النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد خاتم النبيين

كتاب المرتدين
في استتابة المرتد وقتله
وفي النصراني يسلم ثم يرتد ويعتذر
من كتاب ابن سحنون، وأكثره في كتاب ابن المواز إلا قول عبد العزيز والحجة عليه، قال سحنون قال النبي صلى الله عليه وسلم من غير دينه فاقتلوه (1)، يعني بعد الاستتابة (2)، فإن تاب ترك. يدل على ذلك أن عبد الله بن سعد ارتد، فلما عاود الإسلام تركه، واستتاب نبهان أربع مرات وقبل منه. وقد فعله الصديق عام الردة. وقال عمر في مرتد قتل ألا استتبتموه ثلاثاً. وروى ابن حبيب مثله عن عثمان وعلي ابن أبي طالب.
ومن كتاب ابن سحنون قال ابن أبي سلمة: حده القتل، ولا بد أن يقتل وإن تاب وذكره عن معاذ. قال سحنون: وهذا شاذ، ومعاذ إنما قال ذلك في المرتد الذي حبسه أبو موسى الأشعري أربعين يوماً يدعوه إلى الإسلام، وتلك استتابة متقدمة. وأما قول عبد العزيز حده القتل، كما أن من تاب عن الزنى لا يزيل عنه الحد توبة، فهذا يفترق لأن توبة الزاني لا تزيل عنه اسم الزنى ولا يحد قاذفه، وتوبة المرتد تزيل عنه اسم الكفر،
__________
(1) حديث صحيح بلفظ: من بدل دينه فاقتلوه، رواه عن ابن عباس البخاري في الصحيح، وأحمد في المسند، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في السن، والسيوطي في الجامع الصغير.
(2) في ص: قبل الاستتابة، وهو تصحيف خطير.

(14/490)


وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء يكفيك من هذا. وقد أزال الله بالتوبة عن المحارب حد الحرابة.
قال: ومن ولد على الفطرة أو لم يولد عليها ممن ارتد في الاستتابة سواء. وقاله مالك في كتاب ابن المواز، وقال: (والرجال) (1) والنساء والعبيد (والأحرار) (2) في ذلك سواء، ارتدوا إلى ملة أو زندقة.
وقال ابن القاسم: ولا يحل لسيد العبد أن يكتم ذلك عليه ولا يلى هو قتله وليرفعه إلى الإمام.
ومن العتبية (3) وكتاب ابن المواز عن مالك في المرتد يتوب أنه لا عقوبة عليه. قال سحنون: وكذلك الراجع عن شهادته قبل الحكم. ولو عوقب الشاهد لم يرجع غيره من شهد بباطل. قيل أن ينتظر ثلاثاً كما روي عن عمر. قال: يقال ثلاثاً وهو حسن لا يأتى من الاستظهار الأخير، وليس عليه جماعة الناس – يريد في إيقافه ثلاثاً.
قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية (4) عن الليث: إن الصديق استتاب أم قرفة وقد ارتدت ثلاثاً فلم تتب فقتلها.
ومن كتاب ابن المواز قال محمد: وما علمت بين مالك وأصحابه اختلافاً أن من ارتد يستتاب.
قال مالك: وما علمت في استتابة تجويعاً ولا تعطيشاً وأن يقات من الطعام بما لا يضره.
__________
(1) ساقط من فـ.
(2) ساقط من فـ.
(3) البيان والتحصيل، 16: 378.
(4) البيان والتحصيل، 16: 392.

(14/491)


قال ابن القاسم قال مالك في نصراني أسلم ثم ارتد عن قرب وقال إنما كان إسلامه عن ضيق عليه، فإن عرف أنه عن ضيق ناله أو مخافة أو شبه، فعسى أن يعذر (1)، وقال ابن القاسم وقال أشهب لا عذر له ويقتل وإن علم أن ذلك عن ضيق كما قال.
وقال أصبغ: قول مالك أحب إلي إلا أن يقيم على الإسلام بعد ذهاب الخوف فهذا يقتل، وقاله ابن وهب وابن القاسم إذا كان عن ضيق أو عذاب أو ضرر أو خوف، قال أصبغ: وذلك إذا صح ذلك وكان زمان يشبه ذلك في جوره.
وقال في كتاب ابن المواز في النصراني يصحب القوم في سفر فيظهر الإسلام ويتوضأ ويصلي، وربما قدموه، فلما أمن أخبرهم وقال: صنعت ذلك تحصناً بالإسلام ليلاً يوخذ ما معي أو تؤخذ ثيابي ونحو ذلك، فذلك له إن أشبه ما قال، ويعيدون ما صلوا خلفه في الوقت وبعده.
ومن العتبية (2) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم عن مالك مثله. وقال سحنون: إن كان في موضع يخاف على نفسه فدارى عن نفسه وماله فلا شيء عليه. ويعيد القوم صلاتهم، وإن كان في موضع هو فيه آمن فليعرض عليه الإسلام، فإن أسلم لم يكن على القوم إعادة، وإن لم يسلم قتل وأعادوا.
قال يحيى ابن يحيى وقال ابن وهب في راهب قيل له أنت عربي قد عرفت فضل الإسلام فما منعك منه؟ فقال: كنت مسلماً زماناً ولم أر ديناً خيراً من النصرانية (3) فرجعت إليها، فرفع إلى الإمام فقال: كنت كاذباً فيما قلت ولا بينة عليه (غير إقراره الذي رجع عنه، قال: لا قتل عليه ولا عقوبة، ولا يستتاب إلا من شهد عليه أنه) (4) رئي يصلي ولو ركعة.
__________
(1) صحفت عبارة ص: أو شبهه به من أن يقدر.
(2) البيان والتحصيل، 16: 426 - 427.
(3) في ص: خيراً من أن مرتبه. وهو تصحيف.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من ص.

(14/492)


وقال ابن القاسم عن مالك: لا يقتل على الردة إلا من ثبت عليه أنه كان على الإسلام يعرف ذلك منه طائعاً (يصلي مقراً بالإسلام) (1) من غير أن يدخل فيه هرباً من ضيق عذاب أو حمل من الجزية ما لا يطيق فيتأذى بمثل هذا، فإنه يقال وإن أسلم إذا عرف ذلك من عذره.
قال أصبغ عن ابن وهب مثله، وقال أشهب: يقتل وإن شهد له أنه كان عن ضيق، وخالفه ابن القاسم وابن وهب، وأفتى به إسحاق بن سليمان ونزلت عندنا بمصر.
قال بن حبيب قال أصبغ فيمن أسلم طائعاً ثم ارتد بعد طول مكث أو بقرب، صلى وصام أو لم يفعل، ثم رجع في موقفه، فيسلك به مسلك من ولد على الفطرة والإستتابة بثلاثة أيام يخوف فيها بالقتل ويذكر الإسلام ويعرض عليه، فأما من دخل فيه عن ضيق خراج (أو جزية) (2) أو مخافة بأمر بين فلا يقتل، ويومر بالجوع ويحبس ويضرب، فإن رجع وإلا ترك بلا قتل، وقاله ابن القاسم وابن وهب، وأنكر ذلك ابن حبيب وقال: سواء عن ضيق أو غيره، ويقتل إن رجع. وكذلك قال لي مطرف وابن الماجشون عن مالك.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في النصراني يسلم ويصلي ثم يقول: أسلمت مخافة الجزية أو أن أظلم فيقبل منه وليس كالمرتد.
قال فيه وفي العتبية (عن عيسى) (3) عن ابن القاسم قال: ولو اشترى مسلمة فلما أخذت معه قال: أنا مسلم ثم علم به أو اعترف أنه قال ذلك
__________
(1) ساقط أيضاً من ص.
(2) ساقط من ص.
(3) ساقط من ص.

(14/493)


لنكاحها، قال: لا يلزمه (إلا) (1) الأدب. قيل أيبلغ به سبعين سوطاً؟ قال: الأدب في هذا أهون من ذلك.

في سبي المرتدين
والقول في ولد المرتد قبل الردة وبعدها
وردة الصغير وإسلامه والحكم في ولد من أسلم
من كتاب ابن سحنون: وإذا ارتد أهل مدينة (وغلبوا على أهلها) (2) وارتد نساؤهم وفيها مسلمون آمنون ثم ظفرنا بهم، فإنه يستتاب الرجال والنساء، فإن لم يتوبوا قتلوا، ولا يحل سبيهم ولا استرقاقهم.
وقال سحنون: يستتاب من بلغ من أولادهم ويكره صغارهم على الإسلام. وفي قوله الآخر: إن من بلغ من أولادهم فإن السباء يأخذه.
قال ابن سحنون قال أهل العراق: ولا تقتل امرأة إذا ارتدت وتسجن وتكره على الإسلام، ويروونه عن ابن عباس والحسن، وقال الحسن: إن أسلمت (3) كانت أمة للمسلمين مثل المرأة تسبى (4).
__________
(1) ساقط من ص.
(2) ساقط أيضاً من ص.
(3) صحفت هذه العبارة كثيراً في ص: والأمن وقال الخمسون إن أعلمت.
(4) هذه الفقرة أخرت عن التي بعدها في ف.

(14/494)


قال سحنون: والمرتد إذا لحق بأرض الحرب وحارب ثم ظفرنا به إنه يستتاب وليس كالمحارب المسلم يظفر به قبل التوبة. ألا ترى أن أهل الردة قبل منهم حين تابوا ولم تكن محاربتهم تزيل عنهم حكم المرتد إذا تاب أن تقبل توبته.
وقال أهل العراق: وإن أسلمت لم تسترق كالرجل يرتد ثم يتوب (1).
قال سحنون: قول النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه (2) عام، وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام في امرأة ارتدت الاستتابة.
واستتاب أبوبكر أم فرقد، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء في دار الحرب (3) لأنهن لا شوكة لهن. ألا ترى لو قاتلت لقتلت (4).
وقد ساوى الله – عز وجل – في حد الزنى في الإحصان بين الرجل والمرأة في القتل، وكذلك في الكفر الذي هو أعظم.
وقول من قال إن (قول) (5) النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه، إنما هو فيمن حكم النبي صلى الله عليه وسلم فيه لو كان كافراً أو حربياً يلزمه أن يقول في الأعمى والمقعد يرتدان لا يقتل لأنه لو كان كافراً لم يقتل، فهذا غير مقول.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم في المرتدة لها ولد (6) صغير فليسترضع له من بيت المال ثم تقتل إن لم تتب، قيل: فإن لم يقبل
__________
(1) في ص: ثم يموت. وهو تصحيف.
(2) تقدم تخريجه قريباً.
(3) فس ص: في دار الهجرة. وهوتصحيف.
(4) في عبارة ص حذف وقلب: لا شوكة ألا ترى قالت.
(5) ساقط من ص.
(6) صحف في ص: في المرتد ذلك ولد.

(14/495)


الولد غيرها وخيف على الولد الموت استؤني بها؟ قال: نعم ذلك حسن إذا خيف عليه.
ومن كتاب ابن سحنون (1) فيمن ارتد (ولحق دار الحرب فتنصر وتزوج فولد له أولاد ثم استتبناه وولده فتاب هو وولده، وأبى ولد) (2) ولده الإسلام. قال سبيل ولده وولد ولده سبيله لا يسلط عليهم السبي، ويقتل من لم يتب من الكبار، ويكره الصغار على الإسلام، كانوا ولده أو ولد ولده، وإن صاروا في سهمان أحد أخذوا منه ولم يسترقوا ولا يتبعهم بشيء. ثم رجع فقال: أما من بلغ من الولد فإن السباء يأخذه وكذلك ولد ولده.
ومن كتاب الحاوي قال مالك: ولا يكون أحد من المرتدين بارتداده ولا أحد من ذريته (3) لحق بدار الحرب ولم يلحق بها.
ومن العتبية من سماع سحنون عن ابن القاسم في حصن (4) فيه مسلمون ارتدوا عن الإسلام فإنهم يقاتلون ويقتلون، ولا تسبى ذراريهم، وأموالهم فيء للمسلمين.
وذكر سحنون في كتاب ابنه عن ابن القاسم فيمن ارتد ولحق بدار الحرب بأهله وولده وارتد أهله هناك، قال: أما ولد الذين حدثوا بعد الردة فهم فيء، وكذلك ولده الصغار. وقال: في زوجته إنها فيء ثم رجع في الزوجة وقال: لا تكون فيئاً.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك في أمة مسلمة عتقت فلحقت بأرض الروم فتنصرت ثم سبيت، فإنها تستتاب. وإذا اشتراها مسلم فإن تابت كانت حرة، وإن أبت قتلت.
__________
(1) ساقط من ص.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(3) كلمات لا تقرأ.
(4) صحف في ص: فيمن حضر.

(14/496)


ولو أن حرة ذات زوج ارتدت ولحقت بأرض الحرب أو تزوجت وولد لها أولاد ثم سبيت معهم فإنها تستتاب، فإن تابت تركت، وأولادها الصغار والكبار تبع لأبيهم في الدين، وليست كالمأسورة المسلمة، ولا يكون زوج التي تابت من الردة أحق بها، وله نكاحها بعد ثلاث حيض، لأن بردتها بانت منه.
وقال قال ربيعة في أهل قرية أسلموا ونساؤهم وذراريهم ثم ارتدوا هم والذراري، فقاتلناهم ثم ظفرنا بهم فليقتل الرجال والنساء ومن بلغ من الذرية. وأما الذرية فمن كان لهم منهم قبل أن يسلموا فأسلموا عليهم فهم سبي، وجعل خروج الآباء من الإسلام خروجاً لمن كان معهم من الذرية والنساء، كما أنهم الذين أدخلوهم بالصلح عليهم. وأما من ولد لهم من الذرية بعد إسلامهم فأحرار مجبرون على الإسلام، ولا يسبون ولا يسترقون.
قال عبد الملك: وإذا ارتد أهل قرية من قرى الإسلام ثم ظفرنا بهم فإنهم لا يسبون ولا يستحل نساؤهم ولا ذراريهم، وإن كانوا أهل ذمة فذراريهم وأموالهم فيء وهم تبع لرجالهم، لأن نقض رجالهم العهد يدخل فيه نساؤهم وصغارهم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في بني قريظة وغيرها.
وقال أصبغ عن أشهب في مسلم ارتد بدار الحرب وله أولاد صغار بدار الحرب ثم غنماه (هو وأولاده) (1). فأما هو فإن لم يتب قتل، وأما أولاده فهم مسلمون، لأنهم ولدوا في الإسلام.
__________
(1) ساقط من ص.

(14/497)


قال أبو زيد قال ابن القاسم وابن كنانة في ولد المرتد الصغار إذا غفل عنهم حتى كبروا (1) ولم يسلموا فلا يكرهون على الإسلام، وليتركوا على دينهم.
قال محمد: هذا في التي حملت أمه قبل أن يرتد ثم ارتد، فهذا الولد يجبر على الإسلام ما لم يحتلم، فإذا احتلم ترك عند ابن القاسم، وقال أشهب: يجبرون بالضرب.
قال ابن القاسم في العتبية (2) فيمن ارتد وله ولد صغار فأبوا أن يسلموا وقد كبروا، فليجبروا بالضرب ولا يبلغ بهم القتل. وأما من ولد في حال ردته فإن أدركوا قبل الحلم جبروا على الإسلام، وإن بلغوا على ذلك ولا يكونون كمن ارتد.
قال ابن كنانة في ولد المرتد إذا قتل إنه يعقل عنه المسلمون، ويصلون عليه إذا مات. وإن تنصر وعلم بأمره استتيب فإن تاب وإلا قتل. وإن غفل عنه حتى يشيخ ويتزوج لم يستتب ولم يقتل (3).
ابن المواز قال ابن القاسم: في (ابن) (4) مسلم ولد على الفطرة ثم ارتد وقد عقل الإسلام ولم يحتلم، قال يجبر على الإسلام بالضرب والعذاب، فإن احتلم على ذلك ولم يرجع قتل، بخلاف الذي يسلم ثم يرتد وقد عقل ثم يحتلم على ذلك، وفرق بينهما، وليس بمنزلة ولد المرتدة، وجعلهم أشهب سواء، وقال فيمن ولد على الفطرة ثم ارتد بعد أن عقل وقارب الحلم ثم احتلم على ذلك إنه يرد إلى الإسلام بالسوط والسجن، وقاله ابن عبد الحكم، وقال ابن القاسم يقتل.
__________
(1) عبارة ص مصحفة: إذا عقل منهم حتى كرهوا.
(2) البيان والتحصيل، 16: 439 – 440.
(3) كذا في ف وفي نص العتبية المنقول عنه. وزعبارة ص: حتى يبلغ لم يستتب ولم يقتل.
(4) ساقط من ص.

