن كانت ابنة، لأنَّ ولدها
ليس من خدم النسب ولا من العقب] (1) وتبيع إن شاءت. ولو بقيت ابنتان؛
فطلبتْ واحدة البيع، فلا بيع لها؛ إلا باجتماعهما؛ لأنها إنما هي (2)
للآخرة منها. وإذا قال: داري صدقة على فلان. ولم يَقُلْ: حبسا. ولم يرده؛
فهذه بتلُ لفلان، حتى يقول: وعَقِبِه. أو: ولده. فيكون ذلك عليهم حبسا،؟
ويكون ملكا لآخر العقب. وإذا بقيت امرأتان، واجتمعتا على البيع، وقسمة
الثمن، أو على قسمتها، فذلك لهما. وإن أبقتاها بقيت حتى تموت إحداهما،
فيكون للباقية أن تبيع، وتصنع/ ما شاءت. قالا: وهو كله قول مالك. وقاله
أصبغ. ومن كتاب ابن المواز؛ قال: ومن أوصى، فقال: ثلثُ مالي لفلان
ولعَقِبه. فإنه ليس للموصى له أن يأكل من ذلك، ولا يستهلك، ولكن ينتفع به
بما ينتفع به في المال من التجارة بما لا يستهلكه، وله ريعه كله وحده،
وعليه ضمانُه، وما وُلِدَ له من ولد دخل معه فيه. فإذا انقرض آخرُ عَقِبِه؛
كان لورثة آخر عقبه بالميراث. ولو كان آخرهم امرأة؛ كان لها ذلك؛ تصنع به
ما شاءت من أكل، وصدقة، وغيرها. مثلُ قوله: داري هذه لفلان، ولعَقِبِه.
فليس له أن يستهلكها، ولا يقطع منفعتها عن العقب، وله غلّتُها وسكناها، ولا
ضمان عليه فيها. قال محمد: لأنها دار، ولو كانت مالا، أو ما يخاف عليه،
لضمن. ولو قال: ثلثي لفلان، ولفلان وعَقِبه بتلا. فلهما أن ينتفعا بها في
غير استهلاك، وما وُلِدَ للمذكور وعقبه (3)؛ دخل معهما في الانتفاع. فإن
مات المذكور عقبه، وليس له عِقبُ، فقد صارت مصابة صاحبه للذي معه في الحبس
له (4) بتلا مكانه. محمد: ويزول التحبيس، ومصابة الميت يرثه ورثته يوم
يموت، وهو
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والإصلاح من النسختين ع وق.
(2) مقدار كلمة بياض في الأصل، وباهت في النسختين.
(3) في الأصل: (عقبه) بدون واو، وهو تصحيف.
(4) (له) زيادة من ع وق.
(12/21)
الشطر لكل واحد منهما. ولو مات الذي لم
يجعل حبسا لعِقبِه شيء فلا شيء لورثته ما بقي شريكه، أو أحد من عصبته؛ ممن
يُقطَعُ له بعقب. وإن بقي منهم من لا يكون له عقب، كان المال بين الذي لم
يَكُنْ جعل لعقبه شيئاً، وبين آخر عقب الذي جُعل لعقبه يأكله، أو يورثه
ورثته. وإذا كان ممن لا عقِبَ له، عُجَّلَ قسمه/ بينهما. ومن المجموعة؛ قال
عبد الملك: ومن تصدق على ولد له بأعيانهم؛ سماها صدقة، ولم يذكرْ شرطاً
(1)،ولا بتل حتى مات؛ فليُنظَرْ كيف جرت عليه بين أهلها. فإن دخلها
التداول، ومُنِعَتْ من المواريث، وحِيزَتْ على هذا، فهي على التحبيس. وإن
دخلها المواريث، ولم يفعلوا فيها الدَّينَ؛ تداولوها معاً في الحبس؛ فهي
على ما سُمَّيتْ (2)،وتبقى بيد من سُمَّيتْ له مالاً تراثاً. وإذا قال: هي
(3) صدقة على ولدي؛ وله يومئذ ولدُ، ولم يُسمَّهِمْ؛ فهي عليهم، وعلى من
يأتي، وعلى أعقابهم. وهي حبس، ولا بيع فيها. فيمن اشترط في حبسه أنَّ من
احتاج من أهل الحبس باع أو قال هي لآخرهم ملكا من المجموعة، والعتبية
(4)،وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم: قال مالك فيمن جعل داره حبسا صدقة؛
[على ولده] (5) لا تباع إلا إن يحتاجوا إلى بيعها. فإن احتاجوا إلى البيع،
واجتمع ملؤُهُم على البيع باعوا واقتسموا ثمنها، سواء، ذكرهم وأنثاهم. فإن
هلكوا إلا واحدا، فأراد بيعها، وقد احتاج إلى ذلك، فذلك له
__________
(1) في ع وق: (شرط الحبس) ولعل هذا هو الصواب.
(2) أقحمت هنا كلمة (وصفنا) في النسختين، ولعل حذفها أحسن.
(3) في الصل: (هدى) والإصلاح من ع وق.
(4) انظر البيان والتحصيل، 12: 217.
(5) (على ولده) ساقطة في الأصل، والإصلاح من نص العتبية، والنسختين.
(12/22)
[12/ 23]
قيل له: فإن ثَمَّ امرأة، وهي بنتُ أحد الباقي الذي أراد البيع، فطلبت
ميراثها (1) من أبيها، قال: ما أرى لها في ذلك حقا (2).قال في كتاب ابن
المواز: ومن حبس على ولده، وشرط إن احتاجوا باعوا؛ فذلك جائز فيمن احتاج
منهم؛ فله بيعُ حظه. وإن باعوا؛ فلا يدخل أحد/ في ثمن ما بيع من ورثة الميت
سواهم. فإذا انقرض من حُبَّس عليه إلا واحدا؛ فاحتاج، فباع؛ فالثمن له
(كلّه) (3)،ليس لورثة أهل الحبس ممن مات منهم معه شيء؛ لأن من انقرض سقط
حقُه، وصار لمن بعده. محمد: وإن انقرض قبل أن (4) يحتاج؛ فليس لورثته ولا
لغيرهم (5) فيها شيء، ورجعت كما يرجع غيرها من الأحباس. قال ابن القاسم في
العتبية (6) في المسألة الأولى: وإن اجتمع ملَؤُهم على بيعها، فإنما يقسموا
ثمنها بالسواء؛ الذكَرُ والأنثى؛ لأنها صدقة حازوها، وليس ترجع على
المواريث. وقال مالك في الكتب الثلاثة: ولو تصدق على ابنيه بدار حبسا. وكتب
في كتاب الصدقة إن شاءا باعا وإن شاءا أمسكا. فأرهقهما دَينُ كثير، فأراد
الغرماء بيع الدار. قال: ذلك لهم. قال في كتاب ابن المواز (7)،وذكرها في
المجموعة لعبد الملك: وإذا قال: داري حبسا على عقبي، وهي للآخر منهم. فإنها
تكون للآخر منهم (8) بتلا، وهي
...
__________
(1) في ق: ميراثها (من ذلك وأمها) قال ما. . . . . . . . . . . . . . . . .
(2) في نسخة ق زيادة (ولا حق فيها لولد بنات المحبس، وقال مالك في كتاب. .
. . . .
(3) في الأصل: (عليه) والتصويب من نسختي ع وق.
(4) لفظ (أن) ساقط في الأصل والإصلاح من ع وق.
(5) عبارة (ولا لغيرهم) ساقطة في الأصل، والإتمام من ع وق.
(6) انظر البيان والتحصيل، 12: 217.
(7) المراد بكتاب ابن المواز هي (الموازية) التي تعتبر من أهم وأنفس مصادر
الفقه المالكي، والتي ألفها ابن المواز الذي سبقت ترجمته ص.
(8) في الأصل: (منهما) والإصلاح من ع وق.
(12/23)
قبل ذلك محبَّسة. وسواء قال: للآخر. أو:
على الآخر. فإن كانت آخرهم امرأة؛ باعت إن شاءت، أو تصدقت، أو صنعت بها ما
شاءت. وإن بقي آخرهم رجل يرجى له عَقبُ، أوقفت له (1).فإن مات، ولم
يُعقَّبْ، ورثها ورثته؛ لأنه ثبت (2) أن بموته قد صارت لهم. ومن كتاب ابن
المواز والمجموعة قال: ولو تصدق هكذا، أو جعلها للآخر منهم، فاجتمعوا على
بيعها، القعد منهم، والأطْرفُ فليس ذلك لهم؛ إذ لعلهم ليسوا بالذين هي لهم،
إلا أن يكونوا نساء كلهم (3) من ولده؛ فذلك لهن؛ لأنَّا نعلم أن إحداهن (4)
آخرهن؛ / فلم يَعْدُها الرضا بذلك. قال ابن القاسم: وإذا قال لرجلين: عبدي
حبس عليكما، وهو للآخر منكما. قال مالك: فذلك جائز، وهو للآخر ملكا. وقاله
أشهب. قال: إلا أن يقول: حبس عليكما حياتكما، وهو للآخر منكما. فلا يكون
للآخِرِ إلا حبسا عليه حياته. قال في كتاب ابن المواز: إلا أن يكون قوله:
وهو للآخر منكما بعد أن ثبت قوله الأول؛ فلا يكون للآخر إلا حبسا عليه.
فيمن حبَّس على ولده أو على ولده وولد ولده أو على بناته أو بنته وولدها من
يدخل في ذلك؟ أو على عقبه ومواليه من المجموعة؛ قال مالك: من قال: داري حبس
على ولدي. فإن ولد الولد يدخلون مع الآباء
__________
(1) في ع وق: (عليه) ولعل هي الأحسن والصوب.
(2) في ع وق: (تبين).
(3) في ع وق: (كلهن) وهي أليق للسياق.
(4) في ع وق: (إحداهن).
(12/24)
[12/ 25]
قال هو وعبد الملك قال مالك (1): يقول الله-تبارك وتعالى-: {يُوصِيكُمُ
الله فِي أَوْلاَدِكُمْ للِذَّكَرِ مِثْلُ حَظَّ الأُنْثَيَيْنِ} (2) فكان
ولد الولد كالولد في ذلك في عدم الولد. قال مالك: وإذا حبَّس على ولده وولد
ولده؛ لم يدخلْ فيه ولدُ البنات؛ لأنهم من قوم آخرين. وكذك في الصدقات،
والأحباس. ولأنهم لم يدخلوا في آية المواريث. قال عبد الملك، وابن كنانة:
فكذلك لا يدخلون في صدقة جدهم أبى أمَّهم بهذا الاسم. قال ابن القاسم عن
مالك: وحبسه على ولده وولد ولده. أو قال: ولدي وأعقابهم. سواء. والعقب؛
الولد من ذكر، وأنثى. وَوُلْدِ (3) ذكور الولد عقبُ آبائهم، وذكورُهم. وليس
ولد البنات عقبا؛ ذكرا كان/ أو أنثى. وقاله عبد الملك: إنَّ البنات دُنيا.
وبنات البنين من العقب. وقوله: على ولدي. أو: على عقبي. سواء. وكذلك ذكره
ابن حبيب؛ عن ابن الماجشون، ومطرَّف. قال مالك (4): ويجمَعُ ذلك أن كل ذكر
أو أنثى حالت دونه أنثى فليس بعقب. وقاله ابن شهاب. قال مالك (5): ومن
تصدَّق على بنيه، وبني ينبه؛ فإن بناته، وبنات بنيه يدخلن في ذلك. وإذا
تصدق على مواليه، دخل في ذلك موالياته. ومن العتبية (6) روى عيسى عن ابن
القاسم فيمن حبس على بنات له حبسا؛ فبنات بنيه الذكور يدخلن مع بناته لصلبه
في الحبس.
...
__________
(1) عبارة: (قال مالك) زيادة من ع وق.
(2) الآية 11 من سورة النساء.
(3) في نسخة ق: (وأبناء).
(4) كذا في ع وق. وفي الصل: قال ابن الماجشون.
(5) في الصل: ابن شهاب قال (ابن شهاب) وهو سبق قلم من الناسخ.
(6) انظر البيان والتحصيل، 12: 291.
(12/25)
ومن الكتابين قال سحنون: قال ابن القاسم:
وإذا (1) حبس على ابنته، وعلى ولدها؛ فإنه يدخل في ذلك ذكور ولدها وإناثهم،
فإذا ماتوا، كان ذلك لولد الذكور؛ إناثهم وذكورهم، ولا شيء لولد بناتها
(2)؛ من ذكر أو (3) أنثى. قاله مالك. ومن العتبية (4) وقال غيره: إنما يكون
حبسا على ولد الابنة دنية (5) من الذكور والإناث. فإذا ماتوا لم يَكُنْ
لولد أولادهم شيء. قال مالك: وإن حبس على مواليه فإن موالي أبيه، وموالي
أمه، وموالي الموالي يدخلون معهم [قال عنه ابن وهب، فأبناء الموالي يدخلون
مع أبنائهم] (6).قال أشهب: ومن أوصى لبنات فلان، وليس له بنت، وله ولد
ذكور؛ فالوصية لولد ولده؛ الإناث منهم؛ لأنه لا يقع اسم البنات إلا عليهن؛
يقول الله-سبحانه-: {فإن لُمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدُ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ
فَلاُِّمَّهِ الثُّلُثُ} (7) ولا خلاف أن ولد/ الولد كالولد في حجبها عن
الثلث إلى السدس. ومن العتبية (8) من سماع ابن القاسم فيمن حبس على آل فلان
حبسا؛ فإنه حبس على أهله لأبنائهم، وأبناء أبنائهم. وإن حبس على قوم
بأعيانهم فإنها ترجع بعد انقراضهم على أوْلى الناس الناس بالمحبس حبسا. قال
ابن القاسم: آله وأهله سواء؛ وهم العصبة والأخوات، والبنات، والعمات. ولا
شيء للخالات. قوله: بأعيانهم. قد تقدم ما ذكرنا فيه من الاختلاف.
__________
(1) في ع وق: وإذا قال: حبست على ابنتى. . .
(2) في ع وق: بناتهم.
(3) في ع وق: وأنثى، وهو أصوب.
(4) انظر البيان والتحصيل، 12: 302.
(5) في ع وق: كلمة (دنية) غير مقروأة في الأصل.
(6) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والتصويب من ع وق.
(7) الآية 11 من سورة النساء.
(8) انظر البيان والتحصيل، 12: 200.
