مواهب
الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب المجلد الثالث
كتاب الجنائز
فصل في الجنائز
...
كتاب الجنائز
فصل في الجنائز
في وجوب غسل الميت بمطهر، ولو بزمزم، والصلاة
عليه كدفنه وكفنه وسنيتهما
__________
كتاب الجنائز
فصل: في وجوب غسل الميت بمطهر ولو بزمزم
والصلاة عليه كدفنه وكفنه وسنيتهما خلاف
اشتراطه هنا في غسل الميت أن يكون بمطهر موافق
لما مشى عليه من أن الغسل تعبد وقوله: "في
المستحبات وللغسل سدر" يحمل على أنه يجعل
السدر في غير الأولى كما صرح به ابن حبيب
وتأول بعضهم قوله في المدونة: وأحسن ما جاء في
الغسل ثلاثا أو خمسا بماء وسدر وفي الآخرة
كافورا إن تيسر على قول ابن حبيب وأنه يريد في
غير الأولى أو يحمل على أن مراده أن يدلك
الميت بالسدر ثم يصب عليه الماء القراح قال
ابن ناجي: وهو اختيار أشياخي والمدونة قابلة
له وعلى هذين الاحتمالين يكون ما في المدونة
موافقا لقول ابن حبيب
(3/3)
خلاف وتلازما
__________
وحملها اللخمي على ظاهرها وأخذ منها جواز غسله
بالماء المضاف كقول ابن شعبان وجعل قول ابن
حبيب خلافا. وما ذكره ابن ناجي عن اختيار
أشياخه ظاهر ويؤخذ منه أن الماء الطهور إذا
ورد على العضو طهورا وانضاف فيه لا يضر، وقد
تقدم ذلك في الطهارة في كلام الشيخ أبي الحسن.
وقال ابن عرفة هنا عن التونسي: خلط الماء
بالسدر يضيفه وصبه على الجسد بعد حكه به لا
يضيفه انتهى. والله أعلم.
فائدة: قال الفاكهاني في شرح الرسالة في باب
ما يفعل بالمحتضر عند قول الرسالة: "وليس في
غسل الميت حد" ما نصه: اختلف في غسل الميت على
قولين: أحدهما أنه سنة مسنونة لجميع المسلمين
حاشا الشهيد شرعه الله في الأولين والآخرين،
وروي أن آدم عليه السلام لما توفي أتى بحنوط
وكفن من الجنة ونزلت الملائكة وغسلته وكفنته
في وتر من الثياب وحنطوه وتقدم ملك منهم فصلى
عليه وصلت الملائكة خلفه ثم أقبروه وألحدوه
ونصبوا اللبن عليه وابنه شيث معهم، فلما فرغوا
قالوا له هكذا فاصنع بولدك وإخوتك فإنها سنتكم
انتهى. وقوله: "ولو بزمزم" يريد مع كراهة ذلك
لنجاسة الميت على المشهور. قال ابن بشير: إن
حكمنا بنجاسته كرهنا غسله به لكراهة استعماله
في النجاسات وإن حكمنا بطهارته أجزنا غسله به
انتهى. وقال ابن هارون في شرحه على المدونة:
قالوا ولو كان في جسد الميت نجاسة كره غسله
بماء زمزم انتهى.
فرع: ذكر البرزلي في مسائل الطهارة عن ابن
عرفة عن بعض شيوخه أنه لا يكفن بثوب غسل بماء
زمزم قال: واستشكله ابن عرفة من وجهين أحدهما:
أن هذا لا يجري إلا على قول ابن شعبان الذي
يمنع غسل النجاسة، الثاني: أن أجزاء المساء قد
ذهبت حسا ومعنى. قال البرزلي: وفي هذا الأخير
نظر لبقاء صفة الماء من حلاوة وملوحة. وبعض
شيوخه هو ابن عبد السلام كما صرح به في مختصره
والله أعلم. وقوله: "والصلاة عليه" قال سند:
ويختلف في حكم هذه الصلاة هل هي فرض أم لا؟
فذهب جمهور الناس إلى أنها من فروض الكفاية
ونص عليه سحنون في كتاب ابنه فقال: الصلاة على
الجنازة فرض يحمله بعضهم عن بعض. وقال ابن
القاسم في المجموعة فيمن صحب الجنازة: له أن
ينصرف عن الصلاة من غير حاجة وليست بفريضة
واحتج عبد الوهاب في المعونة للفريضة بقوله
عليه السلام "صلوا على من قال:
(3/4)
ـــــــ
لا إله إلا الله" وبقوله : "حق المسلم على
المسلم ثلاث" فذكر أن يصلي عليه إذا مات. ووجه
القول بأنها ليست بفرض وهو مشهور المذهب أن
النبي صلى الله عليه وسلم لما بين فرائض الخمس
الصلوات قال له السائل هل علي غيرهن قال: "لا
إلا أن تطوع" ولأن الإقامة من شعائر الدين
وفرائض الصلاة فلو كانت هذه الصلاة فرضا لشرعت
لها الإقامة والأذن كسائر الفرائض فلما لم
تشرع لها الإقامة دل ذلك على انتفاء الفريضة
فيها كسائر النوافل وذكر أشياء أخر احتج بها
على عدم الفريضة فإذا ثبت ما ذكرناه أنها ليست
بفرض فهل هي سنة أو تنحط عن رتبة السنن إلى
الرغائب والمندوبات حكى عبد الوهاب في معونته
عن أصبغ وغيره أنها سنة وظاهر كلام مالك بن
أنس أنها ليست سنة، وهي من الرغائب قال ابن
حبيب: وقال مالك: كان سليمان بن يسار ومجاهد
يقولان شهود الجنازة أفضل من شهود النوافل
والجلوس في المسجد وقال ابن المسيب وزيد بن
أسلم: النوافل والجلوس في المسجد أفضل حتى إن
سعيدا لم يخرج من المسجد إلى جنازة علي بن
الحسين ورأى أن ما فعل أفضل قال وكان مالك يرى
ذلك إلا في جنازة الرجل الذي ترجى بركته فإن
شهوده أفضل. وذكر ابن القاسم في العتبية عن
مالك رحمه الله مثله إلا أن يكون له حق من
جوار أو قرابة أو أحد ترجى بركة شهود وظاهر
هذا يقتضي أنها ليست في رتبة صلاة العيدين
وغيرها من السنن المؤكدة ووجهه أن سادات الأمة
وأهل الفضل لم تزل في سائر الأمصار على توالي
الأعصار تلازم مساجدهم وزواياهم مع قطعهم
بوجود الجنائز في مصرهم فلو كان حضورها من
السنن المؤكدة، لكانت الأئمة يؤثرونها على
سائر النوافل ولو فعلوه لما اتصل العمل في
سائر الآفاق على خلافه انتهى. ففهم من كلامه
أن فيها ثلاثة أقوال الأول أنها فرض كفاية
الثاني أنها سنة الثالث أنها مستحبة وظاهر
كلامه ترجيح القول بالسنة وأن سنيتها دون سنية
صلاة العيد وغيرها من السنن المؤكدات وقد تقدم
في فصل الأوقات ما يرجح القول بالسنية والله
أعلم.
تنبيهات: الأول: قال في الذخيرة: قال في
الجواهر: وهي كسائر الصلوات من اشتراط الطهارة
لها ويدلنا على اشتراط الطهارة خلافا لقوم
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة
بغير طهور" 1 ولا تصلى بالتيمم إلا كسائر
الصلوات قال ابن حبيب: إن كانت تفوت بالتماس
الماء فالأمر واسع وما علمت أحدا من الماضين
كرهه إلا مالك.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الوضوء باب 2. مسلم في
كتاب الطهارة حديث 1 أبو داود في كتاب الطهارة
باب 31. الترمذي في كتاب الطهارة باب 1
النسائي في كتاب الطهارة باب 103. ابن ماجة في
كتاب الطهارة باب 2. الدارمي في كتاب الوضوء
باب 21. أحمد في مسنده (2/20، 39، 51، 57، 74،
75)
(3/5)
وغسل كالجنابة
__________
الثاني: قال في الذخيرة أيضا: ولا يشترط فيها
الجماعة وقال اللخمي: يكفي الواحد والجماعة
سنة, وقال صاحب المقدمات: وشرط صحتها الإمامة
فإن فعلت بغير إمام أعيدت ما لم تفت وهو مخالف
لما تقدم انتهى. وما ذكره ابن رشد في المقدمات
اقتصر عليه صاحب المدخل والله أعلم.
الثالث: قال في الذخيرة: قال في الجواهر: إن
ذكر منسية فيها لم يقطع ولم يعد قاله ابن
القاسم لأن الجماعة لا تقضي والترتيب إنما
يدخل في المؤقتات وهي آكد من النوافل فلا تقطع
فإن ذكر الجنازة فيها استخلف أو لم يعد وإن لم
ترفع الجنازة انتهى.
الرابع: قال في الذخيرة: قال سند: قال أشهب
والشافعي وأبو حنيفة: إن صلوا قعودا لا تجزئ
إلا من عذر وهو مبني على وجوبها وعلى القول
بأنها من الرغائب ينبغي أن تجزئهم انتهى.
الخامس: قال في الشامل: واستأنف إن قهقه أو
تكلم عمدا، وقال أشهب: يستخلف ويتأخر مؤتما،
وقيل: الخلاف فيمن أدخله على نفسه فقط انتهى.
السادس: قال في الشامل أيضا: وهل يستحب
الإعادة إن تبين أنه صلى عليها لغير القبلة
قبل الدفن لا بعده أو تجب فيها أو لا تعاد
مطلقا أقوال.
السابع: قال في الذخيرة: قال في الكتاب: لا
يدخل في الثانية في صلاة الأولى لأنها لم تنو
ولو أتى بالثانية قبل إحرام الأولى فسها
الإمام فنوى إحدى الجنازتين ومن خلفه ينويهما،
قال في العتبية: تعاد الصلاة التي لم ينوها
الإمام دفنت أم لا لأن الإمام الأصل وهذه
الفروع غالبها في التوضيح خصوصا فروع الشامل.
فائدة: قال الفاكهاني في شرح الرسالة في أول
باب الوصايا:
فائدة: مما اختصت به هذه الأمة ثلاثة أشياء
الصلاة على الميت والغنائم وثلث المال انتهى.
وقوله: "وكفنه" بسكون الفاء الفعل وبالفتح
الثوب نقله القباب عن عياض والمراد هنا الأول
ولا خلاف في وجوب ما يستر العورة وما حكاه
الشارح عن ابن يونس من أنه سنة يحمل على ما
زاد على ستر العورة إذ لا خلاف في وجوب سترها
والله أعلم. وقوله: "خلاف" أما القول بسنية
الغسل فقد شهره ابن بزيزة ولكن الوجوب أقوى
وقد اقتصر ابن الحاجب وغيره على تصحيحه، وأما
القول بسنية الصلاة فلم يعزه في التوضيح إلا
لأصبغ وكذلك ابن عرفة، وقال بالوجوب اقتصر
عليه في الرسالة وغيرها ورجحه غير واحد والله
أعلم. ص: "وغسل كالجنابة". ش: أي يجب تعميم
الجسد بالماء والدلك قال ابن بشير وأما صفة
الغسل فإنه في صب الماء والتدلك على حكم
(3/6)
تعبداً بلا نية
وقدم الزوجان إن صح النكاح، إلا أن يفوت فاسده
بالقضاء.
__________
غسل الجنابة انتهى. وظاهر كلامه أن حكمه في
الموالاة كحكم غسل الحنابة أيضا ويؤخذ ذلك من
قول ابن عبد السلام في شرح ابن الحاجب ويغسل
كالجنابة يعني الإجزاء كالإجزاء والكمال
كالكمال إلا ما يختص به غسل الميت كالتكرار
فإنه يبينه والله أعلم. ويسقط الدلك للضرورة
كما سيأتي وصرح في المدخل بأن فرائض غسل
الجنابة وسننه وفضائله تأتي في هذا الباب،
وفهم من قول المؤلف كالجنابة أنه أول ما يبدأ
بغسل النجاسة فيتتبعها ويغسل جميع بدنه ويفيض
عليها الماء كغسل الجنابة ثم يغسله حينئذ
الغسل الفرض قاله في المدخل، ويستثنى من ذلك
النية فإنه لا يحتاج إلى نية كما سيأتي في
القولة التي بعد هذه.
فرع: فإن غسلت الميتة ثم وطئت لم تغسل نقله
الأبي وتقدم في أول فصل الجنابة والله أعلم.
ص: "بلا نية". ش: أي وإن كان تعبدا لأن التعبد
إنما يحتاج إلى النية إذا كان مما يفعله
الإنسان في نفسه قاله الباجي وابن رشد وغيرهما
ونقله في التوضيح وغيره. ص: "وقدم الزوجان إن
صح النكاح". ش: يريد إلا أن يكون أحدهما محرما
قاله في النوادر في الحج الثاني في وطء المحرم
قال مالك: ولا ينبغي أن يغسل أحد الزوجين
المحرمين الآخر فيرى عورته فإن فعل وكان عن
ذلك مذي فليهد فإن لم يكن من ذلك مذي فلا شيء
عليه ويكره له دلك انتهى.
مسألة: قال ابن عرفة في الكلام على سكنى
المعتدات: سئلت عمن ماتت فأراد زوجها دفنها في
مقبرته وأراد عصبتها دفنها في مقبرتهم فأجبت
بأن القول قول عصبتها أخذا من هذه المسألة
لفقد النص فيها انتهى. ونقله ابن ناجي في شرح
الرسالة عنه بلفظ وأراد أهلها وزاد ما نصه
وقال الفاكهاني لم أر لأصحابنا فيها نصا فمن
رأى ذلك فليضفه إلى هذا الموضع راجيا ثواب
الله الجزيل ذكر ذلك عند قول الشيخ ابن أبي
زيد واختلف في كفن الزوجة انتهى. كلام ابن
ناجي والمسألة التي أشار إليها ابن عرفة قول
المدونة وتنثوي البدوية حيث انثوى أهلها لا
حيث انثوى أهل زوجها، والانثواء العبد والله
أعلم. ص: "إلا أن يفوت فاسده". ش: شامل لما
يفوت بالدخول ولما يفوت بالطول وهو كذلك
واحترز به مما لم يفت فسخه فإنه لا غسل بين
الزوجين فيه قال في النوادر: وإذا مات أحد
الزوجين فظهر أن بينهما
(3/7)
وإن رقيقاً أذن
سيده، أو قبل بناء أو بأحدهماعيب، أو وضعت بعد
موته.
__________
محرما فلا يغسل الحي الميت يريد إذا كان ثم من
يلي غسلها انتهى. وكذلك نكح المريض والمريضة
لأنهما لا يتوارثان قال اللخمي: وهذا مع وجود
من يجوز منه الغسل فإن عدم وصار الأمر إلى
التيمم كان غسل أحدهما الآخر من تحت الثوب
أحسن لأن غير واحد من أهل العلم أجازه انتهى.
وهو ظاهر. ص: "وإن رقيقا أذن سيده". ش: أي في
الغسل كما صرح به في النوادر وابن بشير وابن
فرحون وتوهم بعضهم رجوع الإذن للنكاح وليس
كذلك، قال البساطي: وهو عام في الرقيقين
والمختلفين كان الميت هو الرقيق أو الحر
انتهى. والذي يظهر أن المراد بالإذن إذن السيد
الحي منهما وقد ذكر اللخمي أن الزوج سواء كان
حرا أو عبدا يقضى له بغسل زوجته الحرة ولم يحك
في ذلك خلافا وذكر عن سحنون أنه لا يقضى له
بغسل زوجته إذا كانت أمة قال وكأنه أجاز للسيد
غسلها والإطلاع عليها وليس بالبين والزوج أحق
منه انتهى. وهذا الذي ذكره اللخمي من أن الزوج
أحق هو الذي يأتي على قول محمد الذي مشى عليه
المصنف ويؤخذ من كلام ابن رشد أنه المشهور
لأنه صدر به وعطف عليه قول سحنون بضيعة
التمريض ونصه وأما الرجل فإنه يقضى له بغسل
زوجته الحرة والأمة وقيل لا يقضى له بغسل
زوجته إذا كانت أمة وأما ما فهمه عن سحنون من
أنه أجاز للسيد غسلها فبعيد لأنه نقل عنه في
النوادر أن كل من لا يحل له وطؤها لا يغسلها
ولا تغسله والله أعلم.
ثم ذكر اللخمي عن سحنون أنه لا يقضى للزوجة
بغسل زوجها حرا كان أو عبدا وإن الحر أولياؤه
أحق به والعبد سيده أحق به فإن أسقط السيد حقه
من الغسل أو كان العبد ملكا لامرأة كان الأمر
إلى أولياء العبد قال: وعلى قول محمد يقضى
للزوجة على جميع ما ذكرنا من مولى أو ولي وهو
أحسن والزوجة أستر لزوجها إذ لا يؤمن عليه عند
تقلبه أن ينكشف انتهى. ص: "أو بأحدهما عيب".
ش: لأن موت أحدهما يفيت خيار العيب على
المشهور كما سيأتي
(3/8)
والأحب نفيه إن
تزوج أختها، أو تزوجت غيره، لارجعية وكتابية
إلا بحضرة مسلم، وإباحة الوطء للموت برق تبيح
الغسل من الجانبين .
__________
والله أعلم. ص: "والأحب نفيه أن تزوج أختها أو
تزوجت غيره". ش: أما الاستحباب في الأولى فصرح
به غير واحد وأما الثانية ينقله ابن عرفة عن
ابن يونس والله أعلم. ص: "وإباحة الوطء لموت
برق يبيح الغسل من الجانبين". ش: يعني أن من
أبيح له الوطء بسبب الرق واستمرت الإباحة
للموت فذلك يبيح الغسل من الجانبين فيدخل فيه
القن وأم الولد والمدبرة ولو كان السيد عبدا
كما صرح به في النوادر وغيرها وتخرج المكاتبة
والمعتقة إلى أجل والمعتق بعضها والمشتركة
وأمة القراض قال المازري في شرح التلقين ولا
يغسل مكاتبته عندنا ولا المعتق بعضها ولا
المعتقة إلى أجل ومن له فيها شرك ولا كل من لا
يحل له وطؤها انتهى. قال البساطي ويعني
بالإباحة الإباحة الأصلية فالمحرم لعارض لا
يقدح فيها كالحائض والنفساء والمظاهر منها
انتهى. وفي المظاهر منها نظر والظاهر المنع
فيها وفي المولى منها لعدم إباحة الوطء بدليل
ما سنذكره في أمة المديان والله أعلم. عند ال
إباحة بأن تكون مستمرة للموت فلو زالت بزوال
الرق فلا إشكال ولو زالت مع بقائه كأمة
المديان بعد الحجر فالمنصوص أنها لا تغسله ولا
يغسلها انتهى. وقد تقدم الكلام في الأمة
المتزوجة وكلام النوادر شامل لها وللمظاهر
منها ولجميع ما تقدم والله أعلم.
تنبيه: فهم من قول المصنف إباحة الوطء أن ذلك
كاف وإن لم يجر بينهما شيء من ذلك في حال
الحياة وصرح به اللخمي وغيره وإنما قال يبيح
ولم يقل يقضي لأن الموطوءة بالرق لا يقضي لها
بذلك على الأولياء اتفاقا ولا تغسل سيدها إلا
بإذنهم ذكره ابن رشد في سماع موسى ونقله في
التوضيح ويفهم من كلامهم أنه إذا لم يكن له
أولياء أو كانوا ولم يمكنهم الغسل فهي أحق وهو
الظاهر إذا كانت تحسنه والله أعلم.
(3/9)
ثم أقرب
أوليائه، ثم أجنبي، ثم امرأة محرم، وهل تستره
أو عورته تأويلان، ثم يمم لمرفقيه كعدم الماء
وتقطيع الجسد وتزلعيه، وصب على مجروح أمكن ماء
كمجدور إن لم يخف تزلعه.
__________
تنبيه: قال سند: إننا قلنا إن الأمة تغسل
سيدها وإن كان ملكها قد انتقل للوارث لأن
الغسل حق للمالك ثبت عند انتهاء الملك وانتقال
الملك للوارث لا يمنع من أن توفي سيدها وما
وجب له انتهى. بالمعنى وقريب من ذلك ما ذكره
في التوضيح في باب الإيمان أن للميت حقا يجري
مجرى المالك في بيته وأنه لا يخرج منه حتى يتم
غسله وتكفينه والله أعلم. ص: "ثم أقرب
أوليائه". ش: على ترتيب ولاية النكاح وكذلك
حكم التقدم للصلاة عليهكما سيأتي والله أعلم.
ص: "ثم امرأة محرم". ش: ظاهره أنه لا ينتقل
إلى المحارم إلا عند عدم الرجال الأجانب
مسلمين كانو أو كتابيين وأنه لو وجد كتابي
لغسله قال ابن ناجي: وقد اختلف في ذلك، فقال
مالك: يعلمه النساء ويغسلنه وقال أشهب في
المجموعة: لا يلي ذلك كافر ولا كافرة وقال
سحنون: يغسله الكافر وكذلك الكافرة في
المسلمين ثم يحتاطون بالتيمم والله أعلم.
ونقله ابن هارون أيضا وقال: إن الكتابية كذلك
إذا كانت مع الأجانب فيعلمونها إلى آخره، ولا
فرق بين محارم النسب والصهر على المنصوص،
وكذلك إذا كانت مع الأجانب فيعلمونها إلى آخره
ولا فرق بين محارم النسب والصهر على المنصوص،
وكذلك محارم المرأة على المشهور. ص: "وهل
تستره أو عورته تأويلان". ش: التأويل الثاني
هو قول عيسى قال في التنبيهات: وهو الأصح
وعليه اقتصر صاحب الرسالة وغيره وعلى القول
الآخر فقال اللخمي: لا بأس أن تلصق الثوب
بالجسد وتحركه فتغسل ما به انتهى. ص: "ثم يمم
لمرفقيه". ش: تصوره ظاهر.
فرع: قال ابن عرفة عن سحنون: إن صلين عليه ثم
قدم رجل لم يغسله انتهى. ص: "كعدم الماء". ش:
يريد وكذلك المرأة تتيمم لعدم الماء فإن كان
معها نساء أو محارم يممت إلى المرفقين وإلا
فإلى الكوعين قاله في الطراز وهو ظاهر. ص:
"وتقطيع الجسد وتزليعه". ش:
(3/10)
والمرأة أقرب
امرأة ثم أجنبية، ولفّ شعرها، ولايضفر، ثم
محرم فوق ثوب، ثم يممت لكوعيها، وستر من سرته
لركبتيه.
__________
مراده إذا خشي من الغسل تقطيع الجسد أو تزليعه
كما فسره الشارح وأما الجسد المقطع فإنه إذا
اجتمع كله أو جله غسل وصلي عليه كما صرح به في
سماع موسى والله أعلم. ص: "ولا يضفر". ش: يشير
به إلى قول ابن القاسم في سماع موسى وأما
الشعر فليفعلوا كيف شاؤوا وأما الضفر فلا
أعرفه لكن تأوله ابن رشد فقال: يريد أنه لا
يعرف من الأمر الواجب وهو إن شاء الله حسن من
الفعل ثم ذكر حديث أم عطية وضفرها شعر بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى. وهو قول
ابن حبيب والله أعلم. ص: "ثم محرم فوق ثوب".
ش: هذا مذهب المدونة قال: ولا يفضي بيده
لجسدها والله أعلم. ص: "وستر من سرته
لركبتيه". ش: وقال في الطراز: قال ابن حبيب:
ويستر من سرته إلى ركبتيه يريد لأن هذا الذي
كان يجب ستره حال الحياة انتهى. وقال البرزلي:
أجمعا على أن ستر عورة الميت واجب واستحب ابن
سحنون أن يجعل على صدره خرقة. قال اللخمي:
وهذا أحسن فيمن طال مرضه ونحل جسمه؛ لأن منظره
حينئذ يقبح والميت يكره أن يرى ذلك منه في حال
الحياة انتهى. وفي المدخل وينبغي أن يجعل على
(3/11)
وإن زوجاً،
وركنها النية وأربع تكبيرات. وإن زاد لم
ينتظر،
__________
عورته خرقة غليظة فوق المئزر حتى لا يصف عورته
انتهى. والله أعلم. ص: "وإن زوجا". ش: هذا
مذهب المدونة وهو المشهور وقال ابن حبيب: يغسل
أحدهما صاحبه والميت عريان قال ابن ناجي وعلى
المشهور فذلك على طريق الاستحباب انتهى. وصرح
به البرزلي إلا أن يكون معه معين فإنه يجب ستر
عورته باتفاق كما يؤخذ من كلام البرزلي
المتقدم وصرح بذلك الشيخ يوسف بن عمر في شرح
قول الرسالة ولا بأس بغسل أحد الزوجين صاحبه
والله أعلم. ص: "وركنها النية". ش: قال القباب
في شرح قواعد القاضي عياض: الصحيح في النية
أنها شرط في صحة الصلاة والذي يلزم ههنا القصد
للصلاة على هذا الميت خاصة واستحضار كونها فرض
كفاية وإن غفل عن هذا الأخير لم يضر كما لا
يضر في فرض العين انتهى. ص: "وأربع تكبيرات".