(14/498)


قال ابن القاسم فيمن طلق امرأته النصرانية ولها منه ولد صغير فتركه معها وغفل عنه حتى احتلم على النصرانية، قال إن لم يرجع إلى الإسلام لم أر أن يقتل، ويترك.
قال مالك: ومن أسلم من النصراني وله ولد صغير فأقرهم على النصرانية حتى كبروا فلا يجبرهم الإمام (على الإسلام) (1).
قال ابن القاسم وأشهب: يجبرون على الإسلام.
قال ابن عبد الحكم: ولو كان إسلامه والابن ابن اثنتي عشرة سنة وقد عقل دينه فلا يعرض له. ولو مات أبوهم في تلك الحال وقف ميراثه إلى بلوغ الابن، فإن ثبتوا على النصرانية لم يرثوه، وإن رجعوا إلى الإسلام ورثوه.
قال: ولو رجعوا إلى الإسلام قبل الحكم أعطيتهم الميراث، ولو كان الولد في إسلام أبيه ابن ست سنين ونحوها كانوا مسلمين بإسلامه، كان مجوسياً أو نصرانياً.
ومن أسلم ثم ارتد وهوابن اثنتي عشرة سنة، قال مالك: يجبر على الإسلام بالضرب والتهديد وإن بلغ. قال ابن القاسم: بخلاف من ولد على الفطرة فيرتد قبل أن يحتلم ثم يحتلم، هذا يقتل. ولو أسلم نصراني قبل الحلم ثم بلغ مسلماً وقارب عشرين سنة ثم ارتد فهذا يقتل إن لم يتب.
ومن كتاب ابن عبدوس قال سحنون فيمن أسلم وولده مراهق لم يحتلم ثم مات الأب فإن ميراثه يوقف إلى بلوغهم، فإن أسلموا ورثوه، وإن أبوا تركوا ولم يرثوه. قال ابن القاسم: ولا يقبل منهم قبل البلوغ إن قالوا إنا لا نسلم ولو احتلمنا. (ولو قالوا) (2) إنا نسلم الآن لم يعطوا بذلك الميراث إلى البلوغ.
__________
(1) ساقط أيضاً من ص.
(2) ساقط من ص.

(14/499)


(قال ابن القاسم في الغلام يرتد قبل البلوغ وهو يكره على الرجوع إلى الإسلام، ثم مات قلا يصلى عليه ولا توكل ذبيحته. وقال سحنون: إذا ارتد قبل البلوغ) (1) وهويكره على الرجوع إلى الإسلام قبل البلوغ، فإن ميراثه لورثته المسلمين. وينبغي لهذا أن يصلى عليه، فكيف يورث بالإسلام من لا يصلى عليه؟ ولو كانت له زوجة وارتد حينئذ ابتغاء ألا تكون ردته فرفة. ومن رأى أنه لا يصلى عليه فهي عنده فرقة، وقد تكون الفرقة بردة الزوجة وليس بيدها طلاق.
قال سحنون: ومن أسلم قبل البلوغ ثم عقل الإسلام ثم ارتد ثم مات قبل البلوغ وهو يكره على الإسلام (فميراثه لأهله.
قال ابن القاسم وأشهب وعبد الملك: وهذا لو لم يمت لم يقتل وإنما يكره على الإسلام) (2) بالضرب ولا يقتل لأن إسلامه كان ضعيفاً.
قال سحنون ومالك: يكرهه بالضرب وإن بلغ، والمغيرة يقتله إن تمادى بعد البلوغ. وأما من ارتد من أولاد المسلمين فليؤدب فإن تمادى حتى بلغ فأصحابنا مجتمعون على أن يقتل (3) إذا بلغ وتمادى.
وقال ابن القاسم: وأكثر المدنيين فيمن أسلم وله ولد صغير ابن خمس أو ست سنين لم يعقلوا، إنهم مسلمون بإسلامه ويرثونه، وأنكر سحنون رواية ابن القاسم عن مالك أن أباهم إذا أقرهم حتى بلغوا اثنتي عشرة سنة فأبوا أن يسلموا أنهم لا يجبرون.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ف.
(3) في ص: لا يقتل. وهو تصحيف.

(14/500)


وقال بعض الرواة (1): يجبرون، وهو أكثر من مذاهب المدنيين. قال (ابن القاسم) (2): وإسلام الأب (إسلام) (3) للصغير والصغيرة من ولده، ويوجب ذلك فسخ نكاح الصبية، ويفسخ نكاح الصبي إن لم تسلم زوجته. ولو كانا مراهقين في إسلام الأب تركا حتى يبلغا ولم يجبرا.
ومن كتاب ابن سحنون قال المغيرة: وإذا أسلم غلام مراهق يعقل الإسلام ثم مات فلا يرثه أبواه الكافران، وقد أجاز عمر وصية غلام يفاع. ولو مات أبوه وقف ميراثه، فإن رجع الغلام إلى دين أبيه قبل الحلم ورثه، وإن لم يرجع لم يرثه.
ومن العتبية (4) قال محمد بن خالد قال ابن القاسم: لا يجبر الصبي (المسبي) (5) على الإسلام إذا كان قد عقل دينه، وأراه ذكره عن مالك.
قال مالك فيمن تزوج نصرانية فأولدها (6) أولاداً، فلما بلغوا قالوا: لا نسلم، قال: يجبرون على الإسلام كرهاً ولا يبلغ القتل.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ارتد وحارب وغصب فيوقف ماله، فإن قتل فهو فيء، وإن تاب رجع إليه. وكذلك الأسير يرتد، فإن ظفرنا به فقتل فماله فيء ويجبر ولده على الإسلام صغاراً أو كباراً. وروي عن مالك إن كبروا لم يجبروا.
ومن كتاب ابن المواز: أخبرني أبو زيد عن ابن القاسم في أسير بديار الحرب اتخذ هنالك أمة (7) فحملت منه ثم ارتد ومات وغنمها (8) المسلمون
__________
(1) في ص ما يشبه: وقال بعض أهل العراق.
(2) ساقط من ص.
(3) ساقط أيضاً من ص.
(4) البيان والتحصيل، 16: 437.
(5) ساقط من ص. وهو ثابت في ف وفي نص العتبية في البيان والتحصيل.
(6) في ص: فأولادها. وهو تصحيف.
(7) في ف: أم ولد.
(8) في ص: وأخذها.

(14/501)


فهي وولدها أحرار، وماله فيء. وإن حملت منه وهو مرتد كانت ومالها وولدها فيئاً. قال محمد: وإن لم يأخذها المسلمون حتى كبر ولدها الذين حملت بهم قبل الردة على الكفر، لم يجبروا على الإسلام – يريد إن بلغوا – وهم فيء وصغارهم أحرار مع أمهم.
قال: وولد المسلمة (1) الحرة أو الذمية (تنسى) (2) فتلد عندهم، (فمن احتلم من ولدها وقاتل فهو فيء) (3) وصغارهم (معها) (4) أحرار. ولو كانت أمة لمسلم فولدها رقيق لمالكها.
قال أصبغ في الأسير يتزوج في أرض الحرب ثم غنمنا أهله (5) وولده، فزوجته وولده البالغ فيء، والصغار أحرار وماله له ما لم يقع في المغانم (6).
قال مالك: وإذا أسلم حربي عندنا ثم غزا معنا فإن أهله وولده فيء.
وقال أشهب في علجة أبقت من سيدها المسلم ثم أصابها بعد سنين معها أولاد فادعى أنهم منه فإنه يصدق ويلحقون به إن كانوا من بطن واحد، وإلا لم يلحق به (إلا) (7) الأول.
قال ابن حبيب في كتاب له أفرده في السيرة في الملحدين وكتب إليه يسأل عن قوم من البربر بالمغرب يقال لهم الصالحية (8) أتاهم رجل فادعى النبوة وتسمى لهم صالحاً، وقال لهم إن محمدا إنما أرسل إلى العرب، وأمرهم بإفطار رمضان وأن يصوموا رجبا وغير ذلك مما شرع لهم
__________
(1) صحف في ص: وكذلك المسلمة.
(2) ساقط من ص.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(4) ساقط من ص.
(5) عبارة ص مصحفة: عقها أهله.
(6) صحف في ص: ما لم يقيم.
(7) ساقط من ص.
(8) في ص: الطاغية. وهو تصحيف.

(14/502)


فصدقوه (1) وارتدوا وأقاموا على ذلك وتناسلوا وقاتلهم المسلمون غير مرة. فكتب (إليهم) (2) ابن حبيب: إنهم إذا سبوا وظفر بهم أو بطائفة منهم إنهم وذراريهم لهم حكم المرتد يستتاب الأكابر منهم فإن تابوا وإلا قتلوا. وكذلك من بلغ من ذراريهم، يسترقون ولا يحل استرقاقهم بالسبي. وكل ما ولد للمرتد بعد ردته فله حكم المرتد، ولا يسترق من تناسل منهم، ويجبر الصغير على الإسلام ويستتاب من بلغ، فإن لم يتب قتل. وذكر أن كذلك ذكر له كل من كاشفه عن ذلك من أصحاب مالك.

القول في مال المرتد وأفعاله فيه
وذكر نكاحه وميراثه
وشيء من التداعي في ذلك
من كتاب ابن المواز قال مالك: إذا قتل المرتد على ردته (في الدين) (3) لا يرثه وارثه من المسلمين ولا من أهل الدين الذي ارتد إليه.
قال ابن القاسم: يوقف الإمام ماله قبل يقتل ويطعمه منه. ولو باع واشترى بعد حجز السلطان عليه فإن قتل لم يلحق دينه هذا في هذا المال، ودينه في كل ما أفاد من حين حجز عليه بهبة أو غيرها، وكل ما باع أو تحمل أو تجر أو اشترى أو تصدق عليه فدينه فيه حتى يوقفه السلطان، فإذا أوقفه للقتل لم يلحقه دين إن قتل، وإن رجع كان ما دوين به في ماله – يريد في ذمته -.
__________
(1) في ص: فقوه. وهو تصحيف أيضاً.
(2) ساقط من ف.
(3) زيادة في ص.

(14/503)


ولو ارتد ولم يعلم بردته فأقام سنين يبيع ويشتري فذلك جائز عليه ولازم له، وإنما يكون ما قلنا أولاً إذا علم بردته فرجع وحبس للقتل، وكذلك في كتاب ابن حبيب عن أصبغ في كل ما ذكرنا.
قال ابن سحنون قلت له: قال أصبغ عن ابن القاسم: إذا تزوج وبنى فلا صداق لها (1) قال أصبغ: وذلك إن تزوج بعد الحجر عليه وإيقاف ماله، مثل البيع والشراء.
قال سحنون: ما أعرف فيه الحجر، ردته حجر، ويصير بالردة ممنوعاً من ماله، إلا أن يبايعه أحد في ذمته، وكذلك يجوز (أن يزوجوه في ذمته، ينكح من نساء الدين الذي ارتد إليه من يهودية أو نصرانية، وكذلك يجوز) (2) مبايعة المفلس فس ذمته وكذلك نكاحه. وإذا باع المرتد شيئاً نظر فيه الإمام، فإن رأى غبطة أمضاه، وإن رأى فيه محاباة أوقفه، فإن تاب كان عليه، وإن قتل أبطله. وكذلك إن تزوج وبنى، فإن قتل فلا شيء لها، وإن تاب فلها الصداق.
ومن كتاب ابن المواز: وما باع المرتد أو اشترى أو أقر به قبل حجر السلطان لازم له خلا نكاحه، وما أقر به (أو بايع) (3) بعد الحجر لم يدخل في ماله إلا أن يتوب.
ومن ارتد ظاهراً ولم يسر كفره ثم قتل أو مات موته (كذا) فلا يرثه وارثه لا مسلم ولا كافر من الملة التي ارتد إليها ولا من غيرهم، وماله فيء لبيت المال، ويبطل ما كان أوصى به (4) وهو مسلم إلا ما ليس له فيه رجوع، من مدبر دبره في إسلامه فهو نافذ في ثلث ما ترك يوم قتل أو ما
__________
(1) صحف في ص: فلا حد أولها.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(3) ساقط من ص.
(4) في ص: ما كان أو صرف. وهو تصحيف.

(14/504)


خرج من معتقه إلى أجل، وأمهات أولاده، فذلك تام نافذ، وديونه التي (كانت) (1) لزمته (في إسلامه) (2) فهي في ماله، وهذا يلزمه كله إلا وصاياه (3).
وما كان من هذا بعد ردته فباطل إن مات أو قتل (فيبطل) (4) تدبيره ويسترق ما استولد في الإماء أو أعتق إلى أجل أو ادان بإقراره وإن كان ذلك قبل يحجر عليه. هذا مذهب أشهب. وأما ابن القاسم فتلزمه عنهد ديونه التي ادان قبل الحجر وينفذ فيه إقراره.
وأما إن رجع إلى الإسلام فيلزمه ذلك كله ويرجع إليه ماله (إلا) (5)، أمهات أولاده فاختلف فيهن، فقال ابن القاسم: يرجعن كما كن يطؤهن، ولهن حكم أمهات الأولاد. وقال أشهب: قد عتقن بالردة (6) فلا يرجعن إليه. وأما امرأته فلا تحل له إلا بنكاح لم يختلف فيها. وأما ما أحدث بعد الحجر من بيع أو شراء أو عتق وغيره فباطل، قتل أو رجع إلى الإسلام وأخذ ماله.
قال محمد ابن المواز: وأحب ما سمعت إلي أنه يلزمه ذلك كله إذا رجع إلى إسلامه، وكذلك قال ابن حبيب عن أصبغ في ذلك وفي كل ما ذكر ابن المواز، إلا أمهات أولاده فإنه قال مثل قول أشهب: إنه إن تاب يحرمن عليه كالزوجة، كما أن السفيه إن أعتقها جاز عتقه إذا لم يكن فيها غير الوطء الذي حرم بالعتق وحرم في المرتد بالردة.
__________
(1) ساقط من ف.
(2) صحف في ص: ولهذا يلزمه كله الأوصياء.
(3) ساقط من ص.
(4) ساقط أيضاً من ص.
(5) ساقط من ص.
(6) في ص: عتقن بالزيادة. وهو تصحيف.

(14/505)


قال في كتاب ابن المواز: وإذا تزوج بعد الردة وقبل الحجر ثم قتل، فإن كان بنى بها فلها صداقها في ماله إن كان لا يجاوز صداق مثلها. وكذلك لو خرج، وأما إن لم يبن بها فلا شيء لها، ولا يلحقه ما داين به الناس في ردته. وأما بيعه وشراؤه بغير محاباة فلاحق بماله، وما تصدق به قبل الحجر فيبطل إن قتل، وإن تاب لزمه. وما فعل في الحجر من بيع أو (شراء) (1) أو صدقة أو غيرها لم يلزمه وإن تاب.
وروى أصبغ عن ابن القاسم أن ما ادان قبل الحجر يلزمه، وما ادان بعد الحجر فهدر إن مات أو قتل، ولازم إن تاب. قال محمد: وهذا أصح ما سمعت فيه، وذكر ابن حبيب مثله.
قال ابن القاسم: ولا ينفقون ماله على ولده ولا على عياله، وينفق عليه منه في الثلاثة الأيام التي يستتاب فيها، فإن قتل كان لبيت المال. وكل ما كان منه قبل ردته من تدبير وعتق إلى أجل وأم ولد فأحرار إن مات أو قتل. فالمدبر من الثلث، والمؤجل يعتق إلى أجله (2)، وخدمته في الأجل للمسلمين.
قال ابن المواز: وأما ولاء من أعتق من هؤلاء فلولده المسلمين عند ابن القاسم، فإن لم يكن له ولد مسلمون – يريد أو عصبة مسلمون – فلجماعة (المسلمين) (3). وقال أشهب: ولاؤهم للمسلمين دون مسلمي ولده. وقول ابن القاسم أحب إلينا، لأنه عقد كان منه في إسلامه.
قال مالك في الأسير يتنصر طائعاً إن زوجته تبين منه، ولها في ماله باقي صداقها. وكذلك ما عليه من دين قديم للناس، وإن أكره فهي في عصمته، وإن شك في أمره فرق بينهما، وماله موقوف في هذين الوجهين.
__________
(1) ساقط من ف.
(2) صحفت عبارة ص: والرجل يعتق الرجل.
(3) ساقط من ف.

