مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب

كتاب الطلاق
باب في الطلاق
باب في الطلاق
...
باب في الطلاق
جاز الخلع وهو الطلاق بعوض
----------------------------------
كتاب الطلاق
ص:"باب جاز الخلع وهو الطلاق بعوض" ش: الطلاق أصله في اللغة الانطلاق والذهاب المتيطي مأخوذ من قولك أطلقت لناقة فانطلقت إذا أرسلتها من عقال وكان ذات الزوج موثوقة عند زوجها فإذا فارقها أطلقها من وثاق ويدلك على ذلك قول الناس هي في حبالك إذا كانت تحتك انتهى. وقال الجوهري: وطلق الرجل امرأته تطليقا وطلقت هي بالفتح تطلق طلاقا فهي طالق وطالقة قال الأخفش لا يقال طلقت بالضم انتهى. وأما حقيقته في الشرع فقال ابن عرفة الطلاق صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بزوجته موجبا تكررها مرتين للحر ومرة لذي رق حرمتها عليه قبل زوج وقبل المتيطي صرف الخطابي الكراهة في حديث "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" لسوء العشرة لا للطلاق لإباحة الله تعالى وفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: الأقرب منه كونه منه صلى الله عليه وسلم كان لسبب رجحه ومحمل كونه أبغض أنه أقر بالحلال إلى البغض فنقيضه أبعد من البغض فيكون أحل من الطلاق اللخمي إن كان الزوجان على أداء كل منهما حق صاحبه استحب البقاء وكره الطلاق وإن كانت الزوجة غير مؤدية حقه كان مباحا فإن كانت غير صبية استحب له فراقها إلا أن تعلق نفسه بها وإن فسد ما بينهما ولا يكاد يسلم دينه معها وجب الفراق زاد ابن بشير حرمته وهو إذا خيف من وقوعه ارتكاب كبيرة وجعله ما جعله اللخمي مباحا مندوبا وجعله اللخمي مندوبا مباحا انتهى. باختصار.

(5/268)


وبلا حاكم وبعوض من غيرها إن تأهل؛
---------------------------
فائدة: ثبت عنه عليه السلام أنه طلق حفصة بنت عمر ثم راجعها وطلق العالية بنت ظبيان وهي كان يقال لها أم المساكين ونكحت في حياته قبل أن ينزل عليه تحريم نسائه وأول من طلق إسماعيل عليه السلام انتهى. بالمعنى من أول كتاب الطلاق من المتيطي والله أعلم. وقول المصنف:"وهو الطلاق بعوض" هذا هو المشهور أن الخلع طلاق وقيل فسخ قال المسيلي: في نكت التفسير قال شيخنا يعني ابن عرفة: كان شخص يقال له النحاس له في امرأته طلقتان فخالعها ثم ردها قبل زوج بناء على أن الخلع فسخ ففرق بينهما ولم يحد للشبهة انتهى. ص: "وبلا حاكم" ش: يعني أن الخلع جائز ولو لم يكن عند الحاكم قال في المدونة: والخلع والمبارأة عند السلطان وغيره جائز انتهى. قال أبو الحسن: خلافا للحسن وابن سيرين انتهى. ص: "وبعوض من غيرها" ش: المراد بالغير الأجنبي قال ابن عبد السلام: قلت: ينبغي أن يقيد المذهب بما إذا كان الغرض من التزام الأجنبي ذلك للزوج حصول مصلحة أو درء مفسدة ترجع إلى ذلك الأجنبي مما لا يقصد به إضرار المرأة وأما ما يفعله أهل الزمان في بلدنا من التزام أجنبي ذلك وليس قصده إلا إسقاط النفقة الواجبة في العدة للمطلقة على مطلقها فلا ينبغي أن يختلف في المنع ابتداء وفي انتفاع المطلق بذلك بعد وقوعه نظر انتهى. ونقله في التوضيح والشامل وقال ابن عرفة: باذل الخلع من صح معروفه والمذهب صحته من غير الزوجة مستقلا.
قلت: ما لم يظهر قصد ضررها بإسقاط نفقة العدة فينبغي رده كشراء دين العدو وفيها من قال: لرجل طلق امرأتك ولك علي ألف درهم فقبل لزم ذلك الرجل انتهى. ولفظ الشامل ودافعه من له التبرع وإن أجنبيا إن قصد مصلحة أو درء مفسدة انتهى. وقول ابن عبد السلام ترجع إلى ذلك الأجنبي ليس بشرط كما يظهر من كلام ابن عرفة بل المقصود أن لا يقصد به ضرر المرأة وهو الذي يظهر من كلام المصنف في التوضيح فإنه أسقط هذا اللفظ من كلام ابن عبد السلام.
تنبيه: قول ابن عبد السلام فلا ينبغي أن يختلف في المنع ابتداء وفي انتفاع المطلق بذلك بعد وقوعه نظر أما المنع من ذلك ابتداء فلا إشكال فيه وأما إذا وقع الطلاق فالظاهر لزومه وسقوط النفقة أما وقوع الطلاق فظاهر لأنه لا يرتفع بعد وقوعه ولا إشكال في بينونته وأما سقوط النفقة به فظاهر أيضا لأن أهل المذهب كلهم مصرحون في باب النفقات بأن البائن لا نفقة لها قال في المدونة: وكل مطلقة لها السكنى وكل بائنة بطلاق بتات أو خلع أو مبارأة

(5/269)


لا من صغيرة وسفيهة،
------------------------------
أو لعان ونحوه فلها السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة إلا في الحمل البين فذلك لها ما أقامت حاملا خلا الملاعنة انتهى. من طلاق السنة قال أبو الحسن: لأن النفقة إنما هي عوض عن الاستمتاع فلما عدم لم يكن لها نفقة انتهى. ثم قال: ولما كانت الرجعة بيده أشبه من هو متمكن من الوطء ونحوه في إرخاء الستور منها ألا ترى أنه لو طلق بنفسه طلاق الخلع من غير عوض أليس بائنا ولا نفقة لها وكذلك لو طلقها بعوض منها وكان ذلك عن ضرر بها فقد قالوا إنها ترجع بالعوض وأما الطلاق فيلزمه وتكون بائنا ولم يذكروا أنها ترجع عليه بالنفقة فتأمله وانظر بهراما الكبير في شرح قول المصنف وتعجيله لها ما لا يجب قبوله وقول ابن عرفة ينبغي رده إن أراد قبل أن يقع الطلاق فظاهر وإطلاق الرد مجاز وإن أراد بعد وقوع الطلاق وأنه يرتفع الطلاق فغير ظاهر والله أعلم.
فرع: قال أبو الحسن: إذا أتى الأجنبي إلى الزوج قبل أن يطلق فقال له لا تفعل فقد بدا لي فذلك له انتهى. ص: "لا من صغيرة وسفيهة" ش: أما السفيهة المولى عليها فالمنصوص ما ذكره المصنف وأما المهملة فذكر في التوضيح فيها ثلاثة أقوال قال: الرجراجي في شرح المدونة المشهور أن ذلك لا يجوز ولذلك والله أعلم. أطلق في السفيهة فسواء كانت ذات أب أو وصي أو مقدم من القاضي أو مهملة لا يصح خلعها وهذا إذا صالحت دون إذن وصيها وأما إن أذن وصيها فيصح الخلع وهو قول المصنف بعد بخلاف الوصي أي فلا يصح خلعه عمن في حجره يريد بغير رضاها وأما إذا رضيت فيصح قال في المدونة: في إرخاء الستور في ترجمة الصلح وللأب أن يخالع على ابنته الصغيرة وإن كان على إسقاط جميع المهر وليس للوصي أو غيره أن يخلعها من زوجها بخلاف مبارأة الوصي عن يتيمة والفرق بينهما أن الوصي يزوج يتيمه ولا يستأمر ولا يزوج يتيمته إلا بإذنها وكذلك يباري عن يتيمه ولا يستأذنه ولا يباري عن يتيمته إلا بإذنها انتهى. وظاهر كلام الرجراجي أنه لا خلاف في جواز خلعه عنها برضاها وانظر ابن سلمون وقال ابن عرفة: وفي خلع الوصي عن يتيمته دون إذنها ثالثها إن لم تبلغ اللخمي عن رواية ابن نافع لا بأس أن يباري الوصي عن يتيمته وإن زوجها أبوها قبل إيصائه إليه مع قول أصبغ إن خالع عمن في ولايته بأقل من نصف المهر قبل البناء على النظر لفساد وقع أو ضرر جاز ولروايتها ولعيسى عن رجوع ابن القاسم إلى جواز مبارأة الوصي والسلطان على الصغيرة إن كان حسن نظر وهو أحسن وعلى الثاني المشهور.

(5/270)


وذي رق ورد المال وبانت.
---------------------------------
قال ابن فتحون والمتيطي: للمحجورة أن تخالع بإذن وليها أو وصيها ثم قال: قلت: فالأرجح عقده على الوصي برضاها لا عليها بإذنها انتهى. ص: "وذي رق ورد المال وبانت" ش: تصوره ظاهر.
فرع: فلو اشترط الزوج في الخلع أنه إن لم يصح له الخلع فالعصمة باقية غير منفصلة فقال في الطراز في ترجمة مبارأة الوصي عن اليتيمة عند قوله لا يلزمها ما أعطته بالغا كانت أو غير بالغ انظر لابن سعدون في شرحه نكاح المدونة فإنه قال في هذه المسألة: إذا اشترط في الخلع الزوج أنه إن لم يصح له الخلع على ما وقع فالعصمة باقية غير منفصلة فالشرط ينفعه ومتى طلب منه ما أخذ كانت زوجته كما كانت فتأمل ذلك انتهى. ونقله ابن سلمون أيضا والبرزلي في مسائل الخلع وهذا الذي قاله غير ظاهر بل هو مخالف لكلام أهل المذهب قال في رسم حلف من سماع ابن القاسم: من طلاق السنة وسئل عمن صالح زوجته أن ترضع ولده سنتين وتكفله أربع سنين بعد ذلك فإن ماتت فأبوها ضامن لنفقته حتى يستكمل ست سنين واشترط عليها إن لم يكن أصل هذا الصلح جائزا فله الرجعة عليها قال مالك: الشرط باطل ولا يصلح في صلح رجل وامرأته أكثر من الرضاع فإن كان قد رضيا بالصلح وتفرقا على ذلك فما كان فوق الرضاع فهو ثابت على الأب ينفق على ولده وما اشترط أنه إن لم يكن هذا الصلح جائزا فله الرجعة فهذا باطل ولا رجعة له عليها قال سحنون: تلزمها النفقة ولو اشترط عليها نفقة خمس عشرة سنة لكان ذلك لازما لها قال ابن رشد: قوله في اشتراط

(5/271)


-------------------------------
الرجعة عليها إن لم يكن الصلح جائزا أنه شرط باطل صحيح بين المعنى في الصحة لأن الشرع قد حكم أن المرأة تبين من زوجها بالصلح كان جائزا أو غير جائز فاشتراطه أن تكون له الرجعة عليها إن لم يكن الصلح جائزا لا يجوز لأنه يخالف حكم الشرع وقد قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط" 1 انتهى. وسيأتي بقية كلامه على هذه المسألة برمته واختصار ابن عرفة له في شرح قول المصنف وبالغرر وقال في النوادر في ترجمة من خالع على أنها إن طلبت ما أعطته أو خاصمته عادت زوجته ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإن شرط إن طلبت ما أعطته عادت زوجة لم ينفعه ولا رجعة له وإن ظننا أن ذلك يلزم فعادت تحته بذلك ووطئها فليفارقا ولها ما رد إليها صداقا ولو صالحته بعد ذلك بشيء أعطته وقد حملت أو على إن أبرأته من نفقة الحمل والرضاع فهذا الصلح باطل ويرد إليها ما أخذ ولها النفقة وله أن يتزوجها بعد أن تضع وإن لم تحمل فبعد الاستبراء وليس بناكح في عدة وروي عن مالك أنه كالنكاح في العدة والمعروف عندنا من قوله ما قلت: لك انتهى. ثم قال: ومن كتاب محمد والعتبية عن أشهب عن مالك قال مالك: وإن شرط إن خاصمته فهي رد إليه فالشرط باطل قال مالك: وإن خالعها على أنها إن كانت حاملا فلا خلع لها وإن لم يكن حمل فذلك خلع قال: قد بانت منه كانت حاملا أو غير حامل قال مالك: في العتبية في سماع ابن القاسم وفي كتاب محمد وإذا خالعها في سفر على أنه إن مات قبل أن يبلغ بلده فما أخذ رد فمات في سفره فالشرط باطل والصلح ماض ولا يتوارثان انتهى. وفيه مسائل غير ما ذكر تدل على ذلك وسيأتي عند قول المصنف: "وبإسقاط حضانتها" مسألة من العتبية تدل على ذلك أيضا والله أعلم. وقوله: "وذي رق" قال:
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب المكاتب باب 3، 1. كتاب الشروط باب 17 النسائي في كتاب الطلاق باب 31.

(5/272)


وجاز من الأب عن المجبرة بخلاف الوصي وفي خلع الأب عن السفيهة: خلاف،
-----------------------------
في الجواهر: والتزام الأمة فاسد واختلاعها بإذن السيد صحيح ولا يكون السيد ضامنا للمال انتهى. وفي مسائل الخلع من البرزلي عن ابن رشد من تمام الخلع إشهاد الأمة على نفسها بالرضا ولكن الأمر نافذ في ذلك ولا يجوز ابتداء كما لا يجوز أن تطلق على نفسها ولا أن يفعل بعبده فعلا يؤدي إلى فسخ نكاحه ص: "وجاز من الأب عن المجبرة بخلاف الوصي" ش: وأما غير المجبرة فلا يجوز إلا بإذنها.
فروع: الأول: قال في المتيطية قال ابن لبابة في وثائقه: ولو كان الأب فوض إلى الوصي العقد قبل البلوغ وبعده لوجب أن يبارئ عنها في قياس قوله انتهى.
الثاني: قال ابن سلمون: فإن عقد الخلع على اليتيمة أو غيرها ولي أو أجنبي فلها الرجوع على زوجها والطلاق ماض وهل يرجع الزوج على الذي عقد معه الخلع إذا لم يضمن ذلك أم لا في ذلك ثلاثة أقوال أحدها أنه يرجع عليه وإن لم يضمن له لأنه هو أدخله في الطلاق وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في كتاب الصلح من المدونة وقول أصبغ في الواضحة والعتبية والثاني: أنه لا رجوع له عليه إلا أن يلتزم له الضمان وهو ظاهر قول ابن القاسم وروايته عن مالك في كتاب إرخاء الستور من المدونة وقول ابن حبيب الثالث: أنه إذا كان أبا أو ابنا أو أخا أو له قرابة للزوجة فهو ضامن وإلا فلا وهو قول ابن دينار انتهى. وكلام أصبغ المذكور في نوازله من كتاب التخيير وقال ابن عرفة: ابن رشد لو صالح عنها أجنبي دون إذنها ففي ضمانه العوض وإن لم يشترط أو يشترطه قولان لأصبغ في نوازله كالواضحة مع ابن حبيب وصلح المدونة وظاهر قول ابن القاسم في روايته في إرخاء الستور منها مع سماعه يحيى ولابن رشد في التخيير وثالثها لابن دينار إن كان أبا أو ابنا أو أخا ضمن انتهى.
الثالث: ظاهر كلامهم أنه لا خلاف في وقوع الطلاق بائنا فلو راجعها الزوج معتقدا أن ذلك الطلاق رجعي أو مقلد لمن يراه من أهل المذهب ثم دخل بها ووطئها ولم يحكم له

(5/273)


وبالغرر: كجنين،
---------------------------
بصحة الارتجاع حاكم يرى ذلك ثم رفع لحاكم مالكي يرى أن الأول بائن فالظاهر أن للحاكم أن يحكم بالبينونة ويكون وطؤه وطء شبهة وانظر كلام البرزلي في مسائل الأيمان في أوائله بنحو الكراسين في مسألة من قال: لأخي زوجته إن تركت لي ما لأختك علي فقد خليتها فقال له الأخ قد تركت.
الرابع: قال ابن سلمون: وإن عقدته المرأة وضمن للزوج وليها أو غيره ما يلحقه من درك في الخلع المذكور ثم ظهر ما يسقط التزامها من ثبوت ضرر أو عدم أو غير ذلك ففي ذلك قولان أحدهما أن الضامن يغرم للزوج ما التزمه والثاني: أنه لا شيء عليه وكذا في البيع الفاسد انتهى. ص: "وبالغرر كجنين" ش: قال ابن عرفة: والخلع بذي غرر قد يجب عليها يوما ما جائز لنقل ابن رشد يجوز على مجرد رضاع الولد اتفاقا وإن كان فيه غرر لاحتمال موته قبل تمام أمده لوجوبه عليها في عدم الأب وفيما لا يجب ثالثها فيما لا يقدر على إزالته كالآبق والجنين والثمرة قبل بدو صلاحها لا فيما يقدر على إزالته كالخلع على التزام نفقة الولد بعد الرضاع أعواما للقدرة على إزالته بشرط أن لا يسقط النفقة عنها بموته انتهى. ويشير بذلك لكلام ابن رشد في شرح مسألة رسم حلف من سماع ابن القاسم المتقدم ذكره في شرح قول المصنف: "ورد المال وبانت الموعود بذكره" ونصه إثر كلامه في قول المصنف: "ورد المال وبانت" وقوله أي في العتبية "ولا يصلح في صلح رجل وامرأة أكثر من الرضاع" هو مثل قوله في المدونة: "وإنما لم يجز لأنه غرر قد يموت الصبي قبل الأجل الذي التزمت نفقته إليه" ومن قوله إن الخلع بالعبد الآبق والبعير الشارد والجنين والثمرة قبل بدو صلاحها جائز فقيل اختلاف من قوله وقيل الفرق بين المسألتين أن غرر الآبق وما أشبهه لا يقدر على إزالته وقد تدعو المرأة الضرورة إلى المخالعة وليس لها إلا ذلك وغرر التزام نفقة الولد أعواما تقدر على إزالته بأن تشترط أن لا تسقط النفقة عنها بالموت وأن يكون للزوج أن يأخذها إلى الأجل الذي سماه وإن بعد وكذلك ما أشبه النفقة فيما يقدر على إزالته كالصلح بمال إلى أجل مجهول وما أشبه ذلك فتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها هذا الثاني: أن الخلع بالغرر جائز كان الغرر مما يقدر على إزالته أو لا يقدر هو قول المخزومي في المدونة وقول سحنون هنا والثالث: أن ذلك لا يجوز مطلقا قدر على إزالته أم لا وهو قول ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع

(5/274)


وغير موصوف وله الوسط وعلى نفقة حمل إن كان وبإسقاط حضانتها.
----------------------------
عيسى من هذا الكتاب لأنه إذا لم يجزه بالذي لا يقدر على إزالته فأحرى أن لا يجيزه إلا بما يقدر على إزالته واختلف على القول بأن الخلع بالغرر لا يجوز إذا لزم الزوج الطلاق وأبطل ما خالع عليه هل يرجع على المرأة بشيء أم لا فقوله في المدونة وهنا أنه لا رجوع عليها بشيء والثاني: أنه يرجع عليها إذا بطل الجميع بخلع المثل وإذا أبطل البعض بمقدار ذلك الجزء مع خلع المثل وأما المخالعة على رضاع الولد خاصة فلا خلاف في جواز ذلك وإن كان فيه غرر إذ قد يموت الولد قبل انقضاء أمد الرضاع لأن الرضاع قد يتوجه عليها في عدم الأب فلما كان قد يتوجه عليها استخف الغرر فيه ولا رجوع للأب عليها بشيء إذا مات الولد قبل انقضاء أمد الرضاع إذا كانا إنما عملا على إن بارأته من مؤنة رضاعه بإفصاح وبيان واختلف إذا وقع الأمر مبهما فحمله مالك في المدونة على ما تأوله عليه ابن القاسم أنها إنما أبرأته من مؤنة رضاعه فلا رجوع عليها بشيء قال: وما رأيت أحدا طلب ذلك وفي المختصر الكبير لو طلب ذلك لكان له فيه قول انتهى. وسيتكلم المصنف بعد هذا على خلع الزوج بشرط نفقة ولدها مدة رضاعه وعلى خلعه بشرط نفقته أزيد من مدة الرضاع وأنه إن خالعها على أزيد من مدة الرضاع أنه يسقط الزائد على مدة الرضاع فاقتضى كلامه هناك أنه مشى على خلاف قول المخزومي ومن وافقه من أن الخلع بالغرر يجوز مطلقا سواء قدر على إزالته أم لا ونبه على ذلك ابن غازي هناك والله أعلم.
تنبيهان: الأول: قال المتيطي: من أراد العقد على إزالة الغرر وإجازته على مذهب مالك وابن القاسم فقد حكى بعض الشيوخ من القرويين وقاله غير واحد من الموثقين أنهما إذا شرطا ثبوت النفقة بعد الوفاة كثبوتها قبلها جاز وارتفع الغرر وهو مثل ما لو باع على أن ينفق المشتري عليه مدة معلومة فهو جائز وإذا جاز في البيع فهو في الخلع أجوز وتقدم ذلك في كلام ابن رشد أيضا ثم قال المتيطي: أيضا ومما يجمع به أيضا بين القولين أن ابن حبيب حكى في كتابه عن ابن القاسم فيمن أبان امرأته على أن تسلم ولدها منه إليه فإن أرادت أخذه فلا يكون ذلك لها إلا بأن تلتزم نفقته وتسقط عن الأب مؤنته أن ذلك خلع تام لازم وحكى مثله أيضا أبو عمران عن فضل بن مسلمة ويعقد فيه وذكر كيفية العقد.
الثاني: قال في المتيطية أيضا: إذا خالعها عن نفقته إلى الحلم على القول بجوازه فبلغ مجنونا أو زمنا عادت نفقته على الأب ولو قال: إلى حين سقوط النفقة عن الأب لزمت المرأة النفقة حينئذ انتهى. ص: "وبإسقاط حضانتها" ش: تصوره واضح وإذا أسقطت هي حضانتها

(5/275)


ومع البيع وردت لكإباق العبد معه نصفه وعجل المؤجل بمجهول وتؤولت أيضاً بقيمته وردت دراهم رديئة إلا لشرط؛
------------------------
فتنتقل الحضانة لمن بعدها على الذي جرى به العمل قاله المتيطي ونقله المشذالي في الشفعة وأظنه في ابن يونس في كتاب الخلع وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله في باب الحضانة.
تنبيه: إذا خالعها على إسقاط حضانتها وهي حامل هل يلزمها أم لا الظاهر لزومه وليس ذلك من باب إسقاط الحضانة قبل وجوبها قال: في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من طلاق السنة وسئل مالك عن رجل صالح امرأته وهي حامل وشرط عليها أن لا نفقة عليه حتى تضع حملها فإذا وضعت حملها أسلمته إلى أبيه فإن طلبته فنفقته ورضاعه عليها حتى تفطمه فإن لم تستقم له بذلك فهي امرأته قال مالك: الصلح جائز وكل ما شرط عليها جائز إلا ما اشترط أنها ترجع إليه فليست ترجع إليه وقد بانت منه قال ابن رشد: وهذا كله كما قال: لأن ما شرط عليها حق لها فجاز أن يشترط عليها حاشا الرجعة انتهى. ص: "

(5/276)


وقيمة: كعبد استحق والحرام: كخمر ومغصوب وإن بعضاً ولا شيء له: كتأخيرها ديناً عليه وخروجها من مسكنها وتعجيله لها ما لا يجب قبوله وهل كذلك إن وجب أو لا: تأويلان وبانت ولو بلا عوض نص عليه
----------------------------
"وقيمة كعبد استحق" ش: قال في الجواهر: ولو خرج حرا رجع بقيمته أيضا أن لو كان عبدا وقيل: لا يرجع بشيء ولو قال إن أعطيتني هذا الحر وقع الطلاق بإعطائه رجعيا انتهى. ص: "ومغصوب وإن عبدا ولا شيء له" ش: هذا إذا كان الزوج عالما بذلك وأما إن لم يعلم فسيأتي أنها إذا خالعته بشيء واستحق فإن كان لها فيه شبهة فله قيمته وإن كان لا شبهة لها فيه لم يلزمه وهذا يفهم من لفظ الجواهر وما لو خالعته بخمر أو خنزير أو مغصوب فلا يختلف في المنع ابتداء ونفوذه إذا وقع والمنصوص لا شيء للزوج فيه والله أعلم. ص: "وخروجها من مسكنها" ش: قال: في إرخاء الستور من المدونة وإن خالعها على أن لا سكنى لها عليه فإن أراد إلزامها كراء المسكن جاز ذلك كان المسكن لغيره أو كان له وسمي الكراء وإن كان على أن تخرج من منزله تم الخلع ولم تخرج ولا كراء له عليها وانظر الجزولي في شرح قول الرسالة أو للحامل كانت مطلقة واحدة أو ثلاثا ص: "وبانت ولو بلا عوض نص عليه" ش: يعني أن الخلع طلاق بائن ولو وقع بغير عوض إذا نص عليه أي على الخلع بأن صرح به قال في النوادر: ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن قال أنت

(5/277)


أو على الرجعة: كإعطاء مال في العدة على نفيها: كبيعها، أو تزويجها.
-------------------------------
طالق واحدة بائنة فهي ألبتة في التي بنى بها وإن قال هي طالق طلاق الخلع فهي واحدة بائنة وكذلك إن قال خالعت امرأتي أو باريتها أو افتدت مني لزمته طلقة بائنة قال أصبغ: إن قال لها أنت صلح أو طالق طلاق الصلح أو قد صالحتك أو يقول اشهدوا أني قد صالحت امرأتي وهي غائبة أو حاضرة راضية أو كارهة أخذ منها عوض أو لم يؤخذ فهي طلقة بائنة وكذلك قوله أنت مبارية أو طلقتك طلاق المبارأة أو قد بارأتك رضيت أو لم ترض انتهى. ونحوه في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب التخيير قال في المدونة: ولا بأس بالمبارأة على أن لا تعطيه ولا تأخذ منه شيئا وهي طلقة بائنة انتهى. وقال في معين الحكام ويكره للرجل أن يطلق طلقة مبارأة أو خلع أو صلح دون أخذ أو إسقاط لوقوعها خلاف السنة فإن فعل ففيها ثلاثة أقوال: مذهب ابن القاسم أنها طلقة بائنة وبه القضاء وتملك المرأة نفسها بهذا الطلاق ولا يجبر على رجعتها إن كانت حائضا أو نفساء والقول الثاني: أنها طلقة رجعية والقول الثالث: يلزمه الثلاث انتهى. وقاله في المتيطية والتوضيح وغيرهما ص: "أو على الرجعة" ش: هذا خلاف ما صدر به ابن الجلاب ونصه ولو خالعها على أن له الرجعة إليها

(5/278)


والمختار: نفي اللزوم فيهما، وطلاق حكم به؛ إلا لإيلاء وعسر بنفقة؛ لا إن شرط نفي الرجعة بلا عوض، أو طلق، أو صالح وأعطى. وهل مطلقا، أو إلا أن يقصد الخلع؟ تأويلان،
----------------------------------
لصحت رجعته وقيل لا يكون له رجعة وشرطه باطل ص: "أو طلق أو صالح وأعطى" ش: أما إن طلق وأعطى فتصوره واضح وأما إذا صالح وأعطى فمعناه والله أعلم. أن يلفظ بالصلح فيقول صالحيني على أن أعطيك مائة دينار مثلا وخالعني على أن أعطيك فإن الصلح والخلع يطلق على ما لم يكن فيه إعطاء من الزوجة أو يقول لها خذي هذا الألف واتركي مهرك وأنا أطلقك ونحو ذلك والله أعلم. قال في المدونة: فيمن خالعها على عبد لها وزاد لها ألفا وإن كانت قيمة العبد أقل من الألف فهو كمن صالح زوجته على أن يعطيها من عنده مالك فالصلح جائز ولا يرجع عليها بشيء مما دفع إليها وقال ابن عرفة: وفيها أخالعك على أن أعطيك مائة دينار فقبلتها هي طلقة بائنة وكذا لو لم يعطها وانظر بقية كلامه وفي الجواهر وقد روي فيمن قال أخالعك على أن أعطيك مائة درهم فقبلت كانت بائنة لا يملك رجعتها وكذلك لو لم يعطها الزوج شيئا فخالعها فهي أيضا بذلك بائن انتهى. إلا أن في جعل المصنف إذا طلق وأعطى مثل إذا صالح وأعطى نظر لأن المذكور فيه الخلاف في المدونة وابن الحاجب وغيرهما ما إذا طلق وأعطى قال: في إرخاء الستور من المدونة وإن لم يكن لها عليه مهر ولا دين فخالعها على أن أعطاها شيئا أو لم يعطها فذلك خلع ولا رجعة له وروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن طلق وأعطى أن له الرجعة وليس بخلع وروي عنه أنها واحدة بائن وأكثر الرواة على أنها غير بائن لأنه إذا لم يأخذ منها فليس بخلع وهو رجل طلق وأعطى انتهى. لكن المصنف قال في التوضيح: في شرح قول ابن الحاجب وفيها فيمن طلق وأعطى أكثر الرواة رجعية وهذا الاختلاف إنما هو في موطأ ابن وهب والأسدية والموازية فيمن صالح وأعطى وليس فيمن طلق وأعطى قال في النكت: وهذا هو الصحيح والنقل الذي في المدونة ليس بصحيح ولا خلاف فيمن طلق وأعطى أن له الرجعة لأنه إنما وهبها هبة وطلقها وليس من الخلع في شيء انتهى. ص: "وهل مطلقا أو إلا أن يقصد الخلع تأويلان" ش: قال في

(5/279)


وموجبه: زوج مكلف ولو سفيها،
---------------------------------
النوادر في ترجمة الخلع بغير عطية في كتاب ابن المواز: وإن لم يقصد قصد الصلح وقال أنت طالق ولي متاعي وقال ولك متاعك أو قال ولك زيادة كذا فله الرجعة قال ابن وهب عن مالك: وإذا صالحها على أن أعطاها شيئا من ماله جهلا أو ظنا أنه وجه الصلح قال: هي طلقة وله الرجعة ثم رجع فقال لا رجعة له إذا كان منهما على وجه الصلح وقاله الليث قال: محمد وعلى قوله الآخر العمل انتهى. وقال قبله ومن كتاب ابن المواز وإذا تداعيا إلى الصلح وافترقا عليه وإن لم يأخذ منها شيئا فهو فراق كما لو أخذ منها وإذا قصد إلى الصلح بغير عطية أو على أن يأخذ متاعه ويسلم إليها متاعها فذلك خلع لازم قاله مالك في العتبية من سماع ابن القاسم قال: وتكون بائنا قال: أنت طالق أو لم يقل انتهى. ص: "وطلاق حكم به" ش: وكذلك المفقود والكافر إذا أسلم في عدة زوجته ويأتي في آخر فصل الطلاق مسائل من هذا الباب والله أعلم. ص: "وموجبه زوج مكلف" ش: لم يشترط فيه الإسلام كما قال ابن الحاجب: لأنه قال في التوضيح: اشتراط الإسلام مع كون المرأة مسلمة لا يظهر له كبير معنى انتهى. ص: "ولو سفيها" ش: قال المتيطي: إلا أن يكون الخلع على أن يعطيها فالخلع باطل والمال مردود انتهى. وكأنه يعني أن الطلاق يلزمه ويرد المال وقال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب وفي خلع السفيه قولان نحوه في الجواهر زاد وإذا صححناه فلا يبرأ المختلع بتسليم المال إليه بل إلى وليه انتهى. وقال ابن عرفة: وقول ابن شاس: "اختلف في خلع

(5/280)


أو ولي صغير: أبا، أو سيدا، أو غيرهما؛ لا أب سفيه،
-------------------------------
السفيه" لا أعرفه قال: وعلى صحته لا يبرأ المختلع بتسليم المال إليه بل إلى الولي وقال اللخمي إن كانت رشيدة والزوج سفيها مضى الخلع لأن الطلاق لا يرد وإن كان في الخلع غبن كمل له خلع المثل.
قلت: فيجب صرف الخلاف الذي نقله ابن شاس لتكميل خلع المثل لارتفاع رفع الطلاق وتفسير ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب مجمل وظاهر كلام الموثقين براءة المختلع بدفع الخلع للسفيه دون وليه قال ابن فتحون والمتيطي: لا يفتقر المبارىء للولي لأن لطلاق إنما هو للسفيه بخلعه يأخذ منه أو يسقط دينا عليه بلا إذن الوصي في ذلك.
قلت: لأنه عوض مثمون السفيه مستقل به فصار كهبة انتهى. ص: "وولي صغير أبا أو سيدا أو غيرهما" ش: أي وصيا أو حاكما قال: في الشامل وجاز لولي صغير وإن وصيا وحاكما كأب انتهى.
فرع: قال في الشامل: ولا يطلقون بلا عوض على الأصح انتهى. وتبع في حكايته الخلاف المصنف في التوضيح وقال الرجراجي في كتاب إرخاء الستور في المسألة الرابعة: إنه لا خلاف في أنه لا يجوز لوليه أن يطلق عليه إلا على مال والله أعلم. وقال في الخلع من المدونة: وإذا زوج السيد عبده الصغير لم يطلق عليه إلا بشيء يأخذه له وروى ابن نافع عن مالك فيمن زوج وصيفه وصيفته ولم يبلغا أنه جائز فإن فرق السيد بينهما على النظر والاجتهاد جاز ذلك ما لم يبلغا وقال ابن نافع: لا يجوز إلا ما كان على وجه الخلع انتهى. قال في التوضيح: بعد نقله لكلام المدونة المذكور وظاهره أنه يتفق على جواز المخالعة ويختلف في طلاقه عليه بغير عوض عياض ومذهب ابن القاسم في الكتاب في تطليق السيد على عبده الصغير لاق لسنة عند غير واحد وروايته عن مالك مثل مذهب ابن نافع أنه لا يجوز إلا ما كان على وجه الخلع وأن رواية ابن نافع تخالف ذلك إذ لم يشترط الخلع ويجوز إذا كان نظرا بغير خلع إذا حمل على ظاهره وهو قول أكثرهم وحمل بعضهم الكل على الوفاق وقال ابن كنانة وقد قيل إنه لا يجوز وإن كان على وجه الخلع لأن للسيد انتزاعه فكأنه أخذه لنفسه انتهى. وانظر ابن عبد السلام ص: "لا أب سفيه" ش: يعني فأحرى غيره من الوصي ومقدم القاضي قال في التوضيح: في شرح كلام ابن الحاجب وليس لولي السفيه ولو كان أبا أن يخالع عنه على المشهور لأن الطلاق بيد السفيه انتهى. وصرح بتشهير هذا القول المتيطي.

(5/281)


وسيد بالغ، ونفذ خلع المريض
--------------------------------
ص وسيد بالغ" ش: قال الشارح: أي لا يجوز لسيد العبد البالغ أن يخالع عنه انتهى. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وكذلك السيد في عبده وأمته لا يمضي خلع السيد عليهما بغير اختيارهما انتهى. وما ذكره ابن فرحون في الأمة البالغة وأن السيد لا يخالع عليها غير ظاهر وقد صرح الرجراجي في المسألة الرابعة من كتاب إرخاء الستور بأن له أن يخالع عليها بغير رضاها وهو ظاهر كلام الشامل حيث قال: ولسيد عن أمة وعبد صغير وإن كرها على المشهور فقيد العبد بالصغر دونها وهو ظاهر كلام التوضيح فإنه بحث مع ابن بشير في قوله وهل يجوز الخلع عن العبد أو الأمة بغير اختيارهما قولان المشهور جوازه والشاذ منعه فإنه قال: فانظره مع كلام ابن عبد السلام وأشار بذلك لما قدمه عن ابن عبد السلام في حل قول ابن الحاجب وبخلاف السيد في العبد مراده العبد البالغ ثم قال في التوضيح: إلا أن يكون مراد ابن بشير العبد الصغير وقد نص في المدونة على أن العبد الكبير ليس للسيد أن يخالع عنه ولم أقف على القول بأن للسيد أن يخالع عنه وإن ثبت فهو مشكل انتهى. فمناقشته مع ابن بشير في إطلاقه في العبد وسكوته عن إطلاقه في الأمة ظاهره يقتضي أن الأمة يجوز للسيد أن يخالع عنها سواء كانت بالغة أو غير بالغة فتأمله والله أعلم.
تنبيه: الأمة البالغة قد تقدم أنه لا يمضي خلعها عن نفسها إلا بإذن السيد وأما العبد البالغ فيجوز قال: في المتيطية وأما العبيد الكبار فحكم الذكور منهم حكم السفيه البالغ ويطلق بغير إذن سيده وتختلع منه امرأته وينفذ ذلك إلا أن يكون الخلع على أن يعطيها من عند نفسه فيكون الخلع نافذا والمال إن رده السيد مردود انتهى.
فرع: قال: في المسائل الملقوطة من المسائل التي انفرد بها مالك إذا اختلعت الأمة من زوجها على شيء بغير إذن سيدها فاسترجعه المولى منه فليس للزوج أن يرجع عليها بشيء إذا عتقت انتهى.
فرع: قال ابن عرفة: ابن بشير ذو عقد حرية على عدم جبره على النكاح لا يخالع عنه وعلى جبره في الخلع قولان انتهى. ص: "ونفذ خلع المريض" ش: قال في التوضيح: عبر ابن الحاجب بالنفوذ ولم يعبر بالجواز لأن الإقدام عليه لا ينبغي لأنه طلاق في المرض انتهى. وقال الشارح إنما قال نفذ ولم يقل جاز تنبيها على أن الإقدام على ذلك ابتداء لا يسوغ انتهى. من الكبير ونحوه في الصغير وقال الشيخ يوسف بن عمر في شرح قول الرسالة في باب النكاح:

(5/282)


وورثته دونها كمخيرة ومملكة فيه، ومولى منها،
-----------------------------
ولو طلق المريض تكلم أبو محمد على الوقوع وهل يجوز ذلك أم لا فقال مالك: لا يجوز ذلك لأن فيه إخراج الوارث وقد نهى عليه السلام عن إخراج الوارث إلا أن على هذا التعليل يجوز طلاق من لا يرث مثل الأمة والكتابية وقيل لا يجوز ذلك إذ تعتق الأمة وتسلم الكتابية انتهى. وفي رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من طلاق السنة قال مالك: من حجتنا في الذي يتزوج وهو مريض أنه ليس له ميراث لأنه يمنع أن يطلق وهو مريض فكما يمنع من الطلاق وهو مريض لحق امرأته في الثمن فإنه لا ينبغي أن يدخل عليها من ينقصها من ثمنها ابن رشد هذا بين لأن المعنى الذي من أجله لم يجز أن يطلق في المرض موجود في النكاح فلا يجوز له أن يدخل وارثا على ورثته كما لا يجوز له أن يخرج عنهم وارثا انتهى. فعبر مالك بالمنع مرتين وعبر ابن رشد بعدم الجواز وفي كلام ابن يونس وأبي الحسن والرجراجي أنه ممنوع وفي المتيطية وطلاق المريض وخلعه جائز ويصح له ما أخذ من الزوجة غير أنه إن مات من مرضه قبل ظهور صحته ورثته المرأة بائنا كان أو رجعيا انتهى. فظاهره أنه جائز ابتداء ويمكن أن يحمل قوله جائز على أن المراد لازم والله أعلم. ص: "وورثته" ش: أشار إلى أن طلاق المريض وإن كان بائنا لا يمنع الزوجة الميراث وأما غير ذلك من أحكام الطلاق فتترتب عليه قال ابن الحاجب: في الكلام على من هو أهل للطلاق وطلاق المريض وإقراره به كالصحيح في أحكامه وتنصيف صداقه وعدة المطلقة وسقوطها في غير المدخول بها إلا أنها لا ينقطع ميراثها هي خاصة إن كان مخوفا قضى به عثمان رضي الله عنه لامرأة عبد الرحمن قال في التوضيح: وترثه سواء كان طلاقها بائنا أو رجعيا ثلاثا أو واحدة انقضت عدتها أم لا انتهى. وترثه من جميع ما ترك حتى ما اختلعت به منه هذا مذهب المدونة قاله في التوضيح قال: وروي عن مالك أنها لا ترث منه لضعف التهمة لأن الفراق وإن كان ابتداؤه منه لم يستقل به وإنما تممته هي أو غيرها وهذا مقابل المعروف انتهى. يعني مقابل المعروف في قول ابن الحاجب على المعروف وأنكره ابن عرفة والله أعلم. ص: "كمخيرة" ش: أشار إلى أنه لا فرق في كون الفراق من الرجل أو من المرأة فسخا كما في اللعان أو طلاقا كما في غيره تسببت المرأة في

(5/283)


وملاعنة، أو أحنثته فيه، أو أسلمت أو عتقت؛ أو تزوجت غيره وورثت أزواجا؛ وإن في عصمته. وإنما ينقطع بصحة بينة.
--------------------------------
ذلك كما إذا أحنثته أم لا ص: "وملاعنة" ش: قال في التوضيح:
فرع: ابن محرز وغيره وإذا لاعن في المرض انتفى الولد لأن الأنساب لا تهمة فيها ألا ترى أنه لو استلحق ولدا في المرض لحق به ولم يتهم فكذلك إذا نفاه انتهى.
فرع: لو ارتد المريض لم ترثه زوجته ولا غيرها من ورثته.
فإن قيل: إذا وجب الميراث في اللعان مع كونه فسخا ففي الردة أولى لأنها طلاق والفسخ أقوى في حل العصمة.
فالجواب أن اللعان خاص بالمرأة فاتهم بخلاف الردة لأنه يمنع سائر الورثة قاله في التوضيح.
فرع: قال: فيه اللخمي ولو عاد للإسلام ثم مات بقرب ذلك ورثه ورثته دون زوجته على مذهب ابن القاسم لأن الردة عنده طلاق بائن والإسلام ليس مراجعة وترثه على قول أشهب وعبد الملك لأنهما يريان إذا عاد للإسلام أنها تعود زوجة على الأصح بل طلاق انتهى. وما قاله اللخمي غير ظاهر ولهذا قال ابن عرفة: بعد ذكره كلامه قلت: الأظهر أن ترثه زوجته على قول ابن القاسم أيضا لأنه مطلق في المرض ورافع تهمة نفيه لإسلامه انتهى. وما قاله ابن عرفة ظاهر.
فرع: قال في التوضيح: وألحق الشيخ أبو إسحاق بالردة ما إذا طلق عليه في المرض بسبب جنون أو جذام أو لعان أو نشوز منها في المرض وفي الباجي إن المطلقة لنشوز منها كالمخالعة والملاعنة في أن حكم الميراث باق خلافا لأبي حنيفة ولم يذكر في ذلك خلافا انتهى. وقال ابن عرفة: وجعل التونسي الطلاق عليه في مرضه بجنون أو جذام كالردة واضح إلا أن في الحكم عليه به في مرضه نظرا والصواب تأخيره وقول ابن عبد السلام النشوز منها كالمرض في الردة مشكل إذ لا أثر للنشوز في الفرقة انتهى.

