بداية
المجتهد ونهاية المقتصد ط الحلبي بسم الله
الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله
وصحبه وسلم تسليما
كتاب الكتابة
والنظر الكلي في الكتابة ينحصر في أركانها
وشروطها وأحكامها.
وأما الأركان فثلاثة العقد وشروطه وصفته
والعاقد والمعقود عليه وصفاتهما.
ونحن نذكر المسائل المشهورة لأهل الأمصار في
جنس جنس من هذه الأجناس.
القول في مسائل العقد فمن مسائل هذا الجنس
المشهورة اختلافهم في عقد الكتابة هل هو واجب
أو مندوب إليه فقال فقهاء الأمصار إنه مندوب.
وقال أهل الظاهر هو واجب واحتجوا بظاهر قوله
تعالى :{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ
فِيهِمْ خَيْراً} والأمر على الوجوب.
وأما الجمهور فإنهم لما رأوا أن الأصل هو أن
لا يجبر أحد على عتق مملوكه حملوا هذه الآية
على الندب لئلا تكون
معارضة لهذا الأصل وأيضا فإنه لم يكن للعبد أن
يحكم له على سيده بالبيع له وهو خروج رقبته عن
ملكه بعوض فأحرى أن لا يحكم له عليه بخروجه عن
غير عوض هو مالكه وذلك أن كسب العبد هو للسيد.
(2/374)
وهذه المسألة
هي أقرب أن تكون من أحكام العقد من أن تكون من
أركانه وهذا العقد بالجملة هو أن يشتري العبد
نفسه وماله من سيده بمال يكتسبه العبد.
فأركان هذا العقد الثمن والمثمون والأجل
والألفاظ الدالة على هذا العقد.
فأما الثمن فإنهم اتفقوا على أنه يجوز إذا كان
معلوما بالعلم الذي يشترط في البيوع.
واختلفوا إذا كان في لفظه إبهام ما فقال أبو
حنيفة ومالك يجوز أن يكاتب عبده على جارية أو
عبد من غير أن يصفهما ويكون له الوسط من
العبيد وقال الشافعي لا يجوز حتى يصفه فمن
اعتبر في هذا طلب المعاينة شبهه بالبيوع ومن
رأى أن هذا العقد مقصوده المكارمة وعدم التشاح
جوز فيه الغرر اليسير كحال اختلافهم في الصداق
ومالك يجيز بين العبد وسيده من جنس الربا ما
لا يجوز بين الأجنبي والأجنبي من مثل بيع
الطعام قبل قبضه وفسخ الدين في الدين وضع
وتعجل ومنع ذلك الشافعي وأحمد وعن أبي حنيفة
القولان جميعا.
وعمدة من أجازه أنه ليس بين السيد وعبده ربا
لأنه وماله له وإنما الكتابة سنة على حدتها.
وأما الأجل فإنهم اتفقوا على أنه يجوز أن تكون
مؤجلة واختلفوا في هل تجوز حالة وذلك أيضا بعد
اتفاقهم على أنها تجوز حالة على مال موجود عند
العبد وهي التي يسمونها قطاعه لا كتابة.
وأما الكتابة فهي التي يشتري العبد فيها ماله
ونفسه من سيده بمال يكتسبه.
فموضع الخلاف إنما هو هل يجوز أن يشتري نفسه
من سيده بمال حال ليس هو بيده فقال الشافعي
هذا الكلام لغو وليس يلزم السيد شيء منه وقال
متأخر وأصحاب مالك قد لزمت الكتابة للسيد
ويرفعه العبد إلى الحاكم فينجم عليه المال
بحسب حال العبد.
وعمدة المالكية أن السيد قد أوجب لعبده
الكتابة إلا أنه اشترط فيها شرطا يتعذر غالبا
فصح العقد وبطل الشرط.
وعمدة الشافعية أن الشرط الفاسد يعود ببطلان
أصل العقد كمن باع جاريته واشترط أن لا يطأها
وذلك أنه إذا لم يكن له مال حاضر أدى إلى عجزه
وذلك ضد مقصود الكتابة.
وحاصل قول المالكية يرجع إلى أن الكتابة من
أركانها أن تكون منجمة وأنه إذا اشترط فيها ضد
هذا الركن بطل الشرط وصح العقد.
واتفقوا على أنه إذا قال السيد لعبده لقد
كاتبتك على ألف درهم فإذا أديتها فأنت حر أنه
إذا أداها فهو حر.
واختلفوا إذا قال له قد
(2/375)
كاتبتك على ألف
درهم وسكت هل يكون حرا دون أن يقول له فإذا
أديتها فأنت حر فقال مالك وأبو حنيفة هو حر.
لأن اسم الكتابة لفظ شرعي فهو يتضمن جميع
أحكامه.
وقال قوم لا يكون حرا حتى يصرح بلفظ الأداء
واختلف في ذلك قول الشافعي.
ومن هذا الباب اختلاف قول ابن القاسم ومالك
فيمن قال لعبده أنت حر وعليك ألف دينار.
فاختلف المذهب في ذلك فقال مالك.
يلزمه وهو حر وقال ابن القاسم هو حر ولا
يلزمه.
وأما إن قال أنت حر على أن عليك ألف دينار
فاختلف المذهب في ذلك فقال مالك هو حر والمال
عليه كغريم من الغرماء وقيل العبد بالخيار فإن
اختار الحرية لزمه المال ونفذت الحرية وإلا
بقي عبدا وقيل إن قبل كانت كتابة يعتق إذا أدى
والقولان لابن القاسم.
وتجوز الكتابة عند مالك على عمل محدود وتجوز
عنده الكتابة المطلقة ويرد إلى أن الكتابة
مثله كالحال في النكاح وتجوز الكتابة عنده على
قيمة العبد أعني كتابة مثله في الزمان والثمن
ومن هنا قيل إنه تجوز عنده الكتابة الحالة.
واختلف هل من شرط هذا العقد أن يضع السيد من
آخر أنجم الكتابة شيئا عن المكاتب لاختلافهم
في مفهوم قوله تعالى :{ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ
اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } وذلك أن بعضهم رأى
أن السادة هم المخاطبون بهده الآية ورأى بعضهم
أنهم جماعة المسلمين ندبوا لعون المكاتبين
والذين رأوا ذلك اختلفوا هل ذلك على الوجوب أو
على الندب والذين قالوا بذلك اختلفوا في القدر
الواجب فقال بعضهم ما ينطلق عليه اسم شيء
وبعضهم حده.
وأما المكاتب ففيه مسائل إحداها هل تجوز كتابة
المراهق وهل يجمع في الكتابة الواحدة أكثر من
عبد واحد وهل تجوز كتابة من يملك في العبد
بعضه بغير إذن شريكه وهل تجوز كتابة من لا
يقدر على السعي وهل تجوز كتابة من فيه بقية رق
فأما كتابة المراهق القوي على السعي الذي لم
يبلغ الحلم فأجازها أبو حنيفة ومنعها الشافعي
إلا للبالغ وعن مالك القولان جميعا.
فعمدة من اشترط البلوغ تشبيهها بسائر العقود.