ش: والأولى منهن تكبيرة الإحرام صرح به عياض
في قواعده قال القباب: لا فرق بين تكبيرة
الإحرام هنا وفي سائر الصلوات صفة وحكما والله
أعلم. وما ذكره الشيخ من أن التكبير أربع قال
سند: هو قول أبي حنيفة أيضا والشافعي وابن
حنبل وجمهور العلماء، وهو مروي عن جماعة من
التابعين وذهب ابن سيرين وأبو الشعثاء إلى أنه
يجزئ ثلاث روى ذلك ابن عباس وروي عن زيد بن
أرقم وحذيفة بن اليمان أنه يكبر خمس تكبيرات
وقال زيد بن أرقم كان عليه السلام يكبرها خرجه
أبو داود والترمذي والنسائي وهو في صحيح مسلم
وقال أبو إسحاق يكبر ما يكبر الإمام ولا يزيد
على تسع وذلك مروي عن ابن مسعود أنه قال: كبر
النبي عليه السلام على النجاشي تسعا وخمسا
وأربعا فكبروا كما كبر الإمام ووجه ما اختاره
الجماعة حديث الموطأ وهو في الصحيحين عن أبي
هريرة، وذكر حديث يعني النجاشي وهو عمل أهل
المدينة المتصل فكان أرجح من كل ما يروى
بخلافه انتهى. ص: "وإن زاد لم ينتظر". ش: قال
اللخمي: وإن كبر خمسا أجزأت الصلاة ولم تفسد،
واختلف في المأموم إذا كان الإمام يكبر خمسا
فقال مالك: إذا كبر الرابعة يسلم ولم ينتظر
تسليمه وقال ابن وهب وأشهب وعبد الملك يثبتون
بغير تكبير حتى يسلموا بتسليمه، واختلف فيمن
فاتته تكبيرة فقال أشهب: لا يكبرها معه وإن
فعل لم يعتد بها مما فاته وليمهل فإذا سلم
كبر، وقال أصبغ: يكبر معه الخامسة ويحتسب بها
وعلى أصل مالك لا
(3/12)
والدعاء.
__________
ينتظر تسليمه ويكبر لنفسه وينصرف انتهى.
مختصرا ونحو هذه العبارة لسند وعزا القطع إذا
كان الإمام ممن يكبر خمسا لرواية ابن القاسم
في العتبية عن مالك ولسماع ابن وهب وعزا القول
بسكوته حتى يسلم بسلامه لابن القاسم في
الموازية ولأشهب ومطرف لرواية ابن الماجشون عن
مالك ثم وجه كلا من القولين وعزا القول فيمن
فاتته تكبيرة أنه لا يكبرها معه لأشهب في
المجموعة، والثاني لأصبغ قال: وقول أشهب حسن
لأن موضع قضاء المأموم بعد سلام الإمام كما في
سائر الصلوات فلا يجزئه ما قضاه قبل سلامه
كسائر الصلوات ويتمشى قول أصبغ على قول ابن
القاسم أنهم يسلمون دون الإمام فيكون على هذا
ذلك المحل محلا لسلام المأمومين ومحل قضاء
المسبوقين انتهى. وقال ابن عرفة: وفي اعتداد
مسبوق بها فيكبرها ولغوها ولو كبرها قولا أصبغ
وابن رشد مع أشهب والأخوين ورواية ابن
الماجشون انتهى. نقله في التوضيح وقال: قال في
البيان: وقول أشهب هو القياس على مذهب مالك
وقول أصبغ استحسان على غير قياس انتهى.
تنبيه: عد القاضي عياض في قواعده الزيادة على
الأربع من الممنوعات والظاهر أن مراده الكراهة
فإنه عد معها الصلاة على القبر وعلى الغائب
وفي المسجد وعلى المبتدع والله أعلم.
فرع: قال في الطراز: فلو سها الإمام عن بعض
التكبير سبحوا به ولا يكبرون دونه إلا إن مضى
وتركهم كما في سائر الصلوات انتهى. ص:
"والدعاء". ش: ظاهر كلامالقاضي عياض أن الدعاء
فرض بين التكبيرات الثلاث فإنه قال في فروض
صلاة الجنازة والدعاء بينهن ونحوه للشبيبي
وغيره ويدل عليه كلام ابن رشد الآتي في قول
المصنف وصبر المسبوق
(3/13)
__________
للتكبير فإنه قال فيه: وأقل ما يجزئ في كل
ركعة اللهم اغفر له وارحمه ونقله ابن ناجي
قال: ويحمل نقل عبد الحق عن إسماعيل القاضي
قدر الدعاء بين كل تكبيرتين قدر الفاتحة وسورة
على المستحب لا على الوجوب انتهى. ونقل عبد
الحق هو قوله في التهذيب في كتاب الصلاة الأول
في ترجمة السهو عن القراءة والقراءة بغير
العربية عن المبسوط أنه يقال للذي يصلي على
الجنازة ادع بقدر قراءة أم القرآن وسورة بين
كل تكبيرتين انتهى. وعلى هذا فيكون قولهم في
المسبوق إنه إذا لم تترك الجنازة يوالي
التكبير إنما ذلك لئلا تكون الصلاة على غائب و
قال في التوضيح: نقل ابن زرقون عن أبي بكر
الوقار أنه قال: يحمد الله في الأولى ويصلي
على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية
ويشفع للميت في الثالثة انتهى. وقال في
الذخيرة: قال ابن حبيب: الثناء والصلاة في
الأولى والدعاء للميت في الثانية ويقول اللهم
اغفر لحينا وميتنا إلى آخر الدعاء في الثالثة
ثم يكبر الرابعة ثم انتهى. وأصله السند ونصه
قال ابن حبيب: تثني على الله تبارك وتعالى
وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في
التكبيرة الأولى ثم تدعو للميت في الثانية
وإذا كبرت الثالثة قلت: اللهم اغفر لحينا
وميتنا إلى آخر الدعاء ثم يكبر الرابعة ثم
يسلم وهذا قول الجمهور وروى سحنون في الكتاب
مسندا عن ابن مسعود رضي الله عنه كيف كان يصنع
في ذلك فذكر دعاءه من تحميد ولا صلاة ثم قال
في سياق الحديث يقول هذا كلما كبر فإن كانت
التكبيرة الأخيرة قال مثل ذلك، ثم تقول: اللهم
صل على محمد وساق الصلاة والاستغفار للمسلمين
وهذا كله المقصود به أن يجتهد بالدعاء للميت
من غير تحديد فقد يكثر
(3/14)
__________
الداعون فلا يحتاج إلى تكرير وقد تقل فيكرر
انتهى. وظاهر هذين القولين أنه لا يحتاج إلى
إعادة الدعاء بعد كل تكبيرة وهو ظاهر كلام
القاضي عياض في قواعده في محل غير المحل الأول
ونصه من سنن الصلاة على الجنائز أن تحمد الله
وتثني عليه في أولها عند ال صلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم عند ال دعاء في آخرها
للمؤمنين انتهى.
تنبيهات: الأول: قال سند: ولا تكرر الصلاة ولا
التحميد في كل تكبيرة انتهى.
الثاني عد القاضي عياض وغيره من فروضها القيام
للتكبير والدعاء والسلام قال في الذخيرة: قال
سند: قال أشهب: إن صلوا قعودا لا يجزئ إلا من
عذر وهو مبني على القول بوجوبها وعلى القول
بأنها من الرغائب ينبغي أن تجزئهم انتهى. ولا
تصلي على الراحلة انتهى. ونقل القباب الفرعين
عن ابن يونس ونص سند على فرع: الصلاة على
الراحلة في أثناء كلامه الذي نقله عنه صاحب
الذخيرة وعزاه لأشهب ونصه وأركان صلاة الجنازة
خمس القيام والتحريم والدعاء والتكبير
والتسليم قال أشهب في المجموعة: إذا صلوا
عليها وهم جلوس أو ركوب فلا تجزيهم وليعيدوا
الصلاة وهذا مبني على القول أن من أركانها
القيام مع القدرة وعد القاضي عياض من فروضها
طهارة الحدث والخبث واستقبال القبلة وترك
الكلام وستر العورة وقال يشترط في صحتها ما
يشترط في سائر الصلوات المفروضة إلا أنه لا
قراءة فيها ولا ركوع ولا سجود ولا جلوس انتهى.
فأما القراءة فالمشهور لأنها لا تستحب قراءة
الفاتحة والشاذ استحبابها وحكى في الجواهر عن
أشهب وجوبها بعد الأولى قال ابن راشد وكان
شيخنا القرافي يحكيه ويقول إنه يفعله انتهى.
من التوضيح وقال الشيخ زروق: وله أن يفعل ذلك
ورعا للخروج من الخلاف انتهى. وعد القاضي عياض
قراءتها من الممنوعات والظاهر الكراهة.
(3/15)
ـــــــ
الثالث: يستخلف الإمام إن ذكر في الصلاة أنه
جنب أو رعف فيها وإذا قهقه بطل عليه وعليهم
وإن ذكر بعد الفراغ أنه جنب لم يعد فإن كان هو
ومن خلفه على غير طهارة أعادوا وإن ذكروا
منسية فيها لم تقطع إذ لا ترتيب بين الجنازة
والفرائض قاله في مختصر الواضحة.
فروع: الأول: قال اللخمي: الجماعة سنة ليس
بشرط وقاله في المعونة وشرط صاحب المقدمات
وغيره فيها الجماعة قال وإن فعلت بغير إمام
أعيدت.
الثاني: قال في الشامل: وهل تستحب الإعادة إن
تبين أنه صلى لغير القبلة قبل الدفن لا بعده
أو تجب فيهما أو تعاد مطلقا أقوال ونقله في
التوضيح وأصله في سماع موسى.
الثالث: لم يتعرض المؤلف لبيان ما يدعى به
والدعاء المستعمل هو ما قاله صاحب الرسالة
وقال في المدونة قال مالك: يجتهد للميت في
الدعاء وليس في ذلك حد ولا يقرأ على الجنازة
وكان أبو هريرة يتبع الجنازة مع أهلها فإذا
وضعت كبر وحمد الله وصلى على نبيه ثم قال:
اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك كان يشهد
أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت
أعلم به اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن
كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته اللهم لا تحرمنا
أجره ولا تفتنا بعده قال مالك: هذا أحسن ما
سمعت من الدعاء على الجنازة وليس فيه حد معلوم
انتهى. قال ابن ناجي: يحمل قوله الأول على نفي
الوجوب لأن إتيانه بما ذكر عن أبي هريرة وقوله
هذا أحسن يقتضي أنه عينه فيحمل الأول على نفي
الواجب والثاني على ثبوت المستحب وإلا كان
تناقضا قال ابن بشير ولا يستحب دعاء معين
اتفاقاً وتبعه ابن الحاجب وتعقبه ابن عبد
السلام بأن مالكا استحب دعاء أبي هريرة ولقول
أبي محمد في الرسالة يعني قوله: "ومن مستحسن
ما قيل في ذلك في آخره" وذلك يدل على أنهم
استحسنوا أدعية معينة ونحوه لابن هارون وقال
الشيخ خليل: قول الرسالة: "ومن مستحسن ما قيل
في ذلك" يعارض قول ابن الحاجب ولا يستحب دعاء
معين اتفاقا فالجواب أن الرسالة ليس فيها دعاء
مخصوص لقوله فيها ويقال في الدعاء للميت غير
شيء محدود وأيضا فالمستحب ما ثبت بنص
والمستحسن ما أخذ من القواعد الكلية وأما في
المدونة فإنما رجحه ولم يعينه انتهى.
تنبيه: قال ابن ناجي في شرح الرسالة بعد قوله:
"تقول ذلك بإثر كل تكبيرة": ليس العمل على ما
قال الشيخ عندنا لطوله وقال عبد الحق عن
إسماعيل القاضي: قدر الدعاء بين كل تكبيرتين
قدر الفاتحة وسورة قال ابن رشد: أقله اللهم
اغفر له انتهى. وقد تقدم كلام عبد الحق في أول
القولة وسيأتي كلام ابن رشد والله أعلم.
الرابع: إن كان الميت رجلا دعا له بلفظ
التذكير والإفراد قال الشيخ حاتم: والأعزب
(3/16)
ـــــــ
كالمتزوج لأنه قابل للتزويج وإن كانت امرأة
دعاء بالتأنيث والإفراد وإن كانوا رجلين أو
رجلا واحدا وامرأة دعا بالتثنية والتذكير وإن
كانا امرأتين فبالتأنيث وإن اجتمع رجال أو
رجال ونساء دعاء بلفظ الجمع وغلب الرجال ولو
كان النساء عشرة ومعهن رجل واحد وإن اجتمع
نساء دعا لهن بلفظ الجمع والتأنيث وإن اجتمع
رجال وأطفال قدمت الدعاء للرجال وجعلت آخر
دعائك للأطفال؛ لأن الكبار أحوج للشفاعة من
الصغار أو تشملهم في دعاء واحد وتقول عقب ذلك:
اللهم اجعل الأولاد لوالديهم سلفا وذخرا وفرطا
وأجرا وثقل بهم موازينهم وأعظم بهم أجورهم ولا
تحرمنا وإياهم أجرهم ولا تفتنا وإياهم بعدهم
ويجزيك ذلك، وكذلك إن كانوا جماعة نساء
وأطفالا قاله الجزولي ونحوه للشيخ يوسف بن عمر
إلا أنه قال في هذا الأخير وإن اجتمع رجل وصبي
أو امرأة وصبية اقتصر لهما بدعاء واحد فاقتصر
على شمولهم بدعاء واحد.
الخامس: قال الجزولي والشيخ يوسف بن عمر: وإن
لم يدر من الميت ذكرا أو أنثى واحدا أو أكثر
فإنه يأتي بمن ويدعو ويعيد الضمير عليها لأن
من تقع على الذكر والأنثى والجمع والمفرد.
السادس: قال في المدخل: فإن كان مأموما ولا
يعرف ما هو الميت واحدا أو أكثر ذكرا أو أنثى
صغيرا أو كبيرا فإنه ينوي أن يصلي على من صلى
عليه إمامه ثم يدعو بالدعاء المتقدم ذكره
انتهى. يعني به قوله: الحمد الله الذي أمات
وأحيا إلى آخر ما ذكره في الرسالة والله أعلم.
السابع: إذا صلى على جنازة على أنها امرأة
فوجد الميت ذكرا أو العكس قال التونسي تجزئ
لأنه قصد عين ذلك الشخص فلا يضر الجهل بصفته
انتهى. من البرزلي من كتاب الأقضية والشهادات
ونقله في التوضيح وغيره.
الثامن: قال ابن هارون فإن كان رجل وامرأة
فجهل الإمام فنوى بالصلاة أحدهما ونوى من خلفه
الصلاة عليهما معا أعيدت على التي لم يصل
عليها الإمام دفنت أم لا لا أن تتعين فيصلي
على قبرها انتهى. من شرحه على المدونة.
التاسع: قال الجزولي في قول الرسالة في الدعاء
للطفل: اللهم إنه عبدك وابن عبدك إلى أخره هذا
إن كان ثابت النسب وإن لم يكن ثابت النسب مثل
ابن الملاعنة وولد الزنا فقيل يدعى لهما
بأمهما لأنهما غير ثابتي النسب لأنهما نطفة
شيطان وقيل يدعى لهما بأبيهما وقيل ابن
الملاعنة يدعى له بأبيه وولد الزنا بأمه
انتهى. العاشر: قال ابن العربي في أول
العارضة: والصحيح أن العاصي ينتفع بالدعاء
ولذلك يدعى للميت وإن كان عاصيا انتهى. بلفظه.
الحادي عشر: قال في العمدة وتستحب أن تصف
الجماعة على الجنازة ثلاثة صفوف.
(3/17)
ودعا بعد
الرابعة على المختار. وإن والاه، أو سلم بعد
ثلاث أعاد، وإن دفن فعلى القبر وتسليمة خفيفة
وسمع الإمام من يليه .
__________
انتهى وأصله الحديث والله أعلم. ص: "ودعاء بعد
الرابعة على المختار". ش: الظاهر أنه منون على
أنه اسم فاعل ويشير لقول اللخمي ومحل التكبيرة
الأخيرة محل ما قبلها إن عقبها الدعاء والله
أعلم. وقال سند: وهل يدعى بعد التكبيرة
الرابعة قبل السلام حكى الباجي فيه خلافا قال
عن سحنون يقف بعد الرابعة ويدعو كما يدعو بين
كل تكبيرتين قال وقال سائر أصحابنا يثبت بعد
الرابعة فوجه قول سحنون حديث ابن مسعود
واعتبار بسائر التكبيرات ووجه قول غيره أن
الدعاء في هذه الصلاة بمثابة القراءة في غيرها
وفي غيرها لا يقرأ بعد الركعة الرابعة فلا
يدعو لها ها هنا بعد التكبيرة الرابعة انتهى.
وتقدم في القولة التي قبل هذه عن سند نحو هذا
الكلام بأبسط من هذا وفي أثناء حديث ابن مسعود
والله أعلم. ص: "أو سلم بعد ثلاث أعاد". ش:
قال ابن الحاجب: فإن سلم بعد ثلاث كبرها ما لم
يطل فتعاد ما لم يدفن فتجيء الأقوال، قال في
التوضيح: وإذا رجع لإصلاح الصلاة اقتصر على
النية ولا يكبر لئلا تلزم الزيادة في عدده فإن
كبر حسبه في الأربع وقوله: "فتجيء الأقوال"
يعني فيمن دفن ولم يصل عليه هل يصلي على قبره
أم لا وعلى النفي هل يخرج أم لا انتهى.
والمشهور الصلاة على القبر كما سيقوله المصنف
وعزا ابن ناجي في شرح الرسالة قوله: ولا يكبر
له لئلا تلزم الزيادة لابن عبد السلام وزاد
بعده. قلت: والصواب عندي أن يكبر كما في
الفريضة انتهى. والله أعلم. ص: "وتسليمة
خفيفة". ش: فهي واحدة للإمام والمأموم كما
قال.
(3/18)
وصبر المسبوق
للتكبير ودعا إن تركت وإلا والى.
__________
في الرسالة لكن ذكر في مختصر الواضحة في أوائل
كتاب الصلاة واللخمي وابن ناجي أن من سمع سلام
الإمام فعليه أن يرد عليه ونحوه لابن رشد في
رسم سن من سماع ابن القاسم في كتاب الجنائز
ومن سماع ابن غانم في بعض الروايات أنه يرد
على الإمام من سلم عليه قياسا على صلاة
الفريضة وهو تفسير لسائر الروايات وبالله
التوفيق انتهى. ونص مختصر صاحب الواضحة وسلام
الإمام على الجنازة واحدة أن يخفض بها صوته
إلا أن يسمع بها نفسه ومن يليه، وكذلك من
وراءه يسلمون تسليمة واحدة دون تسليمة الإمام
في الجهر وليس عليهم أن يردوا على الإمام إلا
من سمعه وكذلك قال مالك في ذلك كله وقوله:
"إلا من سمعه" يعني فعليه أن يرد وقد تقدم عند
قوله: ورد مقتد كلام ابن ناجي وظاهره إنه فرض
فتأمله, والله أعلم. ص: "وصبر المسبوق
للتكبير". ش: سواء سبق بواحدة أو بأكثر كما
صرح به في المعونة وفي سماع أشهب إن كل تكبيرة
لا تفوت حتى يكبر الإمام ما بعدها واختاره ابن
رشد وقال ولا تفوت التكبيرة بأخذه في الدعاء
ولا بتمامه إذ لو وجب ذلك لوجب أن تفوته بأقل
ما يجزئه منه في كل ركعة وهو أن يقول اللهم
اغفر له ولوجب إذا لم يكبر مع الإمام معا
وتراخى في ذلك حتى يقول الإمام اللهم اغفر له
أن يكون قد فاته التكبير وهذا ما لا يصح أن
يقال فجوابه في المدونة وليس بصحيح وجوابه في
هذه الرواية أصح انتهى. وقال في رسم الجنائز
من سماع أشهب من كتاب الجنائز: إنه يكبر حين
يجيء تكبيرة واحدة ثم يقف عما سبقوه به من
التكبير ثم يقضيه بعد سلام الإمام قال ابن
رشد: قوله في هذه الرواية أصح مما في المدونة
انتهى. واختار سند القول الذي اختاره ابن رشد
وقال لأن ما بعد التكبيرة من توابعها بدليل أن
من أحرم مع الإمام ثم سها عن تكبيرة فذكرها
والإمام يدعو فإنه يكبر انتهى. والله أعلم.
وعلى القول بأنه ينتظره فقال ابن ناجي على
المدونة ويدعو في انتظاره كما صرح به في
المجموعة انتهى. وقال سند: إن شاء دعا وإن
(3/19)
وكفن بملبوسه
لجمعة وقدم كمؤونة الدفن على دين غير المرتهن
ولو سرق ثم إن وجد وعوض ورث إن فقد الدين كأكل
السبع الميت وهو على المنفق بقرابة.
__________
شاء سكت والله أعلم. ص: "وكفن بملبوسه لجمعة".
ش: قال في التوضيح: قال في البيان ويكفن في
مثل ما كان يلبسه في الجمع والأعياد في حياته
ويقضي بذلك عند اختلاف الورثة فيه انتهى. ص:
"إن فقد الدين". ش: إنما أتى بهذا القيد وإن
كان من المعلوم أنه لا ميراث إلا بعد الدين
خشية أن يتوهم أن هذا الكفن لما لم يكن
للغرماء المنع منه ويقدم على ديونهم لا يتعلق
لهم به حق ولو استغنى عنه فنبه على ذلك انتهى.
ص: "كأكل السبع الميت". ش: قال ابن غازي: نقله
المازري عن أبي العلاء البصري وزاد وكأنه عن
القابسي ولو خيف نبشه كانت حراسته من بيت
المال وقد أغفل ابن عرفة هذين الفرعين. ص:
"وهو على المنفق بقرابة". ش: قال الجزولي: فإن
اجتمع أب وابن ومثال من ذلك إذا هلك هالك وترك
أباه وابنه ويتصور هذا فيما إذا كان زمنا بحيث
لا تسقط نفقته عن الأب فهل الكفن على الأب أو
على الابن فقال الكفن على الابن انتهى.
فرع: قال الأقفهسي: ويجوز للشخص أن يستعد
للكفن قبل الموت وكذلك القبر وإن احتاج إليه
انتفع به انتهى. ومراده بالقبر إذا كان في
ملكه وأما في مقابر المسملين فلا يجوز
(3/20)
أو رق لا زوجية
والفقير من بيت المال وإلا فعلى المسلمين وندب
تحسين ظنه بالله تعالى.
__________
كما قاله في المدخل وفي التوضيح وسيأتي الكلام
عليه عند قوله: وبناء عليه. ص: "أو رق". ش:
قال الجزولي عند قوله: "ويكفنهم" ولو مات
السيد والعبد معا ولم يترك السيد إلا كفنا
واحدا كفن به العبد ويكفن السيد مثل فقراء
المسلمين ولا يكفن فيه السيد ويترك العبد لأنه
لا حق له في بيت المال انتهى. وذكره ابن فرحون
في شرح ابن الحاجب وعزاه الشارح لقواعد القاضي
ولعله القباب ونقله غيرهما. ص: "وندب تحسين
ظنه بالله تعالى". ش: في الصحيحين من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه مرفوعا "يقول الله تعالى
أنا عند ظن عبدي بي" وفي رواية لابن حبان
"فليظن بي ما شاء" وفي رواية: "إن ظن خيرا فله
وإن ظن شرا فله" 1 وفي صحيح مسلم من حديث جابر
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
وفاته بثلاث يقول: "لا يموتن أحدكم إلا وهو
يحسن الظن بالله" 2 وكذلك رواه أبو داود.
تنبيه: وتحسين الظن بالله وإن كان يتأكد عند
الموت وفي المرض فينبغي للمكلف أن يكون دائما
حسن الظن بالله قال الشيخ محي الدين بن
العربي: حسن ظنك بربك على كل حال ولا تسيء
الظن به فإنك في كل نفس يخرج منك لا تدري هل
أنت على آخر أنفاسك ودع عنك قول من قال سوء
الظن به في حياتك وحسن الظن به عند موتك ذكره
في أول
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب الجنة حديث 81، 82. وأبو
داود في كمتاب الجنائز باب 13. ابن ماجة في
كتاب الزهد باب14. أحمد في مسنده (3/293، 315،
325، 390).
2 رواه البخاري في كتاب التوحيد باب 15، 35.
مسلم في كاب التوبة حديث 1. الترمذي في كتاب
الزهد باب 15. ابن ماجة في كتاب الأدب باب 58.
الدارمي في كتاب الرقاق باب 22. أحمد في مسنده
(2/251، 315، 391، 445، 516، 524) (3/210،
277، 491).
(3/21)
وتقبيله عند
إحداده على أيمن ثم ظهر وتجنب حائض وجنب له
وتلقينه الشهادة.
