النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

الجزء الثانى من كتاب الحبس (1) فيمن جعل مرجع الحبس إلى نفسه أو قال إلى من شئت أو جعله يرجع إليه في مرضه فجعله على وارثٍ وذكر الرُّقْبى ومن العتبية (2) روى عيسى عن ابن القاسم، وذكر ابن حبيب مثله عن مطرف فيمن حبس شيئا من ماله على رجل، واستثنى مرجعه إليه حبسا قال في كتاب ابن حبيب: مما يكون مرجعه إليه أو مما لا يكون مرجعه إليه. قال في العتبية (3): فمرض المحبس، فجعل مرجعه لوارث. وقال في كتاب ابن حبيب: فرجع، وهو مريض، أو لم يرجع، فمرض، فجعل مرجعه لوارث؛ قال: لا يجوز ذلك للوارث لا من الثلث، ولا من رأس المال إلا أن يشاء الورثة لأن مالكا. قال: من أخدم عبدا حياته رجلا ثم مرض ربه، فيجعله من بعد مرجعه لآخر بتلا؛ إنه من الثلث. قال ابن حبيب: وكذلك أخبرني أصبغ، عن ابن القاسم، وقال لي أصبغ: فإن كان (4) استثنى مرجع رقبة الحبس، ثم رجع وهو مريض؛ بحيث ما صرفه إلى
__________
(1) هكذا العنوان في الأصل، وتختلف عبارته في النسخ الأخرى.
(2) البيان والتحصيل، 12: 292.
(3) نفس المصدر.
(4) لفظة (كان) ساقطة في الأصل، وثابتة في ع.

(12/69)


وارث، أو صدقة، أو في السبيل؛ فهو من الثلث، ويُجْبَرُ الورثة في إمضائه للوارث، أو رده. وهذا الذي تكلم فيه مطرف، وابن القاسم، وإن كان إنما استثناء المرجع ليتولى إنفاذه على جهة السبيل. وبين مرجع الرقبى، وبين ذلك، فرجع في مرضه؛ فأراه من رأس المال؛ فإن سبله على وارث؛ فهو ميراث إلا أن يجيزه له الورثة؛ فيكون من رأس المال./ ومن المجموعة ابن القاسم عن مالك في الصحيح يقول: داري حبس على فلان ما عاش، ولي أن أجعل مرجعها إلى من شئت كلاما نسقا، فقبضها الرجل، ثم مرض ربها، فجعل مرجعها لآخر؛ قال: فهي من الثلث. قال غيره: ومن أعطى عطاء حياته، ثم مرجعه إلى المعطي أو إلى عقبه من بعده، فهلك المعطي، ثم هلك المعطى فإنها ترجع إلى عقب المعطي، وإلى ورثته على كتاب الله تعالى لأنه شرط مرجعها إليه، إن كان حيا، فليس له أن يُؤْثِرَ بما مرجعه إليه بعض ورثته. وإنه إنما شرط المرجع لعقبه إن هلك قبل أن يرجع، فكأنه أوصى بالمرجع لبعض ورثته. قال عبد الملك فيمن نحل رج نُحْلاً، ثم كتبه المنحول على الناحل، من بعد ما قبضه عُمْرَى النحيل (1).قال: هذا فيه طرف من الرُّقْبَى، كأنه جعل ماله بيده. فإذا مات، أخذه رجل. وليس لأحد أن يصحبه ماله، ثم يُمْضَى أمره فيه إلا في ثلثه. ولو أعمره المنحول الناحل عمره، ثم هو من بعده إلى آخر إما ولد المُعمَر، وإما ولد الناحل الأول، فهذا ماض؛ لأن المرجع من قبل المنحول. وكذلك لو نحلها المنحول أجنبيا، وجعل مرجعها إلى الناحل الأول، أو جعلها له من بعد مُعَمَر آخر. قال: نعم؛ هذا صحيح لا تهمة فيه. وفي باب من حبس وشرط أن من تزوج فلا حق له مسألة من هذا (2).
__________
(1) كذا في ع، وهو الصواب. وفي الأصل: (عمر الله) وهو تصحيف.
(2) عبارة (مسألة من هذا) ممحوة في الأصل والإصلاح من ع.

(12/70)


قال مالك في الحائط بين رجلين؛ فيحبس كل واحد منهما [نصيبه على صاحبه، وعلى عقبه، فقبض كل واحد منهما] (1) ما حبس عليه فهذا لا يجوز. وهذا إقرار من الوارث، وهذه الرقبى، وهو كمن حبس على نفسه. ولو حبس على غيرها؛ جاز ذلك؛ إذا أجازه المعطى. وذكر مسألة /الرقبى التي في المدونة (2) قال أشهب فيها: وهذه مخاطرة، كأنه جعل لصاحبه مصابته إن مات قبله؛ على أن يأخذ نصيب صاحبه إن بقي بعده. فإذا كان هذا في عقد لم يَجُزْ. فأما من فعل هذا بصاحبه، ففعل به مثله، فهو جائز، ولا تهمة فيه. وقال ابن كنانة: المكروه من الرقبى أن يقول له: أُرْقِبكَ عبدي هذا على أن تُرقْبني منزلك. فيكون العبد والمنزل للباقي بعد صاحبه فهذا قمار، وأما إن قال: منزلي هذا للباقي منا بعد صاحبه. فهذه وصية جائزة وكأنه قال: إن مت فمنزلي هذا لك. ولو أن الذي أرقبه أرقبه هو أيضا عبدا أو منزلا على غير شرط فذلك جائز. فيمن حبس في مرضه على ورثته أو على بعضهم أو عليهم وعلى غيرهم من بينهم أو أجنبي من كتاب ابن المواز قال ابن وهب عن مالك فيمن قال عند موته: داري حبس على ولدي، أو على ورثتي. ولم يُدْخِلْ معهم غيرهم ممن لا يرثه إن ذلك باطل، ويكون ميراثا. وقاله ابن القاسم، وأشهب؛ إذا لم يعقبهما، ولهم أن يتبعوا.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والتصويب من ع.
(2) المدونة: أشهر أمهات الكتب في المذهب المالكي عامة وأقدمها على الإطلاق، وهي في حقيقتها النسخة المحققة من الأسدية، أنجز ذلك الإمام أبو سعيد عبد السلام بن سعيد بن حبيب الملقب بسحنون (160 – 240 هـ) انظر ترجمته في الحلل القدسية، ج 1، ق 3، ص. 171؛ ومعالم الإيمان، 2: 80؛ وترتيب المدارك، 3: 585 و 586.

(12/71)


قال أشهب: ويوقَفُ الذي يُحبسُ في المرض على ولده؛ إذا خرجت من الثلث؛ لعله أن يأتي ولد. فإن ماتوا ولم يُولَدْ لهم، وأيس لهم من الولد رجعت ميراثا على القسم الأول. وإذا حبس على جميع ورثته، ولم يُدْخِلُ معهم غيرهم، ولا أدخل من بعدهم فليس بحبس، وليُتْبِعُوا إن شاءوا. قال مالك: وكذلك إن قال: على ولدي لم يدخل معهم غيرهم؛ قال محمد: إذا سماهم، ولم يَقُلْ: ولدي مبهما. وقاله ابن القاسم،/ وأشهب. قالوا: وكذلك إن حبس على بعضهم، دون بعض. فإن أدخل معهم من لا يرث فلا سبيل إلى البيع. فإن لم يَكُنْ أعقب ذلك، وإنما أدخل معهم قوما بأعيانهم، جاز من ذلك ما كان لغير الوارث إن خرج من ثلثه، وبطل ما كان للوارث، وبيع ذلك إن شاء الورثة. قال: وإن كان أعقب وقد أدخل مع ورثته؛ من لا يرث بعد ذلك وأوقف حبسا؛ فما كان لمن لا يرث؛ فهو بينهم خاصة على قدر الحاجة. وما كان لمن يرث، كان بين جميع من يرث؛ فهو على جميع من يرث على فرائض الله-سبحانه-إلا أنه موقوف يدخل معهم فيه سائر الورثة، ما دام من كان حبس عليه من الورثة حيا. فإذا انقرض الورثة أجمع (1)،صار مرجع ذلك إلى من معهم في الحبس من غير الورثة. ومن العتبية (2) قال أصبغ عن ابن وهب فيمن أوصى في مرضه أن داري حبس على ولدي، وعلى زوجتي ولم يَدَعْ غيرهما فليُخْرَجْ ثلثها يكون حبسا على الفرائض على من سمى من ورثته ومن لم يُسَمَّ، وتكون الثلثان ميراثا، وقاله أصبغ قال: معنى ذلك أن تكون الغلة-يريد غلة بينهما-على الفرائض، ما دام أعيان الولد. يعني أصبغ. قال: فإذا انقرضوا وانقرضت الزوجة؛ رجع ذلك كله إلى ولد الولد. ويريد ابن وهب في المسألة؛ أن قوله: على ولدي. ينصرف إلى
__________
(1) في نسخة ع: (أجمعون، فمرجع).
(2) انظر البيان والتحصيل، 12: 315.

(12/72)


التعقيب؛ فأما: لو أراد بعينه، وعلى زوجته لبطل ذلك، وكانت موروثة كلها، إذا شاءوا. ومن العتبية (1) روى أصبغ عن ابن وهب فيمن/ حبس داره على ولده، وعلى فلان أجنبي (2) فليُقَسَّمْ على عددهم أجمع فإن كانوا خمسة؛ فللأخ خمسها، وما بقي فعلى أهل الفرائض. قال أصبغ: مثل إذا كان مع الولد ولد. قال ابن وهب فيمن أعتق أمة، ثم تزوجها، ثم حبس على مواليه؛ قال: هي منهم. فإن كان في الصحة فذلك جائز، وقد حبس ابن عمر على امرأته. وإن كان في وصيته فإنها تأخذ (3) الثُّمُن، وتقاسم الموالي، فما صار لها معهم دخل معها فيه سائر الورثة على الفرائض. فإن مات أحد من الورثة فورثته في ذلك بمنزلته، حتى تموت هذه، ويرجع كل ما بيد الورثة من ذلك إلى الموالي. قال أصبغ: جيدة (4) صحيحة. وأرى أصبغ يعني أنه إن كان الثلث يحملها، فيُنفَدُ، ولا يأخذ منها الثمن، ولكن يُقَسَّمُ على الموالي بالاجتهاد؛ فما نابها؛ كان لها من الثمن إن كان لها ولد. وإن لم يَكُنْ لها ولد فالربع موقوف (5)،وما في ذلك للورثة معها. وما ذكر ابن وهب من أخذها للثمن بدءا فلا أدري معناه إلا إن يَكُنْ من غير الدار، ولها ولد. ومن المجموعة قال ابن وهب عن مالك: إذا حبس على ورثته عند الموت دارا؛ فلمن شاء منهم، أن يبيع. ولا تجوز وصية لوارث إلا بإذن الورثة. قال ابن كنانة: إلا أن يقول: حبس موقوف، لا يباع، ولا يورث. فيكون حبسا موقوفا عليهم على فرائض الله. ومن مات منهم فنصيبه على ورثته على كتاب الله تعالى حبسا.
__________
(1) نفس المصدر السابق.
(2) في نسخة ع: فلان (آخر)؛ وفي العتبية: (أخي).
(3) في نسخة ع: زيادة (منه) الثمن.
(4) بياض في الأصل، والإصلاح من ع.
(5) في الأصل: (موقوفا) وهو تصحيف ظاهر.

(12/73)


قال ابن القاسم: وكذلك قال مالك: إن حبسها على ولده/ لا تباع، ولا توهب. وهي تخرج من الثلث؛ فلتُقَسَّمْ على الفرائض، ويدخل معهم باقي ورثته. قال ابن وهب عن مالك، وقاله ابن كنانة: إذا [حبس على ولده ولم يجعل معهم غيرهم. وقال: لا تُباعُ ولا تورث، وهي كذلك لو قال هي] (1).حبس عليهم. ولو حبس عليهم وعلى أعقابهم، أو غير أعقابهم؛ ممن لا يرثه في مرضه جاز، وكانت في الثلث. ولو لم يرثه إلا بنوه، فحبس عليهم دارا على سبيل الميراث لا تباع، ولا توهب، ولا تُمْهَرُ، ولا تُغَيَّرُ لئلا يفسدوه. قال: لا يلزمهم، وليصنعوا (2) بها ما شاءوا. قال ابن القاسم عن مالك: ولو قال: على ولدي. للزمهم إيقافه؛ قالابن القاسم: لأن من قال: على ولدي. دخل في ذلك ولد ولده. قال ابن القاسم قال مالك: ومن أوصى بمصحف يقرأ فيه ولده، وذوو قرابته فذلك جائز من الثلث، ويوقف يقرأون فيه هم، والناس. قال ابن كنانة: إن حبسه على ورثته؛ فإن رضوا جعلوه عند رجل منهم يقرأون فيه. وإن أبوا جعلوه ميراثا. ومن العتبية (3) قال ابن القاسم: قال مالك فيمن حبس دارا، ولم يجعل لها مخرجا؛ فلتُقَسَّمْ على أهل الحاجة، ولا بأس أن يدخل فيها من كان محتاجا من ولده. ومن المجموعة قال ابن القاسم، وعلي بن زياد: قال مالك فيمن حبس دارا على الصغير من ولده، وعلى عقبه في مرضه لا تباع، ولا توهب؛ فلم يُجِزِ الورثة؛ فإن حملها الثلث قُسَّمَتْ بين ورثته على المواريث. فمن مات منهم؛ فورثته في نصيبه يرثونه موقوفا ما دام الصغير حيا. فإذا مات؛ فهي حبس على عقب
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والإتمام من نسخة ع.
(2) في الأصل: (وليضعون) وهوه تصحيف.
(3) البيان والتحصيل، 12: 227.

(12/74)


الصغير، دون سائر الورثة. وقاله عبد الملك. وقال: فإن بتلها من بعد الابن لأحد كانت له ملكا. وإن كانت/ حبسا فحبس. قال عبد الملك: وإن أوصى به صدقة لابنه، وبني بنيه فإنه يُجعَلُ معهم كواحد منهم؛ فما أصابه، دخل فيه سائر ورثة الميت ما بقي هذا الابن حيا، ثم إن هلك ابن (1) غير الموصى له؛ كان ما بيده يدخل فيه ورثته، ويأخذ منه ابنه بالميراث غير الذي بيده، عن جده بالحبس؛ ما دام عمه حيا. فإذا مات (عمه) (2)،لم يأخذ أحد من بني الأبناء بمعنى (3) الميراث شيئا، ورجعت على الأبناء حبسا؛ يريد عبد الملك: إن وصيته لواحد من ولده، ولجميع ولد ولده. ومن كتاب ابن المواز، وهو لعبد الملك في المجموعة، قال: وإذا حبس على زوجة له؛ فإذا هلكتْ فهو على ذكور بني (4) أب، وجدي. وله زوجة أخر، والذين لهم المرجع ولده، ومن يرثه يوم مات فإنه يُقَسَّمُ على جميع ورثته؛ على فرائض الله. فإذا ماتت الزوجة التي حبس عليها قُسَّمَ على ولده، وولد إخوته، فما أصاب ولده؛ دخلت فيه زوجته الحية، وورثته زوجته الميتة بالميراث؛ ما دام أحد من ورثته حيا ممن كان أدخله في حبسه. ومن المجموعة قال عبد الملك: وإذا حبس على وارثه وأعقابهم، ولا عقب له يرثه فليُقَسَّمْ على الفرائض. ثم إن جاء عقب؛ قُسَّمَتْ بينه، وبين الوارث [فما أصاب الوارث] (5)؛ دخل فيه جميع الورثة. وكذلك إن زاد عقب ثان، أو مات يُؤتَنَفُ القسم على هذا حتى يهلك الوارث، فتُنزَعَ الصدقة من جميع الورثة وتصير إلى من سمى من غيرهم. ومسألة الحبس في المرض، على الولد، وولد الولد أصلها لمالك.
__________
(1) في نسخة ع: (الابن الموصى له) ولعل هذا الصواب.
(2) لفظ (عمه) ساقط في الأصل والإصلاح من ع.
(3) كذا في ع: (بمعنى). وفي الأصل بدون باء.
(4) في نسخة ع: بني (وبني إخوتي) وجدي.
(5) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والإتمام من ع.