وعمدة من لم يشترطه أنه يجوز بين السيد وعبده
ما لا يجوز بين الأجانب وأن المقصود من ذلك هو
القوة على السعي وذلك موجود في غير البالغ.
وأما هل يجمع في الكتابة الواحدة أكثر من عبد
واحد فإن
(2/376)
العلماء
اختلفوا في ذلك ثم إذا قلنا بالجمع فهل يكون
بعضهم حملاء عن بعض بنفس الكتابة حتى لا يعتق
واحد منهم إلا بعتق جميعهم فيه أيضا خلاف.
فأما هل يجوز الجمع فإن الجمهور على جواز ذلك
ومنعه قوم وهو أحد قولي الشافعي.
أما هل يكون بعضهم حملاء عن بعض فإن فيه لمن
أجاز الجمع ثلاثة أقوال فقالت طائفة ذلك واجب
بمطلق عقد الكتابة أعني حمالة بعضهم عن بعض
وبه قال مالك وسفيان وقال آخرون لا يلزمه ذلك
بمطلق العقد ويلزم بالشرط وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه وقال الشافعي لا يجوز ذلك لا بالشرط
ولا بمطلق العقد ويعتق كل واحد منهم إذا أدى
قدر حصته.
فعمدة من منع الشركة ما في ذلك من الغرر لأن
قدر ما يلزم واحدا من ذلك مجهول.
وعمدة من أجازه أن الغرر اليسير يستخف في
الكتابة لأنه بين السيد وعبده والعبد وماله
لسيده وأما مالك فحجته أنه لما كانت الكتابة
واحدة وجب أن يكون حكمهم كحكم الشخص الواحد.
وعمدة الشافعية أن حمالة بعضهم عن
بعض لا فرق بينها وبين حمالة الأجنبيين فمن
رأى حمالة الأجنبيين في الكتابة لا تجوز قال
لا تجوز في هذا الموضع.
وإنما منعوا حمالة الكتابة لأنه إذا عجز
المكاتب لم يكن للحميل شيء يرجع عليه وهذا
كأنه ليس يظهر في حمالة العبيد بعضهم عن بعض
وإنما الذي يظهر في ذلك أن هذا الشرط هو سبب
لأن يعجز من يقدر على السعي بعجز من لا يقدر
عليه فهو غرر خاص بالكتابة إلا أن يقال أيضا
إن الجمع يكون سببا لأن يخرج حرا من لا يقدر
من نفسه أن يسعى حتى يخرج حرا فهو كما يعود
برق من يقدر على السعي كذلك يعود بحرية من لا
يقدر على السعي.
وأما أبو حنيفة فشبهها بحمالة الأجنبي مع
الأجنبي في الحقوق التي تجوز فيها الحمالة
فألزمها بالشرط ولم يلزمها بغير شرط وهو مع
هذا أيضا لا يجيز حمالة الكتابة.
وأما العبد بين الشريكين فإن العلماء اختلفوا
هل لأحدهما أن يكاتب نصيبه دون إذن صاحبه فقال
بعضهم ليس له ذلك والكتابة مفسوخة.
وما قبض منها هي بينهم على قدر حصصهم وقالت
طائفة لا يجوز أن يكاتب الرجل نصيبه من عبده
دون نصيب شريكه وفرقت فرقة فقالت يجوز بإذن
شريكه ولا يجوز بغير إذن شريكه وبالقول الأول
(2/377)
قال مالك
وبالتالي قال ابن أبي ليلى وأحمد وبالثالث قال
أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وله قول آخر
مثل قول مالك.
وعمدة مالك أنه لو جاز ذلك لأدى إلى أن يعتق
العبد كله بالتقويم على الذي كاتب حظه منه
وذلك لا يجوز إلا في تبعيض العتق ومن رأى أن
له أن يكاتبه رأى أن عليه أن يتم عتقه إذا أدى
الكتابة إذا كان موسرا فاحتجاج مالك هنا هو
احتجاج بأصل لا يوافقه عليه الخصم لكن ليس
يمنع من صحة الأصل أن لا يوافقه عليه الخصم.
وأما اشتراط الإذن فضعيف وأبو حنيفة يرى في
كيفية أداء المال للمكاتب إذا كانت الكتابة عن
إذن شريكه أن كل ما أدى للشريك الذي كاتبه
يأخذ منه الشريك الثاني نصيبه ويرجع بالباقي
على العبد فيسعى له فيه حتى يتم له ما كان
كاتبه عليه وهذا فيه بعد عن الأصول.
وأما هل تجوز مكاتبة من لا يقدر على السعي فلا
خلاف فيما أعلم بينهم أن شرط المكاتب أن يكون
قويا على السعي لقوله تعالى:إن علمتم فيهم
خيرا.
وقد اختلف العلماء ما الخير الذي اشترطه الله
في الكاتبين في قوله {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ
خَيْراً} فقال الشافعي الاكتساب والأمانة وقال
بعضهم المال والأمانة وقال آخرون الصلاح
والدين
وأنكر بعض العلماء أن يكاتب من لا حرفة له
مخافة السؤال وأجاز ذلك بعضهم لحديث بريرة
أنها كوتبت أن تسأل الناس وكره أن تكاتب الأمة
التي لا اكتساب لها بصناعة مخافة أن يكون ذلك
ذريعة إلى الزنا وأجاز مالك كتابة المدبرة وكل
من فيه بقية رق إلا أم الولد إذ ليس له عند
مالك أن يستخدمها.
القول في المكاتب
وأما المكاتب فاتفقوا على أن من شرطه أن يكون
مالكا صحيح محجور عليه
صحيح الجسم.
واختلفوا هل للمكاتب أن يكاتب عبده أم لا
وسيأتي هذا فيما يجوز من أفعال المكاتب مما لا
يجوز ولم يجز مالك أن يكاتب العبد المأذون له
في التجارة لأن الكتابة عتق ولا يجوز له أن
يعتق وكذلك لا يجوز كتابة من أحاط الدين بماله
إلا أن يجيز الغرماء ذلك إذا كان في ثمن
(2/378)
كتابته إن بيعت
مثل ثمن رقبته.
وأما كتابة المريض فإنها عنده في الثلث توقف
حتى يصح فتجوز أو يموت فتكون من الثلث كالعتق
سواء وقد قيل إن حابى كان كذلك وإن لم يحاب
سعى فإن أدى وهو في المرض عتق وتجوز عنده
كتابة النصراني المسلم ويباع عليه كما يباع
عليه العبد المسلم عنده.
فهذه هي مشهورات المسائل التي تتعلق بالأركان
أعني المكاتب والمكاتب والكتابة.
وأما الأحكام فكثيرة وكذلك الشروط التي تجوز
فيها من التي لا تجوز.
ويشبه أن تكون أجناس الأحكام الأولى في هذا
العقد هو أن يقال متى يعتق المكاتب ومتى يعجز
فيرق وكيف حاله إن مات قبل أن يعتق أو يرق ومن
يدخل معه في حال الكتابة ممن لا يدخل وتمييز
ما بقي عليه من حجر الرق مما لم يبق عليه.
فلنبدأ بذكر مسائل الأحكام المشهورة التي في
جنس جنس من هذه الأجناس الخمسة.
