مواهب
الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب كتاب الصيام
مدخل
...
كتاب الصيام
__________
كتاب الصيام
قال في المقدمات: الصيام هو الإمساك والكف
والترك وأمسك عن الشيء وكف عنه وتركه فهو صائم
قال الله: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ
صَوْماً} [مريم: من الآية26] أي صمتا وهو
الإمساك عن الكلام والكف عنه قال النابغة:
خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى
تعلك اللجما
يريد بصائمة واقفة ممسكة عن الحرة والجولان،
وقولهم: صام النهار معناه إذا انتصف لأن الشمس
إذا كانت في وسط السماء فكأنها متحركة لإبطاء
مشيها. والعرب قد تسمي الشيء باسم ما قرب منه
انتهى. ونحوه قول القاضي عياض: الصيام في
اللغة الإمساك قال تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ
لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} [مريم: من الآية26] أي
إمساكا انتهى. وقال في الصحاح: قال الخليل:
الصيام قيام بلا عمل والصوم الإمساك عن الطعام
وصام الفرس أي قام اعتلاف وأنشد بيت النابغة
المتقدم وصام النهار صوما إذا قام قائم
الظهيرة واعتدل والصوم ركود الريح والبكرات
شرهن الصائمة يعني التي لا تدور وقوله تعالى:
{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً}
[مريم: من الآية26] قال ابن عباس: صمتا وقال
أبو عبيد: كل ممسك عن كلام أو طعام أو سير فهو
صائم والصوم ذرق النعامة والصوم البيعة والصوم
الشجر في لغة هذيل انتهى. وقال غيره الصوم شجر
على شكل شخص الإنسان كربه المنظر انتهى. وقال
غيره البيعة بكسر الموحدة واحدة بيع اليهود
وقال البيضاوي الصوم في اللغة الإمساك عما
تنزع إليه النفس انتهى. يسمى الصائم سائحا قال
في جمع الأمهات للسنوسي وعنه عليه الصلاة
والسلام أنه يقال السائحون الصائمون لأن الله
تعالى إذا ذكر الصائمين لم يذكر السائحين وإذا
ذكر السائحين لم يذكر الصائمين انتهى. والصوم
في الشرع قال في الذخيرة: الإمساك عن شهوتي
الفم والفرج وما يقوم مقامهما مخالفة للهوى في
طاعة المولى في جميع أجزاء النهار وبنية قبل
الفجر أو معه إن أمكن فيما عدا زمن الحيض
والنفاس وأيام الأعياد وقال ابن عرفة: الصوم
(3/275)
__________
رسمه عبادة عدمية وقت طلوع الفجر حتى الغروب
فلا يدخل ترك ما تركه ورع لعدم اقتضائه لذاته
الوقت المخصوص وقد يحد بأنه كف بنية عن إنزال
يقظة ووطء وإنعاظ ومذي ووصل غالب غبار وذباب
وفلقة بين الأسنان لحلق أو جوف زمن الفجر حتى
الغروب دون إغماء أكثر نهاره ولا يرد بقول ابن
القاسم فيمن حلف ليصومن غدا فبيت وأكل ناسيا
فلا شيء عليه لقول ابن رشد هذا رعي للغو الأكل
ناسيا وإلا زيد إثر منسية في تطوع وقال ابن
رشد إمساك عن الطعام والشراب والجماع من طلوع
الفجر إلى غروب الشمس بنية يبطل طرده قولها
فيمن صب في حلقه ماء ومن جومعت نائمة ومن أغمي
عليه أكثر نهاره وأمذى أو أمنى يقظة انتهى.
فائدة: أجمعت الأمة على وجوب صيام رمضان فمن
جحد وجوبه فهو مرتد ومن امتنع من صومه مع
الإقرار بوجوبه قتل حدا على المشهور من مذهب
مالك قال ابن عرفة: صوم رمضان واجب جحده وتكره
كالصلاة انتهى. وقال في فرض العين والممتنع من
صومه يقتل وكذلك الممتنع من الصلاة والوضوء
وغسل الجنابة ولا يقتله إلا السلطان و قال في
التوضيح: وقول ابن حبيب بالقتل كفرا في تارك
الصلاة أقوى منه في الصوم لأنه لا يوجد له من
الأدلة ما يوجد للصلاة لأنا لا نعلم أحدا
يوافقه على ذلك الصوم إلا الحكم بن عيينة
بخلاف الصلاة فإنه وافق فيها جماعة من الصحابة
والتابعين انتهى.
قلت: فعلم منه أن المشهور أنه يقتل حدا فقول
عياض في قواعده أنه يحبس ومنع من الإفطار
مخالف للمشهور فقد صرح بقتله لترك الصوم ابن
يونس وغيره والله أعلم. واختلف في الصوم
الواجب في أول الإسلام فقال في الذخيرة: قيل
عاشوراء قيل ثلاثة أيام من كل شهر انتهى. وذكر
المهدوي عن معاذ أن الواجب في أول الإسلام
عاشوراء وثلاثة أيام وذكر عن عطاء أنه عاشوراء
واختلف في قوله تعالى: {كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: من
الآية183] فقيل المراد به رمضان والذين كتب
عليهم الأنبياء وأممهم وأنه كان واجبا على من
قبلنا فجاء في الحر فحولوه وزادوا فيه قال
الشافعي. وقال التشبيه: في مطلق الصوم وإن
اختلف العدد ذلك والله أعلم.
تنبيه: أول ما فرض رمضان خير بين صومه وبين
الإطعام لقوله تعالى {وعلى الذين يطيقونه فدية
طعام مساكين} ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {فَمَنْ
شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
[البقرة: من الآية185] وكان في أول الأمر إنما
يباح الشرب والأكل والجماع بعد الغروب إلى أن
ينام المكلف أو يصلي العشاء فيحرم عليه جميع
ذلك ثم وقع لقيس بن صرمة بكسر الصاد المهملة
وسكون الراء أنه طلب من امرأته ما يفطر عليه
فذهبت لتأتي له به فوجدته قد نام فأصبح صائما
فغشي عليه في أثناء النهار فنزل قوله تعالى:
{عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ}
(3/276)
باب في أحكام الصيام
يثبت رمضان بكمال شعبان
__________
[ البقرة 187] الآية وروي أن عمر رضي الله عنه
أراد وطء امرأته فزعمت أنها نامت فكذبها
ووطئها ثم خون نفسه وذكر ذلك للنبي صلى الله
عليه وسلم وذكر ذلك جماعة من الصحابة عن
أنفسهم فنزل قوله تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ
أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ
أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 187] الآية ويحتمل أن
الأمرين سبب لنزولها فأبيح جمع ذلك من غروب
الشمس إلى طلوع الفجر وحكمة مشروعية الصوم هو
مخالفة الهوى لأنه يدعو إلى شهوتي البطن
والفرج وكسر النفس وتصفية مرآة العقل والاتصاف
بصفة الملائكة والتنبيه على مواساة الجائع
والله أعلم.
باب يثبت رمضان بكمال شعبان
يعني أن رمضان يثبت بأمرين: أحدهما: الرؤية
وسيأتي الكلام عليها والثاني إكمال شعبان
ثلاثين يوما وذلك إذا لم ير الهلال لغيم أو
نحوه وكذلك الحكم رمضان من الشهور ولو توالى
الغيم في شهور متعددة فقال مالك: يكملون عدة
الجميع حتى يظهر خلافه اتباعا للحديث ويقضون
إن تبين لهم خلاف ما هم عليه فإن حصل الغيم في
رمضان وما قبله من الشهور فكملوها ثلاثين
ثلاثين ثم إن رأوا هلال شوال ليلة ثلاثين من
رمضان لم يقضوا شيئا لجواز أن يكون رمضان
ناقصا فإن رأوا شوالا ليلة تسع وعشرين من
رمضان قضوا يوما واحدا وإن رأوه ليلة ثمان
وعشرين قضوا يومين وإن رأوه ليلة سبع وعشرين
قضوا ثلاثة أيام والله أعلم. ونقله في
الذخيرة.
تنبيهان: الأول: في كلام المصنف جواز استعمال
رمضان ذكر الشهر وهو الصحيح كما صرح بذلك
القرطبي في تفسيره وابن الفرس في أحكام القرآن
كما يفهم من كلام صاحب الطراز والقرافي
والجزولي وقال في الإكمال في كتاب الإيمان في
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: "وتصوم رمضان"
أنه يرد قول من كره أن يقال صمنا رمضان حتى
يقال شهر وقال إنه اسم من أسماء الله تعالى
وهو لا يصح وحكى الباجي عن القاضي أبي بكر بن
الطيب أنه قال إنما يكره ذلك فيما يلبس مثل
جاء رمضان ودخل رمضان وأما صمنا رمضان فلا بأس
به انتهى. وقال القرطبي قوله: "وتصوم رمضان"
فيه دليل على جواز قول القائل رمضان إضافة
الشهر إليه خلافا لمن يقول لا يقال إلا شهر
رمضان تمسكا في ذلك بحديث لا يصح ثم ذكر كلام
الإكمال قال في المتيطية اختلف هل يقال جاء
رمضان فذهبت طائفة إلى أن ذلك لا يجوز وقال
بعضهم بجوازه لحديث أبي هريرة "إذا دخل
(3/277)
__________
رمضان" انتهى. وظاهر كلامه أن الخلاف في
الجواز وعدمه والذي يقتضيه كلام الإكمال أن
الخلاف إنما هو في الكراهة وهو الظاهر كما
سيأتي في كلام النووي وقال في الإكمال في كتاب
الصوم نحو ما تقدم عنه في كتاب الإيمان وذكر
الدميري من الشافعية في شرح سنن ابن ماجه وابن
حجر في شرح البخاري أن مذهب مالك أنه لا يجوز
أن يقال رمضان وتبعا في ذلك النووي فإنه قال
في شرح مسلم في كتاب الصوم في هذه المسألة
ثلاثة مذاهب قالت طائفة لا يقال رمضان على
انفراده بحال وإنما يقال شهر رمضان وهذا قول
أصحاب مالك وغيرهم وقال أكثر أصحابنا وابن
الباقلاني إن كان هنالك قرينة تصرف إلى الشهر
فلا كراهة وإلا فتكره والمذهب الثالث مذهب
البخاري والمحققين أنه لا كراهة في إطلاق
رمضانبقرينة وبغير قرينة وهذا المذهب هو
الصواب والمذهبان الأولان فاسدان انتهى. إلا
أن كلام النووي ليس فيه لبعض بأن ذلك لا يجوز
بل ظاهر عبارته أن ذلك مكروه والعجب من الأبي
في نقل كلامه وسكوته عليه وعدم ذكره كلام
القاضي عياض ومن ابن الفاكهاني في شرح العمدة
في نقله كلام النووي وعدم تنبيهه على ما نسبه
لأصحاب مالك مع أنه اعترض عليه بأن في كلامه
مؤاخذة عليه في أربعة مواضع وذكرها.
قلت: وما نسبه لأصحاب مالك غريب غيره معروف في
المذهب وقد تكرر في لفظ مالك في الموطأ في
المدونة لفظ رمضان ذكر الشهر والله أعلم. ونقل
المسألة النووي أيضا في تهذيب الأسماء واللغات
إلا أنه لم يصرح بنسبة ذلك لأصحاب مالك ونصه
اختلف العلماء هل يكره أن يقال رمضان ذلك
الشهر فذهب بعض المتقدمين إلى كراهته وقال
أصحابنا إن كانت هناك قرينة تدل على أن المراد
الشهر كقوله صمت رمضان وجاء رمضان الشهر
المبارك لم يكره إفراده وإن لم تكن هناك قرينة
كره كقوله جاء رمضان ودخل رمضان قال واحتجوا
بحديث أبي هريرة لا تقولوا رمضان فإن رمضان
اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان
وهذا الحديث رواه البيهقي وضعفه والضعف بين
عليه قال وروي الكراهة في ذلك عن مجاهد والحسن
البصري قال البيهقي والطريق إليها في ذلك ضعيف
والصحيح ما ذهب إليه البخاري وجماعة من
المحققين أنه لا كراهة في ذلك مطلقا كيفما قيل
لأن الكراهة لا تثبت إلا بالشرع ولم يثبت في
ذلك شيء وقد صنف جماعة لا يحصون في أسماء الله
تعالى فلم يثبتوا هذا الاسم وقد ثبت في
الأحاديث الصحيحة جواز ذلك ففي الصحيحين: "إذا
جاء رمضان فتحت أبواب الجنة" 1 الحديث وفي بعض
الروايات: "إذا دخل رمضان" وفي رواية مسلم إذا
كان رمضان انتهى. وقال الجزولي في شرح الرسالة
اختلف في رمضان هل هو اسم للشهر وهو المشهور
أو اسم من أسماء الله تعالى قاله مجاهد وجماعة
انتهى.
ـــــــ
1 رواه الترمذي في كتاب الصوم باب 1. ابن ماجة
في كتاب الصيام باب 2. أحمد في مسنده (2/378).
(3/278)
أو برؤية عدلين
__________
الثاني قال الجزولي لا يجوز أن يضاف الشهر إلى
اسمه ويقال شهر كذا إلا رمضان وربيعان فيقال
شهر رمضان وشهر ربيع الأول ولا يقال شهر رجب
وشهر شوال وإنما يقال رجب وشوال انتهى. ومراده
بعدم الجواز والله أعلم. من حيث اللغة فقد ذكر
النووي وغيره عن الفراء أنه يقال هذا شهر
رمضان وهما شهرا ربيع ولا يذكر الشهر مع أسماء
سائر الشهور العربية وقال في المتيطية الشهور
كلها مذكرة إلا جمادي وقال ابن درستويه ليس
منها شيء يضاف إليه شهر إلا رمضان والربيعان
وما كان منها أعطى للشهر أو صفة قامت مقام
الاسم فهو الذي لا يجوز أن يضاف الشهر إليه
كالمحرم وصفر انتهى. باختصار ونقل الجلال
السيوطي في همع الهوامع أن سيبويه أجاز إضافة
شهر إلى سائر أعلام الشهور ومنع ذلك المتأخرون
فقال أبو حيان لم تستعمل العرب من أسماء
الشهور مضافا إلى شهر إلا رمضان وربيع الأول
وربيع الآخر ولا يقال شهر المحرم ولا شهر
جمادي انتهى. وهذا والله أعلم. مبني على القول
الضعيف أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى وأما
على القول المشهور أنه اسم الشهر فلا فرق بين
رمضان وغيره وفي مختصر المتيطية إشارة إلى هذا
فإنه قال والعلة في اختصاص هذه الثلاثة بذلك
أن رمضان قد جاء أنه اسم من أسماء الله تعالى
وأما ربيع فلزمه الشهر لئلا يلتبس بفصل الربيع
لأن العرب كانت تسميه ربيعا أول والخريف ربيعا
ثانيا انتهى. وقال القباب: قال أهل اللغة
والمشهور في التلفظ باسم الشهر مع الشهر على
ثلاثة أقسام قسم لا بد فيه من الجمع بينهما
وهو شهر ربيع لا تقول جاء ربيع الأول أو الآخر
وإنما تقول جاء شهر ربيع الأول أو الآخر
ورمضان أنت فيه مخير إن شئت أثبته وإن شئت
تركته وسائر الشهور لا يجوز أن تلفظ معها باسم
الشهر وإنما تقول جاء المحرم وكذلك سائرها هذا
نقل أهل اللغة انتهى. وفهم من كلامه أن عدم
الجواز إنما هو بحسب اللغة ولعل هذا في الأكثر
والله أعلم.
ص: "أو برؤية عدلين". ش: هذا هو الأمر الثاني
الذي يثبت به رمضان وهو الرؤية وهي على وجهين
مستفيضة وسيأتي الكلام عليها وغير مستفيضة ولا
بد فيها من شهادة عدلين وهذا في حق من لم ير
الهلال بنفسه وأما من رآه فإنه يلزمه الصوم
كما سيأتي وعلى هذا فينبغي أن يقال كما قال
اللخمي: الصوم والإفطار يصح بثلاثة أشياء
الرؤية فإن لم تكن
(3/279)
__________
فالشهادة فإن لم تكن شهادة فبكمال العدة
ثلاثين انتهى. ثم يفصل في الشهادة إلى مستفيضة
وغير مستفيضة بل يأتي في كلام صاحب المقدمات
أن الصوم يجب بأحد خمسة أشياء وما ذكرناه أولا
وهو طريقة ابن شاس وابن الحاجب وما ذكره
المصنف من اشتراط عدلين في الشهادة هو المشهور
قال في المدونة لا يصام رمضان ولا يفطر فيه
ولا يقام الموسم إلا بشهادة رجلين حرين مسلمين
عدلين انتهى. فلا يثبت بشهادة رجل وامرأة
خلافا لأشهب ولا بشهادة رجل وامرأتين خلافا
لابن مسلمة قال في النوادر ولا يصام ولا يفطر
بشهادة صالحي الأرقاء ولا من فيه علقة رق ولا
بشهادة النساء والصبيان ولا فرق في ذلك بين
رمضان وغيره من الشهور فلا يثبت شوال وذو
الحجة وغيرهما من الشهور إلا برؤية عدلين وهذا
هو المعروف وقال في النوادر أيضا قال ابن عبد
الحكم: رأيت أهل مكة يذهبون في هلال الموسم في
الحج مذهبا لا ندري من أين أخذوه أنهم لا
يقبلون في الشهادة في هلال الموسم إلا أربعين
رجلا وقيل عنهم خمسين والقياس أن يجوز فيه
شاهدا عدل كما يجوز في الدماء والفروج ولا
أعلم شيئا فيه أكثر من شاهدين إلا الزنا
انتهى. ونقله اللخمي فقال واختلف في موسم الحج
هل
(3/280)
__________
يكتفي في ذلك بشهادة شاهدين فالظاهر من قول
مالك وغيره من أصحابه الجواز ثم ذكر كلام ابن
عبد الحكم وقال بعده وهو موافق لقول سحنون في
أنه لا يكتفي بشاهدين انتهى. ويعني قول سحنون
في مسألة شهادة الشاهدين في الصحو بالمصر
الكبير ونقل ابن الحاج في مناسكه كلام ابن عبد
الحكم ونقله التادلي وذكر بعده كلام اللخمي
لكنه يوهم أن قول سحنون في هلال الموسم وليس
كذلك وقال سند بعد أن ذكر كلام ابن عبد الحكم
وعندي أنهم رأوا شأن الحج من أعظم العبادات
البدنية وأعظم الحقوق يعتبر فيه خمسون رجلا
وهو القسامة في الدم انتهى.
تنبيهان: الأول: علم مما ذكرناه أنه ليس
المراد بقولهم يثبت رمضان بكذا خصوصية الثبوت
عند القاضي وغيره وسيأتي في كلام ابن رشد وابن
عبد السلام ما يدل على ذلك.
الثاني: قال ابن فرحون في الألغاز: إذا تعلق
برؤية الهلال فرض كالصوم والفطر فلا بد من
اثنين وأما إذا أريد بذلك علم التاريخ فإنه
يقبل في ذلك رؤية الرجل الواحد والعبد والمرأة
لأنه خبر فيقبل منهم ونقله عن الطرطوشي في أول
تعليقه الخلاف ودخل في قوله: إذا تعلق برؤية
الهلال فرض كل حكم شرعي فإذا تعلق برؤية
الهلال حلول دين أو إكمال معتدة عدتها فلا بد
في ذلك من شاهدين والله أعلم.
فائدة: قال في الأذكار: روينا في مسند الدارمي
وكتاب الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان إذا رأى الهلال قال "اللهم أهله علينا
ظاهرا والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك
الله" قال الترمذي حديث حسن وفي سند الدارمي
أيضا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
رأى الهلال قال "الله أكبر اللهم أهله علينا
ظاهرا والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق
لماتحب وترضى ربنا وربك الل ه " وفي سنن أبي
داود كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى
الهلال قال "هلال خير ورشد هلال خير ورشد آمنت
بالذي خلقك" ثلاث مرات ثم يقول "الحمد لله
الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا" انتهى.
وقوله هلال خير ورشد هكذا ذكره في الأذكار
مرتين وصرح بذلك الدميري في شرح المنهاج فقال
وفي أبي داود كان يقول هلال رشد وخير مرتين
انتهى. ورأيته في نسخة مصححة من أبي داود
مكررا ثلاثا قال الدميري بعد أن ذكر ما تقدم
ويستحب أن يقرأ بعد ذلك سورة الملك لأثر ورد
فيه ولأنها المنجية الوافية قال الشيخ يعني
تقي الدين السبكي وكان ذلك لأنها ثلاثون آية
بعدد أيام الشهر ولأن السكينة تنزل عند
قراءتها وكان صلى الله عليه وسلم يقرؤها عند
النوم.
فائدة أخرى: قال في النهاية في حرف السين كان
صلى الله عليه وسلم يقول إذا دخل شهر رمضان
"اللهم سلمني من رمضان وسلم رمضان لي وسلمه
مني" قوله: "سلمني من رمضان" أي لا يصيبني فيه
ما يحول بيني وبين صيامه من مرض أو غيره وقوله
سلمه لي هو أن لا يغم
(3/281)
ولو بصحو بمصر،
فإن لم ير بعد ثلاثين صحواً كذبا
__________
عليه الهلال في أوله أو آخره فيلتبس عليه
الصوم والفطر وقوله وسلمه مني أي يعصمه من
المعاصي فيه انتهى. وانظر قوله هو أن لا يغم
عليه الهلال في أوله مع قوله: إذا دخل شهر
رمضان ولعل المراد بذلك أنه كان يقوله في
الوقت الذي يتراءى الناس فيه الهلال قبل حصول
الرؤية. ص: "ولو بصحو بمصر". ش: أشار بلو لقول
سحنون لا تقبل شهادة الشاهدين إذا لم يشهد
غيرهما في المصر الكبير والصحو قال ونصف ريبة
أكبر من هذا نقله في النوادر وغيرها.
قلت: ولم أر من نقل عنه كم يكفي في ذلك وهكذا
قال اللخمي بعد أن حكى كلامه ما نصه: ولم يرو
عنه في العدد الذي يكتفي به في ذلك شيء انتهى.
ص: "فإن لم ير بعد ثلاثين صحوا كذبا". ش:
تصوره واضح قال ابن غازي ليس بمفرع على شهادة
الشاهدين في الصحو والمصر كما قيل بل هو أعم
من ذلك انتهى. قلت: وما قاله ظاهر قال في
النوادر ومن المجموعة من رواية ابن نافع وهو
في سماع
(3/282)
أو مستفيضة
__________
أشهب في شاهدين شهدا على هلال شعبان فيعد لذلك
ثلاثين يوما ثم لم ير الناس الهلال ليلة إحدى
وثلاثين والسماء مصحية قال هذان شاهدا سوء
انتهى. وهو ظاهر لأن الحكم عليهما بكونهما
شاهدا سوء إنما يظهر حينئذ وأما مع وجود الغيم
أو صغر المصر وقلة الناس فيحمل أمرهما على
السداد ولم أقف على هذه المسألة في سماع أشهب
من كتاب الصيام ولا من كتاب الأقضية ولا من
كتاب الشهادات ولعلها في سماعه هذا الكتاب
ويشير ابن غازي بقوله كما قيل لابن الحاجب
وشارحه وابن ناجي والشارح فإنهم فرعوا هذه
المسألة على المشهور في المسألة السابقة ويوجد
في بعض نسخ ابن الحاجب نسبتها للمدونة وليست
فيها ولهذا قال في التوضيح: قوله فيها عائدا
للمسألة.
حكاية: قال ابن ناجي في شرح المدونة وقعت هذه
المسألة بالقيروان وجلس شيخنا أبو مهدي لرؤية
هلال شوال بجامع الزيتونة ليلتين ولم ير
وانحرف على قاضي القيروان في تسرعه لقبول
الشهادة ولو كان تثبت ما وقع في المسألة وقال
مالك: في شهودها ما قال ولم يقع في عصرنا قط
ولا بلغنا أنها وقعت في غيره.
فرع: قال ابن عبد السلام بعد أن تكلم على
المسألة: وعلى هذا فيجب أن يقضي الناس يوما
إذا كانت الشهادة على رؤية هلال شوال وعد
الناس ثلاثين يوما ولم يروا هلال ذي العقدة
وكذلك يفسد الحج إذا شهدوا برؤية هلال ذي
الحجة انتهى. ونقله في التوضيح وابن فرحون.
قلت: وقد أخبرني والدي رحمه الله أنه وقع لهم
في سنة من السنين أن جماعة شهدوا بمكة بهلال
ذي الحجة ليلة الخميس حرصا على أن تكون الوقفة
بالجمعة ثم عد الناس ثلاثين يوما من رؤيتهم
ولم ير أحد الهلال لكن لطف الله بالناس ولم
يفسد حجهم بسبب أنهم وقفوا بعرفة يومين فوقفوا
يوم الجمعة ثم دفع كثير منهم حتى خرجوا من بين
العلمين ثم رجعوا وبانوا بها ووقفوا بها في
يوم السبت ويقع بمكة في مثل هذا الحال أعني
إذا وقع الشك في وقفة الجمعة خباط كثير غالبا
والله أعلم. ص: "أو مستفيضة". ش: هذا هو الوجه
الثاني من وجهي الرؤية وهي الرؤية المستفيضة
وفي الجواهر أما سببه أي الصوم فاثنان الأول
رؤية الهلال وتحصل بالخبر المنتشر وهذا الكلام
ونحوه لابن الحاجب وقال في العمدة فيلزم برؤية
ظاهرة ونحوه في الإرشاد وثبوت الهلال
بالاستفاضة من باب الثبوت بالخبر المستفيض لا
من باب الثبوت بالشهادة قال في التوضيح: في
شرح قول ابن الحاجب إما بالخبر المنتشر أو
بالشهادة
(3/283)
وعم إن نقل
بهما عنهما لا بمنفرد
__________
الخبر المنتشر هو المستفيض المحصل للعلم اولظن
القريب منه انتهى. وقاله ابن عبد السلام وقال
الأبي في شرح مسلم قال المازري يثبت الهلال
بالرؤية المستفيضة ثم قال ابن عبد الحكم:
الاستفاضة بأنها خبر جماعة يستحيل تواطؤهم على
الكذب عادة وإن كان فيهم عبيد ونساء وهذا الذي
فسرها به إنما هو في الحقيقة التواتر وفسر
الأصوليون الاستفاضة بأنها ما زاد نقلته على
ثلاثة وهي بهذا التفسير أعم مما فسرها به
انتهى.
قلت: لفظ النوادر قال محمد بن عبد الحكم وقد
يأتي من رؤيته ما يشتهر حتى لا يحتاج فيه إلى
الشهادة والتعديل مثل أن يكون قرية كبيرة
فيراه الرجال والنساء والعبيد ممن لا يمكن
فيهم التواطؤ على باطل فيلزم الناس الصوم بذلك
من باب استفاضة الأخبار لا من باب الشهادة
انتهى.
قلت: وما ذكره الأبي في تفسير الاستفاضة عن
الأصوليين قاله ابن الحاجب ونصه والمستفيض ما
زاد نقلته على ثلاثة وقال ابن السبكي من
الشافعية وأقله اثنان وقيل ثلاثة وظاهر كلام
ابن عبد الحكم بل صريحه وظاهر ما تقدم عن ابن
عبد السلام والمصنف أن مرادهم بالاستفاضة هنا
خلاف ما قاله الأصوليون وأنه لا بد من جماعة
يحصل بهم العلم أو الظن القريب منه وإن لم
يبلغوا عدد التواترفتأملهص وعم إن نقل بهما
عنهما". ش: يعني أن الحكم بثبوت رمضان يعم كل
من نقل إليه إذا نقل بهما أي بشهادة عدلين أو
نقل باستفاضة وقوله عنهما سواء كان المنقول
عنه بشهادة عدلين أو استفاضة فالأقسام أربعة
وسواء كانت الشهادة المنقول عنها تثبت عند
حاكم عام كالخليفة أو خاص على المشهور وقال
عبد الملك إذا كانت الشهادة عند حاكم خاص فلا
تعم إلا من في ولايته قال ابن عبد السلام:
وهذا الخلاف فيما نقل عن الحاكم المخصوص وأما
ما ينقل عن الشهود أو الخبر المنتشر فلا تختص
به جهة دون جهة ونقله في التوضيح.
تنبيه: قال ابن عرفة: قال أبو عمر: وأجمعوا
على عدم لحوق حكم رؤيته ما بعد كالأندلس من
خراسان انتهى. ص: "لا بمنفرد". ش: يحتمل أن
يكون مخرجا من قوله: برؤية عدلين والمعنى أنه
لا يثبت الهلال برؤية العدل الواحد وهذا هو
المذهب قال ابن عرفة: والمذهب لغو رؤية العدل
لغيره ابن حارث اتفاقا انتهى. وظاهر كلامه أنه
لا خلاف فيه وقال اللخمي: منع مالك أن يصام
بشهادة الواحد لا على وجه الوجوب ولا على وجه
الندب ولا الإباحة قال سحنون: لو كان مثل عمر
بن عبد العزيز ما صمت بقوله ولا أفطرت ثم نقل
عن ابن الماجشون إجازة الصوم لرؤية الواحد
ويحتمل أن يكون مخرجا مما يليه والمعنى أنه لا
(3/284)
__________
يثبت الهلال بنقل العدل عن رؤية العدلين أو عن
الرؤية المستفيضة ويحتمل أن يكون راجعا لهما
معا فلا يثبت برؤية العدل ولا بنقله أما رؤية
العدل فالحكم فيها كذلك على ما تقدم وأما نقل
العدل فاختلف في ثبوته به فأجازه ابن ميسر
وأباه أبو عمران ورجح الشيخ ابن أبي زيد وابن
يونس وابن رشد قول ابن ميسر بل قال ابن عرفة:
وفي نقل بينة بخبر الواحد قولا الشيخ مع نقله
عن ابن ميسر وأبي عمران قائلا إن ما قاله ابن
ميسر فيمن بعث لذلك وليس كنقل الرجل لأهله
عليهم وصوب ابن رشد والصقلي قول الشيخ وقال لا
فرق بينه وبين نقله لأهله ولم يحك اللخمي
والباجي غيره انتهى. فإذا حملنا كلام المصنف
على أنه راجع لنقل العدل أو راجع للرؤية
والنقل فيكون مخالفا لما رجحه هؤلاء الشيوخ
لكنه قال في توضيحه قيل والمشهور خلاف ما قاله
ابن ميسر فلعله اعتمد على ذلك وقد مشى على ذلك
صاحب الشامل فقال بعد أن ذكر النقل عن الشهادة
والاستفاضة بأحدهما لا بمنفرد عنهما على
المشهور وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب
والقول الثاني لا بد من شاهدين وهو المشهور
قاله في التوضيح.
تنبيهات: الأول: على القول بقبول النقل بخبر
الواحد الذي رجحه الشيخ فلا فرق بين أن يخبرهم
بذلك ابتداء من نفسه أو يبعثوه ليكشف لهم عن
ذلك ويخبرهم قال في المقدمات وإنما يفترق ذلك
في حق الإمام فإنه إن بعث رجلا إلى أهل بلد
ليخبره عن رؤيتهم فأخبره أنهم صاموا برؤية
مستفيضة أو بثبوت الهلال ثم قاضيهم وجب عليه
أن يأمر الناس بالصيام لذلك اليوم وإن أخبره
بذلك أن يرسله وجب على الإمام الصيام في نفسه
خاصة ولم يصح له أن يأمر الناس بالصيام حتى
يشهد عنده بذلك شاهد آخر لأنه حكم فلا يكون
إلا بشاهدين انتهى. وظاهره أن الذي يبعثه
الإمام يكتفي بقوله بلا خلاف بل يفهم من كلام
أبي عمران الإمام إذا بعث من يكشف له عن رؤية
الهلال إنما يلزمه العمل بما يخبره كما تقدم
في كلام ابن عرفة الذي نقله عن أبي عمران
ونقله عنه أيضا المصنف في التوضيح وغيره وعلى
هذا فيستثنى من قول المصنف: "لا بمنفرد" من
يرسله الشخص ليكشف له عن الهلال فيلزمه الصوم
بإخباره.
الثاني: قال ابن عبد السلام: ظاهر كلام ابن
الحاجب أن الخلاف في الواحد عن الشاهدين وليس
كذلك فإن الخلاف إنما هو في النقل عما يثبت
عند الإمام أو عن الخبر المنتشر لا عن
الشاهدين انتهى. وهو ظاهر فإن النقل عن
الشاهدين نقل عن شهادة ولا يكفي في نقل
الشهادة واحد فتأمله والله أعلم.
الثالث: قال في المقدمات: صيام رمضان يجب بأحد
خمسة أشياء إما أن يرى الهلال أو يخبر الإمام
أنه قد ثبتت رؤيته عنده وإما أن يخبر العدل
بذلك أو عن الناس أنهم رأوه رؤية
(3/285)
إلا كأهله ومن
لااعتناء لهم بأمره
__________
عامة وكذلك إذا أخبره عن أهل بلد أنهم صاموا
برؤية عامة أو بثبوت رؤية عند قاضيهم وإما أن
يخبره شاهدان عدلان أنهما قد رأياه وإما أن
يخبر بذلك شاهد واحد عدل في موضع ليس فيه إمام
يتفقد أمر الهلال بالاهتبال به انتهى. ففيه
إشارة إلى ما قاله ابن عبد السلام وأما قوله:
أنه إذا قال له الإمام ثبتت رؤية الهلال عندي
أنه يلزمه فذلك ظاهر وليس هو من خبر العدل
الواحد والله أعلم. قال البساطي في المغني
وهذا ظاهر إذا كان الحاكم موافقا للمخبر وأما
لو أخبر شافعي مالكيا ففيه نظر انتهى.
قلت: ينبغي أن يسأله بماذا ثبت عنده فإن أخبره
أنه ثبت بشاهدين فلا إشكال وإن أخبره أنه ثبت
بعدل جرى على الخلاف في المسألة الآتية والله
أعلم. أما لو رآه القاضي أو الخليفة وحده لم
يلزم الناس الصوم برؤيته لأنه من رؤية المنفرد
كما في التوضيح ونقله ابن عرفة وغيره.
الرابع: إذا قال شخص رأيت النبي صلى الله عليه
وسلم وأخبرني أن الليلة أول رمضان لم يصح بذلك
الصوم لصاحب المنام ولا لغيره بالإجماع كما
قال القاضي عياض وذلك لاختلال ضبط النائم لا
للشك في رؤيته صلى الله عليه وسلم نقله النووي
في شرح المهذب عن القاضي عياض ونقله الدميري
وغيره.
الخامس: إن قيل ورد في الصحيحين عنه عليه
الصلاة والسلام أنه قال: "شهرا عيد لا ينقصان
رمضان وذو الحجة" 1 ولا خلاف أنه إذا شهد
عدلان ليلة ثلاثين من رمضان أو من ذي الحجة
قبلا.
فالجواب: أنه ليس المراد أنه لا يتصور نقصهما
فقد قال ابن مسعود صمنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم تسعا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين
وقال بعض الحفاظ إن النبي صلى الله عليه وسلم
صام تسع رمضانات اثنان ثلاثون ثلاثون وسبعة
تسعة وعشرون تسعة وعشرون وقيل في معنى الحديث
إنهما لا ينقصان من عام واحد وقيل لا ينقص
أجرهما والثواب الملتزم عليهما وإن نقص عددهما
وهذا هو الأصح في معنى الحديث والله أعلم. ص:
"إلا كأهله ومن لا اعتناء لهم بأمره". ش: إن
جعلنا قول المصنف لا بمنفرد مخرجا من مسألة
النقل صح الاستثناء ويكون المعنى إن نقل
المنفرد عن ثبوت الهلال عند القاضي أو عن
الرؤية المستفيضة له يثبت به الهلال إلا إذا
نقل ذلك الرجل إلىأهله ومن في عياله كالأجير
والخادم أو إلى أهل بلد ليس لهم قاض
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 12. مسلم في
كتاب الصيام حديث 31، 32. أبو داود في كتاب
الصوم باب 4. الترمذي في كتاب الصوم باب 8.
ابن ماجة في كتاب الصيام باب 9. أحمد في مسنده
(5/38، 47، 48، 50، 51).
(3/286)
__________
أو جماعة لا يعتنون بأمر الهلال وضبط رؤيته
ونقل في التوضيح في ذلك قولين عن ابن الماجشون
وسحنون وكأنه ترجح عنده قول ابن الماجشون وهو
الظاهر وأما مسألة النقل إلى الأهل فمقتضى
كلام ابن الحاجب أن فيها قولا بأنه لا يكفي
ونصه ويقبل النقل بالخبر إلى الأهل ونحوهم على
الأصح قال ابن راشد ولم أقف عليه وقال ابن
عرفة: لا أعرفه وقال ابن فرحون فمقتضى قوله:
على الأصح أن مقابله لا يكفي ولم يذكر أهل
المذهب في قبوله خلافا ويبقى على المصنف
الكلام على ثبوت الهلال برؤية العدل الواحد
إذا لم يكن هناك من يعتني بأمر الهلال فإن
المشهور حينئذ ثبوت الهلال برؤية العدل الواحد
ويمكن أن يقال يؤخذ ذلك من قوله: أنه يكتفي
حينئذ بنقل العدل فيكتفي أيضا برؤية العدل
الواحد إما بطريق القياس أو من باب الأولى قال
في التوضيح: وظاهر قول سحنون إنه لا بد من
الشهادة بشرطها كان عند حاكم أو لم يكن لأنه
قال لما قيل له إن أخبرك الرجل الفاضل بأنه
رآه قال لو كان مثل عمر بن عبد العزيز ما صمت
ولا أفطرت انتهى. قال الشارح في الكبير وفي
هذا الأخذ نظر ولعل سحنونا إنما قاله حيث كان
هناك من يعتني بأمر الهلال وأما إذا جعلنا قول
المصنف لا بمنفرد مخرجا من رؤية العدلين أو
راجعا للرؤية والنقل جميعا فيشكل قوله: إلا
كأهله فإنه يقتضي أنه إذا رأى الشخص الهلال
وحده في بلد بها قاض يعتني بالهلال أو جماعة
يعتنون به أن يلزم أهله الصوم برؤيته وليس
كذلك إنما يلزم أهله الصوم برؤيته إذا لم يكن
هناك من يعتني بأمر الهلال.
تنبيهان: الأول المراد بقوله ومن لا اعتناء
لهم بأمره قال في التوضيح: إما بأن لا يكون
لهم إمام ألبتة أو لهم إمام وهو يضيع أموالهم
ولا يعتني انتهى. وقال الأبي إنما تعتبر
البينة في بلد بها قاض لأنه الذي ينظر في أمر
البينة وعدالتها ويتنزل منزلة القاضي جماعة
المسلمين ينظرون كنظره فإن لم يكن في البلد
معتن بالشريعة من قاض أو جماعة فذلك عذر يبيح
الاكتفاء بالخبر بشرطه من الضبط والعدالة
انتهى. وقال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب
وإن لم يكن معتنون بالشريعة كفى الخبر يعني
على شرطه من الضبط والعدالة وعلى هذا يقبل فيه
قول المرأة والعبد وتكون هذه ضرورة تبيح
الانتقال من الشهادة إلى الخبر كما ينقله
الرجل إلى أهل داره بل هو أولى وفي المنتقى
إذا لم يكن بالموضع إمام أو كان وضيع فمن ثبت
عنده برؤية نفسه أو برؤية من يثق به فيصوم
جذلك ويفطر ويحمل عليه من يقتدي به نقله
الباجي وغيره عن عبد الملك انتهى.
الثاني: سئل أبو محمد عن قرى بالبادية متقاربة
يقول بعضهم لبعض إذا رأيتم الهلال فنيروا فرآه
بعض أهل القرى فنيروا فأصبح أصحابهم صوما ثم
ثبتت الرؤية بالتحقيق فهل يصح صومهم قال نعم
قياسا على قول عبد الملكبن الماجشون في الرجل
يأتي القوم فيخبرهم أن الهلال قد رؤي نقله عنه
المشذالي في حاشية المدونة.
(3/287)
وعلى عدل أو
مرجوّ رفع رؤيته والمختار وغيرهما وإن أفطروا
فالقضاء والكفارةإلا بتأويل
__________
قلت أما إذا كان يعلم أن المحل الذي فيه النار
يعلم به أهل ذلك البلد ويعلم أنهم لا يمكنون
من جعل النار فيه إلا إذا ثبت الهلال عند
القاضي أو برؤية مستفيضة فالظاهر أنه ليس من
باب نقل الواحد وهذا كما جرت العادة بأنه لا
يوقد القناديل في رؤوس المنائر إلا بعد ثبوت
الهلال فمن كان بعيدا أو جاء بليل ورأى ذلك
فالظاهر أن هذا يلزمه الصوم بلا
خلاففتأملهوالله أعلم. ص: "وعلى عدل أو مرجو
رفع رؤيته". ش: المراد بالمرجو من يرتجى قبول
شهادته بأن يأتي بمن يزكيه قال ابن عرفة:
الشيخ عن أشهب يجب رفع المرجو ولو علم جرحة
نفسه انتهى. ونقله ابن يونس ونقله ابن ناجي في
شرح المدونة وقال إنه ظاهر المدونة ونصه وظاهر
الكتاب يرفع للإمام ولو علم عن نفسه أنه ليس
من أهل القبول وهو كذلك قاله أشهب فيالمجموعة
نقله ابن يونس انتهى. ولم أر من ذكر في هذا
خلافا بخلاف مسألة من شهد على عدوه فإنه اختلف
هل يخبر بالعداوة وعليه مشى المصنف في باب
الشهادات أو لا يخبر بها وصححه ابن رشد وهي في
رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب
الشهادات وقال المشذالي ولو علم الشاهد من
نفسه ما لو أظهره بطلت شهادته هل يرفع قال بعض
المشارفة يجري على من شهد بحق وهو عدو للمشهود
عليه هل يخبر بالعداوة فتبطل أولا لئلا يضيع
الحق فيه الخلاف والمسألة في رسم الشجرة من
سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات وتكررت في
نوازل سحنون انتهى.
قلت: وكأنه لم يقف على النص المتقدم في
المسألة والله أعلم. ص: "والمختار وغيرهما".
ش: يعني أنه اختلاف في وجوب رفع الشهادة العدل
وهو الفاسق المعلوم فسقه والمرجو وهو المجهول
الحال واختار اللخمي القول بوجوب الرفع وهذا
القول نقله ابن بشير وابن الجلاب وعزاه في
التوضيح لابن عبد الحكم وقال ابن عرفة: إن لم
يذكر عدلا ولا مرجوا ففي استحباب رفعه وتركه
نقلا اللخمي عن أشهب والقاضي ونقل ابن بشير
بدل استحبابه وجوبه لا أعرفه انتهى.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن اللخمي اختار
القول بالوجوب والذي في كلامه في التبصرة إنما
هو اختيار القول بالاستحباب وقد نبه الشارح
على هذا في الوسط والله أعلم. ص: "وإن أفطروا
فالقضاء والكفارة إلا بتأويل فتأويلان". ش:
يعني أن من رأى هلال رمضان وحده وسواء كان
عدلا أو مرجوا أو نحوهما فإنه يجب عليه الصوم
فإن أفطر متعمدا أو
(3/288)
قتأويلان لا
بمنجم
__________
منتهكا لحرمة الشهر فعليه القضاء والكفارة وإن
أفطر متأولا فظن أنه لا يلزمه الصوم برؤيته
منفردا ففي وجوب الكفارة تأويلان والقول بوجوب
الكفارة هو المشهور ولذلك جزم به المصنف بعد
ذلك لما ذكر التأويل البعيد والله أعلم.
فرع: قال في التوضيح: فإن صام هذا الرائي وحده
ثلاثين يوما ثم لم ير أحد الهلال والسماء
مصحية فقال محمد بن عبد الحكم وابن المواز هذا
محال ويدل على أنه غلط وقال بعضهم الذي ينبغي
أن يعمل في ذلك على اعتقاده الأول ويكتم أمره
انتهى.
قلت: والقول الثاني بعيد لأنه قد تقدم أن
الشاهدين يكذبان فكيف بالمنفرد والعجب من
اقتصار صاحب الشامل على القول الثاني وظاهر
كلامه في التوضيح أنه لو كان غيم يعمل على
رؤيته وهو ظاهر والله أعلم. ص: "لا بمنجم". ش:
يعني أن الهلال لا يثبت بقول المنجم أنه يرى
بل ولا يجوز لأحد أن يصوم بقوله بل ولا يجوز
له هو أن يعتمد على ذلك كما سيأتي عن المقدمات
وسواء في ذلك العارف به وغيره وقد أنكر ابن
العربي في العارضة عن ابن سريج الشافعي في
تفريقه بين من يعرف ذلك ومن لا يعرف قال في
التوضيح: وروى ابن نافع عن مالك في الإمام
الذي يعتمد على الحساب أنه لا يقتدى به ولا
يتبع انتهى.
تنبيهات: الأول: ظاهر كلام أصحابنا أن المراد
بالمنجم بالحساب الذي يحسب قوس الهلال ونوره
ورأيت في كلام بعض الشافعية أن المنجم الذي
بقول الحاسب فمن باب أحرى أن لا يعمل بقول
المنجم.
الثاني: قال ابن الحاجب: ولا يلتفت إلى حساب
المنجمين اتفاقا وإن ركن إليه بعض البغداديين
قال في التوضيح: قوله: وإن ركن إليه بعض
البغداديين يشير به إلى ما روي عن ابن سريج
وغيره من الشافعية وهو مذهب مطرف بن عبد الله
ابن الشخير من كبار التابعين ابن بزيزة وهي
رواية شاذة في المذهب رواها بعض البغداديين عن
مالك انتهى. وقال ابن
(3/289)
__________
عرفة وحساب المنجمين لقول ابن بشير ركون بعض
البغداديين له باطل قال ابن عرفة: قلت: لا
أعرفه لمالكي بل قال ابن العربي كنت أنكر على
الباجي نقله عن بعض الشافعية لتصريح أئمتهم
بلغوه حتى رأيته لابن سريج وقاله بعض التابعين
انتهى. وقد رد ابن العربي في عارضته على ابن
سريج وبالغ في ذلك وأطال وظاهر كلام المصنف في
التوضيح أن ابن الشخير يقول يعتمد على حساب
المنجمين وليس كذلك إنما يقول له إنه يعمل على
ذلك هو في خاصته كما سيأتي بيانه في كلام
المقدمات وقال القرافي في الفرق الثاني
والمائة بين قاعدة أوقات الصلاة يجوز إثباتها
بالحساب والآلات وكل ما دل عليها وقاعدة رؤية
الأهلة في الرمضانات لا يجوز إثباتها بالحساب
وفيه قولان عندنا وعند الشافعية والمشهور في
المذهب عدم اعتبار الحساب قال سند: إن كان
الإمام يرى الحساب فأثبت الهلال به لم يتبع
لإجماع السلف على خلافه مع أن حساب الأهلة
والخسوف والكسوف قطعي فإن الله سبحانه أجرى
عادته بأن حركات الأفلاك وانتقالات الكواكب
السبعة على نظام واحد طول الدهر وكذلك الفصول
الأربعة والعوائد إذا استمرت أفادت القطع كما
إذا رأينا شيخا تجزم بأنه لم يولد كذلك بل
طفلا للعادة وإلا فالعقل يجوز ولادته كذلك
فالقطع الحاصل فيه إنما هو لأجل العادة وإذا
حصل القطع بالحساب فينبغي أن يعتمد عليه
كأوقات الصلوات والفرق ههنا وهو عمدة الخلف
والسلف أن الله تبارك وتعالى نصب زوال الشمس
سببا لوجوب الظهر وكذلك بقية الأوقات فمن علم
شيئا بأي طريق لزمه حكمه فلذلك اعتبر الحساب
المفيد القطع وأما الأهلة فلم ينصب خروجها من
شعاع الشمس سببا للصوم بل نصب رؤية الهلال
خارجا عن شعاع الشمس هو السبب فإذا لم تحصل
الرؤية لم يحصل السبب الشرعي ولا يثبت الحكم
ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا
لرؤية الهلال وأفطروا لرؤيته" 1 ولم يقل
لخروجه عن شعاع الشمس قال في الصلاة: {أَقِمِ
الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الاسراء: من
الآية78] أي ميلها انتهى. أكثره بلفظه وفيه
إثبات القول بالاعتماد على حساب المنجمين كما
نقله صاحب التوضيح وغيره وما فرق به بين أوقات
الصلاة ورؤية الأهلة حسن وقد قبله ابن الشاط
وله في الذخيرة نحو ذلك.
الثالث: لو شهد عدلان برؤية الهلال وقال أهل
الحساب إنه لا يمكن رؤيته قطعا فالذي يظهر من
كلام أصحابنا أنه لا يلتفت لقول أهل الحساب
وقال السبكي وغيره من الشافعية إنه لا تقبل
الشهادة لأن الحساب أمر قطعي والشهادة ظنية
والظن لا يعارض القطع ونازع في ذلك بعض
الشافعية والله أعلم.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 11. مسلم في
كتاب الصيام حديث 4/18، 19. الترمذي في كتاب
الصوم باب 2، 5. النسائي في كتاب الصيام باب
8، 9. ابن ماجة في كتاب الصيام باب 7. الدارمي
في كتاب الصوم باب 1. أحمد في مسنده (4/23،
231) (5/42).
