مواهب
الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب كتاب الزكاة
فصل في أحكام
الزكاة
تجب زكاة نصاب النعم
__________
كتاب الزكاة
باب تجب زكاة النعم
الزكاة في اللغة النمو والبركة وزيادة الخير
يقال زكا الزرع إذا نما وزكت النفقة إذا بورك
فيها وفلان زاك أي كثير الخير ويطلق على
التطهير قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ
زَكَّاهَا} [الشمس:9] أي طهرها من الأدناس
ومناسبتها للمعنى الشرعي من حيث كونه سببا
لنمو المال المخرج منه وطهرة للمخرج من الإثم
وفي الشرع قال ابن عرفة: الزكاة اسم جزء من
المال شرطه لمستحقه ببلوغ المال نصاباً ومصدر
إخراج جزء إلى آخره وعلم وجوبها لغير حديث
الإسلام ضروري ابن رشد جاحدها كافر قلت: يريد
غير الحديث وبطل قول ابن حبيب تاركها كافر
انتهى. وعرفها بعضهم بالمعنىالأول: أعني كونها
اسماً فقال هي اسم لقدر من المال يخرجه المسلم
في وقت مخصوص لطائفة بالنية وسميت زكاة لأن
المال ينمو ببركة إخراجها ومؤديها يزكو عند
الله تعالى وقدم المصنف كابن شاس زكاة الماشية
والحرث على العين مع أنه خلاف ترتيب المدونة
وابن الحاجب وغيرهما لشرف ما ينمو بنفسه وقدم
الحيوان لشرفه على الجماد وبديء منها الإبل
اقتداء بكتاب أبي بكر رضي الله عنه ولأنها
أشرف أموال العرب والنصاب بكسر النون في اللغة
الأصل وفي الشرع القدر الذي إذا بلغه المال
وجبت فيه الزكاة كذا فسره مالك
(3/80)
ـــــــ
وسمي نصاباً لأنه كالعلم المنصوب لوجوب الزكاة
أو لأن المال إذا بلغ النصاب إليه يبعث السعاة
والنصب بالتحريك بمعنى التعب أو بمعنى النصيب
لأن للمساكين فيه نصيبا حينئذ والنعم في عرف
الشرع اسم للإبل والبقر والغنم قال الدميري
نقل الواقدي الاتفاق على ذلك وبه جزم النووي
وخصه ابن دريد والهروي بالإبل لقول حسان رضي
الله عنه:
وكان لا يزال بها أنيس ... خلال بيوتها نعم
وشاء
وقيل: يطلق على كل من الإبل والبقر ولا يطلق
على الغنم انتهى.
قلت: وعلى ما قاله الهروي وبن دريد مشى
الحريري في درة الغواص في أوهام الخواص فقال
وكذلك لا يفرقون بين النعم والأنعام وقد فرقت
بينهما العرب فجعلت النعم اسماً للإبل خاصة
والماشية التي منها الإبل وقد تذكر وتؤنث
وجعلت الأنعام اسماً لأنواع الماشي من الإبل
والبقر والغنم حتى إن بعضهم أدخل فيها الظباء
وحمر الوحش تعلقا بقوله تعالى: {أُحِلَّتْ
لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: من
الآية1] انتهى.
قلت: وظاهر كلام الصحاح أنه يطلق على غير
الإبل فإنه قال ونعم واحد الأنعام وهي المال
الراعية وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل قال
الفراء هو ذكر لا يؤنث يقولون هذا نعم وارد
والأنعام يذكر ويؤنث انتهى. وقال ابن سيده
النعم الإبل والشاة يذكر ويؤنث جمعها أنعام
وأناعيم جمع الجمع انتهى. وظاهر كلامه أن
النعم اسم للإبل والشاة وسمي النعم نعما لكثرة
نعم الله فيه على خلقه من النمو وعموم
الانتفاع مع كونها مأكولة ولذلك وجبت فيها
الزكاة وقال في الذخيرة: والنعم والنعمة
والنعيم والنعماء مأخوذ من لفظ نعم لأن الجواب
بها يسر غالبا فاشتق منها ألفاظ هذه الأمور
لكونها سارة ولفظ الغنم مأخوذ من الغنيمة
والبقر من البقر الذي هو الشق لأنها تبقر
الأرض أي تشقها والجمال مأخوذة من الجمال لأن
العرب
(3/81)
بملك وحول كملا
وإن معلوفة وعاملة ونتاجاً لا منها ومن الوحش،
__________
تتجمل بها انتهى. والله تعالى أعلم. ص: "بملك
وحول كملا". ش: أي بشرط ملك وحول كاملين
واحترز بالملك الكامل من ملك العبد ومن فيه
شائبة رق وعدم كماله من جهة أنه لا يتصرف فيه
التصرف التام لا من جهة أن للسيد انتزاعه لعدم
شمول العلة للمكاتب ومن في معناه ممن ليس
للسيد انتزاع ماله.
تنبيه: والمراد بالملك أن يملك عين الماشية
ويمر عليها الحول في ملكه فأما من ملك ماشية
في ذمة شخص وحال عليها الحول قبل أن يقبضها
فإنه لا تجب عليه زكاتها قال مالك: فمن وجبت
له دية من الإبل فقبضها بعد أعوام أنه يستقبل
بها قال في الطراز: هذا متفق عليه لأن الدية
وجبت دينا مضمونا في الذمة والحمل إنما يراعى
في عين الماشية على ملك من يزكى عليه فإذا
قبضها تعينت في ملكه ولأنه إذا مر الساعي بأهل
الدية زكى بأيديهم من الماشية لأن الدين لا
يسقط زكاتها.
فرع: قال ابن وهب عن مالك في الجزار يشتري
الغنم ليذبحها فيحول حولها عنده أنه يزكيها
انتهى. من البساطي.
تنبيه: الحول الكامل لا كلام أنه شرط وأما ملك
النصاب فاختلف هل هو سبب وهو الذي اختاره
القرافي وهو الظاهر أو شرط وهو الذي اقتصر
عليه ابن الحاجب وابن عرفة وغيرهما وكلام
المصنف هنا محتمل لهما إلا أن ذكره مع الحول
يقتضي الثاني والله أعلم. ص: "لا منها ومن
الوحش". ش: يعني أنه لا تجب الزكاة فيما تولد
من الأنعام والوحش كما إذا ضربت فحول الظباء
في إناث الغنم أو العكس أو ضربت فحول بقر
الوحش في إناث الإنسي منها أو العكس وهو قول
ابن عبد الحكم وصدر به ابن شاس وصححه ابن عبد
(3/82)
وضمت الفائدة
له وإن قبل حوله بيوم لا لأقل، الإبل في كل
خمس ضائنة
__________
السلام والقول بوجوبها مطلقا ذكره ابن بشير
وابن الحاجب قال الشارح ونسبه بعض الأشياخ
لابن القصار. قلت: وهو ضعيف فقد قال اللخمي:
لا أعلمهم يختلفون في عدم تعلق الزكاة إذا
كانت الأم وحشية وقطع بعضهم بنفي الخلاف قال
في التوضيح: وقد يقال كلام ابن بشير وابن
الحاجب أولى لأن المثبت أولى ممن نفي ونسب في
الجواهر القول بالتفرقة لابن القصار وقال
الجزولي في شرح الرسالة إنه المشهور وهو
الجاري على ما مشى عليه المصنف في باب الأضحية
والله أعلم. ص: "وضمت الفائدة له وإن قبل حوله
بيوم لا أقل". ش: المراد بالفائدة هنا ما حصل
بشراء أو إرث أو هبة أو صدقة والمعنى أن
الماشية الحاصلة بوجه مما تقدم تضم إلى ما بيد
الملك من الماشية إذا كانت الأولى نصاباً
ويزكي الجميع لحول الأولى ولو حصلت الثانية
قبل حول الأولى بيوم واحد يريد أو بعد الحول
وقبل مجيء الساعي وقال في المدونة وأما إن
كانت الأولى أقل من نصاب فإنها تضم إلى
الثانية ويستقبل بالجميع حولا من يوم أفاد
الثانية وسواء كانت الثانية نصاباً أولا ولو
كان نقصان الأولى عن النصاب بموت بعد الحول أو
قبل مجيء الساعي بيوم أو قبل الحول إذا لم يكن
سعاة فإنها تضم إلى الثانية ويستقبل بالجميع
حولا نقله في التوضيح وقال ابن عرفة: وفائدتها
ولو بشراء تضم إلى ما بعدها إن نقصت عن نصاب
ولو بموت بعد الحول قبل مجيء الساعي بيوم
انتهى. وأما الفائدة الحاصلة بولادة فإنها تضم
إلى أمهاتها وتزكى على حول الأمهات أقل من
نصاب قال في التوضيح: وهذا متفق ولو ماتت
الأمهات كلها زكى النتاج على حول الأمهات إذا
كان فيه نصاباً وقاله في الجواهر.
تنبيه: من قبض دية وجبت له قبل مجيء الساعي
وعنده خمس من الإبل حال حولها فإنه يضم الدية
إليها ويزكي الجميع قاله في الطراز وهو ظاهر.
ص: "الإبل في كل خمسة ضائنة". ش: قال في
المحكم الضائن من الغنم ذو الصوف ويوصف به
فيقال كبش ضائن والأنثى ضائنة والجمع ضوائن
انتهى. وظاهر قوله في كل خمس ضائنة أن الزائد
على الخمس معفو لا شيء فيه وهو خلاف ما رجع
إليه مالك من أن الشاة مأخوذة عن الخمس وما
زاد
(3/83)
إن لم يكن جل
غنم البلد،
__________
ويظهر أثر ذلك في الخلطة قاله المصنف في
التوضيح ولكن ما ذكره ابن الحاجب والمصنف هو
مذهب المدونة قال فيها ولا شيء في الوقص وهو
ما بين الفريضتين في جمع الماشية انتهى.
وسيأتي الكلام على الوقص ثم قوله: ولو الفرد
وقص ويفهم من قول المصنف ضائنة اشتراط الأنثى
في الشاة المأخوذة في زكاة الإبل وصرح في
الجواهر أن الشاة المأخوذة في زكاة الإبل
كالشاة المأخوذة في زكاة الغنم وسيأتي للمصنف
أنه يأخذ في ذلك الذكر والأنثى وهو مذهب ابن
القاسم وأشهب واشترط ابن القصار الأنثى في
البابين وأما التفريق بين البابين فلم صليت
عليه قال في الجواهر: اختلف في صفة الشاة
الواجبة في الغنم والإبل فقال ابن القاسم
وأشهب يجزئ الجذع والشيء من المعز والضأن ذكرا
كان أو أنثى وقال القاضي أبو الحسن يعني ابن
القصار لا يجزئ إلا الأنثى جذعة أو ثنية من
المعز والضأن وقال ابن حبيب: الجذع من الضأن
والثني من المعز كالأضحية قال الشيخ أبو محمد
وليس قول مالك وأصحابه فيما علمناه انتهى.
وقال في اللباب الشاة المأخوذة في الغنم قال
ابن القاسم: يجزي الجذع والثني من الضأن
والمعز ذكرا كان أو أنثى وقال ابن حبيب: الجذع
من الضأن والثني من المعز كالأضحية انتهى.
فائدة: قال سند: يقال لما بين الثلاثة في
العشرة ذود وقال ابن حبيب: إلى تسع وما فوق
التسع شنق إلى أربعة وعشرين ولا ينقص الذود عن
ثلاثة كالبقر وقال غيره لا واحد له من لفظه
كالنساء والخيل وقال عيسى بن دينار يقال
للواحد والجماعة ذود قال والأول هو المعروف في
اللغة والحديث يؤكده فإنك تقول خمسة رجال ولا
تقول خمسة رجل وقال المطري وغيره من اللغويين
هو اسم للإناث دون الذكور ولذلك حذفت التاء من
الخمس في الحديث وتكون الزكاة في الذكور
بالإجماع لا بالحديث انتهى. من الذخيرة وقال
النووي الرواية المشهورة خمس ذود بالإضافة
وروي بتنوين خمس فذود بدل منه حكاه ابن عبد
البر والقاضي عياض والمعروف الأول ونقله ابن
عبد البر والقاضي عن الجمهور قال أهل اللغة
والذود من الإبل من الثلاثة إلى العشرة لا
واحد له من لفظه أنما يقال في الواحد بعير
فقوله خمس ذود كقولهم خمسة أبعرة وخمسة جمال
نوتى وقال أبو عبيد الذود ما بين ثنتين إلى
تسع وأنكر ابن قتيبة أن يقال خمس ذود كما لا
يقال خمسة ثور وغلطه العلماء بل هذا اللفظ
شائع في الحديث الصحيح ومسموع من العرب وضبطت
الخمس بغيرها ورواه بعضهم خمسة ذود بالهاء
وكلاهما لرواية كتاب مسلم والأول أشهر وكلاهما
صحيح في اللغة فإثبات الهاء لانطلاقه على
المذكر والمؤنت ومن حذفها أراد أن الواحدة منه
فريضة انتهى. ص: "إن لم يكن جل غنم البلد
المعز". ش: عبارة المصنف نحو عبارة ابن الحاجب
قال في التوضيح: ومقتضاها أنه إذا تساويا يؤخذ
من الضأن لأنه عين الضأن بقوله إن لم يكن جل
(3/84)
المعز وإن
خالفته والأصح إجزاء بعير إلى خمس وعشرين فبنت
مخاض،
__________
غنم البلد المعز ابن عبد السلام والأقرب في
هذه الصورة تخيير الساعي وكذلك قال ابن هارون
وزاد ويخير رب المال انتهى.
فرع: فإن فقد الصنفان بمحله فنقل ابن عرفة عن
بعض شيوخ المازري أنه يطالب بكسب أقرب بلد
إليه انتهى. قلت: والظاهر أنه يراعى في ذلك
البلد جل كسبه كما في البلد نفسه كما تقدم وهو
الظاهر والله أعلم.
فرع: قال ابن يونس محمد: قال مالك: ومن وجبت
عليه معز وأعطى ضأنا فليقبل منه وأما معز عن
ضأن فلا قال أشهب: إلا أن تبلغ لرفاهيتها مثل
ما لزمه من الضأن فلا بأس بذلك انتهى.
فائدة: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة الضأن
والمعز معلومان وهل يلحق غنم الترك بالضأن أو
بالمعز لم أقف على شيء فيه انتهى. ص: "والأصح
إجزاء البعير". ش: يعني إذا أخرجه عن الشاة
الواجبة في الخمس لا عن الأربع والعشرين فإن
ذلك من إخراج الغنم قطعا وهو لا يجزئ وقال في
العارضة لا يجوز إعطاء بعير من خمسة أبعرة
بدلا من شاة وقال الشافعي: يجوز واتفقت عبارة
أهل المذهب في التبعير بالبعير وهو إنما يطلق
في اللغة على الجذع كما قاله في الصحاح
والظاهر أن ذلك غير مراد بل الظاهر أنه إذا
أخرج عن الشاة أقل ما يجزئ من الإبل وهو بنت
المخاض أو ابن المخاض أجزأه وقيد ابن عرفة
الإجزاء بكون البعير يفي بقيمة الشاة وهو ظاهر
ونصه ولو أخرج عن الشاة بعيرا يفي بقيمتها ففي
إجزائه قولا عبد المنعم والباجي مع ابن العربي
وتخريجه المازري على إخراج القيم في الزكاة
بعيد لأن القيم بالعين انتهى. قلت: وفي قوله
بعيد نظر لأنه ليس مراده حقيقة القيم وإنما
مراده أنه من هذا الباب ألا ترى أنهم قالوا في
باب مصرف الزكاة أنه لا يجوز إخراج القيم
وجعلوا منه إخراج العرض عن العين فتأمله.
فائدة: قال القرطبي في شرح مسلم في شرح حديث
جواز بيع البعير واستثناء ركوبه البعير من
الإبل بمنزلة الإنسان يطلق على الذكر والأنثى
تقول العرب صرعني بعيري وشربت
(3/85)
فإن لم تكن له
سليمة فابن لبون
__________
من لبن بعيري انتهى. ص: "فإن لم تكن له سليمة
فابن لبون". ش: أي سليمة من عيب يمنع الإجزاء
ومن شرك فيها وفهم من قوله: فإن لم تكن له أنه
إذا وجد معا تعينت بنت المخاض وهو كذلك فليس
لصاحب الإبل أن يعطي ابن اللبون ولا للساعي أن
يجبره على ذلك قال في التوضيح: واختلف إذا
تراضيا بأخذه فأجازه ابن القاسم في الموازية
ومنعه أشهب اللخمي الأول أصوب وقد يكون أخذه
نظرا للمساكين انتهى. ونقل ابن عرفة القولين
عن اللخمي ونسب الجواز لابن القاسم في المدونة
ونصه اللخمي عن محمد في أخذه نظرا مع وجودها
باختيارها قولا ابن القاسم في المدونة وأشهب
انتهى. والضمير في أخذه عائد على ابن اللبون
وقوله نظرا يعني أنه نظر بعين المصلحة في أخذه
للفقراء فإن لم يوجد ابن اللبون وبنت المخاض
معا في الإبل فقال في المدونة أجبر ربها على
أن يأتي ببنت مخاض إلا أن يشاء أن يدفع خيرا
منها فليس للساعي ردها فإن أتاه ابن لبون فقال
ابن القاسم لم يأخذه الساعي إلا أن يشاء ويرى
ذلك نظرا ونقله اللخمي وابن عرفة وغيرهما.
فرع: فلو لم يلزم الساعي صاحب الإبل بالإتيان
ببنت المخاض حتى جاء بابن لبون فقال ابن
القاسم يجبر على قبوله ويكون بمنزلة ما لو كان
فيها وعلى أصل أصبغ لا يجبر نص عليه اللخمي
ونقله ابن عرفة عنه. فرع: لو وجبت بنت اللبون
فلم توجد وجد حق لم يؤخذ ابن اللبون عن بنت
المخاض ولو وجبت حقة فدفع بنتي لبون لم تجز
خلافا للشافعي قاله في الذخيرة أما إذا رضي رب
الماشية بإعطاء سن أفضل مما عليه كبنت لبون عن
بنت مخاض أو حقة عن بنت لبون فإن ذلك يجزئ
اتفاقا.
فائدة: لفظ الحديث فابن لبون ذكر فورد سؤال عن
قوله صلى الله عليه وسلم: "فابن لبون ذكر" بأن
الابن لا يكون إلا ذكرا وكذلك قوله صلى الله
عليه وسلم في المواريث: "فلأولى رجل ذكر"
والرجل لا يكون إلا ذكرا جوابه أنه إشارة إلى
السبب الذي زيد لأجله في السن فعدل عن بنت
المخاض بنت سنة إلى ابن اللبون ابن سنتين
فكأنه يقال إنما زيد فضيلة السنة لنقيصة وصف
الذكورية وإنما استحق العصبة الميراث لوصف
الرجولية التي هي مسمى الحماية والنصرة فهو
إشارة إلى التعليل في الصورتين انتهى. من
الذخيرة وقال القرطبي في شرح مسلم في كتاب
الفرائض وقيل أفاد
(3/86)
وفي ست وثلاثين
بنت لبون وست وأربعين حقة وإحدى وستين جذعة
وست وسبعين بنتا لبون وإحدى وتسعين حقتان
ومائة وإحدى وعشرين إلى تسع وعشرين حقتان أو
ثلاث بنات لبون الخيار للساعي،
__________
بقوله: "ذكر" وفي ابن اللبون التحرز من
الخناثى فلا يؤخذ الخنثى في فريضة الزكاة ولا
يحوز المال إذا انفرد وإنما له نصف الميراثين
انتهى. ص: "وفي ست وثلاثين بنت لبون". ش: تقدم
في الفرع: الذي قبله عن الذخيرة أنه لا يؤخذ
عنها إن لم توجد عنده حق ولا يؤخذ عن الحقة
بنتا لبون. ص: "ومائة وإحدى وعشرين إلى تسع
وعشرين حقتان أو ثلاث بنات لبون والخيار
للساعي". ش: لا خلاف أن في مائة وعشرين حقتين
وفي مائة وثلاثين حقة وبنتي لبون وقول الشارح
في مائة وثلاثين ثلاث بنات لبون سهو يبين ذلك
ما بعده من كلامه واختلف في ما بين العشرين
والثلاثين والمشهور عن مالك تخيير الساعي إذا
وجد الصنفان أو فقد أو يتعين أحد منهما منفردا
وكذلك في مائتين الخيار للساعي بين أربع حقق
أو خمس بنات لبون وفيها ثلاثة أقوال ذكرها ابن
عرفة وغيره ونصه وفي كون الخيار للساعي أو
لربها ثالثها إن وجد انتهى. ثم قال المازري إن
وجد بها أحد السنين تعين قال وعلى المشهور لو
لم يوجد فأحضر ربها أحد السنين ففي بقاء خيار
الساعي ولزومه أخذه كما لو كان فيها قولا أصبغ
وابن القاسم.
تنبيه: والمعتبر في الزيادة على المائة
والعشرين زيادة واحدة كاملة فلو زادت جزءا من
بعير لم يؤثر ذلك خلافا لبعض الشافعية في
قوله: إن ذلك يؤثر تمسكا بعموم قوله: فما زاد
وجوابه أن المراد بالزيادة الزيادة المعتادة
وقياسا على بقية الأوقاص فإنه لا يتعين فرضها
بزيادة جزء.
تنبيه: قال ابن الكاتب لم يرد مالك بتخيير
الساعي أنه ينظر أي ذلك أحظى للمساكين فيأخذه
إنما أراد أن الساعي إن كان مذهبه أن الواحدة
توجب الانتقال أخذ بنات اللبون وإن كان مذهبه
أنه لا يوجب الانتقال أخذ الحقاق قال عبد الحق
في تهذيبه: ورأيت في كتاب ابن القصار أنه يخير
فيما يراه صلاحا للفقراء خلاف ما لابن الكاتب
فاعلمه قاله في التوضيح والظاهو هو الثاني
والله أعلم.
فرع: فإذا اختار الساعي أخذ الصنفين وعند رب
المال أن الصنف الآخر أفضل أجزأه
(3/87)
وتعين أحدهما
منفرداً ثم في كل عشر يتغير الواجب في كل
أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة وبنت المخاض
الموفية سنة ثم كذلك،
__________
ما أخذ الساعي ولا يستحب له إخراج شيء زائد
على ذلك قاله سند في مسألة المائتين من الإبل
والظاهر أن الحكم هنا وهناك سواء.
فرع: قال ابن عرفة: ودفع أفضل سنا في توقف
قبوله على رضا المصدق طريقا ابن بشير والأكثر
انتهى. فرع: لو أخذ المصدق أفضل من الواجب
وأعطى من الفضل ثمنا أو أخذ أنقص وأخذ عن
النقص فلا يجوز وأما إن وقع ونزل فالمشهور
الإجزاء وكذلك أخذ القيمة لا يجوز وإذا وقع
ونزل فالمشهور الإجزاء أنظر التوضيح ثم قول
ابن الحاجب فإن أعطى الفضل والله أعلم. ص:
"وتعين أحدهما منفردا". ش: لا إن كان صفة
لاتجزئ فإنه كالعدم وإن وجد وكان من كرائم
الأموال فكذلك إلا أن يشاء رب المال دفعه وإن
وجد الصنفان معا وكان أحدهما معيبا كان كالعدم
وكذا إن كان من الكرائم ويتعين الصنف الآخر
إلا أن يشاء رب المال دفع الكرام قاله سند في
مسألة المائتين من الإبل والباب واحد والله
أعلم. ص: "ثم في كل عشر يتغير الواجب". ش: كذا
في بعض النسخ بفي الجارة وفي بعضها بإسقاطها
ونصب كل على نزع الخافض وإن كان غير مقيس
ويجوز رفع كل على أنها مبتدأ خبره يتغير
الواجب والعائد محذوف أي يتغير الواجب فيه قال
ابن عرفة: ومعرفة واجبها في مائة وثلاثين
فصاعدا قسم عقودها فإن انقسمت على خمسين فعدد
الخارج حقاق وعلى أربعين
(3/88)
البقر في كل
ثلاثين تبيع ذو سنتين
__________
بنات لبون وعليهما هما فيجيء الخلاف وانكسارها
على خمسين يلغي قسمها وعلى أربعين الواجب عدد
صحيح خارجه بنات لبون وبدل لكل ربع من كسره
حقه من صحيح خارجه انتهى. ومعنى كلامه أن طريق
معرفة الواجب في ذلك من مائة وثلاثين فصاعدا
أن تقسم العقود على الخمسين والأربعين فإن
انقسمت على الخمسين فقط دون كسر فالواجب عدد
الخارج حقاقا وعلى الأربعين فقط دون كسر فعدد
الخارج بنات لبون وعليهما معا دون كسر فالواجب
عدد خارج أحدهما ويأتي الخلاف الذي في مائتي
الإبل وإن انكسرت عليهما فاقسمهما على
الأربعين وخذ بعدد الصحيح الخارج بنات لبون ثم
انظر الكسر فإن كان ربعا فأبدل واحدة من بنات
اللبون حقة وإن كان أربعين فأبدل ثنتين وإن
كان ثلاثة أرباع فأبدل ثلاثا ولا شك أنه يحصل
بما ذكره عدد يسقط به الواجب إلا أنه يتأتى في
كثير من الصور إسقاط الواجب بعدد آخر خلاف ما
حصل بالطريق المذكور لثلاثمائة وخمسين يحصل
بطريقته سبع حقاق لبعض الواجب بخمس بنات لبون
وثلاث حقاق وقد قال في الذخيرة: وله يعني
الساعي عندنا أن يجمع بين الحقاق وبنات اللبون
وأن يفرد إذا بلغت أربعمائة خلافا لبعض
الشافعية. ص: "البقر في كل ثلاثين تبيع". ش:
ولرب المال أن يدفع عن التبيع أنثى وليس
للساعي أن يمتنع منها قال سند: لا يختلف في أن
الذكر يجزئ وأن لرب المال أن يدفع أنثى لأنها
خير من التبيع لفضيلة الدر والنسل فلرب المال
دفعها وليس للساعي أن يمتنع منها ولا يجبر
ربها عليها انتهى. وقال في الذخيرة: ولرب
المال أن يدفع عن التبيع الأنثى لفضلها عليه
انتهى. وقال التلمساني في شرح قول ابن الحاجب
فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع جذع أو جذعة قال
مالك: التبيع ذكر قال ابن المواز: يجوز أخذ
الأنثى لفضيلة أخذ اللبن والنسل إذا رضي ربها
بدفعها ولا يمتنع الساعي منها انتهى.
(3/89)
وفي أربعين
مسنة ذات ثلاث
__________
فرع: فإن وجد عند رب المال التبيع والتبيعة أو
لم يوجد عنده إلا التبيعة فقيل ليس للساعي أن
يجبره على التبيعة وقيل يجبره قال في التوضيح:
والمشهور ليس للساعي الخيار لما ورد من الرفق
بأرباب الماشية والشاذ لابن حبيب وهو مشكل أما
إن لم يوجد إلا التبيع فلا يجبره عليها اتفاقا
انتهى. وفي الشامل ولا يجبر المالك على دفع
الأنثى ولو موجودة على المشهور انتهى. وعزا
ابن عرفة القول بعدم الجبر لرواية ابن القاسم
والقول بالجبر لرواية أشهب وقول ابن حبيب ونصه
وفي عدم جبره على أخذ أنثاه موجودة معه أو
دونه روايتا ابن القاسم وأشهب مع قول ابن حبيب
انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة وكونه
ذكرا شرط على المشهور فلو أراد الساعي جبره
على الأنثى من سنه فليس له ذلك عند ابن القاسم
وقال ابن حبيب: مع أشهب له ذلك انتهى. وقول
الشيخ زروق وكونه ذكرا شرط على المشهور يعني
به أن السن المأخوذ هنا من رب المال في
الثلاثين هو الذكر ولا يجبر على الأنثى على
المشهور وليس مراده أنه لا يجوز له دفع الأنثى
ولا للساعي قبولها لأنه مخالف لآخر كلامه
وللنصوص المتقدمة والله أعلم. ولم يتكلم
المصنف على هذا الفرع: وقد نبه على إسقاط
المصنف له الشيخ تقي الدين الفاسي في حاشيته
على ابن الحاجب ونصه في شرح قول ابن الحاجب
وفي أخذ الأنثى موجودة كرها قولان حكى خليل في
توضيحه وصاحب الشامل أن المشهور عدم الجبر
ومقابله لابن حبيب وسقط هذا الفرع: من مختصر
خليل انتهى.
فائدة: قال الأزهري ابن السنة تبيع وفي
الثانية جذع جذعة وفي الثالثة ثني وثنية وهي
المسنة لأنها ألقت ثنيتها وفي الرابعة رباع
لأنها ألقت رباعيتها وفي الخامسة سدس وسديس
لإلقائها السن المسمى سديسا وفي السادسة ظالع
ثم يقال ظالع سنة وظالع سنتين فأما الجذع فليس
باعتبار سن يطلع أو يسقط وسمي تبيعا لتبعه أمه
وقيل لتبع أذنيه قرنيه لتساويهما والله أعلم.
انتهى. ص: "وفي أربعين مسنة". ش: إلى ستين
فتبيعان فيكون الوقص هنا تسعة عشر وطريق معرفة
الواجب في ذلك من ستين فصاعدا أن تقسم العقود
على الأربعين والثلاثين فإن انقسمت على
الأربعين فقط دون كسر فالواجب عدد الخارج
مسنات وعلى الثلاثين فقط دون كسر فاتبعه
وعليهما معا دون كسر فأحد الصنفين ويأتي
الخلاف وإن انكسرت عليهما فاقسمها على
الثلاثين وخذ بعدد الصحيح الخارج أتبعة ثم
(3/90)
ومائة وعشرين
كمائتي الإبل العنم في أربعين شاة جذع أو جذعة
ذو سنة ولومعزاً
__________
انظر الكسر فإن كان ثلثا فأبدل واحدا من
الأتبعة بمسنة وإن كان ثلاثين فمسنتان كذا ذكر
ابن عرفة أيضا وفيه ما تقدم ولابن بشير طريقة
اعترضه فيها المصنف وابن عرفة والله أعلم. ص:
"ومائة وعشرين كمائتي الإبل". ش: لم يذكر حكم
مائتي الإبل وفيها أربعة أقوال مذهب المدونة
وإنه إن وجد الصنفان أو فقدا خير الساعي فإن
وجد أحدهما تعين قال فيها فإذا بلغت مائتين
كان الساعي مخيرا إن شاء أخذ أربع حقاق أو خمس
بنات لبون كان السنان في الإبل أم لا ويجبر رب
المال على أن يأتي بما اختاره الساعي لأن
الخيار له على رب المال أن يأتيه بما شاء إلا
أن يكون في المال سن واحد فليس للساعي غيرها
انتهى. و قال في التوضيح: المشهور أن الساعي
يخير إن وجد أو فقد وإن وجد أحدهما وفقد الآخر
يخير رب المال وهو قريب مما في المدونة قلت:
وتقدم كلام ابن عرفة في ذلك وتقدمت الفروع
التي ذكرها في الطراز فإن بلغت أربعمائة
فالساعي مخير في ثمان حقاق أو عشر بنات لبون
أو أربع حقاق وخمس بنات لبون خلافا لبعض
الشافعية انتهى. وتقدم نحوه في كلام الذخيرة.
ص: "الغنم في أربعين شاة". ش: مبتدأ وخبر وفي
بعض النسخ في كل أربعين والصواب إسقاط لفظة
كل. ص: "جذع أو جذعة". ش: بالذال المعجمة
المفتوحة فيهما. ص: "ولو معزا". ش: مقتضى
كلامه أنه يؤخذ الجذع الذكر من المعز وهو
مقتضى كلامه في المدونة،
(3/91)
وفي مائة وإحدى
وعشرين شاتان وفي مائتين وشاة ثلاث وفي
أربعمائة أربع ثم لكل مائة شاة ولزم الوسط ولو
انفرد الخيار أو الشرار إلا أن يرى الساعي أخذ
المعيبة لا الصغيرة،
__________
والجذع من الضأن والمعز في أخذ الصدقة سواء
ابن يونس يريد أنه يجوز أخذهما في الصدقة ذكرا
كان أو أنثى لكن قال في المدونة بعده ولا يأخذ
المصدق تيسا ويحسبه على رب الغنم وقال ابن
يونس بعده ومن المدونة: قال مالك: يؤخذ الثني
من الضأن ذكرا كان أو أنثى ولا يؤخذ الثني من
المعز إلا الأنثى لأن الذكر منها تيس ولا يأخذ
تيسا والتيس دون الفحل إنما يعد مع ذوات
العوار انتهى. وقال أبو الحسن عن ابن رشد
التيس المنهي عن أخذه قيل هو الذكر من المعز
دون سن الفحل فلا يجوز أن يرضى به الساعي لأنه
أقل من حقه وهو ظاهر المدونة لعده مع ذوات
العوار انتهى. ثم قال وقيل هو الفحل الذي يطرق
فينهى عنه لأنه فوق السن الواجبة فلا يأخذه
إلا ضارب الماشية قال وناقض بعضهم هذا بما
تقدم لأنه قال هنا لا يؤخذ التيس وقال فيما
تقدم يؤخذ الجذع من الضأن والمعز والجذع من
المعز تيس انتهى. واستبعد بعضهم تفسيرا التيس
بالفحل بقوله في المدونة إذا رأى المصدق أخذ
التيس والهرمة وذات العوار فله ذلك فهذا يدل
على أنه ليس من كرائم الأموال و قال في
التوضيح: والتيس هو الذكر الذي يعد للضراب
انتهى. وبهذا فسره غالب أهل المذهب وقال
القاضي عياض في كتاب المشارق والتيس هو الذكر
الثني من المعز الذي لم يبلغ حد الضرب فلا
منفعة فيه ويمكن أن يقال الجذع هو ما أوفى سنة
كما قال المصنف وكذا قال أهل اللغة إنه ما دخل
في الثانية وقد قال بعضهم إنه حينئذ قد يضرب
فيصير فحلا إن كان معدا للضراب وإلا فهو من
الوسط لأنه بلغ إلى حد الضراب فارتفع عن سن
التيس لأنه الذي لم يبلغ إلى عهد الضراب وقد
نقل القرافي عن الأزهري أن التيس ما أتى عليه
الحول والجذع ما دخل في
(3/92)
وضم بخت لعراب
وجاموس لبقر وضأن لمعز وخير الساعي إن وجبت
واحدة وتساويا وإلا فمن الأكثر وثنتان من كل
إن تساويا أو الأقل نصاب غير وقص وإلا فالأكثر
،
__________
الثانية فيكون التيس الذي هو في آخر الأولى
إلا أن هذا مخالف لكلام ابن يونس الثاني
فتأمله وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة التيس
كبير المعز انتهى. ص: "وضم بخت لعراب". ش:
البخت بضم أوله وسكون ثانيه والعراب كجراب قال
الشيخ زروق في شرح الرسالة والبخت إبل ضخمة
مائلة إلى القصر لها سنامان أحدهما خلف الآخر
تأتي من ناحية العراق وقد رأيناها بمصر
والحجاز مع الأروام في حجهم فسبحان الخلّاق
العظيم. ص: "وجاموس لبقر". ش: قال الشيخ زروق
في شرح الرسالة والجواميس بقر سود ضخام صغيرة
الأعين طويلة الخراطيم مرفوعة الرأس إلى قدام
بطيئة الحركة قوية جدا لا تكاد تفارق الماء بل
ترقد فيه غالب أوقاتها يقال إذا فارقت الماء
يوما فأكثر هزلت رأيناها بمصر وأعمالها. ص:
"أو الأقل نصاب غير وقص". ش: مراده هنا
بالنصاب أن يكون الأقل أربعين فأكثر ومعنى
كونه غير وقص أن يكون الأقل هو الموجب للشاة
الثانية بأن يكون أكثر النوعين مائة وعشرين
فأقل والوقص ضبطه عياض في التنبيهات بفتح
القاف قال أبو الحسن: وبعض المتفقهة يقولون
بالسكون وهو خطأ ونقل في التوضيح الإسكان عن
النووي وقال سند الجمهور على تسكين القاف. ص:
"
(3/93)
وثلاث وتساويا
فمنهما وخير في الثالثة وإلا فكذلك واعتبر في
الرابعة فأكثر كل مائة وفي أربعين جاموساً
وعشرين بقرة منهما ،
__________
وإلا فكذلك". ش: أي فإن كان الأقل أربعين وكان
يرى وقص بأن يكون هو الموجب للشاة الثانية
فإنه يؤخذ منه شاة واحدة وتؤخذ الشاتان من
الأكثر وإن كان الأقل غير نصاب أو كان وقصا
فإنه يؤخذ الجميع من الأكثر والله أعلم.
تنبيه: هذا الحكم الذي ذكره المصنف في الغنم
يأتي مثله في الإبل والبقر قال في المدونة بعد
أن ذكر حكم زكاة الغنم وكذلك يجري هذا في
اجتماع الجواميس مع البقر والبخت مع العراب
فإذا وجبت بنتا لبون أو حقتان وتساوى الصنفان
أخذ من كل واحدة وإن لم يتساويا فإن كان في
أقل عدد ما يجب فيه ينت لبون أو حقة أخذ من كل
صنف واحدة وإلا أخذتا من الأكثر ويستغنى هنا
عن الشرط الثاني وهو كونه غير وقص فإنه لا
يتأتى إلا أن يكون الأقل فيه عدد ما تجب فيه
بنت اللبون أو الحقة ويكون وقصا فتأمل وكذلك
إذا وجبت ثلاث بنات لبون أو ثلاث حقاق فإن
تساويا أخذ من كل واحدة وخير في الثالثة وإن
لم يتساويا بأن كان في الأقل عدد ما تجب فيه
بنت اللبون أو الحقة أخذ منه واحد وإلا أخذ
الثلاث من الأكثر. ص: "وفي أربعين جاموسا
وعشرين بقرة منهما". ش: لأن من الستين تقررت
النصب واتحد الوقص فيعتبر كل نصاب على حدته
كالأربعمائة في الغنم فيؤخذ من الجواميس تبيع
عن ثلاثين ويبقى منها عشرة تضم إلى عشرين من
البقر فتكون البقر هي الأكثر فيؤخذ منها تبيع.
فرع: قال سند: إذا كانت الماشية من صنفين إلا
أن أحدهما فيه السن المفروض والآخر ليس فيه
قال الباجي يؤخذ ما وجد عنده وليس للساعي أن
يلزمه ذلك من الجنس الآخر فإن عدم فليس للساعي
أن يكلفه ذلك السن من أي الجنسين شاء وهذا
نظيره في المائتين من
(3/94)
ومن هرب بإبدال
ماشيته أخذ بزكاته ولو قبل الحول على الأرجح
وبنى في راجعة بعيب أو،
__________
الإبل. ص: "ومن هرب بإبدال ماشية". ش: قال أبو
الحسن الصغير: ويعلم ذلك بإقراره والله أعلم.
ص: "وبنى في راجعة بعيب أو فلس". ش: يعني من
كانت عنده ماشية فأقامت عنده مدة ثم باعها
فأقامت عند المشتري مدة ثم رجعت إلى البائع
بعيب ظهر فيها أو بتفليس المشتري فإن البائع
يبني على حولها الذي عنده فيزكيها عند تمام
حول من يوم ملكها أو من يوم زكاها بناء على أن
الرد بالعيب نقض للبيع من أصله وفسر في
التوضيح البناء بأنه يبني على حول نفسه وفسر
الرجراجي البناء بأنه يبني على حول المشتري
والكل صحيح فإنه إن ردت إليه بعد حول من
الشراء فقد مضى لها عنده حول وإن ردت له قبل
ذلك بنى على حوله قال ابن بشير في التنبيه:
اختلف في الرد بالعيب هل هو نقض للبيع من أصله
أو نقض له الآن وكذلك المردود في الفلس وعلى
ذلك اختلف في الماشية ترد بعيب أو بنقص البيع
الفاسد فيها أو يأخذها ربها لفلس المشتري بعد
أن قامت بيده حولا أو أحوالا فهل تزكى على ملك
المشتري أو على ملك البائع وهي يبني ربها على
ما تقدم له فيها أو يستقبل بها حولا وفي كل
ذلك قولان انتهى.
قلت: والقول الثاني بالاستقبال إنما هو تخريج
كما قاله ابن عرفة وغيره والمنصوص في كتاب ابن
سحنون الأول قال في النوادر عنه ومن ابتاع
غنما فأقامت عنده حولا ثم ردها
(3/95)
فلس كمبدل
ماشية تجارة وإن دون نصاب بعين أو نوعها ولو
لاستهلاك كنصاب قنية،
__________
بعيب قبل مجيء الساعي فزكاتها على البائع ولو
ردها بعد أن أدى فيها شاة فليردها ولا شيء
عليه في الشاة التي أخذها المصدق ولو فلس
المشتري فقام الغرماء وجاء الساعي فالزكاة
مبدأة وما بقي للغرماء ولو طلب رب الغنم أخذها
في التفليس وقد أتى المصدق فله أخذ شاة ثم إن
شاء ربها أخذها ناقصة بجميع الثمن انتهى. ص:
"كمبدل ماشية تجارة". ش: إذا أبدلها بالعين
فإنه يبني على حول الثمن الذي اشتراها به إن
لم يكن ترك رقابها إما لأنها دون نصاب أو لم
يحل عليها الحول وإن زكى رقابها وباعها فإنه
يبني على حولها فالمبالغة راجعة إلى إبدالها
قاله صاحب المقدمات وغيره والله أعلم. ص: "ولو
لاستهلاك". ش: يعني أن من استهلك ماشيته التي
للتجارة فأخذ بدلها نصاب عين أو ماشية من
نوعها فإنه يبني على حول الأولى فالمبالغة
راجعة إلى إبدالها بالعين أو بالماشية وصرح به
في المدونة. ص: "كنصاب قنية ش
(3/96)
لا بمخالفها أو
راجعة أو بإقالة،
__________
يعني أن من كان عنده نصاب ماشية للقنية
فأبدلها بنصاب عين أو بنصاب من نوعها فإنه
يبني على حول الأصل فالتشبيه في الصورتين أيضا
ولو أبدلها بدون نصاب من العين فإنه لا زكاة
عليه اتفاقا نقله في التوضيح وكذلك إذا أبدلها
بدون نصاب من نوعها ومفهوم قوله: "نصاب" أنه
لو كان عنده دون النصاب للقنية وأبدلها بنصاب
أنه لا يبني وهذا بالنسبة إلى العين صحيح وأما
بالنسبة إلى نوع الماشية فلا كما صرح به
الرجراجي ولك أن تحمل قوله: كنصاب قنية على
أنه تشبيه في إبدالها بالعين فقط ويكون سكت عن
حكم إبدال نصاب القنية بنوعه ولكل من المحملين
موجب ومسقط والله أعلم. ص: "لا مخالفها". ش:
يعني أنه لا يبني إذا أبدل الماشية بمخالفها
سواء كانت للتجارة أو القنية وسواء أخذت
مبادلة أو
(3/97)
أو عيباً
بماشية وخلطاء الماشية كمالك فيما وجب من قدر
وسن وصنف إن نويت ،
__________
لاستهلاك وقد صرح في المدونة بذلك في
الاستهلاك وغيره واضح. ص: "وخلط الماشية
كمالك". ش: قال ابن عرفة: الخلطة اجتماع نصابي
نعم مالكين فأكثر فيما يوجب تزكيتهما على مالك
واحد انتهى. ص: "وإن نويت". ش: أي الخلطة يريد
ولم يقصد بالخلطة الفرار من تكثير الواجب إلى
تقليله فإن قصدا ذلك فلا أثر للخلطة ويؤخذان
بما كان عليه قال ابن عرفة: ويثبت الفرار
بالقرينة والقرب على المشهور وفي القرب الموجب
تهمتهما خمسة ابن القاسم اختلاطهم لأقل من
شهرين يعتبر ما لم يقرب جدا ابن حبيب أقله شهر
وما دونه لغو محمد أقل من شهر معتبر ما لم
يقرب جدا ابن بشير في كون موجب التهمة شهرين
ونحوهما أو شهرا ثالث الروايات دونه ولا خلاف
عند الإشكال كيمين التهمة ثالثها يحلف المتهم
الباجي لا يؤخذ بنقض حالهما إلا بتيقن فرارهما
وإن شك فيه حملا على ظاهرهما القاضي إن اتهما
حلفا وإلا فلا وأخذ ابن عبد السلام عدم
الإحلاف وإن كان متهما من قولها من قال فيما
بيده قراض أو وديعة أو مديان أو لم يحل الحول
لم يحلف يريد لأنه في العين أمين انتهى. وهذا
الشرط الذي ذكره المصنف نقله في الذخيرة عن
سند ومنه مسألة في أول زكاة الماشية من
العتبية قال سئل عن رجل تصدق على ابن له بغنم
فجازها له ووسمها
(3/98)
وكل حر مسلم
ملك نصاباً بحول،
__________
فإن ضمها إلى غنمه كان فيها شاتان وإن أفردها
كان فيها شاة قال لا يضمها إلى غنمه قال فلو
ضمها وقال للمصدق لما جاء ليس إلا كذا وكذا
وسائرها تصدقت به على ولدي أيصدقه الساعي قال
نعم يصدقه إن كان على صدقته بينة ابن رشد يريد
صدقه على تعيين الغنم إذا شهدت البينة بالصدقة
ولم تعينها وظاهر قول سحنون أنه مصدق وإن لم
تكن له بينة أصلا وهو استحسان على غير قياس
لأنه أقران الغنم كانت له وادعى ما يسقط
زكاتها ثم ذكر الخلاف الآتي. ص: "وكل حر". ش:
قال ابن عرفة: وخلطة العبد سيده وشركته كأجنبي
وقال ابن كنانة يزكي السيد الجميع انتهى. وفي
رسم الجواب من سماع عيسى من زكاة الحبوب
وسألته من العبد يكون شريكا لسيده في الزرع
فلا يرفعان إلا خمسة أوسق هل يكون فيها زكاة
أو يكون خليطا وكذلك في الغنم يكون لكل واحد
منهما عشرون هل عليهما صدقة قال ابن القاسم:
قال مالك: ليس عليهما ولا على أحدهما في ذلك
شيء قليل ولا كثير في زرع ولا غنم قال ابن
القاسم: وهذا مما لا شك فيه ولا كلام واحذر من
يقول غير هذا أو يرويه فإن ذلك ضلال ابن رشد
من يقول إن العبد لا يملك وإن ماله لسيده يوجب
الزكاة عليه في الزرع والغنم وهذا مذهب
الشافعي وأبي حنيفة وفي المدونة لابن كنانة
نحوه قال يخرج الزكاة من جميع ذلك ثم يصنع هو
وعبده ماشاآ انتهى. ص: "ملكاً نصاباً". ش:
تصوره ظاهر.
فرع: قال ابن عرفة: والشريكان كالخليطين ولا
تراد بينهما انتهى. وقال في المدونة يعتبر
النصاب في حصة كل واحد من الشركاء في جملة
أموال الزكاة ونصه في كتاب الزكاة الثاني
والشركاء في كل حب يزكى أو تمر أو عنب أو ورق
أو ذهب أو ماشية فليس على من لم يبلغ حظه منهم
في النخيل والزرع والكروم مقدار الزكاة زكاة
انتهى. وفي المقرب قال مالك: والزكاة واجبة
على الشركاء في النخيل والزرع والكروم
والزيتون إذا بلغ حظ كل منهم ما فيه الزكاة
ومن لم يبلغ فلا شيء انتهى. وقال في الشامل:
ولا زكاة على شريك حصته دون نصاب في عين
وماشية وحرث انتهى.
ص: "بحول". ش: يعنى أن يتفقا في الحول وزاد
بعضهم اتحاد نوعي الماشية وإنما
(3/99)
واجتمعا بملك
أو منفعة في الأكثر من ماء ومراح ومبيت وراع
بإذنهما وفحل برفق
__________
تركه لوضوحه وإلا فلا بد منه. ص: "بملك أو
منفعة". ش: أي بملك الرقبة أو اشتراك في
المنفعة وهو راجع للخمسة كما يظهر من كلام ابن
بشير وغيره. ص: "ومراح". ش: ضبطه عياض بضم
الميم والجوهري إن كان بمعنى المبيت فبالضم
وبمعنى موضع الاجتماع للرواح للمبيت فبالفتح
والمعنى الثاني هو المراد في كلام المصنف
لذكره المبيت. ص: "برفق ش
(3/100)
وراجع المأخوذ
منه شريكه بنسبة عدديهما ولو انفرد وقص
لأحدهما،
__________
والظاهر رجوعه للجميع قال في الشامل: فإن
خلطوها للرفق فكالمالك الواحد. ص: "ولو انفرد
وقص لأحدهما". ش: تقدم في كلام المدونة أن
الوقص هو ما بين الفريضتين في جمع الماشية
وقال في التنبيهات الوقص بفتح القاف ما لا
زكاة فيه ما بين الفرضين في الزكاة وجمعه
أوقاص وقال أبو عمران هو ما وجب فيه الغنم
كالخمس من الإبل إلى العشرين وقيل هو في البقر
خاصة قال سند: الجمهور على تسكين القاف وقيل
بفتحه لأن جمعه أو قاص كجمل وأجمال وجبل
وأجبال ولو كانت ساكنة لجمع على أفعل مثل كلب
وأكلب وفلس وأفلس ولا حجة فيه لأنهم قالوا حول
وأحوال وهول وأهوال وكبر وأكبار انتهى. وفي
عده كبر وأكبار في سلك ذلك نصر لأن كبر بفتح
الباء فلا ينهض دليلا لأنه من باب جمل وجبل
والله أعلم. وقال في الجوهري وقص العنق كسرها
ووقصت به راحلته وبفتح القاف قصر العنق وواحد
الأوقاص في الصدقة ما بين الفريضتين وكذلك
الشنق وقيل الوقص في البقر والشنق في الإبل
وتقول توقصت به فرسه إذا نزا نزوا يقارب الخطو
واعلم أن هذه اللفظة معلومة قبل الشرع فيجب أن
تكون لمعنى لا تعلق له بالزكاة التي لم تعلم
إلا من الشرع واستعيرت من ذلك المعنى اللغوي
لهذا المعنى الشرعي وذلك يحتمل أن يكون من وقص
العنق الذي هو قصره لقصوره عن النصاب أو من
وقصت به فرسه إذا قاربت الخطو لأنه يقارب
النصاب قال سند: ولمالك والشافعي في تعلق
الزكاة بالوقص قولان انتهى. من الذخيرة قال في
التوضيح: والشنق بفتح الشين المعجمة والنون
قاله في التنبيهات قال مالك: وهو ما يزكى من
الإبل بالغنم انتهى. وما ذكره في التوضيح في
الشنق عن القاضي عياض مخالف لما ذكره الجوهري
وحكاه عنه القرافي في ذخيرته فإنه جعل الشنق
مرادفا للوقص وهو ما بين الفريضتين من كل ما
تجب فيه الزكاة وفسره في النهاية بذلك أيضا
قال وإنما سمي شنقا لأنه لم يؤخذ منه شيء
فأشنق إلى ما يليه أي أضيف وجمع ثم قال
(3/101)
في القيمة
كتأول الساعي الأخذ من نصاب لهما أو لأحدهما
وزاد للخلطة لا غصباً أولم يكمل لهما نصاب وذو
ثمانين خالط بنصفيها ذوي ثمانين أو بنصف فقط
ذا أربعين كالخليط الواحد عليه شاة وعلى غيره
نصف بالقيمة،
__________
والعرب تقول إذا وجبت على الرجل شاة في خمس من
الإبل قد أشنق أي وجب عليه شنق فلا يزال مشنقا
إلى أن تبلغ خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض وقد
زال عنه اسم الإشناق ويقال له معقل أي مؤد
للعقال مع بنت المخاض فإذا بلغت ستا وثلاثين
إلى خمس وأربعين ففرض أي وجبت في إبله الفريضة
انتهى. فكأنه والله أعلم. سمي شنقا لكونه أشنق
إلى غيره أي أضيفت الإبل إلى الغنم فزكيت بها
والله أعلم. ص: "في القيمة". ش: يريد ولو وجب
الرجوع بشاة كاملة كما هو ظاهر قول ابن القاسم
في المدونة خلافا لأشهب وأما إذا كان الواجب
جزءا فتتعين القيمة ابن عرفة اتفاقا وشاذ ابن
الحاجب ونقله ابن رشد وابن شاس لا أعرفه إلا
قول أشهب ليس لمن أخذت منه حقة عنهما أخذ
خليطه بجزء وحقه ومن قال له أن يعطيه جزءا
منها لم أعبه ولم يؤخذ من هذا لأنه لم يجزم به
بل جزم بنقيضه سلمناه مدلوله خيار المأخذ ومنه
لا لزومه انتهى.
فرع: قال ابن عرفة: وفي كون القيمة يوم الأخذ
أو يوم القضاء نقل الباجي عن ابن القاسم
وتخريج الشيخ على أهل المذهب انتهى. واقتصر في
الشامل على الأول والله أعلم. ص: "كالخليط
الواحد". ش: هذا جواب عن المسألتين يؤخذ منه
حكمها وقوله بعده عليه شاة إلى آخره زيادة
بيان في الأول ولا يمكن جعل بيانا لهما فإن
مذهب المدونة إنما يلزم في الثانية شاة على
صاحب الثمانين ثلثاها وعلى صاحب الأربعين
ثلثها قال في التوضيح: وهو
(3/102)
ـــــــ
المشهور. ص: "بالقيمة". ش: يحتمل أن يريد أن
تراجع الخلطاء يكون بالقيمة أيضا في هذه
المسألة كما أشار إليه أولا ولا كبير فائدة
فيه حينئذ ويحتمل أن يشير إلى أن الساعي إذا
وجب له جزء من شاة أو بعير يأخذ القيمة قال
ابن الحاجب: بعد هذه المسألة وإذا وجب جزء
(3/103)
وخرج الساعي
ولو بجذب طلوع الثريا بالفجر،
__________
تعين أخذ القيمة لا جزء على المشهور قال ابن
الحاجب بعد هذه المسألة: وإذا وجب جزء تعين
أخذ القيمة لا جزء على المشهور قال ابن فرحون:
يعني إذا وجب للساعي على أحد الخليطين جزء شاة
أو جزء بعير فإن على الساعي أن يأخذ منه قيمة
ذلك وهذا معنى قوله تعين أخذ القيمة وقيل يأتي
بشاة يكون للساعي جزؤها والأول أصح إذ لا بد
للشاة من البيع والثمن هو القيمة وليس هذا مثل
من وجبت عليه شاة فدفع قيمتها إذ لا ضرورة
بخلاف هذه والله أعلم. ص: "وخرج الساعي ولو
بجدب طلوع الثريا بالفجر". ش: مقتضى كلام غير
واحد من أهل المذهب أن زكاة الماشية تؤخذ على
هذا الوجه ولو أدى لسقوط عام في نحو ثلاث
وثلاثين سنة قال ابن عبد السلام: الظاهر أنه
يطلب منهم في أول السنة وهو المحرم في أي
فصل:كان لأن الأحكام الشرعية إنما هي منوطة في
الغالب بالسنين القمرية ولو قلنا بما قال أهل
المذهب لأدى إلى سقوط عام في نحو ثلاثين عاما
وما قلناه هو مذهب الشافعي انتهى. و قال في
التوضيح: علق مالك الحكم هنا بالسنين الشمسية
وإن كان يؤدي إلى إسقاط سنة في نحو ثلاثين سنة
لما في ذلك من المصلحة العامة انتهى. وفي
الذخيرة في الاحتجاج للشافعي ولأن ربطه
بالثريا يؤدي للزيادة في الحول زيادة السنة
الشمسية على القمرية ثم قال في الجواب إن ذلك
مغتفر لأجل أن الماشية تكتفي في زمن الشتاء
بالحشيش عن الماء فإذا أقبل الصيف اجتمعت على
المياه فلا تتكلف السعاة كثرة الحركة ولأنه
عمل المدينة انتهى. وقال ابن عرفة ردا على ابن
عبد السلام: البعث حينئذ لمصلحة الفريقين
لاجتماع الناس للمياه لا لأنه حول لكل الناس
بل كل على حوله القمري فاللازم فيمن بلغت من
أحواله من الشمسية ما تزيد عليه القمرية حولا
كونه في العام الزائد كمن تخلف ساعيه لا سقوطه
انتهى. والظاهر خلاف ما ذكره وإلا لم يظهر
لكون الساعي شرط وجوب فائدة: وقد قال في
المدونة فيمن مات بعد الحول وقبل مجيء
(3/104)
وهو شرط وجوب
إن كان وبلغ،
__________
الساعي كأنه مات قبل حولها إذ حولها مجيء
الساعي مع مضي عام انتهى. فهذا يعلم قطعا أن
عنده حولا فكان اللازم أن يزكيه.
وقال مالك في كتاب ابن المواز: له أن يذبح
ويبيع بعد الحول قبل مجيء الساعي وإن نقص ذلك
من زكاتها إلا من فعل ذلك فرارا فيلزمه ما فر
منه وقال فيه أيضا قال مالك: وإذا تخلف عنه
الساعي فلينتظره ولا يخرج شيئا وكذلك إن حل
الحول بعد أن مر الساعي به بيسير إن كان
الإمام عدلا فإن لم يكن عدلا فليخرج للحول إن
خفي له فإن خاف أن يؤخذاه انتظره وقال ابن
القاسم إن عزل ضحايا لعياله قبل مجيئه فإن
أشهد عليها يريد أشهد أنها لعياله لفلان كذا
ولفلان كذا فلا زكاة فيها وإن جاء وهي حية بعد
إلا أن يكون لم يشهد فليزكها انتهى. من ابن
يونس ونقله القرافي عن سند كأنه المذهب وفي
المدونة نحوه إذ فيها على ما نقل ابن يونس وما
ذبحه الرجل بعد الحول أو مات قبل قدوم الساعي
ثم قدم لم يحاسبه بشيء من ذلك وإنما يزكي ما
وجد بيده حاضرا انتهى. ونقل ابن عرفة كلام ابن
المواز ونصه وروى محمد لربها الأكل منها البيع
والهبة بشرط حوزها بعد الحول قبل مجيء الساعي
إن لم ير فرارا فيحسب انتهى. وفي الذخيرة لو
مر الساعي بالوارث بعد بعض الحول فتأمله للحول
الثاني قاله مالك في الكتاب وقال بعض الشافعية
يوصي بقبضها عند كمال حولها ويصرفها وهو خلاف
المعهود فإن كل شهر يتجدد فيه كمال أحواله ولم
تكن السعاة تتجدد في كل ذلك بل كانوا يقتضون
مرة في كل عام انتهى. وإنما ذكرت هذه النصوص
بلفظها ليستفاد حكمه ويظهر الأخذ منها والله
أعلم.
تنبيهات: الأول: طلوع الثريا بالفجر قال في
التنبيهات في منتصف شهر أيار وهو مايه وقيل
لاثنتي عشرة ليلة وهذا على حساب المتقدمين
وطلوعها ليوم ثاني عشرين من ايار ومايه وهو
سابع عشرين بشنس والشمس في عاشر درجة من برج
الجوزاء وهو أول فصل:الصيف على حساب المغاربة
والفلاحين وعلى حساب غيرهم أواخر الربيع.
الثاني: قال في المدونة ومن نزل به الساعي
فقال له إنما أفدت غنمي منذ شهر صدق ما لم
يظهر كذبه قال مالك: ولا يحلف وقد أخطأ من
يحلف الناس من السعاة وقال محمد يحلف قال في
الذخيرة: قال عبد الوهاب: المعروف بالديانة لا
يطالب ولا يحلف والمعروف بمنع الزكاة يطالب
بها ولا يحلف والمجهول الحال في الزكاة ولو
عرف بالفسق يحلف وفيه خلاف وذكر ابن رشد في
تحليف من ادعى ما يسقط الزكاة ثلاثة أقوال:
ثالثها
(3/105)
ـــــــ
يحلف المتهم وتأول بعضهم أن الثالث تفسير قال
وهذا التأويل صحيح فيمن ظهر له مال وادعى ما
يسقط الزكاة وأما من لم يظهر له مال وادعى
عليه الساعي أنه عين ماله فإن كان لا يتهم لم
يحلف باتفاق وإن كان ممن يتهم فقولان انتهى.
من أول سماع ابن القاسم من زكاة الماشية.
الثالث: في الرسم الثاني منه لا يحل للساعي أن
يستضيف من يسعى عليه إلا من كان مشهورا
بالضيافة لكل أحد فيكره للذريعة وخوفا من
الزيادة في إكرامه للسعاية ولا يستعير دوابهم
وقال مالك: وشرب الماء خفيف ابن عرفة روي علي
وابن نافع وصديقه كغيره وروى سحنون لا بأس أن
يحمل ما خف على بعير من الصدقة.
الرابع: قال ابن رشد في آخر سماع أشهب: لكل
أمير إقليم قبض صدقات إقليمه دون من سواه من
الأمراء وليس لساعي المدينة أن يأخذ ممن مر به
من أهل العراق قال سحنون في رجل له أربعون شاة
في أربعة أقاليم: يأخذ كل أمير ربع شاة يأتيه
بشاة يكون له ربعها وإن أخذ منه كل أمير قيمة
ربع شاة أجزأ وإن كان له خمسة أوسق في كل
إقليم وسق أعطى لكل أمير زكاة وسق وإن كان
الولاة غير عدول أخرج ما لزمه كما ذكرنا.
