مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب

كتاب الرضاع
مدخل
...
كتاب الرضاع
حصول لبن امرأة وإن ميتة وصغيرة، بوجور، أو سعوط أو حقنة تكون غذاء
------------------------------
كتاب الرضاع
يقال: رضاع ورضاعة بفتح الراء وكسرها فيهما نقله في التوضيح عن الصحاح ص: "باب حصول لبن امرأة وإن ميتة أو صغيرة بوجور أو سعوط أو حقنة يكون غذاء" ش: وحده ابن عرفة بما نصه الرضاع عرفا وصول لبن آدمي لمحل مظنة غذاء وآخر لتحريمهم بالسعوط والحقنة ولا دليل إلا مسمى الرضاع انتهى. وقوله: "لبن امرأة" قال عياض: ذكر أهل اللغة أنه لا يقال في بنات آدم لبن وإنما يقال فيه لبان واللبن لسائر الحيوان غيرهن وجاء في الحديث كثيرا خلاف قولهم انتهى. من التوضيح وقوله: "وإن ميتة" قال في المدونة: وإذا حلب من ثدي المرأة لبن في حياتها أو بعد موتها فوجر به صبي أو دب فرضعها وهي ميتة وعلم أن في ثديها لبنا فالحرمة تقع بذلك انتهى. قال ابن ناجي: يريد في الكتاب وكذلك يحرم إذا شك هل هو لبن أم لا لأنه أحوط وقول ابن راشد: إنما يحرم إذا كان هناك لبن محقق وإلا فلا خلاف انتهى. وقال ابن فرحون تبعا لابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: إن علم هذا شرط في العلم بوجوده في الثدي بعد الموت وبوصوله إلى جوف الرضيع لأنه ربما

(5/535)


أو خلط لا غلب، ولا كماء أصفر وبهيمة، واكتحال به:
-----------------------
يمص من ثدي الميتة ولا يكون فيه شيء من اللبن فيظن أنه خرج انتهى. وقوله: "وصغيرة" قال في المدونة: وإذا درت بكر لا زوج لها ويائسة من المحيض فأرضعت صبيا فهي أم له انتهى. قال ابن ناجي ظاهره في البكر وإن كان لا يوطأ مثلها وهو كذلك على ظاهر المذهب ثم قال وما ذكره من اعتبار لبن اليائسة ظاهره وإن كانت لا توطأ وهو كذلك على المعروف انتهى.
وقال ابن فرحون في الشرح: قال في الجلاب وإذا حدث للصبية الصغيرة التي لا يوطأ مثلها لبن فرضعها صبي لم تقع به حرمة والصحيح أنه يحرمقاله ابن راشد انتهى. وأبقى المصنف في التوضيح كلام ابن الحاجب: وفي لبن من نقصت عن سن المحيض قولان على إطلاقه إذ ظاهره سواء كان يوطأ مثلها أم لا وتعقب ابن هارون ابن الحاجب بأنه إنما ذكر الأشياخ الخلاف فيمن لم تبلغ حد الوطء وقال ابن عرفة وقول ابن الحاجب: "وفي لبن من نقصت" إلى آخره وقبوله ابن عبد السلام لا أعرفه وقول ابن هارون: "إنما ذكر الأشياء" إلى آخره صواب انتهى. وقال في التوضيح إن ابن الحاجب تبع في نقل القولين ابن بشير وابن شاس وقال ابن ناجي إنه وهم في ذلك وهو كذلك إذ نص ابن بشير إذا وقع الرضاع من المرأة وهي في سن من توطأ حصلت به الحرمة بلا خلاف فإن كانت من الصغر في سن من لا توطأ فهل تقع الحرمة بينهما قولان والمشهور وقوعها لعموم الآية والأحاديث والشاذ أنها لا تقع قياسا على الولادة انتهى.
وقال ابن شاس: ويحرم لبن البكر واليائسة من المحيض وغير الموطوءة والصبية وقيل: ما لم ينقص سن الصبية عن سن من توطأ انتهى. فتأمل كلامهما وإذا علم أن المشهور وقوع الحرمة بلبن الصغيرة ولو كانت في سن من لا توطأ فإبقاء المدونة: على ظاهرها من الخلاف لكلام الجلاب أولى مما حمله عليه الشيخ خليل في التوضيح من الوفاق ونصه خليل ولا يبعد أن يحمل ما في المدونة: على ما إذا كانت في سن من يوطأ ولا يكون ما في الجلاب خلافا للمدونة والله أعلم.ثم قال ابن عرفة: وقول أبي عبد السلام قال ابن رشد: لبن الكبيرة التي لا توطأ من كبر لغو لا أعرفه بل ما في مقدماته تقع الحرمة بلبن البكر والعجوز التي لا تلد وإن كان من غير وطء إن كان لبنا لا ماء أصفر ومفهوم قول ابن عمر في الكافي لبن العجوز التي

(5/536)


محرم إن حصل في الحولين أو بزيادة الشهرين إلا أن يستغني، ولو فيهما ما حرمه النسب إلا أم أخيك وأختك وأم ولد ولدك، وجدة ولدك، وأخت ولدك، وأم عمك،،عمتك، وأم خالك، وخالتك، فقد لا يحرمن من الرضاع.
--------------------------
لم تلد إذا كان مثلها يوطأ يحرم ونقل ما نقله عن ابن رشد انتهى. والله أعلم. ص: "إن حصل في الحولين" ش: نحوه في المدونة: قال فيها ولا يحرم رضاع إلا ما قارب الحولين كالشهر ولم يفصل كالشهر والشهرين وقال ابن ناجي: فظاهر الكتاب أن رضاع البكر لا أثر له ولو في الحجابة وهو كذلك وقال ابن المواز: لو أخذ به أحد في الحجابة لم أعبه كل العيب قال عبد الحميد: وقد استحسن بعض شيوخنا الأخذ به في ذلك وفعل به متقدمو شيوخنا في أهليهم.

(5/537)


وقدر الطفل خاصة ولدا لصاحبة اللبن ولصاحبه من وطئه لانقطاعه ولو بعد سنين، واشترك مع القديم ولو بحرام لا يلحق به الولد، وحرمت عليه إن أرضعت من كان زوجا لها لأنها زوجة
---------------------------
قلت: وبه أفتى شيخنا أبو محمد عبد الله الشبيبي فيما بلغني انتهىص: "وقدر الطفل خاصة ولدا لصاحبة اللبن" ش: فيحرم على الولد أمهات المرضعة بالنسب والرضاع وأولادها نسبا ورضاعا قاله في الجواهر ونقله القرافي وغيره ص: "من وطئه" ش: يريد إن أنزل قال في الشامل: واعتبر صاحبه من حد الوطء إن أنزل ثم قال: لا من العقد اتفاقا ولو قبل أو باشر أو وطئ ولم ينزل انتهى. ونحوه في التوضيح ص: "إلا أن لا يلحق به الولد" ش: هذا القول

(5/538)


ابنه: كمرضعة مبانته أو مرتضع منها وإن أرضعت زوجتيه اختار وإن الأخيرة وإن كان قد بنى بها حرم الجميع، وأدبت المعتمدة للإفساد وفسخ نكاح المتصادقين عليه كقيام بينة على إقرار أحدهما قبل العقد، ولها المسمى بالدخول إلا أن تعلم فقط فكالكفارة، وإن ادعاه فأنكرت أخذ بإقراره ولها النصف،
-----------------------
ذكره ابن حبيب عن مالك قال: ثم رجع إلى أنه يحرم وهو الأصح وقاله أئمة من العلماء وبالتحريم قال سحنون وغيره وهو ظاهر المذهب قاله في التوضيح ص: "وأدبت المتعمدة

(5/539)


وإن ادعته فأنكر لم يندفع ولا تقدر على طلب المهر قبله وإقرار الأبوين مقبول قبل النكاح لا بعده كقول أبي أحدهما ولا يقبل منه أنه أراد الاعتذار بخلاف أم أحدهما فالتنزه ويثبت برجل وامرأة وبامرأتين إن فشا قبل العقد وهل تشترط العدالة مع الفشو؟ تردد،
-------------------------------
للإفساد" ش: ولا غرامة عليها على المشهورقاله في الشامل وابن الحاجب. قال في الشامل:

(5/540)


وبرجلين لا بامرأة ولو فشا وندب التنزه مطلقا، ورضاع الكفر معتبر والغيلة وطء المرضع وتجوز
-----------------------------
ويفسخ بلا طلاق في الجميع ص: "وندب التنزه مطلقا" ش: قال ابن الحاجب: ولو بأجنبية لم يفش من قولها.

(5/541)


باب في النفقة
باب في النفقة
...
باب في النفقة
يجب لممكنة مطيقة للوطء على البالغ وليس أحدهما مشرفا قوت وإدام وكسوة ومسكن بالعادة بقدر وسعه
-----------------------------
باب
ص: "يجب لممكنة مطيقة الوطء على البالغ وليس أحدهما مشرفا قوت وإدام" ش:

(5/541)


-------------------------------
يعني أن المرأة إذا مكنت من نفسها فإنه يجب لها النفقة وظاهر كلامه أن مجرد تمكينها من نفسها يوجب النفقة على الزوج وذلك يصدق بما إذا لم تمتنع من الدخول ولم تطلب به الزوج وهو قول عبد الملك وظاهر المدونة: أن النفقة إنما تجب على الزوج إذا دعا إلى الدخول وهو المشهور من المذهب قال في كتاب النكاح الثاني من المدونة: ولا يلزم من لم يدخل نفقة حتى يبتغى ذلك منه ويدعى للبناء فحينئذ تلزمه النفقة والصداق انتهى. قال أبو الحسن الصغير: قوله: "يبتغى منه" أي يدعى إلى البناء وظاهره أن النفقة لا تلزم حتى يدعى إليها وقال ابن عبد الحكم: لها النفقة بالتمكين وإن لم تدعه إلى البناء الشيخ وهو ظاهر ما في كتاب الزكاة الثاني في قوله وإن لم يكن ممنوعا وكانت هذه الخادم لا بد للمرأة منها فكذلك يعني زكاة الفطر عليه عنهما لكن قال ابن محرز معنى مسألة الزكاة ودعواه إلى البناء انتهى. وفي الرسالة: ولا نفقة للزوجة حتى يدخل بها أو يدعى إلى الدخول وهي ممن يوطأ مثلها وقال ابن الحاجب: تجب بالدخول أو بأن يبتغى منه الدخول والله أعلم.وقيل: تجب بالعقد إن كانت يتيمة.
تنبيهات: الأول: قال اللخمي: في باب الحكم في قبض الصداق من كتاب النكاح الثاني: معنى مسألة المدونة: إذا مضى بعد العقد القدر الذي العادة أن يتربص إليه بالدخول وما يتشور فيه انتهى. ونقله أبو الحسن الصغير وقال في النوادر: إذا طلبت المرأة النفقة ولم يبن بها فإن فرغوا من جهازها حتى لم يبق ما يحبسها قيل له ادخل أو أنفق ولو قال الزوج انظروني حتى أفرغ وأجهز بعض ما أريد فذلك له ويؤخر الأيام بقدر ما يرى وهو قول مالك انتهى.
الثاني: إذا ادعى الزوج إلى الدخول فامتنع فهل تلزمه النفقة بنفس الامتناع وهو قول مالك أو بعد وقف السلطان له وفرضه للنفقة وهو قول أشهب؟ قال اللخمي: والأول أحسن إن علم أنه امتنع لددا وأنه لا عذر له وإن أشكل أمره فحتى يوقفه السلطان انتهى. ونقل القولين ابن راشد في اللباب ولم يذكر اختيار اللخمي وعزا القاضي عياض قول أشهب لابن شهاب فعلى قول مالك تلزمه النفقة بنفس الدعاء إذا شهدت بذلك بينة قال الجزولي في شرح الرسالة ظاهر الرسالة أنه إذا دعا إلى الدخول وأشهد عليه تلزمه النفقة وإن لم ترفعه إلى السلطان وقال أشهب حتى ترفع إلى السلطان ويحكم انتهى. ونحوه للشيخ يوسف بن عمر وهو ظاهر وبه أفتى الوالد في هذه المسألة فقال إذا ثبت أن الزوج دعا وجبت النفقة والظاهر أيضا أن الكسوة كذلك تلزمه إذا طال الأمر ولم يدخل والله أعلم.
الثالث: قال ابن عرفة: عياض: ظاهر مسائلها يدل على أن لأبي البكر دعاء الزوج للبناء الموجب للنفقة وإن لم تطلبه بنته وهو المذهب عند بعض شيوخنا وقاله أبو مطرف الشعبي بجبره إياها على العقد وبيع ما لها وتسليمه وقال المأموني ليس له ذلك إلا بدعائها أو توكيلها إياه ومثله لابن عات.

(5/542)


وحالها والبلد والسعر وإن أكولة وتزاد المرضع ما تقوى به إلا المريضة وقليلة الأكل فلا يلزمه إلا ما تأكل على الأصوب
-------------------------------
قلت: ظاهره كانت نفقتها على أبيها أو على مالها والأظهر الأول في الأول والثاني في الثاني انتهى. قلت: في استظهاره الثاني في الثاني نظر لأنه وإن كانت نفقتها في مالها فلأبيها النظر فيه وليس من السداد أن تنفق منه ولها طريق إلى النفقة من غيره وأيضا فإنه يريد دخولها لصيانتها فتأمله والله أعلم.
قلت: والظاهر أن السيد في أمته كالأب وكذلك الوصي إذا كان له الإجبار وأما غيرهم فليس له ذلك إلا بدعاء الزوجة إلى ذلك والله أعلم.
الرابع: إذا سافر الزوج قبل الدخول فطلبت زوجته النفقة فلها ذلك على ما رجحه ابن رشد ونصه قال في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم وسئل عن الرجل يسافر عن امرأته ولم يدخل فيقيم الأشهر فتطلب النفقة؟ قال: أرى له أن ينفق عليها من ماله ويلزم ذلك ابن رشد قد قيل: لا نفقة لها إذا كان قريبا لأنها لا نفقة لها حتى تدعوه وهي لم تدع قبل مغيبه فيكتب له إما أن يبني أو ينفقوقيل لها النفقة من حين تدعو إلى البناء وإن كان غائبا على قرب فليس عليها انتظاره وهذا أقيس وهو ظاهر الرواية إذ لم يفرق فيها بين قرب ولا بعد انتهى. ونحوه في المقدمات وقال في رسم أسلم من سماع عيسى لما تكلم على زوجة المفقود وأنه يضرب لها أجل أربع سنين ما نصه واختلف هل لها نفقة في هذه الأربع سنين فقال المغيرة إنها لا نفقة لها إلا أن يكون فرض لها قبل ذلك نفقة فيكون سبيلها في النفقة سبيل المدخول بها والصواب أن لها النفقة لأنه كالغائب ولم يختلفوا أن من غاب عن امرأته قبل الدخول غيبة بعيدة أنه يحكم لها بالنفقة في ماله وإنما اختلفوا في الغيبة القريبة على ما

(5/543)


ولا يلزم الحرير وحمل على الإطلاق وعلى المدنية لقناعتها فيفرض الماء والزيت والحطب والملح واللحم المرة بعد المرة وحصير وسرير احتيج له،
----------------------------
مضى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم انتهى. وتقدم في المفقود عن المتيطي أنه قال: وأما غير المدخول بهن من أزواجه فالمشهور من المذهب والذي عليه العمل وقاله ابن القاسم من رواية المصريين عنه ورواه أيضا عيسى وبه قال ابن المواز ولم يذكر في ذلك اختلافا مع معرفته باختلاف أصحاب مالك أن لها النفقة وإن لم يدخل فيها المفقود انتهى. وقال اللخمي: بعد ذكره كلام العتبية هذا يحسن أن يسافر بغير علمها ومضى أمد الدخول وبعلمها لم يعد في الوقت المعتاد فإن علمت بسفره لذلك المكان وقامت قبل وقت رجوعه لم يكن لها نفقة انتهى. ونقله ابن عرفة وقال هو مقتضى قولها إن سافر الشفيع بحدثان الشراء فأقام سنين ثم قدم إن كان سفرا يعلم أنه لا يؤب منه إلا لأمر يقطع شفعته فلا شفعة وإلا فلا انتهى.
الخامس: لا يلزم النفقة بدعاء الزوج إلى البناء اتفاقا قاله ابن عرفة عن ابن حارث والله أعلم.ص: "والبلد" ش: فينفق عليها من الصنف الذي جرت عادة مثله ومثلها من أهل ذلك البلد بالإنفاق منه قال ابن عرفة: فصنف مأكولها جل قوتها ببلدهما يفرض لها من الطعام ما يرى أنه الشبع مما يقتات به أهل بلدهما من البلاد ما لا ينفق أهله شعيرا بحال غنيهم ولا فقيرهم ومنها من ذلك عندهم يستخف ويستجاز انتهى. ص: "فيفرض الماء والزيت والحطب" ش: تصوره ظاهر وكذلك أجرة الطحن والخبز كما صرح بذلك في النوادر من كتاب النكاح وقال ابن عرفة: ابن رشد: ورواية المبسوط ليس عليه طحن المد خلاف سماع

(5/544)


وأجرة قابلة وزينة تستضر بتركها:
-----------------------------
عيسى ابن القاسم يفرض لها من النفقة ما فيه ماؤها وطحنها ونضج خبزها ابن عرفة لعل المنفي ولاية طحنه والمثبت أجرةالمتيطي وافق ابن حبيب من بعده من أهل العلم بقرطبة على ما ذكر من قفيز القمح وشرطوه مطحونا انتهى. وذكر في مختصر الوقار أن لها أجرة الطحن والله أعلم.ص: "وأجرة قابلة" ش: تصوره واضح.
فرع: قال في سماع أشهب من طلاق السنة وسئل عن الرجل يطلق امرأته ألبتة وهي حامل أترى عليه أجرة القابلة؟ فقال ما سمعت ذلك ولا أعلمه عليه وما سمعت أحدا سأل عن هذا ابن رشد قوله: "ولا أعلمه عليه" يقتضي أنه على المرأة وأصبغ يراه على الأب وقال ابن القاسم: إن كان أمرا يستغني عنه النساء فهو على المرأة وإن كان لا يستغني عنه النساء فهو على الأب وإن كانا ينتفعان به جميعا فهو عليهما جميعا على قدر منفعة كل واحد في ذلك وقع ذلك في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الجعل والإجارة فهي ثلاثة أقوال انتهى. وفي مختصر الوقار وعلى الرجل أن يقوم بجميع مصلحة زوجته عند ولادتها فأجرة القابلة كانت تحته أو مطلقة إلا أن تكون أمة مطلقة فيسقط ذلك عنه لأن ولدها رقيق لسيدها وليس عليه أن ينفق على عبد سيدها وإن كان ولده انتهى. ص: "وزينة تستضر بتركها" ش: يعني أن الزينة التي تستضر المرأة بتركها فإنها يقضى بها على الزوج لأنه يجب عليه القيام بضرورياتها التي لا غنى لها عنها وأما الزينة التي لا تستضر بتركها فلا يقضى على الزوج بها كما سيأتي وقول البساطي الظاهر أنها عليه من باب أولى لأنه إذا كانت هذه عليه مع أن تركها يضر بها فأحرى غيرها خلاف المنصوص في المذهب وكأنه

(5/545)


ككحل ودهن معتادين وحناء ومشط وإخدام أهله وإن بكراء ولو بأكثر من واحدة،
---------------------------
فهم أن العلة فيها كونها زينة وليس كذلك فتأمله والله أعلم.ص: "ككحل ودهن معتادين وحناء ومشط" ش: انظر لم أخر قوله: وحناء ومشط" عن قوله: "معتادين" مع أن ذلك يوهم القضاء بهما ولو لم يكونا معتادين وقد قال ابن رشد: في رسم الجواب من سماع عيسى من طلاق السنة أوجب في هذه الرواية على الرجل في فرض امرأته من الدهن ما تدهن به ومن الحناء ما تمتشط به وكذلك العرف عندهم وعادة جرى عليها نساؤهم ولا يفرض ذلك عندنا إذ لا يعرفه نساؤنا ولأهل كل بلد من ذلك عرفهم وما جرت به عادتهم وأما الصبغ والطيب والزعفران والحناء لخضاب اليدين والرجلين فلا يفرض على الزوج شيء من ذلك قاله ابن وهب في رسم الأقضية من سماع يحيى انتهى. ونص ما في سماع يحيى وأما الطيب والزعفران وخضاب اليدين والرجلين بالحناء فإنا نقول: إنما هذا وشبهه للرجال يصلحون به إلى نسائهم للذاتهم فمن شح به فليس يلزمه حكم يقضى به عليه انتهى.
قلت: وعرف أهل الحجاز في الحناء كما ذكر ابن رشد عن نسائهم لا يمشطون بها فلا يقضى بها عندهم وقوله: "مشط" الظاهر أنه أراد به ما يمتشط به لا آلة المشط ليكون كلامه في ذلك موافقا لقوله: "لا مكحلة" وعلى هذا فلا يجب من الحناء والمشط إلا ما جرت به عادة أهل البلد لأنه مما يستضرون بتركه كالورس والسدر عند أهل مكة فلا مفهوم لتقديم المصنف قوله: "معتادين" والله أعلم. ص: "وإخدام أهله وإن بكراء" ش: يعني أنه يجب على الزوج إخدام الزوجة إذا كانت أهلا للإخدام لشرف قدرها وكون مثلها لا يخدم وهذا هو المتبادر من قوله: "أهله" ثم يقال: ويريد بشرط أن يكون الزوج متسعا له خدام كما قال في الرسالة وإن اتسع فعليه إخدام زوجته وهذا يستفاد من قول المصنف بعد هذا: "ولها الفسخ" إلى آخره فإنه يقتضي أنه لا يطلق عليه لعجزه عن الإخدام فيعلم أنه إنما يجب حيث تكون له قدرة عليه وهكذا قال في رسم الجواب عن سماع عيسى من كتاب طلاق السنة أن المشهور من المذهب أنه لا يطلق عليه لعجزه عن الإخدام قال وقد روى ابن المعدل عن ابن الماجشون