(3/290)
__________
الرابع ذكر ابن ناجي في شرح المدونة إن ابن
هارون اعترض على ابن الحاجب في حكاية الاتفاق
بأن مطرفا يخالف في ذلك ورد عليه بأن مطرفا
المذكور ليس هو مطرفا المالكي وإنما هو من
كبار التابعين انتهى. الخامس: يكره الاشتغال
بما يؤدي إلى معرفة ناقص الشهور وكاملها قال
ابن رشد في كتاب الجامع من المقدمات بعد أن
ذكر أن الاشتغال بالنجوم فيما يعرف به سمت
القبلة وإجراء الليل جائز بل مستحب: وأما
النظر في أمرها فيما زاد على ذلك مما يتوصل به
إلى معرفة نقصان الشهور من كمالها دون رؤية
أهلتها فذلك مكروه لأنه من الاشتغال بما لا
يغني إذ لا يجوز لأحد أن يعول في صومه وفطره
على ذلك فيستغني عن النظر إلى الأهلة بإجماع
من العلماء وإنما اختلف أهل العلم فيمن كان من
أهل هذا الشأن إذا أغمي الهلال هل له أن يعمل
على معرفته بذلك أم لا فقال مطرف ابن الشخير
إنه يعمل في خاصته على ذلك وقاله الشافعي أيضا
في رواية والمعلوم من مذهبه ما عليه الجمهور
من أنه لا يعمل على ذلك وكذلك ما يعلم به
الكسوفات لأنه لا يعني وقال صلى الله عليه
وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"
1 ولأنه يوهم العوام أنه يعلم الغيب ويزجر عن
ذلك ويؤدب عليه انتهى. باختصار.
قلت: ولا يحرم الاشتغال به لأنه ليس من علم
الغيب وإنما هو منطريق الحساب والله أعلم.
السادس: قال ابن رشد في المقدمات إثر كلامه
السابق: اختلف أهل العلم في معنى قول النبي
صلى الله عليه وسلم: "فاقدروا له" فذهب مالك
إلى أن قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث
الثاني: "فأكملوا العدد" مفسر له وذهب الطحاوي
إلى أنه ناسخ له وإلى أن معنى التقدير كان قبل
النسخ بأن ينظر إذا غم الهلال ليلة الشك إلى
سقوط القمر في الليلة الثانية فإن سقط لمنزلة
واحدة وهي ستة أسباع ساعة علم أنه من تلك
الليلة وإن غاب لمنزلتين علم أنه من الليلة
الماضية فقضوا اليوم وهذا قول خطأ إذ لا يسقط
القمر في أول كل ليلة من جميع الشهر كان الشهر
كاملا أو ناقصا لستة أسباع ساعة هذا يعلم
يقينا بمشاهدة بعض الأهلة أرفع وأبطأ مغيبا من
بعض وأيضا فإنه خلاف ظاهر الحديث ومقتضاه في
أن التقدير إنما أمر به ابتداء قبل الفوات
ليصوم أو ليفطر لا في الانتهاء بعد الفوات
ليقضي أو لا يقضي والذي أقول به في معنى
التقدير المأمور به في الحديث إذا غم الهلال
أن ينظر إلى ما قبل هذا الذي غم الهلال عند
آخره من الشهور فإن كان توالى منها شهران أو
ثلاثة كاملة عمل على أن هذا الشهر ناقص فأصبح
الناس صياما وإن كانت توالت ناقصة عمل على أن
هذا الشهر كامل فأصبح الناس مفطرين إذ لا
تتمادى أربعة أشهر ناقصة ولا كاملة على ما علم
بما أجرى الله به
ـــــــ
1 رواه الترمذي في كتاب الزهد باب 11. ابن
ماجة في كتاب الفتن باب 12. الموطأ في كتاب
حسن الخلق حديث 3. أحمد في مسنده (1/201).
(3/291)
__________
العادة ولا ثلاثة أيضا ناقصة ولا كاملة إلا في
النادر وإن لم يتوال قبل هذا الشهر الذي غم
الهلال في آخره شهران فأكثر كاملة ولا ناقصة
احتمل أن يكون هذا الشهر ناقصا أو كاملا
احتمالا واحدا يوجب أن يكمل ثلاثين يوما كما
في الحديث الآخر فيكون على هذا الحديثان جميعا
مستعملين كل واحد منهما في موضع غير موضع
صاحبه وهذا في الصوم وأما في الفطر إذا غم
هلال شوال فلا يفطر بالتقدير الذي يغلب فيه
على الظن أن رمضان ناقص انتهى. وتفسير مالك هو
الحق الذي لا غبار عليه وما عداه فيه ما فيه
وقد قال ابن رشد في المقدمات في كتاب الصيام:
والصواب ما ذهب إليه مالك من تفسير حديث ابن
عمر بحديث ابن عباس لأن التقدير يكون بمعنى
التمام قال الله تعالى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ
لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق: من الآية3]
أي تماما انتهى. الله تعالى أعلم.
السابع: قال ابن عرفة: ابن حبيب: يجوز تقليد
المؤذن العدل العارف فإن أكل في أذان سأله إن
كان كذلك وإلا قضى الباجي من يحضر يؤذن مؤذنه
عند الفجر في وجوب كفه بأذانهم وهو يرى أن
الفجر ما طلع وبعد أذانهم وهو يرى أن الشمس
غربت رواية ابن نافع وعيسى عن ابن القاسم في
المدونة انتهى. وقال في النوادر قال ابن حبيب:
ويجوز له تصديق المؤذن العدل العارف فإن سمع
الأذان وهو يأكل ولا علم له بالفجر فليكف
وليسأل المؤذن عن ذلك الوقت فيعمل على قوله:
فإن لم يكن عنده عدلا ولا عارفا فليقض وإن كان
في قضاء رمضان فليقض ويباح له فطر ذلك اليوم
والتمادي وإن كان في تطوع أتمه ولا قضاء عليه
انتهى. وقول ابن حبيب ولا علم عنده بالفجر
يفهم منه أنه لو كان له علم اعتمد عليه فهو
موافق لرواية عيسى عن ابن القاسم وهو الظاهر
إذا أمن من الاطلاع عليه والاقتداء به والله
أعلم. ص: "ولا يفطر منفرد بشوال ولو أمن
الظهور إلا بمبيح". ش: يعني أن من انفرد برؤية
هلال شوال فلا يجوز له الفطر سواء خاف أن يظهر
عليه أو أمن من الظهور عليه إلا أن يحصل له
عذر يبيح الإفطار من مرض أو سفر أو حيض فيجوز
له الفطر قال ابن ناجي في شرح المدونة ولا
خلاف في جوازه إذا كان العذر مما يخفى معه
الفطر ونصه بعد أن ذكر الخلاف فيما إذا أمن من
الظهور وكل هذا ما لم يكن عذر يخفى معه الفطر
فإن كان فلا خلاف في جوازه انتهى. قال ابن عبد
السلام: ولو كان مرض يمكنه معه الصوم بلا مشقة
فلير هو من نفسه المشقة ويفطر وأما إذا لم
يحصل عذر يبيح الإفطار فلا يجوز له أن يفطر
إذا
(3/292)
__________
خاف أن يظهر عليه اتفاقا وأما إذا أمن من
الظهور فقال مالك في العتبية وغيرها: لا يجوز
له الفطر وهو الصحيح لما قد يتطرق إليه من
الأذى مع تحصيل غرض الشرع بالفطر بالنية وقيل
إنه جائز قاله ابن الجلاب وحكاه ابن الحاجب
فقال لم يجز إفطاره على الأصح واعترضه المصنف
في توضيحه بقوله لم أره منصوصا وإنما أخرجه
اللخمي من مسألة الزوجين يشهد عليهما شاهدان
بالطلاق ثلاثا والزوجان يعلمان أنهما شهدا
بزور فقد قيل إنه لا بأس أن يصيبها خفية
فالأكل مثله من باب أولى لأن التخفي في الأكل
أكثر من الجماع وكذلك ابن عرفة لم ينقله إلا
عن اللخمي وكأنهما لم يقفا على كلام ابن
الحاجب.
تنبيهات: الأول: هذا كله في الإفطار بغير
النية وأما الإفطار بالنية فحكى ابن عرفة عن
ابن رشد أن المذهب وجوبه وعن ابن حبيب
استحبابه وضعفه ونصه والمنفرد بشوال في
استحباب فطره حضرا بنية ووجوبه نقلا ابن رشد
عن ابن حبيب مضعفا قوله: والمذهب ويمنع بالأكل
ولو أمن اللخمي لا يمنع إن أمن بحضر ولا بسفر
مطلقا انتهى. وما ذكره عن ابن رشد هو في سماع
أبي زيد ونصه وأما إذا رأى هلال شوال وحده دون
الناس وهو في جماعة فقال إنه لا يجوز له أن
يفطر إلا باجتماع من الناس والفطر له فيما
بينه وبين الله جائز بل هو الواجب عليه لنهيه
عليه السلام عن صيام يوم الفطر لكنه حظره عليه
لما فيه من تعريض نفسه للتهمة والعقوبة ومثل
هذا في المدونة والموطأ وغيرهما من الدواوين
وأبينه سماع أصبغ من طلاق السنة واستحب ابن
حبيب أن ينوي الفطر ولا يظهره والصحيح أنه هو
الواجب عليه وإن كان ذلك مخالفا للروايات لأن
الصوم من أفعال القلوب فلا يجوز له أن يعتقده
وهو يعلم أنه حرام انتهى. وقال ابن ناجي في
شرحه الكبير ونقل ابن يونس عن أشهب ولينو
الفطر وهو محتمل للقولين انتهى. وقول ابن رشد
وإن كان ذلك مخالفا للروايات يعني لظاهر
الروايات في قولهم لا يجوز له الفطر وإلا فليس
في الروايات ما يقتضي وجوب الإمساك بالنية بل
قالوا إذا حصل عذر يبيح له الفطر أفطر بلا
خلاف وسيأتي في كلام ابن عبد السلام أن ذلك
واجب فدل على هذا على أن الأمر بالإمساك إنما
هو في الظاهر فقط والله أعلم.
الثاني: قال ابن عبد السلام والمصنف في
التوضيح: وإن أمكنه أن يأكل عند طلوع الفجر أو
عند الغروب فحسن لأنه إن ظهر عليه حينئذ لم
ينسب إلى الغلط.
الثالث: قال ابن عرفة: قال الباجي: يفطر
المسافر وحده لاحتمال رؤية غيره ولو علم عدم
رؤية غيره وجب صومه ابن زرقون هذا وهم لان
للمسافر الفطر إلا أن يريد سفر غير القصر قال
ابن عرفة: لعله تبع سماع أبي زيد لا يفطر
مسافر في جماعة وإن كان بمغارة وحده أفطر.
قلت: ما ذكره ابن زرقون ظاهر وأما ما في سماع
أبي زيد فيتعين حمله على أنه يريد أنه لا يجوز
له أن يفطر على أن فطره للعيد وأما إذا أصبح
مفطرا على أن فطره للسفر فهذا هو الواجب عليه
قال ابن الحاجب: فإن كان عذر يخفيه كالسفر
ونحوه أفطر قال ابن عبد
(3/293)
وفي تلفيق شاهد
أوله لآخر آخره ولزومه بحكم المخالف بشاهد
تردد
__________
السلام في شرحه: والحاصل أن الأصل وجوب الفطر
عليه والمانع منه خشية نسبته إلى الفسق فإذا
زال المانع بقي الوجوب على ما كان عليه ولم
يتكلم ابن رشد على ما في سماع أبي زيد من جهة
فطره للسفر بل تكلم على حكم من انفرد بهلال
رمضان أو شوال وذكر كلامه الذي ذكرناه أولا
والله أعلم.
الرابع فهم من كلام ابن عبد السلام أنه إذا
حصل العذر وجب الإفطار وهو ظاهر.
الخامس: قال في التوضيح: فإن ظهر على من يأكل
وقال رأيت الهلال فقال أشهب: يعاقب إن كان غير
مأمون إلا أن يكون ذكر ذلك قبل وأودعه وإن كان
مأمونا لم يعاقب وتقدم إليه أن لا يعود فإن
فعل عوقب إلا أن يكون من أهل الدين والرضا
نقله اللخمي انتهى. وفي تبصرة اللخمي إلا أن
يكون من أهل الدين والرضا فلا يعاقب ويغلظ
عليه في الموعظة انتهى. ص: "وفي تلفيق شاهد
أوله لآخر آخره ولزومه بحكم المخالف بشاهد
تردد". ش: ذكر مسألتين تردد المتأخرون في كل
واحدة منهما.
الأولى إذا شهد شاهد واحد في أول شهر من
الشهور فلم يثبت ذلك الشهر بشهادته لانفراده
وشهد آخر في آخره برؤية الشهر الذي بعده على
وجه يتضمن تصديق أحدهما للآخر فهل تضم شهادة
أحدهما للآخر أو لا تضم وذلك له صورتان لأن
الشاهد الثاني إما أن يشهد بعد تسعة وعشرين من
رؤية الأول أو بعد ثلاثين فإن شهد بعد تسعة
وعشرين يوما من رؤية الأول فشهادته مصدقة
لشهادة الأول إذ لا يمكن رؤية الهلال بعد
ثمانية وعشرين يوما فإن كان ذلك في رمضان فقد
اتفقت شهادتهما على أن اليوم الأول من رمضان
فيلزم قضاؤه ولا يفطرون لأن شهادة الأول لا
توجب كون هذا اليوم من شوال لجواز كون الشهر
كاملا وإن شهد الثاني بعد ثلاثين يوما من رؤية
الأول فقد اتفقا على أن هذا اليوم من الشهر
(3/294)
__________
الثاني فيجب الفطر إن كان ذلك في شوال ولا
يلزم قضاء اليوم الأول لأنهما لم يتفقا على
أنه من رمضان إذا علم ذلك فقال يحيى بن عمر لا
تلفق الشهادتان بحال وقال بعضهم تلفق الشهادة
في الصورتين على قول من يلفق الشهادة في
الأفعال وقال بعضهم تلفق في الصورة الأولى دون
الثانية وقال بعضهم بعكسه إن كانت رؤية الثاني
في غيم وإلا بطلتا قال ابن عرفة: وفي ضم منفرد
لآخر فيما يليه ثالثها إن رآه ليلة ثلاثين
لرؤية الأول لا أحد وثلاثين ورابعها عكسه إن
كانت رؤية الثاني في غيم وإلا بطلتا وعزا
القول الأول في كلامه وهو الضم مطلقا لتخريج
ابن رشد على ضم الشهادتين الملفقتين فيما
يوجبه الحكم والقول الثاني وهو عدم الضم مطلقا
ليحيى بن عمر والقول الثالث لنقل ابن رشد عن
بعضهم والقول الرابع للخمي وذكر المصنف في
التوضيح عن ابن زرقون أنه قال والصواب قول
يحيى بن عمر لا تلفق الشهادتان بحال وقال في
المقدمات الصحيح عندي أنه لا فرق بين الصورتين
وأنهما يتخرجان على القول في الشاهدين على ما
يوجبه الحكم واختلفا فيما شهدا به والمشهور أن
شهادتهما لا تجوز انتهى. مختصرا ونقله في
التوضيح.
قلت: إذا علم فكان ينبغي للمصنف أن يقتصر على
قول يحيى بن عمر لترجيح ابن رشد وابن زرقون له
والله أعلم.
المسألة الثانية: إذا حكم المخالف في الصوم
بشهادة واحد كالشافعي فهل يلزم ذلك جميع الناس
ولا يجوز لأحد مخالفته لأنه حكم وافق محل
الاجتهاد وقاله ابن راشد القفصي أو لا يلزم
المالكي الصوم في هذا لأن ذلك فتوى وليس بحكم
وقاله القرافي في الفرق الرابع والعشرين
والمائتين وقال سند لو حكم الإمام بالصوم
بشهادة واحد لم يسع العامة مخالفته لأن حكمه
صادف محل الاجتهاد فوجب أن لا يخالف وفيه نظر
يرجع إلى تحقيق الحكم فإن الحاكم إنما حصل منه
إثبات الشهادة فقط من غير زائد وإذا قال
الحاكم شهد عندي فلان وحده وقد أجزت شهادته
وحكمت بالصوم تنزل ذلك منزلة فتوى لا حكم
انتهى. باختصار.
قال في التوضيح: ولم يقل ابن عطاء الله في هذا
الفرع شيئا بل تردد فيه انتهى.
قلت: وكلام سند يقتضي أنه متردد في ذلك أيضا
انتهى.
تنبيه: وانظر إذا قلنا يلزم المالكي الصوم كما
قال ابن راشد فصام وأكملواثلاثين ولم ير
الهلال فحكم الحاكم الشافعي بالفطر على الراجح
عندهم فهل يجوز للمالكي أن يفطر معهم ولو لم
ير أحد الهلال أو يخالفهم في الفطر ويصبح
صائما والذي يظهر أنه لا يجوز له الفطر وقد
قال مالك في المدونة: ويقال لمن قال يصام
بشهادة واحد: أرأيت إن أغمي آخر الشهر كيف
يصنعون أيفطرون أم يصومون واحدا وثلاثين فإن
أفطروا خافوا أن يكون ذلك اليوم من رمضان
انتهى. وقد وقعت هذه المسألة وصمنا بحكم
المخالف فلما كانت ليلة أحد وثلاثين لم
(3/295)
ورؤيته نهاراً
للقابلةوإن ثبت نهاراً أمسك وإلا كفّر إن
انتهك ،
__________
ير الناس الهلال بعد الغروب فلم يلتفت
الشافعية إلى ذلك وكبروا وصار العامة يسألون
عن الفطر مع عدم رؤية الهلال فأقول لهم قال
الشافعية يجوز الفطر وعند المالكية لا يجوز
الإفطار فيقولون نحن لا نعمل إلا على مذهب
المالكية ثم لطف الله سبحانه فرؤي الهلال حين
حصل ابتداء الظلام. ص: "ورؤيته نهارا
للقابلة". ش: يعني أنه إذا رؤي الهلال نهارا
فإنه إنما يحكم به لليلة القابلة فيستمر الناس
على ما هم عليه من فطر إن وقع ذلك في آخر
شعبان أو صوم إن وقع في آخر رمضان وسواء رؤي
بعد الزوال أو قبله على المشهور وقيل إن رؤي
قبل الزوال فهو لليلة الماضية فيمسكون إن وقع
ذلك في شعبان ويفطرون إن وقع في رمضان ويصلون
العيد رواه ابن حبيب عن مالك وقال به هو وغيره
قال إذا رؤي بعد الزوال فهو للآتية سواء صليت
الظهر أم لم تصل.
تنبيه: فإذا رؤي الهلال نهارا ثم لم ير بعد
الغروب لغيم أو غيره فإن كان ذلك من يوم
ثلاثين كما هو الغالب فلا يلتفت حينئذ إلى
رؤيته ليلا لإكمال العدة وإن وقع ذلك في يوم
تسعة وعشرين فالظاهر من كلام أصحابنا أن
الهلال يثبت برؤيته نهارا وكلام القرافي في
شرح الجلاب كالصريح في ذلك ويمكن أن يقال
كلامهم إنما هو إذا وقع ذلك في يوم ثلاثين
بدليل اختلافهم في كونه للقابلة أو للماضية
وإذا وقع في يوم تسعة وعشرين فلا قائل بأنه
للماضية إذ لا يكون الشهر ثمانية وعشرين وصرح
الشافعية بأن ذلك لا يكفي عن رؤيته ليلة
الثلاثين وأنه لا أثر لرؤيته نهارافتأمله ثم
رأيت في مختصر الواضحة لابن حبيب أنه لا يرى
في يوم تسع وعشرين إلا بعد الزوال ونصه وهو
يرى بعد الزوال يوم ثلاثين ويوم تسع وعشرين
ولا يرى قبل الزوال في يوم تسع وعشرين لأنه
للماضية ولا يكون هلالا قبل تمام تسع وعشرين
وإذا رؤي بالعشي يوم تسع وعشرين فإنما أهل
ساعته انتهى. وهو يقتضي أنه ثبتت رؤيته بذلك
ولو لم ير بعد الغروب والله أعلم. ص: "وإن ثبت
نهارا أمسك وإلا كفر إن انتهك". ش: يعني إذا
لم يثبت الهلال ليلا وإنما ثبت نهارا فإنه يجب
الإمساك في ذلك اليوم على من أكل وعلى من لم
يأكل وإن صومه غير صحيح لعدم النية المبيتة
لحرمة رمضان ويجب قضاء ذلك اليوم وإن بيت
الصوم فيه على أنه من رمضان لعدم الجزم فإن
أكل وشرب
(3/296)
وإن غيمت ولم
ير فصبيحته يوم الشك وصيم عادة وتطوعاً، وقضاء
وكفارة ولنذر
__________
أو جامع بعد ذلك فإن كان عالما بحرمة ذلك
وانتهك حرمة الشهر فعليه الكفارة قاله في
المدونة وحكى ابن بشير وابن الحاجب قولا بعدم
الكفارة وأنكره ابن عرفة وقال لا أعرفه وإن
فعل ذلك غير منتهك بل تأول أنه لما لم يصح صوم
ذلك اليوم لعدم النية جاز له الفطر فلا كفارة
عليه ولم أقف على خلاف فيه وإلى هذا أشار
بمفهوم الشرط فهذا من التأويل القريب فيضم إلى
المسائل التي يذكرها المصنف من التأويل القريب
بعد هذا والله أعلم. ص: "وإن غيمت ولم ير
فصبيحة يوم الشك". ش: غيمت بالبناء للفاعل
يعني أنه إذا كانت السماء مغيمة ليلة ثلاثين
ولم تثبت رؤية الهلال فصبيحة ذلك اليوم هو يوم
الشك الذي ورد النهي عن صيامه وأما إذا لم تكن
السماء مغيمة فليس ذلك بيوم شك وقال الشافعية
إذا أطبق الغيم فليس ذلك بيوم شك وإنما يوم
الشك إذا لم يطبق الغيم وتحدث الناس برؤية
الهلال ومال ابن عبد السلام إلى هذا. ص: "وصيم
عادة". ش: يعني أنه يجوز صوم يوم الشك لمن
كانت عادته سرد الصوم أو صوم يوم بعينه
كالخميس والإثنين فوافق ذلك وقاله في التوضيح.
ص: "وتطوعا". ش: يعني أنه يجوز أن يصومه وحده
بنية التطوع كما قال في الرسالة ولمن شاء صومه
تطوعا أن يفعل وهذا هو المشهور وعن ابن مسلمة
كراهة ذلك ونقل عنه اللخمي الجواز فلعل له
قولين وقال الشارح إن ظاهر كلام الكافي أنه لا
يجوز وقال ابن ناجي إثر كلام صاحب الرسالة
المتقدم ظاهر كلامه سواء كان من شأنه أن يسرد
الصوم أم لا انتهى. ص: "وقضاء". ش: أي كمن
عليه صوم من رمضان فقضاه فيه فإنه يجوز ثم إن
لم يثبت كونه من رمضان فقد أجزأه وإن ثبت أنه
من رمضان لم يجزه عن القضاء ولا عن رمضان
الحاضر وعليه قضاء يوم رمضان الحاضر وقضاء ما
في ذمته قال ابن عرفة: وفي إجزائه قضاء وإن
ثبت كونه من رمضان خلاف يأتي انتهى. وكأنه
يشير إلى مسألة صوم رمضان قضاء عن رمضان آخر
وفيه ثلاثة أقوال والمشهور أنه لا يجزئ عن
واحد منهما وحكم كل صوم واجب كحكم القضاء فلو
نواه للكفارة أو نذر غير معين أجزأه إلا أن
يثبت أنه من رمضان فلا يجزئه عن رمضان الحاضر
ولا عما نواه وعليه قضاء يوم عن رمضان الحاضر
ويقضي ما في ذمته من كفارة أو نذر أو فدية أو
هدي كما صرح به صاحب التلقين وغيره وإن كان
النذر
(3/297)
صادف لا
احتياطاً
__________
معينا فهي التي أشار إليها المؤلف بقوله. ص:
"ولنذر صادف". ش: والمعنى أنه يجوز صومه أيضا
لنذر صادفه كمن نذر أن يصوم يوما أو أياما
فوافق بعضها كمن نذر أن يصوم يوم الإثنين أو
الخميس فيوافق ذلك أو نذر أن يصوم يوم قدوم
زيد فقدم ذلك اليوم فلا يجوز له صومه ويجزيه
إن لم يثبت كونه من رمضان فإن ثبت كونه من
رمضان فإنه لا يحزىء عن النذر ولا عن الفرض
وعليه قضاء يوم لرمضان الحاضر ولا قضاء عليه
للنذر لكونه معينا وقد فات قاله في التلقين
واحترز بقوله صادف مما لو نذر من حيث إنه يوم
الشك فإنه لا يلزم لكونه نذر معصية هكذا قال
ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح.
قلت: وظاهره أنه لا يجوز له ذلك ويحرم عليه
صومه كذلك لقوله إنه معصية ولعل هذا على القول
بأن صوم يوم الشك احتياطا حرام وإلا فسيأتي
أنه إذا صامه للاحتياط اختلف فيه هل هو مكروه
أو حرام فينبغي أن يكون صومه لنذره إياه كذلك
مختلفا فيه وأما عدم لزومه فلا إشكال فيه
لكونه مكروها ونذر المكروه غير لازم لكنه لا
يصير فعل ذلك المكروه حراما على أنه يشكل
برابع النحر فإنه يكره صيامه تطوعا ويلزم
ناذره بالتعيين وكأنهم راعوا فيه الخلاف
فتأمله والله أعلم. وهذا أيضا إذا قصد النذر
من حيث كونه يوم الشك ليحتاط به فلو قصد نذره
بخصوصه من حيث كونه يجوز صومه تطوعا فالظاهر
أنه يلزمه ولهذا قال ابن عرفة لما نقل قول ابن
عبد السلام: لو نذر يوم الشك من حيث هو يوم شك
سقط لأنه معصية.
قلت: كون معصية يرد بأن المشهور عدم كراهة
صومه انتهى. يعني تطوعا وكذلك نقله عنه ابن
ناجي لكن يقال مراد ابن عبد السلام إذا قصد
نذره من حيث كونه يوم الشك ليحتاط به والحاصل
أنه يرجع في ذلك إلى نية الناذر فإن نذر صوم
يوم الشك من حيث كونه يوم الشك احتياطا فلا
يلزمه لأنه إما حرام أو مكروه وكلاهما لا
يلزمه نذره وإن نذره لا من تلك الحيثية أعني
نذره لا للاحتياط فإنه يلزمه ويصح صومه فإن
تبين أنه من رمضان فالحكم ما تقدم عن التلقين
والله أعلم. ص: "لا احتياطا". ش: راجع إلى أصل
صيام يوم الشك لا لمسألة النذر وإن كان ذلك
صحيحا في نفسه كما بيناه لكنه ليس مراد المصنف
وإنما مراده أن يكون الشك لا يصام لأجل
الاحتياط للنهي عن ذلك وهو ما صححه الترمذي من
(3/298)
وندب إمساكه
ليتحقق،
__________
حديث عمار بن ياسر "من صام يوم الشك فقد عصى
أبا القاسم"1 ورواه أبو داود والنسائي وابن
ماجة ولم يبين المصنف كابن الحاجب حيث قال
والمنصوص النهي عن صيامه احتياطا للعمل هل
النهي على الكراهة أو التحريم قال في التوضيح:
وظاهر الحديث التحريم وهو ظاهر ما نسبه اللخمي
لمالك لأنه قال ومنعه مالك وفي المدونة ولا
ينبغي صيام يوم الشك وحملها أبو الحسن على
المنع وفي الجلاب يكره صوم يوم الشك وقال ابن
عطاء الله الكافة مجمعون على كراهة صومه
احتياطا انتهى. ونحوه في ابن فرحون وزاد
وأجازت صومه احتياطا عائشة وأسماء وأجازه ابن
عمر وابن حنبل في الغيم دون الصحو وقال ابن
مسلمة يكره أن يؤمر الناس بفطره لئلا يظن أنه
يجب عليهم فطر قبل الصوم كما وجب بعده انتهى.
وقال ابن عبد السلام الظاهر أن النهي على
التحريم لقوله عصى أبا القاسم انتهى. وزاد أبو
الحسن عن ابن يونس من الواضحة ومن صامه حوطة
ثم علم أن ذلك لا يجوز فليفطر متى ما علم
انتهى. ونقله ابن عرفة عن الشيخ بلفظ آخر
النهار وقال ابن ناجي في شرح الرسالة وحمل أبو
إسحاق المدونة على المنع انتهى. وقال
الفاكهاني في شرح الرسالة صوم يوم الشك في
الحياطة من رمضان مكروه ولا يكره صومه تطوعا
وقال بعده فقول المصنف ولا يصام يوم الشك يريد
على الكراهة لا على التحريم انتهى. ثم قال
وقيل يصام احتياطا ولا أعلمه في المذهب انتهى.
وخرج اللخمي وجوب صوم يوم الشك من مسألة الشاك
في الفجر ومن الحائض إذا جاوزت عادتها ورد
عليه ذلك ابن بشير وغيره وبحث في ذلك ابن عرفة
فلينظره من أراده.
فرع: قال الفاكهاني: اتفقوا إذا كانت السماء
مصحية على كراهة صومه احتياطا إذ لا وجه
للاحتياط في الصحو وإنما الخلاف المتقدم إذا
كان الغيم انتهى. ص: "وندب إمساكه ليتحقق". ش:
يعني أنه يستحب الإمساك عن الإفطار في يوم
الشك إلى أن يتحقق الأمر بأن يأتي المسافرون
من نواحي البلد وينتشر الناس وتسمع الأخبار
قال ابن عبد السلام: فإن ارتفع النهار ولم
يظهر موجب الصيام أفطر الناس ووقع في الرواية
ما ظاهره الكف جميع النهار وهو بعيد إذ ذاك في
صورة صيام يوم الشك احتياطا بأنه من رمضان وهو
خلاف المذهب انتهى. قال
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 11. أبو
داود في كتاب الصوم باب 10. الترمذي في كتاب
الصوم باب 3. النسائي في كتاب الصيام باب 37.
الدارمي في كتاب الصيام باب 1.
(3/299)
لالتزكية
شاهدين أو زوال عذر مباح له الفطر مع العلم
برمضان كمضطر،
__________
ابن عرفة قول ابن عبد السلام: "الرواية ظاهرها
الكف جميع النهار" لا أعرفه انتهى.
قلت: قال القرطبي في شرح مسلم يستحب إمساك
جميع النهار والله أعلم. ص: "لا لتزكية
شاهدين". ش: يعني أنه إذا شهد برؤية الهلال
شاهدان واحتاج الحال إلى تزكيتهما فلا يستحب
الإمساك لذلك وهذا الفرع نقله في النوادر عن
ابن عبد الحكم ولفظه قال ابن عبد الحكم: ولو
شهد شاهدان في رؤية الهلال فاحتاج القاضي إلى
الكشف عنهما وذلك يتأخر فليس على الناس صيام
ذلك اليوم فإن زكوا بعد ذلك أمر الناس بالقضاء
وإن كان في الفطر فلا شيء عليهم فيما صاموا
انتهى.
تنبيه: تأمل هذا الكلام فإن الذي يتبادر منه
عندي أنه إذا شهد عند القاضي عدلان في الليل
واحتاج الحال إلى تزكيتهما وكان ذلك يتأخر إلى
النهار فليس على الناس أن يبيتوا الصيام وعلى
تقدير كون ذلك فيما إذا شهد الشهود نهارا
فظاهر الرواية أن المنفي وجوب الصيام لا
استحباب الإمساك وعلى تسليم أن المراد نفي
الوجوب والاستحباب فقيد ذلك في الرواية بأن
يتأخر ذلك والذي يفهم منه أنه إذا كان ذلك
يحتاج إلى طول وأما لو شهد شاهدان عند القاضي
برؤية الهلال نهارا فطلب القاضي تزكيتهما وكان
ذلك أمرا قريبا فاستحباب الإمساك متعين بل هو
أوكد من الإمساك في الفرع السابق لأنه إذا أمر
بالإمساك لاحتمال أن يأتي من يشهد بالهلال فمن
باب أحرى إذا شهد به وتوقف الحال على تزكية
الشاهدين وكان ذلك أمرا قريبا قدر ما يستحب
الإمساك إلى أن يرتفع النهار ويأتي الناس وعلى
هذا فيتعين حمل كلام المصنف على ما إذا كان في
تزكيتهما طول كما في الرواية وقد أشار إلى ذلك
الشارح في الكبير فقال ظاهر كلام المصنف
الإطلاق وينبغي أن يقيد بما إذا كان أمر
الشاهدين في التزكية يتأخر ليوافق المنقول
والله أعلم. ص: "أو زوال عذر مبيح له الفطر مع
العلم برمضان". ش: يعني أن من كان له عذر يبيح
له الإفطار مع العلم برمضان
(3/300)
__________
فأصبح مفطرا لذلك ثم زال عذره فإنه لا يستحب
له الإمساك في بقية يومه كالحائض تطهر
والمسافر إذا قدم مفطرا والمجنون إذا أفاق
والصبي إذا احتلم وكان مفطرا فإنه لا يستحب
لهم الإمساك في بقية يومهم واختلف في المغمى
عليه يفيق بعد الفجر فقال ابن حبيب: لا يمسك
بقية يومه ذلك والذي يقتضيه المذهب أنه يمسكه
لأنه صوم مختلف فيه هل يجزئه أم لا انتهى.
تنبيهان: الأول: إذا أصبح الصبي صائما ثم
احتلم فإنه يتمادى على صومه لأنه قد انعقد
نافلة قاله في الطراز. الثاني: يدخل في كلام
المصنف من أكره على الإفطار وقد صرح صاحب
الطراز وابن يونس وصاحب النوادر بأنه يجب عليه
الكف بعد زوال الإكراه. ص: "كمضطر". ش: يعني
أن من أصبح صائما ثم حصلت له ضرورة اقتضت فطره
من جوع أو عطش فهل له أن يستديم الفطر بقية
يومه ولو بالجماع أجاز ذلك سحنون وقال ابن
حبيب: يزيل ضرورته فقط قال اللخمي: والأول
أقيس لأنه أفطر لوجه مباح قياسا على المستعطش
إذا كان يعلم أنه لا يوفي بصيامه إلا أن يشرب
في نهاره مرة واحدة فإن له أن يبيت الفطر
ويأكل ويصيب أهله ولو كان برجل مرض يحتاج من
الدواء في نهاره إلى الشيء اليسير يشربه لم
يؤمر بالصيام ولا بالكف عما سوى ما يضطر إليه
انتهى. والخلاف في هذه المسألة كالخلاف في
مسألة المضطر لأكل الميتة قال في التوضيح: أي
إن قلنا له أن يشبع ويتزود وهو المشهور جاز له
التمادي يعني في هذه المسألة وعلى قول ابن
حبيب إنه إنما يأكل قدر سد رمقه يريد هنا
ضرورته انتهى. وقال البرزلي: والمشهور في
مسألة الميتة أنه يأكل ويشبع ويتزود وكذا هنا
يشرب حتى يشبع ويأكل ويجامع إن شاء انتهى. ذكر
ذلك إثر سؤال سئل عنه ابن رشد ونصه سئل ابن
رشد عمن يصيبه العطش الشديد فيشرب هل يأكل
بعده ويجامع في بقية يومه أم لا فأجاب:
(3/301)
فلقادم وطء
زوجة طهرت وكف لسان
__________
اختلف فيه والصحيح أن عليه القضاء والكفارة
إلا أن يتأول ويرى جوازه قال البرزلي: قلت: ما
اختاره هو قول ابن حبيب فيه وفي مسألة الميتة
أنه يأكل ما يسد رمقه خاصة والمشهور أنه يأكل
ويشبع ويتزود وكذا هنا يشرب حتى يشبع ويأكل
ويجامع إن شاء وفي المدونة إذا احتاج لركوب
الهدية ركبها وليس عليه أن ينزل إذا استراح
وكذا إذا أبيح له تزويج الأمة بالشرطين
فالمشهور أنه صار أهلا لتزويجها وكذا من حلف
بطلاق من يتزوج إلى سنين يدركهاثم خاف العنت
فإنه إذا أبيح له مرة فقد سقطت يمينه انتهى.
قلت: وعلى المشهور من أن له أن يجامع فليشترط
أن يكون التي يجامعها كتابية أو طهرت في ذلك
اليوم أو صغيرة ولم تكن صائمة وهذا ظاهر كما
سيأتي والله أعلم. ص: "فلقادم وطء زوجة طهرت".
ش: يعني أن القادم من سفر قصر نهارا إذا بيت
الإفطار ووجد زوجته قد طهرت في ذلك اليوم من
حيضها فله وطؤها في نهار رمضان لأن كل واحد
منهما زال عذره المبيح له الفطر مع العلم
برمضان ومثل ذلك ما إذا كانت زوجته صغيرة ولم
تصم كما صرح بذلك اللخمي وانظر إذا كانت صغيرة
وبيتت الصوم هل يجوز له إبطال صومتها وإذا
كانت زوجته كبيرة جاز له وطؤها على ظاهر
المذهب سواء كانت طاهرة قبل ذلك أو طهرت يوم
قدومه قال في التوضيح: واختلف إذا كانت زوجته
نصرانية وظاهر المذهب الجواز لأنها ليست
بصائمة وقال ابن شعبان لا يجوز وإن وجدها بإثر
الطهر لأنها متعدية بترك الإسلام وقال بعض
فقهائنا يجوز أن يطأها إذا كانت كما طهرت كما
لو كانت مسلمة ولا يطؤها إذا كانت طاهرا قبل
قدومه قال في الكبير وفي كلام مناقشة لأنه إن
أراد بقوله زوجته المسلمة فلا وجه لتخصيصها
بالحكم لما علمت أن ظاهر المذهب التساوي بين
المسلمة والكتابية وإن أراد الإطلاق فلا
يستقيم التقييد بالطهر حين قدومه لأن ظاهر
المذهب جواز وطئها وإن أراد التخصيص في قوله:
طهرت دون ما قبله فبعيد وفيه تكلف انتهى. ص:
"وكف لسان". ش: يعني أنه يستحب للصائم أن يكف
لسانه عن الإكثار من الكلام المباح والكلام
بغير ذكر الله سبحانه وأما كف اللسان عن
الغيبة والنميمة والكلام الفاحش فواجب في غير
الصوم ويتأكد وجوبه في الصوم ولكنه لا يبطل به
الصوم والله أعلم.
(3/302)
__________
تنبيهات: الأول: لا يقال مراد المصنف أنه
مستحب بالنسبة إلى الصوم إذ يصح الصوم بدونه
كامل أو لا يترتب عليه ثواب كما سيأتي وبالكف
يحصل كمال الصوم لأنا نقول صحة الصوم مع عدم
الكف لا تصيره مستحبا بل هو باق على وجوبه
لكنه ليس بشرط في صحة الصوم وقد قال ابن ناجي
وغيره في شرح الرسالة ينبغي هنا للوجوب قال
وإنما خص رمضان وإن كان غيره كذلك لأن المعصية
تغلظ بحسب الزمان والمكان انتهى. وأما ما ذكره
الشيخ يوسف بن عمر عن بعض الشيوخ فغير
ظاهرفتأمله ونص ما ذكره عن بعض الشيوخ أنه قال
في شرح قول الرسالة وينبغي للصائم أن يحفظ
لسانه وجوارحه ينبغي على بابه لأن كف اللسان
عن المعصية والنميمة وغير ذلك وإن كان واجبا
إلا أنه لما كان لا تأثير له في فساد الصوم
حمل على الاستحباب.
الثاني: روي عن أنس عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال "خمس يفطرن الصائم الكذب
والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظر
بشهوة" ذكره في الإحياء قال العراقي في تخريجه
رواه الأزدي في الضعفاء وقال في الإحياء قال
سفيان الغيبة تفسد الصوم وعن مجاهد خصلتان
يفسدان الصوم الغيبة والكذب انتهى. قال
الفسطلاني في شرح البخاري والجمهور على أن
الكذب والغيبة والنميمة لا تفسد الصوم ثم ذكر
ما ذكره في الإحياء عن سفيان ومجاهد ثم قال
والمعروف عن مجاهد خصلتان من حفظهما سلم له
صومه الغيبة والكذب رواه ابن أبي شيبة ثم نقل
عن السبكي أن ملابسة المعاصي تمنع ثواب الصوم
إجماعا قال وفيه نظر لمشقة الاحتراز نعم إن
كثر توجهت المقالة انتهى.
قلت: يشهد لما حكاه السبكي حديث البخاري: "من
لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في
أن يدع طعامه وشرابه" 1 وروى أصحاب السنن
ورواه الطبراني بلفظ: "من لم يدع الخنا والكذب
فلا حاجة لله أن يدع طعامه وشرابه" ذكره في
الترغيب والترهيب وحديث ابن ماجه والنسائي:
"رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش"2
رواه الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري وابن
حبان في صحيحه ذكره في الترغيب أيضا الثالث
ورد في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام قال:
"إذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن
سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم" 3
هذا لفظ
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 8. أبو داود
في كتاب الصوم باب 25. الترمذي في كتاب الصوم
باب 16. ابن ماجة في كتاب الصيام باب 21. أحمد
في مسنده (2/453، 505).
2 رواه ابن ماجة في كتاب الصيام باب 21. أحمد
في مسنده (2/373).
3 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 2. مسلم في
كتاب الصيام حديث 16، 163. أبو داود في كتاب
الصوم باب 25. النسائي في كتاب الصيام باب 42.
ابن ماجة في كتاب الصيام باب 21. الموطأ في
كتاب الصيام حديث 57. أحمد في مسنده (2/245،
257، 273، 286) (6/244).
(3/303)
وتعجيل فطر
وتأخير سحور
__________
البخاري والرفث يراد به الجماع والفحش من
القول وخطاب الرجل المرأة فيما يتعلق بالجماع
قال صاحب الترغيب وقال كثير من العلماء المراد
به في هذا الحديث الفحش ورديء الكلام انتهى.
والصخب الصياح واختلف في قوله صلى الله عليه
وسلم: "فليقل إني صائم" فقيل: إنه يقوله
بلسانه، ويسمع ذلك للذي شتمه لعله ينزجرر،
وقيل: يقوله بقلبه لينكف به عن المشاتمة، قال
النووي في الأذكار: والأول أظهر انتهى.
قلت: وهو الذي يظهر من كلام ابن حبيب في
الواضحة فإنه قال بعد أن ذكر الحديث بلفظ فإن
امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم قال عبد
الملك يعني أن الصيام يحجرني عن الرد عليك
انتهى. قال النووي: ومعنى شاتمه أظهر شتمه
متعرضا لمشاتمته وقال في العارضة في قوله عليه
السلام: "إن جهل على أحدكم جاهل فليقل إني
صائم" لم يختلفوا أنه يصرح بذلك في الفريضة
واختلفوا في التطوع والأصح أنه لا يصرح به
وليقل لنفسه إني صائم فكيف أقول الرفث انتهى.
وانظر حاشية الموطأ للجلال السيوطي وقال في
جامع الأمهات للسنوسي روى أبو داود عن أبي
بكرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم إني قمت رمضان كله
وصمته كله" 1 فلا أدري أكره التزكية أو قال لا
بد من نومة أو رقدة ولا بأس أن يقول الرجل إني
صائم معتذرا ولا يقوله متحدثا ولا متزينا
انتهى. ص: "وتعجيل فطر وتأخير سحور". ش: قال
في التنبيهات السحور والفطور بفتح أولهما اسم
لما يتسحر به ويفطر عليه كالسعوط والوقود
وبالضم للفعل قال ابن الأنباري وأجاز بعضهم
الفتح في الوجهين والأول هو المعروف الذي عليه
أهل اللغة انتهى. وقال النووي السحور في سينه
الفتح والضم وقال الأبي بالفتح اسم لما يتسحر
به من الطعام والشراب والفعل والصواب الفتح
لأن البركة في الفعل لا في الطعام يشير إلى
قوله صلى الله عليه وسلم: "تسحروا فإن في
السحور بركة" 2 ومعنى كلام المصنف أنه يستحب
للصائم أن يعجل الفطر وأن يؤخر السحور وما
ذكره المصنف من الاستحباب صرح به اللخمي وغيره
وجعل ذلك في الرسالة سنة فقال ومن السنة تعجيل
الفطر وتأخير السحور قال أبو الحسن في الكبير:
قال الحفيد أجمعوا على أن من سنن الصوم
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الصوم باب 48.
النسائي في كتاب الصيام باب 6. أحمد في مسنده
(5/40).
2 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 20. النسائي
في كتاب الصيام باب 18، 19. ابن ماجة في كتاب
الصيام باب 22. مسلم في كتاب الصيام حديث 45.
الدارمي في كتاب الصوم باب 9. أحمد في مسنده
(2/377) (3/32، 99، 215، 229).
(3/304)
__________
تأخير السحور وتعجيل الفطر انتهى. وقال صاحب
الجواهر تعجيل الفطر سنة وتأخير السحور مستحب
والأمر في ذلك قريب والأصل في ذلك ما ورد في
الصحيحين أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا
يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" 1 وفي سنن
الترمذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
الله تعالى: "أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا" 2
وروى مالك في الموطأ من عمل النبوة تعجيل
الفطر والاستيناء بالسحور وفي صحيح البخاري
ومسلم أنه كان بين فراغه من سحوره ودخوله في
صلاة الصبح قدر قراءة خمسين آية وروى الإمام
أحمد بسنده من حديث أبي ذر أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: "لا تزال أمتي بخير ما
عجلوا الفطر وأخروا السحور" 3 والمراد بتعجيل
الفطر أن يكون ذلك بعد تحقق الغروب وعدم الشك
فيه لأنه إذا شك في الغروب حرم عليه الفطر
اتفاقا وفي النوادر قال ابن نافع عن مالك وإذا
غشيتهم الظلمة فلا يفطروا حتى يوقنوا بالغروب
انتهى. وكذلك يستحب تأخير السحور ما لم يدخل
إلى الشك في الفجر قاله في المجموعة.
تنبيهات: الأول: هل المطلوب تعجيل الفطر قبل
صلاة المغرب أو بعدها قال الباجي في المنتقى
لما تكلم على وقت المغرب في شرح قول عمر رضي
الله عنه المغرب إذا غربت الشمس لا خلاف بين
أهل السنة أن تعجيلها في أول الوقت مستحب
لأنها تصادف الناس متهيئين لها ورفقا بالصائم
الذي شرع له تعجيل الفطر بعد أداء صلاته
انتهى. وفي كتاب الصيام من الموطأ مالك عن ابن
شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه وعثمان بن عفان كانا يصليان
المغرب حيث ينظران إلى الليل الأسود قبل أن
يفطرا ثم يفطران بعد الصلاة وذلك في رمضان
انتهى. وفي النوادر عن ابن حبيب ولا ينبغي
تأخير الفطر حتى يرى النجوم ولا بأس لمن رأى
سواد الليل أن يفطر قبل أن يؤذن ويصلي إذا رأى
سواد الليل قد طلع من موضع يطلع منه الفجر
تنبعث منه الظلمة انتهى. وفي سنن أبي داود عن
أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يفطر قبل أن يصلي على رطبات فإن لم يجد رطبات
فتمرات فإن لم يجد تمرات حسا حسوات من ماء
فهذا الحديث يخالف كلام الباجي وما تقدم عن
الموطأ إلا أن يحمل هذا على الفطر بالشيء
اليسير وكلام الباجي وما في الموطأ على أن
المراد به العشاء وهذا هو الظاهر وقد قال في
العارضة كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر
قبل أن يصلي على شيء يسير لا يشغله عن الصلاة
وقال الجزولي إنه يفطر بالشيء وحينئذ يأكل
لأنه يستحب له تعجيل الفطر قبل الصلاة ولو
بالماء انتهى. وروى ابن عبد البر في التمهيد
عن أنس قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلي حتى يفطر ولو على شربة ماء ذكره في
شرح
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 45. مسلم في
كتاب الصيام حديث 48. الترمذي في كتاب الصوم
باب 13. ابن ماجة في كتاب الصيام باب 24.
الدارمي في كتاب الصوم باب 11. الموطأ في كتاب
الصيام حديث 6، 7. أحمد في مسنده (5/147، 172،
331، 334، 339).
2 رواه الترمذي في كتاب الصوم باب 13. أحمد في
مسنده (2/238، 329).
(3/305)
__________
الحديث الخامس لعبد الرحمن بن حرملة هذا هو
الظاهر الذي عليه عمل الناس والله أعلم.