الجنس الأول
فأما متى يخرج من الرق فإنهم اتفقوا على أنه
يخرج من الرق إذا أدى جميع الكتابة واختلفوا
إذا عجز عن البعض وقد أدى البعض فقال الجمهور
هو عبد ما بقي من كتابته شيء وإنه يرق إذا عجز
عن البعض.
وروي عن السلف المتقدم سوى هذه القول الذي
عليه الجمهور أقوال أربعة أحدها أن المكاتب
يعتق بنفس الكتابة.
والثاني أنه يعتق منه بقدر ما أدى.
والثالث أنه يعتق إن أدى النصف فأكثر.
والرابع إن أدى الثلث وإلا فهو عبد.
وعمدة الجمهور ما خرجه أبو داود عن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " أيما عبد كاتب على مائة أوقية
فأداها إلا عشرة أواق فهو عبد وأيما عبد كاتب
على مائة دينار فأداها إلا عشرة فهو عبد".
وعمدة من رأى أنه يعتق بنفس عقد الكتابة
تشبيهه إياه بالبيع فكأن المكاتب اشترى نفسه
من سيده فإن عجز لم يكن له إلا أن يتبعه
بالمال كما لو أفلس من اشتراه منه إلى أجل وقد
مات وعمدة
(2/379)
من رأى أنه
يعتق منه بقدر ما أدى ما رواه يحيى بن كثير عن
عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "يؤدي المكاتب بقدر ما أدى دية حر
وبقدر ما رق منه دية عبد" خرجه النسائي
والخلاف فيه من قبل عكرمة كما أن الخلاف في
أحاديث عمرو بن شعيب من قبل أنه روى عن صحيفة
وبهذا القول قال علي أعني بحديث ابن عباس.
وروي عن عمر بن الخطاب أنه إذا أدى الشطر عتق.
وكان ابن مسعود يقول إذا أدى الثلث.
وأقوال الصحابة وإن لم تكن
حجة فالظاهر أن التقدير إذا صدر منهم أنه
محمول على أن في ذلك سنة بلغتهم.
وفي المسألة قول خامس إذا أدى الثلاثة الأرباع
عتق.
وبقي عديما في باقي المال.
وقد قيل إن أدى القيمة فهو غريم وهو قول عائشة
وابن عمر وزيد بن ثابت والأشهر عن عمر وأم
سلمة وهو قول الجمهور وقول هؤلاء هو الذي
اعتمده فقهاء الأمصار وذلك أنه صحت الرواية في
ذلك عنهم صحة لا شك فيها روى ذلك مالك في
موطئه.
وأيضا فهو أحوط لأموال السادات ولأن المبيعات
يرجع في عين المبيع له إذا أفلس المشتري.
الجنس الثاني
وأما متى يرق فإنهم اتفقوا على أنه إنما يرق
إذا عجز إما عن البعض وإما عن الكل بحسب ما
قدمنا اختلافهم.
واختلفوا هل للعبد أن يعجز نفسه إذا شاء من
غير سبب أم ليس له ذلك إلا بسبب فقال الشافعي
الكتابة عقد لازم في حق العبد وهي في حق السيد
غير لازمة وقال مالك وأبو حنيفة الكتابة عقد
لازم من الطرفين أي بين العبد والسيد.
وتحصيل مذهب مالك في ذلك أن العبد والسيد لا
يخلو أن يتفقا على التعجيز أو يختلفا ثم إذا
اختلفا فإما أن يريد السيد التعجيز ويأباه
العبد أو بالعكس أعني أنه يريد به السيد
البقاء على الكتابة ويريد العبد التعجيز.
فأما إذا اختلفا على التعجيز فلا يخلو الأمر
من قسمين أحدهما أن يكون دخل في الكتابة ولد
أو لا يكون فإن
(2/380)
كان دخل ولد في
الكتابة فلا خلاف عنده أنه لا يجوز التعجيز.
وإن لم يكن له ولد ففي ذلك روايتان إحداهما
أنه لا يجوز إذا كان له مال وبه قال أبو
حنيفة.
والأخرى أنه يجوز له ذلك.
فأما إن طلب العبد التعجيز وأبى السيد لم يكن
ذلك للعبد إن كان معه مال أو كانت له قوة على
السعي.
وأما إن أراد السيد التعجيز وأباه العبد.
فإنه لا يعجزه عنده إلا بحكم حاكم.
وذلك بعد أن يثبت السيد عند الحاكم أنه لا مال
له ولا قدرة على الأداء.
ويرجع إلى عمدة أدلتهم في أصل الخلاف في
المسألة فعمدة الشافعي ما روي أن بريرة جاءت
إلى عائشة تقول لها "إني أريد أن تشتريني
وتعتقيني فقالت لها إن أراد أهلك فجاءت أهلها
فباعوها وهي مكاتبة" خرجه البخاري.
وعمدة المالكية تشبيههم الكتابة بالعقود
اللازمة.
ولأن حكم العبد في هذا المعنى يجب أن يكون
كحكم السيد وذلك أن العقود من شأنها أن يكون
اللزوم فيها أو الخيار مستويا في الطرفين.
وأما أن يكون لازما من طرف وغير لازم من الطرف
الثاني فخارج عن الأصول.
وعللوا حديث بريرة بأن الذي باع أهلها كانت
كتابتها لا رقبتها.
والحنفية تقول لما كان المغلب في الكتابة حق
العبد وجب أن يكون
العقد لازما في حق الآخر المغلب عليه وهو
السيد أصله النكاح لأنه غير لازم في حق الزوج
لمكان الطلاق الذي بيده وهو لازم في حق الزوجة
والمالكية تعترض على هذا بأن تقول إنه عقد
لازم فيما وقع به العوض إذ كان ليس له أن
يسترجع الصداق.
الجنس الثالث
وأما حكمه إذا مات قبل أن يؤدي الكتابة
فاتفقوا على أنه إذا مات دون ولد قبل أن يؤدي
من الكتابة شيئا أنه يرق.
واختلفوا إذا مات عن ولد فقال مالك حكم ولده
كحكمه فإن ترك مالا فيه وفاء للكتابة أدوه
وعتقوا وإن لم يترك مالا وكانت لهم قوة على
السعي بقوا على نجوم أبيهم حتى يعجزوا أو
يعتقوا وإن لم يكن عندهم لا مال ولا قدرة على
السعي رقوا وأنه إن فضل عن الكتابة شيء من
ماله ورثوه على حكم ميراث الأحرار وأنه ليس
يرثه إلا ولده الذين هم في الكتابة معه دون
سواهم من وارثيه إن كان له وارث
(2/381)
غير الولد الذي
معه في الكتابة.
وقال أبو حنيفة إنه يرثه بعد أداء كتابته من
المال الذي ترك جميع أولاده الذين كاتب عليهم
أو ولدوا في الكتابة وأولاده الأحرار وسائر
ورثته.
وقال الشافعي لا يرثه بنوه الأحرار ولا الذين
كاتب عليهم أو ولدوا في الكتابة وماله لسيده
وعلى أولاده الذين كاتب عليهم أن يسعوا من
الكتابة في مقدار حظوظهم منها وتسقط حصة الأب
عنهم وبسقوط حصة الأب عنهم قال أبو حنيفة
وسائر الكوفيين.