__________
باب الوصايا من الفتوحات. ص: "وتقبيله عند
إحداده على أيمن ثم ظهر". ش: ظاهر كلام المؤلف
في التوضيح أن ذلك جار على القولين في صلاة
المريض وإذا كان كذلك فالذي شهره هناك أنه
أولا على الأيمن ثم على الأيسر ثم على الظهر
ولم يفعل ذلك هنا بل أسقط الأيسر وقال سند
ويكون في توجيهه على شقه الأيمن إن أمكن وإن
لم يقدر فعلى ظهره ورجلاه إلى القبلة قاله في
المختصر وهو قول الجمهور اعتبارا بحال صلاته
وبحال قبره وبحالة النائم انتهى.
فرع: قال في الجواهر: أما في حالة الغسل فيوضع
على جنبه الأيسر ليبدأ بغسل الأيمن ثم على
الأيمن وذلك غسله واحدة ثم يفعل ذلك ثلاثا وفي
تكرير الوضوء في كل واحدة خلاف انتهى. من
الذخيرة. ص: "وتجنب حائض وجنب له". ش: قال في
الطراز: قال مالك في المختصر: لا بأس أن تغمضه
الحائض والجنب وقال ابن حبيب: يستحب أن لا
تحضر الحائض ولا الكافرة، قال ولا يكون عنده
وقربه غير طاهر انتهى. وكذا لا يحضره صبي يعبث
ولا يكف إذا نهى قاله في المدخل وقال أيضا
وينبغي أن يكون طاهرا وما عليه طاهرا وكذلك من
حضره وأن يكون عليه طيب وأن يحضره أحسن أهله
وأصحابه سمتا وخلقا وخلقا ودينا فليلقنه كلمة
التوحيد برفق وأن يكثر من الدعاء له وللحاضرين
لأن الملائكة يؤمنون وهو من المواطن التي يرجى
فيها قبول الدعاء وينبغي أن لا يترك أحد يبكي
حوله برفع صوت ومن كان باكيا فليبك بموضع لا
يسمعه فيه المحتضر فإن وقع الأمر به فينبغي أن
يمتثل السنة ويقول إنا لله وإنا إليه راجعون
اللهم أؤجرني في مصيبتي وأعقبني خيرا منها
وقال صلى الله عليه وسلم "من قال ذلك أبدله
الله خيرا منها" أي من المصيبة وينبغي أن يكون
النساء بعيدات لقلة صبرهن وينبغي لمن حضر من
الرجال أن لا يظهر الجزع. ص: "وتلقينه
الشهادة". ش: يعني أنه يستحب أن يلقن الشهادة
عند موته قال في الرسالة ويلقن لا إله إلا
الله عند الموت قال في التوضيح: قال
(3/22)
ـــــــ
ابن الفاكهاني: ومراد الشرع والأصحاب
الشهادتان معا ثم قال في التوضيح: وإذا قالها
مرة ثم تكلم أعيد تلقينه وإلا ترك لأن المقصود
أن يكون آخر كلامه ولا يقال له قل بل يقال
عنده لا إله إلا الله انتهى. زاد في المدخل
وإن كانوا جماعة فيفعلون ذلك واحدا بعد واحد
ولا يلقنوه جميعا لأن ذلك يحرجه ويقلقه انتهى.
ونقل الأبي عن بعضهم أنه استحب أن يلقن
الشهادتين ثم يلقن التهليل وحده وذكر لي
الوالد عن بعض شيوخ شيوخه أنه كان يفعل ذلك في
حال احتضاره قال ابن ناجي وظاهر الرسالة أنه
يلقن الصغيركغيره وهو ظاهر كلام غيره وقال
النووي ولا يلقن إلا من بلغ قال الشيخ زروق في
شرح الإرشاد بعد ذكره التلقين حال الاحتضار
والتلقين بعد الموت وينبغي أن يلقنه غير وارثه
إن وجدوا إلا فأقربهم به وقال سند قال ابن
حبيب: ويستحب أن لا يجلس عنده إلا أحسن أهله
وأفضلهم قولا وفعلا انتهى.
تنبيه: ولا يضجر من عدم قبول المحتضر لما
يلقيه إليه لأنه يشاهد ما لا يشاهدون وقال
القرافي في الفرق الرابع والثلاثين مسألة: من
خرس لسانه وذهب عقله فلم ينطق بالشهادة ولا
أحضر الإيمان بقلبه ومات على تلك الحال مات
مؤمنا ولا يضره عدم الإيمان الفعلي عند الموت
كما أن الكافر إذا حضرته الوفاة وأخرس ذاهب
العقل عاجزا عن الكفر في تلك الحال لعدم
صلاحيته له لا ينفعه ذلك وحكمه عند الله أحكام
الذين استحضروا الكفر في تلك الحال بالفعل
فالمعتبر ما تقدم من كفر وإيمان انتهى. ولم
يذكر المؤلف التلقين بعد الدفن وقال التادلي
إثر كلام الرسالة المتقدم ظاهر كلام الشيخ أنه
لا يلقن بعد الموت وبه قال عز الدين وجزم
النووي باستحبابه وقال الشيخ زروق في شرح
الرسالة والإرشاد وقد سئل عنه أبو بكر بن
الطلاع من المالكية فقال هو الذي نختاره ونعمل
به وقد روينا فيه حديثا عن أبي أمامة ليس
بالقوي ولكنه اعتضد بالشواهد وعمل أهل الشام
قديما وقال المتيوي يستحب أن يجلس إنسان عند
رأس الميت عقب دفنه ويقول له يا فلان ابن فلان
أو يا عبد الله أو يا أمة الله اذكر العهد
الذي خرجت عليه من الدنيا وهو شهادة أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده
ورسوله وأن الجنة والنار حق وأن النار حق وأن
الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في
القبور رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد
صلى الله عليه وسلم رسولا وبالقرآن إماما
وبالكعبة قبلة وبالمسلمين إخوانا ربي الله لا
إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم
انتهى. وقال في المدخل ينبغي أن يتفقده بعد
انصراف الناس عنه من كان من أهل الفضل والدين
ويقف عند قبره تلقاء وجهه ويلقنه لأن الملكين
عليهما السلام إذا ذاك يسألانه وهو يسمع قرع
نعال المنصرفين وقد روى أبو داود في سننه عن
عثمان رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه
وقال استغفروا لأخيكم واسألوا الله له التثبيت
فإنه الآن يسأل وروى رزين في كتابه عن علي رضي
الله عنه أنه كان يقول بعدما
(3/23)
وتغميضه.
__________
يفرغ من دفن الميت اللهم إن هذا عبدك نزل بك
وأنت خير منزول به فاغفر له ووسع مدخله انتهى.
وقد كان سيدي أبو حامد بن البقال وكان من كبار
العلماء والصلحاء إذا حضر جنازة عزى وليها بعد
الدفن وانصرف مع من ينصرف فيتوارى هنيهة حتى
ينصرف الناس ثم يأتي إلى القبر فيذكر الميت
بما يجاوب به الملكين عليهما السلام ويكون
التلقين بصوت فوق السر دون الجهر ويقول يا
فلان لا تنس ما كنت عليه في دار الدنيا من
شهادة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
فإذا جاءك الملكان عليهما السلام وسألاك فقل
لهما والله ربي ومحمد نبي والقرآن إمامي
والكعبة قبلتي وما زاد على ذلك أو نقص فخفيف
وما يفعله كثير من الناس في هذا الزمان من
التلقين برفع الأصوات والزعقات بحضور الناس
قبل انصرافهم فليس من السنة في شيء بل هو بدعة
وكذلك لو فعلوه بعد انصراف الناس على هذه
الصفة فهو بدعة أيضا انتهى. كلام صاحب المدخل
واستحب التلقين بعد الدفن أيضا القرطبي
والثعالبي وغيرهما ويظهر من كلام الأبي في أول
كتاب الجنائز وفي حديث عمرو بن العاصي في كتاب
الإيمان ميل إليه. ص: "وتغميضه". ش: لحديث أبي
داود دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على
أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه وقوله بعد هذا
إذا قضى هو قيد في التغميض والشد قال أبو داود
قال أبو ميسرة وكان رجلا عابدا غمضت جعفر
المعلم وكان رجلا عابدا في حالة الموت فرأيته
في منامي ليلة يقول أعظم ما كان علي تغميضك لي
قبل أن أموت أو قبل الموت قال في الطراز: فإذا
قضى فأول ما يبدأ بتغميضه قال ابن حبيب: ينبغي
أن يلقن لا إله إلا الله ويغمض بصره إذا قضى
ويقال عنده سلام على المرسلين والحمد لله رب
العالمين لمثل هذا فليعمل العاملون وعد غير
مكذوب ويقال عند إغماضه بسم الله وعلى ملة
رسول الله اللهم يسر عليه أمره وسهل عليه موته
وأسعده بلقائك واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج
عنه انتهى. وانظر قول الشيخ بهرام وفي كلام
أبي محمد ما يدل على أن التغميض يكون قبل
الموت لقوله ويقول حينئذ اللهم يسر عليه أمره
وسهل عليه موته ولا يقال ذلك إذا قضى مع كلام
سند وما ذكره عن ابن حبيب فإنه ذكر الدعاء
الذي قاله الشارح وصرح بأنه يقوله عند إغماضه
وصرح بأن التغميض إنما يكون بعد الموت فيحمل
ذلك على الدعاء بالتسهيل بما بعد ذلك فعلى هذا
فقوله إذا قضى راجع إلى قوله: وتغميضه وشد
لحييه فهو قيد فيهما لأنه إنما يغمض إذا انقطع
نفسه وانحدر بصره وانفرجت شفتاه ولم تنطبقا
وسقطت قدماه ولم تنتصبا فعند هؤلاء الأربع
علامات يغمض الميت لا قبل ذلك قاله الشيخ يوسف
بن عمر في شرح الرسالة وفي التوضيح ويستحب إذا
قضى لا قبل ذلك انتهى.
(3/24)
وشد لحييه إذا
قضى وتليين مفاصله برفق ورفعه عن الأرض وستره
بثوب ووضع ثقيل على .
__________
فائدة: قال الشيخ يوسف بن عمر قال أبو يوسف بن
أسباط عن الثوري أنه قال ومن لم يغمض عند موته
وبقي مفتوح الأجفان والشفتين فإنه يأخذ واحد
بعضده وآخر بإبهامي رجليه ويجذبانه قليلا فإنه
يتغمض وذلك مجرب صحيح انتهى. والله أعلم.. ص:
"وشد لحييه إذا قضى وتليين مفاصله برفق ورفعه
عن الأرض وستره بثوب ووضع ثقيل على بطنه". ش:
قال سند: ثم يشد لحيه الأسفل بعصابة ويربطها
فوق رأسه وذلك لئلا يسترخي وينفتح فاه فتدخله
الهوام ويقبح بذلك منظره واستحب بعض الناس أن
يفعل به بعد موته سبعة أشياء إغماض عينيه وشد
لحييه وتليين مفاصله وتجريده من ثيابه ووضعه
على لوح أو سرير وتثقيل بطنه وتسجيته بثوب زعم
أن تليين مفاصله إسهالا على غاسله وهذا ضعيف
فإن ذلك لا فائدة فيه إذ الغالب أنه لا يبقى
لينه لوقت غسله نعم تمدد فإن كان مرتفع الركب
غمز ولين ذلك منه وقال في تجريده لئلا تحميه
ثيابه فلا يأمن معها الفساد وهذا يختص ببعض
الأحوال فلا يجعل سنة لسائر الأموات وكذلك
قوله في رفعه على سرير لئلا يسرع إليه الفساد
وتناله الهوام وتثقيل بطنه لئلا تعلو فيترك
عليها حديد وشبه ذلك وأما التسجية فروى ابن
حنبل عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله
عليه وسلم سجي في ثوب حبرة انتهى. ونقل هذه
الأشياء صاحب المدخل ما عدا تجريده بل قال عند
ذكر التجسية ويزيل ما عليه من الثياب ما عدا
القميص ويمكن حمل التجريد في كلام سند على ذلك
وقال في الكلام على وضع ثقيل تجعل على بطنه
حديدة أو سكينا فإن لم يجد فطينا مبلولا طاهرا
لئلا يعلو فؤاده فيخشى أن ينفجر قبل حلوله في
قبره انتهى. تنبيه: نقل ابن عبد السلام شد
اللحيين عن غير المذهب وقد ذكره سند كما تقدم
ولم يعزه لغير المذهب وكذلك نقله صاحب المدخل
ونقله ابن شعبان إلا أنه علله بخوف دخول شيء
من الماء عند غسله لجوفه وقال ابن غازي ابن
عبد السلام قد وقع في المذهب تجعل حديدة على
بطنه ونص الشافعية على معناه قالوا لئلا يسرع
انتفاخ بطنه قال ابن عرفة: لا أعرفه في المذهب
بل نقل ابن المنذر إباحته عن الشافعي والشعبي
انتهى. وقد نقله ابن
(3/25)
بطنه وإسراع
تجهيزه إلا الغرق وللغسل سدر.
__________
الفاكهاني في شرح الرسالة ونقله في المدخل كما
تقدم والله أعلم. ص: "وإسراع تجهيزه إلا
الغرق". ش: في سنن أبي داود أنه صلى الله عليه
وسلم قال "لا ينبغي لجيفة المسلم أن تحبس بين
ظهراني أهله" 1 انتهى. وقال في المدخل ثم يأخذ
في تجهيزه على الفور لأن من إكرام الميت
الاستعجال بدفنه اللهم إلا أن يكون موته فجأة
أو بصعق أو غرق أو بسمنه أو ما أشبه ذلك فلا
يستعجل عليه ويمهل حتى يتحقق موته ولو أتى
عليه اليومان أو الثلاث أو يظهر تغيره فيحصل
اليقين بموته لئلا يدفن حيا فيحتاط له وقد وقع
ذلك كثيرا انتهى.
فرع: الدفن ليلا جائز نقله في النوادر قال
النووي في دفن فاطمة ليلا: جواز الدفن بالليل
وهو مجمع عليه لكن النهار أفضل إذا لم يكن عذر
انتهى. انظر العارضة وفي النسائي من حديث عقبة
بن عامر الجهني قال ثلاث ساعات كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو
نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى
ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول وحين
تصيب الشمس للغروب وفيه أيضا خطب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فذكر رجلا من أصحابه أنه
مات فقبر ليلا وكفن في كفن غير طويل فزجر رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يقبر إنسان ليلا
إلا أن يضطر إلى ذلك. ص: "وللغسل سدر". ش: قال
في المدونة وأحسن ما جاء في الغسل ثلاثا أو
خمسا بماء وسدر ويجعل في الآخرة كافورا إن
تيسر انتهى. قال الشيخ أبو الحسن: انظر هذا
يقتضي أن غسل الميت نظافة لكونه جعله يغسل
بالماء والسدر وظاهره في الأولى وهذا يرده
قوله بعد هذا في الرجل يموت ولا رجال معه
المرأة تموت ولا نساء معها أنهما ييممان ولو
كان الغسل نظافة لم يجب أن ييمما في عدم الماء
إذ لا نظافة في التيمم فيحتمل أن يقال بماء
وسدر في غير الأولى ولا يخلط الماء والسدر
وقوله بماء وسدر أي يدلكه بالسدر ويصب عليه
الماء القراح وعلى الظاهر حملها اللخمي فقال
اختلف في الماء الذي يغسل به فقال في المدونة
يغسل بماء وسدر ويجعل في الآخرة كافور فأجاز
غسله بالماء المضاف ثم ذكر قول ابن حبيب الذي
تقدم انتهى. ونص الذي تقدم له عن ابن حبيب قال
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الجنائز باب 34.
(3/26)
وتجريده.
__________
ابن حبيب يغسل في الأولى بالماء وحده وفي
الثانية بالماء والسدر وفي الثالثة بغير سدر
ويجعل في الأخيرة كافور انتهى. وقال ابن ناجي
في شرح الرسالة وقول الشيخ بماء وسدر يعني ورق
النبق يطحن ويجعل في الماء ويحرك حتى يكون له
رغوة ويغسل به الميت وقيل السدر نبات باليمن
له رائحة ذكية ومثله في المدونة فأخذ منه
اللخمي غسله بالمضاف لقول ابن شعبان وأجيب بأن
المراد لا يخلط الماء بالسدر بل يحك الميت
بالسدر ويصب عليه الماء وهذا الجواب عندي متجه
وهذا اختيار أشياخي والمدونة قابلة لذلك لأنه
فرق بين ورود الماء على الإضافة والنجاسة
وورودها عليه فالأول لا يضر والثاني عكسه يضر
ومنهم من تأولها كقول ابن حبيب الأولى بالماء
وحده والثانية بالماء والسدر والثالثة
بالكافور انتهى. وقال ابن عرفة: وفيها روى ابن
وهب يستحب ثلاثا أو خمسا بماء وسدر في الأخيرة
كافور فأخذ اللخمي منه غسله بالمضاف كقول ابن
شعبان تنظف ابن حبيب الأول بالماء وحده
والثانية بغاسول بلده إن عدم السدر فإن عدما
فبالماء فقط والثالثة بالكافور وروى ابن عبد
الحكم بالنطرون والحرض إن فقد السدر أشهب إن
عظمت مؤنة الكافور ترك التونسي خلط الماء
بالسدر يضيفه وصبه على الجسد بعد حكه به لا
يضيفه.
قلت: إن كان أخذ اللخمي من كلا الأمرين كان
خلافا التونسي وإن كان من الأول كان وفاقا
وعليهما طهارة الثوب النجس يصب عليه الماء بعد
طليه بالصابون انتهى. و قال ابن الحاجب: اختلف
في وجوب غسله بالمطهر مرة دون سدر وكافور
وغيرهما يعني بالمطهر الماء الطاهر المطهر
وحده دون أن يخالطه شيء والقول بالوجوب مبني
على أنه عبادة والقول الآخر على أنه للنظافة
انتهى. من شرح ابن الحاجب لابن فرحون.
فروع: الأول: قال في المدخل ويستحب البخور
حينئذ لئلا تشم من الميت رائحة كريهة ويزاد في
البخورعند عصر بطنه انتهى. وسيأتي ذلك أيضا عن
صاحب الطراز.
الثاني: قال في المدخل يكره للغاسل أن يقف على
الدكة ويجعل الميت بين رجليه بل يقف بالأرض
ويقلبه حين غسله.
الثالث : قال في المدخل أيضا ينبغي للغاسل أن
يشتغل بالتفكر والاعتبار عن هذه الأذكار التي
ابتدعوها وجعلوا الكل عضو ذكرا يخصه فإنه بدعة
بل يشتغل بما ذكر عن سائر العبادات ذكرا كان
أو غيره وقال ابن شعبان في الزاهي ويكثر
الغاسل من ذكر الله عز وجل حال الغسل انتهى.
فانظره مع ما قال صاحب المدخل والله تعالى
أعلم. ص: "وتجريده". ش: قال في الطراز: ويجرد
للغسل عند مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي
والمستحب عند
(3/27)
ووضعه على
مرتفع وإيتاره كالكفن لسبع ولم يعد كالوضوء
لنجاسة وغسلت وعصر بطنه برفق وصب الماء في غسل
مخرجيه بخرقة وله الإفضاء إن اضطر وتوضئته
وتعهد أسنانه
__________
أصحابه أنه يغسل في قميصه وهو قول ابن حنبل
لأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل في قميصه
والحديث حجة عليهم قال في كتاب ابن سحنون
وينبغي إذا جرد للغسل أن لا يطلع عليه إلا
الغاسل ومن يليه وتستر عورته بمئزر ويستحب أن
يجعل على صدره ووجهه خرقة أخرى انتهى. ص:
"ووضعه على مرتفع". ش: قال في الطراز: وليس
عليهم أن يكون متوجها إلى القبلة لأن ذلك ليس
من سنة الغسل في شيء انتهى. ص: "ولم يعد
كالوضوء لنجاسة". ش: وكذا لو وطئت الميتة لم
يعد غسلها نقله الأبي. ص: "وعصر بطنه برفق".
ش: قال في الطراز: وإن كان ثم نجاسة أزالها
ويكثر صب الماء لتذهب الرائحة الكريهة ولهذا
استحب أن يكون بقربه مجمرة فيها بخور ليذهب
بالرائحة الكريهة انتهى. ص: "وصب الماء في غسل
مخرجه بخرقة". ش: قال في الطراز: وأما بقية
بدنه إن شاء غسله بيديه وإن شاء غسله بخرقة
وقد استحب الشافعي أن يغسله بخرقة وقال يعد
خرقتين نظيفتين يغسل بإحداهما أعالي بدنه
ووجهه وصدره ثم مذاكيره وبين رجليه ثم يلقيها
ويفعل بالأخرى مثل ذلك انتهى. ص: "وتوضئته".
ش: وفي تكرار الوضوء بتكرار الغسل قولان
ذكرهما ابن الحاجب وصاحب
(3/28)
وأنفه بخرقة
وإمالة رأسه برفق لمضمضة وعدم حضور غير معين
وكافور في الأخيرة ونشف واغتسال غاسله وبياض
الكفن وتجميره.
__________
الشامل وغيرهما من غير ترجيح انتهى. قال في
التوضيح: عن الباجي وينبغي على القول بتكرار
الوضوء أن لا يغسل أولا ثلاثا بل مرة مرة لئلا
يقع التكرار في العدد المنهي عنه وعلى القول
بعدم تكراره أن يثلث أولا انتهى. ص: "وعدم
حضور غير معين". ش: قال في الطراز: ولا ينبغي
أن يكون الغاسل إلا ثقة أمينا صالحا يخفي ما
يراه من عيب وإن استغني عن أن يكون معه أحد
فحسن انتهى. ص: "وكافور في الآخرة". ش: وصفة
ذلك أن يأخذ شيئا من الكافور فيجعله في إناء
فيه ماء ويذيبه فيه ثم يغسل الميت به قاله في
المدخل قال في النوادر عن كتاب ابن سحنون
والأخيرة بالكافور كانت الثالثة أو الخامسة
فإن لم يوجد فغيره من طيب إن وجد انتهى. ص:
"ونشف". ش: تصوره واضح.
فرع: قال في التوضيح: وفي طهارة الثوب المنشف
به الميت قولان مبنيان على الخلاف في نجاسة
الميت وطهارته انتهى. وقال في الذخيرة: قال
ابن عبد الحكم: وينجس الثوب الذي ينشف فيه قال
التونسي ولا يصلي فيه حتى يغسل وكذلك كل ما
أصابه ماؤه وقال سحنون طاهر والله أعلم. ص:
"وبياض الكفن وتجميره". ش: قال في الطراز: وما
كان في الثوب من علم أو حاشية فلا يخرجه ذلك
من جنس ثياب البياض وقال قبله الأحسن في ذلك
التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى
الله عليه وسلم إنما كفن في ثياب قطن لا حرير
فيها والكتان في معنى القطن ولا يخرج عن هذين
الجنسين والقطن أفضل له وأستر انتهى. وقوله
لأنه أستر فيه نظر لأن من الكتان ما يكون أستر
من القطن والظاهر أن يقال لكونه صلى الله عليه
وسلم كفن فيه وفهم من كلامه أن التكفين بالصوف
غير مطلوب انتهى. ص: "وتجميره". ش: قال سند:
فرع: فكيف يجمر قال أشهب في المجموعة: يجمر
وترا وحكاه ابن حبيب عن النخعي وعن ابن عمر
أنه
(3/29)
وعدم تأخره عن
الغسل والزيادة على الواحد ويقضى بالزائد إن
شح الوارث إلا أن يوصي ففي.
__________
كان يجمر ثيابه يوم الجمعة وترا وأخذ ذلك بعض
المحدثين من قوله عليه السلام: "ومن استجمر
فليوتر" وإنما استحبه أشهب لأن غسل الميت وتر
وكفنه وتر والتجمير يتعلق بذلك فكان وترا
والمقصود عبوق الرائحة فتجعل الثياب على مستجب
أو سنابل وهي ثلاث قصبات يقرن رؤوسهن بخيط
ينصب وتترك عليها الثياب وتجمر بعود وغيره مما
يتجمر به انتهى. وقال في المدخل ويتبخر الكفن
ثلاثا أو خمسا أو سبعا انتهى. وقال الشارح في
الصغير واستحب بعضهم أن يكون بالعنبر والله
أعلم. وضبطه البساطي بالخاء المعجمة قال
والمراد منه أن يجعل الثياب بعضها فوق بعض
ويدرج فيها الميت لقوله في الحديث أدرج فيها
انتهى. وهو تصحيف ظاهر والله أعلم. ص:
"والزيادة على الواحد". ش: تصوره واضح قال في
الطراز: يجوز أن يخفف في أكفان الصغار قال
مالك في المجموعة: إذا لم تجد المرأة إلا
ثوبين لفت فيهما وكذلك من لم يبلغ من صبي أو
صبية قال أشهب وسحنون: هذا فيمن راهق فأما
الصغير فالخرقة تكفيه انتهى. ص: "ولا يقضي
بالزائد إن شح الورثة". ش: تصوره واضح.