(12/26)
وروى ابن وهب عن مالك في المجموعة: إن
كانوا بأعيانهم؛ إنها ترجع إلى الذي حبسها. ومن العتبية (1) قال ابن
القاسم: قال مالك: من حبس على مواليه، ولهم أولاد، وله موالي لبعض أقاربه؛
يرجع إليه ولاؤهم فلا يكون الحبس إلا لمواليه الذين أعتق. وأولادهم يدخلون
مع (2) آبائهم في الحبس، إلا أن يخصهم بتسمية. وقال مالك، بعد ذلك: إن
موالي الأب والابن يدخلون مع مواليهم، ويُبْدَأ بالأقرب فالأقرب من ذوي
الحاجة، إلا أن يكون الأباعد أحوج. قال مالك فيمن حبس على رجل، وعلى أهله
أوسقا مسماة من حائط، فهلك ولد من ولد ذلك الرجل، ووُلِدَ له آخر؛ فإنه
يدخل في تلك الصدقة. وإن حبس على مواليه داره؛ هل لموالي الموالي حق معهم؟
قال: نعم؛ يدخلون فيها معهم. ومن المجموعة (3): وقال غيره في الحبس على
الموالي: إنه يدخل فيه موالي ولد الولد، والأجداد، والأمَّ، والجدة،
والإخوة. ولا يدخل فيه موالي بني الإخوة، والعمومة. ولو أدْخِلَتْ موالي
القبيلة./ ويُبْدَأ فيه بالأقرب منهم؛ فيؤثَرُ على الأبعد، ويُجْعَل الفضلُ
للذين يلونهم في القُعْدُد، وذلك إذا كانوا كلهم (4) من أهل الحاجة، أو
استووا في الغنى. وإن كان الأقعد غنيا، أوثِرَ الأبعدُ
__________
(1) انظر البيان والتحصيل، 12: 200.
(2) في الأصل: (في) بدل (مع) والتصويب من ع وق.
(3) المجموعة: من التآليف التي تعتبر من أمهات الفقه المالكي الأصيل،
والموسوعة التي تضم نحو أربعة وخمسين كتابا كما يقول عياض: "وهي نحو خمسين
كتابا بالإضافة إلى أربعة أجزء في شرح مسائل المدونة، وكتاب الورع وكتاب
فضائل مالك، وكتاب مجالس مالك ألفها ابن عبدوس (202 - 260هـ) محمد بن
إبراهيم بن عبدوس، ورابع المحمديين الذين اجتمعوا في عصر مالك من أثمة
مذهبه: اثنان مصريان: محمد بن عبد الحكم ومحمد بن المواز، واثنان قرويان:
ابن عبدوس، وابن سحنون.
(4) لفظ (كلهم) ساقط في الأصل، وثابت في ع وق.
(12/27)
المحتاجُ عليه. ويُقَسَّمُ على أهل الحاجة
منهم بقدر حاجتهم؛ سكنى كان أو غلات. وما حُبَّسَ على قوم بأعيانهم من مسكن
أو ثمرة حائط، فلتْقَسَّمْ بينهم بالسواء؛ الغنيُّ والفقير فيه سواء. باب
(1) فيمن حبس على ولده ولا ولد له يومئذ أو جعل لولد أجنبي حبسا أو وصية
ولا ولد للأجنبي وكيف إن جعل في الوجهين مرجع ذلك إلى آخرين؟ من كتاب ابن
المواز ونحوه في المجموعة؛ قال مالك: ومن حبس على ولده ولا ولد له فله أن
يبيع. فإن ولد له فلا يبيعُ. قال ابن القاسم: ليس له أن يبيع، حتى
يُويِْئسَ له من الولد. ولو أجزتُ له أن يبيعَ؛ لأجزت له إن كان (2) له
وُلْدُ، فماتوا؛ أن يبيع، ولا يُنْتَظَرُ أن يولد له. قال: وإن مات الأب
قبل أن يولد له؛ فلا حبس، ويصير ميراثا. قال: ومن حبس على ولده، ثم هي في
سبيل الله، فلم يولَدْ له، فله أن يبيع إن شاء. فإن وُلِدَ له فلا سبيل له
إلى البيع. قال محمد: وذلك إذا أيس له من الولد. وقال عبد الملك: بل هي
حبس. ومن قال: ثلث مالي لبني فلان في وصيته فلم يوجد لبني فلانٍ ولدُ فلا
وصية. قلتُ: أفتوقَفُ الوصيةُ حتى يُويئْسَ أن يولد له؟ قال: أما ابن
القاسم فقال: إن أوصى وهو يعلم أنه لا ولد له فليوقَفْ ذلك. وإن لم يكُنْ
(3) يعلم لم يوقَفْ، وتبطل [الوصية. وقال أشهب: إذا مات الموصي قبل أن يكون
ولدُ، أو حمل فالوصية باطلةُ] (4).
__________
(1) كلمة (باب) ساقطة في الأصل، وثابتة في ع وق.
(2) في الأصل: (كانوا) ولعل الأصوب ما أثبته اعتمادا على السياق وعلى ع.
(3) لفظ (يَكُنْ) ساقط في الأصل، والإكمال من ع وق.
(4) ما بين معقوفتين ساقط في الصل، والإتمام من ع وق، أي من قوله: "الوصية.
. . إلى. . . باطلة".
(12/28)
ومن المجموعة: وقال عبد الملك: وإن قال
صدقتي هذه/ على ولدي. وليس له يومئذ ولد فهي محبسة، وتخرج من يده وإن لم
يَكُنْ سبلها. وتُجْعَلُ بيد ثقة، فما جاء فيها بعد مصلحتها؛ حبس. فإن مات،
ولم يَكُنْ له ولد، رجعت هي وغلّتُها، إلى أوْلى الناس به، يوم حبسها [فإن
كان أولى الناس به يوم حبسها] (1) أخ، يأخذون منها تعمير الأخ؛ من يوم
حُبَّسَ إلى يوم مات. ويأخذ ورثة ابن الأخ تعمير ابن الأخ من يوم موت ابن
الأخ، إلى يوم موت المحبس ولم يَنْسُلْ؛ لأنَّا لو علمنا يوم حبس أنه لا
ينسل، لكنا نعمل هكذا. قال (2) وإن جاء ولد، وقد اجتمع منها غلّةُ، فلم
يأخذوها حتى انقرضوا، ولم يُعقِبوا هم (3) ولا أبوهم، فالغلة لورثتهم؛
لأنهم استحقوا ذلك، فلا (4) يكون لأوْلى الناس بالمتصدق إلا ما يكون من
غلتها، بعد انقراضهم، إلى انقراض المتصدق. وكذلك قال غيره: من حبس داره على
ولده، ولا ولد له؛ إنه ليس له أن يبيع؛ لأنه حبس قد صار على مجهول من يأتي،
فصار موقوفاً أبداً، وصار مرجعه لأوْلى الناس بالمحبس، فلهم في ذلك متكلم
في إخراجه من يده. فإن حدث له ولد؛ رُدَّ إليه، فكان هو الذي يحوزه لولده،
ولا يضره ذلك من مرجعه إليه؛ لأنَّ الحوز فيه قد تمَّ.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والتصويب من ع وق.
(2) لفظ (قال) ساقط في الأصل، وثابت في ع وق.
(3) لفظ (هم) ساقط في الأصل، وثابت في النسختين السالفتين.
(4) في ع وق: (ولا) بالواو.
(12/29)
فيمن حبس على ولده أو على ولده وولد ولده
[أو على أجنبي وولده] (1) وكيف مدخل ولد الولد مع آبائهم في ذلك؟ وشيء من
ذكر الحبس وقسمه بين أهله من المجموعة/ قال ابن القاسم: قال مالك فيمن حبس
على ولده، أو قال: على ولدي، وولد ولدي؛ فذلك سواء، ويُبْدَأ بالآباء،
فيُؤْثَرون. فإن فضل فضل، كان لولد الولد. قال عبد الملك: كان مالك يؤثر
(2) الأعليين، ويوسع على الآخرين. وكان المغيرة وغيره يُسَوَّي بينهم، وهو
أحبَّ إليَّ. ورورى ابن القاسم عن مالك فيمن حبس على ولده، وأعقابهم، ولا
عقب له يومئذ، فأنفذه في صحته، ثم هلك، وهلك ولده، وبقي بنو بنيه، وبنو بني
بنيه؛ فإن استووا في الحال، والحاجة، والمُؤْنَةِ؛ سُوَّيَ بين الأدْنَين
وبين غيرهم. ولكن ما دام الصغار لم يبلغوا وينكحوا وتكون لهم المؤنة، فهم
مع الآباء؛ يُعطَى الأبُ بقدر ما يمون. ومن كتاب ابن المواز قال في المحبس
على ولده، أو قال: ولدي، وولد ولدي. أو حبس كذلك على فلان وولده؛ فقد أصاب
(3) قول مالك في دخول ولد الولد، مع الأعيان. واختلف فيه ابن القاسم، وأشهب
فيه، وفي العتبية (4)؛ فروى ابن القاسم عن مالك فيمن حبس على عقبه، ولعقبه
ولد؛ فإن تساوى بينهم، وبين آبائهم فيه؛ إلا أنه يُفضَّلُ ذو العيال بقدر
عياله. والذكر والأنثى سواء. وقال عنه فيمن حبس داره على ولده حبسا صدقة،
فوُلِدَ لهم أولاد؛ فإنهم مع آبائهم، في حياة الآباء
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والإصلاح من ع وق (أو على. . . ولده).
(2) الأصل يوسع على الأعليين، وهو تصحيف من الناسخ، والإصلاح من ع وق.
(3) في ع وق: (اضطرب) قول مالك؛ ولعل هذا الصواب.
(4) البيان والتحصيل، 12: 212.
(12/30)
[12/ 31]
وقال عنه فيمن حبس داره، على ولده، وولد ولده: إن الأبناء إنما يسكنون مع
الآباء؛ إن وجدوا فضلا، وإلا فالآباء أحقُ. ومن خرج من الآباء لينتقل إلى
بلد يوطنها؛ يسكن من يليهم، ثم إن رجع المنتقل، لم يُخْرَجْ له. وهذا الشأن
في الأحباس في السُّكنى خاصة. زاد في كتاب ابن المواز: وأما إن خرج لتجارة،
أو حاجة؛ فله مسكنُه./ قال ابن المواز: وذهب أشهبُ، إلى أنه إذا قال: على
ولدي. فأدخلنا ولد الولد معهم بالتأويل؛ فليُبَدَّى الأعيان إذا استوت
الحاُل. وأما إن قال: على ولدي وولد ولدي. فلا يكون الآباء أولى في استواء
الحال، كقوله: على ولدي وابني (1).وإن اختلفت الحال؛ آثر الأحوج من ولد، أو
ولد ولد. وقال ابن القاسم: ذلكسواء، ويبدأ بالأعيان، وللأبناء ما فضل في
استواء الحال. وأما إن كانت الحاجة في ولد الولد؛ فُيْؤَثُرون أو يكون
الآباء معهم. وقال مثله عبد الملك. محمد: وقول ابن القاسم استحسان. وقد قال
مالك: لا يدخل ولد الولد، في (2) الفضل. وشأنُ الأحباس أن يُؤْثَرَ أقربُهم
ممن حبسها. وكذلك في مرجعها. قال محمد: وقوله: على ولدي. يتعدى إلى ولد
الولد. وأمَّا لو قال: على ابني: لم يدخُلْ فيه ولد الابن. ولم أجدْ لقول
(3) أشهب حجة من قول مالك: إنه إذا سمى ولد الولد لم يُؤْثَرِ الآباء في
تساوي الحال. وقال: لعل مالكا يعني ذلك؛ إذا كان فضل وسَعَة. قال محمد:
وأما قول ابن القاسم إلا أن تكون الحاجة في ولد الولد؛ فُيؤْثَرُ، ويُعطَى
الأب أيضا معه. فيعني-في رايي-لئلا ينقطع نسبه وإن كان عينا. ولو
...
__________
(1) في ع وق: (ولد ولدي) ولعل هذا هو الأصح كما يفهم من السياق.
(2) في ع وق: زيادة (إلا) في ولعل هي أصوب.
(3) كلمة (لقول) ساقطة في الأصل، وثابتة في النسختين: ع وق.
(12/31)
كانت الحاجةُ في الأعيان لم يدخلْ معهم ولد
الولد إلا بعد غنى الآباء. فإن اعتدلوا قرب الأعيان. فأما إذا بلغوا حتى
يكون الولدُ أَغْنِىَ عن ذلك من ولد الولد؛ أُعطِيَ معهم ولدُ الولد.
ونحوُه لابن وهب عن مالكٍ؛ إذا مات واحد من الأعيان؛ دخل ولد الولد فيما
فرغ من المساكن. وإن لم يبق من الأعيان إلا واحد؛ لم يُعْطَ جميع الغلة،
ولكن ما يكيفه، [ويكون ما بقي لولد الولد] (1).قال ابن حبيب قال مطرف، وابن
الماجشون/قال مالك، وجميع أصحابنا: إنه يُنْفَقُ على ولد الرجل، وولد ولده
من حبسه؛ إذا احتاجوا وإن لم يَكُنْ جعل لهم في ذلك اسما. فإذا استغنوا؛
فلا حق لهم. واستحسن مالك ألا يوعبوها إذا احتاجوا، وأن يكون سهم منها
جاريا على الفقراء؛ لئلا يدْرسَ. وقاله ربيعةُ، ويحيى بن سعيد، وقد تقدم في
باب قبل هذا؛ في الحبس المبهم؛ لا مخرج له؛ أنه يدخل فيه فقراء ولده، مع
الأجنبيين. قال ابن المواز: [قال ابن القاسم عن مالك فيمن حبس حائطا على
ابنه وعلى عقبه وبنات بني ابنه، أو قال: وعلى المردودة من بناته فمات عن
ولدين، لأحدهما ولد، فقالا: نحن أحق به (2)،قال مالك (3): فإن لم يكن قال
لولد الولد بعد الابنين فأراهم فيه كله. محمد؛ ولو قال لولد الولد بعد
الابنين لم يكن لولد الولد في الفضل حقُّ، وهذا خلاف ما تقدم، وهو قول عبد
الملك وأشهب؛ وهو القياس. ومنه ومن العتبية (4) قال ابن القاسم عن مالك:
مَن حبس منزلاً على ابنتيه وقال: وما كانتْ لي من بنتٍ فهي معهما، فأرى
بنات ابنه يدخلن مع ابنتيْه في الحبس، وإذا قال: حبس على بناتي، فإذا هلكْن
فهي على الذكور من وُلْدي وهو
__________
(1) عبارة (ويكون ما بقي لولد الولد) ساقطة في النسختين: ع وق.
(2) في نسخة ق: (منه).
(3) جملة (قال مالك) ساقطة في ق.
(4) انظر البيان والتحصيل، 12: 302.