(5/546)


وقضي لها بخادمها إن أحبت إلا لريبة وإلا فعليها الخدمة الباطنة من عجن وكنس وفرش بخلاف النسج والغزل لا مكحلة ودواء وحجامة وثياب المخرج وله التمتع بشورتها ولا يلزمه بدلها وله منعها من أكل كالثوم لا أبويها وولدها من غيره أن يدخلوا لها وحنث إن
---------------------------
أنه يطلق عليه بعجزه عن النفقة عليها والله أعلم.
فرع: قال القرطبي في كتاب النفقات في حديث السيدة فاطمة: ولا خلاف في استحباب خدمتها بنفسها تبرعا لأنه معونة للزوج وهي مندوب إليها أيضا ص: "وله التمتع بشورتها" ش: تقدم أن الشورة بفتح الشين المعجمة وأنها المتاع وما يحتاج إليه البيت وأما الشورة بالضم فهي الجمال وما ذكره من التمتع بشورتها فهو كذلك وقال في الشامل: وله التمتع بشورتها التي من مهرها إن لزمها التجهيز به وإلا فلا انتهى. وكأنه يشير إلى ما ذكره في التوضيح ونقله صاحب الشامل في شرح المختصر من أن هذا الحكم جار على المشهور أن المرأة يلزمها التجهيز بصداقها وأما على الشاذ فلا انتهى. بمعناه ص: "ولا يلزمه بدلها" ش: يعني أنه لا يلزمه أن يشتري لها بدل الشورة التي دخلت بها عليه ولكن يلزمه أن يشتري لها

(5/547)


حلف: كحلفه أن لا تزور والديها إن كانت مأمونة ولو شابة لا إن حلف لا تخرج
---------------------------
شورة ما لا يستغنى عنه قال في التوضيح: ابن حبيب وإذا خلقت الشورة أو لم يكن في صداقها ما تشور به فعليه الوسط من ذلك ما يصلح للشتاء والصيف وكذلك قال أصبغ: يفرض الوسط ممن لا شورة لها انتهى. وقال ابن عرفة وفي سماع عيسى بن القاسم يفرض لها اللحاف في الليل والفراش والوسادة والسرير إن احتيج له لخوف العقارب وشبهها ابن سهل عن ابن حبيب: إن كانت حديثة البناء وشورتها من صداقها فليس لها غيرها لا في ملبس ولا في مفرش وملحف بل له الاستمتاع معها بذلك مضت السنة وحكم الحاكم يريد إلا أن يقل صداقها عن ذلك أو كان عهد البناء قد طال فعليه ما لا غنى عنه بها وذلك في الوسط فراش ومرفقة وإزار ولحاف ولبد تفترشه على فراشها في الشتاء وسرير لخوف عقارب أو حيات أو فأر أو براغيث وإلا فلا سرير عليه وحصير حلفاء يكون عليه الفراش وحصيرتان أو بردى انتهى. وكلام الشارح يوهم أنه لا يلزمه أن يخلف شيئا من شورتها وأن ابن الماجشون يقول يلزمه أن يخلفها ولم أقف على هذا الخلاف هكذا فتأمله والله أعلم.ص: "لا إن حلف أن لا تخرج" ش: قال في المديان منها: وللرجل منع أم ولده من التجارة في مالها كما له انتزاعه وليس له منع زوجته من التجارة وله منعها من الخروج انتهى. قال أبو

(5/548)


وقضي للصغار كل يوم وللكبار كل جمعة كالوالدين ومع أمينة إن اتهمهما ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه إلا الوضيعة كولد صغير لأحدهما إن كان له حاضن إلا أن يبني وهو معه،
------------------------
الحسن: يعني الخروج للتجارة وما أشبه ذلك وأما في زيارة أبويها وشهود جنازتهما فليس له منعها وكذلك خروجها إلى المساجد ويقوم من قوله: "ليس له منعها من التجارة" أنه لا يغلق عليها وهو منصوص في الوثائق المجموعة في كتاب الوصايا انتهى.
فرع: قال المشذالي في حاشيته في هذا المحل: قال سحنون في نوازله: لذات الزوج أن تدخل على نفسها رجالا تشهدهم بغير إذن زوجها وزوجها غائب ولا تمتنع من ذلك لكن لا بد أن يكون معهم محرم منها ابن رشد: وهذا كما قال إنه من حقها أن تدخل من تشهده على نفسها بما تريد مما يجب عليها أو يستحب لأنها في ذلك كالرجل ولا يمنعها من شيء من ذلك والاختيار كما قال إنه لا بد من ذي محرمها يكون معهم إن كان زوجها غائبا فإن لم يكن فرجال صالحون انتهى. ونبه على ذلك أبو الحسن في كتاب الشركة في قوله: وتجوز الشركة بين النساء وبينهن وبين الرجال وذكره ابن عرفة في أثناء الكلام على النفقة وهل له أن يغلق عليه الباب أم لا؟ ص: "ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه إلا لوضيعة" ش: أو يكون تزوجها على ذلك قاله ابن الماجشونقال ابن رشد في رسم المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح وقول الماجشون: ليس بخلاف لقول مالك والله أعلم.ص: "كولد صغير لأحدهما" ش: انظر البيان في رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب النكاح ورسم

(5/549)


وقدرت بحاله من يوم أو جمعة أو شهر أو سنة والكسوة بالشتاء والصيف وضمنت بالقبض مطلقا كنفقة الولد إلا لبينة على الضياع ويجوز إعطاء الثمن عما لزمه والمقاصة لدينه إلا لضرر.
------------------------

(5/550)


وسقطت إن أكلت معه ولها الامتناع أو منعت الوطء أو الاستمتاع أو خرجت بلا إذن ولم يقدر عليها إن لم تحمل،
----------------------------
المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح ص: "وسقطت إن أكلت معه ولها الامتناع" ش: تصوره واضح ومن مختصر البرزلي مسألة قال ابن الحاج: تؤمر المرأة بأن تأكل مع زوجها لما في ذلك من التودد وحسن العشرة ولا تجبر عليه في باب الحكم قال البرزلي قلت: تقدم أيضا أنه لا يجبر الزوج على المبيت معها في فراش واحد من الحديث غير أنه يندب إليه لما يدخل عليها من المسرة إلا أن يكون لقصد عدم الوطء لما يدخل عليه من الضرر في جسمه أو تكون هي مائلة إلى الكبر فمبيته معها مما ينحل بدنه انتهى. من مسائل الأنكحة ونقل الشارح في الكبير في باب الإيلاء في شرح قوله: "أو لا وطئتها ليلا أو نهارا" عن اللخمي أنه لا يقضى عليه بالنوم في فراش واحد والله أعلم.
فرع: قال في التوضيح: وكذلك أيضا يضم نفقة بنيه الأصاغر إلى نفقتها إلا أن يكون مقلا فلا تضم نفقتهم معها وينفق على ولده بقدر طاقته وإلا فهم من فقراء المسلمين ولا يفرق بينهم وبين أمهم وجد ما ينفق عليهم أم لا انتهى. ص: "أو منعت الوطء والاستمتاع أو خرجت بلا إذن ولم يقدر عليها إن لم تحمل" ش: يعني أن المرأة إذا منعت زوجها الوطء

(5/551)


----------------------------
أو الاستمتاع فإن نفقتها تسقط يريد إذا كان ذلك بغير عذر فإن كان لعذر كسفرها للحج أو حبسه أو حبسها أو مرض ونحوه فلا تسقط فإن أكذبها في العذر فيثبت ذلك بشهادة امرأتين قاله ابن فرحون في شرح ابن الحاجب وفي البرزلي قبل مسائل الخلع بنحو الكراس عن أحكام ابن حديد ما يقتضي أن الزوج إذا كان ممنوعا من المرأة بحبس أو نحوه فلا يكون خروجها نشوزا ونصه وبقاء المرأة في الدار وخروجها سواء إذا كان ممنوعا منها ولا فرق بين سجنه لزوجته أو لأجنبي وعن القاضي عبد الوهاب لا يخلو حال المرأة إما أن تعدم الوطء من قبل الله عز وجل أو من قبل الزوج أو من نفسها فالأول كمرض الزوج أو مرضها أو حيضها فالنفقة واجبة والثاني كالسفر وترك الوطء فلا تسقط أيضا نفقتها والثالث كمنعها لزوجها من وطئها فهي ساقطة بالنشوز وعن ابن عبد الحكم أنها غير ساقطة انتهى. وكلام عبد الوهاب ليس هو في خروجها من بيت زوجها إنما تكلم على هذه الموانع من حيث هي والله أعلم. وجمع الشيخ بين ذكر الوطء والاستمتاع لينبه على أن كل واحد منهما مسقط ولا يقال يكفي ذكر الاستمتاع عن ذكر الوطء لأنه إذا سقطت النفقة بمنع الاستمتاع فتسقط بمنع الوطء من باب أولى لأنا نقول خشي أن يتبادر إلى الفهم أن المراد بالاستمتاع الوطء لأن الاستمتاع إذا ذكر مفردا فكثيرا ما يراد به الوطء ص: "أو خرجت بلا إذن إلى آخره" ش: يريد أن النفقة تسقط أيضا بخروج المرأة من بيت زوجها بغير إذنه إذا لم يقدر على ردها أما إن كان قادرا على ردها فلا تسقط النفقة نعم له أن يؤدبها هو أو الحاكم على خروجها بغير إذنه وانظر ما المراد بقوله:
"ولم يقدر عليها" هل بالحاكم أو بمجرد الإرسال إليها أو بامتناعها قال في تهذيب الطالب: اختلف في الناشز على زوجها هل لها نفقة فعند ابن المواز وهو مذكور عن مالك ورواه عن ابن القاسم ومثله سحنون أن لها النفقة وقال البغداديون من أصحابنا لا نفقة لها لأنها منعته من الوطء الذي هو عوض النفقة واعتلوا بإيجاب النفقة على الزوج إذا دعي للبناء وأن ذلك لا يلزمه إذا لم يمكن من البناء قال الشيخ أبو عمران: واستحسن في هذا الزمان أن يقال لها: إما أن ترجعي إلى بيتك وتحاكمي زوجك وتنصفيه وإلا فلا نفقة لك لتعذر الأحكام والإنصاف في هذا الوقت فيكون قول البغداديين حسنا في هذا ويكون الأمر على ما قاله الآخرون إذا كان الزوج يقدر على محاكمتها فلم يفعل فيؤمر بإجراء النفقة حتى إذا لم تمكنه المحاكمة ولم يتمكن له حالة تنصفه ولم تجبه هي إلى الإنصاف فاستحسن أن لا نفقة لها قال وكذلك الهاربة إلى موضع معلوم مثل الناشز وأما إلى موضع مجهول فلا نفقة لها عليه انتهى. من ترجمة الحضانة والنفقات من إرخاء الستور وقال في المسائل الملقوطة: الهاربة من زوجها إلى وليها إنه يسجن حتى يردها انتهى. من الأجوبة ومن

(5/552)


أو بانت ولها نفقة الحمل والكسوة في أوله وفي الأشهر قيمة منابها
--------------------------
كتاب الفصول: سقوط نفقتها مدة هروبها وما تركت عند الزوج بما له غلة يستأجر عليه انتهى. وقال في تهذيب الطالب أيضا في باب سكنى المعتدة من كتاب طلاق السنة: قال الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن: إنما فرق بين المرأة تسكن في غير بيت الزوج أنها لا كراء لها في ذلك وبين ما إذا هربت منه أن لها أن تطلبه بالنفقة لأن السكنى حق لها فتركته وسكنت في موضع آخر وأما التي هربت منه فقد كان له أن يرجعها إلى الحاكم ويردها إلى بيتها فحكم النفقة قائم عليه غير ساقط عنه ولو كان لا يعلم أين هربت أو تعذر عليها رفعها للحاكم ونحو هذا من الأعذار التي يظهر أنه غير قادر على ردها فلا شيء عليه فيستوي حكم ذلك وحكم السكنى انتهى. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: ولا خلاف أنها إذا خرجت وسكنت في موضع فلا كراء لها على زوجها وهذا بخلاف النفقة انتهى. وفي المتيطية عن كتاب محمد إذا غلبت امرأة زوجها وخرجت من منزله وأرسل إليها فلم ترجع وامتنع من النفقة عليها حتى ترجع فأنفقت على نفسها ثم طلبته بذلك قال مالك: ذلك عليه لها وترجع عليه وتغرمه قال ولو خرجت من مسكنه وسكنت سواه لم يكن عليه كراء ابن المواز وذلك لا يشبه النفقة انتهى. وقال الجزولي في شرح قول الرسالة ولا نفقة للزوجة حتى يدخل بها قال أبو محمد لا نفقة للناشز وهو المشهور وقيل لها النفقة وهذا في بلد لا حكم فيه وأما بلد فيه الحكم فينفق لأنه حين لم يرفعها فقد رضي قال والنشوز أن تخرج إلى بيت أوليائها بغير إذنه أو تمنعه من الوطء انتهى وقوله: "وإن لم تحمل" قال ابن رشد: بلا خلاف في ذلك لأن للناشز الحامل النفقة للحمل لا لأجلها ص: "وإن بانت" ش: يعني أن البينونة مسقطة للنفقة وسواء كانت من الزوج أو كان الطلاق من الحاكم فإنه قد تقدم أن طلاق الحاكم بائن إلا للإيلاء وللعسر بالنفقة ولذلك كانت لها النفقة في ذلك قال في معين الحكام في فصل النفقات:
مسألة: وتجب النفقة لكل مطلقة مدخول بها في أيام عدتها إذا لم يكن الطلاق بائنا وكان الزوج يملك ارتجاعها فيه سواء أوقعه الزوج أو الزوجة أو السلطان بإيلاء أو عدم نفقة إذا أيسر في العدة وفي المدونة: وجوب النفقة على المولى أيام العدة ولمطرف وابن الماجشون

(5/553)


واستمر إن مات لا إن ماتت
------------------------------
وأصبغ: لا نفقة لها لأن رجعته لا تصح بالقول إلا أن يقترن به الفعل وأما المبتوتة والمبارأة والمختلعة وكل من لا يملك الزوج رجعتها لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا انتهى. وقال في طلاق السنة وكل مطلقة لها السكنى وكل بائنة بطلاق بتات أو خلع أو مبارأة أو لعان أو نحوه فلها السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة إلا في الحمل البين فذلك لها ما أقامت حاملا ما خلا الملاعنة فلا نفقة لحملها لأنه لا يلحق بالزوج انتهى. قال أبو الحسن: قوله: "ونحوه" يعني المفسوخ انتهى. ثم قال فيها: وكل طلاق فيه رجعة فلها النفقة والكسوة حتى تنقضي عدتها حاملا كانت أو غير حامل وكذلك امرأة المولى إذا فرق بينهما لأن فرقة الإمام فيها غير بائن وهما يتوارثان ما لم تنقض العدة وتجب السكنى في فسخ النكاح الفاسد أو ذات محرم بقرابة أو رضاع كانت حاملا أم لا لأنه نكاح يلحق فيه الولد وتعتد فيه حيث كانت تسكن ولا نفقة عليه ولا كسوة إلا أن تكون حاملا فذلك عليه انتهى. قال أبو الحسن: قوله: "وكذلك امرأة المولى" إذا طلق عليه لعدم النفقة ثم أيسر في العدة هل تجب عليه النفقة وإن لم ترتجع فعلى ما نص هنا تلزمه النفقة ومثله لابن حبيب ثم قال: فانظر في سماع عيسى من طلاق السنة مسألة النصرانية تسلم تحت النصراني أنه لا نفقة لها عليه وفي سماع أصبغ خلافه صح من جامع الطرر اللخمي قال ابن المنذر: أجمع من أحفظ على أن المعتدة التي تملك رجعتها لها السكنى والنفقة إذ أحكامها أحكام الأزواج في عامة أمورها وقوله في فسخ النكاح الفاسد الشيخ هذا إذا كان مما يفسخ بعد البناء وأما ما يفسخ قبل ويثبت بعد فلا انتهى. ص: "واستمر إن مات لا إن ماتت" ش: قال البرزلي في كتاب النفقات وتقدم للشعبي أن عبد الرحمن بن عيسى أفتى في مطلقة طلاقا بائنا أن النفقة لها إذا كانت حاملا ما دام الولد حيا فإذا مات في بطنها سقطت نفقتها ووقعت وحكم فيها القاضي ابن الخراز

(5/554)


وردت النفقة كانفشاش الحمل لا الكسوة بعد أشهر بخلاف موت الولد فيرجع بكسوته وإن خلقة وإن كانت مرضعة فلها نفقة الرضاع أيضا،
----------------------------
بالنفقة وأفتى فيه جميع الفقهاء حتى طال على زوجها الإنفاق فاستشارني في ذلك فأفتيته بالسقوط إذا أقرت المرأة بذلك لأنها بطنها صار له كفنا وإنما النفقة لها لأن الولد يتغذى بغذائها فلو تركت غذاءها مات فإذا اعترفت بأنه مات فقد صار لا غذاء له وإنما صار داء في بطنها يحتاج إلى دفعه عنها بالدواء انتهى. وقال ابن سلمون في وثائقه ومن كتاب النفقات لابن رشيق: كتبت إلى الفقيه أبي محمد بن دحون بقرطبة أسأله عن امرأة طلقها زوجها طلقة مبارأة فادعت أنها حامل منه وثبت الحمل فأنفق عليها أكثر من عام ولم تضع فوقفها عند الحاكم فقالت: إن الجنين في بطني وهو به ميت فكتب إلي مجاوبا إذا مات الجنين في بطنها كما زعمت فقد انقطعت النفقة إذا كانت النفقة بسبب الجنين وقال به أيضا الفقيه أبو محمد بن الشقاق وزاد قال: وانقضاء عدتها منه بالوضع انتهى. وقال المشذالي في حاشيته على المدونة: ولو مات في بطنها لم تنقض عدتها إلا بوضعه وهو ظاهر القرآن الكريم وصريح في نوازل بعضهم انتهى. ص: "وردت النفقة كانفشاش الحمل لا الكسوة بعد أشهر" ش: قال ابن غازي:

(5/555)


ولا نفقة لدعواها بل بظهور الحمل وحركته فتجب من أوله،
--------------------------------
"ردت" مبني للغائب فيتناول موته وموتها والحكم في رد النفقة والتفصيل في الكسوة عام كما في المدونة: وغيرها انتهى. ويشير بذلك لما قاله في أول كتاب القذف من المدونة: قال مالك ومن دفع لامرأته نفقة سنة أو كسوتها لفريضة قاض أو بغير فريضته ثم مات أحدهما بعد يوم أو يومين أو شهر أو شهرين فلترد بقية النفقة بقدر ما بقي من السنة واستحسن في الكسوة أن لا ترد إذا كان موت أحدهما بعد ثلاثة أشهر ولا تتبع المرأة فيها بشيء قال ابن القاسم: وأما إن ماتت بعد عشرة أيام ونحو هذا فهذا قريب انتهى. قال أبو الحسن قوله في الكسوة إذ مات أحدهما بعد أشهر هذا من جموع القلة من ثلاثة إلى تسعة انتهى. وقال في المسائل الملقوطة قال في العوفية واستحسن في الكسوة أن لا ترد إذا كان موت أحدهما بعد ثلاثة أشهر انتهى. وقوله: "كانفشاس الحمل" يعني به أن من طلق زوجته فادعت أنها حامل فأنفق عليها ثم ظهر انفشاش الحمل فإنه يرجع عليها بالنفقة وتردها وسواء أنفق الرجل من أول الحمل ظانا أنها تلزمه أو ظهر الحمل فألزم الإنفاق والقول باللزوم هو قول ابن الماجشون وروايته واختاره ابن المواز ولذا رجحه المؤلف وقيل لا رجوع له مطلقا وهو قول مالك في الموازية وقيل إن أنفق بحكم رجع وإلا فلا وهو لمالك في رسم مرض من سماع ابن القاسم من طلاق السنة وقيل عكس الثالث ونسبه ابن رشد لعبد الملك ونظر فيه المؤلف في التوضيح بأن الذي نسبه له ابن رشد هو الأول والله أعلمقال ابن رشد في الرسم المتقدم ولهذه المسألة نظائر كثيرة تفوق العد منها شفعتها في الذي يثيب على الصدقة ويظن لزوم ذلك ومنها مسألة صلحها في الذي يصالح عن دية الخطأ ظانا لزومها له ومنها مسألة الصداق وفي سماع أصبغ من النكاح ومنها ما في سماع عيسى ونوازل سحنون من الصدقات والهبات ومنها ما

(5/556)