الخامس: إذا حال الحول والإبل في سفر فلا
يصدقها الساعي ولا ربها حتى تقدم فإن ماتت فلا
شيء عليه فيها ولو علم أنها ماتت بعد الحول
قال ابن رشد: إنما لم يخرج زكاتها لأنه لا
يدري ما حدث بها وإذا ماتت فلا شيء عليه لأنه
لم يفرط ولا يلزمه أن يخرج زكاتها إلا منها
انتهى. بالمعنى من سماع عيسى وقاله في
النوادر.
السادس: قال سند: تخرج السعاة للزرع والثمار
عند كمالها نقله في الذخيرة.
السابع: لا يجب على الساعي الدعاء لمن أخذ منه
الصدقة خلافا لداود قاله في الذخيرة. وفي
القرطبية إنه مستحب وقال في الذخيرة: واستحسنه
الشافعي لقوله تعالى: {خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} إلى
قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة:
103] أي ادع لهم لنا أنه عليه الصلاة والسلام
والخلفاء بعده لم يكونوا يأمرون بذلك السعاة
بل ذلك خاص به عليه الصلاة والسلام لقوله
تعالى: {إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}
[التوبة: 103] لهم فهذا سبب الأمر بذلك انتهى.
والله أعلم. وقوله ولو بجدب مقابله قول أشهب
في العتبية والمجموعة لا تخرج السعاة سنة
الجدب وقال المازري في المعلم في أوائل الزكاة
وللإمام تأخير الزكاة إلى الحول الثاني إذا
أداه اجتهاده إلى ذلك انتهى. وظاهره أنه
يتفرع: على المشهور من خروجهم سنة الجدب ويؤخذ
ذلك من كلام ابن رشد في سماع أشهب وإذا خرجوا
سنة الجدب فيأخذون الواجب ولو كانت الغنم
عجافا خلافا لما اختاره بعض الشيوخ أنه لا
يؤخذ منها وقال ابن عبد السلام هو الصحيح
والله أعلم. والجدب بفتح الجيم وسكون الدال
المهملة ضد
(3/106)
وقبله يستقبل
الوارث ولا تبدأ إن أوصى بها،
__________
الخصب بكسر الخاء المعجمة وسكون الصاد المهملة
قاله في الصحاح والقاموس إن كان وبلغ قال ابن
عرفة: فإن لم تكن سعاة أخرجت كالعين اللخمي
اتفاقا الشيخ عن كتاب ابن سحنون وكذلك من لم
تبلغه السعاة انتهى. وقاله ابن الحاجب قال في
التوضيح: وما حكاه من الاتفاق حكاه اللخمي
انتهى. ونقل في الذخيرة عن سحنون أنه يزكي بعد
حول من مرور الساعي على الناس ويتحرى أقرب
السعاة وهذا إذا كان ببلده من يصرفها له وإلا
نقلوها لحواضر البلاد إن كانت تصل وإن لم تصل
فتباع ويشترى مثلها كما سيقوله المصنف في
مصروف الزكاة قال في سماع ابن القاسم أو يدفع
له قيمتها للضرورة والله أعلم. ص: "وقبله
يستقبل الوارث". ش: قال في التوضيح: إذا مات
رب الغنم بعد الحول قبل مجيء الساعي لم يجب
على الوارث إخراجها عنه لكن يستحب لهم
إخراجها. ص: "ولا تبدأ إن أوصى بها". ش: أي في
الثلث ويبدأ عليها فك الأسير قال أبو الحسن:
هي مرتبة الوصية بالمال ذكره في زكاة الثمار
وقال في المدونة وتفرق على المساكين وفي
الأصناف الذين ذكر الله وليس للساعي قبضها
لأنها لم تجب على الميت أبو الحسن كأنه أراد
أن يسلك بها مسلك الزكاة فلذلك صرفت مصرفها
قال وظاهر المدونة سواء كان يعتقد أنها واجبة
عليه أم لا قال بعض الشيوخ معناه كأن يعتقد
أنها لا تلزمه قال اللخمي: ولو علم أن الوصية
من الميت لأنه ظن أن الزكاة واجبة عليه مثل أن
يقول أوجبت علي زكاة ماشيتي لأن الحول حال علي
أو ما أشبه ذلك مما يعلم أنه لم يقصد التطوع
لم يكن على الورثة أن ينفذ وصيته على أصل
المذهب أن وجوبها معلق بمجيء الساعي وهذا
الجواب فيمن له سعاة وأما من لا سعاة لهم فإنه
يجري الجواب فيها على زكاة الزرع والثمار
فتخرج الزكاة منها إذا مات بعد الحول
(3/107)
ولا تجزئ،
__________
وصي بإخراج الزكاة أو لم يوص انتهى. وما قاله
اللخمي ظاهر. ص: "ولا تجزي". ش: أي إذا أخرجها
قبل مجيء الساعي وهذا ليس خاصاً بالتفريع على
المشهور في أن مجيء الساعي شرط وجوب بل وعلى
مقابله أيضا في أنه شرط أداء لأن ما فعل قبل
حصول شرط الأداء لغو وقد بحث هذا البحث ابن
عبد السلام والمصنف وجزم به ابن عرفة.
تنبيهات: الأول: قال ابن عبد السلام: لا يجزئ
إخراجها قبله لأنه حينئذ كالآتي بالتطوع عن
الواجب وإذا لم يكن مانع سوى ما ذكر فلا يبعد
أن يخرج الخلاف في تقديم الزكاة قبل الحول
انتهى. وظاهر إطلاقاتهم عدم الإجزاء وعلله
القرافي بعلة أخرى لأنه كدفع مالك السفيه له
بغير إذن وليه.
الثاني: هذا إذا كان الإمام عدلا قال في
المدونة وإذا كان الإمام غير عدل فليضعها
مواضعها إن خفي له ذلك وأحب إلي أن يهرب بها
عنهم إن قدر وإن لم يقدر أجزأه ما أخذوا ابن
عرفة وإن خاف أخذه انتظره.
الثالث: لو ذبح الشاة الواجبة عليها وصدقها
لحما فقال ابن القاسم لا يجزيه وقال أشهب وابن
المواز: تجزيه نقله البساطي عن النوادر وقال
البرزلي: سئل ابن أبي زيد عمن وجبت عليه شاة
في زكاة غنمه فذبحها وتصدق بها على المساكين
فقال لا تجزئه لذبحه إياها فكيف إن أمر رجلا
فقال له اذبحها وتصدق بها قلت: فظاهره لا
تجزئه لأن يد وكيله كيده
(3/108)
كمروره بها
ناقصة ثم رجع وقد كملت فإن تخلف وأخرجت أجزأ
على المختار،
__________
بدليل ما في الرهون انتهى. ص: "كمره بها ناقصة
ثم رجع وقد كملت". ش: أي بولادة أو بإبدالها
بنصاب من نوعها فهذا على الخلاف وأما لو كملت
بفائدة بشراء أو هبة أو صدقة أو إرث فلا خلاف
في أنها لا تجب الزكاة حينئذ.
فرع: لو ضل بعير من النصاب بعد الحول فمر به
الساعي ناقصا فلا زكاة ثم إن وجد بعده فهل
يزكيه حينئذ ولا ينتظر الساعي وهو قول ابن
القاسم في سماع عيسى وقال محمد أحب إلي أن
ينظر فإن كان صاحبه أيس منه فليجعل السنة من
يوم يجده وإن كان منه على رجاء فليتركه مع
الأربعة للحول الأول كزكاة الفطر عن العبد
الآبق يعني يزكيه قبل أن يجده قال ابن رشد:
وفيها نظر واختار أن ينظر فإن كان راجيا له
زكاه حين يجده وإن كان يائسا منه استقبل به
كالفائدة قاله في رسم لم يدرك من سماع يحيى
ونقل ابن عرفة الثلاثة الأقوال ونصه ولو ضل
بعض النصاب بعد حوله فمر به الساعي ناقصا ثم
وجد بعده ففي زكاته وانتقال حوله ليومئذ لا
ينتظر الساعي في الحول الثاني أو إن أيس منه
والمرجى على حوله الأول ثالثها المرجو على
حوله والميؤس منه فائدة: فلا زكاة لابن القاسم
ومحمد وابن رشد انتهى. ص: "فإن تخلف وأخرجت
أجزأ على المختار". ش: يعني إذا كان السعاة
موجودين وشأنهم الخروج وتخلفوا في بعض الأعوام
وليس مراده ما إذا لم تكن سعاة أصلا فإنها تجب
بمرور الحول اتفاقا كما تقدم عند قوله: إن كان
وبلغ واكتفى المصنف عن هذا بمفهوم قوله: إن
كان وبلغ لأنه عنده كالمنطوق وأما إذا كان شأن
السعاة الخروج وتخلفوا في بعض السنين فهل يجوز
إخراج الزكاة ابتداء أم لا لم يصرح المصنف
بحكمه وقال الرجراجي إن كان ذلك اختيارا لغير
عذر فإنهم يخرجون زكاتهم ولا ضمان عليهم فيما
فعلوه ولا ينبغي دخول الخلاف في هذا الوجه وإن
كان اضطرارا لفتنة فهل يخرجونها وهو قول
القابسي أو لا يخرجونها وهو قول عبد الملك
انتهى. وذكر ابن عرفة ثلاثة أقوالالأول: جواز
التأخير وعزاه لعبد الملك وأنه إن أخرجها لم
تجزه والثالث أنه لا ينتظر ويزكيها أربابها
وعزاه لاختيار اللخمي ونص كلام ابن عرفة في
إجازة تأخيرها ولو أعواما لمجيئه وإيجابه
إياها ثالثها لا ينتظر لرواية اللخمي مع نقله
إن أتاه الساعي بعد إخراجها لتخلفه أجزأ أو
نقله عن عبد الملك لا تجزئه واختاره محتجا بأن
السعي وكيل.
(3/109)
وإلا عمل على
المزيد والنقص للماضي بتبدئة العام الأول إلا
أن ينقص الأخذ النصاب أو الصفة،
__________
قلت في النوادر روى محمد من تخلف ساعيه انتظره
وكذا إن حل حوله بعد نزوله بيسير إن كان
الإمام عدلا وإلا أخرج لحوله إن خفي له وإن
خاف أخذه انتظره انتهى. وفي الذخيرة إن تأخر
الساعي قال مالك: انتظره انتهى. ولعل هذا هو
القول الأول في كلام ابن عرفة وهو الظاهر.
تنبيه: قال في النوادر وليس على أهل الحوائط
حمل صدقاتهم ولتؤخذ منهم في حوائطهم وكذلك
أرباب الزرع وعلى السعاة أن يأتوا أرباب
الماشية على مياههم ولا يقعدون في قرية
ويبعثون إليهم وأما من بعد من المياه التي يمر
بها الساعي فعليه جلب ماشية فإن ضعفت فلا بد
من ذلك أو يتفقوا على قيمتها ولا بأس بالقيمة
في مثل هذا انتهى. يريد إذا لم يكن بمحلهم
فقراء قاله اللخمي والرجراجي وغيرهما. ص:
"وإلا عمل على المزيد والنقص في الماضي بتبدئة
العام الأول إلا أن ينقص الأخذ النصاب أو
الصفة فيعتبر". ش: يعني وإن تخلف الساعي يريد
ولماشية نصاب بدليل قوله: كتخلفه عن أقل ولم
تخرج الزكاة في مدة تخلفه فإنه يعمل في
الماشية على ما يجدها أي يزكيها الماضي السنين
على ما يجدها من النقص والزيادة ابن عرفة ولا
يضمن زكاة مدة تخلفه ولا نقصها ولو بذبح أو
بيع الباجي ما لم يرد فرارا انتهى. قال في
المدونة فإن رجعت إلى ما لا زكاة فيه فلا صدقة
فيها انتهى. ويزكيها الماضي السنين على
زيادتها ابن يونس عرف عددها في كل سنة أم لم
يعرف وقوله بتبدئة العام الأول يعني أنه يزكي
ما وجده عن أول سنة ثم عن الثانية ثم عن
الثالثة قال في التوضيح: قال اللخمي: ولا خلاف
فيمن تخلف عنه الساعي أنه يبتدىء بالعام الأول
واختلف قوله في الهارب قوله: إلا أن ينقص
الأخذ النصاب أو الصفة فيعتبر مستثنى من قوله:
"عمل
(3/110)
ـــــــ
على المزيد والنقص لماضي السنين" يعني أنه
يأخذ الزكاة عما وجده لماضي الأعوام مبتدئا
بالأول إلا إذا نقص الأخذ النصاب فيعتبر ذلك
النقص وتسقط الزكاة حينئذ وإذا نقص الأخذ صفة
الواجب اعتبر وأخذ غيره ولو قال فإذا نقص
الأخذ النصاب أو الصفة اعتبر كان أوضح.
تنبيهات: الأول: لا إشكال أنه إذا وجدها على
ما فارقها عليه أنه يزكيها الماضي السنين على
ما وجدها مبتدئا بالأول فإذا نقص الأخذ النصاب
أو الصفة اعتبر كما لو غاب عن ثلاث وأربعين
شاة أربع سنين ثم وجدها كذلك فإنه يأخذ منها
أربعا ولو كانت أربعين حين غاب ووجدها كذلك
لأخذ واحدة وتسقط الزكاة في باب السنين.
الثاني: إذا غاب عنها الساعي وهي نصاب ثم نقصت
عن النصاب ثم عادت إلى النصاب ثم أفاد إليها
فائدة أخرى حتى صارت ألفا فإن كان عودها إلى
النصاب بولادة أو بإبدال ففي كتاب محمد تزكى
الألف لجميع الأعوام على ما هي عليه اليوم
وقال محمد لا آخذ بهذا بل يأخذ منها من يوم
تمت ما فيه الزكاة ويسقط ما قبله قال الرجراجي
والقول الأول أصح وأما إن كان عوده للنصاب
إنما هو بفائدة فإنما تزكى من يوم بلغت النصاب
إلى مجيء الساعي اتفاقا نقله ابن عرفة والمصنف
وأبو الحسن وابن يونس وأصله في النوادر وسيأتي
كلام ابن عرفة في القولة التي بعد هذه.
الثالث: قال في المدونة وإن غاب الساعي عن خمس
من الإبل خمس سنين ثم أتى فيأخذ منه خمس شياة
لأن زكاة الإبل هنا من غيرها زاد اللخمي فلم
يتغير الفرض ولو كان فقيرا ولا يجد ما يزكي
عنها إلا أن يبيع بعيرا فإنه يزكيها بخمس شياه
انتهى. ونحوه في النوادر.
الرابع: قال في المدونة أيضا وإن غاب عن خمس
وعشرين من الإبل ثم أتى فليأخذ لعام بنت مخاض
ولأربع سنين ستة عشر شاة أبو الحسن ظاهر
الكتاب أخذ بنت المخاض منها أو من غيرها وعليه
حمله ابن يونس فقال يريد قوله: ستة عشر أي
أربع شياه لكل سنة من عشرين من الإبل والأربع
الباقية وقص سواء أخذها منها أو من غيرها وقال
عبد الملك إنما هذا إذا أخذها من عددها وإن لم
يكن منها فليأت في العام الثاني بمثل ما أخذ
منه في الأولى الشيخ وقول عبد الملك خلاف
وهكذا قال اللخمي: اختلف في المسألة على قولين
فذكر قول ابن القاسم ثم قال وقول عبد الملك
انتهى. وللخمي فيها قول ثالث اختاره يفرق فيه
بين أن تكون بنت المخاض موجودة في الإبل في
العام الأول وعزلها للمساكين أولا ابن عرفة
وروى محمد إن تخلف عن أربعين تيسا وحده سنين
فإنما عليه شاة ولا حجة للساعي أن زكاتها من
غيرها.
قلت: لأنها من نوعها فلا يشكل تصورها بأن
بقاءها ينقلها عن سنها لجواز بدلها كل
(3/111)
فيعتبر كتخلفه
عن الأقل فكمل وصدق،
__________
عام بأصغر منها انتهى. قال في الذخيرة: ولو
تلف من الخمس والعشرين بعير قبل مجيء الساعي
لم يزك إلا بالغنم لأن الوجوب أو الضمان إنما
يتقرر في السنة الأولى بمجيئه انتهى.
الخامس إذا غاب عنه الساعي وعنده نصاب ثم باعه
ثم جاء الساعي بعد أعوام فإن كان باعه بدون
نصاب فلا شيء عليه قولا واحدا وإن كان باعه
بنصاب فأكثر فإنه يزكي الثمن عند كل سن كان
يلزمه أن يزكي الماشية عنها إلا أن ينقص الثمن
عن النصاب وقيل إنما يزكيه لعام واحد وكذا نقل
أبو الحسن وغيره وعزا ابن عرفة الأول للقرينين
والثاني لمحمد ونصه ولو باع من تخلف عنه ساعيه
بسنين غنم تجر بنصاب عين ففي زكاته لعام أو
لكل عام تزكى له لو بقيت مسقطا من كل عام زكاة
ما قبله ما لم ينقص عن نصاب نقل الشيخ عن
القرينين ومحمد انتهى.
السادس: قال في النوادر في الأسير بأرض الحرب
يكسب مالا وماشية ولا يحضره فقراء مسلمون
فليؤخر العين حتى يخلص أو يمكنه بعثها إلى أرض
الإسلام وهي في الماشية كمن تخلف عنه الساعي
لا يضمن فإن تخلص بها أدى لماضي السنين إلا ما
نقصت الزكاة انتهى. ونحوه في الذخيرة ولم
يقيده بالأسير بل قال لو كان بأرض الحرب فيشمل
الأسير ومن أسلم بها ونحوه والله أعلم.
السابع: إذا غصبت الماشية وردها الغاصب ولم
تكن السعاة تمر بها فإنه يزكيها لما مضى على
ما يجدها إلا ما نقصته الزكاة كالذي يغيب عنه
الساعي لا كالهارب ولو غصب بعض الماشية وبقي
دون النصاب لم يزكه الساعي فإذا عادت زكى
الجميع لماضي السنين على ظاهر المذهب وعلى
القول بتزكية المغصوب لعام يزكي الجميع لحول
واحد انتهى. من الذخيرة. ص: "كتخلفه عن أقل
فكمل وصدق". ش: التشبيه في كونه يعتبر هنا وقت
الكمال فمن وقت كمالها نصاباً يزكيها على ما
يجدها وليس المعنى أنه يزكي كل سنة ما فيها
وذلك كالصريح في كلام اللخمي وهو ظاهر عبارة
التوضيح وابن عرفة وغيرهما ومقابل ما ذكر
(3/112)
لا إن نقصت
هارباً وإن زادت له فلكل ما فيه بتبدئة الأول
__________
المصنف أنها تزكى على ما يجدها الساعي لجميع
الأعوام الكاملة وهذا الخلاف إنما هو إذا كملت
بولادة أو بإبدالها بماشية من نوعها وإن كانت
أيضا كملت بفائدة فلا خلاف أن المعتبر من حين
وفهم من قوله: كتخلفه عن أقل أن المراد أنه
وقت تخلف الساعي أقل من نصاب ولو كان قبل يزكي
وهو كذلك وفي كلامه في النوادر إشارة إلى ذلك
ونقل ابن عرفة باختصار ونصه فلو تخلف عن دون
نصاب فتم بولادة أو بدل ففي عده كاملا من يوم
تخلفه أو كماله مصدقا بها في وقته قولا اشهب
وابن القاسم مع مالك بناء على أن سني تخلفه
كسنة أولا ولو كمل بفائدة فالثاني اتفاقا
وعليه لو تخلف عن نصاب ثم نقص ثم هو في
الصورتين خلافا ووفاقا والقولان هنا لابن
القاسم ومحمد مع اللخمي وقول الشيخ لعل محمدا
عني أنها وإن كانت تزكى قبل ذلك إلا أن الساعي
غاب عنها وهي أقل من نصاب بعيد ولذا لم يذكره
اللخمي انتهى. تنبيه: قال في النوادر وإذا أتى
الساعي بعد غيبته سنين فقال له رجل معه ألف
شاة إنما أخذتها من منذ سنة أو سنتين فهو مصدق
بغير يمين ويزكيه لما قال انتهى. يعني يزكيه
على ما يجده لما قال من السنين وقول المصنف
وصدق يعني أن صاحب الماشية مصدق في الوقت الذي
كملت نقله في التوضيح عن الباجي والله أعلم.
ص: "لا إن نقصت هاربا وإن زادت فلكل ما فيه
بتبدئة الأول". ش: هذا مخرج من قوله: عمل على
المزيد والنقص يعني هذا فيمن تخلف عنه الساعة
لا في الهارب فإنه في النقصان يعمل على ما
فارقها الساعي عليه ولا يصدق الهارب في نقصها
وفي الزيادة لكل سنة ما فيها وقوله بتبدئة
الأول راجع للزيادة والنقصان معا وإن وجدها
على ما فارقها زكاها كذلك لماضي الأعوام
مبتدئا بالأول فالأول فإن نقص الأخذ النصاب أو
الصفة اعتبر.
(3/113)
وهل يصدق
قولان،
__________
تنبيهات: الأول: قولهم لا يصدق في النقص يريد
إذا لم تقم بينة فينبغي أن لا يؤخذ منه كما
صرح به في النوادر أيضا فقد قال ابن عبد
السلام: هذا بين إذا قدر عليه وأما إن جاء
تائبا أو قامت له بينة فينبغي أن لا يؤخذ منه
إلا ما كانت عليه ثم قاله في موضع ثان قال وهو
ظاهر كلام بعض الشيوخ فاعترضه ابن عرفة في
التائب ولم يعترضه فيمن قامت له البينة قال
وفيها القدرة عليه كتوبته ونقل ابن عبد السلام
تصديق التائب دون من قدر عليه لا أعرفه إلا في
عقوبة شاهد الزور والزنديق والمال أشد من
العقوبة لسقوط الحد بالشبهة دونه.
الثاني: قال في النوادر قال ابن القاسم وأشهب
عن مالك والفار عن الساعي ضامن لزكاة ماشيته
فأما من يتبع الكلا أو تخلف عنه الساعي فلا
يؤخذ إلا بزكاة ما وجد انتهى.
الثالث: قال ابن الحاجب: وتتعلق بذمة الهارب
من السعاة اتفاقا قال ابن عبد السلام: المراد
بتعلقها بالذمة وجوب أدائها الماضي السنين لا
تعلق الديون لأنه سيأتي أن المشهور تعلقها
بأعيان الماشية وقبله في التوضيح وقال ابن
فرحون عن والده بل تتعلق بالذمة تعلق الديون
وهو ظاهر المدونة وقال ابن القاسم لو هلكت
الماشية بعد ثلاث سنين ضمن زكاتها ولم يضع عند
موتها ما وجب عليه وأما ما ذكره ابن عبد
السلام فإنما ذلك بالنسبة إلى القدر الواجب
فإذا علم بالنسبة إلى أعيانها تعلق بالذمة
اللهم إلا أن يريد أنها لا تؤخذ من رأس المال
إذا مات فليست كالديون من هذا الوجه فصحيح
انتهى. ص: "وهل يصدق قولان". ش: ظاهر كلامه أن
الخلاف جار حتى في العام الذي فر فيه وجعل ابن
عرفة محل الخلاف غيره فقال وعلى المشهور لو لم
تكن بينة صدق في عدم زيادتها على ما به فر في
عام وفي تصديقه في غيره نقلا الباجي عن سحنون
مع اللخمي عن ابن القاسم وابن رشد وابن الحارث
والشيخ عنه مع
(3/114)
وإن سأل فنقصت
أو زادت فالموجود إن لم يصدق أو صدق ونقصت،
__________
اللخمي عن ابن حبيب والباجي عن ابن الماجشون
انتهى. وكذلك ظاهر كلام ابن رشد أن الخلاف
فيما عدا الأول.
تنبيه: القول بتصديقه هو قول ابن القاسم قال
اللخمي: وهو الأحسن فإن قامت له بينة عمل
عليها بلا إشكال قاله في التوضيح.
تنبيه: على القول الأول بأن لا يصدق إذا لم
تقم له بينة فيؤخذ بما وجد لجميع السنين والله
أعلم. ص: "أو صدق ونقصت". ش: قال في التوضيح:
اللخمي وفي معنى التصديق أن يعد عليه ولا يأخذ
ثم قال ولا فرق على المشهور في النقص بين أن
يكون بموت أو بذبح إلا أن يقصد به الفرار نص
عليه ابن المواز ونحوه لابن عبد السلام قال
ابن عرفة: وقول ابن عبد السلام وعلى تصديقه
نقصها بذبح غير فار كموتها لا أعرفه إنما ذكر
ابن بشير نقصها بالموت وشبهه بضياع جزء من
العين وإنما سوى محمد بينهما بعد الحول قبل
مجيء الساعي انتهى. والشيخ نقله عن ابن المواز
فلعله وقف عليه عنه فتأمله.
تنبيهان: الأول: لو عدها ثم هلكت كلها بأمر من
الله أو بغصب أو بقي ما لا زكاة فيه قال ابن
يونس: لا شيء على ربها لأنها ليست في ضمانه
ولا هو أتلفها قال وقاله أبو
(3/115)
وفي الزيد
تردد،
__________
عمران وقد قيل ما عده المصدق وجبت زكاته وإن
هلكت بأمر من الله ويأخذها مما بقي وليس ذلك
بشيء وقد قال في العين تهلك ويبقى بعضها إن
للمساكين عشر ما بقي لأنهم شركاء معه فما ذهب
فمنهم وما بقي بينهم ويدخل هذا القول في
الماشية وله وجه الأول أصوب لأنهم ليسوا
كالشركاء على الحقيقة لأن له أن يعطيهم من غير
ذلك المال وليس له ذلك مع الشريك فدل أنه لم
يتعين حقها فيه انتهى. وذكر ابن عرفة الثلاثة
الأقوال ونصه وفي كون ما هلك إثر عدها قبل أخذ
زكاتها كهلاكه قبله ولزوم ما وجب مما بقي
ثالثها الساعي شريك فيما بقي كشريكه في الجميع
وأبي عمران مع اللخمي والصقلي وتخريجه من تلف
بعض نصاب العين بعد حوله قبل التمكن انتهى.
وما صوبه ابن يونس جزم به اللخمي وقبله في
التوضيح وعبر عنه أبو الحسن الصغير بالمشهور
وقال ابن عبد السلام في مقابله الذي نقله ابن
يونس إنه ضعيف خارج عن أصلي ابن القاسم وابن
الجهم والثالث تخريج من ابن يونس.
الثاني: قال ابن عبد السلام: ولو عد نصف
الماشية ومنعه من عد باقيها حتى تغير المعدود
إلى زيادة أو نقص فهل يستقر الوجوب فيما عد
بعده أو لا يستقر في ذلك قولان وذكره ابن عرفة
وعزاهما للمتأخرين ونصه ولو تغير شرطها
المعدود بنقص وإنما قبل عد الباقي ففي البقاء
على عده الأول قولا المتأخرين انتهى. وقد علمت
أن المشهور والأصوب إذا عدها كلها ثم هلكت لم
يلزمه زكاتها فأحرى إذا عد بعضها وإنما يتأتى
الخلاف على مقابل المشهور هذا في النقص ويأتي
الكلام في الزيادة. ص: "وفي المزيد تردد". ش:
هو اختلاف طرق قال ابن عرفة: الأكثر على أن
العبرة بما وجد وخبر ربها لغو ذكر ابن بشير
طريقين إحداهما أنه يعمل على ما صدقه الثانية
أن في ذلك قولين أحدهما العمل على ما صدقه
والثاني العمل على ما وجد فإن عدها وقبل الأخذ
منها زادت فيجري على هذا الاختلاف لأن عدده
بمنزلة تصديقه كما صرح به اللخمي ونقله عنه في
التوضيح فإذا قلنا العمل على ما صدقه فكذلك
يكون العمل على ما عده وإذا قلنا العمل على ما
وجده فكذلك يكون العمل على ما وجده بعد العدد
وعلى الأول يأتي القولان اللذان حكاهما ابن
عبد السلام فيما إذا عد البعض ومنعه مانع من
إكماله حتى تغير المعدود إلى زيادة فهل يستقر
الوجوب فيما عد بعدده أو لا يستقر واختصر في
مختصر الوقار على أنه إذا عد بعضها ثم زاد ذلك
البعض فلا
(3/116)
وأخذ الخوارج
بالماضي إن لم يزعموا الأداء إلا أن يخرجوا
لمنعها وفي خمسة أوسق فأكثر،
__________
تجب به الزكاة ونصه ولو كان لرجل تسع وثلاثون
وحال عليها الحول ونزل به الساعي وشرع في عدها
فوضعت منها شاة وهو يعدها فإن كانت الشاة التي
وضعت مما مضى عليها العد فلا زكاة عليه وإن
كانت مما لم يأت عليه العدد فإنه يزكيها
انتهى.
فرع: لو عزل من ماشية شيئا للساعي فولدت لم
يلزمه دفع أولادها للساعي قاله سند في كتاب
الحج في شرح مسألة عدم جواز إبدال الهدي بخلاف
الأضحية قال ولو عين طعاما تعين ولا يبيعه إلا
وهو معتمد عليه إلا أنه يضمنه بمثله ولا يفسخ
البيع لأن الزكاة في حكم الديون وحقوق
الآدميين فيها تغلب فجاز لمن هي له في يده أن
يتصرف فيها بشرط الضمان كما تقول له في تسلف
الوديعة وتسلف الوصي من مال يتيمه وسفيهه. ص:
"وفي خمسة أوسق فأكثر". ش: الظاهر أنه متعلق
بقوله أول الباب تجب وقوله عبد هذا نصف العشر
إلى آخره معطوف على قوله أول الباب زكاة نصاب
النعم والمعنى ويجب في خمس أوسق
(3/117)
وإن بأرض
خراجية،
__________
نصف إلى آخره والأوسق جمع وسق قال في
التنبيهات بالكسر اسم للشيء المقدر وبالفتح
فعل الرجل ونحوه في الصحاح وقال ابن فرحون
الوسق بكسر الواو وفتحها قال في التوضيح:
ومبلغه كيلا قال القاضي أبو محمد خمسون ويبة
وهو ثمانية أرادب وثلث أردب وقال ابن القاسم
في المجموعة هي عشرة أرادب خليل وكان هذا
الإردب أصغر من الإردب المصري وإلا فقد حرر
النصاب في سنة سبع وأربعين أو ثمان وأربعين
وسبعمائة بمد معبر على مد النبي صلى الله عليه
وسلم فوجد ست أرادب ونصفا ونصف ويبة ولك أن
تقول وثلث أردب وربع أردب بأردب القاهرة ومصر
وذلك بحضرة شيخنا عبد الله المنوفي رحمه الله
انتهى.
فائدة: قال الشيخ أبو الحسن الصغير في أوائل
كتاب البيوع: الإردب بكسر الهمزة قاله في
المحكم وقال عياض في السلم الثاني بالفتح
انتهى. وقال في تهذيب الأسماء واللغات بكسر
الهمزة وسكون الراء وفتح الدال المهملة مكيال
لأهل مصر انتهى. ورأيت بخط بعض أهل اللغة أنه
رآه بخط ابن القطاع بالفتح وظاهر كلام القاموس
أن فيه لغة بالضم والله أعلم. وقوله فأكثر
يريد إلى أن ما زاد على الخمسة أوسق تتعلق به
الزكاة وإن قل كما في العين وقد نبه عليه
المصنف أيضا. ص: "وإن بأرض خراجية". ش: قال في
المدونة ومن اكترى أرض خراج أو غيرها فزرعها
فزكاة ما أخرجت الأرض على المكتري ولا يضع
الخراج الذي على الأرض زكاة ما خرج منها على
الزراع كانت له الأرض أو لغيره انتهى. قال
القرافي: والخراج نوعان أحدهما ما وضعه عمر
رضي الله عنه على أرض العراق لما فتحها عنوة
وقسمها بين المسلمين ثم رأى أن ينزلوا عنها
لئلا يشتغلوا عنها بالجهاد فتخرب أو تلهي عن
الجهاد فنزل عنها بعضهم بعوض وبعضهم بغير عوض
وضرب الخراج عليها ووقفها على المسلمين قال
سند: هو أجرة عند مالك والشافعي ولذلك منع
مالك الشفعة فيها وقيل بل باعها من أهل الذمة
بثمن مقسط يؤخذ في كل سنة وهو الخراج وجازت
الجهالة فيه لكونه مع كافر للضرورة والنوع
الثاني ما يصالح به الكفار على أرضهم فتكون
كالجزية تسقط بإسلامهم
(3/118)
ألف وستمائة
رطل مائة وثمانية وعشرون درهماً مكيّاً كل
خمسون وخمسا حبة،
__________
بخلاف الأول انتهى. وكذلك الحكم في أرض العنوة
كلها أنها توقف على المسلمين وتترك بيد أهلها
ليعملوا فيها فإذا أسلموا لم يسقط الخراج لأنه
أجرة والأرض للمسلمين وقوله في المدونة كانت
الأرض له قيل كيف يصح أن تكون الأرض له وعليها
الخراج فيجاب بأنها من أرض العنوة قال عبد
الحق: أو وضعها السلطان عليها ظلما أو اشتراها
مسلم من صلحي وتحمل عنه الخراج بعد عقد البيع
والله أعلم.
فروع: الأول: لو باع المسلم أرضا لإخراج عليها
الذمي فلا خراج على الذمي ولا عشر عند مالك
والشافعي خلافا لأبي حنيفة قال لئلا تخلو
الأرض عن العشر والخراج وقال أبو يوسف عليه
عشران ومنع محمد بن لحسن صحة البيع لإفضائه
إلى الخلو لنا أن البيع سببا لخراج في غير
صورة النزاع فلا يكون سببا فيها بالقياس يبطل
قولهم ببيع الماشية من الذمي قاله في الذخيرة
ناقلا له عن سند.
الثاني: من منح أرضه صبيا أو ذميا أو عبدا أو
كراها فلا زكاة إلا على الصبي لقيام المانع
فيما عداه خلافا لأبي حنيفة في العبد والذمي
انتهى.
الثالث: من المجموعة وكتاب ابن المواز قال
مالك: ولا زكاة فيما يؤخذ من الجبال من كروم
وزيتون وثمر ما لا مالك له وأما ما أخذ من ذلك
في أرض العدو ففيه الخمس إن جعله في المغانم
انتهى. ص: "ألف وستمائة رطل". ش: قال النووي:
الرطل بكسر الراء وفتحها. ص: "مائة وثمانية
وعشرون درهما". ش: هذا أحد الأقوال وقيل مائة
وثمانية وعشرون وأربعة أسباع درهم وصححه
النووي ونقل ابن فرحون عن الثعلبي أنه صححه
أيضا وقيل مائة وثلاثون درهما وقوله درهما
بكسر الدال وفتح الهاء وكسرها شاذ. ص: "كل
خمسون وخمسا حبة". ش: هذا هو الصحيح المعتمد
خلاف ما ذكر ابن شاس وتبعه القرافي وابن
الحاجب أن الدينار وزنه اثنان وثمانون حبة
وثلاثة أعشار حبة والدراهم سبعة وخمسون حبة
وستة أعشار حبة وعشر عشر حبة لأن الدرهم سبعة
أعشار الدينار قال ابن عبد السلام: ونقله ابن
شاس من كلام عبد الحق الأزدي على خلل في نقل
ابن شاس أظنه في نسخته ونقله عبد الحق المذكور
من كلام ابن حزم وقد انفرد فيه بشيء شذ فيه
على عادته بل خالف الإجماع على ما نقله ابن
القطان وغيره وكون وزن الدرهم سبعة أعشار
الدينار وهو المثقال الذي ذكره متفق عليه وأما
أن وزن الدينار ما ذكره فهو الذي خالف فيه
الناس انتهى. وقال ابن عرفة: وقول القرافي:
قول ابن حزم وزن الدرهم الشرعي سبعة وخمسون
حبة وستة أعشار
(3/119)
من مطلق الشعير
من حب وتمر فقط منقى مقدر الجفاف،
__________
وعشر العشر ووزن الدينار اثنان وثمانون حبة
خلاف الإجماع صواب واتباعه عبد الحق يعني
الأزدي صاحب الأحكم وابن شاس وابن الحاجب وهم
انتهى.
تنبيه: قال في التوضيح: والمعتبر في النصاب
معيار الشرع في ذلك الشيء من كيل كالقمح أو
وزن كالعنب وإن لم يكن للشرع معيار فبعادة
محله انتهى. ص: "من مطلق الشعير". ش: قال
الشيخ زروق في شرح الرسالة ولا يعتبر ذلك بحب
القمح لأنه أخف عند التفصيل وإن كان أثقل عند
التحميل لتداخله وأفادني الأخ في الله المحقق
أبوعبد الله بن غازي كان الله له أن وزن
الدينار الشرعي بحب القمح ست وتسعون حبة ولا
أدري من أين نقله إلا أنه رجل محقق انتهى. ص:
"من حب وتمر". ش: اعلم أن الأجناس التي تتعلق
بها الزكاة ثلاثة كما ذكره ابن عرفة الأول حب
لا زيت له والثاني حب له زيت والثالث ثمر
الشجر فأشار المؤلف في الأولين بقوله من حب
وممن صرح بأن الزيتون يطلق عليه أنه حب ابن
يونس في أول كتاب الحبوب وأشار إلى الثالث
بقوله تمر وهو بالمثناة في أكثر النسخ وأدرج
الزبيب فيه لأنهما متفق عليهما ولا زكاة في
غيرهما من الثمار وأطلق في الحب وشرطه كما قال
في الشامل: أن يكون مقتاتا مدخرا للعيش غالبا
قال فتجب في القمح والشعير والتمر اتفاقا
والزبيب كالتمر وفي السلت والعلس والزيتون
والجلجلان على المشهور في القطاني
(3/120)
وإن لم يجف،
__________
كالفول والحمص والعدس والجلبان والبسيلة
واللوبيا والترمس على المنصوص وفي الأرز
والدخن والذرة وليست من القطاني على المشهور
ولا يحب في كرسنة وقال أشهب من القطاني ولا في
قصب وبقول ولا في فاكهة كرمان وتبين على
الأشهر وفي حب الفجل والعصفر والكتان ثالثها
إن كثر وجبت ورابعها إلا في الأخير وهي رواية
ابن القاسم انتهى. وهو المشهور قال في النوادر
ومن العتبية قال أشهب عن مالك في الكرسنة أنها
من القطنية وقال ابن حبيب: عن مالك بل هو صنف
على حدته وقال مالك: وليس في الفواكه كلها
رطبها ويابسها زكاة ولا في الخضر زكاة انتهى.
قال في البيان لا خلاف في الترمس أنه من
القطاني انتهى. وفي الرسالة ولا زكاة في
الفواكه والخضر وقال في النوادر ومن العتبية
والمجموعة ابن وهب عن مالك أن في الترمس
الزكاة وليس في الحلبة زكاة ولا في العصفر ولا
في الزعفران ولا في العسل ولا في الخل قال عنه
ابن نافع ولا في شيء من التوابل ولا في الفستق
وشبهه ولا في القطن ولا زكاة في يابس الفواكه
ولا في قصب السكر انتهى. وفي الجلاب ولا زكاة
في الحلبة ولا وفي شيء من الفواكه كلها رطبها
ويابسها ولا في البقول ولا في القطن ولا في
القصب ولا الخشب والكولان والأسل وما أشبه ذلك
ولا في العسل وقصب السكر والتين والرمان
والجوز واللوز وما أشبه ذلك انتهى. وقال في
الذخيرة: لا زكاة في التوابل وفي كتاب الزكاة
الأول من المدونة ولا زكاة في التوابل وذكروا
في باب البيع أنها الفلفل والكزبرة والأنيسون
والشمار والكمون والحبة السوداء والكراويا
ونحو ذلك فقول البساطي وأما الأبازير فلم أر
فيما عندنا من الكتب من تعرض لها ويأتي ما في
كتاب الربا أنها تزكى يقتضي إنه لم يقف على ما
تقدم عن المدونة والنوادر والذخيرة والله
أعلم.
تنبيه: ما حكاه في الشامل عن أشهب في الكرسنة
عليه مشى المصنف في البيوع والله
(3/121)
نصف عشره كزيت
ماله زيت وثمن غير ذي الزيت ومالا يجف وفول
أخضر،
__________
أعلم. "نصف عشره كزيت ماله زيت وثمن غير ذي
الزيت وما لا يجف وفول أخضر". ش: هذا بيان
للقدر المخرج وصفته وذكر أنه نصف العشر من
التمر والزبيب اللذين يجففان والحب الذي لا
زيت لجنسه وأما الذي لجنسه زيت كالزيتون فيخرج
من زيته إن كان في بلاده له منها زيت وإن كان
في بلد لا زيت له فيها فيخرج من ثمنه وكذلك ما
لا يجف كرطب مصر وعنبها والفول الذي يباع أخضر
ابن الحاجب والوسق بالزيتون اتفاقا قال في
التوضيح: ولا يشترط في الزيت بلوغه نصاباً
وكذلك ما لا يجف تجب الزكاة في ثمنه إذا كان
فيه على تقدير الجفاف خمسة أوسق قل الثمن أو
كثر قال في المدونة ولو كان عنبا لا يزبب
وبلحا لا يتمر فليخرج على أنه لو كان فيه
ممكنا فإن صح في التقدير خمسة أوسق أخذ من
ثمنه كان أقل من عشرين دينارا أو أكثر فإن لم
يبلغ خرصه خمسة أوسق فلا شيء فيه وإن كثر ثمنه
وهو فائدة ثم قال في الزيتون فإن كان لا زيت
له كزيتون مصر فمن ثمنه على ما فسرنا في النخل
والكرم انتهى. وانظر رسم الزكاة من سماع أشهب
فيما لا يتزبب ولا يتتمر.
(3/122)
إن سقي بآلة
وإلا فالعشر،
__________
فرع: قال ابن الحاجب: فلو باع زيتونا له لا
زيت له فمن ثمنه وما لا زيت مثل ما لزمه زيتا
كما لو باع ثمرا أو حبا يبس قال الشيخ هذا
ظاهر ثم قال وإذا أراد أن يخرج الزيت سأل
المشتري عما خرج منه إن كان يوثق به وإلا سأل
أهل المعرفة ابن راشد وما ذكره المصنف هو قول
ابن القاسم وحكى القاضي أبو محمد قولا بأنه
يخرج من ثمنه انتهى. وقال في المدونة ومن باع
زيتونا له بزيت أو رطبا بتمر أو عنبا بزبيب
فليأت بمثل ما لزمه زيتا أو تمرا أو زبيبا من
عشر أو نصف عشر انتهى. وقال في موضع بعد هذا
فإن كان قوم لا يعصرون الجلجلان وإنما يبيعونه
حبا للزيت فأرجو إذا أخذ من حبه أن يكون خفيفا
انتهى. قال ابن ناجي وأشار بعض الأندلسيين إلى
معارضة قولها بقولها وقال عياض وقد يفرق
بينهما بأن الجلجلان لا يخرج منه زيت إلا
ببلاد يعصر فيها انتهى. ص: "إن سقي بآلة وإلا
فالعشر
(3/123)
ولو اشترى
السيح أو أنفق عليه وإن سقي بهما فعلى حكمهما
وهل يغلب الأكثر خلاف،
__________
ش تصوره ظاهر مسألة: من له زرع يسقيه بآلة
فجهل وأخرج منه الشعر وله زرع آخر فهل يحتسب
بما زاد في الأولى جهلا من زكاة الثانية فقال
البرزلي: سئل عنها الصائغ فقال لا يجتزأ
بالأول ويخرج عن الآخر القدر الواجب فيه قال
البرزلي: إن وجد ذلك في أيدي الفقراء أخذه كما
إذا دفع الكفارة أو الزكاة لمن لا يستحقها من
عبد أو وصي وإن فاتت فلا يسترجع كما تقدم
وكمسألة من عوض من صدقة ظنا أن ذلك يلزمه وفي
هذا الأصل خلاف انتهى. وهذه المسألة من فروع
النية. ص: "السيح". ش: بالسين المهملة السيل
والعيون والأنهار وسقي السماء المطر قال ابن
حبيب: والبعل ما يشرب بعروقه من غير سقي سماء
ولا غيرها والسيح ما يشرب بالعيون والعثرى ما
تسقيه السماء والغرب بسكون الراء الدلو الكبير
والدالية أن تمضي الدابة فيرتفع الدلو فيفرغ
ثم يرجع فينزل والسانية البعير الذي يسنى عليه
أن يسقى قاله الخطابي والنضح السقي بالجمل
ويسمى الجمل الذي يجره ناضحا ومثله الدواليب
والنواعير قال ابن أبي زمنين وما يسقي باليد
بالدلو فهو بمنزلة ما يسقى بالسواني والرزانق
انتهى. بالمعنى من ابن يونس والذخيرة
والتنبيهات. ص: "وإن سقي بهما فعلى حكمهما وهل
يغلب الأكثر خلاف". ش: يعني أن الزرع إذا سقى
بعضه بالسيح وشبهه وبعضه بالسواني ونحوها فإن
الزكاة على قدرهما أي تقسم على زمنيهما كما
صرح به ابن عرفة وهل هذا الحكم مطلقا أو هذا
مع التساوي وأما في غير التساوي فيغلب الأكثر
قولان مشهوران
(3/124)
وتضم القطاني
كقمح وشعير وسلت وإن ببلدان إن زرع أحدهما قبل
حصاد الآخر فيضم الوسط لهما لا أول لثالث،
__________
أحدهما شهره ابن شاس والثاني شهره صاحب
المختصر الإرشاد كذا نقل في التوضيح ولعله سقط
من نسخة الشارح بهرام من التوضيح فشهر الثاني
فاعترض على المصنف والله أعلم. ص: "وتضم
القطاني". ش: قال في المدونة وتجمع القطاني
كلها في الزكاة كصنف واحد ولا تجمع مع غيرها
فمن رفع من جميعها خمسة أوسق فليخرج من كل صنف
بقدره زاد ابن يونس في نقله في تفسير القطاني
الفول والحمص والعدل والجلبان واللوبيا وما
يثبت معرفته عند الناس من القطاني. ص: "كقمح
وشعير وسلت". ش: قال في المدونة فمن رفع من
جميعها خمسة أوسق فليترك ويخرج من كل صنف
بقدره انتهى. وكذلك الثمور والأعناب وأنواع
الزيتون وكل منها جنس لا يضم للآخر فالسلت بضم
أوله وسكون ثانيه. ص: "وإن ببلدان". ش: انظر
رسم الزكاة من سماع أشهب. ص: "إن زرع أحدهما
قبل حصاد الآخر". ش: مشى المصنف على هذا القول
وهو قول ابن مسلمة وإن كان مخالفا لما روي عن
مالك في كتاب ابن سحنون من أن المعتبر
اجتماعهما في فصل:من فصول السنة لاقتصار ابن
رشد في المقدمات عليه وتصدير اللخمي به وظاهر
كلامهم أن ذلك معتبر ولو كان الزرع الثاني قرب
حصاد الأول لقول اللخمي إثره وأرى إن كانت
زراعة الثاني عندما قرب حصاد الأول أن لا يضاف
لأن الأول في معنى المحصود وإن يبس ولم يبق
إلا حصاده كان ذلك أبين انتهى.
فرع: قال في النوادر في ترجمة من عجل إخراج
زكاته أو أخرها قال مالك: ومن أخذت منه زكاة
زرعه قبل حصاده وهو قائم في سنبله فهو يجزيه
ولا أحب أن يتطوع بها من قبل نفسه انتهى. ص:
"فيضم الوسط لهما". ش: يعني فإذا كان المعتبر
في الضم إنما هو زراعة
(3/125)
لا لعلس ودخن
وذرة وأرز وهي أجناس ،
__________
الثاني قبل حصاد الأول فإذا كان الزرع في ثلاث
أزمنة فإن زرع الثالث قبل حصاد الأول والثاني
ضم الثلاثة بعضها إلى بعض وإن زرع الثاني قبل
حصاد الأول والثالث بعد حصاد الأول وقبل حصاد
الثاني ضم الوسط إلى كل واحد من الطرفين على
انفراده فإن حصل من ضمه إليه نصاب زكي وإلا
فلا فإن حصل من الأول وسقين ومن الثاني ثلاثة
فإنه يضمها ويزكيها فإن حصل من الثالث وسقان
زكاه أيضا لأنه إذا ضم إلى الوسط حصل منهما
نصاب فيزكي الثالث والوسط قدر زكاه مع الثاني
ولو كان كل واحد من الثلاثة وسقين لم تجب
الزكاة في الجميع ولو كان الأول ثلاثة والثاني
وسقين والثالث وسقين وجبت في الأول والثاني لا
في الثالث ولو كان الأول وسقين والثاني وسقين
والثالث ثلاثة وجبت في الثاني والثالث لا في
الأول وخرج ابن بشير قولا من القول المشهور أن
خليط الخليط كالخليط أنه في هذه الصورة يزكى
الجميع لأن الوسط خليط لكل منهما والله أعلم.
(3/126)
والسمسم وبزر
الفجل والقرطم كالزيتون لا الكتان ،
__________
تنبيهات: الأول: قال الشارح انظر كيف اقتصر
على هذا القول المخالف لمذهب المدونة وفي خليط
الخليط ولم يصرح أحد بأنه المشهور ولا الأصح
ولا غير ذلك انتهى. وما عزاه للمدونة ليس فيها
لأنه يتكلم على خليط الخليط وإنما أخذ منها
وإنما مشى الشيخ على ما ذكره لأنه الذي اقتصر
عليه ابن رشد وصدر به اللخمي ولم يذكراه على
أنه تخريج بل جزما به وما ذكر ابن بشير إنما
هو تخريج منه انظر هل سلم له أم لا وإن سلم
فلا يعتمد عليه لأنه تخريج ليس بقول فتأمله
والله أعلم.
الثاني: قال ابن رشد: إذا حصل من الأول وسقين
ومن الثاني ثلاثة وقلنا إنه يضم فإنه ينظر إلى
ما حصل من الأول هل هو باق أو أنفقه فإن كان
باقيا زكى الجميع وإن كان أنفقه لم يزك على
مذهب ابن القاسم في الفائدتين يحول حول الأولى
منهما وهي عشرة دنانير فينفقها ثم يحول حول
الثانية وهي عشرة أنه لا يزكيها وعلى مذهبه
أنه يزكي العشرين يزكيهما وكذلك إذا حصل من
الثلث وسقين وقلنا إنه يضم للوسط فلا تجب فيه
زكاة على مذهب ابن القاسم لأن الوسط نقص بعد
إخراج الزكاة منه عن الثلاثة أوسق فلم يبق فيه
ما إذا ضم للثاني حصل منه نصاب فتأمله والله
أعلم.
الثالث: لو زرع الثاني قبل حصاد الأول ثم زرع
الثالث بعد حصاد الثاني وقبل حصاد الأول إذا
من القطاني ما يتعجل ومنها ما يتأخر لضم الأول
للثاني وللثالث كل واحد على انفراده ولا يضم
الثاني إلى الثالث ويكون الأول بمنزلة الوسط
والثاني والثالث كالطرفين قاله في المقدمات
ونقله ابن عرفة.
فرع: قال في الجواهر: ولا يضم حمل نخلة إلى
حملها في العام الثاني ونقله في الذخيرة وقال
ابن فرحون في شرح ابن الحاجب قال في الطراز:
إذا كانت الكروم والزيتون تطعم بطونا متلاحقة
ضم بعضها إلى بعض إذا كانت البطون في الصيف أو
في الشتاء وأما إن كان بعضها في الشتاء وبعضها
في الصيف لم يضم انتهى. ص: "والسمسم وبزر
الفجل
(3/127)
__________
والقرطم كالزيتون لا الكتان". ش: ليس فيه
تكرار مع ما تقدم لأن قوله: من حب بيان لما
فيه الزكاة من الحبوب ودخل تحته الزيتون كما
تقدم وقوله كزيت ماله زيت بين فيه صفة المخرج
فقط وهنا تكلم على حكم الذي له زيت غير
الزيتون فقال إن السمسم وبزر الفجل يعني
الأحمر والقرطم حكمها كالزيتون لا الكتان فإنه
لا زكاة فيه وكلام الشارح بهرام خصوصا في
الشرح الصغير قريب من هذا الكلام والمعنى أن
هذه الأشياء كالزيتون في أنه إذا بلغ كيل حب
كل واحد خمسة أوسق أخرج من زيته العشر أو نصفه
قل الزيت أو كثر ولا يريد أنها كالجنس الواحد
فتضم قال ابن عرفة: اللخمي الزيتون أجناس
انتهى. وقال الرجراجي وأما الحبوب التي يراد
منها الزيت فإنه أصناف مختلفة ولا يضم بعضها
إلى بعض كالزيتون والسمسم وغيرهما انتهى. وقال
الجزولي قال اللخمي: لا تجب الزكاة في
الجلجلان في المغرب لأنه إنما يتخذونه للتداوي
والصحيح أنه تجب فيه الزكاة في كل بلد انتهى.
وقال في المدونة وفي حب الفجل الزكاة إذا بلغ
كيل حبه خمسة أوسق أخذ من زيته وكذلك الجلجلان
قاله ابن ناجي ولفظة الكتان تقتضي أنه إذا لم
يكن في حب الفجل زيت أنه لا يزكى وهو كذلك صرح
به أبو سعيد ابن أخي هشام ذكره عبد الحق في
النكت المغربي إنما جعله لا شيء عليه ولم
يجعله كزيتون لا زيت فيه لأنه إذا لم يكن فيه
زيت لم يؤكل انتهى. ويعني بالمغربي أبا الحسن
الصغير والله أعلم. فيقيد كلام الشيخ بمثل ما
قيد فيه كلام المدونة والله أعلم. والسمسم
بكسر السينين المهملتين والبزر بكسر الموحدة
وفتحها والأول أفصح والفجل قال في القاموس هو
بضم الفاء وسكون الجيم وبضمها والقرطم قال في
الصحاح هو بكسر القاف وضمها وضبطه بعضهم بضم
القاف وكسرها مع تشديد الميم وتخفيفها ففيه
أربع
(3/128)
وحسب قشر الأرز
والعلس وما تصدق به واستأجر قتّاً لا أكل دابة
في درسها ،
__________
لغات والكتان بفتح الكاف قاله في الصحاح. ص:
"وحسب قشر الأرز والعلس". ش: أي في جملة
النصاب ولا يزاد في النصاب لأجله ونحو هذا
للشارح في الشرح الكبير خلاف قوله في الوسط
والصغير يحبسان ليسقطان فاعترض عليه والعلس
بفتح أوله وثانيه. ص: "وما تصدق به واستأجر
قتا". ش: أي ويحسب أيضا ما تصدق به فما أكله
أو علفه دوابه أولى وكذا ما استأجر به من القت
وهو جمع قتة وهي الحزم التي تعمل عند حصاد
الزرع قال في المدونة ويحسب على رب الحائط ما
أكل أو علف أو تصدق به بعد طيبه ابن يونس قال
مالك: ويحسب على الرجل كل ما أهدى أو علف أو
تصدق به أو وهبه من زرعه بعد ما أفرك إلا
الشيء التافه اليسير ولا يحسب ما كان من ذلك
قبل أن يفرك قال ابن القاسم: وأما ماأكلت
الدواب بأفواهها عند الدرس فلا يحسب انتهى.
وقال أبو الحسن قوله في المدونة: "بعد طيبه"
مفهومه لو كان قبل طيبه فلا يحسب وهو صحيح
انتهى. واعلم أن ما أكل من الثمار قبل طيبها
كالبلح ومن الزرع قبل أن يفرك قال ابن رشد: لا
اختلاف أنه لا يحسب لأن الزكاة لم تجب بعد قال
واختلف فيما إذا أكل من ذلك كله أخضر بعد وجوب
الزكاة فيه بالإزهاء في الثمار والإفراك في
الحب على ثلاثة أقوال أحدها قول مالك أنه يجب
عليه أن يحصي ذلك كله ويخرج زكاته والثاني ليس
عليه ذلك وهو قول الليث والشافعي والثالث يجب
ذلك في الحبوب لا في الثمار وقد روي عن مالك
مثله قاله في سماع يحيى من زكاة الثمار وقال
في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم وأما ما
أكل بعد يبسه أو علفه فلا اختلاف في أنه يجب
عليه أن يحصيه وكذا ما تصدق به عند مالك.
تنبيهات: الأول: تقدم في كلام ابن يونس
استثناء الشيء التافه اليسير أنه لا يحتسب
وكذا قال ابن رشد قال الشيخ أبو الحسن: وهو
تفسير المدونة.
الثاني: قال أبو الحسن: قوله: "يحسب ما تصدق
به" قالوا معناه إلا أن ينوي به الزكاة فيجزيه
وقال في الرسم المذكور من البيان ولا يجوز له
أن يحسبه من زكاته إذا نوى به صدقة التطوع
وكذلك لو أعطى ولا نية له في تطوع ولا زكاة
انتهى. وهو ظاهر إذا كان يعلم كيله وإلا
فيقتصر منه على القدر المحقق.
(3/129)
والوجوب بإفراك
الحب وطيب التمر،
__________
الثالث: يحسب عليه جميع ما استأجر به في حصاده
ودراسه وجداده ولقط الزيتون فإنه يحسب ويزكى
عليه سواء كان كيلا معينا أو جزءا كالثلث
والربع ونحوه قا في العتبية: ونقله ابن يونس
وغيره قال أبو الحسن: وأما ما لقطه اللقاط فلا
يزكى عنه إذا كان ربه قد تركه على أن لا يعود
إليه وأما اللقاط الذي مع الحصاد فإنه يزكى
عما لقطه اللقاط لأن ما أخذه في معنى الإجارة
انتهى. ص: "لا أكل دابة في درسها". ش: ابن رشد
لأنه أمر غالب بمنزلة ما أكلته الوحوش أو ذهب
بأمر من السماء انتهى. من الرسم المذكور. ص:
"والوجوب بإفراك الحب أو طيب الثمر". ش: يعني
أن وجوب الزكاة يتعلق بالحبوب بالإفراك وفي
الثمر والزبيب بطيبها وهذا هو المشهور قال ابن
عبد السلام: اختلف المذهب في الوصف الذي تجب
به الزكاة في الثمار والزروع على ثلاثة أقوال
أحدها وهو المشهور أنه الطيب وطيب كل نوع
معلوم فيه والثاني أنه الجذاذ فيما يجذ من
الثمرة والحصاد فيما يحصد والثالث أنه الخرص
انتهى. و قال في التوضيح: في شرح قول ابن
الحاجب ويجب بالطيب والإزهاء والإفراك وقيل
بالحصاد والجذاذ معا وقيل بالخرص فيما يخرص
الطيب عام في جميع الثمرة والإزهاء خاص بالثمر
وهو طيب أيضا فهو من عطف الخاص على العام
والإفراك في الحب خاصة فينبغي كلامه أن في
الحبوب قولين وفي الثمار ثلاثة الأول قول مالك
قال إذا زهت النخل وطاب الكرم وأسود الزيتون
أو قارب وأفرك الزرع واستغنى عن الماء وجبت
فيه الزكاة والقول الثاني أنها لا تجب في
الزرع إلا بالحصاد ولا يجب في الثمر إلا
بالجذاذ ونسبه اللخمي وابن هارون وابن عبد
السلام لابن مسلمة والقول الثالث خاص بالثمرة
وأنها لا تجب إلا بالخرص وهو للمغيرة ورأى
الخارص كالساعي وترتيب هذه الأشياء في الوجود
هو أن الطيب أولا عند الخرص عند الجذاذ وأن
الإفراك أولا عند الحصاد انتهى. وقال ابن
عرفة: وما تجب به اللخمي وابن رشد المشهور
الطيب مبيح البيع المغيرة الخرص ابن مسلمة
الجذ والحصد انتهى.
(3/130)
__________
تنبيهات: الأول: قوله: إن الزكاة تجب في الحب
بالإفراك يخالف قوله: إن الزكاة تجب بالطيب
المبيح للبيع لأن الطيب المبيح للبيع هو اليبس
وقد وقع هذا الاختلاف في كلام ابن رشد فقال في
أول سماع ابن القاسم من كتاب زكاة الحبوب إذا
أفرك الزرع واستغنى عن الماء فقد وجبت فيه
الزكاة على صاحبه وكذلك الثمرة إذا أزهت وقال
بعد ذلك في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع
يحيى أما ما أكل من حائطه بلحا أو من زرعه قبل
أن يفرك فلا اختلاف في أنه لا يحسبه لأن
الزكاة لم تجب عليه بعد إذ لا تجب الزكاة في
الزرع حتى يفرك ولا في الحائط حتى يزهي واختلف
فيما أكل من ذلك أخضر بعد وجوب الزكاة فيه
بالإزهاء في الثمار أو بالإفراك في الحبوب على
ثلاثة أقوال أحدها قول مالك أنه يجب عليه أن
يحصي ذلك كله ويخرج زكاته والثاني أنه لا تجب
عليه زكاته وهو قول الليث ومذهب الشافعي لقوله
تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ
وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:
من الآية141] والثالث: تجب عليه في الحبوب ولا
تجب عليه في الثمار لقول رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "إذا خرصتم فخذوا ودعوا فإن لم
تدعوا الثلث فدعوا الربع" 1 وهو قول ابن حبيب
أن الخارص يترك لأهل الحوائط قدر ما يأكلون
ويعطون وقد روي مثل ذلك عن مالك وهذا إنما يصح
على القول بأن الزكاة لا تجب في الثمار إلا
بالجذاذ وهو قول محمد بن مسلمة وفائدة الخرص
على هذا مخافة أن يكتم منها شيئا بعد اليبس أو
الجذاذ فإن خشي مثل ذلك في الزرع فقال ابن عبد
الحكم: يوكل الإمام من يتحفظ بذلك وقيل إنه
يخرص إن وجد من يحسن خرصه وهو أحسن والمغيرة
يرى الزكاة تجب في الثمار بالخرص ففي حد وجوب
الزكاة في الثمار ثلاثة أقوال المشهور في
المذهب أنها تجب بالطيب والثاني تجب بالجذاذ
والثالث تجب بالخرص فإن مات صاحب الثمرة قبل
أن يخرص خرصت على الورثة إن كان في حظ كل واحد
منهم ما تجب فيه الزكاة انتهى. وقال بعد ذلك
وأما بيع الحب إذا أفرك على أن يترك حتى ييبس
فلا اختلاف في المذهب أن ذلك لا يجوز ابتداء
وإنما يختلف الحكم فيه إذا وقع فقيل إن العقد
فيه فوت وقيل القبض وقيل لا يفوت بالقبض حتى
يفوت بعده وقال في الرواية في سماع يحيى إن
علم به قبل أن ييبس فسخ وإن لم يعلم به إلا
بعد أن ييبس مضى واختلف العلماء في وقت بيع
الزرع فقال بعضهم إذا أفرك وقال بعضهم حتى
ييبس قال ابن القاسم: فأنا أجيز البيع إذا فات
باليبس لما جاء فيه من الاختلاف وأرده إذا علم
به قبل اليبس قال ابن رشد: فهذه أربعة أقوال
وهذا إذا اشتراه على أن يتركه حتى ييبس أو كان
ذلك العرف وأما إن لم يشترط تركه ولا كان
العرف فيه ذلك فالبيع فيه جائز وإن تركه
ـــــــ
1 رواه الترمذي في كتاب الزكاة باب 17.