(5/284)


ولوصح ثم مرض فطلقها ثانية: لم ترث إلا في عدة الطلاق الأول. والإقرار به فيه:كإنشائه. والعدة: من الإقرار.ولو شهد بعد موته بطلاقه؛ فكالطلاق في المرض
----------------------------
فرع: إذا علم أن المطلقة في المرض وارثة فلا تصح الوصية لها وإن أوصى بأكثر من الثلث أو لوارث وقف على إذنها وإن قتلته خطأ ورثت من المال دون الدية وعمدا لم ترث منها قاله في التوضيح ص: "ولو صح ثم مرض فطلقها لم ترث إلا في عدة الطلاق الأول" ش: أي ولو طلق زوجته طلاقا رجعيا في المرض ثم صح من مرضه صحة بينة ثم مرض فطلقها في المرض الثاني: قبل أن يراجعها طلقة أخرى رجعية أو بائنة فإن مات قبل انقضاء العدة من الطلقة الأولى ورثته لأن لطلاق في الصحة لا يمنع الميراث إن مات المطلق في العدة فأحرى الطلاق في المرض وإن مات بعد انقضاء العدة لم ترث الزوجة لأن ميراثها قد انقطع بسبب الصحة الكائنة بعد الطلاق الأول ولا عبرة بالطلقة الثانية لأنها لا تستأنف عدة لها وإنما تحسب عدتها من الطلقة الأولى وإن كان قول المصنف إلا في عدة الطلاق الأول يوهم أن ثم عدة أخرى أما لو راجعها انفسخت العدة التي للطلاق الأول ثم إن طلقها بعد ذلك في المرض فله حكم المطلق في المرض وفرضنا الطلاق الأول رجعيا لأنه لو كان بائنا لم يلحق الطلاق الثاني: بعده وانقطع الميراث بالصحة التي حصلت بعده ولو طلقها في المرض طلاقا رجعيا ثم صح فأبانها في الصحة فإنها لا ترثه وسواء مات في العدة أو بعدها وسواء كان ارتجعها أم لا وهكذا ذكر ابن شاس وابن الحاجب وانظر التوضيح والله أعلم. ص: "ولو شهد بعد موته بطلاقه فكالطلاق في المرض" ش: قال: في رسم طلق من سماع ابن القاسم من طلاق السنة وسئل مالك عن الرجل يشهد عليه بأنه طلق امرأته ألبتة وقد ماتت أترى أن يرثها قال: لا وحين قيل له أفرأيت إن مات هو أفترى أن ترثه قال: ليس هي مثله نعم ترثه قال سحنون: معناه أن الشهود كانوا قياما معه يعني حضورا معه في البلد فلم يقوموا عليه حتى مات ابن رشد قول سحنون: "معناه كانوا قياما فلم يقوموا حتى مات" ليس بصحيح إذ لو كانوا قياما معه فلم يقوموا لوجوب أن يرث كل واحد صاحبه لأن شهادتهم كانت تبطل

(5/285)


----------------------------
بترك قيامهم بها وإنما وهم سحنون في تفسير قول مالك هذا والله أعلم. لما وقع في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة من قول يحيى بن سعيد في شهود شهدوا على رجل بعد موته أنه طلق امرأته لا تجوز شهادتهم إذ كانوا حضورا ولامرأته الميراث وكذلك يقول يحيى بن سعيد أيضا لو ماتت هي أن له الميراث من أجل سقوط شهادة الشهود لحضورهم فليس معنى مسألة مالك يعني المسألة المتقدمة التي فرق فيها بين أن يشهدوا بعد موته أو بعد موتها إلا إن كانوا غيبا وكذلك وقع في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من الأيمان بالطلاق وأن الشهود كانوا غيبا لا يتهمون فمالك أحق بتبيين ما أرادوا ووجه تفرقته بين ميراثه منها وميراثها منه هو أنه إذا كان هو الميت فلم يعذر إليه في شهادة الشهود ولعله لو أعذر إليه فيهم لا تبطل شهادتهم فرأى لها الميراث من أجل أن الشهادة لا يجب الحكم بها إلا بعد الأعذار إلى المشهود عليه وإذا كانت هي الميتة أمكن أن يعذر إليه وأنه عجز عن المدفع وجب الحكم بالطلاق يوم وقع فلم يكن له ميراث منها.
وقال محمد بن المواز: إنما ورثته ولم يرثها لأنه كالمطلق في المرض لأن الطلاق وقع يوم الحكم ولو لم يقع يوم الحكم لكان فيه الحد قال: أبو إسحاق وهو كلام فيه نظر لأن الحاكم إنما ينفذ شهادة البينة وهي تقول إن الطلاق وقع قبل الموت وإنما درأ الحد بالشبهة إما لنسيانه وإما لإمكان أن يكون صادقا في إنكار الشهادة ولو كان الطلاق وقع بعد الموت أورثها هو أيضا والقياس أنها لا ترثه كما لا يرثها لأن الأعذار يجب إليهما لا يرثها وإن لم يعذر إليها لا ترثه وإن لم يعذر إليه وهو قول سحنون ويحيى بن عمر وسيأتي في رسم بع من سماع عيسى طرف من هذا المعنى وبالله التوفيق انتهى. وقال في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من الكتاب المذكور وسئل مالك عن رجل أقر عند قوم أنه بارأ امرأته ثم زعم بعد ذلك أنه كان مازحا ولم يبارئ وأنكرت هي تكون بارأته قال: إذا شهد عليه بإقراره بانت منه بواحدة ولا رجعة له عليها إلا بنكاح جديد وإن مات في عدتها ورثته ولم يرثها ابن رشد في الميراث لا يصح بوجه لأن قوله لا رجعة له عليها يدل على أن الشهادة كانت عليه في حياته فإذا حكم عليه في حياته بأنها بائنة منه وجب أن لا يكون بينهما ميراث ولو كانت الشهادة عليه بعد موته لوجب ما قلناه في معنى مسألة رسم طلق من سماع ابن القاسم أن ترثه ولا يرثها مات في العدة أو بعدها لأنه طلاق بائن ولا وجه لقوله وإن مات في عدتها على كل حال انتهى. ونص ما في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق وقال عن مالك في رجل مات عن امرأته فجاء شهود عدول لا يتهمون فشهدوا أنه قد طلقها منذ سنين أنها ترثه ولو ماتت لم يرثها قيل له فما الحجة في أنها ترثه قال: أرأيت لو كان قائما فشهدوا عليه أترجموه قلت: لا قال: فما يدرينا ما كان يدرأ به عن نفسه قال ابن القاسم وهو رأيي وتعتد أربعة أشهر وعشرا.

(5/286)


-------------------------------
قال ابن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها في رسم طلق من سماع ابن القاسم من طلاق السنة فلا معنى لإعادته انتهى. وكلام المدونة الذي أشار إليه ابن رشد هو في آخر كتاب الأيمان بالطلاق ونصه قال: يحيى بن سعيد ومن طلق وأشهد ثم كتم هو والبينة ذلك إلى حين موته فشهدوا بذلك حينئذ فلا تجوز شهادتهم إن كانوا حضورا ويعاقبون ولها الميراث انتهى. فذكر الشيخ أبو الحسن كلام ابن المواز وذكر ما في سماع ابن القاسم من طلاق السنة وكلام سحنون فيه وقال بعده ابن يونس يجب على هذا أن لا يثبت الطلاق وترثه ويرثها وقد رواها عيسى عن ابن القاسم عن مالك أن الشهود كانوا غيبا سنين وقال يحيى بن عمر لا ترثه انتهى. ثم ذكر أبو الحسن عن عبد الحميد أنه فرق بين كونها ترثه ولا يرثها بما نصه عبد الحميد والفرق بين الموضعين أن الحكم بالطلاق لا يتصور على ميت وإنما يتصور على حي فإذا كان الزوج هو الميت فحكم عليه بالطلاق وقع عليه من آخر أجزاء حياته ومن طلق في تلك الحال ورثته زوجته فإذا كانت الزوجة هي الميتة لم يرثها لأن من طلق امرأته وهي مريضة لم يرثها وكذلك لو ماتا جميعا فإن كان الزوج هو الميت الأول ورثته وإن كانت الزوجة هي الميتة أولا لم يرثها ويشهد لهذا الذي عللناه قول ابن المواز في توريثها منه إذا كان هو الميت لأنه طلاق في المرض الشيخ ووجه قول يحيى بن عمر لا ترث نظرا إلى يوم وقع الطلاق انتهى. وذكر في المتيطية كلام ابن رشد الخ لم يعزه له صريحا.
قال بعض الشيوخ ثم قال بعده: وما قاله أبو إسحاق معترض من قوله إنما درأ الحد بالشبهة فكان يجب على هذا أن لو شهد أربعة على رجل بالزنا شهادة يجب بها حده وأنكر الشهادة أن يكون صادقا في إسقاط الشهادة وهذا لا يقوله أحد والله أعلم. انتهى. قال ابن عرفة: بعد ذكره الكلام المتقدم يرد تعقبه على أبي إسحاق بأن الشبهة عنده هي مجموع ما ذكر وإمكان نسيانه حنثه في زوجته انتهى. فتحصل من هذا أنه إذا كان الشهود حضورا فشهادتهم باطلة وترثه ويرثها وإن كانوا غيبا ثم قدموا فشهدوا بالطلاق فإن كان بعد موته ورثته وإن بعد موتها هي لم يرثها على قول مالك وابن القاسم وقال سحنون ويحيى بن عمر لا ترثه كما أنه لا يرثها وقال في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم وقال مالك في الرجل يحلف بطلاق امرأته فيشك في يمينه فيسأل ويستفتي ثم يتبين له حنثه قال مالك: تعتد من حين وقفه عنها وليس من حين تبين له قيل لابن القاسم فإن مات قبل ذلك أيتوارثإن قال ينظر في يمينه فإن كان يحنث فيها لم ترثه وإلا ورثته ابن رشد قوله تعتد من حين وقفه صحيح لا اختلاف فيه لأن العدة من يوم الطلاق والطلاق إنما وقع عليه من يوم الحنث وقوله في الميراث: "ينظر" في يمينه الخ وفي بعض الكتب "لم ترثه ولا يرثها" ليس بخلاف لما تقدم في رسم طلق في الذي يشهد عليه الشهود أنه قد طلق امرأته ألبتة وقد ماتت أنها ترثه ولا يرثها والفرق بين المسألتين أن الرجل في هذا لم يزل مقرا على نفسه بما أوجب عليه الطلاق

(5/287)


وإن أشهد به في سفر ثم قدم ووطئ وأنكر الشهادة فرق ولا حد،
----------------------------
فوجب أن لا يكون بينهما ميراث بعد وقوع الطلاق ومسألة كتاب طلق شهد الشهود وهو منكر لشهادتهم فوجب في ذلك الإعذار إليه حسبما تقدم القول فيه وبالله التوفيق.
تنبيه: علم من هذا الكلام وما قبله أن صورة هذه المسألة أن تكون المرأة تحت الزوج إلى حين موته ولم يعلم طلاقها إلا من الشهود بعد موته وأما لو طلقها في صحته وانفصلت عنه وعلم ذلك فلا شك أنها ترثه وقد نبه على هذا ابن الفرات في شرحه لهذا المحل ونصه ويظهر أن هذا مقيد بما إذا كان معها يعاشرها معاشرة الأزواج إلى أن مات لقول المتيطي في توجيه ذلك لأن الطلاق إنما يقع يوم الحكم انتهى. ص: "وإن أشهد به في سفر ثم قدم ووطئ وأنكر الشهادة فرق ولا حد" ش: قال: في أواخر كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة: ومن طلق زوجته في سفر ثلاثا ببينة ثم قدم قبل البينة فوطئها ثم أتت البينة فشهدوا بذلك وهو منكر للطلاق ومقر بالوطء فليفرق بينهما ولا شيء عليه قال يحيى بن سعيد: ولا يضرب انتهى. قال أبو الحسن: أي لا حد عليه قال الأبهري: وإنما ذلك لأن الزوجية بينهما حتى يحكم بالطلاق وقال ابن المواز إنما لم يجب عليه لأن العدة من يوم الحكم وقال المازري: إنما لم يجب عليه الحد لأنه كالمقر بالزنا ثم رجع وقال غيره لأنه يجوز عليه أن يكون نسي وقوله فليفرق بينهما عياض ظاهره أنها تعتد من يوم الحكم يدل عليه قوله: "ولا حد عليه" الشيخ وفي طلاق السنة من العتبية فيمن شهدت عليه البينة أنه طلق زوجته منذ سنة فحاضت فيها ثلاث حيض قالوا عدتها من الطلاق فقالوا يناقض قوله هنا والفرق بينهما أن ما في العتبية مقر بالطلاق وها هنا منكر للطلاق قال سحنون: ولو شهد أربعة أنه طلقها وأقر الزوج بالوطء بعد وقت الطلاق وجحد الطلاق حددته ولو قالوا نشهد أنه طلقها ثم وطئها حددته وروى علي عن مالك فيمن شهد عليه أربعة عدول أنه طلق امرأته ألبتة وأنهم رأوه يطؤها بعد ذلك وهو مقر بالمسيس أنه يفرق بينهما ولا حد عليه قال سحنون: وأصحابنا يأبون هذه الرواية ويرون عليه الحد ابن يونس وقول سحنون في إيجاب الحد خلاف للمدونة في الذي شهدت عليه البينة في سفره وقد اختلف ابن القاسم وأشهب في الأمة يعتقها في سفره وتشهد البينة على ذلك ثم يقدم فيطؤها ويستغلها فاختلفا في الغلة واتفقا أن لا حد عليه وأن لا فرق بين هذه وبين الحرة انتهى. ولما ذكر في التوضيح المسألة التي قبل هذه أعني قوله: "ولو شهد بعد موته بطلاق" الخ وذكر عن الباجي بأنه علله بأن الطلاق إنما يقع يوم الحكم ولو لم يقع يوم الحكم لكان فيه الحد إذا أقر بالوطء وأنكر الطلاق قال في التوضيح: وهذا الذي علل

(5/288)


ولو أبانها ثم تزوجها قبل صحته فكالمتزوج في المرض ولم يجز خلع المريضة وهل يرد أو المجاوز لإرثه يوم موتها ووقف إليه؟ تأويلان،
------------------------------
به الباجي في المدونة نحوه لأن فيها فيمن طلق امرأته في السفر وأشهد على ذلك ثم قدم فأصاب امرأته إلى آخر مسألة المدونة وذكر أكثر الكلام المتقدم عن الشيخ أبي الحسن وقال المتيطي بعد أن ذكر كلام الباجي وهذا الذي علل به الباجي في المدونة خلافه وذكر مسألة المدونة هذه فقول المتيطي إن الذي في المدونة خلاف تعليل الباجي يناقض قول الشيخ في التوضيح وهذا الذي علل به الباجي في المدونة نحوه ويمكن أن يقال لا مخالفة في ذلك ومراد الشيخ بقوله في المدونة نحوه يعني قوله إن الطلاق إنما يقع يوم الحكم وكلام المتيطي باعتبار قوله لم يقع يوم الحكم لكان فيه الحد إذا أقر بالوطء وأنكر الطلاق لأنه قد صرح في المدونة بأنه إذا أنكر الطلاق وأقر بالوطء أنه لا حد عليه ولكن قد يقال إنما قال ذلك في المدونة لأنه يرى أن الطلاق إنما يقع يوم الحكم فتأمله والله أعلم. ص: "ولو أبانها ثم تزوجها قبل صحته فكالمتزوج في المرض" ش: تشبيهه هذا النكاح بالنكاح في المرض مشكل لأنه يقتضي عدم الإرث فيه وليس كذلك قال في التوضيح: في أثناء التفريق بين هذا النكاح والنكاح في المرض ما نصه وهذه المطلقة قد ثبت لها الميراث انتهى. وإنما شبهه المصنف وابن الحاجب بالتزوج في المرض لأنه يفسخ على المشهور قبل وبعد ولهذا قال: في الشامل ولو تزوجها بعد البينونة في مرضه فسخ وإن دخل على الأصح والله أعلم. ص: "ولم يجز خلع المريضة وهل يرد أو المجاوز لإرثه يوم موتها ووقف إليه تأويلان" ش: التأويل الأول أنه يرد جميع الخلع ولا يرث الزوج شيئا وهذا على أن قول مالك مخالف لقول ابن القاسم وعليه أقل الشيوخ والأكثر على أنه وفاق فلا يرد إلا ما جاوز قدر ميراثه منها يوم تموت فيوقف ما خالعها عليه إلى يوم موتها فينظر فيه حينئذ مع قدر إرثه منها وانظر المسألة في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة وفي رسم العتق من سماع عيسى من طلاق السنة مسألة تشبه هذه المسألة

(5/289)


وإن نقص وكيله عن مسماه: لم يلزم أو أطلق له أو لها حلف أنه أراد خلع المثل،
----------------------------
على تأويل الأكثر وهي امرأة توفيت وأوصت لزوجها وهو غائب بثلث مالها وقد تركت ولدا منه أو من غيره فقيل لها إنه لا وصية لوارث فقالت: إنه كتب إلي بالطلاق فسترت ذلك وقدم الزوج وصدقها وقال الورثة إنها بالزوج الوصية وقال بنوها من غيره إنها أرادت أن تحرمنا فضل ما بين الثلث والربع قال لا يقبل قولها ولا إقراره بالطلاق لموضع التهمة في ذلك وينظر إلى وصيتها في ذلك فإن كانت أقل من ميراثه منها دفع إليه ذلك ولم يكن له أكثر من تتمة ميراثه منها لما لقربه من فراقها وإن كانت أوصت له كفاف ميراثه منها دفع إليه لأنها لا تتهم فيه ولا يتهم في ذلك وإن كان أكثر من ميراثه اتهم واتهمت ولم يكن له إلا قدر ميراثه منها قال ابن رشد: هذه المسألة صحيحة بينة المعنى انتهى. ص: "وإن نقص وكيله عن مسماه لم يلزم" ش: قال ابن عرفة: والتوكيل على الخلع جائز كالبيع لا كالنكاح فيجوز توكيل الزوج امرأة ابن شاس لو قال: خالع بمائة فنقص لم يقع طلاق انتهى. فإن خالعها بما سماه أو زاد فلا شك في وقوع الطلاق البائن قاله في التوضيح وهو مفهوم من قول المصنف: "وإن نقص".
تنبيه: قال في التوضيح: بعد أن تكلم على ما إذا نقص وكيله لم يقع الطلاق وهذا ظاهر في النقص الكثير وأما اليسير فينبغي أن يختلف فيه كالبيع انتهى. وكذلك قال ابن عرفة: وسيأتي لفظه في مسألة مخالفة وكيل الزوجة الذي مشى عليه المصنف أن المخالفة في البيع بالنقص اليسير لا تغتفر كما اختاره عبد الحق وابن يونس واللخمي والمتيطي وراجع ذلك في الوكالة.
فرع: قال في الشامل: ولا ينفذ إن وكل اثنين إلا باجتماعهما انتهى. ونقله ابن عرفة عن المدونة ص: "أو أطلق له أو لها حلف أنه أراد خلع المثل" ش: قال ابن عرفة عن ابن شاس: ولو قال خالعها فنقص عن المثل قبل قول الزوج إنه أراد المثل ابن الحاجب مع يمينه انتهى. ولفظ ابن شاس ولو قال مطلقا خالعها فنقص عن خلع المثل فادعى الزوج أنه أراد خلع المثل فالقول قوله انتهى. ولفظ ابن الحاجب ولو قال: خالعها فنقص عن المثل حلف أنه أراد خلع المثل قال في التوضيح: يعني لو وكل رجلا على أن يخالع له زوجته فإن خالعها بخلع المثل فأكثر لزمه وإن نقص عن المثل ففي الجواهر القول قوله إنه أراد خلع المثل ولم يذكر يمينا ولم يذكرها أيضا مالك في المجموعة ابن عبد السلام ولا يكاد يوجد النص على اليمين قال:

(5/290)


وإن زاد وكيلها؛ فعليه الزيادة،
--------------------------
وظاهر الرواية سقوط اليمين كما في البيع وقد يقال بثبوتها هنا لأن السلعة في البيع لها قيمة كالمغررة ولا قيمة هنا خليل والظاهر أن اليمين هنا تجري على الخلاف في توجهها في أيمان التهم وما ذكره عن المجموعة نقله ابن عرفة ولفظه: وفي المجموعة لابن القاسم عن مالك: من وكل من يصالح عنه امرأته فصالحها بدينار فأنكره الزوج فله ذلك إنما يجوز عليه صلح مثلها ثم ذكر اعتراض ابن عبد السلام ثم قال: قلت: لا يبعد إجراؤه على أن العرف كشاهد واحد انتهى. وأما قول المصنف: "أو لها" فيشير به والله أعلم. إلى ما نقله في التوضيح إثر الكلام المتقدم وقد نص مالك في العتبية على اليمين فيمن قال: لامرأته إن دعوتني إلى الصلح فلم أجبك فأنت طالق فأعطته دينارا فقال لم أرد هذا وإنما أردت نصف ما تملكينه فقال لا يلزمه الخلع ويحلف ويخلى بينه وبينها ابن القاسم وإن لم تكن له بينة فلم يجبها حنث لكن قال: في البيان قوله: "يحلف" يدل على أنه إن لم يكن مستفتيا في يمينه وإنما كان مخاصما وحلف لأنه ادعى نية تخالف ظاهر اللفظ ولو كان مستفتيا لقبل منه بغير يمين وذكر ابن رشد مسألة العتبية هذه وذكر أنه لم يوجب عليه في الرواية يمينا قال: وتجري على أيمان التهم وعند ابن شعبان له أن يطلبها بجميع ما تملكه وأنكره اللخمي ورأى أن ذلك ليس من مقاصد الناس وإنما يقصدون بعض المال لا كله وانظر قول ابن بشير مع ما تقدم ولم يوجب في الرواية يمنيا إلا أن يكون حمل ما في الرواية على المرافعة كما ذكر صاحب البيان انتهى. وهذا ظاهر أن اليمين إنما تكون إذا رافعته الزوجة أو غيرها وأما إن جاء مستفتيا ولم يخاصمه أحد فلا يلزمه شيء ولم ينبه الشيخ في شرحه على قوله: "أو لها" وقال البساطي بعد ذكره الإطلاق للوكيل وكذلك إذا أطلق للزوجة انتهى. وقال ابن الحاجب ولو قال: إن أعطيتني ما أخالعك به لم يلزم بالتافه ويلزم بالمثل على الأصح انتهى. ونحوه في الجواهر وسيصرح المصنف بمفهوم ما ذكره هنا في قوله: "أو بتافه" الخ والله أعلم. ومسألة العتبية التي أشار إليها في التوضيح هي في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك قال ابن رشد: فيها ولو قال: لها إن دعوتني إلى الصلح من غير تعريف لوجب أن لا ينوي مع قيام البينة فإنه إنما يقال مع الألف واللام لاحتمالها الجنس والعهد انتهى. ص: "وإن زاد وكيلها فعليه الزيادة" ش: قوله زاد ما إذا سمت له عددا فزاد عليه وما إذا أطلقت له فخالع بأكثر من خلع المثل فجاءت الزيادة في الوجهين على الوكيل وأما ما سمته المرأة أو خلع المثل إذا طلقت فإنه يلزمها إن أضاف الخلع إليها أو لم يصرح بالإضافة إليها أو إلى نفسه وإن أضافه إلى نفسه لزمه قال: في الشامل فإن وكلته مطلقا فخالع بالمثل فأقل لزم وإن زاد غرم الزيادة كزائد عدد سمته له فإن

(5/291)


ورد المال بشهادة سماع على الضرر،
-------------------------------
أضاف الاختلاع لنفسه صح وغرم المسمى وإن لم يصرح بالإضافة إليه أو إليها بانت ولزمها ما سمت وغرم الزيادة انتهى. وقال في الجواهر وأما وكيلها بالاختلاع بمائة فإن زاد وقع الطلاق ولزمت المائة والزيادة على الوكيل وإن أضاف إلى نفسه صح ولزمه المسمى وإن لم يصرح بالإضافة إليها ولا إلى نفسه لزمت البينونة وعليها ما سمت والزيادة على الوكيل وإن أذنت مطلقا فهو كالمقيد بخلع المثل انتهى. وقال ابن الحاجب لما تكلم على القابل شرطه أهلية التزام المال فيلزم في الأجنبي والمال عليه فإن وكلته فكوكيل الشراء قاله في التوضيح في شرح الكلام الأخير يعني فإن وكلت الزوجة من يخالع لها فكوكيل الشراء فإن خالع بخلع المثل فأقل لزمها الخلع ودفع العوض وإن خالع بأكثر لم يلزمها ويفهم من قوله: "كوكيل الشراء" أن العوض وعهدته عليه إلا أن يشترط أن ذلك عليها انتهى. ثم قال ابن الحاجب: بعد أسطر ولو قال: خالعها بمائة فنقص لم يقع ولو قالته فزاد وقع والزيادة على الوكيل قال في التوضيح: قوله ولو قالته أي لو قالت المرأة ما قاله الرجل فقالت خالع لي زوجي بمائة فإن خالعه بها أو أقل لزمها ذلك وإن زاد وقع الطلاق البائن وكانت الزيادة على الوكيل وينبغي أيضا أن تقيد هذه الزيادة بالزيادة الكثيرة وأما اليسيرة فيلزمها كالوكيل على شراء سلعة انتهى. وقال ابن عرفة: الشيخ عن الموازية لو وكلت من يصالح عنها ولها على زوجها مائة دينار فصالح على تركها لزوجها لعله يريد إذا كان صلح مثلها ثم قال: قلت: ظاهر ما تقدم أن مخالفة الوكيل بزيادة اليسير عليها ونقصانه له كالكثير والأظهر أنه فيهما كالبيع والشراء انتهى. ص: "ورد المال بشهادة السماع على الضرر" ش: قال المتيطي: وتحلف مع بينتها أن فعلها ذلك كان للإضرار الذي أثبتته ونصه بعد فصل الشروط إذا أسقطت المرأة وكالتها عن زوجها أو افتدت منه بمال زادته إياه من عند نفسها أو دفعت له ثمنها منه أو أسقطت الحضانة الواجبة لها ثم قامت بعد ذلك عند الحاكم وزعمت أن ما أسقطته أو أعطته أو التزمته كان على إضرار من الزوج وإكراه منه لها وأكذبها الزوج وزعم أن ذلك كان من قبلها وأنه لم يزل محسنا لها وأقامت بالضرر بينة استرعتهم أو لم تسترعهم وعجز الزوج عن المدفع فيهم أنفذ عليه الخلع وحكم بنقض ما التزمته وصرف ما أعطته بعد يمينها إن فعلها ذلك كان للإضرار الذي أثبتته انتهى. وفي رسم العارية من سماع عيسى من كتاب التخيير والتمليك وسئل عن المرأة يصالحها زوجها عن رضاع ولدها وعلى إن أخذ منها فأقامت سنة ثم أتت بامرأتين تشهدان أنها إنما صالحته على ضرورة قال: تحلف مع شهادتهما ويرد عليها ما أخذ منها وتأخذ منه

(5/292)


---------------------------------
رضاع ما أرضعت من ولده قال ابن رشد: وهذا كما قال: فإذا افتدت المرأة من زوجها ثم ثبت أنه كان يضر بها وجب أن يرد عليها ما أخذ منها ويجوز في ذلك شهادة النساء لأنه مال والطلاق قد مضى بغير شهادتهما فإن شهد لها بالضرر شاهدان أو شاهد وامرأتان رد عليها مالها بغير يمين وإن شهد لها به رجل واحد وامرأتان حلفت مع شهادة الرجل أو مع شهادة المرأتين واستوجبت أن يرد إليها ما أخذ منها ويجوز ذلك أيضا بشهادة شاهدين على السماع فتأخذ ما أخذ منها بشهادتهما دون يمين قاله في سماع أصبغ من كتاب الشهادات وأكثر من ذلك أحب إليه ابن الماجشون: لا يجوز في شهادة السماع أقل من أربعة شهداء وبالله التوفيق فقول ابن رشد إنه إذا قام لها شاهدان بالضرر أو شاهد وامرأتان أو شاهدان بالسماع على الضرر أنها لا تحلف معها مخالف لما قاله المتيطي ولعل هذه اليمين التي نفاها ابن رشد غير اليمين التي أثبتها المتيطي فتأمله والله أعلم.
تنبيهان: الأول: قال في التوضيح: من الإضرار أن يمنعها من زيارة والديها ابن القاسم: وليس من الإضرار بها البغض لها وإنما الإضرار الأذى بضرب أو اتصال شتم في غير حق أو أخذ مال أو المشاورة ومن علم من امرأته الزنا فليس له أن يضارها حتى تفتدي انتهى. وقال في الشامل ورد العوض فقط بشهادة سماع أو بيمينها مع شاهد مباشر أو امرأتين بضرره لها بضرب أو دوام شتم بغير حق أو أخذ مال أو مشاررة أو إيثار غيرها عليها لا ببغض لها وفي رده بيمينها مع شاهد سماع أو امرأتين بذلك قولان أما إن استخفت به فأساءت عشرته أو نشزت أو خرجت بغير إذنه أو أذنت لمن يكره في بيته وأظهرت البغض له حل له الأخذ ولو علم منها زنا أو أتت بفاحشة فليس له الإضرار لتفتدي انتهى. وقول صاحب الشامل مع شاهد سماع أو امرأتين بذلك يعني بالسماع.
الثاني: قال في التوضيح: إثر قول ابن الحاجب وتقبل شهادة السماع أي على الضرر والمعمول به عند الشيوخ وهو قول أصبغ أن الشاهد يشهد فيه بالقطع وغمز ذلك ابن القاسم وقال من أين للشهود القطع بمعرفة ذلك ولهذا قال أصبغ يقول ذلك علمي وصح عندي ابن القاسم وصفة الشهادة أن يقولوا سمعنا سماعا فاشيا مستفيضا على ألسنة النساء والخدام والجيرإن قال ويكفيني في ذلك عندي عدلان والعدول الكثير أحب إلي وهو المشهور المعمول به وعنه أيضا أن السماع أن يكون من العدول إلا في الرضاع فيجوز أن يكون على لفيف القرابة والأهلين والجيران وإن لم يكونوا عدولا كالنساء والخدام وعن مالك تجوز شهادة السماع في ضرر الرجل بامرأته إذا سمع بذلك الرجال والنساء سماعا فاشيا وإن لم يسمع بذلك الرجال والنساء فليس بفاش انتهى. وقال في مختصر المتيطية ويجزي عند ابن القاسم عدلان على السماع الفاشي من لفيف الناس والجيران بذلك وتكثير الشهود أحب إليه هذا

(5/293)


وبيمينها مع شاهد أو امرأتين ولا يضرها إسقاط البينة المسترعية على الأصح وبكونها بائنا لا
-------------------------
المشهور من المذهب وعليه العمل وروى حسين بن عاصم لا تجوز شهادة السماع إلا على العدول إلا في الرضاع يجوز أن يشهد العدول عن لفيف القرابة والجيران من النساء والخدام قال: أبو عمران وهو حسن لأنه لا يحضره الرجال في الغالب ولابن القاسم في كتاب محمد ما ظاهره أن السماع لا يجوز إلا من الثقات في جميع الأشياء وفي سماع ابن وهب عن مالك أن الشهادة على السماع إنما تكون عاملة إذا سمع ذلك الرجال والنساء سماعا فاشيا فإن شهد في ذلك النساء عند القاضي وحدهن لم يجز وقال بعض الشيوخ لأن الطلاق من معاني الحدود فلا تجوز فيه شهادة النساء وقال ابن الهندي إذا شهد بالضرر صالحات النساء والخدام اللاتي يدخلن إليها جاز انتهى. ص: "وبيمينها مع شاهد أو امرأتين" ش: قال: في الشامل مع شاهد مباشر أو امرأتين وتقدم كلامه في القولة التي قبل هذه ص: "ولا يضرها إسقاط البينة المسترعاة على الأصح" ش: يريد فأحرى إذا لم تسقط البينة المسترعاة وإنما اعترفت في عقد الخلع بالطوع وسواء استرعت ببينة أو قامت لهما بينة علمت بها أو لم تعلم على ما قال ابن الهندي وابن العطار وغيرهما قاله في التوضيح.
فرع: وإن خالعها وأخذ منها حميلا بالدرك فقال ابن العطار: إذا أثبتت الضرر لا يسقط التباعة عن الحميل لأنه غير مكره وقد أدخل الزوج ضررا في زوال العصمة ولا يرجع الحميل على المرأة بشيء وإليه ذهب بعض فقهائنا الصقليين وذكر ابن يونس في ذلك خلافا بين القرويين وأن منهم من يقول هكذا ومنهم من يقول إذا أثبتت المرأة الضرر له سقط الطلب عن الحميل لأنه إذا سقط المال عن الأصل سقط عن الحميل المطالبة انتهى. من التوضيح وذكر القولين في الشامل من غير ترجيح ص: "وبكونها بائنا" ش: قال ابن عرفة: ولملزومية الخلع العوض من الجانبين امتنع في فقد العصمة لا في ملكها الزوجة فيمتنع في البائن والمرتدة والملاعنة كأجنبية لا في المخيرة لأنه منها رد انتهى. ولا تعذر بالجهل قاله في رسم يوصى من

(5/294)


رجعيا أو لكونه يفسخ بلا طلاق أو لعيب خيار به، أو قال: إن خالعتك فأنت طالق ثلاثا؛ لا إن لم يقل ثلاثا، ولزمه طلقتان، وجاز شرط نفقة ولدها مدة رضاعه فلا نفقة للحمل،
----------------------------
سماع عيسى من كتاب التخيير والتمليك ص: "أو لكونه يفسخ بلا طلاق" ش: سقط ذلك من نسخة الوسط ويعني به أنه النكاح المجمع على فساده الذي يفسخ بغير طلاق إذا خالعت المرأة فيه فإن الزوج يرد المال بخلاف غير المجمع على فساده فإن في رد المال فيه قولين مبنيين على أن فسخه هل هو بطلاق أم لا قاله في التوضيح وقد علمت أن المشهور يفسخ بطلاق فيكون الجاري عليه أنه لا يرد المال ولهذا قال: هنا يفسخ بلا طلاق والله أعلم. ص: "فلا نفقة للحمل" ش: قال في التوضيح: عن الباجي وليس لها أيضا أن تطلبه بالصداق انتهى. وهذا غير ظاهر فقد قال: في آخر سماع ابن القاسم من كتاب التخيير: إن من طلق زوجته وهي حامل فأقام شهرا ثم بارأها على أن عليها رضاع ولدها فطالبته بنفقة ما مضى من الشهور قال ابن

(5/295)


وسقطت نفقة الزوج أو غيره، وزائد شرط: كموته وإن ماتت أو انقطع لبنها أو ولدت ولدين فعليها
-----------------------------------
رشد: أما ما مضى قبل المبارأة فتبين أن ذلك لها كما قال لأنها قد وجبت عليه فلا تسقط عنه إلا بما تسقط به الحقوق انتهى. وانظر بقية المسألة فيه وتقدم أيضا عن اللخمي في آخر

(5/296)


وعليه نفقة الآبق والشارد؛ إلا لشرط؛ لا نفقة جنين إلا بعد خروجه وأجبر على جمعه مع أمه، وفي نفقة ثمرة لم يبد صلاحها: قولان، وكفت المعاطاة، وإن علق بالإقباض أو الأداء: لم
----------------------------
باب الصداق ما يدل أيضا على عدم سقوطه فتأمله والله أعلم. ص: "وعليه نفقة الآبق والشارد" ش: قال الشارح: مراده بالنفقة عليهما الأجرة انتهى. وأصله للمصنف في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب ونفقة الآبق والشارد على الزوج ونصه مراده بالنفقة الجعل على طلب الآبق والشارد وإلا فالنفقة عليهما مع الجهل بموضعهما أو عدم القدرة على تحصيلهما محال انتهى.
قلت: ويمكن أن يقال: يصح أن يكون أيضا مراده النفقة عليهما في تلك المدة فإنه لو أمسكهما إنسان وأنفق عليهما ليرجع على سيدهما فإنه إنما يرجع على الزوج كما أشار إليه ابن فرحون في شرح كلام ابن الحاجب المتقدم ونصه المراد بالنفقة الأجرة على الطلب وكذلك نفقتهما من وقت وجدانهما إلى حين وصولهما إلى الزوج انتهى. ص: "وكفت المعاطاة" ش: قال في التوضيح في شرح قوله الصيغة وهي كالبيع في الإيجاب والقبول: هذا هو الركن الخامس وهو كالبيع في أنه لا بد من الإيجاب والقبول ولا يشترط أن يكون بصيغة خاصة بل تكفي المعاطاة قاله في المدونة وإن أخذ منها شيئا فانقلبت وقال ذلك بذلك ولم يسميا طلاقا فهو خلع انتهى. وقال ابن الحاجب إلا أن يقع معلقا منهما فلا يحتاج إلى القبول ناجزا قال في التوضيح: قوله منهما أي منه أو منها ولا يريد أنه وقع منهما جميعا انتهى. قال ابن عبد السلام: قوله:" فلا يحتاج" الخ إشارة منه إلى أن غير المعلق يحتاج إلى القبول ناجزا وهو كذلك كما في عقود المعارضة ما لم يعرض منهما عارض كالخيار وشبهه وتصريح منه بأن المعلق لا يحتاج إلى القبول ناجزا لأنه يشبه تعليق الطلاق وقاعدة التعليق عدم اشتراط المناجزة بل الغالب أن التعليق قرينة في إرادة التأخير انتهى. ص: "وإن علق بالإقباض أو الأداء لم يختص بالمجلس إلا لقرينة" ش: قال: في إرخاء الستور من المدونة وإن خالعها على أن تعطيه

(5/297)


يختص بالمجلس إلا لقرينة ولزم في ألف الغالب والبينونة إن قال إن أعطيتني ألفا: فارقتك، أو أفارقك إن فهم الالتزام أو الوعد إن ورطها أو طلقني ثلاثا بألف فطلق واحدة وبالعكس أو أبني بألف أو طلقني نصف طلقة، أو في جميع الشهر ففعل، أو قال: بألف غدا فقبلت في الحال، أو
-------------------------------
ألف درهم فأصابها عديمة جاز الخلع واتبعها بالدراهم إلا أن يكون إنما صالحها على أنها إن

(5/298)


بهذا الهروي فإذا هو مروي، أو بما في يدها وفيه متمول، أو لا على الأحسن، لا إن خالعته بما لا شبهة لها فيه أو بتافه في: إن أعطيتني ما أخالعك به، أو طلقتك ثلاثا بألف؛ فقبلت واحدة بالثلث، وإن ادعى الخلع، أو قدرا، أو جنسا حلفت وبانت، والقول قوله إن اختلفا في العدد كدعواه موت عبد، أو عيبه قبله. وإن ثبت بعده؛ فلا عهدة.
--------------------------
أعطته الآن تم الصلح فلا يلزمه الصلح إلا بالدفع انتهى. ص: "وإن ادعى الخلع الخ" ش: قال في الجلاب: وإذا أقر الرجل أنه خالع زوجته على مال وأنكرته لزمه الطلاق ولم يكن له من المال الذي ادعى عليها شيء وكان القول في ذلك قولها مع يمينها إلا أن يذكر أنه اشترط عليها أنها إن دفعت المال إليه فهي طالق وأنكرت ذلك فلا يلزمه طلاق ولا يكون له مال انتهى.