ولا نفقة لحمل ملاعنة وأمة،
------------------------------
في سماع أصبغ من الشهادات انتهى. وانظر المشذالي في الصلح وسماع عيسى في الحج ص: "ولا نفقة لحمل ملاعنة" ش: يريد إذا كان اللعان لنفي الحمل وإن كان للرؤية وهو مقر بالحمل كانت لها النفقة وكذا قيد به أبو الحسن إطلاق المدونة: وهو ظاهر لأن مراد المصنف إذا كان الحمل للعان والله أعلم. ص: "وأمة" ش: أي لا نفقة لحمل أمة يريد والزوج حر بدليل قوله بعد: "ولا على عبد" قال ابن عبد السلام: والمانع لها من النفقة كون ذلك رقيقا كما لو ولد لأنه إذا اجتمع موجبان من موجبات النفقة لشخص أخذ نفقة واحدة بأقوى الموجبين وسقط الموجب الآخر انتهى. وقال في طلاق السنة منها: وليس للأمة الحامل نفقة على الزوج إذا طلقها إذ الولد رق لغيره سواء كان الزوج حرا أو عبدا وكذلك حرة طلقها عبد وهي حامل منه انتهى. وقال اللخمي: للحامل النفقة على زوجها إذا كانا حرين وإن كان عبدا وهي حرة لم يلزمه نفقة لحملها في البائن وكذلك إن كانت أمة والزوج حر ثم قال فإن أعتق السيد الأمة لزمته النفقة لأن الحمل عتيق بعتق أمه ويختلف إذا عتق الحمل وحده فعلى القول على أنه لا يكون عتيقا إلا بالوضع تبقى النفقة على السيد وعلى أنه حر من الآن وفيه الغرة تكون النفقة على الأب انتهى. من التبصرة وطلاق السنة والقول الأول من القولين الذين ذكرهما عليه اقتصر ابن يونس في كتاب أمهات الأولاد قال قال ابن المواز من اشترى زوجة بعد أن أعتق السيد ما في بطنها فشراؤه جائز وتكون بما تضعه أم ولد لأنه عليه عتق بالشراء ولم يكن يصيبه عتق السيد إذ لا يتم عتقه إلا بالوضع ولأنها تباع في فلسه ويبيعها ورثته قبل الوضع إن شاؤوا وإن لم يكن عليه دين والثلث يحملها انتهى. ولو ضربها رجل فألقته ميتا فإن فيه ما في جنين أمه ولو كان ذلك بعد أن اشتراها كان فيه ما في جنين الحرة وولاؤه إن استهل لأبيه ولا ينظر في ذلك كله إلى عتق السيد إلا أنه لا يشتريها أجنبي بعد عتق السيد جنينها من قبل أن يرهقه دين ويرد إن فعل انتهى.
وقال في العتق الثاني من المدونة: في الكلام على هذه الأمة: ولو ضرب رجل بطنها فألقته ميتا ففيه عقل جنين أمة بخلاف جنين أم الولد من سيدها فتلك في جنينها عقل جنين الحرة لأن جنين الأمة لا يعتق إلا بعد الوضع وجنين أم الولد حر حين حملت به انتهى. وهذا القول هو الذي يظهر من قوله في المختصر في باب الظهار لقوله إذا عتق الجنين لا يجزئه ويعتق بعد وضعه والله أعلم.وهذا أعني سقوط نفقة الأمة البائن الحامل عن زوجها الحر إنما يظهر والله أعلم.إذا لم تكن الأمة جارية ولده أو أمه أو من يعتق ولد الأمة عليه وأما إن كانت الأمة لأحد هؤلاء فلم أر فيه نصا لأهل المذهب الآن والذي يظهر من تعليل

(5/557)


------------------------------
ابن عبد السلام عدم لزوم النفقة لحمل الأمة بكون الولد رقا ومن بناء اللخمي لزوم النفقة وعدم لزومها فيما إذا أعتق السيد الجنين فقط على الخلاف في كونه حرا من الآن أو إنما يكون حرا بعد وضعه أن النفقة لازمة للزوج إذا كانت الأمة لمن يعتق ولد الزوج عليه لأن المذهب على أن الولد حر في بطن أمه قال في أمهات الأولاد من المدونة: من اشترى زوجته لم تكن له أم ولد بما ولدت قبل الشراء إلا أن يبتاعها حاملا فتكون بذلك أم ولد ولو كانت لأبيه فابتاعها حاملا لم تكن له أم ولد بذلك الحمل لأن ما في بطنها قد عتق على جده بخلاف أمة الأجنبي لأن الأب لو أراد بيع أمته لم يجز له ذلك لأنه قد عتق عليه ما في بطنها والأجنبي لو أراد بيع أمة وهي حامل من زوجها جاز ذلك ودخل حملها في البيع معها وقال غيره: لا يجوز للابن شراؤها من والده وهي حامل لأن ما في بطنها قد عتق على جده فلا يجوز أن تباع ويستثنى ما في بطنها لأن ذلك غرر لأنه وضع من ثمنها بما استثنى وهو لا يدري أيكون أم لا لا يجوز بيع الجنين لأنه غرر فكذلك لا يستثنى انتهى.
قال ابن يونس: وقول الغير هذا كله ليس بخلاف لابن القاسم وإنما تكلم ابن القاسم إذا اشتراها وفات ذلك كيف يكون الحكم وأما بدأ فليس له أن يبتاعها على قوله فإن ابتاعها فسخ البيع إلا أن تضع الولد فيكون عليه قيمتها يوم قبضها على أن حملها حر لأنه بيع فاسد فات بالوضع ونحوه حكى بعض شيوخنا عن القابسي وكان يعيب قول من يجعله خلافا انتهى. وقال أبو الحسن الصغير: انظر قول الغير هنا علل بكون المستثنى مشترى الشيخ: وكذلك لو كان المستثنى مبقي في هذه المسألة لما جاز لأنه لا يتصرف فيه إلا بعد الوضع ففيه تحجير وقاعدتهم أنه متى آل الأمر إلى الفساد في أن المستثنى مبقي منعوا وكذلك إن آل الأمر إلى الفساد على أن المستثنى مشترى انظر الأكرية إذا باع دابة واستثنى ركوبها عشرة أيام لا يجوز وهو بناء على أن المستثنى مبقي وإن استثنى ركوبها ثلاثة أيام أجازه لأنه لا يؤل الأمر فيه إلى فساد سواء كان المستثنى مبقي أو مستثنى انتهى. ثم قال في المدونة: وهذا الجنين لا يرق ولا يلحقه دين لأنه عتق سنة وليس هو عتق اقتراب ابن القاسم: ومن ابتاع زوجة والده حاملا انفسخ نكاح الأب إذ لا ينكح أمة ولده ولا تكون أم ولد للأب وتبقى رقيقا للابن ويعتق عليه ما في بطنها ولا يبيعها حتى تضع إلا أن يرهقه دين فتباع وهي حامل وقاله أشهب وقال غيره: لا تباع في الدين حتى تضع لأنه عتق سنة لا باقتراب انتهى. قال ابن يونس: وهذا بخلاف من اشترى زوجته الحامل وهي أمة لأبيه عند ابن القاسم تلك أمة لا يرق حملها ولا يلحقه دين والفرق بينهما عنده والله أعلم.أن الولد في المسألة الأولى خلق حرا لم يمسه رق وفي هذه قد مسه الرق في بطنها وإنما عتق باشتراء الولد بأمة فأشبه العتق المبتدأ وغيره لم يفرق بينهما لأنه كله عتق بسنة فوجب أن

(5/558)


ولا على عبد إلا الرجعية وسقطت بالعسر إلا إن حبست أو حبسته أو حجت الفرض ولها نفقة حضر وإن رتقاء وإن أعسر بعد يسر فالماضي في ذمته وإن لم يفرضه حاكم
---------------------------
يتساوى الحكم فيهما فتأمل ذلك جميعه والله أعلم.ص: "ولا على عبد" ش: أي لا نفقة على العبد لمطلقته البائن الحامل سواء كانت حرة أو أمة قال في التوضيح: لأنه لا يجب على العبد أن ينفق على ولده انتهى. قال ابن الحاجب: ولا على عبد الحمل أو ولد وإن كانت الزوجة حرة انتهى. قال ابن فرحون: لو كان للعبد ولد من زوجته الحرة أو الأمة ثم طلقها طلاقا بائنا لم يجب عليه نفقة ولده لأنه إتلاف لمال سيده انتهى. وانظر قوله: "ثم طلقها طلاقا بائنا" فإنه لا مفهوم له قال في المدونة: إلا أن يعتق العبد قبل وضعها فينفق على الحرة من يومئذ وأما

(5/559)


ورجعت بما أنفقت عليه غير سرف وإن معسرا كمنفق على أجنبي إلا لصلة وعلى الصغير إن كان له مال علمه المنفق وحلف أنه أنفق ليرجع.
-------------------------
الأمة فلا إلا أن تعتق هي أيضا فينفق عليها في حملها لأن الولد ولده انتهى. فيفهم من قوله: "يومئذ "أنه لا يعطيها إذا عتق نفقة أول الحمل ولذا قال ابن عمر في شرح الرسالة: فينفق عليها في بقية حملها انتهى. والله أعلم. ص: "غير سرف" ش: نحوه في ابن الحاجب قال في التوضيح: يعني إذا وجب لها الرجوع بما أنفقته عليه أو على نفسها وولدها ووجب للأجنبي الرجوع بما أنفقه على الأجنبي فإنما رجع عليه بالمعتاد في حق المنفق عليه فأما ما كان سرفا بالنسبة إليه فلا يرجع به المنفق لأن المفهوم من قصد المنفق به العطية إلا أن تكون التوسعة في زمنها كالأعياد فيرجع بذلك ص: "وعلى الصغير إن كان له مال علمه المنفق وحلف له أنه أنفق ليرجع" ش: وأن لا يكون لليتيم تحت يده مال ناض فإن كان له وتركه وأنفق من

(5/560)


ولها الفسخ إن عجز عن نفقة حاضرة لا ماضية وإن عبدين،
-------------------------
عنده فلا رجوع له عليه قال في كتاب الرهون من المدونة: وللوصي أن يسلف الأيتام ويرجع عليهم إن كان لهم يوم السلف عرض أو عقار ثم يبيع ويستوفى انتهى. قال أبو الحسن: ذكر هنا العقار والعرض وفي تضمين الصناع ولليتيم مال ظاهره كان عينا أم لا وفي موضع آخر في اليتيم إلا أن تكون لهم أموال عروض فيحمل قوله في المال حيث ذكره على العروض كما قال هنا لأنه إذا كان له ناض فلا فائدة في السلف وانظر على هذا لو سلفه وله ناض هل يرجع عليه أم لا قال في وثائق ابن القاسم: ولو كان له بيده ناض لم يرجع عليه بما أسلفه لأنه متطوع انتهى. وعلى هذا اقتصر الوانوغي في حاشيته قال في هذا المحل: ولو أسلفه ولليتيم ناض في بلده لم يرجع عليه لأن اليتيم غير محتاج إلى سلفه وهو في نفقته على اليتيم حينئذ متطوع انتهى. ثم قال في المدونة: فإن لم يكن لليتيم مال وقال الوصي: أنا أسلفه فإن أفاد رجعت عليه لم يكن له ذلك والنفقة عليه من يومئذ على وجه الحسبة فلا يرجع بشيء وإن أفاد اليتيم مالا انتهى. قال أبو الحسن وقال أشهب: ذلك له انتهى.
تنبيه: قوله على وجه الحسبة فلا يرجع بشيء وإن أفاد اليتيم علمه المنفق أم لا قال في المدونة: فإن تلف المال الذي علم المنفق وكبر الصبي فأفاد مالا لم يرجع عليه بشيء نقله في التوضيح.
فروع: الأول: من أنفق على ولد رجل غائب موسر وخاف ضيعته فإنه يتبع الأب بما أنفقه بالمعروف وإن لم يستنبه في النفقة عليهم لما كان نفقتهم واجبة على الأب كمن قضى عن رجل دينا على أن يتبعه به كان له أن يتبعه بها انتهى. من باب زكاة الفطر من الطراز وقال ابن عرفة وسمع سحنون ابن القاسم: من غاب أو فقد فأنفق رجل على ولده فقدم أو مات في غيبته وعلم أنه كان عديما لم يتبعه بما أنفق عليه ولا ولده ابن رشد: لأن الولد إذا لم يكن لأبيه ولا له مال فهو كاليتيم النفقة عليه احتسابا ليس له أن يعمر ذمة بدين إلا برضاه إذ ليس ممن يجوز على نفسه رضاه وإن كان له أو لليتيم مال فللمنفق عليه الرجوع عليهما في أموالهما إن كانت له بالنفقة بينة وإن لم يشهد أنه إنما أنفق ليرجع بعد يمينه أنه إنما أنفق عليها ليرجع في أموالها لا على وجه الحسبة ويسر أبي الولد كماله وهذا إذا أنفق وهو يعلم مال اليتيم أو يسر الأب ولو أنفق عليهما ظانا أنه لا مال لليتيم ولا للابن ولا لأبيه ثم علم ذلك فلا رجوع له وقيل له الرجوع والقولان قائمان منها.
قلت: الأول ظاهر قولها في تضمين الصناع ولا يتبع اليتيم بشيء إلا أن يكون له مال

(5/561)


----------------------------
فيسلفه حتى يبيع عروضه فإن قضى ذلك عما أسلفه لم يتبع بالتالف وكذا اللقيط.
الثاني: ظاهر قولها في النكاح الثاني من أنفق على صغير لم يرجع عليه بشيء إلا أن يكون له مال حين أنفق عليه فيرجع بما أنفق عليه فيما له ذلك ونحوه في كتاب الولاء منها والأولى تقييد مطلقها بمقيدها فيكون ذلك قولا واحدا انتهى. كلام ابن عرفة وقال في المدونة في كتاب تضمين الصناع: ومن التقط لقيطا فأنفق عليه فأتى رجل فأقام البينة أنه ابنه فله أن يتبعه بما أنفق إن كان الأب موسرا حين النفقة لأنه ممن تلزمه نفقته هذا إن تعمد الأب طرحه وإن لم يكن هو طرحه فلا شيء عليه وقال مالك في صبي صغير ضل عن والده فأنفق عليه رجل فلا يتبع أباه بشيء فكذلك اللقيط.
الثالث: قال في مسائل الوصايا من نوازل ابن رشد في وصي على يتيمة أشهد عند موته أن لها عليه عشرين مثقالا ولا يدعي هو أن له عليها شيئا فتموت فتطلب اليتيمة الذهب فيدعي ورثته أن له عليها حضانة ويثبتون أنها كانت في حضانته مدة نظره فهل لهم أن يحاسبوها أم لا فأجاب إشهاد الوصي لها عند موته بالعشرين مثقالا يوجبها لها ويبطل دعوى الورثة عليها ولا يلتفت إلى ما أثبتوه ولا يحاسبوها بشيء انتهى.
الرابع: قال في المسائل الملقوطة إذا كان للأولاد مال فلا يلزم الأب نفقتهم سواء كان مالهم عينا أو عرضا فإن أنفق من ماله وأبقى مالهم على حاله حتى مات فأراد الورثة محاسبتهم بالنفقة فإن قال الأب حاسبوا والدي فعلى ما قال أي نوع كان المال وإن قال لا تحاسبوه فكذلك ولا يشبه الوصية لأن الآباء ينفقون على أولادهم ولو كان لهم أموال وإن سكت الأب فإن لم يكتب لم يحاسب الولد وإن كتب وكان المال عينا فلا يحاسب أيضا لأنه لو شاء أنفق منه ويحتمل كتبه على الارتياء والنظر وإن كان عرضا حوسب بذلك قال ذلك كله مالك وابن القاسم فإن مات الابن في حياة الأب وورث معه غيره فادعى أنه أنفق ليرجع فروى ابن القاسم أنه إن كان الأب مقلا مأمونا صدق بغير يمين وإن كان غنيا حلف وهذا إذا لم يشهد عند الإنفاق وإن أشهد فلا يمين وسواء كان المال عينا أو عرضا انتهى. وهذه المسألة هي أول مسألة من طلاق السنة من سماع ابن القاسم ونصها قال سحنون أخبرني ابن القاسم قال سمعت مالكا يقول فالرجل ينفق على أولاده ولهم مال قد ورثوه من أمهم فكتب عليهم ما أنفق فلما هلك أراد سائرهم من الورثة أن يحاسبوه ويحتجوا عليه بالكتب قال إن كان مالهم عنده موضوعا فليس عليهم غرم ما أنفق عليهم إذا لم يقل ذلك عند موته لأن الأب ينفق على ولده وإن كان لهم مال ومن أمر الناس أن ينفق الرجل على ولده ولهم المال وإن كان لهم في عرض أو حيوان رأيت أن يحاسبوهم به لأنه كتبه وإنما اختلف ذلك لأن المال الموضوع في يده لم يكن يمنعه منه شيء فلعله إنما كتبه يريد أن يلزمهم أو يتركه

(5/562)


----------------------------
فتركه وأما الذي كان في العروض والحيوان فإنما يرى أنه يمنعه من ذلك بيعه وكتابه عليهم والله أعلم.قال ابن القاسم وهذا أحسن ما سمعت عنه.
قال ابن رشد: هذه مسألة تتفرع إلى وجوه وقعت مفرقة في مواضع من هذا السماع وفي رسم باع شاة من سماع عيسى وفي سماع أبي زيد من كتاب الوصايا ما يعارض بعضها بعضا في الظاهر فكان الشيوخ يحملون ذلك على أنه اختلاف من القولوقوله إنه لا اختلاف في شيء مما وقع من ذلك في هذه الروايات كلها وبيان ذلك أن مال الابن لا يخلو من أربعة أحوال: أحدها أن يكون عينا قائما في يد الأب، والثاني أن يكون عرضا قائما بيده، والثالث أن يكون قد استهلكه وحصل في ذمته، والرابع أن يكون لم يصل بعد إلى يده فأما إن كان عينا قائما في يده وألفى على حاله في تركته فلا يخلو من أن يكون كتب النفقة عليه أو لم يكتب فإن كان كتبها عليه لم تؤخذ من ماله إلا أن يوصي بماله وهو دليل قوله في هذه الرواية إذا لم يفعل ذلك عند موته وإن كان لم يكتبها عليه لم تؤخذ من ماله وإن أوصى بذلك قاله ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا وإما إن كان المال عرضا بعينه ألفى في تركته فلا يخلو أيضا من أن يكون كتب النفقة عليه أو لم يكتبها فإن كان كتبها حوسب بها الابن وإن أوصى الأب أن لا يحاسب بها وهو ظاهر ما في هذه الرواية ووجه ذلك أنه لما كتبها عليه دل على أنه لم يرد أن يتطوع بها فوصيته أن لا يحاسب بها وصية لوارث وهو قول أصبغ في الواضحة أن المال إذا كان عرضا لم تجز وصية الأب أن لا يحاسب بها ومثله لابن القاسم في المدونة.
وإن كان لم يكتبها عليه حوسب بها إلا أن يكون أوصى الأب أن لا يحاسب بها فتنفذ وصيته وهذا قول ابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى وأما الحالة الثالثة وهي أن يكون الأب قد استهلك المال وحصل في ذمته فإن الابن يحاسب بذلك كتبها الأب عليه أو لم يكتبها وهو قول مالك في رسم الشجرة بعد هذا إلا أن يكون كتب لابنه بذلك ذكر حق أشهد له به فلا يحاسب بما أنفق عليه قال ذلك مالك في رواية زياد بن جعفر عنه وهو تفسير لما في الكتاب وأما الحالة الرابعة وهو أن لا يكون قبض المال ولا كان بيده بعد فسواء كان عينا أو عرضا هو بمنزلة إذا كان عرضا بيده وقد مضى الحكم في ذلك وما في رسم سلعة سماها ورسم كتب عليه ذكر حق يحتمل أن يكون تكلم فيها على أن المال لم يصل إلى يده أو على أنه قد أخذه واستهلكه وقد مضى الكلام على حكم الوجهين ولا فرق بين موت الأب وموت الابن فيما يجب من محاسبته بما أنفق عليه أبوه وبالله التوفيق انتهى. وانظر النوادر في كتاب الوصايا الخامس قال ابن سلمون إن كان المنفق وصيا من أب أو قاض فله الرجوع فيما أنفق في مال الصبي دون يمين ولا إثبات لأنهم مأمورون بالإنفاق وقيل عليه اليمين وإن كان غير وصي فلا بد من إثبات حضانته له وكفالته ويمينه بعد ذلك ولا يحتاج

(5/563)


لا إن علمت فقره أو أنه من السؤال إلا أن يتركه أو يشتهر بالعطاء وينقطع فيأمره الحاكم إن لم يثبت عسره بالنفقة والكسوة أو الطلاق وإلا تلوم بالاجتهاد
----------------------------
إلى أن يشهد أن إنفاقه إنما هو ليرجع به وروي أنه لا بد أن يشهد انتهى. ص: "لا إن علمت فقره أو أنه من السؤال" ش: وهي محمولة في عسر السائل على عدم العلم وفي السائل على العلم لظهور حاله نقله ابن عرفة عن ابن رشد عن سماع القرينين في كتاب النكاح ص: "إلا أن يتركه" ش: يعني إذا تزوجته وهو من السؤال ثم ترك السؤال فعجز عن النفقة فلها طلبه ص: "وإلا تلوم بالاجتهاد" ش: أي وإن أثبت عسره تلوم له القاضي باجتهاده قال في التوضيح: ولا يمين على الرجل إن صدقته المرأة على عسره إذ لا يحتاج إلى إقامة بينة وأما إن لم تصدقه فلا بد من البينة على الإعسار واليمين ثم يتلوم له القاضي على القول المشهور المعمول به وقيل يطلق عليه من غير تلوم وعلى المشهور اختلف في مقدار التلوم فلمالك في المبسوط أنه اليوم ونحوه مما لا يضر بها الجوع ولمالك في الواضحة الثلاثة الأيام والصحيح أنه يختلف بالرجاء وعدمه وهو مذهب المدونة: قال فيها ويختلف التلوم فيمن يرجى له وفيمن لا يرجى لهانتهى مختصرا وقول الشارح قوله: "وإلا تلوم" أي وإن أبى الزوج من ذلك ومن الطلاق تلوم له الحاكم لا يصلح لتفسير كلام المصنف فإن من لم يثبت عسره وامتنع من الإنفاق والطلاق فتارة يقر بالملأ وتارة يدعى العسر فإن ادعى العسر تلوم له وإن أقر بالملأ فحكى ابن عرفة في ذلك قولين أحدهما أنه يعجل عليه الطلاق والثاني أنه يسجن حتى ينفق وعليه إن كان له مال ظاهر أخذت النفقة منه كرها ونصه المتيطي وغيره من الموثقين إن ادعى العدم وصدقته نظر في تأجيله وإن أكذبته فبعد إثبات عدمه وحلفه.
قلت: ما فائدة إثبات عدمه إذا ادعاه وأكذبته هل هي تأجيله حاكمه بناء على أنه لو

(5/564)