الثاني: تقدم في الحديث ما يفطر عليه وهكذا
قال القرطبي في تفسيره إنه يستحب الفطر على
رطبات أو تمرات أو حسوات من ماء وذكر الحديث
وعد القاضي عياض والشبيبي وغيرهما من مستحبات
الصوم ابتداء الفطر على التمر أو الماء وقال
في القرطبية:
من سنن الصوم وقت الفطر ... تعجيله بالماء أو
بالتمر
قال الشيخ زروق في شرحها: من سنن الصوم تعجيل
رفقا بالضعفاء واستحبابا للنفس ومخالفة لليهود
وكونه بالتمر أو ما في معناه من الحلاوات لأنه
يرد للبصر ما زاغ منه بالصوم كما حدث به وهب
فإن لم يكن فالماء لأنه طهور انتهى. فتقديم
الماء على التمر في قول الناظم تعجيله بالتمر
أو بالماء إنما هو لأجل الوزن وقال الدميري من
الشافعية في شرح المنهاج ظاهر الحديث أنه لا
بد من ثلاث تمرات وبذلك صرح القاضي أبو الطيب
ونقله عز الدين ونقله عن الشيخ محب الدين
الطبري القصد أن لا يدخل جوفه شيئا قبله قال
ومن بمكة استحب له الفطر على ماء زمزم لبركته
فإن جمع بينه وبين التمر فحسن قال والحكمة في
التمر أن الصوم يفرق البصر والتمر يجمعه ولهذا
قال الروياني فإن لم يجد التمر فعلى حلاوة
أخرى فإن لم يجد فعلى الماء قال القاضي حسين
والأولى في زماننا أن يفطر على ماء يأخذه بكفه
من النهر لأن الشبهات قد كثرت في أيدي الناس
قال النووي: وما قاله الروياني والقاضي شاذ
والصواب التمر ثم الماء قال الحليمي الأولى أن
لا يفطر على شيء مسته النار وذكر فيه حديثا
انتهى. كلام الدميري وقال الجزولي إن كان عنده
حلال ومتشابه أفطر بالحلال ولا يفطر بالمتشابه
لأنه جاء في الحديث إن لله في كل ليلة من
رمضان سبعمائة عتيق من النار إلا من اغتاب
مسلما أو آذاه أو شرب خمرا أو أفطر على حرام
انتهى.
الثالث: في سنن أبي داود أنه صلى الله عليه
وسلم كان يقول: "اللهم لك صمت وعلى رزقك
أفطرت" وأنه كان يقول: "ذهب الظمأ وابتلت
العروق وثبت الأجر إن شاء الله" 1 وقال الشيخ
زروق في شرح القرطبية ويقول عند الفطر اللهم
لك صمت وعلى رزقك أفطرت فاغفر لي ما قدمت وما
أخرت أو غير ذلك فإن للصائم دعوة مستجابة قيل
بين رفع اللقمة ووضعها في فيه والله أعلم.
قلت: ولم أقف على الزيادة التي ذكرها الشيخ
زروق أعني قوله: فاغفر لي ما قدمت وما أخرت
قال في الأذكار والظمأ مقصور مهموز وهو العطش
قال الله تعالى {لا يصيبهم ظمأ} قال وإنما
ذكرت هذا وإن كان ظاهرا لأني رأيت من أشتبه
عليه فتوهمه ممدودا قال وروينا في سنن أبي
داود وابن السني عن معاذ بن زهرة قال كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال الحمد
لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت قال
وروينا في كتاب ابن
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الصوم باب 22.
(3/306)
__________
السني عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله
عليه وسلم إذا أفطر قال: "اللهم لك صمنا وعلى
رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم"
وأما حديث "للصائم دعوة مستجابة" فقال النووي
روينا في كتابي ابن ماجة وابن السني عن عبد
الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو بن
العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا أفطر يقول: "إن للصائم عند فطره لدعوة ما
ترد" 1 قال ابن أبي مليكة سمعت عبد الله ابن
عمر وإذا أفطر يقول: "اللهم إني أسألك برحمتك
التي وسعت كل شيء أن تغفر لي" انتهى. زاد في
الترغيب في رواية: "أن تغفر لي ذنوبي" وقال:
رواه البيهقي قال في الأذكار: وروينا في كتابي
الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ترد
دعوتهم الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة
المظلوم" 2 قال الترمذي حديث حسن قال النووي:
الرواية حتى بالمثناة فوق. قلت: ذكره في
الترغيب وذكر فيه رواية حين بالمثناة والنون
والله أعلم.
الرابع: قال في العارضة في قوله عليه الصلاة
والسلام: "للصائم فرحتان فرحة عند إفطاره
وفرحة عند لقاء ربه" 3 الفرحة عند إفطاره بلذة
الغذاء عند الفقهاء وبخلوص الصوم من الرفث
واللغو عند الفقراء وفرحة عند لقاء ربه بما
يرى من الثواب وليس هذا لمن أدى الفرض وإنما
هو لمن أكثر من التطوع انتهى. وما قاله من
التخصيص غير ظاهر ولا يوافق عليه والله أعلم.
الخامس: قال ابن ناجي في شرح الرسالة قال
الباجي تعجيل الفطر هو أن لا يؤخر بعد الغروب
على وجه التشديد والمبالغة واعتقاد أنه لا
يجوز الفطر عند الغروب على حسب ما يفعله
اليهود وأما من أخره لأمر عارض أو اختيارا مع
اعتقاد أنه لا يجوز الفطر عند الغروب على حسب
ما يفعله اليهود وأما من أخره لأمر آخر
اختيارا مع اعتقاد أن صومه قد كمل بغروب الشمس
فلا يكره له ذلك رواه ابن نافع في المجموعة
انتهى. وقال في النوادر قال أشهب: وواسع تعجيل
الفطر وتأخيره للحاجة تنوب ويكره أن يؤخره
تنطعا يتقي أن لا يجزئه وهو معنى الحديث في أن
لا يؤخر ثم قال وإنما يكره تأخير الفطر
استنانا وتدينا فأما لغير ذلك فلا كذلك قاله
أصحاب مالك انتهى.
السادس: قال ابن ناجي في شرح المدونة اختلف في
التأخير إذا أراد الوصال فقيل جائز
ـــــــ
1 رواه ابن ماجة في كتاب الصيام باب 48.
2 رواه ابن ماجة في كتاب الصيام باب 48.
الترمذي في كتاب الدعوات باب 128. أحمد في
مسنده (2/305، 445).
3 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 9. كتاب
التوحيد باب 35. مسلم في كتاب الصيام حديث
162، 164، 165. النسائي في كتاب الصيام باب
41، 42. ابن ماجة في كتاب الصيام باب 1.
الدارمي في كتاب الصوم باب 50. أحمد في مسنده
(1/446) (2/232، 273، 345، 393، 439) (3/5).
(3/307)
__________
وقيل: لا وكلاهما حكاه اللخمي واختار جوازه
إلى التسحير وكراهيته إلى الليلة القابلة
انتهى. وقال ابن عرفة: وكره مالك الوصال ولو
إلى السحر اللخمي هو إليه مباح للحديث: "من
أراد أن يواصل فليواصل إلى السحور"1 انتهى.
وقال في الإكمال قال بعض العلماء الإمساك بعد
الغروب لا يجوز وهو كالإمساك يوم الفطر ويوم
النحر وقال بعضهم هو جائز وله أجر الصائم
واحتج هؤلاء بأن في أحاديث الوصال ما يدل على
أن النهي عن ذلك تخفيف ثم ذكر عن ابن وهب
إجازته وعن مالك كراهته وقال اللخمي: اختلف في
الإمساك بعد الغروب بنية الصوم فقيل غير جائز
وهو بمنزلة الإمساك يوم الفطر ويوم النحر وقيل
ذلك جائز وله أجر الصائم انتهى. وظاهر كلام
اللخمي أن القول الأول يقول إن الإمساك حرام
فيكون مخالفا لقول مالك بأن الوصال مكروه
والله أعلم.
السابع: قال ابن ناجي في شرح المدونة قال عياض
اختلف إذا حضرت الصلاة والطعام فذهب الشافعي
إلى تقديم الطعام وذكر نحوه ابن حبيب وحكى ابن
المنذر عن مالك أنه يبدأ بالصلاة إلا أن يكون
الطعام خفيفا. قلت: الأقرب ردهما إلى وفاق وهو
البداءة بالصلاة إن لم يكن بتشوق للطعام فيكون
الخلاف خلافا في حال وبهذا التفصيل كان شيخنا
الشبيبي يفتي انتهى.
قلت: ما ذكره عن عياض ذكره في الإكمال في شرح
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بحضرة
الطعام ولا وهو يدافع الأخبثين" 2 وقوله عليه
الصلاة والسلام: "إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة
فابدؤا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب" 3 قال
القاضي عياض ووقع في غير مسلم في غير هذا
الحديث زيادة حسنة تفسر المعنى وقوله صلى الله
عليه وسلم "إذا وضع العشاء وأحدكم صائم فابدؤا
به قبل أن تصلوا" وألزم الدارقطني مسلما
إخراجه قال إلا أن يكون لم يبلغ مسلما وما
ذكره الأبي عن شيخه ذكر المازري نحوه فقال لما
ذكر الحديثين المتقدمين معناه أن به من الشهوة
إلى الطعام ما يشغله عن صلاته فصار ذلك بمنزلة
الحقن الذي أمر بإزالته قبل الصلاة انتهى.
وقال في الطراز في باب الصلاة بالحقن ومن بلغ
به الجوع ثم حضر الطعام والصلاة
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 48. أبو
داود في كتاب الصوم باب 24. الدارمي في كتاب
الصوم باب 14. أحمد في مسنده (3/8).
2 رواه مسلم في كتاب المساجد حديث 67. أبو
داود في كتاب الطهارة باب 43. الدارمي في كتاب
الصلاة باب 137. أحمد في مسنده (6/43، 54،
73).
3 رواه البخاري في كتاب الأذان باب 42. كتاب
الأطعمة باب 58. مسلم في كتاب المساجد حديث
64، 66. أبو داود في كتاب الأطعمة باب 10.
الترمذي في كتاب المواقيت باب 145. النسائي في
كتاب الإمامة باب 51. ابن ماجة في كتاب
الإقامة باب 34. الدارمي في كتاب الصلاة باب
58. أحمد في مسنده (2/20، 102) (3/ 100، 110،
161، 231، 238) (4/49، 54) (6/40، 51، 149).
(3/308)
__________
فليبدأ بقضاء حاجته من الطعام لأنه يتفرغ بذلك
للصلاة فإن بدأ بالصلاة فإن كان باله مشغولا
بحيث لا يدري ما صلى يعيد ذلك أبدا وإن كان
دون ذلك ولكن يقلقه ويعجله فحسن أن يعيد في
الوقت وإن كان إنما تتوق نفسه إلى الطعام من
غير أن يشغله فلا شيء عليه انتهى. باختصار
وقال الجزولي إذا حضر الطعام والصلاة فإن كان
يخاف أن يشغله قدم الطعام وإن علم أنه لايشغله
أفطر منه بشيء يسير وصلى لأنه يستحب الفطر قبل
الصلاة ولو بالماء انتهى.
الثامن: ذكر المصنف حكم تعجيل السحور ولم يذكر
حكم السحور وقد عده القاضي عياض في قواعده في
سنن الصوم وقال في الإكمال أجمع الفقهاء على
أن السحور مندوب إليه ليس بواجب انتهى. وقال
اللخمي: السحور الأكل عند السحر ولا خلاف أن
السحور مستحب غير واجب انتهى. ونقله الشيخ أبو
الحسن في الكبير وقد ورد في الحث عليه أحاديث
كثيرة ففي الصحيحين قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "تسحروا فإن في السحور بركة" 1 وفي
صحيح مسلم: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل
الكتاب أكلة السحر" 2.
التاسع: قال في الإكمال قوله: فإن في السحور
بركة أصل البركة الزيادة وقد تكون هذه البركة
القوة على الصيام وقد جاء كذلك مفسرا في بعض
الآثار وقد تكون الزيادة في الأكل على الإفطار
وهو مما اختصت به هذه الأمة في صومها وقد تكون
البركة في زيادة الأوقات المختصة بالفضل وهذا
منها لأنه في السحر وقد جاء في فضل ذلك الوقت
وقبول الدعاء والعمل فيه وتنزل الرحمة ما جاء
وقد تكون البركة ما يتعلق بالسحر من ذكر وصلاة
واستغفار وغيره من زيادات الأعمال التي لولا
القيام للسحور لكان الإنسان نائما عنها وتاركا
لها وتجديد النية للصوم ليخرج من الخلاف
والسحور نفسه بنية الصوم وامتثال الندب طاعة
وزيادة في العمل انتهى.
العاشر: قال في الإكمال أيضا وقوله: "فصل ما
بين صومنا وصوم أهل الكتاب أكلة السحر" صوابه
بفتح الهمزة والرواية فيه بضمها وبالضم إنما
هو بمعنى اللقمة الواحدة وبالفتح الأكل مرة
واحدة وهو الأشبه هنا والفصل بالصاد المهملة
الفرق بين الشيئين انتهى. قال ابن ناجي في شرح
المدونة والرسالة قال التادلي: فيما قاله نظر
والأشبه ما في الرواية لما فيه من التنبيه على
قلة الأكل باللقمة الواحدة بخلاف الأكل مرة
واحدة فإنه قد يكون فيها الطعام
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 20. مسلم في
كتاب الصيام حديث 45. النسائي في كتاب الصيام
باب 18، 19. ابن ماجة في كتاب الصيام باب 22.
الدارمي في كتاب الصوم باب 9. أحمد في مسنده
(2/377) (3/32، 99، 215، 229).
2 رواه مسلم في كتاب الصيام حديث 46. أبو داود
في كتاب الصوم باب 15. الترمذي في كتاب الصوم
باب 17. النسائي في كتاب الصوم باب 27.
الدارمي في كتاب الصوم باب 9. أحمد في مسنده
(4/197، 202).
(3/309)
وصوم بسفر وإن
علم دخوله بعد الفجر
__________
الكثير والشبع المذموم انتهى. وقال النووي
ضبطه الجمهور بفتح الهمزة وهي الرواية
المشهورة في رواية بلادنا وقال القاضي عياض إن
الرواية فيه بالضم ولعله يريد في رواية بلادهم
انتهى.
الحادي عشر: قد تقدم أن السحور الأكل وقت
السحر قال النووي في شرح المهذب: ووقته من نصف
الليل إلى طلوع الفجر انتهى. وقال في النوادر
ويستحب تأخير السحور ما لم يؤخر إلى الشك في
الفجر ومن عجله فواسع يرجى له من الأجر ما
يرجى لمن أخره إلى آخر أوقاته انتهى. ويحصل
السحور بقليل الأكل وكثيره ولو بالماء لما روى
ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم "تسحروا
ولو بجرعة من ماء" والله أعلم.
فائدة: قال ابن ناجي وقعت نازلة ببغداد في رجل
حلف بالطلاق وهو صائم أن لا يفطر على حار ولا
بارد فأفتى ابن الصباغ إمام الشافعية بحنثه إذ
لا بد له من أحدهما وأفتى الشيرازي بعدم حنثه
قائلا إنه يفطر على غيرهما وهو حصول الليل
لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا أقبل الليل
من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر
الصائم" 1 وفتوى ابن الصباغ أشبه بمذهب مالك
لأنه يعتبر المقاصد وفتوى الشيرازي صريح مذهب
الشافعي انتهى. ص: "وصوم بسفر وإن علم دخوله
بعد الفجر". ش: يعني أن الصوم في السفر الذي
يجوز فيه الإفطار أفضل من الإفطار يريد لمن
قوي على ذلك وهذا هو المشهور لقوله تعالى:
{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: من
الآية184] ولأن الصوم في رمضان أكثر أجرا لأنه
أشد حرمة بدليل أن من أفطر في رمضان عليه
الكفارة ولا كفارة على من أفطر في قضاء رمضان
وقد صرح في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم
بأن مالكا يستحب الصوم في السفر ويكره الإفطار
وقوله وإن علم دخوله بعد الفجر يعني به أن
المسافر لا يجب عليه الصوم وإن علم أنه يدخل
إلى بلده بعد الفجر في أول النهار بل هو باق
على استحباب الصوم.
تنبيه: لا فرق على المشهور بين أن يدخل بلده
في أول النهار أو في آخره وقال في الطراز إن
علم أنه يدخل في آخر النهار لم يكن عليه أن
يبيت الصوم ولا يندب إلى ذلك
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 33، 43، 45.
مسلم في كتاب الصيام حديث 51، 53. الدارمي في
كتاب الصوم باب 11.
(3/310)
وصوم عرفة إن
لم يحج وعشر ذي الحجة
__________
كما يندب إليه الأول قاله مالك في المختصر
وقاله في المجموعة ابن الماجشون وأشهب وابن
وهب وابن نافع انتهى.
قلت: وهذا يأتي على مقابل المشهور الذي يستحب
الإفطار في السفر ولعل هذا مراد صاحب الطراز
كما يفهم من قوله: كما يندب إليه الأول فيفهم
من كلامه أن الذي يدخل في أول النهار يندب له
الصوم حتى على قول ابن الماجشون فتأمله وسيأتي
بيان السفر الذي يجوز فيه الإفطار واستحب ابن
الماجشون الفطر لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ
بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ
الْعُسْرَ} [البقرة: من الآية185] ولحديث أبي
داود: "وليس من البر الصيام في السفر"1
ولحديث: "أن الله يحب أن تؤتى رخصه" 2 ولمالك
في المختصر ذلك واسع صام أو أفطر وعن ابن حبيب
يستحب الإفطار إلا في سفر الجهاد وذكره ابن
عرفة فتحصل في ذلك أربعة أقوال والفرق على
المشهور بين الإفطار والقصر أن القصر تبرأ معه
ذمة المكلف بخلاف الفطر وأيضا فإن صومه مع
الناس أسهل من الانفراد في صومه غالبا وأما
الآية والحديث فمحمولان على من كان يحصل له من
الصوم مشقة شديدة بدليل أن في صدر الحديث أنه
رأى رجلا يظلل عليه فقال عليه الصلاة والسلام
ذلك.
فائدة: روي الحديث المذكور بإبدال لام التعريف
في قول "البر" و"الصيام" و"السفر" ميما وهي
لغة حمير. ص: "وصوم عرفة إن لم يحج". ش: يعني
أنه يستحب صوم يوم عرفة لغير الحاج لقوله صلى
الله عليه وسلم: "يوم عرفة أحتسب على الله أن
يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" رواه
مسلم وأبو داود وأما إن حج فيكره له صومه
لحديث أبي داود نهى عليه الصلاة والسلام عن
صيام عرفة بعرفة ولأنه صح أنه عليه الصلاة
والسلام كان فيه مفطرا قال في المتيطية ويكره
للحاج أن يصوم بمنى وعرفة متطوعا وهو حسن لغير
الحاج لأن بالحاج حاجة شديدة إلى تقوية جسمه
لصعوبة العمل وكثرته في ذلك الموقف وربما ضعف
بالصوم فقصر عن بعضه فلذلك كره انتهى. وقوله
في المتيطية بمنى يعني في يوم التروية يسمى
عند المغاربة
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 36. مسلم في
كتاب الصيام حديث 92. أبو داود في كتاب الصوم
باب 43. الترمذي في كتاب الصوم باب 18.
النسائي في كتاب الصيام باب 46، 47. ابن ماجة
في كتاب الصيام باب 11. الدارمي في كتاب الصوم
باب 15. أحمد في مسنده (4/299، 317، 319)
(5/434).
2 رواه أحمد في مسنده (2/108).
(3/311)
__________
يوم منى وصومه مستحب كما قاله في الرسالة
وغيرها فإنه قال ابن يونس وصاحب الذخيرة: ورد
أنه كصيام سنة ونحوه في المقدمات قال وصيام
عشر ذي الحجة ومنى وعرفة مرغب فيه وروي أن
صيام يوم عرفة كصيام سنتين وأن صوم يوم منى
كصوم سنة وأن صوم يوم من سائر أيام العشر
كصيام شهر انتهى. و قال في التوضيح: روى ابن
حبيب في واضحته عنه عليه الصلاة والسلام أنه
قال "صوم يوم التروية كصوم سنة" وهو حديث مرسل
وأما غير التروية من أيام منى فالمطلوب فيه
الإفطار كما سيأتي. ص: "وعشر ذي الحج". ش:
يعني أنه يستحب صيام عشر ذي الحجة لأنه روي أن
صيام يوم منها كصيام شهر هكذا قال في المقدمات
وقال في الذخيرة: روي أن صيام كل منها يعدل
سنة قال في المقدمات وقيل في قوله تعالى:
{وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:2] أنها عشر ذي
الحجة وأن الشفع يوم النحر وأن الوتر يوم عرفة
وفي قوله: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج:3]
أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة
والمراد بعشر ذي الحجة التسعة الأيام من أول
الشهر قاله في الشرح الكبير وهو ظاهر إذ لا
يصام يوم النجر وعطفه على يوم عرفة من عطف
الكل على الجزء عكس ما فعل القاضي عياض في
قواعده فإنه قال في الصيام المستحب والعشر
الأول من ذي الحجة وصوم يوم عرفة قال القباب:
هو من باب عطف الجزء على الكل لأنه آخره وهو
آخر ما يصام منها ومراده بقوله صوم يوم العشر
التسع خاصة وهو معظم العشر ويجوز إطلاق الكل
والمراد البعض انتهى. وهذا لغير الحاج وأما
الحاج فيصوم سبعة فقط لأنه قد تقدم في كلام
المتيطي أنه يكره الصوم بعرفة ومنى للحاج وأن
المراد بمنى يوم التروية.
تنبيه: قال في المواهب اللدنية عن هبة بن خالد
عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه
وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصوم تسع ذي الحجة رواه أبو داود عن عائشة رضي
الله عنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم صائما في العشر قطا رواه مسلم
والترمذي وهذا يوهم كراهة صوم العشر وليس فيها
كراهة بل هي مستحبة استحبابا شديدا لا سيما
التاسع منها وهو يوم عرفة وقد ثبت في صحيح
البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما من
أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه يعني
العشر الأول من ذي الحجة" 1 ثم قال وقد ثبتت
الفضيلة لأيام عشر ذي الحجة على غيرها من أيام
السنة وتظهر فضيلة ذلك فيمن نذر الصيام أو
عملا من الأعمال بأفضل الأيام فلو أفرد يوما
منها تعين يوم عرفة لأنه على الصحيح أفضل أيام
العشر المذكور ثم قال والذي يظهر أن السبب في
امتياز عشر ذي الحجة إمكان اجتماع العالمين
العبادة فيه وهي الصلاة والصوم والصدقة والحج
ولا يتأتى ذلك في غيرها وقال أبو أمامة بن
النقاش فإن قلت: أيما أفضل عشر ذي الحجة أو
العشر الأخير من رمضان فالجواب أن أيام عشر ذي
الحجة أفضل لاشتمالها على اليوم الذي ما رؤي
الشيطان في يوم غير يوم بدر أدحر ولا أغيظ
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب العيدين باب 11.
(3/312)
وعاشوراء
__________
منه فيه وهو يوم عرفة ولكونه يكفر بصيامه
سنتين ولاشتماله على أعظم الأيام حرمة عند
الله وهو يوم النحر الذي سماه الله تعالى يوم
الحج الأكبر وليالي عشر رمضان الأخير أفضل
لاشتمالها على ليلة القدر التي هي خير من ألف
شهر ومن تأمل هذا الجواب وجده شافيا كافيا
أشار إليه الفاضل المفضل بقوله ما من أيام دون
أن يقول ما من عشر ونحوه ومن أجاب بغير هذا لم
يدل بحجة صحيحة صريحة انتهى.
قلت: ولا يفهم من هذا الجواب أن ليالي عشر ذي
الحجة لا فضيلة فيها فإن أكثر المفسرين على
المراد بقوله تعالى: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ}
[الفجر:2] الأول من ذي الحجة ولا شك أن
الإقسام بها يقتضي اختصاصها بمزيد فضل وهو
ظاهر والله أعلم. ص: "وعاشوراء". ش: يعني أنه
يستحب صيام عاشوراء لقوله عليه الصلاة والسلام
"صيام يوم عاشوراء احتسب على الله أن يكفر
السنة التي قبله" رواه مسلم وغيره قال ابن
حبيب: ويقال فيه تيب على آدم عليه الصلاة
والسلام واستوت السفينة على الجودي وفلق البحر
لموسى عليه الصلاة والسلام وأغرق فرعون وولد
عيسى عليه الصلاة والسلام وخرج يونس عليه
الصلاة
(3/313)
__________
والسلام من جوف الحوت وخرج يوسف عليه الصلاة
والسلام من الجب وتاب الله سبحانه فيه على قوم
يونس وفيه تكسى الكعبة كل عام.
تنبيهات: الأول: قال في الذخيرة: وهو عاشر
المحرم وقال الشافعي: التاسع لأنه مأخوذ من
إظماء الإبل وعادتهم يسمون الثالث ربعا
والرابع خمسا.
قلت: ظاهر كلامه في المقدمات أن الخلاف في
المذهب ونصه واختلف فيه فقيل العاشر وقيل
التاسع فمن أراد أن يتحرى صامهما انتهى. وفي
صحيح مسلم عن ابن عباس أنه قال إذا رأيت هلال
المحرم فاعدد واصبح يوم التاسع صائما فقيل له
أهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم
قال نعم لكن يعارضه ما رواه مسلم أيضا أنه
عليه السلام قال "لئن بقيت إلى قابل لأصومن
التاسع" فلم يأت العام المقبل حتى توفي قال في
الإكمال قيل في عاشوراء إنه التاسع وقال مالك:
والأكثر هو العاشر وهو الذي تدل عليه الأحاديث
كلها وقوله لئن بقيت لأصومن التاسع يدل على
أنه كان يصوم العاشر وهذا لم يصمه انتهى. وقال
الشيخ زروق في شرح القرطبية اختلف فيه فقيل
التاسع وقيل العاشر واستحب بعض العلماء يوم
قبله ويوم بعده وهذا الذي ذكره عن بعض العلماء
غريب لم أقف عليه والله أعلم. وقال الشيخ يوسف
بن عمر ويستحب صيام التاسع وقال بعضهم وكذلك
الحادي عشر احتياطا لعله نقص الشهر وقال فيه
أيضا قيل سمي عاشوراء لأن عشرة من الأنبياء
أكرمهم الله فيه بعشر كرامات.
الثاني: قال في المقدمات أفضل الأيام للصيام
بعد رمضان يوم عاشوراء وقد كان هو الفرض قبل
رمضان قال الفاكهاني في شرح الرسالة: انظر
تفضيله عاشوراء على يوم عرفة وقد جاء في
الصحيح أن عرفة تكفر السنة التي قبله والتي
بعده وأن عاشوراء تكفر التي قبله والتكفير
منوط بالأفضيلة فمن ادعى خلاف ذلك فعليه
الدليل انتهى. قلت: ففي كلامه ميل إلى تفضيل
يوم عرفة وهو الظاهر.
الثالث: قال في التوضيح: وإنما كان يوم عرفة
يكفر سنتين ويوم عاشوراء يكفر سنة لأن يوم
عرفة يوم محمدي ويوم عاشوراء يوم موسوي.
الرابع: قال ابن حبيب: يستحب في يوم عاشوراء
التوسعة على العيال وقال في المدخل الموسم
الثالث من المواسم الشرعية يوم عاشوراء
والتوسعة فيه على الأهل والأقارب واليتامى
والمساكين وزيادة النفقة والصدقة مندوب إليها
بحيث لا يجهل ذلك لكن بشرط عدم التكلف وأن لا
يصير ذلك سنة يستن بها لا بد من فعلها فإن وصل
إلى هذا الحد لا بد أن يفعلها سيما إن كان من
أهل العلم وممن يقتدى به ولم يكن لمن مضى فيه
طعام معلوم لا بد من فعله وكان بعض العلماء
يتركون النفقة فيه قصدا لينبهوا على أنها ليست
بواجبة وأما ما يفعلونه اليوم من أن عاشوراء
يختص بذبح الدجاج وغيرها وطبخ الحبوب وغيره
فلم يكن السلف يتعرضون في هذه المواسم ولا
يعرفون تعظيمها إلا بكثرة العبادة والصدقة
والخير لا في
(3/314)
__________
المأكول ثم قال ومما أحدثوه فيه من البدع
زيارة القبور وزيارة القبور في هذا اليوم
المعلوم بدعة مطلقا للرجال والنساء ومن البدع
التي أحدثها النساء فيه دخول الجامع العتيق
بمصر واستعمالهن الحناء في هذا اليوم على كل
حال فمن لم تفعلها فكأنها ما قامت بحق عاشوراء
ومن ذلك محرهن الكتان فيه وتسريحه وغزله
وتبييضه ويشلنه ليخطن به الكفن ويزعمن أن
منكراً ونكيرا لا يأتيان من كفنه مخيط بذلك
الغزل وهذا فيه من الافتراء والتحكم في دين
الله ما هو ظاهر ومما أحدثوا فيه من البدع
البخور فمن لم يشتره منهم في ذلك اليوم ويتبخر
به فكأنه ارتكب أمرا عظيما وكونه سنة عندهم لا
بد من فعلها وادخارهن له طول السنة يتبخرن به
إلى أن يأتي عاشوراء الثاني ويزعمن أنه إذا
تبخر به المسجون خرج من سجنه وأنه يبرىء من
العين والنظرة والمصاب والموعوك وهذا أمر خطر
لأنه يحتاج إلى توقيف من صاحب الشريعة فلم يبق
إلا أنه أمر باطل فعلنه من تلقاء أنفسهن.
قلت: وقد سئل الحافظ عبد الرحيم العراقي
الشافعي عن أكل الدجاج والحبوب يوم عاشوراء
أهو مباح أو محرم فأجاب بأنه من جملة المباحات
فإن اقترنت به نية صالحة فهو من الطاعات قال
وذكر أن بعض أهل العصر أفتى بتحريم ذلك في هذا
اليوم وأنه لا يستحب فيه شيء غيرالصوم قال
فسألت عنه فإذا هو ممن ينتحل فتاوى الشيخ تقي
الدين بن تيمية فنظرت بعض فتاوي الشيخ تقي
الدين المتعلقة بذلك فوجدته سئل عن أشياء
تتعلق بيوم عاشوراء ومن المسؤول عنه ذبح
الدجاج وطبخ الحبوب في هذا اليوم فأجاب ليس
شيء من ذلك سنة في هذا اليوم بل هو بدعة لم
يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
فعلها هو ولا أصحابه ثم ذكر حديثا عن أبي
هريرة يتضمن الأمر بصيامه والتوسعة فيه على
العيال وإحياء ليلته والصلاة فيه وأن من اغتسل
فيه لم يمرض إلا مرض الموت ومن اكتحل فيه لم
ترمد عينه في تلك السنة ثم قال وقد علم أنه لم
يستحب أحد من أئمة الإسلام ولا روى أحد من
أئمة الحديث ما فيه استحباب الاغتسال في يوم
عاشوراء ولا الكحل والخضاب وتوسيع النفقة ولا
الصلاة المذكورة ولا إحياء ليلة عاشوراء ولا
أمثال ذلك مما تضمنه هذا الحديث ولا ذكروا في
ذلك سنة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأعلى ما بلغني في ذلك رواه ابن عيينة عن
محمد بن المنتشر أنه من وسع على أهل يوم
عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته قال ابن
المنتشر جربناه ستين سنة فوجدناه حقا ثم اعترض
على ابن المنتشر فيما ذكره ثم قال العراقي
ولقد تعجبت من وقوع هذا الكلام من هذا الإمام
الذي تقول أصحابه أنه أحاط بالسنة علما وخبرة
وقوله لم يستحب أحد من أئمة الإسلام توسيع
النفقة على الأهل يوم عاشوراء وقد قال بذلك
عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله ومحمد بن
المنتشر وابنه وأبو الزبير وشعبة ويحيى بن
سعيد وسفيان بن عيينة وغيرهم من المتأخرين
وأما قوله: ولا روى أحد من أئمة الحديث ما فيه
استحباب ذلك فليس كذلك فقد رواه من أئمة
الحديث في كتبهم المشهورة الطبراني
(3/315)
__________
في الكبير والبيهقي في الشعب وابن عبد البر في
الاستذكار وغيرهم من أئمة الحديث وأما قوله:
ولا ذكروا في ذلك سنة من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم فليس كذلك فقد رواه ابن عبد
البر في الاستذكار عن عمر بن الخطاب بإسناد
جيد ثم ذكر من حديث شعبة عن ابن الزبير عن
جابر أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول "من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء
وسع الله عليه سائر سنته" قال جابر جربناه
فوجدناه كذلك وقال ابن الزبير مثله وقال شعبة
مثله رواه ابن عبد البر في الاستذكار ورجاله
رجال الصحيح ثم ذكر من حديث ابن مسعود نحوه
وقال رواه الطبراني في الكبير ثم ذكر حديث ابن
مسعود من طريق آخر بزيادة فيه وهي أنا الضامن
له كل درهم ينفق يوم عاشوراء يريد به ما عند
الله حسب بسبعمائة ألف في سبيل الله وكان عند
الله أكثر ثوابا ممن في السموات والأرض ومن
تصدق في يوم عاشوراء فكأنما تصدق على ذرية آدم
صلوات الله عليه وسلامه قال ابن عساكر حديث
غريب جدا قال العراقي هو حديث منكر ثم قال
العراقي واعلم أن حديث ابن مسعود في التوسعة
ليس في شيء من الكتب الستة فلا يغتر بذكر ابن
الأثير له في جامع الأصول فإن ذلك وهم عجيب
قال وهذا الكتاب كأنه ليس بمحرر فإن فيه عدة
أوهام وأعجب من ذلك أن أخاه ذكر في اختصاره
لجامع الأصوال هذا الحديث وعلم عليه علامة
البخاري ومسلم وهذا غلط فاحش منهما والحديث
ليس في شيء من الكتب الستة ألبتة ثم ذكر من
حديث أبي هريرة نحو حديث جابر المتقدم وقال
رواه البيهقي في الشعب ثم ذكر حديث أبي هريرة
الذي ذكره ابن تيمية وقال إن ابن الجوزي ذكره
في الموضوعات وقال هذا حديث لا يشك عاقل في
وضعه وأن ابن تيمية قال لا يجوز أن يقال هذا
مؤمن فضلا عن أن يقوله رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثم قال العراقي والحق ما قاله ابن
الجوزي وابن تيمية من أنه حديث موضوع ثم ذكر
من حديث أبي سعيد الخدري وابن عمر نحو حديث
جابر المتقدم ثم قال هذا ما وقع لنا من
الأحاديث المرفوعة وأصحها حديث جابر من الطريق
الأولى م روي بسنده عن عمر بن الخطاب موقوفا
من وسع على أهله ليلة عاشوراء وسع الله عليه
سائر السنة قال يحيى بن سعيد جربنا ذلك
فوجدناه حقا قال وإسناده جيد انتهى. ملخصا من
جزء للحافظ العراقي نحو الكراس وذكر السخاوي
عن العراقي في أماليه أنه قال في طريق جابر
التي ذكرها في الاستذكار إنها على شرط مسلم.
قلت: وقد علم من هذا أنه لم يقف على شيء في
الخصال التي يذكر أنها تفعل في يوم عاشوراء
غير الصوم والتوسعة على العيال وقد روى الحاكم
والبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا من اكتحل
يوم عاشوراء بالإثمد لم ترمد عينه أبدا قال
الحاكم إنه منكر قال ابن حجر هو موضوع أورده
ابن الجوزي في الموضوعات قال الحاكم والاكتحال
يوم عاشوراء لم يرد عن النبي صلى الله عليه
وسلم فيه أثر وهو بدعة ابتدعها قتلة الحسين
ذكر ذلك السخاوي في
(3/316)
وتاسوعاء
__________
المقاصد الحسنة وفي الأثر الذي ذكره عمر
التوسعة على الأهل في ليلة عاشوراء وفي
الأحاديث السابقة التوسعة على الأهل في يوم
عاشوراء فينبغي أن يوسع على الأهل فيهما وقال
الشيخ زروق في شرح القرطبية فيوسع يومه وليلته
من غير إسراف ولا مرآة ولا مماراة وقد جرب ذلك
جماعة من العلماء فصح انتهى. وقال الشيخ يوسف
بن عمر في باب جمل من الفرائض ويستحب التوسعة
في النفقة على العيال ليلة عاشوراء واختلف هل
هي ليلة العاشر أو ليلة الحادي عشر انتهى.
قلت: وقد ذكروا فيما يفعل يوم عاشوراء اثني
عشر خصلة وهي الصلاة والصوم والصدقة والاغتسال
والاكتحال وزيارة عالم وعيادة المريض ومسح رأس
اليتيم والتوسعة على العيال وتقليم الأظفار
وقراءة سورة الإخلاص ألف مرة وصلة الرحم وقد
نظمها بعضهم فقال:
في يوم عاشوراء عشر يتصل ... بها اثنان لها
فضل نقل
صم صل صل زر عالما عد واكتحل ... رأس اليتيم
امسح تصدق واغتسل
وسع على العيال قلم ظفرا ... وسورة الإخلاص
ألفا تقرا
الخامس: قال في المقدمات وقد خص عاشوراء لفضله
بما لم يخص به غيره من أن يصومه من لم يبيت
صيامه ومن لم يعلم به حتى أكل وشرب وقد قيل إن
ذلك إنما كان حين كان صومه فرضا انتهى. قلت:
ظاهر كلامه أن ما قاله هو المذهب وليس كذلك بل
هو قول ابن حبيب قال ابن الحاجب: والمشهور أن
عاشوراء كغيره قال في التوضيح: أي في أنه لا
يجزئ إلا بنية من الليل والشاذ لابن حبيب صحة
صومه بنية من النهار انتهى. وقال ابن عرفة:
والمشهور أن عاشوراء كغيره الباجي عن ابن حبيب
خص بصحته من لم يبيته أو أتمه بعد أكل انتهى.
وسيأتي الكلام على صومه قضاء أو تطوعا لمن
عليه قضاء رمضان عند قول المصنف وتطوع قبل نذر
أو قضاء والله أعلم. فائدة قال القباب: قال
القاضي أبو الفضل في المشارق عاشوراء اسم
إسلامي لا يعرف في الجاهلية قاله ابن دريد
انتهى. ولفظ المشارق يوم عاشوراء ممدود قال
ابن دريد سمي في الإسلام لم يعرف في الجاهلية
وليس في كلامهم فاعولاء وحكي عن ابن الأعرابي
أنه سمى خابوراء ولم يثبته ابن دريد ولا عرفه
وحكى أبو عمروالشيباني في عاشوراء القصر
انتهى. ص: "وتاسوعاء". ش: يعني أنه يستحب صوم
تاسوعاء لما تقدم عن صحيح مسلم أنه عليه
الصلاة والسلام قال: "لئن بقيت إلى قابل
لأصومن التاسع" 1
ـــــــ
1 رواه أحمد في مسنده (1/236).
(3/317)
__________
ولأنه قد تقدم أن العلماء اختلفوا في يوم
عاشوراء هل هو التاسع أو العاشر وقال ابن رشد
من أراد أن يتحرى صامهما.
تنبيهات: الأول: قال القرطبي في تفسيره ولم
يصم النبي صلى الله عليه وسلم التاسع قط ببينة
قوله: "لئن بقيت إلى قابل" الحديث.
قلت: حديث ابن عباس السابق يدل على أنه كان
يصومه فتأمله
الثاني بقي من الأيام التي ورد الترغيب في
صيامها أيام أخر لم يذكرها المصنف منها ثالث
المحرم والسابع والعشرون من رجب ونصف شعبان
والخامس والعشرون من ذي القعدة قال في
التوضيح: واستحب ابن حبيب وغيره صوم السابع
والعشرين من رجب لأن فيه بعث الله محمدا صلى
الله عليه وسلم والخامس والعشرين من ذي القعدة
لأن فيه أنزلت الكعبة على آدم عليه الصلاة
والسلام ومعها الرحمة وثالث المحرم فيه دعا
زكريا ربه فاستجيب له انتهى. من آخر كتاب
الصيام من التوضيح وذكرها في الشامل وعزاها
لابن حبيب فقط وفي شرح الإرشاد للشيخ زروق
ولابن حبيب استحباب السبعة الأيام التي منها
ثالث المحرم والسابع والعشرون من رجب والخامس
والعشرون من ذي القعدة انتهى. وبقية السبعة
تاسوعاء وعاشوراء ويوم التروية ويوم عرفة وأما
نصف شعبان فذكره ابن عرفة لما ذكر أن مما ورد
الترغيب في صومه شعبان فقال خصوصا يوم نصفه
فتصير الأيام المرغب في صيامها في السنة
ثمانية أيام.
الثالث: من الأيام المرغب في صيامها في الجمعة
يوم الخميس ويوم الاثنين نص على ذلك اللخمي
وابن رشد قال في المقدمات كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يصوم الإثنين والخميس وقال:
"إن الأعمال تعرض على الله سبحانه وتعالى
فيهما وأنا أحب أن يعرض عملي على الله سبحانه
وأنا صائم" 1 فصيامهما مستحب انتهى.
الرابع: عد القاضي عياض في قواعده من الصوم
المستحب صوم العشر الأول من المحرم قال القباب
في شرحها: تقدم الحديث في فضل صيام المحرم
وعاشوراء وأما العشر الأول منه فلم أقف فيه
على شيء فلعل المؤلف علم في ذلك شيئا والله
أعلم.
الخامس: قال الشيخ زروق في شرح القرطبية: صيام
المولد كرهه بعض من قرب عصره ممن صح علمه
وورعه قال إنه من أعياد المسلمين فينبغي أن لا
يصام فيه وكان شيخنا أبو عبد الله القوري يذكر
ذلك كثيرا ويستحسنه انتهى.
قلت: لعله يعني ابن عباد فقد قال في رسائله
الكبرى ما نصه وأما المولد فالذي يظهر لي أنه
عيد من أعياد المسلمين وموسم من مواسمهم وكل
ما يفعل فيه ما يقتضيه وجود الفرح
ـــــــ
1 رواه الترمذي في كتاب الصوم باب 44. النسائي
في كتاب الصيام باب 70.
(3/318)
والمحرم، ورجب،
وشعبان،
__________
والسرور بذلك المولد المبارك من إيقاد الشمع
وإمتاع البصر والسمع والتزين بلبس فاخر الثياب
وركوب فاره الدواب أمر مباح لا ينكر على أحد
قياسا على غيره من أوقات الفرح والحكم بكون
هذه الأشياء بدعة في هذا الوقت الذي ظهر فيه
سر الوجود وارتفع فيه علم الشهود وانقشع فيه
ظلام الكفر والجحود وادعاء أن هذا الزمان ليس
من المواسم المشروعة لأهل الإيمان ومقارنة ذلك
بالنيروز والمهرجان أمر مستثقل تشمئز منه
القلوب السليمة وتدفعه الآراء المستقيمة ولقد
كنت فيما خلا من الزمان خرجت في يوم مولد إلى
ساحل البحر فاتفق أن وجدت هناك سيدي الحاج ابن
عاشر رحمه الله وجماعة من أصحابه وقد أخرج
بعضهم طعاما مختلفا ليأكلوه هنالك فلما قدموه
لذلك أرادوا مني مشاركتهم في الأكل وكنت إذ
ذاك صائما فقلت لهم إنني صائم فنظر إلي سيدي
الحاج نظرة منكرة وقال لي ما معناه إن هذا
اليوم يوم فرح وسرور ويستقبح في مثله الصيام
بمنزلة يوم العيد فتأملت كلامه فوجدته حقا
وكأنني كنت نائما فأيقظني انتهى. ص: "والمحرم
ورجب وشعبان". ش: هكذا قال اللخمي: الأشهر
المرغب في صومها ثلاثة المحرم ورجب وشعبان ثم
قال والأصل في هذا قوله صلى الله عليه وسلم:
"أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" 1
أخرجه مسلم وقالت عائشة رضي الله عنها ما رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر منه صياما
في شعبان اجتمع عليه الصحيحان انتهى. وقال في
المقدمات وصيام الأشهر الحرم أفضل من غيرها
وهي أربعة المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة
انتهى. و قال في التوضيح: قال ابن يونس: روي
أنه عليه الصلاة والسلام صام الأشهر الحرم
انتهى. ولم أره في شيء من كتب الحديث بل
يعارضه ما رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود
والترمذي عن عائشة أنها قالت كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر
ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا
رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في
شعبان وهذا لفظ الموطأ والذي جاء في الأشهر
الحرم ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صم من المحرم
واترك صم من المحرم واترك صم من المحرم
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الصوم باب 56. مسلم
في كتاب الصيام حديث 202، 203. الترمذي في
كتاب المواقيت باب 207. النسائي في كتاب قيام
الليل 6. الدارمي في كتاب الصوم باب 45. أحمد
في مسنده (2/342، 344، 535).
(3/319)
__________
واترك" 1 وقال بأصابعه الثلاثة فصمها وأرسلها
وفي مسلم عنه عليه الصلاة والسلام: "أفضل
الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" 2 وأما
شعبان فروى أبو داود والنسائي عن عائشة رضي
الله عنها أنها قالت كان أحب الشهور إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصومه شعبان ثم يصله
برمضان وعنها أيضا أنها قالت ما رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما
منه في شعبان كان يصومه إلا قليلا وفي رواية
لمسلم بعد إلا قليلا بل كان يصومه كله وعن أم
سلمة رضي الله عنها قالت ما رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا
شعبان ورمضان انتهى. كلام التوضيح وما ذكره عن
ابن يونس ذكره صاحب النوادر وقوله إنه يعارضها
ما ذكره الجماعة المذكورون ظاهر لكن يعارض ما
رواه الجماعة أيضا حديث مسلم وحديث أم سلمة
السابقان انتهى.
تنبيهات: الأول: لم يذكروا شيئا يدل على فضل
صوم رجب بخصوصه إلا قوله: صم من المحرم واترك
وقد ذكر جماعة أحاديث في فضل صومه وفي النهي
عن صومه وقد تكلم العلماء في ذلك وأطالوا وقد
جمع في ذلك شيخ شيوخنا الحافظ شيخ الإسلام ابن
حجر جزأ سماه تبيين العجب بما ورد في فضل رجب
فرأيت أن أذكر ملخصه هنا وقد افتتحه رحمه الله
بذكر أسمائه فذكر له ستة عشراسماً وهو رجب
لأنه كان يرجب في الجاهلية أي يعظم أو لترك
القتال فيه يقال أقطع الرواجب والأصم لأنه لا
تسمع فيه قعقعة السلاح والأصب بموحدة لأنهم
كانوا يقولون إن الرحمة تصب فيه ورجم بالجيم
لأن الشياطين ترجم فيه والشهر الحرام لأن
حرمته قديمة والمقيم لأن حرمته ثابتة والمعلى
لأنه رفيع عندهم والفرد وهو اسم شرعي ومنصل
الأسنة ومنصل الآل أي الحراب ومنزع الأسنة
وشهر العتيرة لأنهم كانوا يذبحونها فيه
والمبدي والمعشعش وشهر الله قال ابن دحية ذكر
بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب قال وذلك
كذب قال الحربي كان الإسراء ليلة سبع وعشرين
من ربيع الأول ثم قال فصل لم يرد في فضله ولا
في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في
قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة
وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام الهروي
الحافظ رويناه عنه بإسناد صحيح وكذا رويناه عن
غيره ولكن اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في
إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعيف
ما لم تكن موضوعة انتهى. وينبغي مع ذلك اشتراط
أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا وأن لا
يشهر ذلك لئلا يعمل المرء بحديث فيشرع ما ليس
بشرع أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة
وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد
السلام وغيره وليحذر المرء من دخوله تحت قو له
صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني بحديث يرى
أنه كذب فهو أحد الكاذبين" فكيف بمن عمل به
ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في
الفضائل إذ الكل شرع
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الصوم باب 55.
2 المصدر نفسه في الصفحة السابقة.
(3/320)
__________
ثم نرجع فنقول إن أمثل ما ورد فيه ما رواه
النسائي من حديث أسامة قلت: يا رسول الله لم
أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان
قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان
ففيه إشعار بأن في رجب مشابهة برمضان وأن
الناس يشتغلون فيه عن العبادة بما يشتغلون به
في رمضان ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان ولذلك
كان يصومه وفي تخصيصه ذلك بالصوم إشعار بفضل
صيام رجب وأن ذلك كان من المعلوم المقرر لديهم
ومن ذلك ما رواه أبو داود أنه عليه الصلاة
والسلام قال لبعض أصحابه: "صم من المحرم
واترك، صم من المحرم واترك، صم من المحرم
واترك" 1 فقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم
أرسلها ففي هذا الخبر وإن كان في إسناده من لا
يعرف ما يدل على استحباب صيام بعض رجب لأنه
أحد الأشهر الحرم وأما حديث أنس عن النبي صلى
الله عليه وسلم من "صام من كل شهر حرام الخميس
والجمعة والسبت كتب الله له عبادة سبعمائة
سنة" فرويناه في فوائد تمام الرازي وفي سنده
ضعفاء ومجاهيل وأما الأحاديث الواردة في فضل
رجب أو في فضل صيامه أو صيام شيء منه صريحة
فهي على قسمين ضعيفة وموضوعة فمن الضعيف ما
رواه النقاش في كتاب فضل الصيام له والبيهقي
في فضائل الأوقات له وغيرهما عن أنس بن مالك
رضي الله عنه موقوفا قال إن في الجنة نهرا
يقال له رجب ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من
العسل من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك
النهر قال الحافظ ابن حجر وجدت له شاهدا إلا
أنه باطل وقرأت بخط الحافظ السلفي بسنده عن
أبي سعيد الخدري مرفوعا "أن في الجنة نهرا
يقال له رجب ماؤه الرحيق من شرب منه شربة لم
يظمأ بعدها أبدا أعده الله لصوام رجب" وهو من
وضع السقطي.