فرع: لو أوصى بأن لا يزاد على ثوب فزاد بعض
الورثة آخر لم يضمن لأن عليه في الواحد معرة
ابن رشد ولأنه أوصى لما لا قربة فيه فلا تنفذ
وصيته إذ لا خلاف في استحباب الزيادة على
الواحد انتهى. من شرح الإرشاد للشيخ زروق. ص:
"إلا أن يوصى ففي ثلثه". ش: قال سند عن سحنون
في الذي يكون من الغرباء الذين لا يعرف لهم
وارث وترك شيئا يسيرا كالدينار والدينارين:
فينبغي من مثل هذا اليسير أن يجعل كله في كفنه
وحنوطه وقبره انتهى. وظاهره أنه يصرف كله في
ذلك وإن لم يوص به والله أعلم. ص: "وهل الواجب
(3/30)
ثلثه وهل
الواجب ثوب يستره أو ستر العورة والباقي سنة
خلاف ووتره والاثنان على الواحد والثلاثة على
الأربعة وتقميصه وتعميمه وعذبة فيها وأزرة
ولفافتان والسبع للمرأة
__________
ثوب يستره أو ستر العورة والباقي سنة خلاف".
ش: قال ابن غازي سلم في التوضيح أن الأول ظاهر
كلامهم ونسب الثاني للتقييد والتقسيم فأتى
كلامه هنا أن الخلاف في التشهير قال ابن عرفة:
قال أبو عمر وابن رشد الفرض من الكفن ساتر
العورة والزائد لغيرها سنة قال ابن بشير أقله
ثوب يستر كله انتهى. وصرح ابن بشير بنفي
الخلاف في الميت بخلاف الحي والله أعلم. ص:
"ووتره". ش: هذا تكرار مع ما تقدم وكان ينبغي
أن يقيده بالثلاث فما فوقها وأما ما دون
الثلاث فالشفع أفضل من الوتر بل صرح الجزولي
بأن الواحد مكروه وكأنه اكتفى بذكر ذلك عقبه
فصار كالاستثناء منه والله أعلم. ص: "وتقميصه
وتعميمه وعذبه فيها وأزرة ولفافتان". ش: هذه
الخمس هي المستحبة للرجل والمرأة هي القميص
والعمامة والإزار ولفافتان ويكره أن يزاد
للرجل عليها وأما المرأة فتجوز زيادتها إلى
سبع وذلك بأن تزاد لفافتان كما قاله الجزولي
وإلى هذا أشار. ص: "والسبع للمرأة". ش: يعني
أن إيتار كفن الرجل ينتهي إلى خمسة والوتر
الذي هو السبعة وقلنا بجواز إيتار الكفن إليه
خاص بالمرأة وقال في العمدة وغاية الرجل خمسة
قميص وإزار ولفافتان والمرأة سبع درع وخمار
وحقو وأربع لفائف ويستحب أن يجمر بالعود
والعنبر وتبسط اللفائف بعضها على بعض انتهى.
وقوله وحقو يعني الإزار وأما الخرقة التي تجعل
على فرج المرأة والعصائب التي يشد بها وجهه
فليست داخلآ في هذه الأثواب كما صرح به في
المدخل والله أعلم.
تنبيه: قال سند: تبسط الأكفان ويجعل أسفلها
أحسنها لأن أحسن ثياب الحي يكون ظاهرها قال
ابن حبيب: ثم يعطف الثوب الذي يلي جسده بضم
الأيسر إلى الأيمن عند ال أيمن إلى الأيسر كما
يلتحف في حياته وقاله أشهب في المجموعة قال
وإن عطف الأيمن أولا فلا
(3/31)
وحنوط داخل كل
لفافة وعلى قطن يلصق بمنافذه والكافور فيه وفي
مساجده وحواسّه ومراقه.
__________
بأس ويفعل هكذا في كل الثوب انتهى. وقال في
النوادر ومن الواضحة ونحوه لأشهب في المجموعة
فإذا فرغت من غسل الميت نشفت بلله في ثوب
وعورته مستورة وقد أجمرت ثيابه بعد ذلك وترك
وإن أجمرتها شفعا فلا حرج ثم تسقط الثوب
الأعلى قال أشهب: اللفافة التي هي أوسع أكفانه
عند ال أوسع فالأوسع من باقيها وقال ابن حبيب:
فيذر على الأول من الحنوط ثم على الذي يليه
هكذا إلى الذي يليه جسمه فيذر عليه أيضا ثم
ذكر صفة جعل الحنوط في مساجده ومراقه ومسامه
وسيأتي لفظه في القولة التي بعد هذه ثم يعطف
بالذي يلي جسده ثم يضم الأيسر إلى الأيمن عند
ال أيمن عليه كما يلتحف في حياته وقاله أشهب
في المجموعة قال وإن عطفت الأيمن أولا فلا بأس
ويفعل هكذا في كل ثوب ويجعل عليه الحنوط إلى
الثوب الأخير فلا يجعل على ظاهر كفنه حنوطا ثم
يشد الثوب عند رأسه وعند رجليه فإذا ألحدته في
القبر حللته قال في المجموعة: قال أشهب: وإن
تركت عقده فلا بأس ما لم تتبين أكفانه وفي
كتاب ابن القرطبي ويخاط الكفن على الميت ولا
يترك بغير خياطة انتهى. ص: "وحنوط داخل كل
لفافة وعلى قطن يلصق بمنافذه والكافور فيه وفي
مساجده وحواسه ومراقه". ش: صفة التحنيط
والتكفين باختصار من النوادر والمدخل قال في
النوادر بعد قوله المتقدم قال ابن حبيب: فيذر
على الأول من الحنوط عند ال ذي يليه هكذا إلى
الأعلى الذي يلي جسده فيذر عليه أيضا قال
أشهب: وإن جعل الحنوط في لحيته ورأسه والكافور
فواسع قال ابن حبيب: ثم يجعل الكافور على
مساجده من وجهه وكفيه وركبتيه وقدميه ويجعل
منه في عينيه وفي فمه وأذنيه ومرفقيه وإبطيه
ورفغيه وعلى القطن الذي يجعل بين فخذيه لئلا
يسيل منه شيء ويشده بخرقة إلى حجزة مئزره فقال
سحنون ويشدد بره بقطنة
(3/32)
وإن محرماً
ومعتدة ولا يتولياه.
__________
فيها دريرة ويبالغ فيه برفق قال ابن حبيب:
ويسد مسام رأسه بقطن عليه كافور وأذنيه
ومنخريه انتهى. وصفة التكفين تقدم في كلامه في
القولة التي قبلها وقال في المدخل فإذا فرع:
من غسله فأول شيء يفعله أن يأخذ قطنة ويجعل
عليها شيئا من الكافور أو غيره من الطيب
والكافور أحسن لأنه يردع المواد فيجعلها على
فمه ثم يأخذ قطنة أخرى فيجعل فيها ما تقدم
ويسد بها أنفه ثم أخرى من الناحية الأخرى
ويرسلها في أنفه قليلا ثم يؤخذ خرقة فيشد على
الأنف والفم ثم يعقدها من خلف عنقه عقدا وثيقا
فتبقى كأنها اللثام ثم يجعل على عينيه وأذنيه
خرقة ثانية بعد وضع القطن والكافور على عينيه
وأذنيه ويعقدها عقدا جيدا فتصير كالعصابة ثم
يأخذ خرقة ثالثة فيشد بها وسطه ثم يأخذ خرقة
رابعة فيعقدها في هذه الخرقة المشدود بها وسطه
أو يخيطها فيها ثم يلجمه بها بعد أن يؤخذ قطنة
وتجعل عليها شيئا من الطيب أو الكافور وهو
أحسن لأنه يشد العضو ويسده فيجعله على باب
الدبر ويرسل ذلك قليلا برفق ويزيد للمرأة سد
القبل بقطنة أخرى ويفعل فيه كما تقدم في الدبر
سواء ثم يلجمه عليه بالخرقة المذكورة ثم
يربطها ربطا وثيقا وليحذر ما يفعلون من
إدخالهم في دبره قطنا وكذلك في حلقه وإبطه لما
في ذلك من مخالفة السنة وإخراق حرمة الميت ثم
يأخذ في تكفينه فيشد على وسطه مئزرا أو يلبسه
سراويل وهو أستر له ثم يلبسه القيمص ثم يعممه
فيجعل له العمامة ذؤابة وتحنيكا كالحي إلا
أنها هنا لا ترخى بل يشد ذلك عليه ويستوثق في
عقده لئلا يسترخي ذقنه فيفتح فاه ثم يعممه
بباقي العمامة ويشدها شدا وثيقا ثم يبسط
الذؤابة على وجهه فيستر وجهه بها وكذلك يفعل
بما يفضل من المقنعة في حق المرأة يستر بها
وجهها دم ينقله إلى موضع الكفن فيجعله عليه
ويحنطه ومواضع الحنوط خمس الأول ظاهر جسد
الميت الثاني بين أكفانه ولا يجعل على ظاهر
الكفن الثالث المساجد السبعة وهي الجبهة
والأنف والكفان مع الأصابع والركبتان وأطراف
أصابع الرجلين الرابع منافذ الوجه المتقدم
ذكرها الخامس الأرفاغ وهي مغابن الجسد خلف
اليسرى وتحت حلقه وتحت إبطيه وفي سرته وفيما
دون فخذيه وأسافل ركبتيه وقعر قدميه وذلك بحسب
ما يكون معه من الطيب فإن قل عن استيعاب ذلك
فليقتصر على الأرفاغ والمساجد السبعة المتقدم
ذكرها ثم يأخذ
(3/33)
ومشي مشيع
وإسراعه وتقدمه وتأخر راكب ومرأة وسترها بقبة.
__________
طرف أحد كميه فيربطه بطرف الكم الآخر ربطا
وثيقا ثم يأخذ خرقة طويلة فيربطها في موضع
رباط الكمين ثم يمدها إلى إبهام رجليه فيربطها
فيهما ربطا جيدا وثيقا لئلا تتحرك أطرافه
وتتعرى هذا إذا لبس القميص وأما إذا أدرج فلا
حاجة إلى فعل ذلك فإذا جاء إلى لحده أزال
الرباط عنه وليحذر مما يفعله بعضهم من جعل
القطن الكثير على وجه الميت حتى يعلو وعلى
ركبتيه وتحت حنكه وتحت رقبته حتى يصير رأسه
وكتفاه بالسواء وكذلك ما يجعلونه من القطن عند
ساقه ها هنا ومن ها هنا حتى يصير بطنه ورأسه
ورجلاه بالسواء فإنه من محدثات الأمور وهو
بدعة وفيه محرمان هما إضاعة المال وأخذ مال
الغير بغير أمره وهم الورثة إن كان فيهم
قاصرون فإن لم يكن فيهم قاصرون ورضوا بذلك
ففيه الإعانة على البدعة ثم يربط الكفن عند
رأسه ومن عند رجليه ربطا وثيقا ثم يأخذ في
نقله وإخراجه من البيت إلى النعش وكذلك كله
برفق وحسن سمت ووقار انتهى. ص: "ومشى مشيع".
ش: في سنن أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام
أتى بدابة ليركبها فأبى ثم لما انصرف أتى
بدابة فركبها انتهى. ص: "وإسراعه". ش: قال في
المدخل قال علماؤنا رحمة الله تعالى عليهم
السنة في المشي بالجنازة أن يكون كالشاب
المسرع في حاجته انتهى. والله أعلم. ص:
"وتقدمه". ش: أي ومما يستحب للمشيع للجنازة
إذا كان ماشيا أن يتقدم أمامها قال في الطراز.
فرع: فإذا ثبت أن المشي أمامها أفضل فلا يكره
المشي خلفها قاله أشهب في مدونته قال أمامها
السنة وخلفها واسع والذي قاله بين ونظيره من
قدر أن يجلس في الصلاة في الصف الأول فلم يفعل
وجلس في غيره فإنه جائز والأول كان أفضل
انتهى. ص: "وتأخر راكب وامرأة". ش: قال في
الطراز: ولا يستحب للمرأة أن تمشي أمامها
وليمش النساء من وراء الجنازة وهذا لأن ذلك
أستر لهن ولأن شأنهن التأخير في المقام عن
الرجال في الصلاة وغيرها ثم قال.
فرع: فإن ركب معها كان خلفها خلف المشاة أو
يتقدمهم ولا يصحبهم وهو قول الجمهور قال ابن
شعبان: ويكون النساء خلف الرجال انتهى. ص:
"ويسترها بقبة". ش: ولا بأس بستر النعش للرجل
نقله في التوضيح وابن عرفة.
(3/34)
ورفع اليدين
بأولى التكبير وابتداء بحمد وصلاة على نبيه
عليه الصلاة والسلام وإسرار دعاء ورفع صغير
على أكف ووقوف إمام بالوسط ومنكبي المرأة.
__________
فرع: قال في النوادر في ترجمة إنزال الميتة في
قبرها بثوب وكذلك فعل بزينب بنت جحش وهي أول
من مات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال
أشهب في المجموعة: وأما أكره أن يستر القبر في
دفن الرجال وأما المرأة فهو الذي ينبغي وذلك
واسع في الرجل ومن العتبية قال موسى عن ابن
القاسم وستر قبر المرأة بثوب مما ينبغي فعله
انتهى. ص: "وابتداء بحمد الله وصلاة على نبيه
عليه الصلاة والسلام". ش: قال في الطراز: ولا
تكرر الصلاة ولا التحميد في كل تكبيرة انتهى.
قال في المدونة ولا يقرأ على الجنازة قال ابن
هارون ناقلا عن اللخمي والباجي ظاهر المذهب
فيه الكراهة قال عبد الحق: لأن ثواب القراءة
للقارىء والميت لا ينتفع بها وقال أشهب: اقرؤا
بأم القرآن في التكبيرة الأولى فقط انتهى.
ومنه إذا تقرر أن الصلاة على الجنازة مأمور
بها فهي فيما يفتقر إليه من الشروط كسائر
الصلوات والدعاء فيها كالقراءة في غيرها من
سائر الصلوات وقال الشيخ زروق في شرح الإرشاد
وكونها بغير قراءة هو المشهور وقال أشهب: يقرأ
بالفاتحة كالشافعي وله أن يفعل ذلك ورعا
للخروج من الخلاف. ص: "ووقوف أمام الوسط
ومنكبي المرأة". ش: قال في المدونة وكان ابن
مسعود يقف عند وسط الرجل وفي المرأة عند
منكبيها قال في التنبيهات قيدناه عن بعض
شيوخنا بسكون السين قال أبو علي الجياني كذا
رده على القاضي أبو بكر عن صاحب الأحباس قال
ابن دريد وسط الدار ووسطها سواء انتهى. وقال
في الصحاح يقال جلست وسط القوم بالتسكين لأنه
ظرف وجلست وسط الدار بالتحريك لأنه اسم وكل
موضع صلح فيه بين فهو وسط وإن لم يصلح فيه بين
فهو وسط بالتحريك وربما سكن وليس بالوجه
انتهى. وقال في النهاية:
(3/35)
رأس الميت عن
يمينه ورفع قبر كشبر مسنماً وتؤولت أيضاً على
كراهته فيسطح وحثو قريب فيه ثلاثاً
__________
الوسط بالسكون يقال فيما هو متفرق الأجزاء غير
متصل كالناس والدواب وغير ذلك وإن كان متصل
الأجزاء كالدار والرأس فهو بالفتح وقيل كل ما
يصلح فيه بين فهو بالسكون وما لا يصلح فيه بين
فهو بالفتح وقيل كل منهما يقع موقع الآخر
وكأنه الأشبه انتهى.
فرع: قال الشيخ زروق والقيام فرض فيها فلو صلى
جالسا أعاد إلا من عذر انتهى.
فرع: ولا تصلى على الراحلة تنقله في الذخيرة
عن الجواهر في باب الاستقبال والله أعلم.
فرع: قال في المدخل تقدم المصلي على الإمام
والجنازة فيه مكروهان أحدهما تقدمه على الإمام
والثاني تقدمه على الجنازة انتهى. بالمعنى
فعلى هذا يكون التقدم على الجنازة مكروها فقط
وتصح الصلاة سواء كان المتقدم إماما أو مأموما
والله أعلم. فرع: قال في المدخل في سنن الصلاة
على الجنازة السادسة أن يكون الميت بين يدي
المصلي ورأسه إلى جهة المغرب وهذا بالنسبة إلى
بلده قال القاضي أبو الفضل عن الطبري أنه قال
أجمعوا أن الإمام لا يلاصق الجنازة وليكن بينه
وبينها فرجة انتهى. ص: "رأس الميت عن يمينه".
ش: قال في الشامل: وأجزأت إن صلى عليها منكوسا
رأسه موضع رجليه انتهى. ونقله في التوضيح وابن
عرفة. ص: "وحثو قريب فيه ثلاثا". ش: هذا القول
اقتصر عليه في
(3/36)
وتهيئة طعام
لأهله وتعزية.
__________
العمدة كما فعل المصنف قال في النوادر والذي
يلون دفنها يلون رد التراب عليها وقال فيها
أيضا ومن شأنهم صب الماء على القبر ليشتد روي
أنه فعل ذلك بقبر النبي صلى الله عليه وسلم
وذكر ابن أبي شيبة في مصنفه عن زياد بن جبير
أنه يكره أن يمس أحد العبر بيده بعد رش الماء
عليه والله أعلم. ص: "وتهيئة طعام لأهله". ش:
أي ويستحب أن يهيأ لأهل الميت طعام.
فرع: قال في الطراز: ويجوز حمل الطعام لأهل
الميت في يومهم وليلتهم واستحبه الشافعي
والأصل فيه ما رواه عبد الله بن جعفر أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " اصنعوا لآل جعفر
طعاما فإنهم فاجأهم أمر شغلهم" خرجه أبو داود
لأن ذلك زيادة في البر والتودد للأهل والجيران
أما إصلاح أهل الميت طعاما وجمع الناس عليه
فقد كرهه جماعة وعدوه من البدع لأنه لم ينقل
فيه شيء وليس ذلك موضع الولائم أما عقر
البهائم وذبحها على القبر فمن أمر الجاهلية
إلا أن أنس بن مالك رضي الله عنه روى أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "لا عقر في الإسلام"
1 خرجه أبو داود انتهى. قال العلماء العقر
الذبح عند القبر وأما ما يذبحه الإنسان في
بيته ويطعمه للفقراء صدقة على الميت فلا بأس
به إذا لم يقصد به رياء ولا سمعة ولا مفاخرة
ولم يجمع عليه الناس قال الفاكهاني في آخر باب
الدعاء للطفل وعقر البهائم وذبحها عند القبر
من أمر الجاهلية وقد روى أبو داود عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا عقر في
الإسلام" 2 انتهى. وقال في المدخل في فصل:غسل
الميت وليحذر من هذه البدعة التي يفعلها بعضهم
وهو أنهم يحملون أمام الجنازة الخرفان والخبز
ويسمون ذلك بعشاء القبر فإذا أتوا إلى القبر
ذبحوا ما أتو به بعد الدفن وفرقوه مع الخبز
ويقع بسبب ذلك مزاحمة وضراب ويأخذ ذلك من لا
يستحقه ويحرمه المستحق في الغالب وذلك مخالف
للسنة لأن ذلك من فعل الجاهلية روى أبو داود
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
لا عقر في الإسلام انتهى. والعقر الذبح عند
القبر كما تقدم ولما فيه من الرياء والسمعة
والمباهاة والفخر لأن السنة في الإسرار بها
دون الجهر فهو أسلم والمشي بذلك أمام الجنازة
جمع بين إظهار الصدقة والرياء والسمعة
والمباهاة والفخر ولو تصدق بذلك في البيت سرا
لكن عملا صالحا لو سلم من البدعة أعني أن يتخذ
ذلك سنة لأنه لم يكن من فعل من مضى والخير كله
في اتباعهم رضي الله عنهم انتهى. ص: "وتعزية".
ش: عد المصنف
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الجنائز باب 70. أحمد
في مسنده (3/19).
2 المصدر السابق.
(3/37)
وعدم عمقه.
__________
التعزية من جملة المستحبات وصرح باستحبابها
صاحب الإرشاد قال الشيخ زروق في شرحه أما
استحبابها فلا إشكال فيه انتهى. وعلى
استحبابها مشى الشارح في شامله فقال ويستحب
تعزية أهله انتهى. وفي الجواهر أنها سنة ونصه
التعزية سنة انتهى. ونقله عنه ابن عرفة ونصه
ابن حبيب في التعزية ثواب كثير ابن شاس سنة
انتهى. والتعزية قال في الجواهر: هي الحمل على
الصبر بوعد الأجر والدعاء للميت والمصاب
انتهى. وقال ابن رشد في شرح ثاني مسألة من رسم
شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب
الجنائز والتعزية لثلاثة أشياء أحدها تهوين
المصيبة على المعزي وتسليته منها وتحضيضه على
التزام الصبر واحتساب الأجر والرضا بقدر الله
والتسليم لأمره والثاني الدعاء بأن يعوضه الله
من مصابه جزيل الثواب ويحسن له العقبى والمآب
والثالث الدعاء للميت والترحم عليه والاستغفار
له انتهى. وأما ألفاظ التعزية فقال في الجواهر
إثر كلامه المتقدم ذكر ابن حبيب ألفاظا في
التعزية عن جماعة من السلف ثم قال والقول في
ذلك واسع إنما هو على قدر منطق الرجل وما
يحضره في ذلك من القول وقد استحسنت أن أقول
أعظم الله أجرك على مصيبتك وأحسن عزائك عنها
وعقباك منها غفر الله لميتك ورحمه وجعل ما خرج
إليه خيرا مما خرج عنه انتهى. ونص كلام ابن
حبيب
(3/38)
ـــــــ
على ما نقله عنه في النوادر وقال ابن حبيب:
وقد جاء في تعزية المصاب ثواب كثير وجاء أن
الله يلبس الذي عزاه لباس التقوى وروي أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عزى قال
"بارك الله لك في الباقي وآجرك في الفاني"
وعزى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة في ابنها
فقال "إن لله ما أخذ وله ما أبقى ولكل أجل
مسمى وكل إليه راجع فاحتسبي واصبري فإنما
الصبر عند أول الصدمة" وكان محمد بن سيرين إذا
عزى قال أعظم الله أجرك وجبر مصيبتك وأحسن
عزائك عنها وأعقبك عقبا نافعا لدنياك وأخراك
وكان مكحول يقول أعظم الله أجرك وأحسن عقباك
وغفر لمتوفاك قال ابن حبيب: وكل واسع بقدر ما
يحضر الرجل وبقدر منطقه وأنا أقول أعظم الله
أجرك على مصيبتك وأحسن عزاءك عنها وعقباك منها
غفر الله لميتك ورحمه وجعل ما خرج إليه خيرا
مما خرج منه وقال غيره وأحسن التعزية ما جاء
به الحديث آجركم الله في مصيبتكم وأعقبكم الله
خيرا منها إنا لله وإنا إليه راجعون انتهى.
وزاد سند عن ابن حبيب روي عن النبي صلى الله
عليه وسلم لما مات وجاءت التعزية سمعوا صوتا
من جانب البيت السلام عليكم أهل الله وبركاته
وإن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل
هالك وعوضا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه
فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب انتهى. قال
في المدخل وقد ورد في التعزية ألفاظ متعددة
وقال بعضهم وأحسن التعزية ما جاء في الحديث
آجركم الله على مصيبتكم وأعقبكم خيرا منها إنا
لله وإنا إليه راجعون انتهى.
فروع: الأول : في الجلوس للتعزية قال سند:
ويجوز أن يجلس الرجل للتعزية وقالت عائشة رضي
الله عنها لما قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي
طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما جلس
النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد يعرف في
وجهه الحزن خرجه أبو داود انتهى.
الثاني: في محل التعزية ومحلها في البيت وإن
جعلت على القبر فواسع غير أنه ليس من الأدب
قال في المدخل والأدب في التعزية على ما نقله
علماؤنا أن تكون بعد رجوع ولي الميت بعد الدفن
إلى بيته وهي جائزة قبل الدفن إن لم يحصل
للميت بسببها تأخير عن مواراته فإن حصل ذلك
منع وقال بعد ذلك أيضا وتجوز قبل الدفن وبعده
انتهى. ويشير بأول كلامه إلى قول ابن حبيب
ونصه على ما في النوادر قال ابن حبيب: قال
النخعي: كانوا يكرهون التعزية عند القبر قال
ابن حبيب: وذلك واسع في الدين وأما في الأدب
ففي المنزل انتهى. ونقله ابن عرفة عن النوادر
بلفظ ابن حبيب والتعزية عند القبر واسع في
الدين والأدب في المنزل ونقله في مختصر
الواضحة والطراز والذخيرة وغيرهم وتقدم في
كلام صاحب المدخل جوازها قبل الدفن وقاله في
الطراز ونصه بعد نقل كلام ابن حبيب المتقدم
وتجوز التعزية قبل الدفن وبعده وبه قال
الشافعي وغيره وقال الثوري لا يعزى بعد الدفن
لأن الدفن خاتمة أمره وما قلناه أصوب لأن عقيب
الدفن يكثر الجزع لأنه وقت مفارقة شخصه
والانصراف عنه انتهى. وقال الفاكهاني في شرح
الرسالة ولم أر لأصحابنا تعيين وقت التعزية
(3/39)
ـــــــ
وقال الشافعي: حين يموت إلى حين يدفن عقيب
الدفن وقال النووي: لا يعزى بعد الدفن لأن
خاتمة أمره قلت: وما قاله النووي رحمه الله
مخالف لظاهر الحديث أعني قوله عليه السلام:
"من عزى مصابا كان له مثل أجره" فإنه عام غير
مختص بوقت معين ومن جهة المعنى أنه عقيب وقت
يكثر الجزع والهلع لأنه وقت مفارقة شخص الميت
والرجوع عنه بالإياس منه فينبغي أن يستحب
التعزية حينئذ لئلا يتسخط المصاب بقضاء الله
تعالى فيأثم والله أعلم. انتهى. وكان
الفاكهاني لم يطلع على كلام ابن حبيب المتقدم
والله أعلم.