وزيد إن مرض أو سجن ثم أطلق وإن غائبا أو وجد ما يمسك الحياة لا إن قدر على القوت وما يواري العورة وإن غنية.
-------------------------
أقر بملئه وامتنع من الإنفاق لجعل لها الطلاق أو هي عدم سجنه بناء على أنه لو علم ملؤه وامتنع من الإنفاق سجن حتى ينفق وعليه إن كان له مال ظاهر أخذت منه النفقة كرها؟ والأول ظاهر كلام الموثقين انتهى. ص: "وإن غائب" ش: يعني أن حكم الغائب في الطلاق بعدم النفقة كحكم الحاضر قال في التوضيح: وهو المشهور وقال القابسي: لا يطلق على غائب لأنه لم يستوف حجته وعلى الأول فلا بد أن تثبت الزوجية وأنه قد دخل بها أو دعا إلى الدخول والغيبة بحيث لا يعلم موضعه أو علم ولم يمكن الإعذار إليه فيه وأما إن علم وأمكن الإعذار إليه فإنه يعذر إليه ولا بد أن تشهد لها البينة بأنها لا تعلم أن الزوج ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئا يعدى فيه بشيء من مؤنتها ولا أنه بعث إليها بشيء وصل إليها في علمهم إلى هذا الحين ثم بعد ذلك يضرب لها أجلا على حسب ما يراه كما تقدم ثم يحلفها على ما شهدت لها البينة وحينئذ إن دعت إلى الطلاق طلقها هو أو أباح لها التطليق كما تقدم انتهى. ونقل ابن عرفة نحو ما تقدم عن المتيطي ونصه وعلى الأول يعني القول الأول قال المتيطي: تثبت غيبته ببينة تعرف غيبته واتصال زوجيتهما وغيبته بعد بنائه أو قبله بموضع كذا أو بحيث لا يعلمون منذ كذا ولا يعلمون ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئا تعول به نفسها ولا تعدى فيه بشيء من مؤنتها ولا أنه آب إليها ولا بعث بشيء ورد عليها في علمهم إلى حين التاريخ ثم يؤجله القاضي في الإنفاق عليه شهرا أو شهرين أو خمسة وأربعين يوما فإذا انقضى ولا قدم ولا بعث بشيء ولا ظهر له مال ودعت إلى النظر لها أمر بتحليفها بمحضر عدلين كما تجب في صفة الحلف أنه ما رجع إليها زوجها المذكور من مغيبه الثابت عند الحاكم إلى حين

(5/565)


------------------------------
حلفها ولا ترك لها نفقة ولا كسوة ولا وضعت ذلك عنه ولا وصل إليها شيء منه إلى الآن فإذا ثبت عند القاضي حلفها طلقها عليه.
قلت: ولابن سهل في بكر قام أبوها بتوكيلها إياه قبل البناء بذلك أفتى ابن عات أنها تحلف فإذا حلفت طلقت نفسها وأفتى ابن القطان لا يمين عليها ولا على أبيها ولها أن تطلق نفسها وأفتى ابن رشيق فقيه المرية بحلفها وزاد فيه أن زوجيتهما لا تنقطع ابن سهل زيادة هذا في يمينها لا أعلمه لغيره وقول ابن القطان: "لا يمين عليها ولا على أبيها" لا وجه له وقد تقرر من قول ابن القاسم وغيره أن السفيه يحلف في حقه ابن الحاجب: حكم الغائب ولا مال له حاضر حكم العاجز ابن عبد السلام: يعني أن الغائب البعيد الغيبة وليس له مال أو له ولا يمكنها الوصول إليه إلا بمشقة حكمه حكم الحاضر العاجز.
قلت: قوله: "إلا بعد مشقة" خلاف ظاهر أقوالهم أنه لا يحكم لها بطلاقها إلا إذا لم يكن له مال بحال دون استثناء وما تقدم لابن سهل في فتاويهم من قولهم: طلقت نفسها خلاف ما تقدم للمتيطي من قوله: طلقها القاضي عليه انتهى.
تنبيه: علم من كلام ابن عرفة هذا أنه يطلق على الغائب بعدم النفقة ولو كانت غيبة قبل البناء وقد جلب البرزلي من ذلك مسائل في أوائل مسائل الطلاق فانظره وقد تقدم في أوائل النفقات في باب المفقود ما يقوي ذلك فلا يتمسك بما يعطيه ظاهر كلام التوضيح والله أعلم. وظاهر ما تقدم عن التوضيح وغيره أنه إذا لم تقم للزوجة بينة بشيء من ذلك لا يحكم لها القاضي وقال البرزلي خلاف ذلك في أواخر مسائل النكاح ما نصه وسئل اللخمي عمن شهد لها نحو العشرين أو الخمسة عشر أن زوجها فلان وقد غاب لناحية سجلماسة ويخاف ضياعها وليس لزوجها مال ولا يوجد من يشهد بنكاحهما إلا من تقدم ولم يوجد فيهم عدل وهي تحب الفراق فهل يثبت به الزوجية ويجب الفراق وهل يكون الحكم واحدا ولو كانت مدينة فيها من العدول كثير أو الواحد خاصة أو لا يكون شيء وفي شهادة من تقدم أن المرأة ليس لها ولي وفي انتقال أملاك الرباع وبيعها على من يجب بيعها عليه بما تقدم فأجاب للمرأة القيام بالطلاق بمن ذكرته ولو عدمت البينة ومن يشهد لها بالزوجية وأقرت أن فلانا زوجها لكشف القاضي عنه بقولها وسئل عن هذا الاسم في البلد وما قرب منه فإن لم يجده حكم لها بالطلاق بعد تحليفها أنه لم يكن لها منه نفقة ويحكم عليه بالطلاق متى جاء وأقر بالزوجية وإن أنكر الزوجية لم يضره ما وقع ويكتب في الحكم رفعت إلى فلانة بنت فلان وأقرت بالزوجية لفلان فكشفت عنه فلم أجده ولم أجد أحدا يعرفه فحلفتها وحكمت بالطلاق إن ثبت أو أقر أنه زوج لها والمدن والقرى في هذا سواء وشهادة من ذكرت بأنه لا ولي لها ماضية وللقاضي تزويجها والأمر فيه خفيف لأن القاضي وليها وإن كان هناك غيره إذا زوج

(5/566)


------------------------------
الثيب مضى. والبكر إذا لم يكن لها ولي تزوج ومثله لا يخفى وأما شهادة هؤلاء في الرباع فلا أتقلد فيها شيئا وقد سئلت عنها غير مرة فلم أجب بشيء والضرورة لها حكم وقول غير العدول كلا شيء وسئل السيوري عن المرأة تأتي وتذكر أن لها زوجا أو لابنتها وقد غاب ولم يخلف شيئا ولم يكن له شيء يعدون فيه بالنفقة ولا يعرف ذلك إلا من قولها وتكلف بالبينة فتعجز عن إثباته وربما ذكرت غريبا أي أن الزوج غريب وربما أتت ببينة غير ثقات من سوقه أو غيره ولا تقدر على أكثر من ذلك فإن أفتيت بأعمال هؤلاء فهل أسميهم بأسمائهم أو أقول ثبت عندي ما أوجب الفراق أو قبول قولها وربما لم يوجد على توكيل الأم بينة إلا بقولها؟ فأجاب: إن كان الزوج معروفا ولم تعرف غيبته كلف القاضي رجلين يكشفان عنه وسئل جيرانه ومن يخالطه أو أقاربه عن الموضع الذي غاب إليه فإن لم يكن أو لم يعلم حيث توجه حلفت الزوجة أنه لم يخلف شيئا وإن أقرت بشيء حلفت أنه لم يخلف سوى ما اعترفت به ولم يصل إليها شيء من قبله وطلق عليه ولو كان غير معروف سئلت المرأة عن صنعته ومن يعرفه فيسألون نحو الأول وإن لم يكن له صنعة ولا من يخالطه كشف العدلان عن ذلك الاسم وعن تلك الصفة هل هي بالبلد فإن لم توجد طلق عليه بعد يمين المرأة كما مر ويذكر القاضي فيما يشهد به إنه رفعت إليه تلك المرأة ويذكر أمرها وذكرت أن لها زوجا اسمه وصفته كذا وذكرت أنه غائب عن البلد وأنه خلفها على عدم النفقة وطلق عليه فإن أتى الرجل واعترف بالزوجية وقع الطلاق موقعه وإن أنكر لم يضر ذلك وسئل المازري عن امرأة طارئة من المغرب تذكر أن زوجها تخلف في الطريق قبل وصوله إلى بجاية وأرادت أن تطلق عليه وتأتي بشهود صحبتها لا يعرفونفأجاب لا يصح الحكم على زوج هذه المرأة بالفراق الآن لاعترافها بالزوجية وبقاء العصمة وادعت غيبته فصارت مقرة بالعصمة مدعية ما يوجب زوالها وعلى الطريقة الأخرى لا تؤخذ بأكثر مما أقرت وقد زعمت وجها يوجب الفراق فورا لأنها ذكرت أنه فارقها قبل وصوله بجاية ومن الممكن أن يكون زوجها أخذ طريقا آخر قادما لهذا البلد طالبا لزوجته وقد عاقه عائق عن الوصول فالواجب تسميته والبحث عن اسمه الذي تذكر في المواضع القريبة حتى يعلم أنه ليس بالقرب ليعذر إليه وأنه لا شيء له ينفق عليها منه فينظر حينئذ بالفراق منه بالواجب والشهود غير المقبولين لا يعول عليهم والقول على إقرارها وفيه ما ذكرنا عن المذهبين.
قلت: الأصل الذي أشار إليه هو تبعيض الدعوى وإجمالها فابن القاسم يبعض الدعوى فيصيره مقرا مدعيا وأشهب لا يؤاخذه ولا بجملة كلامه وسئل ابن حبيب عن المرأة تقدم المدينة مع الحاج وتقول خفت العنت وأردت التزويج ولا يعلم هل لها زوج أم لا إلا من قولها وهي من ذوات القدر والأولياء هل يزوجها السلطان أم لا فأجاب تزوج ولا تطلب بينة بأنها لا زوج لها إذا كانت غريبة بعيدة الوطن وأحب السؤال لأهل معرفتها وبلدها ممن معها

(5/567)


------------------------------
في الرفقة سؤالا من غير تكليف شهادة فإن استراب ترك تزويجها وإلا زوجها وليست كمن مكانها قريب قال ابن فرحون: كلام ابن حبيب أصل مذهب مالك لما يتقى من زوج يكون لها فإذا ظهر خلاف قولها لم يزوجها وبيان ذلك الرجل يأتي بامرأة ومعه صداق فيقول: اشهدوا علي بما في هذا الصداق أنه حق قبلي لزوجتي هذه وقد ضاع صداقها فقال مالك: إن أتى بشاهدين عدلين على أصل الزوجية بينهما فليشهد الشهود الذين أشهدهم على نفسه وإن لم يأت بهم لم يقبل منه كيلا يكون نكاح بغير ولي وهذا في غير الغرباء قاله مالك في الديات من المدونة: وانظر هل يؤخذ ذلك من أول كتاب القذف من المدونة: أو من غيره وذكر مسألة ابن حبيب في المسائل الملقوطة عن الواضحة وقال فيها: سئل مالك عن المرأة تقوم مع الحاج من المغرب إلى آخره وقال في آخره ليست هذه كالحضرية ولا التي مكانها قريب انتهى.
ومن البرزلي قال الغرناطي في وثائقه في تجديد الصداق: يذكر إشهاد الزوج على نفسه أن زوجته ذكرت له تلف صداقها وسألته تجديده وأجابته إلى ذلك وإقراره بما بقي عليه فيه وتضمنه معرفة الزوجية واتصالها إلى حين الإشهاد في غير الغريبين ويذكر إشهاد المرأة على نفسها أنه لم يكن لها في التالف غير ما ذكر وسئل أبو عمران عن المرأة تقدم بلدا ولا يدري من أي موضع قدمت ولا من هي وتطلب التزويج فهل يزوجها السلطان بغير إثبات موجب وكذا لو زعمت أنه كان لها زوج مات عنها أو طلقها فأجاب إن كان البلد قريبا كتب إليه وإن كان بعيدا يتعذر وصول الجواب أو يكون بعد أزمنة طويلة خلى بينها وبين ما تريده إن لم يتبين كذبها وسئل الصائغ عن طارئة على بلد تأتي لقاضيه فتذكر أن لها زوجا غاب عنها في بلدها غيبة منقطعة وأخرجت صداقها مجهول الشهود واسم زوج مجهول ولا يعرف صدقها من كذبها وقد شكت الضيعة وأنها إن بقيت خافت على نفسها وحالها الفقر فهل تطلق عليه بما تقدم جوابها للمازري كذا في هذا الأصل الذي اختصرت منه قال ينظر في حالها ويتثبت فيه ويتلوم حتى يؤنس معرفة صدقها أو كذبها من حال الزوج ومكانه ولا مال له أو يثبت كونها طارئة من مكان بعيد يتعذر كشف حال زوجها فتحلف اليمين الواجبة في هذا وعلى صدقها مما ذكرت ويوقع الطلاق بشرط أن يقال إن كان الأمر كما ذكر لي انتهى. بلفظ وقال ابن فرحون في الفصل التاسع من القسم الأول من الركن السادس في الحكم المعلق على شرط صدق المدعي ما نصه.
مسألة في الحاوي في الفتاوى لابن عبد النور قال: سئل المازري عن امرأة مجهولة طارئة على بلد قامت على قاضيه فذكرت أن زوجها غاب عنها في بلدها غيبة منقطعة ولا يعلم صدقها من كذبها وشكت المضيعة فما ترى في أمرها هل تطلق وتزوج أم لا؟ فأجاب: تثبت في أمرها حتى يؤيس من العثور على صدقها من كذبها أو تثبت كونها طارئة من بلد بعيد

(5/568)


------------------------------
يتعذر معه الكشف عن حال الزوج فتستحلف حينئذ اليمين الواجبة في مثل هذا وأنها صادقة فيما ذكرت ويوقع الطلاق عليها ويكتب لها الحاكم أنه أوقع عليها الطلاق بشرط أن يكون الأمر كما ذكرت انتهى. فانظر هذا كله فإنه يقتضي أنه لا يحتاج إلى البينة إذا تعذرت وأن القاضي يطلق على الغائب ولو كانت المرأة طارئة وأن سفرها بعد زوجها حين لم يترك لها نفقة لا يكون نشوزا وأما لو سافرت بغير إذنه لكان نشوزا وكذلك لو طلبها بالسفر معه وكان صالح الحال معها فامتنعت من السفر معه فإن ذلك يكون نشوزا قاله ابن الجلاب في كلامه على النفقة وغيره وانظر الشيخ أبا الحسن في النكاح الثاني والجزولي عند قول الرسالة ولا نفقة للزوجة حتى يدخل بها أو يدعى إلى الدخول وتقدم عن المسائل الملقوطة عند قول المصنف في باب النكاح في تعدد الأولياء "فحاكم" فأنظره والله أعلم.
فرع: فإذا لم يكن حاكم فإنها ترفع للعدول قال المشذالي في أول كتاب الصلح في خروج أحد الغريمين لاقتضاء دين لهما وأعذر إليه في الخروج وأشهد أنه يكفي الإشهاد ما نصه جعل هنا جماعة العدول تقوم مقام السلطان ولو كان هناك سلطان ومثله في أواخر النذور فيمن حلف ليقضين إلى أجل كذا ومثله في الرواحل في هروب الجمال ومثله لابن مغيث في المرأة يغيب عنها زوجها أنها تثبت عند العدول ما تثبت عند القاضي فتطلق نفسها وذكر أبو عمران وابن مغيث تعذر تناول السلطان المشذالي: هكذا وقع هذا كما رأيت والذي حكاه الشيخ أبو الحسن هو إن قال ما ذكره ابن مغيث في مسألة الزوجة وما ذكره أبو عمران من أن جماعة العدول تقوم مقام الإمام في المحارب وفي القصاص إنما ذلك حيث يتعذر تناول السلطان المشذالي: وهو كلام واضح يوضح الكلام الأول انتهى. ومثله فسخ البيع الفاسد انظر شرح ابن جماعة وكلام أبي الحسن الذي أشار إليه هو في كتاب المكاتب ونصه بعد أن ذكر عن أبي عمران أن المكاتب إذا بعث لسيده بكتابته فلم يقبلها لا يخرج من الرق حتى يقضي عليه القاضي بذلك إلا أن يكون ببلد لا حكم فيه فليشهد ويكون ذلك كالحكم الشيخ انظر جعل أبي عمران هذا الإشهاد مقام الحكم وكذلك في المحارب وكذلك في الديات وإذا ترك بنتا وعصبة فاختلفا ولا إمام وذكر ابن يونس في كتاب الحمالة أن جماعة العدول تقوم مقام الإمام انتهى. وقال البرزلي في أثناء مسائل الأقضية سئل السيوري عمن غاب إلى مصر وله زوجة لم يخلف لها نفقة إلا ما لا يفي بصداقها وليس في البلد قاض وربما كان فيه أمير من قبله فحلف بالمشي إلى مكة أنه لا يحكم فيه ولا ينظر في طلاق وربما كان بين البلد والأمير نحو ثمانية أميال والخوف بينهم عام وربما انجلى الخوف في بعض الأوقات فهل تقوم الجماعة مقام القاضي في هذه النازلة وغيرها أو يجب على أمينه أن يحنث نفسه ويحكم أم لا جوابها إذا تحرج الناس لعدم القضاة أو لكونهم غير عدول فجماعتهم كافية في الحكم في جميع ما وصفته وفي جميع الأشياء فيجتمع أهل الدين

(5/569)


------------------------------
والفضل فيقومون مقام القاضي في ضرب الآجال والطلاق وغير ذلك قال البرزلي: قلت: تقدم أن الجماعة تقوم مقام القاضي مع فقده إلا في مسائل تقدم شيء منها انتهى. وانظر مسائل السلم من البرزلي والجهاد من المشذالي وقد ذكر بعض كلامه في الوصايا وفي باب الأقضية شيء من هذا والله أعلم.
مسألة: إذا قامت المرأة بالطلاق لعدم النفقة في غيبة الزوج فتطوع بها متطوع فذكر المشذالي في حاشية المدونة: في كتاب الإجارة في ذلك قولين ونصه في شرح قول المدونة: ولو تطوع رجل بأدائها لم يفسخ.
قلت: ويؤخذ من هنا ما نص عليه أبو بكر بن عبد الرحمن في مسألة اختلف فيها مع ابن الكاتب رأيناها في حاشية نسخة من نوازل ابن رشد ونصها: سئل عن رجل غاب عن زوجته فقامت المرأة وادعت أنه لم يترك لها زوجها شيئا ورفعت أمرها إلى السلطان وأرادت الفراق إذا لم يترك لها زوجها نفقة ثم إن رجلا من أقارب الزوج أو أجنبيا عنه قال لها: أنا أؤدي عنه النفقة ولا سبيل لك إلى فراقه فقال ابن الكاتب لها أن تفارق لأن الفراق قد وجب لها وقال ابن عبد الرحمن لا مقال لها لأن عدم النفقة الذي أوجب لها القيام قد انتفى.
قلت: وقد أشار ابن المناصف إلى هذا فقال ما حاصله: قيام الزوجة في غيبة زوجها على وجهين: أحدهما: لترجع بما تنفق عليه وفائدته قبول قولها من حين الدفع الوجه الثاني: لتطلق نفسها لعدم الإنفاق فإذا أثبتت الزوجية والمغيب ولم يترك لها شيئا ولم يخلف ما يعدى فيه ولم يتطوع بالنفقة عنه ودعت إلى الطلاق إلى آخره فظاهره أن التطوع بإجراء النفقة يسقط مقالها كقول ابن عبد الرحمن وهو الذي تقتضيه المدونة: في النكاح الثاني في قوله إلا أن يتطوع الزوج بالنفقة انتهى. بلفظه.
فرع: قال في أحكام ابن سهل في أول القضاء في مسائل الغائب ما نصه: مملوكة غاب سيدها وأثبتت عدمه في ملكه لها وأنه لم يخلف عندها شيئا ولا بعثه إليها ولا مال لها تنفقه ولا له مال تعدى فيه في علم من شهد بذلك فأفتى ابن عتاب وابن القطان بأمر القاضي ببيعها ويقبض ثمنها للغائب ويوقفه عند ثقة انتهى. ونقله ابن فرحون في تبصرته في الفصل الخامس في التنبيه على أمور تتوقف سماع الدعوى بها على إثبات فصول انتهى.
تنبيه: قوله: "ولا لها مال تنفقه" يدل على أنه إذا كان لها خراج عليها الأكل منه فإنها لا تباع وتأكل من خراجها وقال في معين الحكام في كتاب الأقضية إثر كلام ابن سهل المتقدم ما نصه:
تنبيه: ينبغي للحاكم أن يكلفها أنها عاجزة عن استعمالها فيما يستعمل فيه مثلها لتنفق

(5/570)


