مواهب
الجليل في شرح مختصر خليل ط دار الفكر [فَصَلِّ فِي بَيَان حُكْم الْحَيْض
وَالنِّفَاس]
ص (فَصْلٌ الْحَيْضُ دَمٌ كَصُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ) .
ش قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ
الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ حَيْضٌ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهَا لَغْوٌ، وَقِيلَ:
إنْ
(1/364)
كَانَتْ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ فَهِيَ
حَيْضٌ وَإِلَّا فَهِيَ اسْتِحَاضَةٌ وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ لَا خِلَافَ
أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ حَيْضٌ مَا لَمْ تَرَ ذَلِكَ عَقِيبَ
طُهْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يَمْضِ مِنْ الزَّمَانِ مَا يَكُونُ طُهْرًا
فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ رَأَتْ عَقِيبَ طُهْرِهَا قَطْرَةَ دَمٍ
كَالْغُسَالَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا غُسْلٌ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا
الْوُضُوءُ لِقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ: كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ
وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا، انْتَهَى.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مُخَالِفٌ
لِلْمَشْهُورِ وَبِهَذَا صَدَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَحَكَاهُ عَنْ
اللَّخْمِيِّ أَيْضًا وَحَكَى عَنْ الْبَاجِيِّ وَالْمَازِرِيِّ أَنَّهُمَا
جَعَلَا قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَنَصُّهُ: وَفِي
كَوْنِ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ حَيْضًا مُطْلَقًا، أَوْ مَا لَمْ
يَكُونَا بَعْدَ اغْتِسَالٍ قَبْلَ تَمَامِ طُهْرٍ قَوْلَانِ لِظَاهِرِ
التَّلْقِينِ مَعَ الْجَلَّابِ وَالْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ
مُوجِبًا مِنْهُ الْوُضُوءَ وَجَعَلَهُ الْبَاجِيُّ وَالْمَازِرِيُّ
الْمَذْهَبَ وَاللَّخْمِيُّ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي
كَوْنِهِمَا حَيْضًا مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ فِي حَيْضٍ، أَوْ
اسْتِظْهَارٍ وَفِي غَيْرِهِمَا اسْتِحَاضَةٌ رِوَايَتَانِ لَهَا، أَوْ
لِعَلِيٍّ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ
فَأَوْهَمَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ
ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا اغْتَسَلَتْ لِحَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ ثُمَّ
رَأَتْ قَطْرَةَ دَمٍ، أَوْ غُسَالَةَ دَمٍ لَمْ تُعِدْ الْغُسْلَ
وَلْتَتَوَضَّأْ، وَهَذَا يُسَمَّى التَّرِيَّةَ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا جَاءَهَا بَعْدَ الْغُسْلِ صُفْرَةٌ، أَوْ
كُدْرَةٌ، أَوْ دَمٌ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ:
لَا تَغْتَسِلُ لِذَلِكَ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ، وَهَذِهِ تُسَمَّى
التَّرِيَّةَ وَفِي الْكِتَابِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ
شِهَابٍ أَنَّهَا لَا تُصَلِّي مَا دَامَتْ تَرَى مِنْ التَّرِيَّةِ
شَيْئًا مِنْ حَيْضٍ، أَوْ حَمْلٍ وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ
يُرْخِيهِ الرَّحِمُ عَادَةً وَاعْتِبَارًا فَإِذَا تَمَادَى، وَلَوْ
يَوْمًا فَإِنَّهَا تُلْغِي ذَلِكَ الطُّهْرَ وَتَضُمُّ الدَّمَ الثَّانِيَ
لِلْأَوَّلِ وَمَا يَكُونُ حَيْضًا إذَا طَالَ يَكُونُ حَيْضًا إذَا لَمْ
يَطُلْ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِقَرِيبٍ
مِنْ هَذَا الِاخْتِصَارِ وَزَادَ يُمْكِنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى
أَنَّهَا لَا تُعِدْ طُهْرًا، انْتَهَى.
فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ خِلَافُ الرَّاجِحِ، وَإِنْ
اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْبَاجِيُّ وَابْنُ يُونُسَ وَالْمَازِرِيُّ وَلَفْظُ
الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا رَأَتْ صُفْرَةً أَوْ
كُدْرَةً فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا، أَوْ فِي غَيْرِهَا فَهُوَ حَيْضٌ،
وَإِنْ لَمْ تَرَ مَعَهُ دَمًا، وَالتَّرِيَّةُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ
الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ
قَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ قَالَ: وَهِيَ شَبَهُ الْغُسَالَةِ، وَقِيلَ:
هِيَ الْخِرْقَةُ الَّتِي بِهَا تَعْرِفُ الْحَائِضُ طُهْرَهَا وَقَالَ
الْهَرَوِيُّ: هِيَ الْحَيْضُ الْيَسِيرُ أَقَلُّ مِنْ الصُّفْرَةِ وَفِي
كِتَابِ الْعَيْنِ التَّرِيَّةُ مَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ صُفْرَةٍ،
أَوْ بَيَاضٍ عِنْدَ الْحَيْضِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَدِّلِ: هِيَ
الدَّفْعَةُ مِنْ الْحَيْضِ لَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْحَيْضِ مَا
يَكُونُ حَيْضَةً كَامِلَةٍ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: هِيَ الْمَاءُ
الْمُتَغَيِّرُ دُونَ الصُّفْرَةِ، انْتَهَى.
، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (خَرَجَ بِنَفْسِهِ)
ش: يَخْرُجُ بِهِ دَمُ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ وَدَمُ
الْعَذِرَةِ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ الِافْتِضَاضِ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ؛
لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِسَبَبِ عِلَّةٍ، أَوْ فَسَادٍ فِي الْبَدَنِ وَقَوْلُ
الْبِسَاطِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُخْرِجُ
دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَأَخْرَجَ
بِقَوْلِهِ بِنَفْسِهِ الْخَارِجَ مِنْ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ
الْوِلَادَةِ أَوْ بِشَيْءٍ كَدَمِ الْعَذِرَةِ، وَمِنْ ثَمَّ أَجَابَ
شَيْخُنَا لَمَّا سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ عَالَجَتْ دَمَ الْمَحِيضِ هَلْ
تَبْرَأُ مِنْ الْعِدَّةِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ
وَتُوقَفُ عَنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ؟ وَالظَّاهِرُ عَلَى
بَحْثِهِ أَنْ لَا يُتْرَكَا، وَإِنَّمَا قَالَ: الظَّاهِرُ لِاحْتِمَالِ
أَنَّ اسْتِعْجَالَهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْحَيْضِ كَإِسْهَالِ
الْبَطْنِ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) لَا يَلْزَمُ مِنْ إلْغَائِهِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ إلْغَاؤُهُ
فِي الْعِبَادَةِ إذْ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَإِنَّ
الدَّفْعَةَ حَيْضٌ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ، وَلَيْسَتْ حَيْضًا فِي بَابِ
الْعِدَّةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي
الْعِدَّةِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَإِذَا جُعِلَ لَهُ دَوَاءٌ لَمْ يَدُلَّ
عَلَى الْبَرَاءَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ إلَّا بِالدَّوَاءِ،
وَأَمَّا فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُلْغَى بِمَا
قَالَ إنَّ اسْتِعْجَالَهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ حَيْضًا
كَإِسْهَالِ الْبَطْنِ، انْتَهَى.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُلْغَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ
بِنَفْسِهِ، وَهَذَا إذَا جُعِلَ لَهُ دَوَاءٌ وَاسْتَعْجَلَ بِهِ قَبْلَ
أَوَانِهِ، وَأَمَّا إذَا
(1/365)
تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ
بِالْمَرْأَةِ رِيبَةُ حَمْلٍ فَجُعِلَ لَهُ دَوَاءٌ لِيَأْتِيَ
فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْحَيْضِ إذَا لَمْ
يَكُنْ حَمْلٌ إنَّمَا يَكُونُ لِمَرَضٍ فَإِذَا جُعِلَ دَوَاءٌ لِرَفْعِ
الْمَرَضِ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ كَوْنِهِ حَيْضًا، وَقَدْ يَتَلَمَّحُ
ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اسْتِعْجَالُهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ
تَعَالَى أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا اسْتَعْمَلَتْ الْمَرْأَةُ
دَوَاءً لِقَطْعِ الدَّمِ وَرَفْعِهِ فَهَلْ تَصِيرُ طَاهِرَةً أَمْ لَا؟
قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى طَوَافِ
الْإِفَاضَةِ وَمَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ لِقَطْعِ
الدَّمِ وَحُصُولِ الطُّهْرِ إنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ يَقْطَعُ الدَّمَ
الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ إجْمَاعًا وَحُكْمُهَا
حُكْمُ الْحَائِضِ وَإِذَا اسْتَدَامَ انْقِطَاعُهُ نَحْوَ ثَمَانِيَةِ
أَيَّامٍ، أَوْ عَشَرَةٍ فَقَدْ صَحَّ طَوَافُهَا إذَا طَافَتْ فِي ذَلِكَ
الطُّهْرِ وَإِنْ عَاوَدَهَا فِي الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ إلَى
الْخَمْسَةِ فَقَدْ طَافَتْ وَهِيَ مَحْكُومٌ لَهَا بِحُكْمِ الْحَيْضِ
فَكَأَنَّهَا طَافَتْ مَعَ وُجُودِ الدَّمِ.
وَلَمْ أَرَ نَصًّا فِي جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ إذَا كَانَتْ
جَاهِلَةً بِتَأْثِيرِهِ فِي الدَّمِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الشَّيْخِ
خَلِيلٍ فِي التَّوْضِيحِ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ عَقِبَهُ: فَعَلَى
بَحْثِهِ فِي أَنَّ اسْتِعْجَالَهُ لَا يُؤْثِرُ فَيَنْبَغِي أَنَّ
رَفْعَهُ لَا يُؤْثِرُ لَا سِيَّمَا إذَا عَاوَدَهَا بِقُرْبِ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمَرْأَةِ تَخَافُ تَعْجِيلَ
الْحَيْضِ فَيُوصَفُ لَهَا شَرَابٌ تَشْرَبُهُ لِتَأْخِيرِ الْحَيْضِ
قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِصَوَابٍ وَكَرِهَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا
كَرِهَهُ مَخَافَةَ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى نَفْسِهَا ضَرَرًا بِذَلِكَ فِي
جِسْمِهَا، انْتَهَى.