(12/75)


من رواية ابن القاسم، وابن وهب، وهي في رواية/ عيسى بن دينار، ويحيى ابن يحيى، عن ابن القاسم في العتبية (1)،وفي كتاب ابن المواز، ولسحنون في المجموعة، وفي العتبية (2) بتفسير بعضه أزيد من بعض قد ذكرنا جميعه ها هنا من هذه الكتب قالوا في روايتهم عن ابن القاسم: وهو معنى قول مالك: إذا حبس حبسا في مرضه، قال في رواية يحيى منزلاً على ولده وولد ولده. قال في رواية يحيى: فإذا انقرضوا فهي في سبيل الله. وله أم، وزوجة، والثلث يحمله، والوُلدُ ثلاثة، ووُلدُ الولد ثلاثة قُسَّمَ الحبس على ستة أسهم. قال سحنون، وابن المواز: إن كانت خالهم واحدة، وإن اختلفت أحوالهم فعلى قدر الحاجة. قال في رواية عيسى: والذكر والأنثى سواء فما صار لولد الولد، أسلم إليهم، وما صار لولد الأعيان؛ أخذت الأم سدسه، والزوجة ثمنه. قال عيسى: وكذلك إن كان معهم غيرهم من أهل السهام؛ فليأخذوا حقهم فيه. قالوا: ويُقَسَّمُ ما بقي بين أعيان الولد إن كانوا ذكورا؛ فبينهم بالسوية وإن اختلفت حاجتهم؛ لأنهم بالميراث أخذوه. وإن كانوا ذكورا وإناثا؛ فللذكر مثل حظ الأنثيين. قالوا: وكل من هلك من أهل السهام؛ فلا يُنْتَقَضُ لموته قَسْمٍ، ويصير ما بيده لورثته بينهم على المواريث موقوفا؛ ما بقي من أعيان الولد أحد. فإذا انقرضوا؛ رجع جميع ذلك إلى ولد الولد. قالوا: ويُؤْتَنَفُ القَسْمُ بحدوث ولد لأحد من الأعيان، أو لأحد من ولد الولد.
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 280. وما بعدها.
(2) انظر تفصيل هذه القضية التي تعرف في الفقه الإسلامي بمسألة ولد الأعيان، وقد أطنب فيها صاحب العتبية وشارحها ابن رشد، وكذلك شراح الشيخ خليل عند قوله: ". . . أو على وارثه، بمرض موته إلا معقبا خرج من ثلثه فكميراث. . . ".

(12/76)


قال ابن المواز: وكذلك يُنْتَقَضُ القسم لموت ولد الولد وأما إذا مات واحد من أعيان الولد / (1) فقال في كتاب ابن المواز يُنتَقَضُ القسم بموته، ويُؤْتَنَفُ قسم الحبس. وكذلك في رواية يحيى ابن يحيى؛ عن ابن القاسم. وقال ابن القاسم في رواية عيسى، وفيما ذكر سحنون في المجموعة: إذا مات واحد من ولد الأعيان؛ أنه إنما يُقَسَّمُ ما كان أخذ في القسم أولا، وهو سدس الحبس؛ يُؤخَذُ ما بيده، ويُضَمُ إليه ما خرج منه للأم والزوجة؛ وهو ثلث ما بأيديهما، حتى يكمل السدس، فيُقَسَّمُ هذا السدس على ولد الولد، وهم ثلاثة، وعلى ولدي الأعيان الباقيين، وذلك خمسة أسهم، فيأخذ ولد الولد ثلاثة، وما صار لولدي الأعيان. قال في العتبية (2): قُسَّمَ عليهما، وعلى ورثة الهالك على الفرائض؛ تأخذ فيه الأم والزوجة سهامهما. وقال سحنون في المجموعة: فما صار لولدي الأعيان، ضم إليه السدسان اللذان كانا بأيديهما، بعد أن يرد ما بيد الأم والزوجة من ذلك. فيُجمَعُ ذلك كله، ثم يُخَرج منه ثمنه للزوجة، وسدسه للأم، ويُقَسَّمُ الباقي على ثلاثة؛ سهمان لولدي الأعيان الحيين، وسهم لورثة الميت من ولد الأعيان يكون بيد ورثته على الفرائض. قال سحنون: وإنما هذا في الثمار، وشبهها من الغلات؛ يُقَسَّمُ عند كل غلة، على من وجد يومئذ حيا، من ولده لصلبه، وولد ولده، ثم يُجمَعُ حق الولد للصلب، فيُقَسَّمُ على أهل الفرائض. فأما ما يُسْكَنُ من الدور، أو يزرع من الأرضيين؛ فلابد من نقض القسم، في جميع الحبس؛ فيُقَسَّمُ على ما بقي من ولد الأعيان، وولد الولد. فما صار لولد الولد، أخذوه. وما صار للأعيان، دخل فيه/ أهل الفرائض، وكذلك كل ما يحدث من ولد الولد، فهو بمنزلة موت أحد ولد الولد يُعادُ القَسْمُ، ويُؤتنَفُ.
__________
(1) عبارة (أحد فاذا) أقحمت هنا، في الأصل ولا أرى لها معنى.
(2) البيان والتحصيل، 12: 284.

(12/77)


وكذلك إن شرط في حبسه؛ ليس لمتزوجة حق (1)؛ إلا أن تردها رادة من موت: أو أطلاق. فهذه عند تزويجها، يُنقَصُ القسم. وإذا رجعت ببعض القسم أيضا، فيُعادُ على الولد، وولد الولد؛ إلا المتزوجة، فما صار لأعيان الولد، دخلت فيه المتزوجة بالميراث، وجميع أهل السهام. فإن ردتها رادة أعيد القسم، فما صار للأعيان، دخل فيه أهل الفرائض. وكذلك من تزوج من بنات الأبناء سقط حقها، وأعيد القسم. وإذا رجعت أعيد القسم أيضا، وكذلك (2) كل ما ذُكِرَ في المتزوجة، والمردودة التي فيها الشرط، فقد ذكر مثله يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، ولم يذكرْ غلة، ولا سكنى. وكذلك في كتاب ابن المواز قال سحنون: وإن كان الحبس على قوم مُسمَّين من الولد، وولد الولد، موقوفا لا بيع فيه جاز، إذا انقرض ولد الولد، وبقي الولد، فإن كان الحبس شيئا يسكنونه، أو عبدا يخدمهم؛ مما لا يُقَسَّمُ؛ فليدخُلْ فيه جميع الورثة. فإن كان ذلك غلة تُقَسَّمُ، أو خراج عبيد، قُسَّمَ؛ فما ناب الولد؛ دخل فيه جميع الورثة. وما صار لولد الولد؛ فهو لهم. فإن انقرضوا، وبقي الولد، رجع ذلك إليهم فلا تدخل فيه الورثة؛ لأن ذلك إنما رجع إليهم بمعنى الولاية؛ لا بوصية الميت. قال في العتبية (3) في رواية عيسى: ويعطى ما صار للولد الميت من ولد الأعيان لورثته على الفرائض؛ تدخل فيه امرأته، وأخته، /وأمه [فيكون بأيديهم] (4) ما بقي أحد من ولد الأعيان [فيأخذ ولده فيهم سهم] (5) بالميراث عنه، غير السهم الذي أخذه بمعنى الحبس. قالوا كلهم، وكل من مات من ورثة المحبس، من
__________
(1) في الأصل: (حقا) وهو تصحيف من الناسخ.
(2) كلمة (وكذلك) ساقطة في الأصل، والإصلاح من ع.
(3) البيان والتحصيل، 12: 281 وما بعدها.
(4) ما بين معقوفتين ممحو في الأصل، والإتمام من ع.
(5) ما بين معقوفتين باهت في الأصل لا يقرأ، والإصلاح من ع.

(12/78)


غير أعيان الولد، أو أحد من ورثة الذي مات من الأعيان، (ممن) يرثه، أو ورثه ورثتهم. قالوا: بسهمه بين من يرثه من جميع ورثته؛ على الفرائض. قال في رواية عيسى: وإن مات واحد من ولد الولد؛ لم يأخذ ورثته سهمه لأنه بمعنى الحبس. ولكن يُقَسَّمُ سهمه على خمسة إن كان أعيان الولد أحياء، فسهمان لولدي الولد يأخذانهما، وما صار لولد الأعيان الثلاثة دخلت فيه الأم والزوجة هما أو ورثتهما؛ إن ماتتا فيكون ذلك، على مواريثهم. وقال سحنون: إن مات ولد الولد، أو أحد منهم؛ فإنما يرجع إلى ولد الأعيان من ذلك، مع ما كان في أيديهم. قال في كتاب ابن عبدوس: تدخل فيه الأم والزوجة، وكل من ورث المحبس؛ لأن ما رجع إلى ولد الأعيان من نصيب ولد الولد؛ إنما يرجع بسبب الوصية، لا بالولاية؛ لأنه على مجهول من يأتي. قال: وهذا قول أكثر الرواة. وقال سحنون في العتبية (1): إذا انقرض ولد الولد رجع ما كان [بأيديهم إلى أقرب الناس] (2) بالمحبس، وهم ولد الأعيان. ولا تدخل فيه الأم والزوجة لأن وصية الميت قد نُفَّذَتْ أولا، [وارتفعت التهمة].يريد: وإنما رجع هذا إليه بالولاية. قال: [وقد قيل إن ما دار إلى] ولد الأعيان من ولد الولد حتى انقرضوا [وما دار إليهم] من واحد منهم؛ إن /زوجة الميت اللأول، وأمه تدخلان فيه، وهو الذي ذكر عنه ابن عبدوس. وقاله ابن القاسم؛ في رواية عيسى، ويحيى. قال ابن القاسم في العتبية (3) من رواية عيسى، وفي كتاب ابن المواز: كل ما ولد لولد الولد، أو لولد الأعيان فإن القسمة تُنتَقَضُ، ويُقَسَّمُ على ولد الولد، وولد الأعيان. وإن كان ولد الولد عشرة، ولم يبق من الأعيان إلا واحد، قُسَّمَ على أحد
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 282.
(2) كل ما بين معقوفتين في الصفحة، والتي تليها، لا يقرأ في الأصل لسوء تصويره، والتصويب من نسخة ع.
(3) البيان والتحصيل، 12: 282.

(12/79)


عشر. قال في رواية عيسى: ولا تُنتقَضُ لموت من مات من الأعيان ولا من ولد الولد، ولكن يُقَسَّمُ ما كان أصابه خاصة. قال سحنون في العتبية: وإذا انقرض ولد الولد، وصار ما بأيديهم لولد الأعيان، ثم مات واحد منهم فلتأخذ الأم والزوجة ميراثها مما في يديه من السدس الذي أخذ أولا، لا مما صار إليه عن ولد الولد. فما بقي قُسَّمَ بين ولدي الأعيان. وقال أبو محمد: ينبغي أن يكون-والله أعلم- أن ما أخذ أولا، وهو السدس بالميراث، فعند الأم سدسه، وعند الزوجة ثمنه، فلا يرد من عندها لانقراض ولد الولد الذين لهم في ذلك حجة، ولكن يُقَسَّمُ ما بيده من بقية ذلك السدس، على ورثته لأمه [السدس]،وزوجته حقها الربع، [ولبقية] ورثته ما بقي. فإن كان أخواه هذان، فهو لهما [وأما ما بيده عن] ولد الولد، وهو سدس [ثان فهو على سبيل] الأحباس عنده. في رواية العتبي لا شيء لورثته فيه، ويُرَدُّ إلى أولى الناس بالمحبس. [وهما أخوا] هذا الميت بينهما نصفين. قال سحنون: وكذلك إن مات /ولد ثان من الأعيان قال هو، وغيره من جميع من ذكرناه، في هذه الدواوين: وكل من بيده شيء من ذلك بسبيل الميراث؛ فهو إن مات يكون بين ورثته. وكذلك إن مات وارثه صار لمن يرثه. هكذا حتى يموت آخر ميت من ولد الأعيان، فيُؤخذَ كلُ ما بيده، وما بيد كل من بيده من ذلك شيء بمعنى الميراث، ويرجع له حكم الأحباس. فإن كان أحد من ولد الولد حيا، أو أولادهم؛ أخذوه كله، وإلا صار لمن هو أولى الناس بالمحبس حبساً. ومن رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: قد قدمنا كثيرا منها، وذُكِرَ فيها انتقاض القسم بموت من يموت من ولد الأعيان، وبحدوث ولد. وقال في موت واحد من ولد الولد: يرجع حقه على من بقي منهم، ومن أهل الحبس معهم. [فإذا انقرض كل من حُبَّسَتْ عليه رجعتْ إلى ما جعلها من السبيل. ولم يُبَيَّنْ فيه بموته

(12/80)


نقض القَسْمٍ] (1) وهو يُحْتَمَلُ. وإنما يختلف عندي نقض القسم، وغير نقضه، في موت أحد من ولد الأعيان. فأما في موت ولد الولد فلا يختلف نقضه، من غير نقضه؛ في قول من يرى أن لا تدخل الزوجة والأم فيما يرجع إلى ولد الأعيان؛ من حظ ولد الولد بموته. وفي رواية يحيى هذه؛ أنه تدخل فيه الأم والزوجة. وذكر يحيى عن ابن القاسم ومثله (2) في كتاب ابن المواز: إنما يشترط في (3) في كتاب ابن المواز: إنما يشترط في (4) ابنة له من ولده، إن تزوجت فلا حق لها إلا أن تردها رادة. إنها إن تزوجت انتقض القسم، ولا يُقَسَّمُ لها في قسم الحبس بشيء، /ولكن ما صار للأعيان منه، دخلت فيه بمعنى الميراث، ثم إذا رجعت انتقض القسم، وقُسِمَ لها قي أصل الحبس، كنصيب الذكر؛ إن كان حالهم سواء، مع ولد الولد؛ على عددهم، فما ناب ولد الأعيان؛ دخلت فيه الأم والزوجة، وقُسَّمَ ما بقي على الميراث؛ للذكر مثل حظ الأنثيين، ويُنْتَقَضُ القسم أيضا بتزويج واحدة من بنات الولد، ويُنْتَقَضُ برجوعها؛ إذا تأيمت. وما نابها مع ولد الولد، لا يدخل يه عليهم أحد. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن حبس مائة دينار على وارث، ثم على رجل من بعده، والثلث يحملها؛ قال: يُقَسَّمُ بين الورثة على الميراث، فينتفعون بها ما دام المحبس عليه من الورثة حيا (5).فإذا مات خَلُصَتْ كلها للأجنبي [الذي حبسها عليه بعد الوارث، فإذا مات رجعت ميراثا هي من ورث الميت المحبس، قال: ولا ترجع حبسا، وإنما] (6) ترجع حبسا لو كانت دارا أو عبدا. وقد قال مالك: من حبس مائة دينار على رجل، فنقصت عنده؛ قال: يضمن ما نقصت ويضمنها إن ضاعت عنده.
__________
(2) ما بين معقوفتين من قول المؤلف: "فإذا انقرض كل. . . إلى نقض القسم " ممحو في الأصل، والتصويب من ع.
(3) لفظ (ومثله) ساقط في الأصل، والإصلاح من نسخة ع.
(4) جملة (إنما يشترط) باهتة في الأصل والتصويب من ع.
(5) في الأصل: (حشي) وهو تصحيف ظاهر.
(6) بياض في الأصل أكثر من سطرين، والتصويب من ع.