وله الرجعة إن وجد في العدة يسارا يقوم بواجب مثلها ولها النفقة فيها وإن لم ترتجع وطلبه عند سفره بنفقة مستقبل ليدفعها لها أو يقيم لها كفيلا،
------------------------------
منه على نفسها وقال ابن عتاب: مثله في أم الولد التي غاب عنها سيدها والمملوكة أحرى انتهى. وقال في التوضيح:
فرع: ولو كانت المرأة أم ولد غاب عنها سيدها وأثبتت مغيبه فإن الحاكم يتلوم لسيدها الشهر ونحوه ثم ينجز عتقها على الغائب هكذا قال ابن عتاب والقرشي وروى ذلك ابن زياد وقال ابن الشقاق وابن العطار: لا تعتق وتسعى في معاشها وبه قال ابن القطان قال: وتبقى حتى يصح موت سيدها أو ينقضي تعميره ابن سهل والأول هو الصواب واحتج الأولون بقول أشهب إذا عجز الرجل عن نفقات أمهات أولاده أهن بمنزلة أزواجه إذا لم يقم بأمرهن فيضرب له أجل شهر ونحوه فإن وجد لهن أدنى ما يكفي وإلا أعتقن عليه ابن سهل قلت لابن عتاب: هل عليها عدة إذا حكم بعتقها قال: تعتد بحيضة قلت: وهل عليها يمين أن سيدها لم يخلف عندها شيئا ولا أرسل إليها شيئا كما يلزم زوجة الغائب قال لا يمين عليها وبذلك أفتيت لطول أمد المغيب انتهى. وقال ابن عرفة ومن أعسر بنفقة أم ولده فقيل: تزوج ولا تعتق وقيل تعتق وكذا إن غاب سيدها ولم يترك لها نفقة وانظر تمامه فيه ثم قال الصقلي عن بعض القرويين: إن لم يكن في خدمة المدبر ما يكفيه في نفقته أو أعسر السيد بها عتق عليه انتهى. وانظر ما حكم المعتق إلى أجل والظاهر أنه مثله والله أعلم.ص: "وله الرجعة إن وجد في العدة يسارا" ش: فإن لم يجد فلا رجعة له فلو رضيت الزوجة بالرجعة مع عدم اليسار كانت رجعة قاله في الواضحة وغيرها وقال سحنون في السليمانية لا تصح الرجعة انتهى. من التوضيح.
فرعان: الأول: قال في التوضيح: ولم يتعرض ابن الحاجب لقدر الزمان الذي إن أيسر به كانت له الرجعة واختلف في ذلك ولابن القاسم وابن الماجشون: إن أيسر بنفقة الشهر وإلا فليس له الرجعة وفي كتاب ابن مزين: قوت نصف شهر فأكثر وعن ابن الماجشون: إذا وجد ما لو قدر عليه أو لا لم يطلق عليه قال ابن عبد السلام: وينبغي أن تتنزل هذه الأقوال

(5/571)


وفرض في مال الغائب وضيعته ودينه،
------------------------
على ما إذا ظن مع ذلك أنه يقدر على مداومة النفقة في المستقبل وقبله في التوضيح.
الثاني: قال في التوضيح: قال في البيان: إذا قدر أن يجريها مياومة وكان يجريها قبل الطلاق كذلك فله الرجعة وإن كان يجريها قبل الطلاق مشاهرة فاختلف في ذلك فقيل له الرجعة وقيل لا انتهى. ص: "وفرض في مال الغائب" ش: قال الشارح في الكبير: قال فيها يعني المدونة: ولا يفرض على الغائب النفقة لزوجته إلا أن يكون له مال يعدى فيه انتهى. وقوله: "يعدى" قال أبو الحسن الصغير: قال عياض: في المشارق: والاستعداء طلب النصرة وقيل: طلب الإعانة ومعناه يحكم انتهى. من كتاب الزكاة الأول وكلام المدونة: هو في أواخر النكاح الثاني وقد يتبادر منه أنه إذا لم يكن للغائب مال يعدى فيه لا يفرض الحاكم لها النفقة عليه ولو علم أنه مليء في غيبته كما نبه على ذلك ابن عرفة وسيأتي كلامه وليس كذلك إن علم أنه موسر في غيبته فرض لها عليه وإن علم عسره أو جهل أمره لم يفرض لها عليه قال في العتبية في آخر رسم من سماع يحيى من طلاق السنة وهو رسم أول عبد ابتاعه قال وسألته عن الرجل يغيب عن أهله وله أولاد صغار في حجر أمهم تلزمه نفقتهم فإذا قدم ادعت امرأته وهي أمهم أنها أنفقت عليهم من مالها أيلزمه ذلك أم يبرأ بمثل ما يبرأ به من نفقتها إذا زعم أنه كان يبعث بها إليها ولا يكون لها عليه شيء إلا أن ترفع أمرها إلى السلطان قال حالها فيما تدعي من الإنفاق من مالها بمنزلة ما تدعي أنها أنفقت على نفسها إذا لم ترفع ذلك إلى السلطان حتى يقدم لم تصدق وإن رفعت ذلك إلى السلطان فرض لها ولهم وحسبه لها عليه من يوم يفرضه وكان لها دينا تتبع به قال ابن رشد: قوله: "إن الرجل يبرأ من نفقة ولده الذي في حجره مع زوجته أمهم بما يبرأ به من نفقة زوجته" صحيح لأنه مؤتمن على ذلك وأما قوله: "وإن رفعت ذلك إلى السلطان فرض لها ولهم" قوله فمعناه إذا عرف ملأوه في غيبته وذلك أنه لا يخلو في مغيبه من ثلاثة أحوال.
أحدها: أن يكون معروف الملأ.
والثاني: أن يكون معروف العدم والثالث أن يكون حاله مجهولة إذا كان معروف الملأ فإن النفقة تفرض لها عليه على ما يعرف من ملئه فتتبعه بذلك دينا ثابتا في ذمته هذا معنى

(5/572)


-----------------------
قول ابن القاسم هنا ونص قول ابن حبيب في الواضحة وظاهر قوله فيها أنه لا خيار للمرأة في فراقه كما يكون ذلك لها في المجهول الحال ومعنى ذلك إذا كان لها مال فتنفق منه على نفسها وما لم تطل إقامته عنها على ما مضى في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم وفي رسم شهد من سماع عيسى وأما إن كان معروف العدم فلا يفرض لها السلطان إذ لا يجب على المعدم لامرأته عليه نفقة ويفرق السلطان بينهما بعد التلوم وإن أحبت الصبر عليه كتب لها كتابا بذلك اليوم من ذلك الشهر أنها قامت عنده عليه طالبة لنفقتها فإن قدم وعلم أنه كان له مال كان القول قولها إنها أنفقت على نفسها من ذلك اليوم إن ادعى أنه خلف عندها أو بعث إليها وأما إذا كان مجهول الحال لا يعرف ملؤه في غيبته من عدمه فقال في المدونة: إن السلطان لا يفرض لها نفقة على زوجها في مغيبه حتى يقدم فإن كان موسرا فرض عليه نفقة مثله لمثلها وقال ابن حبيب في الواضحة: إنها إن أحبت الصبر عليه أشهد لها السلطان إن كان فلان زوج فلانة اليوم مليا في غيبته وجب عليه لامرأته فريضة مثلها من مثله وسيأتي في سماع أصبغ القول في فرض نفقة الأبوين وبالله عز وجل التوفيق انتهى. كلامه بلفظه ونقله في التوضيح باختصار ونصه في شرح قول ابن الحاجب: فإن كان له مال بيع وفرض منه.
فرع: وإن أحبت المرأة أن تفرض لها النفقة إذا لم يكن له مال حاضر فقال ابن القاسم: لا يفرض عليه شيء حتى يقدم إذا علم عدمه أو جهل أمره وفي البيان عن ابن حبيب: إذا أحبت الصبر عليه أشهد السلطان عليه إن كان فلان زوج فلانة اليوم مليا في غيبته فقد أوجبت عليه فريضة مثلها من مثله أما إن علم أنه موسر فإنه يفرض لها نفقة مثلها قال في الموازية: وتداين عليه ويقضى لها انتهى ونقل ابن عرفة من كلام ابن رشد الحالة الثالثة فقط وهي ما إذا جهلت حاله فقط وأما إذا عرف ملؤه أو عدمه فنقله عن المتيطي وحكى عنه فيما إذا علم عدمه قولين ونص كلامه وفيها لا يفرض على الغائب النفقة لزوجته إلا أن يكون له مال تعدى فيه.
قلت: ظاهره إن لم يكن ذلك لم يفرض وقال المتيطي: إن علم أنه مليء في غيبته فرض لها القاضي نفقة مثلها وكان دينا لها عليه تحاص به غرماءه وإذا قدم أخذته به وإن كان معدما في غيبته فالمشهور لابن القاسم أنه لا يفرض لها وقال في الموازية: تداين عليه ويقضى لها. قلت: فهذا يؤدي إلى وجوبها على المعسر.
قلت: ولابن رشد في آخر مسألة من سماع يحيى من طلاق السنة إن جهل ملؤه من عدمه ففيها لا يفرض لها السلطان عليه نفقة حتى يقدم فإن كان موسرا فرض لها وقال ابن

(5/573)


-----------------------
حبيب: إن أحبت الصبر أشهد لها السلطان إن كان فلان زوج فلانة اليوم مليئا في غيبته فقد أوجبنا لها عليه فريضة مثلها من مثله انتهى.
تنبيهات: الأول: ما حكاه المتيطي عن الموازية من أنها تتداين عليه ويقضى لها في مسألة ما إذا علم عدمه في غيبته وجعله قولا ثانيا مخالف لما تقدم في كلام التوضيح من أن كلام الموازية المذكور من تتمة القول بفرض النفقة لها عليه في مسألة ما إذا علم ملؤه في غيبته ولهذا استشكله ابن عرفة بقوله قلت: هذا يؤدي إلى وجوبها على المعسر فتأمل ذلك والله أعلم.
الثاني: علم من كلام العتبية المتقدم وتسليم ابن رشد له بما شرحه به أن نفقة الولد تفرض على الولد في غيبته إذا كان موسرا والله أعلم.
الثالث: ما أشار إليه ابن رشد في آخر كلامه في القول في فرض النفقة على الأبوين وأنه في سماع أصبغ ذكره في رسم الأقضية من سماعه من كتاب طلاق السنة ولا بأس بذكره ليستفاد به مع ما تقدم حكم فرض النفقة على الغائب للزوجة والولد والأبوين ونصه قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الذي يغيب ويحتاج أبواه أو امرأته وله مال حاضر فيرفعانه إلى السلطان قال يباع ماله وينفق عليهن فإن لم يكن له مال أيؤمران أن يتداينا عليه ويقضى لهما بذلك قال أما الزوجة فنعم وأما الأبوان فلا لأنهما لو لم يرفعوا ذلك حتى قدم فأقر لهم جميعا بذلك غرم للمرأة ولم يكن عليه أن يغرم ذلك للأبوين وإن أقر لهما لأن المرأة نفقتها عليه موسرة كانت أو معسرة والمرأة تحاص الغرماء إذا رفعت ذلك وكان يوم أنفقت موسرة والأبوان ليسا كذلك وقال أصبغ فنفقة الأبوين لا تجب إلا بفريضة من سلطان حتى يجدهما يستحقانها ويجد له ما لا يعديهما فيه وإلا فلا قال ابن رشد: قوله: "إن مال الغائب يباع في نفقة أبويه" هو مثل ما في كتاب إرخاء الستور من المدونة: وكان الشيوخ يفتون أن أصول الغائب لا تباع في نفقة أبويه بخلاف زوجته ويتأولون أن المراد بمال الغائب الذي يباع في نفقة أبويه عروضه لا أصوله والفرق عندهم في ذلك بين نفقة الزوجة ونفقة الأبوين أن نفقة الزوجة واجبة حتى يعلم سقوطها ونفقة الأبوين ساقطة حتى يعلم وجوبها بمعرفة حياته وأنه لا دين عليه يغترق ماله وكان القياس أن لا تباع عليه أيضا عروضه في مغيبه لاحتمال أن يكون حين الحكم عليه بذلك ميتا وأن يكون عليه دين يغترق عروضه إلا أن ذلك في العروض استحسان وبهذا المعنى فرقوا أيضا بين نفقة الزوجة والأبوين في أن الأبوين لا يفرض لهما النفقة عليه في مغيبه وإن كان موسرا إذا لم يكن له مال حاضر ولا يؤمران أن يتداينا عليه فإن فعلا لم يلزمه من ذلك شيء بخلاف الزوجة في ذلك كله ويلزم على الفرق الذي ذكرناه لو كانت النفقة قد فرضت لهما عليه قبل مغيبه فغاب وترك أصوله أن تباع عليه في

(5/574)


-----------------------
نفقتهماوقوله: "إن المرأة تحاص الغرماء بما أنفقت من يوم رفعت إذا كان يوم أنفقت موسرا" يدل على أنها لا تحاص إلا في الدين المستحدث مثل قول سحنون في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم وقد مضى بيان ذلك هناك والله أعلم.وبالله التوفيق انتهى. واقتصر ابن عرفة على نقل كلام العتبية فقط وأتى به استشهادا على مسألة سئل عنها ابن رشد وهي من أنفق على أبويه وله إخوة فأراد الرجوع على إخوته بما ينوبهم وسيأتي كلامهما عند قول المصنف: "وهل على الرؤوس أو الإرث" والله أعلم.وقال في أحكام ابن سهل في القضاء في مسائل الغائب رجل غاب منذ عشرين عاما وأثبت أبوه أنه فقير عديم وأن له دارا ودعا أن تباع وينفق عليه من ثمنها فأفتى ابن عات لا سبيل إلى بيع هذه الدار بسبب الأب الطالب للنفقة وهو مما لا اختلاف فيه وكان ابن مالك وابن القطان قد ماتا وأفتى غيره يجب بأن يحلف الأب ما له مال معلوم وأنه لفقير عديم وتباع الدار وينفق من ثمنها على الأب وزوجته وقال بعضهم يمين الأب في هذا مختلف فيها وذكر ابن العطار أن ابن لبابة أفتى بهذا ثم تكلمت فيها مع ابن عتاب فقال لي هذه الأجوبة كلها خطأ ولا نفقة للأب إلا بعد ثبوت حياة الابن وبتيقن ذلك قد يكون غنيا أو مديانا قال ولا حجة بما في طلاق السنة من إيجابه الإنفاق من مال من فقد على زوجه وبنيه لأن نفقة هؤلاء قد كانت لزمت المفقود إذا كان حاضرا فلا ترتفع عنه إلا بصحة وفاته ولو باع الحاكم دار الغائب قبل صحة حياته وأنفق على الأب ثمنها لزمه الغرم لأنه من الخطأ الذي لا يعذر فيه ولكني أرى أن تكرى الدار ويعطى للأب ما يرتفق به استحبابا على سبيل السلف ويخص ذلك بالتسجيل انتهى.
وفي نوازل ابن رشد في آخر كتاب الأنكحة أنه سئل عما ذكره ابن سهل يعني كلامه المتقدم فأجاب إنما حكى ذلك يعني ابن سهل عن الشيخ محمد بن عتاب وهو صحيح لأن نفقة الأبوين قد كانت ساقطة عنه ولا تجب عليه لهما حتى يطلباه بها فإذا غاب عنهما لم يصح أن يحكم لهما عليه في مغيبه وتباع عليه فيها أصوله لاحتمال أن يكون في ذلك الوقت قد مات أو قد استدان من الديون ما يستغرقها أو يكون أحق بها من نفقتهما وذلك بخلاف نفقة الزوجة والفرق بينهما أن نفقة الأبوين ساقطة حتى يعلم وجوبها بمعرفة حياته وأنه لا دين عليه يغترق ماله وأن نفقة الزوجة واجبة حتى يعلم سقوطها بمعرفة موته أو استغراق ذمته بالديون وهذا من باب استصحاب الحال وهو أصل من الأصول يجري عليه كثير من الأحكام من ذلك الفرق بين من أكل شاكا في الفجر أو شاكا في الغروب والفرق بين من أيقن بالوضوء وشك في الحدث بعده وبين من أيقن بالحدث وشك في الوضوء بعده ومن ذلك مسألة كتاب طلاق السنة من المدونة: في المفقود يموت بعض ولده في تفرقته بين أن يفقد وهو حر أو يعتق بعد أن فقد ومثل هذا كثير وأما قوله: "إن الحاكم يضمن إن فعل لأنه من الخطأ الذي لا يعذر فيه" فليس بصحيح وإن كان الشيخ ابن عتاب قد قاله فإنما قاله انحرافا

(5/575)


وإقامة البينة على المنكر
-----------------------
لمخالفة من خالفه من أصحابه وأفتى ببيع أصول الغائب في نفقة الأبوين وإنما قلنا: إن ذلك ليس بصحيح لأن ابن المواز حكى الإجماع في ذلك وإن وجد في بعض المسائل الخلاف في ذلك فهو شذوذ خارج عن الأصول وما في إرخاء الستور منها وسماع أصبغ في العتبية من بيع مال الغائب ونفقة أبويه يحمل على ما عدا الأصول استحسانا أيضا على غير قياس لأن القياس على ما ذكرناه أن لا ينفق عليهما في مغيبه بشيء من ماله إذ لا يؤمن من أن يكون قد مات أو قد استدان من الديون ما هو أحق به من نفقة أبويه ولهذه العلة قالوا إن الغائب لا يؤخذ من ماله الناض الزكاة وبالله التوفيق انتهى.
فرع: ونقل البرزلي كلام ابن رشد هذا في مسائل الأنكحة ونقل ابن عرفة كلام المدونة: وكلام ابن سهل وابن رشد في كلامه على نفقة الوالدين من مختصره وكلام المدونة: المشار إليه في إرخاء الستور هو قبل ترجمة الحكمين بأسطر ونصه بعد أن ذكر نفقة الزوجة ونفقة الأولاد ونفقة الأبوين ويعدى على الغائب في بيع ما له للنفقة على من ذكرنا انتهى.
فرع: قال البرزلي في مسائل الأنكحة: وسئل المازري عمن أثبتت غيبة زوجها وعدم نفقته وأنه لا مال له سوى ربع وأمرت باليمين فحلفت ونودي على الربع واستقر على المشتري ولم ينعقد البيع فهل يعدى لها بالنفقة من يوم الحلف أو من الحكم بالبيع؟ فأجاب: الإعداء بالنفقة من يوم الحلف لا من يوم انعقاد البيع انتهى. وكررها في موضع آخر وقال عقيبها: قلت: تقدم أنه يفرض لها مما ذكرت أنه بيدها من يوم الرفع انتهى. ص: "وأقامت البينة على المنكر" ش: مفهومه أنه لو أقر لم يحتج لإقامة البينة وهو ظاهر كلامه في أواخر النكاح الثاني من المدونة: قال المشذالي وسحنون: إنه لا يقضى لها بما ذكره ابن سهل وابن رشد وهو أنه يقر للغائب بالدين ليوجب عليه خلطة ثم يدعي عليه بأكثر مما أقر به وقال ابن رشد في سماع يحيى من كتاب الشهادات: إذا أراد الموثق أن يحترز من هذا فيكتب أقر لفلان بدين بغير محضره انظر بقية كلامه ونقل ابن فرحون في آخر الفصل الخامس في التنبيه على أحكام يتوقف سماع الدعوى فيه على إثبات فصول أنه لا يكتفى بإقرار الخصم بالدين واقتصر على ذلك ونصه:

(5/576)


بعد حلفها باستحقاقها ولا يؤخذ منها بها كفيل وهو على حجته إذا قدم وبيعت داره بعد ثبوت ملكه وأنها لم تخرج عن ملكه في علمه ثم بينة بالحيازة قائلة هذا الذي حزناه هي التي شهد بملكها للغائب،
---------------------------
مسألة: قامت امرأة على رجل غائب تدعي عليه وذكرت أن للغائب دينا على رجل حاضر قد حل عليه وأحضرت العقد المكتوب على الغريم الحاضر فحضر غريم الغائب مجلس الحكم وأقر بالدين وبصحة العقد وأن الدين باق عليه للغائب وأثبتت عند الحاكم غيبة غريمها فأفتى ابن مالك وابن عتاب أن إقرار غريم الغائب لا يكتفى به وأن القاضي يلزم المرأة القائمة بإثبات العقد فإذا ثبت أمرها بالحلف في مقطع الحق مما يجب عليها أن تحلف ويتقاضى يمينها من يقدمه القاضي لذلك فإذا حلفت أمر غريم الغائب بإحضار ما عليه ويدفع للمرأة حقها وترجى الحجة للغائب وإن لم يكن الإعذار إليه انتهى. وما أفتيا به ونقل عن سحنون فالظاهر أنه مخالف للمشهور.فتأمله والله أعلم.ص: "وبيعت داره بعد ثبوت ملكه" ش: تصوره واضح مما تقدم عند قول المصنف: "وفرض في مال الغائب".
فرع: قال البرزلي في مسائل التفليس: يجب على من قام على غائب بدين إثبات الدين وملك الغائب وحيازته عن أمر القاضي وثبوت الحيازة عنده وغيبة المطلوب وأنه بعيد بحيث لا يعلم ثم يحلف أنه ما قبض دينه ثم يقضى له ببيع الملك ويقضى دينه وترجى الحجة للغائب فإذا قدم وأثبت أنه قضاه فلا سبيل إلى نقض مبيع الملك ويرجع على الطالب بما قبض من الدين وحكى التونسي في كتاب الاستحقاق أنه ينقض البيع ودفع الثمن للمشتري وفي العتق من الواضحة ما يدل على هذا في مسألة من أعتق له شركا في عبد قال البرزلي:
قلت: ومثل الأول للخمي في كتاب التخيير قال: ينفذ البيع إذا فات لأنه لم ينفذ إلا

(5/577)


وإن تنازعا في عسره في غيبته اعتبر حال قدومه وفي إرسالها فالقول قولها إن رفعت من يومئذ لحاكم لا لعدول وجيران وإلا فقوله
-------------------------
على الذمةوفي الطرر: إذا ادعى الراهن أنه دفع الدين وأنكر المرتهن فإن لم يشترط في العقد التصديق وأقام بينة على الدفع انتقض البيع وإن لم تقم بينة حلف المرتهن وينفذ البيع وإن نكل حلف الراهن لقد أوفاه وسقط الدين ونفذ البيع ويدفع المرتهن الثمن إلى الراهن وإن اشترط التصديق في العقد فله شرطه وينفذ البيع قاله ابن فتحون قال: وهو مثل ما ذكر التونسي وخلافه ما ذكر اللخمي انتهى. ص: "وإن تنازعا في عسره في غيبته اعتبر حال قدومه" ش: قال في الشامل: وإن تنازعا في عسره في الغيبة ولا بينة فثالثها لابن القاسم إن قدم معسرا صدق وإلا صدقت انتهى. فعلم أنه إنما يعتبر حاله إذا لم تكن بينة والله أعلم.وانظر رسم طلق من سماع ابن القاسم من طلاق السنة ص: "وفي إرسالها بالقول قولها إن رفعت من يومئذ لحاكم" ش: يعني وإن تنازعا في إرسال النفقة فإن رفعت المرأة أمرها لحاكم في غيبة الزوج فالقول قولها من يومئذ يعني من يوم الرفع قال ابن فرحون: الثالث يعني من الأقوال المشهورة لابن القاسم قال: إن رفعت أمرها إلى الحاكم فالقول قولها من يوم الرفع انتهى. والظاهر أن حكم الكسوة حكم النفقة والله أعلم.
تنبيه: قال أبو الحسن الصغير في أواخر كتاب النكاح الثاني: وهذا فيمن هي في العصمة وأما المطلقة الحامل فالقول قولها كان الطلاق بائنا أو رجعيا قاله ابن رشد انتهى. ص: "لا لعدول وجيران" ش: قال ابن عرفة: الذي استمر عليه عمل قضاة بلدنا أن الرفع إلى

(5/578)


كالحاضر وحلف لقد قبضتها لا بعثتها وفيما فرضه فقوله إن أشبه وإلا فقولها إن أشبه وإلا ابتدأ الفرض.
-------------------------
العدول كالرفع إلى السلطان والرفع إلى الجيران لغو ص: "كالحاضر" ش: يعني أن القول قوله مطلقا ص: "وحلف لقد قبضتها" ش: راجع إلى الغائب والحاضر قاله في التوضيح والشامل وغيرهما وقال في الشامل: ويعتمد في يمينه على كتابها أو رسولها انتهى. ونص كلامه في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وأما الحاضر فالقول قوله للعرف حكى في البيان الاتفاق على ذلك لأن العرف يشهد بصحة قوله ولا بد له من اليمين صرح بذلك صاحب الكافيوفي الطرر قال ابن رشد: إنما يصدق الرجل أنه دفع النفقة إذا ادعى بعد مضي المدة أنه كان ينفق عليها أو كان يدفع إليها نفقتها أو ما تنفق شيئا بعد شيء أو في جملة واحدة وأما إن ادعى أنه دفع إليها مائة دينار عن نفقتها فيما مضى وأنكرت ذلك فلا يصدق إجماعا وحكى ابن زرب خلافه وخطأه انتهى. كلام التوضيح ص: "وفيما فرضه فقوله إن أشبه وإلا فقولها إن أشبه" ش: فاعل: "فرضه" ضمير يعود إلى الحاكم أعم من أن يكون حاكمها هو الفارض أو حاكم غيره كذا ارتضاه في التوضيح واختلف هل هذا الحكم إذا قلنا فيما مضى وأما

(5/579)


وفي حلف مدعي الأشبه تأويلان.
--------------------------
المستقبل فالحكم فيه استئناف النظر من غير نظر قول مدعي الأشبه أو هذا الحكم مطلقا ذكره عياض ونقله في التوضيح ص: "وفي حلف مدعي الأشبه تأويلان" ش: التأويل بلزوم اليمين رجحه عياض وارتضاه ابن عبد السلام.
فرع: قال ابن فرحون تبعا لابن عبد السلام: ولو أقام أحدهما شاهدا بأن الحاكم فرض بينهما كذا وكذا فيجري على الخلاف في حكم القاضي هل يثبت بشاهد ويمين انتهى. قال أبو الحسن في شرح هذه المسألة في أواخر النكاح الثاني: ابن رشد: والمشهور أن حكم الحاكم في المال يثبت بالشاهد واليمين انتهى. وسيأتي الكلام على ذلك عند قول المصنف في باب القضاء "وشاهدين مطلقا" والله أعلم.