فَانْظُرْ هَلْ هَذَا مِثْلُ الْأَدْوِيَةِ الَّتِي تَقْطَعُ الدَّمَ
بَعْدَ وُجُودِهِ أَوْ لَا؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ بَعْدَ
إتْيَانِ الدَّمِ مَحْكُومٌ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا حَائِضٌ وَلَا يَزُولُ
حُكْمُهُ إلَّا بِدَوَامِ انْقِطَاعِهِ أَقَلَّ مُدَّةً مَا بَيْنَ
الدَّمَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَحَاصِلُهُ
أَنَّهَا إنْ عَلِمَتْ أَنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَرْتَفِعُ الْيَوْمَ
وَنَحْوَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا تَطْهُرُ
بِذَلِكَ، وَإِنْ عَاوَدَهَا بَعْدَ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ إلَى
الْخَمْسَةِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحَائِضِ لَا يَصِحُّ طَوَافُهَا.
وَإِنْ كَانَ ارْتِفَاعُهُ يَسْتَدِيمُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، أَوْ
ثَمَانِيَةً صَحَّ طَوَافُهَا، وَإِنْ جَهِلَتْ تَأْثِيرَهُ فِي رَفْعِ
الدَّمِ فَلَمْ نَرَ نَصًّا فِي جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ وَمَا
ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ فِي رَسْمِ مَرِضَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ
الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَفِي أَوَّلِ السُّؤَالِ سُئِلَ عَنْ
الْمَرْأَةِ تُرِيدُ الْعُمْرَةَ وَتَخَافُ تَعْجِيلَ الْحَيْضِ إلَخْ
وَقَوْلُ ابْنُ فَرْحُونٍ اُنْظُرْ هَلْ هَذَا مِثْلُ الْأَدْوِيَةِ
الَّتِي تَقْطَعُ الدَّمَ بَعْدَ وُجُودِهِ أَوْ لَا؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ
لَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ
الْحُكْمَ وَاحِدٌ قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ
الْبَيَانِ، قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ يُكْرَهُ مَا بَلَغَنِي أَنْ يَصْنَعَهُ
يَتَعَجَّلْنَ بِهِ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ مِنْ شَرَابِ الشَّجَرِ
وَالتَّعَالُجِ بِهَا وَبِغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَعْنَى فِي
كَرَاهَةِ ذَلِكَ مَا يُخْشَى أَنْ تُدْخِلَ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ
الضَّرَرِ بِجِسْمِهَا بِشُرْبِ الدَّوَاءِ الَّذِي قَدْ يَضُرُّهَا،
انْتَهَى.
فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا
الْكَرَاهَةُ خَوْفَ ضَرَرِ جِسْمِهَا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ
بِهِ الطُّهْرُ لَبَيَّنَهُ، ابْنُ رُشْدٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّهُ إذَا عَاوَدَهَا فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ
فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحَائِضِ فَكَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ الْخَمْسَةَ
أَقَلُّ الطُّهْرِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ
أَنَّ مَا دُونَهَا طُهْرٌ وَأَنَّ مَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ
أَقَلَّ مِنْ أَيَّامِ الطُّهْرِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَيَّامِ الْحَيْضِ،
وَهَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ
الطُّهْرُ تَلْفِقُ أَيَّامَ الدَّمِ وَتُلْغِي أَيَّامَ الطُّهْرِ
وَتَكُونُ فِيهَا طَاهِرًا حَقِيقَةً قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ:
وَتَتَطَهَّرُ فِي أَيَّامِ الطُّهْرِ الَّتِي كَانَتْ تَأْخُذُهَا عِنْدَ
انْقِطَاعِ الدَّمِ وَتُصَلِّي وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا، انْتَهَى مِنْ
تَهْذِيبِ الْبَرَاذِعِيِّ وَلَفْظُ الْأُمِّ: وَالْأَيَّامُ الَّتِي
كَانَتْ تُلْغِيهَا فِيمَا بَيْنَ الدَّمِ الَّتِي كَانَتْ لَا تَرَى
فِيهَا دَمًا تُصَلِّي فِيهَا وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَتَصُومُهَا وَهِيَ
فِيهَا طَاهِرٌ، وَلَيْسَتْ تِلْكَ الْأَيَّامُ بِطُهْرٍ تَعْتَدُّ بِهِ
فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَ تِلْكَ الْأَيَّامِ مِنْ
الدَّمِ وَاَلَّذِي بَعْدَ تِلْكَ الْأَيَّامِ قَدْ أُضِيفَ بَعْضُهُ إلَى
بَعْضٍ فَجُعِلَ حَيْضَةً وَاحِدَةً وَكَانَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ
الطُّهْرِ مُلْغَى، انْتَهَى بِاللَّفْظِ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهَا صَاحِبُ
الطِّرَازِ وَذَكَرَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ غُسْلِهَا.
وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ:
وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ وَتَصُومُ وَتُوطَأُ وَقَالَ ابْنُ
عَرَفَةَ: وَالدَّمُ يَنْقَطِعُ
(1/366)
بِطُهْرٍ غَيْرِ تَامٍّ الْمَشْهُورُ
كَمُتَّصِلٍ تَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ فَتَطْهُرُ حَقِيقَةً وَقَالَ
فِي الْإِرْشَادِ: وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ أَيَّامَ
انْقِطَاعِهِ، وَلَا تُوطَأُ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهِ:
قَوْلُهُ لَا تُوطَأُ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ بَلْ لَمْ
يَقِفْ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ بِخُصُوصِهَا، انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) نُصُوصُ الْمَذْهَبِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرَهَا
صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ صَوْمَهَا صَحِيحٌ مُجْزِئٌ وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ:
هُوَ مُشْكِلٌ، وَلَمْ أَرَ نَصًّا صَرِيحًا وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ
صِحَّتُهُ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الصَّوْمَ فِي ذِمَّتِهَا بِيَقِينٍ
فَلَا تَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ، انْتَهَى.
بِالْمَعْنَى وَمَا قَالَهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (مِنْ قُبُلِ مَنْ تَحْمِلُ عَادَةً)
ش: احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: مِنْ قُبُلِ، مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ
أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا وَبِقَوْلِهِ: مَنْ تَحْمِلُ
عَادَةً، مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْيَائِسَةِ. أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَقَالَ
ابْنُ الْحَاجِبِ: فَدَمُ بِنْتِ سِتٍّ وَنَحْوِهَا لَيْسَ بِحَيْضٍ
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَيَخْرُجُ دَمُ بِنْتِ سَبْعٍ وَنَحْوِهَا
وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي انْتِهَاءِ الصِّغَرِ فَقَالَ
تِسْعٌ، وَقِيلَ: بِأَوَّلِهَا، وَقِيلَ: بِوَسَطِهَا، وَقِيلَ:
بِآخِرِهَا، انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: كَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَقْتَضِي
أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لِلدَّمِ بِأَنَّهُ حَيْضٌ إلَّا إذَا كَانَ فِي
أَوَانِ الْبُلُوغِ بِمُقَدِّمَاتٍ وَأَمَارَاتٍ مِنْ نُفُورِ الثَّدْيِ
وَنَبَاتِ شَعْرِ الْعَانَةِ وَعَرَقِ الْإِبْطِ وَشَبَهِهِ فَأَمَّا
بِنْتُ خَمْسٍ وَشَبَهُهَا إذَا رَأَتْ دَمًا فَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ
بَوَاسِيرَ وَشَبَهِهَا، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَسِنُّ النِّسَاءِ قَدْ
يَخْتَلِفُ فِي الْبُلُوغِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَعْجَلُ مَنْ سَمِعْت
النِّسَاءَ يَحِضْنَ نِسَاءُ تِهَامَةٍ يَحِضْنَ لِتِسْعِ سِنِينَ
وَرَأَيْت جَدَّةً لَهَا إحْدَى وَعِشْرُونَ سَنَةً فَالْوَاجِبُ أَنْ
يُرْجَعَ فِي ذَلِكَ إلَى مَا يَعْرِفُهُ النِّسَاءُ فَهُنَّ عَلَى
الْفُرُوجِ مُؤْتَمَنَاتٌ، فَإِنْ شَكَكْنَ أُخِذَ فِي ذَلِكَ
بِالْأَحْوَطِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا الْآيِسَةُ فَاخْتُلِفَ فِي ابْتِدَاءِ سِنِّ الْيَأْسِ فَقَالَ
ابْنُ شَعْبَانَ: خَمْسُونَ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَمْ يَحْكِ
الْبَاجِيُّ غَيْرَهُ قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهُوَ
الْمَعْرُوفُ فِي سِنِّهَا وَوَجْهُ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابْنَةُ خَمْسِينَ عَجُوزٌ فِي الْغَابِرِينَ
وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: قَلَّ امْرَأَةٌ تُجَاوِزُ
خَمْسِينَ فَتَحِيضُ إلَّا أَنْ تَكُونَ قُرَشِيَّةً وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ:
سَبْعُونَ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالسِّتُّونَ
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْأَلُ النِّسَاءُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ
الْأَبِيُّ: وَفِي الْمُدَوَّنَةِ بِنْتُ السَّبْعِينَ آيِسٌ وَغَيْرُهَا
يُسْأَلُ النِّسَاءُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ
يَعْنِي فِي الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ بِقَوْلِهِ لَيْسَ بِحَيْضٍ
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الصَّغِيرَةِ، وَأَمَّا الْآيِسَةُ فَكَذَلِكَ
أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ
عِدَّتَهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَاخْتُلِفَ فِي الْعِبَادَةِ
وَالْمَشْهُورُ كَمَا قَالَ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا
انْقَطَعَ هَذَا الدَّمُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ
عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَعَلَيْهِ
فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ
ابْنُ حَبِيبٍ، انْتَهَى.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي غُسْلِهَا مُفَرَّعٌ عَلَى
الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا أَمْ لَا وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ
عَرَفَةَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَوْنُ دَمِهَا حَيْضًا فِي
الْعِبَادَاتِ قَوْلَا الصَّقَلِّيِّ عَنْ أَشْهَبَ مَعَ الشَّيْخِ عَنْ
رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ مَعَهَا وَعَلَيْهِ فِي
وُجُوبِ الْغُسْلِ لِانْقِطَاعِهِ قَوْلَا ابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ
الْقَاسِمِ، انْتَهَى.