قلت: وظاهر كلام البيهقي في الشعب أن الحديث
مرفوع فيحرر ذلك ومن ذلك ما رواه الطبراني في
الأوسط والبيهقي من حديث أنس أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان إذا دخل رجب قال "اللهم
بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" قال وقد
وجدت لهذا الخبر إسنادا ظاهره الصحة فكأنه
موضوع فأردت التنبيه عليه لئلا يغتر به ومن
ذلك ما رواه البيهقي من حديث أبي هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصم بعد
رمضان إلا رجبا وشعبان وهو حديث منكر ثم قال
وورد في فضل رجب من الأحاديث الباطلة أحاديث
لا بأس بالتنبيه عليها منها حديث رجب شهر الله
وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي رواه النقاش
المفسر ورواه ابن ناصر في أماليه عن أبي سعيد
الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن
عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب
الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم
رجب لا يقارنه من الأشهر أحد ولذلك يقال له
شهر الله الأصم وثلاثة أشهر متواليات يعني ذا
القعدة وذا الحجة والمحرم. أل ا
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الصوم باب 55.
(3/321)
__________
وإن رجبا شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر
أمتي فمن صام من رجب يوما إيمانا واحتسابا
استوجب رضوان الله الأكثر وأسكنه الفردوس
الأعلى ومن صام من رجب يومين فله من الأجر
ضعفان وإن كان كل ضعف مثل جنان الدنيا ومن صام
من رجب ثلاثة أيام جعل الله بينه وبين النار
خندقا طول مسيرة ذلك سنة ومن صام من رجب أربعة
أيام عوفي من البلاءات من الجنون والجذام
والبرص ومن فتنة المسيح الدجال ومن عذاب القب
ر " وهو حديث طويل ذكره من طرق وفي بعضها
زيادة على بعض ففي بعض طرقه خيرة الله من
الشهور شهر رجب ومن الأحاديث الباطلة ما ذكره
أبو البركات هبة الله بن المبارك السقطي عن
أنس مرفوعا فضل رجب على الشهور كفضل القرآن
على سائر الأذكار وفضل شعبان على سائر الشهور
كفضل محمد صلى الله عليه وسلم على سائر
الأنبياء وفضل رمضان على سائر الشهور كفضل
الله على عباده ومنها حديث رجب شهر الله ويدعى
الأصم وكان أهل الجاهلية إذا دخل رجب يعطلون
أسلحتهم الحديث قال وهو إن كان معناه صحيحا
فإنه لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومنها حديث رجب شهر الله الأصم من صام من رجب
يوما إيمانا واحتسابا استوجب رضوان الله
الأكبر وهو متن لا أصل له بل اختلقه أبو
البركات السقطي ومنها حديث من صام ثلاثة أيام
من رجب كتب الله له صيام شهر ومن صام سبعة
أيام أغلق عنه سبعة أبواب النار ومن صام
ثمانية أيام فتح الله له ثمانية أبواب الجنة
ومن صام نصف رجب كتب الله له رضوانه ومن كتب
الله له رضوانه لم يعذبه ومن صام رجبا كله
حاسبه حسابا يسيرا ومنها حديث من فرج عن مؤمن
كربة في رجب أعطاه الله في الفردوس قصرا مد
بصره أكرموا رجبا يكرمكم الله بألف كرامة وهو
متن لا أصل له بل اختلقه السقطي ومنها حديث
رجب من أشهر الحرم وأيامه مكتوبة على أبواب
السماء السادسة فإذا صام الرجل منه يوما وجود
صيامه بتقوى الله نطق الباب ونطق اليوم فقالا
يا رب اغفر له وإذا لم يتم صومه بتقوى الله لم
يستغفر له رواه النقاش في فضائل الصيام له
ومنها حديث من صام يوما من رجب كان كصيام سنة
ومن صام سبعة أيام غلقت عنه أبواب جهنم ومن
صام ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة
ومن صام عشرة أيام لم يسأل الله شيئا إلا
أعطاه ومن صام خمسة عشر يوما نادى مناد من
السماء قد غفر لك ما سلف فاستأنف العمل ومن
زاد زاده الله وفي شهر رجب حمل نوح في السفينة
فصام وأمر من معه أن يصوموا رويناه في فضائل
الأوقات للبيهقي ثم ذكره من طريق أخرى وزاد
فيه بعد قوله: فصام وأمر من معه أن يصوموا
شكراً لله وجرت السفينة بهم فاستقرت على
الجودي في يوم عاشوراء وفي رجب تاب الله على
آدم وعلى أهل مدينة يونس وفيه فلق البحر لموسى
وفيه ولد إبراهيم وعيسى ومنها حديث في فضل
الصلاة بعد المغرب في أول ليلة من رجب عن أنس
مرفوعا قال من صلى المغرب في أول ليلة من رجب
ثم صلى بعدها عشرين ركعة يقرأ في كل ركعة
بفاتحة الكتاب
(3/322)
__________
وقل هو الله أحد عشر مرة ويسلم فيهن عشر
تسليمات أتدرون ما ثوابه فإن الروح الأمين
جبريل علمني ذلك قلت: الله ورسوله أعلم قال
حفظه الله في نفسه وأهله وماله وولده وأجير من
عذاب القبر وجاز على الصراط كالبرق بغير حساب
ولا عقاب وهذا حديث موضوع ومنها أيضا حديث عن
ابن عباس مرفوعا من صام يوما من رجب وصلى فيه
أربع ركعات يتمرأ في أول ركعة مائة مرة آية
الكرسي وفي الركعة الثانية قل هو الله أحد
مائة مرة لم يمت حتى يرى مقعده في الجنة أو
يرى له وهذا حديث موضوع ثم ذكر عن ابن عباس
موقوفا أنه قال من صلى ليلة سبع وعشرين من رجب
اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة منها بفاتحة
الكتاب وسورة فإذا فرغ من صلاته قرأ فاتحة
الكتاب سبع مرات وهو جالس ثم قال سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا
حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أربع مرات
ثم أصبح صائما حط الله عنه ذنوب ستين سنة وهي
الليلة التي بعث فيها محمد صلى الله عليه وسلم
ومنها حديث صلاة الرغائب وفيه عن أنس مرفوعا
رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي قيل
يا رسول الله ما معنى قولك رجب شهر الله قال
لأنه مخصوص بالمغفرة وفيه تحقن الدماء وفيه
تاب الله على أنبيائه وفيه أنقذ أولياءه من يد
أعدائه من صامه استوجب على الله مغفرة بجميع
ما سلف من ذنوبه وعمره فما بقي من عمره وأمانا
من العطش يوم الفزع الأكبر فقام شيخ ضعيف فقال
إني يا رسول الله لأعجز عن صيامه كله فقال صلى
الله عليه وسلم صم أول يوم منه فإن الحسنة
بعشر أمثالها وأوسط منه وآخر يوم منه فإنك
تعطى ثواب من صامه كله ثم ذكر صلاة الرغائب
الحديث بطوله ثم قال الحافظ وهذا حديث موضوع
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها حديث
علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم إن شهر رجب شهر عظيم من صام يوما
منه كتب الله له صوم ألف سنة ومن صام منه
يومين كتب الله له صوم ألفي سنة ومن صام منه
ثلاثة أيام كتب الله له صوم ثلاثة آلاف ومن
صام منه سبعة أيام أغلقت عنه أبواب جهنم ومن
صام منه ثمانية أيام حسنة له أبواب الجنة
الثمانية فيدخل من أيها شاء ومن صام منه خمسة
عشر يوما بدلت سيئاته حسنات ونادى مناد من
السماء قد غفر لك فاستأنف العمر ومن زاد زاده
الله قال الحافظ وهو حديث موضوع لا شك فيه ثم
ذكر أحاديث أخر كلها باطلة وقد ذكر البيهقي في
الشعب بعض هذه الأحاديث وكذلك الجزولي في شرح
الرسالة وذكر الدميري في شرح سنن ابن ماجة عن
الحليمي أنه لم يوجد لصوم رجب ذكر في الأصول
المعروفة سوى ما روي أن النبي صلى الله عليه
وسلم سئل عن صوم رجب فقال أين أنتم من شعبان
وهذا يحتمل أن معناه أن رجبا قد ظهر فضله فإنه
من الحرم وكان معظما في الجاهلية فلا تسألوا
عنه واسألوا عن شعبان وحينئذ يجوز أن يكون
صومه مستحبا ويحتمل أن يكون معناه أنه منفصل
عن رمضان فهو كالأشهر التي قبله وإنما المتصل
برمضان والتنبيه به عن بعض الوجوه شعبان فإن
فيه ليلة النصف كما في
(3/323)
__________
رمضان ليلة القدر فاسألوني عنه لا عن رجب قال
الحليمي وهذا أشبه لأن ذا القعدة من الحرم ولم
يرد في صيامه شيء.
الثاني: أخرج ابن ماجة في سننه عن ابن عباس أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب قال
الدميري في شرحها انفرد به المصنف وهو ضعيف
وذكره الحافظ ابن حجر عن سنن ابن ماجة بلفظ
نهى عن صوم رجب كله وقال رواه الطبراني في
الكبير والبيهقي في فضائل الأوقات وقال إن فيه
داود بن عطاء لينه ابن معين ورواه البيهقي في
فضائل الأوقات من هذا الوجه وقال داود بن عطاء
ليس بالقوي وإنما الرواية فيه من فعل النبي
صلى الله عليه وسلم فحرف الراوي الفعل إلى
النهي ثم إن صح فهو محمول على التنزيه والمعنى
فيه ما ذكره الشافعي في القديم قال أكره أن
يتخذ الرجل صوم شهر يكمله من بين الشهور كما
يكمل رمضان قال وكذلك أكره أن يتخذ الرجل يوما
من بين الأيام وإنما كرهت ذلك لئلا يتأسى جاهل
فيظن أن ذلك واجب قال الحافظ ابن حجر والحديث
أشار إليه البيهقي في رواية ابن عباس أخرجه من
طريق عنان ابن حكيم عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم
رويناه في كتاب أخبار مكة للفاكهي بإسناد لا
بأس به عن ابن عباس أنه قال لا تتخذوا رجبا
عيدا ترونه حتما مثل رمضان إذا أفطرتم منه
صمتم وقضيتموه وقال عبد الرزاق في مصنفه كان
ابن عباس ينهى عن صيام رجب كله لئلا يتخذ عيدا
وإسناده صحيح ومثل هذا ما رويناه في مسند سعيد
بن منصور أن عمر كان يضرب أيدي الرجال في رجب
إذا رفعوها عن الطعام حتى يضعوها فيه ويقول
إنما هو موسم كان أهل الجاهلية يعظمونه قال
الحافظ ابن حجر فهذا النهي منصرف لمن يصومه
معظما لأمر الجاهلية أما من صامه لقصد الصوم
في الجملة من غير أن يجعله حتما أو يخص منه
أياما معينة يواظب على صومها أو ليالي معينة
يواظب على قيامها بحيث يظن أنها سنة فهذا من
فعله مع السلامة مما استثنى فلا بأس به فإن خص
ذلك أو جعله حتما فهذا محظور وهو في المنع
بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تخصوا يوم
الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام" 1 رواه مسلم
وإن صامه معتقدا أن صيامه أو صيام شيء منه
أفضل من صيام غيره ففي هذا نظر ويقوي جانب
المنع ما في الصحيح عن ابن عباس ما رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم يوم يفضله
على غيره إلا يوم عاشوراء وهذا الشهر يعني
رمضان وعن أزهر بن سعيد عن أمه أنها كانت دخلت
على عائشة فذكرت لها أنها تصوم رجب فقالت
عائشة صومي شعبان فإن فيه الفضل فقد ذكر لرسول
الله صلى الله عليه وسلم أناس يصومون رجبا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأين هم
من صيام شعبان" رواه عبد الرزاق عن زيد بن
أسلم وقال بعده قال زيد وكان أكثر صيام رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعد
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب الصيام حديث 147. أحمد في
مسنده (6/282).
(3/324)
__________
رمضان شعبان ويحتمل أن تحريه صلى الله عليه
وسلم يوم عاشوراء بعينه كان لغير هذا المعنى
لأنه صدر أن صومه كان مفترضا قبل رمضان وكان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا فعل شيئا من
الطاعات واظب عليه وأما حديث عائشة ما رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل شهرا قط
إلا رمضان وما رأيت أكثر منه صياما في شعبان
فظاهره فضيلة الصوم في شعبان على غيره لكن ذكر
بعض أهل العلم أن السبب في ذلك أنه كان صلى
الله عليه وسلم ربما حصل له الشغل عن صيام
الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فيقضيها
في شعبان فلذلك كان يصوم في شعبان أكثر مما
يصوم في غيره لأن لصيام شعبان فضيلة على صيام
غيره ومما يقوي هذا التأويل ما رواه أبو داود
وغيره من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" إذا دخل النصف من شعبان فلا تصوموا " وفي
رواية فلا يصومن أحد وفي رواية إذا دخل النصف
من شعبان فأمسكوا عن الصيام وقد ذكر بعض أهل
العلم أن معنى هذا النهي للمبالغة في الاحتياط
لئلا يحتاط لرمضان ما ليس لغيره ويكون هذا
بمعنى نهيه عن أن يتقدم أحد رمضان بيوم أو
يومين قال أبو بكر الطرطوشي في كتاب الحوادث
والبدع يكره صوم رجب وهي على ثلاثة أوجه أحدها
أنه إذا خصه المسلمون بالصوم في كل عام حسب
العوام أنه فرض كشهر رمضان وإما سنة ثابتة
كالسنن الثابتة وإما لأن الصوم فيه مخصوص بفضل
ثواب على ثواب باقي الشهور ولو كان من هذا شيء
لبينه صلى الله عليه وسلم قال ابن دحية الصيام
عمل بر لا لفضل صوم رجب فقد كان عمر ينهى عن
صيامه والله أعلم. انتهى. كلام الحافظ ابن حجر
وقال الدميري سئل الحافظ أبو عمر بن الصلاح عن
صوم رجب كله هل على صائمه إثم أم له أجر وفي
حديث يرويه ابن دحية أنه قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم "إن جهنم تسعر من الحول
إلى الحول لصوام رجب" هل يصح ذلك فأجاب لا إثم
عليه في ذلك ولم يؤثمه بذلك أحد من علماء
الأمة فيما نعلمه بل قال حفاظ الحديث لم يثبت
في صوم رجب حديث أي فضل خاص وهذا لا يوجب زهدا
في صومه بما ورد من النصوص في فضل الصوم مطلقا
والحديث الوارد في سنن أبي داود في صوم الأشهر
الحرم كاف في الترغيب وأما حديث تسعر جهنم
فغير صحيح ولا تحل روايته وسئل الشيخ عز الدين
بن عبد السلام فيما نقل بعض المحدثين عن منع
صوم رجب وتعظيم حرمته وهل يصح نذر صوم يوم
جمعة أم لا فأجاب نذر صوم رجب لازم لأنه يتقرب
إلى الله بمثله والذي نهى عن صومه جاهل بمأخذ
أحكام الشريعة وكيف يكون منهيا عنه مع أن
العلماء الذين دونوا الشريعة لم يذكر أحد منهم
اندراجه فيما يكره صومه بل يكون صومه قربة إلى
الله تعالى لما جاء في الأحاديث الصحيحة من
الترغيب في الصوم مثل قوله صلى الله عليه
وسلم: "كل عمل ابن آدم
(3/325)
__________
له إلا الصوم" وقوله: "لخلوف الصائم أطيب عند
الله من ريح المسك" 1 وقوله صلى الله عليه
وسلم: "إن أفضل الصيام صيام أخي داود وقد كان
يصوم يوما ويفطر يوما" 2 من غير تقييد بما عدا
رجب من الشهور ومن عظم رجبا بغير الجهة التي
كان أهل الجاهلية يعظمونه لها فليس بمقتد
بالجاهلية وليس كل ما فعلته الجاهلية منهيا عن
ملابسته إلا إذا نهت الشريعة عنه ودلت القواعد
على تركه ولا يترك الحق لكون أهل الباطل فعلوه
والذي نهى عنه من أهل الحديث جاهل معروف
بالجهل لا يحل لمسلم أن يقلده في دينه إذ لا
يجوز التقليد إلا لمن اشتهر بالمعرفة بأحكام
الله تعالى وبمأخذها والذي يضاف إليه ذلك بعيد
عن معرفة دين الله تعالى فلا يقلد ومن قلده
فقد غر بدينه انتهى. وقال الدميري في منظومته
تتميم الأصب صومه ندب ... لكل قادر وبالنذر
يجب
وأحمد كرهه إذا انفرد ... والمانع المطلق قوله
يرد
والنهي عنه قد روى ابن ماجه ... وضعفه النسائي
في الديباجه
والشيخ عز الدين قال من نهى ... عن صومه في كل
حالة سها
وشدد النكير في الرد عليه ... وقال لا يرجع في
الفتوى إليه
إذ الذين نقلوا الشريعه ... ما كرهوا صيامه
جميعه
وفي عموم طلب الصوم اندرج ... وزال عن صائمه
به الحرج
وابن الصلاح قال من روى رجب ... فيه عذاب
صائميه قد وجب
غير صحيح لا تحل نسبته ... إلى رسول الله ضل
مثبته
ففي عموم الفضل للصوم نصوص ... تدل لاستحبابه
على الخصوص
الثالث: قال ابن عرفة: لما ذكر ما ورد الترغيب
في صيامه من الأيام والشهور وفي صوم الأشهر
الحرم المحرم ورجب وذي القعدة وذي الحجة وهذا
أولى من عدها من عامين انتهى. قلت: قال
السهيلي في أوائل الروض الأنف لما تكلم على
النساة الذين نسؤوا الأشهر الحرم قول ابن هشام
أول الأشهر الحرم المحرم هذا قول وقد قيل إن
أولها ذو القعدة لأن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بدأ به حين ذكر الأشهر الحرم ومن قال
المحرم أولها احتج بأنه أول السنة وفقه هذا
الخلاف أن من نذر صيام الأشهر الحرم فيقال له
على القول الأول ابدأ بالمحرم ثم برجب ثم
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 2، 9. مسلم
في كتاب الصيام حديث 161، 163، 165. الترمذي
في كتاب الصوم باب 54. النسائي في كتاب الصيام
باب 41، 42، 43. ابن ماجة في كتاب الصيام باب
1. الدارمي في كتاب الصوم باب 50. الموطأ في
كتاب الصيام حديث 58. أحمد في مسنده (1/446)
(2/232، 234) (4/130، 202).
2 رواه مسلم في كتاب الصيام حديث 183. النسائي
في كتاب الصيام باب 69.
(3/326)
وإمساك بقية
اليوم لمن أسلم وقضاؤه،
__________
بذي القعدة وذي الحجة وعلى القول الآخر يقال
له ابدأ بذي القعدة حتى يكون آخر صيامك في رجب
من العام الثاني انتهى. قلت: هذا لازم إن نذر
أن يصومها مرتبة وإلا فالظاهر أنه على جهة
الأولى والله أعلم.
الرابع: ذكر ابن عرفة في الأشهر المرغب في
صيامها شوالا ولم أره في كلام غيره من أهل
المذهب لكن وقفت في جمع الجوامع للجلال
السيوطي على حديث ذكره فيه ونصه من صام رمضان
وشوالا والأربعاء والخميس دخل الجنة وقال عقبه
أخرجه البغوي والبيهقي في الشعب عن عكرمة عن
خالد عن عريف من عرفاء قريش عن أبيه انتهى.
وذكر هذا الحديث أيضا ابن العماد في كشف
الأسرار والله أعلم. ص: "وإمساك بقية اليوم
لمن أسلم وقضاؤه". ش: يعني أن الكافر إذا أسلم
في أثناء نهار رمضان فإنه يستحب له الإمساك في
بقية ذلك اليوم ولا يجب عليه الإمساك في بقيته
ويستحب له قضاؤه قال في التوضيح: اختلف في
الكافر إذا أسلم في أثناء نهار رمضان هل يجب
عليه الإمساك أو يستحب عياض والاستحباب لمالك
في المدونة وهو قول ابن القاسم وأشهب وعبد
الملك وابن حبيب وابن خويز منداد لأنه لما غفر
الله له ما تقدم ساوى المجنون يفيق قال الباجي
ومن قال من أصحابنا بخطاب الكفار وهو مقتضى
قول مالك وأكثر أصحابه أوجب عليه الإمساك وعلى
هذا فيكون ظاهر المذهب وجوب الإمساك لكن قال
عياض وهو تخريج بعيد ولو كان كذلك لما اختص
باليوم الذي أسلم فيه مما قبله ولا فرق بينه
وبين ما سبقه لفوات صومه شرعا كاليوم السابق
ولو كان على ما قاله لكان القضاء والإمساك
واجبين على القول بخطابهم ولم يقل بوجوب ذلك
أحد من شيوخنا وإنما استحب ليظهر عليهم صفات
المسلمين في ذلك اليوم انتهى. ونقل اللخمي عن
أشهب في المجموعة أنه قال لا يمسك بقية اليوم
قال وعلى قوله: لا يقضيه وهو أحسن لأن الإسلام
يجب ما قبله عياض وتخريج اللخمي ترك القضاء
على القول بترك الإمساك واستحبابه على استحباب
الإمساك فيه نظر فإنه لا يطرد إذ الحائض
ممنوعة من الإمساك والقضاء عليها واجب والناسي
في الفرض مأمور بالإمساك وعليه القضاء والمغمى
والمحتلم لا يمسكان ولا قضاء والناسي لصومه
يفطر في التطوع مأمور بالإمساك ولا قضاء فلا
ملازمة بينهما انتهى. كلام التوضيح.
(3/327)
وتعجيل القضاء
وتتابعه ككل صوم لم يلزم تتابعه وبدء بكصوم
تمتع إن لم يضق الوقت ،
__________
فرع قال في مختصر الوقار: وكذلك الصبية تحيض
أول حيضتها في يوم من شهر رمضان فإنه يستحب
لها قضاء ذلك اليوم انتهى. وإذا بلغ الصبي أو
الصبية وهو صائم فإنه يتمادى لأن صومه انعقد
نافلة ظاهرا وباطنا فإن كان مفطرا فهو كالحائض
قال سند: أي فلا يستحب له الإمساك ولا يجب
عليه قضاء ما مضى من رمضان ولا قضاء اليوم
الذي بلغ فيه وانظر اللخمي في كتاب الصيام. ص:
"وتعجيل القضاء". ش: تصوره ظاهر.
مسألة: قال في النوادر وإذا لم يزل مريضا من
الأول إلى انقضاء الثاني فليبدأ إذا أفاق
بالأول فإن بدأ بالثاني أجزأه انتهى. ص: "وبدء
بكصوم تمتع إن لم يضق الوقت". ش: قال في
النوادر وإن كان عليه صيام ظهار وقضاء رمضان
بدأ بأيهماشاء إلا أن لا يدركهما قبل رمضان
فليبدأ بقضاء رمضان قبل نذره انتهى. ص: "وفدية
لهرم وعطش". ش: المراد بالهرم الشيخ الكبير
الذي لا يقدر على الصوم بوجه من الوجوه وأما
الذي يقدر عليه في زمن دون زمن فيؤخر للزمن
الذي يقدر فيه على الصوم ولا قائل في المذهب
بأنه يطعم انظر الجزولي.
فرع: قال في مختصر الوقار في المستعطش: ولا
بأس أن يشرب إذا بلغ الجهد منه ولا
(3/328)
وفدية لهرم أو
عطش وصوم ثلاثة من كل شهر وكره البيض كستة من
شوال،
__________
يعد الشرب إلى غيره ولا قضاء عليه. ص: "وصيام
ثلاثة من كل شهر وكره كونها البيض كستة من
شوال". ش: قال في المقدمات روي عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال: "من صام رمضان وأتبعه
بست من شوال فكأنما صام الدهر كله" 1 فكره
مالك رحمه الله ذلك مخافة أن يلحق برمضان ما
ليس منه أهل الجهالة والجفاء وأما الرجل في
خاصة نفسه فلا يكره له صيامها وكذلك كره مالك
رحمه الله أن يتعمد صيام الأيام البيض وهو يوم
ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشرة على ما روي
فيها مخافة أن يجعل صيامها واجبا وروي أن صيام
الأيام الغر وهي أول يوم ويوم عشر ويوم عشرين
صيام الدهر وأن ذلك كان صوم مالك رحمه الله
انتهى. وقال في فرض العين المرغب فيه من
الشهور المحرم ورجب وشعبان ومن الأيام ست من
شوال ويستحب أن لا توصل بيوم الفطر انتهى.
وقال في الذخيرة: وفي مسلم من صام رمضان
وأتبعه بست من شوال الحديث واستحب مالك صيامها
في غيره خوفا من إلحاقها رمضان عند الجهال
وإنما عينه الشرع من شوال للخفة على المكلف
بقربه من الصوم وإلا فالمقصود حاصل من غيره
فيشرع التأخير جمعا بين المصلحتين ومعنى قوله:
فكأنما صام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها
فالشهر بعشرة أشهر والستة بستين كملت السنة
فإذا تكرر ذلك في السنين فكأنما صام الدهر
واستحب مالك صيام ثلاثة من كل شهر وكان يصومها
أوله وعاشره والعشرين وهي الأيام الغر واختار
أبو الحسن تعجيلها أوله وهي صيام الدهر انتهى.
وفي العمدة لابن عسكر ويستحب صيام البيض
وثلاثة أيام من كل شهر ويوم الإثنين والخميس
انتهى. وقال الشبيبي إنما كرهها مالك مخالفة
أن تلحق برمضان وأما الرجل في خاصة نفسه فلا
يكره له صيامها واستحب صيامها في غير شوال
لحصول المقصود من تضاعف أيامها وأيام رمضان
حتى تبلغ عدة الأيام كما قال النبي صلى الله
عليه وسلم: "من صام رمضان
ـــــــ
1 رواه ابن ماجة في كتاب الصيام باب 33.
الترمذي في كتاب الصوم باب 52.
(3/329)
وذوق ملح وعلك
ثم يمجه،
__________
وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله" 1
وصيام شهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام من
شوال بشهرين فذلك صيام سنة ومحل تعيينها في
شوال على التخفيف في حق المكلف لاعتياده
الصيام لا لتخصيص حكمها بذلك إذ لو صامها في
عشر ذي الحجة لكان ذلك أحسن لحصول المقصود مع
حيازة فضل الأيام المذكورة والسلامة مما اتقاه
مالك انتهى. ونقل في التوضيح قوله: لو صامها
في عشر ذي الحجة الخ عن الجواهر وقال في
العارضة وصل الصوم بأوائل شوال مكروه جدا لأن
الناس صاروا يقولون تشييع رمضان وكما لا يتقدم
لا يشيع ومن صام رمضان وستة أيام كمن صام
الدهر قطعا لقوله من {جاء بالحسنة فله عشر
أمثالها} كان من شوال أو من غيره وإنما كان من
غيره أفضل ومن أوسطه أفضل من أوله وهذا بين
وهو أحوط للشريعة وأذهب للبدعةوروى ابن
المبارك والشافعي أنها من أول شوال ولست أراه
ولو علمت من يصومها من أول الشهر وملكت الأمر
أدبته وشردت به وأن أهل الكتاب بمثل هذه
الفعلة غيروا دينهم انتهى. وقال في الذخيرة
إثر كلامه السابق: سؤال في قوله: فكأنما صام
الدهر يشترط في التشبيه المساواة أو المقاربة
وهاهنا ليس كذلك والأجر على قدر العمل ولا
مداناة بين عشر الشيء وكله جوابه معناه فكأنما
صام الدهر لوكان من غير هذه الأمة
تنبيه: هذا الأجر مختلف فخمسة أسداسه الناشئة
عن رمضان أعظم أجرا لكونها ثواب الواجب وسدسه
ثواب النفل وإنما قال بست ولم يقل بستة وهو
الأصل لوجوب تأنيث المذكر في العدد لأن العرب
تغلب الليالي على الأيام لسبقها انتهى. كلام
الذخيرة
فرع: من المكروه الوصال والدخول على الأهل
والنظر إليهن وفضول القول والعمل وإدخال الفم
كل رطب له طعم والإكثار من النوم بالنهار
نقلها القاضي عياض وابن جزي والله أعلم. ص:
"وذوق ملح وعلك ثم يمجه". ش: قال في المدونة
ويكره له ذوق الملح والطعام ومضغه وإن لم يدخل
إلى جوفه ومضغ العلك أبو الحسن يعني ليداوي به
شيئا يدل عليه مقارنته مع ما قبله ويعني أيضا
إذا مضغه مرة واحدة وأما لو مضغه مرارا وابتلع
ريقه فلا شك أنه يفطر لأنه يبتلع بعض أجزائه
مع ريقه ويدل على ذلك أيضا مقارنته مع الملح
والطعام انتهى. من أبي الحسن الكبير وفي
الصغير يعني إذا مضغه ليجعله في موضع وأما
ليبتلع الريق فإنه يفطر لأن الكراهة إنما هي
مرة واحدة انتهى. وقال في الكبير قبل ما تقدم
الكراهة على التنزيه وإنما كره مخافة أن يصل
إلى حلقه شيء من ذلك فحاصله إذا ابتلع ريقه
فإنه يفطر
ـــــــ
1 رواه الترمذي في كتاب الصوم باب 53. النسائي
في كتاب الصيام باب 84. أحمد في مسنده
(5/162).
(3/330)
ومداواة حفر
زمنه إلا لجوف ضرر ونذر يوم مكرر
__________
والله أعلم. وفي النوادر عن المجموعة قال ابن
نافع عن مالك وأكره للصائم مضغ الطعام للصبي
ولحس المداد فإن دخل جوفه منه شيء فليقض ومن
صام من الصبيان فليجتنب ذلك كله ولايذوق
الصائم الملح والعسل وإن لم يدخل جوفه قال عبد
الملك وإن وصل منه إلى جوفه من غير تعمد فليقض
وإن تعمد فليكفر قال أشهب: وأكره له لحس
المداد ومضغ العلك وذوق القدر والعسل في الفرض
والنافلة ومن كتاب ابن حبيب ويكره له ذوق الخل
والعسل ومضغ اللبان والعلك ولمس العقب ولحس
المداد والمضغ للصبي فإن فعل شيئا من ذلك ثم
مجه فلا شيء عليه فإن جاز منه شيء إلى حلقه
ساهيا فليقض وإن تعمد فليكفر ويقض وكل ما يلزم
فيه الكفارة في رمضان من هذا أو غيره ففيه
التطوع القضاء وكل ما ليس فيه إلا القضاء في
رمضان فليس فيه في التطوع قضاء وأما قضاء
رمضان ولك صوم واجب ففيه القضاء في هذين
الوجهين انتهى. وقوله ولمس العقب مثل قوله في
المدونة بعدما تقدم أو يلمس الأوتار بفيه أو
يمضغها قال في الصحاح والعقب بالتحريك العصب
الذي يعمل منه الأوتار الواحدة عقبة تقول منه
عقبة السهم والقدح والقوس إذا لويت شيئا منه
عليه انتهى. وقال بعضهم والفرق بين العقب
والعصب أن العصب يضرب إلى الصفرة والعقب يضرب
إلى البياض. ص: "ومداواة حفر زمنه". ش: قال في
المدونة إثر الكلام المتقدم أو يداوي الحفر في
فيه ويمج الدواء انتهى. وقال ابن عرفة: ويها
كراهة مداواة الحفر في فيه الشيخ عن أشهب إن
كان في صبره لليل ضرر فلا بأس به نهارا ابن
حبيب عليه القضاء لأن الدواء يصل لحلقه الباجي
لا شيء عليه عندي كالمضمضة ولو بلغ جوفه غلبة
قضى وعمدا كفر وكذا ماذ كره ابن زرقون فيصير
المباح والمكروه سواء إن سلم فلا شيء عليه وفي
الغلبة القضاء وفي العمد الكفارة ابن حبيب إن
وصل حلقه قضى انتهى. وقال في الذخيرة: كره
مالك ذوق الأطعمة ووضع الدواء في الفم للحفرأو
عقبا أو غيره قال سند: فإن وجد طعمه في حلقه
ولم يتيقن الازدراد فظاهر المذهب إفطاره خلافا
للشافعية وقاسوا الطعم على الرائحة والفرق أن
الرائحة لا تستصحب من
(3/331)
ومقدمة جماع
كقبلة وفكر إن علمت السلامة وإلا حرمت،
__________
الجسم شيئا بخلاف الطعم انتهى. قال أبو الحسن:
الحفر بسكون الفاء وفتحها وحكاهما في الصحاح
وهو تزليع في أصول الأسنان قال في الصحاح يقال
حفر أسنانه إذا فسدت أصولها. ص: "ومقدمة جماع
كقبلة وفكر إن علمت السلامة وإلا حرمت". ش:
ذكر أدناها وهو الفكر وواحدا من أعلاها وهو
القبلة ليعلم الحكم في بقيتها فلو اقتصر على
الأعلى لتوهم أن الأدنى جائز ولو اقتصر عليه
توهم أن الأعلى محرم مطلقا ومعنى قوله: إن
علمت السلامة قال في التوضيح: من المذي والمني
وقال الشيخ زروق في شرح الإرشاد في قوله:
والقبلة والملاعبة وما ذكره من كراهة القبلة
وما في معناها هو المشهور إن علمت السلامة من
المني والمذي والإنعاظ وإن علم نفيها أو اختلف
حاله حرمت وكذا إن شك على الأرجح من قولين
حكاهما ابن بشير بالكراهة والتحريم ولا قضاء
في مجردها فإن أنعظ أو أمذى قضى على المشهور
وإن أمنى قضى وكفر على المشهور انتهى. وما
ذكره في الفكر هو الذي ارتضاه في توضيحه آخرا
فإنه قال في قول ابن الحاجب والمبادىء كالفكر
والنظر والقبلة والمباشرة والملاعبة إن علمت
السلام لم تحرم وإن علم نفيها حرمت وإن شك
فالظاهر التحريم قال لم يذكر اللخمي وابن بشير
التفصيل الذي ذكره المصنف إلا في الملاعبة
والمباشرة والقبلة وأما النظر والفكر فنص ابن
بشير على أنه إذا لم يستداما لم يحرما اتفاقا
وقد يجاب بأن كلام ابن بشير محمول على ما إذا
علمت السلامة وإلا فبعيد أن يقال بالجواز مع
كونه يعلم أنه يمني أو يمذي انتهى. وقال قبله
قوله: لم تحرم نفيه التحريم لا يقتضي الكراهة
ولا الإباحة وقد كرهوا ذلك في المشهور وقد
جعلوا مراتب الكراهة
(3/332)
وحجامة مريض
فقط وتطوع قبل نذرأو قضاء
__________
تتفاوت بالأشدية على نحو ما رتب المؤلف
المبادىء فالفكر أخفها وأشدها الملاعبة انتهى.
ص: "وحجامة مريض فقط". ش: ومثلها الفصادة قال
في الإرشاد وتكره الفصادة والحجامة قال الشيخ
زروق العلة في كراهتها واحدة وهي التغرير
انتهى. وهذا فيمن يجهل حاله وأما من يعلم من
نفسه السلامة فهي جائزة باتفاق وعكسه عكسه قال
ابن ناجي في شرح الرسالة ولا بد من تقييد هذا
أعني إذا لم يعلم من نفسه السلامة بأن لا يكون
التأخير يضر به وإلا وجب عليه فعل ذلك وإن أدى
إلى الفطر والله أعلم.
تنبيه: قال في التوضيح: الباجي فإن احتج أحد
على تغرير ثم احتاج إلى الفطر فلا كفارة عليه
لأنه لم يتعمدالفطر انتهى. ص: "وتطوع قبل نذر
أو قضاء". ش: يعني أنه يكره التطوع بالصوم لمن
عليه نذر من الصيام أو عليه قضاء رمضان وهذا
في النذرالمضمون وأما
(3/333)
ومن لايمكنه
رؤية ولا غيرها كأسير كمل الشهور وإن التبست
وظن شهراً صامه وإلا،
__________
النذر المعين فإذا جاء زمنه لم يجز له التطوع
فيه فإن فعل أثم ولزمه القضاء قاله في جامع
الأمهات للثعالبي ناقلا له عن المنتقى ويفهم
منه أن التطوع بالصوم قبل النذر المعين إذا لم
يجيء زمنه لا يكره وهو ظاهر. تنبيهات: الأول:
الظاهر أن كل صوم واجب في معنى النذر كما يفهم
من كلام اللخمي ومن كلام صاحب الطراز الآتي.
الثاني: قال في الطراز: فإن تطوع صح صومه قال
ابن نافع في المجموعة يتم تطوعه ثم يقضي ما
عليه وقد أخطأ في تطوعه قبله وهذا بين فإن
الزمان صالح للتطوع وغيره فأيهما وقع صح وإنما
كان القضاء أوجب لأن الذمة مرتهنة به فيسعى في
براءتها ثم يتطوع بما أحب انتهى. وهذا كلام
صاحب الطراز الذي أشرنا إليه.
الثالث: قال في التوضيح: واختلف في المتأكد من
نافلة الصوم كعاشوراء هل المستحب أن يقضي فيه
رمضان ويكره أن يصومه تطوعا وهو قوله في سماع
ابن وهب أو هو مخير ثلاثة أقوال حكاها في
البيان أما دون ذلك من تطوع الصيام فالمنصوص
كراهة فعله قبل القضاء انتهى.
قلت: والمسألة في رسم المحرم من سماع ابن
القاسم من كتاب الصيام وأطال ابن رشد فيها
الكلام وقال إن هذا كله على القول بأن قضاء
رمضان على التراخي وأما على القول بأنه على
الفور وهو ظاهر المدونة في كتاب الصيام فلا
يجوز له أن يصوم يوم عاشوراء إذا كان عليه
قضاء رمضان قال فيأتي في المسألة أربعة أقوال
انتهى. وقال في المدونة وجائز أن يقضي رمضان
في العشر الأول من ذي الحجة انتهى. قال أبو
الحسن: استحب عمر بن الخطاب أن يقضي رمضان في
عشر ذي الحجة وقاله ابن القاسم وسالم قال
ويقضي في يوم عاشوراء قال ابن يونس: إنما
استحبوا ذلك لفضلها فإذا لم يكن التطوع قضى
فيها الواجب انتهى. ص: "وإلا تخير". ش: هذا
القول الذي صدر به في الشامل وفرع عليه ابن
الحاجب ومقابله يصوم السنة كلها قال أبو الحسن
في شرحه الكبير: ثم إذا فرعنا على القول بأنه
إنما يصوم شهرا واحدا فلو شك في الشهر الذي هو
فيه هل هو شعبان أو رمضان فإنه يصوم شهرين
الذي هو فيه لاحتمال كونه رمضان والذي يليه
لاحتمال أن يكون الأول شعبان وإن شك
(3/334)
يخير وأجزأ ما
بعده بالعدد لاقبله أوبقي على شكه وفي مصادفته
تردد،
__________
في الشهر الذي هو فيه هل هو رمضان أو شوال صام
الذي هو فيه لا أكثر فإن كان رمضان فقد صامه
وإن كان شوالا كان قضاء وإن شك هل هو شعبان أو
رمضان أو شوال صام شهرين الذي هو فيه والذي
يليه انتهى. وأصله للخمي ونقله ابن عرفة وقال
فيما إذا شك هل هو رمضان أو شوال وقلنا يصوم
الذي هو فيه فقط يريد فإن ساوى عدده عدد ما
قبله قضى يوما وإن كان شهره أقل قضى يومين
وإلا فلا قضاء انتهى. ص: "أو بقي على شكه". ش:
الذي جزم به اللخمي أنه إذا لم يتبين له شيء
ولا حدث أمر يشككه سوى ما كان عليه أجزأه وإن
شك هل كان رمضان أو بعده أو شك هل كان رمضان
أو قبله قضاه انتهى.
فرع: قال اللخمي: وإن صام الأسير شهرا تطوعا
ثم تبين أنه رمضان لم يجزئه عند ابن القاسم
ويجري فيه قول آخر أنه يجزئه قياسا على قول
فيمن صام رمضان عن عام فرط فيه أنه يجزئه عن
العام الذي هو فيه ولا يضر ما نوى لأنه مستحق
العين انتهى. ورده ابن عرفة بأن نية قضاء
الواجب أقرب لأدائه من نية تطوعه انتهى.
والأول مذهب المدونة وسمع عيسى ابن القاسم من
كان في أرض العدو فعمي عليه رمضان وكان عليه
صيام شهر نذر فصام رمضان لنذره وهو لا يراه
رمضان ثم تبين له قال لا يجزيه لرمضان ولا
لنذره ابن رشد أما رمضان فلأنه لم ينوه وأما
نذره فيدخل فيه الخلاف من مسألة من صام رمضان
قضى عن غيره انتهى. ص: "وفي مصادفته تردد". ش:
الذي قطع به اللخمي الإجزاء وحكاه كأنه المذهب
وهو الذي
(3/335)
وصحته مطلقاًً
بنية مبيتة أو مع الفجر
__________
جزم به في الطراز وعزا مقابله للحسن بن صالح
ورده وقال إنه فاسد وليس شكه في رمضان كشكه في
يوم الشك وقال ألا ترى أنه إذا شك في هلال
شوال أنه يصومه ويجزيه. ص: "وصحته مطلقا بنية
مبيتة أو مع الفجر". ش: يعني أن شرط صحة الصوم
مطلقا أي فرضا كان أو نفلا معينا أوغير معين
أن يكون بنية لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما
الأعمال بالنيات" 1 رواه الشيخان وقوله: "لا
صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" 2 رواه
أصحاب السنن الأربعة ولا يقال الصوم ليس بعمل
فلا يتناوله الحديث وإنما هو كف لأنا نقول
الكف عمل ولقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن
ربه: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي
وأنا أجزي به" 3 وقول الطحاوي إن الاستثناء
منقطع بعيد قاله في التوضيح ويشترط في صحة
الصوم أيضا أن تكون النية مبيتة من الليل
للحديث المتقدم ويصح أن يكون اقترانها مع
الفجر لأن الأصل في النية أن تكون مقارنة لأول
العبادة وإنما لصاحب الشرع تقديمها لمشقة
تحرير الاقتران وحكى في البيان قولا بأنه لا
يصح إيقاعها مع الفجر وقال في فرض العين
وصفتها أن تكون مبيتة من الليل للحديث المتقدم
ويصح أن يكون اقترانها مع الفجر للصوم سواء
كان صوم واجب أو تطوع أو نذر أو كفارة وأن
تكون مبيتة من الليل أو مقارنة للفجر وأن تكون
جازمة من غير تردد وينوي أداء فرض رمضان
انتهى. قال ابن جزي أما الجزم فيتحرز به من
التردد فمن نوى ليلة الشك صيام غد إن
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب بدء الوحي باب 1. مسلم
في كتاب الإمارة حديث 155. أبو داود في كتاب
الطلاق باب 11. النسائي في كتاب الطهارة باب
59. ابن ماجة في كتاب الزهد باب 26.
2 رواه النسائي في كتاب الصيام باب 68.
الدارمي في كتاب الصوم باب 10.
3 رواه البخاري في كتاب اللباس باب 78. مسلم
في كتاب الصيام حديث 161، 163. النسائي في
كتاب الصيام باب 42. أحمد في مسنده (2/257،
273، 516).
(3/336)
__________
كان من رمضان لم يجزه لعدم الجزم ولا يضر
التردد بعد حصول الظن بشهادة أو باستصحاب كآخر
رمضان أو باجتهاد كالأسير انتهى. وقال في
النوادر في كتاب الصيام في ترجمة التبييت في
الصيام ومن المختصر قال مالك: والتبييت أن
يطلع الفجر وهو عازم على الصيام وله قبل الفجر
أن يترك ويعزم فإذا طلع الفجر فهو على آخر ما
عزم عليه من فطر أو صيام وقال في موضع آخر
وإذا بيت أول الليل الصوم فليس عليه أن يكون
ذاكرا لذلك إلى الفجر قال ابن حبيب: ومن نوى
أن يصبح صائما فهو بالخيار إن شاء تمادى وإن
شاء ترك ما لم يطلع الفجر انتهى. ولا تكفي
النية نهارا خلافا لمن أجاز ذلك إذا لم يأكل
قال في العارضة أخبرنا الخطيب أو المطهر عن
أبي بكر الحجندي في تعليل هذه المسألة أن
النية هي القصد والقصد إلى الماضي محال عقلا
وانعطاف النية معدوم وشرعا ثم ذكر عن الحجندي
أنه أجاز لمن أكل في يوم من الأيام أن ينوي
بعد ذلك النفل صوما قال وهذا خرق للإجماع
انتهى. وقال في التوضيح:
فرع: ولا يجوز تقديم النية قبل الليلة وهو قول
الكافة انتهى. وقال في البيان في سماع عيسى
والذي يوجبه النظر أن إيقاع النية قبل غروب
الشمس من ليلة الصوم لا يصح لقوله صلى الله
عليه وسلم: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من
الليل" 1
تنبيه: قال في المقدمات: الذي يلزم من النية
في صيام رمضان اعتبار القربة إلى الله بأداء
ما افترض عليه من استغراق طرفي النهار
بالإمساك عن الطعام والشراب والجماع انتهى.
وله نحو ذلك في الصلاة وقال فيه واستشعار
الإيمان شرط في صحة ذلك كله ثم قال فإن سها عن
استشعار الإيمان لم يفسد عليه إحرامه لتقدم
علمه به قال وكذلك إن سها عن أن ينوي الوجوب
ووجوب الصلاة والقصد إلى أدائها والتقرب بها
إلى الله لم يفسد إحرامه إذا عين الصلاة لأن
التعيين لها يقتضي الوجوب والقربة والأداء
لتقدم علمه بوجوب تلك الصلاة فكذلك هنا إذا
نوى صوم رمضان أجزأه لأن تعيينه يقتضي الوجوب
لتقدم العلم به إلى آخر ذلك والله أعلم.
فرع: قال البرزلي: من بيت على صوم التطوع
فاستيقظ فظن طلوع الفجر فواقع أهله ثم تبين
أنه لم يطلع فالأولى إمساك ذلك اليوم قلت: إن
كان قطع النية قبل الفجر فالاستحباب واضح إذا
أعاد النية قبله لأنه نوى عبادة فالأولى
تمامها وإن لم يعد النية حتى طلع الفجر فلا
فائدة في تمام النهار لأنه غير منوي وأما لو
تم على نية أول النهار وفعل الوطء نسيانا أو
عمدا واعتقد أنه غير ضار فالصواب في هذا إن
تمادت هذه النية حتى طلع الفجر أنه يجب تمامه
ـــــــ
1 المصدر نفسه رقم 2 في الصفحة السابقة.
(3/337)
وكفت نية لما
يجب تتابعه لا مسرود ويوم معين ورويت على
الاكتفاء فيهما
__________
ص: "وكفت نية لما يجب تتابعه". ش: يعني أن
الصوم الذي يجب تتابعه يكفي فيه نية واحدة في
أول ليلة من بعد الغروب والصوم الذي يجب
تتابعه هو رمضان في حق الصحيح وكفارة القتل
والظهار والفطر في رمضان والصوم المنذور فتكفي
في ذلك كله نية واحدة في أول ليلة منه على
المشهور وعن مالك وجوب التبييت كل ليلة قال في
البيان وهو شذوذ في المذهب انتهى.
تنبيهان: الأول فهم من قول المصنف لما يجب
تتابعه أن المسافر والمريض لا بد لهما من
التبييت كل ليلة لأن التتابع لا يجب عليهما
وهو كذلك كما سيأتي بيانه عند قول المصنف لآ
إن انقطع تتابعه
الثاني قوله: وكفت يشعر بأن المطلوب التبييت
كل ليلة وهو كذلك وقد صرح القاضي عياض في
قواعده والشبيبي وغيرهما بأنه يستحب تجديد
النية لكل يوم من رمضان والله أعلم. ص: "لا
مسرود ويوم معين ورويت على الاكتفاء فيهما
شسرد الصوم تتابع قاله في الصحاح والمعنى أن
من عزم على سرد صوم أيام أو نوى صوم يوم معين
كيوم الإثنين أو الخميس دائما و نذر ذلك فإنه
لا يصح صومه إلا بنية مجددة كل ليلة ولا يكتفي
بنية واحدة ودخل في ذلك من أراد قضاء رمضان
متتابعا ومن عزم على صوم رمضان في السفر أو في
المرض فلا بد له من تجديد النية كل ليلة وعن
مالك أنه يجزئه نية واحدة في الصوم الذي عزم
على تتابعه وكذلك اليوم الذي نوى صومه أو نذره
(3/338)
لا إن انقطع
تتابعه بكمرض أو سفر،
__________
تنبيه: تأمل قول المصنف رويت عليها فإنه لم
يذكر في التوضيح من رواها على القولين ولم أقف
على ذلك في شرح المدونة. ص: "لا إن انقطع
تتابعه بكمرض أو سفر". ش: هذا مخرج من قوله:
وكفت نية لما يجب تتابعه فيحتمل أن يكون على
حذف مضاف والتقدير لا إن انقطع وجوب تتابعه
والمعنى أن النية إنما تكفي فيما يجب تتابعه
ما لم يحصل فيه ما يقطع وجوب التتابع كالمرض
والسفر فإن حصل ذلك فيه فلا تكفي النية
السابقة ولو أراد المكلف استمراره على الصوم
ومتابعته فلا بد له من التجديد كل ليلة قال فى
التوضيح وما ذكره يعني ابن الحاجب من الاكتفاء
بنية واحدة إنما هو في حق الحاضر وأما المسافر
فلا بد له من التبييت كل ليلة قاله في العتبية
والمريض ملحق بالمسافر وحكى سند قولا ثانيا في
المسافر بالاكتفاء بنية واحدة وأشار اللخمي
إلى أنه يتخرج على القول بالاكتفاء بالنية
الواحدة في السرد انتهى.