النسائي في كتاب الزكاة باب 26. الدارمي في
كتاب البيوع باب 76. أحمد في مسنده (3/448)
(4/2،3).
(3/131)
فلا شيء على
وارث قبلهما لم يصر له نصاب
__________
مشتريه حتى ييبس انتهى. وقال المصنف في
فصل:الجوائح ومضى بيع حب أفرك قبل يبسه بقبضه
انتهى. وقال في الشامل: لما ذكر به والصلاح في
الثمار وفي الحنطة ونحوها والقطاني يبسها فإن
بيعت قبله وبعد الإفراك على السكت كره ومضى
بالقبض على المتأول وقيل يفسخ وقيل يفوت
باليبس وقيل بالعقد انتهى. فعلى هذا فيقال
المراد بالإفراك إن ييبس الحب ويستغنى عن
الماء قال اللخمي: الزكاة تجب عند مالك بالطيب
فإذا أزهى النخل وطاب الكرم وحل بيعه أو أفرك
الزرع واستغنى عن الماء وأسود الزيتون أو قارب
الأسوداد وجبت الزكاة فيه وقال المغيرة تجب
بالخرص وقال ابن مسلمة تجب بالجذاذ انتهى.
ويمكن أن يقال يكفي الإفراك لأن البيع إذا وقع
بعد الإفراك لا يفسخ على الراجح فتأمله
الثاني: الحصاد بفتح الحاء وكسرها وقد قريء
بهما والكسر لغة الحجازيين والفتح لغو نجد
والجداد بفتح الجيم وكسرها وبالدال المهملة
على ما ذكره صاحب الصحاح والقاموس وذكر صاحب
المحكم أنه يقال بالذال المعجمة والله أعلم.
الثالث: قال ابن عبد السلام: القول الثاني
أقرب إلى نص التنزيل لقوله تعالى: {وَآتُوا
حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: من
الآية141] إن حملت الآية على الزكاة وقد تقدمت
الإشارة إلى أن المفسرين اختلفوا في ذلك
انتهى. يشير إلى ما قدمه في أول الكلام على
زكاة الحبوب وأنه اختلف في تفسير الحق هل هو
الزكاة أو هو أمر زائد عليها أو أمر آخر نسخ
بها انتهى.
الرابع: لو أخرج زكاة الزرع بعد الطيب وقيل
الجذاذ أجزأت على المشهور وعلى قول ابن مسلمة
لا المساجد كما صرح بذلك في النوادر ونقله
اللخمي وابن يونس. ص: "فلا شيء على وارث
قبلهما لم يصر له نصاب". ش: وكذلك إذا عتق
العبد قبلهما أو أسلم الكافر أو وهب الزرع أو
بعضه أو تصدق به على معين أو استحق النصف كما
في الطلاق أو انتزع السيد مال عبده فتجب
الزكاة وإذا وقع شيء من ذلك بعدهما لم يتغير
الحكم عما كان عليه وكذلك أيضا لو أخرج زكاة
الزرع حينئذ فعلى المشهور يجزئ وعلى قول ابن
مسلمة لا يجزئ وقد صرح بذلك في النوادر مما
نقله عنه ابن يونس وغيره وفي البيان لو أخذت
منه زكاة زرع لم يبد صلاحه وقد روى زياد وابن
نافع عن مالك أن من أخذت منه زكاة
(3/132)
والزكاة على
البائع بعدهما،
__________
زرعه والزرع قائم في سنبله فإن ذلك يجزيه إذا
لم يتطوع بها من نفسه ومعنى ذلك إذا أخذت منه
في الموضع المختلف فيه بعد أن أفرك وقبل يبسه
انتهى. من أول زكاة الماشية وإنه إنما قال في
الزرع يجزئه إذا لم يتطوع بها لأنه لا يعرف
كيل الحب قبل حصده ومراعاة لقول محمد بن مسلمة
وإلا فقد تقدم أن ما تصدق به بعد وقت الوجوب
يحسبه إلا إذا نواه من الزكاة فإنه يجزئه
وأيضا لما نقل ابن يونس والشيخ أبو الحسن عن
ابن مسلمة إذا أخرجها بعد الخرص وقبل الجداد
لم يجزئه قال لأنه أخرجها قبل وجوبها فمقتضاه
أو صريحه أنها تجزي على القول بأنها واجبة.
فرع: علم من هذا ومن كلام النوادر المتقدم أنه
لا يجب أن يخرج من عين الزرع قال ابن جماعة في
فرض العين ويجوز أن يعطي الزكاة إذا وجبت من
عينها أو من غيرها إذا دفع مثلها أو أجود ولا
يجوز أن يدفع أدنى مما عليه انتهى. وسيأتي عند
قول المصنف: "إن قدم معشر زكاة شيء من هذا"
تنبيهان: الأول: قال عبد الحق عن بعض شيوخه:
من مات قبل الإزهاء وعليه دين يغترق ذمته وقام
الغرماء بعد طيب الثمر يلزم أن يزكي عن الميت
لأنه باق على ذمته لا ميراث لورثته فيه لأجل
الدين قال أبو الحسن: فقف على هذه النكتة فلم
يذكرها غيره ونقلها القرافي عنه أيضا ونقله في
الشامل.
الثاني: إذا حصل للوارث أقل من نصاب وكان له
زرع آخر إذا ضمه لهذا كان في المجموع نصاب
فإنه يضمه كما صرح به أبو الحسن وغيره.
فرع: إذا وهب الزرع بعد وجوب الزكاة فيه قال
ابن رشد: ففي كون الزكاة على الواهب أو من
الزرع أو بعد يمين الواهب ما وهب ليزكيها من
ماله رواية أشهب وقول ابن نافع وروي إن تصدق
بزرع يبس على فقير فعشره زكاة وباقيه صدقة
انتهى. من ابن عرفة. ص: "والزكاة على البائع
بعدهما". ش: ويجوز أن يشترطها على المشتري إذا
كان ثقة لا يتهم في إخراجها وعلم أن فيه
الزكاة بأمر لا يشك فيه إلا أن يشترط البائع
ذلك الجزء فإن
(3/133)
إلا أن يعدم
فعلى المشتري والنفقة على الموصى له المعين
بجزء لا المساكين أوكيل فعلى الميت وإنما يخرص
الثمر والعنب إذا حل بيعهما،
__________
وجبت الزكاة كان للمساكين وإن لم تجب كان له
وعلم أيضا هل هو العشر أو نصفه ذكر ذلك اللخمي
وغيره قال في البيان وله أن يؤمن المبتاع في
مبلغ ما وقع فيه إن كان مأمونا وإن لم يكن
مأمونا أو كان ذميا فعليه أن يتوخى قدره ويزيد
ليسلم. ص: "إلا أن يعدم فعلى المشتري". ش:
ويرجع على البائع بما ينوب ذلك من الثمن ابن
رشد ويرجع عليه بما ينوبه أيضا من النفقة التي
أنفقها في عمله وهذا ظاهر والله أعلم. ص:
"وإنما يخرص الثمر والعنب". ش: ابن عرفة وفي
خرص الزيتون ثالثها إن احتيج لأكله أو لم يؤمن
أهله عليه لرواية أبي عمر والمشهور وابن زرقون
عن ابن الماجشون زاد اللخمي عنه وسائر الثمار
ابن بشير إن احتيج لأكل غير الثمر والعنب في
خرصه قولان ابن عبد الحكم إن خيف على الزرع
خيانة
(3/134)
واختلفت حاجة
أهلهما نخلة نخلة بإسقاط نقصها لا سقطها وكفى
الواحد وإن اختلفوا فالأعرف وإلا فمن كل جزء،
__________
ربه جعل عليه حافظ ابن رشد وفي وجوب إحصاء ما
أكل اخضر بعد وجوب الزكاة ثالثها في الحبوب لا
الثمار لمالك والليث وابن حبيب الشيخ عن ابن
عبدوس لا يحسب ما أكله بلحا بخلاف الفريك
والفول الأخصر وشبهه مالك من قطنية خضراء أو
باع خرصه يابساً نصاباً زكاه بحب يابس وروى
محمد أو من ثمنه أشهب من ثمنه انتهى. وفي
الذخيرة وإذا احتيج إلى أكل ما قلنا إنه لا
يخرص قبل كماله يعني العنب والرطب فقط ففي
خرصه قولان مبنيان على علة الخرص هي حاجة
الأكل أو أن الثمر والعنب يتميز للبصر بخلاف
غيرهما ثم قال: قال سند: فإن كان الموضع لا
يأتيه الخارص واحتيج إلى التصرف دعا أهل
المعرفة وعمل على قولهم فإن لم يجدهم وكان
يبيع رطبا وعنبا في السوق ولا يعرف الخرص قال
مالك: يؤدي منه يريد إذا علم أن فيه نصاباً أو
جهل ما زاد فإن علم جملة ما باع ذكره لأهل
المعرفة فحزروه بما يكون من مثله تمرا أو
زبيبا فإن لم يتحقق النصاب لم يجب عليه شيء
انتهى. فرع: قال في أسئلة ابن رشد وأما الزرع
فلا يجوز خرصه على الرجل المأمون واختلف إن لم
يكن مأمونا على قولين أصحهما عندي جوازه إذا
وجد من يحسنه انتهى. ص: "نخلة نخلة". ش: قال
في الذخيرة: قال سند: وصفة الخرص قال مالك:
يخرص نخلة نخلةما فيها رطبا فإن كان الحائط
جنسا واحدا لا يختلف في الجفاف جمع جملة
النخلات وحرزكم ينقص حتى يتمر وإن كان مختلف
المائية واللحم حزر كل واحد على حدته وكذلك
العنب ويكون الخارص عدلا عارا انتهى. ص: "وإلا
فمن كل جزء". ش: قال في
(3/135)
وإن أصابته
جائحة اعتبرت وإن زادت على تخريص عارف فالأحب
الإخراج وهل على ظاهره أو الوجوب؟ تأويلان
وأخذ من الحب كيف كان ،
__________
الذخيرة من اسم عددهم كثلث من ثلاثة انتهى. ص:
"وإن أصابته جائحة اعتبرت". ش: قال اللخمي:
فإن سرقت الثمار بعد الخرص أو أجيحت لم يكن
عليه شيء وإن أجيح بعضها زكى عن الباقي إن كان
خمسة أوسق فأكثر فإن كان أقل لم يكن عليه شيء
انتهى. فإن بلغت الجائحة الثلث حين يرجع عليه
المشتري فلا زكاة عليه وإن لم تبلغ الثلث ولم
يرجع عليه بشيء فعليه الزكاة انتهى. ولو باع
الثمرة وتعلقت الزكاة بذمته ثم أصابتها جائحة
نقصتها عن خمسة أوسق فإن بلغت الجائحة الثلث
حين يرجع عليه المشتري فلا زكاة عليه وإن لم
تبلغ الثلث ولم يرجع عليه بشيء فعليه الزكاة
قاله في سماع يحيى. ص: "وإن زادت على تخريص
عارف فالأحب الإخراج". ش: فإن نقصت فجزم في
الجلاب بأن الزكاة لا تنقص وظاهر كلام الجواهر
أن في ذلك خلافا وقال ابن جماعة في فرض العين
فإن وجد أكثر أخرج الزائد فإن وجد أقل منه
لزمه الأكثر في ظاهر الحكم ولا شيء عليه فيما
بينه وبين الله تعالى انتهى. وهو ظاهر يجمع به
بين النقول وما ذكره ابن جماعة نحوه لابن رشد
والله أعلم.
فرع: قال في الذخيرة: قال ابن القاسم: وإذ
ادعى رب الحائط حيف الخارص وأتى بخارص آخر لم
يوافق لأن الخارص حاكم انتهى. والله أعلم. ص:
"وأخذ من الحب كيف كان كالثمر
(3/136)
كالتمر نوعاً
أو نوعين وإلا فمن أوسطها وفي مائتي درهم شرعي
أو عشرين ديناراً فأكثر أو،
__________
نوعا أو نوعين وإلا فمن أوسطها". ش: يعني أن
الزكاة تؤخذ من الحب كيف كان فإن كان جيدا
أخذت منه وكذا إن كان رديئا أو وسطا فإن كان
نوعين أو أنواعا فإنه يؤخذ من كل نوع عشره أو
نصف عشره قال اللخمي: إذا كان القمح مختلفا
جيدا ورديئا أخذ من كل شيء بقدره ولم يؤخذ
الوسط وكذلك إذا اجتمع القمح والشعير والسلت
أو اجتمع أصناف القطاني أخذ من كل شيء بقدره
ولم يؤخذ من الوسط وكذلك أصناف الزبيب واختلف
في التمر فقال مالك: إن كان جنسا واحدا أخذ
منه ولم يكن عليه أن يأتي بأفضل منه وإن كان
أجناسا أخذ من الوسط وقال في كتاب محمد يؤخذ
من كل صنف بقدره انتهى. وقال في المقدمات فأما
المكيل مثل القمح والشعير والسلت الذي هو صنف
واحد ومثل القطاني التي هي صنف واحد على
اختلافها ومثل الحائط من النخل يكون فيه أنواع
من التمر مختلفة فالحكم أن يؤخذ من كل شيء منه
قل أو كثر ما يجب فيه عشر أو نصف العشر إلا أن
تكثر أنواع أجناس الحائط من النخل فيؤخذ من
وسطها فيه الزكاة كلها إذ لا يلزمه أن يعطي من
أرفعها ولا يلزمه أن يعطي من أوضعها وقد قيل
إنه يؤخذ من أوسطها وإن كان الحائط جيدا كله
قياسا على المواشي فهذا يدل على أنه إذا كان
في الحائط من الثمر نوع أو نوعان أخذ من كل
يحسبه فقول ابن غازي لم أقف فيه على نص غير
ظاهر فتأمله.
فرع: قال في المقدمات فإن أراد أن يخرج من صنف
آخر ما وجب عليه منه بالكيل جاز من الأرفع ولم
يجز من الأدنى وفي مائتي درهم شرعي أو عشرين
دينارا فأكثر أو مجمع منهما بالجزء ربع العشر
قال ابن عرفة: ونصاب الفضة خمس أواق مائتا
درهم ووزنه خمسون حبة شعيرا وخمسان والذهب
عشرون دينارا وزنه اثنان وسبعون حبة وقول ابن
حزم وزن الدرهم إلى آخر ما تقدم نقله عند قول
المصنف كل خمسون وخمسا حبة ثم تكلم على معرفة
النصاب بغير الدرهم والدينار الشرعيين ولنذكر
كلامه برمته مع زيادة تفسير له ونصه.
ومعرفة نصاب كل درهم أو دينار غيرهما يعني غير
الدرهم أو الدينار الشرعيين بقسم
(3/137)
__________
مسطح أي الخارج من ضرب عدد النصاب المعلوم
يعني الشرعي وهو من الذهب عشرون دينارا ومن
الورق مائتا درهم وحبات درهمه وهي خمسون وخمسا
حبة من مطلق الشعير وديناره يعني وحبات ديناره
وهي اثنان وسبعون حبة على حبات المجهول نصابه
يعني على عدد حبات الدرهم المجهول نصابه أو
على عدد حبات الدينار المجهول نصابه والخارج
النصاب لأنه أي لأن مسطح عدد النصاب المعلوم
وحبات درهمه أو ديناره ضرورة أي بالضرورة مسطح
عدد حبات الدرهم أو الدينار المجهول نصابه
وعدده أي عدد النصاب المجهول لأن نسبة حبات
الدرهم الشرعي إلى حبات الدرهم المجهول كنسبة
النصاب المجهول إلى النصاب الشرعي والقاعدة في
هذه النسبة أنه متى جهل أحد الوسطين أن تسطح
الطرفين وتقسم الخارج على الوسط المعلوم فيخرج
الوسط المجهول ومن خواصها أن مسطح الوسطين
كمسطح الطرفين مثاله نسبة ثلاثة إلى خمسة
كنسبة شيء مجهول إلى خمسة عشر مثلا فأحد
الوسطين مجهول فتسطح الطرفين أي عملا أحدهما
في الآخر والطرفان في المثال المذكور ثلاثة
وخمسة عشر فيحصل خمسة وأربعون تقسمها على
الخمسة المعلومة التي هي أحد الوسطين يخرج
تسعة فنسبة الثلاثة إلى الخمسة وهي ثلاثة
أخماس كنسبة التسعة إلى الخمسة عشر وهي ثلاثة
أخماس أيضا وإذا ضربت الوسطين وهما خمسة وتسعة
حصل خمسة وأربعون وهي الحاصلة من ضرب ثلاثة في
خمسة عشر فتبين أن مسطح الطرفين كمسطح الوسطين
إذا عرفت ذلك فحبات الدينار الشرعي عندنا هي
الطرف الأول وحبات الدينار المجهول نصابه هي
الوسط الأول والنصاب المجهول هو الوسطالثاني
والنصاب الشرعي هو الطرف الثاني فأحد الطرفين
مجهول فتسطح الطرفين وتقسم الحاصل على الوسط
المعلوم فيحصل الوسط الثاني وقد علمت أن مسطح
الوسطين كمسطح الطرفين فكأنا قسمنا مسطح
الوسطين على أحدهما فخرج الوسط الآخر لأن من
المعلوم أن ضرب عدد في عدد وقسمة الحاصل على
أحد العددين مخرج للعدد الآخر وهذا معنى قوله:
وخارج قسم مسطح عددين على أحدهما هو الآخر
وهذا هو المسمى عند أهل الحساب الأربعة أعداد
المناسبة وله خواص كثيرة وبه يستخرج غالب
المجهولات والله أعلم.
(3/138)
__________
قال في التوضيح: لما تكلم على الأوسق فقدر
المائتي درهم من دراهم مصر مائة وخمسة ثمانون
درهما ونصف درهم وثمن درهم انتهى. وذكر
القرافي أن وزن النصاب من دراهم مصر مائة
وثمانون درهما وحبتان وأن وزن الدرهم المصري
أربعة وستون حبة وستة أعشار حبة وهذا بناء من
القرافي على ما ماشى عليه تبعا لابن شاس على
أن الدرهم الشرعي سبعة وخمسون حبة وستة أعشار
حبة وعشر عشر حبة كما تقدم نقله عند قول
المصنف: "كل خمسون وخمسا حبة" والله أعلم.
قلت: وقد تقدم أن وزن الدرهم المصري ستة عشر
قيراطا فيكون وزن الدرهم الشرعي أربعة عشر
قيراطا وثلاثة أرباع قيراط ونصف خمس قيراط وإن
شئت قلت: خمسة عشر قيراطا إلا ثلاثة أرباع خمس
قيراط وقد تقدر أيضا أن الدرهم الشرعي سبعة
أعشار الدينار الشرعي فيكون وزن الدينار
الشرعي إحدى وعشرين قيراطا وخمس قياط وسبعي
ربع خمس قيراط ويكون وزن النصاب من الذهب ستة
وعشرين درهما ونصف درهم وربع قيراط وثمن خمس
قيراط وثلاثة أسباع خمس قيراط فيكون من الذهب
السلطاني الجديد والذهب البندقي أربعة وعشرين
دينارا لكنها تزيد على النصاب ثمانية قراريط
وثمن خمس قيراط وثلاثة أسباع ثمن قيراط ويكون
من الذهب السلطاني القديم والقايتبابي
والجقمقي والبيبرسي والغوري خمسة وعشرين
دينارا لكنها تزيد على النصاب ثلاثة أخماس
قيراط ونصف خمس قيراط وأربعة أسباع ثمن خمس
قيراط واشتهر أن كل عشر ملحقة من هذه الملحقات
وزنها ثلاثة دراهم فيكون النصاب من الفضة
ستمائة ملحق وتسعة وخمسين ملحقا وهذا كله على
أن الدرهم المصري الآن قدر الدرهم الذي كان في
زمن الشيخ خليل وينبغي أن يختبر ذلك فقد ذكر
الشيخ أنه اعتبر ذلك بالشعير فجاء قريبا من
ذلك فيؤخذ من وسط الشعير خمسون وخمسا حبة فإن
جاوزتها خمسة عشر قيراطا إلا ثمن قيراط وربع
عشر قيراط أو قريبا من ذلك فهو باق على حاله
وإلا فقد تغير وزن القيراط من الشعير ثلاث
حبات وثلث حبة وثلث خمس خمس حبة تقريبا والله
أعلم. وقوله: "فأكثر" يشير إلى قوله في
المدونة بعد ذكره نصاب الذهب والفضة: "وما زاد
على ذلك قل أو كثر أخرج منه ربع عشرة" قال في
مختصر الوقار: ولو قيراطا واحدا وقال في
الرسالة وما زاد فبحساب ذلك وإن قل قال ابن
ناجي ظاهره وإن كان لا يمكن الإخراج من عينه
فيشتري به طعاما أو غيره مما يمكن قسمه على
أربعين جزءا وقال في التلقين وما زاد بحساب
ذلك ما أمكن وهكذا قال ابن الحاجب: قال ابن
عبد السلام: فكان بعض أشياخي يراه خلافا للأول
ويحتمل أن يقال الإمكان المأخوذ من القول
الأول هو الذي أوجبه في الثاني لأنه ربما زاد
النصاب زيادة محسوسة لا يمكن أن يشتري بها ما
ينقسم على أربعين جزءا وحمل ابن عرفة ما في
التلقين على الخلاف قال وقبله المازري ويرد
بأن ما وجب وتعذر بذاته وأمكن بغيره تعين ذلك
الغير لأجله كغسل جزء من الرأس وإمساك جزء من
الليل انتهى. وقال أبو الحسن:
(3/139)
مجمع منهما
بالجزء ربع العشر وإن لطفل أو مجنون،
__________
حمل الشيوخ كلام عبد الوهاب على التفسير ولم
يفسر الإمكان ما هو والاحتمال الذي ذكره ابن
ناجي ظاهر وبه يحصل الجمع بين الكلامين وهذا
البحث جار فيما يقتضي من الدين بعد النصاب وما
يخرج من المعدن بعد النصاب قال في المدونة
يخرج منه وإن قل وذكر أبو الحسن فيه تقييد عبد
الوهاب قال وحمله الشيوخ على التفسير والله
أعلم.
فرع: قال في المدونة إذا كان عنده فلوس فيها
مائتا درهم فلا زكاة عليه انتهى.
فائدة: الدنانير في الأحكام خمسة ثلاثة كل
دينار اثنا عشر درهما وهي دينار الدية ودينار
النكاح ودينار السرقة وتسمى دنانير الدم
واثنان كل دينار عشرة دراهم وهما دينار الزكاة
ودينار الجزية وتسمى دنانير الذمي والله أعلم.
ص: "وإن لطفل أو مجنون". ش: يعني أن الزكاة
تجب في مال العربي ومال المجنون فأما إن كان
الوصي يتجر في مال اليتيم فتجب الزكاة فيه
قولا واحدا قاله اللخمي وغيره وأما إن كان لا
يتجر فيه ولا ينميه فالمنصوص في المذهب عن
مالك وجوب الزكاة بل حكى ابن الحاجب الاتفاق
على ذلك فقال ويجب في مال الأطفال والمجانين
اتفاقا عينا أو حرثا أو ماشية وتخريج اللخمي
النقد المتروك على المعجوز عن إنمائه ضعيف قال
في التوضيح: يعني أن أموال اليتامى إن كانت
تنمو بنفسها كالحرث والماشية أو كان نقدا ينمى
بالتجارة وجبت فيه الزكاة ولا تخريج فيه وإن
كان نقداً غير منمى فالمذهب وجوب الزكاة فيه
أيضا وخرج اللخمي أيضا خلافا من مسائل وهي ما
إذا سقط المال منه ثم وجده بعد أعوام أو دنه
فنسي موضعه أو ورث مالا فلم يعلم به إلا بعد
أعوام فقد اختلف في هؤلاء هل يزكون لسنة أو
لجميع الأعوام أو يستأنفون الحول ورده ابن
بشير بما حاصله أن العجز في مسألة الصغير من
قبل المالك خاصة مع التمكن من التصرف والعجز
في هذه المسائل من جهة المملوك وهو المال فلا
يمكن التصرف فيه ويلزم اللخمي على تخريجه
إسقاط الزكاة عن مال الرشيد العاجز عن التنمية
وإليه أشار بقوله ضعيف انتهى.
قلت: ولفظ ابن بشير مذهبنا وجوب الزكاة على من
ملك ملكا حقيقيا مكلفا كان أو غير مكلف
كالصبيان والمجانين وهذا لا خلاف فيه عندنا في
سائر أنواع الزكاة ثم ذكر كلام اللخمي ثم قال
وهذا الذي قاله غير صحيح لأن المال ها هنا
مهيأ للنماء وإنما العجز من قبل المالك ولا
خلاف أن من كان من المكلفين عاجزا عن التنمية
يجب عليه الزكاة فهذا الإجماع عليه وإنما
الخلاف إذا لم يقدر على المال انتهى. وقبل ابن
الحاجب وابن عبد السلام وابن هارون والمصنف في
التوضيح كلام ابن بشير ورده ابن عرفة بأنه
تفريق صوري ثم قال بل يرد معنى كلام اللخمي
بأن فقد المال يوجب فقد مالكه وعجز الصبي
والمجنون لا يوجبه انتهى.
(3/140)
__________
قلت: قد يقال إن كلام ابن بشير يرجع إليه
فتأمله والله أعلم. وقال الشيخ يوسف بن عمر
وجاء عن مالك أنه لا زكاة على الصغار في العين
انتهى. قلت: وهذا الذي نقله عن مالك غير معروف
له ولم أر من نقله عنه والنقول المتقدمة ترده
والله أعلم.
تنبيهات: الأول: المخاطب بزكاة مال الصبي
والمجنون وليهما ما داما غير مكلفين قال في
النوادر في كتاب الزكاة قال ابن حبيب: وليزك
ولي اليتيم ماله ويشهد فإن لم يشهد وكان
مأمونا صدق انتهى. وأصله لابن حبيب في الواضحة
ونصه قال ابن الماجشون: وعلى ولي اليتيم أن
يزكي ماله وينبغي له أن يشهد على ذلك ويعينه
ويقول هذا زكاة فلان قال عبد الملك فإن أضاع
الإعلان بها فهو مصدق إذا كان مأمونا انتهى.
وقال اللخمي في كتاب الزكاة الأول: قال ابن
حبيب: ويزكي الولي لليتيم ماله ويشهد فإن لم
يشهد وكان مأمونا صدق وهذا يحسن في كل بلد
القضاء فيه بقول مالك ولو كان بلد فيه من يقول
بسقوط الزكاة عن أمول الصبيان لرأيت أن يرفع
إلى حاكم الموضع فإن كان ممن يرى في ذلك قول
مالك أمره بإخراج الزكاة وحكم له بذلك وإن كان
ممن لا يرى ذلك لم يزكه هو وقد قال مالك في
كتاب الرهون فيمن مات فوجد في تركته خمر: إن
الولي يرفع ذلك للسلطان قال خوفا أن يتعقب
عليه يريد من الاختلاف هل يتخذ خلا وكذلك
الزكاة إلا أن يكون الولي من أهل الاجتهاد
وممن يرى في ذلك قول مالك وخفي له إخراجها
للجهل بمعرفة أصل ما وضع يده عليه فليخرجها
انتهى. وأصله للشيخ أبي محمد في النوادر قال
في كتاب الزكاة بعد أن ذكر أن الوصي يزكي مال
اليتيم وهذا إنما هو إذا لم يخف أن يتعقب عليه
بأمر وكان يخفى له ذلك فأما إن لم يخف له وهو
لا يأمن أن يتعقب بأمر لاختلاف الناس في زكاة
مال الصبي العين فلا يزكي عنه كما قالوا إذا
وجد في التركة مسكر أو خاف التعقب فلا يكسره
انتهى. وقال ابن بشير قال الأشياخ إن الوصي
يحترز في إخراج الزكاة من خلاف أبي حنيفة فإن
خفي له وأمن المطالبة أخرج من غير مطالبة حاكم
وإن حاذر المطالبة رفع إلى الحاكم وعولوا على
قوله في المدونة في الوصي يجد في التركة خمرا
أنه يرفع أمرها إلى الحاكم حتى يتولى كسرها
وهو محاذرة من مذهب المجيز تحليلها انتهى.
وقال ابن عرفة في كتاب الزكاة: الشيخ واللخمي
إنما يزكي الوصي عن يتيمه إن أمن التعقب أو
خفي له ذلك وإلا رفع كقولهم في التركة يجد
فيها خمرا انتهى. وقال في كتاب الوصايا وفي
الموازية ويزكي أي ولي اليتيم ماله ويخرج عنه
وعن عبده الفطر ويضحي عنه من ماله الشيخ إن
أمن أن يتعقب بأمر من اختلاف الناس أو كان
شيئا يخفى له وفي زكاتها ويؤديها الوصي عن
اليتامى وعبيدهم من أموالهم.
قلت: ويقول الشيخ المتقدم: قال غير واحد من
المتأخرين: لا يزكي الوصي ماله حتى يرفع إلى
السلطان فما قاله مالك إذا وجد في التركة خمرا
لا يريقها إلا بعد مطالعة السلطان لئلا يكون
مذهبه خواز التخليل وكذا يكون مذهب القاضي
سقوط الزكاة عن الصغير وقال
(3/141)
__________
بعضهم: إنما يلزم الرفع في البلاد التي يخشى
فيها ولاية الحنفي وأما غيرها فلا قاله ابن
محرز وابن بشير في آخر ترجمة أحكام نماء المال
انتهى.
قلت: فتحصل من هذا أن الوصي إذا كان مذهبه
وجوب الزكاة في مال الأطفال إما باجتهاده إذا
كان مجتهدا أو بتقليد من يقول بوجوبها إنه يجب
عليه إخراجها ولا ينظر في ذلك إلى مذهب أبي
الصبي لأن المال قد انتقل عنه ولا إلى الصبي
لأنه غير مكلف ولا مخاطب بها فإن لم يكن هناك
حاكم يقول بسقوطها لزم الوصي إخراجها ولا
يحتاج إلى الرفع إلى الحاكم نعم يشهد على ذلك
فإن لم يشهد صدق إن كان مأمونا ونظر إن كان
غير مأمون هل يلزم الغرم أو يحلف لم أر فيه
نصا وإن كان هناك حاكم يرى سقوط الزكاة عن مال
الأطفال فإن خفي للوصي إخراج الزكاة لزمه
إخراجها ولا يلزمه أن يذكر ذلك للصبي بعد
بلوغه كما يفهم من كلامهم السابق فيأمره
بإخراجها وإن لم يخف له إخراجها فإن تعدد
الحكام في البلد فكان بعضهم يرى وجوب الزكاة
وبعضهم يرى سقوطها وكان الوصي يرى وجوبها
فالذي يظهر من كلامهم أنه يلزمه الرفع للحاكم
الذي يرى وجوب الزكاة كما يلزمه إذا وجد في
التركة خمرا وكان يرى وجوب كسرها كما يظهر من
كلام ابن بشير السابق فيأمره بإخراجها ويحكم
له بذلك وأنه لا يجوز له الرفع للحاكم الذي
يرى سقوطها وإن لم يكن في البلد إلا حاكم يرى
سقوطها فالذي يظهر من كلامهم أنه لا يلزمه
الرفع إليه ولا يجب عليه ويؤخر إخراجها حتى
يبلغ الصبي فإذا بلغ الصبي فإن قلد من يقول
بسقوط الزكاة عن مال الأطفال لم يلزمه شيء
وهذا ظاهر وإن قلد من يقول بوجوبها في مال
الأطفال لزمه إخراجها قال في النوادر ومن
المجموعة قال الشيخ ابن القاسم وأشهب ويزكي
أموال المجانين كالصبيان وإذا كان وصي اليتيم
لا يزكي ماله فليزك اليتيم إذا قبضه لماضي
السنين ولو كان الوصي تسلفه سنين لم يزكه إلا
لعام واحد من يوم ضمنه الوصي انتهى. ولو رفع
الوصي الأمر لحاكم يرى سقوط الزكاة عن مال
الأطفال فحكم بسقوطها ثم بلغ الصبي وقلد من
يقول بوجوبها في مال الأطفال فالذي يظهر أن
ذلك لا يسقط الزكاة فتأمل.
الثاني: حكم المجنون حكم الصبي.
الثالث: السفيه البالغ تجب الزكاة في ماله
إجماعا ولا أعلم فيه خلافا ولا مفهوم لقوله في
التوضيح ويلزم اللخمي إسقاط الزكاة عن مال
الرشيد العاجز عن التنمية فتأمله.
الرابع: علم من هذا الكلام أن الوصي لا يلزمه
أن ينمي مال اليتيم وقد صرح بذلك اللخمي هنا
في أثناء كلامه وقال في كتاب الوصايا وحسن أن
يتجر له به وليس ذلك عليه وسيأتي الكلام على
ذلك وعلى حكم تسلف الوصي مال يتيمه وتسليفه
لغيره مستوفي إن شاء الله تعالى عند قول
المصنف في آخر باب الوصايا ودفع قراضا وبضاعة
والله أعلم. ص: "أو نقصت". ش: أي في الوزن
وراجت برواج الكاملة فلا خلاف في سقوط الزكاة
سواء كان
(3/142)
أو نقصت أو
برداءة أصل أو إضافة وراجت ككاملة وإلا حسب
الخالص ،
__________
التعامل بالوزن أو بالعدد كما صرح ابن بشير
بجميع ذلك وإن حكى ابن رشد خلافا في ذلك ومن
ضرورة هذا أن يكون النقص يسيرا إذ لا يتصور أن
يكثر النقص وتروج برواج الكاملة خصوصا إذا كان
التعامل بالوزن وإن كان النقص في العدد فقط
والوزن كامل فتجب الزكاة فيها على ظاهر المذهب
وإن كان النقص في العدد أو الوزن فإن كان
التعامل بالعدد فلا شك أن ذاك حاط لها عن
الكاملة إذ لا يتصور أن يكون عددها ناقصا
ووزنها ناقصا والتعامل بالعدد وتروج برواج
الكاملة ولذا صرح ابن بشير بأنه إذا كان النقص
في العدد والتعامل بالعدد فلا خلاف في سقوط
الزكاة وإن كان التعامل بالعدد فعلى ما تقدم
إن حطها عن الكاملة فلا زكاة وإلا وجبت الزكاة
وبالضرورة يكون ذلك يسيرا والله أعلم. ص: "أو
برداءة أصل". ش: معطوف على المحذوف الذي
قدرناه والمعنى أو نقصت في الوزن أو نقصت
برداءة أصل يريد وراجت كرواج الكاملة أي
الطيبة الأصل وأطلق عليها كاملة تجوزا واعلم
أن رداءة الأصل إن كانت لا تنقص بسببها في
التصفية فتجب الزكاة فيها كما تجب في الطيب
وإن كانت تنقص قال الباجي لا نص وأرى إن قل
وجرى كخاص وجبت الزكاة وإلا اعتبر الخالص فقط
قال ابن عرفة: والمعتبر خالصهما ورديئهما
برداءة معدنه لا لنقص تصفيته مثله وبنقص
تصفيته الباجي لا نص وأرى إن قل وجرى كخالص
وجبت الزكاة وإلا اعتبر الخالص فقط ابن بشير
المذهب انتهى. والله أعلم. ص: "أو إضافة". ش:
يعني أو كان النقص بإضافة. ص: "وراجت ككاملة".
ش: راجع إلى المسائل الثلاث لكن في الرديئة
الأصل إنما يعتبر رواجها برواج الطيبة الأصل
إذا كانت الرداءة تنقصها في التصفية والله
أعلم. ص: "وإلا حسب الخالص". ش: أي وإن لم ترج
برواج الكاملة فيحسب الخالص فقط في الرديئة
بالإضافة أو بأصلها وكان ذلك ينقصها وأما
الناقصة فتسقط الزكاة منها.
(3/143)
إن تم الملك
__________
تنبيه: وإذا اعتبر الخالص فيعتبر ما فيها من
النحاس اعتبار العروض قاله في التوضيح و قال
اللخمي: وإذا كانت الدراهم غير خالصة مختلطة
بالنحاس مثل الدراهم الجائزة اليوم فإنه ينظر
إلى وزن الفضة وقيمة ما فيها من النحاس انتهى.
ومعنى ذلك أن ينظر قيمة ذلك النحاس فيقومه
المدير ويزكيه المحتكر إذا باع ذلك والله
أعلم. ص: "إن تم الملك". ش: جعل الملك التام
للنصاب شرطا وكذا ابن الحاجب وابن عرفة وغيرهم
والظاهر أنه سبب كما قاله القرافي لأن
(3/144)
وحول غير
المعدن وتعددت بتعدده في مودعة،
__________
حده صادق عليه بخلاف حد الشرط والسبب والشرط
الشرعيان وإن اتفقا في أن كلا منهما يلزم من
عدمه العدم ولا يلزم من وجوده ولا عدم لذاته
والفرق بينهما ما قاله القرافي أن السبب
مناسبته في ذاته والشرط مناسبته في غير ذلك
فملك النصاب مشتمل على الغني ونعمة الملك في
نفسه والحول ليس كذلك بل مكمل لنعمة الملك
بالتمكن من التنمية في جميع الحول انتهى.
فتأمله
تنبيه: ذكر القرافي شرطين آخرين أحدهما التمكن
والثاني قرار الملك والأول يؤخذ مما يأتي
للمصنف في قوله: "ولا زكاة في عين فقط ورثت
إلى آخره" والثاني من قوله: "أو من لكأوجر
نفسه" وسيأتي. ص: "وحول غير المعدن". ش: يرد
عليه الركاز في الصورة التي يؤخذ منه الزكاة
فيها فإنه لا يشترط فيها الحول ولم ينبه عليه
لندوره ولأنه حينئذ شبيه بالمعدن. ص: "في
مودعة". ش: سواء كان المودع حاضرا بها أو غاب
عنه فقد قال ابن رشد في أول سماع عيسى في
رواية ابن نافع في الوديعة: إنه يزكيها لعام
واحد إذ لا قدرة له على تنميتها إلا بعد قبضها
هذا اعتراف إلا أن يكون معنى ذلك أن المودع
غائب عنه فيكون لذلك وجه فظاهره أن الرواية
الأولى لا فرق فيها بين أن يكون المودع غائبا
عنه أم لا.
تنبيه: وكذلك الحكم في البضاعة قال في سماع
أشهب في الرجل يقطع قطعة من ماله قبل أن يحول
عليها الحول فيبعث بها إلى مصر يبتاع له بها
طعاما يريد أكله لا يريد بيعا قال ما أرى
الزكاة إلا عليه ابن رشد لأن العين في عينه
الزكاة ولا تأثير لما نواه من صرفها لقوته في
إسقاط الزكاة وفي آخر سماع أصبغ من بعث دنانير
يشتري لعياله بها كسوة فإن له مثلها كأن لم
يكن عليه فيها زكاة أشهد أم لم يشهد لأن ذلك
فيما بينه وبين الله وإن لم ينو تبتلها وجبت
عليه زكاتها لأنها باقية على ملكه فإن بعث بها
ليشتريبها ثوبا لزوجته لأن ذلك من ناحية العدة
فله أن يرجع فيها ما لم يوجبها على نفسه
بالإشهاد انتهى. ويأتي في المدير أنه إذا بعث
بمال أنه إن علم قدره وحاله زكاه وإلا أخر
وزكاه لكل عام وفي الشامل ولو بعث بماله يشتري
به ثيابا له أو لأهله فحال حوله قبل الشراء
زكاه انتهى. يعني إذا عرف قدره وأنه باق والله
أعلم.
تنبيه: فإن تسلف المودع الوديعة أو أقرضها
لغيره فما أقامت قبل ذلك فعلى ربها زكاتها لكل
سنة وأما من يوم تسلفها أو أسلفها فإنما
يزكيها ربها لعام واحد قال في النوادر ويقبل
(3/145)
ومتجر فيها
بأجر لا مغصوبة ومدفونة وضائعة،
__________
قول المودع والملتقط أنه تسلف ذلك أو تركه
وأما المودع فإن تسلفها فيزكيها لكل عام إن
كان عنده وفاء بها وإن أسلفها لغيره فحكم
الغير كحكمه ويجب على المودع إذا ردها من
اقترضها أن يزكيها لعام إن كان عنده وفاء قاله
في سماع أصبغ وغيره. ص: "ومتجر فيها بأجر". ش:
قال في التوضيح: إعطاء المال للتجارة على
ثلاثة أقسام قسم يعطيه قراضا وقسم يعطيه لمن
يتجر فيه بأجر وهذا كالوكيل فيكون حكمه حكم
شرائه بنفسه وقسم يدفعه على أن الربح كله
للعامل ولا ضمان فهو كالدين عند ابن القاسم
يزكيه لعام واحد وعند ابن شعبان يزكيه لماضي
الأعوام ولا شيء على العامل انتهى. وهذا القسم
الثالث هو الذي أشار إليه المؤلف بقوله
ومدفوعة على أن الربح للعامل بلا ضمان وهي في
رسم استأذن من سماع عيسى زاد فيه فقال إلا أن
يكون صاحبها مديرا فيزكيها مع ماله إذا علم
أنها على حالها ونصه.
مسألة: وإذا قال رجل لرجل هذه مائة دينار اتجر
فيها ولك ربحها وليس عليك ضمان فليس على الذي
هي في يده ولا على الذي هي له زكاتها حتى
يقبضها فيزكيها زكاة واحدة لسنة إلا أن يكون
صاحبها ممن يدير فيزكيها مع ماله إذا علم أنها
على حالها قال ابن رشد: وقول ابن القاسم إنها
لا زكاة فيها على الذي هي في يده صحيح لأنها
ليست له ولا هي في ضمانه فسواء كان له بها
وفاء أو لم يكن بخلاف السلف قال ابن حبيب: فإن
ربح فيها عشرين دينارا استقبل بها حولا وهو
صحيح أيضا لأنه فائدة إذ لا أصل له فيزكيه
عليه فلا خلاف في أنه يستقبل بها حولا وقوله
لا زكاة على صاحبها لأنه لا يقدر أن يحركها
بنفسه فأشبهت اللقطة انتهى. وقال اللخمي في
باب زكاة القراض: لم يختلف في أنه إذا كان
المال بيد العامل بإجارة بدنانير معلومة أنه
يزكى قبل رجوعه إلى ربه انتهى. بالمعنى والله
أعلم. ص: "لا مغصوبة". ش: أي فلا تتعدد الزكاة
فيها بل يزكيها لعام واحد على المشهور وأما
الغاصب فإنها في ضمانه يلزمه أن يزكيها إن كان
عنده من العروض ما يجعله فيها كما قاله في رسم
(3/146)
__________
استأذن من سماع عيسى وقوله في التوضيح إنه ليس
على الغاصب زكاة يحمل على ما إذا لم يكن عنده
وفاء بها فتأمله والله أعلم. قال ابن عرفة:
والنعم المغصوبة ترد بعد أعوام ففيها لابن
القاسم يزكي لعام فقط وله مع أشهب لكل عام
فخرج اللخمي الأول على عدم رد الغلات وخرج
عليه أيضا استقباله بها عليه في العين ثم فرق
برد الولد وهو عظم غلتها ابن بشير لم يقل أحد
باستقباله للاتفاق على رد الولد إلا على قول
السيوري إنه غلة فنقل ابن الحاجب استقباله نصا
وهم اللخمي وعلى رد الغلات الثاني اتفاقا وعلى
عدم الرد لو زكيت عند الغاصب يختلف في رجوع
ربها عليه زكاتها لأنه يقول لو ردت على قبل
زكاتها لم أزكها ولا يأخذها الساعي منك لو علم
أنك غاصب الصقلي وعلى الثاني لو اختلف قدرها
في أعوامها فكمختلف عنه وفيها لو زكيت لم تزك
عبد الحق اتفاقا وقول بعض القرويين فيه الخلاف
لأنه ضمنها فيغرم لربها ما يؤديه الساعي غير
صحيح لأن ما دفع له واجب عليه والنخل المغصوبة
ترد مع ثمرها تزكى إن لم تكن زكيت عبد الحق
بخلاف النعم في قول لأن لربها أخذ قيمتها لطول
حبسها فأخذها كابتداء ملكها ولو أخذ قيمة
الثمر لجذه الغاصب قبل طيبه أو لجهل ملكيتها
زكى قيمتها انتهى.
قلت: لا يصح الأول لأنه كبيعها قبل طيبها فلو
رد مما بلغ كل سنة نصاباً ما إن قسم على سنيه
لم يبلغه لكل سنة وهو نصاب فأكثر ففي زكاته
استحسان ابن محرز وقياسه مع التونسي وعزا أبو
حفص الأول لأبي عبد الرحمن واختاره والثاني
لابن الكاتب قال ثم إنه رجع إلى أنه لو قبض
ثمانية أوسق زكى خمسة وترك الثلاثة حتى يقبض
وسقين انتهى. ص: "وضائعة". ش: ولو أقامت
أعواما سواء حبسها لصاحبها أو ليتصدق بها وإن
حبسها ليأكلها فليزكها العام واحد ولا شيء على
الملتقط إلا أن ينوي حبسها لنفسه فيزكيها لحول
من يوم نوى ذلك وقيل يحركها والأول هو الجاري
على ما مشى عليه المصنف في باب اللقطة وقال
ابن عرفة: وفي صيرورتها دينا على ملتقطها
بإرادة أكلها أو بتحريكه لها نقلا الشيخ عن
سحنون مع المغيرة وعن ابن القاسم في المجموعة
وعزا ابن رشد الأول لروايتي ابن القاسم وابن
وهب انتهى. والله أعلم. وعبر المصنف بالضائعة
ليعم الملتقطة وغيرها لأن حكمهما واحد كما صرح
به ابن رشد في رسم استأذن سيده من سماع عيسى
ابن دينار وعلى هذا فقول البساطي: "إن من شرط
الضائعة أن تلتقط" ليس
(3/147)
ومدفوعة على أن
الربح للعامل بلا ضمان ولا زكاة في عين فقط
ورثت إن لم يعلم بها أو لم توقف إلا بعد،
__________
بجيد والله أعلم. ص: "ومدفوعة على أن الربح
للعامل بلا ضمان". ش: قد تقدم الكلام عليها
فوق هذا واحترز بقوله بلا ضمان مما لو كان
ضامنا لها فإنها حينئذ تصير سلفا في ذمته
والله أعلم . ص: "ولا زكاة في عين فقط ورثت إن
لم يعلم بها أو لم توقف إلا بعد
(3/148)
حول بعد قسمها
أو قبضها ولا موصى بتفرقتها،
__________
حولها". ش: عبارة صاحب الشامل أحسن من عبارة
المصنف حيث قال وإن ورثت عينا استقبل بها حولا
من قبضه أو قبض رسوله ولو أقام أعواما أو علم
به أو وقف له على المشهور ويزكي الحرث
والماشية مطلقا انتهى. كأن القيود التي في
كلام المصنف رحمه الله غير معتبرة على المشهور
ونبه على ذلك ابن غازي. ص: "بعد قسمها أو
قبضها". ش: قال ابن عرفة: وفيها حول إرث
الأصاغر من يوم قبض وصيهم معينا لهم وإن كانوا
كبارا أو صغارا لم يكن قبض الوصي قبضا لهم حتى
يقسموا فيستقبل الكبار بحظهم حولا ويستقبل
الوصي للصغار بحظهم حولا من يوم القسم انتهى.
ابن فرحون والمشهور أن قبض وكيله كقبضه انتهى.
وصرح به في المدونة وابن عرفة ونص فأتى رسول
الوارث كقبضه ومدة تحلفه لعذر كمدته قبل قبضه
ويختلف في لغو مدة حبسه الوكيل تعديا وكونه
كذلك انتهى. وفي لفظه إجحاف ولفظ اللخمي
ويختلف إذا حبسه الوكيل تعديا هل يستأنف به
حولا أو يزكيه لعام واحد ولا خلاف أنه لا
يزكيه لكل عام لأنه صار دينا عليه انتهى. ص:
"ولا موصى بتفرقتها". ش: الظاهر أنه أراد
العين ويحتمل أن يريد معها الماشية والحكم
فيها كذلك سواء كانت على مجهولين أو في السبيل
أو على معينين على مذهب ابن القاسم خلافا
لأشهب يعني في الماشية قاله الرجراجي في شرحه
على المدونة و قال اللخمي: وكذلك النخل قال في
النوادر في ترجمة زكاة الأموال توقف لتفرق
أعينها ومن كتاب ابن المواز وكتاب ابن عبدوس
ومن رواية ابن القاسم وأشهب عن مالك وإذا كانت
دنانير يعرف أصلها فلم تفرق حتى أتاها الحول
فلا زكاة فيها قال في كتاب ابن المواز كانت
على معينين أو مجهولين أو في السبيل كانت وصية
أو في الصحة قال ابن القاسم: وكذلك الإبل
والبقر والغنم تفرق رقابها في السبيل أو تباع
لتفرق أثمانها فيأتي عليها الحول قبل أن تفرق
فلا زكاة فيها كالعين قاله مالك قال أشهب في
المواشي: إذا كانت تفرق على غير معينين فهي
كالعين وإن كانت تفرق على معينين فهم كالخلطاء
والزكاة على من في حظه منهم ما فيه الزكاة
منها وأما العين تفرق على معينين فلا شيء
عليهم وإن كان نصيب كل واحد ما فيه الزكاة وإن
كانت تفرق على
(3/149)
ولا مال رقيق
ومدين وسكة وصياغة وجودة وحلي وإن تكسر إن لم
يتهشم،
__________
مجهولين فالعين والماشية سواء لا زكاة في ذلك
ورواه ابن القاسم وأشهب عن مالك في العين
انتهى. كلام النوادر والله أعلم. ص: "ولا مال
رقيق". ش: قال في الشامل: ولا تجب على عبد وإن
بشائبة إذ ملكه لم يكمل ولا على سيده عنه فإن
عتق استقبل حولا بالنقد والماشية كسيده إن
انتزعهما وأما غيرهما فعلى حكمه انتهى. ص:
"وحلي". ش: يعني لا زكاة في الحلي إذا سلم مما
سيأتي ذكره سواء كان لرجل أو امرأة واعلم أن
الزكاة تسقط عن حلي الرجل في وجه واحد باتفاق
وهو ما إذا اتخذه لزوجته أو أمته أو ابنته أو
خدمه أو ما أشبه ذلك إذا كانت موجودة واتخذه
لتلبسه الآن وكذلك خاتمه الفضة وحلية لسيفه
ومصحفه وتجب في وجه واحد باتفاق وهو ما إذا
اتخذه للتجارة ويختلف فيما عدا ذلك مما سيأتي
وتسقط الزكاة عن حلي المرأة في وجهين باتفاق
وهو ما إذا اتخذته للباسها أو لابنة لها
لتلبسه الآن وتجب في وجه باتفاق وهو ما إذا
اتخذته للتجارة. ص: "إن لم يتهشم". ش: فإن
تهشم
(3/150)
__________
فتجب الزكاة فيه بعد حول من يوم تهشم هذا
تأويل ابن يونس على المدونة قال وقاله بعض
أصحابنا وقال ابن عرفة: الباجي: روى محمد لا
زكاة في التبر والحلي المكسور يريد أهله
(3/151)
ولم ينو عدم
إصلاحه أو كان لرجل أو كراء إلا محرماً أو معد
لعاقبة،
__________
إصلاحه انتهى. فلعله يريد بالتبر الحلي
المتهشم وأما التبر المأخوذ من المعدن فيبعد
أن يكون مرادا والله أعلم. ص: "ولم ينو عدم
إصلاحه". ش: هذا أعم من قوله في المدونة: ولا
زكاة فيما انكسر من الحلي فحبس لإصلاحه ومن
قوله في النوادر: ولا زكاة في الحلي من ذهب أو
فضة يتخذه الناس وكذلك ما انكسر منه مما يريد
أهله إصلاحه انتهى. وكان المصنف رحمه الله
تعالى يرى أنه إذا لم يتهشم ولو ينو صاحبه عدم
إصلاحه فكأنه حبسه لإصلاحه فتأمله والله أعلم.
ص: "أو كراء". ش: كذلك ما اتخذ للعارية قاله
اللخمي. ص: "إلا محرم اللبس". ش: قال البساطي
وفي بعض النسخ إلا محرما بغير لبس قال هي التي
نشرح عليها وهي الأحسن لأنها تشمل الحلي
المحرم سواء كان ملبوسا أو لا انتهى. بالمعنى
ودخل في كلام المصنف حلي الصبيان فإنه على ما
شهره أول الكتاب محرم اللبس إذ قال وحرم
استعمال ذكر محلي أعم من أن يكون صغيرا أو
كبيرا وقال الشيخ زروق في شرح الإرشاد وحلية
الصبيان من المباح على المشهور انتهى. وما
ذكره الشيخ زروق في حلي الصبيان تبع فيه صاحب
الشامل وهو تابع للخمي فالخلاف في الزكاة جار
على الخلاف في جواز لبسه ورجح في التوضيح في
الحج عدم الجواز.
فرع: قال في النوادر ومن اتخذ أنفا من ذهب أو
ربط به أسنانه فلا زكاة فيه انتهى.
فرع: قال في التوضيح: قال في الجواهر: قال ابن
شعبان: وما جعل في ثياب الرجل أو الجدر من
الورق فإن كان يمكن أن يخرج منه قدر يفضل عن
أجرة عامله زكي إن كان فيه نصاب أو كمل به
النصاب ذهبا كان أو ورقا و تحلية غير المصحف
من الكتب لا تجوز أصلا انتهى. وقال قبله:
فرع: وأما تحلية الكعبة والمساجد بالقناديل
وعلائقها والصفائح على الأبواب والجدر وما
(3/152)
أو صداق أو
منوياً به التجارة وإن رصع بجوهر وزكى الزنة
إن نزع بلا ضرر وإلا تحرى
__________
أشبه ذلك بالذهب والورق فقال ابن شعبان يزكيه
الإمام لكل عام كالمحبس الموقوف من الأنعام
والموقوف من الماء المعين للقرض قال عبد الحق:
وأعرف في المال لإصلاح المساجد والغلات
المحبسة في مثل هذا اختلافا بين المتأخرين في
زكاة ذلك قال والصواب عندي في ذلك أن لا زكاة
في شيء موقوف على من لا عبادة عليه من مسجد
ونحوه والله أعلم. انتهى. وقال الشيخ زروق في
شرح الإرشاد ويزكي ما اتخذ لتجارة أو حلية
كعبة ولو قنديلا ونحوه أو صفيحة بجدار ونحوه
انتهى. ص: "أو صداقا". ش: قال اللخمي: وكذلك
إذا اتخذه ليلبسه لزوجة لم يتزوجها الآن
لجارية يشتريها بعد ذلك أو لابنة له إذا كبرت
أو إذا وجدت فتجب الزكاة عند مالك وابن القاسم
خلافا لأشهب. ص: "أو منويا به التجارة". ش:
ولو كان أصله للقنية وينتقل للتجارة كما قاله
ابن الحاجب وغيره.
فرع: ولو ورث حليا ولو ينو به تجارة ولا قنية
قال اللخمي في تبصرته: يزكيه على مذهب ابن
القاسم ولا يزكيه على مذهب أشهب فرأى ابن
القاسم أنه كالعين تجب فيه الزكاة ما لم تكن
بنية القنية وهي استعمال ورأى أشهب أنه كالعرض
لا زكاة فيه حتى ينوي به التجارة وإلى هذا ذهب
مالك في مختصر ما لبس في المختصر انتهى. ص:
"وإلا تحرى". ش: أي وإن لم يكن نزعه بلا ضرر
فيتحرى زنة ما فيه من النقد فيزكيه وأما
الجوهر الذي معه أو السيف ونحو ذلك فإنه
كالعرض إن كان مديرا قومه وزكاه لكل عام وإن
كان محتكرا فإذا باعه فض الثمن على قيمة النصل
وقيمة الحلي مصوغا فيزكي ما ناب النصل من ذلك
أو يزكي ما زاد من الثمن على ما زكى تحريكا
قاله ابن رشد في سماع أشهب والله أعلم. وقال
في النكت إنما يفض الثمن على قيمة الحجارة
وقيمة ما فيها من الحلية لا على وزن ذلك فيصير
زكاته أولى على تحري الوزن وفضه الثمن حين
المبيع لا على الوزن انتهى. وهو ظاهر والله
أعلم. وهذا إذا كان للتجارة وإن لم يكن
للتجارة فلا يجب في ثمن العرض زكاة والله
(3/153)
وضم الربح
لأصله كغلة مكتري للتجارة ولو ربح دين لا عوض
له عنده ،
__________
أعلم. ص: "وضم الربح لأصله". ش: الربح ما زاد
من ثمن سلع التجارة على ثمنها الأول ذهبا أو
فضة قال ابن الحاجب: وإنما النقد ربح وفائدة
وغلة. ص: "ولو ربح دين لا عوض له عنده". ش:
يعني أن الربح يزكى لحول أصله ولو كان نشأ عن
دين لا عوض له عنده إما بأن يكون استلف دنانير
وتجر فيه حولا قال ابن رشد: إلا أن حول الذي
تسلف الدنانير وتجر فيها محسوب من يوم تسلف
الدنانير لأنه ضامن لها بالسلف وفي عينها
الزكاة وحول ربح الذي تسلف العرض ليتجر فيه
محسوب من يوم تجر في العرض لا من يوم استلف من
أجل أن العرض لا زكاة في عينه وحول ربح الذي
اشترى فتجر فيه محسوب من يوم اشتراه إن كان
اشتراه للتجارة وإن كان اشتراه للقنية ثم بدا
له فتجر فيه فهو محسوب من يوم باعه وقيل من
يوم نض ثمنه في يده انتهى. من رسم أوصى من
سماع عيسى وقول المصنف في التوضيح ولا صورة
المسألة فيمن تسلف عشرين دينارا فاشترى بها
سلعة أقامت حولا ثم باعها بأربعين ولم يكن
عنده عوض للعشرين يوهم أنه يشترط في السلعة
المشتراة مرور حول عليها أو أن الربح يزكى
لحول الشراء وليس كذلك كما تقدم في كلام ابن
رشد نعم ذكر ابن عرفة قولا في المسألة أن
الربح يزكى لحول من الشراء وذكر ابن فرحون أن
الباجي وابن شاس وابن راشد قالوا في فرض
المسألة رجل تسلف عشرين دينارا فبقي المال
بيده حولا ثم اشترى به سلعة أقامت عنده حولا
ثم باعها بأربعين ثم قال والدي وهذا ليس بشرط
بل لو اشترى به من يومه وحال الحول على السلعة
كان الحكم سواء انتهى. وقد علمت أن مرور الحول
على السلعة ليس شرطا أيضا.
تنبيهات: الأول: نص في العتبية على أن الربح
هنا لا بد أن يكون نصاباً فأكثر وهو ظاهر لأن
الفرض أن الأصل لا ملك له فيه ولا عوض له عنده
ولا تجب الزكاة على أحد فيما
(3/154)
ولمنفق بعد
حوله مع أصله وقت الشراء،
__________
دون النصاب قال في رسم أوصى من السماع المذكور
فيمن تسلف عرضا فتجر فيه حولا ثم رد ما استسلف
من ذلك وفضل له ما يجب فيه الزكاة إنه يزكي
هذه الفضلة وقال في رسم أوله لم يدرك من
السماع المذكور وقال مالك في الذي يتسلف مائة
دينار وليس له مال غيرها فيشتري سلعة فيربح
فيها ما تجب فيه الزكاة فقال: إذا باع السلعة
قضى المائة وزكى ما بقي إن كان بقي تجب فيه
الزكاة إذا كان قد حال على المائة الحول قال
ابن رشد: يريد من يوم تسلفها انتهى. وفي رسم
العتق من سماع عيسى من كتاب الزكاة ما يدل على
ذلك أيضا والله أعلم.
الثاني: هذا إذا كان المال دينا وأما لو أعطى
له مال على أن يتجر فيه ولا ضمان عليه فيه
فإنه يستقبل بالربح حولا اتفاقا كما تقدم في
كلام ابن رشد.
الثالث: يفهم من كلام المصنف بالأحروية أنه لو
كان عنده مثل الثمن الذي اشترى به ولم ينقده
حتى حال الحول أنه يزكي الربح لحول الأصل وهذا
هو المشهور وقيل لحول الشراء وقيل يستقبل به
حولا.