وَنَحْوُهُ لِابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامُ ابْنِ
يُونُسَ يُوَافِقُ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ.
ص (وَإِنْ دَفْعَةً)
ش: قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الدُّفْعَةُ مِنْ الْمَطَرِ وَغَيْرِهِ
بِالضَّمِّ مِثْلُ الدُّفْقَةِ وَالدَّفْعَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ
الْوَاحِدَةُ.
(قُلْتُ) وَالْمَعْنَيَانِ صَحِيحَانِ (فَإِنْ قُلْتَ) أَهْلُ الْمَذْهَبِ
يَقُولُونَ إنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ غَيْرُ مَحْدُودٍ فَالدَّفْعَةُ حَيْضٌ
وَإِذَا كَانَتْ الدَّفْعَةُ حَيْضًا وَلَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ
فَالدَّفْعَةُ حَدٌّ لِأَقَلِّهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ
أَقَلَّهُ لَا حَدَّ لَهُ بِالزَّمَانِ.
(تَنْبِيهٌ) الدَّفْعَةُ حَيْضٌ، وَلَيْسَتْ حَيْضَةً إذْ الْحَيْضَةُ مَا
يَقَعُ الِاعْتِدَادُ بِهِ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ، قَالَهُ
الرَّجْرَاجِيُّ
ص (وَأَكْثَرُهُ لِمُبْتَدِئَةٍ نِصْفُ شَهْرٍ) . ش قَالَ
(1/367)
فِي فَرْضِ الْعَيْنِ لِابْنِ جَمَاعَةٍ
التُّونُسِيِّ: وَتَلْفِقُ الْأَيَّامَ، فَإِنْ حَاضَتْ مَثَلًا فِي ظُهْرِ
يَوْمِ السَّبْتِ فَتَغْتَسِلُ فِي ظُهْرِ يَوْمِ الْأَحَدِ السَّادِسَ
عَشَرَ مِنْهُ، انْتَهَى.
وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّلْفِيقِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي
التَّوْضِيحِ فِيمَنْ يَنْقَطِعُ طُهْرُهَا فَتَطْهُرُ يَوْمًا وَتَحِيضُ
يَوْمًا فَإِنَّ قَوْلَنَا حَاضَتْ يَوْمًا لَا نُرِيدُ بِهِ اسْتِيعَابَ
جَمِيعِ الْيَوْمِ بِالْحَيْضِ فَقَدْ نُقِلَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ
الْقَاسِمِ فِي الَّتِي لَا تَرَى الدَّمَ إلَّا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً
فَإِنْ رَأَتْهُ صَلَاةَ الظُّهْرِ فَتَرَكَتْ الصَّلَاةَ ثُمَّ رَأَتْ
الطُّهْرَ قَبْلَ الْعَصْرِ فَلْتَحْسِبْهُ يَوْمَ دَمٍ وَتَتَطَهَّرُ
وَتُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، انْتَهَى.
فَتَأَمَّلْهُ وَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَظْهَرُ.
ص (وَلِمُعْتَادَةٍ ثَلَاثَةٌ اسْتِظْهَارًا عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا)
ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَهَلْ تَحْصُلُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ: وَبِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي
الْوَاضِحَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}
[الأعراف: 29] فَيَكُونُ الثَّانِي عَوْدًا إلَى الْأَوَّلِ وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ: لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ
الْعَوْدِ وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ وَيُؤَيِّدُ إثْبَاتَ
الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ
مَنْ جَاءَهَا الْحَيْضُ فِي عُمُرِهَا مَرَّةً ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا
سِنِينَ كَثِيرَةً لِمَرَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ طَلُقَتْ أَنَّ
عِدَّتَهَا بِالْأَقْرَاءِ مَا لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ مَنْ لَا تَحِيضُ،
فَإِنْ جَاءَهَا الْحَيْضُ وَإِلَّا تَرَبَّصَتْ سَنَةً، وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا أَيْ: عَلَى أَكْثَرِهَا
فِي الْأَيَّامِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهَا تَبْنِي عَلَى الْعَادَةِ
الْأَكْثَرِيَّةِ فِي الْوُقُوعِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَاَلَّتِي
أَيَّامُهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ تَحِيضُ فِي شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَفِي
آخَرَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إذَا تَمَادَى بِهَا الدَّمُ تَسْتَظْهِرُ
عَلَى أَكْثَرِ أَيَّامِهَا، قَالَهُ ابْنُ نَاجِي هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ
ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَقَلِّهَا
وَضَعَّفَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِأَنَّ إحْدَى عَادَتِهَا قَدْ
تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ أَقَلِّهَا مَعَ الِاسْتِظْهَارِ وَتَضْعِيفُ أَبِي
مُحَمَّدٍ نَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَقَوْلُ ابْنِ لُبَابَةَ
تَغْتَسِلُ لِأَقَلِّ عَادَتِهَا وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةً خَطَأٍ صُرَاحٌ
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَأُجِيبَ عَنْ التَّضْعِيفِ بِأَنَّ
مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ تَخْتَلِفُ عَادَتُهَا فِي الْفُصُولِ
فَتَحِيضُ فِي الصَّيْفِ سَبْعَةً مَثَلًا وَفِي الشِّتَاءِ عَشَرَةً،
فَإِنْ تَمَادَى بِهَا فِي الصَّيْفِ فَاخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى مَا ذُكِرَ،
وَأَمَّا إنْ تَمَادَى بِهَا فِي فَصْلِ الْأَكْثَرِ فَلَا خِلَافَ
أَنَّهَا تَبْنِي عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا، انْتَهَى.
(فَرْعٌ) لَوْ تَأَخَّرَ الدَّمُ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ سَنَةً وَنَحْوَهَا
ثُمَّ خَرَجَ وَزَادَ عَلَى عَادَتِهِ فَإِنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى
الِاسْتِظْهَارِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، قَالَهُ فِي الطِّرَازِ.
ص (ثُمَّ هِيَ طَاهِرٌ)
ش: أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّهَا بَعْدَ أَيَّامِ الِاسْتِظْهَارِ طَاهِرٌ
حَقِيقَةً فَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَتُوطَأُ، وَلَا تَغْتَسِلُ عِنْدَ
انْقِضَاءِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلِزَوْجِهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا
حِينَئِذٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ
وَنَصُّ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَظَاهِرُ
الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ لِقَوْلِهَا إذَا حَاضَتْ أَنَّ
كَرْيَهَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا قَدْرَ أَيَّامِهَا وَالِاسْتِظْهَارُ إلَى
تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا تَحْتَاطُ فَتَغْتَسِلُ بَعْدَ
الِاسْتِظْهَارِ وَتَصُومُ وَتَقْضِي لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ وَتُصَلِّي
لِاحْتِمَالِ الطَّهَارَةِ، وَلَا تَقْضِي؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ
طَاهِرَةً فَقَدْ صَلَّتْ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَا أَدَاءَ
عَلَيْهَا وَلَا قَضَاءَ، وَلَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا لِاحْتِمَالِ
الْحَيْضِ وَتَغْتَسِلُ ثَانِيًا عِنْدَ انْقِضَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ
يَوْمًا هَكَذَا حَكَى الْقَوْلَيْنِ فِي التَّوْضِيحِ وَزَادَ ابْنُ
نَاجِي فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ
عِنْدَ تَمَامِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَصَرَّحَ بِهِ فِي
الْجَوَاهِرِ فَقَالَ: قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَيَكُونُ الْغُسْلُ
الثَّانِي هُوَ الْوَاجِبُ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ
احْتِيَاطٌ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْغُسْلُ الثَّانِي
(1/368)
اسْتِحْبَابًا وَالْوَاجِبُ هُوَ
الْمَفْعُولُ عِنْدَ تَمَامِ الِاسْتِظْهَارِ، انْتَهَى.
فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي يُسْتَحَبُّ
لَهَا الْغُسْلُ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ
يَوْمًا وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِزَوْجِهَا أَنْ لَا
يَأْتِيَهَا وَأَنْ تَقْضِيَ الصَّوْمَ وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ
الْمَازِرِيِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ ثَمَرَةِ
الْخِلَافِ قَضَاءُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ مَعَ
أَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُقْضَى وَعَلَّلَ ذَلِكَ
بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ الصَّوَابُ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ
هِيَ طَاهِرٌ أَنَّهَا فِي أَيَّامِ الِاسْتِظْهَارِ لَيْسَتْ بِطَاهِرٍ
وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَيَّامُ الِاسْتِظْهَارِ
كَأَيَّامِ الْحَيْضِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ هَارُونَ:
وَاتُّفِقَ عَلَى أَنَّ أَيَّامَ الِاسْتِظْهَارِ حَيْضٌ عِنْدَ مَنْ قَالَ
بِهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ فَتَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِضَاءِ
عَادَتِهَا وَهَلْ تَكُونُ طَاهِرًا حَقِيقَةً أَوْ احْتِيَاطًا إلَى
خَمْسَةَ عَشَرَ؟ قَوْلَانِ
ص (وَلِحَامِلٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ النِّصْفُ وَنَحْوُهُ) .
ش يُرِيدُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَا بَعْدَ انْقِضَاءِ
الثَّلَاثَةِ أَشْهُرٍ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ:
إنْ رَأَتْهُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ حَمْلِهَا تَرَكَتْ الصَّلَاةَ
خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنَحْوَهَا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ
الْمُصَنِّفِ وَهَلْ مَا قَبْلَ الثَّلَاثَةِ وَإِلَّا لَقَالَ وَهَلْ
الثَّلَاثَةُ فَمَا قَبْلَهَا وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ وَهَلْ مَا قَبْلَ
الثَّلَاثَةِ كَمَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا؟ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ
وَابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي
الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: تَجْلِسُ
خَمْسَةَ عَشَرَ بِمَنْزِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: الَّذِي
يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَنْ تَجْلِسَ فِي
الشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ قَدْرَ أَيَّامِهَا وَالِاسْتِظْهَارِ،
انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ وَنَحْوُهُ أَيْ: إلَى الْعِشْرِينَ كَذَا فَسَّرَهُ فِي
الطِّرَازِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْجَلَّابِ، وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ
فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ.