(14/506)


قال ابن القاسم: إذا ارتد وقعت الفرقة بينه وبين نسائه وإن كن كتابيات، وكذلك لو تزوجها في ردته لم يجز ذلك وإن أسلم.
قال ابن حبيب قال أصبغ في نساء المرتد اليهوديات والنصرانيات لا يحال بينه وبينهن، ولا يحرمن عليه إن عاود الإسلام، لأنه الله سبحانه قال في النساء (فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار) (1). وقال في الرجال: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) (2) ففرق بين ذلك.
ومن العتبية قال ابن القاسم في المرتد إذا أعتق عبيداً ثم تاب، ولاؤهم للمسلمين، لأنه أعتقهم في وقت لا يثبت له ولاء ما أعتق. وكذلك ولاء ما كاتب من عبد فأدى كتابه، ويتم تدبير من دبر إذا تاب. وأما إن قتل لم يجز تدبيره. قال: وما وقع له من منفعة فليس له أن يأخذها. ومن طلق امرأته في مرضه (ثم ارتدت) (3) ثم رجعت إلى الإسلام ثم مات هو فإنها لا ترثه، وكذلك لو طلقها طلقة ثم ارتد في عدتها ثم عاود الإسلام في عدتها لم تكن له رجعة، وردته طلقة بائنة.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا ارتد (مريض) (4) قتل في مرضه ولا ينتظر موته، ولا يرثه ورثته، إلا أن يتوب فيرثه ورثته المسلمون إلا امرأته. وكذلك في ردة (المرأة) (5) المريضة وإن ماتت لم يرثها زوجها. ولو طلق مريض زوجته ثلاثاً ثم ارتدت ثم تابت ثم مات هو من مرضه فإنها لا ترثه، وكذلك في ردته هو في مرضه ثم تاب ثم مات فلا ترثه.
وإذا قتل العبد على ردة أو على زندقة فميراثه لسيده، ولا يكتم ذلك عليه سيده وليرفعه ولا يتبعه. وكذلك أم الولد ومن فيه بقية رق.
__________
(1) الآية 10 من سورة الممتحنة.
(2) من نفس الآية السابقة.
(3) ساقط من ف.
(4) ساقط أيضاً من ف.
(5) ساقط من ص.

(14/507)


وإذا مات للمرتد ولد مسلم أو على الدين الذي ارتد إليه، فقال ابن القاسم: لا يرثه وإن مات بعد ذلك، ويرثه سواه من ورثته. وقال أشهب: إن رجع إلى الإسلام ورثه – يريد إن كان الولد مسلماً – وخالفه ابن المواز.
ومن كتاب ابن سحنون: قال أهل العراق إذا قتل المرتد على الردة دفع ميراثه إلى ورثته المسلمين، وذكروا ذلك عن علي والحسن وابن المسيب. وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم (1)، ولا يتوارث أهل ملتين (2) وأن علياً لم يرث أبا طالب وإنما ورثه عقيل.
وأما حجتهم بابن المسيب فقد روى عنه أهل الحجاز وأهل العراق أنه قال: نرث المشركين ولا يرثونا، وهذا خلاف. ثم ناقضوا وقالوا: إن مات له ولد في حال الردة لم يرث منه هو، ولا فرق بين ذلك.
فإن قيل: كما ورثتم المطلقة في المرض من زوجها ولا يرثها (هو.) (3) قلت مفترق، لأن المعنى الذي به منع المرتد من ميراث ابنه هي (4) الردة التي بها منعنا ابنه أن يرث (5) منه، وورثنا الزوجة من الزوج إذ منعها من ذلك فراراً من كتاب الله، ولم تفر المرأة عن ميراثه. ولم يختلف العلماء أن وصيته في ماله (باطلة) (6) فلو كان له مال يورث نفذت فيه وصاياه (7) وأبطل أهل البصرة أيضاً إقراره وجناياته الخطأ عن ماله (وقال النعمان: ما
__________
(1) حديث صحيح في الصحيحين، وسنن أبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجة ومسند أحمد، عن أسامة. وهو عند السيوطي في الجامع الصغير.
(2) حديث صحيح أيضاً أخرجه أصحاب السنن في كتاب الفرائض، وأحمد في المسند.
(3) ساقط من ص.
(4) صحفت عبارة ص: من ميراثه أنه بين.
(5) هذه العبارة كذلك مصحفة في ص: التي فيها ابنه لا يرث.
(6) ساقطة من ص.
(7) عبارة ص مشوهة: يورث بعد تلبين له اياه.

(14/508)


كسب في ردته فهو فيء ولا يورث. وفي هذا دليل على ما خالفنا فيه من سائر ماله) (1).
وقالوا: إن لحق مرتد بأرض الحرب قسم ماله بين ورثته، وأنفذ عتق أم ولده ومدبره، فإن جاء تائباً أخذ ما وجد من الميراث، ونفذ ما ذكرنا من عتق إلا أن يكون الإمام لم ينفذه. (قال سحنون:) (2) ليس هذا بشيء، إن وجب له حكم الموت بلحاقه بأرض الحرب فلا يبطله مجيئه، وإن لم يوجب حكم الموت فلا يورث. وكذلك في أم الولد والمدبر. وإذا أبطلتم التوريث فأبطلوا العتق، ولا فرق بين ذلك، وهذا أولى أن ينكروه على أنفسهم مما أنكروا علينا من مال امرأة المفقود الذي حكم به عمر وعثمان وعلي بدار المهاجرين والأنصار للضرر، وهم قد حكموا لرجل (حي) (3) ببلد الحرب بحكم الموتى، ثم نقضوا ذلك. وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يرث المسلم الكافر.
ومن كتاب ابن المواز) (4) وإذا قام شاهد عليه أنه ارتد في رمضان، وشاهد بالردة في ذي القعدة، وقد مات له ميت مسلم ممن يرثه في شوال لكان له ميراثه، إلا أن يقر هو أنه ارتد في رمضان، لأن الردة إنما ثبتت عليه في ذي القعدة بالشاهدين.
وجرى في باب سبي المرتد في ردته وإسلامه شيء من معنى الميراث.
وقال محمد بن عبد الحكم: وإن شهد شاهد أن ردته في رمضان، وشاهد بردته في ذي القعدة، وشاهدان أنه تزوج في شوال فالنكاح ثابت، إذ لم تثبت الردة إلا في ذي القعدة. وكذلك لو غنمت الغنيمة في شهر، وشهد شاهد أنه ارتد في شهر قبلها، وشاهد بالردة في شهر بعدها فإن له قسمة منها.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(2) ساقط أيضاً من ص.
(3) ساقط من ص.
(4) ساقط أيضاً من ص.

(14/509)


قال ابن المواز: وإن مات مرتد أو مسلم أو على الدين الذي ارتد عليه فقال ابن القاسم: يرثه غير الأب، ولا يرثه الأب وإن رجع إلى الإسلام، وقال أشهب: إن رجع إلى الإسلام ورثه. وقال محمد: لا يرثه (1).
في جناية المرتد والجناية عليه
من الجراح والقتل والقذف والحدود
من كتاب ابن المواز قلت: أرأيت المرتد إذا قتل مسلماً أو ذمياً عمداً أو خطأ؟ قال: لم أجد لمالك فيه ما يتضح لي، واضطرب فيه أصحابه، فجعله ابن القاسم مرة كالمسلم إن رجع، ومرة كالنصراني، ثم قال: أحب إلي إذا رجع أن يكون كأنه فعل ذلك وهو مسلم. وكذلك فيما جرح أو جنى على غير (كذا) أو سرق أو قذف فليقم عليه إن تاب ما يقام على المسلم إذا فعله، وتحمل عاقلته من الخطأ الثلث فأكثر، ويقتص منه للحر في جراح العمد، ويحد في قذفه، ويقطع إن سرق. وأما إن لم يتب فليقتل ولا يقام عليه من ذلك إلا الفرية.
ولو قتل حراً عمداً في ردته وهرب إلى بلد الحرب لم يكن لولاة المقتول (2) من ماله شيء، ولا ينفق على ولده وعياله منه ويوقف، فإن مات فهو فيء، وإن تاب ثم مات كان لورثته. وإن كان القتيل عبداً أو ذمياً أخذ ذلك من ماله، وأشهب يرى لولاة المقتول المسلم (3) أخذ الدية من ماله، إن شاؤوا عفوا، وإن شاؤوا صبروا حتى يقتلوه.
__________
(1) هذه الفقرة الأخيرة كلها ساقطة من ف. وسطرها الأول في ص غير واضح ولعل فيه حذفاً أو تصحيفاً. وقد أثبتناه على حاله.
(2) في ص: لمولاه المعتق. وهو تصحيف.
(3) صحف في ص: يرى لمولاه المسلم.

(14/510)


وروى أبو زيد عن ابن القاسم أنه إن قتل مسلماً خطأ فديته في بيت المال لأن ميراثه للمسلمين. قال: ولو قتل نصرانياً أو جرحه اقتص منه في القتل والجرح، فإن جرح مسلماً لم يقتص منه، وإن قتله قتل به.
قال محمد: والذي آخذ به إن قتل مسلماً عمداً لم أعجل (عليه) (1) بالقصاص حتى أستتيبه، فإن لم يتب وقتل سقط عنه ذلك إلا الفرية، وإن تاب اقتص منه. وإن قتل عبداً أو نصرانياً عمداً فذلك في ماله، قتل أو تاب.
قال ابن القاسم في المرتد يقتله رجل عمداً إن ديته في ماله دية أهل الدين المرتد إليه (2).
وقال سحنون في العتبية (3) وكتاب ابنه أنه لا قصاص ولا دية على عاقلة إلا الأدب فيما افتات على الإمام، وقاله أشهب.
(قال ابن القاسم في العتبية) (4) وقد كان ابن أبي سلمة يرى أنه يقتل ولا يستتاب.
وقال أشهب في كتاب ابن سحنون: وإذا قتله رجلان فلا قصاص عليهما ولا دية، ولو قطع يده ثم عاد إلى الإسلام فدية يده له دية الدين الذي ارتد إليه من مجوسي أو كتابي.
قال ابن القاسم في العتبية (5) من رواية يحيى بن يحيى: والمرتد إذا جرحه رجل عمداً أو خطأ فعقل جراحاته للمسلمين إن قتل، وله إن تاب. وعمد من جرحه كالخطأ لا يقاد منه. ولو جرحه عبد أو نصراني فلا قود له، لأنه ليس على دين يقر عليه، وفيه العقل.
__________
(1) ساقط من ف.
(2) في ف الدين الذي ارتد إليه.
(3) البيان والتحصيل، 16: 429.
(4) البيان والتحصيل، 16: 429 وما بين قوسين ساقط من ف.
(5) البيان والتحصيل، 16: 429 – 430.

(14/511)


ومن كتاب ابن سحنون: وإن قطعت يده خطأ ثم رجع إلى الاسلام فدية يده له من دية أهل الدين الذي ارتد إليه.
وقال أشهب في المرتد يقتل رجلاً خطأ إن ديته على أهل الدين الذي ارتد إليه. ولو جنى معاهد على آخر خطأ كانت الدية في ماله بخلاف الأول.
وقال ابن حبيب قال أصبغ: وإذا قتل المرتد في ارتداده أو جرح أحداً عبدا أو حراً مسلماً أو نصرانياً، أو افترى أو شرب خمراً، فإنه إن قتل فالقتل يأتي على ذلك كله إلا الفرية فإنه يحد للمقذوف (1) ثم يقتل. وقتله الخطأ وجراحاته الخطأ ففي بيت المال إن قتل على ردته، وإن رجع إلى الإسلام سقط عنه ما كان من حد الله، وأخذ بالسرقة والفرية. وإن قتل عمداً، ويقتص منه في الجراح العمد، وتحمل عاقلته الخطأ في النفس. ولو جرح عبداً أو نصرانياً أو قتله لم يقتص منه في عمده وغرم ديته (2) أو ثمنه في ماله. وما أصاب قبل ردته من قتل خطأ أو جرح خطأ فعلى عاقلته، كان قد حكم فيه على عاقلته قبل الردة أو لم يحكم، كما لو مات.
وأما لو رجع إلى الإسلام (3) فذلك الذي لا شك فيه في قول ابن القاسم أنه على عاقلته.
وما أصيب به في ردته من جرح عمد أو خطأ ثم تاب فليقتص له في العمد من المسلم، وإن كان نصرانياً أو عبداً لم يقتص له منه، وذلك في رقبة العبد وفي مال النصراني.
__________
(1) في ص: فيجلد المقذوف. وهو تصحيف.
(2) صحف في ص: وعدم ديته.
(3) في ف: لو راجع الإسلام.

(14/512)


وإن كان الفاعل مرتدا ثم تاب اقتص منه، فإن تاب المفعول به ولم يتب الفاعل فالقتل يأتي على ذلك في العمد، وإن كان خطأ فالعقل على المسلمين. وإن رجع الفاعل وحده فعقل المفعول به في مال الفاعل في العمد، وعلى عاقلته في الخطأ، لأن ما أصيب به المرتد فعقله لمسلمين، كمن سجن في قتل فجنى عليه جان (1) فله منه القصاص.
قال أصبغ: وليس على (2) من قتل المرتد من مسلم أو ذمي قتل، قد قتله عمداً أو خطأ، ولا قصاص في عمده للشبهة ولا يطل دمه، وأرى أن يؤدب في العمد والخطأ، قتله مسلم أو نصراني، وديته للمسلمين.
ولو جرحه مسلم أو نصراني قبل ردته فلا قود فيه وفيه العقل. ولو رجع إلى الإسلام اقتص له من المسلم، ولا قصاص له من النصراني.
ومن قذف مرتداً فلا حد عليه، قتل أو رجع إلى الإسلام، كان القاذف مسلماً أو نصرانياً. وكذلك إن قذف قبل ارتداده فلا حد له وإن راجع الإسلام، كمن قذف رجلاً ثم زنى المقذوف قبل الحد.
ولو قذف (بأمه) (3) فإنما الحد لأمه إن كانت مسلمة، يقوم لها به من قام من مسلم أو كافر من يعده قذفها. (ولو) (4) لم يقم به لها أحد (آخر) (5) حتى قتل المرتد ولم يقم هو بذلك ولا ذكره فذلك باطل. ولو كانت الأم أمة أو نصرانية فسواء قذف (بذلك) (6) في ردته أو قبل ردته، رجع إلى الإسلام أو قتل، لا حد على من قذفه بأمه إن كان القاذف مسلماً أو
__________
(1) عبارة ص مصحفة: في قتل يحق عليه جاز.
(2) في ص: وليعن من. وهو تصحيف.
(3) في ص: لأمه. وهو تصحيف.
(4) ساقط من ص.
(5) ساقط من ف.
(6) ساقط أيضاً من ف.