الرابع إذا كان بيده دون النصاب وحال عليه
الحول ثم اشترى به سلعة وباعها بعد يوم أو شهر
أو شهرين فإنه يزكي الجميع يوم يبيع ويكون
حوله من يومه وأما لو كان عنده نصاب وحال عليه
الحول ولم يزكه ثم اشترى به سلعة فباعها بعد
الحول بيوم أو شهر أو شهرين فإنه يزكي المال
الذي حال عليه ولا يزكي الربح إلا لحول من يوم
وجبت الزكاة في أصله قاله في سماع ابن القاسم
من كتاب الزكاة والله أعلم. ص: "ولمنفق بعد
حوله مع أصله وقت الشراء". ش: قال الشارح في
الكبير يتعلق وقت الشراء بضم وليس بظاهر لأن
الضم إنما وقع
(3/155)
واستقبل بفائدة
تجددت لا عن مال كعطية،
__________
بعد بيع السلعة ولأنه لا يفيد حينئذ أن
الإنفاق وقع بعد الشراء وهو المقصود لأنه شرط
الضم عند ابن القاسم وعلقه البساطي بمنفق لأنه
قال والمال المنفق وقع إنفاقه بعد الشراء بأصل
الربح أو مع الشراء انتهى. وفي تصور الإنفاق
والشراء في وقت واحد بعد ودخول في عهدته إذ
المنقول إنما هو في حكم الإنفاق بعد الشراء أو
قبله ولا بد من تكلف بأن يقول يريد أو بعده
وقال ابن غازي وقت الشراء بمعنى بعد الشراء
وهو ظاهر إلا أن كون وقت بمعنى بعد بعيد
والظاهر أن يعلق بمحذوف ويكون حالا من الربح
والتقدير: وضم الربح لمال منفق بعد أن حال
عليه الحول مع أصل الربح حالة كون الربح مقدرا
حصوله وقت الشراء فيفهم منه أنه إن حصل
الإنفاق بعد الشراء ضم الربح للمنفق لأنه يقدر
حصول الربح حينئذ وإن حصل الإنفاق قبل الشراء
فلا يضم لأن الربح حينئذ لم يقدر حصوله ويقيد
أيضا أن هذا القول مبني على تقدير الربح
موجودا من يوم الشراء وهذا مذهب المدونة قال
في تصحيح ابن الحاجب وهو المشهور والله أعلم.
تنبيه: لو كان الإنفاق قبل الحول لم يضم
للمنفق اتفاقا نقله ابن عرفة. ص: "واستقبل
بفائدة تجددت لا عن مال كعطية". ش: تصوره واضح
(3/156)
أو غير مزكي
كثمن مقتنى وتضم ناقصة وإن بعد تمام لثانية أو
ثالثة ،
__________
فرع: قال في البيان في سماع سحنون من كتاب
الزكاة قال سئل سحنون عن الذي يتصدق على الرجل
بألف درهم وعزلها المتصدق فأقامت سنين فلم
يقبلها المتصدق عليه أو قبلها قال إن قبلها
استقبل بها حولا وسقط ما مضى من السنين وإن لم
يقبلها رجعت إلى صاحبها وأدى عنها زكاة ما مضى
من السنين قال ابن رشد: وفي النوادر لابن
القاسم من رواية سحنون عنه إن قبلها المتصدق
عليه استقبل بها حولا ولم تسقط عنه الزكاة وجه
قول سحنون أنه لما تصدق المتصدق بالدنانير
وللمتصدق عليه أن لا يقبلها صارت الصدقة
موقوفة على قبوله فإن قبل خرجت من ملك المتصدق
يوم تصدق بها فلم يجب عليه زكاتها ووجه قول
ابن القاسم أن المتصدق عليه لما كان له أن
يقبل ويرد بما أوجب له المتصدق على نفسه وكان
إن قبل وجبت له الصدقة بالقبول وجب أن لا يخرج
عن ملك المتصدق إلا بالقبول فكان عليه زكاتها
ثم قال ولو كانت هذه الصدقة من ماله غلة لكانت
الغلة على قول ابن القاسم للمتصدق إلى يوم
القبول إن قبل وعلى قول سحنون تكون للمتصدق
عليه إن قبل انتهى. ونقله ابن عرفة إثر كلامه
على زكاة الدين الموهوب.
فرع: قال في الشامل: ولا زكاة في الغنيمة على
المشهور انتهى. ص: "أو غير مزكى". ش: يعني أو
تجددت عن غير مزكى كثمن عروض القنية. ص: "وتضم
ناقصة وإن بعد تمام
(3/157)
إلا بعد حولها
كاملة فعلى حولها كالكاملة أولاً،
__________
الثانية أو ثالثة لا بعد حولها كاملة فعلى
حولها كالكاملة أولا". ش: يعني أن ملكا إذا
تعددت فإن كانت الأولى ناقصة عن النصاب فإنها
تضم للثانية ولو كان النقص عارضا لها بعد أن
كانت نصابا تاما إذا لم يحل عليها الحول وهي
نصاب فإذا ضمت الأولى للثانية صارتا كأنهما
فائدة واحدة فإن حصل منهما نصاب كان حكمه حكم
ما إذا كانت الأولى نصابا وإن كان مجموع
الأولى والثانية أقل من نصاب ضم إلى الثالثة
وهكذا قال في النوادر ومن قول مالك وأصحابه أن
من أفاد مالا بعد مال فإنه إن كان الأول ليس
فيه ما يزكى فإنه يضم إلى ما بعده حتى يبلغ
عدد مال الزكاة ثم ما أفاد بعد ذلك كان له حول
مؤتنف وإن كان المال الأول فيه الزكاة فلكل ما
أفيد بعده حول مؤتنف انتهى. وقوله إلا بعد
حولها كاملة يعني أن الأولى إذا عرض لها النقص
تضم للثانية إلا إذا كان النقص إنما عرض لها
بعد أن حال عليها الحول كاملة فإنها حينئذ لا
تضم لما بعدها بل تزكي على حولها يريد إذا كان
فيها وفيما بعدها نصاب قال في المدونة فإن
رجعا معا إلى ما لا زكاة فيه إذا جمعتا بطل
وقتاهما ورجعا كمال واحد لا زكاة فيه ثم إن
أفاد من غيرهما مما يتم به معهما ما فيه
الزكاة استقبل بالجميع حولا من يوم أفاد المال
الثالث انتهى. وقوله كالكاملة أولا يعني أن
الفائدة الأولى إذا كانت كاملة من أول الأمر
فإنها لا تضاف إلى ما بعدها ولا يضاف إليها
وكمالها إما من أصلها كما إذا استفاد عشرين
دينارا واستمرت في يده حتى حال عليها الحول
وزكاها أو كانت دون النصاب وربح فيها ما كملت
به نصابا قبل حول لأن الربح يضم إلى أصله كما
تقدم قال في المدونة قال مالك: من أفاد خمسة
دنانير ثم أفاد بعد خمسة أشهر خمسة أخرى فتجر
في الخمسة الأولى فصارت تربحها نصابا زكى كل
فائدة لحولها ولو تجر في الخمسة الثانية قبل
تمام حولها فربح فيها خمسة عشر فأكثر أضاف
الخمسة الأولى إلى حول الثانية انتهى.
(3/158)
وإن نقصتا فر
بح فيهما أو في إحداهما أو تمام نصاب عند حول
الأولى أو قبله فعلى حوليهما وفض ربحهما وبعد
شهر فمنه والثانية عند حولها وعند حول الثانية
أو شك فيه ،
__________
تنبيه: قد علم مما تقدم أن الأولى إذا أتى
عليها حولها وهي نصاب إما من الأصل أو بربحها
زكيت كل فائدة على حولها وإن استمرت ناقصة من
أصلها أو نقصت قبل الحول واستمر بها النقص حتى
أتى حول الثانية أنها تضم إليها وبقي صورة وهي
ما إذا أتى الحول على الأولى وهي ناقصة ثم
كملت بربحها قبل حول الثانية والحكم فيها أن
تزكى الأولى حين كمالها ويكون حولها من يومئذ
وتكون الثانية على حولها. ص: "وإن نقصتا فربح
فيهما أو في إحداهما تمام نصاب عند حول الأولى
أو قبله فعلى حوليهما وفض ربحهما وبعد شهر
فمنه والثانية على حولها وعند حول والثانية
أوشك فيه لأيهما فمنه كبعده". ش: أي نقص مجموع
الفائدتين عن النصاب يريد بعد أن حال الحول
على الأولى وهي كاملة وكانت كل
(3/159)
__________
فائدة: تزكى على حولها وقد تقدم عن المدونة
أنهما صارا بمنزلة مال واحد ويضمان لما بعدهما
من الفوائد هذا إذا لم يحصل فيهما ربح وأما إن
اتجر فيهما أو في أحدهما فربح ما يكمل به
معهما نصاب فإنه ينظر في وقت كمالها بالربح
ولا يخلو الحال فيه إما أن يكون قبل حول
الأولى أو عنده أو بعده وقبل حول الثانية أو
عند حول الثانية أو بعده وقد تكلم المصنف
عليها جميعا.
تنبيهات: الأول: قوله: وفض ربحهما يعني أن
الربح إذا كان فيهما جميعا يريد وقد خلطهما
فإنه يفض عليهما بقدر عدديهما ويزكي مع كل
واحدة ما يخصها وإن لم يخلطهما زكى كل واحدة
بربحها وإن كان الربح في إحداهما فقط زكاها
بربحها وزكى الأخرى بغير ربح وهذا جار في جميع
وجوه هذه المسألة أعني قوله: وإن نقصتا إلى
آخره وصرح به في رسم الثمرة من سماع عيسى
الثاني قوله: وبعد شهر فمنه لا خصوصية للشهر
بل المراد أن يكون بعد حول الأولى وقبل حول
الثانية وأشار إلى ذلك في التوضيح.
الثاني: قوله: "أو شك فيه لأيهما" المتبادر أن
المراد إذا شك في الربح لأي الفائدتين هو فإنه
يزكي لحول الثانية ويزكي الجميع لحولها وهذا
والله أعلم. كما قال ابن غازي إنما يتصور في
الفائدتين الناقصتين من الأصل لا في الراجعتين
للنقص بعد التمام وذلك لأن الراجعتين لو
تحققنا أن الربح إنما نشأ عن الثانية لم يجعل
حول الجميع من حولها بل ننظر متى حصل الربح
بحسب الأوجه المتقدمة. وأما الناقصتان من
الأصل فقد تقدم أنه لو حصل في الأولى ربح كملت
به نصابا زكيت كل واحدة على حولها وإن لم يحصل
في الأولى وحصل في الثانية ضمت الأولى إليها
فإذا شك هل هو للأولى أو للثانية فيجعل
للثانية وتضم الأولى إليها لأنا لو جعلناه
للأولى أو قسمناه بينهما وزكينا الأولى لذلك
على حولها لاحتمل أن يكون إنما نشأ عن الثانية
ونكون زكينا الأولى قبل الحول وهذا ظاهر ولم
يذكر أحد ممن رأيت هذا الفرع إلا في الناقصتين
من الأصل ويحتمل أن يكون معنى قوله: أوشك فيه
لأيهما أي شك في الربح لأي الحولين حصل هل عند
حول الأولى أو عند حول الثانية وهذا إذا فرض
على هذا الوجه فالظاهر أنه يجعل عند حول
الثانية ولم أقف عليه منصوصا والله أعلم.
الثالث: ولو زكاهما على حوليها ما شاء الله ثم
رجعا بعد أن زكى أحدهما إلى ما لا تجب فيه
الزكاة ثم بالربح فيهما أو في أحدهما قبل أن
يأتي حول المال الثاني بقيا جميعا على حوليهما
المتقدمين بأعيانهما يزكي كل مال منهما على
حوله بربحه إن كان الربح فيهما جميعا وقد
خلطهما أو لم يخلطهما غير أنه إن لم يخلطهما
زكى كل مال منهما على حوله بربحه الذي ربحه
فيه لا إن كان قد خلطه فض الربح عليهما فزكى
مع كل واحد منهما ما ينو به من الربح وإن كان
الربح في أحدهما زكاه بربحه وزكى الآخر بغير
ربح انتهى. من البيان من رسم الثمرة من سماع
عيسى.
فرع: منه أيضا ولو زكاهما على حوليهما ما شاء
الله ثم رجع إلى ما لا زكاة فيه إذا
(3/160)
لأيهما فمنه
كبعده وإن حال حولها فأنفقها ثم حال حول
الثانية ناقصة فلا زكاة،
__________
جمعا ثم أتى حول الأولى وهما ناقصتان عما تجب
فيه الزكاة فترك تزكيتهما ثم بعد أشهر وقبل أن
يأتي حول المال الثاني ربح فيهما أو في أحدهما
ما فيه النصاب فإنه يزكي الأولى حينئذ ويترك
الثانية إلى حولها ثم بعد أن ترك الثانية إلى
حولها نقصت عما تجب فيه الزكاة وأتى حول
الثانية وهي ناقصة فترك تزكيتهما ثم بعد أشهر
رجعتا بالربح فيهما أو في أحدهما إلى ما فيه
الزكاة فإنه يزكي الثانية الآن أيضا وتبقى
الفائدتان على هذين الحولين انتهى.
فرع: وإن حل حول الأولى وفيها ما تجب فيه
الزكاة فزكاها فنقصتا عما في الزكاة فحل حول
الثانية وهما حينئذ ناقصتان فلم يزك شيئا ثم
رجعا قبل أن يحول حول الأولى يعني الحول
الثاني إلى ما فيه الزكاة فإنه يصير يومئذ
حولا للثانية وتبقى الأولى على حولها ويصنع في
الربح كما وصفنا انتهى. بالمعنى من ابن يونس.
فرع: قال في النوادر: ومن كتاب ابن سحنون ومن
أفاد خمسة عشر دينارا ثم إلى ستة أشهر أفاد
ثلاثة دنانير فخلط المالين ثم أخذ من جملتهما
ثلاثة فتجر فيها فربح ثلاثة فليقسم الربح على
المالين فينوب الخمسة عشر ديناران ونصف
والثلاثة نصف دينار ويبقى المالان على حوليهما
يريد حول آخرهما ولو ربح ستة دنانير وقع للمال
خمسة فيصير بربحه ما فيه الزكاة فيزكيه لحوله
والمال الثاني لحوله يريد إذا كان هذا الربح
قبل أن يضمهما حول آخرهما قال ولو ضمهما حول
آخرهما قبل الربح لم يرجعا إلى حولين ويبقى
حولهما واحدا ولو تجر في المالين فربح فيه ستة
دنانير ثم لم يدر أيهما هو فليزكهما على حول
آخرهما ولا يفضه بالشك فقد يزكي المال الأول
قبل حوله انتهى. والله أعلم. ص: "وإن حال
حولها فأنفقها ثم حال حول الثانية ناقصة فلا
زكاة". ش: يعني أنه إذا حال حول الفائدة
الأولى ثم أنفقها بعد حولها ثم حال حول
الفائدة الثانية ناقصة عن النصاب فلا زكاة
فيها وهذا هو المشهور وقول ابن القاسم وسواء
كانت الفائدة الأولى نصابا وزكاها أو دون نصاب
قال في المدونة ومن أفاد ما فيه الزكاة ثم
أفاد بعده ستة أشهر ما لا زكاة فيه فزكى الأول
لحوله ثم أنفقه قبل حول الثاني فإذا حل حول
الثاني لم يزكه إلا أن يكون عنده مال أفاده
معه أو قبله وبعد الأول ولم يتلفه وفي هذا
الأوسط مع المال الثالث ما فيه الزكاة
فليزكهما لحول آخرهما انتهى. و قال في
التوضيح: لو ملك عشرة في المحرم وعشرة في رجب
وحال حول المحرمية ثم أنفقها وضاعت
(3/161)
وبالمتجدد عن
سلع التجارة بلا بيع كغلة عبد ،
ـــــــ
ثم حال حول الثانية ناقصة عن النصاب فهل تسقط
الزكاة عنها أم لا قال بالسقوط ابن القاسم
لأنه يشترط اجتماعهما في الملك وكل الحول ولم
يصل الاجتماع في كل الحول وقال أشهب بوجوب
الزكاة لأنه إنما يشترط اجتماعهما في بعض
الحول قال واحترز بقوله ضاعت الأولى مما إذا
ضاعت الثانية فإنهما يتفقان على سقوط الزكاة
وبقوله بعد حولهما مما لو أنفق الأولى قبل
حولها فإنه لا خلاف إذ ذاك في سقوط الزكاة
وينقصان الثانية مما إذا حال حول الثانية
كاملة فإنهما حينئذ يتفقان على وجوب الزكاة في
الثانية ويختلفان في الأولى انتهى. ص:
"وبالمتجدد عن سلع التجارة بلا بيع لها كغلة
عبد". ش: أي واستقبل بالمتجدد عن سلع التجارة
إن كان في عينه الزكاة كالدنانير والدراهم
وإلا استقبل بثمنه حولا كما صرح به في المدونة
وكان ذلك فائدة أفادها وفهم منه من باب أحرى
أنه يستقبل بالمتجدد عن السلع المشتراة للقنية
وهو كذلك أيضا يستقبل بالمتجدد عن السلع
المكتراة للقنية وأما السلع المكتراة للتجارة
فإن غلتها كالربح وعلى قول ابن القاسم الذي
مشى عليه المؤلف ولو قال عن رقاب التجارة عوض
قوله: سلع لكان أوضح لأن الحكم في علة الرقاب
هو الحكم في علة السلع أو لو قال عن رقاب
التجارة وسلعها أو نحو ذلك والله أعلم. قال
الشيخ أبو الحسن الصغير في الشرح الكبير: وأما
منافع الرقاب فلا يخلو أن تكون متولدة عما
اشترى للقنية أو عما اشترى للتجارة أو عما
اكترى للتجارة فإن كانت متولدة عما اشترى
للقنية فلا زكاة فيها إذ هي تبع للأصل حتى
يمضي لها حول من يوم قبضها قولا واحدا انتهى.
وقوله من يوم قبضها لا يريد أو قبض ثمنها إن
كانت ثمرة هذا حكم منافع السلع المشتراة
للقنية وأما السلع المكتراة للقنية فصرح به
ابن الحاجب والمصنف أما المصنف فمهفوم قوله
قبل هذا فضم الربح لأصله كغلة مكترى للتجارة
وصرح بالمفهوم في التوضيح وقوله بعد هذا إلا
إن لم يكن أحدهما للتجارة والله أعلم. وهذا
حكم سلع القنية مشتراة أو مكتراة أو التي ليست
للتجارة ولا للقنية وأما المتجدد عن سلع
التجارة فلا يخلو إما أن تكون تلك السلع
مكتراة أو مشتراة فهي المرادة هنا بقول المصنف
وبالتجدد عن سلع التجارة إلى أن قال وثمرة
مشتري وأطلق رحمه الله في أن ثمن ثمرة المشتري
للتجارة يستقبل به حولا سواء وجبت الزكاة في
عين الثمرة أم لم تجب وهو كذلك على المشهور بل
المنصوص وأما قوله: "وإن وجبت زكاة في عينها
فرجع إلى ما قبله" وهو قوله: "ولو اكترى وزرع
إلى آخره" وما ذكرت أنه المشهور قاله ابن عبد
السلام وابن عرفة ولم يجعل ابن عرفة مقابله
إلا تخريج ابن بشير ونص ابن عبد السلام في شرح
قول ابن الحاجب كمن اشترى أصولا للتجارة
فأثمرت
(3/162)
__________
فالمشهور كفائدة يعني أن مثال الغلة ما ذكره
وهو أن من اشترى أصولا للتجارة ولا ثمرة فيها
فأثمرت فالمشهور من المذهب أن هذه الثمرة
فائدة فإن كان في عينها زكاة زكاها وإن لم يكن
في عينها الزكاة كالتفاح والرمان أو كانت
ولكنها قصرت عن نصاب فلا زكاة ثم إن باع الغلة
في الجميع استقبل حولا والشاذ أنه يزكي الثمن
على حول الأصل إلا فيما في عينه الزكاة وكان
نصابا فإن حل ثمنه من يوم زكى عين الغلة
انتهى. وقال ابن عرفة: وفي كون ثمن غلة ما
ابتيع لتجر ولا زكاة فيها لحبسها أو عدم
نصابها فائدة أو ربحا قولا المشهور ونقل ابن
بشير مع الصقلي وهي رواية زياد ولو كانت مزكاة
ففي تزكية ثمنها لحول من يوم بيعها أو زكاتها
نقل الشيخ عن رواية محمد مع ظاهرها وتخريج ابن
بشير على كون ثمن غير زكاها ربحا فجعله ابن
الحاجب المشهور وهم انتهى. وما عزاه من القول
الثاني لتخريج ابن بشير فقط نقله الشيخ أبو
الحسن الصغير قولا فإنه نقل في منافع ما اشترى
التجارة أو اكترى لها ثلاثة أقوال وأطلق في
تلك فقال الأول أنها ليست بفائدة ويزكي ذلك
لحول من يوم أفاد الثمن الذي اشترى قبضه وهو
قول أشهب به واكترى به أو زكاه وهي رواية زياد
عن مالك الثاني أن ذلك كله فائدة يستقبل بها
حولا بعد قبضه الثالث غلة ما اشترى للتجارة
فائدة وغلة ما اكترى للتجارة ليست بفائدة وهو
قول ابن القاسم وهو أشد المذاهب ولا فرق بين
ما اشترى ليباع فيربح فيه أو اكترى ليكرى
فيربح فيه ومن غلة ما اكترى للتجارة مسألة
المدونة هذه انتهى. وهي المسألة الآتية في قول
المصنف ولو اكترى والله أعلم. وقوله أشد
المذاهب كأنه استضعفه من جهة النظر عنده وإلا
فهو المشهور ويمكن أن يحمل كلام الشيخ أبي
الحسن ورواية ابن زياد على ما إذا لم تجب
الزكاة في عين الثمرة وكلام ابن الحاجب الذي
أشار إليه ابن عرفة بالتوهيم هو ما ثبت في بعض
نسخه ونصه فإن وجبت زكاة في عينها زكى الثمن
بعد حول من تزكيته على المشهور قال في
التوضيح: وقع هذا في بعض النسخ ولو قال بعد
تزكيتها لكان أحسن والمشهور نقله لابن يونس عن
مالك لكنه إنما نقله فيما إذا اكترى فزرع فيها
للتجارة وقيده هو فقال يريد إذا اكترى الأرض
للتجارة واشترى طعاما للتجارة وزرع فيها
للتجارة" وكان الأحسن على تقدير ثبوت هذه
النسخة أن تؤخر عن قوله: "ولو اشترى أو اكترى
للتجارة وزرعها للتجارة وكذلك وقع في بعض
النسخ انتهى. وأنت ترى أن هذا الذي ذكره ابن
الحاجب على تقدير ثبوته إنما محله في المسألة
الآتية وهي من اكترى للتجارة ولذلك ذكره
المصنف في هذا المختصر بعدها فعلم من هذا أن
من اكترى للتجارة فعلته ربح تزكى على حول
الأصل إلا أن تجب الزكاة في عين الثمرة أو
الزرع فإنه يزكى لحول التزكية وإلى هذا أشار
المؤلف بقوله الربح لأصله كغلة مكترى للتجارة
وبقوله بعد وإن اكترى وزرع للتجارة زكى يعني
يزكي الثمن لحول الأصل يريد إذا لم يكن في عين
ما خرج زكاة بدليل قوله بعد وإن وجبت زكاة في
عينها زكى ثم زكى الثمن لحول التزكية فهو إنما
يرجع إلى هذا الفرع فقط ومن رده إلى الغلة من
(3/163)
__________
حيث هي فقد حمل كلام المصنف على خلاف المشهور
بل على التخريج فإنه قد صرح في التوضيح بأنه
يستقبل بالثمن اتفاقا ونصه في شرح قول ابن
الحاجب وفي إلحاق سلع التجارة بالربح أو
بالفوائد إذا لم يكن في عينها زكاة قولان
احترز بقوله إذا لم يكن في عينها زكاة مما لو
اغتل نصابا من الثمرة أو الحب فإنه يزكيه زكاة
الثمرة اتفاقا ثم إن باعه استقبل بثمنه اتفاقا
انتهى. وكذلك قاله ابن رشد فيما نقل عنه ابن
فرحون وما حملناه عليه يوافق ما في المدونة
فإنه فيها كذلك ونصها ومن اكترى أرضا وابتاع
طعاما فزرعه فيها للتجارة أخرج زكاته يوم
حصاده فإذا تم له عنده حول من يوم زكاه قومه
إن كان مديرا وله مال عين سواه وإن لم يكن
مديرا فلا يقومه فإذا باعه بعد حول من يوم أدى
زكاته زكى الثمن وإن باعه قبل حول التربص فإذا
تم حول والثمن في يديه وفيه ما تجب فيه الزكاة
زكاه انتهى. وفي الجواهر ومن اكترى ليكري زكيت
أجرته لحول أصله وغلة ما اشترى للكراء والقنية
فائدة يستقبل بها الحول وكذلك غلة ما اشترى
للتجارة وروي أنها تزكي لحول أصلها وأما غلة
الأراضي فإن كانت الأرض مكتراة للتجارة والزرع
للتجارة زكى ما يخرج منها إن كان نصابا وإن
كان دونه زكى ثمنه ثم يستقبل بالثمن حولا من
يوم زكاة عينه أو ثمنه وإن كانت للقنية استقبل
بالثمن حولا كان المبيع نصابا أو دونه وإن كان
أحدهما للتجارة والآخر للقنية فذكر الخلاف
الذي فيه ثم قال ولو اشترى أصولا للتجارة
فأثمرت فإن قلنا بأن الغلات فوائد استقبل
بالثمن حولا كانت مما تجب الزكاة في عينها أم
لا وإن أوجبنا الزكاة على حكم الأصول بين
أثمانها إذا باعها على حول الأصول إن لم تجب
الزكاة في عينها وإن وجبت عند ابتداء الحول
يوم زكاها انتهى. وكلامه كله موافق لما قلناه
إلا قوله في اكتراء الأرض للتجارة وإن كان دون
النصاب زكى ثمنه ثم استقبل بالثمن حولا من يوم
زكاة عينه أو ثمنه ولو قال زكى ثمنه بعد حول
الأصل المكتري به ثم استقبل بالثمن حولا من
يوم زكاة عينه فيما إذا كان نصابا أو ثمنه إن
لم يكن نصابا لكان أحسن والله أعلم.
تنبيهات: الأول: ما وقع في نسخة الشيخ خليل من
ابن الحاجب بعد الكلام على زكاة الغلات من
قوله: فإن وجبت زكاة في عينها زكى الثمن لحول
من تزكيته على المشهور فرجعه لثمرة الأصول
المشتراة للتجارة وقال الشيخ في التوضيح
المشهور نقله ابن يونس لكنه إنما نقله فيما
إذا اكترى أرضا للتجارة وزرعها للتجارة انتهى.
فكأنه لم يقف على ما في ابن عبد السلام ولا
على ما في الجواهر فتأمله ومن رأى كلامه
واقتصر عليه حمل كلامه في هذا المختصر على مثل
ذلك والظاهر أنه ليس مرادا وإلا كان قدمه على
قوله: ولو اكترى كما تقدم بيانه فتأمله والله
أعلم.
الثاني: هذا الذي تقدم حكم ما إذا اشترى
الأصول بلا ثمرة وأثمرت عنده وباع الثمرة
مفردة وأما لو ابتاع الأصول بثمرتها فإن كانت
مؤبرة فحكمها ما سيذكره المصنف وإن لم تكن
مؤبرة فهي أيضا غلة على المشهور يستقبل بثمنها
إلا أن يبيعها قبل طيبها مع أصولها فتكون تبعا
لأصلها قاله ابن الحاجب وأما إن اشترى الأصول
بلا ثمر ثم أثمرت عنده إن
(3/164)
وكتابة وثمرة
مشترى،
__________
جذا الثمرة وباعها فلا كلام أنها غلة وإن
باعها مع أصلها فلا يخلو ذلك إما أن يكون بعد
طيب الثمرة أو قبل طيبها فإن كان ذلك قبل
طيبها فهو تبع فيضم ثمنها إلى ثمن الأصل وكان
الجميع ربحا يزكي على حول الأصل سواء اشترى
الأصول بلا ثمرة أو اشتراها بثمرة قبل طيبها
وباع الأصول بثمرتها أيضا قبل طيبها وأما إن
باع الأصول بثمرتها بعد الطيب فلا يخلو إما أن
تكون قد وجبت الزكاة في عين الثمرة أو لا فإن
كانت الزكاة تجب في عينها فض الثمن على الأصل
الثمرة فما ناب الأصل زكاه على حوله وما ناب
الثمرة زكاه زكاة الحرث وإن لم تجب الزكاة في
عينها ما لأنها من جنس ما لا زكاة فيه أو كانت
من جنس ما فيه الزكاة ولكنها قاصرة عن النصاب
فاختلف فيها هل هي غلة أو تكون تابعة لأصلها
على الخلاف في الثمرة بماذا تكون غلة هل
بالطيب أو باليبس أو بالجذاذ ثلاثة أقوال
ذكرها اللخمي ولم يعزها قال ابن عرفة: وعزا في
النوادر كون ثمرة النخل غلة بالزهو لعيسى عن
ابن القاسم مع ابن عبدوس عنه مع أشهب ونقل ابن
المواز أن ثمن الثمرة يضم إلى ثمن الأصل ويزكى
الجميع لحول أصل الثمن كذا نقل ابن عبد السلام
وابن عرفة وقال ابن عبد السلام الجاري على قول
ابن القاسم خلاف ما قاله ابن المواز وأنه يفض
الثمن على الأصول والثمرة فثمن الأصول ربح
وثمن الثمرة فائدة وكلام ابن المواز إنما هو
إذا لم يجذ الثمرة أما لو جذها فإن ثمنها
فائدة بلا كلام كما تقدم انظر ابن عبد السلام
وابن عرفة والله أعلم.
الثالث: علم مما تقدم أن الغلات إما أن تكون
متولدة عن السلع المشتراة للقنية أو المشتراة
للتجارة أو المشتراة للكراء أو عن السلع
المكتراة للقنية أو للتجارة والحكم في الجميع
يستفاد من كلام المصنف لأنه قد ذكر أن غلات
السلع المشتراة للتجارة يستقبل بها فيستقبل
بغلات سلع القنية من باب أولى وأما المشتراة
للكراء فهي كالمشتراة للتجارة أو للقنية وقال
في النوادر من قول مالك وأصحابه إن غلة ما
اشترى للتجارة أو للكراء أو للقنية أو ورثت
فذلك كله فائدة انتهى. وأما غلات السلع
المكتراة للتجارة فذكر حكمها في قوله: كغلة
مكترى للتجارة وقوله وإن اكترى وزرع للتجارة
وأما غلات السلع المكتراة للقنية فمن مفهوم ما
ذكره والله أعلم. ص: "وكتابة". ش: هذا
(3/165)
إلا المؤبرة
والصوف التام،
__________
هو المشهور ولو باع الكتابة قال ابن عرفة: في
كون ثمنها غلة أو ثمنا قولان انتهى. ولا ظاهر
أنه غلة يستقبل بها حولا لأنه إذا جعلنا
الكتابة غلة فقيمتها بمنزلتها كثمن العروض
المأخوذة في منافع سلع التجارة والعروض
الناشئة عنها والله أعلم. ص: "إلا المؤبرة".
ش: يعني أن سلع التجارة إذا اشتراها وفيها
ثمرة مؤبرة فليس غلة بل هي كسلعة مشتراة
للتجارة كذا ذكر في التوضيح عن عبد الحق قال
فيه فيزكي ثمنها لحول الأصل انتهى. وهذا إذا
لم تجب الزكاة في عينها لكونها من جنس ما لا
يزكى أو دون النصاب فإن وجبت الزكاة في عينها
فإنه يزكيها ثم هل يستقبل به أو يزكيه لحول
التزكية الجاري على قولهم أيضا كسلعة مشتراة
أن يزكيه بحول التزكية هذا على ما تبع المصنف
فيها صاحب النكت قال في التوضيح: وذكر ابن
محرز أن أهل المذهب قالوا يستقبل بثمن الثمرة
المؤبرة وإن كانت مؤبرة يوم شراء الأرض قال
والقياس أن يزكيه على مذهب ابن القاسم انتهى.
وقال في النوادر قال علي وابن نافع عن مالك
لوابتاع زرعا للتجارة مع أرضه فزكاه ثم باعه
فليأتنف بثمنه حولا من يوم قبضه قال ابن نافع
وهذا إذا كان حين ابتاعه مع الأرض لم يبد
صلاحه انتهى. فظاهر إطلاق الرواية كما قال ابن
محرز وعلي ما قيدها به ابن نافع يأتي كلام عبد
الحق وما ذكرنا أنه الجاري عليه فيما إذا زكى
الثمرة ثم باعها والله أعلم. ص: "والصوف
التام". ش: قال اللخمي: اختلف إذا اشترى الغنم
وعليها صوف تام فجزه ثم باعه فقول ابن القاسم
إنه مشتري يزكيه على الأصل في المال الذي
اشتريت به الغنم وعند أشهب أنه غلة والأول
أبين لأنه مشترى يزاد في الثمن لأجله ولو ثبت
أن بائع الغنم باع الصوف قبل بيعه إياها لرجع
المشتري فيما ينوب ذلك الصوف انتهى. وظاهر
كلام اللخمي أن القولين في ذلك منصوصان وظاهر
كلام عبد الحق أنهما مأخوذان من مسألة كتاب
العيوب ولو اشترى الغنم وليس صوفها تاما وتم
عنده فإن جزه وباعه فهو غلة وإن باعه مع الغنم
فهل يكون غلة أم لا يجري ذلك على الخلاف في
الصوف
(3/166)
وإن اكترى وزرع
للتجارة زكى وهل يشترط كون البذر لها تردد لا
إن لم يكن أحدهما للتجارة ،
__________
بما يكون غلة وهو كالخلاف في الثمرة تمامه
كالطيب وتعسيله كاليبس وجزه كالجذاذ ذكر ذلك
اللخمي قال ابن عرفة: وعزا في النوادر كونه
غلة يجزه لمحمد عن ابن القاسم وسحنون والله
أعلم. ص: "وإن اكترى وزرع للتجارة زكى". ش:
تصوره ظاهر ولم يتبع المؤلف ابن الحاجب في
قوله: لو اشترى أو اكترى لقول ابن عبد السلام
ما ذكره من فرض المسألة فيمن اشترى أرضا
للتجارة ليس بصحيح لأن غلة ما اشترى للتجارة
فائدة انتهى. وكذلك المصنف قد اعترض عليه وقال
ما رأيت من فرض المسألة في الشراء وإنما فرضها
في الكراء.
فرع: قال المغيرة فيمن بنى دارا ثم باعها بعد
حول فإن بناها للتجارة وابتاع القاعة للتجارة
زكى الثمن كله لحول إن بلغ ما فيه الزكاة وإن
كانت القاعة للقنية زكى ما قبل البنيان من
الثمن إن بلغ ما فيه الزكاة انتهى. وقوله زكى
أي زكى ثمن ما يخرج لحول الأصل يريد إذا كان
الخارج لا زكاة في عينه كما تقدم بيانه عند
قوله: وبالمتجدد عن سلع التجارة واعلم أن
المراد بقوله زكى تزكية الثمن من أن فرض
المسألة أن الخارج لا زكاة في عينه وأنه لحول
الأصل لا لحول مستقبل لمخالفته بينه وبين
المتجدد عن سلع التجارة. ص: "لا إن لم يكن
أحدهما للتجارة"
(3/167)
وإن وجبت زكاة
في عينها زكى ثم زكى الثمن لحول التزكية وإنما
يزكي دين إن كان أصله عيناً بيده أو عرض تجارة
__________
ش: ضمير التثنية راجع لاكترى الأرض والزراعة
وهو مشكل فإنه يقتضي بمفهومه أنه إذا كان
أحدهما للتجارة وجبت الزكاة لحول الأصل وليس
كذلك بل هو مخالف لأول كلامه لأنه إنما جعله
يزكى لحول الأصل بشرط أن يكون الاكتراء
للتجارة والزراعة للتجارة ولو قال لا إن لم
يكونا للتجارة لكان أحسن قال ابن عرفة: ولو
زرع للقنية والأرض والحب للتجر فلا نص ومقتضى
المذهب فائدة انتهى. كأنه يعني لا نص مع
تقييده الفرض يكون الحب للتجارة وإلا فهي
داخلة في قولهم إن لم يكن أحدهما للتجارة وعلى
التقييد المذكور فالظاهر أن الحب عند زرعه
انتقل للقنية بالنية فتأمله . ص: "وإن وجبت
زكاة في عينها". ش: هذا خاص بمسألة المكتري
للتجارة ولا يرجع لجميع ما تقدم والله أعلم.
ص: "وإنما يزكى دين إن كان أصله عينا بيده
(3/168)
وقبض عيناً
__________
أو عرض تجارة وقبض عينا". ش: لما ذكر حكم
الفوائد والغلات والأرباح أتبع ذلك بحكم زكاة
الدين وقوله بيده متعلق بأصله واحترز مما إذا
لم يكن أصله بيده وإنما كان في يد مورثه أو من
وهب له أو نحو ذلك ويد وكيله كيده وقوله أو
عرض تجارة أي احتكار لأن الكلام هنا فيه
وسيتكلم على دين المدير.
وكذا خصص في التوضيح قول ابن الحاجب أو عرض
زكاة بذلك فقال أي عرض
(3/169)
ولو بهبة،
__________
احتكار وأما دين المدير فسيتكلم عليه في بابه
وكذلك ابن عبد السلام ونصه في شرح قول ابن
الحاجب زكاة واحدة وكلام المؤلف يدل على أنه
إنما تكلم على دين المحتكر وأما دين المدير
فلا شك أنه لا يشترط في تزكيته القبض بل يزكيه
في كل حول إما عددا أو قيمة على ما سيأتي
انتهى. وصدر ابن عرفة البحث بقوله ودين
المحتكر واحترز به مما لو كان أصله عرض قنية
أو ميراث أو هبة وعن مهر المرأة وأرش الجناية
ونحو ذلك وقوله وقبض عينا فيه شرطان أحدهما
قبضه فلا زكاة عليه قبل قبضه خلافا للشافعي
والثاني أن يكون المقبوض عينا فلو قبضه عرضا
لم تجب الزكاة إلا أن يكون مدبرا. ص: "ولو
بهبة". ش: أي تجب الزكاة في الدين إذا قبض ولو
كان القبض بهبة بأن يكون وهبه صاحبه لشخص غير
من هو عليه وقبضه منه وهذا هو المشهور وقيل لا
تجب عليه زكاته وكذا حله ابن غازي ونصه قوله:
ولو بهبة أي لغير من هو عليه لأن قبض الموهوب
وجعله إغياء للقبض يدل على مراده فإن الموهوب
للمدين لا قبض فيه أصلا انتهى. وفهم منه أيضا
أنه إنما يزكيه بعد أن يقبضه الموهوب له وهو
كذلك قال ابن الحاجب: فلو وهب الدين لغير
المدين فقبضه ففي تزكية الواهب قولان انتهى.
قال ابن عبد السلام: وهما جاريان على الخلاف
في الزكاة هل هي واجبة في الدين وإنما يمنع من
إخراجها خشية عدم الاقتضاء أو إنما تجب بالقبض
وإنما وهب الدين للمدين فلا زكاة على الواهب
قال في المدونة ومن كان له على رجل دين له
أحوال وهو قادر على أخذه منه فوهبه له فلا
زكاة فيه على ربه ولا على الموهوب له حتى يتم
له عنده حول من يوم وهب له وهذا إذا لم يكن له
مال غيره فإن كان له عرض سواه فعليه زكاته وهب
له أولا وقال غيره عليه زكاته إذا وهب له كان
له مال أو لم يكن له انتهى. ونقله في التوضيح.
تنبيه: قولنا يزكيه الواهب منه أي من الدين
الموهوب قال ابن عرفة: وفي زكاة واهب دين لغير
مدينه بقبضه وسقوطها قولا ابن القاسم وأشهب
انتهى. و قال في التوضيح: وتؤخذ الزكاة منها
أي الهبة لا من غيرها ابن محرز قال شيخنا أبو
الحسن إنما تؤخذ الزكاة منها إذا قال الواهب
أردت ذلك وإن لم يكن أراد ذلك فقد قال ابن
القاسم في بائع الزرع بعد وجوب الزكاة: إن
الزكاة على البائع إن لم يشترط ذلك على
المشتري وقال أشهب بنقض البيع في حصة الزكاة
يريد إذا عدم البائع إن لم يشترط ذلك على
المشتري وتأمل ما حكاه عن أشهب
(3/170)
أو إحالة كمل
بنفسه ولو تلف المتم،
__________
فإنه مخالف لما حكاه في التوضيح في زكاة الحرث
فإنه حكى عنه أن البيع ماض ولا رجوع على
المبتاع بشيء وينبغي أن يجري على ما تقدم من
الخلاف فيمن وهب زرعه بعد وجوب الزكاة فيه فهل
تجب الزكاة على الواهب أو من الزرع الموهوب
بعد يمين الواهب أنه ما وهبه ليزكيه والله
أعلم. ص: "أو بإحالة". ش: ولا يشترط قبض
المحال الدين قاله ابن رشد وتجب على المحيل
الزكاة بنفس الإحالة وتأول ابن لبابة أنها لا
تجب حتى يقبضها وهو تأويل فاسد ولا وجه له
انتهى. ونقله ابن عرفة وصاحب التوضيح ونص ابن
عرفة وفي زكاة المحيل المليء ما أحال به
بالحوالة أو قبض المحال قول ابن القاسم وتأويل
ابن لبابة قول أصبغ وضعفه ابن رشد انتهى. وعلى
المحال زكاتها إذا قبضها أيضا وكذلك المحال
عليه أيضا أدائها لأن الإنسان إذا كان عليه
دين وعنده مال حال عليه الحول وهو مليء فلا
يعطيه في دينه حتى يزكيه قال ابن الحاجب: وعلى
تزكيته فهو مال يزكيه ثلاثة إن كانوا أملياء
انتهى. يعني المحيل والمحال به والمحال عليه
قال في التوضيح: فإن قلت: لا تسلم أنه يزكيه
ثلاثة وإنما يزكيه المحال والمحال عليه وأما
المحيل فإنما يزكى عنه فجوابك أن معنى زكاة
الثلاثة أي خوطب بزكاته ثلاثة انتهى. ولو في
قول المصنف ولو بهبة أو إحالة إشارة لقول أشهب
في الهبة وتخريج اللخمي في الحوالة من قول
أشهب في الهبة ورده ابن عرفة بانتفاع المحيل
في الحوالة قال ونقله ابن الحاجب وابن بشير
نصا لا أعرفه انتهى. فتأمله.
تنبيه: وهذا إذا كانت الهبة والحوالة بعد تمام
حول وإلا لم تجب على الواهب والمحيل زكاة وهو
ظاهر وفي كلام ابن يونس وابن عبد السلام إشارة
إلى ذلك والله أعلم. ص: "كمل بنفسه". ش: كما
إذا اقتضى عشرين دينارا دفعة أو عشرة بعد عشرة
ونحو ذلك ولو كان الدين أصله نصاباً عشرون
دينارا فأخذ عنها مائة درهم لم تجب عليه زكاة
وكذا لو كان أصلها مائتي درهم فأخذ عنها عشرة
دنانير وأما إذا كان أصل الدين أقل من نصاب
وأخذ عنه نصاباً فإنه يزكيه على المشهور من أن
الربح يزكى على حول أصله قاله في سماع أصبغ.
ص: "ولو تلف
(3/171)
أو بفائدة
جمعهما ملك وحول أو بمعدن،
__________
المتم". ش: أي المقتضي أولا بإنفاق أو ضياع
على المشهور في الضياع ومقابله وهو المشار
إليه بلو أنه إذا تلف من غير سببه لم يضمنه
وتسقط زكاة في باقي الدين إن لم يكن فيه نصاب
وهذا القول لابن المواز واستظهره ابن رشد وأما
التلف بإنفاق فهو كذلك بلا خلاف قال في
المقدمات وهذا الاختلاف إنما يكون إذا تلف بعد
أن مضى من المدة ما لو كان ما تجب فيه الزكاة
يضمنه وأما إن تلف بفور قبضه فلا اختلاف أنه
لا يضمن ما دون النصاب كما لا يضمن النصاب
وقول ابن المواز: "أظهر" يعني مقابل المشهور
لأن ما دون النصاب لا زكاة فيه فوجب أن لا
يضمنه في البعد كما لا يضمنه في القرب ووجه
قول ابن القاسم وأشهب مراعاة من يوجب الزكاة
في الدين وإن لم يقبض فهو استحسان انتهى.
وسيأتي كلامه برمته عند قول المصنف في زكاة
العروض فكالدين. ص: "أو فائدة جمعهما ملك
وحول". ش: أي كمل بفائدة جمعهما والدين ملك
وحول فإن حال الحول على الفائدة وهي في ملك
صاحب الدين سواء كمل حولها قبل الاقتضاء أو
معه ومعلوم أن الدين لا يزكى حتى يكون قد مضى
لأصله حول فقد جمعهما الملك والحول واحترزنا
بقولنا قبل الاقتضاء أو معه مما إذا كان لا
يكمل حول الفائدة إلا بعد الاقتضاء فإنه لا
يزكى الدين حينئذ بل تؤخر الزكاة حتى يكمل حول
الفائدة فتزكى حينئذ قال ابن عبد السلام: إن
بقي المقبوض إلى حين حول الفائدة ولذا اعترض
على ابن الحاجب قوله: "أو
(3/172)
على المنقول
لسنة بأصله ولوقرّ بتأخيره إن كان عن كهبة أو
أرش لاعن مشترى للقنية،
__________
بعده" مع قوله: "زكاة عند قبضه" والله أعلم.
ص: "على المقول". ش: مقابله وهو عدم ضم المعدن
عزاه ابن عرفة للصقلي عن المدونة و قال في
التوضيح: لم أر القول بعدم الضم لكنه يأتي على
ما فهمه ابن يونس في المدونة أن المعدن لا يضم
إلى عين حال حوله انتهى. وقال ابن عبد السلام
لا خصوصية لهذا الفرع بباب زكاة الدين بل
الخلاف في ضم العين التي حال حولها للمعدن
ولذلك شرط اجتماع المالين الملك والحول عام في
باب زكاة العين بل في سائر أبواب الزكاة
انتهى. ولذلك قال ابن عرفة: وفي ضم المعدني
لغيره مقتضى أو غيره قولا القاضي والصقلي عنها
انتهى. ص: "لسنة من أصله". ش: أي يزكي الدين
بعد مضي حول على أصل الدين لا على الدين فلو
كان عنده نصاب ثمانية أشهر ثم داينه لشخص
فأقام عنده أربعة أشهر ثم اقتضاه زكاه إذا ذاك
انتهى. وما اقتضاه قبل كمال الحول لا يزكيه
ولا يضمنه لما يقتضيه بعده قال في المدونة
وكذا إذا أنفق قبل الحول أيضا. ص: "ولو فر
بتأخيره". ش: قال ابن عرفة: ولو أخره فارا
ففيها زكاة لعام واحد وسمع أصبغ ابن القاسم
لكل عام انتهى. ص: "إن كان عن كهبة وأرش لا عن
مشتري للقنية وباعه لأجل فلكل". ش: هذا الشرط
لا محل
(3/173)
وباعه لأجل فكل
وعن إجارة أو عرض مفاد قولان وحول المتم من
التمام،
__________
له لأن كلامه في دين القرض أو دين عرض التجارة
الذي للاحتكار وهذا الذي ذكر إنما هو في دين
الفوائد كذا جعله ابن رشد وجعل المصنف في
التوضيح مثل جعله في المختصر وأدخل كلام ابن
رشد في دين الفائدة في شرح كلام ابن الحاجب في
دين القرض والتجارة فتأمله ولو قال المصنف لا
إن كان عن هبة أو أرش فيستقبل به حولا ولا عن
مشتري للقنية لصح الكلام واعلم أن المصنف حاول
على اختصار كلام ابن رشد في المقدمات فلم
يتيسر له الإتيان على وجهه.
قال في المقدمات: الدين على أربعة أقسام: دين
من فائدة ودين من غصب ودين من قرض ودين من
تجارة انتهى. فهذه الثلاثة الأخيرة الحكم فيها
سواء على المشهور تجب الزكاة فيها لسنة واحدة
على حول أصل المال ويؤخذ حكمها من كلام المصنف
أما دين الغصب فقد قدم أن الغصوبة يزكيها
العام واحد في قوله: لا مغصوبة وأما دين
التجارة والقرض فمن هنا وهذا في غير المدير
وسيأتي حكم المدير فإن فر بالتأخير فالذي مشى
عليه المصنف إنما يزكيه لعام واحد أيضا.
وأما دين الفائدة فقال ابن رشد: ينقسم أيضا
على أربعة أقسام: أحدها: أن يكون من ميراث أو
عطية أو أرش جناية أو مهر امرأة أو ثمن خلع
وما أشبه ذلك فهذا لا زكاة فيه إلا بعد حول من
يوم قبضه حالا كان أو مؤجلا ولو فر بتأخيره
وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله إن كان
عن كهبة أو أرش ولهذا قلنا إنه لو قال لا إن
كان عن كهبة فيستقبل يصح كلامه وفي بعض النسخ
المصلحة ولو فر بتأخيره إن كان عن كهبة أو أرش
استقبل الثاني:
(3/174)
لا إن نقص بعد
الوجوب
__________
أن يكون من ثمن عرض أفاده بوجه من وجوه ملكا
فإن كان حالا يستقبل به حولا من يوم قبضه
اتفاقا وإن كان مؤجلا ففيه قولان المشهور أنه
كالحال والثاني لابن الماجشون والمغيرة يزكيه
لحول من يوم بيعه ولو فر بتأخيره فيتخرج فيه
قولان أحدهما أنه يزكيه لكل عام والثاني أنه
يبقى على حاله كما لم يتركه فرارا وقال
الرجراجي إن القول بزكاته هنا لعام واحد لابن
القاسم ومقابله لابن الماجشون والقسم الثالث
أن يكون الدين من كراء أو إجارة فهذا إن قبضه
بعد استيفاء السكنى والخدمة كان الحكم فيه
كالقسم الثاني وإلى هذين القسمين أشار المصنف
بقوله وعن إجارة أو عرض مفاد قولان وإنما تكلم
على حكم الفرار فقط واستغنى عن أن يذكر
الاستيفاء لأنه إذا لم يحصل الاستيفاء لم
يتحقق الدين واستغنى عن ذكر كون القولين
مخرجين وأنه لا يأتي فيه قول آخر بالاستقبال
كما في كلام ابن رشد لأن الرجراجي نقل هنا
القولين نصا كما تقدم عنه ولم يذكر الثالث
والله أعلم. وإن كان قبل الاستيفاء ففي ذلك
ثلاثة أقوال يأتي ذكرها والكلام عليها عند قول
المصنف: "أو لكمؤجر نفسه بستين دينارا ثلاث
سنين حول"
والقسم الرابع: أن يكون الدين عن ثمن عرض
اشتراه للقنية بناض كان عنده فإن كان حالا لم
تجب زكاته إلا بعد حول من يوم قبضه اتفاقا وإن
كان مؤجلا ففيه طريقان طريقة اللخمي فيه قولان
والمشهور أنه كالحال والثاني يزكيه لحول من
يوم باعه وطريقة ابن رشد يزكيه لحول من يوم
بيع اتفاقا وإن فر بتأخيره زكاه لماضي الأعوام
اتفاقا وإلى هذا أشار المصنف بقوله لاعن مشتري
للقنية وباعه لأجل فلكل إلا أن في كلام المصنف
رحمه الله إنما يزكيه لكل عام إذا كان باعه
لأجل ثم فر بالتأخير وظاهر كلام ابن رشد أنه
إذا فر بتأخيره مطلقا سواء كان باعه بحال أو
مؤجل يزكيه لكل عام ولعل المصنف فهمه من ذكر
الفرار بعد بيعه لأجل وظاهر كلامه أنه لا فرق
والله أعلم. وما ذكرته من التصريح بالاتفاق
وبالمشهور في هذا القسم والذي قبله فهو من نقل
ابن عرفة والله أعلم.
فرع: ابن رشد في المسألة الثانية من سماع أصبغ
من كان له دنانير تجب فيها الزكاة فاشترى عرضا
لا غرض له فيه إلا الهروب من الزكاة لم يجب
عليه شيء بإجماع انتهى. ص: "لا إن نقص بعد
الوجوب". ش: يعني أنه إذا اقتضى من دينه
نصاباً وزكاة ثم نقص بعد
(3/175)
ثم زكى المقبوض
وإن قل وإن اقتضى ديناراً فآخر فاشترى بكل
سلعة باعها بعشرين فإن باعها معاً أو إحداهما
بعد شراء الأخرى زكى الأربعين وإلا أحداً
وعشرين،
__________
عن النصاب فإنه يزكي على حوله ولا يضم لما
بعده والله أعلم. ص: "ثم زكى المقبوض وإن قل".
ش: يعني فإذا كمل إما في مرة أو مرات فما
اقتضاه بعد ذلك زكاه وإن قل ويكون حول ما
اقتضاه بعد النصاب ممن قبضه كما صرح به
المازري وأبو الحسن وغيرهما ولا يضم لما قبله
إلا في الاختلاط كما سيأتي.
تنبيهان: الأول: إذا قبض نصاباً وزكاه استمر
في يده أو لم يزكه أو ضاع بتفريط أو أنفقه في
حوائجه فلا كلام في تزكية ما يقتضي بعده وإن
تلف النصاب منه بغير تفريط فهل يزكي مااقتضى
أيضا بعده من قليل وكثير وهو قول ابن القاسم
وأشهب أو لا يزكيه حتى يقتضي نصاباً وهو قول
ابن المواز نقله الرجراجي وحاصله أن عند ابن
القاسم وأشهب يزكي ما اقتضاه بعد النصاب سواء
كان باقيا أو ضاع بسببه أو بغير سببه و قال
اللخمي: إنه إذا أنفق المقتضي فهو بمنزلة ما
لو كان في يديه قال وهذا في الإنفاق ويفترق
الجواب في الضياع فإن اقتضى عشرين فزكاها ثم
ضاعت ثم تقتضي عشرة زكاها وإن ضاعت العشرين
قبل أن يزكيها وبعد أن فرط فيها فكذلك يزكيها
بعدها وإن ضاعت الأولى قبل أن يفرط في زكاتها
لم يكن عليه فيها زكاة ولا فيما اقتضى بعدها
إلا أن يكون في الاقتضاء الثاني في نصاب
انتهى. والله أعلم.
الثاني: قوله: "وإن قل" أنظر هل يقيد بالإمكان
كما تقدم قال الأقفهسي في شرح المختصر في
قوله: وإن قل ولو درهما أو دونه إن أمكن
انتهى. ص: "وإن اقتضى دينارا فآخر فاشترى بكل
سلعة باعها بعشرين فإن باعها أو إحداهما بعد
شراء الأخرى زكى الأربعين وإلا إحدى وعشرين".
ش: يعني أن من كان له دين لا يملك غيره أو
يملك ما لا
(3/176)
__________
يكمل به فاقتضى من دينه دينارا ثم دينارا
فاشترى بكل واحد منهما سلعة وباعهما بربح
فلذلك إحدى عشرة صورة لأنه إما أن يشتري
بالأول قبل الثاني أو بالثاني قبل الأول أو
بهما معا فإن اشترى بالأول قبل الثاني أو
بالثاني قبل الأول أو بهما معا فإن اشترى
بالأول قبل الثاني فإما أن يبيع ما اشتراه
بالأول قبل أن يشتري بالثاني أو بعد أن اشترى
به وقبل أن يبيع ذلك أو بعد أن باع ذلك أو
يبيع ما اشتراه بهما معا فهذه أربع صور وكذلك
إذا اشترى بالثاني قبل أن يشتري بالأول فيه
أربع صور وإن اشترى بهما معا فإما أن يبيع ما
اشتراه بالأول قبل أن يبيع ما اشتراه بالثاني
أو بعده أو يبيعه معه فالصورة الأولى والخامسة
يؤخذ من كلامه أنه يزكي فيهما إحدى وعشرين
لأنه باع ما اشترى بأحدهما قبل أن يشتري
بالآخر ومبنى ذلك أن الربح بقدر حصوله عند ابن
القاسم يوم الشراء فإذا اشترى بأحدهما سلعة
وباعها قبل أن يشتري بالآخر فيزكي الدينار
الأول وربحه لأنه يضم إليه والدينار الآخر
لأنه كمن اقتضى دينارا بعد نصاب فيضمه إليه ثم
يصير ربح الآخر ربح مال وجبت فيه الزكاة فلا
يزكي إلا لحول آخر وبقية الصور مقتضى كلامه
هنا وكلام ابن الحاجب أنه يزكي الأربعين وهو
ظاهر كلام الجواهر والقرافي واللخمي وهذا ظاهر
على الأصل الذي ذكرنا وهو تقدير وجود الربح
يوم الشراء في ثلاث مسائل وهي إذا اشترى
بالدينارين معا ثم باعهما معا أو باع إحداهما
قبل الأخرى لأن ربحهما يقدر وجوده يوم اشترى
بهما ويضم الدينارين فيزكي للجميع فإن كان
باعهما معا زكى الأربعين وإن باع إحداهما قبل
الأخرى زكى ما باع به أولا مع الدينار الآخر
(3/177)
__________
ثم يزكي ربحه يوم بيع سلعته وأما بقية الصور
فالجاري على المذهب أنه إنما يزكي إحدى وعشرين
لأنه لما اشترى بأحدهما قبل الآخر يقدر وجود
ربحه معه يوم الشراء والفرض أن فيه وفي ربحه
النصاب فيضم له الدينار الآخر ويزكي عن إحدى
وعشرين الرجعة ربح الثاني ربح مال وجبت فيه
الزكاة فلا يزكي عنه فهذا هو الجاري على مذهب
ابن القاسم في الصور الباقية وهي ست وقد صرح
بذلك ابن عرفة فيها واعترض إطلاق ابن الحاجب
وكلام ابن بشير وكلام ابن شاس في بعضها وما
ذكره ابن عرفة أصله في ابن يونس والنوادر وهو
الظاهر الذي لا شك فيه لمن تأمل وأنصف والله
الموفق.
تنبيه: لو كان الأصل مع ربحه دون النصاب ضم
للثاني مع ربحه وزكى الجميع يوم
(3/178)
وضم لاختلاط
أحواله لأول عكس الفوائد والاقتضاء لمثله
مطلقاً والفائدة للمتأخر منه فإن اقتضى خمسة
بعد حول ثم استفاد عشرة وأنفقها بعد حولها ثم
اقتضى عشرة زكى العشرين والأولى إن اقتضى
خمسة،
__________
بيع الثاني نقله ابن يونس وابن عرفة وصاحب
الشامل وغيرهم. ص: "والاقتضاء لمثله مطلقا
والفائدة للمتأخر منه فإن اقتضى خمسة بعد حول
ثم استفاد عشرة فأنفقها فعلى حولها ثم اقتضى
عشرة زكى العشرين والأولى إن اقتضى خمسة". ش:
الضم في قوله: وضم لاختلاط أحواله لجيمع
الأحوال والضم هنا لإيجاب الزكاة وإسقاطها
فالاقتضاء أن يضم بعضها لبعض مطلقا أي لما
تقدم وما تأخر وسواء أنفق المتقدم أو كان
باقيا وسواء تخللتهما فوائد أم لا وأما
الفوائد فإن كانت مفردة عن الاقتضاءات فقد
تقدم كيفية زكاتها وما يضم منها وما لا يضم
وذكر هنا أيضا أنها إذا اختلطت أحوالها تضم
الأولى منها للأخيرة وأما إذا تخللت بين
الاقتضاآت فما اقتضى وأنفق قبل حصولها ولم
تجتمع هي فائدة فلا تضم إليه اتفاقا وما اقتضى
وأنفق بعد حصولها وقبل حلول حولها لم تضم إليه
عند ابن القاسم لأنه
(3/179)
__________
يشترط في الضم اجتماعهما في ملك حولا كاملا
وتضم عند أشهب وما اقتضى بعد حلول حولها أو
عند حلوله تضم له وهذا معنى قول المصنف
والفائدة للمتأخر منه أي للاقتضاء المتأخر عن
حولها وسواء كانت باقية أو أنفقت.
تنبيهات: الأول: قولنا ما اقتضى بعد حصولها
وقبل حلول حولها لا تضم له عند ابن القاسم أي
إذا أنفق المقتضي قبل حلول حول الفائدة وأما
لو استمر المقتضي باقيا بيده حتى حل حولها
فإنه يضمها له ويزكيها وذلك واضح لأنه قد حصل
الشرط وهو اجتماعهما في الملك حولا كاملا وقد
قال في المدونة وإن كان معه عشرون دينارا لم
يتم حولها فاقتضى من دينه أقل من عشرين لم يزك
شيئا من المالين حتى يتم به حول العشرين فإذا
تم حول العشرين زكاها وزكى ما كان اقتضى جميعا
قال أبو الحسن: يريد إذا كان ما اقتضى قائما
بيده لأنهما يصيران كمال واحد ولو أتلف قبل
تمام حول العشرين لم يزكه حتى يقتضي تمام
عشرين فيزكي حينئذ ما اقتضى وما أتلف انتهى.