(12/81)


قال ابن حبيب قال مطرف قال مالك: ومن حبس على جميع ورثته حبسا عند الموت لم يجعل له مرجعا إلى سواهم فذلك باطل، وذلك موروث. وإن جعل له مرجعا إلى أحد بعد انقراضهم ذلك نافذ. [وذكر أصبغ مثله. وذُكِرَ عن ابن القاسم وابن وهب عن محمد مثله] (1) وإذا حبس على ولده؛ فإن لم يُعْرَفْ أنه أراد به الولد-يريد بعينه-دخل فيه ولد الولد، وكان حبسا. ومن العتبية (2) من سماع ابن القاسم /ومن حبس على امرأته حياتها، فلم يُجِزْه الورثة؛ فإنه يرجع ذلك ميراثا إن شاءوا باعوا، أو أمسكوا. قال ابن القاسم: وإن قال: داري حبس على امرأتي ما عاشت، وباقي ثلثي لفلان، والدار هي الثلث. فإن سلم لها الورثة ذلك؛ لم يَكُنْ للموصى له بباقي الثلث شيء، حتى تموت المرأة، فيأخذ هو الدار. وإن لم يرضوا دخلوا معها في الدار بالميراث، يسكنون معها حتى تموت، فترجع إلى الأجنبي. في الرجوع في الحبس وهل يُباعُ؟ وكيف إن خرب الربع أو تغير حاله أو خلق الثوب أو كلب الفرس أو فسد العبد أو قتله رجل؟ وهل يباع الحيوان الحبس؟ وحُبُسُ المشاع هل يباع؟ وحبس المديان وهل يُزادُ في المسجد من الأحباس، أو من دور الناس بالثمن؟ وفيه غير ذلك من غير كتاب قال مالك: لا يباع الحبس وإن خرب، ولا يرجع فيه. وبقاء أحباس السلف دائرة دليل على منع ذلك. ومن كتاب ابن المواز وغيره قال مالك في نخل حُبِسَتْ ثمارها (3) فردمتها الرمال. حتى بطلت كراء بيعها، وغُلِبَ عليها، وفي مائها فضل هل تُباعُ؟ قال: لا يباع فضله، وليدعها بحالها وإن غلب عليها الرمال.
__________
(1) ما بين معقوفتين ممسوح في الأصل والتصويب من ع.
(2) البيان والتحصيل، 12: 239.
(3) كلمة (ثمارها) ساقطة في الأصل، والإصلاح من ع.

(12/82)


وذكر ابن وهب في موطئه أن ربيعة أرخص في بيع ربع دثر وتعطل، أن يباع، ويُعارض به في ربع نحوه، في عمارة تكون حبسا. وقال ابن القاسم عن مالك: لا يباع الحبس من الدور، وغيرها؛ وإن خرجتْ، وصارت عرصة، ولقد/ كان البيع أمثل. قال مالك: ومن باع حبسا فُسِخَ بيعه، إلا أن يغلُبَ على بيعه السلطان، فأدخله في موضع، ودفع إليهم ثمنا، فليشتروا به داراً مكانها، من غير أن يُقْضىَ به عليهم. وكذلك إن باعها، فأدخِلَتْ في المسجد. وقاله ابن القاسم. وقال عبد الملك: يُقْضَى عليه أن يشتري بثمنها مثلها. وإما أن استحق الحبس، أو الصدفة، فأخذ فيه ثمن، فليصنع به المحبس أو المتصدق ما شاء. وقال ابن القاسم، وأشهب: وهو قول مالك. ومن المجموعة، ومن العتبية (1) من سماع ابن القاسم، وهو في كتاب ابن المواز؛ عن دار حبس على قوم، فخربت، فأرادوا بيعها ليشتروا بثمنها دونها، تكون حبسا؛ أن ذلك لا يجوز. وأما الفرس يُكَلَبُ، أو يُخبَتُ؛ فليبع، ويُشتَرَى بثمنه فرس يُحَبَّسُ مكانه (2).ومن العتبية (3) ابن القاسم: قال مالك في دار حُبَّست على قوم، فباعوها، وأدخلت في المسجد، قال: فليشتر (4) بثمنها دارا تكون في صدقة أبيهم. قيل: أيقضى بذلك عليهم؟ قال: لا. وأرى لهم أن يفعلوا. قال سحنون: لم يُجِزْ أصحابنا بيع الحبس بحال، إلا دارا بجوار مسجد احتيج أن تُصافَ إليه ليُوَسَّعَ بها، فأجازوا ذلك، ويُشتَرَى بثمنها دار تكون
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 204.
(2) لفظ (مكانه) ساقط في الأصل، والإصلاح من ع.
(3) البيان والتحصيل، 12: 230.
(4) في الأصل: (فليشتري) ولعل ما أثبته هو الصحيح.

(12/83)


حبسا. وقد أدخل في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - دور كانت (1) حبسا؛ وكانت تليه. وقال أصبغ في قيم المسجد الجامع: احْتسبَ فيجمع مالاً ليُشتَرَى به عبد يسقي الماء في المسجد الجامع للناس ففعل ذلك، واشتراه، وكان يستقي (2) الماء،/ ويخدم فيه، ثم تعاطى، وتخلف، وأبى من الاستقاء، والخدمة. هل للقيم بيعه، وشراء آخر يقوم مقامه؟ قال: ذلك جائز إذا كان ذلك على النظر والاجتهاد (3). ومن المجموعة قال مالك في الفرس الحبس، يضعف؛ فلا تبقى فيه قوة للغزو (4): فلا بأس ببيعه، ويُجعَلُ ثمنه في آخر. قال ابن القاسم: فإن لم يُبَعْ شورك (به) (5) فيه. والثياب تباع إن لم تبق فيها منفعة، بيعت، واشتري بثمنها ما يُنتَفَعُ به. فإن لم يَكُنْ تُصُدَّقَ به في السبيل. قال غيره: لا يباع العبد، والثياب التي الله، كالرباع يباع. ومن كتاب ابن المواز قال: يعني مالكا، وما خرب من الحبس، فأراد صاحبه بيعه والاتخاذ بثمنه ما هو أفضل منه. أو انتقل أهل تلك الناحية، وبطل الموضع، فأراد صاحبه، أو من هو بيده بحبس، أو بحوز، أو ولاية بيعه، والاشتراء بثمنه في موضع عامر؛ يكون حبسا. قال: لا يجوز ذلك في الرباع بحال (6)، وإن ذهب به الزمان والقدر. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن تصدق على قوم بعبد صدقة محرمة- يريد حبسا- فكري (7) الغلام، أو كثُرَتْ سرقته وإباقه؛ فأرادوا بيعه، والشراء بثمنه من يكون مقامه. قال: لا يجوز ذلك، لو كان هذا بطلت
__________
(1) كلمة (كانت) ساقطة في الأصل، وثابتة في ع.
(2) في نسخة ع: (يسقي).
(3) انظر تفصيل هذه المسألة في البيان والتحصيل، 12: 318.
(4) في الأصل: (للحبس الغزو) وهو تصحيف.
(5) لفظ (به) ساقط في الأصل، والإصلاح من ع.
(6) كلمة (بحال) ساقطة في ع.
(7) في نسخة ع: فكري العبد وكثرت. وفي القاموس: كري: نعس وعدا شديدا.

(12/84)


الأحباس، إلا أن يشترط من حبسه أنه إن كري أو أحدث حدثا، أن يباع، ويُشترَى غيره. وإلا فلا، وكذلك البعير، أو الفرس، أو التيس يحبسه للضراب، يكون حبسا صدقة، فيكبر البعير أو التيس، وينقطع منه الضراب؛ / فلا أرى أن يباعا، إلا أن يكون اشترط ذلك في أصل الحبس. ونحوه عن ابن الماجشون في المجموعة. قال عنه فيها: وإن شرط إن هرم، أو فسد بيع، واشترى غيره؛ فذلك جائز ولا أحسبه يجوز إن لم يشترط. قال ابن الماجشون: ولو حبس إبلا، أو غنما، فأنسلت الذكور من التيوس أكثر نسلها. قال: لا تباع. قال: ولو صارت ضرورة، فكثر ما يُنْفَقُ في رعايتها، ومؤنتها؛ فلا تباع عندي إذا كانت لا تصر بغيرها من الصدقة، وهو كالربع الخرب الذي لو بيع بعضه؛ لأصلح به باقيه. ولكن لا ينبغي أن يباع. وما أعطاه الإمام ثمنه، وأدخله في المسجد الجامع، أو في طريق، أو نحوه من نفع عامة المسلمين؛ فإن ثمنه يُرَدُّ في مثله حبسا. وأما من اشترى دارا فحبسها (1)، فاستُحِقَّتْ؛ فإن ما يرجع به من الثمن، يكون له، لا حبس فيه لأنه لم يحبس الثمن، إنما حبس شيئا بعينه، فاستُحِقَّ، ولم يكن الثمن ثمنا للدار إلا بسبب حبسها بعينها، ولو أوجب التحبيس في مال ناض، فأوقفه إلى أن يشتري به أصلا محبسا، فذلك جائز إذا اشترط فيه ذلك، وجعلها بيد غيره. قال: وفيها الزكاة- يريد منها- إذا أتى لها حول. قال: ومن حبس عبدا للمسجد؛ يسقي فيه، أو فرسا في السبيل، فيُقتَلاَن. قال: فليحارب بأثمانهما مثلهما في ذلك الحبس. وقال في مال العبد الحبس: إذا مات يُحبَسُ به في ذلك لأنه خلده، ولم يُحبَّسْه على رجل بعينه. ولو حبسه على رجل حياة العبد،/ فمات العبد لرجع ماله إلى سيده.
__________
(1) في الأصل: (حبسا) ولعل ما أثبته هو الصواب.

(12/85)


قال: ولو أن حبسا أفْسِدَ، أو عبدا محبسا قُتِلَ، فلم يُدرِكْ على من ضمنه إلا شيء تافه؛ فإن يئس من المزيد فيه أجري مجرى الغلة، فيوكل، ويُقَسَّمُ. فإن كان في ذمته رجاء أوقف لما يُرجَى مما يوجد مكانه، فيشترى به حبس. قال ابن كنانة: من حبس حائطا على ولده، ثم هو في سبيل الله، وفي الحائط رقيق حبسهم لعمل الحائط، فتوالدوا، وكثروا حتى لا يحتاج إليهم في عمله، فليس لأهل الحبس بيعهم ليشتروا بثمنهم حائطا آخر مزيدا في الحبس. فليس ذلك لهم، وليخارجوهم، ولا يباع منهم أحد. ومن هرم منهم، حتى لا تكون فيه منفعة، وتكون نفقته على أهل الصدقة. فلو أعتق هذا عن المتصدق، كان حبسا (1). وقال: لو اشترى شقصا من عبده، فجعله في الحائط الحبس بسبيل رقيقه، ثم وجد من يعطيه بالشقص عبدا تاما، وهو أعظم غنى (2) من الشقص فلا يجوز له ذلك، وهذا من بيع الحبس فلا يباع من رقيق الحائط شيء، بمنزلة ما هرم من مات بعض رقيقه، وهي لا تعمل فيه شيئا فلا يصلح أن تباع، ويشترى بثمنها من يصلح لخدمة الحائط. ومن المجموعة قال ابن القاسم: سألنا مالكا عن صدقة النبي- عليه السلام- ينزع النخل ويجعل مكانها موزا؟ فكره ذلك، وقال: هو يضر بالنخل. ومنه ومن كتاب ابن المواز، ومن العتبية (3) من سماع ابن القاسم /فيمن حبس عذقين (4) على مسجد، في مصابحه، ومرمته. قال في العتبية: في مصابحه ومرمته والمسجد ودار من دور الأنصار، فانقرض أهل تلك الدار، وسكنها
__________
(1) في نسخة ع: (حسنا) بالنون.
(2) كذا في ع، ولعله الصواب. وفي الأصل عما.
(3) البيان والتحصيل، 12: 224.
(4) العذق: النخلة بحملها، والفنو منها. قاموس.

(12/86)


غيرهم، فقاموا في ذلك، وبقي من الأولين رجل، فكان يأخذ تمرهما أترى أنه أولى به؟ قال: فليس ذلك (له) (1) وهما على ما جعلهما ربهما من وقيد المسجد ومرمته. قال ابن كنانة: ولا يُنْقَصُ بنيان الحبس ويبنون فيه حوانيتا للغلة، وهو ذريعة إلى تغيير الحبس. ومن كسر حبسا من أهل الحبس، أو من غيره، فعليه أن يرد البنيان كما كان خوفا أن تُؤْخَذَ منه القيمة فتتحول الدار عما كان حبسها عليه. ولا ينبغي أن تُنْقَضَ مساكنها وإن رضي بذلك أهل الحبس، ولا بأس أن يصلحوها إذا خربت. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن حبس قلوصا في سبيل الله، فلم يجد من يخرج به حتى جاءت الصدقة، فتصدق به على أيتام؛ قال: بئسما ما صنع، ويَمْضِي ذلك لهم. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: قال مالك في الفرس المحبس، أو العبد المحبس على المسجد في خدمته، وشبه ذلك؛ إذا قتله رجل تعديا، فيشترى بقيمته مثله، يكون مكانه. ولو أحدث العبد فسادا او إباقا أو خبث الفرس، أو هرم؛ فلا بأس أن يباع ويشترى بثمنه من يكون مقامه. وكذلك الغنم المحبسة؛ يصير فيها تيوس لا قيمة فيها؛ فلا بأس أن تباع ويشترى بثمنها غنم تكون مكانها. قال ابن الماجشون فيه ونحوه/ في المجموعة عنه: ولا بأس أ، يستثني ذلك المحبس في كتاب حبسه في الرقيق أن يباع ما خبث منها وفسد، ويجعل ثمنها في مثلها. ولا أرى أن يستثني ذلك في الدار أن يقول: إن وجدوا ثمنا رغيبا، فلتبع (2)، ويتر بثمنها دارا، وكذلك الأصول. ولأنه لا يقع من العدد في بيعه، وتغييره ما
__________
(1) في الأصل: (لهما) والإصلاح من ع.
(2) في الأصل: (فاليباع ويشترى) ولعل ما أثبته هو الصواب.

(12/87)


يقع في الرقيق والحيوان؛ فإن استثناه في حبسه، جاز، ومضى. وكذلك إن قال: إن احتاجوا باعوا، أو هي لآخرهم ملكا، ولا بأس باستثناء هذا. قاله مالك. قال ابن حبيب: قال مالك في الدور التي كانت حول مسجد النبي- عليه السلام- محبسة، فلما زيد في المسجد، أدخلت فيه، واشتُرِيَتْ لذلك. قال: فلا بأس بهذا للمسجد ولطريق المسلمين؛ فيوسعوه بذلك فيها، وهو نفع عام للمسلمين، ونفع ذلك أعم من نفع الدار المحبسة. وقاله غير مالك، ممن قبله. قال ابن الماجشون: وكذلك عندي في مثل جوامع الأمصار، فأما مساجد القبائل فلا، وقاله مطرف، وابن عبد الحكم، وأصبغ. قال لي إبراهيم بن المنذر: أول من زاد في مسجد النبي- عليه السلام- في قبلته، ومن ناحية دار مَرْ وإن عمر. وزاد في المسجد الحرام، فعل ذلك فيهما، وأدخل في ذلك دورا محبسة، وغير محبسة، ودفع أثمانها إلى أهلها، ثم زاد عثمان فيهما قبلة، وفعل كما فعل عمر، فأبوا من أخذ الأثمان، وصاحوا، فأوقفها لهم، وأمر بحبسهم، واحتج بفعل عمر. وأمر الوليد عمر بن عبد العزيز أن يفعل مثل ذلك في مسجد الرسول- عليه السلام- وأعطاهم/ الأثمان في دور محبسة وغيرها، فاشتروا بأثمان المحبسة دورا جُعِلَتْ مكان الأخرى. قال: وأخبرني الحزامي عن الواقدي، عن خالد بن أبي بكر قال: رأيت سالم بن عبد الله يبيع العبد من صدقة عمر، ويشتري به غيره؛ إذا رأى ذلك خيراً للصدقة. وفعله علي بن حسين في صدقة علي. قال ابن حبيب: قال أصبغ فيمن حبس على ولده الصغار، أو الكبار، أو على قوم بأعيانهم، ثم من بعدهم على المساكين، ثم تعدى فيه، فباعه مُغَافَصَةً (1) (لهم) (2)، أو بعد طول زمان إن البيع منقوض، ويرد الحبس على ما كان، ولا يُنظَرُ
__________
(1) المغافصة: هي المفاجأة، يقال: فلان غافص الرجل مغافصة أخذه على غرة.
(2) لفظ (لهم) ساقط في الأصل، وثابت في ع.