(تَنْبِيهٌ) لَا يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ عِبَارَتَهُ
مُخَالِفَةٌ لِلْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ
مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يُرِيدَ بَعْدَ فَرَاغِ الثَّلَاثَةِ، أَوْ بَعْدَ
الشُّرُوعِ فِي الثَّالِثِ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى الثَّانِي، وَقَدْ
نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ بِنَحْوِ عِبَارَةِ
الْمُصَنِّفِ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ نَقَلَ فِي
الْمُدَوَّنَةِ خِلَافَ مَا فِيهَا فَتَأَمَّلْهُ.
ص (وَفِي سِتَّةٍ فَأَكْثَرَ عِشْرُونَ يَوْمًا وَنَحْوُهَا)
ش: أَيْ: فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ وَمَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ
الْمُصَنِّفُ: وَفِي سِتَّةٍ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ
رَأَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ عِشْرِينَ يَوْمًا
وَنَحْوَهَا؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ جَمَاعَةُ
الشُّيُوخِ فَمَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ كَلَامَهُ مُخَالِفٌ
لِلْمُدَوَّنَةِ فَغَيْرُ مُصِيبٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاخْتُلِفَ فِي
السِّتَّةِ هَلْ حُكْمُهَا حُكْمُ الثَّلَاثَةِ؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ
شَبْلُونٍ، أَوْ حُكْمُ مَا بَعْدَهَا وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ شُيُوخِ
إفْرِيقِيَّةَ وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ إذَا بَلَغَتْ سِتَّةَ
أَشْهُرٍ صَارَتْ فِي أَحْكَامِهَا كَالْمَرِيضَةِ وَنُقِلَ أَنَّ ابْنَ
شَبْلُونٍ رَجَعَ إلَى هَذَا وَنَحْوُهُ لِابْنِ نَاجِي وَقَوْلُهُ
وَنَحْوُهَا فَسَّرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ
فَقَالَ: إلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَفَسَّرَهُ فِي الطِّرَازِ
فَقَالَ: إلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَنَقَلَهُ عَنْ الْجَلَّابِ.
ص (وَإِنْ تَقَطَّعَ طُهْرٌ لَفَّقَتْ أَيَّامَ الدَّمِ فَقَطْ عَلَى
تَفْصِيلِهَا ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ
وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ) .
ش تَقَدَّمَ أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي تَرَى فِيهِ الدَّمَ وَلَوْ دَفْعَةً
وَاحِدَةً تَحْسِبُهُ يَوْمَ دَمٍ
(1/369)
وَأَنَّهَا تَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ
عَنْهَا الدَّمُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ وَتَصُومُ وَالْيَوْمُ الَّذِي لَا
تَرَى فِيهِ الدَّمَ وَلَا تَقْضِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنَّمَا
نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الصَّوْمِ وَالْوَطْءِ فَقَطْ لِمَا تَقَدَّمَ
أَنَّ الرَّجْرَاجِيَّ اسْتَشْكَلَ صِحَّةَ الصَّوْمِ وَتَقَدَّمَتْ
نُصُوصُ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ وَلِقَوْلِ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ لَا
تُوطَأُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الْمَذْهَبِ.
ص (وَالْمُمَيَّزُ بَعْدَ طُهْرٍ ثُمَّ حَيْضٍ)
ش: فِي الْعِبَادَةِ اتِّفَاقًا وَفِي الْعِدَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
ص (وَلَا تَسْتَظْهِرُ عَلَى الْأَصَحِّ)
ش: هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَمُقَابِلُهُ
لِابْنِ الْمَاجِشُونِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ
فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْقَائِلُ بِعَدَمِ
الِاسْتِظْهَارِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ ذَلِكَ
وَلَعَلَّ ذَلِكَ تَصْحِيفٌ فِي نُسْخَتِهِ مِنْ التَّوْضِيحِ
وَالْمَوْجُودُ فِي التَّوْضِيحِ مَا ذَكَرْنَا.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ: فَإِذَا انْقَطَعَتْ
الِاسْتِحَاضَةُ اسْتَأْنَفَتْ طُهْرًا تَامًّا، وَلَا تُلَفِّقُ
الِاسْتِحَاضَةَ مَعَ الطُّهْرَيْنِ، انْتَهَى.
يُرِيدُ إلَّا إذَا مَيَّزَتْ الدَّمَ كَمَا سَيَأْتِي وَقَالَ ابْنُ
عَرَفَةَ: وَمُنْقَطِعُ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ بِطُهْرٍ غَيْرِ تَامٍّ
كَمُتَّصِلِهِ، انْتَهَى.
وَنَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ
ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَتَى انْقَطَعَ دَمُهَا اسْتَأْنَفَتْ طُهْرًا تَامًّا
مَا لَمْ تُمَيِّزْ فَقَالَ: يُرِيدُ إذَا انْقَطَعَ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ
ثُمَّ عَاوَدَهَا الدَّمُ نَظَرَتْ، فَإِنْ مَضَى بَيْنَ انْقِطَاعِهِ
وَعَوْدَتِهِ مِقْدَارُ طُهْرٍ تَامٍّ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ
يَعْنِي فِي مِقْدَارِ الطُّهْرِ فَالثَّانِي حَيْضٌ مُؤْتَنَفٌ وَإِلَّا
ضُمَّ لِمَا قَبْلَهُ وَكَانَ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ إلَّا إنْ تَمَيَّزَ
أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ فَيُحْكَمُ لَهَا بِابْتِدَاءِ حَيْضَةٍ، انْتَهَى
كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ.
وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّمْيِيزُ بَعْدَ طُهْرٍ تَامٍّ لَكِنْ
تُلَفِّقُ فِيهِ أَيَّامَ الِاسْتِحَاضَةِ إلَى أَيَّامِ النَّقَاءِ كَمَا
يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ فَانْظُرْهُ
وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي
التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ
إذَا مَيَّزَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ الدَّمَ وَتَكَلَّفَ فِي تَوْجِيهِهِ
تَكَلُّفًا كَبِيرًا وَهُوَ تَابِعٌ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ.
ص (وَالطُّهْرُ بِجُفُوفٍ، أَوْ قَصَّةٍ)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْجُفُوفُ أَنْ تُدْخِلَ الْخِرْقَةَ
فَتُخْرِجَهَا جَافَّةً، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ: لَيْسَ عَلَيْهَا
شَيْءٌ مِنْ الدَّمِ.
(قُلْتُ) يُرِيدُ وَلَا مِنْ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ وَلَا يُرِيدُ
أَنَّهَا جَافَّةٌ مِنْ الرُّطُوبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ
تَكُونَ جَافَّةً مِنْ الدَّمِ وَالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ؛ لِأَنَّ
فَرْجَ الْمَرْأَةِ لَا يَخْلُو عَنْ الرُّطُوبَةِ غَالِبًا، وَالْقَصَّةُ
مَا يُشْبِهُ مَاءَ الْجِيرِ مِنْ الْقَصِّ وَهُوَ الْجِيرُ، وَقِيلَ:
يُشْبِهُ مَاءَ الْعَجِينِ، وَقِيلَ: شَيْءٌ كَالْخَيْطِ الْأَبْيَضِ
وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ شَبَهُ الْبَوْلِ وَرَوَى
(1/370)
عَلَى شَبَهِ الْمَنِيِّ قَالَ ابْنُ
نَاجِي، قَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَخْتَلِفَ
بِاعْتِبَارِ النِّسَاءِ وَاعْتِبَارِ أَسْنَانِهِنَّ وَبِاخْتِلَافِ
الْفُصُولِ وَالْبُلْدَانِ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
ذَلِكَ يَخْتَلِفُ إلَّا أَنَّ الَّذِي يَذْكُرُهُ بَعْضُ النِّسَاءِ
أَنَّهُ شَبَهُ الْمَنِيِّ.