17 - النوادر والزيادات 14

(14/513)


نصرانياً، إلا أنه إن رجع إلى الإسلام فقذفه بها بعد أن رجع وهي أمة أو نصرانية أدب له.
ومن العتبية (1) روى عيسى عن ابن القاسم في المرتد يقتل نصرانياً أو يجرحه، قال: إن أسلم (2) لم يستقد منه، وحاله في الجرح والقتل حال المسلم يقاد منه للمسلم دون النصراني. قال عيسى: وإن قتل على ردته فالقتل يأتي على ذلك كله.
وروى عنه أصبغ في المرتد يقتل مسلماً أو نصرانياً أو عبداً عمداً أو خطأ أو يجرح أحدهم أو يقذف أو يسرق، فليستتب فإن لم يتب قتل، ودخل في ذلك القتل كل حد إلا القذف يبدأ به، وإن أسلم فحكمه (فيه كله) (3) حكم مسلم لم يرتد.
وروى يحيى عن ابن القاسم في المرتد في دار الإسلام يقتل رجلاً أنه يقاد منه، ولأوليائه العفو إن شاؤوا. ولو لحق بدار الحرب مرتد فعدا على رجل مسلم فقتله وكان يقتل المسلمين مع العدو فهو كالمحارب، ليس للإمام أن يعفو عنه. وإن قتله خطأ أدي عنه من بيت المال، وإن قتل هو خطأ فعقله للمسلمين. قال ابن المواز عن ابن القاسم: والمرتد إذا قذف مسلماً حد له، تاب أو لم يتب.
قال فيه وفي العتبية (4): وإن قذفه أحد لم يحد له، عاد إلى الإسلام أو لم يعد. وإن قذفه قبل ردته فإن قتل مرتداً فلا حد على قاذفه، وإن تاب حد له. (قال محمد: لا يحد قاذفه، عاد إلى الإسلام أو قتل، كمن قذف عفيفاً، ثم زنى يحد له) (5)
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 421 - 422.
(2) في ص: فإن كان أسلم.
(3) ساقط من ف.
(4) البيان والتحصيل، 16: 422
(5) ما بين معقوفتين ساقط من ص.

(14/514)


قال محمد في المرتد يقتل مسلماً في دار الحرب أو يقذفه أو يزني ثم يوسر فليستتب، فإن لم يتب قتل وسقط حد قذفه للمسلم، وإن تاب سقط عنه كل شيء فعله بدار الحرب كالحربي إلا من وجد معه (1) ماله بعينه أخذه، وما لم يوجد لم يتبع به وإن قامت عليه بينة، ملياً كان أو معدماً.
وقال ابن القاسم في حربي قدم أو أسر فأسلم ثم ارتد ورجع إلى دار الحرب ثم أسر وقد قتل رجلاً قبل كفره، قال محمد: فإنه يستتاب فإن تاب وقد قتله بدار الحرب فلا قصاص عليه ولا دية، وإن كان قتله إياه في دار الإسلام (2) دفع إلى أوليائه فقتلوه إن شاءوا أو عفوا.
قال محمد: فإن كان قد قتل أحداً قبل أن يرتد فعليه جلد مائة وحبس سنة، وإن قتله في ردته لم أضربه ولو أحبسه.
قال مالك: وكذلك الخوارج يتوب أحدهم قبل يقدر عليه وكل من خرج على التأويل. وأما المحارب فلا يستتاب، ولكن إن تاب قبل سقدر عليه لم يلزمه شيء للحرابة، ولزمه حقوق الناس.

في المرتد إذا تاب هل يعيد شيئاً من فرائضه
وما الذي يلزمه من فروض الشريعة
من قبل ردته أو في حين ردته
من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: إذا تاب وضع عنه ما كان من زنى متقدم وما كان من إحصان. قلت: فما كان فرضً فيه متقدماً من صلاة
__________
(1) عبارة ص مصحفة: من في الآذان من وجده بعده.
(2) في ص: إياه بعد الإسلام. وهو تصحيف.

(14/515)


أو زكاة أو قضاء رمضان أو زنى متقدم؟ قال: إذا تاب سقط ذلك، لقول الله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) (1) وكذلك كل ما كان لله من حقوق الناس التي يحكم بها السلطان فيما بينهم، ولا فرية ولا سرقة – يريد لا يأخذه بذلك الإمام فيما كان (2) للناس. قال: وتسقط بردته حجة الإسلام وجهاده ويسقط إحصانه، وكذلك المرأة. وكنصراني أسلم فلا يؤخذ إلا بما كان يلزمه إذا فعله وهو مشرك من سرقة وفرية وحد وحق من حقوق الناس. وما كان للناس من قذف في الردة أو قبل الردة، فقال ابن القاسم: فلمن قذفه أن يأخذه بذلك، وإن كان هو المقذوف فلا شيء له، إلا أن يكون فيما قذف به قبل الردة فله القيام به إذا رجع إلى الإسلام، وإن قتل فلا حد له.
قال ابن القاسم: ويسقط عنه أيمانه بالله وبالعتق إذا تاب إلا الظهار (3) فيلزمه كما يلزمه الطلاق. قال محمد: ولم يعجبنا قوله في الظهار.
قال مالك: وما طلق في ارتداده أو أعتق فلا يلزمه، وما طلق قبل الردة أو أعتق فإنه يلزمه. قال أصبغ: لو كان ثلاثاً لم تحل له إلا بعد زوج، كانت مسلمة أو كتابية على الدين الذي ارتد إليه أو غيره. وأما أيمانه قبل الردة بالطلاق والعتق والمشي فلا تلزمه الآن.
قال ابن حبيب قال أصبغ: وكل ما ترك في ردته من الفرائض فلا شيء عليه فيه إذا تاب. وأما ما فرط فيه قبل ردته من صلاة وصيام وزكاة وغيرها من فرائضه، فإن تاب فيلزمه قضاء ذلك، وكذلك يلزمه مل طلق من نسائه قبل الردة، إلا فيمن أبت أن لا ينكحها إلا بعد زوج، وخالفه ابن
__________
(1) الآية 38 من سورة الأنفال.
(2) عبارة ص مصحفة: ولا سرقة في أخذه فذلك للإمام ما كان.
(3) صحف في ص: إذاب الانتحار.

(14/516)


حبيب في قضاء الشرائع، وقال بقوله في الطلاق والحدود إنه إن زنى أو سرق في إسلامه ثم ارتد ثم تاب أنه يؤخذ بذلك. وكذلك فيما كان شرب من الخمر وركوب الفواحش.
ولو سقط عنه ذلك لم يشأ أحد من أهل الجرأة والفسق أن يركب ذلك كله ثم يكفر بلسانه ويقول: أنا أعتقد الإيمان بقلبي وأعاوده بلساني فيزول ذلك كله عني إلا فعل، ويستبيح (1) بذلك من أبت نسائه، وهذا فساد وذريعة إلى الحيلة.
قال ابن المواز: وإذا ارتد وهو محرم انفسخ إحرامه، فإن كان تطوعاً لم يلزمه، وإن كان فرضاً أو كان قد حج الفريضة قبل ذلك، فإنه لابد من استئناف حج الفريضة. ولو ارتد في رمضان وقد صام بعضه أو أفطره لم يلزمه قضاء، وإن أسلم (2) في بقية منه صام ما بقي.
ومن العتبية (3) قال ابن القاسم (4) في المرتدة لا يحل لزوجها وطؤها وهي في الردة، ولا يحل له إذا تابت إلا بنكاح (جديد) (5) ولا تحل ذبيحته ولا يقام عليه حد الزنى والخمر، فعله في ردته أو قبل ذلك. ويقام عليه (6) بعد توبته حد الفرية والسرقة، فعل ذلك في ردته أو قبلها. وإذا لم يتب لم يقطع في السرقة ويحد في القذف.
ومن كتاب ابن المواز: ولا تقتل المرتدة إن كان لها زوج حتى تستبرأ بحيضة، وإن لم يكن لها زوج قتلت إلا أن تدعي حملا (7) يختلف فيه أو يشك فتستبرأ بحيضة.
__________
(1) في ص: ويفسح. وهو تصحيف.
(2) صحف كذلك في ص: وإن أفطر.
(3) البيان والتحصيل، 16: 436.
(4) في ص: قال الشيخ.
(5) ساقط من ص.
(6) في ص: ويقال عليه. وهو تصحيف.
(7) كلمة مطموسة.

(14/517)


وفي باب جناية المرتد شيء من معاني هذا الباب فيما يلزم المرتد إن تاب من الحدود.
وإن زنى أو قذف في حال ردته لم يحد في الزنى كان قبل توقيف السلطان أو بعده، تاب أو لم يتب (1)، فليحد ثم يقتل إن لم يتب. وإذا أقر بجرح عمداً لزمه، وإذا حوصر حصن ففتح فوجد فيه مرتداً فقال: ارتددت بعد فتح الحصن، وقال أصحابه قبل فتحه، فالقول قول المرتد لأنه عرف بالإسلام إن تاب أخذ سهمه وإن قتل فسهمه لبيت المال. وإن ارتد قبل الحصار وقبل القتال فلا سهم له وإن تاب. وإن وجدت له امرأة فقال: تزوجتها في ردتي، وقالت بعد أن رجع إلى الإسلام فهي مصدقة.
قلت: لم وقد عرف أن إسلامه بعد ردة؟ قال: ليس من هذا ولكن من باب مدعي الحلال، وليفسخ نكاحه بكل حال بإقراره، ولها نصف الصداق، يريد إن لم يطأها.

في الحكم في الزنا دقة وتوبتهم
وفي الذي يتزندق (2)
من كتاب ابن المواز وابن سحنون قال مالك وأصحابه: يقتل الزنديق ولا يستتاب إذا ظهر عليه.
قال سحنون في كتاب ابنه، وقاله ابن القاسم في كتاب ابن المواز والعتبية (3) من رواية عيسى، ونحوه عن أصبغ: فكل من أسر الكفر ديناً
__________
(1) في ف: تاب أو قتل.
(2) هذا الشطر الثاني في العنوان لا يوجد في ف.
(3) البيان والتحصيل، 16: 406 – 407.

(14/518)


خلاف ما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو منانية أو غيرها من صنوف الكفر. وكذلك من أسر عبادة شمس أو قمر أو نجوم ثم اطلع عليه، فليقتل ولا تقبل توبته.
قال مالك: إن توبته لا تعرف، وإنما تقبل توبة من أظهر الكفر.
قال ابن المواز: ومن أظهر كفره من زندقة أو كفر برسول الله صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك ثم تاب منه قبلت توبته. وقول الليث في الزنديق مثل قول مالك.
ومن كتاب ابن سحنون وغيره قال مالك: وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: من غير دينه فاضربوا عنقه، يعني من أسر، وأما من أعلن الكفر فهو كأهل الردة الذين قبل أبو بكر توبتهم.
قال سحنون: فلما كان الزنديق إنما يقتل على ما أسر لم تقبل توبته، لأن ما يظهر لا يدل على ما أسر (1)، لأنه كذلك كان، فلا عمل (2) على توبته، والمرتد إنما يقتل على ما أظهر، فإذا تاب بظاهر فصح بها (كذا) ما أظهر من الكفر، ولا خلاف بين العلماء في المجاهر بالفساد والسفه تقبل توبته ويصير إلى العدالة (3)، وأن من كان مشهوراً بالعدالة فثبت أنه يشهد بالزور يسر ذلك أنه لا تقبل شهادته وإن أظهر الرجوع عمل ثبت عليه.
قال غيره من البغداديين من أصحابنا: الزنديق مبطل (4) في توبته بما أبطن من الكفر الذي لا علم لنا على الرجوع عنه، وقد أمرنا بقبول توبة
__________
(1) في ص: لأن ما يظهر لا يرى على ما يسر. وهو تصحيف.
(2) صحف كذلك في ص: فلا علم.
(3) في ص: إلى الحرابة. وهو تصحيف.
(4) كذا في ص. وفي ق ما يشبه: منصور. وكلاهما غير ظاهر المعنى.

(14/519)


المحارب المظهر للفساد، وأزالت التوبة عنه حد الحرابة (1) ولم يزل الله بتوبة المنستر (2) للزنا والسرقة ما لزمهما من الحد.
ولا حجة لمن احتج بالمنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يعلمهم، فلم يأخذهم بعلمه، ولا يحكم الإمام بعلمه. وقد نهاه الله عنهم فقال: أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم (3) ولم يأت أن بينة شهدت عنده على منافق بباطنه فتركه.
قال أصبغ في العتبية (4): وإذا أقر الزنديق بالزندقة ثم قال: أنا تائب عنها، فإن أقر قبل يظهر (5) عليه فعسى (6) أن تقبل توبته، وأما بعد الظهور فلا تقبل توبته ويقتل ولا يناظر بشيء.
قال: ومن أيقن برجل أنه زنديق فقتله غيلة فلا حرج عليه بينه وبين الله تعالى، ولا يسلم من السلطان (7) إلا بالبينة على زندقته فيسلم بذلك من القتل والعقوبة، ولكن يزجره (8) ويعزره فيما عجل به دونه، وهو محسن فيما بينه وبين الله تعالى.
وبلغني أنه ذكر لابن عمر أن راهباً يتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلا قتلتموه. وروي عنه في يهودي تناول من حرمة الله سبحانه غير ما هو عليه من دينه وجاهر فيه أو به فخرج عليه بالسيف فطلبه بالسيف فهرب.
__________
(1) في ص: حد المراتب. وهو تصحيف.
(2) صحف في ص: بتوبة المسيس.
(3) في ف: عنهم.
(4) البيان والتحصيل، 16: 444.
(5) صحف في ص: فإن أخذت لي بظهر.
(6) في ص: فعلمي. وهو تصحيف.
(7) صحفت عبارة ص: ولا يقتص من السلطان.
(8) في ص: ولكن يرجوه. وهوتصحيف.

(14/520)


ومن كتاب ابن سحنون قال: وكتب سحنون إلى ابن عبد الحكم يسأل له أشهب عن قوم أخذوا على المنانية، فزعموا أنه دينهم الذي كانوا عليه لا يعرفون غيره، ولم يعرف أحد أنهم كانوا على الإسلام أو كانوا يعرفون بالنصرانية ثم صار مناني، فقال: اكتب إليه في المنانية يتركون ولا يعرض لهم.
قال أصبغ في كتاب ابن حبيب: ومن تزندق من أهل الذمة لم يقتل لأنه خرج من كفر إلى كفر، وقاله مالك ومطرف وابن عبد الحكم.
وقال ابن الماجشون: يقتل لأنه دين لا يقر عليه أحد، ولا تؤخذ عليه جزية. قال ابن حبيب: وما أعلم من قاله غيره ولا أقوله.
قال مالك: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم من غير دينه فاقتلوه، يعني الدين الذي رضيه الله ودعا إليه، وأما من خرج من ملة من الكفر إلى غيرها فلم يضر ذلك. قال غيره: وكذلك روي عن علي بن أبي طالب وابن شهاب وغيره.
وفي كتاب ابن المواز عن مالك مثله في الخارج من دين الكفر إلى دين غيره من مجوسي أو كتابي. قال ابن القاسم: وكل ما في هذا الباب عن ابن الماجشون وأصبغ فمثله في كتاب ابن حبيب.

في الذمي يتزندق
قال أبو بكر بن محمد: روى عبد الرحمن بن إبراهيم الأندلسي (عن عبد الملك) (1) عن ابن الماجشون في النصراني واليهودي يتزندق أنه يقتل، لأنه خرج من ذمة إلى غير ذمة، ولو أسلم لقتل كمسلم تزندق ثم تاب.
__________
(1) ساقط من ص.

(14/521)


قال ابن عبدوس في السكران يرتد تبين منه زوجته كالصحيح، (قال) (1) وإذا قتل الساحر على سحره ورثه ورثته. وكذلك من قتل على سب النبي صلى الله عليه وسلم.