(12/88)


إلى بوئرها (1)، ولا في قبضه لأنها بعدهم على المساكين. وإن أعدم، في الثمن أتبع به، بخلاف الصدقة غير المحبسة يتصدق بها على رجل، ثم يبيعها. فإن كان مغافصة للمعطى قبل علمه أو بعد علمه فيما لا يمكنه فيه القبض فإن بيعه مردود. وإن كان بيعه بعد علمه، وإمكانه للقبض، والقيام؛ فالبيع ماض، والثمن للمتصدق عليه. قال ابن حبيب قال مطرف فيمن حبس حبسا على المساكين، فرفع ذلك إلى قاض، فجهل، فباعه، وفرق (2) ثمنه على المساكين، ثم رفع إلى غيره، قال: فليُفسَخِ البيع ويُرَدُّ المنزل حبسا، ولا يضمن القاضي الثمن. فإن خطأ الإمام في الأموال هدر، وليُدْفَعِ الثمن إلى المشتري من غلة الحبس. قال: ومن بنى مسجدا في قرية، وصلي فيه نحو عامين، ثم باعه، أو تصدق به على من هدمه، وبناه دارا فليُفْسَخْ ذلك، ويُرَدُّ إلى ما كان من الحبس؛ لأن المسجد لله لا يباع، ولا يُغَيَّرُ وللباني فيه إن شاء هدم (3) بناءه/ وإن شاء تركه، واحتسب. فإن احتسب (4) أجنبي، فأعطاه قيمته منقوضا ليُبْقِيِه حبسا؛ خُيَّرَ (5) الباني على تركه، وأخذ القيمة، إذا كان يصلح أن يُفْرَدَ (6) به للمسجد. وإن كان لابد من هدمه لم يجبر، وأما النقض الأول، فيلزم هادمه قيمته قائما، ثم يبنى بتلك القيمة. قال ابن الماجشون: ومن حبس شقصا شائعا من دار، أو حائط، وبعض الشركاء غائب، وطلب من حضر منهم القسم، أو البيع؛ فليَكتُبِ القاضي إلى الغائب؛ ليوكل. وإن بعد، قاسم عليه من حضر، فما وقع للمحبس، كان حبسا، وما كان لا ينقسم، بيع، فما وقع للمحبس اشتري به مثل ذلك يكون حبسا.
__________
(1) في نسخة ع: (ولا ينظر إلى بوائر هؤلاء في بيعه) لأنها.
(2) في نسخة ع: (وقسم) ثمنه.
(3) في الأصل: (ولا يفرق، وللباني فيه إن شاء هدم) وهو تصحيف والتصويب من ع.
(4) في نسخة ع: احتسب وتركه أي تقديم وتأخير.
(5) في نسخة ع: (أحبر) ولعل هذا هو الأصح.
(6) في نسخة ع: (يقوم).

(12/89)


قال ابن الماجشون في أرض محبسة لدفن الموتى، فضاقت بأهلها، فملأوها، ويدفنون في غيرها؛ فلا يُدْفَنُ فيها إلا الفاد وبجانبها مسجد ضاق بأهله، فأرادوا أن يوسعوا فيه منها؛ فذلك جائز؛ وذلك حُبُسُ كله، لا بأس أن يُصْرَفَ بعضه في بعض. قال أصبغ عن ابن القاسم في مقبرة عفت: لا بأس أن يبنى فيها مسجد، وكل ما كان لله، فلا بأس أن يستعان ببعضه في بعض. ومن العتبية (1) من سماع ابن القاسم: ومن أسكن رجلا، وعقبه ما عاشوا بيتا، وما عمروا فيه؛ فهو لهم. ثم أراد أن يرجع في ذلك، فليس له أن يرجع فيه، وهو لم يأخذ على ذلك عوضا. ومن العتبية (2) وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم عن مالك في بقرات محبسة، يُقَسَّمُ ألبانهن/ في المساكين، فتوالدت؛ قال: ما ولدت من الإناث، فهن كسبيلها، وما ولدت من الذكور، فلضرابها، إلا أن تكثر، فيباع من الذكور ما فضل عن [نزوها] (3)، واشتري بالثمن إناث؛ يكون مقامها. وما كبر من الإناث حتى انقطع منها اللبن، فلتُبَعْ كالذكور، [ويرد] ذلك في إناث، تكون معها، وفي علوفتها. قال: ومن حبس دارا في مرضه على قوم، وجعلها بعدهم في سبيل الله، ثم أراد في مرضه أن يُغَيَّرَ ذلك، فذلك له. قال محمد بن خالد: قال ابن القاسم فيمن حبس فرسا في سبيل الله، فحمل عليه رجلا، فغزا عليه، فجعل الإمام لمن عُقِرَ فرسه أن يعطيه مكانه آخر، فعقر الفرس المحبس تحت الرجل، [فأعطاه] الإمام فرسا قال: أرى أن يكون حبسا كالأول، ولا أعلم إلا أن ابن نافع قال مثله.
__________
(1) انظر البيان والتحصيل، 12: 228.
(2) نفس المصدر، ص. 232.
(3) كل ما بين معقوفتين في هذه الصفحة لا يقرأ في الأصل والتصويب من نسخة ع.

(12/90)


قال ابن القاسم: ولو لم يُحَبَّسْه، إلا أنه حمله عليه؛ يغزو عليه، ويُرَدُّه إليه؛ لكان يجب أن يرجع الفرس الذي عوض مكانه إلى ربه، إذا رجع من غزاته. قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب، فيمن أوصى بمائة دينار تُنفَقُ في داره التي في سبيل الله، فاستُحِقَّتِ الدار قال: يُرَدُّ جميعها إلى الورثة. قيل: فإن أنفقَتْ، أو بعضها فيها قبل [أن] تستحق. قال: ترجع إلى الورثة أيضا. انظر لعله يريد بما يُؤْخَذُ من المستحق في قيمة البناء. قال سحنون فيمن حبس دارا، وعليه دين قبل الحبس (1)، واستحدث دينا بعد الحبس، فقام أهل الدين كلهم؛ قال: قد قيل: يباع/ منها للدين الأول، فما بيع لهم، دخل معهم فيه أهل الدين الآخر، ثم لا يباع منها غير ذلك. وقد قيل: إذا دخل معهم الآخرون، بيع للأولين بقدر ما انتقصوهم، ثم يدخل عليهم الآخرون هكذا أبدا حتى يستوفوا، ويُفَرَّغُ الحبسُ. وكذلك لأصحابنا قولان في العتق، وهذا مثله وقد ذكرنا هذا، ونحوه في المدبر. والقول الآخر قول أشهب، وقد ذكرنا في باب قسمة الحبس بين أهله مناقلة الحبس بالحبس. فيمن حبس حبسا على قوم ثم أراد أن يبتله لهم أو لمن بقي منهم أو عتق عبد من الحبس من العتبية (2) من سماع ابن القاسم: وعنمن حبس أمه حبسا صدقة على أمه وأخته لا تباع ولا توهب، ولا تُورَثُ، وأيهما ماتت؛ فهي على الآخرة منهما. فماتت أخته، فأراد أن يبتلها لأمه تبيع، وتصنع بها ما شاءت. قال: ذلك له بعد أن فكر مليا، كأنه لم يرها كالدور.
__________
(1) عبارة (قبل الحبس) ساقطة في ع.
(2) انظر البيان والتحصيل، 12: 241.

(12/91)


قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: كأنه رآه من ناحية البر. وإن ذلك لا يجوز في الرباع، ويجوز في الحيوان. قاله في العتبية (1). قال ابن القاسم: وليس له أن يفعل ذلك في الدور، إلا أن يكون شرط أن مرجعها إليه، فذلك له (2) أن يفعل مثل هذا، أو يجعلها في غيرهما بعدهما. وروى أشهب عن مالك فيمن أعمر أمه عبدين حياتها، إن مات قبلها. وإن ماتت قبله/ فهما عليه رد، ثم حضرته الوفاة قبلها، فأعتق أحدهما؛ فليس ذلك بجائز، إلا أن ترضى أمه بذلك، فيجوز. ولا قول لورثته. وإن لم تُجِزْه؛ فإنه إذا ماتت أمه أعْتِقَ، وكانت تلك البقية في ثلثه. قال أصبغ عن ابن وهب فيمن حبس داره على رجل، وقال: لا تباع، ولا تُوهَب. ثم بدا له أن يبْتُلَها له، وقال: هي عليك صدقة. قال: فهي له، يصنع بها ما شاء. وسواء قال في حبسه: هي حبس عليك حياتك. أو لم يَقُلْ. قال أصبغ: لا أرى ذلك. وهي كالحبس المؤبد بعد موته، وهي حبس أبدا. قال ابن وهب: ولو قال: هي حبس عليك، وعلى عقبك. فليس له أن يَبْتلَها له، لأنه أشرك معه غيره. ومن كتاب ابن المواز والمجموعة، وقد تقدمت في باب آخر. قال ابن القاسم عن مالك: ومن قال لرجلين في عبد: هو حبس عليكما، وهو للآخر منكما. فإنه يكون للآخر ملكا. قال أبو محمد: إلا أن يكون ابنا. قال: وهو للآخر منكما. بعد أن ثبت قوله الأول؛ فلا يكون للثاني إلا حبسا. وأكثر معاني هذا الباب مذكور في باب بعد هذا في حبس العبيد، والحيوان.
__________
(1) انظر نفس المصدر، 12: 242.
(2) لفظ (له) ساقط في الأصل، وثابت في ع.

(12/92)


في شراء مرجع الحبس أو العُمْرَى وشراء المُعطي أو المُعطَى وفيمن أعمر رجلا دارا ثم هي لآخر فهدمها رجل لمن تكون القيمة؟ من العتبية (1)، من سماع ابن القاسم: وقال فيمن حبس داره على ولد له، وابن أخ له حياتهما: إنه يجوز للمحبس أن يشتري/ من ابن أخيه مرجع ذلك لأنه عُمْرَى. وقال فيمن اشترى من متاع البيت مثل مهراس، أو طسْتٍ، وغيره، وجعله لزوجته حياتهما تستمتع به. ثم طلقها، وخاف أن تُبَدَّلَه؛ فإن له أن يشتري منها مرجعه، أو تشتريه هي منه. قيل: فإن أبت فلي أن أزنه عليها؟ قال: الوزن يختلف لأنه ينقص. ولكن اكتُبْ صفته، وأشْهِدْ على معرفته، وانفش فيه إن شئت. وقال فيمن حبس على أمه وصيفة حياتها، وحازتها، فمات الابن، وعليه دين، للأم شراء مرجع الوصيفة لتملكها بَتْلاً فلا يجوز هذا ويبقى حتى تموت الأم، فيتحاص فيها الغرماء. قال: ومن حبس داره على أقارب له اثنتي عشرة سنة، ثم مات بعد شهرين، فطلب رجل شراء مرجعها من الورثة؛ فلا يعجبني، قد تنهدم الدار، واثنتا عشرة سنة كثيرة. ولو كانت شيئا يسيرا جاز. قيل: قد يكتري دارا اثنتي عشرة سنة؟ قال: قد يُستأجرُ العبد سنة، ولا يصلح أن يُشْتَرَى مرجعه بعد سنة. قيل: فإن اشتري مرجعها، ولم يُنْفَدْ؟ قال: سواء نُفِدَ أو لم يُنْفَدْ.
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 224.

(12/93)


قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن أسكن رجلا دارا عشر سنين (1)، والمرجع إليه؛ فلا يجوز له بيع مرجعها؛ إذ لا يدري كيف ترجع. وأما الأرض المزورعة فلا بأس بذلك، أو سكنى قرية مأمونة فذلك جائز. قال عنه عيسى، وأصبغ فيمن أعمر رجلا دارا، ثم هي لولده من بعده فلا يجوز أن يشتري المعطي مرجعها من المُعْمَر؛ لأنها لولده. وليسوا بأعيانهم، ولا يُعْرَفُ عددهم، ولا يجوز للمعمر أن يشتريها من المعطي ليملك/ أصلها. وأما إن لم يَكُنْ لولده من بعده؛ فلا بأس أن يشتريها. وقاله أصبغ. ومكروه ذلك أنها إجارة مجهولة وغرر إذا كانت لولده من بعده. قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن قال: داري لفلان يسكنها، ولفلان يستغلها، ولفلان رقبتها. فتعدى رجل على بيت من الدار، فهدمها قال: فهذا يغرم قيمة بنيانه ذلك البيت. ولا يكون لصاحب الرقبة حتى يموت صاحب السكنى، وصاحب الغلة، فترجع الدار للثالث، فإن انهدمت الدار، وأراد صاحب السكنى وصاحب الغلة أن بينوا بنوا، ثم لهم السكنى، والغلة، كما كانت، ويكون لهم ما أنفقوا على الذي تصير إليه الرقبة. وإن أبيا من البناء قيل لصاحب مرجع الرقبة: ابْنِ. فإذا بنى، فله أن يستوفي من غلتها قيمة ما في معنى قوله. فإذا استوفى؛ كانت الدار لهذين، حتى يموت، فترجع الدار إلى الذي إليه مرجع الرقبة. ولو مات صاحب الغلة، رجع نصيبه إلى صاحب الرقبة. وكذلك إن كانت في وصية، وهي بدل الثلث؛ فإن نصيب من مات من هذين يرجع إلى صاحب المرجع لأنه بمنزلة ربها. وفي كتاب الصدقة باب في شراء مرجع العمرى.
__________
(1) في نسخة ع: (عشرين سنة).

(12/94)


في الحبس يُزادُ فيه أو يُعْمَرُ من غلته وكراء الحبس السنين الكثيرة من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك في الحائط الحبس يفضل من غلته أيزاد بها فيه؟ قال: لا يُزادُ فيه إلا اليسير/ التافه، أو النخلة تموت، فيُجعَلُ مكانها أخرى. فأما أن يحدث حائطا من النفقة فلا. قال ابن كنانة: فالدار الحبس تخرب أنها تٌصْلَحُ من فضل الكراء. وأعرف في غير المجموعة إذا احتاج الحبس إلى إصلاح لابد منه؛ أنه يبدأ بإصلاحه من كرائه. ومن المجموعة قال ابن كنانة في الدار الحبس لها غلة يجتمع من غلتها مال، وقد أوصى المحبس أن يُصْلَحَ من غلتها ما خرب منها؛ فقيل للقائم بها: أعمرها من الغلة. فطلب أن يُعمِرهَا من ماله، ففعل ذلك، ثم قال: إنما عمرتها من الغلة. قال: إن قال: من الغلة أنفقت. فقد أنفذ الوصية. وإن قال من مالي عمرتها. حلف، ورجع بذلك في الغلة، ولا يُضَرُّ قوله: أعمرتها من مالي. وإن أخذ منه شيء غرمه. قال عبد الملك: ويجوز كراء ولي الصدقة بما يرى من النظر والحظ السنة والسنتين، وما يجوز مثله للوكيل، وأما إيجابا فيطول فلا يجوز لأنه إنما يليها ما دام حيا، وقد يعرض حكمه فيها، بعد الموت. وإن أمكن ذلك في القليل فليس مما دخل فيه مدخل الآخر في الأغلب من الحال. قال: ولا يجوز أن يكريها بنقد لأنه قد يضع في ذلك وهو لا يقسم الكراء عليهم قبل كمال سكنى المكترى لأنه إنما يُقَسَّمُ على من حضر يوم القسم. فمن ولد قبل القسم ثبت حقه. ومن مات قبله، سقط. وإذا قسمه، قبل يجب بالسكنى فقد يموت من أخذ منه قبل أن يجب له، ويُحْرَمُ من جاء قبل الوجوب، ممن يولد بعد القسم. قال: فأما أن/ يُكْرِيَ مرجع الرقبة لآخر بعده؛ فلا يلزَمُ

(12/95)


ما عقد فيه الكراء، من مدة يبقى منها شيء بعد موته، وإن قل. بخلاف ولي الحبس الذي ذكرنا أنه يلزم ما قل من عقده لأن الذي لغيره المرجع، ليس له أن يعقد على غيره، وليس ممن بيده ولاية الصدقة ما بيد الولي الآخر. وهو إنما يُكرِي لنفسه، ليس بولي على غيره فهو يجوز له أن يعقد كراء مثل الأربع سنين والخمس. وقد اكترى مالك منزله عشر سنين هو صدقة على هذا الحال، واستكرى المُعْمَرَ، وغيره عشر سنين؛ فما أبيح له فيه الوجيبة؛ فهو جائز له فيه السلفة، لأنه إنما يتسلف لنفسه. وإنما الحظر فيه بكثرة السنين؛ لطول عمره أو قصره، فيضع في طول المدة، ويؤجر في قصرها لما يرجى ويخاف. فهو إذا مات يرد ما بقي فصار سلفا، ولا يُقصَدُ من الحظر وقرب المدة ما يدخل في طولها. قال ابن وهب عن مالك فيمن أسكن دارا (1) حياته، فيريد أن يكريها، وينتقد الكراء؛ قال: لا يرفع (2) في المدة، وليكرها قليلا قليلا. قال عبد الملك: فلولي الصدقة أن يُعْمِرَ خراب الصدقة من ماله، ويرجع بذلك في كرائها؛ إذا رأى ذلك نظرا لهم، فيلزمهم، ويرجع به في الغلة. وأما من له السكنى حياته، ثم هي لآخر بعده. فإذا عمر فيها من ماله، ثم مات، فإذا ثبت ما عمر مما يُؤْذَنُ في مثله مما يصلح للإنتفاع به لشيء معروف؛ من خشب أدخله، أو جدار بناه، ونحوه، فيُنظَرُ قيمة ذلك قائما بالإذن له فيه، فصار ممن بنى بشبهة. ومن العتبية (3) / قال سحنون فيمن حبس داره على ولده، وولد ولده حبسا صدقة. والوُلْدُ أصاغر، وأكابر، فأكراها (الأب) (4) المحبس من رجل خمسين سنة، وقبض الكراء، ثم مات بعد ذلك بسنين؛ قال: أما حبسه على الأكابر البالغين، فباطل حين لم يحوزوا. وأما الأصاغر؛ فإذا أشهد لهم بالحبس، وهو القابض لهم، ثم
__________
(1) في نسخة ع: دارا (وهو صحيح) أي زيادة وهو صحيح.
(2) في نسخة ع: (يرجع) بدل يرفع.
(3) البيان والتحصيل، 12: 305.
(4) لفظ (الأب) ساقط في الأصل، والإصلاح من ع.