الثالث: فيمن تعزى قال سند: ويعزى الكبير
والصغير ممن يقصد بالخطاب ويفهمه قال سحنون:
ولا تعزى المرأة الشابة وتعزى المتجالة وتركه
أحسن قال وكذلك السلام عليهن في الطريق وقال
الشافعي: لا أحب أن يعزي الشابة إلا ذو رحم
محرم ويخص بالتعزية أجزعهم وأضعفهم عن احتمال
المصيبة لأن الثواب في تعزيتهم أكثر انتهى.
ونقله عنه في الذخيرة بلفظ ويعزى الكبير
والصغير ومن يفهم الخطاب والمتجالة بخلاف
الشابة انتهى. ونقله الفاكهاني في شرح الرسالة
بلفظ ويعزي الكبير والصغير المميز والمرأة إلا
أن تكون شابة إلا أن يكون ذا رحم انتهى. ونقله
الشيخ زروق في شرح الإرشاد وزاد الحر والعبد
وسيأتي كلامه في الفرع الخامس وما عزاه سند
لسحنون نقله عنه في النوادر ونقله عنه ابن
عرفة عنها ونصه وفي كتاب ابن سحنون لا تعزى
الشابة وتعزى المتجالة وتركه أحسن كالسلام
عليها انتهى.
الرابع: في التعزية بالنساء والقرين الصالح
قال في النوادر قال ابن حبيب: أصيب عمر بن عبد
العزيز بامرأة من أهله فلما دفنت ورجع معه
القوم فأرادوا تعزيته عند منزله فدخل وأغلق
الباب وقال إنا لا نعزي في النساء وفعله عبد
الملك فقال لسعد بن سعيد ما أتى بك فقال
لأشاركك في مصيبتك وأعزيك بابنتك فقال مهلا
فإنا لا نعزي في النساء ولغير ابن حبيب عن
مالك أنه قال إن كان فبالأم قال غيره وكل واسع
وقد قال عليه السلام: "من مات له ثلاث من
الولد" ولم يذكر ذكرا ولا أنثى وقال الله
تعالى: {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ}
[المائدة: من الآية106] وقال النبي صلى الله
عليه وسلم "ليتعزى المسلمون في مصائبهم
بالمصيبة بي" وجعل المصيبة بالزوجة الصالحة
والقرين الصالح مصيبة انتهى. كلام النوادر
ونقله ابن عرفة مختصرا ونصه قال يعني ابن حبيب
وأبي عمر بن عبد العزيز وعبد الملك التعزية في
المرأة غير ابن حبيب عن مالك أنه إن كان
فبالأم غيره كل واسع وقال صلى الله عليه وسلم
"ليتعزى المسلمون في مصائبهم بالمصيبة بي"
وجعل مصيبة الزوجة والقرين الصالح مصيبة
انتهى. وقال في المدخل وينبغي أن يعزي الرجل
في صديقه لأنه من المصائب وكذلك يعزى الرجل في
زوجته الصالحة لأنها من المصائب انتهى. وسيأتي
في الفرع.
الخامس: في كلام ابن رشد أن الحر يعزى بالعبد
الخامس في تعزية المسلم بالكافر والكافر
بالمسلم أو بالكافر قال في النوادر ومن
المجموعة قال ابن القاسم: ولا يعزى بأبيه
الكافر يقول الله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ
وَلَايَتِهِمْ مِنْ
(3/40)
ـــــــ
شَيْءٍ} [الأنفال: من الآية72] انتهى . زاد
سند بعد قول المجموعة ما لكم من ولايتهم من
شيء حتى يهاجروا فمنعهم من الميراث وقد أسلموا
حتى يهاجروا يريد أن المسلم إذا كان لا يعزى
بالمسلم القريب لترك الهجرة فما الظن بالكافر
وهو بعيد وهو أبعد وأسحق إلا أن ذلك خفيف إذا
كان للمسلم به منفعة عظيمة في دنياه فيكون
فقده مصيبة في حق المسلم من هذا الوجه وقد قال
الشافعي: يعزى به وكما يعزى الذمي بالمسلم
والذمي بالذمي قال في كتاب ابن سحنون ويعزى
الذمي في وليه يقول أخلف الله لك المصيبة
وجزاه أفضل ما جزى به أحدا من أهل دينه قال
الشافعي: وإذا عزى ذميا بمسلم قال غفر الله
لميتك وأحسن عزاءك انتهى. وما عزاه لكتاب ابن
سحنون هو في النوادر بزيادة إن كان له جوار
ونصه وفي كتاب ابن سحنون ويعزى الذمي في وليه
إن كان له جوار يقول له أخلف الله لك المصيبة
وجزاه أفضل ما جزى به أحدا من أهل دينه انتهى.
ومسألة تعزية المسلم بأبيه الكافر هي في
العتبية أيضا في ثاني مسألة من رسم شك في
طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب الجنائز
وأطال ابن رشد الكلام عليها واختار تعزيته بها
ونصه وسئل مالك عن الرجل المسلم يهلك أبوه وهو
كافر أترى أن يعزى به فيقول آجرك الله في أبيك
قال لا يعجبني أن يعزيه يقول الله: {مَا
لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى
يُهَاجِرُوا} [لأنفال: من الآية72] فلم يكن
لهم أن يرثوهم وقد أسلموا حتى يهاجروا قال ابن
رشد: ما ذهب إليه مالك رحمه الله في هذه
الرواية من أن المسلم لا يعزى بأبيه الكافر
ليس بينا لأن التعزية تجمع ثلاثة أشياء وذكر
الثلاثة عنه في الكلام على التعزية في أول
القولة ثم قال والكافر يمنع في حقه الشيء
الأخير لقول الله عز وجل: {مَا كَانَ
لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ
يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ
كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ
الْجَحِيمِ} [التوبة:113] وليس منع الدعاء
للميت الكافر والترحم عليه والاستغفار له
بالذي يمنع من تعزية ابنه المسلم بمصابه به إذ
لا مصيبة على الرجل أعظم من أن يموت أبوه الذي
كان يحن عليه وينفعه في دنياه كافرا فلا يجتمع
به في أخراه فيهون عليه المصيبة ويسليه منها
ويعزيه فيها بمن مات للأنبياء الأبرار عليهم
السلام من القرابة والآباء الكفار ويحضه على
الرضا بقضاء الله ويدعو له بجزيل الثواب إلى
الله إذ لا يمتنع أن يؤجر المسلم بموت أبيه
الكافر إذا شكر الله وسلم لأمره ورضي بقضائه
وقدره فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"لا يزال المسلم يصاب في أهله وولده وحامته
حتى يلقى الله وليست له خطيئة" ولم يفرق بين
مسلم وكافر وهل يشك أحد في أن النبي صلى الله
عليه وسلم أجر بموت عمه أبي طالب لما وجد عليه
من الحزن والإشفاق وقد روي عن مالك رحمه الله
أن للرجل أن يعزي جاره الكافر بموت أبيه
الكافر لذمام الجوار فيقول أخلف الله لك
المصيبة وجزاه أفضل ما جرى به أحدا من أهل
دينه فالمسلم بالتعزية أولى وهو بذلك أحق
وأحرى والآية التي احتج بها مالك منسوخة قال
عكرمة أقام الناس بالتعزية أولى وهو بذلك أحق
وأحرى والآية التي احتج بها مالك منسوخة.
(3/41)
ـــــــ
قال عكرمة أقام الناس برهة لا يرث المهاجري
الأعرابي ولا الأعرابي المهاجري لقول الله عز
وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا
مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ
حَتَّى يُهَاجِرُوا} [لأنفال: من الآية72]
فنزلت: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ
أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأحزاب: 60] فاحتج
بالمنسوخ وذلك إنما يجوز على القول بأن الأمر
إذا نسخ وجوبه جاز أن يحتج به على الجواز وفي
ذلك بين أهل العلم اختلاف وبحث واعتلاله
بامتناع الميراث ضعيف إذ قد يعزى الحر بالعبد
وهما لا يتوارثان ولو استدل بقول الله عز وجل:
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: من
الآية71] وبقوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ} [المجادلة: من
الآية22] الآية لكان أظهر وإن لم يكن دليلا
قاطعا للمعاني التي ذكرناها والله أعلم.
وبالله التوفيق انتهى. ونقله صاحب التوضيح
وابن عرفة باختصار ونص ابن عرفة وفي تعزية
المسلم بأبيه الكافر قولان لابن رشد مع تخريجه
على قول سحنون ومالك بتعزية الكافر بجوازه
بأبيه وسماع ابن القاسم وعلى الأول قال مالك:
يقول بلغني مصابك بأبيك ألحقه الله بأكابر أهل
دينه وخيار ذوي ملته وسحنون يقول أخلف الله لك
المصيبة وجزاك أفضل ما جزى أحدا من أهل دينه.
قلت: في الأول إيهام كون أهل ملته بعد هذه
الملة في سعادة وإلا كان دعاء عليه ابن رشد
تعزية المسلم بأبيه الكافر بالدعاء له بجزيل
الثواب في مصابه ويهون مصابه بمن مات للأنبياء
من قريب وأب كافر لا بالدعاء للميت.
قلت: في التعزية بمن مات للأنبياء نظر انتهى.
كلام ابن عرفة واستفيد منه أن القولين إنما
هما في تعزية المسلم بوليه الكافر الأول منهما
أنه يعزى به هو قول ابن رشد وتخريجه له على
قول مالك وسحنون في تعزية الكافر بوليه الكافر
جواره والثاني أنه لا يعزى به وهو قول مالك في
سماع ابن القاسم المذكور وأما المسألة المخرج
عليها وهي تعزية الكافر بوليه الكافر بجواره
فليس فيها إلا قول مالك وسحنون أنه يعزى به
وكلام الشيخ زروق في شرح الإرشاد موافق لكلام
ابن عرفة فإنه صدر في أول كلامه بتعزية الكافر
في وليه ولم يحك فيه خلافا ثم حكى في آخر
كلامه القولين في تعزية المسلم لوليه الكافر
ونصه ويعزى الكافر والحر والعبد والصغير
والكبير ويعزى من النساء بالأم خاصة ولا يعزى
مسلم بكافر على الأصح وقيل يعزى لأن مصيبته
بموته كافرا أعظم انتهى. وتبع في التصحيح بعدم
تعزيته صاحب الشامل ونصه ويعزى من النساء
بالأم خاصة لا مسلم بكافر على الأصح انتهى.
وظاهر كلام سند المتقدم أنه حمل قول سحنون
ويعزى الذمي بوليه لأنه لا فرق فيه بين أن
يكون وليه المعزى به مسلما أو كافرا لأنه إنما
ذكر استحقاق تعزية المسلم بالكافر إذا كان
للمسلم به منفعة عظيمة استدل على ذلك بتعزية
الذمي بالمسلم وبالذمي انتهى. واستشهد على ذلك
بكلام سحنون كما تقدم في كلامه ولا يقال إن
قوله وكما يعزى الذمي بالمسلم والذمي بالذمي
من بقية قول
(3/42)
واللحد وضجع
فيه على أيمن مقبلاً.
__________
الشافعي بدليل أنه لم ينقل كيفية تعزيته به في
آخر كلامه إلا عنه لأنه لو كان من بقية كلام
الشافعي لقال ويعزى به كما يعزى الذمي بالمسلم
ولم يأت بالواو ولا يلزم من نقل كيفية تعزيته
به عن الشافعي أن ذلك من تتمة كلامه لأنه لم
ير نصا لأهل المذهب في كيفية تعزيته وقد تقدم
أن التعزية لا تختص بلفظ من الألفاظ بل بقدر
ما يحضر الرجل وبقدر منطقه فلما رأى النص في
كيفيتها للشافعي نقل ذلك عنه وما تضمنه كلام
سند هو ظاهر إطلاق قول الشيخ زروق المتقدم حيث
قال ويعزى الكافر وهو ظاهر لأنه إذا عزى بوليه
الكافر فلأن يعزى بوليه المسلم من باب أولى
والله أعلم.
فائدة: قال في النوادر ناقلا عن غير ابن حبيب
وقد أمر الله بالاسترجاع للمصاب فقال:
{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ}
[البقرة: من الآية156] الآية وهذا من
الاستسلام لله والاحتساب وإنما المصيبة من حرم
الثواب يريد فلم يبق له ما أسلف عليه ولا
استفاد عوضا منه انتهى. وقال الباجي في
المنتقى في أوائله في شرح قوله صلى الله عليه
وسلم: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله
وماله" 1 لا يجب الاسترجاع عند المصيبة لقوله
تعالى: { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ
مُصِيبَةٌ} [البقرة: من الآية156]الآية وإنما
يجب الرضا والتسليم انتهى. وقال النووي في
حديث الإفك عن عائشة رضي الله تعالى عنها لما
ذكرت وصول صفوان ابن المعطل إليها وهي نائمة
استرجع فيه استحباب الاسترجاع عند المصائب
سواء كانت في الدين أو في الدنيا سواء كانت في
نفسه أو من يعز عليه انتهى. ص: "وضجع فيه على
أيمن مقبلا". ش: تصوره واضح.
فرع: قال في الطراز: بعد أن تكلم على ستر
القبر بثوب في حق الرجل والمرأة إذا ثبت ذلك
فإن النعش يوضع على طرف القبر يكون رأس
الجنازة على جانبه عند رجل القبر ويسل
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب المواقيت باب 14. مسلم
في كتاب المساجد حديث 200،201،أبو داود في
كتاب الصلاة باب 5.الترمذي في كتاب المواقيت
باب 14.النسائي في كتاب الصلاة باب 17.ابن
ماجه في كتاب الصلاة باب 6. الدارمي في كتاب
الصلاة 27. الموطأفي كتاب الوقوت 21. أحمد في
مسنده "2/8، 13، 27، 48، 54، 75، 76، 102،
145".
(3/43)
وتدورك إن خولف
بالحضرة كتنكيس رجليه وكترك الغسل ودفن من
أسلم بمقبرة الكفار إن لم يخف التغير.
__________
الميت من قبل رأسه وبه قال الشافعي وابن حنبل
وقال أبو حنيفة: توضع بطول القبر مما يلي
القبلة ثم يؤخذ الميت من جهة القبلة فيدخل
القبر معترضا وذكر خبرا احتج به أبو حنيفة ثم
رد عليه بأحاديث احتج بها الجماعة وقال ابن
مفلح من الحنابلة في كتاب الفروع ويدخل الميت
من عند رجل القبر وفاقا للشافعي لأنه ليس من
موضع توجه بل دخول فدخول الرأس أولى لأنه أفضل
الأعضاء كلها ولا يدخل الميت معترصا من قبلته
خلافا لأبي حنيفة ونقل جماعة لأسهل فالأسهل
انتهى. وفي سنن أبي داود أوصى الحارث أن يصلي
عليه عبد الله بن يزيد فصلى عليه ثم أدخله
القبر من قبل رجلي القبر وقال هذا من السنة
انتهى. وانظر كلام المدخل.
فرع: قال سند إثر كلامه السابق: وهل لمن يدخل
القبر بالميت عدد محصور ظاهر المذهب أنه لا حد
في ذلك فهو كقول أبي حنيفة وقال الشافعي:
المستحب أن يكونوا وترا ثلاثة أو خمسة إن
احتيج إلى ذلك لما روي أنه عليه الصلاة
والسلام أدخله القبر ثلاثة أنفس ووجه المذهب
أن ذلك لما لم يرد فيه تخصيص وجب أن يعمل بما
تيسر. ص: "وتدورك إن خولف بالحضرة كتنكيس
رجليه وكترك الغسل ودفن من أسلم بمقبرة الكفار
إن لم يخف التغير". ش: قال الشارح في الكبير:
قوله: إن لم يخف التغير قيد في المسائل كلها
والظاهر أنه ليس كذلك وإنما هو قيد في قوله:
ودفن من أسلم بمقبرة الكفار كما قاله في
الصغير وأما بقية المسائل فإنما يتدارك في
الحضرة قبل أن يسووا عليه التراب ويفرغ فإن
سووا عليه التراب وفرغ من دفنه ترك انظر ابن
عرفة وغيره.
(3/44)
وسده بلبن ثم
لوح ثم قرمود ثم آجر ثم قصب وسن التراب أولى
من التابوت وجاز غسل امرأة ابن كسبع.
__________
فرع: وأما من دفن بغير صلاة فإنه يفوت ذلك
بالدفن واختلف هل يصلى على قبره وهو المشهور
أولا يصلى على قبره اختلف في ذلك فقيل يدعون
وينصرفون من غير صلاة وقيل يخرج إلا أن يخاف
تغيره الثالث إلا أن المطلوب يخرج نقل هذه
الثلاثة ابن ناجي وظاهر كلام ابن الحاجب أن
أحد الأقوال يخرج مطلقا وإن تغير وليس كذلك.
ص: "وسده بلبن". ش: تصوره واضح قال في النوادر
ويستحب سد الخلل الذي بين اللبن ولقد أمر به
النبي صلى الله عليه وسلم في ابنه إبراهيم
وقال "إن ذلك لا يغني عنه ولكنه أقر لعين الحي
وقال إن الله يحب إذا عمل العبد عملا أن
يحسنه" وفي حديث آخر " أن يتقنه" انتهى. ص:
"وسن التراب أولى من التابوت". ش: قال الأبي
عن عياض في شرح حديث عمرو بن العاصي من كتاب
الإيمان وسنوا على التراب سنا السن والشن الصب
وقيل هو بالمهملة الصب بسهولة بالمعجمة
التفريق وهذه سنة في صب التراب على الميت وكره
مالك في العتبية الترميض على القبر بالحجارة
والطين والطوب.
قلت: سن التراب في القبر صبه فيه دون لحد يمنع
من وصوله إلى الكفن فإن عنى بكونه سنة السنة
عرفا فلم يرد فيه إلا وصية عمر وبهذه وغايتها
أنه مذهب صحابي وقد يريد بالسن أن يصب عليه
التراب فوق اللحد لا أن يعقد القبر كله بناء
ويؤيده ما ذكره عن العتبية من كراهية الترميض
إلا أن يريد بالترميض رفع البناء فوق القبر
وهو بعيد وفي طرر ابن عات قال بعض الصالحين ما
جنبي الأيمن أحق بالتراب من الأيسر وأوصي أن
يحثى عليه التراب دون غطاء وفي العتبية ولا
يكره بناء اللحد باللبن ابن رشد قال ابن حبيب:
وأفضل اللحود اللبن عند ال ألواح عند ال
قراميد عند ال قصب عند ال سن انتهى. ص: "وجاز
غسل امرأة ابن كسبع"
(3/45)
ورجل كرضيعة
والماء المسخن وعدم الدلك لكثرة الموتى وتكفين
بملبوس أو مزعفر أو مورس وحمل غير أربعة وبدء
بأي ناحية والمعين مبتدع وخروج متجالة أو إن
لم يخش منها.
__________
ش قال ابن ناجي قال المغربي أي وابن ثمان وهو
خلاف قول الرسالة ابن ست سنين وسبع قال ابن
يونس: قال أشهب: ما لم يؤمر مثله بستر العورة
انتهى. وقال ابن عرفة: الشيخ روى ابن وهب ابن
سبع اللخمي والمناهز كالكبير. ص: "ورجل
كرضيعة". ش: أي وفوقها بيسير فيجوز ذلك
اتفاقا. ص: "والماء السخن". ش: واستحبه أبو
حنيفة لزيادة الإنقاء وأجيب بأنه يرخيه
والمطلوب شده. ص: "وتكفين بملبوس". ش: إذا لم
يكن وسخا ولم يخف نجاسة قال سند: وكان سالما
من القطع قال ابن حبيب: يستحب أن يكفن في
ثيابه التي يشهد بها الجماعات والصلوات وثوبي
إحرامه رجاء بركة ذلك انتهى. ص: "ومزعفر
ومورس". ش: هكذا قال اللخمي كل ما صبغ بطيب
فجائز للرجال والنساء قال سند: ظاهر كلام
أئمتنا أنه يكره كما يكره كل مصبوغ. ص: "وخروج
متجالة أوان لم يخش منها لفتنة". ش: قال في
شرح المسألة الأولى من رسم البز من سماع ابن
القاسم من كتاب الجنائز النساء في شهود
الجنازة ثلاثة متجالة وشابة ورائعة قدرة جسيمة
ضخمة فالمتجالة تخرج في جنازة الأجنبي
(3/46)
والفتنة في كأب
وزوج وابن وأخ وسبقها وجلوس قبل وضعها ونقل
وإن من بدو ، وبكى عند موته وبعده بلا رفع صوت
وقول قبيح.
__________
والقريب، الشابة تخرج في جنازة أبيها وأخيها
ومن أشبههما من قرابتها والمرأة الرائعة
القدرة الضخمة الجسيمة يكره لها الخروج أصلا
والتصرف في كل حال وهذا هو المشهور وقد ذكر
ابن حبيب أن خروج النساء في الجنائز مكروه بكل
حال انتهى. ص: "وسبقها وجلوس قبل وضعها". ش:
تصوره واضح.
فرع: قال ابن الحاجب: إذا طلب الرجل بحضور
جنائز بمقابر متباعدة فعن ابن القصار أنه يمضي
يشهد الأفضل منها.
قلت: فظاهره أنه لو قربت فإنه يحصل له أجر دفن
جميعها ومعنى ذلك إذا نوى ذلك للجميع وله أصل
وهو اجتماع الجنائز في صلاة واحدة يحصل له فضل
الجميع انتهى. من البر زلي من كتاب الجنائز.
ص: "ونقل وإن من بدو". ش: تصوره واضح.
فائدة: قال في النوادر قال ابن حبيب: روي عن
أبي هريرة إنه قال ما من أحد بخلق من تربة إلا
أعيد فيها وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
"لا غربة على المؤمن" "ما مات مؤمن بأرض غربة
غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء
والأرض" 1 وقال: "إذا مات في غير مولده قيس له
في الجنة من وطنه إلى منقطع أثره" 2 انتهى. ص:
"بلا رفع صوت". ش: قال الفاكهاني البكاء جائز
من غير نياحة وندب والجزع وضرب الخد وشق الثوب
حرام انتهى. من آخر باب الدعاء للطفل وقال
السهيلي في حديث الوسادة قول السيدة عائشة فمن
سفهي وحداثة سني
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب الجنائز حديث 20. أحمد في
مسنده (6/289).
2 رواه النسائي في كتاب الجنائز باب 80. ابن
ماجة في كتاب الجنائز باب 61. أحمد في مسنده
(2/177).
(3/47)
وجمع أموات
بقبر لضرورة وولي القبلة الأفضل.
__________
أني وضعت رأسه صلى الله عليه وسلم على الوسادة
وقمت ألتزم مع النساء الالتزام ضرب الخد باليد
ولم يدخل هذا في التحريم لأن التحريم إنما وقع
على الصراخ والنوح ولعنة الحالقة والخارقة
والصالقة وهي الرافعة لصوتها ولم يذكر اللزم
لكنه وإن لم يذكره فإنه مكروه في حال المصيبة
وتركه أحمد إلا على أحمد:
والصبر يحمد في المصائب كلها ... إلا عليك
فإنه مذموم
انتهى. قلت: وفيما ذكره السهيلي نظر لقوله صلى
الله عليه وسلم: "ليس منا من ضرب الخدود وشق
الجيوب" 1 متفق على صحته. ص: "وجمع أموات بقبر
لضرورة وولى القبلة الأفضل". ش: ويكره من غير
ضرورة ويجمع بين المرأة والرجل في قبر للضرورة
قاله في النوادر قال ابن عرفة: وسمع موسى إن
جمعوا في قبر لضرورة فالرجل للقبلة عند ال صبي
عند ال مرأة قال ابن عرفة: قلت: يؤخذ منه
الترتيب في تعدد قبورهم بمكان واحد وفي تقديم
أخيارهم ونزلت هذه بشيخنا ابن هارون وزوجته
وحضره السلطان أبو الحسن المريني رحمه الله
فسأل شيخنا السطي أبا عبد الله في تعيين من
يقدم منهما فقال الأمر واسع وفيها إن دفن رجل
وامرأة في قبر جعل الرجل للقبلة قيل أيجعل
بينهما حاجز من صعيد قال ما سمعت فيه شيئا
الشيخ عن ابن حبيب لا بأس بحمل منفوس النساء
معها إن استهل جعل لناحية الأمام إن كان ذكرا
وإلا أخر عنها ونويت بالصلاة دونه إن لم يستهل
ولا بأس أن يدفن معها ولو استهل انتهى.
