النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد خاتم النبيين

كتاب المحاربين
الحكم في المحاربين وعقوباتهم
من كتاب ابن المواز، ونحوه في كتاب ابن سحنون قال الله تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) (1). ومن قول مالك وأصحابه: إن هذا التخيير الذي خير الله تعالى فيهم إنما هو على الإجتهاد من الإمام ومشورته الفقهاء بما يراه أتم للمصلحة وأدب عن الفساد (2) وهذا فيمن أخذ قبل أن يأتي تائباً، فمن أخذ (3) منهم فلابد من قتله إلا أنه مخير فيه أن (4) يقتله ولا يصلبه، أو يصلبه ثم يطعنه، وهذا معنى الصلب.
وأما من عظم فساده وطال أذاه وأخذ المال ولم يفقبل، فقال مالك وابن القاسم فليقتله الإمام، ولا يختار فيه غير القتل. وقال أشهب: هو مخير فيه (مخير) (5) في قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف.
وإذا أخاف السبيل ونصب وعلا أمره ولم يأخذ مالاً ولا قتل فهو فيه مخير في قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف أو ضربه ونفيه، وذلك بقدر ذنبه.
__________
(1) الآية 33 من سورة المائدة.
(2) صحفت عبارة ص: يراه من المصلحة والزنا من الفساد.
(3) في ص: فلا أخذ. وهو تصحيف.
(4) في: ص مخير في أنه.
(5) ساقط من ص.

(14/462)


قال ابن القاسم عن مالك: يخير في هذا أخذ بحضرة ذلك (1) أو بعد طول زمان.
قال أشهب في الذي يؤخذ بحضرة ذلك ولم يقتل ولم يأخذ المال فهذا الذي قال مالك لو أخذ فيه بأيسر ذلك.
قال ابن وهب عن مالك: إذا أخاف السبيل وأعظم الفساد وأخذ الأموال ولم يقتل أحداً فليقتله الإمام إذا ظهر عليه. قال: وهو مخير (فيه) (2) في القتل أو الصلب أو قطع الخلاف أو النفي.
قال عنه ابن القاسم: وأما من لم يخف السبيل ولم تطل إقامته (3) ولم يشتهر ولا أخذ مالاً، وأخذ بحضرة ما خرج فأحب إلي أن يجلد وينفى ويحبس حيث نفي أبداً أو حتى تظهر توبته (4)، وليس لجلده حد إلا اجتهاد الإمام فيه.
قال أشهب في هذا: وإن رأى الإمام أن يقتله أو يقطعه من خلاف فذلك له إذا كان ذلك اجتهاده فيه.
قال مالك: والمعلن (5) والمستخفي من المحاربين سواء إذا أراد أخذ الأموال، ويجتهد فيه الإمام بقدر جرمه وليس ذلك هو على الإمام، لكن على اجتهاده، والرجال والنساء والعبيد والأحرار والمسلمون وأهل الذمة في ذلك سواء. وقد قال الله سبحانه في السرقة (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء) (6) فهي تدخل في آية الحرابة. قال
__________
(1) صحف في ص: أخذ بغرته ذلك.
(2) ساقط من ص.
(3) في ص: ولم ينل إقامة. وهو تصحيف.
(4) هذه عبارة ف السليمة. ووقع في عبارة ص في هذين السطرين تصحيف وحذف وقلب أفسد المعنى.
(5) في ص: والمقبل. وهو تصحيف.
(6) الآية 38 من سورة المائدة.

(14/463)


ابن القاسم وأشهب في كتاب ابن سحنون: ولا نفي على العبد في الحرابة.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن شهاب: يقتل من المحاربين من قتل ويقطع من أخذ المال ويجتهد فيمن أخاف. ولو قطع فيهم أو رأى غير ذلك فله ذلك، ويؤدب من آوى محارباً (1) وإن اتهم بالحرابة ولم تقم عليه بينة فإنه ينكل وينفى إلى بلد سواه ويسجن، ولا يطلق من يخاف منه على دماء المسلمين وأموالهم. (قال) (2) وليس لما يأخذ من المال حد قل أو كثر ولو لم يأخذ (3) شيئاً أصلاً إلا أنه علم أنه خرج لقطع الطريق فوجد بسلاح أو بعصى أو سوط وأخذ بحضرة ذلك قبل أن يقتل ويأخذ مالاً أو يفسد أو يخيف أحداً فله حكم المحارب، وليس للإمام أن يعفو عنه. قال مالك: ولو أخذ في هذا بأيسر ذلك.
قال ابن القاسم: وهو الجلد والنفي، وقال أشهب: وهو فيه مخير. قال مالك وعبد العزيز: وقد جعل (4) الله الفساد قرين القتل فقال (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض) (5) وقرنهما في المحاربة فأباح دمه بالفساد.
قال محمد: والفساد يعظم ويقل فيجتهد في عقوبته. قال: وقول الله تعالى (أو يصلبوا) أن يصلبه ثم يقتله مصلوباً بطعنه (قال ابن القاسم وأصبغ برواية ابن القاسم) (6).
__________
(1) كذا في ف. وصحف في ص: من آذى محدثاً.
(2) ساقط من ص.
(3) في ص: ولم يأخذ بإسقاط لو.
(4) في ص: وقد فعل. وهو تصحيف.
(5) الآية 32 من سورة المائدة.
(6) ما بين معقوفتين ساقط من ص. وبعده يبتديء بتر في ف بمقدار صفحة.

(14/464)


وقال ابن القاسم وأشهب: إنما يقتل ثم يصلب، ولو صلبه قتله مصلوباً فذلك إذا بلغ ذلك حربه (كذا) وقال الليث: إذا قتل وأخذ المال صلبه ثم طعنه حتى يموت، وأما إن قتل فلتضرب عنقه بالسيف بغير صلب.
قال محمد: ولو حبسه الإمام ليصلبه فمات في السجن فإنه لا يصلب، ولو قتله أحد في السجن أو قتله الإمام فليصلب، قال: ولا يجلد مع القتل ولا مع القطع من خلاف، وإنما يجلد مع النفي.
قال أشهب: وإن جلده مع النفي لضعف وإنما أستحسن له ضعف عنه من غيره (1)، ولو قاله قائل لم أعبه.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله في نفي المحاربين أن شد في أعناقهم حديداً وانفهم إلى شعب. وقد قال أشهب في كتاب ابن سحنون: إذا قتل وأخذ المال وأخاف فلابد من قتله، فإذا قتله فهو مخير في صلبه ويرى ذلك بقدر فساده، ولا يقذع يده ورجله مع القتل.
قال ابن حبيب قال أصبغ: ولو كتب إلى عامل البلد الذي نفى إليه الزاني والمحارب إذا مضت للزاني سنة فأطلقه، وإن ظهرت توبة المحارب فأطلقه، فإذا جاءه الكتاب فليؤرخ يوم حبس الزاني، فإن تمت السنة أطلقه.
وقال مطرف: إذا استحق عبده النفي فليضربه ويسجن ببلده حتى يظهر توبته، فذلك عندنا نفي وتغريب، ورواه عن مالك وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ برواية ابن القاسم (2).
__________
(1) في هذه الجملة تصحيف لكلمة ضعف المكررة لم نستطيع تصويبه لعدم وجود نسخة للمقابلة.
(2) هنا ينتهي بتر ف المشار إلى بدايته آنفاً.