(12/96)


عقد فيها هذا الكراء الكثير الذي لا يجوز له. وإنما كان ينبغي له أن يُكْريَ إلى مقدار بلوغهم ونحوه. فحين أكرى هذا الأمد البعيد، فإنه يُفْسَخُ ما بقي منه بعد موته، ويرجع المكتري بما بقي له في مال الأب إن كان له مال. فإن لم يَكُنْ له مال، فهو شيء يُتبَعُ به في الآخرة. قال ابن كنانة: وللرجل أن يُسكِنَ غيره نصيبه؛ وذلك ما دام المعطي حيا من الصدقة؛ ما لم يُغَيَّرْ شيئا مما تصدق به المحبس. فإذا مات المعطي، رجعت (1) إلى من ذلك له، من أهل الحبس. وقال فيمن حبس على رجل نخلا، فتصدق من حُبَّسَتْ عليه بتمرها على ابنه، أو على أجنبي؛ لم تَجُزِ الصدقة. وله أن يجنبها، ويُطعِمَ (2) بتمرتها من شاء. قال: ولا يغير الحبس عما جُعِلَ فيه إن جُعِلَ في الأقارب، فكذلك. وإن جعل في الأباعد، أو معينين، أو في السبيل، فلا يُصرَفُ إلى غيره. ومن كتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك فيمن حبس حائطا على مواليه، وأولادهم، وأولاد أولادهم يأكلون تمرها؛ لكل إنسان أربعون صاعا، وأوصى بذلك إلى رجل، فأراد الوصي أن يبتاع لهم من ثمر الحائط/ رقيقا للحائط يعملون فيه ليكون ذلك عدلا بينهم، وبين الورثة. فأبى ذلك الموالى. قال: لا يشتريهم في عام واحد، ولكن يشتري بعضهم من تمرة العام، وبعضهم من ثمرة قابل. وقال مالك فيمن تصدق على مواليه بدار، ثم مرجعها إلى ورثته، فعمر أحد من بقي منهم، فأكراها من بعض ورثته ممن إليه المرجع عشرين سنة. قال: هذا كثير. وهو إذا مات المكري انفسخ. فليكتبوا عليه كتابا، [ويتوثقوا] (3). قال مالك: ولا يرفع في كرائها، وليكرها قليلا قليلا. وقاله عبد الملك: مثل السنة، والسنتين.
__________
(1) في نسخة ع: (أرجعت) إلى.
(2) في الأصل: (ويعظم) وهو تصحيف، ولعل الصواب ما أثبته.
(3) كل ما بين معقوفتين في هذه الصفحة والتي تليها ممسوح في الأصل والتصحيح من ع.

(12/97)


وذُكِرَ أن مالكا اكترى مثل هذا عشر سنين، [ونحن نخيره]؛ ما لم يقع النقد إلا بمثل سنة، وسنتين، إلا أنه متى ما انقضت مدة. فما كان منه يسيرا، تم ذلك له، وفُسِخَ ما كثر منه. في بعض أهل الحبس بيني فيه أو يغرس أو يصلح من المجموعة وكتاب ابن المواز قال مالك فيمن حبس على الولد، وولد الولد دارا، فبنى أحد الولد فيها بيتا، ثم مات، ولم يَذْكُرْ ذلك؛ فليس لولده أخذ ما بنى. قال في المجموعة: قال ابن القاسم: قل البناء أو كثر إلا أن يقول لورثته: خذوه. فذلك لهم. قال ابن المواز: وأخبرني ابن عبد الحكم عن ابن القاسم، بخلافه أنه قال: ذلك لورثته. ولم ير ما قال مالك. قال: وما كان لأبيهم حيا، فهو لورثته مثله. قال ابن المواز: والأول من قول ابن القاسم/ أعجب إلي أن ذلك لورثته، ما لم تكن [مرمة]. قال مالك فيمن أسكن رجلا دارا له، فأذن له أن يتخذ فيها حُجُراً، فإذا تمت المدة فله النقض إذا أبى أن يعطيه رب المسكن قيمة نقضه. قال ابن القاسم: وذلك فيما له قيمة بعد أن ينقض. ورواه أشهب عن مالك. وقال: خرج طوعا أو أخرجه [ربها] كرها. قال عبد الملك عن مالك سبيل ما ابتناه، أو [أصلح من ستر]، أو زيادة فذلك داخل في الصدقة؛ إذا كان بيده يوم بنيانه. وقال المغيرة: أما الشيء اليسير من سُتُرِ وموازيب، وما لا يعظم قدره فهو للحبس. وأما لمقترح كله؛ فهو له يورث عنه، ويُقضَى منه دينه. وبه قال عبد الملك.

(12/98)


وقال ابن كنانة: من سكن دارا محبسة، فبنى فيها، ثم مات، وصارت سكناها لغير ورثته؛ فليس لمن بنى في الحبس قيمة بناء، ولا عمارة. قال عبد الملك: وإن عمر في غير حيزه الذي هو بيده، وهو من أهل الصدقة، فهو كأجنبي عمره، فحقه فيه ثابت بغير الصدقة. قال ابن القاسم عن مالك فيمن حبس على رجل حياته دارا، أو أرضا فبنى فيها مسكنا، أو غرس نخلا، ثم مات. قال: إن أوصى رب الدار، ورثة الباني فذلك. وإلا قلعوا البناء، والنخل، إلا أن يُعطِيَهم قيمة ذلك [مُلقي] (1). وكذلك في كتاب ابن المواز. قال ابن القاسم فيمن تصدق على ولد ولده ومن بعدهم، في صحته بحائط، ولابنة له بخمسة أوسق كل عام، وللمساكين/ بمثل ذلك قال: يُبدَأ بالمساكين [والبنت بالتسمية]، فما فضل، فللمحبس عليهم. فإن لم يكن إلا أقل [من عشرة] أوسبق؛ تحاص فيه المساكين والبنت. فإن (بياض)، فلم يبق إلا أرض، ثم عمله بعض الذين حبس عليهم، [وأنفق فيه] حتى أتمر. فللذي أنفق فيه أن يأخذ ما أنفق من غلة الحائط فما فضل أخذ منه المساكين، والابنة. ثم ما فضل عنهما، فهو للولد. قال ابن حبيب: قال مطرف: وقال في المجموعة [قال غيره:] (2) في الدار أو القاعة، يحبس على القبيلة فيبني فيها [رجل منهم] الحوانيت، والبيوت، [للغلة]، والسكنى. قال. أما ما بنى للسكنى؛ فهو أولى بما سكن مما يكفيه لا يدخل عليه غيره. وأما ما بنى للغلة، فينبغي أن يقاص بنفسه فيما قبض من الخراج، فيما أنفق. فإذا استوفى؛ فالكراء بعد ذلك لجميع أهل الحبس من حاضر، وغائب. ويُؤْثَرُ فيه أهل الحاجة. فإن فَضُلَ شيء فهو بين الأغنياء. فإن جاء رجل، فأراد أن يدخل مع الذي بنى فيما بنى للغلة، فإنه يغرم للذي بنى نصف ما بقي له من
__________
(1) ما بين معقوفتين لا يقرأ في الأصل، والإصلاح من ع.
(2) كل ما بين معقوفتين، فهو بياض في الأصل والتصويب من ع.

(12/99)


حقه، ويدخل فيه معه، فيكون نصفه في يديه يقاص نفسه في غلته بما غرم، حتى يستوفي حقه ثم تكون الغلة ممن حُبِسَتْ عليهم. قال في كتاب ابن عبدوس: فإن أراد السكنى؛ قيل له: ادفع إلى الباني ما بقي له من حقه بعد الذي قبض من غلتها له، فهذا وجه الحبس. قال في الكتابين: كانت للقاعة غلة. قيل ذلك أو لم تكن. ومن كتاب ابن المواز وقال في المحبس/ عليه يبني في الحبس، ويرم فيه، ثم يموت، فيصير الحبس لغيره؛ فليس لورثته أخذ ما كان مثل المرمة، والسقف يُبدَّلُ بعضه مثل اللوح والسُّلُم، أو ما يرى أنه أراد به الحبس بإصلاحه وإتمامه، فليس له فيه حق، أوصى به، أو لم يوص به. وأما ماله؛ فمال من البنيان والعمل والمسكن يحدثه، أو الحجرة. وما يرى أنه أراد به الحبس، ولم يُسمَعْ منه في ذلك قول، ولا أوصى بذلك؛ فأراه حقا لورثته، أو يعطيهم الداخل بعده قيمته نقضا. ورواه أصبغ عن ابن القاسم، وأخبرني عنه بخلافه ابن عبد الحكم، وهو أحَبُّ إلي. قال أصبغ: وغيرنا يرى أن لا حق
لمن بنى في بعضه. قال محمد: وقد رواه ابن القاسم عن مالك. وقال عبد الملك: ذلك كله حبس، لا شيء لنا فيه. وقال عبد الملك بقول المغيرة إن ما كان من مرمة، وما يُعلَمُ قدره فلا شيء فيه. وما كان من بناء منفرد أو منزل فهو له. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون من بنى في الحبس [من أهله] (1)؛ فهو بسبيل الحبس [ولا قيمة له على أحد]، ولا [لورثته بعده] كان قليلا، أو كثيرا. قال أصبغ: أما اليسير مثل المرمة، وشبهها، فهو [كذلك وأما الكبير فله] قيمته منقوضا، ولورثته بعده. وقال ابن حبيب بقول ابن الماجشون.
__________
(1) ما بين معقوفتين في هذه الصفحة ممحو في الأصل والإصلاح في نسخة ع.

(12/100)


في حبس العبيد والحيوان والشرط في ذلك وفي الرباع وفي الأحباس والهبات والصدقات من كتاب ابن المواز قال: وكره مالك حبس الحيوان على أن يكون على العقب، بخلاف الرباع إلا [أنه إن وقع أمضاه على] ما شرط /، وإن أراد تغييره إلى ما هو أفضل [للعبد] (1) وأقرب إلى [الله تعالى]. قال ابن القاسم عنه فيمن حبس [عبدا] على فلان وعقبه؛ لا يباع، ولا يُوهَبُ، ولا يُورَثُ، فهلك [ولم يترك] عقبا. قال: يسلك به سبيل [الحر، يوقف] لا يباع، [ولا يُورَث]، وهذا إنما يُكتَبُ في الدور، وهذا كتبه في الجوار (قال) ابن القاسم: أكرهه لأنه ضيق على العبد. وقال مالك فيمن حبس خادما على أمه، وأخته حبسا صدقة لا يباع، وهي على الباقية منهما. فماتت أخته، أله أ، يَبْتِلَها لأمه تبيعها إن شاءت؟ قال: ذلك له كأنه رآه من البر. قال: وهذا في الحيوان، ويجوز في الرباع. قال محمد: وهذا [فيما] قلت لك أنه حوله إلى ما هو أفضل للعبد [وله هو في] بر أمه، وأفضل لأمه. فإذا كان أفضل للثلاثة، فأجيز في الحيوان. قال ابن القاسم: ولو حول الحيوان إلى ما ليس بأفضل مما سُبَّلَ فيه؛ فلا يجوز. قاله مالك. بخلاف الدور لأن [الأمة] تموت، وتمرض. وقال أشهب: الحبس نافد، على ما شُرِطَ في الرقيق والدواب، مثل (2) ما شرط فيه ما يُشْتَرَطُ في الرباع فيلزمه ذلك، ويرجع ذلك كما ترجع الدور على الأقرب، فالأقرب من عصبة المحبس، فيُسلَكُ به سبيل الخير أبدا، لا يباع. وفي باب مرجع الحبس مثله من تحبيس العبد.
__________
(1) ما بين قوسين في هذه الصفحة لا يقرأ في الأصل من ع.
(2) في ع: زيادة (وإن شرط في ذلك) مثل.

(12/101)


قال مالك: ومن وهب لابنه، أو لأجنبي عبدا، وشرط أن لا يبيع، ولا يهب فلا يعجبني ذلك، ولا خير فيه، إلا أن يكون المعطى سفيها، أو مُوَلّى عليه، فيُشتَرَطَ ذلك فيه. فإذا رشد، كان/ أحق به. فإن كان على هذا، فجائز، ولا خير أن يكون هذا الشرط باقيا بعد رشده. قال مالك: وإن حمل رجلا على فرس؛ في السبيل، وشرط [أن يَعْلِفَه] (1) سنين، ثم هو له بتلا فلا خير فيه. قال محمد: (وكذلك) (2) المُهْرُ الصغير، أو العبد الصغير، أو النخل الصغير. ومن حبس على ولده دارا، وشرط عليهم رم ما استرم منها، من أموالهم ما بلغ؛ لم يَجُزْ. قال أشهب فيه سقط الشرط، ويمضي الحبس. قال محمد: وذلك عندنا إذا حيز، وفات بموت المحبس. وأما قبل ذلك، فيُرَدُّ إلا أن يسقط المحبس شرطه. ولو شرط رم ما يسترم منها من أموالهم، بقدر كرائها، جاز ذلك. [قال مالك: وإن أعمره أرضا سنين شرط أن ما عمر فيها فهو له بقيمته نقضا ثم طلب منه ثوابا فليس ذلك له] (3) قال مالك: وإن وهبه مسكنا، وشرط إن هو باعه؛ فهو أحق به؛ بالثمن الذي يعطى (4) به، فسكنه، ثم مات، فصار لوارثه، قل (كذا) به شرطه. وقال ابن القاسم: لا أحب هذا الشرط. وكره مالك أن يقول الرجل اشتر هذا الفرس وأحملك عليه. ولا يدري كم الثمن، حتى يؤقت له وقتا. يريد يسمي الثمن.
__________
(1) عبارة (أن يعلقه) ساقطة في الأصل والتصويب من ع.
(2) كلمة (وكذلك) ساقطة في الأصل والإصلاح من ع.
(3) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والإتمام من ع.
(4) من قول المؤلف (يعطى به. . . . إلى. . . . . . . . . وكره) ساقط في ع.