قلت: مسألة المدونة التي ذكرها هي في كتاب
الغصب في أواخره ونقص رحمه الله منها ونصها
وإذا دفن رجل وامرأة في قبر واحد جعل الرجل
مما يلي القبلة قيل فهل يجعل بينهما حاجز من
الصعيد أو يدفنان في قبر واحد من غير ضرورة
قال ما سمعت من مالك
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الجنائز باب 35، 38،
39. مسلم في كتاب الإيمان حديث 165. الترمذي
في كتاب الجنائز باب 22. النسائي في كتاب
الجنائز باب 17، 19. ابن ماجة في كتاب الجنائز
باب 52. أحمد في مسنده (1/386، 432، 456،
465).
(3/48)
أو بصلاة يلي
الإمام رجل فطفل فخصيّ فخنثى كذلك.
__________
فيه شيئا وعصبة المرأة أولى بالصلاة عليها من
زوجها وزوجها أحق منهم بغسلها وإدخالها في
قبرها من ذوي محارمها فإن اضطر وإلى الأجنبين
جاز أن يدخلوها في القبر وقال ابن ناجي في شرح
الرسالة ظاهر كلام الشيخ أن دفن الجماعة في
قبر واحد جائز للضرورة وغيرها وليس كذلك وإنما
مراده إذا كان للضرورة وأما لغيرها فلا قاله
أصبغ ونصف انتهى. وقال الجزولي اختلف في دفن
الجماعة في قبر واحد اختيارا قيل لا يجوز وهو
المشهور وقيل يجوز انتهى. وقال الأقفهسي إن لم
تكن ضررة فمكروه قاله داود وقال الشيخ ويكره
عندنا دفن الجماعة في قبر واحد من غير ضرورة
فإن احتيج إلى ذلك من ضيق مكان أو تعذر حافر
أو نحو ذلك جاز انتهى. أنظر البرزلي في
الجنائز في مسائل ابن قداح.
فرع: ويجمع بين ميتين في كفن للضرورة قاله في
النوادر انظر البرزلي أيضا في المحل المذكور.
ص: "وبصلاة يلي الإمام رجل فطفل". ش: قال ابن
ناجي في شرح قول الرسالة ولا بأس أن تجمع
الجنائز في صلاة واحدة يعني أن المصلين
بالخيار بين أن يفردوا كل أو يصلوا عليها صلاة
واحدة قاله في الجواهر انتهى. ثم قال ويلي
الإمام الأفضل فالأفضل فإن اجتمع العالم
والصالح ففي تقديم أحدهما على الآخر قولان
حكاهما ابن رشد
(3/49)
وفي الصنف
أيضاً الصف، وزيارة القبور بلا حد.
__________
فإن وقع التساوي فالقرعة باتفاق فإن تفاضل
الصغار قدم من عرف بحفظ القرآن وشيء من أصول
الدين ثم من يحافظ على الصلاة عند ال أسن اه
أنظر الفاكهاني. ص: "وزيارة القبور بلا حد".
ش: قال في المدخل فصل:وينبغي له أي للعالم أي
يمنعهن أي النساء من الخروج إلى القبور وإن
كان لهن ميت لأن السنة حكمت بعدم خروجهن وذكر
أحاديث وآثارا ثم قال وقد اختلف العلماء في
خروجهن على ثلاثة أقوال بالمنع والجواز على ما
يعلم في الشرع من الستر والتحفظ عكس ما يفعل
اليوم والثالث الفرق بين الشابة والمتجالة
واعلم أن الخلاف في نساء ذلك الزمان وأما
خروجهن في هذا الزمان فمعاد الله أن يقول أحد
من العلماء أو من له مروءة أو غيرة في الدين
بجوازه انتهى. ثم قال وصفة السلام على الأموات
أن يقول السلام عليكم أهل الديار المؤمنين
والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ويرحم الله
المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله
بكم لاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية ثم
يقول اللهم اغفر لنا ولهم وما زدت أو نقصت
فواسع والمقصود الاجتهاد لهم في الدعاء ثم
يجلس في قبلة الميت ويستقبله بوجهه وهو مخير
بين أن يجلس في ناحية رجليه إلى رأسه ثم يثني
على الله تعالى بما حضره ثم يصلي على النبي
صلى الله عليه وسلم الصلاة المشروعة ثم يدعو
للميت بما أمكنه انتهى. وقال سيدي عبد الرحمن
الثعالبي في كتابه المسمى بالعلوم الفاخرة في
النظر في أمور الآخرة وزيارة القبور للرجال
متفق عليه وأما النساء فيباح للقواعد ويحرم
على الشواب اللواتي يخشى عليهن من الفتنة وذكر
أحاديث تقضي الحث على زيارة القبور من جملتها
عن الإحياء قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم "من زار أبويه في كل جمعة غفر له وكتب
بارا" وعن ابن سيرين قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم "إن الرجل ليموت والداه
(3/50)
وكره حلق شعره
وقلم ظفره وهو بدعة، وضمّ.
__________
وهو عاق لهما فيدعو الله لهما من بعدهما
فيكتبه الله عز وجل من البارين ثم قال قال
القرطبي وينبغي لمن عزم على زيارة القبور أن
يتأدب بآدابها ويحضر قلبه في إتيانها ولا يكون
حظه التطواف على الأجداث فإن هذه حالة تشاركه
فيها البهيمة بل يقصد بزيارة وجه الله تعالى
وإصلاح قلبه ونفع الميت بالدعاء وما يتلو عنده
من القرآن ويسلم إذا دخل المقابر ويخاطبهم
خطاب الحاضرين فيقول السلام عليكم دار قوم
مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون رواه أبو
داود وكنى بالدار عن عمارها وإذا وصل إلى قبر
معرفته سلم عليه أيضا ويأتيه من تلقاء وجهه
ويعتبر بحاله ثم ذكر عن عاصم الجحدري أنه سئل
بعد موته هل تعلمون بزيارتنا إياكم فقال نعم
به عشية الخميس ويوم الجمعة كله ويوم السبت
إلى طلوع الشمس لفضل يوم الجمعة وعظمها وعن
ابن واسع أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمع
ويوما قبله ويوما بعده ثم قال سيدي عبد الرحمن
الثعالبي قال القرطبي وقد قيل إن الأرواح تزور
قبورها كل جمعة على الدوام ولذلك تستحب زيارة
القبور ليلة الجمعة ويوم الجمعة وبكرة السبت
فيما ذكر العلماء رحمة الله عليهم وذكر ابن
رشد في البيان والتحصيل وقد جاء في الأرواح
أنها بأفنية القبور وأنها تطلع برؤيتها وأن
أكثر إطلاعها يوم الخميس ويوم الجمعة وليلة
السبت انتهى. ثم ذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال
إذا دخلتم المقابر فاقرؤا الفاتحة والمعوذتين
وقل هو الله أحد واجعلوا ثواب ذلك لأهل
المقابر فإنه يصل إليهم ثم ذكر عن القرطبي من
حديث علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم "من مر على المقابر وقرأ قل هو
الله أحد إحدى عشرة مرة ثم وهب أجره للأموات
أعطي من الأجر بعدد الأموات" انتهى. ثم ذكر عن
القرطبي أيضا عن الحسن قال من دخل المقابر
فقال اللهم رب هذه الأجساد البالية والعظام
النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخل
عليها روحا منك وسلاما مني إلا كتب له بعدهم
حسنات انتهى. ص: "وقلم ظفره
(3/51)
معه إن فعل
ولاتنكأ قروحه ويؤخذ عفوها وقراءة عند موته
كتجمير الدار وبعده وعلى.
__________
ش قال في المدخل إذا فرغ من غسله ينظف ما تحت
أظفاره بعود أو غيره ولا يقلمها ثم قال ويسرح
لحيته بمشط واسع الأسنان وكذلك يفعل برأسه
ويترفق في ذلك فإن في المشط شعر جمعه وألقاه
في الكفن ليدفن معه انتهى. ص: "وقراءة عند
موته كتجمير الدار وبعده على قبره". ش: قال
ابن الفرات في شرح قول المصنف في باب الحج
وتطوع وليه عنه بغيره عن القرافي أنه قال الذي
يتجه أنه يحصل لهم بركة القراءة كما يحصل لهم
بركة الرجل الصالح يدفن عندهم أو يدفنون عنده
ثم قال في مسألة وصول القراءة وإن حصل الخلاف
فيها فلا ينبغي إهمالها فلعل الحق هو الوصول
فإن هذه الأمور مغيبة عنا وليس الخلاف في حكم
شرعي إنما هو في أمر هل يقع كذلك أم لا وكذلك
التهليل الذي عادة الناس يعملونه اليوم ينبغي
أن يعمل ويعتمد في ذلك على فضل الله تعالى ومن
الله تعالى الجود والإحسان هذا هو اللائق
بالعباد وبالله التوفيق وصلى على سيدنا محمد
وآله وصحبه وسلم تسليما انتهى. بلفظه وانظر هل
هذا الكلام كله للقرافي أو أوله فقط ويشير
بالتهليل المذكور والله أعلم. إلى ما ذكره
الشيخ أبو عبد الله محمد السنوسي في آخر شرح
عقيدته الصغرى وفي كتاب العلوم الفاخرة
(3/52)
قبره وصياح
خلفها وقول استغفروا لها وانصراف عنها بلا
صلاة أو بلا إذن إن لم يطولوا وحملها بلا وضوء
وإدخاله بمسجد.
__________
ص كتجمير الدار". ش: قال سند: وهل تجمر الدار
عند الموت قال مالك رحمه الله في رواية أشهب
في العتبية: ليس هو من عمل الناس وقال ابن
حبيب: لا بأس أن يقرب إليه الروائح الطيبة من
بخور وغيره انتهى. ص: "وحملها بلا وضوء". ش:
هكذا قال في سماع ابن القاسم قالابن رشد إنما
ذكره لأنه يحمل ولا يصلي ولو علم أنه يجد في
موضع الجنازة ما يتوضأ به لم يكره حملها على
غير وضوء انتهى. قال ابن عرفة: وذكر الشيخ ابن
أبي زيد أن أشهب روى عن مالك أنه لا بأس أن
يحمله وضوء قال ولم يحك ابن رشد رواية أشهب
وجعلهما المازري قولين انتهى. قلت: وكل جار
على أصله فعند ابن القاسم يكره لمن يحمل
الجنازة أن ينصرف عنها بلا صلاة ولا يكره ذلك
عند أشهب. ص: "وإدخاله بمسجد". ش: تصوره واضح
قال البرزلي: قال ابن الحاج: روى أشهب أكره
الدفن في المسجد فيحمل ذلك على أنه إذا دفن في
المسجد ربما اتخذ مسجدا فيؤدي إلى أن يعبد ذلك
القبر قلت: ويحتمل أن يكون لأن ميتة الآدمي
قيل إنها نجسة وهو ظاهر المدونة في الرضاع
وقيل طاهرة مطلقا وقيل الفرق بين الكافر
والمسلم بسبب ذلك اختلف في الصلاة عليه في
المسجد وظاهر المدونة الكارهة وسبب الاختلاف
حديث سهل بن بيضاء هل المسجد فيه ظرف للمصلي
أو للجنازة فيكون كراهة الدفن لأجل كراهة
دخوله المسجد وهذا على القول في صرف
(3/53)
والصلاة عليه
فيه وتكرارها.
__________
الأحباس بعضها في بعض وبه عمل الأندلسيين
خلافا للقرويين فعلى قولهم لا يجوز الدفن فيه
بوجه وهذا في المساجد التي بنيت للصلاة فيها
وأما لو بنيت لوضع الموتى فيها صح إدخالها
والدفن فيها إن اضطر إلى ذلك وأما المساجد
التي بنيت بالمقابر فقال ابن محرز اختلف
أشياخنا في الصلاة على الجنائز فيها فمنعه أبو
عمران وجوزه ابن الكاتب انتهى. ص: "والصلاة
عليه فيه". ش: قال في العارضة ثبت أن النبي
صلى الله عليه وسلم صلى على الميت في المسجد
وله صورتان إحداهما أن يدخل الميت في المسجد
وكرهه علماؤنا لئلا يخرج من الميت شيء وحرف
الجر يحتمل أن يتعلق بصلى أو باسم فاعل مضمر
والأول أولى وإنما أذنت عائشة في المرور
بالميت في المسجد لأنها أمنت أن يخرج منه شيء
لقرب مدة المرور وإلا أن مالكا لاحتراسه وحسمه
للذرائع منع من إدخالهم في المسجد لأن الناس
كانوا يسترسلون في ذلك وقد منعت عائشة من دخول
النساء فيه وحسم الذرائع فيما لا يكون من
اللوازم أصل في الدين انتهى. وقد استمر عمل
الناس على الصلاة على الموتى بالمسجد الحرام
قال شيخ شيوخنا القاضي تقي الدين الفاسي في
شفاء الغرام في أخبار البلد الحرام في الباب
التاسع عشر قال الفاكهاني كان الناس فيما مضى
من الزمان يصلون على الرجل المذكور داخل
المسجد الحرام قال الفاسي ومراده بالمذكور
المشهور والناس اليوم يصلون على الموتى جميعا
بالمسجد الحرام إلا أن المذكور من الناس يصلون
عليه عند باب الكعبة ويذكر أنهم كانوا إنما
يصلون عند باب الكعبة على الأشراف وقريش
أدركناهم يصلون عند باب الكعبة على غيرهم من
الأعيان وبعض الناس تسامح في ذلك بالنسبة إلى
غير قريش والأشراف وفي إخراجهم من باب السلام
ولم أر في خروجهم من باب السلام بالموتى ما
يستأنس به وعندي أن الخروج من باب الجنائز
أولى لأنه طريق النبي صلى الله عليه وسلم من
منزل زوجه خديجة وأما الصلاة على الموتى عند
باب الكعبة فرأيت فيه خبرا ذكره الأزرقي يقتضي
أن آدم عليه الصلاة والسلام صلى عليه عند باب
الكعبة وأما من لا يصل عليه عند باب الكعبة
فيصلي عليه خلف المقام عند مقام الشافعي
وبعضهم يصلي عليه عند باب الحزورة وهم القراء
الطرحاء وذلك داخل المسجد الحرام انتهى. ص:
"وتكرارها". ش: قال في المدونة ومن أتى وقد
فرغ الناس من الصلاة على الجنازة فلا يصلي
عليها بعد ذلك ولا على القبر وليس العمل على
ما جاء من الحديث في ذلك قال ابن ناجي وظاهر
الكتاب أنه إذا صلى على الجنازة واحد فقط فإنه
(3/54)
تغسيل جنب كسقط
وتحنيطه وتسميته وصلاة عليه ودفنه بدار وليس
عيباً بخلاف الكبير لا حائض وصلاة فاضل على
بدعي أو مظهر كبيرة والإمام على من حده القتل
بحد أو.
__________
يصلي عليها وهو كذلك باتفاق وإنما اختلف هل
ذلك على طريق الوجوب ما لم تفت الصلاة عليه
قال ابن رشد: أم يستحب التلافي فقط قاله
اللخمي انتهى. فالكراهة إنما هو إذا صلى عليها
جماعة وأما إذا صلى عليها واحد فالإعادة
مطلوبة إما وجوبا على قول ابن رشد القائل
باشتراط الجماعة فيها وإما استحبابا على طريقة
اللخمي كما تقدم عند قوله: "والدعاء" قال
(3/55)
قود ولو تولاه
الناس دونه وإن مات قبله فتردد وتكفين بحرير
أو نجس وكأخضر ومعصفر أمكن غيره وزيادة رجل
على خمسة واجتماع نساء لبكى وإن سر وتكبير نعش
وفرشه بحرير.
__________
ابن عرفة وفي كونها بإمام شرط إجزاء يجب
تلافيها ما لم تفت أو كمال يستحب تلافيه طريقا
ابن رشد واللخمي انتهى. وظاهر كلام الشامل أن
المشهور كراهة تكرارها ولو صلى عليها منفرد
لحكايته هذا بقيل وليس كذلك والله أعلم. وقول
المصنف بعد هذا ولا تكرار تكرار مع ما ذكره
هنا وقيل المراد هنا تكرار الصلاة في غير من
صلى عليها وبالثاني تكريرها ممن قد صلى وفيه
تكلف والله أعلم. ص: "وزيادة رجل على خمسة".
ش: قال ابن غازي لم أر من صرح بكراهته وأخذه
من قول ابن حبيب أحب إلي مالك خمسة أثواب لا
يلزم انتهى. قلت: صرح بكراهة ذلك صاحب الطراز
ونصه في باب التحنيط والتكفين وما زاد على
الخمسة مكروه للرجل لأنه غلو لقوله عليه
الصلاة والسلام لا تغلوا في الكفن1 وذلك متفق
على كراهته في سائر المذاهب وقال ابن شعبان
المرأة في عدد أثواب الكفن أكثر من الرجل
وأقله لها خمسة وأكثره سبعة انتهى. ص:
"واجتماع نساء لبكاء ولو سرا". ش: قال البرزلي
في مسائل الضرر: لا يجوز اجتماع النساء للبكاء
بالصراخ العالي أو النوح والنهي فيه قائم
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الجنائز باب 31.
بلفظ: "لا تغالوا"
(3/56)
وإتباعه بنار
ونداء به بمسجد أو بابه لابكحلق بصوت خفي.
__________
سواء كان عند الموت أو بعد أو قبل الدفن أو
بعده بقرب أو بعد ثم قال ومن معنى هذا ما
يفعله النساء من الزغرتة عند حمل جنازة الصالح
أو فرح يكون فإنه من معنى رفع النساء الصوت
وأحفظ للشيخ أبي علي القروي أنه بدعة يجب
النهي عنها وتقدم هذا في الجنائز انتهى.
فائدة: اجتماع الناس في الموت يسمى المأتم
بهمزة ساكنة ثم مثناة فوقانية قال في النهاية
المأتم في الأصل مجتمع النساء والرجال في الغم
والفرح ثم خص به اجتماع النساء للموت وقيل هو
للشواب من النساء لاغيرانتهى وفي الصحاح
المأتم عند العرب النساء يجتمعن في الخير
والشر والجمع المآتم وعند العامة المصيبة
يقولون كنا في مأتم فلان والصواب أن يقال في
مناحة فلان انتهى. وأما المأثم بالثاء المثلثة
فقال في النهاية هو الأمر الذي يأثم به
الإنسان أو هو الإثم نفسه وضعا للمصدر موضع
الاسم وفي الحديث "أعوذ بك من المأثم
والمغرم"1 انتهى.
فائدة: قال في فتح الباري في كتاب الجهاد من
باب من أتاه سهم غرب إن تحريم النوح كان عقب
غزوة أحد فلا يحتج على إباحته بقول أم الربيع
يا رسول الله حدثني عن حارثة إن كان في الجنة
صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء
وأقرها النبي على ذلك انتهى. مختصرا ولا يحتج
أيضا بما وقع في قصة حمزة رضي الله عنه. ص: "
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الأذان باب 149. مسلم
في كتاب المساجد حديث 129. أبو داود في كتاب
الصلاة باب 149. الترمذي في كتاب الدعوات باب
76. النسائي في كتاب السهو باب 64. ابن ماجة
في كتاب الدعاء باب 3. أحمد في مسنده (2/185،
186) (6/89، 207).
(3/57)
وقيام لها
وتطيين قبر أو تبييضه وبناء عليه أو تحويز وإن
بوهي به حرم وجاز للتمييز كحجر أو خشبة بلا
نقش .
__________
وقيام لها". ش: قال ابن غازي هو تصريح بكراهة
القيام للجنازة وظاهره مطلقا والذي لابن رشد
في سماع موسى وذكر كلام ابن رشد إلى آخره ثم
قال ففهم ابن عرفة أن في حكم القيام قولين
أحدهما أن وجوبه نسخ للإباحة وهو ظاهر المذهب
والثاني أنه نسخ للندب وهو قول ابن حبيب وعلى
هذا فلا كراهة وهو ظاهر كلام غير واحد ولعل
المصنف استروح الكراهة من قول فلما نهى أو بما
في النوادر عن علي بن زياد الذي أخذ به مالك
أنه يجلس ولا يقوم وهو أحب إلي انتهى. قلت:
يفهم من كلام الباجي ومن كلام سند ونص الأول
الجلوس في موضعين أحدهما لمن مات به والثاني
لمن يتبع فلا يجلس حتى توضع واختلف أصحابنا في
ذلك فقال مالك وغيره من أصحابنا: إن جلوسه
ناسخ لقيامه واختاره أن لا يقوم وقال ابن
الماجشون وابن حبيب إن ذلك على وجه التوسعة
وإن القيام فيه أجر وحكمة وما ذهب إليه مالك
أولى لحديث علي قال فيه ثم جلس بعده وذكر سند
كلام الباجي ثم قال بعده ويعضده حديث عبادة
وفيه اجلسوا خالفوهم وهذا أمر فيجب أن يقتضي
استحباب مخالفة اليهود انتهى.
فرع: قال في الطراز: قال ابن شعبان: لا بأس أن
يجلس الماشي قبل أن توضع ولا ينزل الراكب حتى
توضع وظاهر المذهب أنه لا فرق في ذلك. ص:
"وتطيين قبر وتبيضه وبناء عليه أو تحويز وإن
بوهي به حرم وجاز للتمييز كحجر أو خشبة بلا
نقش". ش: يعني أنه يكره تطيين القبر أي أن
يجعل عليه الطين والحجارة ويكره تبييضه بالجير
والجبس ويكره البناء على
(3/58)
ـــــــ
القبر والتحويز عليه وإن قصد المباهاة بالبناء
عليه أو التبييض فذلك حرام ويجوز التحويز الذي
للتمييز كما يجوز أن يجعل عند رأس القبر حجر
أو خشبة بلا نقش قال في المدونة ويكره تجصيص
القبور والبناء عليها قال في التنبيهات تجصيص
القبور هو تبييضها بالجص وهو الجبس وقيل هو
الجير ويروى في غير المدونة أو تجصيص وهما
بمعنى تبييضها أيضا بالقصة وهي الجير انتهى.
وقال في النوادر ومن العتبية من سماع ابن
القاسم وكره مالك أن يرصص على القبر بالحجارة
والطين أو يبنى عليه بطوب أو حجارة ثم قال ومن
كتاب ابن حبيب ونهى عن البناء عليها والكتابة
والتجصيص وروى جابر أن النبي صلى الله عليه
وسلم نهى أن تربع القبور أو يبنى عليها أو
يكتب فيها أو تقصص وروي تجصيص وأمر بهدمها
وتسويتها ابن حبيب تقصص أو تجصص يعني تبيض
بالجير أو بالتراب الأبيض والقصة الجير وهو
الجبس انتهى. وفي رسم العشور من سماع عيسى قال
وسئل ابن القاسم عن قول محمد عند موته ولا
تجعلوا على قبري حجرا قال ما أظنه معناه إلا
من فوق على وجه ما يبنى على القبر بالحجارة
وقد سألت مالكا عن القبر يجعل عليه الحجارة
ترصص عليه بالطين فكره ذلك وقال لا خير فيه
ولا يجير ولا يبنى عليه بطوب ولا حجارة ابن
رشد البناء على القبر على وجهين أحدهما البناء
على نفس القبر والثاني البناء حواليه فأما
البناء على القبر فمكروه بكل حال وأما البناء
حواليه فيكره ذلك في المقبرة من ناحية التضييق
فيها على الناس ولا بأس به في الأملاك انتهى.