قلت: وتخريج اللخمي ظاهر وصرح ابن رشد في
البيان بأن الاكتفاء بالنية الأولى هو قول
مالك في المبسوط وقال الفاكهاني في شرح
الرسالة من نوى جميع رمضان من أوله ثم سافر في
أثنائه اختلف فيه قول مالك فقال في المبسوط لا
يحتاج إلى تجديد نية وقا في العتبية: يحتاج
إلى تجديد النية واستظهر في البيان الاكتفاء
بنية واحدة من أوله ونصه في رسم حلف من سماع
عيسى وأما ما كان من الصيام يجوز تفريقه كقضاء
رمضان وصيامه في السفر وصيام كفارة اليمين
وفدية الأذى فاختلف إذا نوى متابعة ذلك هل
تجزيه واحدة في أوله أو يلزمه تجديد النية لكل
يوم لجواز الفطر على قولين الأظهر منهما أنه
تجزئه نية واحدة في أوله يكون حكمها باقيا ولو
زال عينها ما لم يقطعها بنية الفطر عامدا وأما
لو لم ينو
(3/339)
__________
متابعته من ذلك فلا اختلاف في أن عليه تجديد
النية لكل يوم انتهى. والذي أشار إليه صاحب
التوضيح في العتبية هو في سماع موسى ونصه قال
مالك: لا يجزيه الصيام في السفر إلا أن يبيته
في صيام رمضان ابن رشد معناه أنه لا يجزئه
الصيام في السفر في رمضان إلا أن يبيته كل
ليلة وإن نوى أن يتابع الصيام في سفره وأما إن
لم ينو متابعة الصيام فلا خلاف أنه لا بد له
من التبييت في كل ليلة وفي المبسوط لمالك أنه
لا تبييت على من شأنه سرد الصيام ومثله في
الواضحة وقال أبو بكر الأبهري ومحمد بن الجهم
وهذا استحسان والقياس أن عليه التبييت في كل
ليلة لجواز الفطر فما له في المبسوط لمالك
خلاف قول مالك في هذه الرواية وقد مضى هذا
المعنى في أول رسم سلف من سماع عيسى وبالله
التوفيق انتهى. وعلم من كلام المصنف أن
المسافر إذا فرغ من سفره وأقام فلا بد له من
تجديد النية لما بقي من صومه الذي يجب عليه
فيه التتابع من باب أحري وكذلك المريض إذا صح
لأن ما بعد السفر والمرض كصوم مبتدأ وكذلك
الحائض وكل من أفطر لعذر أو لغير عذر فلا
تكفيه النية الأولى لأنه إذا كانت النية
الأولى ينقطع حكمها بارتفاع وجوب التتابع ولو
كان التتابع حاصلا فأحرى أن يرتفع حكمها
بانقطاع التتابع حسا قال في التلقين وأما قطع
النية فهو بإفساد الصوم أو تركه على الإطلاق
لعذر أو لغير عذر أو لحصول الوجه الذي يسقط
معه الانحتام وأن أثر الصوم معه كالسفر والمرض
أو لا ينقطع استدامتها وإنما ينقطع استصحاب
ابتدائها انتهى. ففهم من قوله: بإفساد الصوم
أنه لو فسد صوم يوم من رمضان أو من الصيام
الذي يجب تتابعه فإن حكم النية ينقطع ولو كان
بالفطر فيه ناسيا ولا بد من تجديدها لما بقي
منه وقد صرح بذلك في التوضيح وقال إنه إذا
انقطع التتابع بفطر لمرض أو حيض أو سفر أو
نسيان فإنه يلزمه تجديد النية على المشهور قال
وعبر عنه في التنبيهات بالمعروف انتهى. مع أن
الفطر ناسيا لا يقطع التتابع بلا خلاف كما
سيأتي تحقيقه في كتاب الظهار أن كلام المصنف
يقتضي أن فيه خلافا وفهم من قول التلقين أو
بحصول الوجه الذي يسقط معه الانحتام ما تقدم
في حق المسافر والمريض وقوله ولا يقطع
استدامتها إلى آخره يعني به أن حصول المرض
والسفر في أثناء النهار لا يقطع استدامة النية
حكما في ذلك اليوم وإنما يقطع استصحابها في
ابتداء الصوم فيما بعد ذلك والله أعلم. و قال
في التوضيح: وانظر إذا أفطر متعمدا لغير عذر
هل يلزمه التجديد اتفاقا ويجري فيه الخلاف
وعبارة ابن بشير لو طرأ في رمضان ما أباح
الفطر هل يفتقر إلى إعادة التبييت في المذهب
قولان انتهى.
قلت: قال في الذخيرة: الحكم السابع من أحكام
الإفطار قطع النية الحكمية وفي الجواهر تنقطع
بإفساد الصوم أو تركه على الإطلاق لعذر أو
لغير عذر أو بزوال التحتم كالسفر والمرض
انتهى. وأصله في التلقين كما تقدم فتأمله
والله أعلم. ويحتمل أن يريد المصنف بقوله:
(3/340)
وبنقاء ووجب إن
طهرت قبل الفجر وإن لحظة ومع القضاء إن شكت،
__________
"لا إن انقطع تتابعه" أن الصوم الذي يجب
تتابعه وتكفي فيه النية الواحدة إذا انقطع
التتابع فيه بحصول الفطر بوجه من الوجوه
المتقدمة فلا بد من تجديد النية لما بقي منه
وأما إذا حصل ما يقطع وجوب التتابع ولم ينقطع
التتابع بالفعل فيستفاد حكمه من مفهوم قول
المصنف أولا وكفت نية لما يجب تتابعه كما تقدم
بيان ذلك والله أعلم. ص: "وبنقاء". ش: يعني أن
شرط صحة الصوم النقاء من دم الحيض والنفاس
يريد في جميع النهار وإنما ذكر هذا الشرط هنا
مع أنه قد قدم في باب الحيض أن الحيض والنفاس
يمنعان صحة الصوم ووجوبه به ليفرع عليه ما
سيذكره ولا يقال قوله هنا إن النقاء من دم
الحيض والنفاس شرط في صحة الصوم يقتضي أنه مشى
على القول بأنه شرط في الصحة لا في الوجوب وهو
خلاف ما قدمه في فصل الحيض وخلاف مذهب الأكثر
لأنا نقول قوله: إنه شرط في الصحة لا ينفي أنه
شرط في الوجوب وقول الشارح في الكبير إن
الأكثر على أنه شرط في الوجوب لا في الصحة ليس
بظاهر إذ لا خلاف في أنه شرط في الصحة ونقله
عن ابن عبد السلام وليس في كلام ابن عبد
السلام ولا المصنف في التوضيح ما يدل على ذلك.
ص: "ووجب إن طهرت قبل الفجر وإن لحظة". ش: هذا
هو المشهور كما صرح به غيرواحد وقال ابن
الماجشون إن طهرت قبل الفجر بزمن يسع الغسل
فلم تغتسل حتى طلع الفجر أجزأها صومها وإن كان
الوقت ضيقا لا يسع الغسل لم يجزها صومها
انتهى. من التوضيح وظاهره أنه يجوز لها الأكل
عنده فإنه قال
(3/341)
وبعقل وإن جن
ولو سنين كثيرة أو أغمي يوماً أو جله أو أقله
ولم يسلم أوله فالقضاء لا إن سلم
__________
بعد وقال محمد بن مسلمة تصوم وتقضي وفي كلامه
في الطراز ما يدل على ذلك والله أعلم. ص: "وإن
جن ولو سنين كثيرة". ش: يعني أن من جن في
رمضان فعليه قضاؤه وسواء طرأ عليه الجنون بعد
البلوغ أو بلغ مجنونا وسواء كانت السنون كثيرة
أو قليلة وهذا مذهب المدونة وقيل إن قلت:
السنون فعليه القضاء وذلك كالخمسة الأعوام وإن
الغرماء فلا قضاء ذكره اللخمي عن ابن حبيب عن
مالك وإليه أشار بقوله ولو سنين كثيرة وقيل إن
بلغ مجنونا فلا قضاء عليه وإن طرأ عليه الجنون
فعليه القضاء. ص: "أو جله أو أقله ولم يسلم
أوله". ش: هذا هو المشهور في المذهب قاله في
الطراز وقال ابن حبيب: ولا يؤمر بالكف بقية
نهاره انتهى. ولم ينقل خلافه ذكره في باب
المغمى وفي مسألة من قدم من السفر. ص: "لا إن
سلم ولو نصفه". ش: انظر إذا طرأ الجنون بعد
الفجر ولم يطل هل هو كالإغماء أم لا ظاهر كلام
ابن عبد السلام أنه ليس كالإغماء فإنه قال في
شرح قول ابن الحاجب وإن كان في أقله وأوله
سالك فكالنوم يريد إن كان الإغماء في أقل
النهار مع بالإجماع أوله فلا أثر له كالنوم
وذلك لكثرته في الناس ولا يلزم على هذا إلحاق
الجنون به في هذا لقتله انتهى. وظاهر كلام
صاحب الطراز أن حكم الجنون والإغماء سواء فإنه
قال في باب الاعتكاف إذا أغمي عليه أو جن وكان
في عقله حين الفجر أو أكثر النهار ولم يخرج
(3/342)
ولو نصفه وبترك
جماع وإخراج مني ومذي وقيء
__________
من المسجد حتى دخل الليل يجزئه عكوفه ذلك
اليوم على ما مر في صحة صومه انتهى. ص: "وبترك
جماع وإخراج مني ومذي وقيء". ش: ظاهر كلامه أن
هذا شرط رابع وقال الشارح الأحسن أن بعد هذا
من الأركان إلا أن يكون المراد بالشرط ما لا
تصح الماهية بدونه كان داخلا أو خارجا وهذا
جار في أكثر الشروط التي ذكرها في هذا الباب
وفي الشامل وركنه إمساك من طلوع الفجر الصادق
للغروب عن إيلاج حشفة أو مثلها من مقطوعها ولو
بدبرأو فرج ميتة أو بهيمة وإخراج مني ولا أثر
للمستنكح منه ومن المذي انتهى. ولأجل إخراج
المستنكح من المني والمذي والقيء الغالب
والاحتلام قال المصنف وإخراج مني الخ وخرج به
أيضا من أمذى بمجرد الفكر أو النظر من غير
استدامة فإنه يصدق عليه أنه ما أخرج المذي كما
سيأتي في كلام ابن بشيرفتأمله.
تنبيه: لم يذكر المصنف الإنعاظ وذكر في
المدونة فيه قولين قال فيه روى ابن وهب وأشهب
عن مالك فيمن قبل امرأته أو غمزها أو باشرها
في رمضان فلا شيء عليه إلا أن يمذي فيقضي
انتهى. فهذا يقتضي أنه لا قضاء في الإنعاظ ثم
قال قال ابن القاسم: وإن جامعها دون الفرج أو
باشرها فأنزل فالقضاء عليه والكفارة وإن
باشرها فأمذى أو أنعظ وحرك منه لذة وإن لم يمذ
فليقض وإن لم ينزل ذلك منه شيئا ولا أنعظ ولا
حرك ذلك منه فلا شيء عليه انتهى. فقول ابن
القاسم يقتضي أنه يلزمه القضاء في الإنعاظ على
المباشرة وقال في البيان في رسم طلق من سماع
ابن القاسم إن نظر قاصدا إلى التلذذ بالنظر أو
(3/343)
__________
تذكر قاصدا إلى التلذذ بذلك أو لمس أو قبل أو
باشر فلا شيء عليه وإن انعظ ولم يمذ ففي ذلك
ثلاثة أقوال أحدها أن عليه القضاء وهي رواية
ابن القاسم هذه والثاني لا شيء عليه وهي رواية
أشهب عن مالك في المدونة والثالث الفرق بين
المباشرة وما دونها من قبلة أو لمس فإن أنعظ
عن مباشرة فعليه القضاء وإن أنعظ مما دونها
فلا قضاء عليه وهو قول ابن القاسم الذي أنكره
سحنون انتهى. و قال ابن الحاجب: وفي المذي
والإنعاظ قولان قال في التوضيح: والقول
بالقضاء في الإنعاظ رواه ابن القاسم في
الحمديسية ابن عبد السلام وهو الأشهر وبعدمه
رواه ابن وهب قال في التنبيهات وإنما الخلاف
عند بعضهم إذا حصل عن ملاعبة أو مباشرة وأما
إن كان عن نظر أو لمس فلا شيء عليه وأطلق في
البيان الخلاف انتهى. ثم ذكر كلامه المتقدم
ولفظ عياض على كلام المدونة المتقدم قوله: وإن
لم ينزل ذلك منه شيئا وفي رواية ابن عتاب لم
ينزل ذلك منه شيئا وعلى الروايتين فقد تبين
أنه إذا انعظ ولم يمذ عليه القضاء ومثله لمالك
في العتبية والحمديسية في المباشرة والقبلة
وعبد الملك ومطرف لا يريان في الإنعاظ شيئا من
مباشرة أو قبلة ووافقهما ابن القاسم من رأيه
في العتبية في القبلة وظاهر رواية أشهب وابن
وهب في الكتاب لا قضاء فيهما لقوله وإن لم يمذ
فلا شيء عليه وكذا نقلها الباجي من رواية ابن
وهب عن مالك نصا وقيل إنما الخلاف إذا انعظ عن
مباشرة أو قبلة وإما عن نظر ولمس فلا قضاء
عليه إلا أن يمذي انتهى. ثم قال ابن الحاجب:
فإن نظر أو فكر فلم يستدم فلا قضاء أنعظ أو
أمذى للمشقة قال في التوضيح: تقييده هنا بعدم
الاستدامة يقتضي أن الخلاف الذي قدمه في المذي
والإنعاظ مع استدامته.
فإن قلت: هل يمكن حمل كلامه الأول على ما إذا
حصل من ملاعبة أو مباشرة والثاني ما إذا كان
عن نظر ويكون كلامه مبنيا على الطريقة التي
ذكرها عياض قيل لا لأن المصنف لما قيد كلامه
بنفي الاستدامة دل على أنه لو استدام لكان
الحكم خلاف ذلك وتلك الطريقة ليس فيها تفضيل
وما ذكره من أنه إذا أمذى من غير استدامة لا
قضاء عليه يخالف المدونة نعم يوافق ما ذكره
المصنف في مختصر الواضحة انتهى. وفي التنبيه
لابن بشير تبدأ بأوائل الجماع ومقتضيات الشهوة
على الترتيب ونذكر ما يكون عليها الأول فالأول
فنقول إن من فكر فالتذ بقلبه فلا حكم للذة
وهذا مما تسقطه الشريعة لأن تكليفه حرج فإن
أنعظ بذلك أيضا فإن أمذى نظرت هل استدام أم لا
فإن استدام كان بمنزلة من أمذى قصدا فيؤمر
بالقضاء وهل يجب أولا قولان وإن لم يستدم فلا
شيء عليه لأنه لو كلف القضاء لأدى إلى الحرج
الذي تسقطه الشريعة السمحة وإن أمنى فإن
استدام قضى وكفر وإن لم يستدم فالقضاء بلا
كفارة وأن يكون ذلك علة فيسقط القضاءللمشقة
وإن نظر فالتذ بقبلة فلا حكم لما قدمناه وإن
أنعظ فكذلك وإن أمنى استدام فالقضاء على ما
تقدم وإن لم يستدم
(3/344)
وإيصال متحلل
أو غيره على المختارلمعدة بحقنة بمائع،
__________
النظر استحب القضاء ولم يجب وإن أمذى فإن
استدام قضى وكفر وإن لم يستدم فالقضاء وهل
يكفر جمهور أهل المذهب أنه لا يكفر وألزمه
الكفارة أبو الحسن القابسي فإن قيل فالتذ
بقلبه فلا شيء عليه وإن أنعظ فقولان ثم قال
فإن باشر أو لاعب ولم يمذ فلا شيء عليه إلا أن
ينعظ فقولان على ما تقدم انتهى. وكلام ابن
بشير هذا موافق للطريقة التي ذكرها عياض في
عدم تقييد بالاستدامة في النظر والفكر وهي
الظاهرة ويؤخذ من كلام صاحب الشامل فإنه بعد
أن ذكر القبلة والمباشرة والملاعبة قال فإن
أمذى وأنعظ قضى على المشهور لكنه لم يتعرض
لحكم ما إذا كان ذلك عن نظر وفكر والله أعلم.
وقال ابن عبد السلام إثر قوله: والأشهر وجوب
القضاء والأقرب سقوطه لعدم الدليل الدال على
وجوبه والله أعلم. ص: "وإيصال متحلل أو غيره
على المختار لمعدته". ش: وعلى ما اختار اللخمي
اقتصر في الجلاب والتلقين فانظره ورجحه ابن
يونس أيضا.
فرع: إذا ابتلع الصائم في النهار ما يبقى بين
أسنانه من الطعام ولم يجب عليه قضاء لأنه أمر
غالب وقال ابن الماجشون وإن كان متعمدا لأنه
ابتدأ أخذه في وقت يجوز له وهو بعيد قاله ابن
رشد في الرسم الأول من سماع أشهب من كتاب
الصلاة في مسألة من خرج من المسجد وفي يده
حصباء والله أعلم. ص: "بحقنة بمائع". ش: قال
في المدونة وتكره الحقنة والسعوط للصائم فإن
احتقن في فرض أو واجب بشيء يصل إلى جوفه فليقض
ولا يكفر.
(3/345)
__________
وقال بعده: وإن قطر في إحليله دهنا استدخل
فتائل أو داوى جائفة بدواء مائع أو غيرمائع
فلا شيء عليه انتهى. عياض الحقنة ما يستعمله
الإنسان من دوائه من أسفله انتهى. أبو الحسن
في الكبير والكراهة على بابها لأنا لا نعلم
ونقطع أنه يصل لجوفه ولو قطعنا أنه يصل كان
حراما أو أنه لا يصل كان مباحا فلما تساوى
الاحتمالان كان مكروها ثم إن فعل فإن وصل إلى
جوفه لزمه القضاء وإن لم يصل لم يلزمه شيء وإن
شك جرى على الخلاف فيمن أكل وهو شاك في الفجر
اللخمي واختلف في الاحتقان بالمائعات هل يقع
به فطر أو لا يقع به وألا يقع به أحسن لأن ذلك
مما لا يصل إلى المعدة ولا إلى موضع يتصرف منه
ما يغذي الجسم بحال عياض وقوله بعد في الحقنة
بالفتائل لا شيء عليه دل على أن كلامه في
الفطر إنما هو في الحقنة المائعة وهي التي
فيها الخلاف كما قال اللخمي: وإن كان القاضي
أبو محمد ذكر الخلاف في الحقنة مجملا وأما
غيرالمائعات فلا خلاف فيها واعترض أبو إسحاق
بأصله في الرضاع أنه لا يحرم إلا ما كان غذاء
وهذا لا يلزم لأن المراعى في الرضاع ما ينبت
اللحم وينشىء العظم ولا يشترط هذا في الصوم بل
ما يصل إلى موضع الطعام والشراب مما يشغل
المعدة ويسكن كلب الجوع انتهى. من أبي الحسن
وقال في قوله: أو استدخل فتائل يعني في دبره
وسواء كان عليها دهن أم لا انتهى. وقول أبي
الحسن وإذا تحقق وصول الحقنة يريد والله أعلم.
إذا لم يضطر لها وأما من اضطر لها فلا يحرم
عليه والله أعلم. ثم قال في المدونة ولا يكفر
ظاهره وإن تعمد وهذا هو الظاهر نعم قال عبد
الحق: قال ابن سحنون: ولا تجب الكفارة فيما
وصل من غير الفم من عين أو أذن أو غيرهما وإن
تعمد ذلك فهو يصل إلى حلقه انتهى.
فائدة: قال في التوضيح: قال ابن حبيب في كتاب
له في الطبّ: كان علي وابن عباس ومجاهد
والشعبي والزهري وعطاء والنخعي والحكم بن
عيينة وربيعةابن هرمز يكرهون الحقنة إلا من
ضرورة غالبة ويقولون لا تعرفها العرب وهي من
فعل العجم وهي ضرب من عمل قوم لوط قال ابن
حبيب: وأخبرني مطرف عن مالك أنه كرهها وذكر أن
عمر ابن الخطاب كرهها وقال وهي شعبة من قوم
لوط قال عبد الملك سمعت ابن الماجشون يكرهها
ويقول كان علماؤنا يكرهونها قال ابن حبيب:
وكان ممن مضى من السلف وأهل العلم يكرهون
التعالج بالحقن إلا من ضرورة غالبة لا توجد عن
التعالج بها مندوحة انتهى. وسئل مالك في مختصر
ابن عبد الحكم عن الحقنة فقال لا بأس بها
الأبهري إنما قال ذلك لأنها ضرب من الدواء
وفيها منفعة للناس وقد أباح النبي عليه السلام
التداوي وأذن فيه فقال: "ما أنزل الله من داء
إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله
فتداووا عباد الله" 1 انتهى. خليل
ـــــــ
1 رواه النرمذي في كتاب الطب باب 2. أبو داود
في كتاب الطب باب 1، 11. ابن ماجة في كتاب
الطب باب 1. أحمد في مسنده (3/156) (4/278).
(3/346)
أو حلق وإن من
أنف وأذن وعين،
__________
فظاهره معارضة النقل الأول ويمكن تأويله على
حالة الاضطرار إليها فيتفق النقلان والله
أعلم. ص: "أو حلق". ش:
مسألة: قال البرزلي: من رعف فأمسك أنفه فخرج
الدم من فيه ولم يرجع إلى حلقه فلا شيء عليه
لأن منفذ الأنف إلى الفم دون الجوف فهو ما لم
يصل إلى الجوف لا شيء فيه انتهى. ص: "وإن من
أنف وأذن وعين". ش: قال اللخمي: يمنع الاستعاط
لأنه منفذ متسع ولا ينفك المستعط من وصول ذلك
إلى حلقه ولم يختلف في وقع القبار انتهى. من
أبي الحسن الكبير قال في المدونة ولا يكتحل
ولا يصب في أذنه دهنا إلا أن يعلم أنه لا يصل
إلى حلقه فإن اكتحل بائمد وصبر أو غيره أو صب
في أذنه دهنا لوجع به أو غيره فوصل ذلك إلى
حلقه فليتماد في صومه ولا يفطر بقية يومه
وعليه القضاء ولا يكفر إن كان في رمضان فإن لم
يصل إلى حلقه فلا شيء عليه وقاله أشهب قال أبو
الحسن: قد تقدم أن ذلك على ثلاثة أوجه إن تحقق
أنه يصل إلى حلقه لم يكن له أن يفعل وإن تحقق
أنه لا يصل لم يكن له أيضا غلط ولعله من
الناسخ وصوابه لم يكن عليه شيء كما يظهر بأدنى
تأمل وهذا الحكم ابتداء فإن فعل فقال أبو
الحسن في الصغير إن علم أنه يصل إلى جوفه
فليتماد وعليه القضاء وكذا إن شك وإن علم أنه
لم يصل فلا شيء عليه وهذا أصل في كل ما يعمل
من الحناء والدهن وغيره انتهى. من الصغير وفي
الكبير قال بعض الشيوخ وهذا أصل لكل ما يعمل
في الرأس حناء أو دهن أنه إن كان يصل إلى حلقه
فليقض الشيخ ويختبر نفسه في غير الصوم انتهى.
تنبيه: قال سند بعد ذكر هذه الأشياء من الكحل
والصب في الأذن والاستعاط والحقنة.
فرع: إذا ثبت هذا فالمنع في جميع ذلك إنما هو
لمن فعله نهارا وأما من فعله ليلا فلا شيء
عليه ولايضره هبوطه نهارا لأنه إذا غاض في
أعماق الباطن ليلا لم تضر حركته ويكون بمثابة
ما يتحدر من الرأس إلى البدن من غير طريق الفم
انتهى. و قال ابن الحاجب: والجائفة كالحقنة
بخلاف دهن الرأس وقيل إلا أن يستطعمه قال ابن
عبد السلام: هو خلاف في
(3/347)
وبخور وقيء
وبلغم أمكن طرحه مطلقاً،
__________
حال و قال في التوضيح: كلامه يقتضي أن المشهور
سقوط القضاء في دهن الرأس ولو استطعم ولم أر
الأول واقتصر ابن شاس على الثاني وكذلك قال
ابن عرفة: إنه لا يعرف الأول وانظر ابن غازي
وقال البرزلي عن مسائل ابن قداح.
مسألة: من عمل في رأسه حناء وهو صائم فإن
استطعمها في حلقه قضى وإلا فلا وكذا من اكتحل.
قلت: ونقل ابن الحاجب عدم القضاء فيما وصل
لحلقه من رأسه والأول في السليمانية وكذا
الخلاف في الثانية وثالثها والفرق بين النفل
والفرض وسبب الخلاف أن هذه منافذ ضيقة ووصولها
إلى الحلق نادر فتجري على الخلاف في الطوارىء
البعيدة النادرة هل يختلف الحكم فيها أم لا
ولا كفارة في العمد مطلقا انتهى. ص: "وبخور".
ش: أي بخور يصل إلى حلقه كما قال في تهذيب
الطالب عن السليمانية فيمن تبخر بالدواء فوجد
طعم الدخان في حلقه قال يقضي يوما بمنزلة من
اكتحل أو دهن رأسه فيجد طعم ذلك في حلقه
فيقضي.
(3/348)
أو غالب من
مضمضة أو سواك،
__________
وقال أبو محمد أخبرني بعض أصحابنا عن ابن
لبابة أنه قال من استنشق بخورا لم يفطر وأكره
له ذلك انتهى. من التوضيح فيعمل قول ابن لبابة
على من شم الرائحة ولم يجد طعم البخور في حلقه
فيتفق النقلان والله أعلم. قال أبو الحسن في
الصغير: قال ابن الماجشون: وإنما يفطر بما يصل
إلى حلقه من طعم دواء لا من طعم ريح ونحوه في
النوادر ثم ذكر كلام صاحب التهذيب عن
السليمانية وابن لبابة ثم قال الشيخ وأما
المسك وغيره فلا خلاف أنه لا يفطر قال ابن
بشير والفطر يقع بجزء من المتناول لا بدخول
رائحته انتهى. وقال في الكبير هذا بخلاف
استنشاق روائح المسك والغالبة هذا لم يختلف في
أنه لا يجب منه قضاء الشيخ واستنشاق قدر
الطعام بمثابة البخور لأنه ريح الطعام له جسم
ويتقوى به الدماغ فيحصل به ما يحصل بالأكل
انتهى. فكأنه يقول إذا وجد طعم دخان القدر
يفطر والله أعلم.
تنبيه: قال الشارح في الكبير قال في التلقين
يجب الإمساك عن الشموم ولم يفصل انتهى. وكأنه
فهم هذا من قوله: والذي يجب الإمساك عنه في
الصوم نوعان أحدهما إيصال شيء إلى داخل البدن
والثاني إخراج شيء عنه فالذي يوصل إلى داخل
البدن ما يصل إلى الحلق ثم ينماع ويقع
الاغتذاء به أو لا ينماع ويتطعم أو لا يتطعم
وذلك كالطعام والشراب المغذيين وكالدرهم
والحصا وسائر الجمادات التي لا تتطعم ولا
تنماع ولا يقع بها غذاء ومثلها الكحل والدهن
والشموم وغير ذلك من المائعات والجامدات
الواصلة إلى الدلق وصلت من مدخل الطعام
والشراب أو من غير مدخلهما كالعين والأنف
والأذن وما تحدر من الدماغ بعد وصوله من بعض
هذه المنافذ انتهى. وكأنه اعتمد هذا في الشامل
فقال فيه ولا يشم شيئا من الرياحين انتهى.
وتبعه الشيخ أحمد زروق في شرح الإرشاد فقال
ولا يشم شيئا من الرياحين انتهى. وانظر هذا مع
ما يأتي في فصل الاعتكاف أن المعتكف يجوز له
أن يتطيب والمعتكف لا يكون إلا صائما والله
أعلم. ص: "وغالب من مضمضة أو سواك". ش: قال
(3/349)
وقضى في الفرض
مطلقاً وإن بصب في حلقه نائماً كمجامعة نائمة،
__________
الشيخ زروق في شرح الإرشاد وابتلاع ماء
المضمضة يوجب القضاء لا بقاياه مع الريق بعد
طرحه بالكلية فإنه لا يضر وفيمن ابتلع دما خرج
من بين أسنانه غلبة قولان حكاهما في الجواهر
انتهى. من جامع الأمهات للسنوسي.
مسألة: قال ابن عرفة وغيره: ابن شاس وابتلاع
دم خرج من بين أسنانه غلبة لغو وإن ابتلعه وهو
قادر على إخراج ذلك أفطر وقيل لا يفطر.
قلت: ولفظ ابن قداح من وجد في فمه دما وهو
صائم فمجه حتى أبيض فلا شيء عليه ويستحب له
غسله إذا قام إلى الصلاة أو إلى الأكل فإن لم
يفعل فلا شيء عليه ومن كثر عليه الدم إذا كان
من علة دائمة فلا شيء عليه ابتلع منه شيئا أو
لم يبتلع انتهى. ص: "وقضى في الفرض مطلقا". ش:
أحكام الإفطار على الإجمال سبعة الإمساك
والقضاء والإطعام والكفارة والتأديب وقطع
التتابع وقطع النية الحكمية والله أعلم. وقال
الجزولي مفسدات الصوم عشرون عشرة متفق عليها
عشرة مختلف فيها فالمتفق عليها تعري الصوم من
النية والأكل والشرب والجماع وإن لم يكن إنزال
والإنزال وإن لم يكن جماع والمذي مع تقدم سببه
ومداومته والحيض والنفاس وخروج الولد
والاستقاء إذا رجع من القيء شيء والمختلف فيها
الفلقة من الطعام وغبار الدقيق وغبار الطريق
وما وصل من غير مدخل الطعام والشراب بل من أنف
وأذن أو عين وما يتحدر من الرأس وابتلاع ما لا
يتحلل مثل الحصاة والمذي إذا لم يتعمد سببه
والاستقاء إذا لم يرجع من القيء شيء والقيء
غلبة إذا رجع منه شيء والردة ورفض النية. ص:
"وإن بصب في حلقه نائما كمجامعة نائمة". ش:
قال في المدونة ومن أكره أو كان نائما فصب في
حلقه ماء في رمضان أو في نذر أو ظهار أو صيام
كفارة القتل أو في صيام متتابع وأو جومعت
امرأة نائمة في رمضان فالقضاء في ذلك كله
(3/350)
وكأكله شاكاً
في الفجر أو طرأ الشك،
__________
يجزي عليه انتهى. ونقله ابن عرفة ولفظه وفيها
لا كفارة على من جومعت نائمة أو صب في حلقه
ماء كذلك ولا على فاعله سحنون هذه خير من
قوله: الإكراه بالوطء قال في التوضيح: في
مسألة من أكره زوجته أو أمته على الوطء لما
ذكر أن المشهور أن عليه أن يكفر عنهما ما نصه
عرضت هذه المسألة بمن أكره شخصا وصب في حلقه
ماء فإنه نص في المدونة على أنه لا كفارة عليه
نعم أوجبها ابن حبيب وقد يفرق بينهما بأن
المكره لزوجته وأمته حصلت له لذة فناسب أن تجب
عليه الكفارة عنها وأما من صب في حلق إنسان
فلم يحصل له شيء ويؤيده أنه لو أكره غيره على
أن يجامع لم يكن عليه كفارة عنه الأكثر انتهى.
ونقله قبله عن التنبيهات أنه قال أكثر أقوال
أصحابنا لا كفارة عليه وعن عبد الملك أن عليه
الكفارة والله أعلم.
فرع: قال في الطراز: في آخر باب الإفطار
بالإكراه: ويجري التفريع في الأكل كرها على
حكم الأكل سهوا في وجوب القضاء في الواجب
وسقوطه في التطوع وفي الكف معه وعدم قطع
التتابع وكل ذلك مذكور في المدونة موضحا
انتهى. ونقل ابن يونس أيضا أنه يجب الكف والله
أعلم. ص: "وكأكله شاكا في الفجر". ش: أي
واستمر على شكه وأماإن تبين أنه قبل الفجر أو
بعده فيعمل على ما تبين ولا كفارة فيه اتفاقا
وإن شك في الغروب حرم الأكل اتفاقا ووجب
القضاء البرزلي وهذا ما دام على شكه أو تبين
الخطأ أما إذا تبين أنه صواب فهو بمنزلة من
سلم من ركعتين على شك ثم تبين أنه سلم من أربع
انتهى. وقال الجزولي فيمن أكل شاكا في الغروب
وإن علم أنه أكل بعد الغروب فلا قضاء
(3/351)
ومن لم ينظر
دليله اقتدى بالمستدل وإلااحتاط إلا المعين
لمرض أوحيض أو نسيان،
__________
عليه لأنه غروب سلم وإن علم أنه أكل قبل
الغروب فعليه القضاء بلا خلاف وفي وجوب
الكفارة خلاف وإن بقي على شكه فلا كفارة عليه
وهل يجب القضاء أولا ولا كفارة وقال في أول
الكلام إذا شك في الغروب لا يجوز له الأكل
باتفاق انتهى. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة
والمشهور التحريم انتهى. يعني في مسألة من شك
في الفجر ومفهوم كلام ابن الحاجب أنه لو تبين
أنه أكل بعد الغروب لا قضاء.
مسألة: ومن أكل في آخر يوم من رمضان متعمدا ثم
تبين أنه يوم الفطر فقيل عليه الكفارة وقيل لا
ذكر هذا ابن القصار. ص: "إلا المعين لمرض أو
حيض أو نسيان". ش: تبع رحمه الله ابن الحاجب
في تشهير القول بعد النسيان من مسقطات القضاء
في النذر المعين وقبله في التوضيح أيضا وهو
خلاف مذهب المدونة قال فيها ومن تسحر بعد
الفجر ولم يعلم
(3/352)
__________
بطلوعه أو أكل ناسيا لصومه فإن كان في تطوع
فلا شيء عليه ولا يفطر بقية يومه فإن فعل قضاه
ثم ذكر حكم النذر المطلق ثم قال وإن كانت
أياما بعينها أو كان في رمضان فليتماد على
صومه وعليه القضاء انتهى. وقد وهم ابن عرفة
ابن الحاجب في تشهير القول بعد النسيان من
مسقطات القضاء في النذر المعين فقال بعد أن
حكى في وجوب القضاء بالفطر فيه نسيانا ثلاثة
أقوال الأول وجوب القضاء والثاني عدمه والثالث
التفصيل بين أن يختص بفضل فلا يجب القضاء أو
لا يختص فيجب وجعل ابن الحاجب الثاني المشهور
وهم ونص كلام ابن عرفة برمته ويجب قضاء رمضان
وواجبه أي واجب الصوم المضمون بأي وجه كان ولو
مكرها والمعين به أن يفطره عمدا اختيارا وفي
وجوب قضائه بفطر مرض في الحضر ثالثها إن لم
يختص بفضل اللخمي عن رواية المبسوط مع عياض عن
رواية ابن وهب في بعض رواياتها والمشهور وعبد
الملك الشيخ عن المغيرة من صام أو شهر نذره
معينا فمرض باقيه أو وسطه وصام باقيه فلا قضاء
عليه ولو أفطر أوله اختيارا فمرض باقيه قضى
جميعه ولو نذر إثر فطره فصام يوما فمرض باقيه
فلا قضاء عليه وفيه بنسيان الثلاثة عن سحنون
عن ابن محرز عنه مع ابن عبدوس ونقل الشيخ قول
عبد الملك في فطره بمطلق غلبة وجعل ابن الحاجب
الثاني المشهور وهم انتهى. وجعل صاحب الطراز
قول المغيرة خلاف الراجح فانظره واقتصر صاحب
التلقين على القول بسقوط القضاء وأما المرض
فالمشهور ما ذكره المصنف وهو قول ابن القاسم
وأشهب والفرق بين المرض والنسيان أن المرض لا
صنع له فيه فهو معذور والناسي معه ضرب من
التفريط والحيض مثل المرض وحكم النفاس حكم
الحيض.
فرع: وأما السفر ف قال في التوضيح: أما لو
أفطر فيه لسفر وجب عليه القضاء اتفاقا نقله
ابن هارون انتهى. قلت: وقد حكى ابن عرفة
الوجوب والاستحباب ونصه وفيه لسفر سماع
القرينين وجوب القضاء وفيها لا أدري ابن
القاسم وكأنه أحب قضاءه انتهى. وصرح المصنف في
آخر الباب بأنه يجب القضاء فقال ولا يلزم
القضاء بخلاف فطره لسفر ولو لم يصرح به لكان
حصره سقوط القضاء فيما ذكر يؤخذ منه تشهير
سماع القرينين والله أعلم.
فرع: فإن أفطر في المعين متعمدا فقال في
المدونة في كتاب الصيام ومن نذر صوم كل خميس
يأتي لزمه فإن أفطر خميسا متعمدا قضاه انتهى.
فلو أكره على الإفطار فقال في التلقين وأما
المتعين سوى رمضان فيلزم قضاؤه مع العذر في
فطره ولا يلزم مع العذر القاطع كالمرض
والإكراه والإغماء والحيض والنفاس وخطأ الوقت
والسهو إلا أن في هذين يجب الإمساك في بقيته
فإن لم يفعل لزمه قضاؤه وليس منه السفر انتهى.
وما ذكره موافق للمشهور إلا في السهو وخطأ
الوقت فإن المشهور فيهما وجوب القضاء وكذلك
الإكراه على ما ذكره في الطراز فإنه جعله
كالفطر ناسيا.
(3/353)
وفي النقل
بالعمد الحرام
__________
فرع تقدم في كلام المدونة أنه إذا أفطر في
النذر المعين ناسيا فيجب عليه أن يمسك في بقية
يومه ويقضيه وكذلك لو نذر صوم يوم الخميس
فأصبح مفطرا يظنه يوم الأربعاء فيجب عليه أن
يمسك في بقية يومه ويقضيه ويجب عليه الكف في
بقية اليوم ولو أكل وشرب قاله في رسم سلف من
سماع عيسى قال ابن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة
على أصولهم في حكم النذر المعين في الوجوب
كحكم رمضان إلا في وجوب الكفارة على العامد
انتهى.
فرع: فلو نذر صوم يوم الخميس فأصبح يوم الخميس
مفطرا وهو غير ذاكر له ثم أصبح يوم الجمعة
صائما يظنه يوم الخميس فإنه يجزئه من قضاء صوم
يوم الخميس قاله في أول رسم من سماع ابن
القاسم قال ابن رشد: قوله: إنه يجزئه من قضائه
صحيح لأن الصوم يوم الخميس واجب عليه كوجوب
قضائه فناب في النية فرض عن فرض فذلك مثل
قولهم في الأسير يخطىء في الشهر فيصوم شوالا
وهو يرى أنه رمضان فلا اختلاف أنه يجزيه
انتهى.
تنبيه: هنا لغز وهو أنه قد يجب على الحائض
والمريض قضاء الصوم المعين والجواب أن ذلك
فيما إذا نذر أحدهما أن يعتكف أياما بعينها ثم
جاءه العذر فإنه يقضي ذلك وفي رسم جاع من سماع
عيسى قال مالك: من جعل عليه صيام يوم الخميس
والإثنين فأصبح يوم الخميس وهو يظنه الأربعاء
فلم يأكل حتى علم قال مالك: يصوم ولا شيء عليه
ويكفيه إيجابه على نفسه أولا في نية قال ولو
أصبح يوم الأربعاء صائما وهو يراه يوم الخميس
ثم علم ذلك فإن عليه أن يتم ذلك اليوم ويصوم
يوم الخميس قيل لمالك ولو جاز يوم الخميس فلما
كان يوم الجمعة أصبح صائما وهو يراه يوم
الخميس قال يجزيه عن يوم الخميس قال ابن رشد:
هذه ثلاثة مسائل قد مضى القول على المسألة
الأولى منها في رسم سلف قبل هذا وعلى المسألة
الثالثة في أول رسم من سماع ابن القاسم وإيجاب
ابن القاسم عليه في المسألة الثانية أن يتم
اليوم يدل على أنه إن أفطره وجب عليه القضاء
خلاف قول أشهب في المدونة انتهى. والذي قدمه
في رسم سلف أن الصحيح أنه لا يجزيه لأنه لا بد
من التحديد وهو الذي مشى عليه المؤلف في قوله:
"لا مسرود يوم معين".
مسألة: قال في رسم سلف من سماع ابن القاسم من
كتاب الصيام وهي مكررة في هذا الرسم من
الإيمان بالطلاق وما في سماع أبي زيد منه قال
في الذي يحلف بالله أو بالطلاق أو غيره أن
يصوم غدا فيصبح صائما ثم يأكل ناسيا لا شيء
عليه قال ابن رشد: إنما قال لا شيء عليه إذا
كان ناسيا أي لا حنث عليه بخلاف ما لو أصبح
مفطرا ناسيا ليمينه مراعاة للخلاف أي في وجوب
القضاء على من أفطر في التطوع عامدا أو في
رمضان ساهيا لما جاز في ذلك كذا في البيان
انتهى. والله أعلم. ص: "وفي النفل بالعمد
الحرام". ش: يعني أنه
(3/354)
__________
يجب القضاء في صوم النفل بالفطر إذا كان عمدا
حراما كمن شرع في صوم التطوع ثم أفطر من غير
ضرورة ولا عذر فإن إتمام صوم النفل واجب ولا
يجوز قطعه ابن عبد السلام هذا هو المذهب ومذهب
المخالف عندي أظهر للأحاديث الواردة في ذلك
انتهى. واحترز بقوله العمد من النسيان
والإكراه وبالحرام من أفطره لشدة الجوع والعطش
الحر الذي يخاف منه تجدد مرض أو زيادته وفطره
لأمر والديه وشيخه قال ابن ناجي في شرح
الرسالة في قوله: ومن أفطر في تطوعه عامدا قال
التادلي: حقه أن يقول بعد قوله: عامدا حراما
كما زاد ابن الحاجب في قوله: ويجب في النفل
بالعمد الحرام خاصة وأراد بذلك إخراج ما كان
عمدا للسبب كجبر الوالد ولده والسيد عبده إذا
تطوع بغير إذنه انتهى. وفي السفر روايتان مذهب
المدونة أنه ليس بعذر وروى ابن حبيب أنه عذر
يسقط القضاء وكذلك أوجب في المدونة القضاء على
من تطوع بالصوم في السفر ثم أفطر وفي الجلاب
رواية أخرى بسقوطه انتهى. جميعه من التوضيح
ونص المدونة ومن يتسحر بعد الفجر وهو لا يعلم
أو أكل ناسيا لصومه فإن كان في تطوع فلا شيء
عليه ولا يفطر بقية يومه فإن فعل قضاه انتهى.
قال ابن ناجي ظاهر الكتاب قوله: لا شيء عليه
نفي الوجوب وهل قضاؤه مستحب أم لا سمع ابن
القاسم استحباب قضائه ولم يحك ابن رشد غيره
وقال ابن بشير في استحبابه قولان ومفهومه أنه
لو كان أكل عامدا أنه يقضي وهو كذلك وقع
للقاضي عيسى بن مسكين الأفريقي الساحلي ما
يقتضي أنه لا يقضي في قوله: لصديقه لما أمره
بالأكل معه وقال إني صائم ثوابك في سرور أخيك
المسلم بفطرك عنده أفضل من صومك ولم يأمره
بقضاء فظاهره نفيه كقول الشافعي وإليه كان
شيخنا حفظه الله يذهب ولم يرتض قول عياض في
مداركه قضاؤه واجب وإنما لم يذكره لوضوحه
انتهى. وقوله مفهومه بل صريحه فإنه قال إذا
أكل ناسيا لا يفطر فإن فعل قضى وهذا صريح
ولهذا قال ابن الحاجب: لو أكل ناسيا حرم عليه
الأكل ثانيا انتهى. وما ذكره عن سماع ابن
القاسم هو في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من
كتاب الصيام وعلم من قوله: العمد الحرام وأنه
لو أفطر متأولا لا قضاء عليه وقال ابن ناجي
ظاهر كلام الباجي يقتضي أن من أفطر في تطوعه
متأولا أنه لا يقضي لقوله كل ما يسقط الكفارة
في رمضان يسقط القضاء في التطوع انتهى.
تنبيه: وحيث يفطر في تطوعه عامدا فهل يجب عليه
الكف قال ابن الحاجب: قولان وقال ابن عرفة:
الشيخ روى ابن نافع لا وجه لكف مفطره عمدا إلا
لعذر ونقل ابن الحاجب وجوب الكف لا أعرفه
انتهى.
فرع: قال في المدونة ويكره أن يعمل في صوم
التطوع ما يكره أن يعمل في صوم الفريضة أبو
الحسن مثل الحقنة والسعوط وذوق الملح والطعام
ومضغ العلك وسائر ما تقدم مما يكره في الفرض
انتهى.
(3/355)
ولو بطلاق بتّ
إلا لوجه كوالد وشيخ وإن لم يحلفا،
__________
تنبيه: هنا لغز وهو أن يقال لنا صائم متطوع
أفطر ناسيا ويجب عليه القضاء والجواب أنه من
اعتكف أياما متطوعا بها في غير رمضان فإنه إذا
أفطر يوما منها ناسيا فإنه يقضيه ويصله بأيام
اعتكافه وهو أحد القولين في المسألة وهو ظاهر
المدونة. ص: "ولو بطلاق بت كوالد وشيخ وإن لم
يحلفا". ش: الخلاف المشار إليه بلو هو ما قال
ابن غازي قال بعضهم الوجه المشار إليه في
الرواية أن تكون الطلقة التي حلف بها هي
الثالثة والأقرب في قوله: إلا لوجه رجوعه إلى
طلاق البت ويكون الوجه ما قال أبو الحسن
الصغير ونصه الشيخ انظر قوله: "إلا أن يكون
لذلك وجه" ولعل الوجه مثل أن تكون الأمة التي
حلف بعتقها والمرأة التي حلف بطلاقها علق بها
الحالف ويخشى أن لا يتركها إن حنث فالوجه
حينئذ الفطر هذا مما يعرف عند النزول انتهى.
ويكون قوله: كوالد وشيخ تشبيه لإفادة الحكم
وهو الذي يظهر من الرواية وسياقها واعلم أن
فطره للوالدين مقيد بأن يكون رقه علة لإدامة
صومه وأن المراد بالشيخ الشيخ الذي أخذ على
نفسه أن لا يخالفه كذا قيده في التوضيح قال
ابن ناجي في شرح الرسالة بعد مسألة الوالد
قلت: ظاهر المذهب أن شيخه الذي يتعلم عليه
العلم لا يتنزل منزلة الأب وكان بعض من لقيته
يفتي بأنه كهو انتهى. وإذا أفطر لطاعة والديه
أو شيخه فالظاهر أن لا قضاء عليه وقال ابن
غازي بل لا بد من القضاء كما يأتي في كلام
عياض انتهى. وكلام عياض المشار إليه هو ما
تقدم أنه جاء عن عيسى بن مسكين أحد فقهاء
المالكية أنه قال لصاحب له في صوم تطوع أمره
بفطره ثوابك في سرور أخيك المسلم بفطرك عنده
أفضل من صومك ولم يأمره بقضاء فقال عياض قضاؤه
واجب ولم يذكره يعني ابن مسكين لوضوحه انتهى.
وفي أخذ وجوب القضاء من هذا الكلام بعد لأن في
هذه الحالة لا يباح له الفطر كما قال ابن
عرفة: هذا خلاف ظاهر المذهب وأما في مسألتنا
فالفطر مباح فلا يجب
(3/356)
وكفّر إن تعمد
بلا تأويل قريب وجهل في رمضان فقط جماعاً
__________
القضاء ولا يعلم شيء يباح لأجله الفطر في
التطوع ويلزم القضاء والمسألة نقلها ابن حبيب
عن مطرف وتقدم في القولة التي قبل هذه ما نقله
ابن ناجي في شرح الرسالة عن التادلي أنه لا
يقضي والله أعلم.
فرع: لو حلف هذا الصائم ليفطرن كفر عن يمينه
نقله في النوادر والله أعلم.
فائدة : روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها
قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من
نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم" قال
في العارضة حديث منكر السند صحيح المعنى لأنهم
يتكلفون له فيفسد عليهم فينبغي أن يعلمهم حتى
لا يخسروا انتهى. وكفر إن تعمد". ش: ابن عرفة
وتجب الكفارة في إفساد صوم رمضان انتهاكا
بموجب الغسل وطئا وإنزالا والإفطار بما يصل
إلى الجوف أو المعدة من الفم وأكل الناسي
ومخطىء الفجر وظان الغروب لا يوجبها وفي جماع
الناسي ثالثها يتقرب بما استطاع من الخير لها
ولابن الماجشون في المبسوط انتهى.