(14/465)


وقال ابن الماجشون: ليس النفي عندنا الذي ذكر الله تعالى أن ينقل من قرية إلى قرية فيسجن بها، ولا يكون هذا مثلاً لما جزاؤه القتل (1) والقطع، وإنما النفي يقول: أن تنفوهم من الأرض بطلبكم (2) إياهم لتقيموا (3) عليهم العقوبة فيشردون ويختفون وأنتم تطلبونهم. فإذا ظفر بهم فلابد من إحدى الثلاث عقوبات: القتل أو الصلب أو القطع من خلاف، هو في ذلك يخير، وله أن يقتل أو يصلب (من لم يقتل) (4) لأن الله سبحانه جعل الفساد مثلاً للقتل، ولكنا نستحب إذا أعلن ودمر القرى وهجم على الحريم أن يرمى به للأقصى فهو الصلب. وهكذا قال مالك والمغيرة وابن دينار في ذلك كله من تفسير النفي وغيره، وقاله ابن شهاب قال ابن حبيب (5) وبه أقول.
قال ابن الماجشون: والصلب فيه أن يصلب حياً ثم يقتل (6) مصلوباً، ثم لا يمكن منه أهله ولا غيرهم لإنزاله حتى يعفن على الخشبة وتأكله الكلاب.
وقال أصبغ: لا بأس أن يخلى لمن أراد من أهله وغيرهم إنزاله ليصلى عليه ويدفن، ولا يصلي عليه الإمام. (قال ابن الماجشون: وأما الذي يقتله بغير صلب فيمكن من أراد دفنه والصلاة عليه من ذلك إلا الإمام) (7).
__________
(1) صحفت عبارة ص: بدلاً لما جزاه القتل.
(2) كذا في فـ وهو الصواب. وفي ص كلمة لا تقرأ.
(3) في ص: لتعزموا
(4) ساقط من فـ.
(5) في ص: قال ابن شهاب. وهو تصحيف بالتكرار.
(6) صحفت عبارة ص: أن يصلب حتى يقبل.
(7) ما بين معقوفتين ساقط من ص.

(14/466)


وقال ابن سحنون عن أبيه: إذا صلب وقتل (أنزل) (1) تلك الساعة فدفع إلى أهله لدفنه والصلاة عليه إلا الإمام. وأما من (2) هلك على مثل ما قتل عليه الحارث الذي تنبأ (3) فلا يصلي عليه لأنه مرتد.
وقال لمن سأله من الأندلسيين: إن رأى الإمام أن يبقيه على الخشبة اليومين والثلاثة بما رجا من تشريد (4) أهل الفساد فذلك له، ولكن ينزله فيغسله أهله ويكفن ويصلي عليه، ثم إن رأى إعادته إلى الخشبة فعل. وأما فيما قال لي فقال: لا يعاد إلى الخشبة ويترك (5) عليها بعد القتل ولكن ينزل ويدفع إلى أهله.
ومن العتبية (6) روى أشهب عن مالك: سئل هل يعذب اللصوص بالرهز (7) والخنافيس التي تحمل على بطونهم قال: لا يجوز هذا، إنما هو السوط أو السجن، وإن لم يجد في ظهره مضرباً (فالسجن) (8) قيل فإن لم يجد في ظهره مضرباً ألا يبطح فتضرب أليتاه، فقال: لا والله، وإنما هو الضرب في الظهر بالسوط والقطع في اليدين من الكوعين، وبذلك مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
قال: وإذا قطع الطريق بعد قطع يديه ورجليه من خلاف في حرابة أو غيرها؟ قال: فلم يبق فيه إلا القتل أو الصلب أو النفي بقدر جرمه، فإن نفاه ثم عاد، فإن رأى الإمام نفيه لصغر جرمه فعل، وإن كان قد اتقى (9) فساده وعظم جرمه فليقتله أو يصلبه.
__________
(1) ساقط من ص.
(2) في ص: ولها هلك. وهو تصحيف.
(3) عبارة ص مصحفة: قتل عليه المحارب الذب سا.
(4) عبارة ص مصحفة كذلك: لمن رجا من تشديده.
(5) في ص: ولا ينزل عليها. وهو تصحيف.
(6) البيان والتحصيل، 16: 383.
(7) الرهز: في الجماع وغيره. أساس البلاغة.
(8) ساقط من ص.
(9) كذا في ف. وفي ص ما يشبه: اشتق. ومقتضى السياق ارتقى أو ازداد.

(14/467)


وإن أخذ المحارب وهو أقطع اليمين فرأى قطعه، قال أشهب: تقطع رجله اليسرى، لأنه لو سرق قطعت رجله اليسرى. وقال ابن القاسم: تقطع يده اليسرى ورجله اليمنى، وهذا هو الصحيح، لأن القطع في المحارب يد ورجل من خلاف كشيء واحد، فإذا وجد اليمنى شلاء رجع إلى اليد الأخرى التي تقطع معها (1) الرجل من خلاف.
قال ربيعة: ولا ينفى (المسلم) (2) المحارب من بلد الإسلام إلى أرض العدو، ولكن يسجن (في أرض الغربة) (3).
ومن كتاب ابن المواز: وإذا حبس المحارب لينظر في البينة عليه فقتله رجل في السجن، فإن زكيت البينة لم يقتل قاتله (4) وأدب، وإن لم يزكوا (5) قتل به.
وإن عدا عليه فقطع يده ورجله، فإن ثبت عليه القتل في حرابته أقيد قاطعه لأنه لابد من قتله، وإذا رأى القاضي في محارب أن يسلمه إلى أولياء من قتل فعفوا عنه، ثم ولي من لا يري فيه عفواً، فأما ابن القاسم فقال: هو حكم نفذ لا ينقض للاختلاف فيه، وقال أشهب: ينقض ويقتل (6). ولا خلاف أنه لا عفو فيه، يريد أشهب أن الشاذ لا يعد خلافاً.
وذكر سحنون في كتاب ابنه قول ابن القاسم وأشهب، وذكر أن عبد الملك (7) يقول مثل قول أشهب. قال سحنون بقول ابن القاسم، وقالا إنه قال
__________
(1) في ص: فيها. وهو تصحيف.
(2) ساقط من ف.
(3) ساقط من ص.
(4) هذه عبارة ف وهي الصحيحة. وفي ص: مصحفة فإن أثبت البينة ثم قتله قاتله.
(5) في ص: وإن ترك. وهو تصحيف.
(6) صحفت في ص: يقتص ويقتل.
(7) كذا في ف. وصحفت في ص: أن مالك.