(5/580)


فصل في نفقة الرقيق والدواب الخ
إنما تجب نفقة رقيقه ودابته إن لم يكن مرعى وإلا بيع:
--------------------------
فصل
ص إنما تجب نفقة رقيقه ودوابه إن لم يكن مرعى وإلا بيع" ش: الحصر راجع إلى النفقة الواجبة بالملك وقوله: "تجب نفقة رقيقه" يريد وكسوته بالمعروف كما قاله في آخر سماع أشهب من كتاب الأقضية ونصه:
مسألة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف العبد من العمل ما لا يطيق" 1 قيل لمالك: افترى أن يقضي على مالكه ولا يكلفه من العمل ما لا
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب الأيمان حديث 41. الموطأ في كتاب الاستئدان حديث 40. أحمد في مسنده (2/247، 342).--

(5/580)


---------------------------
يطيق؟ فقال: نعم أرى أن يقضي بذلك عليهم ولا يكلفوا من العمل إلا ما يطيقون قال ابن رشد: الحديث هو حديث الموطأ من رواية أبي هريرة ومعنى: "بالمعروف" أي من غير إسراف ولا إقتار على قدر سعة السيد وما يشبه حال العبد أيضا فليس الوغد الأسود الذي هو للخدمة والحرث كالنبيل التاجر الفاره فيما يجب لهما على سيدهما من الكسوة سواء ويقضى للعبد على سيده إن قصر عما يجب له عليه بالمعروف انتهى. وقال الباجي في شرح الموطأ في كتاب الأقضية في نحر ناقة المزني يلزم الرجل أن لا يجيع رقيقه عن شبعهم الوسط أو يبيعهم انتهى.
فائدة: قال ابن رشد إثر كلامه المتقدم في بيان معنى المعروف في قوله في الحديث: "للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف" 1 وفي هذا دليل ظاهر على أن لا يلزم الرجل أن يساوي بين نفسه وعبيده في المطعم والملبس على ما ذهب إليه بعض أهل العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون" 2 وقد روي عن أبي اليسر الأنصاري وأبي ذر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما كانا يفعلان ذلك وهو محمول منهما على الرغبة في فعل الخير لا أن ذلك واجب عليهما إذا لم يقل صلى الله عليه وسلم أطعموهم مثل ما تأكلون واكسوهم مثل ما تكتسون وإنما قال: "مما تأكلون ومما تلبسون" فإذا أطعمه وكساه بالمعروف من بعض ما يأكل من الخبز والإدام ويلبس من الصوف والقطن والكتان فقد شاركه في مطعمه وملبسه وامتثل بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم وإن تفضل عليه في ذلك فلم يكن ملبسه مثل ملبسه ومطعمه مثل مطعمه سواء فعلى هذا تحمل الآثار ولا يكون بينها تعارض وقد سئل مالك في سماع أشهب
ـــــــ
1 نفس المصدر السابق.
2 رواه البخاري في كتاب العتق باب 15. مسلم في كتاب الزهد حديث 74. ابن ماجة في كتاب الأدب باب 10. أحمد في مسنده (4/36) (5/168، 173).

(5/581)


---------------------------
من كتاب الجامع: أيصلح أن يأكل الرجل من طعام لا يأكل منه عياله ورقيقه ويلبس ثيابا لا يكسوهم مثلها قال أي والله إني لأراه من ذلك في سعة فقيل له أرأيت ما جاء من حديث أبي الدرداء قال كان الناس يومئذ ليس لهم ذلك القوت انتهى. وقوله: "ودوابه إن لم يكن مرعى" يريد وكذلك إن لم يكن المرعى يكفيها قال في الجواهر ويجب على رب الدواب علفها أو رعيها إن كان في رعيها ما يقوم بها وقاله في التوضيح وغيره انتهى. وقال ابن فرحون وأما إن كان المرعى يكفيها فإنما يجب عليه أن يرعاها بنفسه أو بأجرة انتهى. وما ذكره المصنف وقاله في الجواهر نقله ابن عرفة عن أبي عمر ونقل عن ابن رشد ما يخالفه وناقشه في ذلك واستصوب ما قاله أبو عمر ولنذكر كلام ابن رشد من أصله ومناقشة ابن عرفة له.
قال ابن رشد إثر قوله المتقدم في العبد ويقضى للعبد على سيده إن قصر عما يجب له بالمعروف في مطعمه وملبسه بخلاف ما يأكله من البهائم فإنه يؤمر بتقوى الله في ترك ذلك عنها ولا يقض عليه بعلفها وقد روي عن أبي يوسف أنه يقضى على الرجل يعلف دابته كما يقضى عليه بنفقة عبده لما جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائط رجل من الأنصار فإذا فيه جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رق له وذرفت عيناه فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم سروه وذفريه حتى سكن ثم قال من رب هذا الجمل فجاء فتى من الأنصار فقال هو لي يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفلا تتقي الله في البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه" والفرق بين العبد والدابة أن العبد مكلف تجب عليه الحقوق من الجنايات وغيره فكما يقضى عليه يقضى له والدابة غير مكلفة لا يجب عليها حق لا يلزمها جناية فكما لا يقضى عليها لا يقضى لها انتهى. كلام ابن رشد بلفظه ونقله ابن عرفة برمته وقال بعده قلت: تعذر شكوى الدابة يوجب أحروية القضاء لها وذكر أبو عمر في العبد ما تقدم وقال ويجبر الرجل على أن يعلف دابته أو يرعاها إن كان في رعيها ما يكفيها أو يبيعها أو يذبح ما يجوز ذبحه ولا يترك يعذبها بالجوع قلت: ولازم هذا القضاء عليه لأنه منكر وتغيير المنكر واجب القضاء به وهذا أصوب من قول ابن رشد وقوله: "مسح سروه" أي ظهره الجوهري سراة كل شيء ظهره ووسطه والجمع سروات والذفر بالذال المعجمة الجوهري هو الموضع خلف أذن البعير أول ما يعرق منه انتهى. كلام ابن عرفة بلفظه والله أعلم. وقوله: "وإلا بيع" أي وإن لم ينفق على رقيقه أو على دابته حيث تلزمه النفقة عليهم فإنهم يباعون عليه يريد إلا الحيوان المأكول فإنه لا يتعين عليه البيع بل يخير بين الذبح والبيع كما تقدم في كلام أبي عمر وما قاله في الجواهر وغيرها ونص الجواهر إثر كلامه المتقدم فإن أجدبت الأرض تعين عليه العلف فإن لم يعلف أمر بأن يذبحها أو يبيعها إن كانت يجوز أكلها ولا يترك وتعذيبها بالجوع أو غيره انتهى.

(5/582)


كتكليفه من العمل مالا يطيق ويجوز من لبنها ما لا يضر بنتاجها،
---------------------------
فروع: الأول: نفقة العبد المشترك على قدر الأنصباء والمعتق بعضه كالمشترك والمدبر والمعتق إلى أجل كالقن والمخدم المشهور أن نفقته على من له الخدمة وقيل على سيده وقيل إن كانت الخدمة يسيرة فعلى السيد وإلا فعلى من له الخدمة انتهى. بالمعنى من ابن عرفة.
الثاني: قال ابن عرفة: قال ابن حارث: اختلف في الأمة المستحقة تكون حاملا ممن استحقت منه فقال ابن عبد الحكم: نفقتها على مستحقها وقال يحيى بن عمر: بل هي على من هي حامل منه وقول يحيى هذا جيد لأن الجنين حر.
قلت: الأظهر إن كان في خدمتها قدر نفقتها أنفق عليها منه انتهى.
الثالث: قال الشيخ يوسف بن عمر: من كان له شجر ضيعها بترك القيام بحقها فإنه يؤمر بالقيام فيها فإن لم يفعل فإنه مأثوم ولم نسمع أنه يؤمر ببيع ذلك إذا فرط فيه انتهى. وقاله الجزولي أيضا وزاد ويقال له ادفعها لمن يخدمها مساقاة لجميع الثمرة انتهى. والله أعلم.ص: "كتكليفه من العمل ما لا يطيق" ش: يعني أنه كما يباع عليه رقيقه ودوابه لعدم النفقة عليهم حيث تلزمه النفقة عليهم فكذلك يباعون عليه إذا كلفهم من العمل ما لا يطيقون وقوله: "ما لا يطيق" يريد ما لا يطيقه إلا بمشقة خارجة عن المعتاد لا ما لا يطيقه أصلا ولذلك قال مالك لا يكلف العبد الصغير الذي لا صنعة له الخراج لأنه لا يجد ما يخدم فيؤدي إلى أن يسرق وكذلك الأمة لأنه يؤدي إلى أن تسعى بفرجها وروي هذا عن عثمان كذا قال الجزولي في شرح قول الرسالة ولا يكلف من العمل ما لا يطيق وقال أيضا وسئل مالك هل للسيد أن يقيم عبده للطحن بالليل فقال إذ كان يخدم بالنهار فلا ينبغي لسيده أن يقيمه بالليل ليطحن إلا الشيء الخفيف وإن كان لا يخدم بالنهار يجوز ذلك انتهى. ونقله ابن عمر وقال لا يخدم بالليل إلا ما خف من الأعمال انتهى. والمسألة في كتاب الإجارة من المدونة: في ترجمة الأجير يفسخ إجارته في غيرها ونصها ومن آجر أجيرا للخدمة استعمله على عرف الناس من خدمة الليل والنهار كمناولته إياه ثوبه أو الماء في ليله وليس مما يمنعه النوم إلا في أمر يفرض مرة بعد المرة يستعمله فيه بعض ليلة كما لا ينبغي لأرباب العبيد إجهادهم فمن عمل

(5/583)


وبالقرابة على الموسر نفقة الوالدين المعسرين،
-----------------------
منهم في نهاره ما يجهده فلا يستطحن في ليله إلا أن يخف عمل نهاره فليستطحنه ليله إن شاء من غير إفداح ويكره ما أجهد أو قل منه انتهى.
تنبيه: قال في الجواهر: لا يتعين ما يضرب على العبد من خراج بل عليه بذل المجهود انتهى. وقوله: "كتكليفه" الضمير راجع إلى المملوك المدلول عليه بالرقيق والدواب فأما الرقيق فقال في التوضيح:
فرع: إذا تبين ضرره بعبده في تجويعه وتكليفه من العمل ما لا يطيق وتكرر ذلك منه بيع انتهى. وما ذكره في التوضيح هو نص كلام ابن رشد وسيأتي ذلك في أثناء كلام له عند قول المصنف: "وإعفافه بزوجة" وتقدم في باب النفقات عند قول المصنف: "وإن غائبا" حكم ما إذا أعسر السيد بنفقة أم الولد والمدبر والمعتق إلى أجل أو غاب وتركهم وأما إن أضر بهم فقال في النوادر في آخر ترجمة الرفق بالمملوك من كتاب الأقضية الثاني ناقلا له عن العتبية وقال يعني أشهب في مدبر أضر به سيده ويؤدبه قال يخرج من يده ويؤاجر عليه قال أصبغ: إنه لا يباع عليه انتهى. والمسألة في العتبية في كتاب السلطان في ثاني مسألة من سماع أصبغ ونصها: وسئل يعني أشهب عن المدبر يضر به سيده ويؤدبه قال يخرج من يده ويؤاجر عليه قال أصبغ: ولا يباع لأن المدبر لا يباع على حال في الحياة ولا تنقض الضرورة التدبير لأنه عتق قال ابن رشد: هذا بين على ما قاله قياسا على مدبر النصراني يسلم أنه يؤاجر ولا يباع كما يباع عليه عبده إذا أسلم وبالله التوفيق انتهى. والظاهر أن المعتق إلى أجل مثله وانظر أم الولد هل تؤاجر أو تعتق والله أعلم.وأما الدواب فقال الشيخ يوسف بن عمر عند قول الرسالة في باب التعالج ويرتفق بالمملوك والرفق بسائر الحيوان أيضا مطلوب فلا يجوز له أن يحمل دابته ما لا تطيق ولا يعرى ظهرها فإن لم يقم بحق الحيوان فإنه يقال له إن لم تقم بحقها وإلا تباع عليك انتهى. ونحوه قول الجواهر المتقدم ولا يترك وتعذيبها بالجوع ونحوه.
تنبيه: قال الجزولي في شرح قول الرسالة: ويكره الوسم في الوجه ويجوز أن يحمل على البغال والحمير ويجوز ركوبها قال ابن العربي: ولا خلاف في البقر أنه لا يجوز أن يحمل عليها وإنما اختلف في ركوبها هل يجوز أم لا قولان الشيخ وإنما كره ابن العربي أن يحمل عليها لما رأى بعض الناس حمل على بقرة فقالت له: ألهذا خلقت انتهى. والله أعلم.
فرع: قال الزناتي يجوز للعبد أن يقول لسيده يا سيدي ويا مولاي ولا يقول ربي انتهى. ص: "وبالقرابة على الموسر نفقة الوالدين المعسرين" ش: يريد سواء كانا مسلمين أو كافرين،

(5/584)


وأثبتا العدم لا بيمين،
----------------------------
كان هو مسلما أو كافرا صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى سواء رضي الزوج أو أبى قاله في المدونة: في آخر كتاب إرخاء الستور قبل ترجمة الحكمين بأسطر ويلزم الولد المليء نفقة أبويه الفقيرين كانا مسلمين أو كافرين والولد صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى كانت البنت متزوجة أم لا وأنكره زوج الابنة انتهى. وقاله ابن الحاجب وهذا هو المشهور وروى ابن غانم عن مالك أنه لا نفقة للأبوين الكافرين نقله في التوضيح وقال ابن عرفة وتجب نفقة الوالد لفقره على ولده ليسره والكفر والصحة والصغر وزوج البنت وزوج الأم الفقير لغو ابن حارث روى ابن غانم: لا نفقة للأبوين الكافرين المتيطي: بالأول العمل وهو قول مالك المشهور انتهى.
فروع: الأول: فإن كان للوالد مال فوهبه أو تصدق به ثم طلب الابن بالنفقة فللولد أن يرد فعله وكذلك لو تصدق به على أحد ولديه لكان للولد الآخر أن يرد فعله قاله اللخمي ونقله في التوضيح.
الثاني: قال اللخمي: وإن كان للأب صنعة تكفيه وزوجته جبر عليها وإن كفت بعض نفقته أكملها ولده وقال الباجي: نفقة الوالدين المعسرين تلزم الولد ولو قويا على العمل قال ابن عرفة إثر نقله كلامهما قلت: قولا اللخمي والباجي كالقولين في الفقير القادر على العمل هل يعطى الزكاة أم لا انتهى. واقتصر في الجواهر على قول اللخمي فقال في نفقة القرابة: ويشترط في المستحق الفقر والعجز عن التكسب ويختص الأولاد بزيادة شرط الصغر انتهى. وسيأتي كلامه بأتم من هذا في شرح قول المصنف: "ونفقة الولد" وهذا هو الظاهر قياسا على الوالد فإنه يشترط في وجوب نفقته العجز عن التكسب وعليه اقتصر في الشامل والله أعلم.
الثالث: قال ابن عرفة في نوازل ابن رشد: من استلحقه رجلان وأنفقا عليه حتى كبر ثم افتقرا لزمه نفقة رجل واحد يقتسمانها وإن افتقر أحدهما لزمه نصف ذلك انتهى. ص: "وأثبتا العدم بلا يمين" ش: لو قال: "ولا يمين" لكان أحسن والأول صواب وتردد ابن رشد في لحوق اليمين واستظهر الحكم بوجوبها ذكره في رسم صلى نهارا من كتاب الأقضية والله أعلم.ص: "

(5/585)


وهل الابن إذا طولب بالنفقة محمول على الملاء أو العدم قولان وخادمهما وخادم زوجه الأب وإعفافه بزوجة واحدة،
---------------------------
"وهل الابن إن طولب بالنفقة محمول على الملأ أو العدم قولان" ش: قال ابن رشد: في البيان إثر كلامه المتقدم في التنبيه الثالث في شرح قول المصنف: "وفرض في مال الغائب" في قول العتبية المتقدم هناك فنفقة الأبوين لا تجب إلا بفريضة من سلطان حتى يجدهما يستحقانها ويجد لهما ما لا يعديهما فيه وإلا فلاوقوله: "ويجد لهما ما لا يعديهما فيه" مثله في كتاب ابن المواز وهو يدل على أنه محمول على العدم حتى يثبت ملأوه على ما ذهب إليه ابن الهندي خلاف ما ذهب إليه ابن العطار انتهى. قال في مختصر المتيطي إثر نقله القولين: وهذا الخلاف إنما هو إذا لم يكن له ولد سواه فإن كان له غيره وجب على الابن المدعي العدم إثبات عدمه لحق أخيه انتهى. ونحوه في التوضيح والشامل والله أعلم.ص: "وإعفافه بزوجة" ش: تصوره واضح.
فرع: قال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم في العدة لا يجبر الولد على إحجاج أبيه ابن رشد هذا على أن الحج على التراخي وعلى الفور يلزمه ذلك كما يجبر على شراء الماء لغسله ووضوئه.
فرع: وأما الولد فقال اللخمي: وقول مالك ليس على الأب أن ينفق على زوجة ولده والقياس أن ذلك عليه قياسا على زوجة الأب أن على الابن أن ينفق عليها ولأن الابن أحوج إلى الزوجة منه انتهى. ونقله ابن عرفة عنه وقال بعده قلت: يرد بأن نفقة الابن تسقط ببلوغه وإن فرض كونه بلغ زمنا فالزمانة مظنة عدم الحاجة للزوجة انتهى. والله أعلم.وأما العبد والأمة إذا شكيا العزبة فتقدم الكلام عليه في باب النكاح عند قول المصنف: "وجبر المالك عبدا أمة بلا

(5/586)