ص (وَهِيَ أَبْلَغُ لِمُعْتَادَتِهَا)
ش: كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ لَمْ
تَكُنْ مُعْتَادَةً بِالْقَصَّةِ فَلَا تَكُونُ أَبْلَغَ فِي حَقِّهَا
وَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ
الْقَصَّةَ أَبْلَغُ مِنْ الْجُفُوفِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَعَنْ ابْنِ
عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الْجُفُوفَ أَبْلَغُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فَمَنْ
كَانَتْ مُعْتَادَةً بِهِمَا تَنْتَظِرُ الْقَصَّةَ عِنْدَ ابْنِ
الْقَاسِمِ وَالْجُفُوفَ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَمَنْ كَانَتْ
مُعْتَادَةً بِأَحَدِهِمَا وَرَأَتْ عَادَتَهَا طَهُرَتْ بِهِ اتِّفَاقًا،
وَإِنْ رَأَتْ خِلَافَ عَادَتِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً
بِالْأَبْلَغِ وَرَأَتْ غَيْرَهُ انْتَظَرَتْ عَادَتَهَا، وَإِنْ كَانَتْ
مُعْتَادَةً بِالْأَضْعَفِ وَرَأَتْ الْأَبْلَغَ طَهُرَتْ فَمُعْتَادَةُ
الْقَصَّةِ إذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ انْتَظَرَتْ الْقَصَّةَ عِنْدَ ابْنِ
الْقَاسِمِ، وَلَا تَنْتَظِرُهَا عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ
وَمُعْتَادَةُ الْجُفُوفِ إذَا رَأَتْ الْقَصَّةَ لَا تَنْتَظِرُ
الْجُفُوفَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَنْتَظِرُهُ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ
الْحَكَمِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَصَاحِبُ
الْجَوَاهِرِ قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: قِيلَ: الْجُفُوفُ
أَبْرَأُ مِنْ الْقَصَّةِ فَتَبْرَأُ بِهِ مَنْ عَادَتُهَا الْقَصَّةُ،
وَلَا تَبْرَأُ بِالْقَصَّةِ مَنْ عَادَتُهَا الْجُفُوفُ وَقِيلَ عَكْسُ
ذَلِكَ أَنَّ الْقَصَّةَ أَبْرَأُ وَهُوَ أَحْسَنُ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ:
ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّ الْقَصَّةَ أَبْلَغُ فَتَطْهُرُ
مُعْتَادَةُ الْجُفُوفِ عِنْدَهُ بِالْقَصَّةِ؛ لِأَنَّهَا وَجَدَتْ مَا
هُوَ أَبْلَغُ، وَلَا تَطْهُرُ مُعْتَادَةُ الْقَصَّةِ بِالْجُفُوفِ؛
لِأَنَّهَا تَتْرُكُ عَادَتَهَا لِمَا هُوَ أَضْعَفُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ
الْحَكَمِ بِعَكْسِ هَذَا فَتَطْهُرُ مُعْتَادَةُ الْقَصَّةِ بِهِ، وَلَا
تَطْهُرُ مُعْتَادَتُهُ بِالْقَصَّةِ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: رَوَى
ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقَصَّةَ أَبْلَغُ مِنْ الْجُفُوفِ وَقَالَ ابْنُ
عَبْدِ الْحَكَمِ: الْجُفُوفُ أَبْلَغُ وَثَمَرَتُهُ حُكْمُ مَنْ رَأَتْ
غَيْرَ عَادَتِهَا مِنْهُمَا فَالْمُعْتَادَةُ الْجُفُوفَ لَا تَنْتَظِرُهُ
عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُعْتَادَةُ الْقَصَّةِ تَنْتَظِرُهَا
وَتَنْتَظِرُهُ مُعْتَادَةٌ عِنْد ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَلَا
تَنْتَظِرُهَا مُعْتَادَتُهَا، انْتَهَى.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ
كَانَتْ مُعْتَادَةً بِهِمَا انْتَظَرَتْ الْقَصَّةَ، وَكَذَلِكَ مَنْ
كَانَتْ مُعْتَادَةً بِالْقَصَّةِ فَقَطْ تَنْتَظِرُهَا إذَا رَأَتْ
الْجُفُوفَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً بِالْجُفُوفِ وَرَأَتْ
الْقَصَّةَ فَلَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ حُكْمُهَا بَلْ يُفْهَمُ مِنْ
كَلَامِهِ أَنَّ الْقَصَّةَ لَيْسَتْ فِي حَقِّهَا أَبْلَغُ وَيُحْتَمَلُ
أَنْ يُقَالَ: تَكْتَفِي بِمَا رَأَتْهُ، أَوْ تَنْتَظِرُ عَلَامَتَهَا،
وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَنْصُوصَ أَنَّهَا تَطْهُرُ بِذَلِكَ وَهُوَ
ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْقَصَّةَ أَبْلَغُ.
(تَنْبِيهٌ) وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ
الْحَاجِبِ مَا نَصُّهُ: لَمْ يَخْتَلِفْ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ
الْحَكَمِ فِيمَا إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا إحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ
الْقَصَّةَ أَوْ الْجُفُوفَ ثُمَّ رَأَتْ الْأُخْرَى أَنَّهَا لَا
تَغْتَسِلُ وَتَنْتَظِرُ عَادَتَهَا، انْتَهَى.
وَهُوَ يُوَافِقُ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَحَدِ
الِاحْتِمَالَيْنِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَنْصُوصَ خِلَافُ ذَلِكَ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) وَيُسْتَحَبُّ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُسْتَحَاضَةِ
أَنْ يُطَيِّبْنَ فُرُوجَهُنَّ إذَا طَهُرْنَ، قَالَهُ فِي أَوَاخِرِ
كِتَابِ الْحَيْضِ مِنْ الطِّرَازِ وَذَكَرَهُ فِي الْمَدْخَلِ وَبَيَّنَ
كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْغُسْلِ.
ص (وَفِي الْمُبْتَدِئَةِ تَرَدُّدٌ)
ش: أَشَارَ بِهِ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ ابْنِ
الْقَاسِمِ فَنَقَلَ الْبَاجِيُّ وَابْنُ شَاسٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ
الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُبْتَدِئَةَ لَا تَطْهُرُ إلَّا بِالْجُفُوفِ قَالَ
فِي التَّوْضِيحِ: صَرَّحَ ابْنُ شَاسٍ بِأَنَّهَا إذَا رَأَتْ الْقَصَّةَ
تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ، وَفِي الْمُنْتَقَى نَحْوُهُ فَإِنَّهُ قَالَ:
وَأَمَّا الْمُبْتَدِئَةُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ:
وَلَا تَطْهُرُ إلَّا بِالْجُفُوفِ، وَهَذَا نُزُوعٌ إلَى قَوْلِ ابْنِ
عَبْدِ الْحَكَمِ وَفِي النُّكَتِ نَحْوُهُ، انْتَهَى كَلَامُ
التَّوْضِيحِ.
(قُلْتُ) وَلَمْ أَرَ فِي الْجَوَاهِرِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهَا إذَا
رَأَتْ الْقَصَّةَ تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ، وَإِنَّمَا رَأَيْت فِيهَا
نَحْوَ عِبَارَةِ الْمُنْتَقَى ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَالَ
الْمَازِرِيُّ: وَافَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّ الْمُبْتَدِئَةَ إذَا
رَأَتْ الْجُفُوفَ طَهُرَتْ، وَلَمْ يَقُلْ إذَا رَأَتْ الْقَصَّةَ
تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ فَتَأَمَّلْهُ ثُمَّ حَكَى تَعَقُّبَ الْبَاجِيِّ
وَرَدَّهُ بِأَنَّ خُرُوجَ الْمُعْتَادَةِ عَنْ عَادَتِهَا رِيبَةٌ
بِخِلَافِ
(1/371)
الْمُبْتَدَأَةِ فَإِنَّهَا لَمْ
تَتَقَرَّرْ فِي حَقِّهَا عَادَةٌ فَإِذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ أَوَّلًا
فَهُوَ عَلَامَةٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْقَصَّةِ فِي حَقِّهَا فَلَا
مَعْنَى لِلتَّأْخِيرِ لِأَجْلِ أَمْرٍ مَشْكُوكٍ وَمَا قَالَهُ
الْمَازِرِيُّ وَاضِحٌ إنْ كَانَتْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرَ
أَنَّهَا رَأَتْ الْجُفُوفَ، وَلَمْ تَرَ الْقَصَّةَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ
الْأَمْرُ عَلَى مَا نَقَلَ الْبَاجِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّهَا
رَأَتْ الْقَصَّةَ وَتَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ فَإِيرَادُ الْبَاجِيّ صَحِيحٌ
فَتَأَمَّلْهُ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَلِلْأَبِيِّ نَحْوُهُ.
(قُلْتُ) وَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى غَيْرِ كَلَامِ
الْمَازِرِيِّ وَنَقَلَاهُ بِالْمَعْنَى وَأَسْقَطَا مِنْهُ بَعْدَ
قَوْلِهِ خُرُوجُهَا عَنْ عَادَتِهَا رِيبَةٌ مَا نَصُّهُ: فَلَا
تَنْتَقِلُ عَنْ عَادَتِهَا إلَى مَا هُوَ أَضْعَفُ فَإِذَا وَجَدَتْ مَا
هُوَ أَقْوَى وَجَبَ إطْرَاحُ عَادَتِهَا، انْتَهَى.
وَلَفْظُ الرِّوَايَةِ فِي النَّوَادِرِ كَمَا ذَكَرَ الْبَاجِيُّ وَكَذَا
ذَكَرَهَا ابْنُ يُونُسَ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ لَكِنْ قَالَ فِي
الْمُقَدِّمَاتِ: حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٍ
فِي الْمُبْتَدَأَةِ أَنْ لَا تَغْتَسِلَ حَتَّى تَرَى الْجُفُوفَ ثُمَّ
تَعْمَلَ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهَا وَنَقَلَ عَبْدُ الْوَهَّابِ
فِي الشَّرْحِ عَنْهُمَا أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ تَطْهُرُ بِهِ
ثُمَّ تُرَاعِي بَعْدُ مَا يَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهَا مِنْ جُفُوفٍ أَوْ
قَصَّةٍ وَقَالَ: إنَّ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا
عَلَامَتَانِ فَأَيُّهُمَا وَجَدَتْ قَامَتْ مَقَامَ الْأُخْرَى وَنَقْلُهُ
أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى وَأَبْيَنُ فِي النَّظَرِ مِمَّا حَكَى ابْنُ
حَبِيبٍ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ فِي ظَاهِرِهِ،
انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي الشَّرْحِ يَعْنِي بِهِ شَرْحَ
الرِّسَالَةِ وَأَغْفَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ عَبْدِ الْوَهَّابِ
وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ جَمِيعَهُ
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفِي الْمُبْتَدَأَةِ
تَرَدُّدٌ أَيْ: هَلْ تَكْتَفِي بِإِحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ
عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيُّ، أَوْ تَنْتَظِرُ
الْجُفُوفَ كَمَا ذَكَرَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ؟ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا
ذَكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَصَحُّ كَيْفَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ
الْقَاسِمِ أَنَّ مُعْتَادَةَ الْجُفُوفِ إذَا رَأَتْ الْقَصَّةَ اكْتَفَتْ
بِهَا، وَلَا تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ مَعَ أَنَّهَا مُعْتَادَةٌ بِهِ
فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (وَلَيْسَ عَلَيْهَا نَظَرُ طُهْرِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ بَلْ عِنْدَ
النَّوْمِ وَالصُّبْحِ)
ش يُرِيدُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَيَجِبُ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِهَا
وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فِي آخِرِهَا بِمِقْدَارِ مَا
يَسَعُ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ كَمَا قَالَهُ فِي رَسْمِ
اغْتَسَلَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَحْوِهِ لِلْبَاجِيِّ
وَنَصُّهُ عَلَى مَا نَقَلَ الْمَوَّاقُ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَلْزَمُ
الْمَرْأَةَ تَفَقُّدُ طُهْرِهَا بِاللَّيْلِ وَالْفَجْرِ، وَإِنَّمَا
يَلْزَمُهَا إذَا أَرَادَتْ النَّوْمَ أَوَقَامَتْ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ
وَعَلَيْهِنَّ أَنْ يَنْظُرْنَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ قَالَ ابْنُ
عَرَفَةَ: وَيَجِبُ تَفَقُّدُ طُهْرِهَا عِنْدَ النَّوْمِ وَاخْتُلِفَ فِي
وُجُوبِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ لِاحْتِمَالِ إدْرَاكِ الْعِشَاءَيْنِ
وَالصَّوْمِ فَقِيلَ: بِوُجُوبِهِ، قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ، وَقِيلَ: لَا
يَجِبُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إذْ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ
وَكِلَاهُمَا حَكَاهُ الْبَاجِيُّ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَجِبُ فِي وَقْتِ
كُلِّ صَلَاةٍ وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَيَتَعَيَّنُ آخِرَهُ بِحَيْثُ
تُؤَدِّيهَا فَلَوْ شَكَّتْ فِي طُهْرِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ قَضَتْ
الصَّوْمَ لَا الصَّلَاةَ وَنَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ
إنْ رَأَتْهُ غَدْوَةً وَشَكَّتْ فِي كَوْنِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ
تَقْضِ صَلَاةَ لَيْلَتِهَا وَصَامَتْ إنْ كَانَتْ فِي
(1/372)
رَمَضَانَ وَقَضَتْهُ، انْتَهَى
بِالْمَعْنَى مَبْسُوطًا.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا أَخْرَجَتْ الْخِرْقَةَ بِالدَّمِ
قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاسْتَثْفَرَتْ بِغَيْرِهَا ثُمَّ حَلَّتْهَا
فِي آخِرِ النَّهَارِ فَوَجَدَتْهَا جَافَّةً عَلِمَتْ أَنَّ الْحَيْضَ
انْقَطَعَ قَبْلَ الِاسْتِثْفَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَأَتْ فِي
الْخِرْقَةِ الْقَصَّةَ فَإِنَّ الطُّهْرَ مُسْتَنِدٌ إلَى خُرُوجِهَا؛
لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الْحَيْضِ ثُمَّ إنَّ عَلَيْهَا اعْتِبَارَ
وَقْتِ خُرُوجِهَا فَإِنْ تَيَقَّنَتْهُ عَمِلَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ
تَتَيَقَّنْهُ بَنَتْ عَلَى الْأَحْوَطِ.