(14/468)


لأنه شيء لا اختلاف فيه (1) لأنهما يضعفان مثل هذا من الاختلاف مما لا يقوله أهل المدينة. قال ابن المواز: يعني مالكاً.
وإذا أخذ قبل أن يتوب فلا عفو فيه للإمام ولا لأولياء القتيل ولا لأرباب المتاع، وهو حق لله لا شفاعة فيه. فهذا في باب آخر.

في المحاربين من أهل الذمة
من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا نقض أهل الذمة العهد ومنعوا الجزية ثم ظفر بهم فليردوا إلى ذمتهم إن كان ذلك عن ظلم ظلموا به، وأما إن فعلوا ذلك عن غير ظلم ظلموا به إلا نصرة لدينهم، فهؤلاء يردون عبيداً وتسبى منهم النساء والذراري إن كان الإمام عدلاً ولم يركبوا بظلم، والمراهقون منهم تبع لهم. وأما من يرى أنه مغلوب من رجالهم وأن مثله لم يعن مثل الضعيف والشيخ الكبير والزمني، فلا يستحلوا بقتل ولا بأمر.
قال: ولو ظفر بالذرية قبل أن يظفر برجالهم كانوا فيئاً، إلا أن يكونوا قد خرجوا حين نقضوا إلى أرض الحرب وتركوا الذرية بين أظهرنا فهم على ذمتهم ولو حملوا الذرية معهم فظهر بهم قبل أن يصلوا إلى أرض الحرب أو بعد أن وصلوا، فهم كلهم فيء إن كان الإمام عدلاً ولم يناعو (كذا) شيئاً، وإن لم يكن عدلاً أو نقصوا شيئاً يعرف فلا يقاتلوا ولا يسبوا.
__________
(1) عبارة ص مصحفة: لأنه نفي الاختلاف فيه.

(14/469)


وكذلك إن تحملوا (1) إلى أرض العدو بذراريهم لم يستحلوا إن ظفر بهم (ولا بذراريهم، إلا أن يقوموا مع العدو على المسلمين فيستحلوا. قال أصبغ: وأما إن ظفر بهم) (2) بدار الحرب قبل أن يقاتلوا وقبل أن يصيروا حرباً وقد خرجوا بسبب من الظلم فليردوا إلى ذمتهم.
قال مالك: وإذا أقام أهل الذمة بظلم ظلموا به وقطعوا الطريق فلا يحل قتلهم حيث كانوا من البلاد، وهم كالخوارج الذين خرجوا لا يحل قتالهم. (يريد إذا خرجوا عن ظلم ظلموا به، وهذا على قول من يرى أنهم لا يقتلون إلا أن يمشوا بذراريهم) (3).
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في أهل الذمة يخرجون فيقاتلون فيظفر بهم. قال محمد: يريد ولم ينقموا ظلماً وجوراً، قال أما أموالهم ففيء (4) وأما ذراريهم ونساؤهم فلا، وهم على صلحهم، وليس إلى سبيهم سبيل. وفي كتاب الجهاد أن أشهب يرى أن لا يعودوا إلى رق ويبقوا على ذمتهم.
__________
(1) في ص: إن فعلوا. وهو تصحيف.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(3) ما بين معقوفتين ساقط أيضاً من ص.
(4) صحفت عبارة ص: الما مواهم يعني.

(14/470)


في المحاربين وجهادهم وهل يعطون التافه ولا يقاتلون
وذكر قتل الحرابة والغيلة والنايرة والعداوة
وصفة المحارب في المصر ومن ليس بمحارب ومن يشك فيه
وهل يومن المحارب أو يتبع مرتدهم.
من كتاب ابن المواز قال: ولم يختلف مالك وأصحابه في إجازة قتل المحاربين، وأن من قتل في ذلك فخير قتيل. قال مالك: ويناشده الله ثلاثاً وإن عاجله قاتله. وقال عبد الملك: لا تدعوه ولتبادر إلى قتله.
قال محمد: ومن ظفر به وأسره فلا يلي قتله، وليرفعه إلى الإمام، إلا أن يكون الإمام ممن لا يقيم عليهم الحكم، وأحسب أن مالكاً قاله، أن لا يجهز على جريحهم، ولا يقتل أسيرهم وليبعث إلى الإمام يلي ذلك. فإن خفت أن لا يقيم عليهم الحكم فاقتل أنت الأسير، وأجهز على الجريح واقطعه خلافاً. ومن قتل منهم ورثه ورثته.
ومن كتاب ابن سحنون وغيره قال مالك: يدعى اللص إلى التقوى، فإذا أبي فقاتله، ومن عاجلك فقاتله. وإن طلبوا مثل الطعام والشراب وما خف فليعطوا ولا يقاتلوا.
وقال عبد الملك: لا تدعه وقاتله واقتله واجهز عليه، وليس هذه دعوة وإنما هي عطية منك لمن تخشى جرأه، وأخذ عدته، وقد فعل ما أوجب عليه القتل.
قال سحنون: وأنا أرى أن لا يعطوا شيئاً وإن قل، ولا يدعونهم فهذا وهن يدخل عليه، وليظهر لهم الصبر والجلد والقتال بالسيف، فهو أكسر لهم وأقطع لطمعهم (1)، وكذلك عنه في العتبية.
__________
(1) في ص: لطفهم. وهو تصحيف.