(12/102)


في مال العبد المحبس أو المخدم أو المعمر وولده ونفقته وعقل جرحه ونفسه ومن حبس على عبده (1) تمرة حائطه حياته ثم باع العبد هل يُنزَعُ منه؟ من كتاب ابن المواز: ومن حبس عبده على رجل، ولم يشترط ماله، فماله بيده كالمخدم ليس لسيده، ولا للمحبس عليه أخذه. ونفقته على المحبس عليه. وقال مثله في العتبية (2) ابن القاسم عن مالك/ في العبد المخدم؛ فماله موقوف بيده، وكذلك ما أفاد. ولا ينزعه السيد ولا المعمر. وهو يأكل منه، ويكتسي بالمعروف، وإن مات ورثه سيده، وله عقله إن قُتِلَ. وكذلك الأمة، وما ولد لها، أو للعبد من أمته [فبمثابتها] (3)، في الخدمة. قال: وإن قتله السيد خطأ فلا شيء عليه. وإن قتله عمدا؛ فعليه عقله في السنين التي أعمره. وما [فضل] كان له يستأجر من قيمته من يخدم المعمر. فإذا مات، و [] إلى سيده، أو بقي فضل. قال سحنون: فقد كان يقول يشتري بتلك القيمة عبدا يخدم مكانه، وكذلك في الأمة؛ إن أحبلها. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: من تصدق بعبد، أو وهبه للثواب، أو لغير ثواب، أو أوصى له به؛ فلا يتبعه ماله في ذلك كله، وإنما يتبعه في العتق. ولو قال العبد المخدم: أنا أعالج في مالي، ونفقتي عليك- يعني المخدم- فذلك له [وكذلك] لو أطاع العبد فالنفقة على محبسه. فذلك له، وإن منعه سيده. قال مالك: نفقة العبد [المخدم] (4) على الذي له الخدمة؛ أخدمه في صحته، أو في وصيته، وكذلك نفقة ما ولدت الأمة، في الخدمة. ومن حبس عبدا
__________
(1) في الأصل: (ولده) وهو تصحيف، والإصلاح من ع.
(2) البيان والتحصيل، 12: 208.
(3) ما بين معقوفتين في هذه الصفحة بياض في الأصل، والإتمام من ع.
(4) بياض في الأصل، والتصويب من ع.

(12/103)


على رجل سنة، ثم هو حر. أو لفلان بَتْلاً، فمات قبل السنة؛ فماله للذي حبسه. وكذلك عقله في نفس، أو جرح (1). وإن كان أمة؛ لم يَحِلّ وطؤها لواحد منهما. ومن أعمر عبده تمر حائط حياته، ثم باع العبد، ولم يشترط المبتاع ماله؛ فليس لبائعه حبس ذلك عنه، ولا نزعه منه، ولا لمبتاعه، ولا لمن ملكه بعد ذلك./ وله قَبْضُ التمرة، فإذا مات العبد، رجع ما أعمر إلى من أعمره. قال محمد: لا يعجبني إلا أن يكون في وصية من السيد. فأما في الصحة؛ فللسيد أن ينزع ذلك منه متى شاء. ولا فرق بين ما يتصدق عليه بتلا، أو حياته. وكله مال السيد؛ له انتزاعه. فإن باعه؛ كان ما تصدق به عليه، لبائعه. قال أشهب عن مالك: ومن تصدق بحائط قد أبر (2) تمره فهو [كبيع الثمرة] (3) لرب الحائط. وإن لم تؤبر؛ فهي للمعطى. وإذا أبِرَتْ؛ لم يلزم المُتَصدَّق يمين أنه لم يتصدق بالتمر. في القضاء في الحبس والإقرار فيه وهل يقضى فيه بشاهد ويمين؟ والشهادة على السماع؟ من المجموعة وكتاب ابن المواز قال عبد الملك في قوم أقروا في منزل أنه صدقة من أبيهم، أو من جدهم- يريد عليهم وعلى أعقابهم- وأما الباقون، يريد [من] الورثة، فلم يقروا. قال: يلزم [المقرين] إقرار [هم]- يريد في [نصيبهم]- ويلزم أولادهم؛ لأنهم أقروا فيما صار لهم بالميراث. ويمضي ذلك على شروطه عليهم، وعلى أعقابهم، فيدخل معهم فيه الذين لم يُقِرُّوا، وبنوهم لأنهم ممن وقع الإقرار
__________
(1) في نسخة ع: جراح.
(2) في نسخة ع: (أبرت ثمرة).
(3) كل ما هو بين معقوفتين فهو ممحو في الأصل والتصويب من ع.

(12/104)


لهم. ولو كان ذلك بكتاب أقر به بعضهم، وفيه أن يبدأ بعضهم قبل بعض، وهي الآن بيد غير المقرين. ثم قالوا: [لا يلزمنا إقرار] فيما بيد غيرنا. قال: يلزمهم [إقرارهم] لأنهم أهلها. وقد أقروا بربع الميراث، فيما لهم، وللآخرين المبدئين قبلهم. ومن كتاب/ ابن المواز: وإذا لم يَقُمْ في الحبس إلا شاهد عدل فقال أصحابنا: إذا كان منسلا ومعقبا، فلا يصلح فيه اليمين. وقال لي عبد الملك عن مالك: إذا حلف الجل منهم نفدت الصدقة عليهم، وعلى غائبهم إن قدم (1) ومولودهم، إذا ولد في السبيل بعدهم. وروى عنه ابن حبيب قال: يحلف من أهل الصدقة رجل واحد، مع الشاهد، وتُنفَدُ له، ولأهلها، ولمن يأتي بعدهم (2). وقال عنه قال مالك: وإن باد شهودها، فلم تثبت إلا بالسماع؛ حلف أيضا واحد من أهلها مع الذين شهدوا بالسماع بأنهم لم يزالوا يسمعون من العدول (3) أنها حبس على بني فلان. ثم يستحق حبسا. قال مالك: وأحب إلي في شهادة السماع كثرة الشهود، ويُسْتَظْهَرُ الأمر بذلك. فإن لم يَكُنْ إلا رجلان جاز ذلك. والشهادة فيه أنهم سمعوا سماعا فاشيا. وروى عيسى عن ابن القاسم قال: إذا شهد رجلان أنهما كانا يسمعان أن هذه الدار حبس. جازت الشهادة، وكانت على المساكين إن لم يُسَمَّ أحدا. قال: ولو شهد رجلان بذلك، وفي السبيل من أسنانهم مائة رجل لا يعلمون ذلك، فلا تجوز شهادتهما، إلا مما يفشوا، أو يكون فيه أكثر من اثنين. وأما إن شهد شيخان قديمان قد باد جيلهما على السماع، في الحبس؛ فشهادتهما جائزة.
__________
(1) بياض في الأصل والإكمال من ع.
(2) لفظ (بعدهم) ساقط في الأصل والإتمام من ع.
(3) جملة (من العدول) ساقطة في ع.

(12/105)


قال ابن حبيب: قلت لمطرف: ففي كم من السنين يُقْبَلُ السماع؟ قال: قد تقاصرت الأعمار، وأرى أن/ تجوز في خمس عشرة سنة، ونحوها. [وقال ابن الماجسون وأصبع مثله] (1). ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم في الحبس الذي يغلب عليه، مثل الحلي والثياب والمال؛ يدعي من هو عليه حبس؛ أنه ضاع منه. قال: لا يُصَدَّق، ويضمن، وهو كالعارية. ومن سماع ابن القاسم: وقال فيمن حبس منزلا على ولده، وكان (2) له بنات أربع، فتزوجن، وأخذن أموالهن. وكان على الحبس عمهن، فاتهمنه في الغلة، فأراد بعضهن أن يوكلن وكيلا بحقهن. قال: ينظر. فإن كان حسن النظر؛ لم يَكُنْ لها ذلك. وإن لم يَكُنْ كذلك؛ جعل معه وكيلها (3). قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون فيمن كان يلي حبسا يقسم غلته بين أهله فقال عند موته: أعطوهن مائة دينار تحلل بها ما كتب إلي لهم (كذا). ومنهم من قد مات أولا، ووسطا، وآخرا وولد آخرون، قال: إن ولى لهم ثلاثة أقسام، فيقسم المال على ثلاثة أجزاء فجزء على أهل القسم الأول حيهم، وميتهم، وكذلك الجزء الثاني، لمن حضر (4) القسم الثاني، وإن دخل فيهم من أهل القسم الأول أحد، ويأخذ من ولد بعد القسم الأول. ومن مات من أهل الأول، قبل القسم الثاني؛ فلا شيء لهم في الثالث (5)، ويكون الأمر في الثالث على هذا. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون في شقص من حائط، بيع، فشهد الشركاء أنه حبس صدقة، فردت شهادتهم لجرحة، أو غيرها، ثم قاموا فيه بالشفعة؛ فليس لهم، ويلزمهم إقرارهم الأول. وقاله أصبغ
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، والتصحيح من ع.
(2) الأصل: (وكن) وربما سبق قلم من الناسخ، والإصلاح من ع.
(3) في ع: (جعلت معه وكيلا)
(4) في نسخة ع: قفزت من قول المؤلف: " حضر. . . إلى: الأول ومن مات "
(5) في نسخة ع: الثاني، وربما هذا هو الصواب.

(12/106)


[12/ 107]

جامع مسائل مختلفة من الأحباس والعمرى، والخدمة من كتاب محمد (1) عن مالك: ومن أعطى فرسا في سبيل الله، فمات المعطي قبل أن يخرج، فقال ورثته: نحن نعزو عليه. فليس ذلك لهم، وليأخذه ربه فيُنفِدَه فيما [جعله له] (2). وكذلك الدنانير؛ لو أعطاها له، فهلك قبل أن تُخْرَجَ؛ فهي بتلك المُنزَلَةِ. ولو أوصى بفرسه، في سبيل الله، وقال: أعطوه فلانا. فلم يقبله فلان؛ كان حبسا، وأعطي لغيره. وإن لم يكن حبسا؛ رد إلى ورثته. وقال مالك في التي أوصت بمائة دينار، على بنت أخيها حبسا صدقة، تعطى منها في الحج، أو العمرة، ويُنفَقُ عليها إن نفست فطلب زوجها أخذها؛ فهي في سبيل الله. فأرادت الشراء بالمائة دينار جارية، ترجو فيها نماء، وتزيد من عندها، وقالت: اشترطوا علي في المائة، ما اشترطت عمتي. قال: ليس لها ذلك. وقال فيمن جعل دنانير حبسا، إلى أن يشتري بها حائطا؛ يحبس قال: إن أخرجها من يديه، إلى يد غيره، وأشهد على ذلك، فهي نافذة إن مات، وهي بيد غيره. قال مالك: ومن حبس غلاما على ابنه، حتى يستغني، إن حد الاستغناء إلى أن يلي نفسه وماله، يقول الله سبحانه: {وَابْتَلُوا اليَتَامى} الآية (3). ومن العتبية (4) من سماع محمد بن خالد عن ابن القاسم (5) ومن أوصى بداره حبسا على فلان حياته، ولفلان بباقي الثلث، والدار قدر الثلث قال: يكون للمعمر. فإذا مات أخذها صاحب باقي الثلث. وقاله أشهب.
...
__________
(1) في نسخة ع: من كتاب ابن المواز ومن أعطى، بدل محمد عن مالك.
(2) بياض في الأصل، والإكمال من ع.
(3) الآية 6 من سورة النساء.
(4) البيان والتحصيل، 12: 307.
(5) جملة (عن ابن القاسم) ساقطة في الأصل، والتصحيح من ع.

(12/107)


قال لي أشهب: وإن كان في الثلث فضل، أخذه الآن صاحب باقي الثلث، ثم كانت له الدار، إذا رجعت. وقال داود بن سعيد: لا شيء له. ومن سماع ابن القاسم: ومن حبس على رجل حبسا، فقال: هو لك حياتي، ثم هو في السبيل، أو صدقة. فإنه إن مات، كانت من ثلثه. قال أصبغ، عن ابن القاسم: ومن قال: عبدي حبس على فلان. فإن مت فهو حر. أو: فهو حبس على آخر، أو صدقة عليه. أو كان فرسا. فقال: إن مت، فهو في السبيل. ثم بقي بعد ذلك في يديه، إلى أن مات. قال: يُعتَقُ في ثلثه، ويخرج الفرس من ثلثه. وقال في الفرس الحبس يكون بيد الرجل في السبيل، فأراد غيره أن ينزيه، فمنعه. قال: فليمنعه؛ لأن ذلك يُضْغِفُه عما جعل فيه. قال أصبغ: قال ابن القاسم: ومن قال: داري لفلان يسكنها. قال: فله أن يُكرِيَها أو يسكنها. قال عبد الملك بن الحسين؛ عن ابن القاسم؛ فيمن له ولدان، فأسكن أحدهما دارا حياته، فحازها، ثم مات الأب. قال: فله تعجل نصفها بالميراث يبيعه، ويفعل به ما شاء، ويبقى بيده نصفها، حتى يموت، فيرجع إلى أخيه، أو إلى ورثته؛ إن مات. وقاله أصبغ. ومن سماع ابن القاسم، في العبد المخدم عشر سنين، ثم هو حر فوهبه المخدم خدمته، أو يبيعها منه؛ إنه يُعَجَّلُ عتقه. وقال سحنون عن علي بن زياد عن مالك: ليس له أن يقاطعه على الخدمة بمال، إلا بإذن السيد. قال سحنون: ومن تصدق عليك بعبد على أن لا تبيعه، ولا تهبه سنة ثم هو لك بعد السنة بتلا؛ قال: له أن يبيعه الساعة ويصنع به ما شاء. ومن سماع ابن القاسم/ في اتخاذ المساجد على القبور قال: أما في المقبرة الدائرة؛ فلا بأس بذلك.

(12/108)


ومن المجموعة قال ابن كنانة فيمن حبس حبسا على بنيه، وجعل امرأته تليه، وتقسمه بين بنيها بقدر حاجتهم، فكانت تلي ذلك، ثم ماتت؛ قال: يلي ذلك من ورثتها أهل حسن الرأي منهم. قال ابن القاسم عن مالك: ومن حبس على بنيه الكبار وامرأته، وهو صحيح، وأبقاه في يديه حتى مات، وشرط إن لم يُنَفَّذُوا حبسه؛ فلا وصية لهم فيما أسند إليهم قال: الحبس باطل، وهم أوصياء. باب في حيازة الأحباس قال أبو محمد (1) ما ذكرنا في هذا الباب، وما بعده من الأبواب، ونحوه كله ذكر في حيازة الأحباس، وقد اشتمل ما في كتاب الصدقة من أحكام الحيازة فيها، وفي غيرها، على كثير مما في هذا الكتاب (2) منها. وفي كتاب ابن المواز جميع هذه المسائل. قال مالك وأصحابه في غير موضع: لا تتم الأحباس والصدقات التي في الصحة، إلا أن تحاز في صحة المحبس والمتصدق، فأما ما كان بمعنى الوصية في صحة، أو مرض، أو ما يُبتَلُ في المرض. فلا يُرَادُ فيه الحيازة، وهو نافذ من الثلث. من المجموعة وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم عن مالك: ومن حبس حبسا، وكتب في حبسه إنهم حازوا. فلا ينفع في ذلك إقرارهم بالحوز، ولا إقرار المحبس حتى تعاين البينة الحيازة. ومن حبس على رجل، وعقبه فلم يَحُزْه حتى مات المحبس فهي باطل./ إلا أن تكون وصية. ولو حبس فرسه، أو سلاحه في سبيل الله (3) فكان بيده، ثم احتاج إلى ثمنه؛ فليس له بيعه. وإن بقي بيده حتى مات؛ فذلك ميراث.
__________
(1) عبارة (قال أبو محمد) ساقطة في الأصل، والإصلاح من ع.
(2) في نسخة ع: (هذا الباب) بدل هذا الكتاب، ولعلها أصوب.
(3) جملة (في سبيل الله) ساقطة في الأصل والإكمال من ع.