(5/299)


فصل في طلاق السنة
طلاق السنة: واحدة بطهر لم يمس فيه بلا عدة، وإلا فبدعي
------------------------------
ص:" فصل طلاق السنة واحدة بطهر لم يمس فيه بلا عدة وإلا فبدعي" ش: خرج بقول: "بطهر" الصغيرة واليائسة والمستحاضة الغير المميزة فلا طلاق بدعي فيهن وأما المستحاضة المميزة للدم فطلاقها في الحيض بدعي ونقل ابن الحاجب القول بأنها كغير المميزة وقبوله ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح قال ابن عرفة: لا أعرفه.
فرع: قال في مختصر الوقا:ر ويطلق اليائسة والتي لم تبلغ الحيض متى شاء وأفضل ذلك أن يستقبل بها الأهلة ومن أراد طلاق زوجته وهو غائب كتب إليها إذا أتاك كتابي وأنت طاهر فاعتدي بطلقة فإن وافاها طاهرا فهي طالق وإن وافاها حائضا فلا شيء عليه انتهى. من طلاق السنة منه والله أعلم. وقوله : "بلا عدة" نحوه لابن الحاجب فقال في التوضيح: احترز به من أن يطلقها في كل طهر طلقة انتهى. وعلل ذلك في التوضيح بأنه بمنزلة من طلق ثلاثا دفعة انتهى. وانظر هل مرادهم بالعدة خصوصية ما ذكر أو مطلق العدة حتى إنه لو كانت آيسة أو صغيرة وطلقها واحدة ثم طلقها بعد ذلك يكون طلاقا بدعيا قال ابن الحاجب: فلا بدعة في الصغيرة والآيسة المستحاضة غير المميزة إلا في العدة قال ابن عبد السلام: لما ذكر الطلاق السني والبدعي أخذ يذكر محال كل واحد منهما فبين أن البدعي لا يمكن دخوله في الصغيرة ولا في اليائسة ولا يريد بها من جاوزت المحيض أو بلغت السبعين بل هما مع التي لم تر الحيض في عمرها ومن في معناها وبالجملة من عدتها بالأشهر ليست من هذا المعنى ولأجل ذلك شاركها في هذا الحكم المستحاضة غير المميزة لدم الحيض لأن عدتها عام ولما فقد الحيض في حقهن وفقد بسببه الطهر المقابل له وهو الذي يتقدم الحيض أو يتأخر عنه لا مطلق الطهر انتفى في حقهن سببان من أسباب الطلاق البدعي ولم يبق من أسبابه إلا سبب واحد وهو الزيادة على الطلقة الواحدة انتهى. وكذلك قال أبو الحسن: وأما غير ذوات الأقراء فإنما يكون بدعة بالنظر إلى العدد انتهى. ويمكن أن يقال بل المراد مطلق العدة وما ذكر عن ابن عبد السلام وأبي الحسن لا يرده لأن هذا من الزيادة على الواحدة ويظهر هذا من قول ابن

(5/300)


وكره في غير الحيض،
-------------------------
عبد السلام فانتفى في حقهن سببان وأما قوله لم يبق من أسبابه إلا سبب واحد وهو الزيادة على الواحدة فإنما اقتصر على ذلك ولو لم يقل بقي سببان لأن السبب الرابع: راجع إليه كما تقدم عن التوضيح في تعليل ذلك والله أعلم. ص: "وكره في غير الحيض" ش: لما ذكر تفسير طلاق السني والقيود المتعلقة به وذكر أنه متى عرا عن قيد منها فهو بدعي أخذ يبين حكم الطلاق الخالي عن أحد تلك القيود فذكر أنه يكره إلا الواقع في الحيض فإنه يمنع قال: القاضي عبد الوهاب حرام بالإجماع وظاهر كلام المصنف أن الزائد على الواحدة مكروه وسواء كانت اثنتين أو ثلاثا وهو ظاهر إطلاق المقدمات على ما نقله عنه الشارح في الكبير ونصه قال: في المقدمات يكره إيقاع ما زاد على الواحدة وقال اللخمي إيقاع اثنتين مكروه والثلاث ممنوع انتهى. كلامه والذي رأيته في المقدمات ما نصه:
فصل: وكذلك لا يجوز عند مالك أن يطلقها ثلاثا في كلمة واحدة فإن فعل لزمه انتهى. وقال في الشامل وفي منع الثلاث وكراهتها كالاثنتين قولان انتهى. واقتصر في اللباب على القول بالتحريم قال: والثلاث حرام ولفظ المدونة الكراهة قال: في أول طلاق السنة ويكره أن يطلقها ثلاثا في مجلس واحد أو في كل طهر طلقة فإن فعل لزمه انتهى. لكن قال: الرجراجي مراده بالكراهة التحريم وأما أبو الحسن فلم يتعرض لتبيين مراده.
تنبيه: قال أبو الحسن في شرح كلام المدونة المتقدم صورته أن يقول لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق في مجلس واحد فإن كان على غير هذه الصفة كما إذ قال: لها أنت طالق ثلاثا في كلمة واحدة فقال عبد الحميد الصائغ ثلاث تطليقات في كلمة أشد منه في ثلاث مجالس وفي ثلاث مجالس أشد منه في ثلاثة أطهار وكلما طلق من ذلك يلزمه انتهى. وظاهر كلامه أيضا أنه إذا طلقها في طهر مس فيه فهو مكروه وصرح بكراهيته في التوضيح وقال في الشامل وكره في طهر مس فيه وقيل يمنع انتهى. وقال في المقدمات لما تكلم على حكم الحلف بالطلاق قال: ولأنه قد يمنع حنثه به في حال الحيض أو دم النفاس أو في طهر قد مس فيه وهذه أحوال لا يجوز إيقاع الطلاق فيها انتهى. فظاهر كلامه هذا أن طلاقه في طهر مس فيه لا يجوز وظاهر كلامه أيضا أنه إذا طلق في كل طهر طلقة أنه مكروه وظاهر لفظ المدونة المتقدم وقال الرجراجي والمذهب المشهور أن الذي عليه الجمهور أن ذلك لا يجوز انتهى. وقال في المقدمات في طلاق السنة.
فصل: ولا يجوز عند مالك أن يطلق عند كل طهر طلقة لأنه عنده طلاق بدعة على

(5/301)


ولم يجبر على الرجعة: كقبل الغسل منه، أو التيمم الجائز، ومنع فيه، ووقع، وأجبر على الرجعة ولو لمعتادة الدم لما يضاف في للأول على الأرجح، والأحسن عدمه
----------------------------------
غير السنة انتهى. فتأمله والله أعلم. ص: "ولم يجبر على الرجعة" ش: يعني في هذه الوجوه كلها قال في التوضيح في شرحه: إذا طلق طلاق بدعة لم يجبر إلا في الحيض فقط لأن الجبر على خلاف الأصل انتهى. من شرح قوله وإن طلق في الطهر الأول ص: "كقبل الغسل منه أو التيمم الجائز" ش: إنما شبه رحمه الله هذا بما قبله في كونه لا يجبر فيه على الرجعة فقط لا في كون الطلاق قبل الغسل مكروها لأن الطلاق حينئذ ممنوع قال في التوضيح: وفهم من قول المصنف يعني ابن الحاجب لم يجبر على الرجعة منع الطلاق بعد الطهر وقبل التطهير وهو صحيح كما ذكرنا عن المدونة وحكى ابن عبد السلام قولا بجواز الطلاق إذا رأت القصة قال: وهو الظاهر انتهى. من شرح قوله فإن طلق في الطهر الأول وما ذكره عن المدونة هو قولها ولا يطلق التي رأت القصة البيضاء حتى تغتسل بالماء فإن فعل لزمه ولم يجبر على الرجعة انتهى. ونقله الرجراجي بلفظ لا يجوز وحمل الشارح كلام المصنف على أنه شبهه به في الكراهة وصرح بذلك في شامله فقال وكره بين قصة وغسل على الأصح انتهى. ص: "ومنع فيه" ش: أي ومنع الطلاق في الحيض يريد وكذلك في النفاس كما صرح به في أوائل طلاق السنة من المدونة وقاله ابن الحاجب وغيره وما ذكره صاحب اللباب في كتاب الطهارة من أن الحيض يختص بمنع الطلاق مخالف للمذهب والله أعلم. ص: "وأجبر" ش: أي وأجبر على الرجعة وإنما حذفه لدلالة قوله أولا ولم يجبر على الرجعة ويعني أنه يجبر على الرجعة إذا طلق في الحيض يريد أو النفاس سواء وقع منه الطلاق فيه ابتداء أو كان حلف به فحنث في الحيض والنفاس وقاله ابن الحاجب ويفهم من كلام المصنف أن الجبر مختص بالطلاق الرجعي وهو الصحيح قاله في التوضيح وغيره وسواء كان الرجعي طلقة واحدة أو اثنتين قال ابن عبد السلام: في شرح قول ابن الحاجب فإن طلق في الطهر الأول حكم الاثنتين حكم

(5/302)


لآخر العدة وإن أبى هدد ثم سجن ثم ضرب بمجلس وإلا ارتجع الحاكم. وجاز الوطء به والتوارث والأحب أن يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر وفي منعه في الحيض
-----------------------------------
الواحدة والله أعلم. ص: "لآخر العدة" ش: قال ابن عرفة: وفي جبر من طلق في حيض أو نفاس طلاقا رجعيا ولو حنث ما لم تنقض العدة أو ما لم تطهر من الحيضة الثانية قولان: لها مع ابن الماجشون ولأشهب مع ابن شعبان انتهى. وما عزاه للمدونة هو في أوائل كتاب طلاق السنة وفي المقدمات ومن حلف بالطلاق فحنث وامرأته حائض أو في دم نفاسها فإنه يجبر على الرجعة كما يجبر المطلق في الحيض والمطلق في الحيض يجبر ما لم تنقض العدة في مذهب مالك وجميع أصحابه خلافا لأشهب انتهى. ص: "وجاز الوطء له" ش: قال في التوضيح: هذا هو الأصح وهو قول أبي عمران وقاسه على المتزوج هازلا لأنه يلزمه النكاح وله الوطء قال: في المقدمات وهو الصحيح قياسا على من يجبر على النكاح من أب أو وصي أو سيد فيجوز للزوج الوطء وإن غلب على النكاح انتهى. وقال ابن عرفة: وسمع عيسى ابن القاسم من أمر بالرجعة من طلاق الحيض فراجع مريدا طلاقها وطئها ابن رشد هو المأمور به ولو ارتجعها كذلك ولم يصبها كان مضرا آثما انتهى. وقال في المقدمات ولا يجوز له أن يراجع ليطلق وإنما يجوز له أن يراجع ليطأ انتهى.
ص: "والأحب أن يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر" ش: فلو أنه لما أجبر على الرجعة في الحيض طلقها في الطهر الأول الذي يلي الحيض الذي راجع فيه لم يجبر على الرجعة ابن القاسم وبئس ما صنع بخلاف ما لو لم يجبر على الرجعة حتى طهرت ثم طلقها ثانية فإنه يجبر على الرجعة قاله ابن عرفة وابن عبد السلام ص: "لأن فيها جواز طلاق

(5/303)


لتطويل العدة لأن فيها جواز طلاق الحامل وغير المدخول بها فيه، أو لكونه تعبدا لمنع الخلع وعدم الجواز وإن رضيت، وجبره على الرجعة وإن لم تقم خلاف وصدقت أنها حائض ورجح إدخال خرقة وتنظرها النساء إلا أن يترافعا طاهرا فقوله: وعجل فسخ الفاسد في الحيض والطلاق على المولي، وأجبر على الرجعة لا لعيب، وما للولي فسخه أو لعسره بالنفقة كاللعان،
------------------------------
الحامل" ش: وهو أحد القولين والقولان أيضا في تطليقها في دم وضعها ولدا آخر قاله ابن عرفة وفي التوضيح نحوه ص: "لمنع الخلع" ش: هذا هو المشهور ومقابله جواز الخلع في الحيض وصدر به ابن الجلاب وعطف عليه المشهور بـ"قيل" ص: "والطلاق على المولي" ش: ما ذكره هنا هو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في آخر كتاب اللعان وصرح ابن عرفة وغيره بأنه المشهور وما قاله المصنف هنا يخالف ما يأتي له في باب الإيلاء في قوله: "إن لم يمتنع وطؤها" وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله مستوفى في محله وفي ذلك الباب ذكر ابن عرفة أنه المشهور واعترض على ابن الحاجب وابن شاس والله أعلم. ص: "لا لعيب وما للولى فسخه أو لعسره بالنفقة كاللعان" ش: قال: في آخر كتاب اللعان من المدونة: ومن

(5/304)


ونجزت الثلاث في شر الطلاق ونحوه،
----------------------------
قذف زوجته أو انتفى من حملها وهي حائض أو في دم نفاسها فلا يتلاعنا حتى تطهر وكذا إن حل أجل التلوم في المعسر بالنفقة أو العنين وغيره والمرأة حائض فلا تطلق عليه حتى تطهر إلا المولي فإنه إذا حل الأجل وهي حائض فلم يفئ طلق عليه وروى أشهب عن مالك أنها لا تطلق عليه حتى تطهر انتهى. وقال في المقدمات في طلاق السنة ولا يطلق السلطان على من به جنون أو جذام أو برص أو عنة أو عجز عن النفقة وما أشبه ذلك مما يحكم فيه بالفراق في الحيض ولا في دم النفاس وكذلك لا يلاعن بين الزوجين في الحيض ولا في النفاس فإن فعل فقد أخطأ ولا يجبر في شيء من ذلك على الرجعة لأنه طلاق بائن إلا في الذي يطلق عليه لعدم الإنفاق فإنه يجبر على الرجعة إن أيسر في العدة هذا الذي يلزم على أصولهم ولا أعرفه فيها رواية وأما المولي فاختلف قول مالك هل يطلق عليه في الحيض أو لا على قولين فإذا طلق عليه في الحيض على أحد قوليه فإنه يجبر على الرجعة تطلق عليه بالقرآن ويجبر على الرجعة بالسنة وذهب أبو إسحاق التونسي إلى أن تطليق الإمام على المجنون والمجذوم والمبروص إنما هي طلقة رجعية وأن الموارثة بينهما قائمة ما دامت العدة لم تنقض ولو صحوا في العدة من أدوائهم لكانت لهم الرجعة وهو خلاف المعلوم من المذهب أن كل طلاق يحكم به الإمام فهو بائن إلا المولي والمطلق عليه لعدم النفقة فعلى قوله لو أخطأ الإمام فطلق على أحدهم في الحيض لجبر على الرجعة إن صح من دائه وأما العنين فلا اختلاف أن تطليق الإمام عليه تطليقة بائنة لأنه طلاق قبل الدخول لتقاررهما على عدم المسيس ثم قال:
فصل: وأما كل نكاح يفسخ بعد البناء لفساده وإن فسخ بطلاق فإنه يفسخ عليه ما عثر عليه وإن كان ذلك في الحيض أو دم النفاس بخلاف ما كان في فسخه وإجازته خيار لأحد وكذلك الأمة تعتق تحت العبد لا تختار في الحيض فإن فعلت لم تجبر على الرجعة لأنها طلقة بائنة وقد روى عيسى عن ابن القاسم ما يدل على أنها رجعية وهي رواية ابن نافع عن مالك فعلى هذا يجبر على الرجعة إذا عتقفي العدة ولا يملك أحد زوجته في الحيض فإن فعل فلا تختار فيه وذلك بيدها حتى تطهر من حيضتها وإن انقضى المجلس ولا يدخل في ذلك اختلاف قول مالك في مراعاة المجلس وإن سبقت إلى الخيار في الحيض جبر زوجها على الرجعة فيما دون الثلاث انتهى. وقال اللخمي في طلاق السنة قال: محمد ولا تطلق على المجنون والمجذوم والعنين ومن عدم النفقة في الحيض والنفاس قال: الشيخ وأرى إن أخطأ الحاكم وطلق حينئذ لم يلزم الطلاق بخلاف طلاق الزوج بنفسه لأن القاضي في هذا كالوكيل على صفة ففعل غير ما وكل عليه ولأنه لو أجيز فعله لجبر الزوج على الرجعة ثم

(5/305)


وفي: طالق ثلاثا للسنة إن دخل بها؛ وإلا فواحدة كخيره أو واحدة عظيمة أو قبيحة أو كالقصر وثلاثا للبدعة، أو بعضهن للبدعة، وبعضهن للسنة؛ فثلاث فيهما.
------------------------------
يطلق عليه أخرى إذا طهرت فيلزمه طلقتان وفي هذا ضرر إلا العنين فإنه يمضي عليه الطلاق لأن الطلقة بائنة انتهى. ثم ذكر الخلاف في المولي وفسخ الفاسد وما فيه خيار كما ذكره ابن رشد وما ذكره ابن رشد هو الظاهر لأن المذهب أن فعل الوكيل كفعل الموكل ولما ذكر في التوضيح كلام اللخمي المتقدم في شرح قول ابن الحاجب في طلاق السنة والقول قولها إنها حائض قال: وكلام اللخمي يقتضي أن الطلاق الذي يوقعه على المجنون والمجذوم رجعي وهو قول التونسي وهو خلاف أصل المذهب ففي المقدمات ذهب التونسي ثم ذكر من كلام المقدمات المتقدم إلى قوله: "وأما العنين" واقتصر الشارح في شامله هنا على كلام اللخمي فقال لا لعيب وعسر بنفقة وما للمولى فسخه اللخمي وإن أوقعه الحاكم خطأ لم يقع إلا في العنين انتهى. مع أنه نقل في شرحه الكبير كلام ابن رشد المتقدم وأنه يقع بائنا ولا يجبر على الرجعة وكذلك ابن عرفة ولم يذكر هنا إلا كلام اللخمي مع أنه قال في فصل الخيار للعيب وطلاق العيب واحدة بائنة ولو كان بعد البناء حيث تصور ثم ذكر كلام ابن رشد وعزاه له في البيان في سماع ابن القاسم ص: "وفي طالق ثلاثا للسنة إن دخل بها وإلا فواحدة" ش: قال في طلاق السنة من المدونة ولو قال: لها أنت طالق ثلاثا للسنة وقعن ساعة إذ كانت طاهرا أو حائضا أو بانت منه انتهى. قال الوانوغي في حاشيته ما يعطيه هذا الكلام من التنافي يزيله من توغل في قواعد المذهب قال: المشذالي ظهور التنافي بين الطلاق ثلاثا أو في الحيض وكونه سنيا ويدفعه أن القاعدة إذا علق على محقق الوقوع أو غالبه وجب تنجيزه فكأنه هنا علقه على طهرها فوجب تنجيزه عليه في المسألتين انتهى. وما قاله المشذالي لا يزيل الإشكال

(5/306)


فصل في أركان الطلاق
وركنه: أهل، وقصد، ومحل، ولفظ. وإنما يصح طلاق المسلم المكلف،
-----------------------------
فيما يظهر لمن هو قصير الباع في قواعد المذهب مثلي لأن من طلق في كل طهر طلقة فليس هو من طلاق السنة على المشهور إلا أن يقال ألزمه الطلاق مراعاة لقول أشهب وغيره أن الطلاق الواقع على الصفة المذكورة طلاق سنة فيمكن ذلك فتأمله والله أعلم.
فرع: وكذا تلزمه طلقة واحدة ويجبر على الرجعة إذا قال أنت طالق للسنة ولم يقل ثلاثا قاله في طلاق السنة من المدونة ونقله ابن الحاجب وغيره.
فرع: إذا قال أنت طالق إذا حضت الأولى وأنت طالق إذا حضت الثالثة وأنت طالق إذا حضت الخامسة لا يقع عليه إلا طلقة لأن ما زاد عليها لا يقع إلا بعد العدة ولو طلقها واحدة ثم قال: أنت طالق كلما حضت وقعت الثلاث ولو قال: أنت طالق إذا حضت ثانية بعد أولى فأنت طالق وإذا حضت ثالثة فأنت طالق لزمه طلقتان الأولى وطلقة عجلت عليه ابن أبي زيد ووقعت الثالثة بعد انقضاء العدة بدخولها في الحيضة الثالثة.
فصل
ص: "وركنه أهل ومحل وقصد ولفظ" ش: تبع رحمه الله ابن الحاجب وابن شاس في عد هذه أركانا للطلاق ورده ابن عرفة بأنها خارجة عن حقيقته وكل خارج عن حقيقة الشيء غير ركن له وجعل هو الأهل والمحل شرطين والقصد مع اللفظ أو ما يقوم مقامه سببين ونصه وشرط الطلاق أهل ومحل والقصد مع لفظ أو ما يقوم مقامه من فعل أو إشارة سبب انتهى. ص: "وإنما يصح طلاق المسلم المكلف" ش: خرج بالمسلم الكافر ومراده هنا إذا لم يتحاكموا إلينا أما إن تحاكموا ففيه أربع تأويلات قدمها المصنف ودخل في غير المكلف فاقد العقل قال ابن عرفة: طلاق فاقد العقل ولو بنوم لغو انتهى. قال اللخمي: والمعتوه كالمجنون انتهى.
فرع: ولو طلق المريض وقد ذهب عقله من المرض فأنكر ذلك وقال لم أعقل حلف ولا

(5/307)


ولو سكر حراما؛ وهل إلا أن يميز، أو مطلقا؟ تردد،
----------------------------------
شيء عليه قاله مالك في الموازية وكذلك نقله عنه في العتبية إلا أنه قال: ثم صح فأنكر وزعم أنه لم يكن يعقل قاله في التوضيح وقال ابن عرفة: ابن رشد إنما ذلك إن شهد العدول أنه يهذي ويختل عقله وإن شهدوا أنه لم يستنكر منه شيء في صحة عقله فلا يقبل قوله ولزمه الطلاق قاله ابن القاسم في العشرة انتهى. هكذا نقل ابن عرفة تقييد ابن رشد وأما الباجي فأبقاه على إطلاقه قاله ابن عرفة وهذا الفرع: غير الفرع: الذي يأتي في كلام المصنف ص: "ولو سكر حراما" ش: قال في التوضيح: وتحصيل القول في السكران أن المشهور تلزمه الجنايات والعتق والطلاق والحدود ولا تلزمه إلا قرارات والعقود قال: في البيان وهو قول مالك وعامة أصحابه وأظهر الأقوال ثم قال: وعلى المشهور من عدم إلزامه بالنكاح فقال في البيان اختلف إن قالت البينة أنها رأت منه اختلاطا ولم تثبت الشهادة بسكره على قولين أحدهما وهو المشهور أنه يحلف ولا يلزمه النكاح والثاني: أنه لا يصدق ولا يمكن من اليمين ويلزمه النكاح ثم قال: وحمل في البيان قول مالك لا أرى نكاح السكران جائزا وقول سحنون لا يجوز بيعه ونكاحه وهبته وصدقته على معنى أنه لا يلزمه ذلك وله أن يرجع عنه قال: ولا يقال في شيء من ذلك على مذهب مالك أنه غير منعقد وإنما يقال غير لازم وكلام ابن شعبان يدل على أن عقوده غير منعقدة لأنه جعل بيعه من الغرر ثم قال: إذا أوصى السكران بوصية فيها عتق ووصايا لقوم وإذا أبت عتق عبيده في مرضه فقال صاحب البيان الصحيح على مذهب مالك إن مات من مرضه ذلك نفذ العتق وغيره من الثلث على معنى الوصية وإن صح من مرضه نفذ عليه العتق ولزمه وكان له الرجوع فيما بتله من الهبة والصدقة من أجل السكر انتهى. هذا زبدة كلامه في التوضيح وهنا قال: فيه واعلم أن اصطلاحه في الجواهر إذا أراد الباجي قال: القاضي أبو الوليد وإذا أراد ابن رشد قال قال الشيخ أبو الوليد قال: وقد التبس هذا على المصنف يعني ابن الحاجب فنسب للباجي ما لابن رشد وذلك في سبعة مواضع هنا وفي القراض وفي المزارعة وفي الوقف وخامسها في الأقضية وسادسها في الشهادات وسابعها قوله بإثر هذه المواضع انتهى. بالمعنى والله أعلم. ص: "وهل إلا أن يميز أو مطلقا تردد"

(5/308)


وطلاق الفضولي كبيعه ولزم ولو هزل، لا إن سبق لسانه في الفتوى،
------------------------------
ش الكلام بإثبات لا ظاهر والتردد يشير به لخلاف ابن رشد والمازري واللخمي وأما على إسقاط "لا" فيشكل الكلام لأنه يصير الاستثناء من مقابل المشهور المفهوم من "لو" ويشير حينئذ بالتردد لخلاف ابن بشير والمازري واللخمي والله أعلم. ص: "وطلاق الفضولي كبيعه" ش: قال البساطي: وتكون العدة من يوم إجازة الزوج فلو أمضى الطلاق وكانت حاملا ثم ولدت خرجت من العدة ولو وضعت ثم أمضى استأنفت انتهى بالمعنى.
تنبيهان: الأول: سيأتي في البيوع عن القرافي في بيع الفضولي أن ظاهر كلام عياض عدم جواز الإقدام عليه وظاهر كلام صاحب الطراز الجواز فانظر على قولهم إن طلاق الفضولي كبيعه هل حكم الطلاق حكم البيع في جواز الإقدام عليه وعدم جواز الإقدام أم لا والله أعلم.
الثاني: قال: في المسألة السابعة في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من الأيمان بالطلاق في الذي يقول لغارمه عليك الطلاق أو امرأتك طالق لتدفعن إلي حقي غدا فيقول نعم فيحنثه فيقول أردت واحدة ويقول صاحب الحق ثلاثا: القول قول صاحب الحق وفي سماع عبد الملك أن القول قول الغريم قال ابن رشد: هذان القولان على اختلافهم في اليمين هل هي على نية الحالف أو المحلوف له انتهى. فعلم من هذا أنه لو طلق عليه غير غريمه لكان القول قول الزوج بلا خلاف والله أعلم. ص: "ولزم ولو هزلا" ش: قال ابن عرفة: وهزل إيقاع الطلاق لازم اتفاقا وهزل إطلاق لفظه عليه المعروف لزومه الشيخ في الموازية عن ابن القاسم من قال: لامرأته قد وليتك أمرك إن شاء الله فقالت فارقتك إن شاء الله وهما لاعبان لا يريدان طلاقا لا شيء عليهما وتحلف وإن أراد الطلاق على اللعب لزمه انتهى. ويلحق بالطلاق النكاح والعتق والرجعة والمشهور اللزوم قاله ابن عبد السلام قال: ومن فروع هذا الباب إذا قال زوجني وليتك فقال زوجتها من فلان وتقدم الكلام على ذلك في أول باب النكاح والله أعلم. ص: "لا إن سبق لسانه في الفتوى" ش: قال ابن عرفة: سبق لسانه لغو إن ثبت وإلا ففي الفتيا

(5/309)


أو لقن بلا فهم، أو هذى لمرض، أو قال: لمن اسمها طالق: يا طالق وقبل منه في طارق التفات لسانه، أو قال: يا حفصة فأجابته عمرة فطلقها فالمدعوة وطلقتا مع البينة،
------------------------------------
فقط انتهى. ص: "أو لقن بلا فهم" ش: أما لو فهم العجمية وطلق بها لزمه قال في المدونة: ومن طلق بالعجمية لزمه إن شهد بذلك عدلان يعرفان العجمية قال ابن ناجي: قال أبو إبراهيم: يؤخذ منها أن الترجمان لا يكون أقل من عدلين انتهى. ص: "أو قال: لمن اسمها طالق يا طالق" ش: ويقبل قوله في الفتيا والحكم قاله ابن عبد السلام وابن فرحون والله أعلم. ص: "

(5/310)


أو أكره ولو بكتقويم جزء العبد، أو في فعل إلا أن يترك التورية مع معرفتها
------------------------------
"أو في فعل" ش: يعني إذا حلف لا يفعل فعلا فأكره على فعله فلا حنث عليه قال القرافي في الفرق الثاني والثلاثين بعد المائة: فإذا زال الإكراه ففعله مرة أخرى بعد الإكراه حنث ولو أكره على ابتداء الفعل وأمكنه تركه فتمادى عليه حنث بالتمادي انتهى. وقاله غيره.
فرع: قال ابن عرفة في كتاب الأيمان قبل الكلام على الكفارة: وفي حنث من حلف لا فعل غيره كذا ففعله مكرها نقل المجموعة عن رواية ابن نافع في لا خرجت زوجته وعن سحنون من قال: لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فأكرهها غيره على دخولها لم يحنث ولو أكرهها هو خفت أنه رضي بالحنث وفي كون المعتبر في حصوله غلبة الظن به أو اليقين الذي

(5/311)


بخوف مؤلم من قتل، أو ضرب، أو سجن، أو قيد، أو صفع لذي مروءة بملاء، أو قتل ولده أو لماله. وهل إن كثر؟ تردد، لا أجنبي، وأمر بالحلف ليسلم وكذا العتق والنكاح والإقرار واليمين، ونحوه.
-----------------------------
لا يشك فيه نقل ابن محرز عن المذهب وسماع عيسى ابن القاسم مع الشيخ عن محمد انتهى.
مسألة: قال البرزلي في مسائل الأيمان في أوائله بنحو الكراس: لو حلف لزوجته على

(5/312)


وأما الكفر وسبه عليه السلام، وقذف المسلم فإنما يجوز للقتل، كالمرأة لا تجد ما يشد رمقها، إلا لمن يزني بها، وصبره أجمل لا قتل المسلم وقطعه،
------------------------------
عدم الخروج فخرجت قاصدة لحنثه فالمشهور أنه يحنث وحكى ابن رشد عن أشهب أنه لا يحنث معاملة لها بنقيض المقصود ومال إليه بعض أصحابنا لكثرته من النسوة في هذا الوقت انتهى. ص: "وأما الكفر وسبه عليه السلام وقذف المسلم فإنما يجوز للقتل" ش: قال ابن فرحون: في شرح ابن الحاجب ويلحق بقذف المسلم سب أصحابه عليه الصلاة والسلام انتهى. ص: "لا قتل المسلم وقطعه وأن يزني" ش: قال: في آخر معين الحكام ومن هدد بقتل أو غيره على أن يقتل رجلا أو يقطع يده أو يأخذ ماله أو يزني بامرأته أو يبيع متاع رجل فلا يسعه ذلك وإن علم أنه إن عصى وقع ذلك به فإن فعل فعليه القود وغرم ما أتلف ويحد إن زنى ويضرب إن ضرب ويأثم انتهى. وقال ابن فرحون في تبصرته في الفصل الخامس من القسم الثالث: ومن أكره على قتل ولده أو أخيه والقاتل وارثه فإن فعل ذلك يمنع الإرث ولا يدفع عنه القود.
تنبيه: قال عبد الملك: قالوا: وكذلك لو استكره على أن يزني وحمل السيف على رأسه وأقيم عليه الحد ووجب عليه الإثم وليس هذا من الإكراه الموضوع عن صاحبه وإنما الموضوع عن صاحبه إثم ما ركب بالاستكراه في الأيمان والطلاق والبيع والإفطار في رمضان وشرب الخمر وترك الصلاة وأشباه هذا مما هو لله تعالى انتهى. وقال في التوضيح الصحيح جواز شرب الخمر وأكل الخنزير إذا أكره عليه انتهى.
فرع: قال في معين الحكام إثر كلامه السابق: من أكره على قطع يد رجل فأذن له في ذلك المقطوعة يده طائعا لم يسعه أن يفعل فإن فعل أثم ولا قصاص عليه ولا دية ولا على من أكرهه ولو أذن صاحب اليد مكرها بوعيد أثم القاطع وعليه الأدب والحبس ثم قال:

(5/313)


وأن يزني، وفي لزوم طاعة أكره عليها قولان:
------------------------------
مسألة: من أكره على قتل رجل فأذن لرجل في قتل نفسه ففعل المكره فهو آثم ولورثة القتيل القصاص وليس على من أكره إلا الأدب ووقع لابن عبد الحكم خلاف هذا وأنه لا قود في النفس ولا في الأطراف انتهى. باختصار يسير والله أعلم. ص: "وفي لزوم طاعة أكره عليها قولان" ش: اعلم أن الإكراه على اليمين تارة يكون على أن لا يفعل في المستقبل أو على أن يفعل في المستقبل أيضا فهذا قال فيه في التوضيح: إن كان على معصية أو ما ليس بطاعة ولا معصية فلا تلزم اليمين وإن كان على طاعة ففيه قولان مثال ما هو على معصية أن يحلفه الظالم بالطلاق مثلا أن لا يصلي وأن يشرب الخمر فيصلي ولا يشرب الخمر فلا يحنث ومثال ما ليس بطاعة ولا معصية أن يحلفه مثلا أن لا يدخل السوق أو أن يدخل السوق فيدخل أو لا يدخل فلا يحنث أيضا ومثال ما هو طاعة مثل أن يحلفه أن لا يشرب الخمر أو أن يصلي فيشرب الخمر ولا يصلي ففي الحنث قولان وتارة يكون الإكراه على أن يحلف أنه ما فعل في الماضي أو أنه فعل وهذا أيضا يكون على معصية ويكون على ما ليس بطاعة ولا معصية ويكون على طاعة مثال الأول أعني ما هو على معصية مثل أن يحلفه بالطلاق أنك ما صليت اليوم وإلا قتلتك ويكون المحلف بكسر اللام أمره بعدم الصلاة أو أنك ظلمت فلانا ويكون المحلف أمر الحالف بظلم فلان ويكون الحالف لم يظلم فلانا ويكون صلى فهذا إذا تحقق الإكراه لا كلام أنه لا يلزمه شيء ومثال الثاني: أعني ما ليس بطاعة ولا معصية أن يحلفه على أنه ما دخل السوق أو أنه دخل ويكون الحالف حالف في الوجهين فالظاهر أيضا لا تلزمه اليمين لأنه إذا كان إذا أكره على اليمين على أن لا يفعل أو يفعل في المستقبل ما ليس بطاعة ولا معصية لا حنث عليه فأحرى أنه لا حنث عليه إذا أكره على أن يحلف أنه ما فعل أو فعل ما ليس بطاعة ولا معصية لأنه في الأول إنما أكره على اليمين فقط وأما الحنث فإنما فعله هو باختياره فهو أدخل الحنث على نفسه وهنا أكره على أن يحلف بيمين هو كاذب فيها والله أعلم. ومثال الثالث: أعني ما هو على طاعة مثل أن يحلفه أنه صلى أو أنه ما ظلم فلانا أو أنه ما اغتاب فلانا ويكون الحالف صلى أو يكون ظلم أو اغتاب فالظاهر أنه يدخل فيه الخلاف الذي فيما إذا حلف على أن لا يفعل في المستقبل أو يفعل في المستقبل كما تقدم لأنه إذا

(5/314)


كإجازته كالطلاق طائعا، والأحسن المضي،
-------------------------------
اختلف في هذا وهو الذي أدخل الحنث على نفسه وإنما أكره على اليمين فقط فأحرى أن لا يحنث في مثالنا لأنه لم يتعمد الحنث وإنما أكره على أن يحلف يمينا هو فيها حانث كما تقدم في المثال الثاني: والله أعلم. هذا من جهة البحث وأما النقل فالذي رأيته يدل على ما تقدم قاله في كتاب الأيمان من النوادر ونصه ومن كتاب ابن المواز قال مالك: من حلف على خوف من العذاب واليمين على حق وقد كذب في يمينه فهو حانث ولا ينفعه التقية ها هنا قال ابن المواز كأنه غصب شيئا أو فعل أمرا وصله ما فعله قال مالك: فيمن طولب ليقتل ظلما فخباه رجل عنده فأحلف بالطلاق ما هو عنده قال: قد أجر وطلقت عليه امرأته وقال أشهب لا شيء عليه والمكره على اليمين لا تلزمه وكذلك المكره على الحنث يريد أشهب إن خاف إن لم يحلف عذب بضرب أو سجن انتهى. فقول أشهب يحتمل أن يكون خلافا في الثانية فقط وفيها أو في الأولى وكونه فيها وفي الأولى أولى لنقل البرزلي عن السيوري عدم اللزوم ونصه على ما ذكره البرزلي في مختصره وسئل السيوري عمن قال: له رجل شرير تكلمت في فلان فأنكر فحلفه بالطلاق أنه لم يفعل ذلك فحلف وقال قد خفت وقد قلت: بعض القول وجاء مستفتيا وكانت يمينه بالثلاث فما الحكم فأجاب إن كان يخاف ممن ذكرت خوفا لا يشك فيه ويثبت له أنه البينة في ذلك فلا يحنث إذا دفع عن نفسه انتهى. من مسائل الطلاق فهذان القولان يدلان على جريان الخلاف في المسألة هنا في الإكراه على اليمين وأما الإكراه على الحنث فلا يتصور إلا إذا كانت اليمين على مستقبل والمشهور حينئذ أنها إن كانت على بر فلا حنث وإن كانت على حنث فالحنث والله أعلم. بالصواب وإليه المرجع والمآب ص: "كإجازته كالطلاق طائعا والأحسن المضي" ش: قال: في آخر معين الحكام.
مسألة: ومن أكره على طلاق زوجته أو عتق عبده ثم أجاز ذلك آمنا لزمه قيل لسحنون ولم ألزمته ذلك ولم يكن ليعقد عليه طلاق ولا عتق وإنما ألزم نفسه ما لم يلزمه؟

(5/315)


ومحله ما ملك قبله وإن تعليقا، كقوله لأجنبية هي طالق عند خطبتها أو إن دخلت، ونوى بعد نكاحها، وتطلق عقبه، وعليه النصف، إلا بعد ثلاث على الأصوب ولو دخل، فالمسمى فقط:
------------------------------
قال: وإنما ألزمته لاختلاف الناس لأن من العلماء من يلزم طلاق المكره وعتقه.
تنبيه: ظاهر هذا أن العدة وأحكام الحرية تكون من يوم وقع الطلاق والعتق بالإكراه انتهى. كلامه ص: "عقبه" ش: وفي بعض النسخ: "عقيبه" بإثبات الياء ص: "وعليه النصف إلا بعد ثلاث على الأصوب ولو دخل فالمسمى فقط كواطئ بعد حنثه ولم يعلم" ش: قال

(5/316)


كواطئ بعد حنثه ولم يعلم: كأن أبقى كثيرا بذكر جنس أو بلد أو زمان يبلغه عمره ظاهرا لا فيمن تحته إلا إذا تزوجها. وله نكاحها ونكاح الإماء في كل حرة، ولزم في المصرية فيمن أبوها كذلك، والطارئة إن تخلقت بخلقهن وفي مصر يلزم في عملها إن نوى، وإلا فلمحل لزوم الجمعة وله المواعدة بها، إلا إن عم النساء، أو أبقى قليلا ككل امرأة أتزوجها إلا تفويضا أو
------------------------------
في الأيمان بالطلاق منها: ومن قال كل امرأة أتزوجها من الفسطاط طالق فتزوج منها فدخل فعليه صداق ونصف واحد لا صداق ونصف كمن وطئ بعد الحنث ولم يعلم فإنما عليه المهر الأول الذي سمى انتهى. قال ابن عرفة: وفيها مع غيرها كل حنث لزم لتعلقه بجزء لم يتكرر بتكرر تزويجه إلا بلفظ يقتضي تكرره وإن علق بكلي تعلق في أشخاص أفراده تكرر بتكرر

(5/317)


من قرية صغيرة أو حتى أنظرها فعمي، أو الأبكار بعد كل ثيب، أو بالعكس أو خشي في المؤجل العنت، وتعذر التسري أو آخر امرأة، وصوب وقوفه عن الأولى حتى ينكح ثانية، ثم كذلك، وهو في الموقوفة كالمولي وأختاره إلا الأولى، وإن قال إن لم أتزوج من المدينة فهي طالق فتزوج من غيرها نجز طلاقها، وتؤولت على أنه إنما يلزمه الطلاق إذا تزوج من غيرها قبلها،
---------------------------
تزويجه لتعلق الطلاق في الأول بالذات وهي محل الحكم وفي الثاني: بالوصف وهو علة الحكم انتهى. ص: "أو آخر امرأة" ش: قال اللخمي: وإن قال أول امرأة أتزوجها طالق لزمه لأنه أبقى ما بعد الأولى ولا يحنث إلا في امرأة واحدة انتهى. من كتاب الأيمان بالطلاق وانظر هل لا يبر هنا أيضا إذا تزوج بغير نسائه كما قال المصنف في الأيمان إذا حلف ليتزوجن على امرأته أنه لا يبر بغير نسائه أولى والظاهر أنه كذلك قال في النوادر في كتاب الأيمان: ومن حلف ليتزوجن من أهل مصر فتزوج نصرانية أو ذمية فلا يبر حتى يتزوج بنكاح مثله انتهى. وقال اللخمي في تبصرته: وإن قال أول امرأة أتزوجها طالق ثم قال بعد ذلك آخر امرأة أتزوجها طالق انعقدت اليمين فيهما جميعا فإن تزوج امرأة طلقت لأنها أول امرأة وإن تزوج

(5/318)


واعتبر في ولايته عليه حال النفوذ، فلو فعلت المحلوف عليه حال بينونتها لم يلزم،
----------------------------
ثانية كانت اليمين منعقدة فيها لأنه قادر على أن يتزوج أخرى وتحل الثانية انتهى. فأطلق في كلامه فظاهره جواز ذلك فتأمله والله أعلم. ص: "فلو فعلت المحلوف عليه حال بينونتها لم يلزم" ش: اعلم أن للمسألتين صورتين: الأولى فيما لا يمكن تكرره مثل أن يحلف لغريمه بطلاق زوجته ألبتة ليقضينه إلى أجل سماه فيصالح زوجته قبل الأجل ثم يراجعها بعد مضي الأجل فلا حنث عليه والثاني أن يكون يمكن تكرره فلا يقع الحنث بما فعلته حال البينونة ويحنث بما فعلته بعدها كما لو حلف بطلاقها أن لا تدخل دار فلان فأبانها ثم دخلت ثم راجعها فلا حنث عليه فإن دخلت الدار مرة ثانية بعد مراجعته حنث فلو تزوجها مرة ثانية بعد الحنث ثم دخلت لم يتكرر عليه الحنث ذكر ذلك في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب النكاح وفي ابن عرفة وغيره وقال القرافي في آخر الفرق الثاني والثلاثين بعد المائة وإذا قال إن دخلت الدار فعبد من عبيدي حر أو امرأته طالق فخالف ودخل عتق عبد من عبيده وطلقت امرأته طلقة واحدة فإن عاد وخالف مقتضى التعليق لم يلزمه عتق عبد آخر ولا طلقة أخرى ثم قال ومثل ذلك إذا حلف بالطلاق لا يكلم زيدا فخالع امرأته وهم وكلم زيدا لم يلزمه بهذا الكلام طلاق فلو رد امرأته وكلمه حنث عند مالك رحمه الله انتهى. وفي رسم شك من سماع ابن القاسم من الأيمان بالطلاق: وسئل مالك عن رجل يحلف بطلاق امرأته ألبتة إن خرجت إلى بيت أهلها إلا بإذنه إن لم يضربها فخرجت مرة فضربها هل ترى عليه شيئا إن هي خرجت؟ قال: لا إلا أن يكون نوى ذلك ابن رشد هذه مسألة موافقة لما في كتاب النذر من المدونة من أن من حلف أن لا يكلم رجلا عشرة أيام فكلمه حنث ثم كلمه مرة أخرى بعد أن كفر أو قبل أن يكفر أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة وموافقة أيضا لجميع روايات العتبية من ذلك ما في سماع أبي زيد بعد هذا وأول سماع أشهب من النذور وأول رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من طلاق السنة حاشا مسألة الوتر من رسم حلف من سماع ابن القاسم من النذور انتهى. ونص ما في سماع أبي زيد.
مسألة: وسئل عن رجل قال لامرأته أنت طالق إن دخلت جاريتك على أختك إن لم أضربها مائة فدخلت ثم ضربها مائة ثم دخلت مرة أخرى قال: لا شيء عليه إلا أن يكون نوى أن يضربها كلما دخلت ابن رشد هذه مسألة مضت في رسم شك من سماع ابن القاسم.