(14/471)


قال مالك وابن القاسم وأشهب: جهادهم جهاد، قال عنه أشهب من أفضل الجهاد وأعظمه أجراً.
وقال مالك في أعراب قطعوا الطريق إن جهادهم أحب إلي من جهاد الروم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من قتل دون ماله فهو شهيد (1)، فإذا قتل دون ماله ومال المسلمين فهو أعظم لأجره.
وقال عبد الملك: ولا يجوز أن يؤمن المحارب إن سأل الأمان، بخلاف المشرك، لأنك تدع المشرك إذا أمنته على حاله وبيده أموال المسلمين، وقد أبقاهم الله بالذمة على ما هم عليه، ولا يجوز أن تدع المحارب على ذلك. ولا يجوز للإمام أن يؤمنه وينزله على ذلك، ولا أمن له بذلك، لأنه في سلطانك وعلى دينك إنما امتنع منك بعزة لا بدين ولا ملة.
ولو لحق (2) بدار الحرب من الأمان فتنصر وقاتلنا معهم فأسرناه فليستتبه الإمام، فإن (أبى) (3) قتله، وذلك على الردة والحرابة، وإن تاب قبلت توبته ونظر، فإن كان يلزمه حكم فيما صنع في حرابته قبل ردته في (حق من) (4) حكم الله وحق المسلمين ألزمه إياه، ولا تزيل الردة ذلك عنه (5) وقاله ابن شهاب وربيعة وأبو الزناد.
قال سحنون: وإذا هرب المحارب فدخل حصناً من حصون الروم فحاصرناهم فنزل أهله (6) بعهد وطلب المحارب العهد والأمان لإامنه أمير
__________
(1) حديث حسن أخرجه أحمد في المسند، وابن حيان في الصحيح، وأبو داود والنسائي والترمذي في السنن، كلهم عن سعيد ابن زيد.
(2) في ص: ولو نحن. وهو تصحيف.
(3) ساقط من ف.
(4) زيادة في فـ.
(5) صحف في ص: ذلك حق من.
(6) هكذا عبارة ف. وصحفت في ص: فجاء صرناهم وترى أهله.

(14/472)


السرية (1)، قال: لا أمان له ولا يزيل حكم الحرابة (2) عنه جهل من أمنه وقد ظفرنا به قبل التوبة.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا امتنع المحارب بنفسه حتى أعطي الأمان فأخذ على ذلك، فقد اختلف فيه، فقيل يتم له ذلك، وقيل ليس ذلك له ويؤخذ بحق الله سبحانه، وقال أصبغ مثل أن يكون في مركب أو على فرس قد امتنع، أو في حصن أو موضع لا يوصل (إليه) (3)، فيعطي الأمان فيأتي على ذلك فلا أمان له، لأن أمانه من السلطان أو غيره، وهذا (حق) (4) لله لا يزول إلا بالتوبة قبل أن يقدر عليه.
ولو قال الوالي لأحدهم لك الأمان على أن تخبرني بما أخذتم وعلى من قطعتم ومن كان معكم ففعل، فلا أمان له (5) بذلك، وما كان ينبغي للإمام أن يؤمنه على قطع حقوق الله، وليقم عليه ما أقام على غيره، ولا يؤخذ بما أقر به على أن يؤمنه.
قاله مالك وبعض أصحابه، مثل أن يقول: أصدقني هل قطعت الطريق علي أن لا حد عليك، فأقر (له) (6) فإنه لا حد عليه بهذا الإقرار.
ويكره للسلطان إذا أخذ أحداً في تهمة أن يخلو به ويقول: أخبرني وأنت آمن فيخبره، وهذا وجه خديعة ويغرهم.
ولو أن مرتداً لحق (7) بدار الحرب فأمنه الإمام فقد جهل الإمام، فإن لم يتب فليقتله ولا أمان له، بخلاف الحربي (8) وقال ابن القاسم وأشهب:
__________
(1) صحفت هذه العبارة أيضاً في ص: في أمنه أسير السرية.
(2) ثلبت كلمات في هذه الجملة في ص: حكم الراتبة عنه فهل.
(3) ساقط من ص.
(4) ساقط أيضاً من ص.
(5) في ص فلا أمل له. وهو تصحيف.
(6) ساقط من ص.
(7) كذا في فـ وهو الصواب. وفي ص: المربد. وهو تصحيف.
(8) في ص: بخلاف الربي. وهو تصحيف.

(14/473)


ويكون المحارب محارباً وإن لم يأخذ مل يجب فيه القطع في السرقة، لأنه يكون محارباً وإن لم يأخذ شيئاً إذا قطع وأفسد. وكذلك لو خرج بغير سلاح وفعل فعل المحارب من التلصص (1) وأخذ المال مكابرة، وقد يكون الواحد محارباً.
(ومن كتاب ابن سحنون) (2) قال عبد الملك: ولا يعطى اللصوص (3) شيئاً طلبوه وإن قل، وفي ذلك وهن قائم (4) ومذلة للإسلام وشبهة في الدين.
وهذا في العدد المناصف لهم والراجي الغلبة، وإن أمكن الخوف، إلا فيمن يوقن أن لا قوة بهم ولا نجدة ولا مناصفة، فهؤلاء للأمير، وعسى أن يعذروا في إعطائهم إن شاء الله، وقاله كله سحنون. وكل ما ذكر عن عبد الله في هذا الباب فقد ذكره عنه ابن حبيب.
قال أشهب: ولا يقتل المحارب بالخنق باليد وبالحبل وبالحجر وبالغم وبغير ذلك، فهو محارب وإن لم يقتل، وقد يحرج بالسلاح ولا يحتاج إليه.
ومن كتاب ابن المواز، ونحوه في العتبية (5) من سماع ابن القاسم قلت: فإن خرج لقطع السبيل لغير مال، (قال) (6) فلعداوة أو نائرة أو يدخل بينهم، قال: لا ولا لدين إلا أنه قال: لا أدع مقاولا (كذا) من لا يحرجون إلى الشام أو إلى مصر أو مكة، قال: فهو محارب لا عفو فيه.
__________
(1) في ص: من الغاصب. وهو تصحيف.
(2) ساقط من ص.
(3) في ص: ولا يقصر اللصوص.
(4) صحفت عبارة ص. وق الأولى قائم.
(5) البيان والتحصيل،
(6) ساقط من ص.

(14/474)


وكل من قطع الطريق إذا أخاف الناس وحمل عليهم (1) السلاح لغير عداوة ولا نائرة فهو محارب.
وقتل الغيلة أيضاً من المحاربة، أن يغتال رجلاً أو صبياً فيخدعه حتى يدخله موضعاً فيأخذ ما معه فهو الحرابة. وكل من قتل أحداً على ما معه قل أو كثر فهو محارب، فعل ذلك بعبد أو حر مسلم أو ذمي.
قال مالك: وقد قتل عثمان مسلماً بذمي قتله غيلة، قال مالك: ولو صحب (2) رجلاً في سفر فقتله غيلة لما معه فهو محارب. (وقال ابن القاسم وأشهب: وإذا خرج بغير سلاح وكابره الناس على المال وقطع الطريق فهو محارب) (3) وإن لم يقتل أحداً، وقد يقتل بالخنق والحجر والغم (بلا سلاح) (4).
قيل لمالك: فالذي يقتل الناس بالخنق غيلة أيقتل خنقا؟ قال: ذلك إلى الإمام على أشنع ما يراه، وليس من باب القود.
ومن ضرب رجلاً بعصى أو حبل ليأخذ ما معه فمات فإنه يقتل وإن لم يرد قتله، لأنه من باب الحرابة، ولو لم يكن ذلك لأخذ ما معه ولكن ليس بينهما عداوة ففيه القصاص أو العفو من أوليائه.
قال محمد: وأما من أدخل رجلاً موضعاً على خديعة حتى قتله أو دخل عليه حريمه (5) فقتله، وذلك لعداوة أو نايرة (6) بينهما وليس لمال ولا أخذ منه مالاً، فهذا لأوليائه قتله أو العفو عنه. فإن عفي عنه جلد مائة
__________
(1) صحفت في ص: وجعل بينهم.
(2) في ص: صحبه. وهو تصحيف.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ف.
(4) ساقط أيضاً من ف.
(5) في ص: حربية. وهو تصحيف.
(6) صحف في ص: لعداوة أو أهل وتيرة.