مسألة: من تعمد الفطر في يوم ثلاثين ثم جاء
الثبت أنه يوم العيد فلا كفارة عليه ولا قضاء
وكذلك الحائض تفطر متعمدة ثم تعلم أنها حاضت
قبل فطرها وعن ابن حمديس وجماعة من الطلبة
عليها الكفارة نقله البرزلي ونقل أبو الحسن في
الكبير في ذلك قولين قال البرزلي إثر كلامه
المتقدم: ومثلها من تزوج امرأة معتقدا أنها في
العدة ثم تبين أنها خرجت منها غر وسلم قاله
ابن حبيب ومن سلم معتقدا عدم إتمام صلاته ثم
تبين تمامها كذلك وإن كان التونسي اختار
إبطالها لأنه قاصد لإبطالها بسلامه وكذا إن
حلف في مسائل الغموس معتقدا للكذب أو حلف على
الظن أو الوهم أو الشك للقطع ثم تبين موافقة
ما حلف عليه يقينا انظر بقية كلامه في الصائم
وانظر المقدمات في فصل السهو. ص: "وجهل". ش:
أي بلاجهل فلا كفارة على الجاهل قال اللخمي:
اختلف في الجاهل فجعله ابن حبيب كالعامد فقال
في الذي يتناول فلق حبة إن كان ساهيا فلا
كفارة عليه وإن كان جاهلا أو عامدا كان عليه
القضاء والكفارة والمعروف من المذهب أن الجاهل
في حكم المتأول لا كفارة عليه لأنه لم يقصد
انتهاك صومه ولو كان رجل حديث عهد بالإسلام
يظن أن الصيام الإمساك عن الأكل والشرب دون
الجماع لم تجب عليه الكفارة إن جامع انتهى. ثم
استشهد بقول مالك فيمن
(3/357)
__________
سافر دون القصر أو قدم ليلا فأصبح مفطرا وفي
المرأة تطهر ليلا فلم تغتسل إلا بعد الفجر
فتفطر قال فكل هؤلاء أفطروا على الجهل بموجب
الحكم فيكون المراد بالجهل ما لم يتأول شيئا
لا تأويلا قريبا ولا بعيدا وقال الجزولي في
الكبير واختلف في الجاهل فقال ابن القاسم لا
شيء عليه وقال ابن حبيب: عليه الكفارة ولا
يعذر بالجهل وإنما يتصور هذا فيمن كان قريب
عهد بالإسلام أسلم بدار الحرب ولم يعلم صوم
رمضان هل هو فرض أم لا انتهى. وليس المراد
بالجهل بوجود رمضان فإن ذلك واضح ولم أر أحدا
ذكر فيه خلافا بل المذهب أن من أكل في يوم
الشك قبل أن يثبت الهلال ثم ثبت أنه من رمضان
لا كفارة عليه وكذلك الأسير إذا لم يعلم
برمضان لم يذكر أحد قولا بوجوب الكفارة عليه
والله أعلم.
فإن قيل: فما الفرق بين الجاهل والمتأول فإنه
جاهل أيضا بالحكم فما الفرق بينهما ثم إنهم
فرقوا في المتأول بين التأويل والقريب والبعيد
فالجواب أنه لا فرق بينهما لا إذا حمل الجاهل
على من كان حديث عهد بالإسلام فجهل وجوب رمضان
أو بعض ما يمنعه رمضان من أحكامه المشتهرة
والمتأول من أفطر لوجه يخفي حكمه بل قال بعض
العلماء بجواز الإفطار به وحاصل كلام اللخمي
أنه لا فرق بين المتأول والجاهل وأنه لا كفارة
عليهما بوجه ولأن الكفارة إنما هي على المنتهك
فمن لم ينتهك وادعى وجها يعذر به وجاء مستفتيا
قبل منه ومن ظهر عليه نظر فيما يدعيه فإن كان
قريبا مما يرى أن مثله يجهل ذلك صدق وأما إن
كان بعيدا لم يصدق قال اللخمي إثر كلامه
المتقدم: وذكره التأويل البعيد ما نصه الشيخ
أصل المذهب أن الكفارة إنما تجب على من قصد
الفطر جرأة وانتهاكا وإذا كان كذلك نظر إن من
أفطر بتأويل فإن جاء مستفتيا ولم يظهر عليه
صدق فيما يدعيه وأنه لم يفعل ذلك جرأة فلا
كفارة عليه وإن ظهر عليه نظر فيما يدعيه فإن
كان ممن يرى أن مثله يجعل ذلك صدق وإن أتى بما
لا يشبه لم يصدق وألزم الكفارة وهذه فائدة
قولهم إن هذا ينوي ولا ينوي الآخر ويجبر على
الكفارة ولو كان إخراج الكفارة إليه إذا ادعى
ما لا يشبه لم يكن للتفرقة وجه وهذا هو الأصل
في الحقوق التي لله سبحانه في الأموال فمن كان
لا يؤدي زكاتها أو وجبت عليه كفارة أو عتق عن
ظهار أو قتل أو هدى فامتنع من أداء ذلك أنه لا
يجبر على إنفاذه وقاله محمد بن المواز فيمن
وجبت عليه كفارة مات قبل إخراج ذلك أنها تؤخذ
من التركة إذا لم يفرط فإن قيل الكفارة مختلف
فيها هل هي على الفور أو على التراخي فكيف
يجبر على إخراجها مع القول أنها على التراخي
قيل إنما يصح أن يؤخذ بها من كان معتقدا أنه
يخرجها وأما من علم منه جحودها وأنه يقول لا
شيء عليه فلا يؤخذ بها وهذا في الحقوق التي
تجب لله تعالى ولم يوجبها على نفسه واختلف
فيما تطوع بإيجابه على نفسه فقال مالي صدقة
للمساكين في غير يمين فقال ابن القاسم لا يجبر
على إنفاذ ذلك وقال في كتاب الصدقات من كتاب
محمد يجبر وبقية ما تعلق بذلك مذكور في كتاب
الهبات انتهى.
(3/358)
__________
بلفظه ونقله أبو الحسن وصاحب التوضيح في كلامه
على الكفارة ونقله ابن عرفة أيضا ولم يتعقبوه
برد ولا غيره والله أعلم.
تنبيهات: الأول: علم من كلامه أنه يجبر على
الكفارة وقال القرافي قال اللخمي: مقتضى
المذهب الإجبار على الكفارة ولا يوكل إلى
الأمانة فمن ادعى سقوطها بجهل أو تأويل لم
يصدق إلا أن يأتي بما يشبه وقال صاحب القبس هي
موكولة إلى الأمانة انتهى.
الثاني: قال القرافي: وتستقر الكفارة في الذمة
عند العجز عنها انتهى.
الثالث: قال الجزولي لا يجوز للإنسان أن يفطر
بالتأويل دون أن يسمع فيه شيئا انتهى. وهذا
معلوم أنه لا يحل للإنسان أن يفعل شيئا دون أن
يعلم حكم الله فيه والله أعلم. ص: "في رمضان
فقط". ش: قال في الشامل: ولا يكفر في دهر
منذور صومه على المشهور انتهى وقال في البيان
في سماع سحنون وسئل سحنون عمن نذر أن يصوم
الدهر كله فأفطر يوما قال سحنون: إن أفطر
ناسيا أو من عذر فليس عليه شيء وإن أفطره من
غير عذر فعليه الكفارة قيل وما الكفارة قال
إطعام مد أخبر به أبو زيد عن ابن القاسم قال
ابن رشد سحنون في كتاب ابنه أن عليه إطعام
ستين مسكينا ووجه هذا أنه لما أفطر متعمدا ما
لا يجد له قضاء أشبه الفطر في رمضان متعمدا
فإنه لا يجد له قضاء إذ قد جاء أنه لا يقضيه
بصيام الدهر إن صامه ووجه القول الأول القياس
على كفارة التفريط لأنها كفارة وجبت للفطر
متعمدا في موضع لا يجوز الفطر فيه وهذا أفطر
متعمدا في موضع لا يجوز فيه الفطر واختلف فيمن
نذر صيام الدهر فلزمه صيام ظهار أو كفارة يمين
فقال ابن حبيب: يصوم ذلك ولا شيء عليه وقال
سحنون يصوم ويطعم عن كل يوم مدا وبالله
التوفيق وقال في النوادر ومن الواضحة قال ابن
الماجشون: ومن نذر صيام الدهر فأفطر يوما
ناسيا فلا شيء عليه وإن فعل عامدا فعليه
الكفارة من أفطر يوما من رمضان إذ لا يجد له
قضاء وقال سحنون في كتاب ابنه كفارة إطعام
مساكين قال سحنون: وإن لزمته كفارة يمين
بالصوم فليصم ثلاثة أيام ليمينه ويطعم عن كل
يوم مدا قال ابن حبيب: ومن نذر صيام الدهر أو
نذر صيام الإثنين والخميس ثم لزمه صوم شهرين
لظهار فليصمها لظهاره ولا شيء عليه نذر من
صيام الدهر من الأيام المسماة قاله مالك وعلى
قول سحنون يطعم لعدة ما صام لكل يوم مدا وهذا
أدنى الكفارة في الصوم انتهى. ومثل صيام
الكفارة صيام الهدي والفدية وغيره مما يشبه
والله أعلم. وانظر كلام التوضيح في قوله: ولا
تجب الكفارة في غير رمضان ونقل في التوضيح عن
الشيخ أبي الحسن المقدسي المالكي أنه قال فيمن
نذر صيام الدهر ثم أفطر يوما متعمدا قال كافة
الناس لا شيء عليه وليستغفر الله وانظر بقيته.
ص: "جماعا". ش: قال سند: وكذلك يوجب الكفارة
لو وطىء امرأته في دبرها أو فرج ميتة أو بهيمة
انتهى. من الذخيرة.
(3/359)
أو رفع نية
نهاراً
__________
فرع قال عبد الوهاب: ومن احتلم في نهار رمضان
لم يفسد صومه ولا قضاء عليه لما روي ثلاثة لا
يفطرن الصائم فذكر الاحتلام من ذلك نقله الشيخ
بهرام في الكبير والله أعلم. ص: "أو رفع نية
نهارا". ش: يعني بعد أن أصبح صائما فأحرى إذا
أصبح ناويا للفطر وسواء استمربعد ذلك على نية
الفطر أو نوى الصوم نهارا قبل أن يأكل وصرح
بذلك جميعه في المدونة ويؤخذ حكمه من كلام
المصنف وقال ابن عرفة: وفي إصباحه ينوي الفطر
قول ابن القاسم مع مالك وأشهب مع روايتي أبي
الفرج وفيها لو أصبح ينوي الفطر ثم نوى الصوم
قبل طلوع الشمس كفر أشهب لا كفارة الصقلي لعله
فيمن صام بعده إذ لا
(3/360)
أو أكلاً أو
شربا ًبفم فقط وإن باستياك بجوزاء أو منياً
وإن بإدامة فكر
__________
ترتفع نيته إلا بفعل ولو كان أول صومه كفر
اتفاقا وفيها الشك في قول مالك بكفارة من نوى
الفطر بعد الصبح ابن القاسم أحب إلي أن يكفر
سحنون لا كفارة وقضاؤه مستحب فخرجهما عياض على
صحة رفضه وامتناعه الشيخ عن ابن حبيب من نوى
الفطر بعد الفجر نهاره لم يفطر بالنية انتهى.
فرع: لا كفارة على من ارتد في نهار رمضان ذكره
في المعونة وفي العمدة مختصرة المعونة والردة
مبطلة ولا يلزم قضاء ما أفطره فيها إذا أسلم
كالكافر الأصلي انتهى. ص: "أو أكلا أو شربا".
ش: انظر ما مراده بالأكل هل هو الأكل المعتاد
فلا تلزم الكفارة بالحصا
(3/361)
إلا أن يخالف
عادته على المختار وإن أمنى بتعمد نظرة
فتأويلان بإطعام ستين مسكيناً لكل
__________
والتراب ونحوه أو مراده ما قدم أنه يقع به
الإفطار فيعم ذلك الجميع قال ابن الحاجب: في
كلامه على الكفارة وفي نحو التراب وفلقة
الطعام على تفريع الإفطار قولان قال ابن عبد
السلام: الأقرب سقوط الكفارة انتهى. والظاهر
من كلام المصنف وقوع الفطر بذلك لأنه مشى على
ما اختاره اللخمي والذي اختاره هو قول عبد
الملك بن الماجشون وهو يرى الكفارة في ذلك في
العمد ونص اللخمي في باب ما يقع به الفطر
واختلف في الحصى والدرهم فقال ابن الماجشون في
المبسوط له حكم الطعام فعليه في السهو القضاء
وفي العمد القضاء والكفارة وقال ابن القاسم في
كتاب ابن حبيب لا قضاء عليه إلا أن يكون
متعمدا فيقضي لتهاونه والأول أشبه لأن الحصى
يشغل المعدة أشغالا وينقص من كلب الجوع انتهى.
ص: "بإطعام ستين مسكينا". ش: ولو أطعم مسكينا
واحدا ستين يوما لم يجزه فإن قيل المقصود سد
ستين خلة وهو حاصل فلم لا يجزيء قيل المقصود
سد خلة ستين لأنه أبلغ في الأجر ولتوقع أن
يكون فيهم ولي مقبول الدعاء نقله القرافي.
فائدة: وقع في الموطأ في حديث عطاء الخراساني
في حديث المجامع في رمضانبعد ذكر الرقبة هل
تستطيع بدنة قال لا قال في التمهيد وهذا غير
محفوظ في الأحاديث المسندة الصحاح ولا مدخل
للبدنة في كفارة الوطء في رمضان عند جمهور
العلماء وذكر البدنة هو الذي أنكر على عطاء ثم
قال ولا نعلم أحدا كان يفتي به إلا الحسن
البصري فإنه كان يقول إذا لم يجد المجامع في
رمضان عامدا رقبة أهدى بدنة إلى مكة انتهى.
مختصرا. ص: "لكل مد". ش: قال ابن عرفة: أشهب
المد أحب إلي من الغذاء والعشاء ونقله في
الشامل بلفظ إن شاء.
تنبيهات: الأول: فلو أطعم ثلاثين مدين مدين في
يوم أو أكثر لم يجزه حتى يطعم ثلاثين آخرين
انتهى. من الذخيرة وهو مذهب المدونة أبو الحسن
وله أن يسترجع ثلاثين مدا من المساكين ويعطيها
غيرهم فإن فوتوها لم يكن له عليهم رجوع كمن
عوض من صدقة ظانا لزومها انتهى.
(3/362)
مد وهو الأفضل
أو صيام شهرين أو عتق رقبة كالظهار
__________
الثاني قال ابن عرفة: اللخمي صنفها ككفارة
اليمين قال ابن عرفة: وفي كون إطعام الكفارة
لأيام من رمضان واحد كيمين واحدة لا يأخذ منها
المسكين الواحد إلا ليوم واحد أو أيامه كأيمان
يجزيه أخذه لليومين نظر وهذا أبين وقول الجلاب
لو أطعم ستين لإحدى كفارتيه ثم أطعمهم في
اليوم الثاني للأخرى أجزأه مفهومه لو أطعمهم
عنها في يوم واحد لم يجزه وفيه نظر انتهى.
الثالث: قال ابن الحاجب: وغيره وتتعدد بتعدد
الأيام ولا تتعدد في اليوم الواحد قبل التكفير
اتفاقا ولا بعده على الأصح المعروف من المذهب
وقاله في التوضيح وقال ابن عرفة: وتتعدد بتعدد
أيام موجبها ولو قبل إخراجها لا بتعدد موجبها
قبله اتفاقا وبعده نقلا ابن بشير عن المتأخرين
انتهى. والله أعلم. ص: "وهو الأفضل". ش: قال
ابن يونس: وإن كان حراما لك التصرف ويكفر
العبد والأمة بالصيام إلا أن يضر ذلك بالسيد
فيبقى دينا عليهما إلا أن يأذن السيد في
الإطعام ونقله المصنف في التوضيح وإذا فعل
السفيه موجب الكفارة وقلنا إنها على التخيير
كما هو المشهور أمره وليه بالصيام لحفظ ماله
وإن لم يقدر عليه وأبى كفر عنه وليه بالأقل من
العتق والطعام عبد الحق ويحتمل أن تبقى في
ذمته إذا أبى من الصوم قال وهو الأبين انتهى.
من التوضيح.
تنبيه: قال ابن عرفة: الباجي أفتى متأخرو
أصحابنا بالإطعام في الشدة والعتق في
(3/363)
وعن أمة وطئها
أو زوجة أكرهها
__________
الرخاء وأبو إبراهيم ذي سعة وبادر يحيى بن
يحيى الأمير عبد الرحمن حين سأل الفقهاء عن
وطء جارية له في رمضان بكفارته بصومه فسكت
حاضروه ثم سألوه لم لم تخيره في أحد الثلاثة
فقال لو خيرته وطىء كل يوم وأعتق فلم ينكروه
عياض وحكاه فخر الدين عن بعضهم بالإجماع بأنه
مما ظهر من الشرع إلغاؤه واتفق العلماء على
إبطاله.
قلت: وتأول بعضهم أن المفتي بذلك رأى الأمير
فقيرا ما بيده إنما هو للمسلمين.
قلت: ولا يرد هذا بتعليل المفتي بذلك بما ذكر
لأنه لا ينافيه والتصريح به موحش انتهى. وقال
القرافي في شرح المحصول للفخر هذا المثال قد
يتحيل فيه أنه ليس بما أبطله الشرع لأجل قيام
الفرق بين الملوك وغيرهم وأن الشرع إنما شرع
الكفارة زجرا والملوك لا تنزجر بالإعتاق فتعين
ما هو زجر في حقهم فهذا نوع من النظرالمصلحي
الذي لا تأباه القواعد انتهى. ص: "وعن أمة
وطئها أو زوجة أكرهها". ش: إنما قال في الأمة
وطئها والزوجة أكرهها لينبه على أن طوع الأمة
كالإكراه فإذا وطئها وجبت عليه الكفارة سواء
كانت طائعة أو مكرهة بخلاف الزوجة فإنما يكفر
عنها إذا كانت مكرهة وما ذكره في الأمة هو
الذي ذكره في النوادر و قال في التوضيح: وقال
في النوادر قال بعض أصحابنا إن وطىء أمة كفر
عنها وإن طاوعته لأن طوعها كالإكراه للرق
ولذلك لا تحد المستحقة وإن كانت تعلم أن
واطئها غير مالك قال ابن يونس: إلا أن تطلبه
هي بذلك وتسأله فيه فيلزم الأمة الكفارة وتحد
المستحقة إن لم تعذر بجهل انتهى. وينبغي أن
يلحق بالسؤال ما إذا تزينت ولم أر في كتاب
الأصحاب خلاف ما نقله الشيخ أبو محمد انتهى.
كلام التوضيح.
(3/364)
نيابة فلا يصوم
ولا يعتق عن أمته وإن أعسر كفرت ورجعت إن لم
تصم بالأقل من الرقبة
__________
فرع فإن أعتقها قبل أن يكفر عنها فالإطعام
عنها لازم له انتهى. من أبي الحسن الكبير عن
ابن يونس وانظر تخصيصه التكفير عنها حينئذ
بالإطعام والظاهر أنه لا مفهوم له وإنما ذكره
لأنه الأخف غالبا وإلا فحين صارت حرة فيصح
التكفير عنها بالعتق والله أعلم.
فرع: قال في النوادر وإن فعل العبد ذلك بمن
يلزمه أن يكفر عنه فهي جناية إما أن يسلمه
السيد فيها أو يفديه بالأقل من ذلك أو من
قيمته ولو طلبت المفعول بها أخذ ذلك وتصوم عن
نفسها لم يجزها وإن رضي السيد بذلك لأنه لم
يجب لها فيصير ثمنها للصيام والصيام لا ثمن له
انتهى. و قال في التوضيح: وإن أكره العبد
زوجته فقال ابن شعبان هو جناية إن شاء السيد
أسلمه أو أفتكه بأقل القيمتين من الرقبة أو
الطعام وليس لها أن تأخذ ذلك وتكفر بالصيام إذ
لا ثمن له ابن محرز ومعنى قول ابن شعبان:
"الرقبة التي يكفر بها لا رقبة العبد الجاني"
وهو خلاف ما حكاه أبو محمد في نوادره وهو أشبه
بالأصول مما حكاه أبو محمد ويحتمل عندي أن
يفتديه السيد بالأكثر من الأمرين لأن المرأة
مخيرة فيما تكفر به وهذا الوجه أقوى عندي من
الأول إلا أنه لاحظ في الأول كون المكفر إنما
يكفر بأخف الكفارات لا بأثقلها انتهى. بمعناه
خليل وقوله خلاف ما حكاه أبو محمد الخ يريد
لأن عبارة الشيخ أبي محمد يفديه بالأقل من ذلك
أو من قيمته فهذا يقتضي قيمة العبد وليس حكم
الجناية المتعلقة برقبة العبد كهذا بل يفتكه
بأرش الجناية أو يسلمه وعلى هذا ففي نقل أبي
محمد نظر فاعلمه انتهى. كلام التوضيح.
قلت: وليس ما قالاه متعينا في كلام الشيخ أبي
محمد بل يمكن حمله على خلاف ما قالا بأن يكون
قوله من ذلك راجعا إلى ما يكفر به وهو الرقبة
والطعام ويكو ن الضمير في رقبته راجعا إلى ذلك
والمعنى أنه يخير بين أن يسلمه أو يفتكه
بالأقل من الرقبة والطعام أو قيمة الرقبة
والطعام والله أعلم. وقوله المرأة مخيرة يعني
فيما إذا كانت تكفر عن نفسها وأما إذا كفر
الزوج فالخيار له ولهذا إنما يرجع بالأقل
وإنما أراد أن يبين أنه كان ينبغي أن يلاحظ
أكثر القيمتين لكون المرأة لو كفرت عن نفسها
كانت مخيرة فتأمله والله أعلم. وظاهر كلام
النوادر أنه لو أكره أمة فالحكم كالزوجة بل
صريحه وهو ظاهر والله أعلم.
فرع: قال أبو الحسن في الكبير: قال ابن محرز:
وإذا أكره المرأة على الوطء رجلان فالكفارة
(3/365)
وكيل طعام وفي
تكفيره عنها إن أكرهها على القبلة حتى أنزلا
تأويلان وفي تكفير مكره رجل
__________
على الأول منهما دون الثاني وذلك أن الثاني لم
يفسد صومها ولا أوجب عليها بوطئها ما لم يكن
واجباانتهى. ص: "وفي تكفيره عنها إن أكرهها
على القبلة حتى أنزلا تأويلان". ش: قال في
التوضيح: اختلف في الذي يقبل امرأته مكرهة حتى
ينزلا فقال ابن القاسم يكفر عن نفسه فقط
وعليها القضاء وقال الشيخ أبو محمد وحمديس
ويكفر عنها وكل أول المدونة على ما ذهب إليه
ورجح مذهب ابن أبي زيد لأن الانتهاك من الرجال
خاصة انتهى. ص: "وفي تكفير مكره رجل ليجامع
قولان". ش: ابن عبد السلام الأقرب السقوط لأنه
متسبب والمكره مباشر ويظهر من كلامه في
التوضيح أنه لا كفارة على المكره بكسر الراء
عند الأكثر ولكن أول كلامه يقتضي أن ذلك إنما
هو في حق المكره بفتح الراء.
تنبيه: وهذا الخلاف إنما يتفرع على القول
بسقوطها عن المكره بفتح الراء و قال في
التوضيح: المشهور أنه لا تجب عليه كفارة قال
في التنبيهات واختلف في الرجل المكره على
الوطء فقيل عليه الكفارة وهو قول عبد الملك
وأكثر أقوال أصحابنا إنه لا كفارة عليه ولا
خلاف أن عليه القضاء والخلاف في حده والأكثر
على إيجاب الحد انتهى. من شرح قول ابن الحاجب
فلا كفارة في الإكراه وقال ابن عرفة: وفي
الرجل المكره على الوطء قولان لها ولابن
الماجشون عياض ورواه ابن نافع وتبع المصنف
رحمه الله في نقل القولين في المكره ابن
الحاجب وقد قال ابن عرفة: ونقل ابن الحاجب
وجوبها على مكره رجل على وطء لا أعرفه إلا من
قول ابن حبيب في النائم وقول اللخمي انتهاك
صوم غيره كنفسه انتهى. فعلى هذا يكون المكره
بكسر الراء لا خلاف في سقوط الكفارة عنه وإنما
الخلاف في المكره فعليه ينبغي أن يقرأ مكره في
قول المصنف وفي تكفير مكره رجل بفتح الراء
يعني الذي أكرهه رجل على الوطء وفيه تكلف جدا
والله أعلم.
(3/366)
ليجامع قولان
لا إن أفطر ناسيا أو لم يغتسل إلا بعد الفجر
أو تسحر قربه أو قدم ليلاً أو
__________
فرع: قال ابن عرفة: ولا تجب الكفارة على مكره
على أكل أو شرب أو امرأة على وطء انتهى.
مسألة: قال عبد الحق: عن أبي عمران فيمن غرر
رجلا وقال له لم يطلع الفجر وجعل يأكل إنه لا
كفارة على الغار لأنه غرور بالقول قال ولو
أطعمه بيده لقمة وجعل الطعام في فيه فههنا
يكفر عنه لأنه غرور بالفعل ولا كفارة على
الآكل لأنه غير منتهك إذا لم يعلم أنه كذب
وغره انتهى. من المسائل الملقوطة قال نقله من
خط القاضي جمال الدين الأقفهسي. ص: "لا إن
أفطر ناسيا". ش: هذا هو الإفطار بالتأويل وقد
تقدم أنه على قسمين قريب وبعيد و قال في
التوضيح: تبعا لابن عبد السلام القريب ما كان
مستندا لسبب إلى أمر موجود والبعيد ما استند
إلى سبب غير موجود وقال ابن عرفة: القريب
المستند لحادث وقوله أفطر ناسيا يعني أن من
أفطر ناسيا فظن أن ذلك مبيح له الإفطار بعد
ذلك لكون صومه قد بطل ووجب عليه قضاؤه فأفطر
بعد ذلك متعمدا معتقدا أن التمادي لا يجب عليه
فعليه القضاء ولا كفارة عليه وهذا هو المشهور
وقيل تجب الكفارة وثالثها إن أفطر بجماع كفر
وبغيره لا كفارة عليه. ص: "أو لم يغتسل إلا
بعد الفجر". ش: يعني أن من وجب عليه الغسل من
حائض أو نفساء أو جنب فلم يغتسل إلا بعد الفجر
فظن أن ذلك يفسد صومه ويبيح له الإفطار فأفطر
متعمدا فعليه القضاء ولا كفارة عليه ولم يحك
ابن عبد السلام ولا المصنف في التوضيح ولا ابن
عرفة في هذه خلافا لكن قال ابن عبد السلام:
العذر في هذه أضعف من التي قبلها ولهذا يمكن
إجراء الخلاف فيها. ص: "أو تسحر قربه". ش:
يعني أن من تسحر قرب الفجر فظن أن صومه بطل
وأن ذلك يبيح له الإفطار فأفطر بعد ذلك متعمدا
فعليه القضاء ولا كفارة والعذر في هذا أضعف من
المسألتين قبله إذ لم يقل أحد من تسحر قرب
الفجر يبطل صومه قال الشارح في الكبير ولا
يبعد إجراء الخلاف فيها. ص: "أو قدم ليلا". ش:
يعني أن المسافر إذا قدم ليلا فظن أن الصوم
إنما يلزم من قدم نهارا فأصبح مفطرا فعليه
القضاء ولا كفارة عليه وعذره في هذه أضعف من
المسألتين الأوليين قال ابن عبد السلام: إذ لم
يذهب أحد إلى ما توهمه انتهى. وهو قريب من
الثلاثة ولم أر فيه خلافا لكن يبعد إجراء
الخلاف فيها والله أعلم. ص: "أو سافر دون
القصر". ش: يعني أن من سافر دون مسافة القصر
فظن أن ذلك يبيح له الإفطار فنوى الإفطار
وأصبح مفطرا فعليه القضاء ولا
(3/367)
سافر دون القصر
أو رأى شوالاً نهاراً فظنوا الإباحة
__________
كفارة عليه وعذره هنا أقوى من المسائل الثلاث
التي قبله إذ قد ذهب بعضهم إلى أن ذلك يبيح
الإفطار وأما من أصبح في الحضر صائما فسافر
دون القصر فأفطر فالظاهر أنه يجري فيها الخلاف
فيمن سافر سفرا تقصر فيه الصلاة فأفطر لذلك
وسيأتي الخلاف فيه بل هو أحرى في وجوب
الكفارة. ص: "أو رأى شوالا نهارا". ش: يعني أن
من رأى شوالا نهارا ثلاثين في رمضان فظن أن
ذلك يبيح له الإفطار فأفطر فعليه القضاء ولا
كفارة عليه وظاهره سواء كانت رؤيته قبل الزوال
أو بعده وهو ظاهر الرواية فقد حكاها في
التوضيح فيمن رأى هلال شوال نصف النهار وكذلك
ابن عرفة ولا شك أن من رآه قبل الزوال أعذر
ولوجود الخلاف في إباحة الإفطار. ص: "فظنوا
الإباحة". ش: راجع إلى المسائل الست واحترز به
ممن علم أنه لا يجوز له الإفطار بذلك فأفطر
متعمدا فلا خلاف في وجوب الكفارة عليه.
تنبيهات: الأول: تقدم من التأويل القريب مسألة
وهي ما إذا ثبت هلال رمضان نهارا فظن أن ذلك
لا يوجب الإمساك لعدم التثبت فأفطر بعد ثبوت
الهلال فلا كفارة عليه ويأتي منه مسألتان
الأولى من أصبح صائما ثم سافر فأفطر لغير عذر
متأولا أن السفر يبيح له الإفطار والثانية إذا
أصبح صائما ثم عزم على السفر فأفطر قبل خروجه
ظانا أن عزمه على السفر يبيح له الإفطار بل
ظاهر كلام المصنف أنه لا كفارة عليه ولو أفطر
متعمدا وسيأتي الكلام على ذلك ولم يذكر المصنف
هاتين المسألتين هنا لما سيذكره بعد ذلك والله
أعلم.
الثاني: يفهم من قول المصنف فظنوا الإباحة
أنهم لو شكوا في الإباحة لزمتهم الكفارة وأحرى
إن لم يكن عندهم إلا توهم الإباحة وهذا ظاهر
لأنهم مع ظن الإباحة يسقط عنهم الإثم كما
سيأتي من كلام ابن رشد وأما مع عدم ظن الإباحة
فلا يجوز لهم الإقدام على الفطر وهم آثمون في
إقدامهم على الإفطار مع الشك أو مع التوهم فإن
أفطروا فعليهم الكفارة والله أعلم.
الثالث: كل من ذكرنا أنه لا كفارة عليه لظنه
الإباحة فالظاهر أنه لا إثم عليه لأنه لم يقصد
ارتكاب محرم وقد قال ابن رشد في آخر سماع عيسى
من كتاب الصوم في مسألة من أصبح صائما ثم عزم
على السفر فأفطر قبل خروجه متأولا: أظهر
الأقوال أن لا كفارة عليه لأن الكفارة إنما هي
تكفير للذنب ومن تأول فهم بذنب وإنما أخطأ
والله تعالى قد تجاوز لأمة
(3/368)
بخلاف بعيد
التأويل كراء ولم يقبل أو أفطر لحمى ثم حم أو
لحيض ثم حصل
__________
نبيه صلى الله عليه وسلم عن الخطأ والنسيان
ووجه قول من يوجب الكفارة في شيء من ذلك هو
أنه لم يعذره بالجهل إذا كان ذلك عنده من
الأمور التي لا يسع جهلها فإذا لم يعلم فكأنه
يلزمه أن يتوقف حتى يسأل فإذا لم يفعل فإقدامه
قبل أن يسأل يوجب عليه الكفارة لقوله تعالى
{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} انتهى.
ص: "بخلاف بعيد التأويل". ش: أي فإن عليه
الكفارة وقد تقدم عن ابن عبد السلام والمصنف
أن التأويل البعيد هو ما استند إلى سبب غير
موجود لكنه لا يطرد في جميع هذه المسائل التي
ذكرها المصنف. ص: "كراء ولم يقبل". ش: قال ابن
عبد السلام: تأويله أقرب من تأويل المسافر
يقدم ليلا. قلت: وأقرب من تأويل من تسحر قرب
الفجر وتقدم أن في وجوب الكفارة عليه تأويلين
وهما قولان لابن القاسم وأشهب فابن القاسم
يقول بالوجوب قال في التوضيح: وهو المشهور
وأشهب يقول بالسقوط وهو الظاهر و قال في
التوضيح: والمشهور وجوب الكفارة وقال أشهب: لا
كفارة عليه وهما خلاف في حال هل هو تأويل قريب
أو بعيد وجعل ابن الحاجب وغيره قول أشهب خلافا
وإليه ذهب ابن يونس ونقل أبو الحسن عن الشيوخ
أنهم جعلوه تقييدا انتهى. وذكر المصنف فيما
تقدم التأويلين وجزم هنا بوجوب الكفارة وأنه
من التأويل البعيد فكأنه ترجح عنده والله
أعلم. ص: "أو لحمى ثم حم أو لحيض ثم حصل". ش:
يعني أن من كانت عادته أن تأتيه الحمى في يوم
بعد يوم أو بعد يومين فأصبح في يوم الحمى
مفطرا قبل أن تأتيه الحمى يريد وهو قادر على
الصوم إذا لم تأته الحمى ثم
(3/369)
أو حجامة أو
غيبة،
__________
جاءته الحمى في بقية يومه فعليه القضاء
والكفارة على المشهور لأنه تأويل بعيد لأنه
مستند لسبب لم يوجد بعد وكذلك المرأة إذا كانت
معتادة أن يأتيها الحيض في يوم من الشهر
فأصبحت في ذلك اليوم مفطرة قبل أن يأتيها
الحيض ثم جاءها الحيض في أثناء النهار فعليها
القضاء والكفارة لأنه تأويل بعيد كالمسألة
التي قبلها وقال ابن عبد الحكم: لا كفارة في
المسألتين ورآه من التأويل القريب. ص: "أو
حجامة". ش: حمله الشارح على أن مراده من احتجم
في نهار رمضان فظن أن صومه قد بطل فأفطر فعليه
القضاء مع الكفارة ثم اعترض عليه بأن ذلك قول
ابن حبيب وهو خلاف قول ابن القاسم زاد في
الكبير فذكر عن النوادر ما نصه قال ابن حبيب:
كل متأول في الفطر فلا يكفر إلا في التأويل
البعيد مثل أن يغتاب أو يحتجم فتأول أنه أفطر
لذلك ثم قال ومن العتبية قال عيسى عن ابن
القاسم فيمن احتجم في رمضان فتأول أن له الفطر
فليس عليه إلا القضاء وقال أصبغ هذا تأويل
بعيد انتهى. كلام النوادر ثم قال الشارح فانظر
كيف جعل مسألة الحجامة من التأويل البعيد وهو
خلاف قول ابن القاسم اللهم إلا أن تحمل مسألة
ابن حبيب على فاعل الحجامة كما هو ظاهر لفظه
ومسألة ابن القاسم على المحتجم كما نص عليه إن
ظهر بينهما فرق انتهى.
قلت: ما ذكره عن النوادر هو كذلك والاحتمال
الذي أراد الجمع به بعيد أما أولا فلا يظهر أن
بين تأويل الحاجم والمحتجم الإفطار فرقا لأن
مستند كل منهما في تأويل الإفطار قوله صلى
الله عليه وسلم: "أفطر الحاجم والمحتجم" رواه
البخاري معلقا عن الحسن عن غير واحد مرفوعا
ورواه أصحاب السنن وأما ثانيا فقد نقل ابن
يونس واللخمي وأبو الحسن الصغير كلام ابن حبيب
بلفظ يحتجم وجعلوه خلاف قول ابن القاسم وكذلك
المصنف في التوضيح وابن عرفة وغيرهما من
الشيوخ فرضوا المسألة فيمن احتجم وجعلوا قول
ابن حبيب خلاف قول ابن القاسم ولما ذكر ابن
رشد في رسم سلف من سماع عيسى كلام ابن القاسم
المتقدم قال في شرحه وأوجب عليه ابن حبيب في
الواضحة الكفارة ورآه من التأويل البعيد
انتهى. وإذا كان ابن حبيب يقول بالكفارة في
المحتجم إذا تأول فالحاجم مثله أو أحرى بوجوب
الكفارة ولفظ ابن حبيب في مختصرالواضحة لفضل
بن مسلمة صالح لأن يحمل على كل منهما أو
عليهما جميعا فإنه قال وكذلك الذي يتأول
الإفطار مع الحجامة فيفطر فعليه الكفارة
انتهى. فتحصل من هذا أن مسألة المحتجم
(3/370)
ولزم معها
القضاء وإن كانت له
__________
فيها قولان لابن القاسم وابن حبيب كما حكاه
أهل المذهب وأما مسألة الحاجم فليس فيها إلا
ما يفهم من كلام صاحب النوادر الذي نقله عن
ابن حبيب وكونها مساوية لمسألة المحتجم أو
أحرى بوجوب الكفارة وأما ما نقلوه عن ابن
القاسم فليس فيه تعرض لنفي الكفارة فيها إلا
أن الذي يظهر أنه لا فرق بينهما وأن ابن
القاسم يقول بسقوط الكفارة فيها أيضا لما
ذكرناه وأن قوله: أظهر من قول ابن حبيب لأنه
تقدم أن ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح
قالا إن التأويل القريب هو ما كان مستندا لسبب
موجود والتأويل البعيد ما كان لسبب غير موجود
كمسألتي الحمى والحيض ومثله أيضا يقال في
مسألة الغيبة أعني من اغتاب في نهار رمضان فظن
أن ذلك يبطل صومه فأفطر لذلك ولكني لم أر فيها
إلا قول ابن حبيب بوجوب الكفارة.
تنبيهات: الأول: جزم البساطي بحمل كلام المصنف
على الاحتمال الذي ذكره الشارح فقال قوله: أو
حجامة يعني من حجم غيره وأما من احتجم فعليه
القضاء فقط عند ابن القاسم قال فإن قلت: ما
الموجب لهذا المحتمل قلت: إذا اطلعت على
الروايات علمت وجه ذلك ثم ذكر كلام النوادر ثم
قال وهذا يوجب الحمل على ما حمل ثم قال فإن
قلت: لعل المشهور ما قاله ابن حبيب وأن كلامه
عام فيمن حجم أو احتجم أو خاص بمن احتجم وتأول
كلامه قلت: هو محتمل على المعنى الثاني في
تأويل حجم باحتجم بعد انتهى. قلت: وقد تقدمت
نصوص أهل المذهب وأن الذي يظهر لي أن كلام ابن
حبيب وكلام المصنف عام فيمن حجم غيره أو احتجم
وأن ابن القاسم يخالف في الوجهين وأن قوله
الراجح والله أعلم.
الثاني: تقدم أن إفساد الصوم بالغيبة حكي عن
سفيان وعن مجاهد وأما الحجامة فحكى صاحب
الطراز عن ابن حنبل وابن إسحاق أنهما قالا
يفطر الحاجم والمحجوم وقال وعن ابن حنبل رواية
أن فيه الكفارة قال وهو قول عطاء واختاره ابن
المنذر ومحمد بن إسحاق واحتجوا بالحديث السابق
واحتج الجمهور بأنه صلى الله عليه وسلم احتجم
وهو صائم
الثالث: أجاب العلماء عن الحديث المذكور بوجوه
إما أنه منسوخ كما جزم به الشافعي أو بأن
معناه تعرض للإفطار أما المحجوم فللضعف وأما
الحاجم فلأنه لا يأمن من أن يصل إلى جوفه شيء
بالمص أو بأن معناه نقصان الأجر والله أعلم.
الرابع: من التأويل البعيد مسألة: الصيام في
السفر من بيت الصيام ثم أفطر متأولا فإن عليه
الكفارة على مذهب المدونة الذي مشى عليه
المصنف وسواء أفطر في السفر أو بعد دخوله إلى
الحضر كما تقدم بيانه. ص: "ولزم معها القضاء
إن كانت له". ش: يعني أن كل
(3/371)
والقضاء في
التطوع بموجبها ولا قضاء في غالب قيء أو ذباب
أو غبار طريق أو دقيق أو
__________
من لزمته الكفارة يلزمه معها القضاء إذا كانت
الكفارة له أي للمكفر واحترز بذلك مما إذا
لزمته الكفارة عن غيره فإن القضاء عن الغير
لأن الصوم لا يقبل النيابة وعلى هذا حمل
الشارح كلام المصنف في الصغير وهو الصواب وجعل
في الكبير والوسط الضمير في قوله: له عائدا
على رمضان ولا وجه له والله أعلم. ص: "والقضاء
في التطوع بموجبها". ش: فلا يفسد مع الجهل
والنسيان والإكراه إلا الفرض وقال الشيخ زروق
في شرح الإرشاد انتهى.
تنبيه: قال الشارح في الكبير: وفيما قاله
المصنف نظر فإن أفطر في تطوعه ناسيا فظن أن
صومه قد فسد فأفطر ثانيا فإنه يقضيه هكذا
قالوا انتهى. وفيما قاله نظر فإنهم إنما ذكروا
القضاء فيما إذا أفطر ثانيا متعمدا وأما
المتأول فظاهر كلام ابن ناجي المتقدم أنه لا
شيء عليه نعم يرد على المصنف مسألة وهي من
أصبح صائما في الحضر ثم سافر فأفطر لسفره من
غير عذر فإنه سيأتي أن لا كفارةعليه في ذلك
إذا فعله في رمضان على المشهور وأن عليه
القضاء في التطوع على مذهب المدونة الذي مشى
عليه المصنف فيما سيأتي. ص: "ولا قضاء في غالب
قيء وذباب وغبار طريق أو دقيق أو كيل أو جبس
لصانعه". ش: قوله: وذباب قال
(3/372)
__________
في الجلاب أو بعوض قال الشيخ زروق في شرح
الإرشاد ويغتفر غبار الطريق وكيل القمح
والدقيق انتهى. وقال ابن عرفة: عبد الحق عن
السليمانية إن وجد طعم دهن رأسه قضى وقال
التونسي وفي لغو غبار الدقيق والجبس والدباغ
لصانعه نظر لضرورة الصنعة وإمكان غيرها ابن
شاس اختلف في غبار الجباسين وروى ابن محرز لا
يفطر من عطش في رمضان من علاج صنعته والتشديد
في منع ما يمنعه فرضا والوقف عن الكفارة به
ابن محرز والقياس جوازه لسفر التجر ثم خرجه
على الخلاف في القدح المجوز للجلوس في الصلاة
وابتلاع حبة بين أسنانه إن غلبته لغو انتهى.
المشذالي في قوله: وابتلع فلقة اختلف المذهب
في القضاء في ذا الباب وأجرى عليه الشيوخ لو
حلف لا يأكل من هذا الطعام بعد أن أكل منه
وتبقى منه بقية فلقة فابتلعها فقالوا اللازم
على القضاء الحنث وعلى العدم العدم.
قلت: وخرج ابن رشد في سماع أشهب من نسي حصاة
في يده من المسجد أو في نعله أنه إن ردها فحسن
وليس بواجب على من ابتلع فلقة لأنه أمر غالب
فكما أنه لا قضاء فكذلك لا رد انتهى. وقال
البرزلي: مسألة: الحكم في غبار الكتان وغبار
الفحم وغبار خزن الشعير والقمح كالحكم في غبار
الجباسين قال وعلى هذا يقع السؤال في زماننا
إذا وقع الصيام في زمان الصيف فهل يجوز للأجير
الخروج للحصاد مع الضرورة للفطر أم لا وكانت
الفتيا عندنا إن كان محتاجا لصنعته لمعاشه ما
له منها بد فله ذلك الإكراه وأما مالك الزرع
فلا خلاف في جواز كم زرعه وإن أدى إلى فطره
وإلا وقع في النهي عن إضاعة المال وكذا غزل
النساء الكتان وترقيق الخيط بأفواههن فإن كان
الكتان مصريا فجائز مطلقا وإن كان دمنيا له
طعم يتحلل فهي كذوي الصناعات إن كانت ضعيفة
ساغ لها ذلك وإن كانت غير محتاجة كره لها ذلك
في نهار رمضان وأفتى ابن قداح إذا غزلت الكتان
المعروف فوجدت طعم ملوحته في حلقها بطل صومها
وهو نحو ما قدمناه ومن ابتلع خيطا من غزل أو
حرير فعليه القضاء إن لم يكن صنعته فهي
كابتلاع النواة وإن كانت صنعته ففيها نظر
كغبار
(3/373)
كيل أو جبس
لصانعه وحقنة من إحليل أو دهن جائفة ومني
مستنكح أو مذي ونزع مأكول أو مشروب أو فرج
طلوع الفجر وجاز سواك كل النهار
__________
الدقيق لذي الصنعة. ص: "وحقنة في إحليل". ش:
قال في التوضيح: قال عياض الإحليل بكسر الهمزة
ثقب الذكر من حيث يخرج البول انتهى. ونحوه في
الصحاح والقاموس وقال في النهاية والإحليل على
ذكر الرجل وفرج المرأة. ص: "وجاز سواك كل
النهار". ش: ابن عرفة والسواك باليابس كل
النهار وفيها ولو بل ويكره بالرطب خوف تحلله
ابن حبيب إلا لعالم ثم قال الباجي في قوله: إن
جهل مج ما اجتمع من سواك الرطب فلا شيء عليه
نظر لأنه يغير ريقه ففي عمده الكفارة وفي
نسيانه وتأويله القضاء انتهى.
فائدة: قال عليه السلام: "لخلوف الصائم أطيب
عند الله من ريح المسك" 1 الخلوف بضم الخاء
المعجمة واللام وسكون الواو وفاء وقال بعضهم
بفتح الخاء فقيل خطأ وقيل لغة قليلة وهو تغيير
رائحة الفم واختلف في معناه لأنه تعالى منزه
عن استطابة الروائح الطيبة فقال المازري مجاز
لأنه جرت العادة بتقريب الروائح الطيبة هنا
فاستعير ذلك لتقريب الصوم من الله فالمعنى أنه
أطيب عند الله من المسك عندكم أي يقرب إليه
أكثر من تقريب المسك إليكم وقيل إن ذلك في حق
الملائكة وأنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما
يستطيبون ريح المسك وقيل المعنى أن الخلوف
أكثر ثوابا من المسك المندوب إليه في الجمع
والأعياد وصححه النووي ونقل القاضي حسين أن
للطاعات يوم القيامة ريحا فرائحة الصيام بين
العبادات كالمسك
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 3، 9. مسلم
في كتاب الصيام حديث 162، 164. الترمذي في
كتاب الصوم باب 54. النسائي في كتاب الصيام
باب 41، 42، 43. ابن ماجة في كتاب الصيام باب
1. الدارمي في كتاب الصوم باب 50. الموطأ في
كتاب الصيام حديث 58. أحمد في مسنده (1/446)
(2/232، 234، 257، 313) (4/130، 202) (6/240).
(3/374)
ومضمضة لعطش
وإصباح بجناية
__________
فرع: قال النووي في شرح المهذب: وقع نزاع بين
ابن الصلاح والشيخ ابن عبد السلام في أن هذا
الطيب في الدنيا والآخرة أم في الآخرة خاصة
فقال ابن عبد السلام في الآخرة خاصة لأن في
رواية مسلم: "أطيب عند الله من ريح المسك يوم
القيامة"1 وقال ابن الصلاح هو عام في الدنيا
والآخرة واستدل بأشياء منها ما في رواية ابن
حبان لخلوف فم الصائم حين يخلف الخ وروى الحسن
ابن سنين في مسنده أعطيت أمتي في شهر رمضان
خمسا قال وأما الثانية فإنهم يمسون وخلوف
أفواههم أطيب الخ حسنه السمعاني في أماليه وكل
واحد من الحديثين صريح في أنه وقت وجود الخلوف
في الدنيا يتحقق وصفه بكونه أطيب من ريح المسك
قال وقد قال العلماء شرقا وغربا معنى ما ذكره
في تفسير الخطابي طيبه عند الله رضاه به
وثناؤه ابن عبد البر معناه أزكى عند الله
وأقرب إليه وأرفع عنده من ريح المسك البغوي
معناه الثناء على الصائم والرضا بفعله القدوري
الحنفي معناه أفضل عند الله من الرائحة الطيبة
ومثله للبوني من قدماء المالكية وكذا قال
الصابوني والسمعاني وابن الصفار الشافعيون
وابن العربي المالكي فهؤلاء أئمة المسلمين لم
يذكروا سوى ما ذكرته ولم يذكر أحد منهم وجها
في تخصيصه بالآخرة مع أن كتبهم جامعة للمشهور
والغريب ومع أن رواية يوم القيامة في الصحيح
بل جزموا بأنه بمعنى الرضا والقبول لما هو
ثابت في الدنيا والآخرة وأما ذكر يوم القيامة
في تلك الرواية فلأنه يوم الجزاء وفيه يظهر
رجحان الخلوف على المسك انتهى. من حاشية
الموطأ للشيخ جلال الدين السيوطي وانظر
العارضة. ص: "ومضمضة لعطش". ش: قال ابن عرفة:
ابن القاسم وبلع ريقه الباجي يريد بعد زوال
طعم الماء منه وفي مجها أكره غسل الصائم رأسه
في الماء انتهى. المشذالي وسئل عز الدين عمن
دمي فمه مجه الدم ولم يغسل فهل يبطل صومه
بابتلاعه الريق النجس فأجاب بأن الصائم لا يحل
له ابتلاع الريق النجس ويبطل صومه إن فعل لأن
الرخصة إنما وقعت في ريق يجوز ابتلاعه لما في
طرحه من الحرج وإذا كان ابتلاعه محرما في
الصوم وغيره بطل صومه بابتلاعه لانتفاء سبب
الترخيص في ابتلاعه المشذالي قال البرزلي: هذا
بين إن لم ينقطع أثر الدم وأما إن انقطع فقد
تقدم أنه لا يضر لأنه لم يبق إلا أثر النجاسة
الحكمية لا عينها قال ويلزم على ما حكى عبد
الحق في مسألة الدلو الذي دهن بزيت فاستنجى به
أن الماء كله نجس أن يقول هذا كله نجس ولو
انقطع أثر الدم حتى يغسله بالماء كما قاله هذا
الشيخ انتهى. والذي تقدم قبله في الصيام عن
ابن قداح ما نصه ويقضي إن جاوز حلقه الدم وإن
بسقه
ـــــــ
1 نفس المصدر في الصفحة السابقة.