ثم قال أبو الحسن في الكبير: وتحصيل هذا إن كل
ما اقتضى من الدين بعد حصول الفائدة وكان إذا
أضافه إليها كان فيها النصاب فإنه يضيفه إليها
وكل ما اقتضى من الدين قبل حصول الفائدة أو
قبل حلول حولها فلا يضمه إليها الشيخ وكلامنا
فيما يضم وما لا يضم إنما ذلك إذا كان أنفق
وأما إذا كان باقيا فإنه يضم انتهى. وهذا ظاهر
وما في التوضيح في قول ابن الحاجب ويضم
الاقتضاء إلى الفائدة قبله أو بعده ما نصه كما
لو كان عنده عشرة فائدة حال حولها ثم اقتضى
عشرة وهذا ضم الاقتضاء إلى الفائدة قبله أي
حال حولها قبل الاقتضاء وقوله أو بعده كما لو
اقتضى عشرة ثم استفاد عشرة أو كانت لم يحل
حولها فإذا حل حولها والمقتضي باق يزكي
المجموع انتهى. ثم ذكر فيه أنه لو أنفق
المقتضي قبل حلول حولها لم يضمها إليه والله
أعلم.
الثاني: حمل الشارح في الكبير كلام المصنف على
أن الخمسة المقتضاة أولا لم تنفق وهذا غير
ظاهر لأنك قد علمت أن المقتضي إذا كان باقيا
حتى حال الحول على الفائدة فإنه يضم إليها
وهذا ظاهر لأنهما قد اجتمعا في الملك والحول
فيصيران كما قال أبو الحسن مالا واحدا ولا
يضرنا بعد ذلك إنفاق أحدهما فتأمله وأما في
الوسط والصغير فلم يتعرض لكونها منفقة أو
باقية ويتعين حمل كلام المصنف على أن مراده
إذا أنفقت وأما لو كانت باقية فإنها تضم إلى
ما بعدها من الفائدة والاقتضاء إذا كمل النصاب
ويزكى والله أعلم.
الثالث: قولنا ما اقتضى بعد حلول حولها يضم
لها أي سواء كانت باقية أو أنفقها ولذا فرض
المصنف رحمه الله الفائدة في مسألة منفقة
فقوله: "ثم استفاد عشرة فأنفقها" قصد به بيان
ما يتوهم فيه عدم الضم وهي ما إذا أنفقت ولم
يحترز به من شيء والله أعلم. وإذا علمت ما
تقدم ظهر لك المثال الذي فرضه المصنف فإنه قال
اقتضى خمسة بعد حولها
(3/180)
وإنما يزكى عرض
لا زكاة في عينه ملك بمعاوضة بينة تجر أو مع
نية غلة أو قنية على،
__________
يعني بعد مرور حول على الدين يريد وأنفقها ثم
استفاد عشرة فأنفقها بعد حولها ثم اقتضى عشرة
فيضم العشرة الفائدة المنفقة للعشرة المقتضاة
بعدها ويزكي العشرين ولا يزكي الخمسة المقتضاة
أولا لأنها أنفقت قبل حلول حول الفائدة فلا
يضم لها ولا يكمل من الاقتضاءات نصاب فكذلك
إذا اقتضى خمسة أخرى زكى الخمسين لأنه حينئذ
كمل من الاقتضاءات نصاب وقد علمت أن
الاقتضاءات تضم لبعضها ولو أنفق المتقدم والله
أعلم. ص: "لا زكاة في عينه". ش: هذا هو الشرط
الأول كما قال في الشرح الأصغر واحترز به مما
في عينه الزكاة كنصاب الماشية فإن الزكاة تؤخذ
منه فإن باع الماشية زكى الثمن بعد حول من يوم
زكى الرقاب وأما الحبوب والثمار إذا كانت
مشتراة وحدها فلا تتعلق الزكاة بعينها وإنما
تتعلق الزكاة بها إذا خرجت من الحرث وقد تقدم
حكمها في قوله: وإذا اكترى إلى آخره. ص: "أو
(3/181)
المختار
والمرجح لا بلا نية أو نية قنية أو غلة أوهما
أو كان كأصله أو عيناً،
__________
قنية على المختار والأرجح". ش: يعني إذا نوى
بالعرض التجارة و القنية بأن يشتريه وينوي
الانتفاع بعينه وهي القنية وإن وجد فيه ربحا
باعه وهو التجارة كذا فسره ابن عبد السلام
والمصنف في التوضيح فتعلق الزكاة به على
المختار والأرجح. ص: "وكان كأصله أو عينا". ش:
يعني أنه يشترط في زكاة عروض التجارة أن يكون
أصلها عروض تجارة أو عينا قال البساطي وابن
غازي حق العبارة أن يقول وكان أصله كهو وهذا
ظاهر وقال بعضهم المراد أن يكون أصله عينا أو
عرضا سواء كان عرض تجارة أو قنية انتهى.
وتأمله فإنه لا يصير لقوله وكان كأصله أو عينا
فائدة وقال الشارح في شروحه الثلاثة فاحترز
بهذا الشرط مما لو كان أصله عرض قنية فإنه
يستقبل بثمنه انتهى. وما ذكره الشارح هو
المفهوم من كلام المصنف إلا أنه خلاف المشهور
من المذهب كما صرح به المصنف في التوضيح وابن
عبد السلام بل قال ابن عبد السلام: لا يكاد
يقبل لشذوذه ونص كلام التوضيح عند قول ابن
الحاجب وإن كان بمعاوضة للتجارة بعرض القنية
فقولان الباء في بعرض تتعلق بمعاوضة يعني فإن
كان عنده عرض قنية فباعه بعرض ينوي به التجارة
ثم باعه ففي ثمنه إذا بيع قولان يزكي لحول
أصله وهو المشهور وقيل يستقبل به حولا بناء
على أن
(3/182)
وإن قلّ وبيع
بعين ،
__________
الثمن هل يعطى حكم أصل الثاني فيزكي أو أصله
الأول فلا زكاة لأنه عرض قنية انتهى. وقال لما
أن عد الشروط ثالثها أن يكون أصل هذا العرض
المحتكر إما عينا أو عرض تجارة فلو كان أصله
عرض قنية استقبل بثمنه انتهى. ونص ابن عبد
السلام هنا الشرط الثالث وهو أحد أمرين على
البدل أن يكون أصل هذا العرض المحتكر عينا أو
يكون عرض تجارة احتراز من أن يكون أصله عرض
قنية فإن كان كذلك فذكر المؤلف فيه قولين
انتهى. ثم قال عند قول ابن الحاجب المتقدم
يعني فإن باع عرض القنية بعرض ينوي به التجارة
فهل يكون ثمن هذا العرض الأخير كالدين أو
يستقبل به حولا بعد قبضه في ذلك قولان
والمشهور منهما أنه كالدين ويكاد لا يقبل
القول الآخر لشذوذه وضعفه والله أعلم. انتهى.
وصرح بذلك ابن فرحون أيضا ونصه المشهور أنه
إذا كان عنده عرض قنية فباعه بعرض ينوي به
التجارة ثم باع هذا العرض فإنه يزكي ثمنه
كسائر عروض التجارة وقيل إنه يستقبل به كثمن
عروض القنية انتهى. وذكر ابن عرفة فيه طريقين
الأولى للخمي فيه قولان الثانية لابن حارث إن
كان أصله عروض القنية من شراء فالقولان وإن
كان بإرث فيكون العرض المشتري عرض قنية أيضا
اتفاقا ونصه وفي كون ما ملك لتجر بعرض قنية
تجر أو قنية طريقا للخمي قولان ابن حارث إن
كان عرض القنية من شراء فقولا ابن القاسم مع
أحد قولي أشهب وقوله الآخر وإن كان بإرث فقنية
اتفاقا انتهى. إلا أن عزوه الطريق الأولى
للخمي يقتضي أنها له وحده وقال المازري في شرح
التلقين إن الاختلاف في هذه المسألة ينقله
شيوخنا نقلا مطلقا وصرح بعضهم بكون السلعة
الثانية للتجارة وإن كانت عوضا عن سلعة مورثة
ورأيت ابن حارث ينكر الاختلاف فيها إذا كانت
عوضا عن سلعة موروثه انتهى. فلم يجعل الطريقة
الأولى خاصة باللخمي وعزا المازري القول بأن
العرض الثاني يكون للتجارة لابن القاسم وأحد
قولي أشهب والقول الثاني لقول أشهب الثاني كما
عزاه ابن عرفة واختصر في الذخيرة على القول
الثاني وحكاه سند كأنه المذهب ونص كلام سند في
الطراز إذا ابتاع العرض يعني عرض التجارة بعرض
مقتنى فإنه يتنزل على حكم القنية ولا تؤثر فيه
نية التجارة ويستقبل بثمنه إذا باعه بالعين
حولا بعد قبضه هذا قول مالك وقال أبو حنيفة
والشافعي وابن حنبل: يجري في الحول من غير ملك
عرض التجارة اعتبارا بما لو اشتراه بالعين
انتهى. وعلى ما ذكره في الطراز اعتمد المصنف
رحمه الله هنا وتبع في التوضيح كلام ابن عبد
السلام. ص: "وإن قل". ش: قال الشيخ بهرام هذا
راجع إلى قوله: أو عينا وقال البساطي ولو رجع
إلى مجموع الشرط لم يلزم عليه شيء وهو كذلك
إلا أنه لا فائدة فيه والله أعلم. ص: "وبيع
بعين". ش: هذا الشرط وما قبله يعم المدير
والمحتكر فأما المدير فالمشهور أنه لا يجب
عليه أن
(3/183)
وإن لاستهلاك ،
__________
يقوم عروضه ويزكيها كما سيأتي إلا إذا نض له
شيء ما ولو درهم خلافا لابن حبيب ولا يشترط أن
ينض له نصاب خلافا لأشهب وعلى المشهور فلا فرق
بين أن ينض له في أول الحول أو وسطه أو آخره
قال في المدونة وإذا نض للمدير في السنة درهم
واحد في وسط السنة أو في طرفيها قوم عروضه
لتمام السنة فزكى السنين ابن يونس وإذا نض
للمدير شيء في وسط السنة أو في طرفيها إلا أنه
لم يتم الحول لم يكن عنده من الناض شيء وكان
جميع ما بيده عروضا فليقومها لتمام الحول
ويزكي قال ابن نافع عن مالك ويبيع عرضا منها
ويقسمه في الزكاة أو يخرج عرضا بقيمته إلى
أهلها من أي صنف شاء من عروضه وقال سحنون بل
يبيع عروضه ويخرج عينا انتهى. وفرع ابن الحاجب
هذين القولين على قول ابن حبيب أنه يزكي ولو
لم ينض له شيء ويأتي تفريعهما على المشهور كما
في هذه الصورة وفيما إذا كان ما بيده من العين
لا يفي بزكاة قيمة ما معه من العروض فالصواب
ذكرهما مطلقين كما فعل ابن يونس و المازري على
ما نقل عنه ابن عرفة وشهر في الشامل القول
الثاني إلا أنه إنما ذكر القولين على الشاذ
كابن الحاجب ولكن المقصود أن الثاني هو الراجح
وفي الذخيرة فإن لم يكن له ناض أوله ولكنه أقل
من الجزء الواجب قال مالك: يبيع العرض لأن
الزكاة وإنما تجب في القيم فلو أخرج العرض كان
كإخراج القيمة وهو المشهور وقال أيضا يخير بين
البيع وإخراج الثمن وبين إخراج العرض انتهى.
وذكر ابن القاسم في سماع يحيى أنه يجب عليه أن
يبيع عروضه كما يبيع الناس لحاجاتهم ولم يذكر
ابن رشد خلافه ونصه وسئل عن رجل حلت عليه
الزكاة وهو ممن يدير ماله في التجارة فأتى
شهره الذي يقوم فيه هل يجب عليه أن يبيع عروضه
بالغة ما بلغت قال عليه أن يبيع كما يبيع
الناس لحاجاتهم ويؤدي زكاة ماله قيل له فإن لم
يبع من العروض حتى تلفت بعد ما حال عليها
الحول هل يكون ضامنا للزكاة قال نعم قال ابن
رشد: وهذا كما قال لأن للرجل أن يستقصي في
سلعته ويجتهد في تسويقها ليؤدي منها الزكاة
دون تفريط ولا تأخير ولا يلزمه
(3/184)
فكالدين إن رصد
به السوق ،
__________
أن يبيعها من حينه بما يعطي فيها من قليل أو
كثير لأن ذلك من إضاعة المال فإن فرط في بيعها
حتى تلفت لزمه ضمان وإن تلفت قبل أن يفرط لم
يلزمه ضمان ما تلف ويزكي الباقي إن كان مما
تجب فيه الزكاة وقيل يلزمه الزكاة وإن لم يبلغ
ما تجب فيه الزكاة لأن المساكين تنزلوا معه
لحول الحول منزلة الشركاء فما تلف فمنه ومنهم
وما بقي بينه وبينهم انتهى. وعزا ابن عرفة هذه
المسألة لسماع عيسى وإنما هي في سماع يحيى
والله أعلم. ثم قال في المدونة فإن لم ينض له
شيء في سنته فلا تقويم ابن يونس ولا زكاة ثم
قال فيها فإن نض له شيء بعد ذلك وإن قل قوم
وزكاه وكان حوله من يومئذ وألغى الوقت الأول
ابن يونس قال ابن مزين هذا قول ابن القاسم
وغيره وقال أشهب: لا يقوم حتى يمضي له حول من
يوم باع بذلك العين لأنه يومئذ دخل في الإدارة
انتهى.
تنبيهان: الأول: قال في التوضيح: وإذا قلنا
بالمشهور أنه لا تجب الزكاة إلا بالنضوض وأنها
لا تجب عليه إذا باع العرض بالعرض فهل يخرج
بيع العرض بالعرض عن حكم الإدارة قال في
الجواهر: لا يخرجه ذلك عن حكم الإدارة وروى
أشهب وابن نافع أن ذلك يخرجه عن حكمها انتهى.
الثاني: قال الرجراجي في المدير: إذا كان يبيع
العرض بالعرض ذريعة لإسقاط الزكاة فلا يجوز له
ذلك باتفاق المذهب ويؤخذ بزكاة ما عنده من
المال انتهى. وقال ابن جزي بعد ذكره المدير
والمحتكر.
فرع: من كان يبيع العرض بالعرض ولا ينض له من
ثمن ذلك عين فلا زكاة عليه إلا أن يفعل ذلك
فرارا من الزكاة فلا تسقط عنه انتهى. فيعم
المدير والمحتكر وذلك ظاهر ولله أعلم وأما
المحتكر فلا زكاة عليه أيضا في شيء من عروضه
حتى يبيعه بالعين وسيأتي بيان القدر الذي تجب
فيه الزكاة إذا باع به وكيفية ذلك
عند قول المصنف كالدين فإن كان يبيع العرض
بالعرض فلا تجب عليه الزكاة بل قال في المدونة
ومن باع سلعة للتجارة بعد حول بمائة دينار
فليزكها إذا قبضها مكانه فإن أخذ بالمائة قبل
قبضها ثوبا قيمته عشرة دنانير فلا شيء عليه في
الثوب حتى يبيعه فإن باعه بعشرة فلا شيء عليه
إلا أن يكون عنده مال وقد جرت فيه الزكاة إذا
أضافه إليه كانت فيهما الزكاة وإن باعه بعشرين
أخرج نصف دينار انتهى. وذكره القرافي وقال لأن
القيم أمور متوهمة وإنما يحققها البيع انتهى.
فرع: لو أخرج المحتكر زكاته قبل بيع العرض على
المشهور نقله ابن بشير وسيصرح به المصنف. ص:
"فكالدين إن رصد به السوق". ش: وأما دين
التجارة فلا اختلاف في أن حكمه حكم عروض
التجارة يقومه المدير ويزكيه غير المدير إذا
قبضه زكاة واحدة لما مضى
(3/185)
__________
من الأعوام كما يقوم المدير عروض التجارة ولا
يزكيها غير المدير حتى يبيعها فيزكيها زكاة
واحدة لما مضى من الأعوام. ص: "فكالدين". ش:
جواب شرط محذوف يعني أن العرض إذا اجتمعت فيه
مع الشرط السادس وهو أن يرصد به السوق فإنه
يزكى زكاة الدين ابن فرحون يعني أنه يعتبر
النصاب في الثمن فإن قبض دون نصاب دون ضم إلى
ما يقبض بعده وإن أنفقه على حكم الدين سواء
انتهى. وقال في المقدمات وإذا قبض من الدين
أقل من نصاب أو باع من العروض بعد أن حال
عليها الحول بأقل من نصاب فلا زكاة عليه حتى
يقبض تمام النصاب أو يبيع بتمامه فإذا كمل
عنده تمام النصاب زكى جميعه كان ما قبضه أولا
قائما أو كان قد أنفقه واختلف إن كان تلف بغير
سببه فقال ابن المواز: لا ضمان عليه لأنه
بمنزلة مال تلف بعد حلول الحول من غير تفريط
فعلى قياس قول مالك في هذه المسألة التي نظرها
بها تسقط زكاة باقي الدين إن لم يكن فيه نصاب
وعلى قول ابن الجهم يزكي الباقي إذا قبضه وإن
كان أقل من النصاب وهو الأظهر وقول ابن القاسم
وأشهب يزكي الجميع ثم ذكر ما تقدم عند قوله:
ولو تلف المتم فالمقصود أن حكم ما يقبض من ثمن
العرض حكم ما يقتضي من الدين فإذا اقتضى بعد
تمام النصاب شيئا زكاه وإن قل ويكون حوله من
ذلك اليوم فإن كثر عليه واختلط ضم الآخر منها
للأول قال في النوادر في ترجمة زكاة الدين ومن
كتاب ابن المواز والمختصر قال مالك: ومن له
دين ليس له غيره وقد مضى له حوله فأكثر فكان
يأخذ منه دينارا بعد دينار فينفقه أو يتلفه
فلا يزكي حتى يقبض تمام عشرين دينارا ثم يزكي
كل ما اقتضى وإن قل وحول ما يقبض بعد العشرين
من يوم قبضه فإن كثر عليه فلم يحصه فليرد ما
شاء منه إلى ما قبله قال في المختصر وكذلك
فيما يبيع من عرضه شيئا بعد شيء يكثر ذلك عليه
فليضم ما شاء من ذلك إلى ما قبله فكالدين وقال
عبد الملك في المجموعة إذا كثر عليه ما يقتضي
من الدين بعد العشرين التي زكى منه فليرد
الآخر إلى الأول وقاله ابن نافع وعلي عن مالك
وكذلك قال ابن القاسم في العرض يبيع منه بعد
الحول شيئا بعد شيء فكثر ذلك فليرد الآخر إلى
ما قبله قال سحنون: فيكثر كثرة الفوائد فليرد
الأول إلى الآخر وقال ابن حبيب: يرد الآخر إلى
الأول وفي الفوائد والديون قال أبو محمد: وقول
مالك وسحنون أصح لئلا يؤدي زكاة قبل حولها
والدين قد حل حوله إلا أنا لا نعلم أيقبض أم
لا وقد اختلف في زكاته قبل قبضه انتهى. وقال
أشهب وابن نافع عن مالك فيمن قبض من دين له
تسعة عشر دينارا ثم قبض بعد شهر دينارا: فليزك
العشرين يوم قبض الدين ويكون من يومئذ حولها
فليزكها لحولها وإن نقصتها الزكاة إذا كان
بيده بعدها ما انضم إليها وجبت فيه الزكاة
كالفائدتين يريد يصير ما بعد العشرين منفرد
الحول فيزكي ذلك لحوله والعشرين لحولها ما دام
في جميعها ما تجب فيه الزكاة كالفائدتين
انتهى. وقال قبله فإن كثرت الفوائد حتى يضيق
عليه أن يحصي أحوالها فليضم الأول إلى ما بعده
من الفوائد حتى يخف عليه إحصاء أحواله حتى
يصيرها إلى حولين أو ثلاثة ونحوه مما يقدر أن
يحصيه فإن
(3/186)
وإلا زكى عينه
ودينه النقد الحال المرجو وإلا قوّمه،
__________
لم يمكن ذلك وصعب عليه ضم جميعها إلى آخرها
وأما فيما يكثر من تقاضي الديون فليضم آخر ذلك
إلى أوله انتهى. وقال في المعونة بعد ذكر
أحكام زكاة الدين وحكم ما يقبض من ثمن الروض
المشتراة للتجارة حكم ما يقبض من الدين في
اعتبار النصاب وما يتم به إن كان المقبوض دونه
انتهى. وقوله إن رصد السوق ابن عبد السلام
معناه أن يمسكه حتى يجد ربحا معتبرا عادة فإن
المدير لا يرصد السوق بل يكتفي بما أمكنه من
الربح وربما باع بغير ربح انتهى. قال في
المقدمات المدير هو الذي يكثر بيعه وشراؤه ولا
يقدر أن يضبط أحواله وفي المدونة والمدير الذي
لا يكاد يجتمع ماله كله عينا كالحناط والبزاز
والذي يجهز الأمتعة للبلدان انتهى. وقال ابن
يونس: قال مالك: ومن كان يدير ماله في التجارة
كل ما باع اشترى مثل الحناطين والفرانين
والبزازين والزياتين ومثل التجار الذين يجهزون
الأمتعة وغيرها إلى البلدان يريد ممن لا يضبط
أحواله فليجعل لنفسه من السنة شهرا يقوم فيه
عروضه للتجارة فيزكي ذلك مع ما معه من عين
انتهى. وفي الذخيرة في زكاة الدين ما نصه
ويكون المقبوض بعد ذلك يعني بعد قبض النصاب
تبعا لعروض التجارة إذا باع منها بنصاب زكاه
ويزكي بعد ذلك يعني بعض قبض ما يبيع به تبعا
انتهى. وانظر أيضا مسائل ابن قداح وقال الشيخ
زروق في شرح الإرشاد الحاصل من كلامه أنه لا
زكاة في دين حتى يقبض نصاب منه ولا في عرض
تجارة أي احتكار حتى يباع فإذا قبض الدين أو
بيع العرض وجبت زكاته يوم قبضه لعام واحد إن
تم حوله ونصابه ثم يكون ما يقتضي من الدين أو
يباع بعد تبعا لما قبض أو بيع يزكي معه كربح
المال مع أصله وسواء بقي الأول وأتلفه بنفقة
أو غيرها ولو لم يكمل الحول امتنانا إليه
انتهى. ص: "وإلا زكى عينه". ش: وإن كان يدير
سلعا وحليا فإنه يقوم العروض ويزكي الحلي
بالوزن ولا يعتبر قيمة الصياغة قاله في
(3/187)
ولو طعام سلم
كسلعه ولو بارت لا إن لم يرجه،
__________
التوضيح وتقدم حكم ما إذا كان مرصعا بالجواهر
أو حلية لسيف ونحوه والله أعلم. ص: "ولو طعام
سلم". ش: هكذا قال أبو بكر بن عبد الرحمن
وصوبه ابن يونس وحكي عن الأبياني عدم التقويم
لأنه رأى أن ذلك كبيع الطعام قبل قبضه وهو
ممنوع قال المصنف وفيه نظر لأنا نقوم أم الولد
إذا قتلت والكلب إذا قتل وغير ذلك وقال أبو
عمران لا يزكي هذا الطعام لأنه لا يقدر على
بيعه انتهى. بالمعنى من الكبير. ص: "كسلعة".
ش: يعني أنه يقوم سلعة قال ابن رشد: والحكم
وجوب تقويم سلعة بغير إجحاف فإذا اجتمع في تلك
القيم ما تجب فيه الزكاة زكاه انتهى. وظاهره
وجوب التقويم وفي الذخيرة وروى ابن القاسم في
مدير لا يقوم بل متى ما نض له شيء زكاه ما صنع
الأخير وما أعرفه من عمل الناس قال ابن
القاسم: والتقويم أحب إلي انتهى. فظاهره أنه
لا يجب التقويم والأول مقتضى عبارة المدونة
وغيرها ثم قال في الذخيرة: وإذا قلنا بالتقويم
فيقوم ما يباع بالذهب وما يباع غالبا بالفضة
لأنها قيم الاستهلاك فإذا كانت تباع بهما
واستويا بالنسبة إلى الزكاة يخير وإلا فمن قال
الأصل في الزكاة الفضة قوم بها إن قلنا إنهما
أصلان فيعتبر الأفضل للمساكين لأن التقويم
لحقهم انتهى. وقال في الشامل: وقوم بالذهب ما
يباع به غالبا كورق وخير فيما يباع بهما
انتهى.
تنبيهات: الأول: قال أبو الحسن: لم يذكر في
المدونة صفة التقويم وقال عبد الحق: قال بعض
شيوخنا: ليس على المدير إذا نض شهره أن يقوم
عروضه بالقيمة التي يجدها المضطر في بيع سلعه
وإنما يقوم سلعته بالقيمة التي يجدها الإنسان
إذا باع سلعته على غير الاضطرار الكثير انتهى.
ومقتضى العبارة أن يقول ليس له أن يبيعها على
الاضطرار الكثير إلى آخره والله أعلم.
الثاني قال في كتاب الزكاة الأول من المدونة
ويقوم المدير رقاب النخل إذا ابتاعها للتجارة
ولا يقوم الثمرة لأن فيها زكاة الخرص ولأنها
غلة كخراج الدور وغلة العبيد وصوف الغنم
ولبنها وذلك كله فائدة وإن كانت رقابها
للتجارة انتهى. وقال أبو الحسن: معناه إذا
(3/188)
أو كان قرضاً
وتؤولت أيضاً بتقويم القرض وهل حوله للأصل أو
وسط منه ومن الإدارة،
__________
كانت الثمرة قد طابت وفيها خمسة أوسق فإن كانت
لم تطب وهي مأبورة أو غير مأبورة أو كانت دون
خمسة أوسق أو خمسة أوسق وهي مما لا تجب فيه
الزكاة جرت على قولين فمن قال إنها لا تكون
غلة بالطيب قومت مع الأصل ومن قال إنها بالطيب
تكون غلة لم تقوم مع الأصل إلا على قول من
يقوم غلات ما اشترى للتجارة مزكاة كالأصل
انتهى. وقوله أو كانت دون خمسة أوسق يريد وقد
طابت.
الثالث: ما باعه من هذه الفوائد ومن عروض
القنية يستقبل بثمنه من يوم بيعه فإن أدار بها
فيعتبر لها حول من ذلك اليوم فإن اختلطت
أحواله فكاختلاط أحوال الفوائد قاله في
الذخيرة
الرابع سئل الشيخ ناصر الدين اللقاني عما يباع
من السلع عند قدومها من الهند ونحوه بجدة لأجل
أن يعطي ثمنها في المكوس هل فيه زكاة أم لا
ويحسب على أرباب السلع أم تسقط الزكاة عنهم في
ذلك فأجاب ما ألحق إلى بيعه المكس عليه لا
تسقط الزكاة عنه بذلك وأجره فيما ظلم فيه عند
الله تعالى وسئلت عن هذه المسألة وفي السؤال
أنهم قد يأخذون في العشور سلعا فأجبت أنهم إن
أخذوا سلعا فلا يلزمه أن يقومها وأما إن ألزم
ببيع السلع وقبض ثمنها ودفعه إليهم فيلزمه أن
يزكي عن ذلك والله أعلم. ص: "أو كان قرضا"
(3/189)
تأويلان ثم
زيادته ملغاة بخلاف حلي التحري والقمح المرتجع
من مفلس والمكاتب يعجز كغيره وانتقل المدار
للاحتكار وهما للقنية بالنية لا العكس ولو كان
أولاً للتجارة وإن اجتمع إدارة واحتكار
وتساويا أو احتكر الأكثر فكل على حكمه وإلا
فالجميع للإدارة ولا تقوم
__________
ش: قال في التوضيح: فإن أخر المدير قرضه فرارا
من الزكاة فإنه يزكيه لكل سنة اتفاقا قاله عبد
الحق في تهذيبه انتهى. ص: "ولا تقوم الأواني".
ش: قال ابن عرفة: ابن رشد في تقويم آلة
(3/190)
والأواني وفي
تقويم الكافر لحول من إسلامه أو استقباله
بالثمن قولان والقراض الحاضر يزكيه
__________
الحائك وماعون العطار قولا المتأخرين بناء على
اعتبار إعانتهما في التجر وبقاء عينهما انتهى.
وقال قبل هذا اللخمي وبقر حرث التجر وماعون
التجر قنية انتهى.
فرع: قال في الشامل: ولا تقوم كتابة مكاتب ولا
خدمة مخدم انتهى.
فرع: قال ابن رشد في سماع سحنون: إذا بعث
المدير بضاعة وجاء شهور زكاته فإن كان يعلم
قدره أو يتوخى ذلك قومه وزكاه مع ما يزكي وإلا
أخر لقدومه فيزكيه لما مضى من الأعوام على ما
يخبره به الذي هو في يديه وهذا ما لا أعلم فيه
خلافا لأنه ماله منه ضمانه وله ربحه فلا تسقط
عنه زكاة بمغيبه انتهى.
فرع: فلو كان المدير له مال غائب فحال حوله
وزكى ما بيده ثم قدم ماله الغائب سلعا فهل
يقومها ويزكي قيمتها حين وصولها أم لا زكاة
عليه حتى يبيعها ويقبض ثمنها سئل عن ذلك الشيخ
ناصر الدين اللقاني فأجاب إذا قدم المال
الغائب سلعا قومها وزكاها حينئذ لحول مضى أو
أحوال والله أعلم.
فرع: قال ابن رشد: إذا كانت للمدير سفينة فإن
اشتراها للتجارة قومها وإن اشتراها للكراء لم
يقومها انتهى. ورأيت نسختين من ابن عرفة عزا
فيهما هذه المسألة لسماع يحيى وكذلك البساطي
في المغني ناقلا عنه ولم أجدها فيه بعد
التفتيش الزائد والله أعلم. ص: "وفي تقويم
الكافر". ش: قال ابن عرفة: قال ابن حارث من
أسلم وله عرض تجر احتكار استقبل بثمنه حولا
وفي كون المدير كذلك أو يقوم لحول من يوم أسلم
قولا يحيى بن عمر ومحمد بن عبد الحكم انتهى.
ص: "والقراض الحاضر يزكيه ربه إن أدار أو
العامل". ش: القراض مأخوذ من القرض الذي هو
القطع كأن رب المال اقتطع ماله الذي عند
العامل والمعنى أن رب المال القراض يزكيه لكل
سنة إذا كانا مديرين أو العامل فقط فظاهره أنه
يزكي جميع المال ربحه ويزكيه من مال نفسه ولا
ينقص من مال القراض.
(3/191)
ربه إن أدار أو
العامل من غيره وصبر إن غاب فيزكى لسنة الفضل
ما فيها وسقط ما زاد قبلها وإن نقص فلكل ما
فيها وأزيد وأنقص قضي بالنقص على ما قبله
__________
فرع: قال ابن يونس: فلو أخر الزكاة انتظارا
للمحاسبة فضاع لضمن زكاة كل سنة انتهى. ص:
"وصبر إن غاب". ش: ابن عرفة وسمع ابن القاسم
والشيخ عن الواضحة وروي عن اللخمي إن بعدت
غيبة العامل عن ربه لم يزكه حتى يعلم حاله أو
يرجع إليه فإن تلف فلا زكاة انتهى. وقال في
النوادر ومن المجموعة قال ابن القاسم: ولا
يزكي العامل في غيبته عن رب المال شيئا قال
أشهب: إلا أن يأمره بذلك أو يأخذ بذلك فيجزيه
ويحسب عليه في رأس ماله انتهى. وقال في الكافي
ولا يجوز للعامل أن يزكي المال إذا كان ربه
غائبا لأنه ربما كان عليه دين يمنع الزكاة
ولعله قد مات ولا يزكي مال القراض حتى يحضر
جميعه ويحضر به إلا أن يكون مديرا فيزكيه زكاة
المدير بحضرة ربه انتهى. ونحوه في الذخيرة. ص:
"وسقط ما زاد قبلها إلى آخره"
(3/192)
وإن احتكر أو
العامل فكالدين وعجلت زكاة ماشية القراض
مطلقاً وحسبت على ربه وهل عبيده كذلك أو تلغى
كالنفقة تأويلان
__________
ش: ويعتبر نقص الزكاة في ذلك كله كما صرح به
اللخمي وابن يونس. ص: "وإن احتكرا". ش: تصوره
واضح.
فرع: إذا تم الحول على المال بيد العامل وهو
عين قبل أن يستغله قال سحنون: يزكيه ربه وإن
استغل منه شيئا فلا يزكيه حتى يقبضه وإن كان
معه في البلد وهو مدير قوم لتمام حوله على سنة
الإدارة وإن كان محتكرا ورب المال مديرا قال
ابن القاسم: يقومه مع حصة ربحه دون حصة العامل
انتهى. من الذخيرة وهذا مخالف لقول المصنف أو
العامل فإنه يقتضي أن العامل إذا كان محتكرا
فإنه يزكي كالدين وهذا إن كان أكثر أو مساويا
فهو جار على ما تقدم من اجتماع الإدارة
والحكرة والنصوص الصريحة هكذا ونحوه في ابن
يونس. ص: "وحسبت على ربه". ش: يلزم على هذا
القول أن تكون زيادة في مال القراض جائزة وهي
لا تجوز وعلى مقابله يلزم أن ينقص من رأس مال
القراض وهو لا يجوز انظر الرجراجي. ص: "وهل
عبيده كذلك أو تلغى كالنفقة تأويلان". ش: يشير
إلى ما قاله في التوضيح.
(3/193)
__________
فرع: وأما عبيد القراض فيخرج زكاة فطرهم ابن
حبيب وهي كالنفقة ورأس المال هو العدد الأول
قال وأما الغنم فمجمع عليها في الرواية عن
مالك من المدنيين والمصريين أن زكاتها على رب
المال من هذه الغنم لا من غيرها وتطرح قيمة
الشاة المأخوذة من أصل المال ويكون ما بقي رأس
المال قال وهي تفارق زكاة الفطر لأن هذه تزكى
من رقابها والفطرة مأخوذة من غير العبيد ابن
يونس واختلف أصحابنا في قول ابن حبيب هذا فقال
أكثرهم وفاقا للمدونة وظهر لي أنه خلاف
والدليل على ذلك مساواة الإمام أبي محمد بين
ماشية القراض وعبيده في المختصر والنوادر
انتهى. فكلام المصنف في المختصر والتوضيح يدل
على أن شيوخ المدونة اختلفوا في زكاة الفطر عن
عبيد القراض هل هي محسوبة على رب المال كزكاة
ماشيته فيكون قول ابن حبيب خلافا أو زكاة
فطرهم ملغاة كالنفقة بناء على أن قول ابن حبيب
وفاق وهذا غير صحيح لأنه صرح في المدونة في
باب زكاة الفطر بأن زكاة الفطر عن عبيد القراض
على رب الدين خاصة ونصها وزكاة الفطر عن عبيد
القراض على رب المال خاصة وأما نفقتهم فمن مال
القراض انتهى. فهذا صريح لا يقبل التأويل
وإنما التأويلان في زكاة ماشية القراض فهل
يزكيها ربها منها أم من ماله فتقدم في كلام
ابن حبيب أنه يزكيها منها فقال ابن يونس:
اختلف أصحابنا في قول ابن حبيب هذا هل هو وفاق
أو خلاف ونصه في كتاب الزكاة الثاني قال مالك:
ومن أخذ مالا قراضا فاشترى به غنما فتم حولها
وهي بيد المقارض فزكاتها على رب المال في رأس
ماله ولا شيء على العامل قال أبو بكر قال أبو
محمد: وكذلك زكاة الفطر عن عبيد القراض فساوى
بين عبيد القراض وبين الماشية وهو ظاهر
المدونة لأنه قال في باب زكاة الفطر وزكاة
الفطر عن عبيد القراض على رب المال في رأس
ماله وليس من مال القراض فأما نفقتهم فمن مال
القراض ونحوه في كتاب ابن المواز وظاهر ذلك
المساواة بين الماشية وعبيد القراض وأن ذلك
على رب المال في رأس ماله وليس في مال القراض
وقال ابن حبيب في عبيد القراض: إن زكاتهم
كالنفقة تلغى ورأس المال هو العدد الأول قال
وأما في الغنم فمجمع عليها في الرواية عن مالك
من المدنيين والمصريين أن زكاتها على رب المال
من هذه الغنم لا من غيرها وتطرح قيمة الشاة
المأخوذة من أصل المال ويكون ما بقي رأس مال
قال وهي تفارق زكاة الفطر لأن هذه تزكى من
رقابها والفطرة مأخوذة من غير العبيد ابن يونس
واختلف أصحابنا في قول ابن حبيب هذا فقال
أكثرهم هو وفاق للمدونة وظهر لي أنه خلاف لما
في المدونة والدليل على ذلك مساواة الإمام أبي
محمد في المختصر والنوادر ولا مدخل للتأويل في
كلامه مع ما يساعده من ظاهر المدونة وكتاب
محمد والقياس وذلك إن اتفقنا أن المقارض إذا
شغل بعض المال لم يكن لربه أن ينقص شيئا منه
إذ عليه عمل العامل فله شرطه ولا خلاف أعلمه
بين أصحابنا في هذا فإذا ترك الساعي رب المال
وأخذها من العامل كان النقص من المال بعد
إشغاله فإن قيل إنه إذا أداها رب المال من
عنده كان ذلك زيادة في القراض بعد إشغال المال
وذلك لا يجوز قيل إنما الزيادة
(3/194)
وزكي ربح
العامل وإن قل إن أقام بيده حولاً وكذا حرين
مسلين
__________
التي لا تجوز ما وصل ليد العامل وانتفع به
وهذا لا يصل إلى يده ولو كان ذلك زيادة في
القراض لكان في زكاة الفطر عن عبيد القراض
زيادة فإن قيل إن الغنم زكاتها من رقابها
فلذلك أخذ منها والعبيد زكاتهم من غيرهم فلذلك
أخذ من رب المال قيل والدنانير زكاتها منها
فيلزمك أن تقول إذا كان رب المال يدير والعامل
لا يدير وبيده سلع ومال عين أن يزكي عن العين
من مال القراض وهذا خلاف النص فقد قال محمد
وغيره إن زكاة ذلك على رب المال يقوم ما بيد
العامل ويزكي من عنده ولا يزكي العامل ما بيده
إلا بعد المفاصلة لعام واحد وأيضا يلزمك أن
تكون زكاة الشنق على رب المال لأن زكاتها من
غيرها فإن قلت: ذلك فقد خالفت ابن حبيب
وانفردت بذلك وإن قلت: على العامل فقد نقصت
حجتك أن كل ما يزكى من غيره فهو على رب المال
وأيضا فإنا نقول الشاة المأخوذة عن الأربعين
زكاة عن رقابها والفطرة زكاة عن رقاب العبيد
فاستويا ووجب أن تكون زكاتها على من له الرقبة
والمقارض ليس له شيء في الرقاب وإنما الذي
يأخذه كإجارة فلا ينبغي أن يكون عليه من زكاة
الرقبة شيء فإن قلنا إذا سقطت قيمة الشاة من
أصل مال القراض لم يدخل على العامل في ربحه
نقص قيل يدخل عليه ذلك إذا حالت أسواق الغنم
بزيادة بعد ذلك وهذا كله إذا كان رب المال
والمقارض بحضرة الساعي وأما إن غاب رب المال
والمقارض فللساعي أخذ الشاة من العامل إذ قد
لا يجيب رب المال فيؤدي إلى إسقاط الزكاة فإذا
أخذها سقطت قيمة الشاة من مال القراض وكان ما
بقي رأس المال ويكون أخذ الشاة كالاستحقاق ولا
يجوز لرب المال أن يدفع قيمة الشاة إلى العامل
فيكون ذلك زيادة في القراض بعد إشغال المال
ويكون القول في هذا ما قاله ابن حبيب لما يدخل
على الساعي من الضرر من مطالبة رب المال
انتهى. وقال ابن عرفة: وعلى الثاني يعني على
القول الثاني بأن الزكاة على رب القراض إن غاب
ربه أخذه منها وإلا ففي كونه كذلك أو من مال
ربه نقل ابن حبيب عن رواية المصريين والمدنيين
وأكثر أصحاب مالك والصقلي عن ظاهرها مع نقله
عن ظاهر قولي الشيخ ومحمد انتهى. والله أعلم.
ص: "وزكي ربح العامل وإن قل". ش: يعني أن
العامل يزكي ربحه ولو كان دون النصاب هذا مذهب
المدونة والقول بأن زكاته على رب المال ليس
بالمشهور. ص: "إن أقام بيده حولا". ش: قال في
(3/195)
بلا دين وحصة
ربه بربحه نصاب وفي كونه شريكاً أو أجيراً
خلاف،
__________
التهذيب وإذا عمل المقارض بالمال أقل من حول
ثم اقتسما فزكى رب المال لتمام حوله فلا يزكي
العامل ربحه حتى يحول حول من يوم اقتسمه وفيما
نابه الزكاة انتهى. ص: "بلا دين". ش: قال في
المدونة وإن سقطت الزكاة عن رب المال لدين
عليه فلا زكاة على العامل في حصته وإن نابه ما
فيه الزكاة وإن كان على العامل وحده دين يغترق
ربحه فلا زكاة عليه إلا أن يكون عنده عرض يجعل
دينه فيه انتهى. ص: "وحصة ربه بربحه نصاب". ش:
قال ابن يونس: وإن لم يكن في رأس المال وحصة
ربه من الربح ما فيه الزكاة فلا زكاة على
العامل انتهى.
فرع: قال أبو محمد: قال ابن القاسم: ولا يضم
العامل ما ربح إلى مال له آخر ليزكي بخلاف رب
المال قا في العتبية: قال أصبغ إذا عمل العامل
في المال سنة ثم أخذ ربحه فزكاه وله مال لا
زكاة فيه له عنده حول فلا يزكيه ولا يضمه إلى
ربح القراض وإن كان فيه مع ربح القراض عشرون
دينارا وكذلك العامل في المساقاة إن أصاب
وسقين وأصاب له ثلاثة أوسق فلا زكاة عليه في
حائطه بخلاف رب المال وليزك ما أصاب في
المساقاة إن كان في نصيبه ونصيب رب الحائط ما
فيه الزكاة انتهى. من ابن يونس قال عبد الحق:
والفرق بين المساقاة والقراض أن الثمرة في
المساقاة عينها لرب المال وما يأخذه العامل
منها فإنما يأخذه بعد توجه الزكاة على رب
الثمرة بطيبها فالذي يستحقه العامل بعد القسمة
إنما هو ضرب من الأجرة وأما مال القراض
فالعامل قد تقلب فيه وتصرف فيه لنفسه لرب
المال وذهبت عينه واعتاض بدلا منه فلما طلب
منه الثمن بالتصرف والذي فعله في عين المال
أشبه الشريك والله أعلم. ونحو هذا حفظت عن بعض
شيوخنا القرويين انتهى. من النكت.
فرع: قال ابن المواز: وقال أشهب: وإن أخذ أحد
عشر دينارا فربح فيها خمسة ولرب المال مال حال
حوله إن ضمه إلى هذا صار فيه الزكاة ابن يونس
يريد وقد مر على أصل هذا حول فليزك العامل
حصته لأن المال وجبت فيه الزكاة ولو أصاب
أربعة أوسق ولرب المال حائط آخر أصاب فيه وسقا
فليضم ذلك ويزك ويقتسما ما بقي وبه أخذ سحنون
انتهى. من ابن يونس.
(3/196)
لا تسقط زكاة
حرث ومعدن وماشية بدين أو فقد أو أسر،
__________
فرع يجوز اشتراط زكاة المال وحده أو مع ربحه
على رب المال ولا يجوز اشتراط ذلك على العامل
وأما زكاة الزرع فيجوز اشتراطها على رب المال
وعلى العامل وأما المساقاة فيجوز اشتراط
الزكاة على رب الأصل وعلى العامل لأن المزكى
هو الثمرة وهو بمنزلة الربح نقله ابن يونس
والقرافي في الذخيرة.
فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: وَإِذَا
اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ زَكَاةَ
الرِّبْحِ فَتَفَاصَلَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ
كَانَ ذَلِكَ لَا زَكَاةَ فِيهِ
فَلِلْمُشْتَرَطِ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ
يَأْخُذَ رُبْعَ عُشْرِ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ
ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ كَمَا لَوْ
شَرَطَ لِأَجْنَبِيٍّ ثُلُثَ الرِّبْحِ
فَأَبَى مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لِمُشْتَرِطِهِ
مِنْهُمَا , وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ رَوَى
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ
اُشْتُرِطَ فِي الْمُسَاقَاةِ عَلَى رَبِّ
الْمَالِ وَعَلَى الْعَامِلِ فَهُوَ جَائِزٌ
فَإِنْ لَمْ يُصِيبَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ ,
وَقَدْ شَرَطَا الزَّكَاةَ عَلَى الْعَامِلِ
فَإِنَّ عُشْرَ ذَلِكَ أَوْ نِصْفَ عُشْرِهِ
فِي مَسْقِيِّ النَّضْحِ لِرَبِّ الْحَائِطِ
خَالِصًا , وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَكُونُ
لِرَبِّ الْمَالِ مِمَّا أَصَابَ خَمْسَةُ
أَعْشَارٍ وَنِصْفُ عُشْرٍ وَلِلْعَامِلِ
أَرْبَعَةُ أَعْشَارٍ وَنِصْفُ عُشْرٍ ;
لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ
أَنْ يُؤَدِّيَ عُشْرَ نَصِيبِهِ فَيَرْجِعُ
ذَلِكَ إلَيْهِ , وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَسَّمُ
مَا أَصَابَا عَلَى تِسْعَةِ أَجْزَاءٍ
خَمْسَةٍ لِرَبِّ الْمَالِ وَأَرْبَعَةٍ
لِلْعَامِلِ , وَوَجَّهَ ابْنُ يُونُسَ
الْأَقْوَالَ كُلَّهَا وَصَوَّبَ الْأَخِيرَ
فَانْظُرْهُ , والله أعلم.
فرع: قال مالك: يكره أن تقارض النصراني نقله
ابن يونس. ص: "ولا تسقط زكاة حرث ومعدن وماشية
بدين". ش: قصره عدد الإسقاط على الثلاثة يوهم
أن غيرها يسقط بما ذكر وليس على عمومه فإن
الركاز لا يسقط بما ذكر وكذلك زكاة الفطر على
أحد القولين اللذين حكاهما اللخمي لكن الركاز
إنما سكت عنه لأنه حالة الزكاة شبيه بالمعدن
وزكاة الفطر قال في بابها وإن بتسلف.
فرع: لو كان إنما تسلف فيما أحيا به الزرع
والثمرة وقوي به المعدن والركاز لم يسقط ذلك
عنه شيئا من ذلك نقله ابن يونس والله أعلم. ص:
"أو فقد أو أسر". ش: قال في النوادر قال ابن
القاسم في المجموعة: وتزكى ماشية الأسير
والمفقود وزرعهما ونخلهما ولا يزكى ناضهما
يريد لما عسى أن يكون لهما عذر يسقطها لا يسقط
بذلك في غير العين انتهى. ص
(3/197)
وإن ساوى ما
بيده إلا زكاة فطر عن عبد عليه مثله بخلاف
العين ولو دين زكاة أو مؤجلاً أو كمهر أو نفقة
زوجة مطلقاً أو ولد إن حكم بها وهل إن تقدم
يسر تأويلان ،
__________
أو كمهر". ش: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة
والأشهر سقوطها بدين مهر المرأة وإن كان يتأخر
لموت أو فراق وقاله ابن القاسم خلافا لابن
حبيب واللخمي انتهى. ص: "وهل إن لم يتقدم يسر
تأويلان". ش: هذا الاستفهام راجع إلى المفهوم
أعني مفهوم الشرط لأنه كالمنطوق وهذا كثير في
كلامه رحمه الله كقوله في فصل الاستقبال وهل
إن أومأ إلى آخره وقوله في فصل الجماعة إلا
مدرك التشهد والمعنى إن لم يحكم بنفقته فهل لا
تسقط مطلقا وهو تأويل عبد الحق أو لا تسقط إلا
إن حدث عسر بعد يسر وهو تأويل بعض شيوخه والله
أعلم.
فرع: قال ابن عرفة: اللخمي عن محمد أجر رضاع
الولد حيث يجب على الأم في
(3/198)
أو والد بحكم
إن تسلف لا بدين كفّارة أو هدي إلا أن يكون
عنده معشر زكي أو معدن أو قيمة كتابة أو رقبة
مدبر
__________
عدم الأب والولد ومثلها لا يرضع أو في موت
الأب ولا مال للولد سقط قال هو أحسن إن كانت
استرضعت لهم أو امتنعت من رضاعه لشرفها قال
ابن عرفة: وقوله: "تسقط" هو خبر قوله: "أجر
رضاعها إلى آخره" وإلا فلا بد من الزكاة تتوجه
المطالبة به من الإمام العادل قاله في
التوضيح.
فرع: قال ابن عرفة وفيها أجر الأجير والجمال
مسقط إن عملا اللخمي وإلا فلا إن لم تكن في
الإجارة محاباة لجعله دينه فيه بعض شيوخ عبد
الحق ما لم يعملا أجرة في قيمته وما بقي منه
مسقط انتهى. ص: "لا بدين كفارة أو هدي". ش:
ابن عرفة المازري الكفارة والهدي لغو انتهى.
والفرق بين دين الكفارة والهدي وكذلك الفرق
بين دين الكفارة وبين دين الزكاة أن الزكاة
تدفع للإمام العادل فدين الزكاة تتوجه
المطالبة به من الإمام العادل قاله في التوضيح
والله أعلم.
فرع: لا تجب الزكاة على المساكين عند ابن
القاسم نص عليه في الذخيرة. ص: "إلا أن يكون
عنده معشر زكي". ش: ابن غازي فأحرى عليه إن لم
يزك وكذلك الماشية المزكاة فلو قال إلا أن
يكون عنده نعم أو معشر وإن زكيا لكان أبين
وأشمل انتهى. وانظر العشر غير المزكى وكذلك
نعم الغير المزكاة هل يشترط فيها ما يشترط في
العرض أم لا ابن عرفة وخرج المازري الزرع قبل
بدو صلاحه على خدمة المدير انتهى. ص: "أو قيمة
كتابة". ش: قال ابن يونس: فإن عجز المكاتب وفي
رقبته فضل على مذهب ابن القاسم فذكر عن أبي
عمران
(3/199)
أو خدمة معتق
لأجل أو مخدم أو رقبته لمن مرجعها له أو عدد
دين حل أو قيمة مرجو أو عرض حل حوله ،
__________
أنه يزكي من ماله مقدار ذلك الفضل ابن يونس
صواب لأنه كعرض أفاده ولا خلاف في ذلك انتهى.
ابن عرفة وفيه في قيمة طعام سلم أو في رأس
ماله نقلا المازري عن عبد الحميد
(3/200)
إن بيع وقوّم
وقت الوجوب على مفلس لا آبق وإن رجي أو دين لم
يرج وإن وهب الدين أو ما يجعل فيه ولم يحل
حوله أو مرّ لكمؤجر نفسه بستين ديناراً ثلاث
سنين حول فلا زكاة أو،
__________
وابن شعبان انتهى. ومنه اللخمي إن كان غريمه
موسرا بنصف دينه جعل نصف ما عليه في نصف ماله
وزكى وإن جعل منابه في حصاصه جعل في قيمة دينه
والقياس لغوه لأنه لا ينبغي بيعه لجهله انتهى.
ص: "أو لكمؤجر نفسه". ش: انظر ما أفاد بالكاف
واحترز بنفسه مما لو أجره عبده أو دابته فإنه
يكون عنده ما يجعل فيه وإذا حال الحول الثاني
فإنه يزكي العشرين
(3/201)
مدين مائة له
مائة محرمية ومائة رجبية يزكي الأولى وزكيت
عين وقفت للسلف
__________
الأولى باتفاق وينتقل الخلاف إلى العشرين أجرة
الحول الثاني والله أعلم. ص: "وزكيت عين وقفت
للسلف". ش: سواء كانت على معينين أو مجهولين.
فرع: إذا أوصى بمال أو دفعه لشخص يشتري به أصل
ويوقف فحال الحول على المال
(3/202)
كنبات وحيوان
أو نسله على مساجد أو غير معينين كعليهم إن
تولى المالك تفرقته وإلا أن،
__________
قبل الشراء زكي قال في النوادر في ترجمة
الرجوع في الحبس ولو أوجب التحبيس في مال ناض
فأوقفه إلى أن يشتري به أصلا محبسا فذلك جائز
إذا اشترط فيها ذلك وجعلها بيد غيره قال وفيها
الزكاة يريد منها إذا أتى لها حول انتهى.
وأصله من كتاب ابن المواز ويريد بقوله والله
أعلم. فذلك جائز أي إذا أشهد بذلك كما قال في
كتاب الصدقة من المدونة والله أعلم.
فرع: إذا وقفت الدور فلا تجب الزكاة في غلاتها
لأنها لو كانت ملكا لم تجب في غلاتها زكاة إلا
أن يقبضها ربها ويقيم في يده سنة فكذلك
المحبسة والله أعلم. ص: "كنبات وحيوان أو
نسله". ش: أما النبات فواضح وأما الحيوان
فمراده إذا وقف لينتفع بغلته كلبنه وصوفه أو
يحمل عليها أو على نسلها كما قال في المدونة
وأما إن وقف لتفرق عينه فقد تقدم حكمه عند قول
المصنف ولا موصي بتفرقتها وأما قوله: أو نسله
فمعناه أنه إذا حبس لينتفع بصوفها أو لبنها أو
يحمل عليها وإن أوقف ليفرق فإن كان على معينين
فلا زكاة على من لم تبلغ حصته عدد الزكاة وإن
كان على مجهولين فالزكاة في جملة الأولاد إذا
تم لها حول من وقت الولادة كذا ذكره ابن يونس.
ص: "على مساجد أوغير معينين كعليهم إن تولى
(3/203)
حصل لكل نصاب
وفي إلحاق ولد فلان بالمعينين أو غيرهم قولان،
__________
المالك تفرقته وإلا فإن حصل لكل نصاب". ش: هذا
إنما يرجع إلى النبات فقط لأنه هو الذي يطابق
تفصيله في المنقول وهو قوله: كعليهم إن تولى
المالك تفرقته قال الرجراجي في شرح المدونة
وما تجب الزكاة في غلته دون عينه كالحوائط
المحبسة فلا يخلو من أن تكون محبسة على الحبس
وأن الزكاة تجب في ثمرتها إذا بلغت جملة ما
تجب فيه الزكاة وإن كان الحبس على معينين مثل
أن يحبس ثمر حائطه وجنانه على قوم بأعيانهم
فلا يخلو من أن يكون رب الحائط هو الذي يتولى
السقي والعلاج دونهم ويقسم الثمرة عليهم فإن
الثمرة تزكى على ملك المحبس قولا واحدا من غير
اعتبار ما يحصل كل منهم فمن حصل عنده نصاب من
المحبس عليهم وإن كان المحبس عليهم هم يسقون
ويعملون لأنفسهم فهل هم كالشركاء ويعتبر ما
ينوب كل واحد منهم فالمذهب على قولين قائمين
من المدونة أحدهما أنهم كالشركاء ويعتبر
النصاب في حق كل واحد منهم فمن حصل عنده نصاب
إما من ثمر الحبس بانفرادها أو بإضافتها إلى
ثمر جنان له فإنه يزكي دون من لم يحصل له نصاب
وهو قول أشهب في كتاب الحبس من المدونة
والثاني أنه يعتبر خمسة أوسق في جميع ثمرة
الحائط فإذا كان فيها خمسة أوسق أخذت منها
الزكاة من غير اعتبار بما يصح لكل واحد من
المحبس عليهم ويزكي على ملك المحبس الذي هو رب
الحائط فإن كان ثمرة الحبس دون النصاب أضافها
إلى ما يتم به النصاب إن كان عنده وهو قول ابن
القاسم في كتاب الحبس من المدونة وهو ظاهر قول
مالك في كتاب الزكاة الثاني من المدونة انتهى.
وقال ابن رشد في المقدمات وأما ما تجب الزكاة
في غلته ولا تجب في عينه وذلك حوائط النخل
والأعناب فإن كانت موقوفة على غير معينين مثل
المساكين في بني زهرة أو بني تميم فلا خلاف أن
ثمرتها مزكاة على ملك المحبس وأن الزكاة
(3/204)
__________
تجب في ثمرتها إذا بلغت جملتها ما تجب فيه
الزكاة واختلف إن كانت محبسة على غير معينين
فقال ابن القاسم في المدونة إنها أيضا مزكاة
على ملك المحبس وفي كتاب ابن المواز إنها
مزكاة على ملك المحبس عليهم فمن بلغت حصته
منهم ما تجب فيه الزكاة زكى عليه ومن لم تبلغ
حصته منهم ما تجب فيه الزكاة لم تجب عليه زكاة
وقول ابن القاسم هذا على أصل قوله في كتاب
الحبس أن من مات من المحبس عليهم قبل طيب
الثمرة لو يورث عنه نصيبه منها ورجع إلى
أصحابه وما في كتاب ابن المواز على أصل قول
أشهب في كتاب الحبس المذكور أن من مات من
المحبس عليهم بعد إبارها فحقه واجب لورثته
انتهى.
تنبيهات: الأول: التفصيل المذكور في الموقوف
عليهم بين أن يكونوا مجهولين أو معينين إنما
هو إذا حيز المحبس وأما إذا لم يجز فإنه يزكي
على ملك ربه قولا واحدا من غير تفصيل قال ابن
عرفة: والحبس غير محوز كمال ربه والمحوز إن
كان ذا نبات على مجهول زكي على ملكه وأما على
معين في كونه كذلك أو على ملك المحبس فيشترط
بلوغ حظ مستحقه نصاباً قولا ابن القاسم وكتاب
محمد التونسي والصقلي عن ابن الماجشون وإن
كانت على مستحقها سقطت انتهى.
الثاني: استفيد من كلام الرجراجي أنه إذا لم
يتول المالك التفرقة وحصل لكل واحد من
المعينين ما لا زكاة فيه وكان في ملكه جنان في
ثمره ما يكمل له به نصاب أنه يضم ما حصل من
ثمر الوقف إلى ثمر جنانه ويزكي الجميع وإضافته
إلى وقف عليه آخر مثل إضافته إلى ملكه فيكون
مثله فتأمله والله أعلم.
الثالث: استفيد من كلام المقدمات أنه حيث كانت
الزكاة على ملك الواقف وأنه يضم ثمر ما أوقفه
إذا لم يكن فيه نصاب إلى ثمر ما يملكه من
الحوائط أن ذلك إنما هو إذا أثمرت الحوائط في
حياة المحبس وأشار إليه ابن غازي في مسألة
الموقوف على تجزئ وسيأتي لفظه في التنبيه
الخامس.
الرابع: تحصل مما تقدم أن الحبس إذا كان على
غير معينين أو على معينين إلا أن الواقف هو
المتولي للحبس أن يزكي على ملك واقفه قولا
واحدا من غير خلاف وإن كان على معينين وهم
المتولون له ففي ذلك ثلاثة أقوال أحدها وهو
الذي اقتصر عليه المصنف أنه يزكي على ملك
المحبس عليهم والثاني يزكي على ملك المحبس
والثالث إذا كان الوقف على مستحق الزكاة سقطت
زكاته والله أعلم.
الخامس: هذا تحصيل القول فيما إذا كان الوقف
عليهم مجهولين أو معينين وأما الموقوف على
تجزئ فحصل ابن عرفة فيه ثلاثة طرق الأولى
للتونسي وهي التي اقتصر عليها المصنف أنه يزكي
على ملك الواقف والثانية للخمي أنه لا زكاة
والثالثة لأبي حفص أن ما
(3/205)
__________
على تجزئ من الأوقاف يضم بعضه لبعض وإن تعدد
واقفوه ونصه وفيما على تجزئ طرق التونسي ينبغي
زكاتها على ملك ربها ينضاف لماله غيرها اللخمي
قوله: مالك زكاتها على ملك ربها للعامل
والقياس قول مكحول لا زكاة فيها لأن الميت لا
يملك والمسجد لا زكاة عليه ككونها لعبد أبو
حفص لو حبس جماعة كل نخلا له على مسجد فإن بلغ
مجموعها نصاباً زكي انتهى. ونقله ابن غازي
وزاد إثره وقول التونسي يضاف لأصل ماله يريد
إذا كان عينا كالمسألة المذكورة في المقدمات
انتهى. ويشير بذلك لكلامه المتقدم ثم اعترض
على ابن عرفة في اقتصاره على ما نقله اللخمي
فقط ونصه وقد أغفل ابن عرفة قول عبد الحق في
التهذيب أعرف في المال الموقوف لإصلاح تجزئ
والغلات المحبسة في مثل هذا اختلافا بين
المتأخرين في زكاة ذلك والصواب عندي أن لا
زكاة في كل شيء يوقف على ما لا عبادة عليه من
مسجد ونحوه وقد نقله صاحب الجواهر والتقييد
انتهى. وبالطريقة الأولى أفتى أبو عمر ونصه
على ما نقله أبو الحسن الصغير ومن التعاليق
سئل أبو عمران عن جماعة حبسوا حبسا على مسجد
أو على حصن نخلا أو زيتونا كل حبسه على حدته
وفي جميع ما حبسوا ما تجب فيه الزكاة وليس في
حبس كل واحد منهم على انفراده ما تجب فيه
الزكاة هل تزكى هذه الأحباس أم لا فقال لا
زكاة فيها إلا أن يكون في حبس كل واحد منهما
ما تجب فيه الزكاة وإن كان في بعضها ما تجب
فيها الزكاة وفي بعضها ما لا تجب فيه الزكاة
فلا يزكى إلا ما تجب فيه الزكاة انتهى. وذكر
البرزلي في أواخر مسائل الصلاة في مسائل مساجد
قصر المسير مثل قول أبي حفص أنها تجمع ونصه
وفي تعليقة ابن العطار إذا حبس جماعة على مسجد
حوائط كل إنسان حبس نخلا وجملة ذلك للمسجد فإن
خرج من الجميع خمسة أوسق زكاة على المسجد
وإنما كانت الحوائط المحبسة تزكى لأن مصارف
الزكاة غير الفقراء مع الفقراء فلا يمسك لأجل
أن الثمرة للفقراء لأن الساعي قد يرى صرفها في
غيرهم من الأصناف فإن كان هناك خوف من العدو
صرفت في السبيل وإن كان الأمن والرخاء أعتق
الرقاب وإن كان زمن شدة أطعم المساكين وإن كان
الحبس على المساكين فلا يصرف ما سوى الزكاة
إلا على المساكين وأما ابن رشد فقال إن كان
الحبس على قوم معينين فلا خلاف أنها تزكى على
ملك المحبس وذكر كلام ابن رشد لمتقدم برمته
فتأمله والله أعلم.