(14/475)


وحبس سنة، وقال كله مالك. والذي يدخل على رجل حريمه فيكابره حتى يقتله بهراوة لا لأخذ مال مثل ما ذكرنا. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم.
قال أشهب وابن عبد الحكم عن مالك وهو في العتبية من سماع أشهب: فيمن لقي رهطاً (1) فأطعمهم سويقاً فمات بعضهم (2) بالباقين فلم يفيقوا (3) إلى مثلها، فقال: ما أردت قتلهم وإنما أردت أخذ ما معهم، وإنما أعطاني السويق رجل وقال إنه يسكر وأنا لم أرد قتلهم. قال: يقتل.
وقال: أرايت التي سمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه في الشاة فمات بعضهم ألم يكن عليها القتل؟ قيل تلك أرادت القتل، وهذا يقول لم أرد القتل، فلا يقبل ذلك منه. وهو تعمد إطعامهم والذي (4).
قال في كتاب محمد: ولو قال ما أردت قتلهم ولا أخذ أموالهم، وإنما هو سويق لا شيء فيه، إلا أنهم لما ماتوا أخذت أموالهم. قال: فلا شيء عليه غير رد المال.
ومن العتبية (5) روى أشهب عن مالك في جارية أطعمت رجلاً في بلح شيئاً أذهب عقله، فمرة يفيق، ومرة يذهب عقله قد أقرت بذلك، قال: قد أتت أمراً عظيماً، قيل أفتقتل؟ قال: إنها محقونة بكل شر (6) وما
__________
(1) كذا في ص: لقي رهطاً. وفي ف: لقي رجالاً.
(2) كلمة مطموسة.
(3) في ص: فلم يعفوا.
(4) كلمات مطموسة.
(5) البيان والتحصيل، 16: 374.
(6) كذا في ف وفي العتبية أيضاً. وصحفت في ص: إنها محفوفة بكل شيء.

(14/476)


أدري ما القتل؟ قيل: فعلت هذا قبل هذا، قال: ترفع إلى السلطان وهي تستحق كل سوء. فأما القتل فلا أدري.
قال مالك في عبيد قتلوا سيدهم قتل غيلة فحبسوا حتى يثبت ذلك.
قال: ينفق عليهم حتى يثبت ذلك فيقتلوا ولا يستحيوا لأنه قتل غيلة، ولا يجوز العفو عنهم.
قال ابن شهاب في المتهم بالحرابة ولم يثبت عليه ببينة أرى أن ينفى إلى بلد آخر ويسجن، ولا يطلق من يخاف منه على دماء المسلمين وأموالهم.
قال مالك في قوم لقيهم قوم في طرف المدينة فقاتلوهم فاتهموهم أن يكونوا أرادوا سلبهم، قال: أرى أن يخرجوا من تلك المدينة ولا ينفوا كما ينفى المحارب.
ومنه ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيمن لقي رجلاً فسأله طعاماً معه فأبى، فكتفه ونزع منه الطعام ونزع ثوبه، قال: إنه يشبه المحارب.
من كتاب ابن سحنون (1) قال سحنون في السارق ليلاً يأخذ متاعاً فيطلب رب الدار نزع المتاع منه فيكابده عليه بسيف أو سكين أو عصى حتى خرج به أو لم يخرج وكثر عليه الناس ولم يسأله (2) قال: هذا محارب. قيل: فلو نقب (فدخل) (3) فأدركه رب المتاع فخرج والمتاع في النصب (4) (فكابده على المتاع حتى غلبه عليه فأخذ على ذلك، فإن كابده
__________
(1) في ص: ابن المواز.
(2) كذا في ص. وفي ق ما يشبه: ولم يتسلمه. ويبقى المعنى غامضاً.
(3) ساقط من ص.
(4) في ف: في البيت.

(14/477)


بسلاح حتى أخافه فأسلمه) (1) إليه أو بقي يجاذبه عليه حتى أخذ، فهو محارب، وإن كان كابده كما يفعل المختلس فمحارب، وينكل ولا يقطع، لأن أوله كان سارقاً ثم صار مختلساً، ولا قطع في الخلسة.

المحارب في المصر
(من كتاب ابن سحنون) (2) قال ابن القاسم (وأشهب) (3): المحارب في المصر وغير المصر سواء، إذا قطعوا وأفسدوا في مدينتهم أو في الطريق فذلك سواء.
وقال عبد الملك: لا يكونون محاربين في القرية إلا أن يريدوا بذلك القرية كلها، وإلا فهم معتدون إلا أن يكونوا خبراء وجماعة محاربين لأهل القرية عادين معلنين فهم كاللصوص الذين يفتحون القرى وتكثر جموعهم. فأما وهم في القرية مختلفون لا يفسدون إلا الواحد والمستضعف فليس في القرى محاربة، وخالفه سحنون فقال: ذلك سواء.
قال ابن المواز قال مالك في رجل جرح بسيفه في سوق من بعض أعمال المدينة، ما أراه أراد رجلاً فأخذ، هل يقتل؟ قال: لا يقتل ولا يقطع وليؤدب عقوبة موجعة ويحبس. وقد اختبأ رجل لمروان (4) فطعنه، فاستشار فيه فلم يروا فيه قتلاً، وإنما كان ظلمه عامله باليمن ففعل هذا.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(2) ساقط من ص.
(3) ساقط أيضاً من ص.
(4) حرفت الجملة تماماً في ص: ومراصتي رجل له وإن.