(5/319)


ولو نكحها ففعلته حنث، إن بقي من العصمة المعلق فيها شيء
-----------------------------------
ونص ما في أول سماع أشهب من النذور قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع عمن أبق له غلام فأخذه فحلف له إن عدت لأضربنك فعاد فأبق ولم يضربه ثم عاد فأبق له فضربه أتراه خرج عن يمينه قال: لا أراه وقت وقتا وأرى ذلك قد أخرجه عن يمينه إذا ضربه الضرب الذي حلف عليه ضربا لا عذاب ولا دون ابن رشد هذا خلاف مسألة الوتر ونص ما في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من طلاق السنة.
مسألة: سئل مالك عن رجل قال لامرأته أنت طالق واحدة إن بت عنك فبات عنها فطلقت منه بواحدة ثم ارتجعها ثم بات عنها بعد ذلك ليالي وقال لا شيء عليه إلا الأولى قال: محمد بن رشد هذه مسألة صحيحة على أصله في المدونة وفي غير مسألة من العتبية حاشا مسألة الوتر انتهى. وانظر الرسم الأول والثاني: من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق ونص مسألة الوتر من رسم حلف من سماع ابن القاسم من النذور.
مسألة: وسئل عن رجل حلف إن نام حتى يوتر فعليه صدقة دينار فنام ليلة من ذلك قبل أن يوتر أترى عليه في ليلة أخرى إن نامها شيئا أم قد أجزأ عنه الأمر الأول قال: ذلك إلى ما نوى وهو أعلم بما أراد به من ذلك وما رأيت أحدا يفعل هذا الوجه ليس الوتر أعني ولكن ما يوجب على نفسه في غير هذا من هذه الأشياء إلا أن عليه في كل ما فعل ما حلف عليه وما يريد أحد في مثل هذه الأشياء مرة واحدة ولا أن ينويه قال ابن رشد: هذه الرواية مخالفة لما في المدونة من ذلك مسألة من حلف أن لا يكلم رجلا عشرة أيام ومخالفة أيضا لجميع روايات العتبية من ذلك أول مسألة من سماع أشهب ثم قال: وهذا الاختلاف جار على اختلاف الأصوليين في الأمر المقيد بصفة هل يقتضي تكراره بتكرار الصفة أم لا فمسألة الوتر على القول بوجوب تكراره بتكرار الصفة لأنه أوجب عليه صدقة دينار لكل ليلة نام فيها قبل أن يوتر إلا أن ينوي مرة واحدة قال: وكذلك ما يوجب على نفسه من هذه الأشياء ومسائل المدونة والعتبية التي ذكرناها على القول بأن الأمر لا يجب تكراره بتكرار الصفة لأنه لم يوجب عليه ما حلف به كلما تكرر الفعل الذي جعله شرطا فيما حلف به إلا أن ينوي ذلك وبالله التوفيق انتهى. ص: "ولو نكحها ففعلته حنث إن بقي من العصمة المعلق فيها شيء" ش: قال: في كتاب النكاح الأول من المدونة وإن تزوجها على شرط يلزمه ثم صالحها أو طلقها طلقة وانقضت عدتها ثم تزوجها عاد عليه الشرط في بقية طلاق الملك وإن شرط في نكاحه الثاني

(5/320)


كالظهار،
--------------------------------
أنه إنما نكح على أن لا يلزمه من تلك الشروط شيء لم ينفعه ذلك انتهى. وقد سألت عن رجل زوج ابنته وهي صغيرة من رجل بصداق فقال له الزوج أخشى أنها تموت وتطلق مني المهر قال: أبو الزوجة زوجته طالق إن طالبتك من صداقها بشيء ثم إن أبا الزوجة طلق زوجته ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج ثم ماتت البنت فهل له مطالبته بالصداق وهل يلزمه الحنث أم لا فأجبت بما صورته لوالد الزوجة المتوفاة مطالبة الزوج ولا حنث عليه لأن هذه عصمة جديدة والله أعلم.
فرع: إذا حلف بالطلاق أن لا يفعل فعلا ثم طلق تلك الزوجة أو ماتت ثم تزوج غير تلك الزوجة ثم فعل ذلك الفعل فلا حنث عليه من باب أولى والله أعلم. ص: "كالظهار" ش: يعني إذا علق الظهار على أمر ففعلت المحلوف عليه حال بينونتها لم يلزمه شيء ولو نكحها ففعلته لزمه ما دامت العصمة المعلق فيها فإن طلقها ثلاثا ثم تزوجها سقط حكم الظهار المعلق وأما لو وقع المعلق عليه وهي في عصمته ولزمه الظهار أو ظاهر من غير تعليق ثم

(5/321)


لا محلوف لها ففيها وغيرها، ولو طلقها، ثم تزوج، ثم تزوجها طلقت الأجنبية، ولا حجة له أنه لم يتزوج عليها وإن ادعى نية؛ لأن قصده أن لا يجمع بينهما
----------------------
طلقها ثلاثا لم يسقط الطلاق الثلاث الظهار وسيقول المصنف في باب الظهار: وسقط إن تعلق ولم يتنجز بالطلاق الثلاث ص: "لا محلوف لها" ش: قال ابن غازي: يريد أو عليها مثال المحلوف لها: كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق فتلزمه اليمين في التي يتزوجها عليها ولو كان ذلك بعد أن طلقها ثلاثا وتزوجها بعد زوج هذا الذي ارتضاه المصنف وغيره خلاف ما شهره ابن الحاجب في هذه المسألة وهو قوله في كتاب الأيمان بالطلاق ومثال المحلوف عليها إذا قال زينب طالق إن وطئت عزة فعزة محلوف عليها فتلزمه اليمين فيها ما دامت زينب عنده ولو طلقها أعني عزة ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج ما دامت زينب عنده فإذا علم ذلك فالذي يختص فيها الطلاق بالعصمة هي المحلوف بها مثل زينب في المثال الثاني: ومثل قوله إن

(5/322)


وهل لأن اليمين على نية المحلوف لها، أو أقامت عليه بينة؟ تأويلان، وفي ما عاشت مدة حياتها، إلا لنية كونها تحته، ولو علق عبد الثلاث على الدخول فعتق ودخلت لزمت واثنتين بقيت واحدة كما لو طلق واحدة ثم عتق،
-------------------------------
دخلت الدار فأنت طالق وإن أكلت الرغيف فأنت طالق ونحو ذلك ص: "وفي ما عاشت مدة حياتها إلا لنية كونها تحته" ش: نحوه في الأيمان بالطلاق وفي حاشية المشذالي في هذه المسألة قال: قالوا فيمن اشترى طستا وأشهد لامرأته أن تنتفع به حياتها ثم طلقها وقال أردت ما بقيت عندي حلف وأخذه ص: "ولو علق عبد الثلاث على الدخول فعتق ودخلت لزمت واحدة" ش: قال ابن عرفة: المعتبر في قدر الطلاق حال المطلق يوم نفوذه لا يوم عقده ابن سحنون عن أبيه وأشهب: إن قال عبد إن فعلت كذا فأنت طالق ففعلته بعد عتقه بقيت له طلقتان انتهى. وقال ابن عبد السلام: ولو قال العبد أنت طالق إن فعلت كذا ثم عتق ثم حنث فهذه تبقى عندي على تطليقتين وإنما يراعي يوم الحنث كما قال: إن فعلت كذا فأنت حر ففعله في مرضه فإنما هو في ثلثه انتهى. ص: "كما لو طلق واحدة ثم عتق" ش: يعني أنه تبقى له واحدة وهذا والله أعلم. ما لم يثبت أنه أوقع هذه الطلقة وهو حر بقي اثنتان كما قال ابن القاسم لو طلقها طلقتين ثم ثبت أنه أعتق قبل طلاقه وله الرجعة إن لم تنقض العدة وإن انقضت فقد بقيت له فيها طلقة إن تزوجها وسواء علم أن جميع طلاقه طلقتان أم لم يعلم إذا لم ينو ألبتات أو يلفظ بألبتة كمن طلق طلقة وظن أنها تحرم عليه فلا يلزمه إلا واحدة ولا يلزم ذلك إلا من عرف أن له الرجعة إن نوى بها في قلبه ألبتة فأما من ظن ذلك فلا يضره وكذلك الأمة تعتد حيضتين ثم يثبت أنها عتقت قبل ذلك فلتتم عدة الحرة وإن نكحت قبل ذلك فسخ النكاح وواطئها واطئ في عدة وسواء ثبتت حريتها بعتق أو أصل حرية انتهى. من ابن عبد السلام ومنه قال ابن المواز وكل من فيه بقية رق كالعبد في طلاقه حتى إذا عتق صار

(5/323)


ولو علق طلاق زوجته المملوكة لأبيه على موته لم ينفذ ولفظه طلقت، وأنا طالق، أو أنت، أو مطلقة أو الطلاق لي لازم، لا منطلقة. وتلزم واحدة إلا لنية أكثر كاعتدي، وصدق في نفيه، إن
-------------------------------
كالحر من يومئذ في طلاقه انتهى. والله أعلم. ص: "ولو علق طلاق زوجته المملوكة لأبيه على موته لم ينفذ" ش: ابن عرفة: قلت: ما لم يمت مرتدا انتهى. ص: "ولفظه طلقت أو أنا طالق أو أنت" ش: لو قال: أنت طالقا بالنصب أو أنت طالق بالخفض لزمه قاله القرافي في الفرق الحادي والستين والمائة وقريب منه فرع قاله في الجواهر ونصه: ولو قال أنت طالق إن لم أطلقك أو أن طلقتك بفتح الهمزة فيهما فهو للتعليل فيقع في الحال إلا إذا لم يعرف اللغة فهو كالتعليق انتهى. وذكر البرزلي عن الرماح في أوائل مسائل الطلاق أن من قال: لزوجته أنت طالق ولم ينطق بالقاف يجري على الخلاف في الطلاق بالنية.
مسألة: لو قال غدا أطلق زوجتي فجاء غد ولم يطلق فلا شيء عليه البرزلي هذا بين على أن الوعد لا يقضى به في العطيات وعلى أنه يقضى به ففيه نظر هنا انتهى. ص: "كاعتدي وصدق في نفيه إن دل البساط على العد" ش: العد مصدر عددت الشيء أعده

(5/324)


دل البساط على العد، أو كانت موثقة فقالت: أطلقني وإن لم تسأله، فتأويلان، والثلاث في: بتة وحبلك على غاربك،
---------------------------------
ويشير بهذا الكلام لقوله في المدونة في كتاب التخيير والتمليك: وإن قال لها كلاما مبتدأ اعتدي لزمه الطلاق وسئل عن نيته كم نوى واحدة أو أكثر فإن لم تكن له نية فهي واحدة وهذا هو الذي أشار إليه المؤلف بقوله: "كاعتدي" يعني أنه كما تلزم واحدة إلا لنية أكثر في مطلقة وطالق كذلك في "اعتدي" ثم قال في المدونة: فإن لم يرد به الطلاق وكان جوابا لكلام قبله كدراهم تعتدها ونحو ذلك فلا شيء عليه وإلى هذا أشار بقوله: "وصدق في نفيه إن دل البساط على العد" وقال قبله وفي المدونة: وإن قال لها اعتدي اعتدي اعتدي أو قال: لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق نسقا فهي ثلاث إلا أن ينوي واحدة بنى بها أولا وإن قال أنت طالق اعتدى لزمته طلقتان إلا أن ينوي إعلامها أن عليها العدة فتلزمه واحدة انتهى. وقال أبو الحسن قال ابن القاسم في المجموعة إذا قال أنت طالق واعتدي فهي طلقتان ولا ينوي وإن قال أنت طالق اعتدي لزمه طلقتان إلا أن ينوي واحدة وقال قبله روي عن الحسن فيمن قال لزوجته أنت طالق فاعتدي لزمته واحدة ابن يونس وما قاله صواب انتهى. بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى والله أعلم. ص: "أو كانت موثقة وقالت أطلقني" ش: هذه مسألة

(5/325)


أو واحدة بائنة، أو نواها بخليت سبيلك، أو ادخلي والثلاث إلا أن ينوي أقل إن لم يدخل بها في: كالميتة والدم، ووهبتك ورددتك لأهلك،
-----------------------------
أخرى غير المسألة التي قبلها مصدرة بـ"أو" العاطفة وجعلهما الشارحان مسألة واحدة لأنهما جعلا الألف التي قبل الواو من تتمة الكلمة التي قبلها على أنها من باب العداء بالمد الذي هو مجاوزة الحد والظلم كما قاله في الصحاح ولم يجعلاه من باب العد الذي هو مصدر عددت الشيء كما قدمناه ومعنى كلام المصنف أنه يصدق في نفي الطلاق إذا كانت موثقة وقالت أطلقني فقال لها أنت طالق قال في التوضيح: ولا خلاف أنه يدين وظاهر كلامه يعني ابن الحاجب أنه لا فرق بين أن تكون هناك بينة أم لا انتهى. والله أعلم. وانظر المسألة في سماع أصبغ من كتاب الأيمان بالطلاق ص: "والثلاث إلا أن ينوي أقل إن لم يدخل بها كالميتة والدم الخ" ش: يريد أنه ينوي في التي لم يدخل بها ولا ينوي في المدخول بها قال: في كتاب التخيير من المدونة قال مالك: وإن قال لها أنت علي كالدم أو كالميتة أو كلحم الخنزير فهي ثلاث وإن لم ينو به الطلاق انتهى. ابن يونس عن ابن المواز هذا بعد البناء وأما قبله فإن قال أردت واحدة فله نيته ويحلف وإن لم يكن له نية فالثلاث انتهى. وقال أبو الحسن له نيته ولم يذكر اليمين ثم قال في المدونة: وإن قال لها أنت خلية أو برية أو بائنة قال: مني أو أنا منك أو لم يقل أو وهبتك أو رددتك إلى أهلك قال: عبد العزيز أو إلى أبيك فذلك في

(5/326)


أو أنت، أو ما أنقلب إليه من أهلي حرام.
---------------------------
المدخول بها ثلاث ولا ينوي فيما دونها قبل الموهوبة أهلها أوردوها وله نية في ذلك كله إذا لم يدخل بها في واحدة فأكثر منها وإن لم تكن له نية فذلك ثلاث انتهى. قال: في المنتقى:
فرع: فإذا قلنا ينوي في غير المدخول بها ولا ينوي في المدخول بها فلو حلف قبل البناء وحنث بعده ففي كتاب ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف بالحلال عليه حرام قبل البناء وحنث بعده ونوى واحدة وقامت بينة بالحنث بعد البناء لا ينوي لأنه يوم الحنث ممن لا

(5/327)


أو خلية، أو بائنة، أو أنا وحلف عند إرادة النكاح، ودين في نفيه إن دل بساط عليه وثلاث في: لا عصمة لي عليك، أو اشترتها منه إلا لفداء، وثلاث، إلا أن ينوي أقل مطلقا في خليت سبيلك، وواحدة في: فارقتك
----------------------------------
ينوي ووجه ذلك أن اليمين إنما تنعقد ويقع الطلاق بها يوم الحنث فيجب أن يراعى صفة ما يلزمه من الطلاق ذلك اليوم قال ابن سحنون: وقد قال بعض أصحابنا إلا أن تعلم ذلك منه البينة قبل البناء فلا يلزمه إلا طلقة وله الرجعة وقال سحنون إذا حلف قبل البناء بالحرام أو الخلية أو البرية ثم حنث بعد البناء فقال نويت واحدة فله ذلك وله الرجعة ووجهه أن الاعتبار باليمين يوم أوقعها لا يوم الحنث بدليل أنه إن كان يوم اليمين بصفة من لا تلزمه يمينه لم تلزمه

(5/328)


ونوي فيه وفي عدده في، اذهبي، وانصرفي، أو لم أتزوجك، أو قال: له رجل ألك امرأة، فقال: لا، أو أنت حرة أو معتقة، أو الحقي بأهلك، أو لست لي بامرأة، إلا أن يعلق في الأخير، وإن قال لا نكاح بيني وبينك، أو لا ملك عليك، أو لا سبيل لي
-------------------------------
يمينه ولو كان يوم اليمين بصفة من تلزمه الأيمان وكان يوم الحنث بصفة من لا تلزمه الأيمان لذهاب عقل أو غيره لزمته اليمين انتهى. وقال في الشامل: ولو حلف قبل البناء بحرام أو خلية أو برية ثم حنث بعده فالأحسن ثبوته انتهى. ص: "ونوي فيه وفي عدده في اذهبي وانصرفي" ش: هو كقول ابن الحاجب فتقبل دعواه في نفيه وعدده قال في التوضيح: قوله: "في نفيه"أي إذا ادعى أنه لم يرد الطلاق قبل منه ابن القاسم في الواضحة ويحلف في ذلك كله وكذلك نص عليه في المدونة أي على الحلف في أنت سائبة أو عتيقة أو ليس بيني وبينك حلال ولا حرام انتهى. وظاهر كلام المصنف وابن الحاجب أنه إن لم تكن له نية لزمه الطلاق وليس كذلك بل لا يلزمه طلاق إلا إذا قصد الطلاق انظر التوضيح والتخيير من المدونة وقوله: "وفي عدده" فانظر إذا لم تكن له نية نص في التوضيح على أنه يلزمه الثلاث نقله عن أصبغ ولم يحك فيه خلافا وحكاه في الشامل بـ"قيل" فظاهر كلامه أن الصحيح خلافه وقال ابن عرفة: بعد أن نقل كلام أصبغ عن ابن أبي زيد وابن حبيب.
قلت: في قبولهما إياه نظر لأنه إن دل على الثلاث بذاته لم يفتقر لنية الطلاق وإن لم يدل إلا بنية الطلاق فالنية كاللفظ ولفظ الطلاق لا يوجب بنفسه عددا انتهى. ونقله عنه البرزلي في مسائل الطلاق بعد أن نقل عن الرماح أنه إنما يلزمه واحدة ونقل كلام أصبغ ثم

(5/329)


عليك، فلا شيء عليه إن كان عتابا، وإلا فبتات، وهل تحرم. بوجهي من وجهك حرام أو على وجهك أو ما أعيش فيه حرام، أو لا شيء عليه كقوله لها: يا حرام، أو الحلال حرام، أو حرام علي، أو جميع ما أملك حرام ولم يرد إدخالها قولان.
---------------------------------
قال: كان شيخنا الإمام يقول فيه نظر لأنه إن دل على الثالث: بذاته لم يفتقر لنية الطلاق وإن لم يدل إلا بنية الطلاق فالنية كاللفظ وهو يوجب مطلق الطلاق وهو واحدة حتى ينوي أكثر وكذلك هذا وبه كان يفتي رحمه الله إلى أن توفي وهو الواقع في هذا الجواب انتهى. وقال في آخر مسألة من سماع عيسى من الأيمان بالطلاق في الذي يقول للمملوكة إن تزوجتك فأنت طالق فاشتراها فلا شيء عليه وكذلك إن قال إن اشتريتك فأنت حرة فيتزوجها فلا شيء عليه قال ابن رشد: وهذا كما قال لأن الطلاق ليس من ألفاظ الحرية والحرية ليست من ألفاظ الطلاق فإذا قال الرجل لامرأته أنت حرة فلا تكون طالقا إلا أن يكون أراد بذلك الطلاق وإذا قال لأمته أنت طالق فلا تكون حرة إلا أن يريد بذلك الحرية واختلف إذا قال لامرأته أنت حرة مني ففي الثمانية أنها طالق ألبتة وإن لم ينو الطلاق وفي التخيير منها لابن شهاب أنه يحلف ما أراد الطلاق ولا يلزمه انتهى. ص: "ودين في نفيه إن دل بساط عليه" ش: قال: في التخيير والتمليك من المدونة وإن قال لها أنا خلي أو بري أو بائن أو بات قال: منك أو لم يقل أو قال أنت خلية أو برية أو باتة أو بائنة قال مني أو لم يقل إلا أنه قال في هذا كله لم أرد طلاقا فإن تقدم كلام من غير طلاق يكون هذا جوابه فلا شيء عليه ويدين وإلا لزمه ذلك ولا تنفعه نيته انتهى. وقال في رسم باع غلاما من كتاب الإيلاء فإن جاء مستفتيا لم يلزمه طلاق ولا يمين وإن خاصمته امرأته وأثبتت عليه أنه قال لها ذلك في العتاب استظهر عليه باليمين ولو قال ذلك من غير عتاب لبانت منه امرأته بثلاث انتهى. ص: "أو على وجهك" ش: تقديره كما قال ابن غازي وجهي على وجهك حرام فقوله: "على وجهك"

(5/330)


وإن قال سائبة مني، أو عتيقة، أو ليس بيني وبينك حلال ولا حرام، حلف على نفيه فإن نكل نوي في عدده وعوقب،
------------------------------------
جار ومجرور متعلق بحرام وقد رأيتها في بعض النسخ المصححة كذلك وما يوجد في بعض النسخ من تشديد ياء "علي" فيكون وحده جارا ومجرورا ورفع وجهك على أنه مبتدأ خبره قوله: "بعد حرام" خطأ من الناسخ لأنه يصير حينئذ محرما لجزء منها وقد قال في التوضيح: في شرح هذه المسائل: ولو أضاف التحريم إلى جزء من أجزائها فحكمه كالطلاق يلزمه في اليد والرجل ويختلف في الشعر والكلام ولا يلزمه في السعال والبصاق انتهى. ولا يريد بقوله يلزمه في اليد والرجل خصوصهما فقط فقد صرح بعد هذا أنه لو طلق عضوا منها وقال إن الأحسن من القولين لزومه في الشعر والكلام وفي الشامل: ولو أضاف التحريم إلى جزئها

(5/331)


ولا ينوى في العدد إن أنكر قصد الطلاق بعد قوله: أنت بائن، أو برية أو خلية أو بتة جوابا لقولها. أود لو فرج الله لي من صحبتك، وإن قصده بكا سقني الماء أو بكل كلام لزم، لا إن قصد التلفظ بالطلاق فلفظ بها غلطا، أو أراد أن ينجز الثلاث فقال: أنت طالق وسكت،
----------------------------------
فكالطلاق انتهى. ص: "أو حرام علي" ش: أي قال: هذا اللفظ ولا يريد أنه قال: الحلال حرام علي لأنه قد تقدم في الأيمان أن من قال: الحلال علي حرام يلزمه التحريم في الزوجة إلا أن يحاشيها ولا فرق بين أن يقول الحلال علي حرام أو الحلال حرام علي أما الأولى فحكمها واضح وأما الثانية فقد نقل الشارح هنا عن ابن المواز أن حكمها كذلك يلزمه في الزوجة ما لم يحاشها وفي الأيمان والنذور من المدونة: ومن قال: علي حرام إن فعلت كذا لا يكون الحرام يمينا في شيء لا طعام ولا شراب ولا في أم ولد إلا أن يحرم امرأته فيلزمه الطلاق انتهى. ص: "وإن قصده بكاسقني الماء" ش: قال في المعونة: وضرب ثالث من النطق وهو ما ليس

(5/332)


وسفه قائل: يا أمي، ويا أختي، ولزم الإشارة المفهمة، وبمجرد إرساله به مع رسول، وبالكتابة عازما، أو لا إن وصل لها، وفي لزومه بكلامه النفسي خلاف،
----------------------------
من ألفاظ الطلاق ولا محتملاته نحو قوله اسقني ماء وما أشبه ذاك فإذا ادعى أنه أراد به الطلاق فقيل يكون طلاقا وقيل لا يكون طلاقا انتهى. وقال في العمدة وهل يلزم الطلاق

(5/333)


وإن كرر الطلاق بعطف بواو أو فاء أو ثم، فثلاث إن دخل كمع طلقتين
-----------------------------------
بإرادته بما ليس بكناية كقوله اسقني ماء ونحوه؟ والظاهر عدم لزومه انتهى. ص: "وإن كرر الطلاق بعطف بواو أو فاء أو ثم فثلاث إن دخل" ش: أي ولا ينوي وتقييده بالمدخول بها تبع فيه ابن شاس وابن الحاجب وناقشهما في ذلك في التوضيح وكذلك ابن عبد السلام وابن عرفة ونبه على ذلك ابن غازي وكلام المدونة صريح في أنه لا ينوي وإن لم يدخل قال في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة وإن قال لامرأته أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق أو ثم ثم ثم فهي ثلاث ولا ينوي وفي النسق بالواو إشكال قال ابن القاسم ورأيت الأغاب من قوله إنها مثل "ثم" ولا ينويه وهو رأي وكذلك إن قال ذلك لأجنبية وقال معه إن تزوجتك انتهى. فهذا نص في أنه يلزمه في غير المدخول بها وقد قال ابن عرفة: بعد نقله كلام الأم فمن أنصف علم أن لفظها في لزوم الثلاث في "ثم" والواو ظاهر أو نص فيمن بنى أو لم يبن وهو مقتضى مشهور المذهب فمن أتبع الخلع طلاقا وناقش ابن شاس وابن الحاجب في تخصيصهما ذلك بمن بنى بها وناقش ابن عبد السلام أيضا لأن في كلامه ميلا لقبول كلامهما وناقشه فيما تمسك به لهما من كلام البراذعي وأطال الكلام في ذلك فراجعه إن أردته والله أعلم. فائدة: قال القرافي في الفرق الثاني والستين بعد المائتين: حكى صاحب مجالس العلماء أن الرشيد كتب إلى قاضيه أبي يوسف هذه الأبيات وبعث بها إليه يمتحنه بها.
فان ترفقي يا هند فالرفق أيمن ... وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم
فأنت طالق والطلاق عزيمة ... ثلاث ومن يخرق أعق وأظلم
فبيني بها إن كنت غير رفيقة ... وما لامرئ بعد الثلاث مقدم
وقال له: إذا نصبنا "ثلاثا" ما يلزمه وإذا رفعناه كم يلزمه؟ فأشكل عليه ذلك وحمل الرقعة إلى ينوي وكان معه في الدرب فقال له الكسائي: اكتب له في الجواب يلزمه بالرفع واحدة وبالنصف ثلاث يعني أن الرفع يقتضي أن "ثلاثا" خبر عن المبتدأ الذي هو الطلاق الثاني ويكون منقطعا عن الأول فلم يبق إلا قوله: "أنت طالق" فليزمه واحدة وبالنصب يكون

(5/334)


مطلقا، وبلا عطف: ثلاث في المدخول بها كغيرها، إن نسقه، إلا لنية تأكيد فيهما
----------------------------------------
تمييزا لقوله: "فأنت طالق" فيلزم الثلاث فإن قلت: إذا نصبناه أمكن أن يكون تمييزا عن الأول كما قلت: وأمكن أن يكون منصوبا على الحال من الثاني أي الطلاق معزوم عليه في حال كونه ثلاثا أو تمييزا فلم خصصته بالأول؟ قلت: الطلاق الأول منكر يحتمل تنكيره جميع مراتب الجنس وأعداده وأنواعه من غير تنصيص على شيء من ذلك لأجل التنكير فاحتاج للتمييز ليحصل المراد من ذلك المنكر المجهول وأما الثاني: فمعرفة استغنى بتعريفه واستغراقه الناشئ عن لام التعريف عن البيان فهذا هو المرجح ويحكى عن الرشيد أنه بعث بهذه الرقعة أول الليل وبعث أبو يوسف الجواب بها أول الليل على حاله وجاءه من آخر الليل بغال موثقة قماشا وتحفا جائزة على الجواب فبعث بها أبو يوسف إلى الكسائي ولم يأخذ منها شيئا بسبب أنه الذي أعانه على الجواب فيها انتهى. ونقل ابن عرفة في هذا الباب كلام القرافي المذكور برمته ولم يزد عليه شيئا ونقل الحكاية أيضا ابن هشام في المغني في الكلام على أل والله أعلم. ص: "وبلا عطف ثلاث في المدخول بها كغيرها إن نسقه إلا لنية تأكيد فيهما" ش: يعني إذا كرر الطلاق بلا عطف فقال أنت طالق أنت طالق أنت طالق يلزمه الثلاث في المدخول بها إلا أن ينوي بذلك التأكيد وكذا يلزمه الثلاث في غير المدخول بها بشرط أن يكون نسقه ولم ينو التأكيد على المشهور خلافا للقاضي إسماعيل قال في التوضيح: إذا كانت الزوجة غير مدخول بها وكان كلامه متتابعا بإن قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق نسقا فالمشهور أنه يلزمه الثلاث إلا أن ينوي التأكيد واحترز بمتتابع مما إذا لم يتابعه فإنه لا يلزمه إلا واحدة بالاتفاق لبينونتها بالأولى فلم تجد الثانية لها محلا وإليها أشار بقوله يعني ابن الحاجب: "وإلا فواحدة" فمقابل المشهور للقاضي إسماعيل ومنشأ الخلاف هل الكلام بآخره وكأنه قال أنت طالق ثلاثا أو بمجرد قوله أنت طالق قد بانت فلا يمكن وقوع الثانية بدليل أن له أن

(5/335)


في غير معلق بمتعدد،
---------------------------------
يتزوج خامسة أو أختها بإثر نطقة بالقاف من قوله أنت طالق من غير مهلة ومثل هذه المسألة ما لو أتبع الخلع طلاقا هل يلزمه أم لا انتهى. ومسألة من أتبع الخلع طلاقا ذكرها في المدونة في كتاب إرخاء الستور في ترجمة ما جاء في الصلح ونصها وإذا أتبع الخلع طلاقا من غير صمات نسقا لزم فإن كان بين ذلك صمات أو كلام يكون قطعا لذلك لم يلزمه الطلاق الثاني انتهى. قال أبو الحسن: لأنه لما أتبع الخلع الطلاق نسقا علمنا أن الطلاق الذي كان في قلبه وأراد إيقاعه اثنتان وقال القاضي إسماعيل: لا يلزم الطلاق الثاني وإن كان نسقا.
وقوله: "وإن كان بين ذلك صمات" إلى قوله: "لم يلزم" الشيخ: لأنه لما فصل بينهما بالصمات علمنا أن الطلاق الذي كان في قلبه وأراد إيقاعه واحدة وقال أبو حنيفة والنخعي وحماد يلزم الطلاق الثاني متى أوقع داخل العدة وقوله: "وإن كان بين ذلك صمات" يعني اختيارا تحرزا من الصمات لأجل العطاس والسعال انتهى. كلام أبي الحسن في الكبير وفي الصغير نحوه وزاد بعد قوله والسعال وشبه ذلك فإنه في حكم الاتصال انتهى. وقال ابن ناجي في شرح المدونة بعد قوله في المدونة وإن كان بين ذلك صمات اختيارا احترازا من الصمات لأجل العطاس والسعال قاله المغربي وهو بين ويشهد له ما ذكره في الأيمان في الاستثناء انتهى. وظاهر كلام اللخمي أن القول بعدم لزوم الطلاق مخرج في هذه المسألة أعني مسألة من أتبع الخلع طلاقا من قول القاضي إسماعيل في المسألة الأولى أعني مسألة من كرر الطلاق بلا عطف في غير المدخول بها وظاهر كلام ابن الحاجب أنه منصوص له فيها أيضا كما صرح به الشيخ أبو الحسن في كلامه المتقدم وصرح بذلك أيضا ابن ناجي في شرح مسألة المدونة المتقدمة في مسألة من أتبع الخلع طلاقا ونصه ما ذكره إذا كان نسقا هو المشهور.

(5/336)


ولو طلق فقيل له ما فعلت؟ فقال: هي طالق، فإن لم ينو إخباره، ففي لزوم طلقة أو اثنتين قولان
----------------------------------
وقال إسماعيل: لا يلزمه ذكره في هذه وفيمن قال: للتي لم يدخل بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق نقله اللخمي: وقال ابن عبد السلام: الخلاف فيمن أتبع الخلع طلاقا ليس بمنصوص عليه يريد إنما لإسماعيل القاضي النص في مسألة غير المدخول بها ويجري قوله في الخلع ذكره معترضا على ابن الحاجب في إطلاقه الخلاف في ذلك وليس كذلك لما قلناه انتهى. وما ذكره ابن عبد السلام من الاعتراض على ابن الحاجب نحوه في التوضيح ولم يتعقب ابن عرفة كلام ابن عبد السلام بل اختصاره لكلام اللخمي يقتضي ظاهره أنه مخرج فيها لا منصوص ونص كلامه وتخريجه يعني اللخمي إلغاء طلاق الحنث كإلغاء الطلاق المتبع للخلع على قول إسماعيل القاضي بإلغاء ما زاد على الواحدة في قوله قبل البناء أنت طالق أنت طالق يرد وأطال الكلام في الرد عليه ولابن عبد السلام مع اللخمي وابن عرفة معهما مناقشة في غير ما اعترض به ابن عبد السلام على ابن الحاجب وأطال الكلام في ذلك فراجعه في باب الخلع إن أردته والله أعلم.
فرع: إذا قال أنت طالق ثلاثا أنت طالق ثلاثا إن فعلت كذا فقال مالك يلزمه بقوله الأول والثاني لازم وقال ابن القاسم: يحلف ما كان ذلك منه إلا تكرارا ثم هو على يمينه اللخمي وهو أبين انتهى. وقال ابن عرفة: وفي سماع ابن القاسم من قالت له امرأته وعنده شهود ائذن لي أذهب لأهلي فقال أنت طالق ألبتة أنت طالق ألبتة أنت طالق ألبتة إن أذنت لك قد طلقت عليه فقال إنما أردت أن أسمعها وأردد اليمين ولم أقطع كلامي فقال مالك ما أظنها ولا بانت منه وفيه ما ترى الإشكال وما هو باليمين ابن القاسم يحلف ما أراد إلا أن يفهمها والقول قوله ولا حنث عليه ابن رشد الواجب على المشهور من رعى البساط أن لا يلزمه طلاق ولا حلف لأن سؤالها الإذن لأهلها دليل عليه لا تبتيلي الطلاق ولو سألته تبتيله فقال ذلك اللفظ بعينه بانت منه بالثلاث قولا واحدا وعلى مذهبه في المدونة لا يمين عليه قال: فيها من قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق إن دخلت الدار أنه ينوي إن دخلتها في أنه إنما أراد واحدة فلم ير عليه طلاقا إلا أن تدخل الدار انتهى. باختصار وفي رسم كتب عليه ذكر حق من السماع المذكور من كتاب الأيمان بالطلاق والله أعلم. ص: "ولو طلق فقيل له ما فعلت فقال هي طالق فإن لم ينو إخباره ففي لزوم طلقة أو اثنتين قولان" ش: قال في أول

(5/337)


ونصف طلقة أو طلقتين، أو نصفي طلقة أو نصف وثلث طلقة، أو واحدة في واحدة، أو متى
--------------------------------
كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة: ومن طلق زوجته فقال له رجل ما صنعت فقال هي طالق فإن نوى إخباره فله نيته قال في التنبيهات: نص على النية وسكت عن غيرها وظاهر المدونة أنه إن لم ينو شيئا يلزمه الثلاث وذهب بعض الشيوخ إلى أنه لا يلزمه شيء إذا لم ينو شيئا لقرينة السؤال انتهى. قال أبو الحسن الصغير ومنهم اللخمي: لأنه قال وإن عدم البينة لم يكن عليه سوى تلك الطلقة لأن بساط جوابه على السؤال الذي يسأل عنه ما صنع فيه فأخبر عنه ولا يحتمل أنه أضرب عن السؤال وابتدأ طلاقا انتهى. وقال الرجراجي إن نوى إخباره بنيته فلا تخلو هذه المرأة من أن يدخل بها زوجها أو لم يدخل فإن لم يدخل بها فلا شيء عليه ولا يلزمه إلا طلقة واحدة وإن دخل بها فلا يخلو من أن يقول فيه هي مطلقة أو قال هي طالق فإن قال هي مطلقة فلا يلزمه غير الطلقة الأولى باتفاق لأن قوله هي مطلقة إخبار وإن قال هي طالق فلا يخلو من أن يدعي نية أو لا يدعيها فإن ادعى نية وقال أردت الإخبار وإنما هي ذات الطلاق فإنه يقبل قوله باتفاق المذهب وهل يقبل قوله بيمين أو بغير يمين فالمذهب على ثلاثة أقوال أحدها أنه لا يمين عليه جملة والثاني أنه يحلف جملة والثالث يفرق بين أن يتقدم له فيها طلقة أم لا فإن تقدمت له فيها طلقة فإنه يحلف عند إرادة الرجعة فإن لم يتقدم له فيها طلقة فلا يمين عليه والأقوال الثلاثة لأصحابنا المتأخرين فإن لم يدع النية وعدمها فهل تلزمه طلقة أخرى فالمذهب على قولين أحدهما أنه يلزمه تطليقة أخرى وهو ظاهر قوله في المدونة فإن نوى إخباره وإليه ذهب القاضي أبو الفضل والثاني لا شيء عليه غير التطليقة الأولى وهو قول اللخمي انتهى. وقال في التنبيهات: ولو قال في جوابه للرجل قد طلقتها لم يحتج إلى نية ولا يمين نوى الإعلام أو لم ينوه لأنه إنما أخبر عن شيء فعله انتهى. وقال أبو الحسن الصغير ولو كان إنما قال: له قد طلقتها لكان لا شيء عليه لأن قوله قد طلقتها خبر وليس بإيقاع طلاق مبتدأ وكذلك قوله طلقها مثل قوله قد طلقتها ليس فيه إيقاع طلاق مبتدأ ولو كان الطلاق الذي أوقعه قبل البناء طلقة ثم سأله فقال هي طالق فلا شيء عليه لأنه إنما أوقع طلقة على غير زوجة لأن الطلقة تبينها وكذلك لو كان دخل بها وكان الطلاق الذي أوقعه طلاق الخلع انتهى. وانظر مسألة من قيل أطلقت امرأتك فقال نعم مثل ما طلقت امرأتك في آخر سماع عيسى ومسألة من قال: لزوجته يا مطلقة في رسم النذور من سماع أصبغ من كتاب الأيمان بالطلاق وانظر النوادر في آخر كتاب طلاق السنة وكلام ابن عرفة في الركن الثالث الذي هو القصد وكلام المدونة في قوله: "أردت الكذب بقولي حرام" ص: "ونصف طلقة" ش: قال ابن عرفة: وفيها من طلق بعد طلقة لزمه طلقة ابن شهاب:

(5/338)


ما فعلت، وكرر، أو طالق أبدا طلقة واثنتان في ربع طلقة ونصف طلقة،
------------------------
ويوجع ضربا ابن عبد السلام: اختلف العلماء في ذلك منهم من كمل عليه التجزئة إما احتياطا وإما لأنه رآه هازلا ومنهم من لم يلزمه ذلك وهذا القول خارج المذهب وكأنه أجرى على مهيع الدليل لعدم استلزام الجزء الكل قال ابن عرفة: قلت: قوله منهم من لم يلزمه ذلك يقتضي عدم شذوذ قائله وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن من طلق زوجته نصف تطليقة أنها تطليقة واحدة وقال ابن القصار في عيون الأدلة حكي عن داود أن من قال: لزوجته أنت طالق نصف تطليقة لا يقع عليه شيء والفقهاء على خلافه.
قلت: وتقرر في أصول الفقه أن ندور المخالف مع كثرة المجمعين لا يقدح في كون إجماعهم حجة ومثل هذا لا ينبغي أن ينقل بتلك العبارة واستدلاله على ترجيحه بعدم استلزام الجزء للكل يرد بأنه ليس منه بل من باب إبطال الكل بإبطال جزئه وهذا لأن الطلقة إنما هي عبارة عن إبطال جزء حكمي من العصمة المجزأة ثلاثة أجزاء للحر وجزءين للعبد عندنا فمن طلق بعض طلقة أبطل ذلك الجزء وبطلان الجزء يبطل الكل ضرورة انتهى. ص: "أو واحدة في واحدة" ش: قال ابن عرفة: الشيخ عن ابن سحنون عنه في أنت طالق واحدة في واحدة واثنتين في اثنتين وأربعة تبين منها بثلاث وكذا بقية هذا المعنى.