ميراث الزنديق والمنافق وأهل الأهواء
من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: بلغني عن مالك أنه رأى أن يورث الزنديق بوراثة الإسلام. قال ابن القاسم (وأشهب) (2): إذا شهد عليه بذلك فاعترف بذلك وتاب فلم تقبل توبته وقتل فلا يرثه ورثته المسلمون. وأما من لم يقر به ولم يظهره حتى قتل وتاب فإنه يورث. وكذلك من أسر كفراً فإنهم يتوارثون بوراثة الإسلام، كالمنافقين على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال في كتاب ابن سحنون قال بعض أصحابنا: إذا شهدت عليه بينة بالزندقة فأنكر أو تاب من ذلك فقتل، فإن ورثته من المسلمين يرثونه. وإذا أقر وتمادي لم يرثه أحد.
وقال ابن القاسم في العتبية (3) من رواية عيسى: إذا أعلن ما هو عليه وتمسك به وقال: اقتلوني (عليه) (4) أو دعوني، فلا ترثه ورثته، وميراثه للمسلمين كالمرتد. ولا تجوز له وصية ولا عتق. وأما من لا يستتاب ممن استتر فليرثه ورثته، وتجوز وصاياه وعتقه. وذكر مثله أصبغ
__________
(1) ساقط من ص.
(2) ساقط من ف.
(3) البيان والتحصيل، 16: 407.
(4) ساقط من ف.

(14/522)


عنه، وقاله أصبغ في كتاب توريث الزنديق بوراثة الإسلام إذا قتل وإن لم تقبل توبته.
وروى ابن نافع في العتبية (1) وكتاب ابن المواز: ميراث الزنديق للمسلمين يسلك بماله مسلك دمه. قال ابن المواز وسحنون وقاله أشهب، وبخلاف المنافقين لأن أولئك قد تركوا ونوكحوا. قال سحنون في العتبية وقاله ابن عبد الحكم.
وروى ابن القاسم في العتبية عن مالك وكتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون في رجل سأله عن أب له مات على الزندقة، قال: قال في كتاب ابن سحنون وكتاب ابن حبيب قد علمت ذلك منه. ومن كتاب ابن حبيب قال في العتبية (2) وكتاب ابن المواز إنه كان يعبد الشمس. قال ابن القاسم: يعني يسر ذلك، هل أرثه؟ فقال له مالك: نعم ترثه، وقال به أصبغ وقال: سواء قتل على ذلك أو مات ولم يظهر عليه، فإنه يرثه ورثته من المسلمين. قال أبو محمد: يعني بقوله قتل على ذلك وهو منكر أو تائب، فأما إن أقر به حتى قتل فلا يورث عند أحد.
قال سحنون قال عبد الملك: سبيل ماله سبيل دمه، وماله للمسلمين، وهو قول أشهب والمغيرة، وبه أقول. وفرق المغيرة بينهم وبين المنافقين، إن أولئك أقروا بعد معرفة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: وقد ذكرت حجة غيره من البغداديين وما اعتل به في المنافقين في الباب الأول.
قال ابن المواز: إن المنافقين لو أظهروا نفاقهم لقتلهم رسول الله صلى اله عليه وسلم.
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 442.
(2) البيان والتحصيل، 16: 443.

(14/523)


قال سحنون: لا وصية للزنديق في ماله إن قتل، يريد سحنون لأن ماله لا يورث.
ومن كتاب ابن المواز: ومن شهد عليه أنه يأتي الكنيسة ليصلي فيها وهو منكر لذلك يظهر الإسلام فإنه يقتل ويرثه المسلمون. وأما من أظهر ديناً غير الإسلام من زندقة أو كفر برسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عليه فمرتد يقتل إن لم يتب، وماله فيء. ومن تاب مما كان يظهره يترك، وإن لم يتبع قتل ولا يورث ولا يصلى عليه.
وإن كان إنما قتل على ما كان يسره فإنه يرثه ورثته، ولا نأمرهم بالصلاة عليه، فإن فعلو فهم أعلم.
قال فيه وفي العتبية (1) قال ابن القاسم: ومن قال في مرضه لم أكن مسلماً وكنت أرامي فإنه لا يرثه ورثته المسلمون ولا غيرهم، وقاله مالك فيمن كفر في مرضه.
ومن العتبية (2) رواية عيسى عن ابن القاسم، وهو في كتاب ابن سحنون (عن أصبغ وسحنون، وذكره ابن حبيب عن أصبغ، وفي كتاب ابن المواز عن ابن القاسم ونحوه) (3) وذكر نحو ذلك كله ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ أن كل من يستتاب ممن أظهر كفره وثبت عليه فقتل أو مات، فماله فيء لا يرثه ورثته من المسلمين ولا من أهل الدين الذي ارتد إليه. وأما من أسر ذلك فقتل فيرثه ورثته المسلمون. وأما أهل الأهواء من الإباضية والقدرية وغيرهم من أهل التحريف لكلمة الله (4) فإنهم يستتابون، أظهروا ذلك أو أسروه. وقاله كله سحنون، إلا في
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 442 وفيه في آخر السؤال: كفر عند موته بدلاً من في مرضه.
(2) البيان والتحصيل، 16: 407.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(4) في ص: من أهل التهم بسبب كتاب الله؟

(14/524)


استتابة أهل الأهواء وقتلهم فإنه قال: إنما تأويل قول مالك في ذلك فيمن يأتون بدارهم ويدعون إلى بدعتهم. وما أقل من يعرف تأويل قول مالك في هذا، ولم يقاتلهم علي رضي الله عنه حتى يؤتوا بدارهم، وكذلك عمر بن عبد العزيز وهو معنى قةله فيهم.
وفي كتاب ابن حبيب عن مالك كل ما ذكر عنه هاهنا.
فيمن سب الله سبحانه وتعالى أو أحداً من ملائكته
أو من أنبيائه ورسله من مسلم أو ذمي
وذكر ميراثه ومن شتم أحداً من الصحابة
وفيمن تكلم بكلام يشبه الكفر ولم يقصد إليه
ومن كتاب ابن حبيب قال ابن القاسم عن مالك، وذكره ابن سحنون عن أبيه عن ابن القاسم، وذكره عنه ابن المواز فيمن شتم الله تبارك وتعالى من اليهود والنصارى بغير الوجه الذي به كفروا، قتل ولم يستتب. قال ابن القاسم: إلا أن يسلم.
قال أصبغ في كتاب ابن حبيب: لأن الوجه الذي به كفروا ما افتروا عليه من الصاحبة والولد والشريك وشبهه، فهو دينهم الذي أقروا عليه، وعليه أدوا الجزية. وأما غيره من الفرية والشتم فلم يعاهدوا عليه، فهو نقض للعهد. وأما من تزندق منهم فلا يقتل، لأنه خرج من كفر إلى كفر، وقاله مالك: وقاله أيضاً مطرف عنه، وقاله ابن عبد الحكم.
قال ابن الماجشون: يقتل لأنه دين لا يقر عليه أحد، ولا تؤخذ على مثله الجزية. قال ابن حبيب: ولم أعلم من قاله غيره ولا أخذ به.

(14/525)


قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز وابن سحنون: ومن سب الله سبحانه من المسلمين قتل ولم يستتب (إلا أن يكون افترى على الله سبحانه عز وجل بارتداد إلى دين دان به فأظهره فيستتاب) (1)، وإن لم يظهر قتل ولم يستتب.
قال ابن القاسم عن مالك في كتاب ابن سحنون وقاله ابن حبيب عن مطرف عن مالك، ومثله في العتبية (2) عن عيسى عن ابن القاسم عن مالك: أن من شتم النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين قتل ولم يستتب. قال ابن القاسم في العتبية: أو شتمه أو عابه أو نقصه فإنه يقتل كالزنديق (وميراثه لمسلمين. قال في هذه الكتب: وهو كالزنديق) (3) لا تعرف توبته، وقد فرض الله تعزيره وتوقيره. قال في كتاب ابن سحنون: قال الله سبحانه وتعالى: (والذين آمنوا به وعزروه ونصروه) (4) فمن شتمه كان بمنزلة من أدركه فلم يعزره ولم ينصره في (5) ديناً، ومن لم ينصره لم يؤمن به.
قال سحنون: وميراثه للمسلمين، وقال أصبغ: ميراثه لورثته إن كان مستتراً، وإن كان مظهراً فماله للمسلمين (ويقتل على كل حال ولا يستتاب، لأن توبته لا تعرف) (6).
قال ابن القاسم في العتبية (7) وكتاب ابن سحنون وابن المواز: ومن شتم النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب قتل إلا أن يسلم. قال سحنون وأصبغ: لا يقال له أسلم ولا تسلم، ولكن إن أسلم فذلك توبة له.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(2) البيان والتحصيل، 16: 397.
(3) ما بين معقوفتين ساقط أيضاً من ص.
(4) الآية 157 من سورة الأعراف.
(5) كلمتان لا تقرآن.
(6) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(7) البيان والتحصيل، 16: 397.

(14/526)


قال ابن القاسم: ومن شتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال سحنون وأصبغ: أو أحداً منهم أو تنقصه قتل ولم يستتب، كمن شتم نبياً عليه السلام. قال اله سبحانه: (لا نفرق بين أحد منهم) (1).ومن شتمهم من أهل الذمة قتل إلا أن يسلم. وكذلك في كتاب ابن حبيب، كله عن مالك وابن القاسم وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ.
قال ابن القايم عن مالك في هذه الكتب كلها: في قبطي بمصر قال: مسكين محمد يخبركم أنه في الجنة فهو الآن في الجنة فماله لم يغن عن نفسه حين كانت الكلاب تأكل ساقيه، قال في العتبية (2): لو كانوا قتلوه استراحوا منه. قال مالك: أرى أن تضرب عنقه.
(قال أبو محمد) (3) أخبرنا عبد الله بن مسرور عن عيسى بن مسكين عن سحنون عن ابن القاسم أنه قال: من شتم الأنبياء من المسلمين قتل. ومن شتمهم من اليهود والنصارى يعني بغير الوجه الذي كفروا به، ضربت عنقه، إلا أن يسلم.
ومن كتاب ابن سحنون: وفرقنا بين من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين ومن سبه من أهل الكتابين فلم يزل القتل عن المسلم في ذلك بالتوبة، وقلنا في الكتابي إنا نقتله إلا أن يسلم فندعه، وذلك أن المسلم لم ينتقل من دينه إلى غيره، إنما فعل شيئاً حده عندنا القتل ولا عفو فيه لأحد، وكان كالزنديق الذي لا تقبل توبته إذ لم ينتقل من ظاهر إلى ظاهر. والكتابي كان على الكفر، فلما انتقل إلى الإسلام بعد أن سب النبي صلى الله عليه وسلم غفر له ما قد سلف، كما قال الله سبحانه.
وسب النبي صلى الله عليه وسلم هو من حدود الله لا عفو فيه للعباد، فزال بالإسلام.
__________
(1) الآية 84 سورة آل عمران.
(2) البيان والتحصيل، 16: 397.
(3) ساقط من ف.

(14/527)


ولما كان الحد فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين القتل، ولا يجوز أن يساوي بين حرمته وحرمة غيره من أمته. فإذا ثبت هذا لابد من التفاضل بينه وبين أمته فيمن سبه من أهل الذمة أو سبه مسلم. فكان حده القتل في المسلم والذمي.
فإن قيل: فلم قتلتم الذمي بذلك، ومن دينه سب النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبه؟ قيل: إنا لم نعطهم العهد على ذلك ولا على قتلنا وأخذ أموالنا، فلو قتل واحداً منا لقتلناه وإن كان ذلك من دينه استحلالاً لدمائنا، فكذلك سب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أظهره.
قال سحنون: وكما لو بذل لنا أهل الحرب الجزية على أن نقرهم على إظهار سب النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز في قول قائل ذلك، وجاز لنا حربهم، دل ذلك على أن العهد ينقض بيننا وبينهم بسبهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ويحل لنا دمهم كما يحل لنا دم من بذل لنا الجزية على ذلك، ولم يوجب لهم ذلك الكف عن دماءهم في قول الله تعالى (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) (1) فكما لم تجب لهم الذمة على هذا، فكذلك تنقض الذمة إذا .. (2) ولو حصنته الذمة من القتل بسبه النبي صلى الله عليه وسلم لحصن المسلم إسلامه من القتل على ذلك، وليس لك حجة بأن ذلك من ديانة الذمي، كما أن من ديانته قتلنا، فإذا قتلنا زالت ذمته.
فإن قال قائل: فهو إذا أسلم وقد سب النبي صلى الله عليه وسلم تركتموه، وإذا أسلم وقد قتل مسلماً قتلتموه؟
قلت لأن هذه من حقوق العباد لا تزول بإسلامه، وذلك من حقوق الله تزول بالتوبة من دينه إلى ديننا (3).
__________
(1) الآية 29 من سورة التوبة.
(2) كلمة مطموسة.
(3) هنا في ف إقحام فقرة عن قضية الراهب الذي ذكر عند ابن عمر. وقد تقدمت.

(14/528)


قال عبد الله أخبرنا عبد الله بن مسرور (1) قال حدثنا محمد بن الربيع بن سليمان عن أحمد بن مروان عن إسماعيل الترمذي عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب عن مالك قال: من قال إن رداء النبي صلى الله عليه وسلم وسخ أراد به عيبه قتل.
أخبرنا عبد الله بن مسرور (2) عن عمر بن يوسف عن محمد بن وضاح عن ابن أبي مريم فيمن عير رجلاً بالفقر فقال: تعيرني بالفقر وقد رعى النبي صلى الله عليه وسلم الغنم. فقال مالك: قد عرض بالنبي صلى الله عليه وسلم في غير موضعه، فأرى أن يؤدب. قال: ولا ينبغي إذا عوقب أهل الذنوب أن يقولوا قد أخطأت الأنبياء قبلنا.
وقال عمر بن عبد العزيز لرجل انظر لنا كاتباً يكون أبوه عربياً، فقال كاتب له: قد كان أبو النبي صلى الله عليه وسلم كافراً، فقال له: أجعلت هذا مثلاً؟ فعزله وقال: لا تكتب لي أبداً.
وفي باب الحكم في المرتدين (3) قول ابن عمر فيمن سب الله أو رسوله من أهل الكتاب.
ومن العتبية (4): سئل سحنون: عمن تقاضى غريمه فأغصبه فقال له: صل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له الطالب: لا صلى الله على من صلى عليه، هل هو كمن شتم النبي صلى الله عليه وسلم أو شتم الملائكة الذين يصلون عليه؟ فقال: لا إذا كان على ما وصفت من وجه الغضب (والضيق
__________
(1) في ص: مسروق.
(2) في ص: أخبرنا منصور.
(3) كذا في ص وهو الصواب. وفي ف: الزنديق.
(4) البيان والتحصيل، 16: 419.

(14/529)


لأنه لم يكن مضمراً على الشتم وإنما تكلم على الغضب) (1). قال أبو بكر قال يحيى قال أبو إسحاق البرقي: قال أصبغ: لا يقتل لأنه إنما شتم الناس. وذهب الحارث وغيره في مثل هذا إلى القتل.
وكل من شتم نبياً من الأنبياء قتل، وإن تاب لم يقبل منه إلا أن يكون ذمياً. (قال) (2) وكذلك إن شتم غيره من الأنبياء أو ملكاً من الملائكة.
وروى عيسى عن ابن القاسم في الكتابي (والمجوسي) (3) الذي يقول: إن محمداً لم يرسل إلينا وإنما (أرسل إليكم، وإنما) (4) نبينا موسى أو عيسى أرسل إلينا ونحو هذا فلا شيء عليهم، لأن الله تبارك وتعالى أقرهم على مثل ذلك على أخذ الجزية.
وأما إن سبه فقال: ليس بنبي أو لم يرسل أو لم ينزل عليه قرآن وإنما هو شيء يقوله ونحو هذا، فهذا يقتل. والمسلم إذا قال مثل ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يقتل به.
ومن سماع ابن القاسم عن رجل نادى رجلاً باسمه فأجابه: لبيك اللهم لبيك؟ فإن كان جاهلاً أو قاله على وجه السفه فلا شيء عليه.
وقال سحنون في الرجل يقول عند التعجب من الشيء صلى الله عليه وسلم، قال ذلك مكروه، ولا ينبغي أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إلا على سمة الاحتساب ورجاء الثواب.
وروى عيسى عن ابن القاسم في نصراني قال ديننا (خير) من دينكم وإنما دينكم دين الحمير ونحو ذلك من القبيح، ومثل قول النصراني للمؤذن إذا قال أشهد أن محمداً رسول الله، قال: كذلك يضيعكم (5) الله قال: هذا
__________
(1) ساقط من ف
(2) ساقط أيضاً من ف.
(3) ساقط من ف.
(4) ساقط من ص.
(5) في ف ما يشبه: يعطكم.