(14/478)


قال أصبغ: لأنه أراد أمراً فلم يفعله، ولو فعل هذا تلصصاً وحرابة شاهراً سيفه في الأسواق لأخذ أموال الناس فإنه ينفى كما يفعل بالمحارب الخفيف الظلم.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن سرق فامتنع قاتله، وإن لم تجد السبيل إلى أخذ متاعك إلا بنفسه فافعل، ودمه هدر، وإن لم يأخذ شيئاً فلا تقتله لأنه إنما يدفعك عن نفسه لا عن مالك، وإن ظفرت به وهو مشهور بالخبث فارفعه إلى الإمام، وإن لم يكن مشهوراً فالستر أحب إلي، وليس بالبين. قال في كتاب محمد: فهو ممن يضرب وينفى.
قال في الكتابين: وكذلك الذي يأخذ معه الدابة فيقر أنه وجد عليها (1) رجلاً فأنزله عنها وأخذها.
قال مالك في كتاب ابن المواز: ومن لقي رجلاً في الصحراء أو عند القمة فنشره (2) من ثوبه، قال لا يقطع إلا أن يكون محارباً أو لصاً، فأما من يكابد رجلاً في الليل حتى يأخذ ثوبه فلا يقطع. قال: وإن كان في المحاربين صبيان لم يحكم عليهم بشيء، وأما العبد أو الذمي (3) فيحكم عليهم ذكراناً وإناثاً.
قال مالك فيمن دخل أرض البربر وهو أصحاب فتن وأصحاب هوى ويقاتل بعضهم بعضاً، ومعه سيف أو سرج أيبيعه منهم؟ قال: لا، ولا أحب بيع السلاح فيمن يناويء أهل الإسلام.
قال أصبغ عن ابن القاسم في اللص يولي مدبراً أيتبع؟ قال: إن
__________
(1) في ص: وجد محيلها. وهو تصحيف.
(2) كذا في النسختين. ومقتضى السيلق ما يشبه سلبه أو جرده.
(3) في ص: وأما العبد أو العبيد. وهوتصحيف.

(14/479)


كان قتل أحداً منهم، وإن لم يكن قتل فما أحب أن يتبع ولا يقتل. قال: والأسير من اللصوص يقتل (إن قتل) (1) وإن لم يقتل بلغ به إلى الإمام.
قال مالك: إذا لم يقتل فهو أشكل، فلا ينبغي أن يقتله (2) إلا الإمام.
قال ابن القاسم: وإن قتل واحداً منهم فقد استوجبوا كلهم القتل ولو كانوا مائة ألف (3).
وقال سحنون في اللصوص يولون مدبرين أيتبعون؟ قال: نعم، ولو بلغوا ترك الطعام. قيل لسحنون: فلو عرض لك لص فجرحته فسقط أتجهز عليه؟ قال: نعم قيل: فقول ابن القاسم لا يجهز عليه؟ فلم يره، وقد حل منه ذلك بما قطع من السبيل وأخاف وحارب.
وقال في كتاب ابنه: يتبع منهزمهم (4)، ويقتلون مقبلين ومنهزمين، وليس هروبهم توبة.
قال: وأما التدفيف على جريحهم، فإن لم تتحقق هزيمتهم ويخاف كرتهم فليوجف على جريحهم، وإن استحقت الهزيمة بجريحهم أسروا والحكم فيه إلى الإمام.
__________
(1) ساقط من ص.
(2) صحف في ص: أن يفعله.
(3) صحفت عبارة ص: كانوا فإنه ألف.
(4) في ص: يتبع مشهرهم. وهو تصحيف.

(14/480)


في توبة المحاربين وما الذي يلزمهم بعد التوبة
وكيف إن ولي أحدهم القتل وأخذ المال
ثم تابوا أو ظفر بهم أو ببعضهم
من كتاب ابن المواز قال عبد الملك: وإذا تاب المحارب قبل أن تقدر عليه أيها السلطان سقط عنه ما كان لله من حد الحرابة، وليست توبته أن يأتي الإمام فيقول تبت ويلقي بنفسه ويطرح سلاحه ويحل عقده حتى (1) يعلم منه من إيثار توبته قبل مجيئه إليه وقدرته عليه ما يستدل به، لقول الله سبحانه (من قبل أن تقدروا عليهم) (2).
فإذا لم يكن غير مجيئه وقوله تبت هكذا حبسه حتى يطلع من ذلك ما يدله بما ظهر منه في موضعه وبحيث كان أنه ترك ذلك وجانب أهله وظهر منه من ذلك قبل مجيئه إليك (3) فذلك ينجيه منك، كما لو علمت مثل ذلك منه قبل أن يأتيك، كان مجيئه بعد ذلك ينجيه منك فأجاز ذلك سحنون.
قال ابن المواز قال مالك: وإذا تاب المحارب اتبع في عدمه بأموال الناس، وإن أقيم عليه حد الحرابة فقتل أو نفي لم يتبع (4) في عدمه وإن أيسر بعد ذلك، وقاله ابن القاسم.
وإذا قتل عبداً أو ذمياً فقتل في الحراب لم يتبع بشيء من ذلك في ماله ولا في ذمته، لأنه كالقصاص، ولا يجمع قصاص ودية.
__________
(1) عبارة ص مصحفة: وبحل عشرة متى.
(2) الآية 34 من سورة المائدة.
(3) كلمة غير مقروءة.
16 - النوادر والزيادات 14
(4) في ص: لم يبلغ وهو تصحيف.

(14/481)


قال محمد: ولم نعلم أن عثمان حين قتل المسلم المحارب بالذمي حكم عليه بدية. وأما إن تاب فعليه دية من قتل من الذميين وقيمة العبيد نصارى أو مسلمين – يريد في ماله وذمته – بلا قصاص، مع ضرب مائة وحبس سنة، ويقتل بالحر المسلم إلا أن يعفو أولياؤه فيضرب مائة ويحبس سنة.
وإن كان المحاربين ذميين فتابوا كان عليهم القود فيمن قتلوا من الذميين إن شاء أولياؤهم، والرجال والنساء فيما ذكرنا سواء. وفي كتاب ابن سحنون نحو ما ذكرنا من هذا.
وقال ابن سحنون عن أبيه: وقال في محاربين قتلوا (رجلاً) (1) وسبوا امرأة ثم أخذوا قبل القدرة عليهم (2) فأقروا بذلك، فإن أقروا بغير تخويف قتلوا، ولزم صداق المرأة على من زعمت أنه وطئها. ولو تابوا قبل الظهور عليهم قتل من ولي القتل منهم، وصداق المرأة (3) كما ذكرنا. وهذا مذهب أشهب في القتل إذا تابوا، ويضرب الباقون كل واحد مائة ويسجن سنة. وذكر مثل ما ذكر عنه ابن المواز، وذكر أن قول ابن القاسم أن يقتل الجميع إذا تابوا.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك وابن القاسم وأشهب (وإذا ولي أحد المحاربين) (4) قتل رجل ممن قطعوا عليه ولم يعاونه أحد من أصحابه على قتله، فإنهم يقتلون كلهم، ولا عفو فيهم للأولياء ولا للإمام، وكذلك لو ولي أخذ المال واحد منهم (ثم ظفرنا بغيره) (5) فإنه يلزمه غرم جميع ذلك المال، كان قد أخذ من ذلك حصة أو لم يأخذ.
__________
(1) ساقط من ص.
(2) كذا في النسختين، والعبارة متناقضة، لأنهم إذا أخذوا فقد قدر عليهم.
(3) عبارة ص فيها بتر وتصحيف: من وفى القتل وحدوا للمرأة.
(4) ساقط من ص.
(5) ساقط أيضاً من ص.