(5/339)


وواحدة في اثنتين، والطلاق كله، إلا نصفه، وأنت طالق إن تزوجتك، ثم قال: كل من أتزوجها من هذه القرية فهي طالق، وثلاث في: إلا نصف طلقة، أو اثنتين في اثنتين، أو كلما حضت،
-----------------------------------
قلت: هذا إن كان عالما بالحساب أو قصده ولو لم يعلمه وإلا فهو ما نوى وإن كان مستفتيا أو علم من قرائن الأحوال عدم قصده معنى الضرب كقول من علم جهله من البادية أنت طالق طلقتين في طلقتين وقال أردت طلقتين فقط انتهى. ص: "أو كلما حضت" ش: يعني يلزمه الثلاث ومثله كلما جاء شهر فأنت طالق فابن القاسم ينجز عليه الثلاث وسحنون يلزمه اثنين وفرع عليهما في الجواهر فرعين.
الأول من قال لأربع نسوة له حوامل من وضعت منكن فصواحبها طوالق قال: فعلى المشهور أعني قول ابن القاسم يلزمه الثلاث في كل واحدة وعلى الشاذ يلزمه في الأولى ثلاث وكذا الرابعة وأما الثانية فطلقة واحدة بوضع الأولى ثم تبين بوضعها وأما الثالثة فيقع عليها طلقتان بوضع الأولى والثانية ثم تبين بوضعها وأما الأولى فوضعها لا يقع عليها بسببه شيء وإنما يقع عليها الطلاق بوضع صواحبها قال ولو قال من وضعت منكن فالبواقي طوالق وأراد غير من وضع فلا طلاق على الأول وحكم الثلاث ما تقدم قال البرزلي بعد نقله قول سحنون وهذا أوضح إن وضعن على التعاقب ولو جهل الترتيب فالاحتياط يلزم كل واحدة ثلاثة ولو اتحد الوقت في ولادتهن فالظاهر إلزام كل واحدة طلقة لأن كل واحدة تقدح في صواحبها مدة ويكون ذلك كلا لا كلية والله أعلم. انتهى.
والفرع الثاني إذا قال لها إذا وضعت فأنت طالق فوضعت ولدا وبقي في بطنها ثان فهل ينجز الطلاق بوضع الأول أو يقف التنجيز على وضع الثاني؟ وفي ذلك قولان انتهى.

(5/340)


أو كلما، أو متى ما، أو إذا ما طلقتك، أو وقع عليك طلاقي، فأنت طالق، وطلقها واحدة،
----------------------------------
وانظر المسألة في الشامل ص: "أو كلما أو متى ما أو إذا ما طلقتك أو وقع عليك طلاقي فأنت طالق وطلقها واحدة" ش: هو ظاهر التصوير من كلام الشارح وابن غازي.
مسألة: تتعلق بشيء من الألفاظ المذكورة رأيت كتابا يشتمل على نوازل الجماعة من متأخري الأندلسيين كالشيخ أبي إسحاق الشاطبي والأستاذ أبي القاسم بن سراج والأستاذ أبي عبد الله السرقسطي والأستاذ أبي عبد الله الفخار وغيرهم ما نصه وسئل الأستاذ أبو القاسم بن سراج فيمن طلق امرأته ثلاثا ثم قال بعد إيقاعه الطلاق متى حللت حرمت ثم تزوجت هذه المطلقة بعد ذلك وفارقها زوجها الثاني والأول يريد تزويجها هل له ذلك أم لا فأجاب له أن يراجعها قاله ابن سراج انتهى. والظاهر أنه يفصل في ذلك فإن أراد بقوله متى حللت حرمت أنها إذا حلت له بعد زواجها زوجا غيره فهي حرام عليه وإن تزويجها لا يحلها فلا يلزمه شيء كما قال المفتي وإن أراد أنها إذا حلت بعد زوج فإن تزوجها فهي حرام فيلزمه التحريم فيها ويفصل فيه بين "إن" و"كلما" و"متى" ويأتي الكلام الذي في هذه الحروف والمتبادر من اللفظ إنما هو المعنى الأول وهو أن الحالف لما طلقها ثلاثا وحرمت عليه وكانت حرمة نكاحها ترتفع بزواجها أراد أن يبطل ذلك وأنه إذا حل زواجها له بعد زوج تصير عليه حراما كما كانت هذا هو الظاهر من اللفظ وإذا كان كذلك فلا يلزمه شيء لأنه بمنزلة من حرم تزويج امرأته على نفسه فإنها لا تحرم عليه وقد ذكر ابن سهل مسألة تشبه هذه أو هي أقوى من هذه قال وكتبت إليهم فيمن قال لزوجته أنت طالق ثلاثا إن كنت لي زوجة قبل زوج أو بعد زوج هل تحرم للأبد وكيف إن طلقت عليه ثلاثا فتزوجها بعد زوج فكتب إليه ابن عتاب لا تحرم عليه الأبد وله نكاحها بعد زوج إن شاء الله إلا أن يكون أراد بقوله أو بعد زوج إن تزوجها بعد زوج فهي طالق ثلاثا فإن أراد هذا أو عقد عليه حلفه فلا سبيل له إليها والله الموفق للصواب وقال ابن القطان متى طلقت عليه بألبتة فلا تحرم عليه إن تزوجها بعد زوج وله ذلك إن شاء الله وقال ابن مالك إذا طلقت عليه الزوجة بعد زوج ثم تزوجها بقيت له زوجة إن شاء الله تعالى وانظر جواب ابن مالك والظاهر أن فيه تقديما وتأخيرا وصوابه إذا طلقت عليه.

(5/341)


----------------------------------
ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج والله أعلم. وجواب ابن عتاب أتم من جوابيهما والتفصيل الذي يأتي في مسألتنا فلا يلزمه الحنث فيها بعد زوج إلا إذا حلف على ذلك الوجه وعقد عليه يمينه وأما إذا لم تكن له نية أو نوى الوجه الأول فلا يلزمه شيء والله أعلم. وفي ابن سهل جواب القاضي أبي محمد وأبي القاسم بن سراج وكان أحد المشاورين فلعله هو المجيب في هذه المسألة فيكون عمدة والله أعلم. وفي البرزلي في مسائل الأيمان مسائل من هذا المعنى ونصه سئل المازري عمن طلق زوجته ثلاثا والتزم عدم ردها بعد زوج ولا تكون له بزوجة ما دامت الدنيا فأجاب إن قال لا أردها قولا مجردا من غير تعليق ما يوجب تحريمها ولا فهمته البينة عنه وليس في سياق كلامه وقرائن أحواله ما يدل على ما ذكرناه فلا تحرم عليه انتهى. وسئل المازري عمن كلم في تزويج بعض قرابته ثم بلغه عن أبيها قبيح فقال متى ما تزوجتها فهي طالق ثلاثا وأردف وهي عليه حرام فما يلزمه من ذلك وهل تحل له بعد زوج أم لا فأجاب متى تزوجها طلقت عليه ثم إن تزوجها بعد زوج نظر في قوله متى ما فإن أراد كلما تزوجها تكرره عليه الحنث وإن أراد مرة واحدة فلا يتكرر انتهى. ومنه سئل أبو الحسن بن خلف عمن طلق زوجته ثلاثا ثم وقعت بينهما خصومة فقال هي علي حرام ثم أراد الآن تزويجها بعد زوج هل له ذلك أم لا فأجاب إن علق التحريم عندما ذكر له ارتجاعها أو عيب عليه تطليقها أو رأى في الخصومة ما يكرهه أو علم منه أنه أراد إن تزوجها فتحرم عليه بعقد نكاحها ثانية ولا تحل له إلا بعد زوج.
قلت: وكان شيخنا الشيخ أبو محمد الشبيبي يحكي بسنده عن ابن قداح أنه يفتي بعدم اللزوم قال: لأن العامة لا تعرف التعليق ولا تقصده وحكاه شيخنا الإمام عن شيخنا الفقيه القاضي أبي حيدرة وكان أولا يختار اللزوم وهو الذي حكاه في مختصره ويقول العامة تقصد التعليق ولكن لا تعرف أن تكني عنه ثم شهدته رجع إلى الفتوى بهذا في وسط عمره وآخره ورأيت بخطه كذلك بعد أن حكى فيه ما تقدم وقال: إن أخذ السائل بالرخصة لم أعبه وسلكه الآن أتباعه من بعده انتهى. ومنه سئل الفقيه أبو علي القوري فيمن قال لامرأته أنت حرام علي في الدنيا والآخرة فأجاب بأن له نكاحها بعد زوج وكان يلزم أن يكون مع ذلك الظهار لأنه لازم قوله كما لو قال لها أنت حرام علي مثل أبي انتهى.
مسألة: ذكرها في النوازل المتقدم ذكرها وهي سئل ابن سراج في رجل قصد غشيان زوجته فلم تطاوعه فقال لها في الحين هي حرام علي في هذه الساعة وخرج عن السرير حيث كان معها مضطجعا فما يجب عليه في قوله هذا فأجاب الحمد لله ذكر موصله أنه الحالف وأنه لم ينو بقوله هي عليه حرام طلاقا ولا تحريما وإنما أراد الامتناع منها في الحال والجواب أنه لا يلزمه لعدم النية على الصحيح قاله ابن سراج.

(5/342)


أو إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا وطلقة في أربع قال: لهن بينكن طلقة، ما لم يزد العدد على الرابعة:
------------------------------
مسألة: قال البرزلي: من قيل له تزوج فلانة فقال الذمام لا أتزوجها فلا تحرم بذلك فإن أراد بذلك ذمة الله تعالى فهي يمين فيكفر عن يمينه إذا تزوجها وإن أراد ذمة الناس التي تجري على ألسنتهم فليس بيمين انتهى. ص: "أو إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا" ش: قال ابن عرفة: قال ابن شاس من قال إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا ألغى لفظ قبله وإن طلقها لزمه الثلاث.
قلت: قال الطرطوشي: هذه المترجمة بالسريجية قال دهماء الشافعية: لا يقع عليه طلاق أبدا وهذا قول ابن سريج وقال طائفة منهم: يقع المنجز دون المعلق منهم أبو العباس المروزي وأبو العباس القاضي وقال طائفة: يقع مع المنجزة تمام الثلاث من المعلق قاله أبو حنيفة ومن الشافعية أبو عبد الله المعروف بالحسن وغيره وأبو نصر بن الصباغ من خيار متأخريهم وهذا الذي نختاره وليس لأصحابنا في هذه المسألة ما نعول عليه ولمالك ما يدل على تصحيحها وهو عدم قبوله شهادة عدلين على من أعتقهما أنه غصبهما لمن ادعاهما لأن ثبوتها يؤدي إلى نفيها وعدم قبول شهادتهما بدين يبطل عتقهما ووقع له ما يدل على خلاف هذا وهو ثبوت ما يؤدي إلى نفيه منه قوله من أعتق ولده أو والده في مرضه بتلا صح عتقه وورثه مع أن إرثه يؤدي إلى نفيه لأن العطية في المرض كالوصية لا تصح لوارث فثبوت إرثه يبطل العطية له وبطلان العطية يبطل حريته وبطلان حريته يبطل إرثه انتهى. وقال القرافي في الفرق الثالث: قال أصحابنا: إذا قال إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا لزمه أي عدد طلق منجزا حملنا معه الثلاث وقال الغزالي في الوسيط: لا يلزمه شيء عند ابن الحداد لأنه لم يقع مشروطه وهو تقدم الثلاث ولو وقع مشروطه لمنع وقوعه لأن الثلاث تمنع ما بعدها فيؤدي إثباته إلى نفيه ولا يقع قال: والبحث في هذه المسألة مبني على ثلاث قواعد إن من شرط إمكان اجتماعه مع المشروط لأن حكمة السبب في ذاته وحكمة الشرط في غيره فإذا لم يمكن اجتماعه معه لم تحصل فيه حكمة الثانية أن اللفظ إذا دار بين المعهود في الشرع وغيره حمل على المعهود في الشرع لأنه الظاهر الثالثة أن من تصرف فيما يملك وما لا يملك نفذ تصرفه فيما يملك دون ما لا يملك.
إذا تقررت هذه القواعد فقوله: "إن طلقتك" إما أن يحمل على اللفظ أو على المعنى

(5/343)


سحنون، وإن شرك طلقن ثلاثا ثلاثا وإن قال أنت شريكة مطلقة ثلاثا ولثالثة، وأنت شريكتهما طلقت اثنتين، والطرفان ثلاثا، وأدب المجزئ
-----------------------------
الذي هو التحريم فإن حمل على اللفظ فهو خلاف الظاهر والمعهود العرفي فيلزم مخالفة القاعدة الأولى وإن حمل على التحريم وأبقينا التعليق على صورته تعذر اجتماع الشرط مع مشروطه وهو خلاف القاعدة الثانية التي هي المشروط وهو ما وقع به التباين فإن أوقع واحدة أسقطنا واحدة لأن اثنتين يجتمعان مع واحدة وإن أوقع اثنتين أسقطنا اثنتين لأن واحدة تجتمع مع اثنتين فإذا أسقطنا المنافي وجب أن يلزمه الباقي فتكمل الثلاث فمن قال امرأته وامرأة جاره طالق تطلق امرأته واحدة فينفذ تصرفه فيما يملك كذلك هنا الذي ينافي الشرط لا يملك شرعا للقاعدة الأولى ويسقط كمرأة الغير وينفذ تصرفه فيما يملكه مما يتناوله اللفظ فيلزمه جميع الباقي بعد إسقاط المنافي فيلزمه الثلاث للقاعدة الأولى وعلى رأي ابن الحداد يلزمه مخالفة إحدى هذه القواعد الثلاث وهذه المسألة هي المعروفة بالسريجية ويحسنها بعضهم بأنه قال: بها ثلاثة عشر من أصحاب الشافعي وهو ساقط لأن ثلاثة عشر غير معتد بهم به بالنسبة إلى عدد من قال: بخلافهم لأنهم مئون بل آلاف وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يقول: هذه المسألة لا يصح التقليد فيها والتقليد فيها فسوق لأن القاعدة أن قضاء القاضي ينقض إذا خالف أربعة أشياء: الإجماع والقواعد والنص والقياس الجلي وما لا يقر شرعا حرم التقليد فيه لأن التقليد في غير شرع ضلال وهذه المسألة على خلاف ما تقدم في القواعد فلا يصح التقليد فيها وهذا حسن بين ظاهر انتهى. ص: "سحنون وإن شرك طلقن ثلاثا ثلاثا" ش: تبع ابن الحاجب في نسبة هذا لسحنون قال في التوضيح: ونسبة المصنف له لاحتمال أن لا يوافق عليه ابن القاسم وجزم في الشامل بموافقته للمذهب وهو الذي يفهم.

(5/344)


كمطلق جزء وإن كيد، ولزم بشعرك طالق، أو كلامك على الأحسن، لا بسعال وبصاق ودمع. وصح استثناء بإلا إن اتصل ولم يستغرق، ففي ثلاث، إلا ثلاثا، إلا واحدة، أو ثلاثا، أو البتة، إلا اثنتين، إلا واحدة: اثنتان
--------------------------------
وكلام ابن رشد في المسألة الثالثة من نوازل أصبغ من الأيمان بالطلاق فإنه جعلهما مسألتين وفرق بينهما وكذلك ابن عرفة والله أعلم. ص: "كمطلق جزء وإن كيد" ش: قال في الأيمان بالطلاق منها: وإن قال لها يدك أو رجلك أو أصبعك طالق طلقت عليه وكذلك العتق قال في حاشية المشذالي: قلت لشيخنا يعني ابن عرفة وصوابه لو طلق عقلها حرمت بخلاف

(5/345)


وواحدة واثنتين، إلا اثنتين، إن كان من الجميع فواحدة، وإلا فثلاث، وفي إلغاء ما زاد على الثلاث واعتباره: قولان ونجز إن علق بماض ممتنع عقلا أو عادة أو شرعا، أو جائز كلو جئت
---------------------------------
علمها دليله قولها إذا حدث له جنون لأن العقل مما يستمتع به بخلاف عدم العلم ولو طلق روحها حرمت عليه انظر ابن العربي انتهى. ص: "وفي إلغاء ما زاد على الثلاث واعتباره قولان" ش: استظهر ابن رشد في شرح المسألة الثانية من نوازل سحنون من الأيمان بالطلاق القول باعتباره وهو الذي رجع إليه سحنون نقله في التوضيح وغيره قال في التوضيح: وهو الأقرب ابن عبد السلام: وهو أرجح في النظر والله أعلم. ص: "ونجز إن علق بماض ممتنع عقلا أو عادة أو شرعا أو جائز كلو جئت قضيتك" ش: قول المصنف: "أو جائز" معطوف على قوله: "ممتنع" وظاهر كلام المصنف أنه يحنث في الممتنع في الشرع ولو كان قادرا عليه ولو قصد المبالغة وهو كذلك لأن غاية ما يقصد بالمبالغة أمر جائز والمشهور إنه إذا علقه على أمر ماض جائز يحنث قال ابن ناجي: وهو ظاهر المدونة خلافا لابن بشير فيهما انتهى. يعني في القادر على الفعل وفي قاصد المبالغة وذلك لأنه لو كان قادرا على فعله فيما مضى فهو الآن مشكوك في وقوعه لجواز مانع أو تبدل إرادته كذا علله ابن عرفة وقال صاحب الجواهر تبعا

(5/346)


----------------------------
لابن بشير: إذا علق الطلاق بممتنع عادة وقصد المبالغة لم يحنث والعجب من صاحب الشامل كيف جعل الأصح أنه لا يحنث إذا قصد المبالغة في جائز وجعل الأصح في الجائز الحنث فتأمله والله أعلم. وأما إذا حلف على أمر ماض واجب فقال ابن ناجي: ظاهر الكتاب أنه لا يحنث قال: وهو كذلك باتفاق وصرح به ابن عبد السلام عن بعض المتأخرين وهو خلاف قول أصبغ لو حلف لغريمه لو جئتني أمس قضيتك حقك هو حانث لأنه غيب لا يدري أكان فاعلا أم لا انتهى. وما ذكره من الاتفاق خلاف قول أصبغ سبقه إليه ابن عرفة وقال: لا أعرفه إلا من نقله وقول ابن الحاجب فيما يأتي في إن صليت انتهى. يعني أنه لا يعرف الاتفاق إلا من نقل ابن عبد السلام ثم قال ابن عرفة: هذا إن أراد ناقل الاتفاق الوجوب الشرعي ولو أراد العادم لصح الاتفاق فيما أظن كقوله امرأته طالق لو لقيني أمس أسد لفررت منه انتهى. وما شهره المصنف من الحنث في الجائز قال ابن الحاجب: تبعا لابن شاس هو قول ابن القاسم قال القرافي: وهو خلاف نقل الصقلي عن ابن القاسم ومالك أنه إن أمكن الفعل شرعا لم يحنث وإلا حنث وخلاف ظاهر الكتاب قال القرافي: فيحتمل أن يكون سهوا أو ظفر بنقل غريب وترك الجادة وعلى التقدير فهو رديء انتهى. من ابن عرفة بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى فينبغي.
وحاصل كلام المؤلف أنه إذا علقه بماض ممتنع أو جائز حنث وهذا القول حكاه في البيان في كتاب الأيمان بالطلاق في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم في مسألة من قال: لمن نازعه وجبذ ثوبه لا تشقه امرأته طالق لو شققته لشققت جوفك عن أصبغ في الواضحة وحكى مقابله عدم الحنث مطلقا عن مالك في هذه المسألة والثالث: التفصيل بين ما يجوز فعله فلا يحنث أو ما لا يجوز فعله فيحنث وهو قول مالك في رواية ابن الماجشون عنه في الواضحة ودليل قوله في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة في مسألة الذي حلف لو كان

(5/347)


قضيتك أو مستقبل محقق، ويشبه بلوغهما عادة، كبعد سنة، أو يوم موتي،
------------------------------
حاضرا لفقأ عين الذي يشتم أخاه أنه حانث وحكى الثلاثة الأقوال ابن عرفة عن ابن رشد وقال شيخنا سيدي أحمد بن عبد الغفار قول المصنف ونجزان علق بماض ممتنع إلى قوله: "كلو جئت قضيتك" ظاهره أن الطلاق في هذه الصور معلق على جواب "لو" ولا يخفى أنه ليس كذلك لأن جواب لو في هذه الصور كلها أعني الممتنع بأقسامه والجائز ليس بمعلق عليه شيء أصلا لا طلاق ولا غيره بل هو نفسه معلق عن الشرط كما هو قاعدة في أدوات الشروط وقول القائل الطلاق يلزمني لو كان كذا لكان كذا إنما هو حالف بالطلاق على صدق هذا التعليق المستفاد من الشرطية كأنه يقول الطلاق يلزمني هذه الملازمة صادفة ولذلك عبر ابن عرفة عن هذه المسألة بقوله: لو حلف به على فعل مرتب على فرض ماض لم يقع ففي حنثه ثالثها إن كان فعله ممنوعا انتهى.
فإن قلت: فعلى هذا لا تكون المسألة مما علق فيه الطلاق أصلا فلا شيء ذكرها ابن عرفة وغيره في باب التعليق.
قلت: الحلف بالطلاق مطلقا ينحل من حيث المعنى إلى التعليق فكأنه في هذه المسائل يقول إن كانت الملازمة غير صادقة فامرأته طالق فالطلاق في الحقيقة معلق على عدم صدق الملازمة فجعله معلقا على حال الشرطية المصرح بها في النص فيه مسامحة والله أعلم. انتهى. كلام سيدي أحمد بن عبد الغفار.
فرع: قال ابن رشد في شرح المسألة المذكورة لو حلف بالطلاق أن يشق كبده إن شق ثوبه في المستقبل لم يختلف في أنه لا شيء عليه إن لم يشق الثوب ولا في أنه يعجل عليه الطلاق إن شقه ولا يمكن من أن يشق كبده انتهى.
تنبيه: قال في الشامل: وهل تعليقه مكروه أو ممنوع ويؤدب فاعله خلاف انتهى. يعني تعليق الطلاق والله أعلم. ص: "أو مستقبل محقق" ش: ابن عرفة وفيها إن أتى أجل طلاقها بعد أن تزوجها لم تطلق عليه انتهى. وقاله في التوضيح.
فرع: قال ابن القاسم فيمن قال: لامرأته أنت طالق إذا قدم الحاج إنها تطلق الساعة لأنه

(5/348)


---------------------------
أجل آت وحمل الكلام على الزمن لا على القدوم كما هو المذهب أيضا في البيع إلى قدوم الحاج انتهى. من ابن عبد السلام عند قول ابن الحاجب فإن قال بعد قدوم زيد بشهر طلقت عند قدومه ونقل المسألة في النوادر عن ابن القاسم في المجموعة.
فرع: قال ابن عرفة: ومن قال إذا مات فلان فأنت طالق لزمه الطلاق مكانه وفي الواضحة عن مطرف وأصبغ: إذا خسفت الشمس أو مطرت السماء لزمه الطلاق بكلامه لأنه أجل آت ابن حارث: أنت طالق إلى مستهل الهلال أو إلى وقت يأتي على كل حال فهي طالق وقت قوله اتفاقا وسمع ابن القاسم في العدة أن ناسا اختلفوا فيمن طلق إلى أجل سماه وأن عطاء كان يقول ذلك فقال مالك لا أقول له ولا لغيره هذه المدينة دار النبي صلى الله عليه وسلم ودار الهجرة فما ذكروا أن المطلق إلى أجل يتمتع بامرأته إلى ذلك الأجل فإنا لم ندرك أحدا من علماء الناس قاله وهذا شبيه المتعة ابن رشد قياسه ذلك على المتعة صحيح واستدلاله بأنه الذي عليه أهل المدينة دليل على أن إجماعهم عنده حجة فيما طريقه الاجتهاد والذي عليه أهل التحقيق أن إجماعهم إنما هو حجة فيما طريقه التوقيف أو أن الغالب منه أنه عن توقيف كنفي زكاة الخضراوات والأذان انتهى. وقال في النوادر في ترجمة الطلاق إلى أجل قال ابن سحنون عن أبيه فيمن قال: لزوجته أنت طالق في شهر كذا أو إلى شهر كذا فهو سواء وهو طلاق إلى أجل وتطلق الساعة انتهى. وما قاله في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب وكذلك إن لم أطلقك رأس الشهر ألبتة فأنت طالق ألبتة أنه ينجز عليه ألبتة لأن إحدى ألبتتين عند رأس الشهر لا بد منها لأنه إن طلقها ألبتة فواضح وإلا وقعت ألبتة المعلقة فكان بمنزلة من قال أنت طالق رأس الشهر ألبتة وقد تقدم أن من علق الطلاق مثل هذا يعجل عليه انتهى.
فائدة: لطيفة تتعلق بالكلام على تعليق الطلاق بشهر قال: القرافي في الفرق الثالث: أنشد بعض الفضلاء:
ما يقول الفقيه أيده الله ... ولا زال عنده الإحسان
في فتى علق الطلاق بشهر ... قبل ما قبل قبله رمضان
واعلم أن هذا البيت من نوادر الأبيات وأشرفها معنى وأدقها فهما وأعذبها استنباطا لا يدرك معناه إلا العقول السليمة والأفهام المستقيمة والأفكار الدقيقة من أفراد الأذكياء وآحاد الفضلاء والنبلاء بسبب أنه بيت واحد وهو مع صعوبة معناه ودقة مغزاه يشتمل على ثمانية أبيات في الإنشاء بالتغيير والتقديم والتأخير بشرط استعمال الألفاظ في حقائقها دون مجازاتها مع التزام صحة الوزن على القانون العربي اللغوي وكل بيت مشتمل على مسألة من الفقه في التعاليق الشرعية والألفاظ اللغوية وتلك المسألة صعبة المغزى وعرة المرتقى ثم قال: هذا تقرير البيت على هذه الطريقة من التزام الحقيقة والوزن وأما على خلافهما من التزام المجاز وعدم

(5/349)


-----------------------------
الوزن بأن يكون الكلام نثرا فتصير المسائل والأجوبة تسعمائة مسألة وعشرين مسألة من المسائل الفقهية والتعاليق اللغوية ثم ذكر في آخر كلامه كيفية وصول ذلك إلى العدد المذكور وقال بعده: وإن زدت في لفظ البعد أو القبل وصل الكلام إلى أربعين ألف مسألة وأكثر على حسب الزيادة فتأمل ذلك فهو من طرف الفضائل والفضلاء والأذكياء والنبهاء وقال إثر كلامه السابق: وقد وقع هذا البيت لشيخنا الإمام الصدر العالم جمال الفضلاء رئيس زمانه في العلوم وسيد وقته في التحصيل جمال الدين الشيخ أبي عمرو يعني ابن الحاجب بأرض الشام وأفتى فيه وتفنن وأبدع فيه ونوع رحمه الله تعالى وقدس روحه الكريمة وها أنا قائل لك لفظه الذي وقع بفصه ونصه ثم أذكر لك بعد ذلك ما وهب الله تعالى لي من فضله من أمور لم يتعرض لها الشيخ ينبغي زيادتها وإيضاحها.
ثم ذكر جواب ابن الحاجب الذي في أماليه بلفظه ثم ذكر ما ظهر له فيه وأطال الكلام في ذلك بنحو الثلاث ورقات ثم قال في آخر كلامه: وتقريب أجوبة المسائل أن تعلم أن جميع الأجوبة الثمانية منحصرة في أربعة أشهر طرفان وواسطه: فالطرفان جمادي الأخير وذو الحجة والواسطة شوال وشعبان وتقريب ضبطها أن جميع البيت إن كان قبل فالجواب بذي الحجة أو بعد فالجواب جمادي الأخيرة أو ترك من قبل وبعد فمتى وجدت في الأخير قبل بعده أو بعد قبله فالشهر مجاوز لرمضان فإن كل شهر قبل بعده أو بعد قبله فالكلمة الأولى إن كانت حينئذ قبل فهو شوال لأن المعنى قبله رمضان أو بعد فهو شعبان لأن التقدير بعده رمضان وهذا إن اجتمع آخر البيت قبل وبعد فإن اجتمع قبلان أو بعدان وفيهما مخالف لهما في البعديين شعبان وفي القبليين شوال فشوال ثلاثة وشعبان ثلاثة فهذه الستة هي الواسطة بين جمادي وذي الحجة انتهى. كلامه باختصار لفظه وتقديم وتأخير وما ذكره من أن البيت المذكور يشتمل على ثمانية أبيات وكل بيت على مسألة وأن الثمانية الأجوبة منحصرة في الأربعة الأشهر المذكورة إنما هو بالتقديم والتأخير وقبل وبعد كما أشار إلى ذلك في كلامه المتقدم فالأول هو ما أنشده القرافي وهو قوله: "بشهر" موصوف بأن ما قبل قبله رمضان والجواب هو ذو الحجة لأن تقدير الكلام بشهر موصوف بأن الذي قبل قبله أي ذلك الشهر الذي علق عليه الطلاق رمضان وهذا الشهر هو أحد الطرفين الثاني بشهر بعد ما بعد بعده رمضان والجواب هو جمادي الأخيرة لأن تقدير الكلام علق الطلاق على شهر موصوف بأن الذي بعد بعده أي ذلك الشهر رمضان وهذا الشهر هو الطرف الثاني. الثالث بشهر قبل ما بعد بعده رمضان والجواب هو شعبان لأن القاعدة في ذلك أن كل ما اجتمع فيه منها قبل وبعد فألغهما لأن كل شهر حاصل بعد ما هو قبله وحاصل قبل ما هو بعده فلا يبقى حينئذ بعده إلا رمضان فيكون شعبان أو قبله رمضان فيكون شوال وعلى هذا يتخرج ما فيه قبل وبعد وهذان الشهران أعني شعبان وشوال هما الواسطة ويتكرران ثلاث مرات كما تقدم

(5/350)


أو إن لم أمس السماء، أو إن لم يكن هذا الحجر حجرا، أو لهزله كطالق أمس،
------------------------------
بيانه الرابع بشهر قبل ما بعد قبله رمضان والجواب هو شوال بناء على القاعدة التي قبله الخامس بشهر بعد ما قبل بعده رمضان والجواب هو شعبان لأن المعنى بعده رمضان وهو شعبان السادس بشهر بعد ما بعد قبله رمضان والجواب هو شعبان أيضا لأن المعنى بعده رمضان وهو شعبان السابع بشهر بعد ما قبل قبله رمضان والجواب هو شوال لأن المعنى قبله رمضان وذلك شوال الثامن بشهر قبل ما قبل بعده رمضان والجواب هو شوال أيضا لأن المعنى قبله رمضان أيضا والله أعلم. ص: "أو إن لم أمس السماء" ش: هذا محقق عدم ثبوته والأمثلة الأول محقق وقوعها وانظر إذا قال امرأته طالق إن لم يوره النجوم في النهار هل يحمل على المبالغة أم على ظاهره وفي الذخيرة في كتاب الأيمان في مدارك البر والحنث قال المدرك الرابع مقتضى اللفظ لغة ثم قال: قال أبو الوليد: هذا في المظنون وأما المعلوم وكقوله والله ليورينه النجوم في النهار ونحوه فلا خلاف أنه يحمل على ما علم من ذلك من المبالغة دون الحقيقة انتهى. ونقله في الشامل في كتاب الأيمان ص: "أو إن لم يكن هذا الحجر حجرا أو لهزله كطالق أمس" ش: هذا الكلام موافق لما في التوضيح حكما مخالف له تعليلا إلا أن تسقط "أو" من قوله أو لهزله كما قال ابن غازي ومخالف لكلام ابن عرفة حكما قال ابن عرفة: ولو علقه على واضح نقيضه مؤخرا عنه كأن لم يكن هذا الإنسان إنسانا فأنت طالق فلا شيء عليه ومقدما عليه قال ابن الحاجب: حانث كأنت طالق أمس. قلت: الأظهر كإن شاء هذا الحجر وتقدم نقل اللخمي في أنت طالق إن هذا لعمود ولابن محرز في أنت طالق أمس لا شيء عليه انتهى. ونقل اللخمي الذي أشار إليه هو ما نقله

(5/351)


أو بما لا صبر عنه كإن قمت، أو غالب كإن حضت
-------------------------------------
عنه في أوائل الكلام على التعليق ونصه: ولو علقه على محال كإن شاء هذا الحجر ففي لزومه طلاقها نقل اللخمي عن سحنون وابن القاسم ونقلهما الصقلي عن القاضي روايتين وللشيخ عن ابن القاسم مرة كسحنون اللخمي: وعليهما قوله إن هذا الحجر ولمحمد عن أصبغ من قال: في منازعة امرأته أنت طالق إن هذا لعمود هي طالق إن لم تكن منازعتهما في العمود اللخمي أرى أن يحلف في جميع ذلك ويبر إن قامت عليه بينة وإن جاء مستفتيا فلا يمين عليه إلا أن تدعي الزوجة ندمه فيحلف انتهى. وإنما قال ابن عرفة: إنه إن كان لفظ أنت طالق مؤخرا عن المعلق لا يحنث ونقل في الثاني: وهو ما إذا قدم لفظ أنت طالق كلام ابن الحاجب ويحنث فيه لأنه قد يقال في الثاني: إنه طلق وإنما أتى بأمس ندما والله أعلم. وأما إذا قال إن كان هذا الحجر حجرا أو إن كان هذا الإنسان إنسانا فظاهر كلام ابن عبد السلام أنه الذي ثبت في نسخته من ابن الحاجب وشرح عليه أنها تطلق عليه لهزله قال: إلا أن يقترن بالكلام ما يدل على أن المراد المجاز وهو تمام الأوصاف الإنسانية كالكرم والشجاعة وغير ذلك وكون الحجر صلبا بحيث لا يتأثر للحديد فعلق المتكلم الطلاق على وجود هذه الأوصاف وعدمها فإذا لم يحصل ذلك الشرط لم يحصل الطلاق وأما قول المؤلف يعني ابن الحاجب كما لو قال: طالق أمس فلا شك أن مقتضى هذا الكلام في اللغة الهزل إذا قصد به الإنشاء وأما إن قصد به الخبر فلا هزل ويلزم الطلاق لكونه من باب الإقرار وأهل العرف يستعملون ما يقرب لهذا في المستقبل الذي يجزمون بوقوعه كجزمهم بالماضي ومرادهم التشبيه في تحقق الوقوع فيقال للإنسان منهم أتفعل كذا فيجيب بأن يقول أمس فإن وقع مثل هذا في الطلاق فالأقرب أنه لا يلزم لأنه وعد بالطلاق لا إيقاع الطلاق انتهى. كلام ابن عبد السلام ص: "أو غالب كإن حضت" ش: هذا في غير اليائسة والشابة التي لم تر الحيض قال: اللخمي وأما إن كانت يائسة ممن لم تر الحيض لم يعجل بالطلاق على كل حال انتهى. من التبصرة ونقله في

(5/352)