(12/32)
صحيحُ فابتله لهن ثم هلكن وله يومئذٍ ولدُ
وولدُ ولدٍ ذكور، فإن وَلدَ الولدِ يدخل (1) مع ذلك. ومن كتاب ابن المواز
قال مالك: وليس لولد البنات فيما حُبَّسَ على الولد وولد الولد شيء إلا إن
يُسمّوا. قال مالك: ومن حبس على وُلْدِه، الذكر والأنثى سواء، فمن مات منهم
فولدُه بمنزلته فمات بعض ولد الميت، وترك ولداً من غيرهم، فليس لولد البنات
شيءُ. والبنت عقب، وليس وُلْدُ (2) البنات عقباً. ومن المجموعة قال عبد
الملك فيمن تصدق على ولده الذين هم أحياء، ثم على أعقابهم فهو كقوله، فإذا
انقرضوا فعلى أعقابهم. ولو قال: وأعقابهم دخل العقب مع الأعلى. قال ابن
كنانة: فإذا حبس داره على ولده وأعقابهم لا تباع، ثم مات عن ابن فمات الابن
عن بنت، وأمُّ وزوجةٍ، فلا شيء للأمَّ والزوجة، وتسكن فيها البنت ومن
يعقبها من أم وغيرها. ومن العتبية (3) قال عيسى:] (4) قال ابن القاسم عن
مالك فيمن حبس حبساً على ولده: إن الذكَرَ والأنثى فيه سواء، ولا يكون
للذكر مثلُ حظ الأنثيين إلا أن يشترط ذلك. ومن سماع ابن القاسم: ومن حبس
حبساً على ذكور ولده؛ لا يُباع، ولا يُوهَبُ، ولايُورَثُ؛ فانقرض ذكور
ولده؛ فأراه حبساً على ذكور بنات ولده، وعلى العصبة؛ إلا أن لا يكون لهم
فيها سعةُ (5).ومنه، ومن المجموعة، ابن القاسم عن مالك: ومن حبس دارا على
أربعة نفر من ولده، وشرط أنَّ مَن مات من ولده فولده على مصابته من الحبس.
فمات اثنان
__________
(1) في ع وق: (يدخلون) وهي أصوب إذا قرى (وُلْد) بالجمع.
(2) في ع وق: (لولد) ولعله تصحيف.
(3) انظر البيان والتحصيل، 12: 260.
(4) هذه الصفحة المكتوبة بين معقوفتين ساقطة في الأصل أي من قوله: " قال
ابن القاسم. . . " إلى قوله: " قال عيس " والإكمال من ع وق.
(5) انظر تفصيل هذه الصور في البيان والتحصيل، 12: 233.
(12/33)
منهم، وتركا أولاداً، ولا ولد للآخرين، ثم
مات أحدُ الباقين، ولا ولد له فإن نصيبه يرجع على جميع ولد أخويْه
الميّتَيْن، وأخيه الحيَّ، ويُؤْثَرُ أهلُ الحاجة منهم؛ دون الأغنياء، ولا
قَسْمَ فيها. قال في كتاب ابن المواز: وكذلك إن شرط أنَّ مَن مات منهم، ولم
يتركْ ولداً فنصيبه على إخوته. فمات اثنان منهم عن أولاد، ومات ثالث عن غير
ولدٍ فإنَّ نصيبه يرجع على الباقي من الولد، وولد الولد، بالاجتهاد،
ويُؤْثَرُ فيه الأخوجُ، فالأحوجُ،/ ولا يجري فيه قَسْمُ. قال عيسى في
العتبية (1): قال ابن القاسم: ومن حبس دارا على ولد، وقال: ولفلانٍ
رُبُعها-لأحدهم-. كلاماً نسقاً؛ إنه ليس له منها إلا الربع، ولو حبس عليه
حبساً، ثم حبس حبساً آخر على جميع ولده؛ فإنه يدخل معهم فيه. ولا يدخلون
معه فيما حُبِسَ عليه. جامع القول في قَسْمِ الحبس بين أهله في الغلة
والسكنى وهل يُخْرَجُ أحد لأحدٍ؟ ومَن سافر ثم رجع؟ من المجموعة قال مالكُ
فيمن حبس على قومٍ، وأعقابهم؛ فإن ذلك كالصدقة؛ يوصي أن تُفَرَّقَ على
المساكين (2)؛ فلمن يليها أن يفضَّلَ أهل الحاجة، والمسكنة، ولمؤنة،
والعيال، والزمانة. وكذلك غلّةُ الحبس؛ يُفَضَّلُ أهل العيال بقدرهم،
والكبير الفقير على الصغير؛ لعِظَمِ مؤنة الكبير. والمرأة الضعيفة
تُفَضَّلُ بقدر ما يراه من وليها، ولا يُعْطَى منها الغنيُّ شيئاً. ويُعطىَ
المُسددُ بقدر حاله. وإن كان للأغنياء أولاد كبار فقراء؛ وقد بلغوا؛
أعْطُوا بقدر حاجتهم. ومن أوصى
__________
(1) انظر البيان والتحصيل، 12: 253.
(2) في ع وق: (الفقراء)، بدل المساكين.
(12/34)
بداره، أو بتمرة حائطه حبساً على ولد رجل،
أو ولد ولده، أو على بني فلانٍ يُبْدَّأ بأهل الحاجة منهم في الغلّة
والسُّكنى. قال ابن القاسم: وأما الوصايا بمال ناجز؛ يُفَرَّقُ عليهم؛
فإنما يُفَرَّقُ بينهم بالسَّوية. قال سحنون: وغيره وليس وصيته لولد رجل أو
أخواله بمال ناجز يُفَرَّقُ عليهم؛ فإنما يُفَرَّقُ بينهم [بالسوية
وتقسيمُه بمنزلة وصيته لهم بغلة نخل] (1)،تُقَسَّمُ عليهم محَّبسة موقوفة؛
لأنَّ القصد في الحبس مجهول من يأتي. وإذا أوصى لبنيهم أو من لا يُحِاط/
بهم؛ فهذا [وإن كان وصية ناجزةً فقد عُلِم أنه لم يُرد معينين، وإنما هو
لمن حضر القسم وعلى الاجتهاد. قال غيره في الأحباس على الموالي، يريد أو
الولد. أما إن استوَوْا في الفقر والغنى فليُوثَر الأقربُ، ويُعْطَى الفضلُ
لمن يليه، وإن كان الأقعدُ غنياً أوثر الأبعدُ المحتاج، فيُقسمُ على
الاجتهاد في الغلّة والسُّكنى] (2) وأما ما حُبَّس على قوم بأعيانهم؛ من
دار أو من زرع، أو من تمر (3) نخل؛ فذلك فيما (4) بينهم بالسواء؛ الذكر
والأنثى، والغنُّي والفقير بالسوية. ومنه ومن كتاب ابن المواز قال ابن
القاسم عن مالك: ومن حبس على الفقراء، أو في سبيل الله، وابن السبيل، وذي
القربى؛ وفي قرابته غنُّي؛ فلا يُعطَى منه، ولكن ذوي الحاجة. قال ابن حبيب:
وقول مالكٍ، وأصحابه أن الذكر والأنثى في الحُبس سواء، إلا أن يقع شرطُ.
__________
(2) ما بين معقوفتين باهت في الأصل، لا يقرأ، وذلك من قوله: " وإن كان وصية
ناجزة. . . . . . إلى. . . في الغلة والسكنى ". والإكمال من النسختين.
(3) كلمة (تمرة) ساقطة في الأصل، والتصويت من النسختين: ع وق.
(4) كلمة (فيما) ساقطة في ع وق.
(12/35)
ومن كتاب ابن المواز قال عبد الملك: لا
يُفَضَّل ذو الحاجة على الغني في الحبس؛ إلا بشرط من الذي حبسه؛ لأنه
تصدَّق على ولده، وهو يعلم أن منهم الغني، والمحتاج. ومن العتبية (1) من
رواية عيسى عن ابن القاسم، وذكر مثله ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم في
قسم الحبس بين أهله في الغلة والسكنى؛ ليس على كثرة العدد، والمُبَدَّأ به
والمقدَّم (2) فيه أهل الحاجة منهم؛ وليس على عددهم، ولكن بقدر كثرة عيال
أحدهم؛ إن كانت سكنى، أو عظم مؤنته، وخفتها (3) وإذا كانت غلة؛ فبقدر
حاجتهم؛ وأعظمُهم فيها حظّاً أشدُّهم/ فاقةً، فما فضل بعد حاجتهم؛ رُدَّ
على الأغنياء، فسكن كل واحد؛ على قدر ما له، وكثرة حاجته؛ ليس الأعزب
كالمتأهل المعيل. والحاضر أولى بالسكنى من الغائب. والغلة بين الحاضر
والغائب سواءً. والمحتاج الغائب أولى فيها من الغني الحاضر؛ وذلك على
الاجتهاد. ولا يخرج أحد من مسكنه. ومن خرج (4)،فانقطع عن البلد، فأوطن
بلداً غيره [وكان الحُبس سكناً، ولم تكن غلةً، فالمقيم أوْلى منه، ثم إن
قدم لم يخرجْ له غيُره] (5) وإن كان القادمُ أحوج منه، أو كان الذي أقام
غنيا، ولو لم يخرج الخارجُ، كان أحقَّ بمسكنه، ولا يخرج لمن هو أحوج منه
إنْ لم يَكُنْ في الدار سعةُ. وأما إن خرج لتجارة أو لحاجة، ثم رجع فيها،
فهو كالحاضر. ومن سماع ابن القاسم قال مالك: ومن حبس على ولده، أو غيرهم
حائطاً، وسمى لبعضهم ما يُعطَى كل عام من الكيل، ولا يسمي للآخرين؛
فليُبَدَّى
__________
(1) انظر البيان والتحصيل، 12: 27.
(2) في الأصل: (والمبادرة والقدم) والإصلاح من ع وق والبيان والتحصيل.
(3) في الأصل: (مؤتها، وحقيقتها) والتصويب من ع وق.
(4) عبارة (ومن خرج) ممحوة في الأصل، والإكمال من ع وق.
(5) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والإتمام من ع وق.
(12/36)
الذين سمى لهم (1)،إلا أن يفضَّلَ في ذلك؛
فيكون أولى بحقه. قال ابن القاسم: وكذلك في غلة الدَُور. ومن كتاب ابن
المواز: ومعنى قول مالك: إن خرج أحد من الأدنين خروج انتجاح؛ سكن الذين
يلونهم، وإنما ذلك إذا لم يَكُنْ سعة وسكن (2) من هو أوْلى. فإن رجع
المنتجع لم يَخْرُجْ له. قال مالك: هذا الشَّاْنُ في السكنى، وأما فضلة
الكراء والغلاب من الثمن وغيره؛ فإن حق من انتجع، أو غاب، لا يسقط. وإنما
يسقط عنه السُّكنى؛ إذا لم يكنْ فيه فضل. قال ابن القاسم: وإنما ذلك فيمن
حبس على ولده، أو ولد فلان، أو آله [أو آل فلان] (3) على قوم بأعيانهم/
مسمين ليس على التعقيب؛ فإن حق من انتجع منهم ثابت. قال ابن القاسم: ذلك في
السكنى؛ حاضرُهم، وغائبهم. قال محمد: وغنيهم، وفقيرهم سواء. قال ابن
القاسم: وإذا طلب المنتجع أن يُكْري منزله، أو يُقْطَع له بقدر حصته
يكريها؛ لم يكن له ذلك إذا كان الحُبُس على غير معينين. قال مالك: وإذا رجع
فلا يَخْرُجُ له من مسكنه. ولكن له حقه فيما يفرغ من المساكن إن كان فضل.
وأما الغلة فحقه ثابت؛ وإن انتجع. ويُفضَّل في قسم الغلة أهل الحاجة،
والعيال بالاجتهاد ممن يلي ذلك. ولو خرج غير منتجع، ثم قدم؛ فْلُيَردَّ
إليه منزله، ويخرج له من كان فيه. قال مالك: ولو أراد هذا أن يكري منزله
إلى أن يرجع فذلك له؛ إلا أن يكون سفر انقطاع ونقلة فليس له ذلك، ويكون لمن
بعده إلا أن يَفْضُلَ عن
__________
(1) في الأصل: (سماهم) والتصويب من ع وق.
(2) في ع وق: (فسكن).
(3) عبارة (أو آل فلان) ساقطة في الأصل والتصويب من ع وق.
(12/37)
سكنى من بعده من الحبس، فيكون له معهم في
الفضل حظه، ويُقَسَّمُ ذلك الفضل بينهم بقدر الحاجة، وكثرة العيال. فإن
تكافأت (1) حاجتهم، أو غناهم؛ قُسَّمَتِ الغلة بينهم على العدد. والأنثى
والذكر في ذلك سواء. قال محمد: وكذلك من أوصى لقوم بالثلث؛ فإن الذكر
والأنثى سواء. قال مال: وإن تنازعوا في السكنى فأحقهم أحوجهم فيُعطَى ما
يكفيه مع عياله، غير مضر بغيره. محمدُ (2): يريد: ممن هو مثله؛ فمن سكن على
هذا؛ فلا يُخْرَجُ منه. قال مالك: إلا أن يقل عياله حتى يُفَضَّلَ عنه.
قال: وليس انقطاعُه من (3) البلد، يقطع حقه فيما يفرغ من المساكن،/ ولا من
غلة، أو ثمر. إنما ذلك في المساكن التي لا فضل فيها. فإنه إذا سكن من سكن؛
لأنه أحوج، ثم حدث غني الساكن، وقدم المنتجع، فلا يخرج الساكن، ولكن إنْ
فضل فضلُ، دخل فيه المنتجع. وإذا كانت المساكنُ من أول الأمر لا تسعهم، وقد
استووا في الحال؛ أكْرِيَتْ، واقتسموا الكراء؛ إلا أن يرضى أحدُهم أن يسكن
بكراء، فيسكن. قال: فإن هلك بعضُ من سكن؛ لأنه أوْلى، وبقيت امرأته؛ وإن لم
يتركْ ولدا من أهل الحبس؛ تُركَتْ لتمام عدتها؛ هي وعياله، ثم أخْرِجُوا.
وإن كان من أهل الحبس؛ لم يخرجوا منه، وسكنوا فيه بأمهم على ما سكن أخوهم.
وقد قال ابن القاسم عن مالك في الهالك في العدة. وكذلك الساكن في دار في
سبيل الله. قال: وإن كان أهله، وولده أهل حاجة، وهم صغار لم يخرجوا. وأنكر
قول من قال: إنما حُبِسَتْ في السبيل للرجال دون النساء.
__________
(1) في الأصل: (تكافت) وهو تصحيف، والإصلاح في النسختين.
(2) في ع وق: (ل) محمد.
(3) في ع وق: (عنه) وهو سبق قلم في الناسخ.