(14/530)


فيه الأدب الوجيع والسجن الطويل. أما إن شتم النبي صلى الله عليه وسلم شتماً يعرف فإنه يقتل إلا أن يسلم. قال مالك: يقول الله تعالى (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) (1).
قال عيسى في الذي سمع ذمياً يشتم النبي صلى الله عليه وسلم فاغتاظ فقتله، فإن كان شتماً يجب به عليه القتل وثبت ذلك ببينة فلا شيء عليه، وإن لم يثبت ذلك عليه أو شتمه شتماً لا يلزمه به القتل فعليه نصف ديته، ويضرب مائة ويحبس سنة، وهذا في باب آخر قد كرر.
وقال مالك: ومن شتم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو ابن العاص، فأما إن قال إنهم كانوا على ضلال وكفر فإنه يقتل، ولو شتمهم بغير ذلك من مشاتمة الناس فلينكل نكالاً شديداً.
قال: وإن قال: إن جبريل أخطأ بالوحي استتيب، فإن تاب وإلا قتل.
وفي كتاب ابن سحنون (قال سحنون) (2) وكتب إلى بعض أصحابنا: ومن كفر أحداً من الصحابة، كفر علياً أو عثمان أو غيره من الصحابة فأوجعه جلداً.
ورأيت في مسائل رويت عن سحنون من كتاب موسى: أن من قال في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي إنهم كانوا على ضلالة وكفر فإنه يقتل، ومن شتم غير هؤلاء من الصحابة بمثل هذا فعليه نكال شديد.
قيل فيمن قال أخطأ جبريل بالوحي، إنما كان النبي علي بن أبي طالب، قال: يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
__________
(1) الآية 38 من سورة الأنفال.
(2) ساقط من ص.

(14/531)


باب (1)
في المتنبي والساحر
ومن تنبأ من أهل الكتاب أو قال بعد نبيكم نبي
من العتبية (2) روى عيسى عن ابن القاسم، ورواه ابن حبيب عن أصبغ عنه فيمن تنبأ أنه يستتاب، أسر ذلك أو أعلنه. وهو إذا دعا إلى ذلك سراً فقد أعلنه، فإن لم يتب قتل، وميراثه للمسلمين كالمرتد.
وكذلك في كتاب ابن المواز عن ابن القاسم قال أصبغ في كتاب ابن سحنون ومن لم يعلن كفره حتى شهد به عليه (قتل) (3) ولم يستتب.
ومن كتاب ابن سحنون: وكتب سحنون إلى ابن عبد الحكم يسأل له أشهب عن اليهودي يزعم أنه نبي أو أنه رسول إلينا، أو قال: بعد نبيكم نبي، قال: إن كان معلناً بذلك استتيب إلى الإسلام، فإن تاب وإلا قتل.
قال سحنون في العتبية (4): ومن تنبأ وزعم أنه يوحى إليه استتيب، فإن تاب وإلا قتل.
قال ابن المواز: ومن قول مالك وأصحابه: أن الساحر كافر بالله، فإذا سحر هو بنفسه فإنه يقتل ولا يستتاب. والسحر كفر. قال الله تعالى (حكاية عن هاروت وماروت) (5) (إنما نحن فتنة فلا تكفر) (6).
__________
(1) كذا في ف وفي ص: القول في المتنبي.
(2) البيان والتحصيل، 16: 421.
(3) ساقط من ص.
(4) البيان والتحصيل، 16: 421.
(5) ساقط من ص.
(6) الآية 102 من سورة البقرة.

(14/532)


وقال مالك: هو كالزنديق إذا عمل السحر هو نفسه. قال الله سبحانه: (ولقد علما لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق) (1) وقد أمرت حفصة في جارية لها سحرتها أن تقتل فقتلت.
قال ابن عبد الحكم وأصبغ: هو كالزنديق ميراثه لورثته المسلمين، وإن كان للسحر أو الزندقة مظهراً استتيب فإن لم يتب قتل وكان ماله في بيت المال، ولا يصلى عليه بحال. وأما الذي يسر ذلك إذا قتل فيرثه ورثته ولا آمرهم بالصلاة عليه، فإن فعلوا فهم أعلم.
قال مالك: ولا يقتل الساحر إن كان من أهل الذمة، إلا أن يكونوا أدخلوا بسحرهم ضرراً على المسلمين، فيكون نقضاً للعهد، فإن تاب فلا توبة له إلا الإسلام.
قال مالك وإن سحر بذلك أهل ملته (2) فليؤدب إلا أن يقتل أحداً فيقتل به.
قال سحنون في العتبية (3) في الساحر من أهل الذمة إذا عثر عليه فإنه يقتل إلا أن يسلم فيترك كمن سب النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا ذهب المسلم إلى من عمل له السحر فليؤدب أدباً موجعاً.
قال مالك من رواية ابن وهب قال: ويقتل الساحر إن كان مسلماً، سحر مسلماً أو ذمياً. وإن كان الساحر ذمياً قتل إن آذى به مسلماً، وإن آذى ذمياً (أدب) (4) إلا أن يقتله فيقتل به.
__________
(1) من نفس الآية 102 من سورة البقرة.
(2) في ص: أهل ذمته. وهو تصحيف.
(3) البيان والتحصيل، 16: 443.
(4) ساقط من ص.

(14/533)


قال: ومن أطعم رجلاً ما أذهب به عقله فليس هذا من السحر وليؤدب، ويطال سجنه.
وأما الذي يقطع لسان رجل أو يدخل السكاكين في جوف نفسه، فإن كان هذا سحراً قتل، وإن كان خلافه عوقب.
قال: والذي يسحر الرجل والمرأة حتى يتبع (1) أحدهما صاحبه: إن كان هذا من سحر قتل، وإن لم يكن من سحر أدب.
قال: ومن غلا في النجوم فيقول: فلان يقدم غداً أو يكسف القمر غداً فليزجر، فإن عاد أدب أدباً شديداً. ولو علم ذلك أحد لعلمه الأنبياء. وما علم النبي صلى الله عليه وسلم بالشاة المسمومة حتى أكل منها.
قال أشهب عن مالك في التي أطعمت إنساناً ملحاً أذهب عقله، فمرة فيفيق ومرة يذهب عقله فينبح ويرعد، وقالت لا أقدر على زواله عنه، قال هي محفوفة بكل سواء، أما القتل فلا أدري.
وقد كتبت هذا في باب المحاربين.
وقال: فيمن نصب نفسه إلى شيء من (علم) (2) الكهانة فيخبر بمن سرق متاعاً لرجل وموضعه ويخبره بما يجد في سفره، أو يطعم السارق الطعام ليخرج له السرقة، فليؤدب هؤلاء ويحبسوا حتى يتوبوا.
قال: والعبد المكاتب إذا سحر سيده قتل، ويلي ذلك منه السلطان إذا كان السحر الذي قال الله سبحانه. قال أصبغ: فيكشف ذلك حتى تعرف حقيقته، ولا يحل لسيده ولا لغيره قتله.
__________
(1) كذا في ف. وفي ص: يبيع.
(2) ساقط من ف.

(14/534)


وقد سحرت عائشة جاريتها واعترفت فلم تقتلها وباعتها ممن يسيء ملكها. قال غيره: إنما فعلت ذلك عائشة حين كانت يجب عليها القتل عندها لو رفع ذلك إلى السلطان وصح عنده.
وإذا سحرت المدبرة أو المكاتبة فلم يرفع أمرها إلى السلطان، فليس لربها أن يبيعها لما فيها من عقد التدبير أو الكتابة، وليس له حلها، وليس لأحد ما لعائشة في ذلك.
قال محمد: والسحر كفر، فمن أسره وأظهر الإسلام فظهر عليه قتل وإن أظهره فكمن أظهر كفره. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: يضرب ضربة يفرق بها بين الحق والباطل.
وقتل ساحر في زمان زياد بن أبي سفيان كان يدخل حصاة في دماغه ليخرجها من فيه، ويأخذ الثوب فيخرقه ثم يأتي به على حاله ونحو هذا، وكتب عمر: أن اقتلوا (كل ساحر) (1) وفرقوا بين المجوسي وذوات المحارم في كتاب الله، وامنعوهم الزندقة. ولم يكن عمر يأخذ الجزية من المجوس حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر.
وقال ابن المسيب وابن شهاب: يقتل الساحر. قيل لابن شهاب: فمن سحر من أهل الكتاب فلم يقتله. وكذلك قال مالك، إلا أن يدخل بسحره على المسلمين ضرراً.
__________
(1) ساقط من ف.

(14/535)


في منع الزكاة وترك الصلاة
أو ترك فريضة من فرائض الله سبحانه

من العتبية (1) من رواية عيسى عن ابن القاسم عن مالك فيمن قال لا أصلي، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل. ومن قال لا أتوضأ ولا أصلي فكذلك يستتاب، وكذلك إن قال لا أصوم رمضان. وأما إن قال لا أؤدي الزكاة فلتؤخذ منه أحب أو كره. ومن قال: لا أحج فأبعده الله ولا يجبر على ذلك.
قال أصبغ: ومن أقر أن الصلاة عليه مفروضة وقال: لا أصلي فإنه يقتل، وقاله عبد العزيز ابن أبي سلمة. قال أصبغ: وإصراره على أن لا يصلي كالجحد بها وإن أقر بها. (وبلغني أن ابن شهاب قال: إن خرج وقتها ولم يصل قتل. وإن جحد الزكاة قتل، وإن أقر بها وأبى) (2) أن يؤديها أخذت منه كرهاً، ويضرب إن امتنع ودافع، فإن دافع في جماعة قوتل هو ومن معه، وقتل كل من دافع عنها، كفعل الصديق في أهل الردة إذ منعوا الزكاة. ومن جحد الوضوء أو الغسل من الجنابة قتل، ومن أقر بذلك وقال لا أفعله قتل كالجاحد. وكذلك إن قال لا أصوم. ومن قال لا أوتر أدب أدباً وجيعاً حتى يصليها وأما ركعتا الفجر فلا، وهما أخف شئناً، والوتر سنة.
وقال موسى ابن معاوية عن معن بن عيسى قال: كتب إلى مالك في قوم بالمغرب يصلون ركعتين ويجحدون السنة ويقولون لا نجد إلا ركعتين، قال مالك: يستتابون فإن لم يتوبوا قتلوا.
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 393.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ص.

(14/536)


قال ابن حبيب فيمن منع الزكاة وهو مقر بها فلتؤخذ منه كرهاً، ولا يخرجه ذلك من الإيمان. وإن كذب بها فهو مرتد يستتاب ثلاثاً، ولا ينفعه إقراره بغيرها من الفرائض، أخذت منه كرهاً أو لم يؤخذ.
وإذا كان مانع الزكاة ممتنعاً من السلطان فلا يصل إليه، فهو بمنعه إياها كافر، كان بها مقراً أو جاحداً، وليجاهده السلطان حتى يأخذها منه كما فعل الصديق بالذين منعوا وقالوا: أخية الجزية ولم يطيبوا بها نفساً ورضوا بإقامة غيرها من الشرائع.
قال: ولا تسبى ذراريهم كذراري المرتدين. وأما تارك الصلاة إذا أمره الإمام بها فقال: لا أصلي فليقتل ولا يؤخر إلى ما بينه وبين آخر وقتها، (وليقتل لوقته.) (1) قال: وهو بتركها كافر، تركها جاحداً أو مفرطاً أو مضيعاً أو متهاوناً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة (2). وكذلك أخوات الصلاة.
وأما من رفع إلى الإمام فقال: أنا أصلي تركه، فإن عاد إلى تركها فرفع إليه أمره بها فرجع فقال أنا أصلي فليعاقبه ويبالغ فيه بالضرب والسجن حتى تظهر توبته ولزومه الصلاة.
وإن قال عند إيقافه له: لا أصلي قتله وإن أقر بها ولم يستتب، ولا يؤخره عن وقت تلك الصلاة ساعة إلا ما بينه وبين آخر وقتها. وكذلك من قال: لا أتوضأ ولا أغتسل من جنابة ولا أصوم رمضان، فليقتل ولا يؤخر ثلاثاً.
__________
(1) ساقط من ف.
(2) في كتاب الإيمان من صحيح مسلم، وفي سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه والدرامي، ومسند أحمد. بألفاظ متقاربة.

(14/537)


ولو عمل الشرائع كلها وزعم أن الله لم يفرضها استتيب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل. وكذلك إن قال: ليس الحج مفترضاً، وإن أقر بفرضه وقال لا أفعله ترك وقيل له: أبعده الله، وقاله كل مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، ورواه ابن القاسم ومطرف عن مالك مجملا بغير تلخيص.
وافتراق الحج من غيره لأن وقته واسع ما بينه وبين آخر عمره، إن أداه كان مؤدياً لفرضه، حتى إذا مات بعد هذا ولم يحج وقع عليه اسم الكفر.
وهذا الذي ذكرنا في الخمس شرائع التي بني عليها الإسلام. كما جاء الأثر: الإيمان بالله والصلاة والزكاة والصوم والحج على المستطيع. فمن ترك واحدة منهن كان كافراً، ومن ترك سواهن من الأوامر، أو ركب ما نهي عنه فذلك ذنب إن شاء الله غفره أو عاقبه عليه.
وهذا الذي قال ابن حبيب في تكفير من أقر بفرض الزكاة أو الصوم وتركه عمداً أو تهاوناً حتى زال الوقت إنه كافر، فقول انفرد به. وقد أجمع الأئمة أنهم يصلون عليه، ويورث بالإسلام ويرث، ويدفن مع المسلمين. وما ذكر من الحديث فلم يذكر في الحديث في تارك الصلاة هل هو جحد أو تفريط ولا فسر الكفر. وفي إجماعهم على توبته والصلاة عليه ما يدل أنه لا يراد به الخروج من الإيمان كخروج المشرك بالله الجاحد له، والله أعلم.
وهذا قول الخوارج إلا من قال: لا أصلي فهذا قد رد ما دعا الله إليه عناداً. وهذا كقول أهل الردة لا نؤدي الزكاة. ومن رد على الله أمره أو على رسوله رداً مجرداً هكذا فلم يجب إلى دعوته، كما قال إبليس لا أسجد، فكان بذلك كافراً رجيماً وهو بخلاف من ترك ذلك تفريطاً وغرة ومعصية.
وروى مالك عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، وفي آخر الحديث ومن لم

(14/538)


يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة (1)، فهذا يبين معنى الديث الذي ذكر ابن حبيب، والله أعلم.

الحكم في القدرية والخوارج وأهل البدع
من كتاب ابن المواز، وهو لابن الماجشون مفسراً في كتاب ابن حبيب وغيره، قال مالك (2) في الحروري إذا لم يخرج على الإمام العدل فيدعو إلى بدعته أو يقتل أحداً لم نقتله. فأما إن قتل أحداً على دينه ذلك أخرج على الإمام العدل فيستتاب، فإن تاب قبلت منه وإلا قتل.
وكذلك الجماعة منهم، ويقتل منهزمهم، ومن أسر منهم فللإمام قتله إن رأى ذلك، وإن انقطع الحرب استتابه، وإن لم ينقطع فله قلته. وكذلك إن خاف لأهل ذلك الجمع دولة بسبب يخاف، وكذلك يجهز على جريحهم في هذا الوجه.
وأما إن كان أمر الإمام قد ظهر عليهم بيقين فلا يقتل وليستتب، فإن تاب قبل منه، وتسقط عنهم إذا تابوا الدماء والفروج والموال وكل ما فعلوا وإن كانوا أملياء، إلا من وجد ماله بعينه فليأخذه. قال: وإن لم يرجع ولم يتب قتل.
وقال عبد الملك: لا يقتل، وما علم أنه ليس من أموالهم فليرد إلى أهله إن عرفوا، ويوقف ما بقي إلى أن يؤيس من طالبه ثم يتصدق به، سواء قتل في المعركة أو بعد ذلك. وما كان معه من سلاح أو خيل أو معه من مال فهو لورثته ميراثاً (عنه) (3) وكذلك قال عبد الملك عن مالك.
__________
(1) في باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر من كتاب الصلاة من الموطأ.
(2) كذا في ص وهو الصواب وفي ف قال محمد.
(3) ساقط من ص.