----------------------------
التوضيح عنه وقال ابن عبد السلام: وهذا في غير اليائسة والصغيرة وأما اليائسة والصغيرة يقول لهما أو لإحداهما إذا حضت فلا خلاف أنها لا تطلق عليه حتى ترى دم الحيض انتهى. واعترض عليه ابن عرفة في قبول قول بعضهم فقال وقبول ابن عبد السلام قول بعضهم هذا في غير اليائسة والصغيرة لو قال: لإحداهما إذا حضت فأنت طالق فلا خلاف أنها لا تطلق عليه حتى ترى الحيض يرد بنقل الشيخ من الواضحة قال ابن الماجشون من قال: لزوجته ولم تحض إذا حضت فأنت طالق طلقت الآن ولو كانت قعدت عن المحيض لم تطلق إلا أن تحيض يريد ويقول النساء إنه دم حيض انتهى. وكان مناقشته معه في قبول نفي الخلاف في الصغيرة التي لم تحض لأن ظاهر كلام ابن الماجشون أنه لم يحك عدم الطلاق إلا في التي قعدت عن المحيض وهي اليائسة وشمل قوله أولا من قال: لزوجته ولم تحض الصغيرة التي لم تر الحيض فتأمله والله أعلم. ومثل كلما حضت أو كلما جاء شهر أو يوم أو سنة قال ابن عرفة: وفيها في أنت طالق كلما حضت أو كلما جاء يوم أو شهر أو سنة طلقت عليه الآن ثلاثا ولم تعد يمينه إن نكحها بعد زوج لذهاب الملك الذي طلق فيه انتهى. وانظره فإنه أطال الكلام في ذلك وأما إذا قال لها إن طهرت فينجز عليه سواء أراد بالطهر انقطاع الدم أو حلية الصلاة على المشهور وفرق بينهما في الجواهر والأول ظاهر التوضيح وإذا فرع: نا على المشهور من أنها تطلق فهل يفتقر إلى حكم فقال مالك وابن القاسم يلزمه الطلاق مكانه متى تكلم بذلك ولا يفتقر إلى حكم قاله في التوضيح قال ابن عبد السلام: ولزومه من غير حكم هو الجاري على الأصل انتهى. وقال في الشامل وعلى الحنث فلا يحكم على الأصح فإن قال كلما حضت لزمه ثلاث لا اثنتان على المشهور ومتى كذلك إن نوى معنى "كلما" وإلا فمثل "إن" انتهى. والمشهور قول ابن القاسم ومقابله لسحنون قال ابن عبد السلام: ولو قال: لامرأته كلما حاضت فلانة لامرأة أجنبية لعجلت الثلاث على قول ابن القاسم وسحنون معا انتهى. وناقشه ابن عرفة فقال يرد بمنع كونه على مذهب سحنون بل الصواب جريها على قوله في كلما جاء شهر أو سنة لاحتمال انقضاء عدة المطلقة قبل الحيضة الثانية للأجنبية كالشهر والسنة انتهى. وقال في المدونة وإن قال لها إن حضت أو إذا حاضت فلانة وفلانة ممن تحيض فأنت طالق طلقت الآن وتأخذ في العدة فتعتد بطهرها التي هي فيه من عدتها قال: الشيخ أبو الحسن ولو كانت ممن لا تحيض لكان مطلقا إلى أجل قد يأتي وقد لا يأتي كالطلاق إلى قدوم زيد انتهى. وانظر إذا قال لحائض يعلم حيضتها أو طاهر يعلم طهرها إذا حاضت أو طهرت فأنت طالق والظاهر من المذهب الحنث لأن الذي يظهر أنه بمنزلة قوله إن كان هذا الحجر حجرا وانظر إذا قال إن لم تحيضي أو إن لم تطهري لطاهر أو لحائض هل يوقف عنها وهو الظاهر أو ينجز الحنث

(5/353)


أو محتمل واجب، كإن صليت، أو بما لا يعلم حالا، كإن كان في بطنك غلام، أو لم يكن، أو في هذه اللوزة قلبان، أو فلان من أهل الجنة،
---------------------------------
ولا وجه له والله أعلم. ص: "أو محتمل واجب كإن صليت" ش: قال ابن الحاجب: إلا أن يتحقق المؤجل قال في التوضيح: مثاله لو قال إن صليت اليوم فأنت طالق فمضى اليوم ولم تصل انتهى. ويفهم من هذا أنه لا يتنجز إلا بحكم والله أعلم. ص: "أو فلان من أهل الجنة" ش: ليس هذا من أمثلة ما لا يعلم حالا ويعلم مآلا وإنما هو من أمثلة ما لا يعلم حالا ومآلا كما قاله في التوضيح وكان الأنسب ذكره هناك.
فروع: الأول قال في رسم جاع من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق: وقال مالك في الرجل يقول لامرأته أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة إنها طالق ساعته إذ قال ابن القاسم وإن لم أدخل الجنة مثله قال ابن رشد: ساوى ابن القاسم بين أن يحلف أنه من أهل الجنة أو يحلف ليدخلن الجنة ومثله لمالك في المبسوط إذا حلف على ذلك حتما وقال الليث بن سعد لا شيء عليه وإليه ذهب ابن وهب ولا يخلو الحالف على هذا من أن يريد بيمينه أنه من أهل الجنة الذين لا يدخلون النار أو من أهل الجنة الذين لا يخلدون أو لا نية

(5/354)


------------------------------------
له. فأما إن أراد أنه من الذين لا يدخلون النار فتعجيل الطلاق عليه بين ظاهر وذكر وجه ظهوره ثم قال في آخر كلامه: فلا ينبغي أن يختلف في هذا الوجه وأما إن أراد أنه من الذين لا يخلدون فالمعنى في يمينه أنه لا يكفر بعد إيمانه فالحالف على هذا حالف على أمر به من الثبوت على الإسلام فهذا بين أنه لا شيء عليه لأنه إنما هو حالف على أنه لا يكفر فلا ينبغي أن يختلف في هذا أيضا وأما إن لم تكن له نية فالظاهر من مذهب مالك وابن القاسم أن يمينه تحمل على الوجه الأول فيعجل عليه الطلاق والأظهر أن يفرق بين اللفظين فيحمل قوله إن لم يكن من أهل الجنة على الوجه الأول فيعجل عليه الطلاق ويحمل قوله إن لم أدخل الجنة على الوجه الثاني فلا يكون عليه شيء وقول الليث وابن وهب بناء على حمل قوله على الوجه الثاني ولا يتأول عليهما أنهما حملاه على الوجه الأول ولم يوجبا طلاقه لأنه خروج إلى الإرجاء انتهى.
فائدة: نقل ابن عرفة إثر نقله هذه المسألة أن ابن سحنون يقول إخبار المرء عن إيمان نفسه جزم فقط وابن عبدوس يجيز تقييده بـ"إن شاء الله" ثم قال: وفي الإخبار عمن سمع لفظ إيمانه بأنه مؤمن عند الله مطلقا أو بقيد قوله إن وافقت سريرته علانيته قولا ابن التبان والشيخ انتهى. وقال في أوائل كتاب الجامع من الذخيرة.
مسألة: قال ابن أبي زيد في جامع المختصر: قيل لمالك: أقول أنا مؤمن والله محمود أو إن شاء الله؟ فقال: قل مؤمن ولا تقل معها غيرها معناه لا تقل إن شاء الله وهذه مسألة خلاف بين العلماء قال: الأشعري والشافعي وغيرهما يجوز إن شاء الله وقال أبو حنيفة وغيره لا يجوز لأن الإيمان يجب فيه الجزم ولا جزم مع التعليق وقال غيرهم بل يجوز لأحد وجوه إما أن يريد المستقبل وهو مجهول حصول الإيمان فيه أو يريد يقع الإيمان الحاضر في المستقبل

(5/355)


------------------------------------
وهو مجهول الحصول أو يكون للتبرك لا للتعليق انتهى. الثاني قال البرزلي في مسائل الأيمان: وسئل أبو القاسم الغبريني عمن حلف بالطلاق ما يموت إلا على الإسلام إدلالا على كرم الكريم هل يكون عليه شيء أم لا؟ جوابها إذا كان مراده بذلك أنه لا يكفر بعد إيمانه ولا ينتقل عن إسلامه فهذا بين أنه لا شيء عليه لأنه إنما حلف أن يثبت على إسلامه البرزلي وسكت عن مراده إن قصد حسن الخاتمة أو دخول الجنة وعندي أنها تجري على مسألة من حلف أنه من أهل الجنة والمشهور الحنث وقيل لا حنث عليه ومنهم من يفرق بين أن يستدل عليه ويثبت له دليل بالأحاديث مثل حلفه على عمر بن عبد العزيز أنه من أهل الجنة فلا يلزمه يمين وإلا لزمه الحنث لأن العلماء أجمعوا على عدالته ورأيت في بعض كتب التصوف أن بعض أمراء بني العباس حلف أنه يدخل الجنة فاستفتى الفقهاء فأفتوه بالحنث إلا رجلا منهم قال: له عرض لك معصية قط وتركتها لوجه الله قال: نعم واعدت امرأة لأفعل بها فلما تحصلت لي وهممت بالفعل خفت من الله وتركت شهوتي فقال لا حنث عليك لقوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} النازعات ورأيت فيه أيضا في رجل صعد لشجرة عريانا فحلف آخر أنك لا تنزل إلا مستورا ولا يمد أحد إليك لباسا فأفتوه بالحنث إلا رجلا منهم قال: له انزل بالليل ولا حنث على الحالف لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} النبأ.
قلت: وهذا جار على مذهب أهل العراف الذين يراعون ظواهر الألفاظ لا المقاصد والآتي على مذهب مالك رحمه الله حنثه إلا أن يدل سياق على ما قال: وعكس هذه المسألة إذا حلف أن الحجاج من أهل النار فاختلف فيها أيضا لأنه من أهل القبلة وقد رأيت بعض الفقهاء أفتاه بعدم الحنث وقال إن كان هذا حانثا فجنايته أقل من جناية الحجاج ومع ذلك رجى له النجاة وإن كان صادقا فقد وافق ونزلت قضية وهي أن رجلا حلف بالثلاث أن تبارك الملك تجادل عنه فاستفتى بعض أصحابنا فقال تطلق عليه لأن هذا مظنون وقلت أنا لا حنث عليه لوجوه منها أنه حلف على أنها تجادل عنه وهذا من العمليات ونص الأصوليون على أن العمل بخبر الآحاد قطعي بخلاف ما لو حلف على أن هذا الحديث صحيح وخبر الآحاد مظنون غير مقطوع به ومنها أن هذا الحديث ثبت في الموطأ وحكي في المدارك عن بعض عدول المحدثين أنه إذا حلف الإنسان أن كل ما وقع في الموطأ صحيح فإنه لا يحنث ومنها أن الأحكام مبنية على غلبة الظنون واحتج من خالف بأن من قال: تجادل عن صاحبها وكيف يعرف أنه من أصحابها فأجبته إذا ثبت له وصف الصحبة المذكورة في أصحابه صلى الله عليه وسلم على أكمل وجوه ما قيل فيها من كثرة الملازمة لقراءتها وتحصيل ما أوجب ثلوج صدره بأنه كذلك وهو مستفت وكذا وقع السؤال هل الحجاج أعظم معصية من الزمخشري أو بالعكس فوقع الجواب أن على القول بأن مذهبه يقود إلى الكفر فهو أعظم وإن قلنا يقود إلى الفسق

(5/356)


--------------------------
فيقع التردد في الترجيح لأن معصية الزمخشري مما يرجع إلى الذات الإلهية ومعصية الحجاج بالجوارح لكنها تتعلق بحق المخلوقين وقد قالت عائشة رضي الله عنها ذنب لا يتركه الله وهو مظالم العباد وذنب لا يعبأ الله به وهو ما بين العبد وبين خالقه وذنب لا يغفره الله وهو الشرك بالله وإن كان في صحة هذا الأثر مقال ذكره عز الدين وكان يتقدم الترجيح أن الحجاج أعظم جرما لأن أفعاله تدل على عدم إيمانه مع كثرته وجراءته على الصحابة والتابعين وخيرة هذه الأمة انتهى. والله أعلم.
وما ذكره فيمن حلف على عمر بن عبد العزيز أنه من أهل الجنة ذكره في العتبية في أول سماع عبد الملك بن الحسن في كتاب الأيمان بالطلاق ونصه قال عبد الملك: وأخبرني غير واحد من المصريين أن ابن القاسم عن رجل قال لامرأته أنت طالق إن لم يكن عمر بن الخطاب في الجنة قال ابن القاسم لا حنث عليه وأخبرني من أثق به عن ابن القاسم في أبي بكر مثل ذلك قال ابن الصلت وسمعت ابن القاسم يقول في عمر بن عبد العزيز مثل ذلك قال ابن رشد: أما من حلف بالطلاق أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما من أهل الجنة فلا ارتياب في أنه لا حنث عليه وكذلك القول في سائر العشرة أصحاب حراء الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وكذلك من جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق صحيح أنه من أهل الجنة كعبد الله بن سلام فيجوز أن يشهد له بالجنة وأما عمر بن عبد العزيز فتوقف مالك رحمه الله في تحنيث من حلف عليه أنه من أهل الجنة وقال هو إمام هدى وهو رجل صالح ولم يزد على هذا لأنه لم يرد فيه نص يقطع العذر ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم التعلق بظاهر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "إذا أردتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه فانظروا ماذا يتبعه من حسن الثناء" 1 وقوله: "أنتم شهداء الله في أرضه من أثنيتم عليه بخير وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه بشر وجبت له النار" 2 وقد حصل الإجماع من الأمة على حسن الثناء عليه والإجماع معصوم لقوله: "لم تجتمع أمتي على ضلالة" 3 انتهى. وما ذكره البرزلي عن المدارك فيمن حلف أن كل ما في الموطأ صحيح أنه غير حانث ذكره في مختصرها أيضا وقال ابن فرحون في الديباج المذهب لما تكلم على الموطأ وثناء الناس عليه قال: أبو زرعة لو حلف رجل بالطلاق على أحاديث الموطأ التي في الموطأ أنها صحاح كلها لم يحنث ولو حلف على حديث غيره كان حانثا انتهى. والله أعلم.
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ كتاب حسن الخلق حديث5.
2 رواه البخاري في كتاب الجنائز باب 85. مسلم في كتاب الجنائز حديث 60. الترمذي في كتاب الجنائز باب 63. النسائي في كتاب الجنائز باب 50. ابن ماجة في كتاب الجنائز باب 20. أحمد في مسنده (2/261، 499، 528) (3/179، 186، 197، 245، 281).
3 رواه ابن ماجة في كتاب الفتن باب 8.

(5/357)


أو إن كنت حاملا، أو لم تكوني،
-------------------------------
الثالث: قال في سماع أصبغ من كتاب الأيمان بالطلاق: وسئل عن رجل قال لرجل: أنا والله أتقى لله منك وأشد حبا لله ولرسوله وامرأته طالق ألبتة قال: أراه حانثا قيل له فلو قال: له امرأته طالق إن لم يكن فلان أتقى لله منك وأشد حبا لله ولرسوله منك قال إن كان ذلك في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عرف فضله مثل أبي بكر وعمر فلا شيء عليه وإن قال ذلك لأهل هذا الزمان فهو حانث إلا أن يعلم من ذلك الذي حلف عليه فسقا بينا فأرجو أن لا يكون عليه شيء قال ابن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على أصولهم فيمن حلف على غيب لا يعلم حقيقته أنه حانث ويريد بقوله وقد عرف فضله على صاحبه أي من قد عرف فضله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صاحبه الذي قال: له أنا أتقى لله منك وأشد حبا لله ولرسوله وقوله مثل أبي بكر وعمر وغيرهما من فضلاء الصحابة كعبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود ومن سواهم ممن شهرت فضائلهم وعلمت مناقبهم ولو حلف بالطلاق أن فلانا لرجل غير مشهور من الصحابة أتقى لله وأشد حبا لله ولرسوله لرجل من أهل الزمان معلوم بالخير لحنث بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "أعجب الناس إيمانا قوم يخرجون من بعدي ويؤمنون بي ولم يروني ويصدقوني ولم يروني أولئك إخواني" ولو حلف بذلك في بعض الصحابة على بعض لحنث إلا في أبي بكر وعمر للإجماع الحاصل من أهل السنة أنهما أفضل من غيرهما وأن أبا بكر هو الأفضل وبالله التوفيق ومثله أن يحلف أن فلانا يعني من غير المشهورين من الصحابة أو التابعين خير من فلان يعني به شخصا من أهل هذا الزمان المعروفين بالصلاح والخير ولا يقال قد ثبت أن خير القرون الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم لأن هذا من حيث الجملة لا من حيث كل شخص على انفراده والله أعلم. ص: "أو إن كنت حاملا أو إن لم تكوني" ش: هذا من أمثلة ما لا يعلم حالا وهكذا قوله إن كان في بطنك غلام أو إن ولدت جارية إلى غير ذلك من الفروع كلها من باب واحد وقول المصنف فيما يأتي: "أو إن ولدت جارية" مع الفروع التي ذكرها

(5/358)


وحملت على البراءة منه في طهر لم تمس فيه، واختاره مع العزل، أو لم يمكن إطلاعنا عليه كإن شاء الله أو الملائكة، أو الجن، أو صرف المشيئة على معلق عليه،
---------------------------------
في التوضيح وابن عبد السلام هنا مبنية على خلاف ما يشهر هنا والله أعلم. ص: "وحملت على البراءة" ش: قال ابن عرفة: فيه على المشهور أن الحامل تحيض نظر انتهى. ص: "أو بما لا يمكن إطلاعنا عليه" ش: تصوره واضح.
مسألة: قال البرزلي: وسئل ابن أبي زيد عمن حلف بطلاق زوجته ما أنا إلا فلان ابن فلان يعني أباه فأجاب: لا حنث عليه وأجاب القاضي القابسي بأنه حانث لأنه يمين غموس.

(5/359)


بخلاف: إلا أن يبدو لي في المعلق عليه فقط أو كإن لم تمطر السماء غدا إلا أن يعم الزمن
-------------------------------
قال البرزلي: قلت: إن كان مقصده أنه ينسب إلى أبيه لا إلى غيره فهو بار في يمينه وإن أراد في نفس الأمر فيجري على اليمين على غلبة الظن أنه كالشك والوهم ولهذا قال: غموس انتهى. ص: "بخلاف إلا أن يبدو لي في المعلق عليه فقط" ش: نص عليه في العتق الأول من المدونة في أوائله وقوله: "فقط" احتراز مما إذا قال إلا أن يبدو لي في الطلاق مثل أن يقول أنت طالق إلا أن يبدو لي فإنه لا ينفعه قال ابن رشد: في رسم جاع من سماع عيسى من الأيمان بالطلاق فلا خلاف كما أنه إذا قال إلا أن يبدو لي في المعلق عليه ينفعه بلا خلاف انتهى. بالمعنى وسيصرح به المصنف والله أعلم.
مسألة نازلة: رجل قال لزوجته أنت طالق إلا أن يبدل الله ما في خاطري فأجبت بأنها كمسألة أنت طالق إلا أن يبدو لي والمشهور فيها اللزوم بل حكى ابن رشد في رسم جاع من سماع عيسى من الأيمان بالطلاق أنه لا خلاف في لزوم الطلاق وأشرت بذلك لكلامه المتقدم ص: "أو كإن لم تمطر السماء غدا" ش: اللخمي: وإن قال أنت طالق إن أمطرت السماء كأنت طالق الساعة لأن السماء لا بد أن تمطر وإن قال إن لم تمطر فأنت طالق فلا شيء عليه وسواء عم أو خص بلدا لأنه لا بد أن تمطر في زمن ما وكذلك إن ضرب أجلا عشر سنين أو خمس سنين.
مسألة نازلة: وهي أن شخصا خاصم شخصا فقال أحدهما وكأنه المظلوم خيمته علي

(5/360)


أو يحلف لعادة فينتظر. وهل ينتظر في البر وعليه الأكثر؟ أو ينجز كالحنث؟ تأويلان، أو بمحرم، كإن لم أزن إلا أن يتحقق قبل التنجيز،
--------------------------
حرام إن لم ينصفني الله من فلان فمكث يومين ونحوهما فأصابه مرض فقتله والخيمة في عرفهم كناية عن الزوجة فأجبت بأن الظاهر أن هذا من الحلف على الغيب نحو إن لم تمطر السماء غدا فالمشهور أنه ينجز عليه الطلاق فإن غفل عنه حتى وقع المحلوف عليه فحكى ابن رشد في رسم يوصي من سماع عيسى من الأيمان بالطلاق في ذلك قولين قال: المغيرة يلزمه وقال ابن القاسم لا يلزمه وذكر القولين في التنبيهات وحكى عن فضل بن مسلمة أنه حكى القولين عن ابن القاسم ص: "أو يحلف لعادة فينتظر" ش: كما في حديث الموطأ "إن نشأت بحرية فتشاءمت فتلك عين غديقة"1 قال ابن الأثير في النهاية أي كثرة الماء هكذا جاءت مصغرة وهو من تصغير التعظيم انتهى. من باب الغين المعجمة مع الدال المهملة فيكون بغين معجمة مضمومة ودال مهملة مفتوحة ثم ياء مثناة تحتية ساكنة ثم قاف مفتوحة انتهى. وأما قوله: "بحرية" فرأيته مضبوطا بالفتح والظاهر أنه منصوب على الحال من الضمير المستتر في "تشاءمت" العائد للسحابة المفهومة من السياق وقد ورد "إذا نشأت السحابة من العين فتلك عين غديقة" ذكره ابن الأثير في النهاية والغدق بفتح الدال المطر الكبار وغدق اسم بئر معروفة في المدينة قاله في النهاية ص: "أو بمحرم كإن لم أزن إلا أن يتحقق قبل التنجيز" ش:
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ كتاب الاستسقاء حديث5.

(5/361)


أو بما لا يعلم حالا ومآلا، ودين إن أمكن حالا، وادعاه، فلو حلف اثنان على النقيض كإن كان هذا غرابا، أو إن لم يكن فإن لم يدع يقينا طلقت، ولا يحنث إن علقه بمستقبل ممتنع كإن لمست السماء، أو إن شاء هذا الحجر، أو لم تعلم مشيئة المعلق بمشيئته،
---------------------------
والظاهر أنه لا يبر بمقدمات الجماع واعلم أن كلامه هنا يدل على أن التنجيز إنما يكون بحكم حاكم والله أعلم. ص: "أو إن شاء هذا الحجر" ش: قال: الرجراجي وإن علقه بمشيئة ما لا تصح مشيئته كالجمادات وغيرها من الحيوانات مثل أن يقول أنت طالق إن شاء هذا الحجر أو ينشد هذا الحمار:
قفا نبك من ذكرى
هل يلزم الطلاق أم لا؟ فالمذهب على قولين: أحدهما أنه لا شيء عليه وهو قول ابن القاسم في المدونة والثاني وهو قول ابن القاسم في النوادر وبه قال سحنون: انتهى. ص: "أو لم تعلم مشيئة المعلق بمشيئته" ش: قال في المدونة: وإن مات فلان قبل أن يشاء وقد علم

(5/362)


أو لا يشبه البلوغ إليه، أو طلقتك وأنا صبي، أو إذا مت، أو متى، أو إن، إلا أن يريد نفيه،
---------------------------
بذلك أو لم يعلم أو كان ميتا قبل يمينه أو قال لها إن شاء هذا الحجر أو الحائط فلا شيء عليه انتهى. قال ابن ناجي: وظاهر قوله أو كان ميتا قبل يمينه علم بذلك أم لا وهو كذلك في أحد القولين وقيل يلزم الطلاق إن علم ويعد نادما وقال اللخمي في التبصرة وكذلك إن كان فلان ميتا ولم يعلم الزوج بموته فلا شيء عليه واختلف إذا كان عالما بموته فذكر القولين ثم قال: وإن قال أنت طالق إن كلمت فلانا إلا أن يشاء فلان وفلان ميت كانت اليمين منعقدة فإن كلمه طلقت عليه انتهى. ص: "أو لا يشبه البلوغ إليه" ش: أي لا يبلغه عمر أحد الزوجين وليس المراد أنه لا يبلغه عمرهما معا قاله في التوضيح وقال في التوضيح أيضا قال: في البيان والمعتبر الأعمار التي يعمر إليها المفقود على الاختلاف بينهم في ذلك انتهى. وظاهر كلامهم أن قائل هذا لا يلزمه طلاق ولو عاش إلى الأجل المعلق عليه مثلا لأنه حكى في التوضيح عن الجلاب في هذه المسألة روايتين فقال أحدهما تطلق عليه في الحال والأخرى لا تطلق عليه بحال انتهى. ومثله قوله في المتيطية والأخرى أنها لا تطلق عليه بوجه انتهى. والله أعلم. ص: "أو طلقتك وأنا صبي" ش: قال في المدونة: في كتاب الأيمان بالطلاق في ترجمة الشك في الطلاق وإن قال لها طلقتك قبل أن أتزوجك أو أنا صبي فلا شيء عليه وكذلك إن قال وأنا مجنون إن عرف أنه كان به جنون انتهى. قال ابن ناجي: ما ذكره في المثالين الأولين لا خصوصية لذلك بل وكذلك لو قال طلقتك في منامي أو قال قبل أن تولدي فإنه يقبل قوله عند ابن القاسم نص على ذلك في كتاب ابن سحنون وهو أحد الأقوال الثلاثة وقيل يلزمه الطلاق قاله سحنون وقيل يصدق مع يمينه قاله في المدونة وما ذكره في الجنون هو أحد الأقوال الثلاثة أيضا وقيل يقبل سواء كان به جنون أم لا قاله محمد وعكسه المغربي قولها في الصبي بما بعده فقال معناه إذا أقام البينة أنها كانت في

(5/363)


أو إن ولدت جارية، أو إن حملت، إلا أن يطأها مرة، وكإن قبل يمينه:
-------------------------------
عصمته حالة الصبا وأطلقها الأكثر وأقام الشيخ الفقيه المفتي أبو عبد الله السكوني منها إذا قال لها أنت طالق من ذراعي إنه لا يلزمه شيء قال: وعلى قول سحنون يلزمه وكان شيخنا حفظه الله يذكر ذلك عن نفسه وقد سبقه به وذكرته في درس شيخنا ابن مهدي فقال يمنع التخريج على قول سحنون يجري عادة الناس بالحلف بالذراع فلا بعد منه ندما اتفاقا انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن في التقييد الكبير: قوله وإن قال لها طلقتك قبل أن أتزوجك الشيخ صورته أن يكون قال: لها فلانة طالق ولم يذكر شرط التزويج وأما إن ذكره فيلزمه ذلك وقوله: "أو وأنا صبي" الشيخ إن علم أنه كان تزوجها في حال الصبا صدق فيما قال: الآن وأما الصبا فمعلوم أنه كان صبيا ويدل على هذا التقييد قوله إن علم أنه كان به جنون وكذلك إن علم أنه كان طلقها قبل أن يتزوجها وقال سحنون يلزمه الطلاق وكذلك ندم وقوله: "أو مجنون" اللخمي إن علم أنها كانت له زوجة في حال جنونه انتهى. ص: "أو إن ولدت جارية" ش: أعلم أن المؤلف جرى في هذا المحل على غير عادته أن يذكر المشهور ولا يذكر الطرق وهنا ذكر طريقين الأولى منهما هي التي قدمها في قوله كان في بطنك غلام أو إن لم يكن أو إن كنت حاملا أو لم تكوني وهذه الطريقة اللخمي أنه ينجز في قول مالك بصيغة البر والحنث ونصه في التبصرة واختلف فيمن قال: إن ولدت جارية فأنت طالق أو إن لم تلدي غلاما فأنت طالق نحو الاختلاف المتقدم في قوله إن كنت حاملا أو إن لم تكوني حاملا ففي قول مالك إنها طالق مكانها في الوجهين جميعا انتهى. والاختلاف المتقدم هي الأربعة الأقوال التي ذكرها التوضيح في هذا المحل والله أعلم. والطريقة الثانية هي التي ذكرها الآن وهي طريقة القاضي عياض قال في التنبيهات: قوله إن لم يكن في بطنك غلام فأنت طالق لأنها شاكة في حالها الآن وهذا الخلاف إن ولدت جارية وإذا ولدت جارية فلا شيء عليه حتى تلد لأنه تعليق بسرعة وكذلك إن أمطرت السماء غدا بينة في كتاب ابن حبيب انتهى. قال الشيخ أبو الحسن: فيظهر من قول عياض إنه حمل قول ابن حبيب على التفسير وكذلك يظهر من ابن يونس ويظهر من قول اللخمي إنه خلاف انتهى. من كتاب الأيمان بالطلاق والله أعلم. ص: "إذا حملت" ش: الظاهر أنها إن كانت يائسة لا تحيض لا

(5/364)


كإن حملت ووضعت، أو محتمل غير غالب، وانتظر إن أثبت، كيوم قدوم زيد وتبين الوقوع أوله إن قدم في نصفه
-------------------------------
يلزمه شيء والله أعلم. ص: "وانتظر إن أثبت كيوم قدوم زيد" ش: يعني أن من حلف على أمر محتمل غير غالب يثبت فإنه لا يلزمه الطلاق حتى يقع الأمر المعلق عليه كما إذا قال أنت طالق يوم قدوم زيد فإنها لا تطلق حتى يقدم زيد قال في المدونة: وإن قال لامرأته إذا قدم فلان أو إن قدم فأنت طالق لم يلزمه شيء حتى يقدم فلان انتهى.
تنبيهان: الأول: قال ابن ناجي: ومعناه مالم يقصد جعل قدومه أجلا فإن قصده طلقت الآن انتهى. يعني أن هذا إذا لم يكن مراده تعليق الطلاق على الوقت فأما إن كان مراده تعليق الطلاق على الوقت وذكر الأمر المؤقت على سبيل التبع فإنه يصير بمنزلة من علق الطلاق على وقت وقاله ابن عرفة ونقله عن النوادر والله أعلم.
الثاني: قال ابن ناجي إثر كلامه: المتقدم وظاهر الكتاب لو قدم بفلان ميتا فإنه لا حنث عليه لأنه لا يصدق عليه قولها إذا قدم فلان قاله أبو محمد عن سحنون واختاره شيخنا أبو

(5/365)


وإلا أن يشاء زيد مثل إن شاء،
--------------------------------
مهدي وقال شيخنا حفظه الله: يتخرج على قولين من قولهم في الأيمان إذا حلف لا دخل عليه بيتا فدخل عليه ميتا فالروايات الحنث خلافا لسحنون وانظر اللخمي إذا قال: إن قدم أبي انتهى. من كتاب الأيمان بالطلاق في ترجمة جامع القول.
فرع: قال في الجواهر: ولو قال أنت طالق يوم قدوم فلان فقدم في نصف النهار تبين الوقوع أول النهار ولو قدم ليلا لم تطلق عليه إلا أن تكون نيته تعليق الطلاق بالقدوم انتهى. وقال في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة في آخر ترجمة جامع القول في الأيمان بالطلاق وإن قال لها أنت طالق يوم أدخل دار فلان فدخلها ليلا أو حلف على الليل فدخلها نهارا دون ليل أو ليلا دون نهار حنث إلا أن ينوي انتهى. فتأمله مع كلام الجواهر فإنهما يتعارضان فيما إذا لم تكن له نية وانظر كلام الجواهر أيضا مع ما قاله المازري في شرح التلقين في أثناء كتاب الوكالة مشبها مسألة بمسألة ونصه وكمن قال: لامرأته أنت طالق يوم يقدم زيد من سفره فقدم زيد ليلا فإنه يلزمه الطلاق لأن المراد بقوله يوم الوقت وإطلاق هذه اللفظة على الوقت مجاز والوقت هو الليل والنهار فلهذا لزمه الطلاق انتهى. وقال البرزلي بعد نقله كلام المدونة وفي كلام الشعبي من قال لعبده يوم تلد فلانة فأنت حر وقال الآخر ليلة إن تلد فلانة فأنت حر فإن ولدت نهارا عتق الأول وإن ولدت ليلا عتقا معا لأن الليل من النهار البرزلي ولفظ المدونة إنما هو في اليوم وهو كمال دورة الفلك إما من الطلوع للطلوع أو من الغروب للغروب أو من الزوال للزوال وظاهر القرآن المغايرة من قوله: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ} أيام والأيمان تحمل على المقاصد أو على كلام العرب ومذهبهم أن الليل يستلزم النهار دون العكس عند الإطلاق انتهى. فتأمله ذلك والله أعلم. ص: "أو إلا أن يشاء زيد مثل إن شاء زيد" ش: هكذا قال ابن الحاجب: ونصه فإن قال إلا أن يشاء زيد فمثل إن شاء على المشهور قال في التوضيح: أي فلا يطلق عليه حتى يشاء زيد لأن الطلاق فيهما موقوف على مشيئته وأرى في الشاذ لزوم الطلاق والفرق أن الكلام في الصورة الثانية اقتضى وقوع الطلاق إلا أن يشاء زيد رفعه بعد وقوعه والطلاق لا يرتفع بعد وقوعه بخلاف الصورة الأولى

(5/366)


------------------------
فإن وقوع الطلاق فيها مشروط بالمشيئة ومن هذه المسألة ما وقع لأصبغ فيمن قال: أنت طالق إلا أن يمنعني أبي فمنعه أبوه لا شيء عليه واستشكله بعضهم بأن الطلاق بعد وقوعه لا يرتفع بإرادة أبيه إلا أن يريد التعليق انتهى. وهذه المسألة في نوازل أصبغ من كتاب الأيمان بالطلاق قال في رجل قال: لامرأته أنت طالق ألبتة إلا أن يمنعني أبي فمنعه أبوه لا أرى عليه شيئا وأراه بمنزلة قوله إلا أن يشاء أبي فلم يشأ أبوه وأصله قوله هي طالق إن شاء أبي فلم يشأ قال ابن رشد: تشبيه أصبغ إلا أن يمنعني أبي إلا أن يشاء صحيح وأما قياسه ذلك على قوله امرأته طالق إلا أن يشاء أبوه فليس بصحيح لأن قوله إن شاء أبي طلاق مقيد بشرط مشيئة أبيه فلا يقع إلا أن يشاء أبوه إذا لم يوجبه على نفسه إلا بذلك كمن قال امرأته طالق إن ضرب أبوه غلامه أو دخل الدار وقوله إلا أن يشاء إنما هو طلاق قيد حله عنه بمشيئة أبيه لأن تقدير قوله امرأته طالق إلا أن يشاء أبي إلا أن يكون طلاقا ولا مشيئة لأبيه في أن لا تكون طالقا إذا كان هو قد طلقها فقوله لها أنت طالق فلا يسقط عنه الطلاق بما استثنى من مشيئة أبيه كما لا يسقط عنه لو قال: امرأتي طالق إلا أن يضرب أبي غلامه أو يدخل الدار وهذا بين لا خفاء فيه فلا يصح أن يحمل قول الرجل امرأته طالق ألبتة إلا أن يمنعني أبي من ذلك أو إلا أن يشاء أبي ذلك على أن مراده بذلك إنما هو امرأتي طالق ألبتة إن شاء أبي إذ لا يحتمل ذلك اللفظ لكونه ضد مقتضاه إلا أن يقول الرجل أردت ذلك فينوي إذا جاء مستفتيا ولا يصح على أصولهم أن ينوي في ذلك مع قيام البينة عليه فضلا عن أن تحمل يمينه على ذلك إذا لم تكن له نية ووجه قول أصبغ أنه لما كان قوله إلا أن يشاء أبي أو إلا أن يمنعني أبي لغو لا فائدة: فيه لقائله ولا تأثير له في الطلاق حمل على أنه أراد إن شاء أبي إذ لا تفرق العوام والجهال بين هذه الألفاظ فهذا يشبه أن يفتي به الجاهل على أن من قوله في نوازله إن الجهالة ليست بأحسن حالا من العلم في الطلاق فقوله على كل حال ضعيف وهذا الذي ذكرناه أظهر محتملات كلامه ويحتمل أن يريد بقوله امرأته طالق إلا أن يشاء أبي امرأته طالق ولا ألزم نفسي ذلك إلا أن يشاء أبي فيكون على هذا التأويل بمنزلة قوله إلا أن يريد أبي وإلى هذا نحا أصبغ ويحتمل وجها ثالثا وهو أن يريد بذلك امرأته طالق إلا أن يفعل فلان كذا وكذا أو إن لم يفعل كذا وكذا فيكون على هذا التأويل كمن حلف بالطلاق على غيره أن يفعل فعلا فيحال بينه وبين امرأته ويدخل عليه الإيلاء أو يتلوم له على الاختلاف في ذلك فهذه ثلاثة وجوه تحتملها المسألة فإن أراد الحالف أحدها حملت عليه يمينه وإن لم تكن له نية فيختلف على أي وجه منها تحمل يمينه انتهى.
قلت: أما إذا قال إلا أن يشاء أبي فأظهر الاحتمالات هو الثاني كما قال أصبغ وأما إذا قال إلا أن يضرب أبي غلامه أو يدخل الدار فأظهرها الثالث فتأمله والله أعلم. ونقل ابن عرفة

(5/367)


بخلاف إلا أن يبدو لي كالنذر والعتق. وإن نفى ولم يؤجل كإن لم يقدم منع منها
-----------------------------------
كلام ابن رشد ص: "بخلاف إلا أن يبدو لي" ش: قال ابن عرفة: وجه تفرقته أن الرافع في قوله: "إلا أن يبدو لي" هو الموقع فكان تلاعبا والرافع في "إلا أن يشاء فلان" غيره فأشبه كونه تفويضا وقال ابن عبد السلام الفرق أن قول: "إلا أن يشاء زيد" يمكن حمله على أن يشاء وقوله: "إلا أن يبدو لي" لا يمكن رده للشرط لأنه إخراج حالة مستقبلة بعد وقوع الطلاق لا يمكنه تعلقه بالحال فوجب.
قلت: فيلزم كونه في إلا أن يشاء كقوله إلا أن يشاء زيد لصحة حمل "إن أشاء" على "إن شئت" والمنصوص في "إن شئت" حمل "إن أشاء" على إن شئت والمنصوص في إن شئت عدم اللزوم وفي "إلا أن أشاء" اللزوم انتهى.
قلت: ما فرق به ابن عرفة هو معنى قول المصنف في التوضيح والفرق للأشهر قوة التهمة في "إلا أن يبدو لي" بخلاف "إلا أن يشاء" زيد فإنه لا يتهم على ذلك انتهى. وحاصل كلامهم أن الأظهر في قوله: "إلا أن يبدو لي" حمله على الوجه الأول من احتمالات ابن رشد بخلاف "إلا أن يشاء زيد" وإليه يرجع كلام ابن عبد السلام عند التأمل وقول ابن عرفة فيلزم كونه في "إلا إن شاء" مثل "إلا أن يشاء" زيد ليس بظاهر لما قلنا إن الأظهر في قوله: "إلا أن أشاء" أو "يبدو لي" أنه طلاق قيد حله بمشيئته أو إرادته وذلك لا يفيد بخلاف "إلا أن يشاء زيد" فإن الأظهر فيه أنه طلاق معلق على مشيئة زيد فتأمله وما ذكره من أن المنصوص في "أنت طالق إن شئت" عدم اللزوم قاله في العتق الأول من المدونة ونصه وإن قال لها أنت طالق إن شئت أو إن شاء فلان لم تطلق حتى ينظر إلى ما شاء أو شاء فلان انتهى. قال أبو الحسن: لم يذكر التعليق بمشيئة نفسه في الكتاب إلا هنا وهذا بخلاف قوله: "أنت طالق إلا أن يبدو لي" والفرق بينهما أن قوله: "إلا أن يبدو لي" والاستثناء في الطلاق لا ينفعه وقوله: "إن شئت" تعليق بصفة فلا يلزمه إلا بوقوع الصفة انتهى. فعلى هذا ما يوجد في بعض نسخ التهذيب في قوله: "إن شئت" بكسر التاء فليس بصحيح والله أعلم. ص: "وإن نفى ولم يؤجل كإن لم يقدم منع منها" ش: قال في كتاب العتق من المدونة: ومن قال: لزوجته إن لم

(5/368)


إلا إن لم أحبلها، أو إن لم أطأها، وهل يمنع مطلقا؟ أو إلا في: كإن لم أحج في هذا العام وليس وقت سفر؟ تأويلان؛
--------------------------------
أتزوج عليك أو أفعل كذا فأنت طالق فهو على حنث ويتوارثان قبل البر إذ لا يطلق ميتة ولا يوصي ميت بطلاق انتهى. ص: "لا إن لم أحبلها" ش: قال: الشارح في الكبير في شرح قول المصنف أو إذا حملت إلا أن يطأها مرة إلى آخره ما نصه.
فرع: قال في المجموعة قال أشهب: ومن قال لزوجته إن لم أحبلك فأنت طالق فإنه يطؤها أبدا حتى تقعد عن الحمل ويؤيس منه لها انتهى. وهو ظاهر فتأمله ص: "وهل يمنع مطلقا أو إلا في كإن لم أحج في هذا العام وليس وقت سفر تأويلان" ش: يعني إذا حلف

(5/369)


إلا إن لم أطلقك مطلقا أو إلى أجل، أو إن لم أطلقك برأس الشهر البتة فأنت طالق رأس الشهر البتة، أو الآن فينجز ويقع ولو مضى زمنه كطالق اليوم، إن كلمت فلانا غدا. وإن قال إن لم أطلقك واحدة بعد شهر، فأنت طالق الآن البتة، فإن عجلها أجزأت، وإلا قيل له: إما عجلتها و إلا
-----------------------------
على فعل له وقت معلوم قبل وقته فهل يمنع من الآن أو حتى يأتي الوقت ص: "إلا إن لم أطلقك مطلقا أو إلى أجل فأنت طالق" ش: أي فيقع عليه الطلاق على المشهور وقيل لا يقع عليه حتى يرفعه للحاكم قال في التوضيح: ولا إشكال على القولين أنه لا يمكن من الوطء لأنه حنث في يمينه عياض فإن اجترأ أو وطئ سقط عنه الإيلاء واستؤنف له ضرب الأجل ولا يلزمه استبراء من هذا الوطء متى جاز له تطليقها ومراجعتها للاختلاف في منع الوطء في يمين الحنث ص: "وإن قال إن لم أطلقك واحدة بعد شهر فأنت طالق ألبتة إلى آخره" ش:

(5/370)