والذين قالوا بسقوطها قال بعضهم تعتبر القيمة
وهو قول الشافعي وقيل بالثمن وقيل حصته على
مقدار الرؤوس.
وإنما قال هؤلاء بسقوط حصة الأب عن الأبناء
الذين كاتب عليهم لا الذين ولدوا في الكتابة
لأن من ولد له أولاد في الكتابة فهم تبع
لأبيهم.
وعمدة مالك أن المكاتبين كتابة واحدة بعضهم
حملاء عن بعض ولذلك من عتق منهم أو مات لم
تسقط حصته عن الباقي.
وعمدة الفريق الثاني أن الكتابة لا تضمن.
وروى مالك عن عبد الملك بن مروان في موطئه مثل
قول الكوفيين.
وسبب اختلافهم:
ماذا يموت عليه المكاتب فعند مالك أنه يموت
مكاتبا وعند أبي حنيفة أنه يموت حرا وعند
الشافعي أنه يموت عبدا.
وعلى هذه الأصول بنوا الحكم فيه.
فعمدة الشافعي أن العبودية والحرية ليس بينهما
وسط وإذا مات المكاتب فليس حرا بعد لأن حريته
إنما تجب بأداء كتابته وهو لم يؤدها بعد فقد
بقي أنه مات عبدا لأنه لا يصح أن يعتق الميت.
وعمدة الحنفية أن العتق قد وقع بموته مع وجود
المال الذي كاتب عليه لأنه ليس له أن يرق نفسه
والحرية يجب أن تكون حاصلة له بوجود المال لا
بدفعه إلى السيد.
وأما مالك فجعل موته على حالة متوسطة بين
العبودية والحرية وهي الكتابة فمن حيث لم يورث
أولاده الأحرار منه جعل له حكم العبيد ومن حيث
لم يورث سيده ماله حكم له بحكم الأحرار
والمسألة في
حد الاجتهاد.
ومما يتعلق بهذا الجنس اختلافهم في أم ولد
المكاتب إذا مات المكاتب وترك بنين لا يقدرون
على السعي وأرادت الأم أن تسعى عليهم فقال
مالك لها ذلك وقال الشافعي والكوفيون ليس لها
ذلك.
وعمدتهم أن أم الولد إذا مات المكاتب مال من
مال السيد وأما مالك فيرى أن حرمة الكتابة
التي لسيدها صائرة إليها وإلى بنيها.
ولم يختلف قول مالك أن المكاتب
(2/382)
إذا ترك بنين
صغارا لا يستطيعون السعي وترك أم ولد لا
تستطيع السعي أنها تباع ويؤدي منها باقي
الكتابة.
وعند أبي يوسف ومحمد بن الحسن أنه لا يجوز بيع
المكاتب لأم ولده ويجوز عند أبي حنيفة
والشافعي.
واختلف أصحاب مالك في أم ولد المكاتب إذا مات
المكاتب وترك بنين ووفاه كتابته هل تعتق أم
ولده أم لا فقال ابن القاسم إذا كان معها ولد
عتقت وإلا رقت وقال أشهب تعتق على كل حال وعلى
أصل الشافعي كل ما ترك المكاتب مال من مال
سيده لا ينتفع به البنون في أداء ما عليه من
كتابته كانوا معه في عقد الكتابة أو كانوا
ولدوا في الكتابة وإنما عليهم السعي وعلى أصل
أبي حنيفة يكون حرا ولا بد ومذهب ابن القاسم
كأنه استحسان.
الجنس الرابع
وهو النظر فيمن يدخل معه في عقد الكتابة ومن
لا يدخل.
واتفقوا من هذا الباب على أن ولد المكاتب لا
يدخل في كتابة المكاتب إلا بالشرط لأنه عبد
آخر لسيده وكذلك اتفقوا على دخول ما ولد له في
الكتابة فيها واختلفوا في أم الولد على ما
تقدم.
وكذلك اختلفوا في دخول ماله أيضا بمطلق العقد
فقال مالك يدخل ماله في الكتابة وقال الشافعي
وأبو حنيفة لا يدخل وقال الأوزاعي يدخل بالشرط
أعني إذا اشترطه المكاتب.
وهذه المسألة مبنية على هل يملك العبد أم لا
يملك وعلى هل يتبعه ماله في العتق أم لا وقد
تقدم ذلك.
الجنس الخامس
وهو النظر فيما يحجر فيه على المكاتب مما لا
يحجر وما بقي من أحكام العبد فيه.
فنقول إنه قد أجمع العلماء من هذا الباب على
أنه ليس للمكاتب أن يهب من ماله شيئا له قدر
ولا يعتق ولا يتصدق بغير إذن سيده فإنه محجور
عليه في هذه الأمور وأشباهها أعني أنه ليس له
أن يخرج من يده شيئا من غير عوض واختلفوا من
هذا الباب في فروع منها أنه إذا لم يعلم السيد
بهبته
(2/383)
أو بعتقه إلا
بعد أداء كتابته فقال مالك وجماعة من العلماء
إن ذلك نافذ ومنعه بعضهم.
وعمدة من منعه أن ذلك وقع في حالة لا يجوز
وقوعه فيها فكان فاسدا.
وعمدة من أجازه أن السبب المانع من ذلك قد
ارتفع وهو مخافة أن يعجز العبد.
وسبب اختلافهم:
هل إذن السيد من شرط لزوم العقد أو من شرط
صحته فمن قال من شرط
الصحة لم يجزه وإن عتق ومن قال من شرط لزومه
قال يجوز إذا عتق لأنه وقع عقدا صحيحا فلما
ارتفع الإذن المرتقب فيه صح العقد كما لو أذن.
هذا كله عند من أجاز عتقه إذا أذن السيد فإن
الناس اختلفوا أيضا في ذلك بعد اتفاقهم على
أنه لا يجوز عتقه إذا لم يأذن السيد فقال قوم
ذلك جائز وقال قوم لا يجوز وبه قال أبو حنيفة
وبالجواز قال مالك وعن الشافعي في ذلك القولان
جميعا والذين أجازوا ذلك اختلفوا في ولاء
المعتق لمن يكون فقال مالك إن مات المكاتب قبل
أن يعتق كان ولاء عبده لسيده وإن مات وقد عتق
المكاتب كان ولاؤه له وقال قوم من هؤلاء بل
ولاؤه على كل حال لسيده.
وعمدة من لم يجز عتق المكاتب أن الولاء يكون
للمعتق لقوله عليه الصلاة والسلام "إنما
الولاء لمن أعتق" ولا ولاء للمكاتب في حين
كتابته فلم يصح عتقه.
وعمدة من رأى أن الولاء للسيد أن عبد عبده
بمنزلة عبده ومن فرق بين ذلك فهو استحسان.
ومن هذا الباب اختلافهم في هل للمكاتب أن ينكح
أو يسافر بغير إذن سيده فقال جمهورهم ليس له
أن ينكح إلا بإذن سيده وأباح بعضهم النكاح له.