(14/539)


وإن أسر وترك حتى انقطع حربهم وخمدت ريحهم وزال عسكرهم، فلا يقتل الأسير، ويستتاب ويؤدب، يريد إن لم يتب. وإن كانت حربهم قائمة فإن رأى الإمام قتل هذا الأسير لم أره خطأ، ويقتل المنهزم ولا يستتاب.
قال ابن المواز وقال مالك وأصحابه في القدرية إنهم يستتابون، فإن تابوا وإلا قتلوا. وهو قول عمر بن عبد العزيز. قال بعض أصحاب مالك أظنه عن مالك، يستتاب الإباضية والقدرية، فإن تابوا وإلا قتلوا. قال: والحرورية إذا كان الإمام عدلاً.
قال ابن القاسم: (وهذا) (1) يدل على أنهم إذا خرجوا على العدل (وأرادوا قتاله) (2) ودعوا إلى بدعتهم أن يقاتلوا.
وسئل (ابن) (3) عمير عن الحرورية فقال: أشر خلق الله عمدوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المؤمنين، فلا أحد أحق بالقتل والقتال منهم.
قال مالك: وتوبة القدري ترك ما عليه. قال: فإن قتل فميراثه (لورثته) (4)، أسر ذلك أو أعلنه.
قال مالك في القدرية والإباضية: لا يصلى عليهم، فإذا قتلوا فذلك أحرى. قال سحنون: يعني أدباً لهم، فإن طاعوا فيصلى عليهم.
قال ابن المواز: ومن قتل من الخوارج ممن استتيب فلم يتب فلا يصلى عليه الإمام، ويصلي عليه غيره من المسلمين، ويغسل ويكفن
__________
(1) ساقط من ص.
(2) كذلك ساقط من ص.
(3) بوزن عظيم – كما في الإصابة – وهو ابن عسل أو ابن سهل الحنظلي، روى قصته مع عمر الدرامي من طريق سليمان ابن يسار.
(4) ساقط من ص.

(14/540)


ويرثه ورثته، وتعتد عنه امرأتهبالإحداد وتنفذ وصيته. وكذلك قال سحنون في كتاب ابنه في جميع أهل الأهواء.
وقال أيضاً، يعني مالكاً، بترك الصلاة تأديباً لهم، ولا يخرجون من الإيمان ببدعتهم.
قيل: فقول مالك يستتاب أهل البدع؟ قال: أما من كان بين أظهرنا وفي جماعتنا فلا يقتل، وليضرب مرة بعد أخرى ويحبس، ونهى الناس عن مجالسته والسلام عليه تأديباً له. وقد ضرب عمر صبيغ ونهى عن كلامه حتى حسنت توبته. فأما من بان منهم عن الجماعة ودعوا إلى بدعتهم ومنعوا فريضة من الفرائض فليدعهم الإمام العدل إلى السنة والرجوع إلى الجماعة، فإن أبوا قاتلهم كما فعل الصديق بمن منع الزكاة، وكما فعل على بالحرورية ففارقوه وشهدوا عليه بالكفر، فلم يهجهم (حتى خرجوا ونزلوا بالنهروان فأقاموا شهراً فلم يهجهم) (1) حتى سفكوا الدماء وقطعوا الطريق فقاتلهم.
وقال عمر بن عبد العزيز: يستتابون، فإن لم يتوبوا قوتلوا على وجه البغي. فمعنى قول عمر هذا وقول مالك إنما هو فيمن خرج وبن بداره فذلك قول عمر قوتلوا على وجه البغي (يعني قول عمر هذا وقول مالك) (2) أنهم خرجوا وبانوا عن سلطانه.
قال سحنون: ولا تعاد الصلاة خلف أهل البدع في وقت ولا غيره، وهو قول جمع أصحاب مالك. أشهب والمغيرة وابن كنانةوغيرهم، وليس بكافر، وليس يخرجه دينه من الإيمان، ومن كفرهم ركب قول الحرورية في التكفير بالذنوب.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(2) ساقط من ف.

(14/541)


قال سحنون: وكتب إلى بعض أصحابنا، وهو لعبد الملك، في غير كتاب ابن سحنون: في المعتزلة وغيرهم من أهل الأهواء: إن كل كافة استكفت (1) ودعت إلى بدعتها فليقاتلوا. وكذلك كل كافة استكفت معصية أو منع حق فليقاتلهم الإمام حتى يظهر عليهم سلطان الحق ويقام فيهم. وقد قاتلهم الصديق ولم يكفروا أول كفرهم أن منعوا الزكاة فقالتهم قتال من كفر، وقاتل على الخوارج.
وأما غير الكواف والجماعة، فمن في سلطانك من المعتزلة ممن تبرأ من علي وعثمان أو من احدهما، أو يظهر بدعة القدر أن الأمر إليه، وأنه ما شاء فعل، وأنه يريد أن يعصي والله يريد أن يطيع، فيكون ما أراد هو ولا يكون ما أراد الله، فاستتبه فإن تاب فأوجعه ضرباً فيما مضى. وكذلك من كفر علياً أو عثمان أو أحداً من الصحابة فأوجعه جلداً.
وروي عن سحنون فيمن كفر الخلفاء الأربعة أن يقتل، ويؤدب في غيرهم. وقد تقدم إيعاب هذا في باب متقدم.
قال سحنون، وهو لعبد الملك في كتاب ابن حبيب: ومن قام وحده من الخوارج وحكم فاعترض الناس فليفعل به ما يفعل بمن استكف من جماعتهم ما لم يوسروا فإذا أسروا (صاروا كمن تحت سلطاننا منهم في الحكم فيهم. ومن قاتل من الأسارى ثم أسر) (2) فما دامت الحرب قائمة لم يظهر أحد الفريقين على الآخر فله حكم من في القتال، فللإمام قتله وله الكف عنه إن طمع في غير ذلك.
__________
(1) في ف: اسفكت (مرتين) ولعلها محرفة عن استكفت يقال استكف الناس: مد إليهم كفه يسألهم، واستكف الناس حواليه: أحدقوا به. أساس البلاغة.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ص.

(14/542)


(قال: وكل ما حكموا من حكم الناس فليتعقب ذلك) (1) ويكشف وينظر فيه كالمبتدىء، فإذا رأى صواباً وشهوداً على أصل الحق يقبل مثلهم وأمراً بيناً أمضاه، ولا ينفذ ما وقع بشهادتهم، كان الحاكم منهم جائراً أو مجتهداً، ويصير كحكم من الناظر فيه ابتداءً.
قال سحنون: ومن وهم ببدعة واستوطأ ذلك عليه وعرف به فلا تقبل شهادته بين زائغ ومبتدع ولا جماعي، ولا على محق ولا على مبطل ولا بين أهل الأديان. وأما غير معروف بذلك (2) ما لم يؤت عليه بأمر واضح فأجره مجرى غيره من قبول (من عدل) (3) عندك. وهذا الذي ذكره سحنون كله لعبد الملك في كتاب ابن حبيب.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا ظفرنا بأحد ممن قاتل على تأويل القرآن وتاب فليس عليه مما هلك بيده من مال ورقيق وحيوان شيء، ولا عليه من قود ولا دية في نفس ولا جرح، ولا صداق في وطء حرة أو أمة. وما وجد بيده من شيء يعرف بعينه أخذه ربه. ولو أخذ لرجل ألف دينار فوجد معه ألف دينار فلا أدري ما العين وما يدريه أن هذا ماله بعينه. قال مالك: وليس كالمحارب ولا السارق.
قال عطاء: إذا أخذوا فليقتل منهم من قتل، ويؤخذ المتاع ممن أخذ (المتاع) (4)، ويسجن من بقي ولا يقتلون ولا يقطعون، ويسجنون حتى يتوبوا.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ف.
(2) كلمة مطموسة.
(3) ساقط من ص.
(4) ساقط من ف.

(14/543)


وكتب عمر بن عبد العزيز في خارجي خرج بخراسان وأشار بسيفه فأخذ: إن كان قتل قتل، وإن جرح جرح، وإلا سجن حتى يتوب وقربوا (1) أهله منه. وقال الليث فيهم مثل قول مالك، وذكر ابن حبيب مثل هذا القول عن عطاء وعمر بن عبد العزيز.
قال ابن شهاب: ووقعت الفتنة وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متوافرون فلم يروا على من قاتل على تأويل القرآن قصاصاً في دم ولا حداً في وطء. وكذلك فعل علي بن أبي طالب، وبهذا قال مالك، وقاله ابن القاسم.
وقال أصبغ: يقتل من قتل إن طلب ذلك وليه كاللص يتوب قبل يقدر عليه. قال ابن حبيب: هذا خلاف لمالك وجميع أصحابه في أهل التأويل، ولا أعلم من قال مقالة أصبغ هذه، وهي خلاف ما تقدم من فعل علي والصحابة.
وذهب ابن حبيب إلى أن الخوارج الذين كفروا الناس بالذنوب كفار، وأنه يستتاب من ظهر عليه منهم أياماً ويسجن لذلك خرجوا أو لم يخرجوا إذا أظهروا ذلك.
ومن تاب ترك، إلا أن يكون لهم جماعة في موضع (يلجؤون إليه) (2) فلا يترك هذا وإن تاب، ويسجن (حتى) (3) تفترق جماعتهم خيفة أن يلحق بهم (قال ابن حبيب) (4) إنهم كفار ببدعتهم هذه (لأنهم سموا الزاني والسارق وأشباههم من أهل الذنوب كفاراً،) (5) والله جعل القطع على من سرق والحد على من زنى، فلو كان كافراً (لكان عليه القتل بذلك وأمر فيهم بالقتل، وقال في القاتل: (فمن عفي له من أخيه شيء) (6) ولو كان
__________
(1) في ف: وفرقوا.
(2) ساقط من ص.
(3) ساقط أيضاً من ص.
(4) كذلك ساقط من ص.
(5) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(6) الآية 178 من سورة البقرة.

(14/544)


كافراً) (1) ما جعله له أخاً. ومن رد هنا من كتاب الله (فهو) (2) معاند كافر. ولا يحل سبي ذراريهم (وهم على الإسلام حتى يبلغوا فيقولوا بقول من قتل منهم فيسلك سبيلهم) (3). وكذلك سائر فرق الخوارج من الإباضية والصفرية، وكذلك القدرية (والمعتزلة) (4).
وكذلك يستتاب المرجئة الذين يزعمون أن الإيمان قول بلا علم (قال ابن حبيب) (5). وأما الشيعة فمن أحب منهم علياً ولم يقل على غيره من الصحابة فهذا ديننا، ومن غلا إلى بغض عثمان والبراءة منه فليؤدب أدباً وجيعاً، ومن زاد في غلوه منهم إلى بغض أبي بكر وعمر مع عثمان وشبههم فالعقوبة عليه أشد وتكرير ضربه وطول سجنه حتى يتوب ولا يبلغ به القتل إلا في سب نبي من الأنبياء عليهم السلام.
وأما من تجاوز منهم إلى الإلحاد فزعم أن علياً رفع ولم يمت وسينزل إلى الأرض وأنه دابة الأرض. ومنهم من قال كان الوحي يأتيه ويعدد ذرية مفترضة طاعتهم، ونحو هذا من الإلحاد، فهو كفر، يستتاب قائله ويقتل إن لم يتب.
وذكر أن قوماً بالمغرب ادعوا نبياً سموه صالحاً وأظهر لهم كتاباً بلسان البربر، وقالوا: محمد نبي العرب، وأكلوا رمضان وصاموا رجباً واستحلوا تزويج تسع نسوة وشبه هذا، فهؤلاء مرتدون ويقتلون إن لم يتوبوا، ويجاهدون، ولا تسبى ذراريهم كالمرتدين وميراثهم للمسلمين.
وفي الباب الآخر ذكر من قال: إن الله لم يكلم موسى.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(2) ساقط من ص.
(3) كذلك ساقط ما بين معقوفتين من ص.
(4) ساقط من ف.
(5) ساقط من ص.

18 - النوادر والزيادات 14

(14/545)


وذكر ابن حبيب في كتاب آخر عن مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ أنهم قالوا في أهل الأهواء من أهل البدع كلها: القدرية والإباضية والحرورية (والمرجئة) وجميع أهل الأهواء إنهم على الإسلام متماسكين به، إلا إنهم ابتدعوا وحرفوا كتاب الله وتأولوه على غير تأويله، إنهم يستتابون، فإن تابوا وإلا قتلوا، وأن من قتل منهم أو مات على ذلك فميراثه لورثته من المسلمين.

باب (1)
في قتل أهل العصبية والعداوة من المسلمين
من كتاب ابن سحنون قال سحنون: قال الله سبحانه: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) إلى قوله (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) (2).
قال من لقينا من العلماء: معنى ذلك إذا خرج بعضهم على بعض بغياً ورغبة عن حكم الإسلام على العصبية فسقاً وخلوعاً، فليدعهم الإمام ومن معه إلى الرجوع إلى التحاكم وإلى التناصف عند حاكم من حكام المسلمين، فإن فعلوا قبل منهم، وإن أبت الطائفتان أو إحداهما قاتل الإمام من أبى وحلت دماؤهم حتى يقهروا، فإن تحققت الهزيمة عليهم وظهر الإمام عليهم ظهوراً بيناً وأيس من عودتهم فلا يقتل منهزموهم ولا يدفف على جريحهم. وإن لم تستحق الهزيمة ولم يومن رجوعهم فلا بأس بقتل جريحهم ومنهزموهم، ولا بأس أن يقتل الرجل في القتال أخاه وقرابته مبارزة وجده
__________
(1) اختص ف بلفظ باب.
(2) الآية 9 من سورة الحجرات.

(14/546)


لأبيه وأمه، فأما الأب وحده فلا أحب قتله على التعمد مبارزة أو غيرها. وكذلك الأب الكافر مثل الخارجي. وقال أصبغ: يقتل فيها أباه وأخاه.
قالا: ولا تصاب أموالهم ولا حريمهم، وإذا أصيب منهم أسير فلا يقتل، ويؤدب ويسجن حتى يتوب. وإن ثبت عليه أنه قتل أحداً فلقتل به بخلاف أهل الأهواء الذين قاتلوا على التأويل. ولا ينبغي للإمام والمسلمين أن يقفوا عن الخروج إلى أها المعصية وأهل البغي حتى يردوهم إلى الحق وحكم الإسلام، فإذا قام بذلك من نصيب الحق ووجه العمل فيه ولم يكن تلفيفاً ولا هجماً بغير سنة ولا تحفظ.
قال عبد الملك: والخوارج إذا أسر منهم أسير والحرب قد انقطعت فلا يقتل، وينهى عن بدعته ويؤدب كمبتدع في غير جماعة (وتقبل توبته من تاب (1) وإن كانت الحرب قائمة فللإمام قتل أميرهم أو جماعة) (2) في قبضته إذا خاف أن يكون عليه دبره أو أحس ضعفاً أو خشية عورة علمها.
وعلى هذا يجري ذلك في التدفف على الجريح واتباع المنهزم حسب ما يرى من ذلك، وليست هزيمتهم توبة، وإنما هو إلى ما يرى من الظهور البين أو غيره، وقال سحنون مثل قوله. وقال: سمعت أصحابنا يقولون: لا يقتل منهم أهل المعصية إذا كانت الحال ما ذكرت ويقتل منهزم الخوارج بكل حال. وكل ما جرى في هذا الباب عن سحنون وعبد الملك فقد ذكره ابن حبيب عن عبد الملك.
(وقد جرى في باب متقدم ذكر قتال أهل النائرة والعداوة بخلاف المحاربين واللصوص، وهو بخلاف حكم أهل الأهواء والتأويل. وقد بينا كل شيء من ذلك) (3).
__________
(1) كلمة مطموسة.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(3) هذه الفقرة المكتوبة بين معقوفتين كلها ساقطة من ف.