بانت وإن حلف على فعل غيره، ففي البر كنفسه، وهل كذلك في الحنث؟ أو لا يضرب له أجل الإيلاء ويتلوم له؟ قولان وإن أقر بفعل ثم حلف ما
-----------------------------
قال ابن عرفة الشيخ في الموازية عن عبد الملك: قوله أنت طالق إلى مائة سنة إن لم أطلقك الآن لغو وفي أنت طالق الساعة إن لم أطلقك إلى مائة سنة هي طالق الساعة انتهى. والله أعلم. ص: "وهل كذلك في الحنث أو لا يضرب له أجل الإيلاء ويتلوم له قولان" ش: ظاهر كلامه أنه إذا حلف على فعل غيره فيفصل فيه فإن بان أنه كان محرما فإنه ينجز الطلاق وهذا الذي مال إليه في توضيحه من طريق البحث ولكنه لم ينقله عن أحد وصرح ابن الحاجب بأنه إذا حلف على فعل غيره فإنه لا ينجز عليه سواء كان محرما أم لا وتبعه ابن رشد القفصي فقال وإن علقه بفعل غيره لم ينجز محرما كان أو غير محرم لكن يمنع من الوطء حتى يقع ما حلف عليه وفي تسوية المصنف رحمه الله بين القولين نظر فقد صرح في كتاب العتق الأول من المدونة أن من حلف على فعل غيره لا يضرب له أجل الإيلاء وإنما يتلوم له الإمام بقدر ما يرى أنه أراد من الأجل ونصه ومن قال: لأمته إن لم تدخلي أنت الدار أو تفعلي كذا فأنت حرة أو لزوجته فأنت طالق أو قال: إن لم يفعل فلان كذا فعبدي حر وزوجتي طالق منع من البيع والوطء وهو على حنث ولا يضرب له في هذا أجل الإيلاء في المرأة وإنما يضرب له ذلك في يمينه ليفعلن هو فأما هذا فإن الإمام يتلوم له بقدر ما يرى أنه أراد من الأجل في تأخير ما حلف عليه وتوقف لذلك الزوجة والأمة والأجنبي فإن لم يفعل ذلك عتق عليه وطلق إلا أن يريد إكراه الأمة على ما يجوز له من دخول دار أو غيره فله إكراهها ويبر ولو مات الحالف في التلوم مات على حنث وعتقت الأمة في الثلث وترثه الزوجة انتهى. قال ابن يونس لأن الحنث وقع عليه بعد موته انتهى. وقال في قوله إلا أن يريد إكراه الأمة ويكون القول قوله انتهى. وقال في التوضيح المشهور أنه إنما يضرب له أجل الإيلاء إذا حلف على فعل نفسه وأما على غيره فلا ويتلوم له القاضي ثم يطلق عليه ولم يحك القرويون غيره وحكى صاحب المقدمات الخلاف انتهى. ص: "وإن أقر بفعل ثم حلف ما

(5/371)


فعلت صدق بيمين، بخلاف إقراره بعد اليمين فينجز،
-------------------------------
فعلت صدق بيمين بخلاف إقراره بعد اليمين" ش: تصوره واضح قال: البرزلي في مسائل الأيمان بعد نقله المسألة وانظر إذا نكل هل يلزمه ما يلزمه في إقامة شاهد على الطلاق والظاهر أن إقراره أسدله واعلم أنه لا مفهوم لقول المصنف: "بفعل" بل الحكم سواء في جميع الأشياء ولو قال: وإن أقر بشيء لكان أوضح ويشهد لما قلناه مسائل منها ما في رسم يشتري الدور والمزارع في سماع يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق وهي مشتملة على مسائل ونصها وقال في الرجل يقول إني حلفت بالطلاق أن لا أكلم فلانا فجاء قوم يشهدون أنهم حضروه يكلم ذلك الرجل بعد ما كان أقرانه حلف أنه لا يكلمه فقال امرأته طالق إن كنت حلفت وما كان الذي قلت: إلا كذبة كذبتها ولقد كلمت فلانا وما علي يمين بطلاق ولا غيره أن لا أكلمه قال يحنث ولا يدين لأن الفعل الذي أقر أنه حلف أن لا يفعله قد ثبت عليه أنه فعله بعد إقراره باليمين الذي زعم أنه حلف بها أن لا يفعل ذلك الفعل قال ومن قال لقد كلمت فلانا اليوم أو أتيت فلانا أو أكلت طعام كذا وكذا ثم عوتب في بعض ذلك فقال امرأته طالق إن فعل شيئا من ذلك فإنه يدين ويحلف بالله ما فعل الذي حلف أنه لم يفعله مما كان زعم أنه قد كان فعله وأنه إنما كان كذب أولا ثم لا حنث عليه إلا أن تقوم عليه بينة بعد يمينه بالطلاق أنه لم يفعل ذلك الشيء فتشهد البينة أنه فعل قبل أن يحلف فيحنث أو يقر بعد يمينه أنه قد كان فعله فيلزم الحنث أيضا بإقراره.
قال: ومن شهد عليه قوم بحق لرجل أو أنه فعل شيئا ينكره فقال بعد شهادتهم عليه امرأته طالق إن لم يكونوا شهدوا عليه بزور وما كان لفلان قبلي شيء وما فعلت الذي شهدوا به علي وإلا فامرأته طالق فإنه يدين ويحلف أنهم كذبوا في شهادتهم وتحبس امرأته فإن أقر بعد تصديق الشهداء أو جاء شهداء آخرون يشهدون على تصديق شهادة الأولين الذين حلف بتكذيبهم حنث في يمينه قال: وكذلك لو حلف بالطلاق إن كان لفلان عليه كذا وكذا أو إن كان كلم اليوم فلانا فشهد عليه عدول بإثبات الحق وأنه كلم ذلك الرجل فإن الحنث يلزمه قال ابن رشد: هذه المسائل كلها صحاح وأصلها في الأيمان بالطلاق منها وتكرر في أول سماع ابن القاسم من الشهادات ولا خلاف أحفظه في شيء منها وتلخيصها أن اليمين على الفعل بالطلاق كان ببينة أو إقرار إذا تقدم على الإقرار بالفعل والشهادة به عليه طلقت عليه وإن تقدم الإقرار منه بالفعل أو الشهادة به على اليمين كان ببينة أو بإقرار لم تطلق عليه والفرق بين أن تتقدم اليمين على الفعل أو الفعل على اليمين هو أن اليمين إذا تقدم بإقرار أو بينة فقد لزم حكمه ووجب أن لا يصدق في إبطاله وإذا تقدم الفعل ببينة أو إقرار لم يثبت لليمين بتكذيب ذلك حكم إذا لم يقصد الحالف إلى إيجاب حكم الطلاق الذي حلف به على نفسه وإنما قصد إلى تحقيق نفي ذلك الفعل انتهى.

(5/372)


----------------------------------
وانظر كلام مختصر الواضحة في كتاب الأيمان والنذور وكلام النوادر وذكر ابن رشد في رسم المكاتب في سماع يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق مسألة وهي من ادعى على رجل بحق فحلف بالطلاق ما لك عندي حق حلف المدعي بالطلاق أن ذلك الحق عندك ولم تقم له بينة بذلك فإنه لا يقضى عليه بالحق وأما الطلاق فلا يلزمه ويدين وهل يحلف أو لا يحلف؟ قولان انتهى. وأشار إلى ذلك في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب وفي رسم تسلف في المبتاع من سماع ابن القاسم قال: وهذا إذا طولب بحكم الطلاق أما إن جاء مستفتيا فلا وجه لليمين وهي يمين تهمة والله أعلم. وفي سماع يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق في رجل أمر غريمه أن يدفع ماله عليه إلى وكيله ثم سأله بعد أيام فقال دفعته إلى وكيلك فقال كتب إلي وكيلي أنه لم يقبض منك شيئا فقال الغريم امرأته طالق ألبتة إن كنت لم أدفع إليه حقه وقال الطالب امرأتي طالق إن كنت دفعت إليه شيئا قال أما المطلوب فينوي في يمينه ولا يبرأ من الحق إلا ببينة على الدفع وأما الطالب فحانث لأنه حلف على غيب لا علم له به ولا يجوز للإمام أن يقر امرأته عنده وقد بان أنه حلف على غير علم انتهى. من حاشية المشذالي في كتاب الهبات وقال في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق. مسألة: قال مالك في الرجل يحلف بطلاق امرأته إن لم يضربها كذا وكذا أو يقول غلامي حر إن لم أضربه كذا وكذا ثم تأتي المرأة أو العبد يدعيان أنه لم يضربهما ويقول الرجل قد ضربت إنه ليس على السيد ولا على الزوج البينة على ذلك ويصدق ويحلف قال ابن القاسم وذلك مخالف للحقوق في قول مالك لأن الرجل لو حلف بطلاق امرأته ألبتة إن لم يقض الرجل حقه إلى أجل سماه فحل الأجل وزعم أنه قضاه قال مالك: إن لم يكن عليه بينة بالقضاء طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق قال ابن رشد: أما الذي يحلف بطلاق امرأته ليضربنها إلى أجل يسميه أو بعتق عبده ليضربنه إلى أجل يسميه فلا اختلاف في أن كل واحد منهما مصدق مع يمينه بعد الأجل على أنه قد ضرب قبل الأجل لأن ضرب الزوج امرأته والسيد عبده ليس بحق لهما تسأله الزوجة من زوجها والعبد من سيده فيتوثق باليمين من الحالف على ذلك ولا يلزمه الإشهاد على تأديبه ولعله ضرب عداء فلا يسوغ للشاهد إن استشهد على ذلك أن يحضر ليشهد به قال: في الواضحة وإن مات السيد بادعاء العبد أنه لم يضربه وجهل الورثة ذلك فالقول قول العبد حتى يدعوا أنه قد ضربه فينزلوا منزلة السيد في ذلك وأما الذي يحلف بطلاق امرأته ألبتة إن لم يقض رجلا حقه إلى أجل سماه فحل الأجل وزعم أنه قضاه وزعمت المرأة أنه لم يقضه وأنه قد حنث فيها بطلاق ألبتات ففي ذلك ثلاثة أقوال أحدها أن القول قوله مع يمينه يحلف ويبر من الحنث بمنزلة الذي يحلف على ضرب امرأته أو أمته وإن أنكر صاحب الحق القبض حلف وأخذ حقه وهو قول مالك في رواية زياد عنه والثاني: أنه لا يصدق في القضاء ولا يمكن من اليمين ويبرأ من الحنث بما يبرأ

(5/373)


----------------------------
من الدين من إقرار صاحب الحق بقبضه أو شاهد ويمين أو شاهد وامرأتين وهو الذي يأتي على قول سحنون في كتاب ابنه والثالث: أنه لا يبرأ من الحنث بشاهد ويمين ولا شاهد وامرأتين ولا بإقرار صاحب الحق ولا يبرأ إلا بشاهدين عدلين وهو قول مطرف وابن الماجشون وروايتهما عن مالك وظاهر رواية ابن القاسم هذه عن مالك ورواية ابن وهب عنه في رسم أسلم من سماع عيسى وقد قيل إنه يبرأ أيضا بإقرار صاحب الحق إذا كان مأمونا لا يتهم أن يطأ حراما وهو قول أشهب وابن عبد الحكم في الواضحة.
قال ابن نافع في المبسوطة مع يمينه وزاد ابن القاسم في رسم أسلم من سماع عيسى إذا كان من أهل الصدق وممن لا يتهم وهذا كله إذا كانت على أصل اليمين بينة وهو معنى قوله في هذه الرواية طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق لأنه يريد بقوله على أصل اليمين وأما إذا لم تكن على أصل اليمين بينة إلا أن الزوج أقر باليمين لما روجع فيها وطلب بها فيتخرج ذلك على قولين أحدهما أن إقراره على نفسه باليمين كقيام البينة بها عليه والثاني: أنه يحلف لقد قضاه حقه قبل الأجل ويبرأ من الحنث ولا يبرأ من المال إذا لم يقر صاحبه بقبضه ولا شهدت بذلك بينة وسواء كانت على أصل الدين بينة أو لم تكن وذهب بعض الشيوخ وهو ابن دحون إلى أن قيام البينة على أصل الحق كقيامها على أصل اليمين على ظاهر قوله في هذه الرواية طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق وليس ذلك بصحيح لأن الشهادة على أصل الحق لا تأثير لها بوجوب الطلاق فالمعنى في ذلك هو ما ذكرناه ولو أنكر اليمين ولم تقم عليه بها بينة لم تلحقه في ذلك يمين ولو أنكر اليمين وأقر أنه لم يدفع الحق قبل الأجل فلما قامت عليه البينة باليمين أقام هو بينة على دفع الحق قبل الأجل قبلت منه بينته على اختلاف في هذا الأصل قائم من المدونة وغيرها وبالله التوفيق.
مسألة: قال في سماع أصبغ من كتاب طلاق السنة في رسم النكاح: وسئل ابن القاسم عمن نزلت به يمين في امرأته فأفتى بأن قد بانت فقال لها وللناس قد بانت مني ثم علم أنه لا شيء عليه فقال لا ينفعه وأراها قد بانت إذا قال ذلك قال ابن رشد: هذا قول أشهب أيضا وحكى ابن حبيب عن مالك أنه لا شيء عليه وقال سحنون في كتاب ابنه إن قال ذلك على وجه الخبر يخبر بما قيل له ولا شيء عليه وإن قال ذلك يريد الطلاق طلقت عليه والذي أقول به في هذا إن كان الذي أفتى به خطأ مخالف للإجماع لا وجه له في الاجتهاد فلا شيء عليه وإن كان قول قائل وله وجه في الاجتهاد ومفتيه به من أهل الاجتهاد فالطلاق له لازم فينبغي أن يرد الاختلاف المذكور في المسألة إلى هذا وهذا كله إذا أتى مستفتيا وأما إن حضرته البينة بقوله قد بانت منه ثم ادعى أنه إنما قال: ذلك لأنه أفتى به فلا يصدق في ذلك

(5/374)


ولا تمكنه زوجته، إن سمعت إقراره وبانت، ولا تتزين إلا كرها، ولتفتد منه، وفي جواز
-------------------------------------
ويؤخذ بما ظهر من إقراره إلا أن تشهد بينة أنه أفتى بذلك فيصدق في أنه قال: ذلك لذلك مع يمينه انتهى. واعلم أنه إذا قال اللفظ المذكور أو ما أشبهه يريد به الطلاق فلا إشكال في لزوم الطلاق كما قال سحنون: وأما إن أراد الإخبار عما أفتى به فكما قال ابن رشد: إن كان ما أفتى به مخالفا للإجماع لا وجه له في الاجتهاد فلا شيء عليه وإن كان قول قائل وله وجه في الاجتهاد ومفتيه من أهل الاجتهاد فالطلاق له لازم وبقي قسم وهو مفهوم من قول ابن رشد ومفتيه من أهل الاجتهاد وهو ما إذا كان مفتيه ليس من أهل الاجتهاد والترجيح وأفتاه بالقول المرجوح جهلا فهذا لا يلزمه شيء وهو مفهوم كلام ابن رشد والله أعلم. ص: "ولا تمكنه زوجته إن سمعت إقراره وبانت" ش: اعلم أن ظاهر كلام المصنف أنه شرط في منعها نفسها منه شرطين الأول أن تسمع إقراره الثاني: أن تبين ولم يبين أحد من شروحه التي وقفت عليها معنى الشرط الثاني وهو قوله :و"بانت" وكذلك شارحا ابن الحاجب أعني المصنف وابن عبد السلام مع أن عبارة ابن الحاجب أوضح من عبارة المؤلف ونصه ولا يسع زوجته إن علمت إقراره المقام معه إلا كرها إن بانت كمن علمت أنها طلقت ثلاثا ولا بينة

(5/375)


قتلها له عند محاورتها قولان،
-----------------------------
لها انتهى. ولم ينبها على معنى قوله إن بانت ثم إني وقفت على شرح ابن الحاجب للعلامة ابن فرحون فذكر بعض شيء ونصه قال في المدونة: فإن كان علم هو أنه كاذب في إقراره بعد يمينه حل له المقام عليها فيما بينه وبين الله ولم يسع امرأته المقام معه إن سمعت إقراره وكان الطلاق بالثلاث وهذا معنى قوله: "إن بانت" وترفعه للحاكم إلا أن لا تجد بينة ولا سلطانا انتهى. وما ذكره عن المدونة أعني قوله: "وكان الطلاق بالثلاث" لم أره في التهذيب ولم أر من نقله عن المدونة ولا من نبه عليه من شراحها بعد النظر في ابن يونس وأبي الحسن الكبير والصغير وابن ناجي والرجراجي والتنبيهات والنكت وحاشية المشذالي فتأمله والله أعلم. وقال البرزلي في مسائل الأنكحة.
مسألة: وسئل ابن أبي زيد عمن شهد على زوجها شاهدان بالطلاق وهي تعلم زورهما هل يباح لها التزويج أم لا؟ فأجاب: هذا لا يعرف أبدا إلا على وجه أن يشهد أنه طلقها في يوم الخميس وتعلم هي أنها لم تفارقه في ذلك اليوم فينبغي إن كان ذلك أن لا تتزوج البرزلي وعكسه تعلم تحقيقا أن يشهدا عليه أنه طلقها وهو يعلم بطلان شهادتهم وقد وقعت وأفتى فيها شيخنا أبو محمد عبد الله الشبيبي وقد كانت منعت منه أنه يجوز له أن يتسور عليها ويطأها إذا خفي له ذلك وصدقته وهي عندي تجري على مسألة من رأى هلال شوال وحده وهو في الحاضرة هل يباح له الفطر إذا خفي له وعلى مسألة من جحد له مال فظفر بمال للجاحد هل يباح له أم لا أما إذا كان غير وديعة عنده ولم يخف على نفسه فجائز وإن خاف على نفسه مثل الفقير يقدر على أموال مستغرق الذمة بالتستر والسرقة فكان شيخنا أبو محمد المذكور يبيح للفقراء أخذ أموال الظلمة كيفما تأتي وكان شيخنا الإمام يمنع ذلك ابتداء خشية أن يطلع عليه فيدركه الضرر هذا الذي شافهته منه ثم بلغني أنه رجع إلى جواز ذلك وهو كمسألة المضطر لأكل مال الغير إن خاف على نفسه القطع أبيحت له الميتة وإلا جاز له أخذه وأما إن كان عنده وديعة فهل ينفعه الجحد أم لا فيه ستة أقوال حكاها ابن رشد في الشرح وذكر ابن يونس أكثرها حيث تكلم عليها في المدونة من آخر الوديعة انتهى. والمشهور المنع في المسألتين المخرج عليها والإجراء عليها ظاهر فيلزم في المسألة المذكورة والله أعلم. قال ابن الحاجب: ولا يفطر في هلال شوال ظاهرا ولا خفية وإن أمن الظهور على الأصح قال في التوضيح: ومقابل الأصح لم أره منصوصا وخرجه اللخمي من مسألة الزوجين يشهد عليهما

(5/376)


وأمر بالفراق في: إن كنت تحبيني، أو تبغضيني، وهل مطلقا أو إلا أن تجيب بما يقتضي الحنث فينجز؟ تأويلان، وفيها ما يدل لهما وبالأيمان المشكوك فيها.
-------------------------------------
شاهدان بالطلاق الثلاث والزوجان يعلمان أنهما شهدا بزور فقد قيل لا بأس أن يصيبها خيفة فالأكل مثله من باب أولى لأن التخفي في الأكل أكثر من الجماع انتهى. ص: "وأمر بالفراق في إن كنت تحبيني أو تبغضيني" ش: قال الشيخ أبو الحسن: هو رباعي من قولهم أبغض في الله وأحب في الله انتهى. ونحو هذه المسائل ما قاله بعد هذه في المدونة وإن قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق فقالت دخلت فكذبها ثم قالت كنت كاذبة أو لم تقل فإنه يؤمر بفراقها ولا يقضى به عليه ولو صدقها أولا لزمه الفراق بالقضاء وإن رجعت عن إقرارها وإن قال لها أنت طالق إن كتمتيني أو كذبتيني لشيء سألها عنه فتخبره فلا يدري أكتمته أم كذبته فليفارقها بلا قضاء انتهى. وقريب من هذه المسائل ما قاله في نوازل أصبغ من طلاق السنة قال أصبغ في رجل قال لامرأته أنت طالق ألبتة إن كنت حائضا قالت أنا حائض قال أرى أن يخلي سبيلها وأن الطلاق وقع عليها ولو قالت لست حائضا أرى أن لا يصدقها ولا يقبل منها ولا ينتفع بذلك وليخل سبيلها لأن ذلك شك لا يدري ما هو عليه منها أصادقة هي أم كاذبة فلا يقيم على الشك إلا أن ينكشف له ذلك بأسباب يقبل عليها ويقع على يقينها به قال ابن رشد: قوله: "ولا يقيم على الشك" يريد ويفرق بينهما في الحكم هذا مذهب أصبغ فيما كان من هذا الفرع: مما يحلف الحالف فيه على غيره فيما قد مضى فيكون الشك فيه قائما إذ لا يعلم حقيقته إلا من جهته ولا يدري هل صدقته مثل أن يقول امرأتي طالق إن كنت تبغضيني أو إن لم تصدقيني فتقول أنا أحبك وتخبره وتزعم أنها قد صدقته وما أشبه ذلك وابن القاسم يرى مثل هذا أنه يؤمر ولا يجبر وقد مضى هذا المعنى في رسم القطعان من سماع عيسى.
فرع: قال في المدونة: وإن قال لها أنت طالق إن كنت أحب طلاقك وهو يحبه بقلبه فهي طالق انتهى. والله أعلم. ص: "وبالأيمان المشكوك فيها" ش: قال ابن غازي قوله:

(5/377)


ولا يؤمر إن شك هل طلق أم لا
---------------------------------
"وبالأيمان" معطوف علي بالفراق بحذف مضاف أي وأمر بالفراق في كذا أو في كذا أو بإنفاذ الأيمان المشكوك فيها انتهى. وهذا أحسن مما حمله عليه الشارحان لأن مسألتهما يجبر فيها على الفراق لأنهما جعلاه أشار إلى قوله في المدونة وكل يمين في الطلاق لا يعلم صاحبها أنه فيها بار فهو حانث قال ابن ناجي: قال ابن الحاجب: يعني يشك احترازا من الوهم فإنه لا أثر له ثم قال: وقال خليل لا يؤمر بشيء إذا ظن البر كما يفهم من كلامه أو يكون أخف فقال بالجبر مع الشك يؤمر ها هنا من غير جبر وعلى القول بالجبر لا يؤمر هنا بشيء انتهى. انظر ابن عبد السلام وجعل ابن غازي أنه أشار إلى قوله ومن لم يدر بما حلف بطلاق أو عتق أو مشي أو صدقة فليطلق نساءه ويعتق رقيقه ويتصدق بثلث ماله ويمش إلى مكة يؤمر بذلك من غير قضاء قال أبو الحسن: قال ابن محرز لم يذكر كم يطلق زوجته ولا كم يمشي إلى مكة وإن كان الشك لا يتناول عددا قائما يلزمه طلقة واحدة والمشي مرة واحدة لأنه كأنه إنما حلف بهذه الأجناس انتهى. ابن ناجي فهم شيخنا أبو مهدي قولها يؤمر على اللزوم ووجوبا وإنما أراد نفي الجبر فقط وفهم شيخنا حفظه الله قولها على الاستحباب والصواب هو الأول لقرينة قولها من غير قضاء ثم قال ابن محرز: إنما قال: "ويتصدق بثلث ماله" لأنه شك هل حلف بصدقة جميع ماله ولو شك هل حلف بصدقة أم لا فليخرج أقل ما ينطلق عليه الاسم مدا أو درهما انتهى. وعلى ما حمله ابن غازي تكون عبارة المؤلف أحسن من عبارة ابن الحاجب لموافقته للمدونة في أنه إنما يلزمه من الأيمان ما شك في حلفه به لا ما اعتاد الحالف به من الأيمان كما يفهم من ابن الحاجب والله أعلم. ص: "ولا يؤمر إن شك هل طلق أم لا" ش: تصوره واضح سئلت عمن جزم أنه طلق بالكلام النفسي وشك هل تلفظ بذلك أم لا فأجبت أما على القول بلزوم الطلاق بالكلام النفسي وهو أحد المشهورين

(5/378)


إلا أن يستند وهو سالم الخاطر: كرؤية شخص داخلا شك في كونه المحلوف عليه وهل يجبر؟ تأويلان، وإن شك أهند هي أم غيرها؟
---------------------------
فلا شك في لزوم الطلاق له وأما على القول بعدم لزوم الطلاق بالكلام النفسي فالظاهر أنه بمنزلة من شك هل طلق أم لا والمشهور أنه لا يلزمه شيء والله أعلم. ص: "وإن شك أهند هي أم غيرها" ش: تصوره واضح.
مسألة حسنة: وقعت لابن عرفة والأبي وهي أن ابن عرفة سئل عن رجل له أربع زوجات رأى إحدى زوجاته الأربع مشرفة من طاقة فقال لها إن لم أطلقك فصواحبك طوالق فردت رأسها ولم يعرفها بعينها وأنكرت كل واحدة منهن أن تكون هي المشرفة فأجاب بأنه يلزمه طلاق الأربع وكان ذلك بحضور الأبي فقال: إنما يلزمه طلاق ثلاث منهن وتبقى الرابعة لأنها إن كانت هي المشرفة فقد طلق صواحبها وإن كانت المشرفة إحدى الثلاث اللاتي طلقن

(5/379)


أو قال: إحداكما طالق
----------------------------------
فلا حنث في التي تحته أخبرني بذلك بعض أصحابنا من طلبة العلم من أهل القيروان من أهل الدين والفضل قال: إنه أخبره بذلك والده وكان من أهل العلم والدين غفر الله للجميع بمنه وكرمه آمين ص: "أو قال: إحداكما طالق" ش: قال في الأيمان بالطلاق من المدونة: ومن قال إحدى نسائي أو امرأة من نسائي طالق أو كان ذلك في يمين حنث بها فإن نوى واحدة طلقت التي نوى خاصة وصدق في القضاء والفتيا فإن لم ينوها أو نواها ونسيها طلقن كلهن من غير استئناف طلاق فإن جحد فشهد عليه كان كمن لا نية له انتهى. قال ابن ناجي: قوله صدق في القضاء والفتيا ظاهره بغير يمين قاله المغربي وابن عبد السلام وقال اللخمي اختلف في يمينه وأرى إن لم تكن عليه بينة لم يحلف على كل حال وإن كانت عليه بينة فإن قال أردت فلانة وكان كلامه نسقا صدق بغير يمين وإن لم يكن نسقا وكانت منازعته معها صدق بلا يمين وإن لم تكن ثم منازعة فإن عين الحسناء أو التي يعلم أنه يميل إليها لم يحلف وإن عين الأخرى حلف وقوله طلقن كلهن هذا قول المصريين وقال المدنيون يختار كالعتق انتهى. كلام ابن ناجي.
تنبيه: وكذلك لو قال امرأته طالق وله امرأتان قاله ابن الحاجب ونقله في الشامل.
مسألة: قال ابن رشد: في نوازله في أول مسائل الحبس: إذا قال الرجل نسائي طوالق وله أربع نسوة ثم أتى مستفتيا وقال أردت فلانة وفلانة وفلانة صدق ولم يلزمه طلاق الرابعة التي قال: إنه لم يردها بقوله ولو قال: جميع نسائي طوالق لم ينو أنه أراد بعضهن لنصه على جميعهن إلا أن يقول قد استثنيت فقلت إلا فلانة أو نويت إلا فلانة فيصدق إذا أتى مستفتيا على الخلاف في الاستثناء بـ"إلا" دون تحريك اللسان إن كان قد نويت إلا فلانة انتهى. والمشهور أن الاستثناء إنما يفيد بحركة اللسان إلا أن يكون عزل واحدة في يمينه أو لا فيكون من باب المحاشاة والله أعلم. وانظر أحكام ابن سهل فيمن حلف بطلاق امرأته ولا يعلم له الحاضرون إلا امرأة واحدة ثم أثبت أن له امرأتين وأنه أراد الثانية وقد أطال الكلام في ذلك والمسألة في الجزء الأول قبل ترجمة من قال: جميع ما أملك حرام والمسألة في سماع أشهب وسماع أصبغ من العتبية ومما يناسب هذا المحل ما في سماع يحيى من الأيمان بالطلاق في رسم الصبرة في الرجل يقول امرأته طالق أو غلامه حر إن فعل كذا وكذا فحنث قيل إنه يخير فيقال له أوجب حنثا في أيهما شئت فأعتق العبد وإن شئت فطلق قال ابن رشد: وهذا كما قال: لأن موضوع أو في اللسان الماضي الشك وفي المستقبل التخيير فوجب إذا قال الرجل امرأتي طالق أو غلامي حر إن فعلت كذا فيفعله أنه يخير فيما شاء من ذلك إلا أن يقول ولا خيار لي في ذلك أو يريد ذلك فيلزمه عتق الغلام وطلاق المرأة وقال في رسم العارية من سماع عيسى من الكتاب المذكور وسئل عن رجل قال: امرأته طالق البتة أو غلامه حر إن لم

(5/380)


أو أنت طالق بل أنت طلقتا وإن قال أو أنت خير ولا أنت طلقت الأولى إلا أن يريد الإضراب وإن شك أطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا؟ لم تحل إلا بعد زوج، وصدق إن ذكر في العدة ثم إن تزوجها وطلقها فكذلك إلا أن يبت
--------------------------------
يفعل شيئا سماه فلم يفعل حتى مات قال: ترثه امرأته ويعتق الغلام في ثلثه قال ابن رشد: وهذا كما قال: لأن الحالف ليفعلن فعلا هو على حنث حتى يفعل فإذا لم يفعل حتى مات وقع عليه الحنث بعد الموت بالطلاق أو بالعتق فوجب أن ترثه المرأة لأن الطلاق بعد الموت لا يصح وأن يعتق الغلام في الثلث على حكم العتق بعد الموت احتياطا للعتق ولأنه أيضا لو وقع عليه الحنث في حياته لخير بين العتق والطلاق إذ قد استثنى ذلك لنفسه فلما وقع على نفسه الحنث بعد الموت حمل على أنه لم يرد إلا العتق إذ لا يطلق أحد امرأته بعد موته ولو قال: قائل إن ورثته ينزلون بعد موته في التخيير منزلته في حياته لكان لذلك وجه لأن الأصل براءة الذمة والعتق لا يكون إلا بيقين انتهى. قال ابن عرفة: بعد نقله لهذا الكلام.
قلت: هذا وهم لأن لازم تخييره هو إيقاعه الطلاق بدل العتق وهذا بعد موته ممتنع والأصل في الفقه والبرهان أن انتفاء أحد الأمرين المخير فيهما موجب تعين الآخر كتعذر العتق والكسوة في الكفارة يوجب الإطعام ومن ثم كان انتفاء أحد جزأي الحقيقة المنفصلة ينتج ثبوت الآخر انتهى. ص: "وإن شك أطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا لم تحل إلا بعد زوج وصدق إن ذكر في العدة" ش: تصوره واضح.
مسألة: إذا أقر على نفسه بالطلاق فادعت عليه الزوجة من عدد الطلاق أكثر مما أقر به يجب عليه أن يحلف بخلاف ما إذا ادعت عليه أنه طلق وأنكر قاله في أول مسألة في رسم

(5/381)


وإن حلف صانع طعام على غيره لابد أن تدخل فحلف الآخر لا دخلت حنث الأول، وإن قال إن كلمت، إن دخلت لم تطلق إلا بهما،
---------------------------------
سلعة سماها من سماع ابن القاسم من الأيمان بالطلاق وقال في هذه أيضا إن اليمين تغلظ بالحلف عند المنبر وهي أحرى من المال لأن حرمة الفرج أكثر حرمة من المال وقال فيها أيضا إن شهادة السيد على عبده بطلاق زوجته لا تجوز كما قاله في المدونة ص: "وإن حلف صانع طعام على غيره لا بد أن تدخل الدار فحلف الآخر لا دخلت حنث الأول" ش: قوله حنث الأول أي صانع الطعام لأنه حلف على أمر ليس بيده ولو قال: المصنف حنث الصانع لكان أحسن لأنه قد يكون هذا الثاني: في الحلف كما لو سأل صاحب الطعام إنسانا أن يدخل بيته أو يأكل طعامه فحلف أنه لا يدخل أو لا يأكل فحلف صاحب الطعام على أنه لا بد أن يدخل أو يأكل فإن صاحب الطعام يحنث وكان المصنف رأى المسألة في هذه الصورة أحرى من التي قبلها وكذلك والله أعلم. ويقرب من هذه المسألة.
فروع: الأول: قال في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان والنذور في رجل حلف أن لا ينفق على امرأته حتى تستأذن عليه يعني ترفعه إلى القاضي وقال أنت حرام إن أنفقت عليك حتى تستأذني علي وقالت هي مالي صدقة إن استأذنت عليك قال مالك: اليمين عليها فإن شاءت أن تقيم وتنفق على نفسها فعلت فإن استأذنت فلتخرج ثلث مالها فتتصدق به قيل له فإن استأذنت فهل على زوجها بأس إن أنفق عليها أكثر من قوتها فإن لم تكن له نية فلا أرى ذلك عليه إن استأذنت عليه قال ابن رشد: وهذا كما قال: لأنه إنما حلف على الإنفاق ولم يكن حلف على الأفضل إذ ليس مما يستأذن عليه فإن استأذنت عليه في الإنفاق لم يكن عليه شيء في الأفضل انتهى.
الثاني: قال البرزلي في أول مسائل الأيمان: وسئل أبو الحجاج بن العربي عمن له حلي وثياب فكساهما زوجته ثم شاجرها فأزالهما ثم أعاد ذلك عليها ثم شاجرها فأزالهما ثم أعادهما وفعل ذلك مرة أخرى فحلفت بصوم العام لا لبستهما وحلف هو بالطلاق لتلبسنهما فمن يلزمه الحنث منهما وهل يلزمها إن أراد ذلك أم لا وهل تحنث بهذا الإكراه أم لا؟

(5/382)


---------------------------
فأجاب: ليس له إجبارها على ذلك فإن أكرهها فأرى أن لا يمنعها من الصوم البرزلي: كان الإكراه عنده غير شرعي فلم لم يعذرها به على أحد القولين فيه لكن المشهور عند ابن رشد أنها تعذر به وفيه قول آخر بخلاف إذا حلفت لتفعلن فمنعها من الفعل فالمشهور الحنث وأما لو كان الإكراه شرعيا فالمشهور أنها لا تعذر به والصواب في هذه المسألة ارتكاب أخف الضررين كمن حلف لا يدخل على زوجته القرابة القريبة غير الأبوين أنه لا يقضى عليه بالدخول بخلاف إذا لم يحلف فإنه يقضى عليه بدخولهم انتهى.
الثالث: قال البرزلي أيضا: وسئل أبو عمران الفاسي عمن حلف لامرأته بطلاقها ألبتة لا أخدمتك إلا خادمي وحلفت هي بعتق خادمها أو صدقة ثلث مالها لا أخدمها إلا خادمها من أولى بالحنث منهما فأجاب بأن الزوج أولى بالحنث البرزلي لما تقرر أن الزوجين إذا اختلفا فيمن يخدم الزوجة هل خادمها أو خادمه فإنه يقضى بخادمها لأنها أعرف بمصالحها وأما إذا لم تكن لها خادم فهو بالخيار بين أن يخدمها بنفسه أو يكري من يخدمها أو يشتري لها خادما يقضي عليه بأحد الأمور الثلاث انتهى.
الرابع: قال في كتاب الهبات من المدونة: ومن لزمه دين لرجل أو ضمان عارية فغاب عليها فحلف بالطلاق ثلاثا ليؤدين ذلك وحلف الطالب بالطلاق ثلاثا إن قبله فأما الدين فيجبر الطالق على قبضه ويحنث ولا يجبر في أخذ قيمة العارية ويحنث المستعير إن أراد ليأخذه مني فإن أراد ليغرمنه له قبله أو لم يقبله لم يحنث واحد منهما والفرق أن الدين لزم ذمته والعارية إنما ضمنها لغيبة أمرها فإنما يقضى بالقيمة لمن طلبها في ظاهر الحكم وله تركها وقد تسقط أن لو قامت بينة بهلاكها انتهى.
الخامس: قال في المدونة: ومن قال لرجل امرأته طالق لقد قلت: لي كذا وكذا وقال الآخر امرأته طالق إن كنت قلته فليدينا ويتركا إن ادعيا يقينا قال ابن ناجي: ما ذكره هو المعروف ونقل ابن التلمساني عن مالك أن كلا منهما حانث لأن في نفس الأمر واحدا منهما حانث ويتوهم معارضتها بما إذا اختلطت ميتة مع مذكاة فإنهما يحرمان فكان المناسب على هذا طلاقها وأجاب بعض المشارقة بتعيين المحكوم عليه في المذكاة ولذلك لو تعدد مالك الشاتين وكل منهما يدعي ذكاة شاته لكان لكل منهما أكل شاته لتعذر تعيين المحكوم عليه بالتحريم ولفظ الكتاب محتمل لليمين وعدمه وفيه خلاف وظاهر الكتاب أنهما إن شكا أو ظنا أنهما يحنثان وفي كتاب العتق الأول في العبديين شريكين فقال أحدهما هو حر إن دخل المسجد وقال الآخر هو حر إن لم يدخله فليدينا وليتركا إن ادعيا يقينا فإن شكا عتقا عليهما قال ابن القاسم بغير قضاء وقال غيره بل بالقضاء المغربي ويجري القولان هنا انتهى.