(12/38)
ومنه، ومن العتبية (1) من سماع ابن القاسم
قال مالك فيمن تصدق بصدقة نخل أو غلة على ولده، فرأوا أن النساء ليس لهن
فيها حق، فقسموه زمانا بين الذكور خاصة، ثم قام النساء. قال: فلهن أن يأخذن
فيما يستقبلن، ولا شيء لهن فيما مضى. وقال في كتاب ابن المواز: وقاله ابن
القاسم، وقال: لأنهم لم يتعمدوا ولا علموا. ولو كانت غلة؛ لرجعوا بحقوقهم
فيما مضى، بخلاف السكنى. وقال أشهب: بل يرجعون على الذكور بأنصبائهم. وروى
ابن عبد الحكم/ مثله عن ابن القاسم. قال ابن القاسم؛ في العتبية (2): وأراه
بمنزلة قول مالك في الورثة يسكنون الدار زمانا، ثم يطرأ له ورثة معهم؛ فلا
يرجعوا عليهم في ذلك بكراء. قال سحنون: وأخبرني عليُّ بن زياد؛ عن مالك؛ أن
الغيَّابَ يرجعون على الحضور بحصتهم من الكراء؛ علموا بهم أو لم يعلموا.
ومَحْمٍلُ الغلة عندي محملُ السكنى. قال مالك: وكانت صدقات رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - فيما مضى تُخْرَجُ نفقاتُها منها ثم تقسم على من جاءهم،
وعرفوا مكانه، ويُخَصُّ بها قومُ على قدر حاجتهم، ولا يُكْتَبون، ولا
يُعَمُّون، حتى ولي بنو هاشم، فصار يُنْفَقُ عليها من مال الله، ثم
تُجْمَعُ، فيُعطَى تمرها القبائل؛ يعمونهم بقدر حاجتهم. ومنه، ومن العتبية
(3) من سماع أشهب قال مالك فيمن حبس حائطاً على المساكين قال في العتبية:
فإن لم ينص الميتُ في ذلك شيئا (4).قال في الكتابين: فولي النظر فيه
الاجتهاد. وإن رأى بيع التمرة، وقسم ذلك ثمنا فعل. وإن رأى خيراً للمساكين
قسمه تمرا فعل. فرُبَّ حائط يبعد عن المدينة فيضرُّ
__________
(1) انظر البيان والتحصيل، 13: 355.
(2) اظر البيان والتحصيل، 12: 147.
(3) اظر نفس المصدر، 12: 147.
(4) كذا في النسخ التي بين يدي، ولعل الصواب (على شيء).
(12/39)
بهم حملُه، وربَّما كان بالناس حاجة إلى
الطعام؛ فيكون قسمُه تمرا خيرا لهم. وهذه صدقات عمر يباع تمرُها ويُقَسَّمُ
ثمنه. فإنما ذلك على وجه النظر للمساكين. ومن المجموعة قال ابن كنانة فيمن
حبس دارا على قومه، وعشيرته؛ يسكنها منِ احتاج منهم إليها من أهل بلده.
فبدر إليها جماعة منهم؛ فليس ذلك بالبدار، ولكنْ/ ينظر الإمام أحوجهم
إليها، وأقربهم قربا من الميت؛ من أهل بلده. فإذا سكن فيها من رآه أقام
فيها هو وعقِبُه، ثم إن صار مليّاً، وجاء من هو أحوج منه؛ لم يخرج له هو،
ولا ولدُه حتى ينقرضوا، فيأتنف الإمام الاجتهاد فيمن يسكن موضعه. قال عبد
الملك: وإذا كان بيده بيت من الصدقة، فمات وله بنون أصاغر، وأكابر؛ فأمَّا
من خرج عنه من البنين الأكابر؛ فلا حق لهم في السكنى مع الأصاغر. فإن
بلغوا، خرج أولئك إلى صدقة، أو إلى غير صدقة. وقاله سحنون. قال علي عن
مالك: وإذا سكن بعض (1) أهل الحبس، ولم يجد الباقون مسكنا، ولا صلة لهم
بحصته من الكراء، ولا يخرج أحد لأحد. ومن مات أو أنتجع، سُكَنِ مكانُه،
وهكذا جرى الأمر، في أوقاف الصحابة. وقال عنه ابن القاسم: ولو خرج أحدهم
سفرا لحاجة، فسكن آخر مكانه، ثم قدم، فله إخراجه. ولو خرج خروج ارتحال، ثم
رجع؛ لم يخرجْ له أحد. وكذلك لو حبس على ولده وعقبه؛ وبعضهم غيَّبُ في
بلدان شتى، وقد أوطنوها؛ فلتُقَسَّمْ بين من حضر، ولا حق للغياب فيها. وإن
(2) كانوا إنما غابوا في حوائج، أو تجارة؛ فليُقَسَّمْ لهم بحقهم في ذلك.
قال غيره: فإن كان الحضور أغنياء، والغُيَّبُ فقراء-يريد ولم يوطنوا
موضعهم-فالدار تُوقَفُ للفقراء؛ فإذا رجعوا كانوا أحق بالسكنى. فإن كان
فيها
__________
(1) لفظ (بعض) ساقط في الأصل، والإصلاح من ع وق.
(2) في ع وق: (ولو) كانوا.
(12/40)
فضل أعْطِيَهُ الأغنياءُ، فإنْ فضل فضل
أكْرِيَ به وأوثر به أهل الحاجة. وإن كان الغيَّابُ الفقراء أوطنوا مكانهم
فالأغنياء/ أحقُّ بالسُّكنى، ثم لا يخرجون لأحد. قال عبد الملك في الولد
يسكنون مع أبيهم فيبلغ بعضهم قال: أما البالغ البائن عن أبيه القويُّ؛ ولا
سعة له مع أبيه، فلولي الصدقة أن يسكنه مسكنا؛ وإن لم يتزوجْ. وأما الضعيف
عن ذلك، ومن لا ينفرد عن أبيه فلا. وذلك يُصرَفُ إلى اجتهاد من يليها. ومن
تزوج منهم من قوي أو ضعيف فقد استحق المسكن. وأمَّا المرأة فلا؛ وإن بلغتْ
لأنها في نفقة الأب وكفالته حتى تتزوج، وتخرج. وإذا قال: وللمردودة من
بناتي السكنى. فإذا رجعت قُسِمَ لها، ووُسَّعَ ذلك عليها. ولو سمى لها بيتا
بعينه ترجع إلأيه كان لها ذلك، وهي أحقُّ به. وهي ما لم ترجع، يسكنه أهل
الحبس، ويُكرُونه، ولا يُرْجَعُ فيه بكراء لأنهم من أهل الحبس. ولو كان قد
انقرضوا كلهم، إلا هي؛ فتلك يُوقَفُ لها ما كانت متزوجة لأن الذي ترجع إليه
الدار بعد انقراضهم أهل المرجع، لا أهل الحبس وقد بقي منهم هذه، ولها أن
ترجع؛ فتسكن. قال ابن القاسم عن مالك فيمن تصدق-يريد على ولده وولد
ولده-بدار، فسكن رجل منهم في منزل (1)،ونساء في منزل، فمات الرجل عن ولدين،
فسكنا أحد المنزلين، وأكريا الآخر، فقام فيه النساء؛ فلْيُعْطَ الاثنان ما
يكفيهما من السكنى، وما فضل دخل معهما النساء في كرائه، فيقاسمنهما (2) ذلك
بقدر حقوقهم. ومن العتبية (3) من سماع سحنون من ابن القاسم-وقد تقدم
نحوه-وقال في قسم الحبس: إذا حبس دارا على بني فلان وهم حضور؛ أوثر/
[بالسكنى أهل الحاجة] (4) فإن فضل فضلُ فللأغنياء، ثم إنْ فضل شيء أكْرِيَ
وأوثر فيه أهل
__________
(1) في الأصل: (منزلين) والتصويب في ع وق.
(2) في ع وق: فيقاسمها.
(3) انظر البيان والتحصيل، 12: 299.
(4) ما بين معقوفتين غير مقروء في الأصل، والإصلاح من النسختين.
(12/41)
الحاجة. وإذا لم يكُنْ في السكنى فضل،
فأوثر أهل الحاجة، فسكنوا؛ فإنهم لا يخرجون وإن استغنوا وافتقر الأغنياء.
وكان ذلك لمن تناسل من الساكنين على الأحوج فالأحوج منهم. فإن كان بعضهم
ببلدٍ أوطنها، قسم لمن حضر، وأوثر الأحوج. فما فضل من شيء أكري، وأوثِرَ
فيه ذو الحاجة، ثم لا يخرج أحد لأولئك الغياب إن قدموا. وكذلك من خرج ممن
قُسِمَ له، فأوطن بلداً، فسكن غيرهُ منزله، ثم قدم فلا يخرج له. وأما من
خرج لحاجة، فلا يُسْكَنُ منزلُه، وهو أحق به إذا رجع. ومن كان خرج لحاجة
فليُقْسَمْ له مع الحضور. قال أشهب: فإن كان الغيَّابُ فقراء، والحضور
أغنياء، [أوقِفَتْ للفقراء الغياب إلا أن يوطنوا موضعهم، فيكون للأغنياء]
(1) ثم لا يخرجون إن قدم الغياب. وإن لم يتخذوه وطنا، فهم أحق بالسكنى؛ إن
قدموا، أو بالغلة؛ إن كانت غلة، إلا أن يَفضُلَ عن سكناهم، فيعطاه
الأغنياء. ثم إن فضل شيء أكرى. وأوثر به أحوجهم. ولو قال الأغنياء في سعة
الدار: نحن لا نسكن، ولكن نكري ما يقع لنا أو نُسْكِنه من نسبنا فذلك لهم.
وروى عيسى عن ابن القاسم: وإذا تكافاً (2) أهل الحبس في الغنى، أو الإقلال
[فليجتهد فيها، فإما أن يسكنها] (3) أحدهم، أو يكريها، ويقسم الكراء بينهم
[قال ومن سبق إلى] (4) سكناها منهم، فهو أحقُّ، ولا يخرج لمن بقي (5).ومن
كتاب ابن المواز: وإذا (6) حبس على ولده، أو غيرهم ثمرة نخل أو غيره، وسمى
ما يُعطَى لبعضهم كل عام؛ كيلا معلوماً، أو لم يُسَمَّ للباقين؛ / فأهل
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والإكمال من ع وق.
(2) لفظ (تكافا) ساقط في الأصل، والإكمال من ع وق.
(3) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والإكمال من ع وق.
(4) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والإصلاح من ع وق.
(5) لفظ (بقي) ساقط في الأصل، وثابت في ع وق.
(6) في ع وق: (ومن حبس) وهي أليق للسياق.
(12/42)
التسمية يُبَدَّؤُون إلى مبلغ ما سمى لهم
من التمرة، إلا أن يعمل فيها عامل، فيكون أولى بإجارته. قال أشهب عن مالك
فيمن حبس على سبعة أولاد سبعة منازل له؛ عليهم وعلى أولادهم من بعدهم، فمات
أحدهم، فأعطى ولدُه منزله، فكان يكريه، ويأخذ كراه، ثم خرج إلى بلد؛ فإن
كان خروج انقطاع، وسكنى؛ فليُعْطَ ذلك لغيره. فإن لم يُعْطَ لأحدٍ،
وأكْرِيَ، فكراه بين أهل الحبس، إلا أن يُخَصَّ به ذو الحاجة منهم. ومن
المجموعة قال ابن الماجشون في الحبس على قوم، ثم على أعقابهم، وكان كتاب
الصدقة قائماً أو قد تلف، وكان شأنها أن يدخل الولدُ مع أبيه، فأرادوا وهم
إخوة أو بنو عم سواء في القُعْدُدِ (1) أن يتجاورا، ويشهدوا على أنفسهم
بذلك حتى يكون ما صار للواحد منهم بيعا لبنيه. وإن قلوا، ولا يدخل عليهم
بنو الآخر وإن كثروا. قال: ذلك جائزُ؛ لازم إذا لم يكُن الأبناء في الأصل
يدخلون مع آبائهم؛ سواء بطل كتابهم أو بقي، ولا يكون ذلك إلا على التحري
والتعديل (2)،وقد تجاور بنو الزبير، وبنو عثمان، وغيرهم، ولا يصلح أن يكون
في ذلك زيادة دينار، ولا غيره من الغرر (3) حتى يصير بيع الصدقة. وقال عبد
الملك: وإذا كان كتاب الحبس حيز وفيه ترتيب أمرها؛ خلاف ما درج عليه فعلُ
ولاتها. قال: بل يُعمَلُ على ما في كتابها. ولو تلف كتابها ولا يُعرَفُ ما
فيه؛ فليُحمَلْ على ما درج عليه أمر ولاتها، ولعلهم على ما في كتابها
عملوا. وقال ابن القاسم عن مالك/ قال: لا يُنَاقَلُ بالحبس، ولا يُحَوَّل.
وهو كالبيع وذلك إن يكونا رجلين؛ لكل واحد منهما حبس على حدة؛ فيقول هذا
__________
(1) لفظ (في القعدد) ممحو في الأصل، والإصلاح من ع وق.
(2) في الأصل: بياض، وق: التحدي، والتصويب من ع.
(3) في الأصل: بياض، وق: الإعراض، وع: الغرر، ولعل هذا هو الصواب.
(12/43)
لهذا: أعطنى حبسك؛ إذ هو أقرب إلي-يكون
حبسا على حاله-وخذ أنت حبسي؛ لأنه أقرب إليك-يكون حبسا على حاله-فلا يكوز
ذلك. وقال ابن كنانة في الدار الحبس يتفرق أهلها في مساكنها، فطال الزمان،
وكثُرَ عيال أحدهم، وضاق به مسكنه. قال آخر من أهل الدار على أن زاده
دراهم، ويناقله. قال: لا يعجبني لأنه قد يموت عن قريب، فتذهب زيادته باطلا.
وإن كان قد فعله بعض الناس، فلا يعجبني. ومن كتاب ابن سحنون في الأقضية
وسأل سحنون شُرَحْبِلَ عن الحبس على قوم، وعلى أعقابهم، وفيه السواد من
أصناف الشجر والفاكهة والأرض والمساكن، وفيهم القويُّ (على العمل) (1)
والضعيف، والطفل فقال: أما السواد الذي يعمل، فيُعطَى معاملة، وتُقَسُّم
غلته على شرط الحبس إن كان فيه شرط. وإن لم يَكُنْ؛ قُسَّمَتْ على قدر
الاجتهاد، ويُفَضَّلُ الأحوج. وأما المساكن فليسكنوها على قدر حاجتهم إلى
السكنى. وكتب إليه: إن منهم القوي على العمل، والضعيف، فقال القوي: إن بها
بيتا في قسمها خرب ما بيد الضعيف، فكتب إليه: إن كان الذي يُعْرَفُ من أول
الحبس يبقى بيد أهله هم يعلمونه؛ لا يعرفون غير هذا؛ فاعملْ عليه. وإن لم
يكُنْ ذلك، فاعمل على ما وصفتُ لك. وإنما يخاف في إعطائها لبعضهم أن يطول
الزمان، ويُجهَلَ أهلُها، فيبطُلَ الحبس. وهي بأيدي العاملين لها أشهر
لأمرها./ وكتب إلى سلميان: وإذا كان الحبس أصولاً حُبِسَ ثمرها فلا
تُقَسَّمُ الأصول، وإنما تُقَسَّم غلّتُها. وقيل: فإن قسموا الأصول على
المهايأة (2) يعملونها ثم قال بعضهم غُبِنْتُ (3).قال: إنما تُقَسَّمُ
الغلة كما أعلمتك.