(14/547)


قال ابن حبيب: وإذا بغت قبيلة على قبيلة فقاتلتها حمية وعصبية وفخراً بالأنساب وغيرها من النائرة، فعلى الإمام أن يكفهم ويفرق جمعهم، فإن لم يقدر فليخرج إليهم، وعلى الناس الخروج معه لذلك، فإذا نزل بقربهم راسلهم وسمع حجة كل فريق، فإن ظهر له أن إحداهما ظالمة للأخرى باغية عليها، أمرها بالكف والانصراف، فإن أطاعته وانصرفتا، فلكل فريق طلب الفريق الآخر بما جرى بينهم في ذلك من دم ومال، ولا يهدر شيء من ذلك، بخلاف ما كان على تأويل القرآن، فإن أبت الطائفة الباغية أن تنصرف عن المبغي عليها قاتلها معها ومن معه من المسلمين.
وإن تبين للإمام العدل أن الطائفتين باغيتان أمرهما بالتفرق والانصراف، فعلتا وإلا جاهدهما بمن معه من المسلمين. وهذا معنى الآية التي ذكر الله تعالى في الفئة الباغية.
(قال ابن حبيب: ونادى منادي على ابن أبي طالب في بعض من حاربه أن لا يتبع مدبر ولا يجهز على جريح ولا يقتل أسير. ثم كان موطن آخر في غيرهم فأمر باتباع المدبر وقتل الأسير والإجهاز على الجريح، فعوتب في ذلك فقال: هؤلاء لهم فئة ينحازون إليها، والأولون لم تكن لهم فئة.
قال عبد الملك: وما أصاب الإمام من عسكر أهل البغي من كراع وسلاح، فإن كانت لهم فئة قائمة فلا بأس أن يستعين به الإمام ومن معه على قتالهم إن احتاجوا إليه، فإن زالت الحرب رده إلى أهله. وما سوى الكراع والسلاح فيوقف حتى يرد إلى أهله. ولا يستعان بشيء منه، وإن لم تكن لهم فئة قائمة رد ذلك كله من سلاح وغيره إليهم أو إلى أهلهم.
(وكذلك قال ابن الماجشون وأصبغ في أهل العصبية والحرورية) (1) وكذلك فعل على بن أبي طالب رضي الله عنه.
__________
(1) هذه الفقرة الطويلة المكتوبة بين معقوفتين ساقطة من ف.

(14/548)


قال: وقد أصاب الإمام من امرأة على رأيهم أو عبد أو ذمي أسيراً وكانوا يقاتلون، فإن لم تكن لهم فئة قائمة أطلقهم، وإن كانت لهم فئة قائمة أمر بحبسهم حتى يزول الحرب. وإن بذل له أهل البغي مالاً حتى يتأخر عنهم أياماً أو أشهراً حتى ينظروا في أمرهم، فلا يحل أن يأخذ شيئاً منهم، وله أن يؤخرهم إلى مدة سألوه ما لم يكونوا يقاتلون فيها أحداً أو يفسدون فلا يؤخرهم حينئذ.
وإذا وضعت الحرب أوزارها، فإن كان أهل البغي ممن خرج على تأويل القرآن من الخوارج وضع عنهم كل ما أصابوا إلا ما وجد من مال يعرف بعينه فيأخذه ربه (1). وأما أهل المعصية أو أهل خلاف لسلطانهم بغياً، يريد بلا تأويل، حكم في ذلك كله بالقود والقصاص ورد المال، قائماً كان أو فائتاً، قاله ابن الماجشون وأصبغ.
وإن قاتل معه أهل ذمة وضع عنهم مثل ما وضع عن المتأولين الذين أعانوا، وردوا إلى ذمتهم، وإن كانوا أهل عصبية وخلاف للإمام العدل فهو نقض لعهدهم موجب لاستحلالهم، وإن كان السلطان غير عدل وخافوا جوره واستعانوا بأهل الذمة فليس ذلك نقضاً لعهد أهل الذمة.
ولا قود في الجراح في هؤلاء، وما أصابهم في دفعهم عن أنفسهم فهدر، إلا أن تكون منهم غارة وعياثة وفساد على غير وجه دفاع ظلم ولا امتناع فيلزمهم فيه القود (والقصاص) (2) ورد المال.
وكذلك قال مالك في أهل الذمة يخرجون عن ظلم ظلموا به، فلا يقاتلوا إلا أن يخرجوا فساداً وعياثة فليجاهدوا ويصيروا فيئاً، وقاله مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ وغيرهم.
__________
(1) صحفت عبارة ص: فيما حرزه به.
(2) ساقط من ص.

(14/549)


وإن كان الإمام عدلاً وحارب من خرج عليه وامتنعوا، فما أصاب منهم فهو موضوع، وإن لم يكن من أهل العدل فما أصيب منهم في حربه ففيه القصاص ورد الأموال. وإن امتنع أهل البغي، وكانوا أهل بصائر وتأويل أو عصبية، عن الإمام العدل فله فيهم من رمي المجانيق، وقطع الميرة والماء عنهم، وإرسال الماء عليهم ليغرقهم، مثلما له في الكفار وإن كان فيهم النساء والذرية، ولا يرميهم بالنار إلا أن لا يكون فيهم نساء ولا ذرية فله ذلك، إلا أن يكون فيهم من لا يرى رأيهم ويكره بغيهم، وخيف أن يكون فيهم، فلا يفعل فيهم شيئاً مما ذكرنا. وكذلك لو كان مع المشركين أسارى مسلمون، وقاله مالك وأصحابه.
وإن سأل أهل البغي الإمام العدل تأخيرهم شهراً وأعطوا رهاناً وأخذوا منه رهاناً فغدروا وقتلوا الرهان فلا يقتل الإمام رهنهم وليحبسهم، فإذا هلك أهل البغي تركهم، إلا أن يكونوا أهل بدعة فليستتبهم. وكذلك لو جرى مثل هذا بيننا وبين الروم فقتلوا من عندهم رهناً، لا ينبغي أن نقتل نحن رهنهم. وكذلك فعل معاوية، إلا أن ابن الماجشون قال: يسترقهم الإمام ولا يردهم إليهم.
وإذا قاتل مع أهل البغي النساء بالسلاح، فلأهل العدل قتلهن في القتال. وإن لم يكن قتالهن إلا بالتحريض ورمي الحجارة فلا يقتلن إلا أن يكن قتلن أحداً بذلك فيقتلن. وإذا أسرن وقد كن يقاتلن قتال الرجال لم يقتلن إلا أن يكن قد قتلن، يريد في غير أهل التأويل.
قال: وسبيل من قتله أهل البغي من أهل العدل سبيل الشهداء، ومن قتل من أهل البغي تركوا، ومن أراد الصلاة عليهم من أهلهم فإن لم يكن لهم من يلي ذلك أمر الإمام بمواراتهم بغير صلاة. وعلى أصل سحنون يصلى عليهم. واختلف فيمن قتل من أهل العدل في ترك الصلاة عليه كالشهيد.

(14/550)


ويكره أن يبعث برؤوس أهل البغي وغيرهم من العدو إلى الآفاق، وهو مثلة لم يكن يفعله السلف.
ومن قتل أباه من أهل البغي أو أخاه لم يحرم عليه ميراثه. ويكره له قتل أبيه منهم في القتال من غير تحريم، إلا أن يكون أبوه قصد إليه ليقتله، فلا بأس أن يدافعه الابن بالقتال إن لم يجد حودا عنه بلا هزيمة ولا وهن يدخل على أصحابه. وأباح أصبغ أن يقصد أخاه بالقتل وينتهز فرصته وغفلته. وإذا حملت على أحد منهم فقال: تبت وألقى السلاح فدعه.
ولو قال: كف ولعلي أبايعك وألقي السلاح (فكف عنه. وإن قال كف فإني على دينك ولم يلق السلاح) (1) فلا تدعه ولا تعجل بالقتل حتى يتبين ما أراد لأنه على دينك بالإسلام وقد ابتدع، فإن عاجلك فاقتله إلا أن يلقي السلاح.
ولو أن أهل البغي صالحوا المشركين ثم غدروهم فسبوهم لم يجز لنا شراؤهم، ولو أن أهل البغي ألجأوا المسلمين إلى دخول أرض الحرب لم يجز لهم أن يعينوا المشركين عليهم. ولو استعانوا بهم المشركون على قتال عدو لهم لم ينبغ أن يعينوهم، إلا أن يغير عليهم بعض أهل الشرك ويسبوهم فيخاف المسلمون على أنفسهم من ذلك، فلا بأس أن يقاتلوا حينئذ مع الذين هم معهم.
وكذلك لو كان أهل البغي غزوا المشركين وسبوهم حتى خلصوا إلى من عندهم من المسلمين، فلهم دفعهم عن أنفسهم. ولو أن المشركين سبوا أهل البغي وذراريهم وبالمستأمنين من المسلمين قوة على اسنقاذ السبي منهم، فعليهم أن يقاتلوهم على خلاص الذراري، ولا يوفى لهم بالعهد في مثل هذا، كما لا يعطي العهد عليه. وقاله كله ابن الماجشون وأصبغ.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص.

(14/551)


ولو أن طائفتين من أهل البغي اقتتلتا ولا طاقة لأهل العدل على طائفة واحدة منهما فلا ينضموا إلى إحداهما فيقاتلوا معها الأخرى.
قال: والخارج وحده في المصر كالجماعة، خرج بسلاح أو بعصى أو حجر إن كان على البصيرة. وإذا سبى أهل البغي قوماً مشركين وادعهم أهل العدل لم يجز لنا شراؤهم منهم (1)،
ولو استعان أهل البغي بالحربيين على قتال أهل العدل فظفر أهل العدل بهم حل لهم قتل أهل الحرب. ولو أغار أولئك على أهل العدل فظفر أهل العدل بهم حل لهم قتلهم وسبيهم، لأنهم نكثوا.
ولو دخل حربي بأمان فمات وله ابن حربي وابن ذمي فماله لابنه الحربي. ولو أن الميت ذمي فماه لابنه الذمي.
ذكر القدر والأسماء والصفات والاستواء على العرش
وذكر ترك الجدال ومجانبة أهل البدع
من العتبية (2) قال سحنون: أخبرني بعض أصحاب مالك أن رجلاً قال لمالك: يا أبا عبد الله مسألة، فسكت عنه، ثم عاوده فسكت، ثم سأله فرفع إليه رأسه فقال له: (الرحمن على العرش استوى) (3) كيف استواؤه؟ فطأطأ مالك رأسه ساعة ثم قال: سألت عن غير مجهول، وتكلمت في غير معقول. ولا أراك إلا امرأ سوء، أخرجوه.
__________
(1) هنا خلط كثير في عبارات ص لذلك اقتصرنا في هذه الفقرة على نص ف.
(2) البيان والتحصيل، 16: 367.
(3) الآية 5 من سورة طه.

(14/552)


قال أصبغ قال ابن القاسم: ومن قال اله لم يكلم موسى فليستتب، فإن تاب وإلا قتل.
ولا ينبغي لأحد أن يصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، ولا يشبهب كذلك بشيء وليقل: له يدان كما وصف به نفسه، وله وجه كما وصف به نفسه. تقف عندما في الكتاب، لأن اله سبحانه لا مثل له ولا شبيه له ولا نظير له، ولا يروي أحد مثل هذه الأحاديث. (مثل إن الله خلق آدم على صورته، ونحو ذلك من الأحاديث. وأعظم مالك أن يتحدث أحد بمثل هذه الأحاديث) (1) أو يرددها.
ومن سماع ابن القاسم قال مالك (2): أشد ىية على أهل (الاختلاف من أهل) (3) الأهواء قوله سبحانه: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) (4) وتأويلها على أهل الأهواء.
وروى بن حبيب عن أسد عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا أمامة الباهلي تأولها في الخوارج، قال: كانوا مؤمنين فخرجوا من الإيمان، وقال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القاسم قال مالك: كان ها هنا رجل يقول: ما بقي دين إلا دخلت فيه، يعني أهل الأهواء، فلم أر شيئاً مستقيماً، يعني بذلك فرق الإسلام، فقال رجل: أنا أخبرك لم ذلك، لأنك لا تتقي الله، يقول الله سبحانه (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) (5).
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ف.
(2) انظر البيان والتحصيل، 16: 362 - 363.
(3) ساقط من ص.
(4) الآية 106 من سورة آل عمران
(5) الآية الثانية من سورة الطلاق.

(14/553)


قال سحنون: بلغني أن القاسم ابن محمد قال له ذلك (1).
قال مالك فيما يحتج على أهل القدر قال الله سبحانه (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني) (2)، قال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه عرضاً للخصومات أكثر السفل، يعني أهل الأهواء.
ومن سماع أشهب قال مالك: القدرية قوم سوء فلا تخالطوهم (3) ولا تصلوا وراءهم، وإن جامعتموهم في ثغر فأخرجوهم منه (4).
قال سحنون قال ابن غانم في كراهية مجالسة أهل الأهواء: أرأيت من قعد إلى سارق وفي كمه بضاعة أما يحرز منه ليلاً يغتاله؟ فالدين أولى.
وعمن ينازع القدري في ذلك ثم يأتيه القدري فيأخذ يده ويتنصل إليه، فإن جاء تاركاً لذلك نازعاً عنه فليكلمه، وإلا فهو في سعة من ترك كلامه.
وهذا المعنى وشبهه كثير منه في جامع مختصر المدونة وسنذكره في كتاب جامع نفرده لكتاب النوادر إن شاء الله تعالى.
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 363.
(2) الآية 13 من سورة السجدة.
(3) كلمة مطموسة.
(4) هنا في ف صفحة سابقة مكررة.

(14/554)


جامع لمعان مختلفة
وعلاج الجان
من العتبية (1) من سماع ابن القاسم: سئل مالك عن طريق بخراسان يقطع فيها قوم من أهل الكفر على المستضعف من المسافرين والمسلمين، أترى هذا مرابطاً؟
قال: نعم، أرى أن يحرس ذلك الموضع وكأنه رآه مرابطاً.
قال محمد بن عبد الحكم ابن الحسن قال ابن وهب عن المسلم له أم نصرانية عمياء تريد منه المسير بها إلى الكنيسة فلا بأس عليه بذلك حتى يبلغها، ولا يدخل هو الكنيسة. قيل: فيعطيها النفقة لعيدها؟ قال: أما في طعامها وشرابها فنعم، ولا يعطيها ما تعطي في الكنيسة.
وروى أشهب (وابن نافع) (2) عن مالك: وسئل عن رجل به لمم، فقيل له إن شئت أن نقتل صاحبك قتلناه، فقال له بعض من عندنا لا تفعل، واصبر واتق الله، وقال له بعضهم: اقتله فإنما هو مثل اللص يعرض لك يريد مالك فاقتله، فقال: إن أعظمهم جرماً الذي مثله باللص. قيل له: فما رأيك؟ قال: لا علم لي بهذا، هذا من الطب (3). والله تعالى المستعان وعليه توكلت وإليه أنيب.
__________
(1) البيان والتحصيل، 16: 372.
(2) ساقط من ف.
(3) انظر البيان والتحصيل، 16: 385.

(14/555)


تم كتاب المرتدين
وبتمامه تم جميع كتاب النوادر للشيخ الإمام العالم العلامة أبي محمد عبد الله ابن أبي زيد القيرواني رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مستقره ومأواه آمين آمين آمين يا رب العالمين (1).
__________
(1) هذه الخاتمة انفردت بها مخطوطة الصادقية بتونس (ص).

(14/556)