(3/375)
وصوم دهر
وكجمعة فقط وفطر بسفر قصر
__________
حتى أبيض فلا شيء عليه ويستحب غسله للصلاة
والأكل وإن لم يفعل فلا شيء عليه قاله ابن
قداح وهو يجزئ على التطهير بالمائع غير الماء
والمشهور عدم الإجزاء به في الصلاة ولا يضر
بالنسبة إلى الأكل لأن عين النجاسة زالت إلا
أن يتكرر ذلك فيسقط القضاء حينئذ كالمتكرر
غلبة كالذباب واستحب أشهب فيه القضاء انتهى.
والله أعلم. ص: "وصوم دهر". ش: يعني أنه جائز
وهل هو الأفضل أو الأفضل خلافه قال مالك: سرد
الصوم أفضل قال ابن رشد في أول رسم من سماع
ابن القاسم من كتاب الجامع في شرح مسألة منه:
معنى كلام مالك أن سرد الصوم أفضل من الصوم
والفطر إذا لم يضعف بسببه عن شيء من أعمال
البر وإن ضعف فالصوم أو الفطر انتهى. وذكر
البرزلي عن عز الدين بن عبد السلام الشافعي أن
صوم الدهر أفضل لمن قوي عليه لقوله: {مَنْ
جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] وقوله: {فَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}
[الزلزلة:7] وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد
الله بن عمرو بن العاص: "لا أفضل لك من ذلك"
فإنه قال له "إذا فعلت ذلك نقيت نفسك وغارت
عينك" ولأن أكثر الصحابة ما كانوا يسألون عن
أفضل الأعمال إلا ليختاروه وكذا قوله: "أفضل
الصيام صيام أخي داود" 1 ومحمول على من سأل أي
غب الصوم وتفريقه أفضل ويجب أن يحمل على ما
ذكرت توفيقا بين الأحاديث البرزلي هذا الذي
قاله الشيخ هو قول مالك في النوادر وحمل ما
ورد من النهي على عليه أو عمم صومه حتى صام ما
يحرم صومه انتهى. وقد ورد حديث أخرجه ابن حبان
في صحيحه فيما أظن بفضل صوم الدهر. ص: "وفطر
بسفر قصر". ش: أي وجاز فطر بسفر قصر أي في
السفر الذي تقصر فيه الصلاة وهو ما أشار إليه
في فصل صلاة المسافر سن لمسافر غير عاص به
ولاه أربعة برد فإن قيل جعل هنا الفطر في
السفر جائزا وهو مخالف لما قدمه أولا من أن
الصوم في السفر مستحب وقد صرح ابن رشد في رسم
الشريكين من سماع ابن القاسم بأن الفطر في
السفر مكروه فالجواب والله أعلم. أن مراده هنا
بالجائز ما يقابل الممنوع فيشمل المكروه
والمباح ونص كلام ابن رشد إثر قول
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب الصيام حديث 183. النسائي
في كتاب الصيام باب 69.
(3/376)
__________
العتبية قال مالك في المسافر يقيم في المنزل
يوما وما أشبه ذلك: فيجوز له أن يفطر ما كان
يجوز له أن يقصر وهذا كما قال مما لا اختلاف
فيه لقول الله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ
مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] إلا أن مالكا
استحب له الصيام ويكره له الفطر لقوله عز وجل:
{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:
184] انتهى. وفهم من كلام المصنف أنه يجوز
الفطر للمسافر في البحر إذا كان سفرا تقصر فيه
الصلاة لأنه سفر قصر وقد صرح بذلك في رسم باع
غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب الصيام
ونقله ابن عرفة وغيره ونص السماع وسئل عن
المسافر في البحر يريد أن يفطر فقال له ذلك
قال ابن رشد: وهذا كما قال إن المسافر في البر
والبحر سواء في جواز الفطر لقوله تعالى: {هُوَ
الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْر} [يونس: 22] ووجوب القصر وهذا مما
لا اختلاف فيه احفظه انتهى. ونص ابن عرفة وسفر
القصر يبيح فطره وسمع ابن القاسم البحر كالبر
الشيخ وروى ابن نافع لو أقام ببلد ما لا يوجب
إتمامه انتهى. وانظر التلقين والمعونة وفهم
أيضا من كلام المصنف أنه يفطر ولو أقام يومين
أو ثلاثة ما لم ينو إقامة أربعة أيام لأنه سفر
قصر وصرح به في النوادر وتقدم نقله عنه في
كلام ابن عرفة المتقدم.
فرع: قال الجزولي: ويفطر في السفر الواجب
والمندوب من غير خلاف واختلف في المباح
والمكروه والمحظور والمشهور يجوز له الفطر في
المباح ولا يجوز في المكروه ولا المحظور
انتهى.
تنبيه: رأيت بخط بعض طلبة العلم عن شارح
الرسالة الزهري أن من تعمد السفر في رمضان
لأجل الفطر أنه لا يفطر ويعامل بنقيض مقصوده
وهذا ظاهر لأن سفره حينئذ لا يكون مباحا إذا
لم يكن له غرض إلا الإفطار قال وكذلك من كان
له مال يبلغه الحج فتصدق بجله ليسقط عنه الحج
ذكر ذلك عند قول الرسالة وإن حاضت لأربع ركعات
من النهار وإنها لو كانت تعلم أن ذلك يوم
حيضتها وأخرت الصلاة إلى ذلك الوقت عمدا فإنه
يلزمها القضاء انتهى. وذكر الشيخ يوسف بن عمر
هذه المسائل الثلاث إلا أنه قال إن الحائض لا
يلزمها قضاء وهي عاصية والمتصدق يسقط عنه الحج
والمسافر لا يلزمه إلا القضاء وزاد المقيم
يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت فيسافر ويصلها صلاة
قصر له ذلك وكذلك الجزولي ذكر هذه المسائل كما
ذكر الشيخ يوسف بن عمر ثم قال وهذا مؤثم في
هذا كله وما ذكره الشيخ يوسف بن عمر والجزولي
في المسائل المذكورة ذكره اللخمي في زكاة
الخلطاء من تبصرته إلا أنه قال وجميع ذلك
مكروه ونصه ومن البخاري قال أنس قال النبي صلى
الله عليه وسلم "لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع
بين مفترق خشية الصدقة" ثم قال اختلف في
الحديث هل محمله على الوجوب أو الندب والمعروف
من قول مالك وأصحابه أن المعروف محمل الحديث
على الوجوب وروي عنه في مختصر ما ليس في
المختصر فيمن باع إبلا بعد الحول بذهب فرارا
أنه يزكي زكاة الذهب فعلى هذا محمل الحديث
عنده على الندب لأنه فر قبل
(3/377)
شرع فيه قبل
الفجر ولم ينوه فيه وإلا قضى ولو تطوعاً ولا
كفارة إلا أن ينويه بسفر
__________
الوجوب ولو تصدق رجل من ماله بقدر ما يسقط عنه
الحج وعلم ذلك أو سافر في رمضان إرادة لسقوط
الصوم عنه الآن أو أخر صلاة الحضر عن وقتها
ليصليها في السفر ركعتين أو أخرت امرأة صلاة
بعد دخول وقتها رجاء أن تحيض فحاضت قبل خروج
وقتها فجميع ذلك مكروه ولا يجب على هذا في
السفر صيام ولا أن يصلي أربعا ولا على الحائض
قضاء انتهى. ونقله ابن عرفة في الخلطة وقبله
إلا أنه ناقشه في احتجاجه على حمل الحديث على
الندب بالمسائل المذكورة ونصه اللخمي محمل
الحديث على الوجوب ورواية ابن شعبان من باع
إبلا بعد الحول بذهب فرارا زكى زكاة العين على
الندب ثم قال واحتجاج اللخمي على حمله على
الندب بأن من قصد سقوط الحج عنه بصدقته ما
ينفي استطاعته أو سافر في رمضان لسقوط صومه أو
أخر صلاة ليصليها في سفره قصرا أو امرأة لتحيض
فتسقط لم يعاملوا بنقيض مقصودهم يرد بأنه في
الحج لتكليف ما لا يطاق وبأن السفر والتأخير
غير منهي عنهما والتفريق والاجتماع منهي عنهما
وتعبيره بالندب دون الكراهة متعقب انتهى.
وقوله وتعبيره بالندب دون الكراهة متعقب يعني
به أنه كان الأولى أن يقول هل محمله على
الوجوب أو الكراهة بدل قوله: أو على الندب قال
الونشريسي في قواعده من الأصول المعاملة بنقيض
المقصود الفاسد وخالفوا هذا الأصل في المتصدق
بكل المال لإسقاط فرض الحج ومنشىء السفر في
رمضان للإفطار ومؤخر الصلاة إلى السفر للتقصير
أو إلى الحيض للسقوط انتهى. فما قاله الزهري
من أنه لا يفطر ويعامل بنقيض مقصوده مخالف لما
قاله اللخمي وغيره إلا أن ما قاله ظاهر إذا لم
يكن له غرض من السفر إلا الإفطار في رمضان لأن
سفره حينئذ لا يكون مباحا وقد تقدم في كلام
الجزولي أنه مأثوم في هذا كله وهذا يقتضي عدم
الجواز وصرح في المدخل بأنه لا يجوز له نظير
بماله وتقدم كلام الشيخ يوسف بن عمر في الحائض
أنها عاصية وصرح اللخمي بأن جميع ذلك مكروه
فالفطر في هذه الحالة لا يتأتى على المشهور من
أنه لا يجوز له الفطر في السفر المكروه أو
الحرام كما تقدم في كلام الجزولي فتأمله والله
أعلم. ص: "شرع فيه قبل الفجر ولم ينوه فيه".
ش: ذكر لجواز الفطر في
(3/378)
__________
السفر ثلاثة شروط الأول أن يشرع فيه الثاني أن
يكون شروعه قبل الفجر وإليهما أشار بقوله شرع
فيه قبل الفجر الثالث أن لا يكون نوى الصيام
فيه أي في السفر فلا يجوز له الفطر ولا أن
يبيته قال اللخمي: لم يختلف المذهب أنه لا
يجوز له الفطر قبل أن يتلبس بالسفر انتهى.
وقال ابن عرفة: ومبيح تبييت الفطر الاتصاف به
لا يبيت أبو عمر اتفاقا انتهى. وفي النوادر
ومن يريد السفر في صيام يوم فواجب عليه أن
يبيت الصيام انتهى. ويأتي في كلام أبي الحسن
الحكم فيما إذا لم يبيت وإن شرع في السفر بعد
الفجر فلا شك أنه يلزمه البيات ويأتي حكم إن
لم يبيت فإذا بيته ثم سافر فاختلف فيه هل يجوز
له الفطر أو لا قال في التوضيح: الأصح وهو
المشهور عدم الجواز وقيل يجوز قال اللخمي: وهو
ظاهر المدونة وسيأتي لفظها وإن شرع في السفر
قبل الفجر فلا شك أنه يجوز له تبييت الفطر
والصوم أفضل فإن بيت الصوم فهل يجوز له بعد
ذلك الفطر قولان المشهور والأصح أنه لا يجوز
له الفطر والله أعلم. ص: "وإلا قضى". ش: أي
وإن لم يشرع في السفر قبل الفجر بل عزم عليه
فيلزمه أن يبيت الصوم قال أبو الحسن في
الكبير: ولا خلاف أنه إن لم يبيت الصوم وأصبح
مفطرا أن عليه القضاء والكفارة سواء سافر أم
لا انتهى. وإن بيت الصوم ثم أفطر قبل شروعه في
السفر أو بعد شروعه في السفر فعليه القضاء
وكذلك إذا نوى الصوم في السفر ثم أفطر فيلزمه
القضاء ولا إشكال في ذلك وإنما ذكره المصنف
ليرتب عليه قوله: ولو تطوعا والمعنى أن من
أصبح صائما تطوعا في الحضر ثم سافر فأفطر من
غير ضرورة أو نوى الصوم في السفر تطوعا ثم
أفطر من غير ضرورة فعليه القضاء في الصورتين
قاله في المدونة وقوله ولا كفارة إلا أن ينويه
بسفر ظاهره أنه يرجع إلى الصور كلها المفهومة
من الشروط المتقدمة فإذا بيت الصوم وأصبح
صائما وعزم على السفر فأفطر قبل خروجه فلا
كفارة عليه وكذلك لو أفطر بعد خروجه وكذا لو
بيت الفطر قبل خروجه وأنه إنما تجب الكفارة في
الصورة الرابعة وهي ما إذا نوى الصوم في السفر
ثم أفطر فأما ما ذكره في هذه الصورة الرابعة
من وجوب الكفارة وما فهم من كلامه في الصورة
الثانية من سقوط الكفارة أعني فيما إذا بيت
الصيام وسافر بعد الفجر ثم أفطر بعد سفره فهو
مذهب المدونة وأما الأولى وهي ما إذا بيت
الصوم وهو يريد السفر ثم أفطر قبل خروجه فلم
يصرح في المدونة بوجوب الكفارة فيها ولا
بسقوطها وأما الثالثة وهو ما إذا بيت الفطر في
الحضر قبل خروجه فقد تقدم في كلام الشيخ أبي
الحسن أن الكفارة واجبة بلا خلاف فيتعين
إخراجها من كلام المصنف فقال في المدونة فإن
أصبح في السفر صائما في رمضان ثم أفطر لعذر
فعليه القضاء فقط وإن تعمد الفطر لغير عذر
فليكفر مع القضاء قال المخزومي وابن كنانة لا
يكفر وقال أشهب: إن تأول مالك وأشهب وإن أفطر
بعد دخوله إلى أهله نهارا فعليه القضاء
والكفارة مالك كان فطره في أول النهار أو آخره
أشهب ولا يعذر أحد في مثل هذا انتهى. وإلى قول
مالك وأشهب أشار المصنف
(3/379)
كفطره بعد
دخوله
__________
بقوله. ص: "كفطره بعد دخوله". ش: يعني أنه إذا
بيت الصيام في السفر ثم دخل القرية فأفطر
فيلزمه القضاء والكفارة بلا خلاف ثم قال مالك:
ومن أصبح في الحضر صائما في رمضان وهو يريد
سفرا فلا يفطر ذلك اليوم قبل خروجه ولا أحب له
أن يفطر بعد خروجه فإن أفطر بعد أن سافر لزمه
القضاء فقط وقال المخزومي وابن كنانة يلزمه
القضاء والكفارة انتهى. وقد ذكر ابن الحاجب
وابن بشير واللخمي وصاحب الشامل في وجوب
الكفارة فيما إذا بيت الصيام ثم أفطر قبل سفره
أربعة أقوال وجوب الكفارة وعدم وجوبها وثالثها
تجب إن لم يأخذ في أهبة السفر ورابعها تجب إن
لم يتم سفره ولم يرجحوا قولا منها إلا أن
عزىالأول في التوضيح لمالك وأبي حنيفة
والشافعي وسحنون والثاني لأشهب والثالث لابن
حبيب والرابع لسحنون أيضا وأشهب وقال في
البيان في سماع عيسى بعد حكايته الأقوال
الأربعة وأظهر الأقوال أن لا كفارة بحال لأن
الكفارة إنما هي تكفير للذنب ومن تأول لم يذنب
والله تعالى مجاوز عن الأمة الخطأ والنسيان
وما استكرهوا عليه انتهى. ونص كلامه برمته في
رسم سلف قال ابن القاسم: ولو إن رجلا أصبح في
الحضرة صائما في رمضان ثم بدا له أن يسافر
فتأول أن له الفطر فأكل قبل الخروج فخرج فسافر
لم أر عليه إلا قضاء يوم لأنه متأول قال ابن
رشد: هذه مسألة قد اختلف فيها على أربعة أقوال
أحدها أن عليه القضاء والكفارة سافر أو لم
يسافر والثاني أن عليه القضاء ولا كفارة عليه
سافر أو لم يسافر والثالث الفرق بين أن يسافر
أو لا يسافر والرابع أنه إن أكل قبل الأخذ في
أهبة السفر كفر سافر أم لم يسافر وإن أكل بعد
الأخذ في أهبة السفر كفر إن لم يخرج وأظهر
الأقوال لا كفارة عليه بحال إلى آخر كلامه
المتقدم برمته ثم قال ولابن القاسم في
المجموعة أن من أراد سفرا فحبسه مطر فأفطر
فإنه يكفر لأنه من التأويل البعيد انتهى.
وتقدم بعض كلامه هذا عند قول المصنف فظنوا
الإباحة وأما إذا بيت الصيام في السفر ثم أفطر
فقد تقدم التصريح في كلام المدونة بوجوب
الكفارة وظاهرها سواء كان متعمدا أو متأولا
وقد صرح بذلك في العتبية قال ابن عبد السلام:
وعندي أن ظاهر المدونة كما في العتبية واعتمده
في الشامل فقال وحرم فطره إن
(3/380)
__________
خرج نهارا أو نواه بسفر على الأصح ولا كفارة
في الأول دون الثاني إن تأول وإلا فالمشهور
يكفر في الثاني فقط ورابعها عكسه انتهى. وصرح
ابن الحاجب بأنه لا كفارة على المتأول ف قال
في التوضيح: هذا مخالف لنص العتبية ثم ذكره ثم
قال لكن اعترضه التونسي يعني نص العتبية وقال
فيه نظر وينبغي أن لا كفارة عليه كما قاله
أشهب في المدونة.
وقال ابن عبد السلام: وظاهر المدونة عندي كما
في العتبية وذكر لفظها المتقدم وأما إذا بيت
الصيام في الحضر وسافر ثم أفطر بعد سفره فقد
صرح في المدونة بعدم الكفارة وظاهره متعمدا أو
متأولا وهو ظاهر كلام الشامل وقال أبو الحسن
وإن أفطر بعد سفره فإن تأول فظاهر المذهب لا
كفارة عليه وإن لم يتأول فقولان وصرح ابن
الحاجب بأنه إن تأول فلا كفارة عليه ولم يحك
فيه خلافا وإن لم يتأول فحكي فيه الخلاف قال
والمشهور عدم وجوب الكفارة فإنه جمع بين
المسألتين جميعا أعني مسألة ما إذا نوى في
السفر ثم أفطر ومسألة ما إذا سافر بعد الفجر
ثم أفطر فقال فيهما فإن أفطر متأولا فلا كفارة
وإن لم يتأول فثالثها المشهور تجب الكفارة في
الأول دون الثاني ورابعها العكس قال في
التوضيح: فظاهرها تجب الكفارة لالتزامه الصوم
وفطره من غير عذر وقيل لا فيهما مراعاة للخلاف
والمشهور تجب فيما إذا نوى السفر دون ما إذا
صام في الحضر ثم سافر لأن طرو السفر مبيح لمن
لم يكن بخلاف من أنشأ الصوم في السفر فإنه لم
يطرأ عليه مبيح وعكس المشهور للمخزومي وابن
كنانة ووجهه أن حرمة الصوم في حق من أنشأ
الصوم في الحضر أقوى لأنه لا يجوز له حين
الإنشاء إلا الصوم بخلاف من أصبح في السفر
صائما فإنه كان مخيرا في الفطر ابتداء انتهى.
ولعل المصنف إنما تكلم على مسألتي المدونة لأن
مراده بيان حكم من أفطر في السفر وأما من أفطر
في الحضر فسكت عنه اعتمادا على هذا الظاهر من
وجوب الكفارة ولا شك أن هذا القول هو الأقوى
لأنه نسبه لمالك.
تنبيه: قول المصنف كفطره بعد دخوله ولو تركه
لم يحتج إليه لأن مفهوم بالأحروية من قوله:
إلا أن ينويه بسفر لأنه إذا كان من نوى الصوم
في السفر ثم أفطر في السفر تجب عليه الكفارة
فأحرى إذا أفطر بعد وصوله إلى أهله قال ابن
غازي وكأنه شبه الأضعف الذي خالف فيه أشهب
بالأقوى الذي يوافق عليه واستوى مع ذلك ذكر
الفرعين المنصوصين فلهذا لم يستغن عن ذكر
الأحروى والله أعلم.
فتحصل من هذا أن مسائل الفطر للمسافر خمس
مسائل:
الأولى: إذا عزم على السفر بعد الفجر ولم
يسافر فيجب عليه أن يبيت الصيام فإذا بيت
الإفطار فصرح أبو الحسن بأنه لا خلاف أن عليه
القضاء والكفارة وظاهره سواء كان عامدا أو
متأولا وهو ظاهر.
الثانية: إذا بيت الصيام في الحضر ثم عزم على
السفر فلا يجوز له الإفطار قبل خروجه،
(3/381)
وبمرض خاف
زيادته أو تماديه ووجب إن خاف هلاكاً أو شديد
أذى
__________
ولم أر في ذلك خلافا وقال ابن عرفة: اللخمي لا
يفطر قبل تلبسه به اتفاقا فإن أفطر قبل خروجه
ففي ذلك أربعة أقوال حكاها ابن الحاجب كما
تقدم ولم يبين هل ذلك في العامد أو المتأول
وحكى في البيان في آخر سماع عيسى الأربعة
الأقوال التي حكاها ابن الحاجب في المتأول كما
تقدم وحكى ابن القاسم سقوط الكفارة واستظهره
وظاهر كلامه أن العامد عليه الكفارة وهو ظاهر
وعزا ابن عرفة ما ذكره ابن الحاجب لطريق
اللخمي ثم ذكر طريق ابن رشد.
الثالثة: إذا أصبح صائما ثم سافر فهل يجوز له
الإفطار أم لا فالمشهور من المذهب أنه لا يجوز
له الإفطار وقال القاضي أبو الحسن بن القصار
يكره وقال ابن حبيب: يجوز له الفطر حكاها
الباجي ونقلها في التوضيح وابن عرفة وعلى
المشهور فإن أفطر متأولا فلا كفارة عليه كما
صرح ابن الحاجب ولم يحكوا فيه خلافا وإن أفطر
عامدا فالمشهور أنه لا كفارة عليه كما صرح به
ابن الحاجب وقبله في التوضيح.
الرابعة: إذا بيت الصيام في السفر هل يجوز له
الفطر أم لا المشهور أنه يجوز له الفطر وقال
ابن الماجشون يجوز له الفطر نقله في التوضيح
وعلى المشهور فإن أفطر متأولا فظاهر المدونة
أن عليه الكفارة وصرح بذلك في سماع موسى من
العتبية وقال ابن رشد إنه مبين لمذهب مالك في
المدونة أنه عليه الكفارة وإن تأول وقال أشهب
في المدونة: لا كفارة عليه قال ابن رشد: وهو
الأظهر وعليه اقتصر ابن الحاجب وقال ابن عبد
السلام ظاهر المدونة عندي مثل ما في العتبية
وإن أفطر متعمدا فالمشهور أن عليه الكفارة
ولمالك في المدونة لا كفارة عليه حكاه في
البيان وتقدم أن الفرق على المشهور بين من
أصبح صائما ثم سافر فأفطر وبين من بيت الصيام
في السفر ثم أفطر أن طروء السفر عذر مبيح طرأ
لم يكن بخلاف الذي بيت الصوم في السفر فإنه لم
يطرأ عليه مبيح وأن المخزومي عكس ذلك فقال
بالكفارة مع العمد في المسألة الثالثة دون
الرابعة لأنه رأى أن حرمة الصوم في حق من
أنشأه في الحضر أقوى لأنه لا يجوز له حين
الإنشاء إلا الصوم بخلاف من أصبح صائما في
السفر فإنه كان مخيرا في الفطر حين أنشأ الصوم
والله أعلم.
الخامسة: من بيت الصوم في السفر ثم دخل الحضر
فأفطر بعد دخوله فلا يجوز له الفطر بلا خلاف
وعليه الكفارة وظاهر كلامهم أنه لا خلاف في
ذلك فتأمله والله أعلم. ص: "أو بمرض خاف
زيادته". ش: قال البرزلي عن ابن أبي زيد: إذا
كان الصوم يضر به ويزيده
(3/382)
كحامل ومرضع لم
يمكنها استئجار أو غيره خافتا على ولديهما
والأجرة في مال الولد ثم هل في ماال الأب أو
مالها تأويلان،
__________
ضعفا أفطر ويقبل قول الطبيب المأمون أنه يضر
به ويفطر الزمن إذا أضر به الصوم وكذا كل صوم
مضر يبيح الفطر البرزلي هي تتخرج على مسألة
التيمم والصلاة فلا خلاف إذا خاف الموت واختلف
إذا خاف ما دونه على قولين والمشهور الإباحة
وذهب بعض السلف إلى أن مطلق المرض ولو قل يبيح
الفطر انظره في المقدمات انتهى. قال ابن يونس:
قال في المجموعة عن أشهب في مريض لو تكلف
الصوم لقدر عليه أو الصلاة قائما لقدر إلا أنه
بمشقة وتعب: فليفطر ويصلي جالسا ودين الله يسر
قال مالك: رأيت ربيعة أفطر في مرض لو كان غيره
لقلت يقوى على الصوم إنما ذلك بقدر طاقة الناس
قال أبو محمد من قول أصحابنا أن المريض إذا
(3/383)
والقضاء بالعدد
__________
خاف إن صام يوما أحدث عليه زيادة في علته أو
ضررا في بصره أو غيره من أعضائه فله أن يفطر.
ص: "والقضاء بالعدد". ش: هو معطوف على فاعل
وجب في قوله: ووجب إن خاف هلاكا والمعنى أنه
يجب قضاء رمضان إذا أفطر فيه وسواء كان الفطر
لعذر أو لغير عذر ولا خلاف في وجوب قضائه
والمشهور أنه يجب قضاؤه إذا أفطره كله بالعدد
أي يحسب عدد شهر رمضان الذي أفطره سواء ابتدأ
في القضاء بالهلال أو بغيره لقوله تعالى:
{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:
184] وروى ابن وهب أنه إن صام بالهلال أجزأه
ذلك الشهر وسواء وافقت أيامه عدد رمضان الذي
أفطره أو كان عدد القضاء أنقص ويجب تكميله إن
كانت أيام شهر القضاء أكثر قال في التوضيح:
هكذا نقل صاحب النوادر وغيره وكلام المصنف
يعني ابن الحاجب يقتضي على أنه إذا كان رمضان
تسعة وعشرين وصام شهرا فكان ثلاثين وجب عليه
إتمامه وهذا لا يدل على العكس لاحتمال أن يقال
إذا كان رمضان ثلاثين يجب أن يكون القضاء كذلك
ويفرق بالاحتياط والنقل كما تقدم انتهى.
قلت: الذي ذكره في التوضيح أولا ليس فيه لبعض
بأنه يجب إكمال الشهر ثلاثين إذا كان رمضان
تسعة وعشرين وكلام ابن عرفة يقتضي وجوب ذلك
فإنه قال والواجب عدد الأول ولو قضى شهرا
للهلال عن آخر ففي كون المعتبر عدد الأول أو
كل الثاني فيجزىء وإن كان أقل فيكمل وإن كان
أكثر قولان لنقل اللخمي عن المذهب مع الشيخ عن
ابن عبد عن أبي بكر بن محمد عن رواية ابن وهب
مع نقل اللخمي قائلا هذا وهم ونقله ابن الحاجب
بقيد إكماله إن كان أكثر دون إجزائه إن كان
أقل لا أعرفه.
تنبيه: والمشهور أنه لا يجب قضاء رمضان على
الفور وقال في الذخيرة: يجوز تأخيره إلى شعبان
ويحرم بعده وقيل يجب القضاء على الفور نقل
القولين الرجراجي وغيره وقال ابن بشير لا خلاف
أنه لا يجب على الفور ابن الحاجب على حكاية
الاتفاق وكذلك ابن ناجي في شرح المدونة وحصل
ابن عرفة فيه ثلاثة أقوال الأول أنه على الفور
الثاني أنه على التراخي لبقاء قدره قبل تاليه
بشرط السلامة فإن صح بعد رمضان قدر زمان
القضاء ولم يقض فيه ثم أصابه مرض أو سفر واتصل
ذلك إلى رمضان الثاني فعليه القضاء الثالث أنه
على التراخي حتى يبقى قدر ما عليه من الأيام
من شعبان مطلقا واعترض على ابن الحاجب في
(3/384)
وبزمن أبيح
صومه غير رمضان
__________
حكايته الاتفاق وقال في الإكمال في شرح قول
عائشة رضي الله عنها يكون على الصوم من رمضان
فلا أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان للشغل برسول
الله صلى الله عليه وسلم فيه حجة على أن قضاء
رمضان ليس واجبا على الفور خلافا للداودي في
إيجابه من ثاني شوال وأنه آثم متى لم يتمه
فإذا لم يكن على الفور فوقته موسع مقيد ببقية
السنة ما لم يدخل رمضان آخر لكن الاستحباب
المبادرة انتهى. ص: "بزمن أبيح صومه غير
رمضان". ش: يعني أن الزمن الذي يباح فيه قضاء
رمضان هو كل زمان أبيح صومه غير رمضان فخرج
بقوله أبيح صومه ما حرم صومه كيوم الفطر
والنحر واليومان بعده وما كره صومه كاليوم
الرابع قال في الشامل: فإن وقع في يوم عيد لم
يجزه كالأيام المعدودات على المشهور وثالثها
يجزئ الثالث انتهى. ونقل ابن الحاجب وغيره
الخلاف في الأيام المعدودات وصرح في التوضيح
بتشهير ما شهره في الشامل وصرح ابن بشير
بتصحيحه وخرج بقوله أبيح صومه أيضا ما وجب
صومه كرمضان للحاضر فإن صومه ليس بمباح بل
واجب فلو صامه قضاء عن رمضان الماضي لم يجز عن
واحد منهما قال في التوضيح: قال ابن الجلاب
إنه الصحيح من الأقوال وقال ابن رشد فهو
الصواب عند أهل النظر كلهم ووجهه أن رمضان لا
يقبل غيره فلا يجزئ عن القضاء وأما عدم إجزائه
عن الأداء فلأنه لم يجزه وقيل يجزئ عن القضاء
لأن الأعمال بالنيات وقيل يجزئ عن الأداء لأن
رمضان لا يقبل غيره والقولان لمالك ولفظا
المدونة محتمل لهما لأن فيها: "وعليه قضاء
الآخر" وقوله: "غير رمضان" خرج به رمضان في حق
المسافر فلا يجزئ فيه قضاء رمضان.
(3/385)
وإتمامه إن ذكر
قضاءه
__________
تنبيهات: الأول: إذا قلنا لا يجزئ رمضان في
الحضر عن واحد منهما فقال ابن المواز: يكفر عن
الأول من الكل يوم ويكفر عن الثاني كفارة
العمد في كل يوم أبو محمد يريد إلا أن يعذر
بجهل أو تأويل وقال أشهب: لا كفارة عليه لأنه
قد صامه ولم يفطره أبو محمد وهو الصواب انتهى.
من التوضيح واقتصر ابن عرفة على كلام ابن
المواز ولم يتعرض لذلك في الشامل.
الثاني: خرج بقوله أبيح صومه أيضا ما لو نذر
صوم شهر بعينه فلا يقضي فيه رمضان فإن قضى
فحكمه حكم رمضان قاله اللخمي.
الثالث: قوله: "أبيح صومه" فيه إشكال لأنه
أراد به المباح الشرعي المستوي الطرفين فليس
في السنة يوم أبيح صومه بهذا المعنى لأن
التطوع بالصوم مندوب إليه وإن أراد بالمباح
الجائز الشامل للواجب والمندوب والمكروه
والمباح دخل فيه رابع النحر لأن صومه تطوعا
مكروه على المشهور فتأمله فإن قيل المراد
بقوله أبيح صومه إن الزمان من يباح فيه الصوم
وليس المراد أنه إلى المكلف قلنا في هذا الفرق
نظر ولو سلمنا ذلك فيخرج من كلامه الأيام
والشهور التي ندب الشرع إلى صيامها فلو قال
المصنف بزمن لم يمنع فيه من التطوع لصح كلامه
واستغنى عن قوله: غير رمضان والمنع يشمل
المحرم والمكروه.
الرابع: من نذر صوم الأبد ثم لزمه قضاء رمضان
أو صوم ظهار أو كفارة يمين فعليه أن يصوم ما
لزمه قال ابن حبيب: ولا شيء عليه قال سحنون:
عليه أن يطعم عن كل يوم مسكينا نقله في سماع
سحنون من كتاب الصيام وتقدم كلامه برمته مع
كلام النوادر عند قول المصنف: "رمضان فقط".
الخامس: قال ابن عرفة: ابن عبدوس عن أشهب: من
دام مرضه من رمضان حتى انقضى آخر بدأ بالأول
ويجزىء العكس انتهى.
السادس: أيام رمضان هل يجب قضاؤها على الترتيب
فينوي اليوم الأول من أيام القضاء لليوم الأول
من الأيام الفائتة لم أر فيه نصا صريحا الآن
والظاهر أنه لا يجب وقال سند في فصل السهو في
شرح مسألة من سها عن سجدة ثم قام إلى الثانية
في أثناء كلامه وأما أيام رمضان فليس الترتيب
فيها بمقصود وإنما هو من ضرورة التعيين انتهى.
ص: "وتمامه إن ذكر قضاءه". ش: تصوره واضح
ويقرب منه ما قال ابن قداح مسألةمن الظهر ثم
ذكر أنه صلاها فهل يقطع أم لا الظاهر أنه
يتمادى على نافلته ومن العصر ثم ذكر أنه صلاها
فإن كان عقد ركعة أضاف إليها أخرى وسلم بنية
النافلة وإن لم يعقد ركعة
(3/386)
وفي وجوب قضاء
القضاء خلاف وأدب المضطر عمداً إلا أن يأتي
تائباً وإطعام مده عليه الصلاة والسلام لمفرط
في قضاء رمضان لمثله عن كل يوم لمسكين لا يعتد
بالزائد إن أمكن قضاؤه بشعبان لا إن اتصل مرضه
__________
قطع انتهى. ومنه أيضا ما قاله سند في شرح
المسألة الثانية عشر من باب الهدي من الحج
الثاني أن من أحرم بحج عما عليه ثم تبين أنه
قد أدى ما عليه قبل عامه فإنه يتعين عليه ما
أحرم به إلا أن الواجب الأول انتهى. والله
أعلم. ص: "وفي وجوب قضاء القضاء خلاف". ش: شهر
ابن الحاجب في كتاب الحج القول بعدم وجوب قضاء
القضاء وذكر الشارح في الصغير عن وجيز ابن
غلاب أن المشهور وجوب قضاء القضاء. ص: "وإطعام
مده عليه الصلاة والسلام لمفرط في قضاء رمضان
لمثله عن كل يوم لمسكين". ش: قال في الشامل:
فلو فرط في قضاء رمضان لمثله أو حتى دخل عليه
رمضان ثالث أو أكثر أطعم مدا مع القضاء أو
بعده انتهى. فلو قال المصنف لمثله أو أكثر
لدخل هذا الفرع والله أعلم. ونقله ابن ناجي في
شرح الرسالة.
(3/387)
مع القضاء أو
بعده ومنذوره
__________
تنبيه: قال البرزلي: سئل السيوري عمن دخل عليه
رمضان قبل قضاء رمضان قبله نسيانا هل يعطي
كفارة التفريط فأجاب الناسي لا إطعام عليه
البرزلي ظاهر المدونة وجوب الإطعام ولا يعذر
إلا بما لا يقدر على الصوم من زمن تعيين إلى
دخول رمضان الثاني انتهى. وقوله عن كل يوم
لمسكين قال ابن عرفة: ومصرفها مسكين واحد
وفيها لا يجزئه أمداد لمسكين واحد.
قلت: يريد من رمضان واحد لأن فدية أيام رمضان
الواحد كأمداد اليمين الواحدة والرمضانان
كاليمينين انتهى. وقال ابن عبد السلام والظاهر
على مذهبنا جواز إعطاء المسكين مدين من عامين
أو مدين متغايري النسبة وإن كان سببهما يوما
واحدا كالحامل مثلا إذا أفطرت يوما من رمضان
ولمتقضه حتى دخل رمضان آخر وكالمفطر متعمدا أو
ترك قضاءه إلى أن دخل رمضان ثان آخر قال
المصنف وقد يقال بل الظاهر أنه مكروه على ما
قال مالك. ص: "ومنذوره". ش: تصوره واضح قال
المشذالي مسألتين من قال لله علي صوم ولم ينو
شيئا فقال ابن عرفة: يلزمه يوم ويستحب ثلاثة
أيام ولو قال الصيام يلزمني ولا نية له يلزمه
ثلاثة أيام لأنها أقل الواجب من الصيام.
قلت: أما جوابه في الأولى فواضح ونحوه لابن
سهل ونوازل سحنون من النذور وأما جوابه في
الثانية فإنما يتم لو قال الناذر الصيام
اللازم والصواب عندي في الصيام يلزمني يوم
واحد قياسا على قولهم الطلاق يلزمه ولا نية له
فإنما تلزمه واحدة انتهى.
فرع: قال ابن عرفة: وفطر ناذر الدهر نسيانا أو
لعذر لغو وعمدا في كونه كذلك ولزوم
(3/388)
والأكثر إن
احتمله بلفطه بلا نيه كشهر فثلاثين إن لم يبدأ
بالهلال
__________
كفارة التفريط والانتهاك قولا سحنون وابن حبيب
مع روايته فيه وفي صوم من نذر الاثنين والخميس
أبدا لظهاره انتهى. وقد تقدم عن التوضيح نحوه.
ص: "كشهر فثلاثين". ش: هذا مثال لما يحتمل
اللفظ فيه الأكثر والأقل ويلزم الأكثر ودخل
تحته إذا نذر نصف شهر أو ثلث شهر أو نحو ذلك
فيلزمه في النصف خمسة عشر وفي الثلث عشرة أيام
ولو نذر نصف شهر فابتدأ فيه بعد مضي خمسة عشر
يوما فكان الشهر ناقصا فإنه يكمل خمسة عشر
يوما على المشهور وحكى ابن الماجشون أن الأربع
عشر التي صامها نصف شهر ووجه المشهور أن نصف
الشهر إما خمسة عشر أو أربعة عشر ونصف ومن وجب
عليه نصف يوم وجب عليه تكميله ووجه ما حكاه
ابن الماجشون أن الناذر لما نذر نصف يوم وليس
هو طاعة لم يجب الوفاء به قاله في التوضيح قال
وانظر هل يتخرج على هذه المسألة إذا نذر نصف
عبادة كما لو نذر نصف ركعة أو نصف حج وذكر
اللخمي في هذا الأصل خلافا فأخرجه من مسألة
(3/389)
وابتداء سنة
وقضى مالا يصح صومه في سنة إلا أن يسميها أو
يقول هذه وينوي باقيها فهو وإلا يلزم القضاء
__________
ما إذا نذر اعتكاف ليلة قال ابن القاسم: يلزمه
يومها وقيل لا يلزمه شيء انتهى. ص: "وابتدأ
سنة". ش: يعني أن من نذر صوم سنة فإنه يجب
عليه أن يبتدىء صوم سنة كاملة وليس المراد أنه
يلزمه أن يبدأ صوم السنة عند حنثه وسيأتي أنه
لا يلزمه التتابع فيها على المشهور وما صام من
هذه السنة بالأهلة احتسب به وما أفطر فيه من
الشهور فإنه يكمله ثلاثين نقله الشارح في
الكبير. ص: "وقضى ما لا يصح صومه في سنة". ش:
أي ما لا يصح فيه صوم النذر إما لكونه يجب فيه
الفطر كيوم الفطر والنحر واليومين اللذين بعده
أو يكره كاليوم الرابع أو لكونه لا يصح أن
يصام. ص: "ولا يلزم القضاء". ش: أي قضاء ما
تقدم وهو رمضان ويوم الفطر والنحر واليومان
اللذان بعده وأما اليوم الرابع فإنه يصومه من
نذر
(3/390)
بخلاف فطره
لسفر وصبيحة القدوم في يوم قدومه إن قدم ليلة
غيرعيد وإلا فلا ,
__________
صوم سنة بعينها وقال في آخر سماع ابن القاسم
من كتاب الصيام مسألة: وسئل عن امرأة جعلت على
نفسها يوما سمته من الجمعة ما عاشت ثم نذرت
بعد ذلك صيام سنة لأمر شكرت فيه أترى عليها
قضاء ذلك اليوم الذي كانت نذرته قبل نذر السنة
إذا هي قضت السنة قال لا أرى عليها قضاء ذلك
اليوم قال ابن رشد: معناه أن السنة التي نذرت
بعينها فلا تقضي اليوم الذي صامته بالنذر
الواجب عليها ولأن رمضان التي صامته لفرضها
ومثل هذا في المدونة أنها لا تقضي رمضان ولا
يوم الفطر ولا أيام الذبح وقال فيها إن من نذر
صيام ذي الحجة إن عليه أن يقضي أيام الذبح
فحكى عبد الحق عن بعض شيوخه أن هذا الخلاف لا
يدخل في شهر رمضان لأنه قد صامه وحكى عن غيره
أنه يدخل في ذلك وأن ذلك موجود لمالك في كتاب
الأبهري فعلى هذا يدخل الخلاف أيضا في هذه
المسألة ويكون عليها قضاء اليوم لالذي صامته
لنذرها إذ لا فرق بين ما صامته لنذرها أو
لفرضها وأما لو كانت السنة التي نذرت لأمر
شكرت فيه بغير عينها لكن عليها أن تصوم سنة
كاملة سوى أيام نذرها وأيام صومها لفرضها قولا
واحدا انتهى. والله أعلم. ص: "وصبيحة القدوم
في يوم قدومه إن قدم ليلة غير عيد". ش: قال في
المدونة ومن نذر صوم يوم قدوم فلان فقدم ليلا
صام صبيحة تلك الليلة وإن قدم نهارا وبيت
الناذر الفطر فلا قضاء عليه وإن نذر صوم يوم
قدومه أبدا فقدم يوم الاثنين صام كل اثنين
فيما يستقبل ومنه نذر صوم يوم غد فإذا هو يوم
الفطر أو يوم الأضحى وقد علم به أم لا فلا
يصومه ولا قضاء عليه فيه أبو الحسن هذا على
أحد قولي مالك فيمن نذر صوم ذي الحجة وعلى
القول الآخر عليه وهذا إذا علم أنه يوم الفطر
أو يوم الأضحى أما إن لم يعلم فلا قضاء عليه
الشيخ وفي العتبية فيمن حلف ليصومن غدا فإذا
هو يوم الفطر أو يوم الأضحى لا شيء عليه لأنه
إنما أراد صياما يثاب عليه
(3/391)
وصيام الجمعة
إن نسي اليوم على المختار ورابع النحر لناذره
وإن تعيينا لاسابقيه إلا لمتمتع لاتتابع سنة
أو شهر أو أيام وإن نوى برمضان في سفره غيره
أو قضاء الخارج أو نواه ونذراً لم
__________
انتهى وقال ابن عرفة: وسمع سحنون ابن القاسم
إن نسي ناذر صوم يوم قدوم فلان يوم قدومه صام
آخر أيام الجمعة يعني ابن رشد يريد ونذره أبدا
ولذا قال يصوم آخر أيام الجمعة يريد أبدا ولو
نذره لا أبدا قضاه على قول أشهب مطلقا وعلى
قول ابن القاسم إن قدم ليلا أي يوم شاء
اتفاقا.
قلت: ينقض الاتفاق قول سحنون في التي قبلها
وفي النوادر ما نصه ومن العتبية قال سحنون:
قال ابن القاسم: ومن نذر صوم يوم قدوم فلان
فنسي يوم قدومه صام آخر يوم من الجمعة انتهى.
والتي قبلها هي قوله: وإن نسي يوما معينا فقال
الشيخ عن سحنون يصوم أي يوم شاء وقال أيضا يوم
الجمعة ثم قال الجمعة كلها قال ولو نذر أبدا
صام الأبد انتهى. والمشهور صوم الجمعة كلها
كما أشار إليه المؤلف. ص: "وصيام الجمعة إن
نسي اليوم على المختار". ش: والمراد الجمعة
كلها كما يفهم من قوله: على المختار.
فرع: فإن صام اليوم المعين الذي نذره ثم أفطر
فيه ناسيا ثم نسي أي يوم كان من الجمعة قال في
المقدمات في قضاء الصلوات الفوائت يجزئه يوم
واحد ينوي به ذلك اليوم فلو ظن أنه يوم بعينه
فنواه لقضائه ثم انكشف له أنه غير ذلك اليوم
قال الظاهر عندي أنه لا يجزئ والله أعلم. ص:
"ورابع النحر لناذره وإن تعيينا لا سابقيه إلا
المتمتع". ش: قال
(3/392)
يجز عن واحد
منهما وليس لمرأة يحتاج لها زوج تطوع بلا إذن
__________
الشبيبي: واختلف في اليومين اللذين بعد يوم
النحر لغير المتمتع الذي لا يجد هديا أو من
كان في معناه فيمنع على المشهور من المذهب
وأما اليوم الرابع فيكره صومه على المشهور إلا
لمن كان في صيام متتابع أو نذره انتهى. ثم قال
وفي صيام اليومين اللذين بعد يوم النحر لغير
المتمتع وشبهه قولان بالتحريم والكراهة وفي
صيام اليوم الرابع ثلاثة أقوال الكراهة وهو
المشهور إلا لمن نذره أو كان في صيام متتابع
قبل ذلك وقيل بإباحته وقيل بتحريمه انتهى. ص:
"وليس لامرأة يحتاج لها زوج تطوع بلا إذن". ش:
ظاهر كلامه أن غير التطوع لا تحتاج فيه إلى
استئذانه وليس كذلك بل كلما أوجبته على نفسها
من نذر أو كفارة يمين أو فدية أو جزاء صيد في
الإحرام أو في الحرم فحكمه حكم التطوع بخلاف
قضاء رمضان وحكم أم الولد والأمة التي للوطء
كالزوجة وأما الخادم التي للخدمة والعبد فليس
عليهما استئذان السيد إذا لم يضر الصوم بخدمة
السيد قاله في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم
قال وإذا أذن لهم في صيام التطوع لم يكن له أن
يرجع في الإذن وإن صاموا بإذنه لم يكن له أن
يفطرهم انتهى.
فرع: قال ابن عرفة: الباجي من صام منهن ولو
دون إذن لم يجز فطره وانظر هل للزوج إفطارهن
انتهى. وظاهر كلام الشيخ أبي الحسن أن له أن
يفطرهن ولذلك جزم ابن ناجي في شرح المدونة قال
في شرح قولها وإذا علمت المرأة أن زوجها يحتاج
إليها فلا تتطوع بالصوم وله أن يفطرها إن شاء
انتهى. فانظره.
(3/393)
باب في
الاعتكاف
باب: الاعتكاف نافلة
__________
فرع قال في رسم الجامع من سماع أصبغ من كتاب
الصيام قال أصبغ سمعت ابن القاسم وسئل عن
النصرانية تحت المسلم أيفطرها في صيامها الذي
تصومه مع أهل دينها قال لا أرى أن يكرهها على
ما عليه أهل دينها وملتها يعني شرائعها ولا
على أكل ما يجتنبون في صيامهم أو يجتنبون أكله
رأسا ليس ذلك في القضاء قال أصبغ ولا عليه
منعها إياه كرها وله وقد قال الله تعالى: {لا
إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] وقرأ
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ
مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون:1-6] حتى بلغ
{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1-
6] قال ابن رشد: وهذا كما قال وهو مما لا
اختلاف فيه أنه ليس أن يمنعها مما تتشرع به
واختلف هل له أن يمنعها من أكل الخنزير وشرب
الخمر والذهاب إلى الكنيسة فقال في المدونة
ليس له أن يمنعها من ذلك وقال في كتاب ابن
المواز له منعها من أكل الخنزير وشرب الخمر
لأن ذلك ليس من دينها وله منعها من الكنسية
إلا في الفرض.
باب الاعتكاف نافلة
قال ابن عرفة: الاعتكاف لزوم مسجد مباح لقربة
ناجزة بصوم معزوم على دوامه يوما وليلة سوى
وقت خروجه لجمعة أو بمعينه الممنوع فيه انتهى.