السادس: قول المصنف كعليهم قال ابن غازي أدخل
أداة الجر على أداة الجر إيثارا للاختصار
ومثله قول الشاعر:
غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها ... تصل وعن قيظ
بزيزاء مجهل
انتهى. وفيه نظر لأن على في البيت اسم بمعنى
فوق كما صرح به أكثر النحاة وأما كلام المصنف
فإما أن يحمل على قول من التابعين دخول حرف
على حرف وهذا القول نقله
(3/206)
وإنما يزكى
معدن عين وحكمه للإمام ولو بأرض معين إلا
مملوكة لمصالح فله ،
__________
المحلي في شرح جمع الجوامع وإما أن تكون الكاف
هنا اسماً أو داخلة على اللفظ لا من حيث إنها
فيه حرف فتأمله والله أعلم. ص: "وإنما يزكى
معدن عين". ش: أفاد قوله: يزكى أن المأخوذ منه
زكاة فيشترط فيه شروطها من الإسلام والحرية
على ما اقتصر عليه ابن الحاجب وصاحب الشامل
وغيرهما ونقل ابن عرفة في اشتراطهما قولين
وقال الجزولي في الكبير في أول باب زكاة العين
إن الشركاء في المعدن كالواحد والعبد كالحر
والكافر كالمسلم على المشهور فتأمله ويشترط
النصاب وأما الحول فقد نبه على استثناء المعدن
من اشتراطه فيما تقدم وكذلك نبه على أن الدين
لا يسقط زكاته وعلم أيضا أن المأخوذ منه ربع
العشر وأن يصرفه مصرف الزكاة إلا في الندرة
كما صرح به ابن الحاجب وغيره وأفاد كلامه أن
العين لا زكاة فيه. ص: "وحكمه للإمام ولو بأرض
معين إلا مملوكة لمصالح فله". ش: علم من كلامه
رحمه الله وبما أتى به من المبالغة أن المعدن
إذا كان في أرض غير مملوكة كالفيافي وما انجلى
عنه أهله فحكمه للإمام وكذا إن كان في أرض
مملوكة لغير معين كأرض العنوة على القول بأنه
ملك الجيش فحكمه للإمام وكذلك إن كان مالكه
معينا ثم استثني من هذا الحكم ما إذا كانت
الأرض للمصالحين فإن المعدن يكون لهم قال في
المدونة وما ظهر من المعادن في أرض العرب أو
البربر فالإمام يليها ويقطعها لمن رأى ويأخذ
زكاتها سواء ظهرت في الجاهلية أو في الإسلام
وما ظهر منها في أرض الصلح فهي لأهل الصلح دون
الإمام ولهم أن يمنعوها من الناس أو يأذنوا
لهم فيها وما ظهر منها بأرض العنوة فهي إلى
الإمام ابن يونس لأن الأرض للذين أخذوها عنوة
انتهى. وقد لخص الرجراجي الكلام في ذلك وقال
المعدن إما أن يظهر في أرض العنوة أو في أرض
الصلح أو في أرض الإسلام فالأول لا
(3/207)
__________
خلاف أن الحكم فيه للإمام والثاني فيه قولان
أحدهما أنه للإمام وهو قوله في الواضحة
والثاني أن النظر فيه لأهل الصلح وهو قول ابن
القاسم في المدونة وقول ابن نافع وهو الصحيح
وعليه فمن أسلم منهم وفي أرضه معدن هل يستمر
له ملكه وهو ظاهر قول ابن القاسم ونص ابن
المواز عن مالك أو يكون النظر فيه للإمام وهو
ظاهر قول ابن القاسم أيضا رواية يحيى بن يحيى
والثالث أعني إذا ظهر في أرض الإسلام فإن ظهر
في الفيافي فلا خلاف أن النظر فيه للإمام وإن
ظهر في مملوكة محوزة فقال ابن القاسم النظر
فيه للإمام وقال ابن سحنون النظر لمالكه
انتهى.
تنبيهات: الأول: التمثيل بما انجلى عنه أهله
للأرض غير المملوكة قاله ابن عبد السلام وصاحب
التوضيح وغيرهم ويريدون به ما انجلى عنه أهله
الكفار وأما المسلمون فهو باق على ملكهم والله
أعلم.
الثاني: ما ذكره المصنف من أن المعدن إذا كان
في أرض معين فحكمه للإمام ليس خاصاً بما كان
في أرض العنوة كما فرضه الشارح بل هو أعم من
ذلك كما هو ظاهر كلام المدونة المتقدم وظاهر
عبارة ابن الحاجب وابن بشير واللخمي قال ابن
بشير وإن وجد في أرض مملوكة لمالك معين ففيها
ثلاثة أقوال أحدها أنه للإمام والثاني لمالك
الأرض والثالث إن كان عينا للإمام وإن كان غير
ذلك في الجواهر فلمالك الأرض انتهى. وقال
اللخمي: اختلف في معادن الذهب والفضة والحديد
والنحاس والرصاص تظهر في ملك الرجل فقال مالك:
الأمر فيها للإمام يقطعه لمن رآه قال لأن
المعادن يجتمع إليها شرار الناس وقال في كتاب
ابن سحنون وهو باق على ملك ربه انتهى. بل فرضه
في أرض العنوة بعيد على المشهور فيها أنها
وقف.
الثالث: زاد الشارح في شروحه وشامله في مواضع
المعدن ما وجد بأرض الحرب وقال حكمه للإمام
ولم أر أحدا ذكره ولا معنى له لأن أرض الحرب
إن كان الحكم عليها لأهل الحرب فكيف يتصور أن
يحكم فيها للإمام وإن زال حكم أهلها فهي عنوة
أو صلح أو ما انجلى عنه أهله فلا وجه لزيادة
هذا القسم وإنما ذكره أهل المذهب في مواضع
الركاز وهذا ظاهر والله أعلم.
الرابع: إذا أسلم أهل الصلح قال في المقدمات
رجع أمر المعادن إلى الإمام هذا مذهب ابن
القاسم وروايته عن مالك في المدونة ومذهب
سحنون أنها تبقى لهم انتهى. مختصرا.
الخامس: لم يفهم من كلام المصنف حكم المعدن
غير العين وقد علم من كلام ابن بشير المتقدم
والقول الثالث الذي ذكره أن الكلام فيما هو
أعم من العين وعلم ذلك أيضا من
(3/208)
وضم بقية عرقه
وإن تراخى العمل لا معادن،
__________
كلام اللخمي المتقدم وعلى ذلك فهم من شراح ابن
الحاجب كلامه وقال أبو الحسن في قول المدونة
فالإمام يليها ظاهره كانت المعادن مما يزكى أو
مما لا يزكى وقيل أما معادن ما لا يزكى فهي
لمالكها انتهى. وفي الجواهر في كتاب إحياء
الموات القسم الثاني من المعادن ما لا زكاة
فيه كمعادن النحاس والرصاص والقزدير والكحل
والزرنيخ والجوهر ونحو ذلك فقال ابن القاسم
وهي مثل معادن الذهب والفضة والسلطان يقطعها
لمن يعمل فيها وقال سحنون لا يليها كالعنبر
وما يخرج من البحر انتهى. القول الأول باللفظ
والقول الثاني بالمعنى.
السادس: حيث يكون نظر المعدن للإمام فإنه ينظر
فيه بالأصلح جبابة وإقطاعا الباجي إنما يقطعه
انتفاعا لا تمليكا فلا يجوز بيعه من أقطعه ابن
القاسم ولا يورث عمن أقطعه لأن ما لا يملك لا
يورث وفي إرث نيل أدرك قول أشهب ونص شركتها
انهى من ابن عرفة. ص: "بقية عرقه وإن تراخى
العمل". ش: العرق هو النول والنيل والنوال قال
عياض وهو ما خرج من المعدن واعلم أن هذه
المسألة على أربعة أوجه.
الأول: أن يتصل العرق والعمل فيضم بعضه إلى
بعض حتى يجتمع منه نصاب فيزكيه ثم يزكي ما خرج
بعد ذلك وإن قل قال في التوضيح: اتفاقا.
الثاني: أن يتصل العرق دون العمل قال في
التوضيح: عن المازري فإن انقطع العمل لطارىء
كفساد آلة ومرض عامل فلا شك في الضم فإن انقطع
اختيارا لغير عذر فالظاهر عندي من مذهبنا أنه
يبنى بعضه على بعض لأن النيل إذا ظهر أوله
فكأنه كله ظاهر ومحوز وقد أطلق أصحاب الروايات
أن النيل المتصل يضم بعضه إلى بعض حتى يجتمع
من غير تفصيل انتهى. وفي الذخيرة إن اتصل
النيل وحده فظاهر قول مالك أن الاعتبار بالنيل
دون العمل وعند الشافعي إن انقطع العمل بغير
عذر استأنف وإن اتصل النيل لنا أن النيل هو
المقصود دون العمل فإن انقطع النيل فلا زكاة
وإذا اتصل لم يضر انقطاع العمل انتهى. ونقل
الجزولي أيضا عن غيره أن ظاهر الرسالة والموطأ
في هذا الوجه الضم ولم يذكر خلافه فأشار
(3/209)
__________
المصنف إلى هذين الوجهين بقوله وضم بقية عرقه
وإن تراخى العمل يعني أن عرق المعدن يضم بعضه
إلى بعض حتى يجتمع منه نصاب فيزكيه ثم يزكي ما
يخرج بعد ذلك وإن قل قال في التوضيح: اتفاقا
الثاني أن يتصل العرق ما دام موجودا ولو تراخى
العمل بعضه عن بعض وحصل فيه انقطاع فقول
الشارح يريد بقوله وإن تراخى العمل أن يكون
مسترسلا على هبة العامل وليس المراد أن يعمل
تارة ويبطل أخرى فإنه لا يضم بعضه إلى بعض ليس
بظاهر ويتعين حمل كلام المصنف على ما تقدم.
والوجه الثالث: أن ينقطع العرق ويتصل العمل
قال في التوضيح: فالمذهب عدم الضم وعن ابن
مسلمة يضم ولم يحك القرافي خلافا في عدم
الضم".
والرابع: أن ينقطع العرق والعمل فلا ضم اتفاقا
وإلى هذين الوجهين أشار بقوله: "لا عرق لآخر
فإنه لا يضم عرق إلى عرق آخر اتصل العمل أو
انقطع.
فرع: لو تلف ما خرج من النيل بغير سببه فهل
يضم ما خرج بعد ذلك إليه فيه قولان لابن
القاسم ومحمد وإنما هذا الخلاف إذا تلف لوقت
لو تلف فيه المال بعد حوله لم يضمنه نقله ابن
عرفة.
تنبيهات: الأول: فسر في الذخيرة العلم
بالتصفية والظاهر من عبارة أهل المذهب أنه
الاشتغال بالإخراج من المعدن فتأمله والله
أعلم.
الثاني: قال في التوضيح: وحد الانقطاع هو ما
نقله صاحب النوادر ولفظه ومن الواضحة وإذا
انقطع عرق المعدن قبل بلوغ ما فيه الزكاة وظهر
عرق آخر فليجر الحكم فيه قاله مالك وابن
الماجشون انتهى. وفي الموطأ نحوه وظاهره أنه
لو انقطع العرق ثم وجد في تلك الساعة عرق آخر
أنه لا يضم أحدهما إلى الآخر انتهى.
الثالث: إذا وجد عرقا قبل انقطاع الأول فظاهر
إطلاقاتهم أنه لا يضم ما حصل من عرق إلى عرق
آخر وأما على القول بضم ما حصل من المعدن إلى
معدن آخر ابتدأ في الثاني قبل انقطاع الأول
فيضم هنا من باب أولى وفي الشرح الكبير عن
المقدمات كلام يوهم أنه يضم الأول للثاني
وكلام المقدمات إنما هو في ضم المعادن لا في
ضم العروق ويظهر ذلك بمراجعة المقدمات ويتأمل
آخر الكلام وأوله والله أعلم. ص: "لا معادن".
ش: يعني أن ما خرج
(3/210)
ولا عرق آخر
وفي ضم فائدة حال حولها،
__________
من معدن لا يضم لما خرج من معدن آخر إذا كان
كل واحد منهما في وقت بلا خلاف وإن كان في وقت
واحد ف قال ابن الحاجب: في ذلك قولان قال في
التوضيح: القول بالضم لابن مسلمة ابن رشد وهو
عندي تفسير للمدونة لأن المعادن بمنزلة
الأرضين فكما يضيف زرع أرض ألى أرض أخرى فكذلك
المعادن ابن يونس وهو أقيس وعدم الضم لسحنون
قال في الذخيرة: وهو المذهب خلافا لابن القاسم
لأنه إذا لم يضم نيل إلى نيل فأولى معدن إلى
معدن والفرق للمذهب بين المعدنين وزرع
الفدادين إن أبان الزرع واحد والملك شامل قبل
وجوب الزكاة فيه والملك في المعدن إنما ثبت
ومعناه ولو كانا في وقتين لم يضما اتفاقا
انتهى. وظاهر إطلاقه أنه اعتمد ما نسبه
القرافي للمذهب فتقييد الشارح كلامه وقصره على
المتفق عليه فيه نظر والله أعلم. وقال في
الشامل: ولا يضم معدن لآخر إلا في وقته على
الأظهر انتهى. والأظهر اختيار ابن رشد ويقابله
ما نقله في الذخيرة أنه المذهب والله أعلم.
تنبيه: قال في التوضيح: قال في الجلاب: ومن
كان له معدنان ذهب وورق ضم ما يخرج من أحدهما
إلى الآخر وزكاه الباجي وهو الجاري على قول
ابن مسلمة وأما قول سحنون فلا يبعد أن يوجد في
معدن انتهى. ونحوه في الذخيرة ولا بد أن يكونا
في عرق واحد على ما تقدم إذ لا يضم عرق لعرق
والله أعلم. ص: "وفي ضم فائدة حال حولها". ش:
أي وفي ضم الفائدة التي حال حولها نصاباً كانت
أو غيره إلى ما خرج من المعدن دون نصاب تردد
فحكى عبد الوهاب واللخمي أيضا الضم وخرج
اللخمي من القول بعدم ضم المعدنين قولا بعدم
الضم وفهم ابن يونس المدونة عليه قاله في
التوضيح قال عنه وقول عبد الوهاب خلاف المدونة
لأنه يلزم عليه لو أخرج من المعدن عشرة دنانير
ثم انقطع ذلك النيل وابتدأ آخر فخرج له عشرة
أخرى والعشرة الأخرى بيده أن يضيف ذلك ويزكي
لأنه يقول لو كانت له عشرة دنانير حال حولها
لأضافها إلى هذه العشرة التي خرجت له أخيرا
وزكى فإضافتها إلى هذه المعدنية أولى انتهى.
ومقتضى كلامه في المقدمات أن هذه الصورة التي
ألزمها ابن يونس لعبد الوهاب أنه يتفق على
الزكاة فيها فإنه قال إذا انقطع النيل بتمام
العرق
(3/211)
وتعلق الوجوب
بإخراجه أو تصفيته تردد،
__________
ثم وجد عرق آخر في المعدن نفسه فإنه يستأنف
مراعاة النصاب وفي هذا الوجه تفصيل إذ لا يخلو
ما نض له من النيل الأول أن يتلف من يده قبل
أن يبدو النيل الثاني فلا خلاف أنه لا زكاة
عليه لأنه بمنزلة فائدة حال حولها وتلفت ثم
أفاد ما يكمل به النصاب أو يتلف بعد أن بدا في
النيل الثاني وقبل أن يكمل عنده بما كان من
النيل الأول نصاب فيتخرج على قولين والحالة
الثانية أن يبقى بيده ما حصل من الأول إلى أن
كمل عليه من النيل الثاني تمام النصاب ولم
يذكر لها جوابا قال في التوضيح: ومقتضى كلامه
أنه يزكي باتفاق والذي يدل عليه كلام أهل
المذهب بل صريحه ما ذكره ابن يونس أنه لا يضم
نيل إلى نيل لكن في قوله وإنما قاله عبد
الوهاب خلاف المدونة انظر وقد فرق المازري بين
المسألتين بما حاصله أنه إذا كانت بيده فائدة
قد حال حولها لا سبيل إلى إنكار الحول عليها
لأنه أمر محسوس وإذا أخرج من يده مائة وهي في
حكم ما حال عليه الحول صار الجميع مالا واحدا
حال حوله بخلاف ما إذا أخرج مائة معدنية أولا
فإنه لم يمر عليها حول وإنما جعلت في حكم ما
مر عليه حول تقديرا وهذا التقدير إنما قدره
الشرع فيما توجه الخطاب بالإخراج منه وههنا لم
يتوجه لقصوره عن النصاب انتهى. وقال أبو الحسن
ذكر ابن رشد هنا كلاما مشكلا ثم ذكره قال وسكت
عن الوجه الثالث ومقتضى كلامه أنه يزكي باتفاق
وليس كذلك إذ ظاهر قوله في الكتاب فيكون
كابتدائه أنه بقي في يديه ما نض له من النيل
الأول وتلف فإذا نوزع في هذه الصورة فهو منازع
في الثانية من باب أولى وسيأتي في كلام
الذخيرة ما يدل على أنه لا يزكي في الصورة
التي ذكرها ابن رشد والتي فهمت من كلامه والله
أعلم. ثم ذكر الشيخ أبو الحسن كلام عبد الوهاب
وكلام ابن يونس بعده وحاصله أن القول بضم
الفائدة لما يكمل به نصاباً من المعدن هو الذي
نص عليه عبد الوهاب واللخمي ومقابله تخريج
اللخمي وفهم ابن يونس ولذلك ذكر القرافي عن
سند ما قاله عبد الوهاب ثم ذكر عنه قولا آخر
بعدم الضم فالقول بالضم هو المنصوص فكان ينبغي
للمصنف الاقتصار عليه ولذلك قال في الشامل:
ويضم ناقص لغير حوله وإن ناقصا على المنصوص
انتهى. وقد تقدم في زكاة الدين ذكر كلام ابن
عرفة وابن عبد السلام. تنبيه: ما تقدم أول
الكلام عن التوضيح أنه يضم المعدن للفائدة
كانت نصاباً أو دونه وهو المفهوم من كلام
الشامل ومن كلام جماعة غيره خلاف ما صرح به في
الذخيرة عن سند من أن عبد الوهاب إنما يقول
بالضم إذا كان المال الذي حال عليه الحول عنده
دون النصاب قال ولو كان معه نصاب حال عليه
الحول ثم استخرج من المعدن دون النصاب لا
يزكيه خلافا للشافعية وهو نقض على عبد الوهاب
ولو استخرج دون النصاب وبعد مدة دون النصاب لا
يضم عند الجميع انتهى. فتأمله . ص: "وتعلق
الوجوب بإخراجه أو تصفيته تردد"
(3/212)
وجاز دفعه
بأجرة غير نقد على أن المخرج للمدفوع له
واعتبر ملك كل وفي بجزء كالقراض قولان
__________
ش: أي اختلف المتأخرون في ذلك فنقل الباجي أن
الوجوب يتعلق بنفس خروجه من المعدن ونقل غيره
إنما يتعلق به الوجوب بالتصفية وفائدة الخلاف
فيما إذا أنفق شيئا قبل التصفية هل يحسب جملته
أم لا وعن الجزولي الأول لظاهر الرسالة
والثاني للسليمانية قال ويبني عليه إذا أخرجه
ولم يصفه وبقي عنده أعواما ثم صفاه فعلى ما في
السليمانية يزكيه زكاة واحدة وعلى ظاهر
الرسالة يزكيه لكل عام والله أعلم. ص: "وجاز
دفعه بأجرة غير نقد". ش: مراده بأجرة شيء
معلوم ويكون ما يخرج منه للعامل بمنزلة من
أكرى أرضه بشيء معلوم قال ابن زرقون وروى ابن
نافع عن مالك في كتاب ابن سحنون جوازه ومنعه
سحنون وروي أيضا عن سحنون الجواز وعلى هذا لا
يجوز أن يكرى بذهب وفضة كما لا تكرى الأرض بما
يخرج منها ولا بطعام في المشهور هكذا قال في
التوضيح: وعليه حمل الشارح وحمل قوله: وعلى أن
المخرج للمدفوع له واعتبر مالك كل على الفرع
الذي في كلام ابن الحاجب وهو ما إذا أعطى
المعدن لجماعة يعملون على أن ما يخرج منه لهم
فقال سحنون كالشركاء لا تجب الزكاة إلا على حر
مسلم بالغة حصته نصاباً وحمل كلام المصنف على
هذين الفرعين ويكون سكت عن فرع: وهو الاستئجار
عليه بأجر معلوم لوضوحه أولى من حمل ابن غازي
كلامه على هذا الفرع وعلى الفرع الأول ويكون
الفرع الذي في كلام ابن الحاجب وهو ما إذا
أعطى المعدن لجماعة مسكوتا عنه لأن الحاجة إلى
ذكر. فرع: ماذا أعطى لجماعة أمس من ذكر فرع:
ما إذا استؤجر عليه بأجر معلوم لوضوحه والله
أعلم. ص: "واعتبر ملك كل". ش: هذا أحد القولين
اللذين ذكرهما ابن الحاجب ونصه ولو أذن لجماعة
ففي ضم الجميع قولان قال ابن عبد السلام:
معناه إذا دفع المعدن لجماعة يعملون فيه إما
على أن يكون جميع ما يخرج منه لهم أو على أن
له جزءا مما يخرج منه ولهم بقية ذلك على أحد
القولين يعني في دفعه بجزء فهل يكونون
كالشركاء يعتبر نصيب كل واحد منهم وهو الظاهر
أو يكون ما يأخذونه منه كالعامل في المساقاة
ويزكي الجميع على ملك ربه في ذلك قولان انتهى.
ص: "وبجزء كالقراض قولان". ش: القول بالجواز
لمالك ونسب لابن القاسم وهو اختيار الفضل بن
مسلمة وصدر به في الشامل
(3/213)
وفي ندرته
الخمس كالركاز وهو دفن جاهلي،
__________
ومقابله لأصبغ واختاره ابن المواز قال في
المقدمات وهو قول أكثر أصحاب مالك والله أعلم.
وإذا قلنا بالجواز فانظر هل يزكي هنا على ملك
ربه أو يعتبر ما يحصل لكل واحد فتأمله والله
أعلم. ص: "وفي ندرته الخمس". ش: قال في
التوضيح: المعتبر في تمييز الندرة من غيرها هو
التصفية للذهب والتخليص لها دون الحفر والطلب
فإذا كانت القطعة خالصة لا تحتاج إلى تخليص
فهي القطعة المشبهة بالركاز وفيها الخمس وأما
إذا كانت ممازجة للتراب وتحتاج إلى تخليص فهي
المعدن وتجب فيها الزكاة حكاه الباجي عن الشيخ
أبي الحسن انتهى. وظاهره سواء كانت الندرة
نصاباً أو دونه وكذا قال ابن يونس وقال: ولو
قال قائل: لا تكون ندرة ولا يؤخذ منها الخمس
حتى تكون نصاباً لم أعبه انتهى. ص: "كالركاز
وهو دفن جاهلي". ش: قال
(3/214)
وإن بشك أو قلّ
أو عرضاً أو وجده عبد أو كافر إلا لكبير نفقة
أو عمل في تخليصه فقط،
__________
البخاري في كتاب الزكاة قال مالك وابن إدريس:
الركاز دفن الجاهلية في قليله وكثيره الخمس
وليس المعدن بركاز قال ابن حجر الركاز بكسر
الراء وتخفيف الكاف وآخره زاي المال المدفون
مأخوذ من الركز بفتح الراء يقال ركزه يركزه
إذا دفنه ثم قال وقوله دفن الجاهلية بكسر
الدال وسكون الفاء الشيء المدفون كالذبح بمعنى
الذبوح وأما بالفتح فهو المصدر ولا يراد هنا
انتهى. ومثله الخرص بمعنى المخروص. ص: "أو
وجده عبد أو كافر". ش:
فرع: قال في التوضيح: في باب الجهاد في مسألة
ما غنمه العبد والذمي: قال التونسي: ولا نعلم
نص خلاف أن ما أصابه النساء والصبيان من ركاز
يخمس انتهى. بالمعنى ونقله ابن عرفة أيضا هنا
ونصه التونسي لا خلاف في تخميس ركاز وجده صبي
أو امرأة انتهى. ص: "إلا لكبير نفقة أو عمل في
تخليصه فقط فالزكاة". ش: في بعض النسخ في
تحصيله وهو المراد بالتخليص أي تخليصه من
الأرض وقوله فقط أي كبير العمل أو النفقة
يعتبر في تحصيله وإخراجه فقط لا في تصفيته إذ
الفرض أنه ركاز والتصفيه إنما هي في المعدن
والله أعلم.
فرع: قال في النوادر وما كان في جدار من ذهب
أو فضة لو تكلف إخراجه أخرج منه بعد أجرة من
يعمله شيئا فليزكه وإن لم يخرج منه إلا قدر
عمله فلا شيء فيه انتهى. ص: "
(3/215)
فالزكاة وكره
حفر قبره والطلب فيه وباقيه لمالك الأرض ولو
جيشاً وإلا فلواجده إلا دفن المصالحين فلهم
إلا أن يجده رب دار بها فله ،
__________
وكره حفر قبره". ش: أي قبر الجاهلي قال في
الشامل: وما وجد فيه من مال ففيه الخمس انتهى.
وباقيه لمالك الأرض وإن جيشا قال في الشامل:
ثم لورثتهم وقيل للواجد وعلى المشهور لو
انقرضوا فللمسلمين وقيل للفقراء انتهى. ص:
"فلواجده". ش: أي وإن لم يوجد في أرض مملوكة
بل وجد في الفيافي والقفار فهو لواجده. ص:
"وإلا دفن المصالحين فلهم". ش: قال في الشامل:
ثم لورثتهم فإن انقرضوا فكمال جهل ربه فإن
وجده من ملكها عنهما فله وقيل لهم وفي الأخير
ثالثها لواجده فإن كان دفن صلحي فله إن علم
وإلا فلهم وذو علامة إسلام وغيره فلواجده
ويخمس وما جهل لعدم علامة أو طمسها فلواجده
وشهر وقيل إن وجد بفيافي الإسلام فلقطة أما من
وجده في ملكه فله اتفاقا انتهى. و قال في
التوضيح: لو وجد الركاز في موضع جهل حكمه فقال
سحنون هو لمن أصابه ويخمس انتهى. قال في
التوضيح.
فرع: وحيث حكمنا به لأهل الصلح فقال في الجلاب
يخمس وقال في المدونة لا يخمس انتهى. ص: "إلا
أن يجده رب دار بها فله". ش: مراده من أهل
الصلح وإن لم يكن منهم فهو لهم نقله غير واحد
كابن عرفة وغيره.
(3/216)
ودفن مسلم أو
ذمي لقطة وما لفظه البحر كعنبر فلواجده بلا
تخميس،
__________
فرع قال ابن عرفة في كون ركاز الأرض إذا بيعت
لمشتريها أو لبائعها: قولان لابن القاسم ومالك
واللخمي وقول مالك هو الصواب انتهى. ص: "ودفن
مسلم أو ذمي لقطة". ش: قال في التوضيح: قال
ابن عبد السلام: وما لم تظهر عليه علامة
الإسلام والكفر حمل على أنه من دفن الكفر لأن
الغالب أن الدفن والكنز من شأنهم أي فيكون
لواجده وعليه الخمس وقال ابن رشد إن لم يوجد
عليه علامة الإسلام والكفر أو كانت عليه وطمست
فقال سند إنه يكون لمن وجده قياسا على قول
سحنون المتقدم فيما إذا أوجده في أرض مجهولة
بجامع أنه لا يعرف الملك فيهما قال سند: وقال
بعض أصحابنا: هو لقطة إذا وجد بأرض الإسلام
تغليبا للدار قال والأول هو المشهور وقد
اتفقوا على أنه يخمس ولو كان لقطة ما خمس قال
وهذا إذا وجد في الفيافي في بلاد المسلمين
وأما إذا وجد في ملك أحد فإنه له عندهم اتفاقا
ولو كان لقطة لاختلف حكمه في البيان انتهى.
كلام ابن راشد خليل وانظر كيف ذكر سند أولا أن
كونه للواجد مخرج على قول ابن سحنون ثم قال
إنه المشهور انتهى. وتقدم كلام الشامل في ذلك
والله أعلم. ص: "وما لفظه البحر كعنبر فلواجده
بلا تخميس". ش: قال ابن عرفة: وفيها وما لفظه
البحر ولم يملك كعنبر ولؤلؤ لآخذه دون تخميس
كصيد وما وجد مما لفظه البحر إن كان لمسلم
لقطة ولمشرك لقطة الإمام لا لواجده وزاد في
سماع عيسى وما شك فيه لقطة ابن رشد ما لفظه من
مال مغصوب لقطة اتفاقا بخلاف ما ألقاه ربه
لنجاة نفسه وفيها ما وجد على وجه الأرض من مال
جاهلي أو ساحل البحر من تصاوير الذهب والفضة
فلواجده مخمسا ونقل ابن بشير ما لفظه البحر من
مملوك مسلم أو ذمي لواجده مطلقا خلاف تفصيل
ابن رشد بين ما ألقي لنجاة أو كان عطبا ابن
بشير وما لفظه لحربي إن كان معه وأخذه بقتال
أو لخوفه من أخذه لعدم حصوله في قبضة الإسلام
فله
(3/217)
__________
مخمسا وإن لم يخفه فلواجده وقول ابن الحاجب إن
أخذ بقتال خمس وإلا فلا وقال في الشامل: فلو
رآه أحد فبادر إليه غيره أو جماعة فللسابق فإن
كان مملوكا فهل لمالكه أو لواجده قولان إلا
لحربي فلواجده كأن أخذه منه بقتال هو السبب
وإلا ففيء انتهى. والله أعلم.
فرع: قال ابن عرفة: وفيها ما غسل من تراب ساحل
بحر وجد به ذهب أو فضة معدن اللخمي إن كان من
بقية مال جاهلي غسله فركاز واختلف فيه قول
مالك إن كثرت وإن أتت به سيول من معدن احتمل
كونه معدنا والأظهر فائدة كقول مالك في زيتون
جبلي لم يجن حيز منه نصاب.
قلت: الأظهر تخميسه لندرة لقوة الشبهة انتهى.
فرع: قال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم لمن أسلم
دابته في سفر آيسا منها أخذها من أخذها وأنفق
عليها فعاشت ابن رشد لمسلمها إتيانها بنية
ردها أخذها ممن أخذها إن كان أشهد بذلك أو لم
يشهد وتركها بأمن وماء وكلا أو إلا ففي تصديقه
ثالثها بيمين وبينة عدم ردها لا يأخذها وبغير
بينة في حمله على الأول أو الثاني قولان وعلى
الأخذ فعلى ربها نفقة آخذها لا أجر قيامه
عليها إن أقام عليها لنفسه ولو أقام عليها
لربها فله أجره إن أشهد بذلك وإلا ففي تصديقه
ثالثها بيمين وسمع أيضا لمن طرح متاعه خوف
غرقه أخذه ممن غاص عليه وحمله يغرم أجرها ابن
رشد هي كالتي قبلها وفاقا وخلافا ولسحنون من
أخرج ثوبا من جب وأبى رده لربه فرده فيه فطلبه
ربه فعليه إخراجه ثانية وإلا ضمنه محمد إن
أخرجه فله أجره إن كان ربه لا يصل إليه إلا
بأجر وسمع أيضا لمن أسلم متاعه بفلاة لموت
راحلته أخذه ممن احتمله بغرم أجر حمله ابن رشد
أخذه حفظا لربه أو تملكا لظنه تركه وإن أخذه
اغتفالا فلا حمل له ابن شاس وما ترك بمضيعة
فقام عليه غيره فأحياه ففي كونه لربه أو أخذه
روايتان والثانية أصح انتهى. والسماعات
المذكورة كلها في كتاب اللقطة. فائدة: ورد في
صحيح مسلم "لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن
ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا" 1 ومعنى يحسر
أي ينكشف قال القرطبي نهى عن أصله من التحريم
لأنه ليس ملكا لأحد وليس بمعدن ولا ركاز فحقه
أن يكون في بيت المال انتهى. وقوله عن أصله
لعله على أصله فتأمله والله أعلم.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الفتن باب 24. مسلم في
كتاب الفتن حديث 29، 30. أبو داود في كتاب
الملاحم باب 12، 13. الترمذي في كتاب الجنة
باب 26. ابن ماجة في كتاب الفتن باب 25. أ-حمد
في مسنده (2/261، 306، 332، 346) (5/139, 140)
(6/454).
(3/218)
فصل في مصارف الزكاة
ومصرفها فقير ومسكين وهو أحوج وصدقا إلا
لريبة،
__________
فصل ومصرفها فقير ومسكين وهو أحوج
فرع إذا لم يوجد إلا صنف واحد من الأصناف
الثمانية فالإجماع على أنها تعطى لهم وتجزىء
وإذا اجتمعت الأصناف فالمذهب أنه لا يجب
استيعابها بل لو أعطيت لصنف واحد أجزأ نقله
القرافي في الذخيرة وقول ابن عرفة صرفها في
أحدها غير العامل مجزىء على إطلاق ابن الحاجب
والشامل والقرافي وغيرهم وسيأتي الكلام على
ذلك في التنبيه الرابع في شرح قول المصنف وندب
إيثار المضطر دون عموم الأصناف والله أعلم. ص:
"وصدقا إلا لريبة". ش: قال في الشامل: وصدق من
ادعاهما أي الفقر والمسكنة إلا لريبة وبين
ذهاب مال
(3/219)
إن أسلم وتحرر
وعدم كفاية بقليل أو إنفاق أو صنعة،
__________
عرف به وإن ادعى عيالا ليأخذ لهم وهو من أهل
المكان كشف عنه إن أمكن وإن ادعى دينا ببينة
مع عجزه عنه انتهى. وفي الذخيرة في الحكم
الثالث من أحكام الصرف في الإثبات وفي الجواهر
ما خفي من هذه الصفات كالفقر والمسكنة صدق ما
لم يشهد ظاهره بخلافه أو يكون من أهل الموضع
ويمكن الكشف عنه فيكشف والغازي معلوم بفعله
فإن أعطي بقوله ولم يوف استرد ويطالب الغارم
بالبينة على الدين والعسر إن كان من مبايعة
إلا إذا كان طعام أكله وابن السبيل يكتفي فيه
بهيئة الفقر انتهى. وما ذكره صاحب الشامل أصله
للخمي وقبله في التوضيح وابن عرفة والله أعلم.
ص: "وعدم كفاية بقليل أو إنفاق أو صنعة". ش:
يعني أنه
(3/220)
__________
يشترط في كل واحد من الفقراء والمساكين أن
يكون عادما للكفاية إما بأن لا يكون له شيء
أصلا ولا له من ينفق عليه ولا له صنعة أو يكون
له شيء قليل لا يكفيه أو له من ينفق عليه نفقة
لا تكفيه أو له صنعة لا كفاية له فيما يحصل
منها قال ابن الحاجب: ويشترط فيهما أي الفقير
والمسكين الإسلام والحرية اتفاقا وأن لا يكون
ممن تلزم نفقته مليا وكذلك إن كانت لا تلزم
ولكنه في نفقته وكسوته قال في التوضيح: يعني
أنه يلحق الملتزم النفقة والكسوة بمن تلزمه في
الأصل وسواء كان التزامه لها صريحا أو بمقتضى
الحال وسواء كان من قرابته أولا قاله ابن عبد
السلام انتهى. ثم قال فإن انقطعت النفقة أو
الكسوة عن أحد الشخصين فإنه يجوز أن يدفع له
من الزكاة ما يقدر عليه من النفقة والكسوة
انتهى.
تنبيهات: الأول: قال ابن فرحون: ظاهر كلام
المؤلف أنه سواء كان المليء يجريها عليه أم لا
لأنه قادر على أخذها منه بالحكم وينبغي أن
يستثني من هذا ما لو كان المليء لا يمكن
الدعوى عليه أو تعذر الحكم انتهى. وفي البرزلي
عن السيوري من له ولد غني وأبى من طلب نفقته
منه يعطى من الزكاة البرزلي لأنها لا تجب إلا
بالحكم فكأنه لم يكن له ولد فلو كان الأمر على
العكس ففيه نظر على مذهب ابن القاسم وأشهب
انتهى. وفي المدونة قال ابن القاسم: وإذا كان
رجل فقير وله أب غني لا يناله رفقه فلا بأس أن
يعطى من الزكاة فإن كان يناله رفقه فغيره ممن
لا يناله رفق أحد أولى أن يؤثر انتهى. فقوله
أولى أن يؤثر يدل على أنه يعطى وهو موافق لما
تقدم عن التوضيح لأن قوله: يناله رفقه يفهم
منه أنه ليس ملتزما له بالكفاية فلو التزم له
بالكفاية لم يعط.
الثاني: ظاهر ما تقدم في التوضيح أن من له من
ينفق عليه ويكسوه لا يعطى من الزكاة ولو احتاج
إلى ضروريات أخر لا يقوم بها المنفق والظاهر
أنه يعطى بقدر ما يسد به ضرورياته الشرعية فقد
قال البرزلي: وسئل السيوري عن كافل يتيمة
تخدمه وهو يطعمها ويكسوها هل تعطى من الزكاة
ما ترتفق به في كسوتها أو تتجمل به في العيد
أو متى تزوجت فقال للسائل ليس عن مثل هذا
تسألني مع كثرة المسائل التي عندك فعلها
معلومة وما ينبني عليه موجود عندك البرزلي لم
يعطه جوابا وأحاله على ما قيده والذي سمعت عن
بعض شيوخنا وأظن أني قيدته منه أنها تعطى من
الزكاة ما يصلحها من ضروريات النكاح والأمر
الذي يراه القاضي حسنا في حق المحجور قال
والصواب في هذه المسألة المفروضة أنه إن قابل
بشيء من الزكاة خدمتها فلا يجزئ لأنه صون بها
ماله وإن لم يقابل ويعلم أنه لو لم تخدمه لم
يعطها شيئا فلا تعطى أيضا وإن لم يكن شيء من
ذلك بأن كان غيرها أشد حاجة منها فلا يعطيها
وإن استوت الحاجة فغيرها ممن يصرفها في أهم
مما تصرفه هي فيه خير وإن اشتدت حاجتها من
غيرها أعطيت ما تدعو الضرورة إليه من أسباب
النكاح انتهى. ويؤخذ مما يأتي عن النوادر في
قوله: "ودفع أكثر منه"
(3/221)
__________
الثالث: يعطى المحجور من الزكاة وتدفع لوليه
ويدفع له القدر الذي يحتاج إليه في وقته قال
البرزلي: وسئل السيوري عن فقير خالط عقله شيء
هل يعطى من الزكاة وكذا قليل الصلاة فأجاب من
فقد عقله سقطت الصلاة عنه ويعطى لوليه من
الزكاة ما ينفقه عليه وإن لم يكن كذلك في عقله
فيعاد السؤال عليه وقليل الصلاة لا يعطى من
الزكاة البرزلي لم تجب على من يفقد عقله في
وقت دون وقت وجوابه إن كانت حالته وقت الصحو
كحالة الصحيح الرشيد فيعطى من الزكاة ولا يضرب
على يديه وإن كان بحيث لا يضبط ماله فحكمه حكم
المحجور يعطى القليل الذي يضطر إليه في الحال
ولوليه الكثير يصرفه إليه في أوقات الضرورة
وأما جوابه في مضيع الصلاة فعلى وجه الشدة ولو
أعطاه لمضى انتهى.
الرابع: قال البرزلي: وروى المغيرة لا يجريها
على الأيتام البرزلي قيدنا عن شيخنا الإمام أن
معناه أن يخرجها لهم كسوة وطعاما لأنه من باب
إخراج القيم في الزكاة وأما لوأخرجها بعينها
وعينها لهم صح له صرفها عليهم انتهى.
الخامس: قال في سماع عيسى يعطى من الزكاة أهل
الهوى الخفيف الذي يبدع صاحبه ولا يكفر كتفضيل
علي على سائر الصحابة وما أشبه ذلك وأما أهل
الأهواء المضلة كالقدرية والخوارج وما أشبههم
فمن كفرهم بمقتضى قولهم لم يجز أن يعطوا من
الزكاة ومن لم يكفرهم أجاز أن يعطوا منها إذا
نزلت بهم حاجة وهو الأظهر ومن البدع ما لا
يختلف في أنه كفر كمن يقول إن عليا هو النبي
وأخطأ جبريل ومن يقول في كل أمة رسولان ناطق
وصامت وكان محمد صلى الله عليه وسلم ناطقا
وعلي صامتا ومن يقول الأئمة أنبياء يعلمون ما
كان وما يكون فهؤلاء ومن أشبههم لا يعطون من
الزكاة بإجماع لأنهم كفار وقد قال ابن حبيب:
لا يعطى تارك الصلاة من الزكاة وقال إن ذلك لا
يجزئ من فعله وهذا على أصله أنه كافر وهو بعيد
انتهى. وقال في النوادر ولم يجز ابن حبيب أن
يعطاها تارك الصلاة وقال إن ذلك لا يجزئ من
فعله وهذا قول انفرد به وإن كان غيرهم أولى
فلا بأس أن يعطوا إذا كان فيهم الحاجة البينة
انتهى. ونقل ابن عرفة جميع ذلك مختصرا ونصه
الشيخ عن محمد عن أصبغ لا يعجبني إعطاؤها ذا
هوى إلا خفيفه الأخوان لا يعطى ذا هوى ومن فعل
أساء وأجزأته وسمع عيسى ابن القاسم يعطى أهل
الأهواء إن احتاجوا من المسلمين ابن رشد إن خف
هواهم كتفضيل علي على الصحابة والقدري
والخارجي على القولين في تكفيرهم ومنعها ابن
حبيب غيرالمصلي على أصله الشيخ المصلي أولى
منه ويعطى إن كان ذا حاجة بينة وتقدم قول
البرزلي في جواب السيوري في التنبيه الثالث في
قليل الصلاة إنه لا يعطى على وجه الشدة ولو
أعطي لمضى وقال البرزلي إثر هذا الكلام: ومثله
أهل المجون والمعاصي إذا كانوا يصرفون الزكاة
في محلها من ضرورياتهم ولو كانوا يصرفونها حيث
لا ترضى غالبا فلا تعطى لهم ولا تجزئ من
أعطاهم لأنه يتوصل بذلك إلى المعصية ولا يخل
ما أمر الله به ما نهى عنه.
(3/222)
وعدم بنوة
لهاشم والمطلب،
__________
وهذا على القول بأنهم مسلمون وعلى مذهب من
يكفر تارك الصلاة فلا تجزئ ونص عليه ابن حبيب
وأهل الأهواء يسلك بهم هذا المسلك الذي أصلناه
وفي النوادر عن أصبغ ونقل ما تقدم عنه ثم قال
فيه بعد هذا ودفع الزكاة إلى الأصلح حالا أولى
من دفعها إلى سيىء الحال إلا أن يخشى عليه
الموت فيعطى وإذا غلب على الظن أن المعطى
ينفقها في المعصية فلا يعطى ولا تجزئ إن وقعت
انتهى. وقال في مسائل بعض القرويين في أيتام
تحل لهم زكاة لهم خادم غير مصل ولا منفق
فيحرمون من أجله فأجاب يعطون من الزكاة ويأكل
خادمهم منها بالإجارة وقد بلغت محلها يتصرفون
فيها كيف شاؤا انتهى.
السادس: قال في النوادر في ترجمة وجه إخراج
الصدقة في الأصناف روى علي وابن نافع عن مالك
في المرأة يغيب عنها زوجها غيبة بعيدة فتحتاج
ولا تجد مسلفا فلتعط منها انتهى. يعني من
الزكاة وهو ظاهر وهذا إذا كان يعلم أن زوجها
موسر وإلا فتعطى ولو وجدت من يسلفها لأن الزوج
إذا كان معسرا لم تلزمه النفقة والله أعلم.
السابع: تقدم في كلام البرزلي حكم أهل المجون
ومن يصرف الزكاة في المعاصي قال اللخمي: ولو
أتلف ماله فيما لا يجوز لم يعط بالفقر لأنه
يصرفه في مثل الأول إلا أن تعلم منه توبة أو
يخاف عليه انتهى. ص: "وعدم بنوة لهاشم
والمطلب". ش: يعني أنه يشترط في الذي يحل له
أخذ الزكاة أن يكون عادما لبنوة هاشم والمطلب
أي لا يكون من بني هاشم ولا من بني المطلب
وعممنا هذا الشرط وإن كان كلام المصنف في
الفقير والمسكين لأنه قد ذكر القرافي وغيره أن
هذا الشرط عام في جميع الأصناف وكذلك الحرية
والإسلام إلا المؤلفة على القول المشهور فيهم
ويعني بقوله المطلب المطلب بن عبد مناف وهو
أخو هاشم وليس المراد
(3/223)
كحسب على عديم،
__________
به عبد المطلب ابن هاشم حتى اعترض عليه بأن
بنوة هاشم كافية عنده لأن من كان من بني عبد
المطلب فهو من بني هاشم بل قال ابن رشد في
الأجوبة: ثم يعقب أحد من بني هاشم إلا عبد
المطلب وما مشى عليه المصنف من أن الآل هم بنو
هاشم وبنو المطلب هو قول عزاه في الإكمال لبعض
شيوخ المالكية وذكره الرجراجي ولم يعزه واقتصر
عياض عليه في قواعده وقال الشيخ زروق في شرح
الوغليسية هو الرجراجي ولم يعزه واقتصر عياض
عليه في قواعده وقال الشيخ زروق في شرح
الوغليسية هو المذهب وكأنه اعتمد كلام المصنف
هنا ولكن الذي عليه مالك وأكثر أصحابه أنهم
بنو هاشم فقط.
تنبيه: قال الونشريسي في المعيار: وسئل سيدي
محمد بن مرزوق عن رجل شريف هل يواسى بشيء من
الزكاة أو صدقة التطوع وقد علمتم ما في ذلك من
الخلاف وحالة هذا الرجل وغيره من الشرفاء
عندنا لا سيما من له عيال تحت فاقة فالمراد ما
نعتمده في ذلك من جهتكم فإني وقفت على جواب
للإمام ابن عرفة قيل فيه المشهور من المذهب
أنهم لا يعطون من الزكاة وبذلك احتججت على من
تكلمت معه في ذلك من طلبة بلدنا فقالوا لي إن
وقفنا على هذا وشبهه مات الشرفاء وأولادهم
وأهاليهم هزالا فإن الخلفاء قصروا في هذا
الزمان في حقوقهم ونظام بيت المال وصرف ماله
على مستحقيه فسد والأحسن عندي أن يرتكب في هذا
أخف الضررين ولا ينظر في حفدة رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى يموتوا جوعا فعارضني بما
قلت: لكم وبما قاله الشيخ ابن بشير في ذلك في
الأجوبة فأجاب المسألة اختلف العلماء فيها كما
علمتم والراجح عندي في هذا الزمان أن يعطى
وربما كان إعطاؤه أفضل من إعطاء غيره والله
أعلم. ونقله في المازونية عنه باللفط المذكور.
وعبد مناف اسمه المغيرة ومناف اسم صنم أضيف
عبد إليه وله من الأولاد الذكور أربعة هاشم بن
عبد مناف والمطلب بن عبد مناف وهؤلاء الثلاثة
أشقاء والرابع نوفل بن عبد مناف والله أعلم.
ص: "كحسب على عديم". ش: قال في المدونة ومن
كان له دين على رجل فقير فلا يعجبني أن يحسبه
عليه في زكاته قال غيره لأنه تاو ولا قيمة له
أو قيمة دون قال في التوضيح: وقد صرح ابن
القاسم بعدم الاجزاء وقال أشهب: يجزئه انتهى.
وقال أبو الحسن قوله لا يعجبني على المنع وقول
الغير تفسير وتتميم قال وفي الحواشي عن بعض
الشيوخ يلزم على قول الغير أن الدين إذا لم
يكن تاويا يحسب عليه في زكاته مثل أن يكون له
دار وخادم إذ لو قام رب الدين على الغريم
لبيعت له الدار والخادم وكذلك قوله على يتيمة
(3/224)
وجاز لمولاهم
وقادر على الكسب ومالك نصاب،
__________
ربع دينار يحتسب به في مهرها ويتزوجها الشيخ
وهذا غير بين لأنه إذا لم يكن تاويا فإن قيمته
دون لأن الدين إنما يعتبر قيمته وقيمته دون إذ
هو كالعرض فلا يحسبه عليه وكذلك من له على
يتيمة ربع دينار لا يحتسب به عليها في مهرها
لأنه يؤدي إلى أن يتزوج بغير النصاب انتهى.
فعلى هذا لا يكون لقوله على عديم مفهوم لما
ذكره أبو الحسن والتاوي الهالك وقال المشذالي
أخذ منه أن من له دين على رجل وقد أخذ به رهنا
أنه يجوز أن يعطيه له في زكاته لأنه ليس بتاو
وقال ابن عرفة: وكذا عندي لو أعار رجل شيئا
لمن يرهنه في دين عليه أنه يجوز له أن يعطيه
ما يفك به ما أعاره ولا يتهم أنه قصد نفعا
لأنه فعل معروفين انتهى. وهو ظاهر عندي والله
أعلم. وقال الشيخ زروق في شرح الإرشاد ولا
يحسب في دين على فقير ومن فعل لم يجزه خلافا
لأشهب بناء على الكراهة أو المنع وبه أفتى ابن
رشد انتهى. ص: "وجاز لمولاهم". ش: قال في
التوضيح: هذا هو المشهور والشاذ لمطرف وابن
الماجشون وابن نافع وأصبغ ثم قال وأخذ اللخمي
بقول أصبغ لحديث أبي رافع قال بعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم رجلا من بني مخزوم على
الصدقة فقال لأبي رافع مولى رسول الله صلى
الله عليه وسلم اصحبني فيما نصيب منها فقال لا
حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله
فسأله فقال "إن الصدقة لا تحل لنا ولا
لموالينا" وهو صحيح ذكره الترمذي في مسنده
انتهى. كلامه في التوضيح وبقول أصبغ قطع ابن
عبد البر في التمهيد في شرح حديث بريدة وهو
الثالث لربيعة ونصه قال أبو عمر أما الصدقة
المفروضة فلا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم
ولا لبني هاشم ولا لمواليهم لا خلاف بين علماء
المسلمين في ذلك إلا أن بعض أهل العلم قال إن
مولى بني هاشم لا يحرم عليه شيء من الصدقات
وهذا خلاف الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم
وذكر الحديث المتقدم إلا أنه قال فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم "إن الصدقة لا تحل
لنا وإن موالي القوم منهم" انتهى. فهذا من
إجماعاته وقد حذروا منها والله أعلم. ص:
"وقادر على الكسب". ش: هذا هو المشهور ومقابله
ليحيى به عمر ومحل الخلاف في القادر على الكسب
الذي له صنعة غير كاسدة وأما العاجز ومن لا
صنعة له أو له صنعة وكسدت فهو خارج عن القولين
كما قاله اللخمي ونقله في التوضيح. ص: "ومالك
النصاب". ش: هذا هو
(3/225)
__________
المشهور قاله في التوضيح قال في المدونة ومن
له دار وخادم ولا فضل في ثمنهما ممن سواهما
أعطي من الزكاة وإن كان فيهما فضل لم يعط
ويعطى منها من له أربعون درهما إن كان أهلا
لذلك لكثرة عيال أو نحوه أبو الحسن قوله
فيهما: "فضل" يريد فضل يغنيه لو باعهما واشترى
غيرهما وقال المغيرة إن كان يفضل من ثمنهما
عشرون دينارا لم يعط انتهى. وهذا على أصله في
أن مالك النصاب لا يعطى أبو الحسن انظر جعله
هنا إن كان له دار وخادم يعطى من الزكاة وفي
الأيمان من له دار وخادم عليه أن يكفر ولا
يجزئه الصوم والفرق أن الكفارة حق عليه وأخذ
الزكاة حق له والغني المراعي العين وعروض
التجارة أو فضلة بيته على القنية فإن كانت له
دار وخادم لا فضلة فيهما أو كان فيهما فضلة
يسيرة أعطي من الزكاة وإن كان فضلة بيته لم
يعط انتهى. وقال في النوادر في آخر كتاب
الهبات قال مالك: لا بأس أن يعطى من الزكاة من
له المسكن والخادم إلا أن يكون كثرة الثمن فيه
فضل انتهى. وفي ابن يونس عن المدونة قال عمر
بن عبد العزيز لا بأس أن يعطى منها من له
الدار والخادم والفرس أبو الحسن عن بعض الشيوخ
هذا في بلد يحتاج فيه للفرس انتهى.
فرع: قال أبو الحسن الصغير: وهل يعطى منها
الفقيه إذا كانت له كتب يحتاج إليها كما يحتاج
المجاهد للفرس وهذا الذي يقتضيه النظر انتهى.
وفي التوضيح خليل والظاهر أنه يجوز الإعطاء
للفقيه الذي عنده كتب قياسا على قول عمر وقاله
أبو الحسن انتهى. ويعني به أبا الحسن الصغير
وبعده في التوضيح اللخمي ونقل عنه كلاما آخر
فيتوهم كثير أنه عزاه للخمي وليس كذلك وفي
البرزلي في جملة سؤال سألت ابن أبي زيد ما نصه
فلو كانت له كتب فقه قيمتها كثيرة فقال هذا لا
غنى له عنها البرزلي كان شيخنا الإمام يقول
إذا كانت فيه قابلية فيأخذها ولو كثرت كتبه
جدا وإن لم تكن له قابلية فلا يعطى منها شيئا
إلا
(3/226)
ـــــــ
أن تكون كتبه على قدر فهمه خاصة فتلغى وهذا
كله على القول بجواز بيعها وعلى المنع فهي
كالعدم وعلى مذهب المدونة من الكراهة فقال بعض
المغاربة فلا نمنعه من أخذ الزكاة ولا تباع
عليه في الدين لأنه مكروه والشرع لا يجبر على
مكروه البرزلي ولعلها تجري على مسألة تزويج أم
ولده في غيبته وعدم وجود ما ينفق عليها انتهى.
وفي شرح الرسالة للجزولي الشيخ وإذا كانت عنده
هل يعطى أو تباع عليه فإن كانت كتب التاريخ
تباع عليه وإن كانت للطب نظر فإن كان في البلد
طبيب غيره بيعت عليه ولا يعطى من الزكاة وإن
لم يكن في البلد طبيب لا تباع عليه ويعطى من
الزكاة وإن كانت للفقه نظر فإن كان ممن ترجى
إمامته أعطي من الزكاة ولا تباع عليه وإن كان
ممن لا ترجى إمامته تباع على القول بجواز
بيعها وعلى القول بالمنع لا تباع ويعطى من
الزكاة انتهى. وقال الثعالبي بعد ذكره كلام
أبي الحسن وقد اختلف ذكر الخلاف فيه ابن رشد
والقياس على من له دار وخادم وفرس أنه يأخذ
وهذا فيمن كانت في عقله فضله وكان مدرسا فقيها
لا يستغني عنها والأحسن في هذا أن يأخذ وأما
كتب النحو والأدب فليست مثلها انتهى. ثم ذكر
كلام الغزالي في الإحياء بلفظه وقال في آخره
وهو حسن موافق لما قدمناه من أصول المذهب.
فرع: تقدم عن البرزلي أن اليتيمة تعطى من
الزكاة ما تصرفه في ضروريات النكاح والأمر
الذي يراه القاضي حسنا في حق المحجور فعلى هذا
فمن ليس معها من الأمتعة والحلي ما هو من
ضروريات النكاح تعطى من الزكاة من باب أولى
فتأمله والله أعلم.
تنبيه: قال في التمهيد في شرح الحديث الثاني
عشر لزيد بن أسلم في قوله عليه الصلاة
والسلام: "من سأل وله أوقية" الحديث فيه أن
السؤال مكروه لمن له أوقية من فضة والأوقية
إذا أطلقت فإنما يراد بها الفضة دون الذهب
وغيرها هذا قول العلماء والأوقية أربعون درهما
فمن سأل وله هذا الحد والعدد من الفضة أو ما
يقوم مقامها فهو ملحف والإلحاف في كلام العرب
الإلحاح لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك
وإلالحاح على غير الله مذموم فقال مدح الله
قوما فقال: {لا يَسْأَلونَ النَّاسَ
إِلْحَافاً} [البقرة: من الآية273] ولهذا قلت:
إن السؤال لمن ملك هذا القدر مكروه ولم أقل
إنه حرام لا يحل لأن ما لا يحل يحرم الإلحاح
فيه وغير الإلحاح ويحرم التعرض له وما جاء من
غير مسألة فجائز له أن يأكله إن كان من غير
الزكاة وهذا ما لا أعلم فيه خلافا ولا تحل
الزكاة لغني إلا لخمسة على ما ذكرنا من حديث
ربيعة وأما غير الزكاة من التطوع فجائز للغني
والفقير ثم قال المعروف من مذهبه يعني مالكا
أنه لا يحد في الغني حدا لا يتجاوز إلا على
قدر الاجتهاد المعروف من أحوال الناس وكذلك
يرد ما يعطى للمسكين الواحد من الزكاة إلى
الاجتهاد من غير توقيت ثم أطال في ذلك فانظره
وانظر حديث زيد بن أسلم أيضا اعطوا السائل وإن
جاء على فرس وهو الحديث السابع والأربعون لزيد
بن أسلم وقال في شرح الحديث الثالث من أحاديث
ربيعة في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل
الصدقة لغني
(3/227)
ودفع أكثر منه
وكفاية سنة
__________
إلا لخمسة" يريد الصدقة المفروضة وأما التطوع
فغير محرمة على أحد غير من ذكرنا على حسب ما
وصفنا في هذا الباب إلا أن التنزه عنها حسن
وقبولها من غير مسألة لا بأس به ومسألتها غير
جائزة وإلا لمن لم يجد بدا انتهى. وفي تبصرة
ابن محرز قال أبو الحسن القصار: من كان معه ما
يقوم به لأدنى عيش لم يجز له أن يسأل وإن لم
يكن له شيء فالمسألة له حلال ويجوز أن يعطى في
دفعة واحدة ما يقوم بعيشه إلى آخر عمره. قلت:
والأصل في هذا حديث من سأل وله أوقية فقد سأل
إلحافا فمنع صلى الله عليه وسلم من كان عنده
أوقية من السؤال ولعلها لا تكون غنى فلمثله
وأما إعطاؤه من الزكاة فإن الزكاة تجب لكل
فقير ولا تحل للأغنياء فمن كان غنيا متكففا لم
يجز أن يعطى منها والغني في الناس مختلف فمنهم
من يغنيه القليل لقلة عياله وخفة مؤنته ومنهم
من لا يغنيه إلا الكثير لكثرة عياله وشدة
مؤنته فهذا مما يجتهد فيه وأما إعطاء الفقير
ما يغنيه أو يزيد على غناه فإن ذلك سائغ لأنه
في حال ما أخذ كان فقيرا والصدقة مباحة
للفقراء ولم يؤخذ علينا فيها حد معلوم وبالله
التوفيق انتهى. ونقله البرزلي وقال في العارضة
في باب من تحل له الزكاة ما نصه المسألة
الخامسة وقد يكون السؤال واجبا أو مندوبا أما
وجوبه فللمحتاج وأما المندوب فأن يعينه وتتبين
حاجته إن استحبا هو من ذلك أو رجاء أن يكون
بيانه أنفع وأنجح من بيان السائل كما كان
النبي صلى الله عليه وسلم يسأل لغيره في
أحاديث كثيرة انتهى. ورأيت بخط بعض المغاربة
ما صورته قال بعضهم الإنسان بالنسبة إلى أخذ
الصدقة على قسمين طالب لها وغير طالب فالطالب
لها على قسمين محتاج وغير محتاج فالمحتاج يجوز
له الأخذ مطلقا وغير المحتاج يحرم عليه الأخذ
مطلقا وأعني بالمطلق سواء كان يأخذه من
المتصدق واجبا عليه كالزكاة أو تطوعا وأعني
بغير المحتاج من عنده قوت يومه بالنسبة إلى
طلب التطوع أو قوت سنة بالنسبة إلى طلب الواجب
والمحتاج على عكسه والقسم الثاني وهو غير
الطالب لها على قسمين أيضا محتاج وغير محتاج
فالمحتاج يجوز له الأخذ وغير المحتاج يجوز له
الأخذ من التطوع دون الواجب وأما قدر المأخوذ
لمن يجوز له الأخذ فلا حد له ولا غاية انتهى.