وأما السفر فأباحه له جمهورهم ومنعه بعضهم وبه
قال مالك وأباحه سحنون من أصحاب مالك ولم يجز
للسيد أن يشترطه على المكاتب وأجازه ابن
القاسم في السفر القريب.
والعلة في منع النكاح أنه يخاف أن يكون ذلك
ذريعة إلى عجزه والعلة في جواز السفر أن به
يقوى على التكسب في أداء كتابته وبالجملة
فللعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال أحدها أن
للمكاتب أن يسافر بإذن سيده وبغير إذنه ولا
يجوز أن يشترط عليه أن لا يسافر وبه قال أبو
حنيفة والشافعي.
والقول الثاني أنه ليس له أن يسافر إلا بإذن
سيده وبه قال مالك.
والثالث أن بمطلق عقد الكتابة له أن يسافر إلا
أن يشترط عليه سيده أن لا يسافر وبه قال أحمد
والثوري وغيرهما.
ومن هذا الباب اختلافهم
(2/384)
في هل للمكاتب
أن يكاتب عبدا له فأجاز ذلك مالك ما لم يرد به
المحاباة وبه قال أبو حنيفة والثوري.
وللشافعي قولان أحدهما إثبات الكتابة والآخر
إبطالها.
وعمدة الجماعة أنها عقد معاوضة المقصود منه
طلب الربح فأشبه سائر العقود المباحة من البيع
والشراء.
وعمدة الشافعية أن الولاء لمن أعتق ولا ولاء
للمكاتب لأنه ليس بحر.
واتفقوا على أنه لا يجوز للسيد انتزاع شيء من
ماله ولا الانتفاع منه بشيء.
واختلفوا في وطء السيد أمته المكاتبة فصار
الجمهور إلى منع ذلك وقال أحمد وداود وسعيد بن
المسيب من التابعين ذلك جائز إذا اشترطه عليها
وعمدة الجمهور أنه وطء تقع الفرقة فيه إلى أجل
آت فأشبه النكاح إلى أجل.
وعمدة الفريق الثاني تشبيهها بالمدبرة.
وأجمعوا على أنها إن عجزت حل وطؤها.
واختلف الذين منعوا ذلك إذا وطئها هل عليه حد
أم لا فقال جمهورهم لا حد عليه لأنه وطء بشبهة
وقال بعضهم عليه الحد.
واختلفوا في إيجاب الصداق لها والعلماء فيما
أعلم على أنه في
أحكامه الشرعية على حكم العبد مثل الطلاق
والشهادة والحد وغير ذلك مما يختص به العبيد.
ومن هذا الباب اختلافهم في بيعه فقال الجمهور
لا يباع المكاتب إلا بشرط أن يبقى على كتابته
عند مشتريه وقال بعضهم بيعه جائز ما لم يؤد
شيئا من كتابته لأن بريرة بيعت ولم تكن أدت من
كتابتها شيئا وقال بعضهم إذا رضي المكاتب
بالبيع جاز وهو قول الشافعي لأن الكتابة عنده
ليست بعقد لازم في حق العبد واحتج بحديث بريرة
إذ بيعت وهي مكاتبة.
وعمدة من لم يجز بيع المكاتب ما في ذلك من نقض
العهد وقد أمر الله تعالى بالوفاء به.
وهذه المسألة مبينة على هل الكتابة عقد لازم
أم لا وكذلك اختلفوا في بيع الكتابة فقال
الشافعي وأبو حنيفة لا يجوز ذلك وأجازها مالك
ورأى الشفعة فيها للمكاتب ومن أجاز ذلك شبه
بيعها ببيع الدين ومن لم يجز ذلك رآه من باب
الغرر وكذلك شبه مالك الشفعة فيها بالشفعة في
الدين وفي ذلك أثر عن النبي صلى الله عليه
وسلم أعني في الشفعة في الدين ومذهب مالك في
بيع الكتابة أنها إن كانت بذهب أنها تجوز بعرض
معجل لا مؤجل لما يدخل في ذلك من الدين
بالدين.
وإن كانت الكتابة بعرض كان شراؤها بذهب أو فضة
معجلين أو بعرض مخالف وإذا أعتق
(2/385)
فولاؤه للمكاتب
لا للمشتري.
ومن هذا الباب اختلافهم هل للسيد أن يجبر
العبد على الكتابة أم لا وأما شروط الكتابة
فمنها شرعية هي من شروط صحة العقد وقد تقدمت
ثم ذكر أركان الكتابة ومنها شروط بحسب التراضي
وهذه الشروط منها ما يفسد العقد ومنها ما إذا
تمسك به أفسدت العقد وإذا تركت صح العقد ومنها
شروط جائزة غير لازمة ومنها شروط لازمة وهذه
كلها هي مبسوطة في كتب الفروع وليس كتابنا هذا
كتاب فروع وإنما هو كتاب أصول.
والشروط التي تفسد العقد بالجملة هي الشروط
التي هي ضد شروط الصحة المشروعة في العقد.
والشروط الجائزة هي التي لا تؤدي إلى إخلال
بالشروط المصححة للعقد ولا تلازمها فهذه
الجملة ليس يختلف الفقهاء فيها وإنما يختلفون
في الشروط لاختلافهم فيما هو منها شرط من شروط
الصحة أو ليس منها وهذا يختلف بحسب القرب
والبعد من إخلالها بشروط الصحة ولذلك جعل مالك
جنسا ثالثا من الشروط وهي الشروط التي إن تمسك
بها المشترط فسد العقد وإن لم يتمسك بها جاز
وهذا ينبغي أن تفهمه في سائر العقود الشرعية.
فمن مسائلهم المشهورة في هذا الباب إذا اشترط
في الكتابة شرطا من خدمة أو سفر أو نحوه وقوي
على أداء نجومه قبل محل أجل الكتابة هل يعتق
أم لا فقال مالك وجماعة ذلك الشرط باطل ويعتق
إذا أدى جميع المال وقالت طائفة لا يعتق حتى
يؤدي جميع المال ويأتي بذلك الشرط وهو مروي عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أعتق رقيق
الإمارة وشرط عليهم أن يخدموا الخليفة بعد
ثلاث سنين.
ولم يختلفوا أن العبد إذا أعتقه
سيده على أن يخدمه سنين أنه لا يتم عتقه إلا
بخدمة تلك السنين ولذلك القياس قول من قال إن
الشرط لازم فهذه المسائل الواقعة المشهورة في
أصول هذا الكتاب.
وههنا مسائل تذكر في هذا الكتاب وهي من كتب
أخرى وذلك أنها إذا ذكرت في هذا الكتاب ذكرت
على أنها فروع تابعة للأصول فيه وإذا ذكرت في
غيره ذكرت على أنها أصول ولذلك كان الأولى
ذكرها في هذا الكتاب.
فمن ذلك اختلافهم إذا زوج السيد بنته من
مكاتبه ثم مات السيد وورثته البنت فقال مالك
والشافعي ينفسخ النكاح لأنها ملكت جزءا منه
(2/386)
وملك يمين
المرأة محرم عليها بإجماع وقال أبو حنيفة يصح
النكاح لأن الذي ورثت إنما هو مال في ذمة
المكاتب لا رقبة المكاتب وهذه المسألة هي أحق
بكتاب النكاح.