قال اللخمي: كره مالك تجصيص القبور لأن ذلك من
المباهاة وزينة الحياة الدنيا وتلك منازل
الآخرة وليس بموضع للمباهاة وإنما يزين الميت
علمه واختلف في تسنيمها والحجارة التي تبنى
عليها فكره ذلك مالك في المدونة وقال ابن
القاسم في العتبية لا بأس بالحجر والعود يعرف
به الرجل قبر ولده ما لم يكتب فيه وقال أشهب
في مدونته: تسنيم لقبر أحب إلي وإن رفع فلا
بأس يريد أن يزاد على التسنيم وقال محمد بن
مسلمة لا بأس قال وقبر النبي صلى الله عليه
وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما مسنمة وهو
أحسن وفي البخاري وكان قبر النبي صلى الله
عليه وسلم مسنما وقال خارجة بن زيد في البخاري
رأيتني ونحن شبان في زمن عثمان وإن أشدنا وثبة
الذي يثب قبر عثمان بن مظعون حتى يجاوزه وهو
الذي أراد أشهب قوله: وإن رفع فلا بأس يريد
ويمنع من بناء البيوت على الموتى لأن ذلك
مباهاة ولا يؤمن لما يكون فيها من
(3/59)
ـــــــ
الفساد وقيل لمحمد بن عبد الحكم في الرجل يوصي
أن يبنى على قبره فقال لا ولا كرامة يريد بناء
البيوت ولا بأس بالحائط اليسير الارتفاع ليكون
حاجزا بين القبور لئلا يختلط الإنسان موتاه مع
غيرهم ليترحم عليهم ويجمع عليهم غيرهم وليس
لأحد أن يدفن في مقبرة غيره إلا أن يضطر إلى
ذلك فإن اضطر لم يمنع لأن الجبانة أحبس ليس
لأحد فيها شيء ويمنع مع الاختيار لأن للناس
أغراضا في صيانة موتاهم وتعاهدهم بالترحم
انتهى. وقال الباجي في المنتقى ومن السنة
تسنيم القبر ولا يرفع قاله ابن حبيب وقد روي
عن سفيان التمار أنه رأى قبر النبي صلى الله
عليه وسلم مسنما فأما بنيانه ورفعه على وجه
المباهاة فممنوع وروى ابن القاسم عن مالك في
العتبية إنما كره أن يرصص على القبر بالحجارة
أو الطين أو الطوب انتهى. وقال في التنبيهات
وقوله في المدونة والبناء عليها بهذه الحجارة
أو الطين أو الطوب انتهى. وقال في التنبيهات
هو رفعها وتعظيمها ثم قال وأما الخلاف في بناء
البيوت عليها إذا كانت في غير أرض محبسة وفي
المواضع المباحة وفي ملك الإنسان فأباح ذلك
ابن القصار وقال غيره ظاهر المذهب خلافه
انتهى. وقال ابن بشير وينهى عن بنائها يعني
القبور على وجه يقتضي المباهاة والظاهر أنه
يحرم مع القصد ووقع لابن عبد الحكم فيمن أوصى
أن يبنى على قبره بيت أنه وظاهر هذا التحريم
وإلا لو كان مكروها ونهي عنها ابتداء وأما
البناء الذي يخرج عن حد المباهاة فإن كان
القصد به تمييز الموضع حتى ينفرد بحيازته
فجائز وإن كان القصد به تمييز القبر عن غيره
فحكى أبو الحسن عن المذهب قولين الكراهة
وأخذها من إطلاقه في المدونة والجواز في غير
المدونة والظاهر أنه متى قصد ذلك لم يكره
وإنما كره في المدونة البناء الذي لا يقصد به
علامة وإلا فكيف يكره ما يعرف به الإنسان قبر
وليه ويمتاز به القبر حتى يحترم ولا يحفر عليه
إن احتيج إلى قبر ثان انتهى. و قال ابن
الحاجب: ويكره البناء على القبور فإن كان
للمباهاة حرم وإن كان لقصد التمييز فقولان قال
ابن عبد السلام: يعني أن البناء إما أن يقصد
به المباهاة أو التمييز أو لا يقصد به شيء من
ذلك والأول حرام وربما كان ذلك حكم الحي فيما
يحتاج إليه من أكل ولباس وركوب وبناء وغيره
والثاني مختلف في كراهته وإباحته والثالث
مكروه وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم
حجرا بيده الكريمة عند رأس عثمان بن مظعون
وقال " أعلم به قبر أخي وأدفن إليه من مات من
أهلي" وأما تحويز موضع الدفن ببناء فقالوا إنه
جائز إذا لم يرفع فيه إلى قدر يأوى إليه بسبب
ذلك أهل الفساد وإن فعل ذلك فإنه يزال منه ما
يستر أهل الفساد ويترك باقيه انتهى. و قال في
التوضيح: يعني أن البناء إما أن يكون لقصد
المباهاة أو التمييز أو لا يقصد به شيء والأول
حرام وهكذا نص عليه الباجي والثالث مكروه
والثاني مختلف فيه بالجواز والكراهة ابن بشير
والقولان حكاهما اللخمي واختار الكراهة من
إطلاق المدونة والجواز في غيرها قال والظاهر
أن البناء لقصد التمييز غير مكروه وإنما كره
في المدونة البناء الذي لا يقصد به العلامة
وإلا فكيف يكره
(3/60)
ـــــــ
ما قصد به معرفة قبر وليه ولم يجزم ابن بشير
بتحريم القسم الأول بل قال الظاهر أنه يحرم
وذكر كلامه المتقدم إلى قوله: لنفذ وصيته ثم
قال في التوضيح: وأجاز علماؤنا ركز حجر أو
خشبة عند رأس الميت ما لم يكن منقوشا لما روي
أنه صلى الله عليه وسلم وضع بيده الكريمة حجرا
عند رأس عثمان بن مظعون وقال "أعلم به قبر أخي
وأدفن إليه من مات من أهلي" وكره ابن القاسم
أن يجعل على القبر بلاطة ويكتب فيها وأما
تحويز موضع الدفن ببناء وذكر كلام ابن عبد
السلام المتقدم ثم قال وفي التنبيهات اختلف في
بناء البيوت عليها إذا كان بغير أرض محبسة وفي
المواضع المباحة في ملك الإنسان فأباح ذلك ابن
القصار وقال غيره ظاهر المذهب خلافه انتهى.
وأما الموقوف كالقرافة التي بمصر فلا يجوز
فيها البناء مطلقا ويجب على ولي الأمر أن يأمر
بهدمها حتى يصير طولها عرضا وسماؤها أرضا وقال
في المدخل في فصل:زيارة القبور البناء في
القبور غير منهي عنه إذا كان في ملك الإنسان
لنفسه وأما إذا كانت مرصدة فلا يحل البناء
فيها ثم ذكر أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله
عنه جعل القرافة بمصر لدفن موتى المسلمين
واستقر الأمر على ذلك وأن البناء بها ممنوع
وذكر عن بعض الثقات أنه أخبره أن السلطان
الظاهر أمر باستفتاء العلماء في زمنه في هدم
ما بها من البناء فاتفقوا على لسان واحد أنه
يجب على ولي الأمر أن يهدم ذلك كله ويجب عليه
أن يكلف أصحابه رمي ترابها في الكيمان ولم
يختلف في ذلك أحد منهم ثم إن الملك الظاهر
سافر إلى الشام فلم يرجع انتهى. وقال ابن
الفاكهاني في شرح الرسالة أما تجصيص القبور
فمتفق على كراهته إلا ما روي عن أبي حنيفة
انتهى. فتحصل من هذا أن تطيين القبر أي جعل
الطين عليه والحجارة مكروه وكذلك تبييضه وكذلك
البناء عليه نفسه وكذلك التحويز حواليه ببيت
ونحوه إذا لم يقصد بذلك المباهاة ولا التمييز
فإن قصد المباهاة بالبناء عليه أو حواليه أو
تبييضه أو تطيينه حرم فيكون الضمير في قوله:
بوهي به راجع إلى المذكور جميعه قال ابن
الفرات في شرحه ويحسن أن يعود الضمير في قوله:
وإن بوهي به على المذكور فيه أي وإن قصد
المباهاة بالبناء أو التحويز أو التبييض حرم
لأن زينة الدنيا ارتفعت بالموت انتهى. ويؤيده
أيضا كلام ابن عبد السلام المتقدم أعني قوله:
وربما كان ذلك حكم الحي فيما يحتاج إليه وقوله
وجاز للتمييز أي وجاز التحويز للتمييز ويحتمل
أي وجاز البناء على القبر والتحويز عليه
للتمييز أما التحويز للتمييز فقد اتفق عليه
كلام اللخمي وابن بشير وابن عبد السلام وأما
البناء على القبر نفسه للتمييز فهو الذي
اختاره ابن بشير وظاهر كلام المصنف أن التحويز
للتمييز يجوز مطلقا سواء كانت الأرض مملوكة أو
مباحة أو مسبلة للدفن وهو الذي يفهم مما تقدم
عن اللخمي وابن بشير وابن عبد السلام ومما في
نوازل ابن رشد عنه وعن القاضي عياض ونصه.
وكتب إليه القاضي عياض يسأله فيما ابتدع من
بناء السقائف والقبب والروضات على مقابر
الموتى وخولفت فيه السنة فقام بعض من بيده أمر
في هدمها وتغييرها وحط سقفها
(3/61)
وما علا من
حيطانها إلى حدها هل يلزم أن يترك من جدرانها
ما يمنع دخول الدواب أم لا قطعا للذريعة ولا
يترك منها إلا ما أباحه أهل العلم من الجدار
اليسير لتميز به قبور الأهلين والعشائر
للتدافن وكيف إن قال بعضهم لبقاء جداري منفعة
لصيانة ميتي لئلا يتطرف إليه للحدث عليه لا
سيما ما كان منها بقرب العمارة وليس هذا عند
من يوجب أن يترك عليها من الجدرات أقل ما يمنع
هذا أم لا لأن الضرر العام بظهور البدعة في
بنائها أو تعليتها أعظم وأشد مع أنه لا يؤمن
استتار أهل الشر والفساد فيها بعض الأحيان
وذلك أضر بالحي والميت من الحدث عليه ومراعاة
أشد الضررين وأحقهما مشروع بينه وجاوب عليه
مشكورا مأجورا والسلام.
فأجاب: تصفحت سؤالك الواقع فوق هذا وقفت عليه
وما يبنى من السقائف والقبب والروضات في مقابر
المسلمين هدمها واجب ولا يجب أن يترك من
حيطانها إلا قدر ما يميز به الرجل قبور قرابته
وعشيرته من قبور سواهم لئلا يأتي من يريد
الدفن في ذلك الموضع فينبش قبر امرأته والحد
في ذلك ما يمكن دخوله من كل ناحية ولا يفتقر
إلى باب ثم سأله القاضي عياض عن نقض هذه
الأبنية هل هي لعامة المسلمين إذا بناها
بانيها في الحبس وقد علمت ما وقع في هذا الأصل
من الخلاف أن ترجع إلى ملك صاحبها وهو الأشبه
والصحيح أنه وإن قلنا بذلك الأصل فهذا حبس غير
مأذون فيه ولا مشروع بل هو محظور منهي عنه فهو
رد فأردت جوابك فأجاب النقض لأربابه الذي بنوه
لا يكون حبسا كالمقبرة التي جعل فيها ولا يدخل
في ذلك الاختلاف في نقض ما يبنى في الحبس
للمعنى الذي ذكرت من الفرق بين الوجهين وقال
في موضع آخر من أجوبته ونقض ما يبنى في
الروضات لا يلحق بالحبس للمعنى الذي ذكرت من
الفرق بين الموضعين فإنه صحيح انتهى. وسئل
أيضا عن قبر علا بناؤه نحو العشرة أشبار وأزيد
هل يجب هدمه وتغير بدعته وكيف إن شكى بعض
جيرانه أنه يستر باب فندقه عن بعض الوراد
ويمنعه النظر للجلاس في أسطوانته هل لصاحب
الفندق فيه حجة إذ يقول منعتني منفعتي لغير
منفعة بل لما لا يجوز وهل لأولياء القبر حجة
فيجوز لهم بناؤه وكيف إن كان بناؤه قبل بناء
الفندق فأجاب إن كان البناء على نفس القبر فلا
يجوز ويهدم وإن لم يكن إلا حواليه كالبيت يبنى
عليه فإن كان في ملك الرجل وحقه فلا يهدم عليه
وإن كان ما ذكرت من حجة صاحب الفندق المواجه
له وإن كان في مقابر المسلمين فقد تقدم فوق
هذا أن هدمه واجب فقد صرح بأن البناء لتمييز
القبور جائز في مقابر المسلمين وهو نحو ما
تقدم عن الجماعة المذكورين أولا وظاهر كلام
المصنف في التوضيح في آخر كلامه وأما الموقوف
كالقرافة بمصر فلا يجوز البناء بها مطلقا إنه
لا يجوز البناء ولو كان يسيرا لتمييز قبور
الأهل إلا أن يقال إنما كلامه في بناء البيوت
والقبب ونحو ذلك بدليل أنه قدم أولا أن البناء
للتحويز جائز وقبله ولم يعترض عليه وكلام ابن
الفاكهاني في شرح الرسالة أقوى في المنع من
(3/62)
ـــــــ
كلام التوضيح ونصه بعد أن ذكر كلام ابن بشير
المتقدم قلت: هذا في غير المقبرة المحبسة لدفن
المسلمين لأن في ذلك تضييقا على الناس قال
الشافعي: وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما
بنى بها ولم أر الفقهاء يعيبون عليه ذلك
الهدم.
قلت: فلا يجوز التضييق فيها ببناء ويجوز فيه
قبرا ولا غيره بل يجوز في الأرض المحبسة غير
الدفن فيها خاصة وقد أفتى من تقدم من جلة
العلماء بهدم ما بني بقرافة مصر وألزم البانين
حمل أنقاضها وإخراجه عنها وذكر عن بعض العلماء
أنه دخل إلى صورة مسجد بني بقرافة مصر الصغرى
فجلس فقيل له ألا صليت التحية فقال لأنه غير
مسجد فإن المسجد هو الأرض والأرض مسبلة لدفن
المسلمين ثم بالغ في إنكار البناء وذكر
المفاسد المرتبة على ذلك كما فعل صاحب المدخل
فليتأمل والظاهر ما قاله الجماعة المتقدمون
أعني اللخمي وابن رشد وعياضا وابن بشير وابن
عبد السلام بل صريح كلام عياض أن هذا أمر مقرر
أباحه العلماء فتأمل ذلك وسيأتي عن المازري
أيضا وقال ابن ناجي في شرح المدونة وأما لو
بني بيت وحائط جعل للقبر ليصونه فقال ابن
القصار وجائز إلا أن يضيق على الناس في موضع
مباح قال المازري وهو خلاف المشهور وفيما ذكره
نظر لأن المنع لا أعرف من قال به إلا اللخمي
قال يمنع بناء البيوت لأن ذلك مباهاة ولا يؤمن
ما يكون فيه من الفساد ثم ذكر كلام ابن عبد
الحكم المتقدم انتهى.
قلت: بل في كلام ابن ناجي نظر لأن اللخمي وإن
كان هو الذي صرح بالمنع فقد تلقاه أئمة المذهب
بالقبول وكلام ابن عبد الحكم الذي تقدم دليل
عليه ونص كلام المازري في شرح التلقين ولا بأس
بالحائط اليسير الارتفاع يكون حاجزا بين
القبور لئلا تختلط على الناس قبورهم وأشار ابن
القصار إلى أن البناء المكروه عليها أو حولها
إنما هو في المواضع المباحة لئلا يضيق على
الناس التصرف فيه وأما البناء في ملكه أو ملك
غيره بإذنه فذلك جائز وهو الذي حكيناه عن ابن
القصار ظاهره خلاف المشهور من المذهب انتهى.
وكلام المازري الذي نقله عن ابن القصار مشكل
لأن ظاهره يقتضي أن البناء في المواضع المباحة
مكروه سواء كان الموضع المباح مواتا أو مقبرة
من مقابر المسلمين وليس كذلك لأنه لا يجوز
البناء في مقابر المسلمين فتأمله فتحصل من هذا
أن البناء حول القبر لا يخلوا إما أن يكون في
أرض مملوكة للباني أو مملوكة لغيره أو في أرض
مباحة أو في أرض موقوفة للدفن مصرح بوقفيتها
أو في أرض مرصدة لدفن موتى المسلمين مسبلة لهم
فإن كان في أرض مملوكة للباني فلا يخلو البناء
إما أن يكون يسيرا للتمييز كالحائط الصغير
الذي يميز به الإنسان قبور أوليائه أو يكون
كثيرا كبيت أو قبة أو مدرسة والكثير إما أن
يقصد به المباهاة أولا فإن كان البناء يسيرا
للتمييز فهو جائز باتفاق وإن كان كثيرا وقصد
به المباهاة فهو حرام ولا أعلم فيه خلافا وإن
لم يقصد به المباهاة فقد قال ابن القصار: هو
جائز وظاهر كلام اللخمي أنه ممنوع وظاهر كلام
المازري
(3/63)
ـــــــ
وصاحب المدخل أنه مكروه وهو الذي يقتضيه كلام
ابن رشد حيث أفتى أنه لا يهدم وأما الأرض
المملوكة لغير الباني فحكمها كالأرض المملوكة
إذا أذن ربها وذلك حكم الأرض المباحة إذا لم
يضر ذلك البناء بأحد وأما الأرض الموقوفة لدفن
فلا يخلوا البناء إما أن يكون جدارا صغيرا
للتمييز أو بناء كثيرا كالبيت والمدرسة
والحائط الكبير فأما الجدار الصغير للتمييز
فقال القاضي عياض في السؤال المتقدم إنه جائز
وأباحه العلماء ووافقه على ذلك ابن رشد فيما
تقدم وقال الحد في ذلك ما يمكن دخوله من كل
ناحية وهو ظاهر كلام اللخمي وابن بشير وابن
عبد السلام وظاهر كلام المصنف في التوضيح أنه
لا يجوز وكذلك ظاهر كلام الفاكهاني في شرح
الرسالة وأما البناء الكثير فلا يجوز باتفاق
وأما الأرض المرصدة لدفن موتى المسلمين فظاهر
أن حكمها حكم الموقوفة بل هو صريح كلامه في
المدخل كما تقدم ولا أعلم أحدا من المالكية
أباح البناء حول القبر في مقابر المسلمين سواء
كان الميت صالحا أو عالما أو شريفا أو سلطانا
أوغير ذلك ولا يؤخذ الجواز مما ذكره ابن عرفة
عن الحاكم ونصه وقال الحاكم في مستدركه إثر
تصحيحه أحاديث النهي عن البناء والكتب على
القبر ليس العمل عليها فإن أئمة المسلمين شرقا
وغربا مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذه الخلف عن
السلف انتهى. ونقله ابن ناجي في شرحه على
المدونة ونقله البرزلي في مسائل الجنائز وقال
عقبه قلت: فيكون إجماعا فيحمل على أنهم
استندوا إلى حديث آخر لقوله عليه الصلاة
والسلام: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" 1 وفي
فتاوى ابن قداح إذا جعل على قبر من هو من أهل
الخير فخفيف انتهى. لأن كلام الحاكم إنما هو
في الكتب على القبور كما هو صريح فيه وكذلك ما
نقله البرزلي عن ابن قداح إنما هو في الكتب
ونص ذلك في مسائله لا يجوز بناء القبور بحجر
ولا بجير وإنما يجعل عند رأسه حجر وعند رجليه
حجر ليكون علامة عليه وهل يكتب عليه أم لا لم
يرد في ذلك عن السلف الصالح شيء ولكن إن وقع
وعمل على قبر رجل من أهل الخير فخفيف انتهى.
وقال ابن قدامة من الحنابلة في كتاب الفروع
قال شيخنا من بنى ما يختص به يعني في المقبرة
المسبلة فهو عاص قال وهذا مذهب الأئمة الأربعة
وغيرهم انتهى.
تنبيهات: الأول: علم من كلام ابن رشد والقاضي
عياض المتقدم في السؤال والجواب أن ما بني في
مقابر المسلمين من وقفه فإن وقفه باطل وأنقاضه
باقية على ملك ربها إن كان حيا أو كان له ورثة
ويؤمر بنقلها من مقابر المسلمين وإن لم يكن له
وارث فيستأجر القاضي على نقلها منها ثم يصرف
الباقي في مصارف بيت المال انتهى.
الثاني: قال في النوادر قال ابن حبيب: ضرب
الفسطاط على قبر المرأة أجوز منه على
ـــــــ
1 رواه ابن ماجة في كتاب الفتن باب 8.
(3/64)
ـــــــ
قبر الرجل لما يستر منها عند إقبارها وقد ضربه
عمر على قبر زينب بنت جحش فأما على قبر الرجل
فأجيز وكره ومن كرهه فإنما كرهه من جهة الرياء
والسمعة وكره أبو هريرة وأبو سعيد الخدري وابن
المسيب وقد ضربه محمد بن الحنيفة على قبر ابن
عباس أقام عليه ثلاثة أيام فأراه واسعا ولا
بأس أن يبقى عليه اليوم واليومين ويبات فيه
إذا خيف من نبش أو غيره انتهى. وقال المشذالي
ضرب الخباء على القبر فيه قولان بالجواز
والكراهة قال ابن عتاب فإن أوصى به أنفذ
للخلاف وكذلك إذا أوصى بأجرة لمن يقرأ عليه
القرآن كالأجرة على الحج انتهى.
الثالث: قال في المدخل وليس له أن يحفر قبرا
ليدفن فيه إذا مات لأنه تحجير على غيره ومن
سبق كان أولى بالموضع منه ويجوز له ذلك في
ملكه لأنه لا غصب في ذلك وفيه تذكرة لمن حفر
له انتهى. من فصل:زيارة القبور و قال في
التوضيح: خليل وانظر هل يجوز ذلك يعني حفر قبر
للحي ابتداء والأقرب عدم جوازه لأنه لا يدري
هل يموت هنا أم لا وقد يموت بغيره ويحسب غيره
أن في هذا القبر أحدا فيكون غاصبا لذلك وقد
ورد "من غصب شبرا من أرض طوقه الله من سبع
أرضين" 1 انتهى. وكأنه لم يقف على كلام صاحب
المدخل.
الرابع: إذا دفن في مقبرة أحد من غير اضطرار
ووقع ذلك ونزل فليس له أن يخرجه لأنها ليست
ملكه بل هي حبس للمسلمين كما قالوا فيمن حفر
قبرا للميت فدفن غيره فيه إنه لا ينبش وعليه
قيمته فأحرى مسألتنا والله أعلم. وانظر
الشبيبي في شرح الرسالة.
الخامس: لا شك أن المعلاة والشبيكة من مقابر
المسلمين المسبلة المرصدة لدفن الموتى بمكة
المشرفة شرفها الله وأن البناء بهما لا يجوز
ويجب هدمه يدل لذلك كلام الشافعي الآتي بل
للمعلاة زيادة خصوصية لورود الحديث في فضلها
وتسميتها مقبرة فقد روينا في تاريخ الأزرقي من
حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال "نعم المقبرة هذه
مقبرة أهل مكة" قال ويروى عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال "نعم الشعب ونعم المقبرة"
وأما ما يقال إن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله
عنه أوقفها فلم أقف له على أصل بل الظاهر أنه
غير صحيح لأنها مسبلة للدفن من قبل ذلك وكلام
الشافعي يقتضي أنها مسبلة فإن الزركشي لما
تكلم في الخادم على البناء على القبور قال
الحاوي بعد ذكره إنه لا يجوز البناء في
المسألة ويهدم قال الشافعي: ورأيت الولاة بمكة
يأمرون بهدم ما بني فيها ولم أر الفقهاء
يعيبون عليهم ذلك انتهى. وتقدم كلام الشافعي
هذا في كلام ابن الفاكهاني ثم تكلم الزركشي
على القرافة وهل هي موقوفة أو مرصدة ويظهر من
كلام ترجيح الوقفية وقد صرح بذلك الشيخ خليل
في التوضيح به كما تقدم. ص: "كحجر أو خشبة بلا
نقش". ش: يعني
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب المساقاة حديث 137.
(3/65)
ولا يغسل شهيد
معترك فقط ولو ببلد الإسلام أو لم يقاتل.