(14/482)


وقال مالك: ولو تاب واحد منهم وقد أخذ كل واحد منهم حصته في المال، فإن هذا التائب يضمن جميع المال، لأن الذي ولي أخذ المال إنما قوي بهم.
قال ابن القاسم: وكذلك القتل عندي يقتل من لم يل القتل منهم ولا أعان فيه.
قال في العتبية: وقد استوجبوا القتل كلهم لو كانوا مائة ألف.
قال من كتاب ابن المواز: وكذلك لو تابوا كلهم قبل يقدر عليهم كان على الدية. ولو ظفر بهم الإمام قبل التوبة قتلهم أجمعين.
وقال أشهب: إن أخذوا قبل أن يتوبوا قتل جميعهم ولا عفو فيهم. وأما إن تابوا قبل أن يقدر عليه فقد سقط عنهم حكم الحرابة (1)، ولم يقتل منهم إلا من ولي القتل أو من أعان عليه ومن أمسكه وهو يعلم أنه يريد قتله، ولا يقتل الآخر ولكن يضرب كل واحد منهم مائة ويحبس سنة.
قال أشهب: وإنما قال عمر: لو تمالأ عليهم أهل صنعاء لقتلتهم به، وذلك أنهم قتلوه قتل غيلة.
قال أشهب عن مالك: ولو كان أحدهم قائماً لم يأخذ شيئاً غير أنه حين قسم المال أخذ حصبة ثم أخذ (حصة) (2) قال أخاف أن عليه جميع المال لأن بهم (3) أخذ المال، وكلهم أعوان.
__________
(1) صحف في ص: حكم الحرابة لله.
(2) ساقط من ص.
(3) في ص: كأنه بهم.

(14/483)


قال ابن عبد الحكم: والذي لم يل أخذ شيء، قال يرد (1) ما أخذ من حصته، وأخاف أن يكون ضامناً لما أخذ أصحابه وما أحراه
ومن غير كتاب ابن المواز قال محمد بن عبد الحكم: لايزاد على كل أحد إلا ما أخذ. ابن المواز وقال ابن القاسم عن مالك: ذلك عليه كله في توبته وفي الظفر به قبل توبته.
ومن كتاب ابن المواز قلت كيف توبة المحارب؟ قال: الذي هو أحب إلى مالك ورواه ابن وهب وابن عبد الحكم إتيانه (إلى السلطان) (2).
وإن هو أظهر توبة عند جيرانه (واختلافه إلى المسجد حتى يعرف ذلك عنه فجائز، قاله ابن عبد الحكم) (3).
قال أصبغ: وإن قعد (4) في بيته وعرف أن ذلك منه ترك معروف بين يبوح بالتوبة جاز ذلك له.
وقال عبد الملك: وإن لم تكن توبته إلا إتيانه إلى السلطان فيقول: جئتك تائباً لم ينفعه ذلك، لقول الله تعالى (من قبل أن تقدروا عليهم) (5).
قال في العتبية أشهب عن مالك في المحارب إذا تاب ونزع وأظهر لجيرانه وجاء إلى المسجد، هل عليه شيء؟ أو أحب إليك أن يأتي السلطان؟ قال: أحب إلي أن يأتي السلطان.
__________
(1) عبارة ص مصحفة هكذا: والذي لم يلي المدشي قال بور.
(2) ساقط من ف.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(4) في ص: وإن عقد. وهو قلب.
(5) الآية 34 من سورة المائدة.

(14/484)


من كتاب ابن المواز قال أصبغ: وتوبة النصراني المحارب بالنزوع وإظهار الترك. قال محمد: وأحب إلينا أن يأتي الإمام فيخبره بتوبته ونزوعه.
وإذا تاب المحارب فأخذه بعض من قطع عليه الطريق في المسجد أو في طريقه أو بيته أو السوق فدفعه وأقام عليه البينة، فإن عرف بالتوبة سقط عنه حد الحرابة وبقي عليه حقوق الناس (1) في الدماء والجراح، ويتبع بالأموال في ماله وفي ذمته، رواه ابن القاسم وأشهب وابن وهب عن مالك.
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون في عيون المحاربين إنهم يقتلون معهم، لأنهم أعوان (2) لهم وقد قتلهم معهم عمر في قتل الغيلة.
ومن العتبية قال سحنون، إذا أقيم على المحارب الحد فحكمه حكم السارق فيما وجب عليه من مال إن كان وفره متصلاً أخذ منه كل ما لزمه من استكراه النساء واحتلال مال ودية النصراني وقيمة العبد، وإن لم يتصل وفره (لم يتبع بشيء، وإن لم يقم عليه حد الحرابة اتبع بذلك يلزمه في ماله وذمته) (3)، ويلزمه القصاص لمن له قصاص.
قال عبد الملك بن الحسن قال قال أشهب: وإذا تاب المحارب وقد كان زنى وسرق في حرابته لم يوضع عليه ذلك.
__________
(1) صحفت عبارة ص: وليس عليه حقوق إنما.
(2) في ص: أعمال لهم. وهوتصحيف.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ص.

(14/485)


باب
في شهادة من قطع عليهم الطريق على المحارب
وشهادة بعضهم على بعض
والحكم فيما يوجد بأيدي المحاربين من الأمتعة
من كتاب ابن المواز قال مالك وابن القاسم وأشهب: تقبل شهادة من قطع عليهم الطريق على اللصوص أنهم قطعوا عليهم (الطريق) (1) ذلك من حدود الله تعالى، وتقبل شهادة بعضهم على بعض بما أخذوا لهم، ولا تقبل شهادة أحدهم لنفسه أن هذا متاعه، ولا شهادته لابنه. وأما شهادته أن هذا قتل ابنه أو أباه فتقبل إذا شهد مع غيره، لأنه إنما يقتل بالحرابة لا بالقصاص ولا عفو فيه.
وأما لو شهد عليه بذلك مع غيره بعد أن تاب لم تجز شهادته، لأن الحق له والعفو أو القصاص. وأما شهادة الأجنبيين فتجوز قبل التوبة وبعدها، ولا يتهمون في (شهادة) (2) بعضهم لبعض لأن المحاربين إن قالوا ما قطعنا عليكم فقد أزالوا عنهم الظنة، وإن أقروا فقد صدقوهم (3) في قطع الطريق.
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: تقبل شهادة الرفقة بعضهم لبعض على المحارب ويقضى عليه برد ما أخذ إن كان ملياً، لأن المحاربين إنما يقطعون في المفاوز حيث لا بينة إلا من قطعوا عليه. ولا تقبل شهادة كل واحد منهم لنفسه.
__________
(1) ساقط من ص.
(2) ساقط من ص.
(3) صحفت عبارة ص: وإن أقر فقد سد قولهم.