(12/109)


قال عنه ابن وهب: ومن حبس خيلا وسلاحا، ورقيقا في السبيل، ودفعه إلى من يغزو به، فخرج به فغزا وقفل، فرده إليه، فقبضه ثم مات فإن ذلك نافذ لأنه خرج في وجهه. ولو بقي في يده، فكان هو يغزو به، ويقرأ في المصحف، لم يخرجه إلى يد غيره، حتى مات؛ فذلك باطل، ويورث. قال: ومن حبس غلة داره في المساكين، فكانت بيده يقبض كراءها، وينفذه حتى مات فذلك ميراث، وليس كالسلاح وشبهه الذي يخرج عن يده، في وجهه، ويرجع إليه؛ هذا من رأس ماله. ولو خرج في وجهه بعضه، والبعض لم يخرج حتى مات؛ فما خرج، أنفذ وإن عاد إليه. وما لم يخرج فميراث. وقاله أشهب، وذكره عن مالك. قال أشهب: وما كان يرده إليه بعد القفول، فيعلف من عنده الخيل، ويرد السلاح، وينتفع بذلك هو أيضا في حوائجه، وبغير ذلك لإخوانه، ثم يموت؛ قال: ذلك ميراث لأن المحبس إنما حاز لمنافعه. وكذلك في كتاب ابن المواز جميع هذه المسألة. ومن كتاب ابن المواز ذكر من حبس غلة داره في صحته، على المساكين، فكان يلي عليها، حتى مات وهي بيده؛ إنها ميراث. قال: وكذلك لو شرط في حبسه، أنه يلي ذلك. لم يُجِزْه له ابن القاسم، وأشهب.
قال ابن عبد الحكم عن مالك (1): وإن جعلها بيد غيره، وسلمها إليه يحوزها، أو يجمع/ غلّتَها، ويدفعها إلى الذي حبسها؛ يلي تفريقها، وعلى ذلك حبس؛ أن ذلك جائز. وأبى ذلك ابن القاسم، وأشهب. ومن المجموعة قال ابن القاسم فيمن حبس دارا، أو سلاحا، أو عبدا؛ في السبيل، فأنفذ ذلك في وجوهه زمانا، ثم أراد أن ينتفع به مع الناس. فإن كان من حاجة فلا بأس.
-------------------
(1) عبارة (عن مالك) ساقطة في الأصل، والتصويب من ع.

(12/110)


قال ابن القاسم قال مالك: ومن حبس دارا، أو غيرها؛ في السبيل، وجعل رجلا يليها؛ يُكري (1) ويرم (2)، وينفق في السبيل، ثم أكراها من ذلك الرجل، ونقده الكراء. فكرهه، وقال: أراها ميراثا. قال عنه هو وابن وهب وعلي فيمن حبس الدار، وغيرها على ولده، ثم يكري منهم بكذا يدفعه إليهم، أو يعمل في الحائط مساقاة. فهذا يوهن الصدقة، وهي باطل إن مات. قالوا عنه إلا ابن وهب: ويُكَره أيضا، من باب الرجوع في الصدقة. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال: غلة داري هذه، في المساكين صدقة. ثم مات قبل أن يُخرِجَ؛ فإن كان ذلك في مرضه الذي مات فيه فهي نافذة من ثلثه، أراد البتل، أو الوصية. وإن كان في صحته، وأراد البتل فهي باطل. وإن أراد الوصية فهي في ثلثه. وإن أشكل ذلك فإن كان في مرضه [الذي مات فيه] (3) فهي على الوصية. وإن صح حتى يُعلَمَ أنه أراد البتل (4)، وإن كان في صحته فهو على البتل، حتى يعلم أنه أراد الوصية بأسباب ما يرى من حضر، وشهد عليه. قال مالك: وكل من حبس في السبيل مثل ما لا غلة له من سلاح، أو خيل، أو مصحف، أو حيوان، أو عروض/ فإذا وجهه في تلك الوجوه، وأعمله فيها فهو نافد. وإن كان في يديه يليه حتى مات فهو من رأس ماله. وإن لم يوجهه في تلك الوجوه فهو باطل. وأما كل حبس له غلة فكان يليه حتى مات، فهو باطل. وقاله ابن القاسم. ولو كان هو يغزو على الفرس، ويرابط، ويرجع به، ولم يخرج من يده حتى مات فذلك ميراث.
__________
(1) في نسخة ع: (بكراء) وهي أوضح.
(2) كلمة (وبرم) ساقطة في الأصل، والإتمام من ع.
(3) ما بين معقوفتين ساقط في الأصل، وثابت في ع.
(4) في نسخة ع: الصدقة، بدل البتل.

(12/111)


قال أشهب: ولو أنفد ذلك لمن يغزو عليه، ثم يرده إليه، فينتفع به هو في حوائجه، [ويعيره] (1)، ثم مات وهو بيده، فهو ميراث. قال ابن عبد الحكم عن مالك فيمن حبس دارا، أو سلاحا، فأنفذه في السبيل زمانا، ثم أراد أن ينتفع به مع الناس. فإن نوى ذلك حين حبسه فلا بأس به. وأما إن كان لم يَغْزُ به غيره يذهب ويرجع فلا يجوز حتى يخرجه [من] يديه، فيجوز. قال ابن القاسم: فإن أخرجه من يديه لذلك زمانا، ثم احتاج إليه بعد ذلك فذلك جائز. قال مالك فيمن حمل رجلا على فرس في سبيل الله، فأقره عنده [ليعلفه] له، ويقوم عليه حتى يحضر الغزو، وأشهد على ذلك، وأمكنه من قبضه [فتركه كذلك] حتى، مات المعطي، قبل أن يقبضه المعطى، فذلك [جائز] نافد إذا أشهد كما ذكرنا. قال محمد: ولا يصلح هذا إلا في مثل الفرس، والسلاح، وما لا غلة له. قال مالك فيمن حبس حبسا، فسكنه زمانا، ثم خرج منه بعد ذلك فلا أراه إلا وقد أفسد حبسه، وهو ميراث. قال ابن القاسم: إن [حيز] (2) عنه بعد ذلك، في صحته حتى مات/ فهو نافذ، فإن رجع، فسكن فيه بكراء، بعدما حيز عليه فإن جاء من ذلك أمر بين من الحيازة، فذلك نافذ. قاله مالك. قال محمد: إذ حاز ذلك المُحبَسُ عليه نفسه، أو وكيله، ولم يَكُنْ فيهم صغير، ولا من لم (3) يولد بعد. فأما من جعل ذلك، بيد من يحوزه على المتصدق
__________
(1) كل ما هو بين معقوفتين في هذه الصفحة فهو باهت لا يقرأ في الأصل.
(2) بياض في الأصل، والتصويب من نسخة ع.
(3) حرف (لم) ساقط في نسخة ع.

(12/112)


عليه، حتى يقدم، أو يكبر، أو حتى يولد، أو كان بيده [هو يحوزه، لم يَجُزْ حوزه عليه، ثم يسكن ذلك قبل أن يلي الصغير نفسه. وقال يحوز من] (1) ذكرنا ممن حبس عليه، فذلك يبطله. قلت: وكم حد تلك الحيازة؟ قال: السنة أقل ذلك. قاله ابن عبد الحكم عن مالك. وفي حيازة الصدقات والهبات تمام هذا المعنى. ومنه ومن المجموعة: ومن حبس على عبده حبسا (2) حياته، ثم هي على فلان فقبضها العبد، وحازها، ثم مات السيد فلا شيء للأجنبي لأن عبده لا يجوز عنه، كما يجوز عنه غيره لأنه إذا حاز عنه الأجنبي لم يقدر أن ينزعها منه، وهو يقدر أن يأخذ ذلك من يد عبده. وكذلك لو قال: هذه حبس على ابني فلان الصغير، وأنا أحوزها له؛ فإذا انقرض فهي على فلان. فيموت الأب قبل أن يبلغ الابن الحوز فذلك يبطل في الأجنبي، ويكون للابن إلى تمام عمره بحيازة الأب له. ومن قال: عبدي حبس عليك سنين، ثم هو لفلان بتلا. فحيازة الأول حيازة للثاني. وإن مات سيده، وهو في الخدمة، لم يضره. وكذلك لو أخدمه سنين، ثم بتله لآخر بعد ذلك، كان المخدم جائزا للمبتول له من رأس المال. وإن/ كان إنما بتله للثاني في مرضه فهو من ثلثه. وإذا أخدمه لرجل حياته، فبعد أن حازه قال ربه في صحته: إن مت، فهو لفلان صدقة، أو للمخدم نفسه صدقة. فإنه يكون ذلك في ثلثه، يُقَوَّمُ مرجعه بعد موت المخدم في الثلث. وقال عبد الملك: إذا أعمره منزلا، فبعد أن أجازه، جعل مرجعه لآخر؛ فلا تكون حيازة الأول حيازة للثاني إن مات ربه أو فلس. وأما لو كان ذلك في مرة، حتى يكون قبض الأول عنه، وعن الآخر، فذلك جائز.
__________
(1) في نسخة ع: قفزت أكثر من سطر من قوله: " هو يجوز. . . . يجوز من ".
(2) كلمة (حبسا) ساقطة في الأصل، والإصلاح من ع.

(12/113)


قال مالك: وإن حبسها عليك حياتك، ثم هي في السبيل فإنها من رأس ماله إن حزتها عنه. ولو قال: هي حبس عليك حياتي، ثم هي في سبيل الله. فهي من الثلث في السبيل (1) وقاله ابن القاسم، وأشهب. وروي عن أشهب: في هذا الأصل غير هذا أنه يجعل ذلك من رأس المال لأنه لا يرجع إليه، ولا إلى ورثته من بعده. ومن كتاب ابن المواز قال مالك في التي حبست حبسا على ابنتها، وشرطت سكناها معها فذلك يُفْسَدُ الحبس. قال محمد: لأنه لم يحز عنها شيء من ذلك. وقال مالك في التي حبست نصيبا لها من منزل، على أبيها، وأخيها حياتها، ثم هي في السبيل، وهي معهم في المنزل بحالها فهذا ضعيف، وليس بشيء. قيل: فإن رددناه عليها، واشتريناه منها؟ قال: جائز إن كان شراء صحيحا. قال ابن حبيب: وإذا سكن مع البنين من الصغار أو الكبار أمهاتهم، في أحباسهم، وصدقاتهم ذلك لهم/ فوت. وإن كانت أمهاتهم تحت أبيهم بنكاح، أو شراء ما لم يَكُنْ مسكنا يخصه، ويستوطنه (2) مع أهله. وكذلك قال لي المدنيون، والمصريون. فيمن حبس حبسا فسكن بعضه من المجموعة قال ابن وهب وابن القاسم قال مالك: قد حبس ابن عمر، وزيد بن ثابت داريهما، فكانا يسكنان فيها منزلا منزلا، فنفذ ما سكنا، وما لم يسكنا. ابن وهب: قال مالك فيمن حبس داره على ولده، واستثنى منها بيتا يسكنه حياته فذلك جائز. وكذلك إن حبس داره؛ فله أن يسكن بيتا منها بلا كراء.
__________
(1) عبارة (في السبيل) ساقطة في الأصل، والإتمام من ع.
(2) في الأصل: (ويشترطه) وهو تصحيف، والتصويب من ع.

(12/114)


وكذلك الدار ذات منازل يسكن منزلا منها، فإنه يدخل في الدقة. وإن لم تَكُنْ ذات منازل، فسكن أكثرها، فهي كلها ميراث. قال ابن القاسم عن مالك: وحوزه لما وهب لصغار بنيه، أو تصدق به عليهم، أو حبس حوز. ولا يضره أن يسكن منها القليل، وهو يكري لبنيه جلها فذلك حوز فيما سكن وفيما لم يَسكُنْ. وإن سكن جلها بطلت كلها. ولو كانت دورا، فسكن واحدة منها، ليست جل حبسه، وهي خفيفة فيما حبس؛ فالحبس نافذ فيما سكن، وما لم يسكن. وإن كانت جل ذلك، بطل الجميع. وقال ابن كنانة: ومن حبس دارا، أو قرية على مواليه، فانتفع ببعضه حتى مات،/ فلا يدخل في الحبس ما انتفع به منه، والباقي نافذ إن حيز عنه. قال عبد الملك فيه وفي كتاب ابن المواز: وإن جعل من يلي حبسه ويحوزه لصغار بنيه، ويسكن فيه أهله، ثم يسكن المحبس بعضه فذلك البعض يبطل، قل، أو كثر إن مات فيه، أو رهقه دين، وينفذ ما لم يسكن لأنه لما جعل من يحوزها غيره، لم يعذر فيما سكن. بخلاف الذي يحبس على ولده الصغار، ويسكن من ذلك السنين، فيعذر ويجوز كله. ويقول: أردت أن أكون حاضرا لعمارتها، وإكرائها، وغيره. وكذلك ذكر عنه ابن حبيب. قال: وإذا سكن بيتا من صدقة كثيرة متجاورة، وإن لم يجمعها دار بحائط عليها فذلك ماض، كما يمضي في المساكن، القليل من الدار العظيمة ما سكن، وما لم يسكن. وحد القليل من ذلك ما كان أقل من الثلث. وقد سمعت من يستكثر ذلك. وما سكن من صدقة بتلا غير محبسة، فيبطل ما سكن منها من قليل، أو كثير. وأما الحبس فيجوز سكناه فيما قل من ذلك، واحْتُجَّ بفعل الصحابة فيما حبسوا. قال: وقد ينفذ الحبس، وإن سكنه كله، وقد فعله عثمان. قال محمد: لا يعجبني، وأراه كله جائزا إذا حوز ما بقي لأجنبي، وسكن هو القليل فذلك كله نافذ. وكذلك لو سكنها هذا الأجنبي، أو غيره من

(12/115)


الأجنبيين بكراء، أو بغير كراء، أو [وكله] (1) بما بقي فلا بأس بذلك، وإنما ذلك في/ التحبيس. قال عبد الملك: وأما صدقة البتل؛ فإن سكن المتصدق بعضها ليحوز ما بقي منها، فإنه يبطل ما سكن منها؛ مما قل أو كثر. وإنما الذي يجوز في التحبيس، أن يسكن منه قليلا جاز. وجاز ما بقي. وإن سكن كثيرا بطل الباقي بيده ما سكن، وما لم يسكن، إلا أن يكون حوز [غيره] ما لم يسكن فقط. ثم ذكر مثل ما حكى عنه ابن عبدوس، في هذا الباب، وجعل سكناه للقليل فيما حبسه على من يلي عليه معدودا بذلك. ويجوز جميعه لأنه ينظر في ذلك، ويتفقده. وإذا لم يل عليهم بطل ما سكن فيه فقط، قل أو كثر، وجاز ما حيز عليه. [قال محمد: لا يعجبني، وأراه كله جائزا إذا حوز ما بقي لأجنبي، وسكن هو القليل فذلك كله نافذ يحوز عنه غيره لأنه إذا حاز عليه الأجنبي لم يقدر أن ينزعها منه، وهو يقدر أن يأخذ ذلك من يد عبده. وكذلك لو قال: هذه حبس على ابني فلان الصغير، وأنا أحوزها له. فإذا انقرض فهي على فلان، فيموت الأب قبل أن يبلغ الابن الحوز فذلك يبطل في الأجنبي، وتكون للابن إلى تمام عمره بحيازة الأب له. ومن قال: عبدي حبس عليك سنين، ثم هو لفلان بتلا. فحيازة الأول حيازة للثاني. وإن مات سيده، وهو في الخدمة لم يضره. وكذلك لو أخدمه سنين، ثم بتله لآخر بعد ذلك كان المخدم حائزا للمبتول له، من رأس المال. وإن كان إنما بتله للثاني في مرضه فهو من ثلثه./ وقال بعض علمائنا] (2) إنما نفذت صدقة عثمان، وقد قتل وهو شاغل لها كلها لأن أهلها أقروا الجميع حبسا، وتطاول الزمان بذلك، وتناسخ حوزها بذلك. ولو قيم عند موت شاغل ذلك قائم المتصدقين، لأبطلها.
__________
(1) ما بين معقوفتين بياض في الأصل، والتصويب من ع.
(2) هذه الفقرة الطويلة المكتوبة بين معقوفتين ساقطة من ع، ثابتة في الأصل.