__________
أنه يجوز أن يجعل على القبر حجرا أو خشبة بلا
نقش لتميزه عن غيره وكلام المصنف يقتضي أن ذلك
جائز وهو ظاهر كلام غير واحد قال المازري كره
ابن القاسم أن يجعل على القبر بلاطة يكتب فيها
ولم ير بالحجر والعود والخشبة بأسا يعرف به
الرجل قبر وليه ما لم يكتب فيه انتهى. وجعله
صاحب المدخل مستحبا ونصه ويستحب أن يعلم عند
رأس القبر بحجر والأصل في ذلك ما رواه أبو
داود بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم لما
أن دفن عثمان بن مظعون أمر رجلا أن يأتيه بحجر
فلم يستطع حمله فقام إليه النبي صلى الله عليه
وسلم فحسر عن ذراعيه ثم حمله فوضعه عند رأسه
وقال "أعلم به قبر أخي أزوره وأدفن إليه من
مات من أهلي" انتهى. وفي مختصر الواضحة ولا
بأس أن يوضع الحجر الواحد في طرف القبر علامة
ليعرف به أن فيه قبرا وليعرف الرجل قبر وليه
فأما الحجارة الكثيفة والصخر كما يفعل بعض من
لا يعرف فلا خير فيه انتهى. وقوله بلا نقش
يشير به إلى ما تقدم وإلى ما في سماع ابن
القاسم ونصه وكره ابن القاسم أن يجعل على
القبر بلاطة ويكتب فيها ولم ير بأسا بالحجر
والعود والخشبة ما لم يكتب في ذلك يعرف الرجل
قبر وليه وقال ابن رشد كره مالك البناء وعلى
القبر وأن يجعل عليه البلاطة المكتوبة لأن ذلك
من البدع التي أحدثها أهل الطول من إرادة
الفخر والمباهاة والسمعة وذلك مما لا اختلاف
في كراهته انتهى. وقال ابن العربي في العارضة
وأما الكتابة عليها فأمر قد عم الأرض وإن كان
النهي قد ورد عنه ولكنه لما لم يكن من طريق
صحيح تسامح الناس فيه وليس له فائدة: إلا
التعليم للقبر لئلا يدثر انتهى. ص: "ولا يغسل
شهيد معترك فقط ولو ببلد الإسلام". ش: ولا
يحنط ويصلى عليه ولا فرق فيمن قتل في
(3/66)
ـــــــ
معترك المشركين من سببهم أو من غير سببهم
وسواء قتله المشركون بأيديهم أو حمل عليهم
فتردى في بئر أو سقط من شاهق أو عن فرسه فاندق
عنقه أو رجع عليه سهمه أو سيفه فقتله فإنه في
جميع ذلك شهيد قاله في الطراز قال في الشامل:
والشهيد من مات في معترك العدو فقط لا بين
لصوص أو فتنة بين المسلمين أو في دفعه عن
حريمه وإن صبيا أو امرأة ولو ببلد الإسلام على
المشهور أو لم يقاتل أو هو نائم على الأصح أو
سقط عن فرسه أو تردى من شاهق أو رجع عليه سيفه
فقتله أو سهمه أو وجد في المعركة ميت وليس فيه
جراح أو أنفذت مقاتله ولم يحيي لحياة بينة أو
رفع مغمورا لم يأكل ولم يشرب على المشهور وإن
حمل لأهله فمات فيهم أو في أيدي الرجال أو وجد
في أرض العدو وجهل قاتله أو ترك في المعركة
حتى مات فكغير الشهيد إلا من عوجل في المعركة
سحنون وإن جهل قاتله عند اختلاف الرمي بالنار
والحجارة لم يصل عليه انتهى. قال ابن يونس:
قال ابن القاسم: من قتله العدو بحجر أو بعصا
أو خنقوه حتى مات أو قتلوه أي قتلة كانت في
معركة أو في غير معركة فهو كالشهيد في المعترك
ولو أغار العدو على قرية من قرى الإسلام
فدافعوهم عن أنفسهم كان من قتل منهم كالشهيد
في المعركة قال عنه أصبغ في العتبية ولو
قتلوهم في منازلهم في غير ملاقاة ولا معترك
فإنهم يغسلون ويصلى عليهم بخلاف من قتل في
المعركة وقال ابن وهب هم كالشهداء في المعترك
حيثما نالهم القتل منهم محمد ابن يونس وبه
أقول وسواء كانت امرأة أو صبية أو صبيا وما
قاله سحنون هو وفاق لما في المدونة ثم قال ومن
المدونة قال مالك: وأما من قتل مظلوما أو قتله
اللصوص في المعترك أو مات بغرق أو هدم فإنه
يغسل ويصلى عليه وكذلك إن قتله اللصوص في دفعه
إياهم عن حريمه ابن سحنون ولو قتل المسلمون في
المعترك مسلما ظنوا أنه من العدو أو درسته
الخيل من الرجال فإن هؤلاء يغسلون ويصلى عليهم
انتهى.
فوائد: الأولى: قال في الموطأ عن النبي صلى
الله عليه وسلم "الشهداء سبعة سوى القتلى في
سبيل الله المطعون شهيد والغريق شهيد وصاحب
ذات الجنب شهيد والمبطون شهيد والحرق شهيد
والذي يموت تحت الهدم شهيد والمرأة تموت بجمع
شهيدة" 1 قال الشيخ جلال الدين الأسيوطي في
حاشيته على الموطأ المطعون هو الذي يموت في
الطاعون والغرق هو الذي يموت غرقا في الماء
وصاحب ذات الجنب هو مرض معروف وهو ورم يعرض في
الغشاء المستبطن للأضلاع والمبطون قال ابن عبد
البر قيل هو صاحب الإسهال وقيل المجنون وقال
في النهاية هو الذي يموت بمرض بطنه كالاستسقاء
ونحوه وفي كتاب الجنائز لأبي بكر المروزي عن
شيخه شريح أنه صاحب القولنج والحرق الذي يحرق
في النار فيموت والمرأة التي تموت بجمع هو بضم
الجيم وكسرها ابن عبد البر قيل هي التي تموت
من الولادة سواء
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب الجنائز حديث
36.
(3/67)
ـــــــ
ألقت ما في بطنها أم لا وقيل هي التي تموت في
النفاس وولدها وقيل هي التي تموت عذراء والقول
الثاني أشهرا وأكثر انتهى. ثم قال بقي من
الشهداء صاحب السل رواه الطبراني وأحمد
والغريب رواه ابن ماجه والبيهقي في الشعب
والدارقطني والصابوني والطبراني وصاحب الحمى
رواه الديلمي واللديغ والشريق الذي تفترسه
السباع والخار عن دابته رواها الطبراني
والمتردي رواه الطبراني والميت على فراشه في
سبيل الله رواه مسلم والمقتول دون ماله أو دمه
أو دينه أو أهله رواه أصحاب السنن الأربعة أو
دون مظلمة رواه أحمد والميت في السجن وقد حبس
ظلما رواه ابن منده والميت عشقا رواه الديلمي
والميت وهو طالب للعلم رواه البزار انتهى.
وقال في العارضة في الذي يقتله اللصوص لا خلاف
أنه شهيد وكذلك كل من قتل مظلوما دون مال أو
نفس ومن غرق في قطع الطريق فهو شهيد وعليه ثم
معصيته وكل من مات بسبب معصية فليس بشهيد وإن
مات في معصية بسبب الشهادة فله أجر شهادته
وعليه إثم معصيته وكذلك لو قاتل على فرس مغصوب
أو كان قوم في معصية فوقع عليهم البيت فلهم
الشهادة وعليهم المعصية انتهى.
الثانية: ذكر أبو داود في سننه في كتاب الجهاد
أن أم خلاد جاءت منتقبة تسأل النبي صلى الله
عليه وسلم عن ابنها وهو مقتول فقال لها بعض
الصحابة جئت تسألي عن ابنك وأنت منتقبة فقالت
إن أرزأ ابني فلن أرزأ أحبائي فقال صلى الله
عليه وسلم "ابنك له أجر شهيدين" قالت ولم ذلك
يا رسول الله قال "لأنه قتله أهل الكتاب"
انتهى. وفي هذا الحديث أن من قتله أهل الكتاب
له أجر شهيدين وروى أبو داود أيضا "الغرق له
أجر شهيدين"1 ذكره في كتاب الجهاد.
الثالثة: الشهيد فعيل بمعنى مفعول واختلف في
تسميته كلاهما فعن النضر بن شميل لأنه حي
فروحه شهدت دار السلام وروح غيره إنما تشهدها
يوم القيامة وقال ابن الأنباري لأن الله
وملائكته يشهدون له بالجنة وقيل لأنه شهد عند
خروج روحه ما له من الكرامة وقيل لأن ملائكة
الرحمة يشهدونه وقيل لأن حاله تشهد بصدق نيته
وقيل لأن معه شاهدا وهو الدم فإنه يبعث ودمه
يثغب وقيل لأن دمه يشهد على الألم وعلى هذا لا
اختصاص له بهذا السبب والشهداء ثلاثة شهيد حرب
الكفار له أحكام الشهيد في الدنيا وفي ثواب
الآخرة والثاني شهيد في الثواب دون أحكام
الدنيا وهم المبطون ومن ذكر معه.
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الجهاد باب 9. بلفظ:
" والغرق له أجر شهيد".
(3/68)
وإن أجنب على
الأحسن إن رفع حياً وإن أنفذت مقاتله إلا
المغمور ودفن بثيابه إن سترته وإلا زيد بخف
وقلنسوة ومنطقة قل ثمنها وخاتم قل فصه لا درع
وسلاح ولا دون الجلّ ولا ,
__________
والثالث من غل في الغنيمة وشبهه فله حكم
الشهيد في الدنيا وليس لهم الثواب الكامل. ص:
"وإن أجنب على الأحسن". ش: قال في الطراز: أما
إذا كانت عليه نجاسة من غير دمه كالروث وشبهه
فإنه يغسل قال بعضهم لا يغسل اعتبارا بالجنابة
وما قلناه أظهر لأن الأصل في النجاسة الإبعاد
وإنما جاء الحديث في الدم خاصة ولأنه شاهد على
خصمه فترك لذلك بخلاف غيره واعتبارا بما لو
كان عليه جلد خنزير أو جلد ميتة فإنه ينزع عنه
إجماعا ولا فرق بينهما انتهى. ص: "ودفن بثيابه
إن سترته". ش: قال في الطراز: وليس للولي أن
ينزع ثيابه ويكفنه بغيرها
(3/69)
محكوم بكفره
وإن صغيراً ارتد أو نوى به سابيه الإسلام إلا
أن يسلم كأن أسلم ونفر من أبويه وإن اختلطوا
غسلوا وكفنوا وميز المسلم بالنية في الصلاة ,
__________
ويختلف إذا كان عليه ما يستره هل لوليه أن
يزيد عليه شيئا قال مالك في الكتاب: ما علمت
أنه
(3/70)
ولا سقط لم
يستهل ولو تحرك أو عطس أو بال أو رضع إلا أن
تتحقق الحياة غسل دمه ولف بخرقة ووري ولا يصلى
على قبر إلا أن يدفن بغيرها ولا غائب.
__________
يزاد في كفن الشهيد أكثر مما عليه شيء وقال
أشهب وأصبغ: لا بأس بذلك والأول أحق بالاتباع.
ص: "ولا يصلى على قبر إلا أن يدفن بغيره ولا
غائب". ش: قال ابن عرفة: وفي الصلاة على غريق
أو أكيل قولان ابن حبيب مع ابن مسلمة والمشهور
وفي منعها على قبر من صلى عليه قولا المشهور
واللخمي مع نقله رواية ابن القصار وابن عمر
ونقله عن ابن عبد الحكم وابن وهب وزاد ابن رشد
في رواية ابن القصار ما لم يطل وأقصى ما قيل
فيه شهرا ابن رشد من دفن دون صلاة أخرج لها ما
لم يفت فإن فات ففي الصلاة على قبر قولا ابن
القاسم مع ابن
(3/71)
ولا تكرر
والأولى بالصلاة وصي رجي خيره ثم الخليفة لا
فرعه إلا مع الخطبة.
__________
وهب وسحنون مع أشهب وشرط الأول ما لم يطل حتى
يذهب الميت بفنساء أو غيره وفي كون الفوت
إهالة التراب عليه أو الفراغ في دفنه.
ثالثها: خوف تغيره لأشهب وسماع عيسى ابن وهب
وسحنون مع عيسى وابن القاسم وابن بشير قيل
يخرج للصلاة ما لم يتغير وقيل لا مطلقا وقيل
إن طال فظاهر نقل ابن الحاجب ونص ابن عبد
السلام يخرج مطلقا لا أعرفه انتهى. فنص المصنف
في مسألة ما إذا دفن بغير صلاة أنه يفوت
بالدفن ويصلى على قبره وما اعترض به ابن عرفة
على ابن الحاجب سبقه إليه ابن هارون كما نقله
عنه ابن ناجي ونصه في شرح قول الرسالة ومن دفن
لم يصل عليه وروي فإنه يصلى على قبره مفهومه
أنه لو لم يوار فإنه يخرج ويصلى عليه وهو كذلك
وما ذكره من أنه يصلى على قبره هو قول ابن
القاسم وابن وهب ويحيى بن يحيى وقيل إنه لا
يصلى على قبره وأصحاب هذا القول اختلفا على
ثلاثة أقوال أحدها أنهم يدعون وينصرفون قاله
مالك في المبسوط الثاني يخرج إلا أن يخاف
تغيره قاله سحنون الثالث يخرج إلا أن يطول
وقال ابن حبيب: ثالثها يخرج ما لم يطل فظاهر
كلامه يقتضي أن أحد الأقوال يخرج مطلقا وليس
كذلك انتهى. وإنما حكاه ابن بشير وابن شاس كما
تقدم ونبه على هذا ابن هارون انتهى. كلامه
والله أعلم. ص: "والأولى بالصلاة وصى رجى
خيره". ش: قال في التوضيح: إلا أن يقصد يعني
الموصي مراغمة الولي لعداوة بينهما ونحوها
انتهى. ومراده بالوصي من أوصى الميت أن يصلي
عليه أنظر العتبية وقال اللخمي: وإن اجتمع ولي
ومن أوصاه الميت بالصلاة عليه كان الموصى إليه
أولى لأن ذلك من حق الميت وهو أعلم بمن يستشفع
له قال مالك في العتبية: إلا أن يعلم أن ذلك
كان من الميت لعداوة كانت بينه وبين وليه
وإنما أراد أن يقبضه فلا تجوز وصيته بذلك يريد
إذا كان الولي أولى ممن له دين وفضل وإلا كان
الموصى إليه أولى لأن الولي إذا لم يكن معروفا
بالخير وكانت العداوة بينهم في التقصير له في
الدعاء وإذا لم يكن ولد وكان ابن العم مع
العداوة كان ذلك أبين وأرى إذا كان الولي
معروفا بالدين والفضل أن يقدم على الموصى له
وإن لم تكن عداوة لأن في تقدمة الأجنبي وصما
على الولي وإن كان موصى إليه على الصلاة
وسلطان كان الموصى إليه أولى لأن ذلك من حق
الميت وهو الناظر لنفسه انتهى. وانظر كلام ابن
رشد في نوازل سحنون. ص: "ثم الخليفة لا فرعه
إلا مع الخطبة". ش: قال في المدونة ومن كانت
الصلاة إليه من
(3/72)
قاض وصاحب
الشرطة أو وال فهو أحق بالصلاة على الميت إذا
حضر من أوليائه وكذلك كل بلدة كان عندهم قال
في النكت: قوله: "من كانت الصلاة إليه إلى
آخره" يعني إذا كانت إليه صلاة الجمعة والخطبة
وإنما يكون صاحب الصلاة والمنبر أحق من
الأولياء إذا كان وليه سلطان الحكم من قضاء أو
شرطة وإلا فهو كسائر الناس هكذا قال سحنون
انتهى. قال في التوضيح: لا يتقدم عند مالك
وابن القاسم إذا كانت له خطبة والصلاة دون أن
يكون أميرا أو قاضيا أو صاحب شرطة أو أميرا
على الجند انتهى. وقال في نوازل سحنون قال
مالك: صاحب الصلاة إذا فوض له الصلاة الأمير
أو صاحب الشرطة أو القاضي فهو كغيره من الناس
وإن كان صاحب المنبر أمير الجند وصاحب الشرطة
إذا كان موكلا بالخطبة والصلاة أولى من
الأولياء وليس للقاضي في هذا عمل إلا أن تكون
الصلاة إليه قيل يوكل أمير الجند على الخطبة
والصلاة إذا غاب الأمير أو لم يعرف الخطبة في
مثل وكيله بالناس وليس إليه شرطة ولا ضرب
الحدود ولا شيء من الصلاة قال لا أرى لهذا في
الصلاة على الجنائز شيئا قال القاضي ابن رشد
في هذا الكلام التباس ومذهبه أنه لا يكون أحق
من الأولياء بالصلاة على ميتهم إلا الأمير أو
قاضيه أو صاحب شرطة أو مؤمر على الجند إذا
كانت الخطبة والصلاة إلى كل واحد منهم فإن
انفرد أحد منهم بالخطبة دون أن يكون له حكم
بقضاء أو شرطة أو إمارة على الجند أو انفرد
بالحكم بالقضاء أو الشرطة أو الإمارة دون أن
تكون الخطبة إليه والصلاة لم يكن له في الصلاة
على الجنائز حق وكل من كان إليه منهم الحكم
بوجه من الوجوه والصلاة عليهما جميعا بمنزلته
في أنه أحق فوكيله من الأولياء بالصلاة على
الجنائز وأما إن كان وكله على الحكم دون
الصلاة أو على الصلاة والخطبة دون الحكم فلا
حق له في الصلاة على الجنائز وهذا مذهب ابن
القاسم وروايته عن مالك في المدونة وحكى ابن
حبيب عن ابن القاسم أن ذلك لكل من كانت إليه
الخطبة والصلاة يريد وإن لم يكن إليه حكم ولا
يوجد ذلك لابن القاسم نصا وظاهر ما في سماع
أبي الحسن عن ابن وهب أن القاضي أحق بالصلاة
على الجنازة من الأولياء وإن لم تكن الصلاة
إليه وقال مطرف وابن الماجشون ليس لواحد من
هؤلاء في الصلاة على الجنازة حق سوى الأمير
المؤمن الذي تؤدي إليه الطاعة فهي أربعة أقوال
ولا اختلاف في أنه لا حق في الصلاة على
(3/73)
ثم أقرب العصبة
وأفضل ولي ولو وليّ امرأة وصلى النساء دفعة
وصحح ترتبهن والقبر حبس لا يمشى عليه ولا ينبش
مادام به.
__________
الجنائز لمن انفرد بالصلاة دون الخطبة والقضاء
أو بالحكم دون القضاء والخطبة والصلاة فهذا
تحصيل هذه المسألة انتهى. ص: "ثم أقرب
العصبة". ش: قال ابن هارون في شرح المدونة
واستحب اللخمي أن يقدم ابن الميت أباه وأخوه
جده كصلاة الفرض:
فرع: فإن كان الابن عبدا ففي السليمانية لا
يتقدم إلا أن يكون الذين معه عبيدا قال ابن
محرز: ينبغي أن يكون أحق بالصلاة على أبيه
الميت من الأحرار كصاحب المنزل يوم من غشيه
فيه انتهى. ص: "والقبر حبس لا يمشي عليه ولا
ينبش ما دام به". ش: قال في المدخل
(3/74)
ـــــــ
لما ذكر المفاسد المرتبة على البناء في
المقابر الثالث وهو أكبر وأشنع مما تقدم ذكره
وذلك أن العلماء قد اتفقوا على أن الموضع الذي
يدفن فيه المسلم وقف عليه ما دام منه شيء
موجودا فيه حتى يفنى فإذا فني حينئذ يدفن غيره
فيه فإن بقي شيء من أعضائه فالحرمة قائمة
بجميعه ولا يجوز أن يحفر عليه ولا يدفن معه
غيره ولا يكشف عنه اتفاقا إلا أن يكون موضع
قبره قد غصب انتهى. وفي نوازل ابن رشد سئل عن
رجل دفن أربعة من الأولاد في مقبرة من مقابر
المسلمين فلما كان بعد عشرة أعوام من دفنه
إياهم غاب الرجل عن البلد فجاء الحفار فحفر
على قبر أولئك الأطفال قبرا لمرأة ودفنها فيه
ثم جاء الولد من سفره بعد دفن المرأة بثلاثين
يوما ولم يجد لقبر بنيه أثراً غيرقبر المرأة
فأراد نبشها وتحويلها إلى موضع آخر ليقيم قبور
بنيه على ما كانت عليه هل لك ذلك أم لا فأجاب
بأن قال لا يجوز أن ينبشها وينقلها عن موضعها
ولا يحل ذلك لأن حرمتها ميتة كحرمتها حية ولا
يحل له أن يكشفها ويطلع عليها وينظر إليها ولو
كان ذا محرم لها لما ساغ له ذلك منها بعد هذه
المدة إذ لا يشك في تغييرها فيه وبالله
التوفيق وتقدم في كلام اللخمي شيء من ذلك وقال
المازري في شرح التلقين في آخر باب الجنائز
وللميت حرمة تمنع من إخراجه من قبره إلا
لضرورة كما ذكرنا من نسيان الصلاة عليه على
الاختلاف المذكور فيه وإلحاق دفن آخر معه
بأبواب الضرورة المبيحة لإخراجه يفتقر إلى نظر
آخر وبسط طويل وقال البرزلي في أوائل الجنائز:
وسئل اللخمي عن نقل الميت بعد الدفن فأجاب أنه
ليس يحسن ولا يبلغ به تأثيم فاعله انتهى.
مسألتان: الأولى: الجلوس على القبر جائز عندنا
قال المازري في شرح التلقين السؤال الثالث هل
يجلس على القبر والجواب أن يقال عندنا الجلوس
على القبر جائز وكره الشافعي أن يجلس عليه أو
يطأه أو يتكىء عليه وقال ابن حبيب: يكره
الدخول إلى المقابر بالنعال ولا يكره بالخفاف
والشمسكات وحجة الشافعي الحديث في النهي عن
الجلوس على القبر ونحن نتأول النهي على أنه عن
الجلوس لقضاء الحاجة كذلك قال ابن حبيب: فسره
مالك قال ولا بأس بالمشي على القبر إذا عفا
فأما وهو مسنم والطريق دونه فلا أحب ذلك لأن
في ذلك تكسير تسنيمه وإباحته طريقا انتهى.
ونقله ابن ناجي في شرحه على المدونة وزاد بعده
قلت: ويجوز المشي على القبور بالنعال وغيره
ولا يحتاج أن يكون عليه سراويل والله أعلم.
انتهى.
(3/75)
إلا أن يشح رب
كفن غصبه أو قبر بملكه أو نسي معه مال وإن كان
بما يملك فيه الدفن بقيّ وعليهم قيمته وأقله
ما منع رائحته وحرسه وبقر عن مال كثر ولو
بشاهد ويمين لاعن جنين،
__________
الثانية: قال ابن العربي في العارضة يكره
اتخاذ القبور وطنا وإذا لم يتخذ وطنا فأحرى أن
لا يتخذ منه منزلا انتهى. ص: "إلا أن يشح رب
كفن غصبه". ش: تصوره واضح وكذلك إذا احتيج إلى
المقبرة لمصالح المسلمين كما فعل سيدنا معاوية
رضي الله عنه في
(3/76)
وتؤولت أيضاً
على البقر إن رجي وإن قدر على إخراجه من محله
فعل والنص عدم جواز أكله لمضطر وصحح أكله
أيضاً ودفنت مشركة حملت من مسلم بمقبرتهم لا
يستقبل بها قبلتنا ولا قبلتهم ورمي ميت البحر
به مكفناً إن لم يرج البر قبل تغيره ولا يعذب
ببكاء لم يوص به ،
__________
شهداء أحد عن جابر رضي الله عنه قال لما أراد
معاوية إجراء العين إلى جانب أحد أمر مناديا
فنادى في المدينة كل من له قتيل فليخرج إليه
ولينبشه وليخرجه وليحوله قال جابر فأتيناهم
(3/77)
ولا يترك مسلم
لوليه الكافر ولا يغسل مسلم أباً كافراً ولا
يدخله قبره إلا أن يضيع فليواره والصلاة أحب
من النفل إذا قام بها الغير إن كان كجار أو
صالحاً.
__________
فأخرجناهم من قبورهم رطابا يتثنون انتهى. من
شرح ثاني مسألة من الأقضية من العتبية. ص:
"والصلاة أحب من النفل إذا قام بها الغيران
كان كجار أو صالحا". ش: هذه المسألة في رسم
مرض وله أم ولد من سماع ابن القاسم من كتاب
الجنائز غير أنه لم يجعل التفصيل بين الصلاة
والنافلة بل جعله بين شهود الجنازة والقعود في
المسجد إلا أن ابن رشد حمل ذلك على نحو ما
قاله المصنف ونصه سألت مالكا فقلت أي شيء أعجب
إليك القعود في المسجد أم صلاة الجنائز قال بل
القعود في المسجد أعجب إلي إلا أن يكون حق من
جوار أو قرابة أو أحد ترجى بركة شهوده يزيد به
في فضله فيحضره قال ابن القاسم: وذلك في جميع
المساجد قال ابن رشد: ذهب سعيد بن المسيب وزيد
بن أسلم إلى أن صلاة النوافل والجلوس في
المسجد أفضل من شهود الجنازة جملة من غير
تفصيل فمات علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
فانقطع الناس لجنازته من المسجد إلا سعيد بن
المسيب فإنه لم يقم من مجلسه فقيل له ألا تشهد
هذا الرجل الصالح من البيت الصالح فقال لأن
أصلي ركعتين أحب إلي من أن أشهد هذا الرجل
الصالح من البيت الصالح وخرج سليمان بن يسار
فصلى عليه واتبعه وكان يقول شهود الجنائز أفضل
من صلاة التطوع جملة أيضا من غير تفصيل وتفصيل
مالك رضي الله
(3/78)
ـــــــ
عنه ورحمه الله هو عين الفقه إذ إنما يرغب في
الصلاة على من يعرف بالخير وترجى بركة شهوده
فمن كان بهذه الصفة أو كان له حق من جوار أو
قرابة فشهوده أفضل من صلاة التطوع كما قال
مالك لما يتعين من حق الجوار والقرابة ولما
جاء من الفضل في شهود الجنازة فقد روي أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال "أفضل ما يعمل
المرء في يومه شهود جنازة" إلا أن مراتب
الصلاة في الفضل على قدر مراتبها في الوجوب
فأفضل الصلوات صلاة الفريضة ثم صلاة الوتر في
الفضل إذا قيل إنه واجب ثم الصلاة على الجنازة
لأنها فرض على الكفاية ثم ما كان من الصلاة
سنة ثم ما كان منها فضيلة ثم ما كان منها
نافلة انتهى. وتقدم شيء من هذا في كلام سند في
أول الباب عند قوله: والصلاة عليه كدفنه.
فرع: والاشتغال بالعلم أولى من الخروج مع
الجنازة قاله في المدخل والله أعلم.
(3/79)
|