__________
(1) عبارة (على العمل) ساقطة في الأصل، والإتمام من النسختين.
(2) في الأصل: (المهانأة) بالنون، والتصويب من ع وق. والمهايأة في اصطلاح
الفقهاء تقسيم المنافع على التناوب والتعاقب، يقال: هايأه في الأمر وافقه،
وهايأه في دار كذا أي أسكنها هذا مدة وذاك مدة. انظر الكليات لأبي البقاء،
(مادة هيأ).
(3) كذا في ع وق: وهو الصواب. وفي الأصل: علمت وهو تصحيف.
(12/44)
قال: وإذا كان الحبس على بنيه، وأعقابهم،
وبقي ثلاثة إخوة بُلْغٍ، ولأحدهم ولد طفلُ؛ فإنه يدخل الطفل معهم، فيكون
بمنزلة أبيه، وكذلك لو كان له عم طفل. قال: وإنما يكون الطفل تبعا لأبيه.
إنما ذلك في السكنى. فأما ما يُقَسَّم من الغلات فللطفل نصيبه من كل غلة
بخلاف ما يُسكَن. قال: وأما ما يُسكَنُ فالذُّرَّيَّة تكون فيه مع آبائهم
في السكنى. في أهل الحبس، وأهل العُمْرَى أو الخدمة يموت بعضُهم أو يفقد من
عليه الحبسُ وكيف إن قُسَّمَ بينهم أو أبُهِمَ؟ من كتاب ابن المواز قال
مالك، وابن الماجشون، وابن القاسم، وابن وهب، وأشهبُ فيمن حبس داراً، أو
حائطا على قوم، فمات بعضهم؛ فإن ما كان للميت من ذلك يرجع على بقية أصحابه.
وكذلك في موت آخر، حتى بنقرضوا. وكذلك في جميع الأحباس؛ من غلة، أو سكنى،
أو خدمة، أو دنانير محبسة؛ كان مرجع ذلك الحبس إلى صاحب الأصل، أو إلى
غيره، أو إلى السبيل، أو إلى الحرية؛ إن كان عبداً، وهذا إذا كان حبسا
مشاعا، فأما إن سمى لكل واحد يوما على حدة، أو كيلا مسمى، أو مسكنا معروفا/
لكل واحد من أيام معروفة بعينها، أو سكنا بعينه لكل واحد منهم سماه؛ فهذا
من مات منهم، يرجع نصيبُه إلى صاحب الحبس؛ إن جعل مرجع الحبس إليه، أو إلى
من جعل مرجعه إليه؛ قاله كله مالك. وقد قال أيضا مالك خلافه إنه إن لم يكن
حبسه (1) عليهم مشاعا؛ فإن مصابة من مات منهم راجعة إلى صاحب الأصل، حتى
يموت جميعهم. وإن لم يسم، وكان حبسه عليهم منهما، فهو على المشاع، حتى
يشترط ما لكل واحد.
__________
(1) في ع وق: (حبسا).
(12/45)
وكذلك في رواية ابن عبد الحكم عن مالك أنه
إذا أوصى لكل واحد بعدة معلومة من حبسه، أو بجزء معلوم أو بكيل مسمى، أو
لهذا يوما، ولهذا يوما؛ إن نصيب من مات لا يرجع إلى باقيهم، ولكن إلى من
إليه مرجع الأصل. قال محمد: ولا إلى ورثة الميت منهم، إلا أن يموت بعد أن
يستحقها مثل طيب التمرة، وحلول الغلة قبل موته، قيرث ورثته حصته (1).قال
ابن حبيب: قال مطرَّف: قال مالك في الذي يحبس العبد، أو الدار، أو الحائط،
على القوم يسميهم بأسمائهم، فيموت بعضهم، (قال) (2) فكل ما لا ينقسم من
عبد، أو دار فإن نصيب الميت يرجع على أصحابه. وإن كانت الدار قد قسم هو
مساكنها بينهم؛ فنصيب الميت راجع إلى رب الدار؛ كانوا يكرون الدار، أو
سكنونها إذا جزأها بينهم. فإن لم يُجَزَّئْها بينهم [وجزؤوها هم بينهم] (3)
فنصيب الميت بين أصحابه. وإن كان/ حائطا يعملونه بأنفسهم؛ فحق الميت
لبقيتهم. وإن كان تمرا يأخذونه بغير عمل يعملونه بأنفسهم، فنصيب الميت رد
إلى رب الحائط. وقاله أصبغ، وروي مثله عن ابن القاسم. وفي المجموعة نحوه من
رواية ابن وهب عن مالك قال: إذا سماهم بأسمائهم؛ فأما ما (لا) يقسمونه من
عبد، ودار فنصيب الميت لأصحابه. وأما ما يُقَسَّمُ، ويأخذونه ناجزا، فنصيب
الميت يرجع إلى المحبس، أو إلى ورثته. قال سحنون: وكذلك روى عنه جميع
الرواة ابن القاسم، وابن وهب، وابن نافع، وعليُّ بن زياد، وأشهب لأن سكناهم
الدار هو سكنى واحدة، واختدامهم العبد كذلك. وقاله المغيرة فيما يُقَسَّمُ
وفيما لا يُقَسَّمُ. إلا ابن القاسم؛ فإنه أخذ برجوع مالك في هذا بعينه.
قال: يرجع على من بقي فيما يُقَسَّمُ، وفيما لا يُقَسَّمُ.
__________
(1) في ع وق: (فيرث حصته ورثته) أي تقديم وتأخير.
(2) لفظ (قال) ساقط في الأصل، وثابت في ع وق.
(3) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والإكمال في النسختين.
(12/46)
وقال عبد الملك كقول المغيرة: إن الدار
يسكنونها، والأمة تخدمهم، فنصيب الهالك للباقين، وليس لأحدهم أن يُكْرَيَ
حقه من الأمة (1)؛ لأنه ضرر على أصحابه. وما كان من غلة تُقَسَّمُ، ودار
تُكرَى، وعبيد مخارجة؛ فإن نصيب من مات منهم يرجع إلى من إليه المرجع.
وقاله ابن كنانة. وقال غيره: هذا فيما يُجعَلُ لقوم مسمين. فأما الغلة على
غير معينين، مثل بني فلان، أو مواليه. حتى يدخل فيه من يحدث قبل القسم،
ويؤثَرُ به الأحوج، ولا يُقَسَّمُ بالسواء. فهذه إن بقي واحد منهم، فهو أحق
بجميع الغلة؛ إذ لا منازع له. وقال ابن كنانة فيمن تصدق بأرض له امرأتين
وعقبهما/ حبساً، فهلكتْ واحدة، ولا عقب لها؛ فإن نصيبها على الباقية
وعقبها، فإن هلكتْ، ولا عقب لها فهي لأولى الناس بالمحبس. [ولو تصدق عليهما
بأعيانهما، ولم يذكر عقبا فهاهنا يرجع نصيب الميتة لمن هو أوْلى الناس
بالمحبس] (2).قال عبد الملك: وإذا تصدق على عقبه، وقال للذكر مثل حظ
الأنثيين. فلم يَبْقَ منهم غير امرأة، فلتأخذْ جميعها. قال ابن القاسم عن
مالك: إذا حبس على بني فلان، ولم يُسَمَّهم بأعيانهم؛ فإن نصيب من هلك منهم
إلى أصحابه. قال عنه ابن وهب، وعليُّ ابن زياد فيمن حبس على نفر سماهم، ثم
هي من بعدهم-قال عنه عليُّ-جميعا في السبيل؛ فإن نصيب الهالك رد على
باقيهم، ثم هي بعد جميعهم في سبيل الله. قال فيه وفي كتاب ابن المواز ابن
القاسم عن مالك فيمن حبس دارا على ورثته، ثم هي في السبيل والمساكين؛ إن
نصيب الميت على من بقي حتى ينقرضوا، فيرجع إلى من جعلها له.
__________
(1) في ع وق: (في الدار) بدل من الأمة، ولعل ما في ع وق هو الصواب.
(2) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل أي من قوله: " ولو تصدق. . . . . . . .
. المحبس " والتصويب من النسختين: ع وق.
(12/47)
قال ابن المواز: وذلك إن حازوا ذلك في
صحته. قال (1): وكذلك من أسكن قوما حياتهم. ومن الكتابين: وقال مالك في
التي تصدقت على ابْنتي ابنتها بصدقة ما عاشتا، فإذا انقرضتا فهي رد على
ورثتها، فهلكت إحداهما؛ إن نصيبها على الباقية ما عاشت. وفي باب الحبس على
الولد وولد الولد مسألة من هذا المعنى في آخره. ومن المجموعة قال ابن
كنانة: ومن عمر أربعة نفر دارا، وقال: فإن انقرضوا رجعت إلى بني فلان، فمات
أحدهم؛ فإن نصيبهم إلى أصحابه، حتى يقول: فمن انقرض منهم، فما كان في يديه
راجع إلى بني فلان؛ فهذا يأخذ الابن نصيبه. ومنه ومن كتاب ابن المواز/ ابن
القاسم، وابن وهب، عن مالك، فيه وفي المجموعة عن ابن وهب، عن مالك فيمن حبس
خادماً على أهل بيت لم يُدخِلْ عليهم غيرهم قال في المجموعة: أو على ناس
مجتمعين حياتهم؛ قال في الكتابين: فإن من مات؛ فنصيبه على من بقي. ولو كان
على رجلين مفترقين؛ قال في كتاب ابن المواز: على قوم مفترقين؛ هذا على حدة،
وهذا على حدة قال في الكتابين: فنصيب من مات للذي حبسه. قال محمد: وهذا على
ما ذكرنا من التفسير الأول. ولو جعل ذلك على أهل بيت واحد؛ والمجتمعون نصيب
كل واحد من ذلك معروف، فلا يرجع نصيب الميت، على بقيَّتهم. ولو حبسه على
المفترقين، وجعل ذلك عليهم مشاعاً؛ كان نصيب من مات لبقيتهم.
__________
(1) في ع وق: (قال مالك).
(12/48)
قال سحنون في العتبية (1): وإذا قال: يخدم
فلاناً يوما، وفلانا يوما. فهذه قسمة؛ فمن مات منهم، رجع نصيبه إلى صاحب
الأصل. ولو لم يَقُلْ هذا، وقال: هو حبس عليهما يخدمهما. فإن من مات منهما
يرجع نصيبه إلى صاحبه. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم، عن مالك فيمن
حبس حبسا على قوم سماهم بأعيانهم، ثم هي في السبيل بعد انقراضهم؛ فإن نصيب
من هلك على باقيهم، حتى ينقرضوا، فيرجع إلى من جعلها، وذلك إن كانت غلة أو
جملة مالٍ. قال مالك: وذلك في كل دار لها منازل تُقَسَّمُ عليهم؛ فيكون كل
واحد في منزله. ومن مات؛ فمنزله رجع مسكنه إلى ما كان رد إليه صاحب المسكن.
فأما كل مسكن يسكن فيه قوم جميعاً؛ / فإذا مات منهم ميت، أضر بهم أن يدخل
معهم أحد؛ فإن جميع المسكن لمن بقي منهم. وكذلك الخادم. قال عنه هو وابن
وهب: وإن كان تمرة حائط؛ فإن كانوا يعملون فيه بأنفسهم؛ فنصيب الميت
لباقيهم يتقوون به على سقي الحائط، أو عصبته فإن كان ثمرُ يُقَسَّمُ عليهم
بغير عمل فيه؛ فنصيب الميت إلى رب الحائط، أو عصبته. قال ابن القاسم: ثم
رجع مالك عن هذا، وقال: يرجع على من بقي منهم، إلا أن يكون أوصى بعده لكل
واحد، أو يوم لهذا، ويوم لهذا فهذا يرجع نصيبه إلى رب الأصل. ومن كتاب ابن
المواز والعتبية (2) من سماع أشهب، قال مالك فيمن أوصى في غنم له أنها حبس
على يتيمين، ولا يرثانه، وجعل ذلك على يدي ابن له كبير، وقال في حبسه: من
(3) مات منهما فلا حق له. ومن ارتغب فلا حق له. فمات أحدهما، وارتغب الآخر
بعد أن صار رجلاً؛ قال: فهي للآخر منهما.
__________
(1) انظر البيان والتحصيل، 12: 301.
(2) انظر البيان والتحصيل، 12: 248.
(3) في ع وق: (ومن) منهما.
(12/49)
قال في العتبية (1): قيل إنه حبسها عليهما
لهذا منها قطيع عليه سمتُه، ولهذا قطيع عليه سمتُه؟ قال: فما (2) أراها إلا
للآخر منهما. قال في الكتابين: وأحرى أنه (3) إن لم يرجعْ، ولو وُقِفَتِ
الغنم حتى يرجع المرتقب. قيل: قد قال بعض العلماء: يرجع على الوارث. قال
لا؛ كيف يرجع، وقد أوصى بها، وحبسها؟ قال في كتاب ابن المواز: وقاله ابن
القاسم-يريد لا يرجع على الوارث-ولكنه قال: لا يرجع نصيب الميت على صاحبه،
ولكن حصة الغائب تُحبَسُ له حتى يرجع. قال محمد: أظنُّ أن ابن القاسم /إنما
قال هذا لقول الميت: ومن مات فلا حق له. قال محمد (4) فيمن حبس دارا على
نفر من ولده، أو على جميعهم، فإن من سكن منهم مسكنا فهو أحق به ما بقي فيه؛
هو أو أحد من ولده. قال محمد: يريد عياله. وذلك إذا سكنه يوم سكنه على ما
يرى أنه أحقُّ به من غيره، وأحوجهم إليه. قال مالك: وإن تنازعوا (5) في
مسكن خال فأولاهم به أحوجهم إليه في السُّكنى. وأما في الغلة فيُؤْثَرُ أهل
(6) الحاجة والعيال؛ بقدر رأي من يلي ذلك. محمد: يُؤْتَنَفُ (7) في قسم
الغلة الاجتهادُ، عن كل قَسْمٍ، في كل سنة؛ لا على القَسْم الأول. وقد
يحتاج في قَسْم العام من كان غنيا، أو كثُرَ عياله.
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 248.
(2) في ع وق والبيان والتحصيل: (ما) بدون فاء.
(3) في ع: (وأحرى له أن يرجع)، وفي ق: (وأحرى أنه أن يرجع).
(4) في ع وق: (قال مالك).