ص (وَبَدْءِ عِدَّةٍ)
ش: يَعْنِي عِدَّةَ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ بِأَنَّ عِدَّةَ مَنْ كَانَتْ
تَحِيضُ بِالْأَقْرَاءِ وَالْأَقْرَاءُ هِيَ الْأَطْهَارُ فَإِذَا طَلُقَتْ
فِي الْحَيْضِ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا تُحْتَسَبُ بِالطُّهْرِ الَّذِي بَعْدَ
طُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضِ قَالَ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ
الْمُقَدِّمَاتِ: إنَّمَا نُهِيَ أَنْ يُطَلِّقَ فِي الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ
يُطَوِّلُ الْعِدَّةَ وَيَضُرُّ بِهَا؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ تِلْكَ
الْحَيْضَةِ لَا تَعْتَدُّ بِهِ فِي أَقْرَائِهَا فَتَكُونُ الْمَرْأَةُ
فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ كَالْعَلَقَةِ لَا مُعْتَدَّةً، وَلَا ذَاتَ زَوْجٍ
وَلَا فَارِغَةً مِنْ زَوْجٍ، انْتَهَى.
وَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحَيْضَ
يَمْنَعُ بَدْءَ الْعِدَّةِ وَالطَّلَاقَ وَذَكَرَ مَا قَبْلَهَا مَا عَدَا
وُجُوبَ الصَّوْمِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَتَقْضِي الْحَائِضُ الصَّوْمَ، وَلَا
تَقْضِي الصَّلَاةَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ السُّنَّةُ وَأَيْضًا فَإِنَّ
الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ وَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَوَطْءِ فَرْجٍ)
ش: فَلَا يَجُوزُ وَطْءُ الْحَائِضِ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَغْتَسِلَ كَمَا
سَيَأْتِي وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً قَالَ فِي
الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ: وَيُجْبِرُ الرَّجُلُ
الْمُسْلِمُ امْرَأَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ عَلَى الطُّهْرِ مِنْ
الْحَيْضَةِ إذْ لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا كَذَلِكَ حَتَّى تَطْهُرَ وَلَا
يُجْبِرُهَا فِي الْجَنَابَةِ لِجَوَازِ وَطْئِهَا كَذَلِكَ، انْتَهَى.
وَحُكْمُ النِّفَاسِ حُكْمُ الْحَيْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ
زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ
عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُمَا فِي جَبْرِهَا
عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ
يُفَرَّقُ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ الْحَيْضِ فَتُجْبَرُ وَالْجَنَابَةُ
فَلَا تُجْبَرُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ فِي
الْوُضُوءِ، وَهَذَا خِلَافُ طَرِيقَةِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ
فَإِنَّهُ قَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ
جَبْرُهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ
فِي رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ
الطَّهَارَةِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَى الْخِلَافَ فِي
جَبْرِهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا
الِاخْتِلَافُ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُجْبِرُهَا
إذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَسَدِهَا نَجَاسَةٌ وَيُجْبِرُهَا عَلَى الْغُسْلِ
إذَا كَانَ فِي جَسَدِهَا نَجَاسَةٌ، انْتَهَى.
وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُجْبِرُهَا عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَةِ
مِنْ بَدَنِهَا.
(تَنْبِيهٌ) اسْتَشْكَلَ جَبْرُهَا عَلَى الْغُسْلِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ
إلَّا بِنِيَّةٍ وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنْهَا وَأَجَابَ الْقَرَافِيُّ
بِأَنَّ الْغُسْلَ مِنْ الْحَيْضِ فِيهِ لِلَّهِ خِطَابَانِ: خِطَابٌ
وُضِعَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي إبَاحَةِ الْوَطْءِ، وَخِطَابُ
تَكْلِيفٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عِبَادَةٌ وَعَدَمُ النِّيَّةِ تُقَدَّمَ فِي
الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا
تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي صِحَّةِ الْغُسْلِ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْوَطْءِ؛
لِأَنَّ الزَّوْجَ مُتَعَبَّدٌ بِذَلِكَ فِيهَا وَمَا كَانَ كَذَلِكَ
يَفْعَلُهُ الْمُتَعَبَّدُ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ
كَغُسْلِ الْمَيِّتِ، انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: فَإِذَا أَسْلَمَتْ بَقِيَ زَوْجُهَا عَلَى
اسْتِبَاحَةِ وَطْئِهَا بِذَلِكَ الْغُسْلِ وَلَا تَسْتَبِيحُ بِهِ
غَيْرَهُ وَتَقَدَّمَ عَنْهُ فِي فَصْلِ الْغُسْلِ نَحْوُهُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْبَيَانِ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ: لَوْ كَانَتْ
لِرَجُلٍ زَوْجَةٌ مُسْلِمَةٌ فَأَبَتْ الِاغْتِسَالَ مِنْ الْحَيْضِ
لَكَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا إذَا أَكْرَهَهَا عَلَى الِاغْتِسَالِ، وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ لَهَا فِيهِ نِيَّةٌ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ هِيَ
غُسْلًا آخَرَ لِلصَّلَاةِ بِنِيَّةٍ إذْ لَا يُجْزِئُهَا الْغُسْلُ
الَّذِي أُكْرِهَتْ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا فِيهِ نِيَّةٌ،
انْتَهَى.
وَهُوَ يَشْهَدُ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَرَافِيِّ أَنَّ الْغُسْلَ فِيهِ
خِطَابَانِ إلَخْ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: يَقُومُ مِنْ
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَجْنُونَةَ لَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا حَتَّى
تَغْتَسِلَ، انْتَهَى.
يَعْنِي مِنْ الْحَيْضِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ.
ص (أَوْ تَحْتَ إزَارٍ)
ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِمْنَاءُ
بِيَدِهَا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ صَرَّحَ
بِذَلِكَ
(1/373)
وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِهِ أَبُو حَامِدٍ
فِي الْإِحْيَاءِ.
(قُلْتُ) ، وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ، وَعُمُومُ نُصُوصِهِمْ
كَالصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ:
وَالْحَائِضُ تَشُدُّ إزَارَهَا وَشَأْنُهُ بِأَعْلَاهَا، كَذَلِكَ رُوِيَ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي
الْبُخَارِيِّ وَالْمُوَطَّإِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَوْلُهُ: شَأْنَهُ
بِأَعْلَاهَا، أَيْ: يُجَامِعُهَا فِي أَعْكَانِهَا وَبَطْنِهَا، أَوْ مَا
شَاءَ مِنْهَا مِمَّا هُوَ أَعْلَاهَا، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْوَطْءِ فِيمَا فَوْقَ
الْإِزَارِ، انْتَهَى.