ولا تتعدد إن كانت إحداهما أمه على ظاهرها لا زوج أمه وجد وولد ابن ولا يسقطها تزويجها بفقير ووزعت على الأولاد وهل على الرؤوس أو الإرث أو اليسار؟ أقوال
-------------------------------
إضرار لا عكسه" والله أعلم.ص: "ولا تتعدد إن كانت إحداهما أمه" ش: فأحرى إن لم تكن إحداهما أمه ولو قال المصنف: "لو" لكان أحسن وأجرى على طريقته.
فرع: قال ابن عرفة عن اللخمي: فإن كانت له زوجتان ونفقتهما مختلفة فدعا الأب للتي نفقتها أكثر وخالف الولد فلا أعرف فيها نصا فمقتضى أصول المذهب أن القول قول الأب إن كانت من مناكحه انتهى. ص: "وهل على الرؤوس أو الإرث أو اليسار أقوال" ش: ذكر البرزلي في أواخر مسائل النكاح أن المشهور أنها على قدر الملأ فانظره والله أعلم.
مسألة: قال ابن عرفة: وفي نوازل ابن رشد: من أنفق على أبيه المعدم فلا رجوع له على إخواته الأملياء بشيء مما أنفق ليس لأجل ما ذكر أنه يحمل منه ذلك على التطوع بل لو أشهد أنه إنما ينفق عليه على أن يرجع على إخوته بمنابهم لما وجب له الرجوع عليهم بشيء لأن نفقته لم تكن واجبة عليهم حتى يطلبوا بها بخلاف نفقة الزوجة.
قلت: ويؤيده ما في سماع أصبغ من كتاب العدة من يغيب ويحتاج أبواه وامرأته ولا مال له خاص أيؤمر أن يتداينوا عليه ويقضى لهم بذلك قال أما الزوجة فنعم وأما الأبوان فلا لأنهم لو لم يرفعوا ذلك حتى يقدم فيقر لهم غرم للمرأة لا للأبوين انتهى. وقال أبو الحسن الصغير في أوائل الزكاة الأول في شرح قول المدونة: في الأبوين والولد إذا أنفقوا ثم طلبوا لم يلزمه ما أنفقوا وإن كان موسرا ويقوم من هنا مثل ما ذكر ابن رشد في الأجوبة فيمن أنفق على أبيه وله إخوة فأرادوا الرجوع على إخوته بما ينوبهم فليس ذلك له وإن أشهد إذ لا تجب للأب النفقة حتى يبتغيها انتهى. وقول ابن رشد لأنها ساقطة عنهم حتى يطلبوا بها،

(5/587)


ونفقة الولد الذكرحتى يبلغ عاقلا قادرا على الكسب والأنثى حتى يدخل زوجها.
----------------------------
انظر لو طلبوا بها وفرضها الحاكم والظاهر أنه إن أشهد أنه يرجع فله الرجوع وإن لم يشهد فيحلف ويرجع والله أعلم. ونقل البرزلي كلام ابن رشد في مسائل الأنكحة ص: "ونفقة الولد الذكر حتى يبلغ عاقلا قادرا على الكسب والأنثى حتى يدخل زوجها" ش: يعني أنه يجب بالقرابة أيضا على الأب الحر إذا كان له فضل عن قوته وقوت زوجته إن كانت له زوجة نفقة الولد الذكر الحر إذا لم يكن له مال ولا كسب بصنعة لا تلحقه فيها معرة فإن كان له مال أو صنعة لم تجب على الأب إلا أن يمرض الولد أو تكسد صنعته فتعود النفقة على الأب وإن لم يكن فيها كفاية وجب على الأب التكميل وتستمر نفقة الولد الذكر حتى يبلغ عاقلا قادرا على الكسب أو يحدث له مال أو صنعة وحكم الأنثى كذلك في جميع ما تقدم إلا أنها تستمر نفقتها حتى يدخل بها زوجها يريد أو يدعى إلى الدخول وهي ممن يوطأ مثلها.وهو بالغ..ولو قال: "حتى تجب النفقة على الزوج" كما قال في الجواهر: السبب الثاني القرابة والمستحق بها أولاد الصلب والأبوان ولا يتعدى الاستحقاق لولد الولد ولا للجد والجدة ويشترط في المستحق فقره وعجزه عن التكسب ويختص الأولاد بشرط آخر وهو الصغر على تفصيل يأتي ويشترط في المستحق عليه يسره بما يزيد على حاجته ولا يباع عليه عبده وعقاره إذا لم يفضلا عن حاجته ولا يلزمه الكسب لأجل نفقة القريب ولا يشترط المساواة في الدين بل ينفق المسلم على الكافر والكافر على المسلم وتستمر النفقة في حق الأبوين للموت أو لحدوث مال وفي الولد الذكر لبلوغه صحيحا وفي الأنثى حتى تتزوج وتجب النفقة على زوجها فمن بلغ وبه زمانة تمنعه السعي لم تسقط على المشهور وقيل تسقط انتهى.

(5/588)


وتسقط عن الموسر بمضي الزمن إلا لقضية أو ينفق غير متبرع،
------------------------------
قلت: "قوله يشترط في المستحق عجزه عن التكسب" هو أحد القولين اللذين ذكرهما ابن عرفة وتقدما وقال المصنف في التوضيح: وإنما تجب نفقة الولد على من قدر عليها وإن لم يقدر عليها وقدر على حق الزوجة فلا درك عليه في ذلك ونقله ابن عرفة أيضا وغيره ونقله البرزلي في مسائل النكاح وزاد عن القابسي والولد من فقراء المسلمين إلا الذي يرضع فعلى أمه رضاعه في عسر أبيه مع قيامه بنفقتها انتهى. ونحوه في كتاب النفقات لابن رشد وفيه إنهن لو كن أربع زوجات كن أحق من والدته وولده.
فرع: قال ابن عرفة: اللخمي نفقة الأب فيما فضل للولد عن نفقته ونفقة زوجته واختلف إذا كان للولد ولد فقيل يتحاص الجد وولد الولد وقال ابن خويز منداد يبدأ الابن وأرى أن يبدأ الابن وإن كان صغيرا لا يهتدى لنفعه وسواء كان الأب صحيحا أو زمنا وإن كان الولد كبيرا ترجح القولان وكذا الولد أن يبدأ الصغير على الكبير والأنثى على الذكر وكذا الأبوان تبدأ الأم على الأب انتهى. ونقله في الشامل: أيضا وفي آخر باب النفقات من التوضيح شيء منه عن اللخمي.
تنبيه: لو رشد الرجل ابنته لم تسقط نفقتها بترشيده وتلزمه نفقتها حتى يدخل بها زوجهاقاله المتيطي ونقله في المسائل الملقوطة ص: "وتسقط عن الموسر بمضي الزمن إلا لقضية أو ينفق غير متبرع" ش: أي وتسقط نفقة القريب سواء كان أبا أو ابنا بمضي الزمن عن قريبه فلو تحيل في الإنفاق ثم أراد الرجوع فليس له ذلك لأنها مواساة لسد الخلة فإذا انسدت الخلة زال الوجوب وهذا بخلاف نفقة الزوجة لأنها في معنى المعاوضة فلا تسقط وأما نفقة القريب فتسقط إلا لقضية أي إلا إذا كان القاضي قد فرضها فلا تسقط ويرجع بها

(5/589)


------------------------------
المنفق ولو مضى زمنها أو ينفق على القريب شخص غير متبرع وما ذكره المصنف هو نحو قول ابن الحاجب: وتسقط عن الموسر بمضي الزمان بخلاف الزوجة إلا أن يفرضها الحاكم أو ينفق غير متبرع قال ابن عرفة: وكلامه يقتضي أن نفقة الأجنبي غير متبرع كحكم القاضي بالنفقة وليس كذلك إنما يقضي للمنفق غير متبرع إذا كان ذلك بعد الحكم بها قال: إلا أن يفرضها فيقضي بها لهما أو لمن أنفق عليها غير متبرع لكان أصوب الشيخ عن الموازية إذا رفع الأبوان إلى السلطان في مغيب الابن ولا مال له حاضر لم يأمرهما أن يتسلفا عليه بخلاف الزوجة إذ لا تجب نفقتهما إلا بالحكم انتهى. وكلام ابن عبد السلام قريب مما قاله ابن عرفة ونصه إثر قول ابن الحاجب: إلا أن يفرضها الحاكم أو ينفق غير متبرع يعني إلا أن تكون النفقة وجبت بعد توجه موجبها عند الحاكم وفرضها لمن وجبت له وتعذر أخذها ممن وجبت عليه لغيبة وشبهها أو لم تتعذر فأنفق على الأب أو على الولد من لم يقصد إلى التبرع بل قصد الرجوع فله الرجوع.
ونبه بقوله: "وفرضها القاضي" على الجمع بين مسألتي المدونة: وذلك أنه قال في كتاب الزكاة الأول في الأبوين والولد إذا أنفقوا ثم طلبوا لم يلزمه ما أنفقوا وإن كان موسرا وقال في النكاح الثاني وإذا أنفقت يعني الزوجة على نفسها وعلى صغار ولده وأبكار بناته من مالها أو سلفا والزوج غائب فلها اتباعه إن كان في وقت نفقتها موسرا فجمعوا بينهما على أن ما في الزكاة قبل فرض القاضي وما في النكاح بعد فرضه انتهى. ونقل ابن عرفة كلامه هذا برمته وقال بعده قلت: في زكاتها مثل ما في نكاحها وهو قوله: "ويعدى الولد والزوجة بما تسلفاه في يسره من النفقة" انتهى. فأول كلام ابن عبد السلام إلى قوله: "فله الرجوع" ظاهره يقتضي ما قاله ابن عرفة إنه إنفاق غير.المتبرع على الأب والولد كان بعد وجوب النفقة وذلك بعد توجه موجبها عند الحاكم وفرضها لمن وجبت له وهذا الذي ذكره ابن عرفة بالنسبة إلى نفقة الوالدين ظاهر كما تقدم في كلام ابن رشد في مبيع عقار الغائب للنفقة على أبويه في شرح قول المصنف: "وفرض في مال الغائب" وأما نفقة الولد فليس ذلك بظاهر بل قد نقل هو في كلامه المتقدم عن المدونة: في الزكاة والنكاح أنه يعدى الولد والزوجة بما تسلفا في يسره من النفقة وتقدم عنه أيضا عند قول المصنف: "وعلى الصغيران كان له مال" أنه نقل عن ابن رشد أن المنفق على الصغير لا يرجع إلا إذا كان للصغير مال أو لأبيه وإن رأى الولد كماله وأن رجوعه إنما هو إذا أنفق وهو يعلم مال اليتيم أو يسر الأب وما ذكره عن زكاة المدونة: هو قول أشهب في الزكاة الأول وفي آخر باب المديان بعد كلام ابن القاسم الذي نقله ابن عبد السلام عن نكاحها الثاني هو في أواخره في باب زكاة ما يباع على الرجل فيما يلزمه من نفقة امرأته وهو نص ما ذكره ابن عبد السلام عنها هو نص كلام ابن القاسم برمته وأما ما ذكره ابن عرفة فهو بعض كلام أشهب ولتركه كلام الكتابين المتقدمين من الأم بلفظها تتميما

(5/590)


واستمرت إن دخل زمنة ثم طلق لا إن عادت بالغة أو عادت الزمانة.
--------------------------------
للفائدة قال في النكاح الثاني: قلت: أرأيت إن أنفقت على نفسها وعلى ولدها والزوج غائب ثم طلبت نفقتها؟ قال: ذلك لها إن كان موسرا يوم أنفقت على نفسها وعلى أولادها منه إذا كانوا صغارا أو جوارا أبكارا حضن أو لم يحضن وهذا رأيي انتهى.
وقال في الزكاة الأول بعد قوله قلت: أرأيت رجلا له عشرون دينارا قد حال عليه الحول وعليه عشرة دراهم نفقة شهر لامرأته قد كان فرضها القاضي أو لم يفرضها ثم اتبعته بنفقة الشهر وعند الزوج هذه العشرون دينارا؟ فقال: تأخذ نفقتها ولا يكون على الزوج فيها زكاة قلت: أرأيت إن كانت هذه النفقة على هذا الرجل الذي وصفت لك إنما هي نفقة والدين أو ولدظ فقال: لا تكون نفقة الوالدين والولد دينا أبطل به الزكاة عن الرجل لأن الوالدين والولد إنما تلزم النفقة لهم إذا اتبعوا ذلك وإن أنفقوا ثم طلبوه بما أنفقوا لم يلزمه ما أنفقوا وإن كان موسرا تلزمه ما أنفقت قبل أن تطلبه بالنفقة إذا كان موسرا.
قلت: فإن كان القاضي قد فرض للأبوين نفقة معلومة فلم يعطهم ذلك شهرا وحال الحول على ما عند الرجل بعد هذا الشهر أتجعل نفقة الأبوين ها هنا دينا فيما في يديه إذا قضى بها القاضي؟ قال: لا وقال أشهب: أحط به عنه الزكاة وألزمه ذلك إذا قضى القاضي عليه في الأبوين لأن النفقة لهما إنما تكون إذا طلبا ذلك ولا يشبهان الولد ويرجع الولد على الأب بما تداين الولد لو أنفق عليه إذا كان موسرا ويحط ذلك عنه الزكاة كان بفريضة من القاضي أو لم يكن لأن الأولاد لم تسقط نفقتهم عن الوالد إذا كان له مال من أول ما كانوا حتى يبلغوا والوالدان قد كانت نفقتهما ساقطة فإنما ترجع نفقتهما بالقضية والحكم من السلطان والله أعلم.انتهى قال أبو الحسن الصغير: قوله: "وإن أنفقوا ثم طلبوا لم يلزمه ما أنفقوا" انظر هذه المسألة تناقض مسألة تضمين الصناع فيمن أنفق على لقيط ثم ظهر له بعد ذلك أنه يرجع على الأب بالنفقة فيقوم مما في تضمين الصناع مثل قول أشهب أن نفقة الولد تسقط الزكاة وإن كانت بغير قضية ثم نقل كلام اللخمي وأبي إسحاق وغيرهما من الشيوخ وما قالوه من التوفيق بين قول ابن القاسم وأشهب وأطال الكلام في ذلك فليراجعه من أراده والله أعلم.وتقدم في كلام ابن عبد السلام الإشارة إلى معارضة كلام ابن القاسم المذكور أيضا بكلامه الذي في النكاح الثاني وما وفق به بينهما والله أعلم.ص: "واستمرت إن دخل زمنه ثم طلق لا إن عادت بالغة أو عادت الزمانة" ش: أي واستمرت النفقة إن دخل الزوج بالبنت

(5/591)


وعلى المكاتبة: نفقة ولدها إن لم يكن الأب في الكتابة وليس عجزه عنها عجزا عن الكتابة وعلى الأم المتزوجة أو الرجعية رضاع ولدها بلا أجر إلا لعلو قدر: كالبائن إلا أن لا يقبل غيرها
------------------------------
حال كونها زمنة ثم طلقها ومثل ذلك إذا كان للولد الزمن مال ثم ذهب فإن نفقته تعود على الأب. قاله الباجي ونقله في التوضيح. وقوله: "لا إن عادت بالغة" أي لا إن زوجت البنت قبل البلوغ ودخل بها الزوج ثم طلقها أو مات عنها بعد البلوغ وعادت إلى الأب بالغة فإن النفقة لا تعود على الأب ومفهوم كلامه أنها لو عادت غير بالغة لوجب على الأب الإنفاق عليها وهو كذلك قال سحنون: ولا يسقطها بلوغها بل حتى تتزوج زوجا آخر ويدخل بها وقال غيره: لا تعود أصلا وقال غيره تعود إلى أن تبلغ فتسقط وهو الذي قدمه المتيطي فقال: ولا تسقط النفقة بترشيده إياها وتقدم نقل ذلك عنه أيضا وعن المسائل الملقوطة والله أعلم.
فرع: ومفهوم قولنا ودخل بها الزوج أنها إن طلقت قبل البناء فهي على نفقتها وهو كذلك قاله في التوضيح وأشار بقوله: "أو عادت الزمانة" إلى أنه إذا بلغ الولد زمنا وقلنا استمرت نفقته فإذا صح سقطت نفقته فإن عادت إليه الزمانة لم تعد نفقته على الأب وعلى هذا اقتصر ابن الحاجب والله أعلم.ص: "وعلى الأم المتزوجة والرجعية" ش: ما ذكره المصنف في الرجعية هو المذهب كما صرح به في أواخر كتاب الرضاع من المدونة: وعليه اقتصر ابن الحاجب وابن عرفة وغيرهما فما صرح ابن رشد في رسم سعد في الطلاق من سماع ابن القاسم من طلاق السنة من أنه لا يلزمها مشكل لأنه مخالف للمذهب والله أعلم.ص: "إلا لعلو قدر" ش: قال ابن عرفة اللخمي: لذات الشرف رضاعه بأجر انتهى. وقال المصنف في التوضيح: نص عليه اللخمي وابن بشير وابن عبد السلام وأفتى بعض أشياخ شيخي بأن الشريفة إذا تواضعت للإرضاع لا أجر لها لإسقاطها حقها ولا كبير مؤنة عليها في لبنها ص: "أو

(5/592)


أويعدم الأب أو يموت ولا مال للصبي واستأجرت إن لم يكن لها لبان: ولها إن قبل غيرها أجرة المثل ولو وجد من ترضعه عندها مجانا على الأرجح في التأويل وحضانة الذكر: للبلوغ والأنثى: كالنفقة للأم،
------------------------------
يعدم الأب" ش: يريد ولا مال للصبي فإذا لم يكن لواحد منهما مال ولها ابن ومال كانت مخيرة بين أن ترضعه أو تسترضعه إلا أن لا يقبل غيرها فتجبر على رضاعه فإن لم يكن لها لبن أجبرت على أن تسترضع له قاله ابن رشد في أول مسألة من كتاب الرضاع ثم قال: ولا رجوع لها على من أيسر من الأب أو الابن كانت أرضعته أو استرضعت له من مالها لأنها أسقطت عنهما ذلك بعدمهما انتهى. ص: "ولو وجد من ترضعه عنده مجانا" ش: قال في المسائل الملقوطة: ناقلا له عن معين الحكام: إذا أبت المرأة أن ترضع ولدها فإن الأب يستأجر له من ترضعه وليس عليه أن يكون ذلك عند أمه وأما إن وجد الأب من ترضعه باطلا أو بدون ما طلبته الأم فعليه أن يرضعه عند أمه ولا يخرجه من حضانتها انتهى. ص: "وحضانة الذكر للبلوغ والأنثى كالنفقة للأم" ش: الحضانة مأخوذة من الحضن وهو ما دون الإبط إلى الكشح ونواحي كل شيء وجوانبه أحضانه وكأن الصبي ضم إلى جوانب المحضون وقال ابن عرفة: الحضانة هي محصول قول الباجي: حفظ الولد في مبيته ومؤنة وطعامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جسمه. ابن رشد والمتيطي: الإجماع على وجوب كفالة الأطفال الصغار لأنه خلق

(5/593)


ولو أمة عتق ولدها أو أم ولد. وللأب: تعاهده، وأدبه، وبعثه للمكتب.
--------------------------
ضعيف يفتقر لكافل يربيه حتى يقوم بنفسه فهو فرض كفاية إن قام به قائم سقط عن الثاني لا يتعين إلا على الأب والأم في حولي رضاعه إن لم يكن له أب ولا مال أو كان ولا يقبل غيرها انتهى. والكشح بفتح الكاف والشين المعجمة ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف قاله في الصحاح.
تنبيه: إنما قال المصنف: في الذكر البلوغ وفي الأنثى كالنفقة ولم يقل في الذكر كالنفقة لأن المشهور في الحضانة أنها تنقطع في الذكور بالبلوغ ولو كان زمنا بخلاف النفقة والله أعلم. وفهم من قوله: "والأنثى كالنفقة" أن البنت إذا تزوجت قبل البلوغ ودخل بها الزوج ثم طلقها أن الحضانة تعود للأم وقاله الجزولي في شرح الرسالة: وقوله: "للأم" ظاهر التصور.
مسألة: إذا التزمت المرأة حضانة ابنتها فتزوجت قبل تمام الحضانة فسخ نكاحها حتى يتم أمد الحضانة قال ابن عبد الغفور: وأراه أراد قبل الدخول. وقال الأبهري: شرط باطل ولا يجوز وتتزوج إن أحبت تأمل ذلك في شرح ابن عبد السلام في كتاب التخيير انتهى. من المسائل الملقوطة ص: "ولو أمة عتق ولدها" ش: قال ابن عرفة:
قلت: ذلك إن لم يتسررها سيدها انتهى.
فرع: قال الباجي:
مسألة: إذا عتقت الأمة على أن تركت حضانة ولدها فقد روى عيسى عن ابن القاسم أنه يرد إليها بخلاف الحرة تصالح الزوج على تسليم الولد إليه لأنه يلزمها وروى عنه أبو زيد أن الشرط لازم كالحرة انتهى. من كتاب الأقضية في القضاء بالحضانة وذكر المسألة في رسم أوصى من سماع عيسى من التخيير والتمليك وفي سماع أبي زيد من العتق واستظهر ابن رشد القول بعدم لزومها من جهة القياس والقول باللزوم من جهة المعنى فانظره والله أعلم.ص: "وللأب تعاهده وأدبه وبعثه للمكتب" ش: هذا نحو قوله في المدونة: وللأب تعاهد ولده عند أمه وأدبه وبعثه للمكتب ولا يبيت إلا عند أمه انتهى. قال ابن عرفة:

(5/594)


ثم أمها ثم جدة الأم إن انفردت بالسكنى عن أم سقطت حضانتها ثم الخالة ثم خالتها ثم جدة الأب ثم الأب ثم الأخت ثم العمة
-----------------------------------
قلت يجب كون الظرف الذي هو عند في موضع الحال من ولده لأنه معمول للفظ تعاهده لأن ذلك ذريعة لاتصاله بمطلقته مع زيادة ضرر زوجها بذلك.
قلت: إذا تزوجت سقطت ولذلك شرط في الجدة التي لا تكون عند أمه التي سقطت حضانتها. وقال في التوضيح: يمكن أن تكون العلة أن للأب تعاهدهم عند الأم وأدبهم فإذا سكنت الحاضنة مع أمهم لم يكن للأب تعاهدهم لسبب ما يحدث بذلك مما لا يخفى انتهى. قال أبو الحسن الصغير: ويقوم من هنا أن الأب له القيام بجميع أمور ولده يختنه ويصنع الصنيع وله أن يختنه في داره ثم يرسله لأمه ولو تنازع الأبوان في زفاف البنت عند أيهما يكون فظاهر النقل أن القول للأم انتهى. وقال المشذالي في إرخاء الستور: قال الشيخ أبو الحسن: لم أر فيه نصا وفيه حق للأب وحق للأم انتهى. والذي رأيته لأبي الحسن هو ما تقدم.
وقال الجزولي في شرح قول الرسالة: ونكاح الأنثى ودخولها أخذ بعض الموثقين من هذا أن الأب والأم إذا تنازعا فيمن تزف عنده أن ذلك للأم انتهى. باختصار ص: "ثم جدة الأم" ش: ظاهره أنه سواء كانت جدتها لأمها أو لأبيها وهو كذلك قاله ابن عرفة واللخمي قال: فإن اجتمعا فأم أمها أحق من أم أبيها فإن لم تكن واحدة منهما فأم أم أمها أو أم أم أبيها أو أم أبي أبيها أو أم أبي أمها فإن اجتمع الأربع فأم أم الأم ثم أم أب الأم وأم أم الأب بمنزلة واحدة ثم أم أبي أم الأب وعلى هذا الترتيب أمهاتهن ما علون فإن لم تكن واحدة منهن فأخت الأم الشقيقة انتهى. وقاله في المقدمات.
فرع: قال في المسائل الملقوطة: إذا كان للولد جدتان من قبل الأب ومن قبل الأم وليس له إلا دار قيمتها عشرون دينارا أو نحوها فقالت أم الأب أنا أنفق عليه من مالي ويكون معي وتبقى له داره رفقا به وأرادت جدة الأم بيعها لتنفق ثمنها فجدة الأم أولى بالحضانة انتهى. ونقله ابن عرفة عن بعض الموثقين وزاد وقال المشاور: ينظر إلى الأرفق بالصبي قال ابن عرفة:
قلت: في كون الحضانة حقا للحاضن أو للمحضون ثالثها لهما لروايتي القاضي واختيار الباجي مع ابن محمد فعلى الثاني تقدم الجدة للأب انتهى. والمشاور هو ابن الفخار كما قال