(5) في الأصل: (تنازعا)، ولعل الصواب ما أثبته، تمشيا مع السياق، وما في
النسختين.
(6) في ع وق: (ذو) بدل أهل.
(7) في ق: (بأنف) وهو تصحيف، والصواب ما في الأصل وع من الاتناف. يقال:
ائتنف الشيء، بمعنى ابتدأه وأعاده، ومنه استأنف الدعوى أي أعادها أمام
محكمة عليا.
(12/50)
قال مالك فيمن أوصى في نخلات له بأعيانهن
(8)،لخمس موليات له، وسمى لكل واحدة منهن آصعا معلومة، فكن يأخذن على ذلك
حتى مات منهن (9)،أربع، فإن نصيب الميتات يرجع إلى ورثته، فيُحاصُّون به
الباقية. قال محمد: وهذا لأنه سمى لكل واحدة كيلا (10).ولو لم يُسَمَّ كان
نصيبهن للباقية. ومن العتبية (11) من سماع ابن القاسم، ومن كتاب ابن
المواز؛ قال مالك فيمن حُبَّسَتْ عليه دار حياته، ففُقِدَ. فقال في
العتبية: يوقَفُ كما يوقف ماله حتى يُستبان أمره. قال في كتاب ابن المواز:
توقف غلّتُها إلى حين لا يُجْنَى مثلُه، فيكون ذلك لورثته إلا أن يُعْلَمَ
أنه مات قبل ذلك، فيرجع الفضل إلى ربها. قال محمد: أو حيث أرجعه. فيمن حبس
تمر نخل فيموت بعض أهل الحبس/ أو يولد منهم مولود بعد الإنار أو يُقَسَّمُ
(12) الحبس بعد الإبار إذا كانت حبسا صدقة من كتاب ابن المواز قال مالك في
الحائط المحبس على قوم؛ قال في المجموعة: بأعيانهم؛ فإن مات واحد منهم، بعد
إبار النخل؛ فلا شيء لورثته من التمرة، إلا أن يموت بعد طيبها، فيكون
لورثته. رواه ابن وهب، وابن القاسم. وقال ابن القاسم: وقال أشهب: إذا أبر
فنصيبه لورثته.
--------------
(8) في الأصل: (بأعيانهم) والتصويب من ع وق.
(9) في الأصل: منهم، وهو تصحيف، والإصلاح من ع وق.
(10) في نسخة ع: (نخيلا).
(11) انظر البيان والتحصيل، 12: 221.
(12) في ع وق: (بعد الإبار، أو يقع الحبس بعد الإبار، أو موت المحبس).
(12/51)
قال مالك: وإن ولد منهم بعد الإبار ولد
فحقه ثابت، وأما بعد الطياب؛ فلا شيء له في الثمرة، إلا في المستقبل. وكذلك
في المجموعة؛ من رواية ابن القاسم ومن كتاب ابن المواز. وقال أيضا مالك-من
رواية ابن القاسم-فيمن حبس حائطاً على قوم بأعيانهم، فكانوا يسقونه
(1)،ويؤبرون؛ فإن من مات منهم بعد الإبار فلا حق فيه لورثته إلا أن يموت
بعد الطياب. قال محمد: وكذلك لو كانت محبسة حياة صاحبها، فمات صاحبها وفيها
تمرة. وكذلك لو كان فيها تمرة، يوم حبسها ربها. وكذلك الحبس عليهم حياتهم،
أو سنينا معلومة، فلا سيء لورثة من مات قبل طيبه، فذلك لباقيهم، إلا أن
تكون تلك التمرة صدقة عليهم بتلا؛ تلك السنة، أو تصدق عليهم بالأصل من غير
تحبيس، فيكون لمصابة (2) من مات منهم لورثته؛ طابت أو لم تطِبْ. وقاله كله
ابن القاسم. وقال ابن القاسم في المجموعة: وكذلك لو حبس على رجل، فمات قبل
الطياب؛ فلا شيء لورثته./فإن مات بعد الطياب؛ فهي لورثته. قال سحنون: وقال
بعض الرواة: هذا إن كانت حبسا عليهم، وهم يَلُون عملها. ومن كتاب ابن
المواز قال: وقسمةُ غلة (3) النخل المحبس (4)،بين أهل الحبس مثل غلة الدار
على قدر الحاجة والمسكنة، وكثرة العيال إلا أن يكون سمى شيئاً. قال ابن
القاسم: وإذا مات أحدهم بعد الطياب فهو لورثته. ولو وُلِدَ لأحدهم ولد يعد
الإبار، أو قبله كان حقه في التمرة. فإن وُلِد بعد طيبها؛ فلا شيء
__________
(1) في ع وق: (يسقون).
(2) في ع وق: (مصابه).
(3) كلمة (غلة) اسقطت في الأصل، والإصلاح من ع وق.
(4) في ع وق: (المحبسة).
(12/52)
له من تمرة العام. ولو كانت التمرة صدقة
بتلا عليهم؛ كان نصيب من مات منهم بعد الإبار لورثته. وقاله مالك. رواه ابن
القاسم. قال محمد: لأنها صدقة بَتْلاً على قوم بأعيانهم فالأصل لهم. وكذلك
في العتبية (1) من سماع ابن القاسم أن من وُلِدَ بعد الإبار حقه قائم في
تلك التمرة. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: ومن حبس على ولد فلان، وعلى
أعقابهم؛ فإن الغلة تُقَسَّمُ على من كان حيا أو مولودا يوم تُقَسَّمُ
التمرة، وليس يوم تُؤَبُر لأن فلاناً (2) الذي شرط ولده باق يمكن منه
النسلُ وقد ط ولده معلومهم ومجهولهم. وأما لو مات فلان، صار القسم على من
حُمِلَ (3) من ولده يوم الإبار، وهم لا (4) يدخل العقب معهم، حتى ينقرضوا
بقوله، ثم قال أصبغ: ومن أعمر شجرا، فمات، وقد أُبَرِتْ فقال بعض العلماء:
هي لورثته. وقال آخرون: لا تكون لهم حتى يموت؛ وقد [أزْهَتْ] (5).قال ابن
حبيب: وذهب ابن الماجشون [إلى الإبَّار،] وبه /أقول. قال أصبغ: ولو كانت
أرضا قد حرثها؛ فربُّها مخير إن شاء أعطى لورثته كراء الحرث الأرض، أو
[سلمها] إليهم بكرائها تلك السنة. وأما لو مات، وفيها زرع فلورثته الزرع،
ولا كراء عليهم. ومن المجموعة، قال ابن كنانة: وإذا كان الحبس على [قبيلة]
تجري [عليهم]،فمات منهم ميت بعد طيب التمرة، فكل من مات قبل القسم فلا حق
له إلا أن يكون [السلطان أوقفها] بعد الإبار الذي يُقَسَّمُ فيه لموت. قال:
أو لعزله ونحو ذلك. وكذلك لو وُلِدَ فيهم ولد قبل القسم لقُسِمَ له إلا أن
يُوقَفَ لما ذكرنا. وأما
__________
(1) انظر البيان والتحصيل، 12: 219، وما بعدها.
(2) في الأصل: (فلان) وهو سبق قلم من الناسخ.
(3) في ع وق: (حصل) بالصاد المهملة.
(4) في ع وق: (لم) يدخل.
(5) كل ما بين معقوفتين في الصفحة فهو بياض في الأصل، والتصويب من
النسختين.
(12/53)
لو كان ذلك (1) على قوم مُسمَّين بأسمائهم
فمن أدرك منهم طبيب الثمرة فحقه ثابت. ومن هلك قبل طيبها فلا حق له؛ ويرجع
ذلك على بقية أصحابه دائما. هذا في الحبس. وقال أيضا ابن كنانة فيمن تصدق
بحائط على قوم، وجعل لقوم فيه شقة منه، فمات بعض أهل الشقة، بعد إبار
التمرة فقد وجب حقه فيه ويرثه ورثته كصدقة على معينين بتمرة حائطه، فمات
بعضهم، بعد الإبار، فحقه ثابت. وقال أشهب: بالإبار يجب له في الحبس على
معينين. ومن أعمر رجلا، فإن (2) مات بعد الإبار، فقد وجبت له الثمرة وتورث
عنه، كما جعله النبي-عليه السلام-في البيع للبائع بالإبار. ولا أنظر إلى
رواية من روى عن مالك غير هذا، وليس (3) كل من روى يحفظ اللفظ. ولقد كان
يُحكي عنه القول (4) / المختلف، والمجلس واحد، فيقول هذا: قال: كذا. ويقول
آخر: قال: كذا. وآخر: كذا. ولعله يعاود، فيخبر بغير ما قال جميعهم. وقال
ابن القاسم عن مالك فيمن تصدق بتمر نخل على نفر ومنه ما أُبِرَ، ومنه ما لم
يُؤَبْر، فمات أحدهم فلا حق له فيها. قال: يريد إذا كانت حبسا صدقة. وقال
أيضا مالك في العتبية (5) فيمن تصدق على ثلاثة نفر بتمر حائط له لم يؤبْر،
فأبروها، ثم مات أحدهم بعد الإبار؛ قال: أراها بينهم كلهم لأنه قد أُبِرَ
وسُقِي. وإن كانت حبسا فلا شيء لمن مات قبل الطياب. قال في العتبية (6):
وأما صدقة غير حبس فهي لورثة الميت، أُبَرتْ أو لم تؤبْر.
__________
(1) في الأصل صفحة كاملة صورت تصويرا باهتا لا يقرأ منها إلا الكلمات،
والإتمام من ع وق.
(2) في الأصل: (فمن) والإصلاح من ع وق.
(3) عبارة (عن مالك. . . . وليس) ممحوة في الأصل، والإصلاح من ع وق.
(4) جملة (تحكمى عنه القول. . . والمجلس. . .) ممسوحة في الأصل والإكمال من
نسختي: ع وق.
(5) انظر البيان والتحصيل، 12: 218 وما بعدها.
(6) انظر نفس المصدر.
(12/54)
فيمن حبس على ولده
وشرط أن من تزوج فلا حق له وفيمن فُرِضَ له في
ديوان فلا حق له أو من ارتقب أو غاب. وجامع الشرط في الحبس والصدقات من
المجموعة قال ابن القاسم عن مالك فيمن حبس غلةً على ولده على أ، من فُرِضَ
له في ديوان فلا شيء له، ففُرِضَ لهم؛ فلم يأخذوا، أو أخذ من فُرِضَ له
مرةً، ثم انقطع. فأما من أخذه مرة؛ فلا شيء له في الغلة، وأما من لم يأخذ،
ففرْضه قائم. ومن كتاب ابن المواز قال لي عبد الملك: وإذا قال في حبسه: ومن
تزوج من بناتي؛ فلا حق لها ما دامت عند زوج. ولم يَقُلْ إلا أن ترجع. وله
ثلاث بناتٍ، فتزوجت واحدة قال: فنصيبها لبقية من معها في الحبس من أختيها.
فإن رجعتْ أخذته منهما. وإن تزوجن أوقفت الغلةُ؛ إن لم يكن معهن غيرهن. فإن
رجعتْ/ واحدة أخذت جميع ما أوقف، وما يُسْتَقْبَلُ. ثم إن رجعت أخرى
فلتُقاسِمْ أختها ما أخذتْ نصفين؛ كأنهما ما تزوجا (1).وليس خروجها (2)
بالتزويج يخرجها من مرفق الحبس؛ لا فيما أوقف، أو فيما يُسْتَقْبَلُ، إذا
رجعت؛ إلا أن تموت فيُعلَمَ أنها خرجت منه؛ فلا تعود لمن أوقفه، ثم لا يكون
لورثتها شيء مما أوقف لها؛ لأنه قد انكشف بموتها، أنها خرجت من أمر الحبس،
فأما إذا رجعت؛ فهي من أهله؛ كأنها لم تتزوَّجْ، وإنما منعها التزويج لقول
الميت: لا تأخذ متزوجة. ولذلك أوقفناه واستحسنا أن يكون بيد من معها في
الحبس لأن إليهم مرجعه، لو لم يبق إلا واحدة منهم. قال محمد: هذا تفسير
مذهب عبد الملك.
__________
(1) في ع وق: (تزوجنا) ولعل هي الصواب.
(2) في الأصل: (خروجهما. . . ويخرجهما. . . . لورثتهما. . . . بالتثنية،
ولعل الصواب ما أثبته، اعتمادا على السياق والنسختين: ع وق.
(12/55)
قال محمد: ولو شرط أن من تزوج فلا حق لها،
ونصيبها رد على أصحابها، أو على أحد سماه إلا أن يردها الرواد؛ فهذه لا
يكون لها إذا رجعت إلا في المستقبل. وكذلك لو قال: إلا أن ترجع فتدخل في
حبس. فهذه ممن يُسْتأنَفُ لها. قال ابن المواز: أخبرنا أصحاب ابن القاسم
عنه عن مالك-وهو في العتبية (1) والمجموعة-فيمن حبس دارا على ثلاث بنات له؛
فإذا انقرضن؛ فهي على بني بنيه، وأعقابهم. ومن تزوج من بناته؛ فلا حق لها،
ونصيبها رد على أخواتها. فإن ردتها الرواد فهي على نصيبها. فتزوجت واحدة،
وانقرض بنو ابنه، وأعقابُهم، قبل بناته، وماتت اثنتان من الثلاث، وبقيت
المتزوجة، ولها بنتان؛ لم يدخلْهما (2) في الحبس. قال مالك: فليُقَسَّم
الحبس علي ابنتيه (3) اللتين ليستا في/ الحبس، وعلى المساكين [قال في
المجموعة فلتُقسَم الغلةُ على قرابته من بنيه أو غيرهم أو على المساكين]
(4).قال محمد بن المواز: فإن رجعت المتزوجة رجع ذلك كله إليها. فإن ماتت
رجع ما قال مالك في تزويجها، على الابنين الخارجين [من الحُبُس] (5) وعلى
المساكين. وكذلك قال مالك في المجموعة في موتها: ولو كان حبسه مما لا يرجع
مصابَةُ الميت على أصحابه؛ مثل أن يسمي لكل واحدة مسكنا مسمى، أو كيلاً
مسمى أو شيئاً من الغلة مسمى، ثم ماتت (6) الأختان، وبقيت المتزوجةُ؛ فإنه
__________
(1) انظر البيان والتحصيل، 12: 215.
(2) الأصل: (يدخلهم) والإصلاح من ع وق.
(3) الأصل: (ابنيه الذين ليسوا) والتصويب من النسختين ع وق.
(4) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والإتمام من ع وق أي من: قال. . . . .
. . . . قال.
(5) عبارة (من الحبس) ساقطة في الأصل، وثابتة في ع وق.
(6) في الأصل: (مات) وهو تصحيف، والإطلاح من ع وق.