بِالْمَعْنَى
ص (وَلَوْ بَعْدَ نَقَاءٍ وَتَيَمُّمٍ)
ش: هُمَا مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى جَوَازُ وَطْئِهَا بَعْدَ النَّقَاءِ
وَقَبْلَ الْغُسْلِ حَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ
الْمَشْهُورُ الْمَنْعُ وَالْجَوَازُ فِي الْمَبْسُوطَةِ عَنْ ابْنِ
نَافِعٍ وَنَقَلَ عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَ الْبَغْدَادِيِّينَ تَأَوَّلَ
قَوْلَ مَالِكٍ عَلَيْهِ وَالثَّالِثُ الْكَرَاهَةُ لِابْنِ بُكَيْرٍ
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ جَوَازُ الْوَطْءِ بَعْدَ النَّقَاءِ
وَالتَّيَمُّمِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَفِيهَا قَوْلَانِ مَذْهَبُ
الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ:
يَجُوزُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ كَانَ فِي سَفَرٍ، وَلَمْ يَجِدْ
مَاءً وَطَالَ السَّفَرُ جَازَ لَهُ أَنْ يُصِيبَهَا وَاسْتُحِبَّ لَهَا
أَنْ تَتَيَمَّمَ قَبْلُ وَتَنْوِيَ بِهِ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ،
انْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَرَفْعِ حَدَثِهَا، وَلَوْ جَنَابَةً)
ش:. أَمَّا رَفْعُ حَدَثِهَا مِنْ الْحَيْضِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا
صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ رُشْدٍ فِي
الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ
وَالنِّفَاسِ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْحَدَثِ مِنْ جِهَتِهِمَا مَا دَامَا
مُتَّصِلَيْنِ، وَإِنَّمَا يَرْفَعُ بَعْد انْقِطَاعِهِمَا، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ لَمْ أَرَ خِلَافًا فِي أَنَّهُ لَا
يَرْتَفِعُ عَنْهُمَا، انْتَهَى.
وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي رَفْعِ حَدَثِ الْجَنَابَةِ فَالْمَشْهُورُ
أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ وَقِيلَ إنَّهُ يَرْتَفِعُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ:
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي إبَاحَةِ الْقِرَاءَةِ بِالْغُسْلِ
وَثَالِثُهَا إنْ طَرَأَتْ الْجَنَابَةُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ طَرَأَ
الْحَيْضُ جَازَ، انْتَهَى.
فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَائِضَ إذَا كَانَتْ جُنُبًا لَا
تَقْرَأُ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: يَأْتِي فِي
الْمَرْأَةِ تَجْنُبُ ثُمَّ تَحِيضُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ
لَهَا أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ ظَاهِرًا، وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ؛ لِأَنَّ
حُكْمَ الْجَنَابَةِ مُرْتَفِعٌ مِنْ الْحَيْضِ وَهُوَ الصَّوَابُ،
وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ ظَاهِرًا،
وَإِنْ اغْتَسَلَتْ لِلْجَنَابَةِ، وَالثَّالِثُ لَيْسَ لَهَا أَنْ
تَقْرَأَ ظَاهِرًا إلَّا أَنْ تَغْتَسِلَ لِلْجَنَابَةِ، انْتَهَى.
وَوَقَعَ فِيمَا رَأَيْت مِنْ نُسَخِ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَكْسُ
النَّقْلِ فَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى رَفْعِ حَدَثِ الْجَنَابَةِ
وَالْخِلَافَ فِي رَفْعِ حَدَثِ الْحَيْضِ وَذَكَرَهُ فِي الْكَبِيرِ
وَالْوَسَطِ عَلَى الصَّوَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (وَدُخُولِ مَسْجِدٍ)
ش: عَدَّهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ
الْمُكْثِ وَالْمُرُورِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْجَمِيعَ مُتَّفِقٌ عَلَى
مَنْعِهِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي دُخُولِ الْحَائِضِ
وَالْجُنُبِ الْمَسْجِدَ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَجَازَهُ زَيْدُ بْنُ
أَسْلَمَ إذَا كَانَ عَابِرَ سَبِيلٍ وَأَجَازَهُ مُحَمَّدُ بْنُ
مَسْلَمَةَ جُمْلَةً وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لِلْحَائِضِ أَنْ تَدْخُلَ
الْمَسْجِدَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَأْمَنُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَيْضَةِ مَا
يُنَزَّهُ عَنْهُ الْمَسْجِدُ وَيَدْخُلُهُ الْجُنُبُ؛ لِأَنَّهُ يَأْمَنُ
ذَلِكَ قَالَ: وَهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا طَاهِرَانِ سَوَاءٌ وَعَلَى هَذَا
يَجُوزُ كَوْنُهُمَا فِيهِ إذَا اسْتَثْفَرَتْ. انْتَهَى.
ص (فَلَا تَعْتَكِفُ، وَلَا تَطُوفُ)
ش: إنَّمَا نَبَّهَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ دُخُولِ
الْمَسْجِدِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْهُمَا إذْ شَرْطُهُمَا الْمَسْجِدُ؛
لِأَنَّهُ قَدْ يُبَاحُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لِخَوْفِ لُصُوصٍ، أَوْ
سِبَاعٍ ثُمَّ لَا يُبَاحُ لَهَا الطَّوَافُ، وَلَا الِاعْتِكَافُ إذْ
شَرْطُ الطَّوَافِ الطَّهَارَةُ وَشَرْطُ الِاعْتِكَافِ الصَّوْمُ
وَالْحَيْضُ يَمْنَعُ مِنْهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَمَسُّ مُصْحَفٍ) . ش عَدَّهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ
فَقَالَ: الْخَامِسُ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ شَاذٌّ فِي
غَيْرِ الْمَذْهَبِ، انْتَهَى.
وَتَبِعَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَعَدَّهُ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَقَالَ
ابْنُ عَرَفَةَ
(1/374)
وَرَوَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ جَوَازَهُ
كَقِرَاءَتِهَا.
ص (لَا قِرَاءَةٍ)
ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عِيَاضٌ: وَقِرَاءَتُهَا فِي الْمُصْحَفِ دُونَ
مَسِّهَا إيَّاهُ كَقِرَاءَةِ حِفْظِهَا قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا
يَمْنَعُ الْحَيْضُ السَّعْيَ وَلَا الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ، وَلَا يَمْنَعُ
ذِكْرَ اللَّهِ كَالتَّسْبِيحِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَإِنْ كَثُرَ، وَهَذَا
ظَاهِرٌ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا الْبَاجِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا:
تَقْرَأُ وَلَوْ بَعْدَ طُهْرِهَا وَقَبْلَ غُسْلِهَا قَالَ ابْنُ
عَرَفَةَ: قُلْتُ يُشْكِلُ بِتَعْلِيلِهِمْ لِعَدَمِ إمْكَانِهَا
لِلْغُسْلِ عَبْدُ الْحَقِّ لَا تَقْرَأُ، وَلَا تَنَامُ حَتَّى
تَتَوَضَّأَ كَالْجُنُبِ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَعَلَى الثَّانِي اقْتَصَرَ فِي التَّوْضِيحِ فَقَالَ:
وَالْخِلَافُ فِي قِرَاءَةِ الْحَائِضِ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ
وَإِلَّا فَهِيَ بَعْدَ النَّقَاءِ مِنْ الدَّمِ كَالْجُنُبِ وَعَلَيْهِ
اقْتَصَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ
ص (وَالنِّفَاسُ دَمٌ خَرَجَ لِلْوِلَادَةِ)
ش قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَالنِّفَاسُ فِي اللُّغَةِ وِلَادَةُ
الْمَرْأَةِ لَا نَفْسُ الدَّمِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَالصِّحَاحُ
وَلِذَلِكَ يُقَالُ: دَمُ النِّفَاسِ وَالشَّيْءُ لَا يُضَافُ لِنَفْسِهِ
وَهُوَ بِكَسْرِ النُّونِ وَالْمَرْأَةُ نُفَسَاءُ بِضَمِّ النُّونِ
وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالْمَدِّ وَالْجَمْعُ نِفَسٌ بِكَسْرِ النُّونِ
وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا هُوَ فَعَلَاءُ وَيُجْمَعُ
عَلَى فَعَالٍ غَيْرُ نُفَسَاءَ وَعُشَرَاءَ وَيُجْمَعَانِ عَلَى
نُفَسَاوَاتٍ وَعُشَرَاوَاتٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَفَتْحِ ثَانِيهِمَا،
وَيُقَالُ: نَفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا
وَكِلَاهُمَا مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ، وَلَا يُقَالُ فِي الْحَيْضِ إلَّا
نَفِسَتْ وَشَمِلَ قَوْلُهُ لِلْوِلَادَةِ مَا خَرَجَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ
وَمَا خَرَجَ مَعَهَا أَوْ عِنْدَهُمَا لِأَجْلِهَا وَخَرَجَ بِهِ مَا
خَرَجَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: ثُمَّ هَذَا
الدَّمُ الْمُعْتَبَرُ دَمُ النِّفَاسِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ الَّذِي
يُهْرَاقُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَأَمَّا مَا كَانَ قَبْلَ خُرُوجِ
الْوَلَدِ فَقِيلَ: إنَّهُ غَيْرُ دَمِ نِفَاسٍ وَحُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ
مِنْ الدِّمَاءِ الَّتِي تَرَاهَا الْحَوَامِلُ وَاخْتُلِفَ فِيمَا
يُهْرَاقُ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَلَدِ وَمَعَهُ فَقِيلَ: لَيْسَ بِدَمِ
نِفَاسٍ حَتَّى يَكُونَ بَعْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ عَبْدِ الْوَهَّابِ
وَالنِّفَاسُ مَا كَانَ عَقِبَ الْوِلَادَةِ، وَقِيلَ: هُوَ دَمُ نِفَاسٍ
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ابْتِدَاءِ خُرُوجِ الْوَلَدِ وَانْفِصَالِهِ وَهُوَ
ظَاهِرُ قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَوْلِهِمْ الدَّمُ الَّذِي
عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَمَعَ الْوِلَادَةِ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ
الشَّافِعِيِّ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْوَجْهَيْنِ
الْأَوَّلَيْنِ، انْتَهَى.
وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مُرَادَهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مَا
كَانَ قَبْلَ خُرُوجٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْوِلَادَةِ، وَأَمَّا مَا
خَرَجَ لِأَجْلِ الْوِلَادَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَلَدِ فَفِيهِ الْخِلَافُ
وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي
التَّوْضِيحِ الدَّمُ الْخَارِجُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ لِأَجْلِهَا حَكَى
عِيَاضٌ فِيهِ قَوْلَيْنِ لِلشُّيُوخِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ
وَالثَّانِي أَنَّهُ نِفَاسٌ، انْتَهَى.