(12/116)


وقال في المجموعة قال عبد الملك: ومن حبس منزلا ليس له إلا مدخل واحد، وسكن بعضه، قل أو كثر؛ فذلك يبطل جميعه، ولا يُعذَرُ لأنها إذا لم تكن من المساكن التي تُقَسَّمُ، ويصير لكل قسم باب، فهو لا يكون إلا لواحد، فقد أشغله كله المتصدق؛ وإن قل ما سكن فيه. ومن العتبية (3) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حبس دارا أو دورا، فسكن بعضها، أو هو ممن يلي ذلك، ويجوز لصغار بنيه، ونحوه؛ فإن سكن من الدار ذات المنازل والمرافق ما لا خطب له؛ فذلك نافذ كله. وإن كان جلها بطل جميعها. وإن كانت دورا، فسكن واحدة هي كل الدور في القدر بطل جميع الدور. وإن كانت الأقل، جاز فيها، وفي غيرها. وإن كان الوُلْدُ كبارا، وسكن الأب دارا هي جل الدور بطل الحبس فيها، وجاز باقي [الدور إن حازها الأكابر. وإن كانت تافهة، جازت الدور] (4) كلها؛ إن حازوا كما ذكرنا؛ وإن لم يحوزوا لم يَجُزْ شيء من الدور أجمع. ومن سماع ابن القاسم قال مالك: من أسكن ولده، وولد ولده دارا، واستخلف عليها/ ولد الولد كبير؛ ليحوزها لنفسه، ولمن شاء (5) معه، ثم أسكن الأب فيها. فإن كان ذلك بيتا منها فجائز. وإن أسكنه جميع الدار، لم يَجُزْ، وهي ميراث. وقاله ابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم وأشهب وروياه عن مالك فيمن سكن بعض حبسه فإن سكن القليل، الثلث (6) فدون جاز فيما سكن وفيما لم يَسْكُنْ. وإن سكن كثيرا بطل ما سكن وما لم يَسْكُنْ. وسواء عندهما حاز ما بقي هو نفسه، أو حوزه غيره، فحازه عنه. وخالفهما عبد الملك، فقال: إذا كان
-----------
(3) البيان والتحصيل، 12: 275.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من ع.
(5) في نسخة ع: (سمى) عوض شاء ولعل هي الأصوب.
(6) لفظ (الثلث) ساقط في الأصل، والإصلاح من ع.

(12/117)


حوز غيره ما لم يسكن بطل ما سكن، وجاز ما لم يَسكُنْ مما قد حيز، سواء سكن القليل أو الكثير. وبقية القول في سكنى الرجل بعض صدقته أو حبسه وذلك على وُلْدِه من صغير، أو كبير، أو أجنبيين، ومعهم صغار وُلْدِه في الباب الذي يلي هذا. في حيازة الأب على من يولي عليه من ولده من صغير أو كبير وكيف إن سكن بعض ما حبس عليهم؟ من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك فيمن حبس أرضا على ولده، وولد ولده، فكان يزرعها لولده، حتى مات، فذلك جائز، إن كان ولده أصاغر وبلغ يُوَلَّى على مثلهم. وقال ابن كنانة: إذا كان أبوهم كالقيم، يليها لهم فذلك جائز. وإن كان ذلك بكراء، فليُكْر من غيره. ومن العتبية (1) روى عيسى عن ابن القاسم نحوه قال (2) إذا كان يلي عليهم، فحيازته لهم في الحبس،/ والصدقات البتل جائزة. وإن كانوا صغارا كلهم، فأشهد لهم، وقام بأمرهم في كراء إن كان بكراء، أو تمرة تُجْنَى، أو مرمة ما يُسترَمُ، ويُقامُ عليه من ذلك فذلك جائز حتى يبلغ الذكر، ويرشد حاله، ويدخل بالنساء وترضى أحوالهن، فليحوزوا لأنفسهم. فإن لم يفعلوا حتى مات الأب، بطلت الصدقة. وإن كانوا في حال سفة كلهم بعد البلوغ، ودخول النساء، فحوزة لهم حوز، وكذلك المرأة بعد البلوغ، وصلاح الحال، ولا تخرج من الولاية إلا بعد البناء. وأما إن كانوا صغارا، وكبارا، وفي الكبار من يُرْضَى حاله، فلم يحز الكبار لأنفسهم، ولا لغيرهم، حتى مات الأب، وذلك مشاع، لم يُعزَلْ للصغار شيء
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 268.
(2) لفظ (قال) ساقط في الأصل والإصلاح من ع.

(12/118)


يحوزه الأب لهم، فذلك كله باطل. ولو أفرز حظ الصغار، وأشهد لهم على ذلك، فحازه لهم، ولم يَحُزِ الكبار جاز ما حاز للصغار، وبطل ما كان للكبار. ومن تصدق على قريب له صغير أو كبير سفيه، وحاز ذلك عليه، وهو أخ له، أو من ليس بولد فذلك باطل، إلا أن يكون وصيا عليهم، أو يجعل أجنبيا يحوز لهم ذلك، ويدفعه إليه، ويشهد عليه. وليس أحد كالأب، والوصية في حيازته له. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا حبس على ولده الصغار، والكبار حبسا، ووكل من يقوم به؛ فذلك له. فإن بلغوا كلهم، فأرادوا القيام بالحبس فليس لهم ذلك لأنه لم يرض بهم، والوكيل/ يقوم به بحاله. قال محمد: ولو لم يَكُنْ فيهم كبير يوم وكل الوكيل، فلهم إذا كبروا قبض حبسهم. فأما إذا كان فيهم كبير، فهو بمنزلة أن لو كانوا كبارا كلهم يومئذ. قال ابن القاسم: فإن مات الوكيل فليس له أن يوصي به إلى غيره، إلا أن يكون جعل ذلك الأب إليه. وقال أصبغ: وليرجع القيام بذلك (1) إلى المحبس، أو إلى وصية. قال: ومن حبس على ولده الصغار، وفيهم كبير، أو كان مع الصغار أجنبي، فحازه الأب كله لجميعهم، حتى مات. قال ابن القاسم وأشهب عن مالك، أو (2) قالاه: إن الحبس يبطل كله، إذا لم يقبض الكبار الحبس. وقال عبد الملك مثل قولهما؛ في الحبس خاصة. وأما في صدقة البتل؛ يحوزها الأب للأصاغر والأكابر، فيجوز عنده حوزه للأصاغر، ويبطل حق الأكابر كانوا ولده، أو أجنبيين. وخالفه ابن القاسم، وأشهب، وقالا: هو مثل ما قال مالك في الحبس.
__________
(1) عبارة (القيام بذلك) ساقط في الأصل، والتصويب من ع.
(2) في نسخة ع: (وقالاه) بدون أو.

(12/119)


وكذلك في المجموعة عن عبد الملك، وقاله معه أشهب، وابن كنانة في صدقة البتل. قال أشهب: إذا عرف أن الأب قد حازه للصغار، ومنع نفسه من منافعه قالوا: ولو كان حبسا لبطل. واحتج عبد الملك في الفرق بين الحبس، وصدقة البتل، فقال: لأن الحبس يحوزه بعض أهله لبعض ممن هو صغير، أو كبير، أو من لم يأت بعد، فكان فيه سبيل للحيازة وللجميع لحيازة الكبار له. فلما لم يحوزوا بطل حبسه. والصدقة البتل لا يحوزها إلا الأب/ للصغار، أو من قام مقامه فلا يجوز فيها حوز الكبار لغيرهم، فكان الأب أملك بالحيازة للصغار، وبطل حظ الكبار. ومن حبس على صغار من ولده، ودفعها إلى عبده، أو أم ولده؛ تحوز ذلك لهم؛ قال في المجموعة: أو إلى صغير منهم، فحوزها؛ قال في الكتابين: فليس ذلك بحوز. وكأنه قال: إما أحوزها، ثم حوزها من لا يخرج من مقدرته؛ لو شاء أخذها، فعل؛ فلا هو حازها، ولا حِيزَتْ عنه. قال محمد بن المواز: بل ذلك الحوز جائز. ومن يقوم له غير عبده، ومن هو في مقدرته. قال عبد الملك في المجموعة: ولو حوزها أباه بعد تمام الصدقة، ولم يشترط ذلك، في كتاب صدقته، فهذا لا تبطل به، وحيازة الأب لها أملك إذا لم يجعل ذلك لغيره، على أصلها. وفي كتاب الصدقة شيء من معنى هذا الباب وغيره. قال عبد الملك في المجموعة: وإذا تصدق على صغار ولده بصدقة بتل، وحوزها أجنبيا لهم، وكتب بذلك، وأشهد، ثم لم يَحُزْها الأجنبي، حتى مات الأب، أو فلس فهي باطل لأنه لما ذكر الحوز، لم يكلها إلى حيازته، وجعل حوزها لغيره، فلم يَحُزْها فهي باطل.

(12/120)


ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم، وأشهب: وإذا سكن بعض ما حبس أو بتل (1) على ولده صغارا، وكبارا (2)، حتى مات، فذلك سواء في الحبس، أو الصدقة البتل، وهم صغار أو كبار إن سكن الأب (3) قدر الثلث، فأقل جاز الجميع إذا حاز الكبار باقيها. وإن سكن/ جلها، أو أكراها؛ وهم كبار، وهي دار واحدة فإن حاز الكبار باقيها، جاز ما حازوا، وبطل ما سكن حتى مات فيه. وإن كانوا صغارا، بطل كل شيء. وكبار ولده مثل الأجنبيين لا تبالي سكن ما سكن بكراء منهم، أو بشرط بغير كراء، أو سكن فتركوه حتى مات، فهو سواء إن كان يسيرا، وهم كبار، فحازوا ما بقي جاز الجميع. وإن لم يحوزوا ما بقي بطل الجميع، إن مات ولم يحوزوا. وإن كانوا صغارا، وسكن يسيرا جاز الجميع لأنه الحائز عليهم. وإن سكن كثيرا، بطل الجميع. وإن كان بعضهم يولى عليه، وبعضهم لا يولى عليه؛ فهم كالكبار كلهم لأن ذلك شائع. فإن أفرز ما للصغار منهم، جاز نصيبهم، وبطل حظ الكبار؛ إن لم يحوزوا حتى مات. وإن كانوا صغارا كلهم، فكان أبوهم الحائز عليهم، فبلغ أحدهم- يريد ورشد- فلم يحز الجميع، بطل كل شيء- يريد لأن ذلك مشاع- وإن كانت دورا، فسكن واحدة فذلك كالدار الواحدة، إن كانت جل الدور في القدر؛ بطل الجميع. قاله مالك. قال (4) محمد: كانوا صغارا، أو كبارا، إلا أن يجوز الكبار ما بقي. قال ابن القاسم: وإن كانت تبعا، جاز الجميع في الصغار، ويجوز للكبار الجميع أيضا إن حازوا ما بقي. وإذا كانت هي الأكثر، فإن حاز الكبار ما بقي جاز لهم ما حازوا فقط. قال مالك: ومن حبس داره على ولده، ثم تكاراها منهم بكراء نفذه لهم فذلك مردود، لا يجوز.
__________
(1) عبارة (أو بتل) ساقطة في الأصل.
(2) في نسخة ع: قفزت نحو سطرين من قوله: " وكباره. . . إلى أو كبار ".
(3) لفظ (الأب) ساقط في الأصل وثابت في ع.
(4) لفظ (قال) ساقط في الأصل.

(12/121)


مسائل مختلفة في الحبس/ ومن كتاب ابن سحنون مما أجاب به سحنون شُرَحْبِيلَ بن يحيى: إنك كتبت أن أخوين أتياك في فندق، وذكر أحدهما أن أباه حبسه على ذكور [ولده، وأعقابهم، فإذا انقرضوا، فهو في سبيل الخير، وجاءني بكتاب على ذلك وبينة (1) لم تثبت، ثم أتاني بشاهدين شهدا عندي أنهما لم يزالا يسمعان منذ (2) سنين؛ أن أباهما حبس هذا الفندق على ولده، وأن أباهما هلك منذ أربعين سنة، وقد عدل هذان الشاهدان. وجاء ولده الآخر بكتاب فيه شهادة فلان وفلان أن وصية أبي خالد الأصبهاني صاحب الفندق، رفعت (3) إلى فلان بن فلان، إذ كان قاضيا، وفيها شهود قبلهم، فيها ذكر لحوانيت أنها (4) محبسة على المساكين، وليس فيها ذكر الفندق أنه حبس، وكان القاضي يقسم غلة الحوانيت على المساكين، في كل سنة، ويأمر بقسم غلة الفندق على ورثة أبي خالد على فرائض الله تعالى. وكان ابن أبي خالد إذ ذاك بالغا لا يدعي فيه حبسا، ولا يُسمَعُ ذلك منه. ولم تذكر أن هذا يثبت عندك، وذكرت أنه يثبت عندك أن هذين الأخوين، يستغلان هذا الفندق، على النصف لكل واحد منهما، وكان يسكنان على ذلك فالشاهدان اللذان شهدا أنهما لم يزالا يسمعان منذ سنين أن أباهما حبس هذا الفندق على ولده، أبهما (5) الشهادة على الحبس، ولم يذكرا أن ولده حازه، ولم يذكرا أنهما أدركا ذلك يحاز. فالحبس دون ورثته إن كان له ورثة غير ولديه/ هذين، وأنهما شهدا بالسماع، وهو في حوز غيرهم، يذكر فيه الحبس، وهذا فيه ضعف. فإن كان قد ثبت ما كان من القاضي الذي [كان] (6) قبلك، وكان عدلا، فليُؤْخَذْ به؛ لأنه [يثبت] أنه يحاز بالوراثة، دون الحبس من ضعف شهادة
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ع.
(2) في الأصل: بياض والإكمال من ع.
(3) في الأصل: (وقعت).
(4) بياض في الأصل والإصلاح من ع.
(5) بياض في الأصل والإصلاح من ع.
(6) بياض في الأصل والإصلاح من ع، في كل الكلمات المكتوبة بين معقوفتين بعد هذه.

(12/122)


الحبس الذين لم يقطعوا بالسماع، بما يثبت به الحبس، فذكر أن القاضي قسم الغلة على الورثة، ولم [يذكر عدد] الورثة. فإن كان الورثة غير الولدين، فهو [قوة] أيضا. وإن لم يثبت عندك أمر القاضي، فأمر الشاهدين في السماع على ما قلت لك من الضعف، إلا أ، يشهدا على صحة الحوز، دون باقي الورثة، وذكرت أنهما كانا يغتلان الفندق نصفين، وثبت ذلك عندك فألزم الذي أقر أن ما في يديه حبس على غيره ولا شيء على الآخر. وكتب إليه شجرة في المسجدين أو القصرين المتقاربين من المرابطات، فيضع الناس في هذا وفي هذا السلاح، والأبنية ينتفع بها المرابطون، فيحتاج أهل هذا القصر إلى ما في هذا فينتفع به ويرده إلى حيث أخذه؛ أيجوز ذلك؟ فقال: أهل كل حضر أولى بما جعل فيه إلا أن يكون لهم أمر قد عرفوه أنه إذا جُعِلَ شيء في موضع ارتفق به الموضع الآخر. وكتب إليه شجرة: إنك أمرتني أن أكتب القائمين بمرابط قريش بالجزيرة منافعهم، فأتوني ببينة شهدت عندي بمحضر خصمائهم بني ليث، أنهم يعرفون مرسى قريش يرابط فيه من ولاية العكي إلى اليوم، وإن دواب المرابطين/ ترعى في الفحص الذي دون الوادي الجاري من جبل قريش في جهة الغرب ورأيتهم أكثر أسنانهم لم يدرك العكي. فكتب إليه: أما الشهادة على المرعى فذلك ضعيف. وأرى شهودهم شهدوا على جميع الحوز، والمسجد في الحوز منذ دهر، فأي شيء شئت. المسجد يرابط فيه منذ دهر وهم حضور أهم أباحوا ذلك للمرابطين، أو ما قضيته؟ فأرى الرباط حاز المسجد منذ دهر وهم حضور، والحوز يثبت الحق لمن حازه، إلا أن يقيم المدعي البينة على سبب الحوز، وما يثلمه ويفسخه. وأما من لم يدرك من الشهود زمن العكي في أسنانهم فلا تجز شهادته، إلا أن ينقل عن غيره.

(12/123)


تم الحبس الثاني بحمد الله وعونه وصلى الله على محمد وآله

(12/124)