(12/56)
يوقف لها الجميع؛ فثلثُه بالحُبُس،
والثلثان بالمرجع (1).فإن تأيمت؛ فهو لها كله. وإن انقرضتْ، رجع الجميع إلى
أولى الناس بالمحبس. قال: ولو كان للمتزوجة أخ وأخت لم يُدخِلْهما في الحبس
فلهما ثلثا المرجع؛ وهو الثلثان؛ فثلثا الثلثين لهما يُعجَّلُ لهما، والثلث
للمتزوجة، مع ثلثها بالحبس، فيوقف ذلك لها، وهو خمسة أتساع. فإن رجعت كان
لها، وإن هلكت كان (2) للأخ والأخت للأب بالمرجع، مع ما بأيديهما، ولم
يَكُنْ لها وحدها مرجع أختيها؛ لأنها لم تكُنْ شريكتهما في أصل الحبس شركة
يعود نصيب الميت للباقي؛ لما ذُكِرَ من قسمته. قال: ولو تزوجن، فأوقفت
الغلة ليرجعن فيكون لهن، أو ينقرضن فيصير لأولى الناس بالمحبس. فمات في ذلك
الإيقاف أولى الناس به، ثم انقرض البنات بعده، قبل يرجعن قال: يكون للميت
حقه، من يوم أوقفت الغلة، إلى أن مات يرثه ورثته، ويرجع ما كان من ذلك إلى
أولى الناس بالمحبس، بعد الميت الأول. قاله لي عبد الملك. وكذلك لو قال:
ليس للمتزوجة/ حق. لم يَزِدْ على هذا؛ قاله عبد الملك: إن حقها ثابت إن
رجعت. قال محمد: وهو عندي كمن قال: ومن غاب فلا حق له. أو قال: ومن ارتقب
فلا حق له. وهذه مسألة ذكرتها في باب: موت بعض أهل الحبس موعَبَةً. قال:
ومن حبس على بنات له بأعيانهن حياتهن، في صحته، وشرط أن من تزوجت منهن؛ فلا
حق لها؛ فتزوجن، أو واحدة منهن، ثم تأيَّمتْ؛ فلا شيء لها في الحبس، وكأنه
قال: لها سكنى هذا البيت حياتها ما لم تتزوج، أو أنفقوا عليها ما
__________
(1) في ع وق: (بمرجع الحبس والثلثان).
(2) في ع وق: (فهو) للأخ بدل كان. . . . . . . . .
(12/57)
لم تتزوج، فقد انقطع ذلك عنها بالتزويج؛
فلا يعود برجوعها. وكذلك لو كان ذلك وصية لغير وارث وليس هذا من باب الحبس
بالتعقيب. وكذلك إن أوصى أن يُنْفَقَ على أمهات أولاده، أو سكناهن
عمرَهُنَّ؛ ما لم يتزوجن. وفي المجموعة نحو هذه المسألة من أولها عن عبد
الملك. وفرق عبد الملك بين قوله في أم ولده إلا أن تتزوج، وبين قوله في
بناته إلا أن يتزوَّجْنَ. ذكره ابن حبيب. وقد كتبته قبل هذا: أراه فرق ما
بين ما تقدم، وبين هذه قال: حبس عليهن حياتهن؛ فهن بأعيانهن. وقوله أيضا:
حياتهن. تعمير؛ فرق بينه وبين الحبس المبهم، فجعل قوله مبهما في التعمير،
والتعبير: أن من تزوج؛ فلا حق لها؛ يوجب أن لا شيء لها إن رجعتْ، وكأنه في
الحبس المبهم؛ حبس عليهن؛ إلا أن تتزوج منهن واحدة؛ فجعل إلا أن
كالاستثناء؛ لا شيء لها إن رجعت في الحبس المبهم. بخلاف قوله: من تزوجتْ
فلا حق لها. ومن حبس حبساً وله بنات متزوجات/ لم يدخلن فيه، ولكن قال: من
تأيَّمتْ منهن فلها أن تسكن فيه. إذا تأيمت؛ فُسِخَ القسْمُ حتى تدخل معهن،
ولا حق لها فيما قبل ذلك. وكذلك إن قال: إن رجعتْ؛ فلها سكنى هذا البيت
بعينه. قال: فتكون أحق به، ولا شيء لها سواه، ولا شيء لها فيما قبل ذلك.
وكذلك إن رجعتْ؛ ولو شرط أن من تتزوج؛ فلا حق لها. فإن رجعت؛ فلها بيت كذا
تسكنه. فليس لها إذا تأيَّمتْ، حق ترجع به فيما مضى في تزويجها. وليست كمن
أبهم أمرها، فلم يذكُرْ رجعتها؛ لأنه إذا سكت عن رجعتها، فكأنه حبس حقها
عنها إلى أن ترجع، فتأخذه بعينه؛ لأن هذه لم يقطعْ حقها إلا بموتها. والذي
شرط أنها إذا رجعت دخلت في الحبس؛ فهذا دخول مستأنف. ولأن الذي صار حظها
إليه في تزويجها، ليس هو من الصدقة، ولا هو من حقه، إلا بعد انقراضها. ومن
المجموعة قال عبد الملك: إذا قال في حبسه وليس للمتزوجة حق. فلها حقها إذا
رجعت ولم يُخْرِجْها من الحبس؛ كأنه قال: ليس لذات زوج حق. ولو
(12/58)
قال: كلما تزوجتْ؛ فلا حق لها. فقد أوجب
لها حقا؛ إذا رجعتْ، بقوله: كلما. فهذا وجب لها برجعتها من عند زوج تقدم.
قال ابن كنانة: وإذا قال: ليس لذات زوج سكنى. وللدار غلة؛ فلها من الغلة
حقها. وإن قال: ليس لها حق. فلا غلّةَ لها، ولا سكنى. وقال ابن كنانة: إذا
حبس على ولده، وأعقابهم. فإن تزوجت امرأة؛ فلا حق لها حتى ترجع، فإذا انقرض
عقبه، فهي لآل فلان، فانقرض عقبه إلا امرأةً/ متزوجةً؛ قال: توقَفُ الغلة
حتى يُنْظَرَ فيها. قال ابن عبدوس: كأنه يرى أنها إذا رجعت أخذت ما أوقف؛
لأن أهل المرجع لا حق لهم، حتى ينقرض أهل الحبس؛ وقد بقيتْ هذه منهم. فلو
هلك الزوج؛ كان ما وُقِفَ لأهل المرجع، مع الحبس. وقاله عبد الملك، وسحنون.
وقال غيره: لا تُوقَفُ الغلة؛ لأنك إذا أوقفتها، ثم رجعت فأخذتْها؛ كنت
أجريت لها الغلة، في حين لم يكُنْ لها في الدار حق. ولكن يُدْفَعُ إلى أهل
المرجع؛ فإن تكُنْ هي ممن يستحق أن يأخذ بالولاية؛ أخذتْ مع أهل الولاية.
من العتبية (1) قال عيسى عن ابن القاسم عن مالك فيمن حبس على ذكور بنيه
وأبنائهم ومن تزوج من البنات فلا حق لها إلا أن تردها رادة، ثم هي حبس على
مواليه. فمات البنون، والبنات إلا ابنة واحدة متزوجة؛ قال: لا تُحبَسُ
الغلّةُ عليها، وتكون الغلةُ للموالى، حتى ترجع الابنة. ومن العتبية
(2)،روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن حبس داره على بناته، وشرط أن من
تزوجتْ فلا حق لها. فإن ردتها رادة فهي على حقها. فإن مُتْنَ كلهن؛ فهي
صدقة على فلان. أو قال: فمرجعها إلي. فتزوجن كلهن؛ فلهن غلتها إلى أن يمتن
أو يرجعن. قال: غلّتُها في هذه الفترة للمحبس إن استثنى مرجعها إليه؛ إن
كان حيّاً، أو إلى ورثته إن كان ميتاً؛ يأخذونه بمعنى الميراث
__________
(1) انظر البيان والتحصيل، 12: 258.
(2) انظر نفس المصدر، 12: 293.
(12/59)
، [12/ 60]
ويدخل فيه البنات المتزوجات وإن لم يَكُنْ له وارث غيرهن، ليس لها حق آتٍ
(1).يريد فلهن الثلثان، وما بقي للمساكين. وإن جعلها بعد موته لرجل بعينه؛
فالغلة في الفترة له. ولو أوقفت/ الغلة لتعطيها إذا متن لمن إليه المرجع؛
فحبسُك إياها عنه ظلم. وإن كان لتعطيها لهن إذا رجعن؛ فقد أعطيتهن الغلة في
وقت لم يَكُنْ لهن في الدار حق، فأحسن أن يعجل لصاحب المرجع. ومن كتاب ابن
المواز قال مالك: ومن تصدق بتمرة له على المساكين؛ إلا أن يحتاج بعض أمهات
أولاده، فيكون ذلك لها حتى تستغني. فإذا استغنت، رجعت إلى المساكين، فطلبت
ذلك امرأة من أمهات أولاده، وقالت: لي غلام ابن اثنتي عشرة سنة يخدمني،
ويؤنسني، وليس لي غيره هل يُعطى؟ قال مالك: ذلك لها. وإن كانت الصدقة مثل
الدينار ونحوه أعطيته كله. قال مالك في امرأة حبست حبسا، وشرطت سكناها معه:
فلا رأى أن يُشترَطَ ذلك لأن سكناها فيه يفسده. ومن العتبية (2) قال عيسى
عن ابن القاسم فيمن قال: داري، أو غلة داري حبس على أمَّيْ ولدي، فمن تزوج
منهما فلا حق لها إلا أن تردها رادة. فتزوجت إحداهما؛ قال: فإن حظها يرجع
إلى التي لم تتزوَّجْ، ثم إن تأيمت الأخرى رجعت على حقها. ولو قال: هي
بينهما، ومن تزوجت فلا حق لها إلا أن تردها رادة. قال: حظ من تزوجت في هذا
يرجع إلى ورثته. فإذا تأيمت المتزوَّجةُ، رجعت في (3) حقها، فليس بينكما
وعليكما سواء لأن قوله: بينكما. قسمة، كما لو قال غلامي يخدم هذه يوما،
وهذه يوما. والمسألة بحالها؛ فليرجع حظ [المتزوجة إلى ورثته حتى تتأيم
فيعود إليها، ولو قال: عليكما رجع حظ المتزوجة] (4) على صاحبتها، حتى ترجع.
...
__________
(1) كذا في سائر النسخ التي بين يدي.
(2) البيان والتحصيل، 12: 262.
(3) في ع وق: (على) حقها. وهي أظهر، وأصوب.
(4) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والإكمال من النسختين، أي من
(الكتزوجة. . . . إلى المتزوجة).
(12/60)
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون:
وإذا قال: وليس لمتزوجة حق. قال: فإن من تزوج منهن يرجع نصيبه/ على من معه
في الحبس كان غلة أو سكنى. فإن تأيَّمتْ؛ رجعت على حقها فيما يُستقبَلُ،
ولا شيء لها فيما اغتلوا وهي تحت زوج. وسواء قال: فإن تأيمت فهي راجعة أو
لم يَقُلْ. وإن لم يَبْقَ من ولده غيرها، فتزوجت، فها هنا يوقف ما كان من
غلةٍ، أو تمرة، أو كراء مسكن. فإن رجعت؛ أخذته. وإن ماتت تحت الزوج؛ كان
ذلك لأهل مرجع الحبس؛ وذلك أنها تأخذه بالولاية، وبأنها من ولد المحبس؛ لم
يَبْقَ غيرها، فكانت إذا رجعت أحق من أهل المرجع. ولو كان رجل من أهل
المرجع عايشها سنين، ثم مات وهو أقرب الناس بالمحبس، ثم خلفه منهم آخر أبعد
منه، ثم ماتت تحت الزوج؛ قال ابن الماجشون: فإن ما أوقف من الغلة لورثة
الميت إلا بعد ما أوقفتْ من يوم تزوجت، إلى أن مات، وللذي بعده، من يوم
الأول إلى أن ماتت. وقال مطرف: بل ذلك للحي الأبعد لأن يوم موتها انقطع
منها، وصار لأولى الناس به. وقال أصبغ: لا توقَفُ الغلة، ويأخذها من إليه
المرجع، ولا شيء لها فيها وإن رجعت: إلا فيما يُسْتَقْبَلُ. وذكره عن ابن
القاسم. وقول ابن الماجشون أحب إلي. وقال ابن الماجشون ومطرف: ولو قال: أم
ولدي مع أهل صدقتي ما لم تتزوَّجْ أو أنفقوا عليها ما عاشت ما لم تتزوج.
فتزوجت، ثم خَلَتْ من الزوج فلا حق لها في الوصية، ولا في الصدقة. والفرق
بينها (1)،وبين الابنة أن هذه معينة، ولم يَرِدْ في الابنة امرأة بعينها؛
فلم تَعُدْ إذا رجعت أن تكون من بناته، وهذه امرأة أعطاها شريطة ما لم
تتزوج فجعل لها حداً/ يزول عنها بمجاوزته ما جعل لها. وقال أصبغ: هما سواء،
ولها أن ترجع على ما كانت إذا تأيمت. ولكن لا يوقَفُ لها شيء وهما عند
الزوج، ويكون ذلك لأولى الناس بالمحبس. فإن رجعتا فلهما في المستقبل. وإن
ماتتا فهي لأولى الناس بالمحبس يوم تزوجتا، لا يوم ماتتا.
__________
(1) في الأصل (بينهما) بالتثنية وهو تصحيف والإصلاح من ع وق.
(12/61)
قال ابن المواز: قال مالك في امرأة تصدقت
على ولدها بجارية صدقة بتلا على أن لا يبيع، ولا يهب، وعلى أن لها نسلها؛
قال: قد قالت: بتلا. ولم تجعلها كذلك؛ أرأيت لو قالت: بتلا ولي خراجها. ما
أراها إلا صدقة ضعيفة. قيل: قد حازها سنين، ثم ماتت. قال: هي ضعيفة. قال
مالك: ومن تصدق على أخيه بعبد بتلا على أنه إن مات المعطى قبله رجع إليه
العبد. وإن مات معطيه فالعبد لأخيه بتلا؛ قال: فإن مات المعطى أولا فأراه
يرجع إلى المعطي، وكأنه أعطاه له حياته. قال محمد: لأن شرطه كان جائزا، على
ما أعطى. ولو مات المعطي أولا كان العبد للمعطى من الثلث. وذكرها في
المجموعة ابن نافع عن مالك مثله. قال ابن نافع: فإن مات المعطي أولا، والأخ
وارث بطل ما صُنِعَ. وإن لم يَكُنْ وارثا جاز من الثلث. وقاله غيره. قال:
وسواء حازها، أو لم يَحُزْها. قال مالك: من حبس حُبُساً على أحد، وقال: هي
لك حياتي، ثم هي في سبيل الله، أو صدقة. فإن مات كانت من ثلثه. وقد ذكرناها
في باب حيازة الأحباس، وقول أشهب فيها. فيمن هو أولى بمرجع الحبس إذا انقرض
من حُبَّسَ عليه وذِكْرِ مرجع العُمْرَى أو الصدقة/ من كتاب ابن المواز قال
محمد في الحبس إذا انقرض من حُبَّسَ عليه فإنه يرجع إلى أولى الناس بمن
حُبَّسَ (1) عليه، يوم المرجع حبسا عليهم نساء كن أو رجالا. قال مالك: فكل
من كانت منهن، لو كانت رجلا؛ كان عصبة للمحبس، وقرابة أب؛ فهي ممن يدخل في
ذلك، ولا يدخل فيه بنو البنات ذكرا كان أو أنثى، ولا بنو الأخوات، ولا
زوجة، ولا زوج.