ما رأيته وهو حسن إلا أنه غير معزو والله
أعلم. ص: "ودفع أكثر منه وكفاية سنة". ش: قال
في الذخيرة:
(3/228)
وفي جواز دفعها
لمدين ثم أخذها تردد،
__________
وإذا أعطى المحتاج فروى ابن نافع ذلك غير
محدود ويعطيه قوت سنة بقدر المقسوم وقد تقل
المساكين وتكثر وروى المغيرة لا يعطى نصاباً
وقاله أبو حنيفة لأن الدفع لوصف الفقر فلا
يخرج به عنه وعلى الأول يعطيه قوت السنة وإن
اتسع المال زاده ثمن العبد ومهر الزوجة وفي
الجواهر يعطى الغارم قدر دينه والفقير
والمسكين كفايتهما وكفاية عيالهما والمسافر
قدر ما يوصله إلى مقصده أو موضع ماله والغازي
قدر ما يقوم به حالة الغزو والمؤلف بالاجتهاد
والعامل أجرة مثله ومن جمع صنفين استحق سهمين
وقال القاضي أبو الحسن بالاجتهاد قال سند: قال
ابن القاسم: يعطى منها العامل بقدر كثرة عمله
وقلته وكثرة التحصيل وقلته انتهى. ويأتي
الكلام في دفعها جميعاً للعامل عند قوله: وندب
إيثار المضطر وفي النوادر روى علي وابن نافع
كم أكثر ما يعطى الفقير منها والصدقة واسعة
قال لا حد فيه وذلك على قدر اجتهاد متوليها
قيل فيعطي قاسمها للفقير قوت سنة ثم يزيده
الكسوة قال ذلك بقدر ما يرى من كثرة الحاجة
وقلتها ثم سئل عنها والمسدد له قوت شهر يعطي
تمام قوت سنة قال يعطي بالاجتهاد وقد يكون
أفقر من يوجد فيعطى وقد يكون غير أحوج فيؤثر
الأحوج ثم سئل عنها قيل والفقير يعطى منها
الشيء الكثير مثل العبد أو ما ينكح به قال إن
كان يبيع ذلك للمساكين فيعانوا بذلك لم أر به
بأسا ولكن أكره أن يأخذ هذا حظ مساكين كثيرة
بهذا التفصيل الواسع انتهى. وفي البرزلي سئل
اللخمي عن شيخ زمن له بيت يكريه ينحو الدرهمين
في الشهر وغرفة تصدق بها على ولده وهو يسكن
معه أترى أن يعطى من الزكاة والكفارة وليس له
ما يعيش به إلا من كراء ذلك البيت ولا يكفيه
فأجاب إذا كان كسب الشيخ ما ذكرت فهو في عداد
الفقراء فيأخذ الزكاة والكفارة والفطرة
البرزلي لم يوجب عليه بيع البيت وأكلها لأنه
عنده لا يكفيه فأشبه الفقير الذي له القليل
انتهى. ويأتي عن النوادر فرع: من هذا عند
قوله: جاز إخراج ذهب عن ورق. ص: "وفي جواز
دفعها لمدين ثم أخذها تردد". ش: هذا إذا لم
يواطئه على ردها فإن واطأه لم يجز كما جزم به
ابن عرفة والمصنف في التوضيح وأما مع عدم
التواطؤ فهو محل التردد قال ابن عبد السلام:
يجوز والمفهوم من كلام الباجي المنع لكن
الجواز أظهر كما رجحه المصنف في التوضيح وابن
عرفة قال ابن عبد السلام: لو دفع إليه الزكاة
جاز له أن يأخذها من دينه خليل وانظر هل هذا
مع التواطؤ على ذلك أولا وهو الظاهر وأما مع
التواطؤ فلا ينبغي أن يقال بالاجزاء لأنه كمن
لم يعط شيئا
(3/229)
وجاب ومفر ق حر
عدل عالم بحكمها غير هاشمي وكافر وإن غنياً
وبدىء به ،
__________
انتهى وقال ابن عرفة: وقول ابن عبد السلام:
"لو أعطاه إياها جاز أخذها منه في دينه" خلاف
تعليل الباجي ورأيت ابن حبيب منع إعطاء الزوجة
زوجها بأنه كمن دفع صدقته لغريمه ليستعين بها
على أداء دينه.
قلت: الأظهر أن أخذه بعد إعطائه له طوع الفقير
دون تقدم شرط إجزاؤه وكره ذلك إن كان له ما
يواريه من عيشه الأيام وإلا فلا كقولها في
قصاص الزوجة بنفقتها في دين عليها ويشترط لمن
لم يعطها انتهى. ونقله الشيخ زروق في شرح
الإرشاد ونصه قال ابن عبد السلام: فلو أعطاها
له جاز أخذها منه في دينه ابن عرفة إن أخذها
منه كرها وهو مكفي جاز وكذا إن أعطاها له طوعا
من غير شرط وإن أعطاها له بشرط ردها إليه لم
يجز انتهى. ص: "وجاب ومفرق". ش: قال في
الشامل: والكاتب والخارص والقاسم مثله انتهى.
وهذا هو الذي ذكره ابن العربي خلاف ما ذكره
الباجي أنه يجوز أن يستعمل في الخراصة العبد
والذمي لأنها إجارة محضة ونقلها في التوضيح.
فروع: الأول: قال في الشامل: ولا ينبغي له أن
يأكل ولا أن ينفق إن كان الإمام غير عدل وإلا
جاز انتهى.
الثاني قال في النوادر في ترجمة إخراج الصدقة
في الأصناف قال ابن القاسم: لا يستعمل على
الصدقة عبد ولا نصراني فإن فات ذلك أخذ منهما
ما أخذا وأعطيا من غير
(3/230)
وأ خذ الفقير
بوصفه ولا يعطى حارس الفطرة منها ومؤلف كافر
ليسلم وحكمه باق ورقيق،
__________
الصدقة بقدر عنائهما انتهى. وقال في الشامل:
ولو استعمل عبدا أو نصرانيا فأجرتهما من الفيء
لا منها على الأصح ويرد ما أخذا منها.
الثالث: قاتل في العتبية قلت: فإن كان العامل
له عليها مديانا أيأخذ منها مثل ما يأخذ
الغارمون قال لا إلا أن يعطيه السلطان منها
على وجه الاجتهاد قال ابن رشد: إنما قال أو
العامل على الزكاة إذا كان مديانا لا يجوز له
أن يأخذ منها كما يأخذ الغارمون من أجل أنه هو
الذي يقسمها فلا يحكم لنفسه ويجوز للإمام أن
يعطيه من أجل دينه سوى ما يجب له بعمالته
انتهى. من سماع سحنون من زكاة الماشية. ص:
"وأخذ الفقير بوصفيه". ش: وكذا كل من جمع
وصفين أخذ بهما كما تقدم في كلام الذخيرة.
(3/231)
مؤمن ولو بعيب
تعتق منها لا عقد حرية فيه وولاؤه للمسلمين
وإن اشترط له أو فك أسيراً لم يجزه ومدين ولو
مات ،
__________
تنبيه: إنما يعطى العامل بوصفيه إذا لم يكن في
حظه لأجل العمل ما يصير به غنيا والله أعلم.
ص: "لا عقد حرية فيه". ش: تصوره واضح قال في
النوادر ومن ابتاع مدبرا أو مكاتبا من الزكاة
فأعتقه فعلى قول مالك الأول لا يجزئ ويرد وعلى
قول الآخر لا يرد ولا يجزئه. ص: "وإن اشترطه
له". ش: هذا هو المشهور أن العتق صحيح ولا
يجزئه وقال أشهب: يجزئه وشرطه باطل وولاؤه
للمسلمين وجعل اللخمي المسألة على ثلاثة أوجه
فقال ومن اشترى رقبة من زكاته ثم قال هي حرة
عن المسلمين وولاؤها لي كان ولاؤها للمسلمين
وشرطه باطل وهو مجزىء عنه واختلف إذا قال حر
عني وولاؤه للمسلمين ثم ذكر القولين واختار
الاجزاء ثم قال ولو كان له عبد يملكه فقال هو
حر عني وولاؤه للمسلمين لم يجزه قولا واحدا
انتهى. ص: "أو فك أسيرا". ش: هذا هو المشهور
ومقابله لابن حبيب قائلا هو أحق وأولى من فك
الرقاب التي بأيدينا ووافقه ابن عبد الحكم.
فرع: لو أخرجها فأسر قبل صرفها جاز فداؤه بها
ولو افتقر لم يعطها وفرق بعودها له وفي الفداء
لغيره قاله في الشامل ونقله ابن يونس وغيره.
(3/232)
ويحبس فيه لا
في فساد ولا لأخذها إلا أن يتوب على الأحسن إن
أعطى ما بيده من عين وفضل غيرها ومجاهد وآلته
ولو غنياً
__________
تنبيه: قال ابن عرفة: ابن حارث لو أطلق أسير
بفداء دين عليه أعطي اتفاقا لأنه غارم انتهى.
ونقله ابن فرحون في شرح ابن الحاجب ونصه قال
ابن قداح أما إن قاطع الأسير على نفسه وخرج
إلى أرض المسلمين وطلب منهم فإنه يعطى من
الزكاة لأنه غارم انتهى. والظاهر أنه إذا أطلق
في بلاد الكفار وطلبها من المسلمين المتأخرين
في تلك البلاد أنه يعطى كما يؤخذ من لفظ ابن
عرفة ومن التعليل بأنه غارم.
فرع: قال ابن الحاجب: ولا تصرف في كفن ميت ولا
بناء مسجد ولا لعبد ولا لكافر قال ابن فرحون
في شرحه: نبه على ذلك لئلا يتوهم أن صرفها في
هذه الوجوه جائز لأن الميت لا يوصف بالفقر ولا
بالغنى ولا تصرف لقاض ولا لإمام مسجد ولا
لفقيه ولا لغاز لأن أرزاقهم من بيت المال فعلى
هذا التعليل إذا انقطع ذلك عنهم من بيت المال
يجوز صرفها لهم انتهى. ص: "يحبس فيه". ش: قال
في الشرح الأصغر واحترز به مما لا يحبس فيه
كدين الزكاة والكفارة وقال البساطي فلا يعطى
من عليه دين لولده على قول من لا يحبسه واعلم
أنه إن أريد أن يكون من شأنه أن يحبس فيه خرجت
هذه الصورة وإن أراد يحبس بالفعل خرج من ثبت
عدمه انتهى. وانظر قوله: إن دين الزكاة لا
يحبس فيه مع ما نقله صاحب الشامل وغيره ونصه
وإن عرف بمنعها ولم يظهر له مال حبس انتهى.
فرع: قال ابن فرحون: وانظر هل يدخل في
الغارمين المصادر وقال بعضهم لا يعطى لأن
الإعطاء والحال هذه للسلطان لا له وفيه نظر
لأن الإعطاء للأسير للكفار لا له وفي الوجهين
تخليص من الأسر والظلم وربما كان المصادر
بخلاف الأسير انتهى. والظاهر أنه غارم والله
أعلم. ص: "وآلته". ش: قال اللخمي: قال ابن عبد
الحكم: وفي صلح
(3/233)
كجاسوس لا سور
ومركب وغريب محتاج لما يوصله في غير معصية ولم
يجد مسلفاً
__________
العدو انتهى. ونقله ابن عرفة وقبله الشيخ
بهرام والشيخ زروق في شرح الإرشاد وغيرهم
والله أعلم. ص: "وغريب محتاج لما يوصله في غير
معصية". ش: هذا هو الصنف الثامن وهو ابن
السبيل وفسره المصنف بأنه الغريب المحتاج لما
يوصله إلى بلده إذا كان سفره في غير معصية
يريد ولو كان معه شيء ينفقه على نفسه كما يؤخذ
ذلك من قوله: إن جلس نزعت منه فإنه إذا كان
فقيرا لا ينزع منه ما يستحقه بوصف الفقر قاله
اللخمي وقال ابن يونس: قال أصبغ عن ابن
القاسم: يعطى منها الغازي وابن السبيل وإن
كانا غنيين بموضعهما ومعهما ما يكفيهما
(3/234)
وهو ملي ببلده
وصدق وإن جلس نزعت منه كغاز وفي غارم يستغني
تردد وندب إيثار المضطر دون عموم الأصناف ،
__________
ولا أحب لهما أن يقبلا ذلك فإن قبلا فلا بأس
قال أصبغ أما الغازي فلا بأس أن يعطى وإن كان
مليا وهو له فرض وأما ابن السبيل فلا يعطى إذا
كان معه ما يكفيه لأنه حينئذ لا يعد من أبناء
السبيل قال ابن القاسم: وابن السبيل هو الذي
في غير بلده وقد فرغت نفقته وليس معه ما يتحمل
به إلى بلده وإن كان في غير غزو ولا تجارة فهو
ابن السبيل كائنا كان من المسلمين انتهى. ص:
"وإن جلس نزعت منه". ش: قال اللخمي: ومن أخذ
زكاة لفقره لم يردها إن استغنى قبل إنفاقها ثم
ذكر الغازي وابن السبيل كما قال المصنف وقال
فيه إلا أن يكون ذلك القدر يسوغ له لفقره وإن
لم يكن ابن سبيل قال وفي الغازي يأخذ ما يقضي
به دينه ثم يستغني قبل أدائه إشكال ولو قيل
ينزع منه لكان وجها انتهى. ص: "وندب إيثار
المضطر دون عموم الأصناف". ش: قال في المدونة
ومن لم يجد إلا صنفا واحدا مما ذكر الله تعالى
في كتابه أجزأه أن يجعل زكاته فيهم وإن وجد
الأصناف كلها آثر أهل الحاجة منهم وليس في ذلك
قسم مسمى انتهى. وقال في الذخيرة: وإن لم يوجد
إلا صنف واحد أجزأ الإعطاء له إجماعا وإن وجد
الأصناف كلها أجزأه صنف عند مالك وأبي حنيفة
وقال الشافعي: يجب استيعابهم إذا وجدوا
واستحبه أشهب لئلا يندرس العلم باستحقاقهم
ولما فيه من الجمع بين مصالح سد الخلة
والإعانة على الغزو ووفاء الدين وغير ذلك ولما
يرجى من بركة دعاء الجميع ومصادفة ولي فيهم
وانعقد الإجماع على عدم استيعاب آحادهم انتهى.
تنبيهات: الأول: قال ابن عبد السلام: وأما
أجزاؤها إذا دفعت إلى صنف واحد من الثمانية أو
إلى شخص واحد من ذلك الصنف ففيه الاضطراب
المعلوم بين علماء الأمصار والذي تسكن النفس
إليه هو تعميم الأصناف بحسب الإمكان وقد استقر
ذلك من المذهب انتهى. ففهم منه أن دفعها إلى
الشخص الواحد من الصنف كدفعها إلى الصنف في
جري الخلاف فيه فيكون المذهب فيه الاجزاء وهو
ظاهر
(3/235)
__________
الثاني قال اللخمي: يبدأ في الزكاة بأجر
العاملين ثم بالفقراء والمساكين من العتق لأن
سد خلة المؤمن أفضل من ذلك لأن من حق من وجبت
عليهم الزكاة أن لا تصرف زكاتهم لغير الفقراء
إلا بعد سد خلتهم لأن صرفها إلى غيرهم يوجب
عليهم المساواة لأولئك قبل العام التالي وإن
كان هناك مؤلفة بدأ بهم لأن استنقاذهم من
النار بإدخالهم في الإسلام أو تثبتهم عليه إن
كانوا قد أسلموا أفضل الأعمال وذلك أولى من
إطعام فقير وقد يبدأ بالغزو إذا خشي على الناس
ويبدأ بابن السبيل على الفقير إذا كان يدركه
في بقائه وتأخره ضرر والفقير في وطنه أقل ضررا
انتهى. وذكره القرافي وصدره بقوله الحكم
الثاني الترتيب ولا شك أن هذا البيان ما هو
الأولى أن يعمل ولعله مراد المؤلف بقوله وندب
إيثار المضطر ولم يذكر اللخمي تبدئة المساكين
على الفقراء لأن المشهور أن المسكين أحوج
ومعلوم أن الأحوج مقدم ولم يذكر أيضا رتبة
الغارمين.
الثالث: قال سند: إن استوت الحاجة قال مالك:
يؤثر الأدين ولا يحرم غيره وكان عمر يؤثر أهل
الحاجة ويقول الفضائل الدينية لها أجور في
الآخرة والصديق رضي الله عنه يؤثر بسابقة
الإسلام والفضائل الدينية لأن إقامة بنية
الأبرار أفضل من إقامة بنية غيرهم لما يترتب
على بقائها من المصالح انتهى. ونحوه في
النوادر وما ذكره عن العمرين رضي الله عنهما
عكس ما نقل ابن يونس وأبو الحسن وغيرهما عنهما
إلا أنهما نقلا عن عمر أنه قال لو استقبلت من
أمري ما استدبرت لقسمت ذلك قسما واحدا ولئن
بقيت إلى قابل لألحقن الأسفل بالأعلى والله
أعلم.
الرابع: أطلق القرافي وابن الحاجب وصاحب
الشامل وغيرهم القول بأن دفعها لصنف مجزىء و
قال في التوضيح: وقيد ذلك ابن عبد السلام وابن
هارون بما عدا العامل قال إذ لا معنى لدفعها
جميعاً له قال المصنف ولعل هذا إنما هو إذا
أتى بشيء له بال وأما إن حصلت له مشقة وجاء
بالشيء اليسير فينبغي أن يجوز إعطاؤه الجميع
وهو مقتضى كلام الباجي ثم ذكره وما قاله ظاهر
وجزم به الشارح في شرحه الكبير وقال الإشكال
في تبدئة العامل لأنه المحصل لها فهو مقدم على
غيره حتى إنه لو حصلت له مشقة وجاء بالشيء
اليسير الذي يرى أنه لا يساوي مقدار أجرته
لأخذه جميعه ولا شيء لغيره انتهى. وقال ابن
عرفة بعد ذكره الأصناف الثمانية: وصرفها في
أحدها غير العامل مجزىء انتهى. ويقيد بما قاله
صاحب التوضيح والحاصل أنها لو دفعت لصنف واحد
أجزأ إلا العامل فلا تدفع إليه إلا أن تكون
قدر
(3/236)
و الاستنابة
وقد تجب وكره له حينئذ تخصيص قريبه،
__________
عمله والله أعلم. ص: "والاستنابة وقد تجب". ش:
قال في المدونة ولا يعجبني أن يلي أحد تفرقة
صدقة ماله خوف المحمدة والثناء وعمل السر أفضل
ولكن يدفع ذلك إلى رجل يثق به فيقسمه أبو
الحسن قال صاحب التقريب لا أحب وهذا بين أن لا
يعجبني على معنى الكراهة وأراد خوف قصد
المحمدة ولو جزم أنه قصد المحمدة لصرح بالمنع
ولو جزم أنه يسلم من ذلك لصرح بالجواز انتهى.
ولا بد أن يكون عالما بأحكامها ومصرفها وإلا
وجب عليه أن يعلم ذلك أو يستنيب من يعلم ذلك.
تنبيه: قال عياض في قواعده من آداب الزكاة أن
يسترها عن أعين الناس قال وقد قيل الإظهار في
الفرائض أفضل قال شارحه قال ابن بطال لا خلاف
بين أئمة العلم أن إعلان صدقة الفرض أفضل من
إسرارها وإن الإسرار بصدقة النوافل أفضل من
إعلانها ثم ذكر عن ابن عطية وغيره خلافا في
صدقة الفرض لكن ضعف القول بإسرارها ثم قال وما
بدأ به المؤلف هو القول المرجوح المطعون عليه
وإنما قدمه لأنه مذهب مالك انتهى. وقال الشيخ
زروق في شر القرطبية فأما سترها فمستحب لما
يعرض من الرياء إلا أن يكون الغالب على الناس
فتأمله فيستحب الإظهار للاقتداء انتهى. وهذا
عكس ما قال ابن عطية على ما نقل القباب فإنه
قال كثر المانع لها وصار إخراجها عرضة للرياء
انتهى. وهذا والله أعلم. يختلف باختلاف
الأحوال فمن أيقن بسلامته من الرياء وحسن قصده
في الإظهار استحب له ذلك ومن غلب عليه خوف
الرياء استحب له الإسرار ومن تحقق وقوع الرياء
وجب عليه الإخفاء والاستنابة والله أعلم.
(3/237)
__________
فرع عن عياض في آدابها أيضا دفعها باليمين
وقال يستحب للمصدق والإمام الدعاء والصلاة على
دافعها انتهى. ونحوه في القرطبية وغيرها وفي
الذخيرة ولا يجب على الساعي الدعاء لمن أخذ
منه الصدقة خلافا لداود واستحبه الشافعي
انتهى. وفي الجواهر ولا يجب على الإمام ولا
على نائبه أن يدعو لصاحب الصدقة إذا أخذها منه
لكن يندب إلى ذلك انتهى.
فائدة: قال في التمهيد في شرح الحديث الثاني
عشر لزيد بن أسلم لما أن قال الأعرابي لرسول
الله صلى الله عليه وسلم إنك لتعطي من شئت
يحتمل أن يكون هذا من الأعراب الجفاة الذين لا
يدرون حدود ما أنزل الله على رسوله وفي هذا
الحديث دليل على ما قال مالك أن من تولى تفريق
الصدقات لم يعدم من يلومه قال وقد كنت أتولاها
بنفسي فأوذيت فتركت ذلك انتهى.
فرع: قال سند في الكلام على مصرف الزكاة: من
دفعت إليه زكاة ليفرقها في أهلها وكان هو من
أهلها جاز أن يأخذ منها بالمعروف قال مالك: من
أعطي مالا في خروجه لحج أو غزو ليصرفه على من
قطع به فقطع به فليأخذ منه بالمعروف وهو بين
لأن علة الاستحقاق قائمة فلا فرق بينه وبين
غيره من المستحقين انتهى. وما ذكره في
الموازية نحوه في النوادر في كتاب الزكاة وفي
كتاب الحج الثاني فيمن بعث معه جزاء أو فدية
أو جزاء صيد أنه لا يأكل منه قال إلا أن يكون
الرسول مسكينا فجائز أن يأكل قال في الطراز:
في شرحه ونظيره الكفارة والزكاة تدفع لبعض
المساكين ليفرقها على المساكين فله أن يأخذ
نصيبه منها بالعدل انتهى. وقال أبو الحسن
الصغير يؤخذ من شرح هذه المسألة أن من أعطيت
له صدقة يفرقها أنه يجوز له أن يأخذ مقدار حظه
إذا كان مسكينا وهي مسألة فيها قولان وسببهما
الوكيل هل هو معزول عن نفسه أم لا وهل المأمور
بالتبليغ داخل تحت الخطاب أم لا ويقوم منه أن
من جعل ماله في العطاش أنه يشرب منه إن عطش
انتهى. وفي رسم البرزلي من سماع ابن القاسم من
كتاب البضائع والوكالات ابن بشير أجاز لمن بعث
معه بمال في غزو أو حج ليفرقه على المنقطعين
أن يأخذ منه إذا احتاج بالمعروف والمعروف أن
لا يحابي نفسه فيأخذ أكثر مما يعطي غيره
واستحب له إن وجد من يسلفه أن يتسلف ولا يأخذ
منه شيئا واستحب له إذا رجع أن يعلم ربه بذلك
فإن لم يمضه وجب غرمه له وإن فات ولم يمكنه
إعلامه لم يكن عليه أن يتحاشى منه لأنه أجاز
له الأخذ ابتداء وإن قال صاحبه إن احتجت فخذ
جاز له أن يأخذ باتفاق مثل ما يعطي غيره ولا
يجوز له أن يأخذ لنفسه أكثر إلا أن يعلم أن
صاحب المال يرضى بذلك انتهى.
تنبيه: تقدم عند قول المصنف أو فك أسيرا أنه
لو افتقر صاحب الزكاة لم يعط منها ونقله
اللخمي أيضا عن محمد بن عبد الحكم بأثر الفرع
المتقدم أعني من أخرج زكاته فلم تنفذ حتى أسر
فقال قال محمد بن عبد الحكم لا بأس أن يفدي
منها ولو افتقر لم يعط منها.
فرع: وفي رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من
كتاب الحبس فيمن حبس على ذوي
(3/238)
وهل يمنع إعطاء
زوجة زوجا أو يكره تأويلان وجاز إخراج ذهب عن
ورق وعكسه بصرف وقته مطلقا
ـــــــ
الحاجة أنه يعطي منها ورثته إن احتاجوا والله
أعلم. ص: "وهل يمنع إعطاء زوجة زوجها أو يكره
تأويلان". ش: تصور التأويلين واضح قال اللخمي:
وإذا أعطى أحد الزوجين الآخر ما يقضي به دينه
جاز لأن منفعة ذلك لا تعود للمعطي انتهى. قال
ابن فرحون إثر نقله هذا وفي التبصرة: أن الرجل
إذا أخرج من زكاته ما يقضي به دين أبيه وأبوه
فقير تلزمه نفقته جاز لأن المنفعة لا تعود على
المعطي انتهى. وانظر ما مراده بالتبصرة فإني
لم أره في اللخمي وقال الشيخ أبو الحسن في شرح
هذه المسألة في المدونة ويؤخذ منه أن من دفع
زكاته لأبويه الفقيرين لقضاء دين عليهما أن
ذلك يجزئه وذكر كلام اللخمي المتقدم والله
أعلم. ص: "وجاز إخراج ذهب عن ورق وعكسه". ش:
قال في النوادر وفي ترجمة قدر ما يعطى من
الزكاة ولا بأس أن يجمع النفر في الدينار أو
يصرفه دراهم إذا كانت الحاجة كثيرة وإن زكى
دراهم فلا يصرف ما يخرج منها دنانير ولا
يصرفها بفلوس لكثرة الحاجة ليعمهم ولكن ليجمع
النفر في الدرهم إن شاء وإن صرفها فلوسا
وأخرجها فقد أساء وأجزأه انتهى. فقوله في
الذهب على مقابل المشهور قوله في الفلوس على
المشهور من أن من أخرج القيمة أساء وأجزأته
كما شهره غير واحد ونقله في التوضيح خلاف ما
يفهم من كلام المصنف الآتي من أن القيمة لا
تجزئ حيث قال في آخر الفصل أوطاع بدفعها لجائر
في صرفها أو بقيمة لم تجز والله أعلم. ص:
"بصرف وقته مطلقا". ش: أي سواء كان مساويا
للصرف الأول أو أنقص أو أزيد. ص: "بقيمة
السكة". ش: يعني إذا أخرج ذهبا عن ورق مسكوك
أو ورقا عن ذهب
(3/239)
بقيمة السكة
ولو في نوع لا صياغة فيه وفي غيره تردد،
__________
مسكوك فإن قيمة السكة معتبرة اتفاقا. ص: "ولو
اتحد نوع". ش: يعني أن إخراج قيمة السكة
معتبرة ولو اتحد نوع المخرج والمخرج منه. ص:
"لا صياغة فيه". ش: يعني لا بقيمة الصياغة في
النوع الواحد. ص: "وفي غيره تردد". ش: يعني
وفي اعتبار قيمة الصياغة النوع تردد هذا حل
كلامه الذي يساعده كلامه في التوضيح وكلام
غيره.
فروع: الأول: إذا وجب جزء ذهب أو فضة فأخرج
أدنى أو أعلى بالقيمة ف قال ابن الحاجب: فيه
قولان تبعا لابن شاس وقبلهما ابن عبد السلام
والمصنف في التوضيح وقال ابن عرفة: ونقل ابن
الحاجب جواز إخراج أدنى أو أعلى بالقيمة لا
أعرفه بل قال محمد لا يخرج عن رد قيمته من
نوعه جيدا بل قيمة رديء الذهب فضة وعكسه أو
منه انتهى.
(3/240)
لا كسر مسكوك
إلا لسبك ووجب نيتها،
__________
الثاني لا يجوز إخراج العرض والطعام عن الورق
أو الذهب لأنه من باب إخراج القيمة ولا يجوز
إخراجها ابتداء فلو أخرج عرضا أو طعاما رجع
على الفقير به ودفع له ما وجب عليه فإن فات في
يد الفقير لم يكن له عليه شيء لأنه سلطه على
ذلك وذلك إذا أعلمه أنه من زكاته وإن لم يعلمه
لم يرجع مطلقا فات أو لم يفت لأنه متطوع قاله
مالك نقله في التوضيح وابن يونس وقال ابن
عرفة: ولا يخرج غيرهما عن أحدهما فإن وقع
فالمشهور لا يجزئ ابن حارث قاله أصبغ عن ابن
القاسم وقال أشهب: إن أعطى عرضا أجزأه انتهى.
وأعاده في باب المصرف بلفظه وفي إجزاء عرض عن
عين كقيمته نقلا ابن حارث عن أشهب وابن
القاسم.
الثالث: قال البرزلي: وسئل ابن أبي زيد عمن
وجبت عليه زكاة فاشترى بها ثيابا أو طعاما
وتصدق به فقال ابن القاسم لا يجزئه وقال أشهب:
يجزئه.
قلت: أجزأها على لو أخرج ذلك من عنده لأنه يد
وكيله كيده واختار اللخمي فيما إذا كان ذلك
خيرا للفقراء جوازه بل هو محسن. ص: "لا كسر
مسكوك". ش: إنما لم يجز كسر المسكوك لأنه من
الفساد في الأرض وظاهره سواء كان كاملا أو
رباعيا أما الكامل فباتفاق وأما الرباعي ففيه
قولان وكأنه رجح المنع في توضيحه واحترز
بالمسكوك من غيره فإنه يجوز قال ابن عرفة:
وسمع القرينان له إخراج زكاة حلي التجر منه
ابن رشد لا كراهة في قطعه.
قلت: إن كان فيه فساد ففيه نظر والله أعلم. ص:
"ووجب نيتها". ش: يعني أنه يجب
(3/241)
__________
عند إخراج الزكاة أن ينويها وهذا هو المشهور
واحترز بذلك مما يعطى وقت الدراس أو الجذاذ
لبعض المستحقين.
فروع: الأول: لو أخرج الزكاة عنه غيره بغير
علمه وغير إذنه فقال القرافي في الفرق الحادي
والسبعين والمائة بين قاعدة ما يجزئ فيه
المكلف عنه وبين قاعدة ما لا يجزئ فيه المكلف
عنه اعلم أن الأفعال المأمور بها ثلاثة أقسام
قسم اتفق الناس على صحة المأمور به عن المأمور
كدفع المغصوب للمغصوب منه ودفع النفقات
للزوجات والأقارب والدواب وقسم اتفق على عدم
إجزاء المأمور به وهو الإيمان والتوحيد
والإجلال والتعظيم لله تعالى وقسم اختلف فيه
هل يجزئ المأمور به عن المأمور ويسد المسد أم
لا وفيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: الزكاة فإن أخرجها أحد بغير
علم من هي عليه وغير إذنه في ذلك فإن كان غير
الإمام فمقتضى قول أصحابنا في الأضحية يذبحها
غير ربها بغير علمه وإذنه إن كان الفاعل لذلك
صديقه ومن شأنه أن يفعل ذلك له بغير إذنه لأنه
بمنزلة نفسه عنده لتمكن الصداقة بينهما أجزأت
الأضحية إن كان مخرج الزكاة من هذا القبيل
فمقتضى قولهم في الأضحية أن الزكاة مجزئة لأن
كليهما عبادة مأمور بها تفتقر للنية وإن كان
ليس من هذا القبيل لا تجزئ عن ربها لافتقارها
للنية على الصحيح من المذهب لأجل شائبة
العبادة وعلى القول بعدم اشتراط النية فيها
ينبغي أن يجزئ فعل الغير مطلقا كالدين
والوديعة ونحوهما مما تقدم في القسم المجمع
عليه وهذا القول أعني عدم اشتراط النية قاله
بعض أصحابنا وقاسه على الديون واستدل بأخذ
الإمام لها كرها على عدم اشتراط النية
وباشتراطها قال مالك والشافعي وأبو حينفة
وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم: لما فيها من
شائبة التعبد من جهة مقاديرها في نصبها
والواجب فيها وغير ذلك انتهى. ولا يقال في
كلام القرافي في الفرق بين الأضحية والزكاة أن
الأضحية تعينت لأن المشهور أنها لا تتعين إلا
بالذبح والنذر فتأمله وقال المازري في شرح
التلقين في أول كتاب الوكالة لما أن تكلم على
الأشياء التي تجوز فيها الوكالة وأما الزكاة
فإنها تصح النيابة فيها من مال من ينوب عنه
ومن مال من وجبت عليه الزكاة وإن كانت من
القربات فهي عبادة مالية وقد استناب النبي صلى
الله عليه وسلم عليا على نحر البدن ونحرها
قربة انتهى. وسيأتي في زكاة الفطر عند قول
المصنف وإخراج أهله شيء من هذا المعنى والله
أعلم.
الثاني: قال في الذخيرة: قال سند: لو تصدق
بجملة ماله فإن نوى زكاة ماله وما زاد تطوع
أجزأ وإلا فلا خلافا لأبي حنيفة محتجا بأنه لم
يبعد عن المقصود ويشكل عليه بما لو صلى ألف
ركعة ينوي اثنين للصبح والبقية للنفل بأنها لا
تجزئ انتهى. ولفظ سند من وجبت عليه زكاة في
ماله فتصدق بجميعه فإن نوى أداء زكاته وما زاد
فهو تطوع أجزأه وله الفضل
(3/242)
وتفرقتها بموضع
الوجوب أو قربه إلا لأعدم فأكثرها له
__________
كمن أطعم في كفارته مائة مسكين وإن لم ينو
بشيء منه الزكاة لم يجز وهو قول أصحاب الشافعي
وقال أصحاب أبي حنيفة يجزئه واعتلوا بأنه تصرف
فيه تصرفا لم يتعد فيه فوجب أن لا يضمنه وهو
فاسد لأنه يجب عليه فعل الفرض وهو لم ينوه
فأشبه ما لو صلى مائة ركعة بنية التطوع فإنه
لا يجزئه عن فرض ولا يسلم أنه لم يتعد بل تعدى
تصرفه القدر الواجب بنية التطوع انتهى. فتأمل
آخر كلام سند مع ما نقله عنه في الذخيرة والله
أعلم. ونحو هذا ما ذكره البرزلي عن بعض
الأفريقيين أنه لو دفع مستغرق الذمة حائطه بعد
الخرص للمساكين عن تبعاته وليست التبعات لشخص
معين ونوى دخول الزكاة فيه أن ذلك يجزئه.
الثالث: قال القرافي في كتاب الأمنية في الباب
السابع: قال سند: لو عزل زكاته بعد وزنها
للمساكين ودفعها لهم بعد ذلك بغير نية أجزأه
اكتفاء بالنية الأولى الفعلية انتهى. كلامه
بلفظه وقال في الذخيرة: قال سند: وينوي المزكي
إخراج ما وجب عليه في الزكاة ولو نوى زكاة
ماله أجزأه وتجب بالتعيين فلو تلفت بعد عزلها
أجزأت وإذا عينها لم يحتج إلى نية عند دفعها
للمساكين وإن لم يعينها ويعزلها عن ملكه وجبت
النية عند التسليم لأن صورة الدفع مشتركة بين
دفع الودائع والديون وغيرها انتهى. ولفظ سند
والنية واجبة في أداء الزكاة عند كافة الفقهاء
وقال الأوزاعي لا تجب لأن ذلك دين كسائر
الديون فينوي إخراج ما وجب عليه من الزكاة في
ماله ولو نوى زكاة ماله أجزأه وينصرف ذلك إلى
الحق المستحق منه وتجب الزكاة عند تعيينه لأنه
مؤتمن على إخراجها دفعها فتعينت بتعيينه
كالإمام فإذا قلنا تتعين بتعيينه فسواء نوى
عند دفعها للمساكين أنها زكاة أو لا يجزئه ذلك
لأن الحق لما تعين لم يلزم فيه نية عند تسليمه
كما في رد الوديعة والعارية والرهن وشبه ذلك
إن لم يعين الزكاة أو يعزلها عن ماله وجب
مراعاة النية عند أدائها لأن دفع المال قد
يكون فرضا وقد يكون تطوعا وقد يكون وديعة وغير
ذلك انتهى. ص: "وتفرقتها بموضع الوجوب أو
قربه". ش: يعني أن الزكاة يجب أن تفرق في
الموضع الذي وجبت فيه أو قربه كما لو كان زرعه
على أميال من البلد فإنه يجوز له أن يحمله إلى
فقراء الحاضرة انظر التوضيح وانظر فرض
(3/243)
بأجرة من الفيء
وإلا بيعت واشترى مثلها كعدم مستحق
__________
العين لابن جماعة فإنه ذكر أنه يستأجر على
نقلها منها وقد ذكر هذا صاحب الطراز عن ابن
حبيب فانظره.
مسألة: وسئل السيوري عن قادمين إلى بلد هل
يعطون من الزكاة كما يعطى فقراء البلد أو يخص
بها أهل البلد فأجاب أهل بلدهم هم الذين يعطون
البرزلي كان أكثر من لقيناه من الشيوخ يقول
يعطون كأهل البلد وبعضهم يفرق بين أن يقيم
أيام فأكثر يعطى والمختار لا يعطى ويجريها على
مسألة قرطبة إذا حبس على مرضاها هل يعطى منها
من أقام بها أربعة أيام فأكثر أم لا والصواب
الإعطاء مطلقا لأنه إما من أهلها أو ابن
السبيل وكل واحد منهما له حق بنص التنزيل
انتهى. من البرزلي. ص: "كعدم مستحق". ش: تصوره
ظاهر. مسألة: إذا فاض المال ولم يوجد من يقبله
بعد نزول السيد عيسى قال الأبي قال الشيخ يعني
ابن عرفة إذا أفضى الحال في المال إلى أن لا
يقبله أحد لا تسقط الزكاة وإذا لم يجد الإنسان
من يستأجر لعمله عمل بنفسه فإن عجز وجبت
إعانته لأن المواساة كما تجب بالمال تجب
بالنفوس الأبي وما تقدم للنووي من نسخ الجزية
حينئذ لا يبعد أن تكون الزكاة كذلك وهو في
الزكاة أبين لأنها إنما شرعت لإرفاق الضعفاء.
فإن قلت: إنما سقط قبول الجزية نسخها لما ذكر
من الأحاديث.
قلت: وهذه أيضا كذلك لقوله: "ولتتركن القلاص
فلا يسعى عليها أحد"1 انتهى. ثم
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب الإيمان حديث 243. أحمد
في مسنده (2/494).
(3/244)
وقدم ليصل عند
الحول , وإن قدم معشراً أو ديناً أو عرضاً قبل
قبضه،
__________
قال في شرح هذه الجملة عن عياض أنه لا بيعة
لأخذ زكاتها سعاة زهادة فيها لفيض المال مع
أنها أنفس مال العرب والقلاص جمع قلوص وهي من
الإبل كالفتاة من النساء والحدث من الرجال
انتهى. ص: "وإن قدم معشرا أو دينا أو عرضا قبل
القبض الخ". ش: ذكر رحمه الله سبع مسائل لا
تجزئ فيها الزكاة.
الأولى: إذا قدم زكاة المعشرات والمعنى أن من
قدم زكاة زرعه فإنها لا تجزيه يريد إذا قدمها
قبل وقت الوجوب قال في التوضيح: لما ذكر تقديم
الزكاة قبل الحول وهذا خاص بالحيوان والعين
وأما الزرع فلا يجوز تقديمها لأنه لم يملك بعد
نقله في الجواهر انتهى.
قلت: وقد صرح به اللخمي فقال في تبصرته لما
ذكر الخلاف في تقديم الزكاة وهذا في العين ولا
يصح في زكاة الحرث والزرع والثمار لأنها زكاة
عما لم يملك بعد ولا يدري ما قدره ويجوز في
المواشي إذا لم يكن ثم سعاة على مثل ما يجوز
في العين وسيأتي لفظه في تعجيل زكاة الماشية.
فرع: أما إذا أخرج الزكاة بعد قوت الوجوب وهو
إفراك الحب وطيب الثمار وقبل الحصاد والجذاذ
فإنها تجزيه قال في الطراز: لو عجل زكاة زرعه
قبل حصاده وهو قائم في سنبله قال مالك عن ابن
سحنون: يجزيه ولا أحب له أن يتطوع بها من قبل
نفسه يقول لا يفعله أحد إلا أن يلجئه الساعي
إلى ذلك وإن فعل جاز لأن الزكاة قد وجبت بطيب
الزرع انتهى. ونقله في الذخيرة وتقدم ثم قول
المؤلف والوجوب بإفراك الحب ما يدل على ذلك
والله أعلم. وقوله أو دينا أو عرضا قبل القبض
يعني أن من زكى دينا قبل قبضه فإنه لا يجزئه
وكذلك إذا زكى عن ثمن عرض الاحتكار قبل قبضه
قال بهرام في الأوسط قوله: قبل القبض أي قبض
الدين وقبض ثمن العرض انتهى. وقال البساطي قبل
القبض طرف لهما والمراد في العرض قبل قبض ثمنه
انتهى. ونقل سند عن المدونة لما احتج لمالك
على أن الدين لا يزكى قبل قبضه فإنه لو وجب
عليه زكاته قبل قبضه لم يجب عليه أن يخرج من
صدقته إلا دينا يقطع به لمن يلي ذلك على
الغرماء من أجل أن السنة أن تخرج زكاة كل مال
منه وبذلك احتج أيضا في عرض التجارة أنه لا
يزكى حتى يباع ويقبض ثمنه انتهى. وقال بعده
أيضا إن ابتاع العرض بثمن فلم يقبضه حتى أخذ
به عرضا لم تلزمه زكاة الثمن لأنه كان دينا
فما لم ينض فهو كالعرض فكأنه ابتاع عرضا بعرض
انتهى. وقال المشذالي أيضا في قوله ولو أخذ
بالمائة قبل قبضها ثوبا وذكر أنها معارضة
لمسألة كتاب العيوب والاستحقاق
(3/245)
أو نقلت لدونهم
أو دفعت باجتهاد لغير مستحق وتعذر ردها إلا
الإمام أو طاع بدفعها لجائر في صرفها أو بقيمة
لم يجز
__________
قال والجواب أن القبض الحسي هنا مطلوب وعدمه
مؤثر لأن الدين قبل قبضه عرض مبيع بعرض انتهى.
فعلم من هذا أن الثمن لا يزكى حتى يقبض وأنه
إن زكاه قبل قبضه لم يجزه وذلك واضح لأنه ما
لم يقبض فهو لا يزكى قبل قبضه وقد تقدم في
شروط زكاة الدين أن يكون أصله عينا أو عرض
تجارة وليس له صورة إلا أن يبيع العرض ولم
يقبض ثمنه وسواء كان حالا أو مؤجلا في الذخيرة
قال في الكتاب: إذا باع سلعة للتجارة بعد
الحول فإنه يزكي حينئذ بعد القبض انتهى. وقال
سند أيضا عن المدونة قال ابن القاسم فيمن كانت
عنده سلعة للتجارة فباعها بعد الحول بمائة
دينار إذا قبض المائة دينار زكاها مكانه ثم
قال:
فرع: فلو باعها بمائة إلا أنه أخذ بها عرضا
قيمته عشرة لم يكن عليه شيء لأن الدين لا يزكى
والعرض لا يزكى فإن باع العرض بأقل من عشرين
لم يكن عليه زكاة إلا أن يكون عنده ما يكمل به
النصاب انتهى. ونقله في الذخيرة وقال فيه لأن
القيم أمور متوهمة والبيع يحققها والله أعلم.
ص: "أو نقلت لدونهم". ش: قال البرزلي: تقدم
للباجي أن كل ما دون ما تقصر فيه الصلاة
كالبلد الواحد وقد تقدم ما فيه انتهى. والذي
تقدم هو قوله في الكلام على نقل الزكاة الباجي
وهذا إذا نقل ذلك لمسافة القصر وأما دونهم فهم
في حكم البلد الواحد وعندي أن هذا يجري على
الخلاف في مسمى قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ
لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ}
[البقرة: من الآية196] وفيه ثلاثة أقوال
انتهى. وانظر التوضيح في قوله: وتفرقتها بموضع
الوجوب أو قربة وانظر البيان في نوازل سحنون
وانظر النوادر في ترجمة نقل الزكاة من بلد إلى
بلد. ص: "أو دفعت باجتهاد لغير مستحق". ش: قال
ابن رشد في نوازله في مسائل الحبس في أول
الورقة الرابعة من مسائل الحبس: وأما الذي زكى
مال يتيمه ثم انكشف أنه أعطاه غنياً وهو يظنه
فقيرا فلم يكن عليه أكثر مما صنع لأن الذي
تعبد به إنما هو الاجتهاد في ذلك ألا ترى أن
من أهل العلم من يقول إنه إذا أعطى زكاته لغني
وهو لا يعلم أجزأته زكاته ولا خلاف في أنه يجب
أن تسترد من عنده إذا علم به وقدر عليه انتهى.
فرع: فإن دفعها لشخص يظنه غنيا ثم تبين أنه
فقيراً فإنها تجزئه إلا أنه لا ثواب له لأنه
آثم انتهى. من عارضة الأحوذي لابن العربي
وانظر الذخيرة. ص: "أو طاع بدفعها لجائر في
صرفها"
(3/246)
__________
ش قال ابن الحاجب: وإذا كان الإمام جائزا فيها
لم يجزه دفعها إليه قال في التوضيح: أي جائزا
في تفرقتها وصرفها مصارفها لم يجزه دفعها إليه
لأنه من باب التعاون على الإثم،
(3/247)
لا إن أكره أو
نقلت لمثلهم أو قدمت بكشهر في عين وماشية،
__________
والواجب حينئذ جحدها والهروب فيها ما أمكن
وأما إذا كان جوره في أخذها لا في تفرقتها
بمعنى أنه يأخذ أكثر من الواجب فينبغي أن
يجزيه ذلك على كراهة دفعها إليه انتهى. ص: "لا
إن أكره". ش: قال ابن الحاجب: فإن أجبره أجزأ
على المشهور قال في التوضيح: أي فإن كان
الإمام جائرا أو أجبره على أخذها قال في
الجواهر: فإن عدل في صرفها أجزأته وإن لم يعدل
ففي أجزائها قولان وعين المصنف المشهور من
القولين بالاجزاء وهذا بين إذا أخذها أولا
ليصرفها في مصارفها وأما لو علم أنه إنما
أخذها لنفسه فلا انتهى. وأصله لابن عبد السلام
قال بعد أن شرح كلام ابن الحاجب وهذا إن صح
فيكون مقصورا على ما إذا أخذها ليصرفها في
مصارفها أما إذا كان أخذه أولا إنما هو لنفسه
كما يعلم قطعا من بعضهم وكما هو في عامة أعراب
بلادنا فلا يتمشى ذلك فيهم انتهى.
قلت: وظاهر كلام أبي الحسن أن الخلاف جار ولو
أخذها وأكلها ونقله عن أبي إسحاق التونسي
فتأمله والله أعلم. ص: "أو قدمت في عين
وماشية". ش: يعني أن زكاة العين
(3/248)
__________
والماشية إذا قدمت قبل الحول فإنها تجزئ وهذا
هو المشهور إذا قدمت قبل الحول بيسير وقال
أشهب: لا تجزئ قبل محلها كالصلاة ورواه عن
مالك نقله ابن رشد قال في التوضيح: ورواه ابن
وهب قال ابن يونس: وهو الأقرب وغيره استحسان
قال في البيان وحمل ابن نافع قول مالك عليه
وهو رأى أنها لا تجزئ قبل محلها بيوم واحد ولا
بساعة واحدة وهو ضامن لها حتى يخرجها بعد
محلها انتهى. من أول رسم من سماع أشهب
والمشهور هو مذهب المدونة وقال ابن رشد في
الرسم المذكور إنه الأظهر قال في كتاب الزكاة
الأول من المدونة ولا ينبغي إخراج زكاة شيء من
عين أو حرث أو ماشية قبل وجوبه إلا أن يكون
قبل الحول بيسير فيجزئه ولا يجزئه فيما بعد
قال أبو الحسن: قوله هنا لا ينبغي هنا بمعنى
لا يجوز ثم قال وقوله إلا أن يكون قبل الحول
راجع إلى ما يشترط فيه العين والماشية انتهى.
تنبيهات: الأول: لم أر في شيء من النسخ تقييد
التقديم بالزمن اليسير ولا بد منه كما تقدم في
لفظ المدونة ونقل أبو الحسن الاتفاق على أنها
لا تجزئ فيما بعد وهو ظاهر كلام اللخمي فإنه
قال من عجل زكاة ماله لعام أو لعامين أو في
العام بنفسه قبل أن يقرب الحول لم يجزه واختلف
إذا قرب الحول انتهى. , ولا أعلم في عدم
الاجزاء إذا قدمت قبل الحول بكثير خلافاً في
المذهب كما صرح به الرجراجي في شرح المدونة.
الثاني: لم يبين في المدونة حد اليسير وذكر
ابن رشد في المقدمات وفي الرسم المذكور من
سماع أشهب في حده أربعة أقوال أحدها أنه اليوم
واليومان ونحو ذلك وهو قول ابن المواز الثاني
أنه العشرة الأيام ونحوها وهو قول ابن حبيب في
الواضحة الثالث أنه الشهر ونحوه وهو رواية
عيسى عن ابن القاسم الرابع أنه الشهران
ونحوهما وقع ذلك في المبسوط هكذا قال في
البيان وقال في المقدمات الرابع أنه الشهران
فما دونهما وهو رواية زياد عن مالك انتهى.
ونقل اللخمي الأقوال الثلاثة الأول ولم يقل
فيها ونحو ذلك كما قال ابن رشد قال في قوله
محمد إذا كان مثل اليوم واليومين أجزأه ولا
يجزئه ما فوق ذلك ونقل الأقوال الثلاثة عياض
وزاد هو واللخمي خامسا ولم يعزواه وهو نصف شهر
ونقل ابن بشير وابن الحاجب في حد اليسير قولين
آخرين أحدهما أنه خمسة أيام والثاني أنه ثلاثة
أيام قال ابن عرفة: ولا أعرفها انتهى.
قلت: القول بالثلاثة الأيام يشبه قول ابن
المواز واليومان ونحوهما ويؤيد ذلك أن ابن
(3/249)
فإن ضاع المقدم
فعن الباقي
__________
بشير وابن الحاجب لم ينقلا قول ابن المواز
وكلام ابن بشير صريح في أنه هو الثالث وجه
صاحب الطراز قول ابن القاسم أن حد اليسير
الشهر فإنه إذا بقي لحولها ثلاثون يوما ونحوها
فقد دخل شهر زكاته وكان ذلك أول وقت الأداء
وقد يكون بالفقراء حاجة مفدحة فيتسامح في
إخراجها ويكون ذلك أصلح للفقراء وفي كلامه ميل
إلى ترجيح هذا القول فإنه فرع: عليه وهو
الظاهر وقال الشريف الفاسي في تصحيح ابن
الحاجب وعليه اقتصر خليل في مختصره فلعله وقع
في نسخة من المختصر كذلك ولو قال المصنف أو
قدمت بكشهر في عين وماشية لأفاد المسألتين
أعني التقييد باليسير وتحديده والله أعلم.
الثالث: ما ذكره في الماشية محله إذا لم يكن
سعاة وأما إذا كان الساعي يخرج ويصرفها في
مصارفها فقد تقدم أنها تجزئ من أخرجها قبل
مجيئه ولو كان ذلك بعد كمال الحول على المشهور
وصرح بذلك اللخمي هنا فقال لما ذكر التقديم
ويجوز في المواشي إذا لم يكن سعاة على مثل ما
يجوز في العين أو كان سعاة على القول إنها
تجزئ إذا أخرجها قبل مجيء الساعي انتهى. وقاله
في الطراز ونقله في الذخيرة والله أعلم.
الرابع: قال الشارح في الكبير الذي يظهر لي أن
حرف الجر في قوله: في عين وماشية للسببية
كقوله عليه الصلاة والسلام: "دخلت امرأة النار
في هرة" 1 والتقدير إن قدمت إذا وجبت بسبب عين
وماشية انتهى.
قلت: الذي يظهر أنه للظرفية أي قدمت في زكاة
عين وماشية فهي ظرف للتقييد ثم رأيت البساطي
أنها للظرفية والله أعلم.
الخامس يفهم من كلام المصنف أن الخلاف إنما هو
في الاجزاء بعد الوقوع لا في الجواز ابتداء
وهو كذلك فقد اعترض المصنف على ابن هارون في
قوله المشهور الجواز أنه إنما نقل صاحب
الجواهر والتلمساني الخلاف في الاجزاء قال في
التوضيح: وهو الأقرب لأنه لا شك أن المطلوب
ترك ذلك ابتداء انتهى. وقد تقدم في لفظ
المدونة أنه لا ينبغي وقال أبو الحسن إن معناه
أنه لا يجوز وفي سماع عيسى وأرى الشهر قريبا
على زحف وكره وقوله على زحف بالزاي والحاء
المهملة أي استثقال والله أعلم. ص: "فإن ضاع
المقدم فعن الباقي". ش: يعني فإن قدم زكاة
ماله قبل الحول وضاع المقدم قبل وصوله إلى
مستحقه فإنه يخرج الزكاة عن الباقي إن كان
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب حديث 135. أحمد في مسنده
(2/317).
(3/250)
وإن تلف جزء
نصاب ولو يمكن الأداء سقطت
__________
الباقي نصاباً وظاهر كلامه سواء قدمها قبل
الحول بكثير أو بالزمن اليسير الذي يجوز
تقديمها فيه وهذا هو الذي ذكره القاضي عياض في
التنبيهات عن ابن رشد وقبله ونقله المصنف عنه
في التوضيح ونصه وإذا أخرجها قبل الحول فضاعت
فإنه يضمن قاله مالك في الموازية قال مالك: ما
لم يكن قبله باليوم واليومين وفي الوقت الذي
لو أخرجها فيه لأجزأته قال في التنبيهات قيل
معناه تجزئ ولا يلزمه غيرها بخلاف الأيام وذهب
ابن رشد إلى أنه متى هلكت قبل الحول بيسير أنه
يزكي ما بقي إن كان فيه زكاة قال ابن رشد: كذا
يأتي عندي على جميع الأقوال إنما تجزئه إذ
أخرجها ونقدها كالرخصة والتوسعة فأما إذا هلكت
ولم تصل إلى أهلها ولا بلغت محلها فإن ضمانها
ساقط عنه ويؤدي زكاة ما بقي عند حوله إلا على
ما تؤول على ما قاله ابن المواز كاليوم
واليومين انتهى. كلامه في التنبيهات انتهى.
كلام التوضيح وقوله بخلاف الأيام أي بخلاف ما
إذا أخرجها قبل الحول بأيام كثيرة فضاعت فإنها
لا تجزئ فإنه تقدم عن ابن المواز أنها إذا
قدمت على الحول لا تجزئ إلا باليوم واليومين
فقط كما قال اللخمي: أو نحوهما كالثلاثة كما
قال ابن رشد واقتصر في التوضيح في أول كتاب
الزكاة لما تكلم على الحول على تقييد ابن
المواز ولم يذكر كلام ابن رشد وذكر الرجراجي
كلام ابن رشد وتقييد ابن المواز وجعله مخالفا
له وما ذكره عن ابن رشد هو معنى ما في
المقدمات ونصها فصل فيما أنفق الرجل من ماله
قبل الحول بيسير أو كثير أو تلف منه فلا زكاة
عليه فيه ويزكي الباقي إذا حال عليه الحول
وفيه ما تجب فيه الزكاة وكذلك إذا أخرج زكاة
ماله قبل الحول بيسير أو كثير فتلفت أو أخرجها
فنفذها في الوقت الذي لا يجوز له تنفيذها فيه
يزكي الباقي إن كان فيما بقي منه ما تجب فيه
الزكاة إذا حال عليه الحول انتهى
(3/251)
__________
قلت وما ذكره ابن رشد خلاف ما يقتضيه كلام
صاحب الطراز ونصه إذا جوز دفعها قبل الحول
بنحو الشهر على قول ابن القاسم في العتبية
فدفع نصف دينار عن عشرين دينارا أو شاة عن
أربعين وبقي بقية ماله بيده حتى تم الحول فهل
يكون ذلك زكاة مفروضة أم لا ظاهر كلام ابن
القاسم أنها زكاة وهو قول الشافعي في الزكاة
المعجلة وقال أبو حنيفة: لا تكون زكاة ثم قال
فلو تلف ذلك من يد الساعي قبل كمال الحول وقبل
أن يدفعه للمساكين لم يضمنه على مقتضى المذهب
لأنها زكاة وقعت موقعها وذلك الوقت في حكم وقت
وجوبها وعند المخالف لا يقع ذلك موقع الزكاة
بنفسه بل يقع على مراعاة شرائط الأداء عند
انغلاق الحول ثم قال واختلفوا إذا تغيرت أحوال
رب المال قبل الحول فمات أو ارتد أو تلف ماله
هل له أن يسترد ما دفع فقال أبو حنيفة: إن كان
ذلك قائما بيد الإمام استرجعه وإن وصل إلى
الفقراء لم يكن له إليه سبيل وقال الشافعي
وابن حنبل: له استرجاعه بكل حال وهذا إذا بين
عند الدفع أنه زكاة معجلة ثم قال ولو تغير حال
الفقيرعند الحول فارتد أو مات أو استغنى بغير
الزكاة قال أبو حنيفة: قد وقعت موقعها ولا
يسترد منه وهو مذهب ابن القاسم في العتبية ثم
ذكر مذهب الشافعي وابن حنبل وفيه تفصيل
فليراجعه من أراده وقال ابن العربي في عارضته
فإن قدمها لشخص فقير ثم استغنى عند الحول فإن
كان غناه من الزكاة فلا كلام في الاجزاء وإن
كان من غيرها فيتخرج فيها القولان فيما إذا
أعطى لشخص ظنه فقيرا فتبين غنيا قال ابن
القاسم في الأسدية: يجزئه وقال في الموازية لا
يجزئه انتهى.
قلت: الجاري على قول صاحب الطراز أنها زكاة
أنه لا ينظر إلى تغير الأحوال والجاري على ما
قاله ابن رشد أن ينظر إلى تغير حال المال وربه
والفقير وقد جزم في الجواهر بأنه إذا قدمها
قبل الحول ثم تلف المال أنه يستردها ونصه ولو
عجل الزكاة قبل الحول بالمدة الجائزة على
الخلاف فيها ثم هلك النصاب قبل تمام الحول
أخذها إن كانت قائمة بعينها وعلم أي هلاك
النصاب أو بين أنها زكاة معجلة وقت الدفع وإن
لم يبين ذلك لم يقبل قوله وأما لو دفع الزكاة
معجلة ثم ذبح شاة من الأربعين فجاء الحول ولم
ينجبر النصاب لم يكن له الرجوع لأنه يتهم أن
يكون ذبح ندما ليرجع فيما عجل انتهى. ونقله في
الذخيرة بلفظ لو عجل بالمدة الجائزة فهلك
النصاب قبل تمام الحول أخذها إن كانت قائمة إن
ثبت ذلك وإلا فلا يقبل قوله انتهى. ونقل كلام
صاحب الطراز وقال ابن العربي في عارضته إذا
قدم زكاة العين في الوقت الجائز ثم هلك المال
قبل الحول فإنه يرجع في زكاته إن كانت قائمة
وبين أنها زكاة ولو قدم زكاة الغنم ثم ذبح
منها ما نقصها عن النصاب لم يرجع لأنه يتهم
نعم لو ضاعت بأمر من الله رجع انتهى. فتحصل من
هذا أنه إذا عجل الزكاة بالزمان اليسير وضاع
ما عجله قبل وصوله لمستحقه فهل يجزئه وهو ظاهر
كلام الطراز وكلام ابن المواز لأن اليسير عند
ابن المواز اليومان والثلاثة كما تقدم والظاهر
كلام صاحب الطراز أنه على الخلاف السابق فيه
أو
(3/252)
كعزلها فضاعت
لا إن ضاع أصلها وضمن إن أخرها عن الحول أو
أدخل عشره مفرطاً لا محصناً وإلا فتردد
__________
لا تجزئه وهو الذي جزم به ابن رشد وظاهر كلام
المصنف أنه مشى عليه والله أعلم. ص: "كعزلها
فضاعت". ش: أي فإنه لا يضمنها إذا عزلها عند
وجوبها فضاعت من غير تفريط.
فرع: فإن وجدها لزمه إخراجها ولو كان حينئذ
فقيرا مدينا انتهى. من ابن عرفة والمسألة في
سماع أبي زيد. ص: "وضمن إن أخرها عن الحول".
ش:
(3/253)
وأخذت من تركة
الميت وكرها ًوإن بقتال وأدب ودفعت للإمام
العدل وإن عيناً وإن غر عبد بحرية فجناية على
الأرجح وزكى مسافر ما معه وما غاب إن لم يكن
مخرج ولا ضرورة
__________
مسألة قال في المعلم للإمام تأخير الزكاة إلى
الحول الثاني إذا أداه اجتهاده إليه قاله في
أوائل الزكاة من المعلم في حديث العباس رضي
الله عنه والله أعلم. ص: "وكرها وإن بقتال".
ش: ابن عرفة وفي تصديق من قال ما معي قراض أو
بضاعة أو علي دين أو لم يحل حولي دون يمين طرق
اللخمي وعبد الحق في المتهم روايتان لها
ولغيرها الصقلي المتهم لها ولنقله وابن مزين
وغيرهما ثالثها مفسرهما اللخمي يسأل أهل رفقة
القادم فإن لم يوجد مكذب صدق ولا يصدق مقيم في
دعوى حدوث عتقه أو إسلام لظهوره ويكشف في دعوى
القراض والدين ويصدق في دعوى عدم الحلول
انتهى.
فرع: قال الشيخ زروق في شرح الإرشاد واختلف
فيمن أخذت منه كرها ثم تاب هل تلزمه إعادتها
لفقد النية أم لا. ص: "ودفعت للإمام العدل".