(14/486)


ولو قالوا كلهم عند الحاكم قتل منا كذا وكذا رجلاً وسلب منا كذا وكذا حملاً ومن الجواري كذا، ومن الثياب كذا، ومن الخيل كذا. فأما الأحمال فلفلان، والثياب لفلان والخيل لفلان وفلان فذلك جائز يقبل قول كل لغيره لا لنفسه، ويوجب ذلك عليه المحاربة والقتل، وذكره عن مالك وابن القاسم وأشهب.
قال: وإذا حبس الإمام المحاربين بشهادة شاهد واحد وشهد قوم غير عدول ولم يأت غيرهم، ومنهم من يشتهر اسمه بالفساد ولا يعرف إلا بعينه، فإذا رآه من كان يراه عرفه، قال: فليخرجه، ويوقفه ويشهره حيث يعلم أن الغرماء ينظرون إليه والمسافرون، ويستقصي ذلك من إشهاره وإظهاره حيث يرجى أن يعرف من مشهد أو مسجد، فلعل من يشهد على عينه فتتم الشهادة عليه، وليس عليه أن يخرجه كل يوم، ولكن المرة بعد المرة (1).
وإذا بلغ من شهرة المحارب باسمه ما يؤكد تواتره باسمه، مثل أبي الوليد أو سليمان، فأخذ فأتى (2) من يشهد أن هذا أبو الوليد أو سليمان، فقالوا لم نشاهد قطعه للطريق أو قتله للناس وأخذ أموالهم، إلا أنا يعرفه بعينه، وقد استفاض عندنا واشتهر قطعه للطريق وما شهر به من القتل وأخذ المال والفساد، قال فإن الإمام يقتله بهذه الشهادة. وهذا أكثر من شاهدين على العيان. أرأيت زقوطاً (3) يحتاج إلى من يشهد أنه عاينه يقطع ويقتل؟
__________
(1) في ص: ولكن أره بعد أره. وهو تصحيف.
(2) في ص: وإن جاء. وهو تصحيف أيضاً.
(3) يشير إلى زقوط البرغواطي، ويكتب أيضاً بالسين: سقوت وسكوت. وهي شخصية غريبة تدل هذه الإشارة من ابن أبي زيد القيرواني المعاصر له على المرحلة الأولى من حياة سقوط، وهي مرحلة الصعلكة والحرابة التي لم يهتم بها المؤرخون المغاربة والأندلسيون بقدر ما عنوا بمرحلة أسره من طرف أحد الأمراء الأدارسة الحموديين الذي أعتقه وأنابه عنه في حكم سبتة وطنجة حيث بقي زقوط يزاول حكم المدينتين إلى أن خر صريعاً عجوزاً أمام حجافل المرابطين في منتصف القرن الخامس (11م) انظر معلمة المغرب، 4: 1170 – 1171.

(14/487)


من كتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون: وما وجد بأيدي اللصوص والسراق من متاع الناس من بز ورقيق وحلي وغيره، فمن ادعاه ولا بينة له، قال مالك: يدفع إليه بعد الاستيناء وبعد أن يفشوا ذلك (1) ولا يطول جداً بعد أن يحلف مدعوه ويضمنه ذلك ولا يكلفهم حميلاً (2) هكذا في كتاب ابن سحنون.
وقال في كتاب ابن المواز: ولا يكلف ضماناً، بعد أن قال يدفعه إليهم ويضمنهم إياه.
قال أشهب في الكتابين: وذلك إذا أقر اللصوص أن ذلك المتاع مما تلصصوا عليه، فحينئذ يصدق مدعيه مع يمينه ويدفعه إليه ببينة (ويضمنه بعد الاستيناء والإنشاد وانتظار من يطلبه، فإن جاء رجلان يدعيانه) (3) ولا بينة لهما حلفا وكان بينهما، ومن نكل منهما دفع إلى من حلف.
قال في كتاب ابن المواز: وإن نكلا لم يكن لواحد منهما فيه شيء. قال ابن المواز: وذلك أن اليمين هاهنا لابد منها للسلطان.
وإذا دفع إلى أحد (بالصفة) (4) بعد أن أشهد عليه وضمنه ثم جاء آخر يدعيه لم تكن له بالصفة دخول معه، ولكن إن جاء ببينة أخذه من الأول، إلا أن يقيم الأول بينة (فيقضى بأعدلهما، وإن تكافأتا بقي للأول، ولو جاءا معاً كان بينهما بعد أيمانهما. ومن جاء منهما ببينة) (5) كان له. وإن أقاما بينة فتكافأت فها هنا يقسم بينهما بعد أيمانهما. ومن نكل منهما كان من حلف أحق به.
__________
(1) عبارة ص مصحفة: بعد الاستثبات وبعد أن يعينوا ذلك.
(2) في ص: محيلا. وهوتصحيف.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(4) ساقط من ص.
(5) ما بين معقوفتين ساقط أيضاً من ص.

(14/488)


قال في كتاب ابن سحنون قلت: فإن لم يأت له طالب فهو كاللقطة (1)، فإن جاء له طالب وإلا باعه الإمام وحبس ثمنه وكتب صفته عنده. وإن جاء له طالب فليسأله عن صفته ويكشف ذلك، فإن لم يأتوا بالصفة والنعت دفعه إليه وأخذ منه به كفيلاً، فإن جاء غيره بعد ذلك أخذ به الكفيل، ويجتهد الإمام في برهان ذلك.
قال أشهب في كتاب ابن المواز: وهذا إن أقر اللصوص أنه ما قطعوا فيه الطريق، وإن قالوا بل هو من أموالنا كان له، وإن كان كثيراً لا يملكون مثله حتى يقيم مدعوه البينة.
قال ابن المواز: وما لم يأت له طالب فهو كاللقطة كضوال الإبل وغيرها. قال: وإذا شهد عليهم من قطعوا عليهم الطريق وهم عبيد أو نصارى أو أحرار مسلمون غير عدول لم يقتلوا، ولكن إن استفاض ذلك من الذكر وكثرة القول أدبهم الإمام وحبسهم.
آخر كتاب المحاربين
__________
(1) صحف في ص: فهو كالقطعة. وسيتكرر فيه هذا الخطأ.

(14/489)