__________
(1) في ع وق: (حبسه)، ولعله الصواب.
(12/62)
قال ابن القاسم: وإنما يدخل من النساء مثل
العمات، والجدات، والأخوات لأم ولأب (أو لأب وحده) (1) وبنات الأخ. ولا
يدخل الإخوة للأم من ذكر، أو أنثى. وأما الأم؛ فقال ابن القاسم: تدخل في
مرجع الحبس. وقال أشهب عن مالك: لا تدخل أمُّه. وقال عبد الملك: لا تدخل
أمُّه، ولا أحد من الإناث، إلا من يرثه منهن. قال في المجموعة: كالبنات،
وبنات الأبناء، والأخوات. وأما الأمُّ فلا؛ لأنها ليست من جذر النسب. قال
في الكتابين: فأما عمة وبنت عم وبنت أخ فلا. وإن كان أخ وأخت؛ فذلك بينهما
نصفين لأن الأخت لو انفردت أخذت جميعه. وسواء كان في أصل حبسه للذكر مثل حظ
الأنثيين أم لا (2)؛ فإن المرجع يتساوى فيه الذكر والأنثى. قال في
المجموعة: فإن رجعت إلى أخ ثم مات فترجع إلى أولى الناس بالمتصدق. وكذلك
إذا رجعت إلى ابنته، ثم ماتت رجعت إلى أقعد الناس بالمحبس. قال ابن حبيب
(3) عن ابن القاسم: كل ما رجع من المحبس (4) بمعنى الميراث رجع إلى ورثة
المحبس، يوم موته. وما كان يرجع حبساً فيرجع لأقرب الناس بالمحبس، يوم
المرجع. فإن كانوا بنات، وعصبة فهو بينهم إن كان فيه سعة. وإلا فالبنات
أولى من العصبة، وتدخل معهن /الأمُّ، ولا ترجع معهن الزوجة، ولا الجدة
للأمَّ، وتدخل معهن الجدة للأب. فإن رجعت إلى إخوة دخل معهم الأخوات. وإن
رجعت إلى أعمام دخل معهم العمات. وإن رجعت إلى ابن أخ دخل معهم بنات الأخ.
وإن رجعت إلى ابن عم دخلت معهم بنات العم. وإن رجع إلى ولد المولى المنعم
دخل معهم بنات المولى المنعم.
__________
(1) عبارة (أو لأب وحده) ساقطة في الأصل، وثابتة في النسختين. ويقتضيها
السياق.
(2) عبارة (أم لا؟) ساقطة في الأصل، وثابتة في النسختين، والسياق يقتضيها.
(3) ابن حبيب: هو أبو مروان عبد الملك بن حبيب (172 – 238 هـ) السلمي
الطليطلي المتبحر في العلوم الإسلامية، وخاصة الفقه، له عدة مؤلفات وفي
طليعتها كتابه الواضحة الذي يعتبر من المصادر الرئيسية للفقه المالكى. انظر
ترجمته في جذوة المقتبس، 7: 282؛ والذيياج، 154 و 156؛ والمدارك، الجزء
الثالث.
(4) في ع وق: (الحبس).
(12/63)
قال: وإن كان ثم من سُمَّيت من النساء، وثم
عصبة والنساء أقرب؛ قال مالك: فيدخلون كلهم إلا أن لا تكون سعة يُبْدَأ
بإناث ذكور ولده، على العصبة، ثم الأقرب، فالأقرب. وإن كان مواليه فهم عصبة
يدخلون في المرجع إن لم يَكُنْ ثم عصبة أقرب منهم. وإن لم يكنْ إلا النساء
كان كله لهن على قدر الحاجة إلا أن يفضل عنهن. قال أصبغ: لا يعجبني قوله:
إلا أن يَفْضُلَ عنهن. فما فضل عن سد خُلّتهن (1)،فليُرْجِعْ عليهن الأحباس
إذا استووا في الغنى والحاجة لم يُصْرَفْ إلى غيرهم من السبيل. ومن العتبية
(2) من سماع ابن القاسم قال: وإذا انقرض من حُبّس عليهم رجع ذلك إلى عصبة
المحبس، ويدخل معهم النساء، في السكنى إن كانت سكنى، والغلة إن كانت غلة.
قال ابن القاسم: يريد الأخوات، والبنات، والأمهات، والجدات، والعمات.
ويُبْدَأ بالأقرب، فالأقرب، ولا تدخل الزوجات. وروى سحنون عن ابن القاسم
أنه قال: أيما أهل المرجع إنما ذلك على أولى الناس به ممن يرثه، وليس ممن
لا يرثه من عمته، وخالته، ونحوهما. قال أصبغ: وإن لم يكن له إلا بنات أخ،
وأخت لأم /؛ فبنات الأخ أحق. ولو لم يكن غير أخيه لأمه لم يرجعْ إليها من
المال شيء. ومن المجموعة [قال عبد الملك] (3) وإذا انقرض من حُبِسَ عليه
(4) فلا يرجع ذلك إلى أولى الناس بآخرهم، ولا إلى من يرثه يوم مات؛ لكن إلى
أولى الناس به يوم المرجع وإن كان حيا. ولا يرجع إليه هو، فيُدْرَسَ. قال
ابن كنانة: ويصير من الرجوع في الصدقة. قال عبد الملك: وأما صدقته على رجل
حياته، أو على قوم حياتهم فهذه يرجع إلى ربها ملكا، وإلى ورثته ميراثا.
__________
(1) بياض في الأصل، والإصلاح من النسختين ع وق.
(2) انظر البيان والتحصيل، 12: 190.
(3) جملة (قال عبد الملك) ساقطة في الصل، وثابتة في النسختين.
(4) في الصل: (إليه)، والإصلاح من ع وق.
(12/64)
ومنه ومن العتبية (1) قال ابن القاسم عن
مالك في حائط حُبس، لم يَزَلْ منذُ حُبَّس يُجَزَّأ على بنيه للذكر مثل حظ
الأنثيين. قال عيسى عن ابن القاسم: بشرط، ثم يموت الرجل؛ فلا تأخذ منه
زوجته شيئا. وتموت البنت، فلا يأخذ ولدها منه. ثم لم يبق من أهله إلا امرأة
وهي تأخذ الصدقة كلها، ثم ماتت، وتركت أولادا، أو قامت البينة على أنهم لم
يزالوا يسمعون أنها صدقة؛ هكذا يجري أمرها. قال مالك: فليس لولد المرأة شيء
منها. وليرجع إلى أولى الناس بالمصدق، يوم المرجع؛ حبسا عليهم. قال ابن
القاسم: ولو أسكن رجلا حياته؛ رجعت بعده إلى ربها، أو إلى ورثته ملكا. ولو
حبس ذلك عليه حياته؛ رجع ذلك إلى أولى الناس بالمحبس، يوم المرجع. قال: ولو
اشترط مرجعها إليه فهذه ترجع ميراثا بين من ورثه من ورثته يوم مات. قال عنه
عيسى: فكل ما يرجع ميراثا فهو لأولى الناس به يوم موته. فأما ما يرجع حبسا
فلأولاهم به يوم يرجع من/ ولد، وعصبة. فإن كانوا بنات، وعصبة، فهو بينهم إن
كان فيه سعة. وإلا فالبنات أحق به، وتدخل معهم الأم. فإن لم تكن أم، وكانت
جدة، لم تدخل في ذلك. ومن سماع ابن القاسم قال مالك: ومن أعمر دارا أو
خادما، لفلان وعقبه، ما عاشوا، ولم يَقُلْ: مرجعها إلي. ولا ذكر لمرجعها
وجها؛ فإنها ترجع إليه، كما لو اشترط. قال أصبغ عن ابن القاسم: ومن حبس على
فقراء بني فلان، فيستغنون؛ قال: يُنَزعُ منهم، ويرجع إلى عصبة المحبس. قيل
له: فإن له ابنة واحدة. قال: ليس النساء عصبة، إنما يرجع إلى الرجال. فإن
افتقر بعض بني فلان؛ نُزِعَتْ من العصبة، ورُدَّتْ إليهم. وقال أصبغ مثله
إلا في قوله في البنت فإنها في ذلك كالعصبة؛ إذ لو كانت رجلا كان عصبة،
وأراه كله لها.
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 227 و 228.
(12/65)
ومن سماع ابن القاسم: ومن تصدق بدار على
رجل وولده ما عاشوا. ولم يذكر لها مرجعا، فيهلك الرجل وولده فإنها ترجع
حبسا على أقارب الذي حبس، وعلى المساكين. وقال سحنون: إن كان ولد المحبس
عليه بأعيانهم فليرجع إلى المحبس ملكا، أو إلى ورثته ميراثا. وإن كان قال:
حبسا عليك وعلى ولدك ما عاشوا. يريد ولم يعينهم فها هنا يرجع حبسا. ومن
كتاب ابن المواز قال أشهب قال مالك (1): وإذا رجع الحبس بعد انقراض أهله،
فكان أهل المرجع نساء فهو كله لهن بقدر الحاجة. قال ابن الماجشون في الحبس
لا يُفَضَّلُ ذو الحاجة على الغني فيه إلا بشرط لأنه إنما تصدق/ على ولده،
وهو يعلم أن منهم الغني والمحتاج. قال محمد: وأحسن ما سمعت في هذا أن
يُنظَرَ إلى حبسه أولا؛ فإن كان قصد فيه إلى المسكنة، والحاجة جُعِلَ
مرجعُه كذلك. فإن كانوا أغنياء لم يُعطَوْا منها. وإن كان إنما أراد به مع
ذلك القرابة، وأثرتهم رجع ذلك عليهم. وأوثر به أهل الحاجة، ولا يُعطَى
الأغنياء حتى تسد حاجة ذوي الحاجة منهم. وإن كانوا كلهم أغنياء، جُعِلَ ذلك
في أقرب الناس به، والأغنياء إن كانوا فقراء فهم عصبة المحبس. وقاله مالك.
قال مالك فيمن تصدق على محتاجي آل فلان حبسا صدقة فإن مرجعها إذا انقرضوا،
على أقرب الناس بالمحبس، فالأقرب من محتاجي عقبه إن كانوا أهل حاجة وإلا
صُرِفَتْ (2) إلى أهل الحاجة من غيرهم؛ لأن أصلها على أهل الحاجة. فإنما
حبسها على آل فلان، كان من حقها الأقرب فالأقرب؛ من أهل الحاجة، أو أغنياء.
إلا أنه يُؤْثَرُ أهل الحاجة حيث كانوا. وقاله ابن كنانة، وابن القاسم،
وكذلك قال ابن كنانة.
__________
(1) بياض في الأصل، والتصويب من نسختي: ع وق.
(2) في الأصل: (فالأمر فيه)، والصواب ما أثبته نقلا عن. ع.
(12/66)
وفي المجموعة ومن كتاب ابن المواز قال مالك
في مرجع الحبس: يرجع إلى أوْلَى الناس بالمحبس، عصبة كانوا أو ولدا؛ فإنما
يرجع على ذوي الحاجة منهم، ولا شيء للأغنياء. وقاله ابن القاسم، ونحوه في
المجموعة عن مالك، وزاد: إذا كان فيهم أغنياء، والحبس ذو غلة فليس للأغنياء
من الغلة شيء. وإن كان ذا مساكن كان للأغنياء في المسكن بحاجتهم /إليها.
قال غيره: فإن أرادوا كلهم السكنى بُدَّى بالفقير. وإن أراد الغني أن (1)
يستعمله فالفقير أولى بالمسكن، ثم بالغلة، حتى يطلب مثل ذلك من هو مثله
(2).وكل من تعتدل حاجتهم، إلى السكنى والغلة، يواسى بينهم وإن استووا في
الغنى فهم أسوة؛ الذكر والأنثى سواء. وإن كان الغني أقعد، والفقير أطرف؛
فالأحوج أولى إن كان من عصبته. قال ابن القاسم في الكتابين: وإن كانوا (هم)
(3) كلهم أغنياء فهي لأقرب الناس بهؤلاء الأغنياء من الفقراء. قال محمد بن
المواز: فإن لم يكن فيهم فقراء (4) رُدَّتْ إليهم. وإن استووا فهي لهم.
وأولاهم بها الأقرب فالأقرب. وإن كان عصبته رجالا ونساء؛ فالذكر والأنثى
فيه سواء؛ وإن كان في أصل حبسه أن للذكر مثل حظ الأنثيين. ولو كان آخر
العقب امرأة فهي أحق بالجميع. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال مالك فيمن
حبس غلاما على رجل وعقبه لا يباع، ولا يُوَرثُ. فهلك الرجل، ولم يترك عقبا؛
قال: يُسلَكُ به في سبيل الحبس موقوفا (5) لا يباع، ولا يُوهَب، ولا
يُوَرث. ومثل هذا إنما كان يُكْتَبُ (6) في الدور، وهذا يجعله في الحيوان
(7).
__________
(1) في نسخة ع: زيادة (أن يأخذ ما بقي يستغله).
(2) في نسخة ع: (بمنزلته) بدل مثله.
(3) لفظ (هم) ساقط في نسخة ع.
(4) كلمة (فقراء) ساقطة في الأصل، وثابتة في ع ويحتمها السياق اللغوي.
(5) غير مقروءة في الصل، والإصلاح من النسختين.
(6) بياض في الأصل، والإصلاح من النسختين.
(7) بياض في الأصل، والإصلاح من النسختين.
(12/67)
قال أشهب عن مالك فيمن تصدق بسهم من حائطه
على مواليه، وعلى أولادهم فانقرضوا فأحَبُّ إلي أن يكون صدقة تُقَسَّمُ
ثمرتُها على المساكين، وأهل الحاجة؛ لا ترجع ميراثا. وقد تقدم في باب
قَسْمِ الحبس، وباب الحبس يموت بعض أهله شيء من معاني هذا الباب.
تم الجزء الأول من كتاب: الحبس
بسم الله الرحمن الرحيم " والصلاة والسلام على سيد المرسلين "
(12/68)
|