ومن هذا الباب اختلافهم إذا مات المكاتب وعليه
دين وبعض الكتابة هل يحاص سيده الغرماء أم لا
فقال الجمهور لا يحاص الغرماء وقال شريح وابن
أبي ليلى وجماعة يضرب السيد مع الغرماء.
وكذلك اختلفوا إذا أفلس وعليه دين يستغرق ما
بيده هل يتعدى ذلك إلى رقبته فقال مالك
والشافعي وأبو حنيفة لا سبيل لهم إلى رقبته
وقال الثوري وأحمد يأخذونه إلا أن يفتكه
السيد.
واتفقوا على أنه إذا عجز عن عقل الجنايات أنه
يسلم فيها إلا أن يعقل عنه سيده والقول في هل
يحاص سيده الغرماء أو لا يحاص هو من كتاب
التفليس والقول في جنايته هو من باب الجنايات.
ومن مسائل الأقضية التي هي فروع في هذا الباب
وأصل في باب الأقضية اختلافهم في الحكم عند
اختلاف السيد والمكاتب في مال الكتابة فقال
مالك وأبو حنيفة القول قول المكاتب وقال
الشافعي ومحمد وأبو يوسف يتحالفان ويتفاسخان
قياسا على المتبايعين وفروع هذا الباب كثيرة
لكن الذي حضر منها الآن في الذكر هو ما ذكرناه
ومن وقعت له من هذا الباب مسائل مشهورة الخلاف
بين فقهاء الأمصار وهي المساجد من المسموع
فينبغي أن تثبت في هذا الموضع إذ كان القصد
إنما هو إثبات المسائل المشهورة التي وقع
الخلاف فيها بين فقهاء الأمصار مع المسائل
المنطوق بها في الشرع وذلك أن قصدنا في هذا
الكتاب كما قلنا غير مرة إنما هو أن نثبت
المسائل المنطوق بها في الشرع المتفق عليها
والمختلف فيها ونذكر من المسائل المسكوت عنها
التي شهر الخلاف فيها بين فقهاء الأمصار فإن
معرفة هذين الصنفين من المسائل هي التي تجري
للمجتهد مجرى الأصول في المسكوت عنها وفي
النوازل التي لم يشتهر الخلاف فيها بين فقهاء
الأمصار سواء نقل فيها مذهب عن واحد منهم أو
لم ينقل ويشبه أن يكون من تدرب في هذه المسائل
وفهم أصول الأسباب التي أوجبت خلاف الفقهاء
فيها أن يقول ما يجب في نازلة من النوازل أعني
أن يكون الجواب فيها على مذهب فقيه فقيه من
فقهاء الأمصار أعني في المسألة الواحدة بعينها
ويعلم حيث خالف ذلك الفقيه أصله وحيث لم يخالف
وذلك
(2/387)
إذا نقل عنه في
ذلك فتوى.
فأما إذا لم ينقل عنه في ذلك فتوى أو لم يبلغ
ذلك الناظر في هذه الأصول فيمكنه أن يأتي
بالجواب بحسب أصول الفقيه الذي يفتي على مذهبه
وبحسب الحق الذي يؤديه إليه اجتهاده ونحن نروم
إن شاء الله بعد فراغنا من هذا الكتاب أن نضع
في مذهب مالك كتابا جامعا لأصول مذهبه ومسائله
المشهورة التي تجري في مذهبه مجرى الأصول
للتفريع عليها وهذا هو الذي عمله ابن القاسم
في المدونة فإن جاوب فيما لم يكن عنده فيها
قول مالك على قياس ما كان عنده في ذلك الجنس
من مسائل مالك التي هي فيها جارية مجرى الأصول
لما جبل عليه الناس من الاتباع والتقليد في
الأحكام والفتوى بيد أن في قوة هذا الكتاب أن
يبلغ به الإنسان كما قلنا رتبة الاجتهاد إذا
تقدم فعلم من اللغة العربية وعلم من أصول
الفقه ما يكفيه في ذلك ولذلك رأينا أن أخص
الأسماء بهذا الكتاب أن نسميه كتاب بداية
المجتهد وكفاية المقتصد
(2/388)
بسم الله
الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله
وصحبه وسلم تسليما
كتاب التدبير
والنظر في التدبير في أركانه وفي أحكامه.
وأما الأركان فهي أربعة المعنى واللفظ
والمدبِّر والمدبَر.
وأما الأحكام فصنفان أحكام العقد وأحكام
المدبر.
الركن الأول فنقول أجمع المسلمون على جواز
التدبير وهو أن يقول السيد لعبده أنت حر عن
دبر مني أو يطلق فيقول أنت مدبر وهذان هما
عندهم لفظا التدبير باتفاق.
والناس في التدبير والوصية على صنفين منهم من
لم يفرق بينهما ومنهم من فرق بين التدبير
والوصية بأن جعل التدبير لازما والوصية غير
لازمة.
والذين فرقوا بينهما اختلفوا في مطلق لفظ
الحرية بعد الموت هل يتضمن معنى الوصية أو حكم
التدبير أعني إذا قال أنت حر بعد موتي فقال
مالك إذا قال وهو صحيح أنت حر بعد موتي
فالظاهر أنه وصية والقول قوله في ذلك ويجوز
رجوعه فيها إلا أن يريد التدبير.
وقال أبو حنيفة الظاهر من هذا القول التدبير
وليس له أن يرجع فيه وبقول
(2/388)
مالك قال ابن
القاسم وبقول أبي حنيفة قال أشهب قال إلا أن
يكون هنالك قرينة تدل على الوصية مثل أن يكون
على سفر أو يكون مريضا وما أشبه ذلك من
الأحوال التي جرت العادة أن يكتب الناس فيها
وصاياهم فعلى قول من لا يفرق بين الوصية
والتدبير وهو الشافعي ومن قال بقوله هذا اللفظ
هو من ألفاظ صريح التدبير.
وأما على مذهب من يفرق فهو إما من كنايات
التدبير وإما ليس من كناياته ولا من صريحه
وذلك أن ما يحمله على الوصية فليس هو عنده من
كناياته ولا من صريحه.
ومن يحمله على التدبير وينويه في الوصية فهو
عنده من كناياته وأما المدبر فإنهم اتفقوا على
أن الذي يقبل هذا العقد هو كل عبد صحيح
العبودية ليس يعتق على سيده سواء ملك كله أو
بعضه.
واختلفوا في حكم من
ملك بعضا فدبره فقال مالك يجوز ذلك وللذي لم
يدبر حظه خياران أحدهما أن يتقاوماه فإن
اشتراه الذي دبره كان مدبرا كله وإن لم يشتره
انتقض التدبير.