ش: ابن عرفة وفيها إن غلبوا على بلد وأخذوا
زكاة الناس والجزية أجزأتهم الصقلي روى محمد
والمتغلبون كالخوارج قلت: ولذا قال ابن رشد عن
سحنون في ذي أربعين شاة عشرة تحت كل أمير
بالأندلس وأفريقية ومصر والعراق إن كانوا
عدولا أخبرهم وأتى كل منهم بشاة للأمير ربعها
(3/254)
فصل في زكاة الفطر
يجب بالسنة صاع أوجزؤه
__________
فإن أخذه كل منهم بربع قيمتها أجزأته الشيخ عن
أشهب إن طاع بها الخارجي أجزأه التونسي إن طاع
لوال جائر لا يضعها موضعها لم تجزه انتهى. و
قال ابن الحاجب: وإذا كان الإمام جائرا فيها
لم يجزه دفعها إليه طوعا فإن أجبره أجزأته على
المشهور وكذلك الخوارج قال ابن فرحون في شرح
قوله: فإن أجبره أجزأته على المشهور قال ابن
عبد السلام: وهذا الخلاف إن صح كما قال المؤلف
فيكون مقصورا على ما إذا أخذها ليصرفها في
مصارفها أما إن أخذها لنفسه كما هو الغالب في
هذا الزمان فلا يتجه أن يكون المشهور الاجزاء
وكذلك الحكم في الخوارج على الخلاف المذكور
ولو كانوا يضعونها في مواضعها فهم أحق انتهى.
ونحوه في التوضيح ويؤخذ منه أنه يجوز أخذ
الزكاة من الخوارج فمن الولاة المتغلبة أولى
والله أعلم.
فصل يجب بالسنة صاع أو جزؤه
لما فرغ رحمه الله من الكلام على زكاة الأموال
تبع ذلك بالكلام على زكاة الأبدان وهي زكاة
الفطر وسميت بذلك لوجوبها بسبب الفطر ويقال
لها صدقة الفطر وبه عبر ابن الحاجب قال بعضهم
كأنها من الفطرة بمعنى الخلقة وكأنه يعني أنها
متعلقة بالأبدان ويمكن أن يوجه بكونها تجب
بالفطر كما تقدم واختلف في حكمها فالمشهور من
المذهب أنها واجبة لحديث الموطأ عن ابن عمر
فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر
من رمضان وقيل سنة وحمل قوله: فرض على التقدير
أي قدر وهو بعيد لا سيما وقد خرج الترمذي بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي في
فجاج مكة ألا إن صدقة الفطر من رمضان واجبة
على كل مسلم وعلى
(3/255)
__________
القول المشهور بوجوبها فاختلف في دليل الوجوب
فالمشهور أنها واجبة بالسنة كما تقدم وقيل
بالقرآن وعلى وجوبها بالقرآن فقيل بعموم آية
الزكاة وقيل بآية تخصها وهي قوله: {قَدْ
أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى:14] أي أخرج
زكاة الفطر {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}
[الأعلى:15] أي صلاة العيد والظاهر أن المراد
بقوله: {تَزَكَّى} في الآية أي تزكى بالإسلام
وصلى الصلوات الخمس قال اللخمي: وهو الأشبه
لقوله تزكى إنما يقال لمن أدى الزكاة زكى على
أنه ليس في الآية أمر وإنما تضمنت مدح من فعل
ذلك ويصح المدح بالمندوب وإلى تشهير القول
بوجوبها والقول بأن دليل الوجوب السنة أشار
المصنف بقوله: "يجب بالسنة".
فرع: قال ابن يونس: لا يقاتل أهل البلد على
منع زكاة الفطر انتهى. وحكمة مشروعيتها الرفق
بالفقراء في إغنائهم عن السؤال يوم الفطر
وأركانها أربعة المخرج بفتح الراء والمخرج
بكسرها والوقت المخرج فيه ومن تدفع إليه وتكلم
المصنف فبدأ بالكلام على الركن الأول وهو
المخرج بفتح الراء ويتعلق الكلام باعتبار قدره
وجنسه ونوعه فبدأ بالكلام على قدره فقال إنه
صاع أو جزؤه يعني أن الواجب في زكاة الفطر
قدره صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم أو
جزء صاع ولا يجب أكثر من ذلك أما الصاع ففي حق
المسلم الحر القادر عليه عن نفسه وعن كل واحد
ممن تلزمه نفقته بسبب من الأسباب الآتية وأما
جزء الصاع ففي العبد المشترك والمعتق بعضه كما
سيأتي وفي حق من لم يجد إلا جزء صاع قاله في
الطراز ومن قدر على بعض الزكاة خرجه على ظاهر
المذهب لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم
بأمر فأتوا منه ما استطعتم" 1 انتهى. وحمل
الشارح والبساطي والأقفهسي كلام المصنف على
هذا الأخير وقال ابن غازي حمله على الواجب على
سيد العبد المشترك والمبعض أولى من حمله على
ما قاله سند ولو أراده المصنف لقال أو بعضه.
قلت: وحمله على ما ذكرناه أولى فيكون مراده
بيان قدر الواجب في زكاة الفطر
تنبيهات: الأول: لو قدر على إخراج صاع عن نفسه
وعلى إخراج بعض صاع عمن تلزمه نفقته فالظاهر
أنه يلزمه ذلك قياسا على ما قاله سند.
الثاني: إذا تعدد من تلزمه نفقته ولم يجد إلا
صاعا واحدا أو بعض صاع فهل يخرجه عن الجميع أو
يقدم بعض من تلزمه نفقته على بعض كما سيأتي في
باب النفقات أن نفقة الزوجة مقدمة على نفقة
الولد والوالدين واختلف هل تقدم نفقة الابن
على نفقة الأبوين وهما سواء على قولين لم أر
في ذلك نصا والظاهر أنها تابعة للسنة والله
أعلم.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الاعتصام باب 2. مسلم
في كتاب الحج حديث 412. النسائي في كتاب
المناسك باب 1. ابن ماجة في كتاب المقدمة باب
1. أحمد في مسنده (2/247، 258، 314، 355،
448).
(3/256)
عنه فضل عن
قوته وقوت عياله
__________
الثالث: قدر الصاع أربعة أمداد بمده عليه
الصلاة والسلام وتقدم أن المد وزن رطل وثلث
وتقدم بيان الرطل في زكاة الحبوب وقال
الرجراجي في آخر كتاب الزكاة عن الشيخ أبي
محمد أنه قال بحثنا عن مد النبي صلى الله عليه
وسلم فلم نقع على حقيقته يعني حقيقة قدره
وأحسن ما أخذناه عن المشايخ أن قدر مد النبي
صلى الله عليه وسلم الذي لا يختلف ولا يعدم في
سائر الأمصار أربع حفنات بحفنة الرجل الوسط لا
بالطويل جدا ولا بالقصير جدا ليست بالمبسوطة
الأصابع جدا ولا بمقبوضتها جدا لأنها إن بسطت
فلا تحمل إلا قليلا وإن قبضت فكذلك قال
الرجراجي وقد عارضنا ذلك بما يوجد اليوم بأيدي
الناس مما يزعمون أنه مد النبي صلى الله عليه
وسلم فوجدناه صحيحا لا شك فيه وكان عند سيدنا
وقدوتنا شيخ الطريقة وإمام الحقيقة أبي محمد
صالح الدكالي مد عبر بمد زيد بن ثابت رضي الله
عنه بسند صحيح مكتوب عنده فعايرناه على هذا
التعبير فكان ملؤه ذلك القدر انتهى. وقال في
القاموس الصاع أربعة أمداد كل مد رطل وثلث قال
الداودي معياره الذي لا يختلف أربع حفنات بكف
الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما إذ
ليس كل مكان يوجد فيه صاع النبي صلى الله عليه
وسلم انتهى. وجربت ذلك فوجدته صحيحا انتهى.
كلام القاموس.
الرابع: تقديرها بالصاع في جميع الأنواع هو
المعروف من المذهب لأن ظاهر الحديث العموم
وقال ابن حبيب: تؤدي من البر نصف صاع وبه قال
أبو حنيفة وجماعة من الصحابة.
الخامس: قال الفاكهاني في شرح الرسالة: ويقال
للمخرج بفتح الراء فطرة بكسر الفاء لا غير وهي
لفظة مولدة لا عربية ولا معربة بل اصطلاحية
للفقهاء ومعنى المعربة أن تكون الكلمة عجمية
فساقتها العرب على منهاجها وكأنها من الفطرة
التي هي الخلقة أي زكاة الخلقة انتهى. ونحوه
للدميري من الشافعية قال ووقع في كلام بعض
أصحابنا ضمهما انتهى. وقال ابن عرفة: زكاة
الفطر مصدر إعطاء مسلم فقير لقوت يوم الفطر
صاعا من غالب القوت أو جزئه المسمى للجزء
والمقصور وجوبه عليه ولا ينقص بإعطاء صاع ثان
لأنه زكاة كالأضحية ثانية وإلا زيد مرة واحدة
واسما صاع إلى آخره يعطي مسلما إلى آخره. ص:
"فضل عن قوته وقوت عياله". ش: لما فرغ من ذكر
قدر المخرج ذكر المخرج عنه والضمير المجرور
بعن عائد إلى
(3/257)
وإن بتسلف
__________
المخرج عنه المفهوم من سياق الكلام في قوله:
يجب إذ الوجوب لا بد له من مأمور به ولو قال
على حر مسلم فضل عن قوته وقوت عياله لكان أحسن
وأوضح قال في الذخيرة: الفصل الثاني في الواجب
عليه وفي الجواهر وهو الحر المسلم الموسر فلا
زكاة على معسر وهو الذي لا يفضل عن قوته ذلك
اليوم صاع ولا وجد من يسلفه و قال في التوضيح:
المشهور أنها تجب على من فضل عن قوته إن كان
وحده وعن قوته وقوت عياله إن كان له عيال صاع
وهو الذي في الجلاب وغيره اللخمي وهو موافق
للمدونة وقيل يجب على من لا يجحف به في معاشه
قال في التوضيح: فعلى هذا لو فضل عن قوته صاع
أو أكثر وكان إذا أخرجها يحصل له الإجحاف في
معاشه لا يجب عليه إخراجها وقيل تجب على من لا
يحل له أخذها وسيأتي الكلام على من يحل له
أخذها حكى هذه الثلاثة ابن الحاجب وغيره وزاد
ابن عرفة رابعا وهو وجوبها على من ملك قوت
خمسة عشر يوما قال في التوضيح: وذكر صاحب
اللباب أن المذهب لم يختلف في أنه ليس من
شرطها أن يملك المخرج نصاباً ونحوه للخمي
انتهى. وعن اللخمي نقله ابن عرفة ولفظه في
تبصرته ولم يختلف المذهب في أنه ليس من شرط
الغناء أن يملك نصاباً وعلم من هذا أن المذهب
لا يعتبر ما قالته الحنفية من أنها لا تجب إلا
على من يملك نصاباً خارجا عن مسكنه وأثاثه بل
تجب على من له دار محتاج إليها أو عبد محتاج
إليه أي لخدمته أو كتب محتاج إليها أن يبيع
ذلك لأداء زكاة الفطر فتأمله والله أعلم. وقال
اللخمي: واختلف هل تجب على من له عبد ولا شيء
له سواه أو يعطاها فقال مالك في المبسوط فيمن
له عبد لا يملك غيره عليه زكاة الفطر ورآه
موسرا بالعد وقال في موضع آخر: لا شيء عليه
وقاله أشهب في مدونته ورأى أنها مواساة وسبيل
المواساة أن لا يكلفها من هذه صفته انتهى.
ونقله عنه ابن عرفة ويأتي ذكر الخلاف في
إعطائها لمالك العبد والله أعلم. ص: "وإن
بتسلف". ش: يعني أن زكاة الفطر تجب على من قدر
عليها ولو كان ذلك بأن يتسلف قال في المدونة
ويؤديها المحتاج إن وجد من يسلفه فإن لم يجد
لم يلزمه إن أيسر بعد أعوام قضاؤها لماضي
السنين وهذا هو المشهور وقال ابن المواز: وابن
حبيب لا يلزمه أن يتسلف لأنه ربما تعذر وجود
القضاء فبقي في ذمته وذلك من أعظم الضرر ولو
قال بتسلف لكان أجرى على عادته لأن الخلاف
مذهبي.
تنبيه: إنما يلزمه أن يتسلف إذا كان يرتجي
وجود القضاء قال أبو الحسن: قوله في المدونة:
"أو وجد من يسلفه معناه إذا كان يرتجي القضاء
قال ابن حبيب: وابن المواز ولعل
(3/258)
وهل بأول ليلة
العيد أو بفجره خلاف
__________
المحتاج" على قول مالك إذا كان له شيء يرجوه
أن يتسلف قال ابن محرز: قال ابن القصار: سمعت
من يقول إنه إنما يتسلفها من كان له من حيث
يؤديها ويسن لمن يستلفها منه أنه يخرجها زكاة
عنه فمتى فتح له رد صح من تبصرة ابن محرز
انتهى. كلام أبي الحسن.
فرع: واختلف في زكاة الفطر هل يسقطها الدين
قال اللخمي: قال أشهب: لا تسقط بخلاف العين
انتهى. والقول الثاني لعبد الوهاب وقال
الشبيبي الظاهر أن الدين لا يسقطها انتهى.
وقال سند ظاهر الكتاب يسقطها الدين انتهى. من
الذخيرة وقال ابن فرحون القول بالسقوط لابن
القاسم وقال أبو الحسن اختلف هل يسقطها الدين
أم لا قولان مشهوران انتهى. والله أعلم. ص:
"وهل بأول ليلة العيد أو بفجره خلاف". ش: هذا
بيان للوقت الذي يتعلق به الخطاب بزكاة الفطر
وذكر في ذلك قولين مشهورين الأول منهما أن
الخطاب بها يتعلق بأول ليلة العيد وذلك إذا
غربت الشمس من آخر يوم من رمضان فمن كان
موجودا في ذلك الوقت تعلق به الخطاب بها فلو
مات بعد ذلك أخرجت عنه ومن ولد بعد الغروب أو
أسلم أو أيسر لم يجب عليه وشهر هذا القول ابن
الحاجب وغيره والثاني أن الخطاب بها إنما
يتعلق بطلوع الفجر من يوم العيد فمن كان
موجودا في ذلك الوقت تعلق به الوجوب ومن مات
قبل طلوع الفجر أو ولد بعده أو أسلم أو أيسر
لم يجب عليه وهذا القول شهره الأبهري وقال ابن
العربي أنه الصحيح ورواه ابن القاسم ومطرف
وابن الماجشون عن مالك وفي المسألة قولان
آخران بل ثلاثة أحدها أن الواجب الذي يتعلق به
الخطاب طلوع الشمس من يوم العيد وصححه ابن
الجهم وأنكره بعضهم وقال لا خلاف إن من مات
بعد الفجر يجب عليه الزكاة وصوب القاضي عياض
قول هذا المنكر والثاني أنه يمتد من غروب
الشمس ليلة الفطر إلى غروب الشمس من يوم الفطر
والثالث أنه يمتد من غروب الشمس ليلة العيد
إلى زوال يوم العيد ذكره في التوضيح وعزاه
لابن الماجشون وفائدة هذا الخلاف أن من مات
قبل دخول وقت الوجوب لا تتعلق به
(3/259)
من أغلب القوت
من معشر أو أقط غير علس إلا أن يقتات غيره
__________
الزكاة وكذلك من باع رقيقا قبل وقت الوجوب
سقطت زكاته عن البائع وكذلك من طلق زوجته قبله
وكذلك تسقط عمن ولد بعد وقت الوجوب أو أسلم أو
أيسر وجبت عليه وكذلك من استجد ملك رقيق أو
استجد زوجة والله أعلم. ويتعلق الكلام بالوقت
في زكاة الفطر من أربع حيثيات الوقت الذي
يتعلق به الوجوب والوقت الذي يستحب إخراجها
فيه والوقت الذي يحرم تأخيرها إليه وتكلم
المصنف على جميع ذلك والله أعلم. ص: "من أغلب
القوت من معشر أو أقط غير علس إلا أن يقتات
غيره". ش: هذا بيان للجنس الذي تخرج منه زكاة
الفطر فذكر أنها تؤدى من أغلب القوت يعني أغلب
قوت البلد الذي يكون فيه المخرج لها إذا كان
ذلك الأغلب من المعشرات أو من الأقط إلا العلس
فلا تؤدي منه فإن اقتات أهل بلد غيرالمعشرات
أخرجت زكاة الفطر مما يقتاتونه هذا جل كلامه
رحمه الله وتبع رحمه الله فيه كلام صاحب
الحاوي وهو مشكل على مذهبنا لأنه يقتضي أن كل
معشر إذا كان غالب قوت أهل بلد تؤدى منه زكاة
الفطر فتؤدي من القطاني والجلجلان وغير ذلك
ولو وجد أحد الأصناف التسعة الآتي ذكرها وظاهر
كلام أهل المذهب خلاف ذلك وظاهره أيضا أنه إذا
اقتيت غير المعشر يخرج منه ولو وجد المعشر
وحينئذ فلا حاجة للاستثناء فلو اقتصر على
قوله: من أغلب القوت لكان أخصر والذي يظهر من
كلام أهل المذهب خلاف هذا وأنها تؤدى من أغلب
القوت من هذه الأصناف التسعة التي هي القمح
والشعير والسلت والتمر والزبيب والأقط والدخن
والذرة والأرز فإن كان غالب القوت في بلد خلاف
هذه الأصناف التسعة من علس أو قطنية أو غير
ذلك وشيء من هذه الأصناف موجود لم تخرج إلا من
الأصناف التسعة فإن كان أهل بلد ليس
(3/260)
__________
عندهم شيء من الأصناف التسعة وإنما يقتاتون في
غيرها فيجوز أن تؤدى حينئذ من عيشهم ولو كان
من غير الأصناف التسعة قال في المدونة قال
مالك: وتؤدى زكاة الفطر من القمح والشعير
والسلت والذرة والدخن والأرز والتمر والزبيب
والأقط صاع من كل صنف منها ويخرج ذلك أهل كل
بلد من جل عيشهم من ذلك والتمر عيش أهل
المدينة ولا يخرج أهل مصر إلا القمح لأنه جل
عيشهم إلا أن يغلو سعرهم فيكون عيشهم الشعير
فيجزئهم قال مالك: ولا يجزئ في زكاة الفطر شيء
من القطنية وإن أعطى في ذلك قيمة صاع من حنطة
أو شعير أو تمر مالك ولا يجزئه أن يخرج فيها
دقيقا ولا سويقا وكره مالك أن يخرج فيها تينا
وأنا أرى أنه لا يجزئه وكل شيء من القطنية مثل
اللوبيا أو شيء من هذه الأشياء التي ذكرنا
أنها لا تجزئ إذا كان ذلك عيش قوم فلا بأس به
أن يؤدوا من ذلك ويجزئهم انتهى. قال ابن ناجي
في شرح كلام ابن القاسم الأخير هذا تفسير لقول
مالك المتقدم وما ذكره ابن القاسم هو المشهور
وقيل لا تؤدي من القطنية وإن كانت عيش قوم
قاله محمد ورواه حكاه اللخمي ولا خصوصية لما
ذكره بل الخلاف في كل ما يقتات حتى لو كان
لحما أو لبنا انتهى. فقوله في المدونة أنها لا
تؤدى من القطنية إن حمل على أن مراده إن لم
يكن جل عيش فلا خصوصية لها بذلك لأن الأصناف
التسعة التي ذكرها كذلك ويصير كلامه الأخير
ليس فيه كبير فائدة فيتعين أن يحمل كلامه أولا
على أن المراد إذا كانت هي جل عيشهم وغيرها
موجودا لا أنه ليس محل العيش ويدل على ذلك
قوله: أجزأ إذا كان ذلك عيش قوم فإن الظاهر أن
معناه أنه ليس عيشهم إلا ذلك ولا يوجد شيء
عندهم من الأصناف التسعة فيجزئهم حينئذ
الإخراج منه فتأمله و قال ابن الحاجب: وقدرها
صاع من المقتات في زمانه صلى الله عليه وسلم
من القمح والشعير والسلت والزبيب والتمر
والأقط والذرة والأرز والدخن وزاد ابن حبيب
العلس وقال أشهب من السنة الأول خاصة: قال في
التوضيح: تقديرها بالصاع في جميع الأنواع هو
المعروف وقال ابن حبيب: تؤدى من البر مدين إلا
صاعا وقوله في زمانه أي في سائر الأقطار ولم
يرد بلدا معينا كما فهم ابن عبد السلام واعترض
ثم قال والظاهر أن محل الخلاف بين ابن حبيب
والمذهب في العلس وبين أشهب المذهب في الثلاثة
إذا كان العلس والثلاثة غالب عيش قوم وغير ذلك
موجود أو كان الجميع سواء فابن حبيب يرى
الإخراج من العلس في الصورة الأولى والمشهور
يخرج من التسعة وأشهب يرى الإخراج من الستة
انتهى. ثم قال ابن الحاجب: فلو اقتيت غيره
كالقطاني والتين والسويق واللحم واللبن
فالمشهور أنه يجزي قال في التوضيح: أي فلو
أقتيت غير ما ذكر فهل يجزئ الإخراج منه
المشهور أنه يجزئ لأن في تكليفه غير قوته حرجا
عليه ورأى في القول الآخر الاقتصار على ما ورد
في الحديث ورواه ابن القاسم في القطاني أنها
لا تخرج وإن كانت قوته انتهى. فيتعين أن يحمل
قول ابن الحاجب فلو اقتيت غيره على أن المراد
أنه لم يكن لهم ذلك بدليل ما ذكره في التوضيح
أنه إذا كان العلس جل عيش قوم وغيره من
(3/261)
__________
الأصناف التسعة موجود فالمشهور أنها تخرج من
الأصناف التسعة فتأمله منصفا وذكر في
التنبيهات أن جماعة من القرويين رووا المدونة
على القول الثاني قال واختصرها عليه حمديس
تنبيهات: الأول: قال الشيخ أبو الحسن الصغير:
ما تؤدى منه زكاة الفطر على ثلاثة أقسام تؤدى
منه زكاة الفطر سواء كان جل العيش أو لا وهو
القمح والشعير والسلت إذا كان جل عيشهم جل هذه
الثلاثة تؤدى من هذه الثلاثة وتجزئه والثلاثة
فيها بينها يخرج الأعلى عن الأدنى ولا نعكس
وغير هذه الثلاثة التي هي السبعة الباقية من
العشرة لا يخرج منها إلا إذا كانت جل عيش أهل
البلد وغيره هذه العشرة لا يخرج منه إذا لم
يكن جل العيش واختلف هل يخرج منها إذا كانت جل
العيش أم لا على قولين انتهى.
الثاني: قال ابن ناجي في شرح المدونة قال بعض
شيوخنا المعتبر بالغالب ما يأكلونه في شهر
رمضان لا ما قبله وكان شيخنا يعجبه ذلك وهو
كذلك لأن زكاة الفطرة طهرة للصائمين فيعتبر ما
يؤكل فيه لأنه سبب ولأنه بفراغه تجب وعارضني
بعض أصحابنا بما ذكروه في الخليطين وأنه لا
يعتبر اجتماعهما وافتراقهما قرب الحول وأجبته
بأن ذلك معلل بالتهمة على الفرار من الزكاة
واتهامهما أقرب من اتهام أهل البلد وبأن رمضان
هو السبب بذاته في زكاة الفطر لا جميع العام
وفي مسألة الخليطين السبب جميع العام لا الشهر
الذي وقعت فيه الخلطة انتهى.
قلت: وما ذكره عن بعض شيوخه ظاهر وكذلك ما
أجاب به واصطلاحه أنه يعبر ببعض شيوخه عن ابن
عرفة ولم أقف له في مختصره على ما ذكره عنه
فلعله سمعه منه أو سمعه من شيخه البرزلي يحكيه
عن شيخه ابن عرفة أو وقف له عليه في فتيا
أوغير ذلك وقال الشيخ يوسف بن عمر في شرح
الرسالة والمعتبر في الجل العام كله وقال بعض
الفقهاء إنما يراعى يوم الوجوب انتهى.
قلت: ما ذكره من اعتبار العام كله مخالف لما
ذكره ابن ناجي عن ابن عرفة والظاهر ما قاله
ابن عرفة وأما ما ذكره عن بعض الفقهاء من
اعتبار يوم الوجوب فبعيد جدا لأن من المعلوم
الذي جرت به العوائد أن غالب الناس يأكلون يوم
العيد خلاف ما يأكلونه في بقية الأيام والله
أعلم. وقال الشيخ يوسف بن عمر لأن بعض الشيوخ
يقول يعتبر الجل بالفرن انتهى.
قلت: هذا إذا كان الفرن متحدا في البلد وعلم
أنهم لا يخبزون في بيوتهم وإلا فيختلف الجل
بحسب الحارات والله أعلم.
الثالث: إذا كان اللحم واللبن قوت قوم وقلنا
يخرجون فقال ابن ناجي في شرح المدونة إذا
فرعنا على المشهور فكان شيخنا أبو محمد
الشبيبي يفتي بأنه يخرج من اللحم واللبن
وشبههما مقدار عيش الصاع وكان شيخنا يعني
البرزلي لا يرتضيه ويقول الصواب أنه يكال
كالقمح وهو بعيد لأن اللحم وشبهه لا يكال ولا
يعرف فيه انتهى. قلت: وما قاله الشبيبي ظاهر
والله أعلم.
(3/262)
وعن كل مسلم
يمونه بقرابة زوجية وإن لأب
__________
الرابع: إذا اقتات أهل بلد نوعين أو ثلاثة على
حد سواء ولم يكن في البلد جله فالظاهر أنه
يخرج كل أحد من قوته ولم أر فيه نصا والله
أعلم.
الخامس: قال الفاكهاني في شرح الرسالة: اختلف
في القطنية فقال ابن القاسم إذا كانت جل عيش
قوم أجزأتهم وقال ابن حبيب: لا تجزئ انتهى.
قلت: ما نقله عن ابن القاسم مخالف لما تقدم في
كلامه في المدونة وإنه لم يقل بالاجزاء إلا
إذا كان ذلك عيشهم ولم يقل إذا كان جل عيشهم
فتأمله.
السادس: ظاهر ما ذكروه عن ابن حبيب أنها تخرج
من العلس يقتضي أنه اختص بذلك وهو قد رواه عن
مالك في مختصر الواضحة وما ذكره عنه في قدر
الصاع ظاهره أنه اختاره وقال به وهو إنما ذكره
في مختصر الواضحة عن بعض العلماء.
السابع: قال ابن عرفة: وفيها لا تخرج من دقيق
ابن حبيب يجزئ بزيفه وكذا الخبز الصقلي وبعض
القرويين قول ابن حبيب تفسير الباجي خلاف
انتهى.
الثامن: قال القرافي عن التنبيهات: والأقط
بفتح الهمزة وكسر القاف خثر اللبن المخرج زبده
ويقال أيضا بكسر الهمزة وسكون القاف انتهى.
التاسع: قال في الطراز: في شرح قوله في
المدونة: وتؤدى من القمح والشعير والسلت
والدخن والذرة والأرز والتمر والزبيب والأقط
بعد أن تكلم على الخلاف فيما تؤدى منه ما نصه
إذا ثبت ذلك فالقمح أفضل ذلك انتهى. وظاهره
أنه أفضل من الأرز وهو الذي يفهم من كلام أبي
الحسن المتقدم ويؤيده أنهم لم يختلفوا في
إجزاء القمح واختلف في إجزاء الأرز وقال
الفاكهاني في شرح الرسالة والأفضل القمح وقاله
الأئمة والسلت يلحق به لأنه من جنسه وأفضل من
الشعير. ص: "وعن كل مسلم يمونه بقرابة أو
زوجية وإن لأب
(3/263)
وخادمها أو رق
أو مكاتبا أو آبقا ًرجي و مبيعا بمواضعة أو
خيار ومخدما إلا لحرية فعلى مخدمه والمشترك
والمبعض بقدر الملك , ولا شيء على العبد
والمشترى فاسدا على مشتريه
__________-
وخادمها أو رق ولو مكاتبا وآبقا رجي". ش: يعني
أنه يجب على الشخص أن يخرج زكاة الفطر عنه وعن
كل مسلم يمونه وتلزمه نفقته لحديث ابن عمر فرض
رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من
رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير
على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين
متفق عليه وقوله من المسلمين قال ابن حجر في
تخريج أحاديث الرافعي اشتهرت هذه الرواية عن
مالك وقال أبو قلابة ليس أحد يقولها غير مالك
وليس
(3/264)
__________
كذلك بل تابعه جماعة وذكرهم وإنما قال يمونه
لما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن
الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون رواه
الدارقطني والبيهقي وإنما تجب زكاة الفطر عمن
تلزمه نفقته بسبب من الأسباب الثلاثة التي
ذكرها
الأول القرابة وذلك في الأولاد والأبوين.
الثاني: الزوجية وذلك في زوجة الشخص فيخرج
عنها وإن كانت مليئة وكذلك عن زوجة أبيه
ويستتبع ذلك أيضا خادم الزوجة وخادم زوجة الأب
كما قال وإن لأب وخادمها ولا يلزمها أن يخرج
عن أكثر من خادم واحدة إلا أن تكون ذات قدر
وقال ابن يونس وأبو الحسن: وإنما تجب عن
الزوجة إذا دخل الزوج بها أودعي إلى الدخول
بها وأما إن كان ممنوعا على الدخول بها فلا
تجب عليه قال أبو الحسن: وأما مع المساكنة
ففيه قولان أحدهما أنه كالمدعو للدخول فتجب
عليه النفقة والفطرة والثاني أنه كالممنوع فلا
تجب عليه ونقله ابن بشير وقال الشيخ زروق في
شرح الإرشاد ويخرج عن زوجته المدخول بها أو
المتهيئة له على المشهور وسيأتي في باب
النفقات المشهور أن النفقة إنما تجب على الزوج
إذا دعي إلى الدخول.
السبب الثالث: الرق فتجب زكاة الفطر عن عبده
وإن كان زمنا أو مهروما قاله في المدونة وتجب
عن مدبره وعن المعتق إلى أجل وعن المكاتب على
المشهور وقيل لا تجب عنه وقيل تجب على المكاتب
نفسه وتجب على العبد المرهون والأعمى والمجنون
والمجذوم قاله في الطراز قال ولو غاب العبد
غيبة طويلة في سفر من غير إباق ولم يعرف موضعه
قال في الموازية: فليؤد عنه زكاة الفطر انتهى.
وقال في الذخيرة: وتجب على العبد الموروث إذا
لم يقبض إلا بعد يوم الفطر انتهى. وقوله وآبقا
رجي قال سند في الطراز: كعبد خاف من سيده
لجريمة ارتكبها فهرب منه ولم يعرف له بذلك
سابقة ولا بمن يتغرب ويصبر على الأسفار أو
يكون ذلك فعله كل حين يهرب ثم يعود فهذا على
حكم المسافر والغائب الذي ينتظر قدومه والله
أعلم. وحكم المغصوب حكم الآبق إن رجي خلاصه
وجبت وإلا فلا انتهى.
تنبيهات: الأول: يدخل في كلام المصنف من أعتق
صغيرا فإنه تلزمه نفقته والزكاة عنه وذلك بسبب
الرق السابق قال في مختصر الوقار: ويخرج
الفطرة عن المرضع إذا أعتقه حتى يبلغ الكسب
على نفسه فتسقط عنه نفقته انتهى. ومثله من
أعتق زمنا فقد ألزموه النفقة عليه واختار سند
سقوط النفقة بعتق الزمن قاله في باب زكاة
الفطر واختلف هل هي واجبة على السيد أصالة أو
نيابة عن العبد قال سند: مقتضى المذهب أنها
واجبة على السيد في الأصل وفهم من كلام المصنف
أنه لو كان يمونه بغير هذه الأسباب الثلاثة لا
تلزمه زكاة الفطر عنه كمن التزم ربيبه أو غيره
وكمن استأجر بنفقته من حر أو عبد قال ابن ناجي
في شرح الرسالة عند قوله: ويخرج الرجل زكاة
الفطر على كل مسلم تلزمه نفقته هو كلام عام
أريد به الخصوص فإن من التزم نفقة من ليس
بقريبه كالربيب أو قريب لا تلزمه نفقته
بالأصالة فإنه لا
(3/265)
__________
يلزمه أن يخرج عنه زكاة الفطر باتفاق انتهى.
ونقله الجزولي وغيره أيضا والمستأجر بنفقته نص
عليه صاحب الذخيرة وغيره وكذلك البائن إذا
كانت حاملا بخلاف الرجعية فإنه يلزمه أن يخرج
عنها لأن الطلاق الرجعي كما قال ابن بشير في
كتاب العدة لا يمنع العصمة وإنما يهيئها للقطع
فالعصمة باقية قال ابن يونس: ولو طلق المدخول
بها طلقة رجعية لزمته النفقة عليها وأدى
الفطرة عنها لأن أحكام الزوجية باقية عليها
وأما لو طلقها طلاقا بائنا وهي حامل فلا يزكي
عنها الفطرة وإن كانت النفقة عليه لها لأن
النفقة للحمل لا لها انتهى. من باب زكاة الفطر
ونقله أيضا عنه أبو الحسن.
الثاني: يستثنى من قوله: يمونه المكاتب
والمخدم فإنه يخرج عنهما زكاة الفطر ولا يجب
عليه نفقتهما أما المكاتب فنفقته على نفسه
وأما المخدم فنفقته على من له الخدمة قاله ابن
يونس وحكى أبو الحسن فيه قولين قيل على مالك
الرقبة وقيل على المخدم وقال ابن عرفة: وروى
الباجي المخدم يرجع لحرية على ذي خدمته ولربه
في كونها عليه أو على المخدم ثالثها إن قلت:
خدمته وفي نفقته الثلاثة انتهى. وعلى الأول
مشى المصنف حيث قال: "ومخدما إلا لحرية فعلى
مخدمه".
الثالث: لا يؤديها عن عبد عبده ولا عبد مكاتبه
قاله في المدونة قال في الطراز: وتسقط أيضا عن
العبد والمكاتب.
الرابع: لو كان للكافر عبد مسلم مثل أن يسلم
في يده في مهل شوال قبل أن ينزع من يده أو
تسلم في يده أم ولده فتوقف في قوله أو يكون له
قرابة مسلمون تجب عليه نفقتهم مثل الأب والأم
والابن الكبير يبلغ زمنا ثم يسلم فمقتضى
المذهب أنه لا يجب عليه وهو قول أبي حنيفة
وقال أحمد تجب وللشافعي قولان انتهى. من
الطراز.
الخامس: لو ارتد مسلم فدخل وقت الزكاة وهو
مرتد ثم تاب بعده وله رقيق مسلمون فالمذهب أن
الزكاة تسقط عنه وعنهم وكذلك لو كان مسلما وقت
الوجوب ثم ارتد ثم تاب سقط عنه ذلك انتهى. منه
أيضا. السادس: قال في الشامل: وإن جنى عبد
جناية عمدا فيها نفسه فلم يقتل إلا بعد الفطر
ففطرته على سيده انتهى.
السابع: قال في الطراز: لو كان الزوج فقيرا لا
يقدر على نفقة الزوجة فلا نفقة عليه حال عسره
ولها الخيار في المقام معه أو فراقه فإن أقامت
معه فنفقتها عليها وكذلك فطرتها حتى يوسر فإن
قدر على النفقة فقط لم يلزمها الفطرة إذ لا
تلزمها نفقة وتسقط عنه كما تسقط عنه فطرته
ويستحب لها ذلك فإن أرادت المرأة أن تخرج عن
نفسها وأبى ذلك زوجها وهو موسر لم يجز لأن
الخطاب متوجه عليه دونها ويختلف في هذا الفرع
والذي قبله وهو فرع: من قدر على النفقة فقط في
ابتداء وجوبها هل هي على مخرجها أو المخرج
بسببه حسبما
(3/266)
وندب إخراجها
بعد الفجر وقبل الصلاة
__________
تقدم في الزكاة عن العبد ونص ما قدمه هو قوله:
إذا ثبت وجوبها على السيد فتنافس أهل العلم في
أصل وجوبها هل هو على السيد ويكون العبد سبب
وجوبها أو تجب على العبد ويتحملها السيد ويكون
الرق والملكية سبب تحملها فمقتضى المذهب أنها
واجبة في الأصل على السيد واختلف فيه أصحاب
الشافعي رضي الله عنهم انتهى. ومفهوم قوله:
وأبى ذلك زوجها وهو موسر لم يجز أنه لو لم يأب
ذلك لجاز ويأتي الكلام على ذلك عند قول المصنف
وإخراج أهله والله أعلم.
الثامن: إذا كانت الزوجة حنفية والزوج مالكيا
فهل يخرج عنها مدان من القمح على مذهبها أو
أربعة أمداد على مذهبه ذكر الشيخ سليمان
البحيري في شرح الإعشاد في ذلك قولين.
التاسع: لو كان صبي في حجر رجل بغير إيصاء وله
بيده مال رفع أمره إلى الحاكم فإن لم يرفع
وأنفق عليه وأخرج عنه زكاة الفطر فهو مصدق في
الزكاة وفي نفقة المثل نقله ابن راشد وبهرام
في الشامل زاد في الشامل ويؤديها الوصي عن
اليتامى وعن رقيقهم من أموالهم انتهى.
العاشر: قال في الذخيرة: قال في الكتاب: إذا
أمسك عبيد ولده الصغار لخدمتهم ولا مال للولد
سواهم أدى الفطرة عنهم مع النفقة ثم يكون له
ذلك من مال الولد وهو العبيد لأنهم أغنياء
انتهى. ص: "قبل الصلاة". ش: الظاهر أن مراده
قبل صلاة العيد قال في المدونة ويستحب أن تؤدى
بعد الفجر من يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى
فإن أداها بعد الصلاة فواسع انتهى. ونحوه في
ابن الجلاب واللخمي وعياض وابن الحاجب وغيرهم
وقال في الشامل: واستحب إخراجها بعد الفجر
وقبل صلاة العيد إن وجبت انتهى. وقال ابن عبد
السلام في شرح ابن الحاجب وأما الوقت الذي
يستحب إخراجها فيه فمن طلوع الفجر إلى الغدو
إلى المصلى انتهى. قال الشيخ أبو الحسن: قوله
في المدونة: "قبل الغد وإلى المصلى" هو صفة
الفعل ومحل الاستحباب إنما هو قبل الصلاة فلو
أدى قبل الصلاة بعد الغدو إلى المصلى فهو من
المستحب انتهى. بالمعنى وقال اللخمي: وقوله
الأول في المدونة أحسن قال القباب: فجعله
اللخمي اختلافا والظاهر أنه ليس باختلاف وأن
الأول عنده قبل الصلاة وإن أداها بعدها فليس
بآثم لأن وقت الأداء باق انتهى. وعند الجزولي
والوقار أن
(3/267)
ومن قوته
الأحسن وغربلة القمح إلا الغلث ودفعها لزوال
فقر ورق يومه
__________
الأفضل إخراجها بعد الفجر وقبل صلاة الصبح قال
الجزولي في شرح قول الرسالة ويستحب إخراجها
إذا طلع الفجر من يوم الفطر وإخراجها بعد
الفجر وقبل صلاة الصبح أحسن انتهى. وقال في
مختصر الوقار أفضل الأوقات لإخراجها في صبيحة
الفطر بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح انتهى.
فروع: الأول: قال أبو الحسن: المستحب إخراجها
قبل الغدو إلى المصلى وبعد الفجر وإن لم يعطها
حتى طلعت الشمس فقد فعل مكروها ثم قال في موضع
آخر قال القاضي أبو بكر ولا تكون طهرة للصائم
إلا إذا أديت قبل الصلاة انتهى.
الثاني: قال في الذخيرة: قال سند: ولا يأثم
بالتأخير ما دام يوم الفطر قائما فإن أخرها
عنه أثم مع القدرة انتهى. ونقله في الشامل
وغيره.
الثالث: قال في المدونة ومن مات ليلة الفطر أو
يومه ممن يلزمك أداء الفطرة عنه لم يزلها موته
وإن مات رجل يوم الفطر أو ليلة الفطر فأوصى
بالفطرة عنه كانت من رأس ماله وإن لم يوص بها
لم تجبر ورثته عليها ويؤمرون بها كزكاة العين
تحمل عليه في مرضه فإنما يكون في الثلث من ذلك
كله ما فرط فيه في صحته ثم أوصى به فإنه يبدأ
من ثلثه على سائر الوصايا إلا المدبر في الصحة
انتهى. ونحوه في مختصر الوقار قال وإن أوصى
بإخراجها عنه وعمن يلزمه إخراجها عنه أخرجت من
ماله وقضى بذلك عليهم انتهى. ص: "ومن قوته
الأحسن". ش: يعني من كان يقتات أحسن غالب قوت
البلد فإنه يستحب له أن يخرج من قوته الأحسن
ولا يجب عليه ذلك فإذا كان غالب القوت الشعير
وهو يقتات القمح فالمستحب أن يخرج من قوته.
تنبيه: قال في مختصر الوقار: ومن كان عنده قمح
في منزله وأراد شراء الفطرة من السوق فإن كان
إبقاء القمح الذي في منزله صيانة لجودته فلا
يفعل ذلك وفيه الفضل والخيار وإن كان إبقاؤه
لأنه قوت أهله فلا بأس بذلك. ص: "إلا الغلث".
ش: بالثاء المثلثة أي فتجب غربلته قال
القرافي: ولا يجزئ المسوس الفارغ بخلاف القديم
المتغير الطعم عندنا وعند الشافعية انتهى. ص:
"ودفعها لزوال فقر ورق يومه". ش: وكذا يستحب
لمن أسلم بعد وقت
(3/268)
وللإمام العدل
وعدم زيادة وإخراج المسافر وجاز إخراج أهله
عنه ودفع صاع لمساكين
__________
الوجوب قاله في المدونة وكذا يستحب له أن يخرج
عن المولود بعد وقت الوجوب قاله في الطراز. ص:
"وللإمام العدل". ش: قال في المدونة ويفرقها
كل قوم في أمكنتهم من حضر أو بدو أو عمود ولا
يدفعونها إلى الإمام إذا كان لا يعدل وإن كان
عدلا لم يسع أحد أن يفرق شيئا من الزكاة
وليدفعها إلى الإمام فيفرقها في مواضعها ولا
يخرجها منها إلا أن يكون بموضعهم محتاج
فيخرجها إلى أقرب المواضع إليهم فيفرقها هناك
انتهى. ونحوه في مختصر الوقار وزاد وأهل السفر
في سفرهم قال في الذخيرة: وليس للإمام أن
يطلبها كما يطلب غيرها انتهى. ص: "وعدم
زيادة". ش: يحتمل أن يكون مراده عدم زيادة على
الصاع ويشير بذلك لقول القرافيقيل لمالك أترضى
قال لا بل بمده عليه السلام فإن أراد خيرا
فعلى حدة سد الذريعة تغيير المقادير الشرعية
انتهى. ويحتمل أن يكون مراده عدم زيادة
المسكين على صاع كما ذكر ابن يونس ولا يعارضه
قوله: بعد ودفع صاع لمساكين وآصع لواحد لأن
المراد هنا بيان المستحب وهناك بيان الجواز
ويمكن أن يكون المصنف أرادهما معا فيحمل كلامه
على عدم الزيادة على الصاع وعلى عدم زيادة
المسكين على صاع مشيرا به لكلام القرافي وابن
يونس. ص: "وإخراج المسافر وجاز إخراج أهله
عنه". ش: ابن رشد في لب اللباب المخرج فيه
موضع المال وإن أدى أهل المسافر عنه أجزأته
فإن لم يكن بمكانه محتاج ففي أقرب المواضع
إليه انتهى. قال في التوضيح: ثم قول ابن
الحاجب وإن أدى أهل المسافر عنه أجزأ هذا ظاهر
إذا كانت عادتهم أو أوصاهم وإلا فالظاهر عدم
الاجزاء لفقد النية انتهى. ونقل كلامه هذا ثم
قوله: وعن كل مسلم بموته بقرابة وقال ابن
عرفة: وفيها يؤديها المسافر حيث هو وإن أداها
عنه أهله أجزأه وسمع القرينان يؤديها عن نفسه
إذ لا يدري أتؤدى عنه أم لا لا عن أهله لعلهم
أدوا.
قلت: فيلزم الأول ويجاب بالمشقة ابن رشد وهذا
إن ترك ما يؤدونها منه ولم يأمرهم بأدائها عنه
ولو أمرهم بأدائها عنه لم يؤدها ولو لم يترك
ما يؤدونها منه لزمه أداؤها عنه وعنهم
(3/269)
__________
انتهى. وما عزاه لسماع القرينين هو في سماع
أشهب في الرجل يغيب عن أهله أرى أن يؤدي زكاة
الفطر عن نفسه لأنه لا يدري أتؤدى عنه أم لا
وأما أهله فأرى أن يؤخر لعلهم أدوا عن أنفسهم
قال ابن رشد: هذا إن ترك ثم أهله ما يؤدون منه
الزكاة ولم يأمرهم فهو إذا لم يدر ما يفعلون
فيؤدي عن نفسه ولا يؤدي عنهم لأن الأقرب أن
يؤدوا عن أنفسهم ولا يؤدوا عنه ولو أمرهم أن
يؤدوا عنه في مغيبه لم يكن عليه أن يؤدي عن
نفسه لو لم يترك عندهم ما يؤدون منه الزكاة
لزمه أن يؤدي بموضعه عنه وعنهم لأن الزكاة
عليه في هذا الوجه في هذه المسألة وفي مختصر
الوقار ويخرجها عنه لو لم يؤدها المسافر عن
نفسه وعمن يلزمه إخراجها عنه بالموضع الذي هو
فيه إلا أن يكون أمر أهله بأدائها عنه وعنهم
فيجزي ذلك عنه وعنهم إن كان أهله موضع الثقة
بما أمرهم به انتهى. وقول المصنف وجاز إخراج
أهله أطلق فيبقى جواز إخراج الأهل كما هو مطلق
في كلام المدونة المتقدم في كلام ابن عرفة
وكذلك ابن الحاجب ونصه وإذا أدى أهل المسافر
عنه أجزأ وقال أبو الحسن إثر كلام المدونة
المتقدم قوله: وإن أداها أهله عنه أجزأ أبو
الحسن ويعلم أن أهله أدوها عنه بأن يوصيهم
بإخراجها ويترك ما يخرج منه ويثق بهم انتهى. و
قال في التوضيح: إثر كلام ابن الحاجب المتقدم
هذا ظاهر إذا كانت عادتهم وأوصاهم وإلا
فالظاهر عدم الاجزاء لفقد النية انتهى.
واستحسن في الطراز الاجزاء وإن لم يعلم به ولم
يأمرهم بذلك ولم يكن ذلك عرفه معهم ونصه فإن
لم يخرجها المسافر وأخرجها عنه أهله فقال في
الكتاب: يجزئه وذلك له صورتان إحداهما أن يكون
أمرهم بذلك أو كان هو عرفهم معه فيجزىء بلا
إشكال وكأنه استنابهم والثانية لم يأمرهم ولم
يكن ذلك عرفه معهم فهذا يختلف فيه على الخلاف
فيمن كفر عن غيره علمه وإذنه وأن يجزيه أحسن
لأنه حق مالي فيسقط عنه إذا أدى عنه وإن لم
يعلم به كالدين ولا يجوز للملتقط أن يتصدق
باللقطة عن ربها ثم إذا علم بها بعد ذلك ورضي
جاز وإن لم يستحق الصدقة عليه ففيما هو مستحق
أولى واعتبارا بمن يضحي عنه أهله بأضحية ذلك
فإنه يجزئه انتهى.
فرع: قال ابن فرحون في ألغازه: فإن قلت: هل
يجزئ إخراج الأب زكاة الفطر عن ولده الغني أم
لا قلت: الجواب فيها بالاجزاء أو النفي خطأ
والجواب إن كان الولد صغيرا جاز وإن كان كبيرا
لم يجز على القول باشتراط النية في الزكاة
والمذهب اشتراطها قاله ابن الحاجب انتهى. يريد
والله أعلم. إذا لم يعلمه الأب بذلك وهو ظاهر
من قولهم لم يجز على القول باشتراط النية في
الزكاة فتأمله والله أعلم. ومثل ذلك من تطوع
عنه بزكاة الفطر غيره وهو موسر ومسألة في
التنبيه السابع من شرح قول المصنف وعن كل مسلم
يمونه بقرابة أو زوجية وهي مسألة الزوجة إذا
أرادت أن تخرج زكاة الفطر عن نفسها وأبى زوجها
ذلك وهو موسر ومسألة والظاهر في جميع ذلك
الاجزاء وسقوط الزكاة
(3/270)
وآ صع لواحد
ومن قوته الأدون إلالشح
__________
عن المخرج عنهم إذا أعلمهم المخرج بذلك وأما
إن لم يعلمهم بذلك فلا تجزئ لفقدان النية كما
تقدم في كلام التوضيح والله أعلم. وتقدم في
باب الزكاة ثم قول المصنف ووجب نيتها في كلام
القرافي فيمن أخرج الزكاة عن غيره بغير علمه
وغير إذنه في ذلك وكلام المازري أيضا والله
أعلم.
فرع: قال اللخمي في تبصرته: وإن أخرج عن أهله
أخرج من الصنف الذي يأكلونه وإن أخرجوا عنه
فمن الصنف الذي يأكله انتهى. وقال الأقفهسي في
شرح الرسالة ولو كان مسافرا أخرج عنه نفسه من
الصنف الذي يأكل منه أهل البلد أو يأكله هو لا
الشيخ واختلف إذا أراد أن يزكي عن أهله أو
أراد أهله أن يزكوا عنه هل المعتبر موضعه أو
موضع أهله قولان انتهى. ص: "وآصع لواحد". ش:
آصع بهمزة ثم ألف ثم صاد مهملة مضمونة ثم عين
مخففة جمع صاع ولم صليت على هذا الجمع في
القاموس ولا في الصحاح فقد قال في القاموس
الصاع والصواع بالضم والكسر والصوع وبضم الذي
يكال به وتدور عليه أحكام المسلمين ثم قال
الجمع أصوع وأصوع وأصواع وصوع بالضم وصيعان
وهذا جمع صواع انتهى. وقال في الصحاح كم أصوع
وقد تبدل الواو المضمومة همزة لكن وقعت في
كلام النووي في كتاب تحرير ألفاظ التنبيه على
أن هذا الجمع صحيح وأنه من باب القلب فإن جمع
صاع أصوع ثم قلبت الواو همزة ثم نقلت إلى موضع
الألف فصار أأصع ثم أبدلت الهمزة الثانية ألفا
فصار آصع قال وأنكر ابن مكي هذا الجمع وقال
إنه من لحن العوام قال وهذا الذي قاله ابن مكي
خطأ صريح وذهول بين لفظة آصع صحيحة فصيحة
مستعملة في كتب اللغة والأحاديث الصحيحة
انتهى. مختصرا وإنما قلبت الواو همزة في أصوع
لثقل الضمة على الواو قاله ابن مكي. ص: "ومن
قوته الأدون إلا الشح". ش: يعني أن الواجب
إخراجها من أغلب قوت أهل بلده ويستحب إخراجها
من قوته إن كان أغلا فإن كان قوته أدون فإن
كان لغير شح فيجزيه وإن كان لشح فلا يجزيه
وظاهر كلامه أنه يجوز إخراجها من قوته الأدون
إذا لم يكن يقتات الأدون لشح سواء كان يقتاته
لفقر أو لعادة قال في التوضيح: كالبدوي يأكل
الشعير بالحاضرة وهو مليء قال ففيه قولان ولم
يحك في الوجه الأول وهو من اقتات الأدنى لفقر
خلافا فيكون المصنف ترجح عنده أحد القولين
فلذلك أطلق هنا والله أعلم.
(3/271)
وإخراجه قبله
بالكاليومين وهل مطلقاً لمفرق تأويلان ولا
تسقط بمضي زمنها وإنما تدفع لحر مسلم فقير .
__________
ص وهل مطلقا أو لمفرق تأويلان". ش: كل واحد من
هذين التأولين قول مشهور والأرجح الاجزاء
مطلقا لأنه ظاهر لفظ المدونة قال الشيخ زروق
في شرح الإرشاد قيل وعليه الأكثر انتهى. وقال
صاحب الشامل بعد أن ذكر تشهير القولين وعلى
الاجزاء مطلقا الأكثر وقاله القرافي أيضا وفي
كلامه تضعيف لمن تأمل المدونة على الاجزاء
للمفرق فقط وهو ظاهر والله أعلم.
تنبيه: وهذا الخلاف إنما هو إذا أتلفها الفقير
قبل وقت الوجوب قال اللخمي بعد ذكره الخلاف:
وإن علم أنها قائمة بيد من أخذها إلى الوقت
الذي تجب فيه أجزأت قولا واحدا لأن لدافعها إن
كانت لا تجزئ أن ينتزعها فإذا فتأمله كان كمن
ابتدأ دفعها حينئذ ولأنه مستغن ببقائها عن
طواف ذلك اليوم انتهى. والله أعلم. صولا تسقط
بمضي زمنها". ش: قال في المدونة وإن أخرها
الواجد فعليه قضاؤها لماضي السنين انتهى. وقال
في مختصر الوقار ومن فرط فيها سنين وهو واجد
لها أخرجها عما فرط من السنين عنه وعمن كان
يجب عليه إخراجها عنه في كل عام بقدر ما كان
يلزمه من ذلك ولو أتى ذلك على ماله إذا كان
صحيحا وإن كان مريضا وأوصى بها أخرجت من ثلثه
انتهى. وقال ابن راشد ويجب قضاء ما افت بخلاف
الأضحية فإذا أخرجها في وقتها فضاعت لم يضمن
وإن أخرجها وقتها ضمن انتهى. وقال ابن يونس:
ولو تلف ماله وبقيت لزمه إخراجها انتهى. وقال
القرافي وحيث تعينت ثم ذهبت أو ذهب ماله أو
لحقه دين ثم وجدها قال سند: قال ابن المواز:
ينفذها ولا شيء عليه لأهل الدين كمن أعتق بعده
ثم لحقه دين انتهى.
تنبيه: فإن قيل ما الفرق بين زكاة الفطر
والأضحية في أن من أخر الأولى وجب عليه قضاؤها
بخلاف الثانية فالجواب أن المقصود في زكاة
الفطر سد الخلة وهو حاصل في كل وقت والمقصود
في الأضحية إظهار الشعائر وقد فات ولأن القضاء
من خواص الواجب والله أعلم. ص: "وإنما تدفع
لحر مسلم والحاصل". ش: ختم الباب ببيان مصرف
زكاة الفطر فقال وإنما
(3/272)
__________
تدفع لحر مسلم والحاصل يعني أنه يشترط فيمن
تدفع له زكاة الفطر ثلاثة شروط الأول الحرية
والثاني الإسلام والثالث الفقر ولا خلاف في
ذلك عندنا فلا تدفع لعبد ولا لمن فيه شائبة رق
ولا لكافر ولا لغني قال في المدونة ولا يعطاها
أهل الذمة ولا العبد قال أبو الحسن: يريد ولا
الأغنياء فإن أعطاها من لا يجوز له أخذها
عالما بذلك ولا ضمان عليهم وإن لم يعلم نظر
فإن كانت قائمة بأيديهم استرجعها وإن أكلوها
وصونوا بها أموالهم ضمنوها وإن هلكت بسبب من
الله نظر فإن غروا ضمنوا وإن لم يغروا لم
يضمنوا انتهى.
تنبيهات: الأول: قال اللخمي: واختلف في صفة
الفقير الذي تحل له فقيل هو من تحل له زكاة
العين وقال أبو مصعب لا يعطاها من أخرجها ولا
يعطى والحاصل أكثر من زكاة إنسان وهو صاع وهذا
هو الظاهر قوله عليه السلام: أغنوهم عن طواف
هذا اليوم فالقصد غناء ذلك اليوم والقصد بما
سواها من الزكاة ما يغنيه عما يحتاجه من
النفقة والكسوة في المستقبل وقد قيل يعطى ما
فيه كفاف لسنة ولذا قيل لا بأس أن يعطى الزكاة
من له نصاب لا كفاية فيه ولا أعلمهم يختلفون
أنه لا يعطى زكاة الفطر من انتهى. فأول كلامه
يخالف آخره لأن قوله: من تحل له زكاة العين
يقتضي لصاحب دفعها لمالك النصاب وقال في آخر
كلامه لا أعلمهم يختلفون أنها لا تعطى لمن إلا
أن يقيد أول كلامه بآخره والظاهر من كلام ابن
بشير أنه لم يعتبر ما قاله اللخمي آخرا فإنه
قال واختلف في صفة من يحل له أخذها على قولين
أحدهما أنه من يحل له أخذ الزكاة والثاني أنه
الفقير الذي لم يأخذ منها في يومه ذلك وعلى
الأول يجوز أن يعطى أكثر من صدقة إنسان واحد
وعلى الثاني لا يجوز أن يأخذ أكثر من ذلك
انتهى. ونحوه في الجواهر والذخيرة وهو ظاهر
كلام ابن راشد في الباب الآتي وقال ابن عرفة:
وفي كون مصرفها والحاصل الزكاة أو عادم قوت
يومه نقل اللخمي وقول أبي مصعب وخرج عليها
إعطاؤها من ملك عبد فقط ولا يتم إلا بعجز
قيمته عن نصاب أو كونه محتاجا إليه انتهى.
فانظره فالذي تحصل من كلامهم أن الفقير الذي
تصرف له الفطرة وهو والحاصل الزكاة على
المشهور على ما قاله الجماعة وقيل ما قاله
اللخمي بأن لا يكون مالكا للنصاب والله أعلم.
الثاني: قال ابن الحاجب: ومصرفها مصرف الزكاة
وقيل الفقير الذي لم يأخذ منها وعلى المشهور
يعطى الواحد عن متعدد قال في التوضيح: ظاهر
كلامه أنها تصرف في الأصناف الثمانية وليس
كذلك فقد نص في الموازية على أنه لا يعطى
منهامن يليها ولا من يحرسها وظاهر كلامهم أنه
لا يعطى منها المجاهدون وأكثر كلامهم أنها
تعطى للفقراء والمساكين انتهى. ونحوه لابن عبد
السلام وقال الشارح في الكبير ظاهر كلام الشيخ
هنا أنها لا تعطى للمؤلفة قلوبهم ولو احتيج
إليهم وهو أيضا ظاهر المدونة إذا قلنا إنهم
كفار على ما تقدم ويعطى منها ابن السبيل إذا
كان فقيرا بموضعه ولو كان غنيا ببلده لقوله
عليه الصلاة والسلام أغنوهم عن طواف
(3/273)
__________
هذا اليوم وهذا إذا كان محتاجا لم يستغن عن
ذلك وانظر هل يجوز أن يشتري منها الرقيق ويعتق
إذا فضل عن حاجة فقراء بلدها أو لم يوجد به
والحاصل أم لا وينقل ما فضل إلى غيرهم وهل
يعطى الغارم منها أم لا وظاهر كلام ابن الحاجب
إجازة جميع ذلك لأنه قال ومصرفها كالزكاة أي
فتصرف في الأصناف الثمانية واعترض الشيخ خليل
بما تقدم عن الموازية وغيرها وظاهر كلامه في
المدونة أن المنع مقصور على أهل الذمة والعبيد
والغني على تقييد أبي الحسن الصغير وأنه يجوز
دفعها لغيرهم فانظره مع كلام الشيخ انتهى.
كلام الشارح.
قلت: أما ما ذكره في ابن السبيل فلا إشكال فيه
لأنه إنما أخذ حينئذ بوصف الفقر وأما لو كان
معه ما يكفيه وهو محتاج إلى ما يوصله إلى بلده
فظاهر كلام ابن عرفة المتقدم أو صريحه أنها لا
تصرف له وأنها لا تصرف في شراء رقيق ولا لغارم
وهو ظاهر كلام ابن عبد السلام والمصنف وكذلك
قال ابن راشد في اللباب ونصه والمخرج إليه من
له أخذ الزكاة من الفقراء على المشهور وقيل
الفقير الذي لم يأخذ منها في يومه انتهى. قال
في الجلاب ولا تدفع إلا إلى حر مسلم والحاصل
وأما كلام المدونة فليس فيه ما يقتضي صرفها
لغير الفقير وأما كلام ابن الحاجب فمعترض كما
تقدم وقد اعتمد الشارح في شامله على نحو ما
ذكره هناك لكنه حكه بقيل فقال ومصرفها حر مسلم
والحاصل وقيل مصرف الزكاة وهو ظاهرها لا لغني
وعبد ومؤلف انتهى. فأشار بقوله وقيل إلى ما
قاله أنه ظاهر كلام ابن الحاجب فتأمله والله
أعلم.
الثالث: قال الشارح في الكبير ونبه المصنف
بقوله والحاصل على أنها تدفع للمساكين من باب
أولى لما علمت أنه على المذهب أنه أشد حاجة من
الفقير انتهى. وما قاله ظاهر وقد تقدم في كلام
التوضيح أنه قال أكثر عباراتهم أنها تعطى
للفقراء والمساكين وهكذا قال ابن عبد السلام
والله أعلم.
الرابع: قال في الشامل: ولا بأس بدفعها لأهله
الذين لا تلزمه نفقتهم على الأظهر وللمرأة
دفعها لزوجها الفقير ولا يجوز له دفعها لها
ولو كانت فقيرة لأن نفقتها تلزمه ومن أيسر بعد
أعوام لم يقبضها انتهى. ونقله الشيخ زروق في
شرح الإرشاد.
الخامس: الحديث المذكور أعني قوله صلى الله
عليه وسلم: "أغنوهم" يعني المساكين عن طواف
هذا اليوم رواه البيهقي وابن سعد في الطبقات
بهذا اللفظ وروي أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم
وروي أغنوهم في هذا اليوم والله أعلم. انتهى.
(3/274)
|