(5/595)


ثم هل بنت الأخ أو الأخت أو الأكفأ منهن وهو الأظهر؟ أقوال ثم الوصي ثم الأخ ثم ابنه ثم العم ثم ابنه لا جد لأم واختار خلافه،
--------------------------
ابن غازي هنا ص: "ثم جدة الأب" ش: يريد أم الأب ثم أم أمه ثم أم أبيه ص: "ثم هل بنت الأخ أو الأخت أو الأكفأ منهما وهو الأظهر أقوال" ش: قال ابن عرفة: وتلحق بنت الأخ وفي تقديمها على بنت الأخت ثالثها هما سواء يرجح بقوة الكفاءة لابن رشد وابن محرز ونقل ابن رشد انتهى. وقد حكاها في المقدمات في آخر الفصل فسقط اعتراض الشرح الكبير على المصنف في الأقوال التي ذكرها بأنها ليست كذلك في المقدمات ص: "لا جد لأم" ش: قال في التوضيح: قال اللخمي: لم أر للجد للأم في الحضانة نصا وأرى له في ذلك حقا لأن

(5/596)


ثم المولى الأعلى ثم الأسفل وقدم الشقيق ثم للأم ثم للأب في الجميع وفي المتساويين بالصيانة والشفقة وشرط الحاضن العقل والكفاية لا: كمسنة وحرز المكان في البنت يخاف عليها والأمانة وأثبتها وعدم كجذام مضر،
--------------------------
له حنانا ولذا غلظت الدية فيه وأسقط عنه القود وفي الوثائق المجموعة إذا اجتمع الجدان فالجد للأب أولى من الجد للأم وهو قول ابن العطار ونص في المقدمات على أنه لا حق له انتهى.
قلت: ذكره في المقدمات لما تكلم على الحاضنة إذا كانت متزوجة بمحرم وأن حضانتها لا تسقط قال سواء كان ممن له الحضانة كالعم يروي للأب أو ممن لا حضانة له كالخال يروي للأم لا تأثير له في إسقاط الحضانة انتهى. وقال ابن عرفة بعد أن ذكر كلام اللخمي: قلت: قول ابن الهندي: "الجد للأب أولى من الجد للأم بدليل حضانته" انتهى. ص: "وفي المتساويين بالصيانة والشفقة" ش: قال ابن عرفة: قال اللخمي: إن علم جفاء الأحق لقسوته أو لما بينه وبين أحد أبويه ورأفة إلا بعد قدم عليه قال ابن عرفة: قلت: إن كانت قسوته ينشأ عنها إضرار الولد قدم الأجنبي عليه وإلا فالحكم المعلق بالمظنة لا يتوقف على تحقيق الحكمة انتهى. ص: "وحرز المكان في البنت يخاف عليها" ش: هكذا قال اللخمي ونقله المصنف في التوضيح ونقل ابن عرفة عن المدونة: ما يقتضي أنه شرط في الذكر أيضا ثم قال: والحق أنه

(5/597)


ورشد لا إسلام وضمت إن خيف لمسلمين وإن مجوسية أسلم زوجها وللذكر من يحضن وللأنثى الخلو عن زوج دخل إلا أن يعلم ويسكت العام أو يكون محرما وإن لا حضانة له كالخال أو وليا كابن العم أو لا يقبل الولد غير أمه أو لم ترضعه المرضعة عند أمه أو لا يكون
----------------------------
شرط فيهما وهو في البنت حين يخاف عليها أوكد انتهى. ص: "إلا أن يعلم ويسكت العام" ش: قال أبو الحسن الصغير في إرخاء الستور من شرح المدونة: في الكلام على الحضانة: وأما إذا علم من له الحضانة بتزويج الأم فقام بعد طول مدة فليس له أخذ الولد وحد الطول سنة انتهى.
وسيأتي عند قول المصنف "إلا لكمرض" عن العتبية شيء من ذلك والله أعلم. قوله: "إلا أن يعلم ويسكت العام" ذكر في المسائل الملقوطة أن بعضهم جعل من ذلك إذا كان زوجها وصي الطفل انتهى. ص: "أو لم ترضعه المرضعة عند أمه" ش: ما ذكره ابن غازي صواب وأن هنا

(5/598)


للولد حاضن أو غير مأمون أو عاجزا أو كان الأب عبدا وهي حرة وفي الوصية روايتان وأن لا يسافر ولي حر عن ولد حر وإن رضيعا أو تسافر هي سفر نقلة لا تجارة وحلف ستة برد وظاهرها بريدين
---------------------
مضاف محذوف أي عند بدل أمه وهي من صارت لها الحضانة ولو لم يحمل على ذلك لكان مشكلا لأنه يقتضي أن الأم إذا تزوجت يلزم الأب أن يأتي بالمرضعة ترضعه عند أمه وليس كذلك لأنها قد سقطت حضانتها كما صرح به في المدونة: فإنه لما ذكر أن الحضانة للأم قال: إلا أن تتزوج الأم والولد صغير يرضع أو فوق ذلك فإنه إذا دخل بها زوجها انتزعه

(5/599)


إن سافر لأمن وأمن في الطريق ولو فيه بحر إلا أن تسافر هي معه لا أقل ولا تعود بعد الطلاق أو فسخ الفاسد على الأرجح،
----------------------------
منها لا قبل ذلك ثم لا يرد إليها إذا طلقت ص: "ولا تعود بعد الطلاق أو فسخ الفاسد" ش: وأما إذا سافر ولي المحضون سفر نقلة وأخذ الولد ثم رجع فإن الحضانة تعود إلى الأم نقله أبو الحسن عن أبي عمران في كتاب إرخاء الستور قيل له: فإن سافرت هي ثم رجعت؟ قال: إن كان سفرها اختيارا لم تعد وإن كان بغير اختيارها عادت له الحضانة قيل له: فإن لحقتها ضرورة إلى التزويج؟ قال: تسقط حضانتها انتهى. ص: "أو الإسقاط" ش: يعني أن الحاضنة إذا أسقطت حضانتها لم تعد إليها وهذا إذا كان ذلك بعد وجوب الحضانة وأما إن أسقطت حقها من الحضانة قبل وجوبها ففي ذلك خلاف قال المشذالي في كتاب الشفعة وتسليم الشفعة قبل الشراء قال لي ابن عرفة: الفتوى عندنا فيمن خالع زوجته على أن تسقط هي وأمها الحضانة أنها لا تسقط في الجدة لأنها أسقطت ما لم يجب لها انتهى. وقال ابن ناجي في كتاب الشفعة في شرح قول المدونة: ولو قال المبتاع قبل الشراء اشتر لي فقد أسلمت لك الشفعة وأشهد بذلك فله القيام بعد الشراء لأنه سلم ما لم يجب له بعد قال بعض شيوخنا على ما بلغني يؤخذ منها ما به الفتوى: إن من خالع زوجته على أن أسقطت هي وأمها الحضانة أنها لا تسقط في الجدة لأنها أسقطت ما لم يجب لها وفيها خلاف انتهى. ثم قال

(5/600)


----------------------------
المشذالي إثر كلامه المتقدم: قال المتيطي: ذكر ابن العطار في وثائقه في عقد تسليم الأم ابنها إلى أبيه وعلى أن سلمت إليه ابنها منه وأسقطت حضانتها فيه وقطعت أمها فلانة أو أختها فلانة حجتها فيما كان راجعا إليها من حضانتها وانتقد ذلك ابن الفخار وقال: الصواب أن يقال: ثم قطعت حجتها فيما كان راجعا إليها من حضانتها فيدل هذا اللفظ أن الجدة قطعت حجتها بعد أن وجب لها ذلك وأما بالواو التي لا تفيد رتبة فكأنها قطعت حجتها قبل وجوب الحضانة لها فلا يلزمها والله أعلم.قال المشذالي: وتفرقة ابن الفخار بين العاطفين ضعيفة في المعنى فتأمله ثم قال المتيطي: وهذا أصل مختلف فيه على ما وقع في المدونة: في غير كتاب منها انتهى. فعلم من هذا أن الراجح الذي عليه الفتوى في إسقاط الحضانة قبل وجوبها عدم اللزوم وإن صورة ذلك أن يسقط من له الحضانة بعد الأم حضانته قبل وجوبها كالجدة والخالة مثلا وأنه ليس من ذلك إسقاط الأم حقها من الحضانة في حال العصمة وإلا لكان حكمها حكم الجدة والخالة ولم يفرق بينهما وأيضا فلا يمكن أن يقال إن الأم لا حضانة لها في حال العصمة لأنها إذا وجبت لها الحضانة بعد الطلاق فأحرى في حالة العصمة وقد صرح بذلك ابن عرفة فقال لما تكلم على الحضانة ومستحقها: وأبو الولد زوجا لها وفي افتراقهما أصناف الأول الأم الخ ولا أعلم أحدا أجاز للأب أخذ ولده من أمه في حال العصمة بل ذكر اللخمي في الشروط الناقضة لمقتضى العقد أن يتزوج المرأة على أن لا يكون الولد عندهما وأنه إن تزوجها على ذلك فسخ النكاح قبل الدخول وصح بعده وسقط الشرط وليس المراد ولدها من غيره لأن ذلك لازم صحيح إذا كان للولد من يحضنه كما ذكر ذلك المصنف في أول باب النفقات حيث قال كولد صغير لأحدهما إن كان له حاضن والله أعلم.
تنبيه قال المشذالي إثر كلامه المتقدم: وهذا الخلاف يعني فيمن أسقط حقه من الحضانة قبل وجوبها كالجدة والخالة مثلا إنما هو إذا حضرت الجدة أو الخالة وأشهدت على نفسها بإسقاط ما يرجع إليها من الحضانة وأما إن لم تشهد على نفسها بذلك ففيه خلاف أيضا قال المتيطي: الذي عليه العمل قاله غير واحد من الموثقين إن الأم إذا أسقطت حقها في الحضانة بشرط في عقد المبارأة كما ذكرنا أن ذلك يرجع إلى الجدة أو الخالة وقاله أبو عمران قال: القياس أن لا يسقط حق الجدة بترك الأم وقال غيره من القرويين: يسقط بذلك حق الجدة والخالة ولا كلام لهما في ذلك انتهى. وقال ابن عرفة: وفي إمضاء نقل ذي حضانة إياها لغيره على من هو أحق بها من المنقول إليه نقل ابن رشد مع أخذه من قولها إن صالحت زوجها على كون الولد عنده جاز وكان أحق به ظاهره ولو كان له جدة ونقله قائلا: كالشفعاء ليس لمن هو أحق بالشفعة تسليمها لشريك غيره أحق بها منه اللخمي: إن تزوجت الأم أخذته الجدة ثم أحبت أن تسلمه لأخته لأبيه فله منعها لأنه أقعد منها وإن أمسكته ثم طلقت الأم لم يكن له منعها من رده لأمه لأنه نقل لما هو أفضل.

(5/601)


أو الإسقاط إلا لكمرض أو لموت الجدة والأم خالية أو لتأيمها قبل علمه
------------------------
قلت: إنما يتم هذا على أن تزويج الأم لا يسقط حضانتها دائما بل ما دامت زوجة انتهى. ص: "إلا لكمرض" ش: أي فلها أن تأخذه بعد زوال المرض ونحوه إلا أن تتركه بعد زوال العذر سنة ونحوها فليس لها أن تأخذه قاله ابن رشد في أول رسم من سماع ابن القاسم من طلاق السنة وحكى في الرسم المذكور أيضا خلافا فيما إذا مات هل لها أن تأخذه ممن تصير إليه الحضانة بعده أم لا ونص كلامه:
مسألة: قال ابن القاسم سمعت مالكا قال في امرأة طلقها زوجها وله منها ولد فردته عليه استثقالا له ثم طلبته لم يكن ذلك لها قال ابن رشد: وهذا كما قال إنها إذا ردته إليه استثقالا له فليس لها أن تأخذه لأنها قد أسقطت حقها في حضانته إلا على القول بأن الحضانة من حق المحضون وهو قول ابن الماجشون ولو كانت إنما ردته إليه من عذر مرض أو انقطاع لبنها لكان لها أن تأخذه إذا صحت أو عاد إليها اللبن على ما وقع لمالك في سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق ولو تركته بعد أن زال العذر حتى طال الأمد السنة وشبهها لم يكن لها أن تأخذه واختلف إن مات هل لها أن تأخذه ممن تصير إليه الحضانة بعده؟ قال في آخر رسم من سماع أشهب: ليس لها أن تأخذه لأنه رأى تركها إياه عند أبيه إسقاطا منها لحقها في حضانته وقد قيل: إن لها أن تأخذه إذا مات لأن تركها له عند أبيه إنما يحمل منها على إسقاط حضانتها للأب خاصة وكذلك إذا قامت الجدة بعد السنة لم يكن لها أن تأخذه وقال ابن نافع: لها أن تأخذه ومثله لابن القاسم في المدونة: أن لها أن تأخذه إلا أن يكون عرض عليها فأبت من أخذه وهذا على الاختلاف في السكوت هل هو كالإقرار والإذن أم

(5/602)


وللحاضنة قبض نفقته والسكنى بالاجتهاد،
--------------------
لا وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم وبالله تعالى التوفيق ص: "وللحاضن قبض نفقته" ش: قال في التوضيح: ولمن الولد في حضانته من أم وغيرها أن تأخذ ما يحتاج إليه الولد من نفقة وكسوة وغطاء ووطاء وإن قال الأب هو يأكل عندي ثم يعود إليك لم يكن له ذلك لأن في ذلك ضررا على الولد وعلى الحاضنة إذ الأطفال يأكلون في كل وقت قاله غير واحد وكتب شجرة لسحنون في الخالة الحاضنة إذا قال الأب إنها تأكل ما أعطيه وطلب الأب أنه يأكل عنده ويعلمه فكتب إليه أن القول للأب فجعل للحاضنة أن يأوي إليها فقط والأول هو الأصل ولعله ظهر صدقه في السؤال وقد ذكر ابن يونس عن مالك هذا التفصيل نصا في العتبية انتهى. وما ذكره عن سحنون نقله الباجي أيضا في المنتقى في القضاء بالحضانة ونصه وإن شكى الأب ضياع نفقة ابنه فأراد أن يطعمه فقد كتب إلى سحنون شجرة في الخالة تجب لها الحضانة فيقول الأب ويكون ولدي عندي لأعلمه وأطعمه لأن الخالة تأكل ما أرزقه وهي تكذبه أن للأب أن يطعمه ويعلمه وتكون الحضانة للخالة فجعل الحضانة أن يأوي إليها وتباشر سائر أحواله مما لا يغيب عليها من نفقته انتهى. وما ذكره عن العتبية يشير به لقوله في رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب العدة وطلاق السنة وسئل مالك عن الذي يطلق امرأته وله منها بنت أربع سنين فيقول ما عندي ما أنفق عليها أرسليها إلي تأكل معي فقال أخاف أن يكون مضرا بها ولكن ينظر فيما يقول فإن كان كذلك أمرا غالبا معروفا قيل لها أرسليها تأكل مع أبيها وتأتيك قال ابن رشد: ليس للرجل الموسر أن تأكل ابنته عنده ويلزمه أن يدفع نفقتها إلى أمها الحاضنة لها فإن ادعى أنه لا يقدر نظر في حاله فإن تبين صدق قوله وأنه لا يريد الضرر بما دعا إليه من أن يأكل ولده عنده كان ذلك له وإلا فلا وبالله التوفيق ونقل ابن عرفة كلام العتبية وكلام ابن رشد عليها وقال بعده.
قلت: ونقله ابن فتوح غير معز وكأنه المذهب ولابن زرقون عن الباجي قال سحنون في الخالة ونقل كلام الباجي المتقدم برمته وقال بعده.
قلت: كذا في النوادر وهو خلاف الروايات أن طعام المحضون إنما هو عند حاضنته من كانت والعجب من الباجي وابن زرقون في قبولهما هذا وتصديق الأب على الخالة أنها تأكل رزقهم ويأتي للشعبي نحو هذا انتهى. ص: "والسكنى بالاجتهاد" ش: قال في التوضيح: والمشهور أن على الأب السكنى وهو مذهب المدونة: خلافا لابن وهب وعلى المشهور فقال

(5/603)


----------------------------
سحنون: تكون السكنى على حسب الاجتهاد ونحوه لابن القاسم في الدمياطية وهو قريب مما في المدونة: وقال يحيى بن عمر على قدر الجماجم وروي: لا شيء على المرأة ما كان الأب موسرا وقيل: إنها على الموسر من الأب والحاضنة وحكى ابن بشير قولا بأنه لا شيء على الأم من السكنى ورأى اللخمي أن الأب إن كان في مسكن يملكه أو بكراء ولو كان ولده معه لم يزد عليه في الكراء أن لا شيء عليه لأنه في مندوحة عن دفع الأجرة في سكناه وإن كان يزاد عليه في الكراء أو عليها هي لأجل الولد فعليه الأقل مما يزاد عليه أو عليها لأجله فإن كان ما زيد عليها أقل أخذته لأنه القدر الذي أضر بها وإن كان ما يزاد عليه غرمه لأنه مما لم يكن له بد لو كان عنده وفي الطرر: لا سكنى للرضيع على أبيه مدة الرضاع فإذا خرج من الرضاعة كان عليه أن يسكنه خليل: ولا أظنهم يختلفون في الرضيع ثم ذكر المسائل التي اختلف فيها هل هي على الرؤوس أو لا فقال:
فائدة: في المذهب مسائل اختلف فيها هل هي على الرؤوس أو لا منها هذه يعني أجرة المسكن الذي فيه المحضون ومنها أجرة كاتب الوثيقة ومنها كنس المرحاض ومنها حارس الأندر ومنها أجرة القاسم ومنها التقويم على المعتقين ومنها الشفعة إذا وجبت للشركاء هل هي على الشركاء أو على قدر الأنصباء ومنها العبد المشترك في زكاة الفطر ومنها النفقة على الأبوين ومنها إذا أرسل أحد الصائدين كلبه والآخر كلبين ومنها إذا أوصى بمجاهيل من أنواع انتهى. كلامه ونقله عنه صاحب المسائل الملقوطة.
فرع: وللحاضنة الإخدام إن كان الأب مليا واحتاج المحضون لمن يخدمه قال في كتاب إرخاء الستور من المدونة: وإذا أخذ الولد من له الحضانة فعلى الأب نفقتهم وكسوتهم وسكناهم ما بقوا في الحضانة ويخدمهم إن احتاجوا إلى ذلك وكان الأب مليا ولحاضنتهم قبض نفقتهم انتهى. وقال ابن وهب: لا إخدام على الأب نقله عنه اللخمي ونقل أبو الحسن والمصنف في التوضيح وابن عرفة وغيرهم كلام اللخمي ونص ابن عرفة اللخمي واختلف في خدمته ففيها: إن كان لا بد لهم من خادم لضعفهم على أنفسهم والأب يقوى على إخدامهم ولابن وهب: لا خدمة عليه به قضى أبو بكر على عمر وأرى أن يعتبر في الخدمة مثل ما تقدم في الإسكان انتهى. وقوله: "وأرى أن يعتبر في الخدمة" الخ يعني أن اللخمي رأى أن

(5/604)


ولا شيء لحاضن لأجلها.
------------------------------
يفصل في الخدمة مثل ما تقدم عنه في السكنى والله أعلم.ص: "ولا شيء لحاضن لأجلها" ش: وإن كان الأولاد يتامى كان للأم أجر الحضانة إذا كانت فقيرة والأولاد مياسير لأنها تستحق النفقة في مالهم ولو لم تحضنهم واختلف إذا كانت موسرة فقال مالك: لا نفقة لها ومرة قال: لها النفقة إذا قامت عليهم بعد وفاة الأب وقال أيضا: تنفق بقدر حضانتها إذا كانت لو تركتهم لم يكن لهم بد من حاضن فجعل لها في هذا القول الآخر دون النفقة وأرى إن هي تأيمت لأجلهم وكانت هي الحاضنة والقائمة بأمرهم أن يكون لها النفقة وإن كانت أكثر من الأجرة لأنها لو تركتهم وتزوجت أتى من ينفق عليها فكان من النظر للولد كونهم في نظرها وخدمتها وإن لم تكن تأيمت لأجلهم أو كانت في سن من لا يتزوج كان لها الأجرة وإن كانت دون نفقها وإن كان لهم من يخدمهم أو استأجرت من يقوم بخدمتهم وإنما هي ناظرة فيما يصلح للولد فقط لم أرها شيئا انتهى. ونقله ابن عرفة والله أعلم.
(تم الجزء الخامس ويليه الجزء السادس وأوله: كتاب البيوع)

(5/605)