وقوله: "نافلة" أي مستحبة قال ابن الحاجب:
الاعتكاف قربة قال في التوضيح: لم يبين ما
رتبته في القرب والظاهر أنه مستحب إذ لو كان
سنة لم يواظب السلف على تركه انتهى. وقال ابن
عرفة: القاضي هو قربة كالشيخ نفل خير الكافي
في رمضان سنة وفي غيره جائز العارضة سنة لا
يقال فيه مباح وقول أصحابنا في كتبهم جائز جهل
ابن عبدوس وروى ابن نافع ما رأيت صحابيا اعتكف
وقد اعتكف صلى الله عليه وسلم حتى قبض وهم أشد
الناس اتباعا فلم أزل أفكر حتى أخذ بنفسي
(3/394)
وصحته لمسلم
مميز بمطلق صوم ولو نذراً
__________
أنه لشدته نهاره وليله سواء كان كالوصال
المنهي عنه مع وصاله صلى الله عليه وسلم فأخذ
ابن رشد منه كراهية مالك انتهى. وحكمة
مشروعيته التشبه بالملائكة الكرام في
الاستغراق في العبادة وحبس النفس عن الشهوات
قاله في التوضيح. ص: "وصحته بمطلق صوم". ش:
قال ابن عرفة: ولو منع مرض صومه فقط ففي بقائه
بمعتكفه وخروجه حتى يصح قولا القاضي مع تخريج
اللخمي على قولها إن صح أو طهرت ورواية
المجموعة ويخرج منه لطرو حيض أو مرض يمنعه أو
إغماء أو جنون انتهى. قال اللخمي: ويختلف في
اعتكاف من لا يستطيع الصوم كالرجل الضعيف
البنية والمستعطش والسيخ الكبير قياسا على
المعتكف في المرض وهو قادر على الاعتكاف سوى
الصوم أو يمرض مرضا لا يقدر معه على المقام
فيخرج ثم يصح في بعض يوم وكذا الحائض تطهر في
بعض يوم هل يرجعان حينئذ ومن مضى له يوم الفطر
وقد بقي عليه بقية من اعتكافه فاختلف في هذا
الأصل أن يكون في معتكفه وهو مفطر أولا يعود
ولا يكون في معتكفه حتى يصح منه الصوم فقال في
المجموعة: إذا مرض فأقام في المسجد على
اعتكافه إلا أنه لا يقدر على الصوم من الضعف
فيفطر فقال يعتكف وهو مفطر ليس هذا اعتكافا
ولكن يخرج ثم يقضي وهذا هو ظاهر المدونة وقال
أبو محمد عبد الوهاب لا يخرج إلا لمرض لا
يستطيع معه المقام وقال مالك: إن صح المريض أو
طهرت الحائض في بعض يوم رجعا حينئذ فاختلف فيه
قوله: فقال فيمن أتى عليه يوم الفطر وقد بقي
عليه من اعتكافه بقية هل يخرج لأجل أنه مفطر
أو يكون ذلك اليوم في معتكفه على اعتكافه وهذا
كله أصل واحد فعلى قوله: في المجموعة لا يعود
المريض ولا الحائض إذا طهرت حتى تغرب الشمس
ويكون الآخر يوم العيد في بيته وعلى قوله في
المريض والحائض يعودان في بعض ويكونان على
اعتكافهما وهما مفطران لا يخرج المريض إذا غلب
على الصوم ولا يخرج الآخر يوم العيد وهذا
أصوبهما لما روي أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يخرج من معتكفه إذا أصبح فيه دليل
على جواز الاعتكاف بغير صوم ولقول غير واحد
أنه يجوز الاعتكاف بغير صوم لأن الليلة
الأخيرة يعتكفها ولا يصوم صبيحتها ولقول سحنون
في الحائض إذا خرجت لا تتصرف وهي على الاعتكاف
وكذا أرى أن لا يمنع من كان صحيحا عاجزا عن
الصوم انتهى. وما قال إنه ظاهر المدونة قال
المصنف في التوضيح إنه مذهب المدونة وعلى ذلك
اعتمد في المختصر حيث قال كان منع من الصوم
لمرض أو حيض أو عيد. ص: "ولو نذرا". ش: أي
الاعتكاف كما
(3/395)
ومسجد إلا لمن
فرضه الجمعة وتجب به فالجامع مما تصح فيه
الجمعة وإلا خرج وبطل
__________
قال في الوسط والكبير: أي ولو كان الاعتكاف
منذورا وهذا محل الخلاف الذي نقله ابن الحاجب
وقال في الصغير ولو نذر أي الصوم وليس هو
المراد ومقابل المشهور أن المنذور لا يكفي فيه
مطلق الصوم فلا يصح في رمضان والله أعلم. ص:
"ومسجد". ش: أي في صحته بمطلق مسجد أي مسجد
مباح قال ابن رشد: وأما الاعتكاف في مساجد
البيوت فلا يصح ثم مالك لرجل ولا امرأة خلاف
قول أبي حنيفة في أن المرأة تعتكف في مسجد
بيتها انتهى. من رسم مرض من سماع ابن القاسم.
فرع: قال البرزلي في نوازل ابن الحاج: يجوز
الاعتكاف داخل الكعبة لأنه مسجد قال الله
تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ} [البقرة: 144] ولقوله صلى الله
عليه وسلم: "إلا المسجد" ولجواز النافلة فيها
ولا يضر أن يرقى إليها بدرج كالمسجد يرقى إليه
كذلك وهو جائز قال البرزلي: فيه نظر لأن في
البيت تحجيرا الموطأ وهو غلقها في أكثر
الأوقات وليس محلا للفرض على المشهور وعلى
القول بجواز الفرض فيها يجري على الخلاف في
المقاصير المعدة لصلاة الجمعة للأمراء وقد
تقدم ذلك وكذا عندي يجري الخلاف في صلاة
الجمعة فيها أي على الكعبة على القول بجواز
الفرض وعلى عدم الإجزاء والإعادة في الوقت لا
تصح الجمعة فيها ومن هذا النظر بيت القناديل
والصومعة وظهر المسجد وغير ذلك وفي الاعتكاف
في بعضها خلاف وكذلك صعود المنار والسطح
واختلف في الأذان والإقامة لأنه يمشي لمقدم
المسجد وكذا من في الكعبة لا بد من خروجه منها
والصلاة خارجها على مذهب من يمنع الفرض وعلى
قول من لا يشترط المسجد وهو ابن لبابة
والشافعي يصح الاعتكاف في الكعبة بالإطلاق
وظاهر القرآن أن للمسجد خصوصية في الاعتكاف
لذكره فيه. ص: "وتجب به". ش: قال الشارح الباء
بمعنى مع والضمير عائد إلى الاعتكاف أي لمن
فرضه الجمعة ونوى اعتكافا تجب فيه الجمعة أي
قبل انقضاء زمنه بالجامع انتهى. فتقديره يدل
على أن الباء بمعنى في وأن مجرورها عائد
للاعتكاف على حذف مضاف أي به أي تجب في زمن
اعتكافه. ص: "وإلا خرج وبطل". ش: انظر لو لم
يخرج هل يبطل الاعتكاف بعصيانه أو لا يبطل؟
غاية
(3/396)
كمرض أبويه لا
جنازتهما معاً وكشهادة وإن وجبت ولتؤد بالمسجد
أو تنقل عنه
__________
الأمر أنه آثم وهو الظاهر والله أعلم. ص:
"كمرض أبويه". ش: أي فإنه يجب عليه أن يخرج
لعيادتهما أو عيادة أحدهما ولو بطل اعتكافه
ومفهوم كلامه أن مرض الأبوين لا يخرج له وليس
كذلك ومقتضى كلامه أنه يجب عليه الخروج وهو
كذلك قال في التوضيح: قال ابن القاسم: ويخرج
المعتكف لعيادة أبويه إذا مرضا ويبتدىء
اعتكافه ورأى ذلك واجبا عليه لبرهما انتهى.
وقال سند أرى أن ذلك يجب لإبرارهما ووجوبه
بالشرع فوق وجوب الاعتكاف بالنذر إلا أنه ليس
من جنس الاعتكاف ولا من الحوائج الأصلية التي
لا انفكاك لأحد عنها وإنما وجب الخروج لعارض
هو كالخروج لتخليص الغرماء أو الهرمى فإن ذلك
يجب ويفسد الاعتكاف انتهى. وقال ابن رشد في
رسم من صلى نهارا من سماع ابن القاسم في كتاب
الصيام وهو كما قال لأن الخروج إليهما من
برهما وبرهما فرض بنص القرآن وهو آكد مما دخل
فيه من الاعتكاف لأن الاعتكاف يقضيه وما فاته
من بر أبويه لا يستدركه ولا يقضيه انتهى. وقال
ابن عرفة: وسمع ابن القاسم يخرج لمرض أحد
أبويه ويبتدىء اعتكافه ابن رشد لأنه لا يفوت
وبرهما يفوت انتهى. وفهم من كلام المصنف أنه
لا يخرج لعيادة غيرهما ولا يجوز له الخروج
وأنه إن خرج بطل اعتكافه فهذا يقيد إطلاق قوله
فيما يأتي كعيادة وجنازة. ص: "ولا جنازتهما
معا". ش: أي فلا يخرج لجنازة أبويه إذا ماتا
معا قاله مالك في الموطأ وقبله الباجي وابن
رشد قال الباجي إذا كانا حيين لزمه طلب
مرضاتهما واجتناب ما يسخطهما فيخرج لهما ولا
يلزمه الخروج لجنازتهما لأنهما لا يعرفان
بحضوره فيرضيهما ولا بتخلفه فيسخطهما قاله
مالك في الموطأ إذ ليس في ترك شهود جنازتهما
عقوق لهما انتهى. ولم يرتض صاحب الطراز ما
قاله الباجي فقال بعد أن ذكر كلامه وفيما قاله
نظر لأن ذلك من حقوق الوالدين يعودهما إذا
مرضا ويصلي عليهما إذا ماتا ولعل مالكا إنما
أراد أنه لا يخرج لجنازتهما في اعتكافه أي لا
يصح اعتكافه إذا خرج لذلك وكذلك في عيادتهما
ويكون خروجه في العيادة مبطلا لعكوفه إلا أنه
أصون لقضاء حقهما وكذلك في الجنازة وما يعلل
به
(3/397)
وكردة وكمبطل
صومه وكسكره ليلاً
__________
الباجي يلزمه عليه إذا مات أحدهما فإن تخلفه
عنه مما يسخط الآخر ولا يرضاه ويعتقد أنه يفعل
به كذلك فيسوؤه ذلك انتهى. وما ألزمه من خروجه
لموت أحدهما ملتزم فإذا مات أحدهما والآخر حي
فإنه يؤمر بالخروج لما يخشى من عقوق الحي
وغضبه عليه ونقل ابن عرفة كلام ابن رشد
المتقدم ولم يتعقبه بشيء ونصه وفي الموطأ لا
يخرج لجنازتهما ابن رشد لأنه غير عقوق انتهى.
ص: "وكمبطل صومه". ش: قال الشيخ بهرام في
الكبير قوله: كمبطل صومه كالحيض والوطء ليلا
ونهارا عامدا أو ناسيا أو مغلوبا وكالأكل
والشرب نهارا متعمدا قال في المدونة فإن أفطر
يوما ناسيا فليقضه واصلا باعتكافه فإن أفطر
يوما عامدا أو جامع في ليل أو نهار عامدا أو
ناسيا أو قبل أو باشر أو لامس فسد اعتكافه
وابتدأه فأوجب الاستئناف لجميعه مع العمد لأن
الاعتكاف لما كانت سنته التتابع نزل منزلة
العبادة الواحدة التي إذا فسد جزؤها فسدت كلها
بخلاف نسيان الأكل فإنه وجب معه القضاء متصلا
بآخره لأنه يشبه المرض والحيض الذي ليس للمكلف
فيه خيرة انتهى. وقال في الوسط يريد كالحيض
والوطء عامدا أو ناسيا أو مغلوبا وكالأكل
والشرب نهارا متعمدا وقاله كله في المدونة
انتهى. وقال في الصغير أي فيبطل الاعتكاف
لبطلان شرطه انتهى. وقال البساطي وكمبطل صومه
إذ الصوم شرط ومبطل الشرط مبطل للمشروط انتهى.
ونحوه للأقفهسي وأما ابن الفرات فنقل بعض كلام
المدونة ولم يعرج على حل كلام المصنف ولم ينبه
ابن غازي على هذا الموضع وهو مشكل فإنه يقتضي
أنه إذا بطل الصوم بأي مبطل بطل الاعتكاف
وكلام الشيخ بهرام في الشرح الصغير والبساطي
والأقفهسي صريح في ذلك وأما كلامه في الشرح
الكبير والأوسط فكالمتدافع وكأنه والله أعلم.
سقط من كلام المصنف شيء وأصله وكمبطل صومه
عمدا بغير الجماع ومقدماته قال ابن الحاجب:
والجماع ومقدماته من القبلة والمباشرة وما في
معناها مفسدة ليلا ونهارا ولو كانت حائضا قال
في التوضيح: قوله: مفسدة أي عمدا لا سهوا أو
غلبة ثم قال ابن الحاجب: ويجب الاستئناف
بجميعه بالمفسد عمدا ويجب القضاء بغيره
والبناء قال في التوضيح: يعني أن مفسد
الاعتكاف إذا فعل على سبيل العمد مبطل لجميع
الاعتكاف لأنه لما كانت سنته التتابع تنزل
بذلك منزلة العبادة الواحدة فلذلك كله يفسد
صومه بفساد جزئه وقوله وبغيره أي وإن لم يكن
عمدا بأن كان سهوا أو غلبة فإنه يجب
(3/398)
وفي إلحاق
الكبائر به تأويلان وبعدم وطء وقبلة شهوة ولمس
ومباشرة وإن لحائض ناسية ،
__________
القضاء متصلا بآخره وظاهر كلامه أن القبلة
والمباشرة بل والوطء سهوا مما يقضي فيه ويبني
وليس كذلك ففي المدونة إن جامع في ليله أو
نهاره أو قبل أو باشر أو لامس فسد اعتكافه
وابتدأه ثم قال في التوضيح: وإن أفطر ناسيا في
التطوع فقال عبد الملك عليه القضاء وهو ظاهر
المدونة لقوله من أكل يوما من اعتكافه ناسيا
يقضي يوما مكانه فعمم وكذا قال بعضهم إن مذهب
المدونة القضاء مطلقا وحمل بعضهم المدونة على
النذر المعين وأما التطوع فلا يقضي فيه
بالنسيان وهو قول عبد الملك وابن حبيب عياض
وهو أصح وانظر على الأول ما الفرق بين الصوم
والاعتكاف انتهى. وفرق القاضي عبد الوهاب بين
الصوم والاعتكاف في المسألة الآتية وهي أن من
نذر اعتكاف أيام بعينها فمرض فيها أو حاضت
المرأة فإنها تقضي الاعتكاف ولا تقضي الصوم
قال لأن الاعتكاف أشبه الحج والعمرة من حيث
تعلقه بالمسجد وتحريم المباشرة وقال ابن عرفة:
ويجب اتصال أيامه وابتداء كله بإفساد بعضه
عمدا مطلقا ونسيانا بغير فطر الغذاء وبه يقضي
بانيا إن كان من رمضان الباجي أو واجب غيره
وإن كان في نفل ففي عدم قضائه نقل الباجي عن
ابن الماجشون مع ابن رشد عن سحنون ورواية ابن
زرقون مع ظاهرها عنده وابن رشد عن ابن القاسم
قائلا بشرط اتصاله الصقلي قول ابن حبيب لا
قضاء خلاف قول مالك ويحتمل الوفاق وقول ابن
الحاجب سهو غير الأكل كالأكل وهم وما مرض فيه
من نذر مبهم أو رمضان قضاه ومن غيره في قضائه
ثالثها إن مرض بعد دخوله انتهى. والفرق بين
الوطء والأكل أن الأكل ليس من محظورات
الاعتكاف ولهذا يأكل المعتكف في غير زمن الصوم
بخلاف الوطء فإنه من محظوراته قال في المدونة
وإن جامع في ليل أو نهار ناسيا أو قبل أو باشر
أو لامس فسد اعتكافه وابتدأه انتهى. والله
أعلم. ص: "وفي إلحاق الكبائر به تأويلان". ش:
فهم منه أن الصغائر لا تبطل الاعتكاف وهو كذلك
قال في التوضيح: يقيد بما إذا لم تكن الصغيرة
مبطلة للصوم كالنظر للأجنبي إذا والاه حتى
أمذى فينبغي أن يبطل اعتكافه انتهى. وهذا ظاهر
بل داخل في مبطل الصوم. ص: "وقبلة بشهوة". ش:
قال الشارح قال في المدونة وإن جامع في ليل أو
نهار ناسيا أو قبل أو
(3/399)
وإن أذن لعبد
أو امرأة في نذر فلا منع كغيره إن دخلا وأتمت
ما سبق منه أو عدة إلا أن تحرم وإن بعدة موت
فينفذ وتبطل ،
__________
باشر أو لامس فسد اعتكافه وابتدأه قال أبو
الحسن: يريد إن قضاء اللذة أو وجدها انتهى.
ولهذا قيد المصنف القبلة بقوله بشهوة قال ابن
عرفة: قال عياض تقبيله مكرها لغو وإن لم يلتذ
انتهى. وقال أبو عمران وطء المكرهة كالمختارة
الصقلي والنائمة كاليقظانة والاحتلام لغو
انتهى. وقال ابن ناجي ظاهر الكتاب أنه لا
يشترط في القبلة والمباشرة وجود اللذة وهو قول
مطرف حكاه ابن رشد وشرط اللخمي وجود اللذة
وعليه تأول المغربي قولها فقال يريد إذا وجد
اللذة أو قصدها انتهى. ص: "وأتمت ما سبق منه
أو عدة". ش: يعني أن المرأة إذا اعتكفت ثم طرأ
عليها ما يوجب العدة من طلاق أو موت فإنها تتم
اعتكافها ولا تخرج لأجل العدة وأما إن سبق
موجب العدة فلا تعتكف حتى تتم العدة قال في
المدونة وإن أبانها زوجها أو مات عنها لم تخرج
حتى تتم اعتكافها ثم تتم باقي عدتها في بيتها
ربيعة وإن حاضت في العدة قبل أن ينقضي
اعتكافها خرجت فإذا طهرت رجعت لتمام اعتكافها
فإن سبق الطلاق الاعتكاف فلا تعتكف حتى تحل
انتهى.
تنبيهات: الأول: إذا حاضت المعتكفة فخرجت
للحيض فطلقها زوجها فإنها ترجع للمسجد إذا
طهرت لتكمل اعتكافها كما لو طلقها وهي في
المسجد قاله في أول سماع ابن القاسم.
الثاني: قال ابن رشد: إذا سبق الطلاق أو الموت
الاعتكاف أو الإحرام لم يصح لها أن تعتكف ولا
أن تحرم حتى تنقضي العدة لأنها قد لزمتها فليس
لها أن تنقضها انتهى. من رسم مرض من سماع عيسى
عن ابن القاسم من كتاب الصيام والاعتكاف ونقله
الشيخ خليل في التوضيح وقال إثره وقال أبو
الحسن إذا أحرمت بعد موت زوجها نفذت وهي عاصية
فانظره مع كلام صاحب البيان إلا أن يحمل قوله
في البيان لا يصح على معنى لا يجوز انتهى.
والله أعلم.
(3/400)
وإن منع عبده
نذراً فعليه إن عتق ولا يمنع مكاتب يسيره ولزم
يوم إن نذر ليلة لا بعض يوم
__________
الثالث: قال ابن يونس: إذا نذرت صوم شهر بعينه
فطلقها زوجها أو مات عنها قبل أن يأتي ذلك
الشهر فإنها تستمر في عدتها ومبيتها في بيتها
وتصوم ذلك الشهر ولا قضاء عليها للاعتكاف ظهر
لي هذا أولا ثم ظهر لي بعد ذلك أن تخرج إلى
المسجد فتعتكف فيه لأن الاعتكاف كان لازما لها
قبل العدة وهي كمن نوت الاعتكاف ودخلت فيه لأن
الدخول في الاعتكاف يوجب ما نوى منه والنذر
يوجب ما نذر منه وإن لم تدخل فيه فالدخول فيه
والنية كالنذر المعين انتهى. وما ظهر لي أولا
ذكره عبد الحق في النكت ولم يذكر غيره. ص:
"وإن منع عبده نذرا فعليه إن عتق". ش: قال
الشارح يريد إن كان مضمونا وأما الأيام
المعينة فلا شيء عليه إن منعه الاعتكاف فيها
انتهى.
قلت: ظاهره أنه متفق عليه وليس كذلك قال في
التوضيح: في قول ابن الحاجب وإن منعه نذرا
فعليه إن عتق ظاهره سواء كان معينا أو مضمونا
قيل وهو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة وقال
سحنون إن كان معينا فلا قضاء عليه انتهى. ونص
قول ابن القاسم في المدونة فإن نذر عبد عكوفا
فمنعه سيده كان ذلك عليه إن أعتق وكذلك المشي
والصدقة إذا ندر ذلك فلسيده أن يمنعه فإن أعتق
يوما لزمه ما نذر من مشي أو صدقة إن بقي ماله
ذلك بيده وإن أذن له السيد وهو رقيق ففعل ذلك
أجزأه انتهى.
فرع: قال في التوضيح: وليس للسيد أن يسقطه عنه
مطلقا بخلاف الدين. ص: "ولزمه يوم إن نذر
ليلة". ش: قال في المدونة ومن نذر اعتكاف يوم
أو ليلة لزمه يوم وليلة قال ابن يونس: قال
سحنون: فأما إن نذر اعتكاف يوم لزمه يوم وليلة
ويدخل اعتكافه عند غروب الشمس من ليلته وإن
دخل فيه قبل الفجر فاعتكف يومه لم يجزه ابن
يونس لأنه نذر اعتكاف يوم فيلزمه يوم تام وذلك
ليلة ويوم وأما إن نوى اعتكاف يوم فدخل فيه
قبل طلوع الفجر لأجزأه انتهى. وقال في الطراز.
فرع: فإن اعتكف من نذر اعتكاف يوم من قبل طلوع
الفجر إلى غروب الشمس هل يجزئه يختلف فيه فقال
سحنون لا يجزيه واختار القاضي أنه يجزيه
ولمالك في المبسوط نحو ما ارتضاه القاضي. ص:
"لا بعض يوم". ش: قال سند: لو نذر عكوف بعض
يوم قال عبد
(3/401)
وتتابعه في
مطلقه ومنويه حين دخوله كمطلق الجوار،
__________
الوهاب: لا يصح ذلك وينبغي أن يلزمه ذلك من
غير صوم ولا يكون عكوفا وإنما يكون جوارا نذره
بلفظ العكوف وكما يلزم العكوف إذا قصد معناه
ونذره بلفظ الجوار يلزم الجوار إذا قصد معناه
ونذره بلفظ العكوف انتهى. ص: "كمطلق الجوار".
ش: قال في التنبيهات الجوار بضم الجيم وكسرها
من المجاورة مثل الاعتكاف انتهى. قال سند: من
قال لله علي أن أجاور المسجد ليلا أو نهارا
عدة أيام فهذا نذر اعتكاف بلفظ الجوار فلا فرق
في المعنى بين قوله: أعتكف عشرة أيام و أجاور
عشرة أيام فيلزم في ذلك ما يلزم في الاعتكاف
ويمنع فيه ما يمتنع من الاعتكاف واللفظ لا
يراد لعينه وإنما يراد لمعناه ولو لم يسم
اعتكافا ولا جوارا إلا أنه نوى
(3/402)
لا النهار فقط
فباللفظ ولا يلزم فيه حينئذ صوم وفي يوم دخوله
تأويلان،
__________
ملازمة المسجد للعبادة أياما متوالية وشرع في
ذلك فإنه يلزمه سنة الاعتكاف. ص: "لا النهار
فقط فباللفظ". ش: قال سند: أما الجوار الذي
يفعله أهل مكة فإنما هو لزوم المسجد بالنهار
دون الليل وذلك خارج عن سنة الاعتكاف ولا
يمتنع فيه شيء مما يمتنع في الاعتكاف قال مالك
في المجموعة: له أن يفطر ويجامع أهله قال
الباجي ويخرج في حوائجه ولعيادة المريض وشهود
الجنائز ويطأ زوجته وأمته متى شاء وذلك أن
الشرع لما وضع الاعتكاف على وجه يعسر إقامته
على جل الناس شرع في بابه ما ييسر إقامته على
جل الناس فشرع الجوار فالمجاور يحضر المسجد
ويكثر جمعه ولا يلتزم المسكن والتلازم كما
يلزمه المعتكف ولا خلاف بين الأئمة أن ملازمة
المسجد من نوافل الخير ووجوه القرب ثم قال لا
تحرم فيه المباشرة ولا يشترط فيه الصوم ولا
يحرم الوطء على المجاور وإن كان ممنوعا منه في
المسجد لحرمة المسجد حتى لو جامع خارج المسجد
لم يأثم انتهى. مختصرا وقال أبو الحسن الجوار
مندوب إليه من نوافل الخير انتهى. وقوله
فباللفظ يعني أن الجوار يلزم إذا نذره بلفظه
ولا إشكال في ذلك قال في التوضيح: وأما عقده
بالقلب فذلك جار على الخلاف في انعقاد اليمين
بالقلب وأما إن لم يكن إلا مجرد النية فإن نوى
يوما أو أياما لم يلزمه ما بعد الأول وهل
يلزمه اليوم المنفرد أو اليوم الأول فيما إذا
نوى أياما بالدخول فيها ابن يونس حمل المدونة
على اللزوم قال وكذلك إن دخل في اليوم الثاني
لزمه وقال أبو عمران لا يلزمه هذا الجوار وإن
دخل فيه إذ لا صوم فيه لأنه إنما نوى أن يذكر
الله والذكر يتبعض انتهى. وإلى هذا أشار
بقوله. ص: "وفي يوم دخوله تأويلان". ش: أي وفي
لزوم اليوم الذي دخل فيه وعدم لزومه تأويلان
وسواء كان اليوم الذي دخل فيه أولا أو ثانيا
أو ثالثا أو غيره فإن المعنى أن الجوار لا
يلزمه بالنية وحدها وإذا انضم إليها فعل وهو
الدخول فما بعد اليوم الذي دخل فيه لا يلزمه
بذلك الدخول واختلف في اليوم الذي دخل فيه هل
يلزمه جميعه أو لا يلزمه تأويلان تأويل ابن
يونس المدونة على اللزوم وكذلك عبد الحق قال
في النكت: إذا نوى عكوف أيام أو شهر أو
(3/403)
__________
شهور لزمه بالدخول في يوم من أيامها لأن ذلك
لاتصاله كيوم واحد بخلاف من نوى صوما هذا وإن
نوى متتابعا لا يلزمه إلا اليوم الذي دخل فيه
خاصة لأنه ليس عمل الصوم متصلا لأن الليل فاصل
عن الصوم والعكوف عمله متصل بالليل والنهار
فهو كاليوم الواحد في الصوم والجوار إذا كان
ينقلب فيه بالليل إلى منزله مثل الصوم لا
يلزمه بالنية والدخول إلى أول يوم منه أنما
يترتب بدخوله فيه وأما ما لا ينقلب فيه فهو
كالعكوف وبالدخول في يوم منه يلزمه جميعه
انتهى. وتأول أبو عمران المدونة على عدم
اللزوم وفرق بينه وبين الصوم بأن الصوم لا
يتبعض والجوار يصح في بعض اليوم وكل جزء من
أجزاء الليل يحصل للمجاور أجره انتهى. ونحوه
في الطراز قال فرع: فإن نوى جوار يوم ثم بدا
له كان له ذلك قبل أن يدخل فيه وبعد دخوله
لأنه لما لم يجب فيه صوم فيقدر بزمانه بقاء
مطلقا في جميع ساعات النهار فلا يتعلق بعضها
ببعض ولا يختلف فيه أرباب المذاهب انتهى. وقال
في المقدمات الاعتكاف يجب بأحد وجهين إما
بالنذر وإما بالنية مع الدخول فيه وكذلك
الجوار إذا جعل على نفسه فيه الصيام وإن لم
يجعل على نفسه فيه الصيام وإنما أراد أن يجاور
كجوار مكة بغير صيام فلا يلزمه بالنية مع
الدخول فيه ما نوى من الأيام واختلف هل يلزمه
مجاورة اليوم الذي دخل فيه أم لا على قولين
أحدهما أنه يلزمه والثاني أنه لا يلزمه وله أن
يخرج متى شاء من يومه ذلك وهو الأظهر إذا لم
يتشبث بعمل يبطل به عليه بقطعه انتهى. وهذا هو
الظاهر بل ظاهر كلام سند أنه متفق عليه كما
تقدم.
فرع: فلو نوى جوار المسجد ما دام فيه أو وقتا
معينا لم يلزم ببقية ذلك اليوم على ما قاله
سند وابن رشد وأبو عمران وكذا على قول ابن
يونس وعبد الحق فيما يظهر وقد صرح بذلك في
المدخل في أوله في نية الخروج إلى المسجد فقال
وينوي الاعتكاف فيه على مذهب من يرى ذلك أو
الجوار فيه على مذهب مالك وغيره ممن يشترط في
الاعتكاف أياما معلومة انتهى. وقال أبو الحسن
في قوله في المدونة: والجوار كالاعتكاف معناه
أنه يلزمه الصوم فيه إن نواه أو لم تكن له نية
وأما إن كانت له نية الفطر فله ذلك انتهى.
فقول المصنف. ص: "ولا يلزم فيه حينئذ صوم". ش:
أي إذا نوى مجاورة النهار فقط فإنه يلزمه
باللفظ فإذا نذره بلفظه ولزمه لم يلزمه حينئذ
صوم قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب وفي
الحاوي لأبي الفرج: إذا نذر جوارا في أي مسجد
كان فهو كالاعتكاف وعليه الصيام إلى أن ينوي
الرجوع إلى منزله ليلا لا يكون عليه صيام
انتهى. وفي اللباب وإذا نذر جوار مكة لا يلزمه
فيه صوم وله أن يخرج بالليل إلى منزله ليبيت
فيه ولا يلزمه بمجرد النية دون النذر إلا
اليوم الأول فيلزمه بالنية لدخوله فيه انتهى.
تنبيه: فهم من كلام أبي الحسن المتقدم أنه إذا
نوى مجاورة المسجد ليلا ونهارا أو نوى مع ذلك
عدم الصيام أنه يصح ويلزمه باللفظ وهو الظاهر
والله أعلم. ص: "وإتيان
(3/404)
وإتيان ساحل
لناذر صوم به مطلقاً والمساجد الثلاثة فقط
لناذر عكوف بها وإلا فبموضوعه وكره أكله خارج
المسجد واعتكاف غير مكفي ودخوله منزله وإن
لغائط،
__________
ساحل لنذر صوم به مطلقا". ش: يعني أن من نذر
أن يصوم بساحل من السواحل فعليه أن يأتيه
ليصوم فيه يريد إن كان ذلك الساحل محل رباط
يتقرب إلى الله تعالى بإتيانه وقوله مطلقا
يريد ولو كان الناذر في بلد أشرف منه كمن بمكة
والمدينة والمسجد الأقصى إذا نذر الصوم بساحل
من السواحل فإنه يلزمه الإتيان إليه وقاله في
المدونة.
فرع: فمن نذر الصوم بمكة أو المدينة أو بيت
المقدس لزمه الإتيان إليه من باب أحرى وصرح
بذلك في المدونة وفي أول سماع ابن القاسم
ويؤخذ ذلك من المسألة الآتية فيمن نذر
الاعتكاف بموضع فإنه لا يلزمه الإتيان إليه
إلا في المساجد الثلاثة ولا يلزمه الإتيان
للاعتكاف ولو نذره بساحل من السواحل كما صرح
بذلك ابن يونس.
فرع: ولو نذر صوما بغير المساجد الثلاثة وغير
رباط لم يلزمه الإتيان إليه ويصوم بموضعه قاله
في أول رسم من سماع ابن القاسم. ص: "واعتكافه
غير مكفي". ش: قال في المدونة ولا بأس أن يخرج
فيشتري طعامه إذا لم يجد من يكفيه ذلك ثم قال
لا أرى ذلك والأحب إلي أن لا يدخل معتكفه حتى
يخلو من حوائجه وقال عنه ابن نافع ولا يخرج
لشراء طعام ولا غيره ولا يدخل حتى يعد ما
يصلحه ولا يعتكف إلا من كان مكفيا حتى لا يخرج
إلا لحاجة الإنسان فإن اعتكف غير مكفي جاز أن
يخرج لشراء طعامه ولا يقف مع أحد يحدثه قال
ابن القاسم: ولا يمكث بعد قضاء حاجته شيئا أبو
الحسن قول ابن نافع تفسير لقول مالك الآخر
وقوله لا يقف على أحد يحدثه لأنه يخرج بذلك من
عمل
(3/405)
واشتغاله بعلم
وكتابته وإن مصحفاً إن كثر وفعل غير ذكر وصلاة
وتلاوة كعيادة وجنازة ولو
__________
الاعتكاف وحرمة الاعتكاف عليه كالراعف ينصرف
لغسل الدم وحرمة الصلاة عليه فإن اشتغل بحديث
فسد اعتكافه لأنه صار غير معتكف انتهى. ص:
"وكتابة وإن مصحفا وإن كثر". ش: يعني أنه يكره
كتابة المعتكف سواء كانت علما أو مصحفا فأحرى
غير ذلك ثم قيد ذلك بالكثرة فلا تكره كتابة
الشيء اليسير من العلم وغيره وهو كذلك كما
نقله في النوادر وغيرها فالضمير في الكتابة
راجع للمعتكف وكتابة مرفوعة عطفا على اشتغاله
وفي كثير من النسخ بالجر عطفا على علم والأول
أقعد والله أعلم. ص: "وفعل غير ذكر وصلاة
وتلاوة". ش: قال الشيخ زروق في شرح الإرشاد
ودعاء واستغفار ونحوه انتهى. وهذا داخل في
كلام المصنف قال ابن ناجي في شرح الرسالة ولا
خلاف أن المعتكف يحاكي المؤذن انتهى.
فرع: قال التلمساني في شرح الجلاب قال ابن
محرز: ويجوز له الطواف بالبيت لأن الطواف
بالبيت صلاة انتهى. ونقله أبو الحسن عن أبي
عمران وفي ابن عرفة عن النوادر ومن اعتكف بمكة
له أن يدخل الكعبة انتهى.
فرع: قال في سماع ابن القاسم وترقيع ثوبه
مكروه ولا ينتقض به اعتكافه. ص: "كعيادة
وجنازة ولو لاصقت". ش: ظاهر كلامه أن العيادة
والجنازة يكره له فعلهما في المسجد وغيره وليس
كذلك بل الكراهة إنما هي إذا كان ذلك في
المسجد وأما إن كان في غير المسجد فلا يجوز
قال في المدونة قال مالك: ولا يعجبني أن يصلي
على جنازة وهو في المسجد قال عنه ابن نافع ولو
انتهى. إليه زحام المصلين عليها ولا يعود
مريضا معه في المسجد إلا أن يصلي إلى جانبه
فلا بأس أن يسلم عليه ولا يقوم ليعزي أو ليهني
أو ليعقد نكاحا في المسجد إلا أن يغشاه ذلك في
المسجد فحبسه فلا بأس به انتهى. وقال بعد ذلك
ولا يكون معتكفا حتى يجتنب عيادة المرضى
والصلاة على الجنائز واتباعها وغير ذلك مما
يجتنبه المعتكف ابن نافع عن مالك وإن شهد
جنازة وأعاد مريضا أو أحدث سفرا صنع ذلك
متعمدا وجب عليه الابتداء ولا ينفعه أن يشترط
ذلك عند دخوله انتهى. وقال اللخمي: ولا يجوز
له أن يخرج لعيادة مريض ولا لشهود جنازة ولا
لأداء شهادة فإن فعل فسد اعتكافه انتهى. وقال
قبله واختلف في صلاته على الجنازة وهو في مكان
وكرهه في المدونة وفي
(3/406)
لاصقت وصعوده
لتأذين بمنار أو سطح وترتبه للإمامة وإخراجه
لحكومة إن لم يلدّ به وجاز إقراء قرآن وسلامه
على من بقربه وتطيبه وأن ينكح وينكح
__________
المعونة إجازته. ويؤخذ هذا من قول المصنف فيما
تقدم كمرض أبويه وتأمله هل يصح الأخذ منه أو
لا والله أعلم. ص: "وترتبه للإمامة". ش: هذا
أحد قولي سحنون وحكى في الإكمال عنه قولين هذا
والقول الثاني الجواز وعليه اقتصر الشيخ أبو
محمد بن أبي زيد في الرسالة واللخمي وقال ابن
ناجي في شرح الرسالة إنه المشهور. ص: "وإخراجه
لحكومة إن لم يلد به". ش: قال في المدونة وإن
خرج يطلب حدا أو دينا أو أخرج فيما عليه من حد
أو دين فسد اعتكافه وقال ابن نافع عن مالك إن
أخرجه قاض لخصومة أو غيرها كارها فأحب إلي أن
يبدىء اعتكافه وإن بنى أجزأه ولا ينبغي له
إخراجه لخصومة أو غيرها حتى يتم إلا أن يتبين
له إنما اعتكف لددا فيرى فيه رأيه انتهى. من
التهذيب إلا قوله: لخصومة أو غيرها الثاني
فإنه من ابن يونس. ص: "وجاز إقراء قرآن". ش:
قال في الجلاب ولا بأس أن يكتب في المسجد وأن
يقرأ أو يقرىء غيره القرآن إذا كان في موضعه
انتهى. ونقله الشارح وزاد ما نصه يريد وإن كثر
لأنه ذكر من الأذكار إلا أن يكون قاصد التعليم
فلا انتهى. وكذا قيده في الشامل وهذا التقييد
غير ظاهر ولم يقيد به التلمساني في كلام
الجلاب وجعل صاحب الطراز ما في الجلاب خلاف
المذهب فإنه قال في شرح قوله في المدونة: ولا
يشتغل في مجلس العلم وذلك بين لا يستحب له أن
يتشاغل بتدريس العلم ولا يدرسه ولا بإقراء
القرآن وهو قول ابن حنبل وفي التفريع لا بأس
أن يكتب في المسجد ويقرأ عليه القرآن إذا كان
في موضع وهو قول الشافعي ووجه المذهب أن
الاعتكاف عبادة شرع لها المسجد فلا يستحب له
إقراء القرآن وتدريس العلم انتهى. وقال قبل
ذلك المعتكف دخل على التزام نوع من العبادات
مما شرع له
(3/407)
بمجلسه وأخذه
إذا خرج كغسل وجمعة ظفراً أو شارباً
__________
المسجد وذلك الصلاة والذكر والتسبيح وتلاوة
القرآن ثم قال فليس له قطع ما التزمه بشيء من
أمور الدنيا ولا بشيء من العبادات كالصلاة على
الجنازة وتعليم القرآن وتعلمه وبيانه أنه ليس
من عمل الاعتكاف انتهى. فيحمل كلام المصنف على
أن المراد قراءة القرآن على الغير وسماعه من
الغير. ص: "وتطيبه". ش: قال في المدونة ولا
بأس أن يتطيب المعتكف قال في الطراز: ذهب مالك
وأبو حنيفة والشافعي إلى جواز ذلك من غير
كراهة وقال ابن حنبل يستحب له أن لا يتطيب ولا
يلبس الرفيع من الثياب انتهى. وانظر هذا مع ما
ذكر صاحب الشامل أن الصائم لا يشم الرياحين
والمعتكف لا يكون إلا صائما وتقدم التنبيه
عليه في باب الصوم عند قول المصنف وبخور. ص:
"وأخذه إذا خرج كلغسل جمعة ظفرا أو شاربا". ش:
فهم منه أنه يجوز أن يخرج لغسل الجمعة وقد نص
عليه في المدونة وخرج اللخمي جوازه لخروجه
لغسل الجمعة على جواز خروجه للعيد ورده صاحب
الطراز وقال التلمساني في شرح قول الجلاب ولا
يخرج المعتكف من المسجد لعيادة مريض قال ابن
القاسم: ويخرج المعتكف لغسل الجمعة ووجهه أن
الجمعة واجبة عليه وهو مخاطب بالغسل انتهى.
وذلك لا يكون في المسجد انتهى.
فرع: قال في الطراز: ولا بأس أن يخرج ليغسل ما
أصابه رواه ابن وهب وأنه من باب دفع الحاجة.
فرع: ثم قال ويخرج لغسل الجنابة إجماعا ولا
يؤخر ذلك لأنه يحرم عليه اللبث في المسجد فإن
تعذر عليه الخروج ولم يجد له سبيلا تيمم
لاستباحة اللبث واستباحة الصلاة وهل يخرج من
غير تيمم أو لا يخرج ولا يمشي في المسجد حتى
يتيمم قولان ذكرهما في التيمم قلت: وتقدم
الأرجح عدم التيمم ثم قال وهل يذهب إلى الحمام
وقال في المجموعة في المعتكف في الشتاء يحتلم
ويخاف الماء البارد: لا ينبغي له أن يدخل
الحمام وهذا إذا وجد من ذلك بدا أو أمكنه أخذ
الماء من الحمام ويتطهر في بيته فإن لم يمكنه
جاز له بل وجب عليه ولا يتيمم الجنب مع قدرته
على استعمال الماء انتهى. ثم قال إذا احتاج
المعتكف إلى قص أظفاره وشاربه جاز له أن يخرج
يده من المسجد ثم يقلم أظفاره ويدني رأسه لمن
يأخذ من شعره ويصلحه ولا يخرج في ذلك إلى بيته
ولا إلى دكان حجام لأنه لا يقدر على ذلك وهو
في المسجد قال ويجوز له أن يقلم أظفاره وينتف
إبطه ويحلق عانته في بيته يوم الجمعة إذا خرج
إلى غسل الجمعة لأنه من كمال التنظيف ومتعلق
بالغسل ثم قال ولا تجوز له الحجامة في المسجد
ولا الفصادة وإن جمعة كمال لا يجوز له البول
والتغويط فإن اضطر إلى ذلك خرج وإن
(3/408)
وانتظار غسل
ثوبه أو تجفيفه وندب إعداد ثوب ومكثه ليلة
العيد ودخوله قبل الغروب وصح إن دخل قبل الفجر
واعتكاف عشرة وبآخر المسجد برمضان وبالعشر
الأخير ليلة القدر الغالبة به وفي كونها
بالعام أو برمضان خلاف،
__________
فعله في المسجد يختلف فيه فمن راعى في ارتكابه
ما نهى عنه أن يكون كبيرة لم يبطله ومن لم
يراع أبطله ثم قال وكره مالك أن يستاك في
المسجد من أجل ما يلقيه من فيه انتهى.
تنبيه: يفهم من قول المصنف وأخذه إذا خرج
كلغسل جمعة ظفرا أنه لا يخرج لذلك مستقلا كما
صرح بذلك سند في كلامه هذا وانظر ابن عبد
السلام وابن عرفة وكلام المصنف في التوضيح. ص:
"وانتظار غسل ثوبه وتجفيفه". ش: قال في
المدونة ولا ينتظر غسل ثوبه وتجفيفه قال أبو
الحسن: للشيوخ هنا تأويلان منهم من قال لا
ينتظر واحدا من الأمرين لا الغسل ولا التجفيف
ومنهم من قال بل معناه ينتظر التجفيف وأما
الغسل فإنه يغسله انتهى. وفهمها ابن الحاجب
على الأول فقال لا ينتظر غسل ثوبه ولا تجفيفه
انتهى. وظاهر كلام ابن عرفة الثاني لقوله
وفيها لا ينتظر في خروجه لغسل جنابته جفاف
ثوبه انتهى. ص: "ومكث ليلة العيد". ش: هذا هو
المشهور أن مكثه ليلة العيد مستحب فلو خرج
فيها لم يفسد اعتكافه عند مالك خلافا لسحنون
قاله في رسم شك من سماع ابن القاسم ولا يبطل
الاعتكاف أيضا بفعله ما يضاد الاعتكاف قاله في
التوضيح والشامل خلافه لابن الماجشون. ص:
"وبآخر المسجد". ش: قال اللخمي: وللمعتكف أن
يطلب فضيلة الصف الأول انتهى. ص: "لليلة القدر
الغالبة به وفي كونها بالعام أو برمضان خلاف".
ش: يعني أنه يستحب اعتكاف العشر الأواخر من
رمضان لأجل طلب ليلة القدر التي يغلب كونها
فيه ونحو هذا لابن الحاجب قال ابن عبد السلام:
وأما كون العشر الأواخر من رمضان أفضل فذلك
لمواظبته صلى الله عليه وسلم على الاعتكاف فيه
في أكثر الأمر،
(3/409)
وانتقلت
والمراد بكسابعة مابقي وبنى بزوال إغماء أو
جنون كأن منع من الصوم لمرض أو حيض أو عيد
وخرج وعليه حرمته
__________
وأما طلب ليلة القدر فإنما هو بالانجرار ألا
ترى أن الاعتكاف لا يختص بالليل لكن حديث
التمسوها في العشر الأواخر التاسعة والسابعة
والخامسة يشهد لما ذكره المصنف انتهى. و قال
في التوضيح: اختلف في ليلة القدر على ثلاثة
أقوال الأول أنها في ليلة بعينها لا تنتقل إلا
أنها غير معروفة ثم اختلف هؤلاء فقيل إنها
مبهمة في العام كله وقيل في رمضان كله وقيل في
العشر الأوسط والأخير وقيل في العشر الأخير
فقط الثاني أنها في ليلة معينة لا تنتقل
معروفة واختلف هؤلاء فقيل إحدى وعشرين وقيل
ثلاثة وعشرين وقيل سبع وعشرين والقول الثالث
أنها ليست في ليلة بعينها وإنما تنتقل في
الأعوام وليست مختصة بالعشر الأواخر والغالب
من ذلك أن تكون في العشر الأواخر وإلى هذا ذهب
مالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم وهو أصح
الأقاويل انتهى.
مسألة: تتعلق بليلة القدر قال المشذالي في
حاشية المدونة قلت: وههنا مسألة تتعلق بليلة
القدر قال تقي الدين مذهب الجمهور أنها في
رمضان وقيل في السنة قالوا لو قال لزوجته في
رمضان أنت طالق ليلة القدر لم تطلق حتى يأتي
عليها السنة لأن كونها مخصوصة برمضان مظنون
وصحة النكاح معلومة فلا تزال إلا بيقين وفيه
نظر لأنها إذا دلت الأحاديث على اختصاصها
بالعشر الأواخر كان إزالة النكاح بمستند شرعي
وهو الأحاديث والأحكام المقتضية
(3/410)
وإن أخره بطل
إلا ليلة العيد ويومه وإن اشترط سقوط القضاء
لم يعده
__________
لوقوع الطلاق يجوز بناؤها على الأحاديث ويرتفع
بها النكاح ولا يشترط في رفع النكاح وأحكامه
استناده إلى التواتر أو قطع اتفاقا المشذالي
وما ذكره تقي الدين إنما يصح على مذهب
الشافعية وأما على مذهب مالك رحمه الله فلا
يحتاج إلى نظر ولا إلى تفصيل بل ينجز عليه
الطلاق مطلقا الوانوغي وعلى أنها ارتفعت فهو
كما لو قال أنت طالق أمس المشذالي ذكر صاحب
الاستغناء ونحوه لابن محرز أنه لا يلزمه في
أنت طالق أمس لأنه كذب ومحال إلا أن يريد
إخبارها أنه كان طلقها وظاهر ابن الحاجب أنه
لازم البرزلي عن شيخه الإمام إنه كقوله إن شاء
الحجر وفي النوادر تقييد الطلاق بالماضي
كطلاقه فهو كظاهر ابن الحاجب انتهى. والله
أعلم. ص: "وإن أخره بطل". ش: قال في شرح أول
مسألة من سماع ابن القاسم وإذا طهرت الحائض في
بعض يومها فرجعت إلى المسجد فلا تمسك عن الأكل
بقية يومها ولا تعتد به في اعتكافها إلا أن
تطهر قبل الفجر فتنوي صيام ذلك اليوم وتدخل
معتكفها في أول الوقت انتهى. ص: "وإن اشترط
سقوط القضاء لم يعده". ش: ويصح الاعتكاف على
المشهور وقيل يبطل الشرط والاعتكاف وقيل إن
اشترطه من قبل الدخول بطل الشرط والاعتكاف وإن
اشترطه بعد الدخول بطل الشرط وصح الاعتكاف
قاله يوسف بن عمر و قال في التوضيح: ثم قول
ابن الحاجب ولا يسقطه الاشتراط وحكي عن ابن
القصار أنه قال إن اشترط في الاعتكاف ما يغير
سنة فلا يلزمه ذلك الاعتكاف والأول هو المعروف
انتهى. وقال ابن عرفة: وشرط منافيه لغو عبد
الحق عن البغدادين لو نذره كذلك لم يلزمه إلا
بدخوله فيبطل شرطه انتهى. وقال أبو الحسن
الصغير قال ابن يونس: وحكي لنا عن ابن القصار
أنه إن شرط في الاعتكاف ما لا يجوز فيه فلا
يلزمه ذلك الاعتكاف وقال عبد الحق عن بعض
البغداديين: إن دخل في الاعتكاف بهذا الشرط
لزمه المضي عليه ولم يخرج إلا لضرورة وإن خرج
لغير ضرورة انتقض اعتكافه ولزمه أن يقضيه وإن
لم يدخل فيه لم يلزمه انظر النكت انتهى. وقال
صاحب الشامل فإن شرط سقوط القضاء لحدوث مرض أو
غيره لم يفده على المشهور وثالثها إن وقع بعد
الدخول وإلا بطل انتهى. والله أعلم.
(3/411)
|