لَكِنْ لَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْخِلَافَ
جَارٍ أَيْضًا فِيمَا خَرَجَ مَعَ الْوَلَدِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ:
النِّفَاسُ دَمُ إلْقَاءِ حَمْلٍ فَيَدْخُلُ دَمُ إلْقَاءِ الدَّمِ
الْمُجْتَمِعِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِيَاضٌ، قِيلَ مَا خَرَجَ قَبْلَ
الْوَلَدِ غَيْرُ نِفَاسٍ وَمَا بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَفِيمَا مَعَهُ قَوْلَا
الْأَكْثَرِ وَالْقَاضِي، فَإِنْ قِيلَ فَمَا فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي
الدَّمِ الْخَارِجِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ لِأَجْلِهَا وَالْخَارِجِ مَعَهَا
فَالْجَوَابُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْفَائِدَةَ فِي ذَلِكَ
تَظْهَرُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ
فِي الَّتِي رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَتَمَادَى بِهَا حَتَّى
زَادَ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي جُعِلَ لَهَا وَصَارَتْ مُسْتَحَاضَةً ثُمَّ
رَأَتْ هَذَا مَعَ الْوِلَادَةِ فَهَلْ يَكُونُ نِفَاسًا أَوْ اسْتِحَاضَةً
لَا يَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ؟ .
(قُلْتُ) وَتَظْهَرُ أَيْضًا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -
فِي ابْتِدَاءِ زَمَنِ النِّفَاسِ فَعَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ
نِفَاسٌ يَكُونُ أَوَّلُ النِّفَاسِ مِنْ ابْتِدَاءِ خُرُوجِهِ فَيُحْسَبُ
سِتِّينَ يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ
حَيْضٌ لَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ النِّفَاسِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَلَدِ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَلَوْ بَيْنَ تَوْأَمَيْنِ)
ش: التَّوْأَمَانِ هُمَا الْوَلَدَانِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ يُقَالُ: لِكُلِّ
وَاحِدٍ تَوْأَمٌ عَلَى وَزْنِ " فَوْعَلٍ " وَلِلْأُنْثَى تَوْأَمَةٌ
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ اللِّعَانِ: التَّوْأَمَانِ مَا لَيْسَ
بَيْنَ وَضْعِهِمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ
وَاحِدٍ وَوَضَعَتْ وَلَدًا ثُمَّ وَضَعَتْ آخَرَ بَعْدَهُ لِخَمْسَةِ
أَشْهُرٍ فَهُوَ حَمْلٌ وَاحِدٌ، انْتَهَى.
وَالْمَعْنَى أَنَّ الدَّمَ
(1/375)
الَّذِي بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ نِفَاسٌ،
وَقِيلَ: حَيْضٌ وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ
فَتَجْلِسُ أَقْصَى أَمَدَ النِّفَاسِ وَعَلَى؛ أَنَّهُ حَيْضٌ فَتَجْلِسُ
كَمَا تَجْلِسُ الْحَامِلُ فِي آخِرِ حَمْلِهَا عِشْرِينَ يَوْمًا
وَنَحْوَهَا ثُمَّ إنْ وَضَعَتْ الثَّانِيَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ أَكْثَرِ
النِّفَاسِ فَاخْتُلِفَ هَلْ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى وَيَصِيرُ الْجَمِيعُ
نِفَاسًا وَاحِدًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْبَرَاذِعِيُّ،
أَوْ تَسْتَأْنِفُ لِلثَّانِي نِفَاسًا وَهُوَ سِتُّونَ يَوْمًا وَإِلَيْهِ
ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ؟ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَ
هَذَا الْخِلَافِ وَبَيْنَ الْخِلَافِ فِي كَوْنِ الدَّمِ الَّذِي بَيْنَ
التَّوْأَمَيْنِ نِفَاسًا أَوْ حَيْضًا وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ
أَنَّ الْخِلَافَ فِي الضَّمِّ وَعَدَمِهِ يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي
كَوْنِهِ نِفَاسًا أَوْ حَيْضًا وَاَلَّذِي فِي التَّنْبِيهَاتِ أَظْهَرُ،
وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَأَمَّا إنْ وَضَعَتْ الثَّانِيَ بَعْدَ
أَنْ جَلَسَتْ لِلْأَوَّلِ أَقْصَى النِّفَاسِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا
تَسْتَأْنِفُ لِلثَّانِي نِفَاسًا مُسْتَقِلًّا وَإِلَى هَذَا أَشَارَ
بِقَوْلِهِ، فَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا فَنِفَاسًا أَيْ: وَإِنْ تَخَلَّلَ
بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ أَكْثَرُ أَمَدِ النِّفَاسِ فَهُمَا نِفَاسَانِ.
ص (وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا، وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ) .
ش قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ
بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ دَمُ النِّفَاسِ أَنَّهَا
تَغْتَسِلُ وَجُمْلَةُ عَوَامِّ إفْرِيقِيَّةَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا
تَمْكُثُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَوْ انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ وَهُوَ
جَهْلٌ مِنْهُمْ، انْتَهَى.
وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ، وَأَمَّا أَكْثَرُهُ فَكَمَا
قَالَ الْمُصَنِّفُ: سِتُّونَ يَوْمًا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ
الْمَرْجُوعُ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: سَمِعْتُ شَيْخَنَا يَعْنِي
الْبُرْزُلِيّ يَنْقُلُ غَيْرَ مَا مَرَّةٍ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ
الْمَذْهَبِ حَكَى قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ بِاعْتِبَارِ أَرْبَعِينَ
لَيْلَةً كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: وَغَابَ عَنِّي الْمَوْضِعُ
الَّذِي نَقَلْتُهُ مِنْهُ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ إشَارَةٌ إلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ:
وَفِيهَا إنْ دَامَ جَلَسَتْ شَهْرَيْنِ ثُمَّ قَالَ: قَدْرَ مَا يَرَاهُ
النِّسَاءُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالسِّتُّونَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ
السَّبْعِينَ وَالْقَوْلُ بِالْأَرْبَعِينَ لَا عَمَلَ عَلَيْهِ، ابْنُ
حَارِثٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، الْمُعْتَبَرُ السِّتُّونَ، وَلَا يُسْأَلُ
نِسَاءُ الْوَقْتِ لِجَهْلِهِنَّ، انْتَهَى.
وَأَصْلُهُ فِي النَّوَادِرِ قَالَ يَعْنِي ابْنَ الْمَاجِشُونِ وَاَلَّذِي
قِيلَ مِنْ تَرَبُّصِ النِّسَاءِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً أَمْرٌ لَمْ يَقْوَ،
وَلَا بِهِ عَمَلٌ عِنْدَنَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِذَا رَأَتْ
النُّفَسَاءُ الْجُفُوفَ فَلَا تَنْتَظِرْ وَلْتَغْتَسِلْ وَإِنْ قَرُبَ
ذَلِكَ مِنْ وِلَادَتِهَا، وَإِنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ، فَإِنْ زَادَ
عَلَى سِتِّينَ لَيْلَةً فَلْتَغْتَسِلْ، وَلَا تَسْتَظْهِرُ قَالَ ابْنُ
الْمَاجِشُونِ: مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ وَالْوُقُوفُ
عَلَى السِّتِّينَ أَحَبُّ إلَيْنَا، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى
قَوْلِ النِّسَاءِ لِقِصَرِ أَعْمَارِهِنَّ وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِنَّ،
وَقَدْ سُئِلْنَ قَدِيمًا فَقُلْنَ مِنْ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ
حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ.
ص (وَمَنْعُهُ كَالْحَيْضِ)
ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَحُكْمُهُ كَالْحَيْضِ، وَلَا تَقْرَأُ قَالَ
فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ كَالْحَيْضِ يَعْنِي فِي الْمَوَانِعِ
الْمُتَقَدِّمَةِ إلَّا الْقِرَاءَةَ، وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ،
وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ بِتَسَاوِي حُكْمِ الْحَائِضِ
وَالنُّفَسَاءِ فِي الْقِرَاءَةِ وَكَأَنَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -
نَظَرَ إلَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي قِرَاءَةِ الْحَائِضِ
خَوْفَ النِّسْيَانِ بِسَبَبِ تَكَرُّرِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ
بِهَا النُّفَسَاءُ لِنُدُورِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ طُولَهُ يَقُومُ
مَقَامَ التَّكْرَارِ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَتَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ ابْنَ جَمَاعَةَ التُّونُسِيِّ فِي
فَرْضِ الْعَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ
كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُمْنَعُ الطَّلَاقُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا
صَرَّحَ بِهِ فِي أَوَائِلِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ،
وَقَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُ ابْنِ رَاشِدٍ فِي
اللُّبَابِ يَخْتَصُّ الْحَيْضُ بِمَنْعِ الزَّوْجِ مِنْ الطَّلَاقِ فِيهِ
مُخَالَفَةٌ لِلْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَوَجَبَ وُضُوءٌ بِهَادٍ وَالْأَظْهَرُ نَفْيُهُ) .
ش قَالَ فِي الطِّرَازِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَنَّ هَذَا الْمَاءَ
يَخْرُجُ مِنْ الْحَوَامِلِ عَادَةً قُرْبَ الْوِلَادَةِ وَعِنْدَ شَمِّ
الرَّائِحَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَحَمْلِ الشَّيْءِ الثَّقِيلِ وَمَا خَرَجَ
مِنْ الْفَرْجِ عَادَةً هُوَ حَدَثٌ ثُمَّ قَالَ: وَلِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ
مَجَالٌ فَإِنَّ هَذَا الْمَاءَ لَا يَخْرُجُ إلَّا غَلَبَةً فَهُوَ فِي
حُكْمِ السَّلَسِ، انْتَهَى مُخْتَصَرًا.
وَلَا إشْكَالَ فِي نَجَاسَتِهِ لِقَوْلِ صَاحِبِ التَّلْقِينِ،
وَالْقَرَافِيِّ وَغَيْرِهِمَا كُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ
فَهُوَ نَجِسٌ، انْتَهَى.
فَإِنْ لَازَمَ
(1/376)
الْمَرْأَةَ وَخَافَتْ خُرُوجَ وَقْتِ الصَّلَاةِ صَلَّتْ بِهِ، وَاَللَّهُ
تَعَالَى أَعْلَمُ. كَمُلَ كِتَابُ الطَّهَارَةِ، وَبِاَللَّهِ
التَّوْفِيقُ. |