والخيار الثاني أن يقومه عليه الشريك وقال أبو
حنيفة للشريك الذي لم يدبر ثلاث خيارات إن شاء
استمسك بحصته وإن شاء استسعى العبد في قيمة
الحصة التي له فيه وإن شاء قومها على شريكه إن
كان موسرا وإن كان معسرا استسعى العبد وقال
الشافعي يجوز التدبير ولا يلزم شيء من هذا كله
ويبقى العبد المدبر نصفه أو ثلثه على ما هو
عليه فإذا مات مدبره عتق منه ذلك الجزء ولم
يقوم الجزء الباقي منه على السيد على ما يفعل
في سنة العتق لأن المال قد صار لغيره وهم
الورثة.
وهذه المسألة هي من الأحكام لا من الأركان
أعني أحكام المدبر فلتثبت في الأحكام.
وأما المدبر فاتفقوا على أن من شروطه أن يكون
مالكا تام الملك غير محجور عليه سواء أكان
صحيحا أو مريضا وإن من شرطه أن لا يكون ممن
أحاط الدين بماله لأنهم اتفقوا على أن الدين
يبطل التدبير.
واختلفوا في تدبير السفيه.
فهذه هي أركان هذا الباب.
وأما أحكامه فأصولها راجعة إلى أجناس خمسة
أحدها مماذا يخرج المدبر هل من رأس المال أو
الثلث.
والثاني ما يبقى فيه من أحكام الرق مما ليس
يبقى فيه أعني ما دام مدبرا.
والثالث ما يتبعه في الحرية مما ليس يتبعه.
الرابع مبطلات التدبير الطارئة عليه.
والخامس في أحكام تبعيض التدبير.
(2/389)
الجنس الأول
فأما مماذا يخرج المدبر إذا مات المدبر فإن
العلماء اختلفوا في ذلك فذهب الجمهور إلى أنه
يخرج من الثلث وقالت طائفة هو من رأس المال
معظمهم أهل الظاهر فمن رأى أنه من الثلث شبهه
بالوصية لأنه حكم يقع بعد الموت.
وقد روي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال "المدبر من الثلث " إلا أنه أثر ضعيف عند
أهل الحديث لأنه رواه علي بن طيبان عن نافع عن
عبد الله بن عمر وعلي بن طيبان متروك الحديث
عند أهل الحديث.
ومن رآه من رأس المال شبهه بالشيء يخرجه
الإنسان من ماله في حياته فأشبه الهبة.
واختلف القائلون بأنه من الثلث في فروع وهو
إذا دبر الرجل غلاما له في صحته وأعتق في مرضه
الذي مات عنه غلاما آخر فضاق الثلث عن الجمع
بينهما فقال مالك يقدم المدبر لأنه كان في
الصحة وقال الشافعي يقدم المعتق المبتل لأنه
لا يجوز له رده ومن أصله أنه يجوز عنده رد
التدبير.
وهذه المسألة هي أحق بكتاب الوصايا.
وأما الجنس الثاني
فأشهر مسألة فيه هي هل للمدبر أن يبيع المدبر
أم لا فقال مالك وأبو حنيفة وجماعة من أهل
الكوفة ليس للسيد أن يبيع مدبره وقال الشافعي
وأحمد وأهل الظاهر وأبو ثور له
أن يرجع فيبيع مدبره وقال الأوزاعي لا يباع
إلا من رجل يريد عتقه واختلف أبو حنيفة ومالك
من هذه المسألة في فروع وهو إذا بيع فأعتقه
المشتري فقال مالك ينفذ العتق وقال أبو حنيفة
والكوفيون البيع مفسوخ سواء أعتقه المشتري أو
لم يعتقه.
وهو أقيس من جهة أنه ممنوع عبادة.
فعمدة من أجاز بيعه ما ثبت من حديث جابر "أن
النبي صلى الله عليه وسلم باع مدبرا" وربما
شبهوه بالوصية.
وأما عمدة المالكية فعموم قوله تعالى :{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ} لأنه عتق إلى أجل فأشبه أم
الولد أو أشبه العتق المطلق.
فكان سبب الاختلاف ههنا معارضة القياس للنص أو
العموم للخصوص.
ولا خلاف بينهم أن المدبر أحكامه
(2/390)
في حدوده
وطلاقه وشهاداته وسائر أحكامه أحكام العبيد.
واختلفوا من هذا الباب في جواز وطء المدبرة
فجمهور العلماء على جواز وطئها وروي عن ابن
شهاب منع ذلك وعن الأوزاعي كراهية ذلك إذا لم
يكن وطئها قبل التدبير.
وعمدة الجمهور تشبيهها بأم الولد ومن لم يجز
ذلك شبهها بالمعتقة إلى أجل ومنع وطء المعتقة
إلى أجل شبهها بالمنكوحة إلى أجل وهي المتعة
واتفقوا على أن للسيد في المدبر الخدمة ولسيده
أن ينتزع ماله منه متى شاء كالحال في العبد
قال مالك إلا أن يمرض مرضا مخوفا فيكره له
ذلك.
الجنس الثالث
فأما ما يتبعه في التدبير مما لا يتبعه فإن من
مسائلهم المشهورة في هذا الباب اختلافهم في
ولد المدبرة الذين تلدهم بعد تدبير سيدها من
نكاح أو زنا فقال الجمهور ولدها بعد تدبيرها
بمنزلتها يعتقون بعتقها ويرقون برقها وقال
الشافعي في قوله المختار عند أصحابه إنهم لا
يعتقون بعتقها وأجمعوا على أنه إذا أعتقها
سيدها في حياته أنهم يعتقون بعتقها.
وعمدة الشافعية أنهم إذا لم يعتقوا في العتق
المنجز فأحرى أن لا يعتقوا في العتق المؤجل
بالشرط.
واحتج أيضا بإجماعهم على أن الموصى لها بالعتق
لا يدخل فيه بنوها.
والجمهور رأوا أن التدبير حرمة ما فأوجبوا
إتباع الولد تشبيها بالكتابة وقول الجمهور
مروي عن عثمان وابن مسعود وابن عمر وقول
الشافعي مروي عن عمر بن عبد العزيز وعطاء بن
أبي رباح ومكحول.
وتحصيل مذهب مالك في هذا أن كل امرأة فولدها
تبع لها إن كانت حرة فحر وإن كانت مكاتبة
فمكاتب وإن كانت مدبرة فمدبر أو معتقة إلى أجل
فمعتق إلى أجل وكذلك أم الولد ولدها بمنزلتها
وخالف في ذلك أهل الظاهر وكذلك المعتق بعضه
عند مالك وأجمع العلماء على أن كل ولد من
تزويج فهو تابع لأمه في الرق والحرية وما
بينهما من العقود المفضية إلى الحرية إلا ما
اختلفوا فيه من التدبير ومن أمة زوجها عربي.
وأجمعوا على أن كل ولد من ملك يمين أنه تابع
لأبيه إن حرا فحرا وإن عبدا فعبدا وإن مكاتبا
فمكاتبا.
واختلفوا في المدبر إذا تسرى فولد له فقال
مالك حكمه حكم الأب يعني أنه مدبر وقال
(2/391)
الشافعي وأبو
حنيفة ليس يتبعه.ولده في التدبير وعمدة مالك
الإجماع على أن الولد من ملك اليمين تابع للأب
ما عدا المدبر وهو من باب قياس موضع الخلاف
على موضع الإجماع.
وعمدة الشافعية أن ولد المدبر مال من ماله
ومال المدبر للسيد انتزاعه منه وليس يسلم له
أنه مال من ماله ويتبعه في الحرية ماله عند
مالك.
الجنس الرابع
وأما النظر في تبعيض التدبير فقد قلنا فيمن
دبر له حظا في عبده دون أن يدبر شريكه ونقله
إلى هذا الموضع أولى فلينقل إليه.
وأما من دبر جزءا من عبد هو له كله.
فإنه يقضى عليه بتدبير الكل قياسا على من بعض
العتق عند مالك.
وأما الجنس الخامس وهو مبطلات التدبير
فمن هذا الباب اختلافهم في إبطال الدين
للتدبير فقال مالك والشافعي الدين يبطله وقال
أبو حنيفة ليس يبطله ويسعى في الدين وسواء
أكان الدين مستغرقا للقيمة أو لبعضها.
ومن هذا الباب اختلافهم في النصراني يدبر عبدا
له نصرانيا فيسلم العبد قبل موت سيده فقال
الشافعي يباع عليه ساعة يسلم ويبطل تدبيره
وقال مالك يحال بينه وبين سيده ويخارج على
سيده النصراني ولا يباع عليه حتى يبين أمر
سيده فإن مات عتق المدبر ما لم يكن عليه دين
يحيط بماله وقال الكوفيون إذا أسلم مدبر
النصراني قوم وسعى العبد في قيمته ومدبر الصحة
يقدم عند مالك على مدبر المرض إذا ضاق الثلث
عنهما.
(2/392)
بسم الله
الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله
وصحبه وسلم تسليما
كتاب أمهات
الأولاد
وأصول هذا الباب النظر في هل تباع أم الولد أم
لا وإن كانت لا تباع فمتى تكون أم ولد وبماذا
تكون أم ولد وما يبقى فيها لسيدها من أحكام
العبودية ومتى تكون حرة؟
(2/392)
(أما المسألة
الأولى) فإن العلماء اختلفوا فيها سلفهم
وخلفهم فالثابت عن عمر رضي الله عنه أنه قضى
بأنها لا تباع وأنها حرة من رأس مال سيدها إذا
مات.
وروي مثل ذلك عن عثمان وهو قول أكثر التابعين
وجمهور فقهاء الأمصار.
وكان أبو بكر الصديق وعلي رضوان الله عليهما
وابن عباس وابن الزبير و جابر بن عبدالله وأبو
سعيد الخدري يجيزون بيع أم الولد وبه قالت
الظاهرية من فقهاء الأمصار.
وقال جابر وأبو سعيد "كنا نبيع أمهات الأولاد
والنبي عليه الصلاة والسلام فينا لا يرى بذلك
بأسا".
واحتجوا بما روي عن جابر أنه قال: "كنا نبيع
أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر ثم
نهانا عمر عن بيعهن" ومما اعتمد عليه أهل
الظاهر في هذه المسألة النوع من الاستدلال
الذي يعرف باستصحاب حال الإجماع وذلك أنهم
قالوا لما انعقد الإجماع على أنها مملوكة قبل
الولادة وجب أن تكون كذلك بعد الولادة إلى أن
يدل الدليل على غير ذلك وقد تبين في كتب
الأصول قوة هذا الاستدلال وأنه لا يصح عند من
يقول بالقياس وإنما يكون ذلك دليلا بحسب رأي
من ينكر القياس وربما احتج الجمهور عليهم بمثل
احتجاجهم وهو الذي يعرفونه بمقابلة الدعوى
بالدعوى وذلك أنهم يقولون أليس تعرفون أن
الإجماع قد انعقد على منع بيعها في حال حملها
فإذا كان ذلك وجب أن يستصحب حال هذا الإجماع
بعد وضع الحمل إلا أن المتأخرين من أهل الظاهر
أحدثوا في هذا الأصل نقضا وذلك أنهم لا يسلمون
منع بيعها حاملا.
ومما اعتمده الجمهور في هذا الباب من الأثر ما
روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في مارية
سريته لما ولدت إبراهيم "أعتقها ولدها" ومن
ذلك حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال "أيما امرأة ولدت من سيدها فإنها
حرة إذا مات" وكلا الحديثين لا يثبت عند أهل
الحديث حكى ذلك أبو عمر بن عبد البر رحمه الله
وهو من أهل هذا الشأن وربما قالوا أيضا من
طريق المعنى إنها قد وجبت لها حرمة وهو اتصال
الولد بها وكونه بعضا منها وحكوا هذا التعليل
عن عمر رضي الله عنه حين رأى أن لا يبعن فقال
خالطت لحومنا لحومهن ودماؤنا دماءهن.
وأما متى تكون أم ولد فإنهم اتفقوا
(2/393)
على أنها تكون
أم ولد إذا ملكها قبل حملها منه.
واختلفوا إذا ملكها وهي حامل منه أو بعد أن
ولدت منه فقال مالك لا تكون أم ولد إذا ولدت
منه قبل أن يملكها ثم ملكها وولدها وقال أبو
حنيفة تكون أم ولد.
واختلف قول مالك إذا ملكها وهي حامل والقياس
أن تكون أم ولد في جميع الأحوال إذ كان ليس من
مكارم الأخلاق أن يبيع المرء أم ولده وقد قال
عليه الصلاة والسلام " بعثت لأتمم مكارم
الأخلاق" وأما بماذا تكون أم ولد فإن مالكا
قال كل ما وضعت مما يعلم أنه ولد كانت مضغة أو
علقة وقال الشافعي لا بد أن يؤثر في ذلك شيء
مثل الخلقة والتخطيط.
واختلافهم راجع إلى ما ينطلق عليه اسم الولادة
أو ما يتحقق أنه مولد.
وأما ما يبقي فيها من أحكام العبودية فإنهم
اتفقوا على أنها في شهادتها وحدودها وديتها
وأرش جراحها كالأمة.
وجمهور من منع بيعها ليس يرون ههنا سببا طارئا
عليها يوجب بيعها إلا ما روي عن عمر بن الخطاب
أنها إذا زنت رقت.
واختلف قول مالك والشافعي هل لسيدها استخدامها
طول حياته واغتلاله إياها فقال مالك ليس له
ذلك وإنما له فيها الوطء فقط وقال الشافعي له
ذلك.
وعمدة مالك أنه لما لم يملك رقبتها بالبيع لم
يملك إجارتها إلا أنه يرى أن إجارة بنيها من
غيره جائزة لأن حرمتهم عنده أضعف.
وعمدة الشافعي انعقاد الإجماع على أنه يجوز له
وطؤها.
فسبب الخلاف تردد إجارتها بين أصلين أحدهما
وطؤها.
والثاني بيعها.
فيجب أن يرجح أقوى الأصلين شبها.
وأما متى تكون حرة فإنه لا خلاف بينهم أن آن
ذلك الوقت هو إذا مات السيد ولا أعلم الآن
أحدا قال تعتق من الثلث وقياسها على المدبر
ضعيف على قول من يقول إن المدبر يعتق من
الثلث.
(2/394)
|