(5/383)


وإن شهد شاهد بحرام، وآخر ببتة، أو بتعليقه على دخول دار في رمضان وذي الحجة
---------------------------
تنبيه: من حلف على رجل ليأكلن بر بثلاث لقم وقيل إن كان أول الطعام ليبرئه الثلاث وإن كان في آخره أبرأته انتهى. من البرزلي وقال أيضا:
مسألة: إذا حلف لغريمه بالطلاق على حقه لا بد أن يأخذه فعثر له على قدر حقه فأخذه بر في يمينه إن لم يؤتمن عليه البرزلي فلو ائتمن لمن يسأله أخذه فكذلك ومن منع فلا ومن يكرهه ففي بره بذلك نظر وقال:
مسألة: إذا حلف لابنه لا كلمه حتى يطلق زوجته يبرأ بطلقة واحدة لكن لا يكلمه حتى تنقضي عدتها البرزلي ظاهر المذهب أن مطلق الطلاق كاف وإن ارتجعها لأن المقصود وقوع ذلك في العصمة وقد حصل انتهى. ص: "وإن شهد شاهد بحرام وآخر ببتة" ش: قال: البرزلي في أثناء مسائل الأيمان قال في المدونة: وإن شهد أحدهما بألبتة والآخر بقوله أنت علي حرام أو بالثلاث لزمه الثلاث وكذلك واحد بخلية وآخر ببرية أو بائن وإذا اختلفت الألفاظ وكان المعنى واحدا كانت شهادة واحدة وأخذ من هذا العموم إذا شهد أحدهما بالأيمان اللازمة والآخر بالحلال عليه حرام أنها تلفق وأما لو شك الشهود هل حنث بهذا أو بهذا فكان شيخنا الإمام يفتي بعدم اللزوم لشك الشهود في اليمين وظاهره أنه لا يمين وأعرف للخمي في باب تلفيق الشهادة ما يدل على اليمين انتهى. كلامه وانظر قوله: "وأخذ من هذا العموم إذا شهد أحدهما بالأيمان اللازمة والآخر بالحلال عليه حرام أنها تلفق مع ما قاله في أول مسائل الطلاق في أثناء كلامه على مسألة سئل عنها ابن رشد متضمنة لمسائل ونصه سئل ابن رشد ما تقول فيمن سأله عدل عن زوجته فقال لا تحل لي قال: له لم ذلك قال: لأني طلقتها ثلاثا وشهد عليه آخر مقبول أنه قال: لهذه الزوجة الأيمان تلزمني إن كنت لي زوجة أبدا هل تلفق الشهادة أم لا فأجاب أما مسألة لا تحل لي امرأتي أبدا إلى آخرها فهي مختلفة الشهادة لا تلفق فإن كذب الشاهدين حلف على تكذيب كل منهما ويبقى مع زوجته" انتهى. فتأمله ذلك والله أعلم. ص: "أو بتعليقه على دخول دار في رمضان وذي الحجة" ش: قال في المدونة: وإن شهد أحدهما أنه قال: في رمضان إن دخلت دار عمرو بن العاص فامرأتي طالق وشهد آخر أنه قال: ذلك في ذي الحجة وشهدا عليه هما أو غيرهما أنه دخلها بعد ذي الحجة طلقت عليه قال أبو الحسن: هذه شهادة على تعليق الطلاق واختلف موضع عقد اليمين

(5/384)


أو بدخولها فيهما أو بكلامه في السوق والمسجد، أو بانه طلقها يوما بمصر ويوما بمكة، لفقت كشاهد بواحدة وآخر بأزيد، وحلف على الزائد وإلا سجن حتى يحلف، لا بفعلين أو فعل وقول كواحد بتعليقه بالدخول وآخر بالدخول،
-----------------------------
انتهى ص: "أو أنه طلقها يوما بمصر ويوما بمكة" ش: وعدتها من يوم شهد الآخر لأن بشهادته وقع الحكم بالطلاق والعدة تتعقب الطلاق المحكوم به لا تتقدم عليه ص: "لا بفعلين" ش: يعني أن الشهادة إذا كانت بفعلين لا تلفق يريد إذا كانا من جنسين وأما إذا كانا من جنس واحد فنلفق كما تقدم فيمن حلف أنه لا يكلم زيدا فشهد واحد أنه كلمه في السوق وآخر أنه كلمه بالمسجد والله أعلم. قال الشيخ أبو الحسن في أواخر كتاب الأيمان بالطلاق عن

(5/385)


وإن شهدا بطلاق واحدة، ونسياها لم تقبل وحلف ما طلق واحدة، وإن شهد ثلاثة بيمين ونكل فالثلاث،
------------------------------
القاضي عياض ما نصه مذهب الكتاب هنا أن لا تلفق الشهادة بالطلاق على الأفعال المختلفة كشاهد على الحالف على دخول الدار وآخر على الحالف على كلام زيد انتهى. وقال في المدونة وإن شهد أحدهما أنه حلف بالطلاق أن لا يدخل الدار وأنه دخل وشهد الآخر أنه حلف لا يكلم فلانا وأنه كلمه لم تطلق عليه ويلزم الزوج اليمين أنه لم يطلق وإن نكل سجن كما ذكرنا وفي قول مالك الآخر إن نكل طلقت عليه أبو الحسن عن ابن يونس يريد تطليقتين انتهى. وكذلك أيضا إذا شهد عليه واحد أنه قال: إن دخلت الدار فأنت طالق ويشهد الآخر أنه قال: إن كلمت زيدا فأنت طالق وشهد عليه هما أو غيرهما فالمنصوص في المذهب أنها لا تطلق وظاهر ما وقع لمالك في كتاب القذف أنها تلفق والله أعلم. ص: "وإن شهدا بطلاق واحدة ونسياها لم تقبل وصله ما طلق واحدة" ش: تصوره واضح.
فرع: قال البرزلي في مسائل الأيمان في أثناء الكلام على مسألة من أقر بفعل ثم حلف ما فعلت ونقل عن الرماح أنه إذا كان بحضرة رجلين وسمع من أحدهما الطلاق وشك في أحد الرجلين فلا يشهد حتى يتحقق أحد الرجلين وظاهره أن لا يمين على واحد منهما وأعرف للخمي في باب تعليق الشهادة ما يدل على اليمين فعلى هذا يرفع ويوجب اليمين قبلهما معا.

(5/386)


فصل التفويض في الطلاق
إن فوضه لها توكيلا فله العزل إلا لتعلق حق لا تخييرا أو تمليكا وحيل بينهما حتى تجيب ووقفت، وإن قال إلى سنة متى علم فتقضي وإلا أسقطه الحاكم
-------------------------
فصل
ص: "إن فوضه لها توكيلا فله العزل إلا لتعليق حق لا تخييرا أو تمليكا" ش: لما كان إيقاع الطلاق ينقسم إلى قسمين إما بمباشرة الزوج أو بتفويضه لغيره في إيقاعه ولما فرغ المصنف من الكلام على القسم الأول أتبعه بالكلام على الثاني أعني التفويض وهو على ثلاثة أقسام توكيل وتمليك وتخيير لأن التفويض رد الأمر إلى الغير يقال فوض الأمر إليه إذا رده إليه والفرق بين التوكيل وغيره أن الوكيل يفعل ذلك على سبيل النيابة عمن وكله والمملك والمخير إنما يفعلان ذلك عن نفسهما لأنهما ملكا ما كان يملكه الزوج وأما الفرق بين التخيير والتمليك فقيل أمر عرفي لا مشاركة للغة فيه فقولهم في المشهور كما سيأتي أن للزوج أن يذكر المملكة دون المخيرة إنما هو أمر مستفاد من العرف وعلى هذا ينعكس الحكم بانعكاس العرف وقيل هو وإن كان تابعا للعرف إلا أن العرف موافق للغة أو قريب منها لأن التمليك إعطاء ما لم يكن حاصلا فلذلك قلنا إن للزوج أن يناكرها لأن الأصل بقاء ملكه بيده فلا يلزمه إلا ما اعترف بأنه أعطاه وأما التخيير فقال أهل اللغة خير فلانا بين الشيئين إذا جعل له

(5/387)


وعمل بجوابها الصريح في الطلاق،
-----------------------------
الخيار فيكون تخيير الزوجة معناه أن الزوج فوض إليها البقاء على العصمة والذهاب عنها وذلك إنما يتأتى لها إذا حصلت على حال لا يبقى للزوج عليها حكم وإنما يكون ذلك بعد الدخول في إيقاع الثلاث انظر التوضيح وابن عبد السلام وقال ابن عرفة: النيابة فيه توكيل أو رسالة وتمليك وتخيير التوكيل جعل إنشائه بيد الغير باقيا منع الزوج منه فله العزل قبله اتفاقا ورسم الوكالة في كتابها فإن كان لاثنين توقف على اجتماعهما والرسالة جعل الزوج إعلام الزوجة بثبوته لغيره وإن كان لاثنين كفى أحدهما ثم قال: والتمليك جعل إنشائه حقا لغيره راجحا في الثلاث يحضر بما دونها بنية أحدهما والتخيير جعل الزوج إنشاء الطلاق ثلاثا حكما أو نصا عليها حقا لغيره انتهى. وفي جعله الرسالة داخلة في النيابة في الطلاق نظر لأنه ليس فيها إلا النيابة في التبليغ لا في إيقاع الطلاق إلا أن يريد بقوله النيابة فيه ما هو أعم من النيابة في إيقاعه أو تبليغه وقوله في حد التخيير أو نصا عليها أي على الثلاث وقال في التمليك الصيغة كل لفظ دل على جعل الطلاق بيدها أو بيد غيرها دون تخيير كقوله أمرك بيدك وطلقي نفسك وأنت طالق إن شئت وطلاقك بيدك وفي الموازية وغيرها ملكتك وفي العتبية وليتك أمرك ثم قال: في التخيير صيغته فيها اختاري أو اختاري نفسك وروى محمد أو طلقي نفسك ثلاثا أو اختاري أمرك انتهى. ص: "وعمل بجوابها الصريح" ش: يعني أن المملكة والمخيرة إذا أجابت بجواب صريح في الطلاق فإنه يعمل به قال: في المتيطية فإذا لفظ بالتمليك فلا تخلو المملكة من أن تجيب الطلاق في واحدة أو في ألبتات أو بلفظ يدل عليه أو بجواب يحتمل أن يريد به بعض الطلاق أو كله أو شيئا غيره أو تسكت عنه فأما إجابتها بصريح الطلاق الثلاث أو بلفظ يدل عليه مثل أن تقول قبلت نفسي أو اخترتها أو أبنتها أو حرمتها فينفذ عليه إن سكت أو أنكره ولم يدع نية ولا تحل له أبدا إلا بعد زوج ولا يلتفت إلى قولها أنها أرادت به واحدة وأما إجابتها بلفظ يشكل فلا يدري أرادت به الطلاق كله أو بعضه أو لم ترد به شيئا فإنها تسأل وكذلك أن قالت وهي غير مدخول بها خليت سبيلك فإنها تسأل كم أرادت انتهى.
تنبيه: قال: في المتيطية إذا وقع طلاق المملكة قبل الدخول فلها النصف من صداقها بخلاف المعتقة تختار نفسها قبل البناء تلك لا صداق لها والتخيير مثله والطلاق بالتمليك إذا كان بعد البناء رجعي إلا أن يملكها على مال فيكون بائنا كالخلع انتهى. وفي الشامل في ذلك

(5/388)


كطلاقه ورده كتمكينها طائعة ومضي يوم تخييرها وردها بعد بينونتها، وهل نقل قماشها ونحوه طلاق أو لا تردد،
--------------------------
قولان ونص في أول التخيير من المدونة على أن له الرجعة ص: "كطلاقها" ش: كذا في بعض النسخ أي كطلاقها نفسها بأن تقول طلقت نفسي أو أنا طالق أو بنت منك أو بنت مني وفي بعض النسخ كطلاقه أي كما لو قالت له طلقتك ص: "ورده" ش: أي رد ما جعل لها من التمليك والتخيير كقولها رددت إليك ما جعلته لي أو لا أقبله ص: "كتمكينها طائعة" ش: فلو لم تكن طائفة كانت على خيارها قال في التوضيح: وأحرى إذا كانت غير عالمة ويعاقب الزوج في فعله نص عليه في المدونة وهو وإن كان في المدونة إنما نص على المعاقبة في التخيير والتمليك مساو له في ذلك ثم قال: فإن ادعى على المملكة العلم فالقول قولها وإن أعلمها فأمكنته وادعت الجهل لم تعذر فإن اختلفا في الإصابة فالقول قولها إلا أن تكون هناك خلوة وإن أصابها وقالت أكرهني فالقول قوله مع يمينه بخلاف إذا قبلها فالقول قولها مع يمينها انتهى.
تنبيه: فهم من كلام التوضيح أنها إذا مكنته من مقدمات الوطء سقط خيارها وهو كذلك قال: اللخمي قال: أصبغ وإن رضيت بالخلوة وإرخاء الستور أو غلق الباب مما يمكن فيه الوطء فقد سقط ما بيدها إذا زعم أنه أصاب وإن قبلها وقالت أكرهني أو اغتفلني وقال أطاعت كان القول قولها مع يمينها بخلاف الوطء فإنه لا يكون إلا على هيئة وصفة وهذا كالحضرة يكون عن غفلة انتهى. ثم قال: في مسألة ما إذا خيرها أو ملكها ثم أبانها ثم تزوجها

(5/389)


وقبل تفسير: قبلت، أو قبلت أمري، أو ما ملكتني: برد أو طلاق أو بقاء، وذكر مخيرة لم تدخل ومملكة مطلقا إن زادتا على الواحدة إن نواها،
-----------------------------
إن خيارها يسقط قال: لأن مضمون التزويج الرضا بالإصابة وبه يستحق الصداق والرضا بذلك يسقط ما بيدها ولو رضيت بالإصابة قبل الطلاق لسقط ما بيدها وإن لم يصب انتهى. ص: "وقبل تفسير قبلت أو قبلت أمري أو ما ملكتني برد أو طلاق أو بقاء" ش: قال: في آخر كتاب التخيير من البيان فيمن جعل أمر امرأته بيدها فقالت قد فرغت أو جعله بيد رجل فقال إن ذلك مثل قولها قبلت قال ابن رشد: لأن قولها قد فرغت من الألفاظ المحتملة للطلاق وعدمه فوجب سؤالها عن إرادتها بذلك مثل إذا قال قد شئت أو قد رضيت وقد قبلت أو قد اخترت وما أشبه ذلك انتهى. بالمعنى.
فرعان: الأول: قال في المنتقى: فإن قالت قبلت أمري في المجلس ولم تفسر ذلك حتى حاضت ثلاث حيض أو وضعت حملها ثم قالت أردت بذلك طلقة واحدة قبل قولها بغير يمين ولا رجعة للزوج عليها قاله في النوادر: ومعنى ذلك أن قولها قبلت أمري محتمل للطلاق فإذا فسرته بالطلاق قبل ذلك منها ولم يكن عليها يمين كما لو فسرته في العدة وإذا فسرته بعد العدة فقد انقضى وقت الرجعة والزوج ضيع حقه حين لم يوقفها ويستفسر قولها.
الثاني: لو أجابت المرأة بغير ألفاظ الطلاق عندما ملكها لم يقبل منها أنها أرادت بذلك الطلاق لأنها مدعية وكذلك تمليك العتق انظر ابن يونس ص: "وناكر مخيرة لم تدخل ومملكة مطلقا إن زادت على طلقة" ش: قال في المدونة: وإن خيرها قبل البناء فقالت قد اخترت نفسي أو طلقت نفسي ثلاثا أو قالت له قد خليت سبيلي تريد بذلك الثلاثة فله أن يناكرها فإن لم يرد بذلك إلا واحدة صدق لأن الواحدة تبينها والخيار والتمليك فيها سواء

(5/390)


وبادر وحلف إن دخل وإلا فعند الارتجاع،
---------------------------
انتهى وقوله إن زادت على طلقة قيد للمخيرة التي لم تدخل وفي المملكة مفهومه أنهما لو لم يزيدا على واحدة لم يكن له مناكرتهما وهو كذلك أما المملكة فواضح وأما المخيرة فعدم المناكرة يقتضي أنه لا يبطل ما لها من التخيير إذا لم تقض بالثلاث قال ابن عبد السلام: وهو الظاهر لأن المخيرة التي لم تدخل بمنزلة المملكة انتهى. منه بالمعنى ولأنها أيضا تبين بالواحدة وهو المقصود ومن طالع مسائل كتاب التخيير من البيان علم هذا.
مسألة: إذا قارن التخيير والتمليك خلع فهل له المناكرة فيما زادت على الواحدة فقال في رسم سعد في الطلاق من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك قال مالك: إذا أعطت المرأة زوجها شيئا على أن يخيرها ففعل فاختارت نفسها فهي ثلاث ألبتة وليس هو بمنزلة التمليك قال ابن رشد: اختلف قول مالك في الرجل يملك امرأته أو يخيرها على شيء تعطيه إياه فمرة رأى التخيير في ذلك جاريا على سنة لا تأثير لما أعطته من المال في شيء من ذلك لأنها إنما أعطته المال على أن يملكها ويخيرها فإذا ملكها أو خيرها وجب له المال وكان لها هي في ذلك سنة الخيار والتمليك وهو قوله في هذه الرواية فإن خيرها فقضت بالثلاث لم يناكرها وإن قضت بدونها لم يكن لها شيء وإن ملكها فقضت بما فوق الواحدة كان له أن يناكرها وتكون له الرجعة ومرة رآها بما أعطته من المال في حكم المملكة والمخيرة قبل الدخول لأنها تبين بالواحدة بسبب المال كما تبين المطلقة قبل الدخول بواحدة بسبب أنه لا عدة عليها فيكون له أن يناكرها في التخيير والتمليك إن قضت بما فوق الواحدة وتكون طلقة بائنة وعلى هذا القول يأتي قول ابن القاسم في رسم أوصى ورسم إن خرجت من سماع عيسى وعليه قيل إن من أعطته امرأته شيئا على أن يطلقها ثلاثا فطلقها واحدة أنه لا حجة له في ذلك إذ قد نالت بها ما نالت بالثلاث إذ هي بائنة انتهى.
مسألة: قال البرزلي في مسائل الأيمان: وسئل ابن أبي الدنيا عمن خالع زوجته وقال لها إثر الخلع أمرك بيدك فأجاب إن نسق كلامه بذلك لزمه وإن كان بعد انقضاء كلامه فلا شيء عليه البرزلي يريد في إيقاع طلاق آخر إن أرادته انتهى. ص: "وبادر" ش: تصوره واضح ولا يدخله الخلاف الذي في المرأة ببطلان خيارها في المجلس لأن سكوت الزوج التزام

(5/391)


ولم يكرر أمرها بيدها إلا أن ينوي التأكيد كنسقها ولم يشترط في العقد وفي حمله على الشرط إن أطلق قولان وقبل إرادة الواحدة بعد قوله لم أرد طلاقا والأصح خلافه:
---------------------------
لما قضت قاله في التوضيح ص: "ولم يكرر أمرها بيدها إلا أن ينوي التأكيد" ش: في ذكر هذا الشرط نظر فإن حكمه موافق لما إذا لم يكرر ذلك فلو أتى به المصنف على صيغة المبالغة فقال: "وإن كرر أمرها بيدها" لكان أحسن لأنه يصير المعنى حينئذ إذا نوى الواحدة فله نيته وإن كرر لفظ التمليك والله أعلم.
تنبيهان: الأول: قال في التوضيح: ولا فرق بين أن يعطف تمليكه أم لا انتهى.
الثاني: من شرط المناكرة أن لا يقول لها كلما شئت فأمرك بيدك فإن قال لها ذلك فلا مناكرة قاله ابن الحاجب ولو أشار المصنف لهذا الشرط لكان أحسن من الذي ذكره لأنه لا فائدة: فيه كما تقدم بيان ذلك فتأمله والله أعلم. ص: "ولم يشترط في العقد" ش: أما اشتراطه عليه في العقد فلا مناكرة له دخل أم لا.

(5/392)


ولا نكرة له إن دخل في تخيير مطلق وإن قالت طلقت نفسي سئلت بالمجلس وبعده فإن أرادت الثلاث لزمت في التخيير وذكر في التمليك وإن قالت واحدة بطلت في التخيير وهل يحمل على الثلاث أو الواحدة عند عدم النية؟ تأويلان والظاهر سؤالها إن قالت طلقت نفسي أيضا وفي جواز التخيير قولان،
-----------------------
تنبيهان: الأول: إذا شرط عليه التمليك في أصل العقد فطلقت نفسها واحدة بعد البناء فله الرجعة وقال سحنون وغيره لا رجعة لأن ذلك مشترط ابن عات لأنه راجع إلى الخلع لأنها أسقطت من صداقها لشرطها قال: قوله في المدونة جار على أصولهم انتهى. من التوضيح.
الثاني: قول المصنف في العقد أحسن من قول ابن الحاجب عند نكاحه أو قبله والله

(5/393)


وحلف في اختياري واحدة أو في أن تطلقي نفسك طلقة واحدة لا اختاري طلقة وبطل إن قضت بواحدة في اختاري تطليقتين أو في تطليقتين ومن تطليقتين فلا تقضي إلا بواحدة وبطل في المطلق إن قضت بدون الثلاث:
----------------------
أعلم ص: "وحلف في اختاري في واحدة أو في أن تطلقي نفسك طلقة واحدة لا اختاري طلقة" ش: قال في التوضيح: إن قال اختاري في واحدة فلا خلاف في وجوب اليمين أنه ما أراد إلا واحدة لا أنك تختاري في مرة واحدة وإن قال اختاري من الطلاق واحدة أو من الطلاق طلقة أو اختاري طلقة فلا يمين عليه بلا خلاف واختلف في وجوب اليمين إذا قال في أن تطلقي نفسك طلقة واحدة وفي أن تقيمي على قولين ونسب اللخمي وجوب اليمين لابن القاسم وعدم اليمين أحسن انتهى. ص: "وبطل إن قضت بواحدة في اختاري تطليقتين أو في تطليقتين" ش: مفهوم قوله إن قضت بواحدة أنها لو قضت بأكثر مما عين لها لا يبطل ما لها من التخيير وهو كذلك إلا أنه لا يلزمه ما عينه ويلغي ما زادته قال ابن عسكر في الإرشاد وإن عين لها عددا فزادت ألغى الزائد قال: التتائي في شرحه لهذا المحل كما إذا قال اختاري تطليقتين أو في تطليقتين فطلقت ثلاثا ألغى الزائد ولو قضت بواحدة بطل خيارها انتهى. وقال سيدي الشيخ أحمد زروق في شرحه لهذا المحل أيضا كما لو قال: اختاري طلقة أو طلقتين فطلقت ثلاثا ألغى الزائد والله أعلم. ص: "وبطل في المطلق إن قضت بدون الثلاث" ش:

(5/394)


كطلقي نفسك ثلاثا،
----------------------
اختلف فيما يوجبه التخيير على ستة أقوال قال في التوضيح: أشهرها مذهب الكتاب أن اختيارها ثلاثا ولا مناكرة للزوج نوت المرأة الثلاث أم لا وإن قضاءها بدون الثلاث لا حكم له ولا يقع شيء ثم اختلف هل ذلك مسقط لخيارها لعدولها عمل جعل لها وهو المشهور أو لا ولا يكون لها بعد ذلك أن تقضى بالثلاث وهو قول أشهب قال ابن المواز متمما للمشهور وما لم يتبين منه الرضا بما أوقعت فيلزم ذلك وهل اللزوم فيما أوقعته من باب الطلاق بالنية أو لا تردد انتهى. مختصرا من الموضعين من التوضيح وقال ابن عرفة: ولو قضت المدخول بها بطلقة فقال اللخمي عن محمد إن رضيها الزوج كانت رجعية وإلا ففي سقوط اختيارها وبقائه ثالثها تجب بها الثلاث للمشهور مع الأكثر وأشهب مع الشيخ عن روايته واللخمي عن عبد الملك وصوب الثاني: انتهى. وظاهر كلامه في المدونة أنه مخالف لما نقله اللخمي عن محمد إلا أن يفسر به ونصه وإن طلقت دون الثلاث لم يلزمه شيء انتهى.
تنبيهات: الأول: قال في المتيطية: إنها إذا أوقعت دون الثلاث وكان سبق له فيها من الطلاق ما يكمل الثلاث أن ذلك كإيقاع الثلاث وهو ظاهر ونصها وإن خيرها مطلقا فاختارت تطليقتين لم يلزمه شيء ولا يقع عليها طلاق إلا أن يتقدم له فيها طلقة فإن تقدم له فيها طلقة بانت الآن بالتطليقتين اللتين أوقعتهما ثم قال: وسئل ابن عتاب عمن خير امرأته فاختارت طلقة واحدة وقد كان طلقها طلقتين فقال قد بانت منه بألبتة ولا تحل له إلا بعد زوج وفي كتاب ابن المواز ما يدل على ذلك قال أبو الأصبغ: وهذا عندي صحيح لا يتوجه فيه خلاف انتهى.
الثاني: فهم من قول المصنف إن قضت بدون الثلاث أنها لو قضت بأكثر من الثلاث لم يبطل ذلك ولزمه الثلاث وهو ظاهر مما تقدم في كلام صاحب الإرشاد وشارحيه والله أعلم.
الثالث: قال ابن ناجي: إثر كلام المدونة المتقدم ويقوم منها أن الحاضنة إذا رضيت بأخذ بعض الأولاد دون بعض فإنه ليس لها ذلك ووجه الإقامة أنه جعل هنا الجزء من الجملة لا يستقل فيلزم إطراده انتهى. من أول كتاب التخيير.
فرعان: الأول قال في المدونة: قال مالك: وإن قال لها اختاري أباك أو أمك أو كانت تكثر التردد إلى الحمام أو الغرفة فقال لها اختاريني أو اختاري الحمام أو الغرفة فإن لم يرد بذلك طلاقا فلا شيء عليه انتهى. قال ابن ناجي: يريد بقوله لا شيء عليه أي مع يمينه كما قال: في كتاب محمد انتهى. ثم قال في المدونة: وإن أراد بذلك الطلاق فهو الطلاق قال ابن القاسم ومعنى قوله إن أراد به الطلاق فهو الطلاق وإنما ذلك إذا اختارت الشيء الذي خيرها

(5/395)


ووقفت إن اختارت بدخوله على ضرتها ورجع مالك إلى بقائهما بيدها في المطلق ما لم توقف أو توطأ كمتى شئت
------------------------------
فيه بمنزلة ما لو خيرها في نفسها فإن لم تختر ذلك فلا شيء لها انتهى. قال ابن ناجي: ولم يبين في الكتاب ما الذي يلزمه من الطلاق وقال اللخمي إن أراد الطلاق ولم ينو عددا لزمه الثلاث وإن قال نويت واحدة فقيل يلزمه الثلاث قاله ابن القاسم وقيل واحدة قاله أصبغ وهو أشبه.
الثاني: قال فيها: وإن قال لها أمرك بيدك وأراد ثلاثا فطلقت نفسها واحدة فذلك لها وتلزمه طلقة وله الرجعة انتهى. ص: "ووقفت إن اختارت بدخولها على ضرتها" ش: هكذا قال في المدونة: وقال سحنون في المجموعة ليس لها قضاء لأنها أجابت بغير ما جعل لها وعورض قوله في المدونة بقوله إنها إذا طلقت واحدة بطل خيارها ووجه المعارضة أن كلا منهما أخذت بعض حقها وأسقطت بعضا فإن كان إسقاطها للبعض مقتضيا لسقوط حقها فهو سقوط فيهما كما قال سحنون: وإلا فلا وأجيب بأنها في مسألة طلاقها واحدة تركت بعض ما جعل لها وللزوج فيه غرض لأنها إذا وقعت الثلاث سقطت عنه نفقة العدة فصارت لذلك الواحدة كأنها أمر آخر بخلاف الثانية فإنها لم تترك شيئا للزوج فيه غرض وإنما وقفت لحق الله في إبقاء العصمة على الشك قاله في التوضيح.
فرع: قال: اللخمي فإن لم توقف حتى دخل على ضرتها وقع الطلاق بالاختيار المتقدم وإن وطئها قبل ذلك لم يسقط الحكم المتقدم وإن أرادت بعد قولها الأول أن تقضي الآن لم يكن لها ذلك إلا برضا الزوج إذا كان قد أجاز قولها الأول ص: "ورجع مالك إلى بقائهما بيدها في المطلق ما لم توقف أو توطأ كمتى شئت" ش: أي ورجع مالك إلى بقاء التخيير والتمليك بيد الزوجة في التخيير والتمليك العاري عن التقييد بالزمان أو بالمكان أو بما يدل على الإطلاق ما لم يوقفها الحاكم ويلزمها بإيقاع الطلاق أو ردد ذلك إلى الزوج فإن لم تفعل

(5/396)


وأخذ ابن القاسم بالسقوط وفي جعل إن شئت أو إذا كمتى أو كالمطلق؟ تردد كما إذا كانت غائبة وبلغها وإن عين أمرا تعين وإن قالت اخترت نفسي وزوجي أو بالعكس فالحكم للمتقدم،
---------------------
أسقطت من يدها كما تقدم في قوله: "ووقفت" وإن قال إلى سنة متى علم فتقضي أو ترد إلا أن يسقط الحاكم وقوله: "أو توطأ" يعني أن المملكة والمخيرة إذا مكنت الزوج من وطئها بطل ما بيدها وهذا القول رجع إليه مالك بعد أن كان يقول إنهما إذا تفرقا من المجلس أو طال المجلس بهما حتى يرى أنهما قد تركا ذلك وخرجا من الكلام الذي كانا فيه إلى غيره بطل وأما إن ملكها وأسرع القيام عنها لم يسقط خيارها بلا خلاف كما أنه لا يختلف في أن ذلك بيدها وإن افترقا أو طال المجلس إذا قال لها أمرك بيدك متى شئت ما لم توقف وإليه أشار بقوله: "كمتى شئت" واختلف إذا وطئها هل يقطع وطؤه خيارها وهو قول ابن القاسم أو لا يقطعه وهو مذهب أصبغ قال في التوضيح: ولا خلاف أنه لو نص المخير أو المملك على أن ذلك لا يكون للمرأة إلا إن اختارت في الحال أو نص على أن ذلك بيدها وإن تفرقا أنه يعمل على ذلك ص: "وأخذ ابن القاسم بالسقوط" ش: قال في المدونة: وعليه جماعة الناس قال المتيطي: وبه القضاء وعليه جمهور أصحاب مالك انتهى. قال في التوضيح: ونقل أشهب أن مالكا إنما قال: ببقائه إن انقضى المجلس مرة ثم رجع عنه إلى أن مات انتهى. ص: "وهما في

(5/397)


وهما في التنجيز لتعليقهما بمنجز وغيره: كالطلاق ولو علقهما بمغيبه شهرا فقدم ولم تعلم وتزوجت فكالوليين وبحضوره ولم تعلم، فهي على خيارها، واعتبر التنجيز قبل بلوغها وهل إن
-----------------------------
التنجيز لتعلقهما بمنجز وغيره كالطلاق" ش: تصوره واضح.
فرع: قال اللخمي: وإن قال لامرأته إن تزوجتك فلك الخيار أو كلما تزوجتك أو كل امرأة أتزوجها لزمه وليس بمنزلة قوله كل امرأة أتزوجها طالق لأن التمليك لا يحرم النكاح وقد تختار البقاء معه بل الغالب أن المرأة إذا تزوجت الرجل لا تختار فراقه بحضرة العقد وقربه انتهى. ص: "واعتبر التخيير قبل بلوغها" ش: هذه المسألة في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك وقال في المنتقى: ومن خير امرأته وهي مغمورة جاز

(5/398)


ميزت أو متى توطأ؟ قولان، وله التفويض لغيرها، وهل له عزل وكيله؟ قولان وله النظر، وصار كهي: إن حضر أو كان غائبا قريبة
----------------------------
قضاؤها عليه لأنه رضي بذلك لنفسه ولو كانت مفيقة ثم أصابها ذلك لم يلزمه قضاؤها قاله عبد الملك في المجموعة ووجهه أنه إنما رضي قضاءها على ما علم من حالها وعقلها فلما ذهب ذلك لم يلزمه ما قضت به على غير تلك الصفة انتهى. ص: "وهل إن ميزت أو حتى توطأ قولان" ش: القولان في تفسير قول مالك إذا كانت قد بلغت في حالها ورجح في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك التفسير الأول والله أعلم. ص: "وهل له عزل وكيله قولان" ش: قال: الشارح في الوسط في شرح قول المصنف وله التفويض لغيرها وهل له عزل وكيله؟ قولان قوله: "وله التفويض لغيرها" هذا هو المشهور وهو مذهب المدونة وقال أصبغ ليس له تفويض أمر امرأته لغيرها ويرجع الأمر إليها فإما قضت أو ردت وعلى الأول فهل للزوج عزل الوكيل إذا أراد ذلك وهو قول مالك في المبسوط ونحوه في المدونة أو لا ونحوه لعبد الملك؟ وإلى ذلك أشار بقوله وهل له عزل وكيله قولان انتهى. ونحو هذا الشرح في الصغير وهو أخذها لأن الشارح حمل كلام المصنف على أن الخلاف في المملك يبين ذلك كلامه في الكبير ونصه واختلف هل يجوز للزوج أن يفوض أمر امرأته لغيرها أم لا فالمشهور وهو مذهب المدونة جواز ذلك وقال أصبغ ليس له ذلك وإذا قلنا

(5/399)


كاليومين لا أكثر فلها، إلا أن تمكن من نفسها، أو يغيب حاضر ولم يشهد ببقائه فإن أشهد ففي بقائه بيده أو ينتقل للزوجة قولان، وإن ملك رجلين، فليس لأحدهما القضاء إلا أن يكونا رسولين.
------------------------
بجوازه فهل للزوج أن يعزل الوكيل إذا أراد ذلك أو لا؟ حكى الباجي في ذلك قولين: الأول أنه ليس له ذلك وهو قول مالك في المبسوط قال الشارح: قلت: وهو مذهب المدونة قال: وروى ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن قال: لأم زوجته إن تكاريت لابنتك وخرجت بها من القرية فأمرها بيدك فتكارت لها لتخرجها فأبى وبدا له فقال ذلك له ولا شيء عليه وإلى هذا الاختلاف أشار بالقولين إلا أن الباجي تأول القول الثاني: بما يدل على أنه رده للأول فقال ومعنى ذلك عندي له الرجوع في سبب التمليك وهو بأن يمنع أمها من الخروج بها ولو أخرجتها لم يكن له الرجوع في التمليك انتهى. ويمكن حمل كلام الشيخ على الوكيل الحقيقي الذي هو قسيم المملك والمخير وقد نقل المصنف في التوضيح في باب الوكالة أن في عزل الوكيل عن الطلاق قولين وذكر ذلك عن اللخمي وعبد الحق وغيرهما وعلى هذا فيكون معنى كلام المصنف وللزوج تفويض الطلاق لغير الزوجة بأنواع التفويض الثلاثة السابقة فإن فوض ذلك على سبيل التوكيل ففي عزله للوكيل قولان ويفهم منه أنه لو فوضه للغير تمليكا وتخييرا لم يكن له عزله حينئذ وهذا الحمل حسن غير أن فيه مخالفة لما جزم به أول الفصل من أنه إذا فوضه للزوجة توكيلا فله عزلها وإذا كان له عزلها فغيرها أحرى ويمكن حمل كلام المصنف على معنى ثالث وهو أن يكون المراد بقوله: "وله التفويض لغيرها" أي على سبيل التمليك ويكون الضمير في قوله: "وهل له عزل وكيله" عائدا على التمليك والمعنى أنه إذا وكل رجلا على أن يملك زوجته أمرها أو يخيرها فهل له عزله أو لا؟ قولان ويشير بذلك

(5/400)


----------------------------
إلى ما قاله في التوضيح في باب الوكالة ونصه واختلف إذا وكله أن يملك زوجته أمرها هل للموكل أن يعزله فرأى اللخمي وعبد الحق وغيرهما أنه ليس له ذلك قالوا بخلاف أن يوكله على أن يطلق زوجته فإن فيه قولين ورأى غيرهم أنه يختلف في عزله كالطلاق واستشكل المازري الطريقة الأولى بأنه لا منفعة للوكيل في هذه الوكالة وكان الأولى أن يكون له عزله إلا أن يقال لما جعل له تمليك زوجته صار كالملتزم لذلك التزاما لا يصح له الرجوع عنه انتهى. والله أعلم.

(5/401)


فصل في الرجعة
يرتجع من ينكح،
----------------------------
فصل
ص: "يرتجع من ينكح" ش: هذا شروع منه رحمه الله في الكلام على الرجعة والرجعة بفتح الراء وكسرها قال الجوهري: والفتح أفصح وأنكر غيره الكسر وقال ابن عرفة: الرجعة رفع الزوج أو الحاكم حرمة المتعة بالزوجة لطلاقها فتخرج المراجعة انتهى. يريد بالمراجعة ما إذا تزوج من طلقها طلاقا بائنا لأن وإن صح أن يقال ارتجع زوجته وراجعها في المطلقة طلاقا رجعيا إلا أن كثيرا من الفقهاء والموثقين يستعملون في رجعة المطلقة غير البائن لفظ "ارتجع" دون "راجع" لأن الرجعة بيد الزوج وحده وإن كانت بائنا استعملوا "راجع" لكون الحال متوقفا على رضا الزوجين فهي مفاعلة وفي كلام المصنف إشعار بذلك حيث قال"يرتجع" وهو ظاهر المناسبة قال: الشارح في الكبير: إلا أن قوله صلى الله عليه وسلم في قضية ابن عمر "مره فليراجعها" يخالف ذلك انتهى. ونحوه لابن عبد السلام ولا اعتراض بالحديث لأنه ورد بحسب اللغة وهذا اصطلاح الفقهاء ثم قال ابن عرفة: وعلى رأي رفع إيجاب الطلاق حرمة المتعة بالزوجة بعد انقضاء عدتها انتهى. ويشير بذلك إلى الخلاف في الرجعية هل هي محرمة في زمن العدة كما هو المشهور أو مباحة كما في القول الشاذ؟ فالحد الأول جار على المشهور والثاني: جار على الشاذ ثم قال: وقول ابن الحاجب رد المعتدة عن طلاق قاصر عن الغاية ابتداء غير خلع بعد دخول ووطء جائز قبوله ويبطل طرده بتزويج من صح رجعتها بعد .

(5/401)


وإن بكإحرام، وعدم إذن سيد:
---------------------------------
انقضاء عدتها إلا أن الإثم المشتق محكوم عليه لا به انتهى. يعني أن حده غير مانع لدخول من طلقها زوجها طلاقا رجعيا يصح فيه الرجعة ثم لم يراجعها حتى انقضت عدتها فتزوجها لأنه يصدق عليه أنه رد المعتدة فإن المعتدة مشتق محكوم عليه ويشير بذلك إلى ما ذكره القرافي من التفصيل بين أن يكون الوصف محكوما به حقيقة في حال التلبس بالتعلق فقط أو يكون محكوما عليه فيكون حقيقة في الأحوال الثلاثة وقد رد عليه ذلك ابن السبكي وغيره وقالوا التلبس بالمعنى فقط فاندفع السؤال لأنه لا يطلق على المطلقة بعد انقضاء عدتها أنها معتدة إلا مجازا فتأمله وقوله: "من ينكح" هو نحو قول ابن الحاجب وشرط المرتجع أهلية النكاح قال ابن عبد السلام: يريد أن المرتجع والناكح يستويان في الشروط دون انتفاء الموانع فكل ما يشترط في الزوج يشترط في المرتجع وذلك هو العقل انتهى. فعدم اشتراطه البلوغ أحسن من قول المصنف في التوضيح يعني أن المرتجع يشترط فيه أن يكون أهلا للنكاح فلا بد أن يكون عاقلا بالغا انتهى. ونحوه للشارح لأن البلوغ لا حاجة لاشتراطه إذ الطلاق الرجعي لا يتصور من الصبي لأن طلاق غير البالغ لا يلزم وليس لوليه أن يطلق عنه إلا بخلع وأما اشتراط العقل فظاهر كما إذا طلق وهو عاقل ثم حصل له الجنون فارتجع فلا تصح رجعته ص: "وإن بكإحرام ومرض وعدم إذن سيد" ش: اعلم أن الذين يمنعون من النكاح ولا يمنعون من الرجعة خمسة المحرم والعبد والمولى عليه والمريض والمديان إذا قام عليه غرماؤه قاله ابن فرحون وغيره في شرحه وقال في المسائل الملقوطة ستة يرد نكاحهم المحرم والعبد والمفلس والسفيه والمريض والمرتد إلا أن يجيز السيد للعبد والمديان وولي السفيه فهذه الثلاثة تجوز بالإجازة والثلاثة الباقية لا تجوز بالإجازة ويفسخ وإن دخلوا ولهم أن يراجعوا إذا طلقوا طلاقا رجعيا انتهى. وقوله: "والمديان" لعله سقط منه وغرماء المديان أو أطلق المديان على رب الدين وقوله: "فلهم أن يراجعوا" أما الخمسة الأول فذلك ظاهر وقد تقدم أن ذلك لهم في كلام ابن فرحون وأما المرتد فلا لأن بردته تبين منه زوجته والله أعلم. وقوله: "وعدم إذن سيد" يريد وليس لسيد العبد أن يمنعه من الارتجاع قاله في رسم شك من سماع ابن القاسم من طلاق السنة قال ابن رشد: لأن الطلاق الرجعي لا يزيل العصمة وإنما يوجب فيها ثاما يمنع من الوطء انتهى. ولهذا قال: في المتيطية لا تحتاج المرتجعة إلى ولي ولا صداق ولا رضا من المرتجعة انتهى. وقال البرزلي في أواخر كتاب الأيمان وسئل ابن أبي زيد عمن طلق امرأته طلقة رجعية ثم تزوجها بنكاح جديد بشروطه في العدة ودخل بها فأجاب تزويجها رجعة ولا صداق لها إلا الأول ويرجع عليها بالثاني.

(5/402)


طالقا غير بائن في عدة صحيح.
------------------------------
قلت: تجري على مسألة من عرض صدقته ظنا أن ذلك يلزمه فإذا فات الصداق فلا يرجع به على هذا والله أعلم. انتهى. ص: "طالقا غير بائن" ش: احترز بغير البائن من المطلقة طلاقا بائنا فإنه لا رجعة له عليها وله أن يتزوجها في عدتها منه بعقد جديد إذا لم يبلغ الثلاث قال: في كتاب إرخاء الستور من المدونة والخلع طلقة بائنة سماها أو لم يسم طلاقا وتعتد عدة المطلقة وله أن ينكحها في عدته إن تراضيا لأن الماء ماؤه بوطء صحيح إلا أن يتقدم له فيها طلاق ويكون به هذا ثلاثا للحر أو اثنتين للعبد فلا تحل له إلا بعد زوج انتهى. وذكر أبو الحسن أن له الرجعة ولو كانت حاملا إلا أن تثقل بالحمل فلا يجوز له ولا لغيره لأنها تصير كالمريضة انتهى. وفي المتيطية فصل فإن راجع هذا الزوج زوجته المختلعة منه أو المفتدية فلا بد في ذلك من رضاها وولي يعقد عليها وصداق يبذل لها كالنكاح المبتدأ سواء لأنها قد ملكت بالطلاق أمر نفسها فصار هو في ذلك بمنزلة غيره إلا أنه ينفرد بتزويجها في العدة دون من سواه لأن العدة منه والماء ماؤه فلا حرج في ذلك عليه إلا أن تكون مريضة أو حاملا مثقلا قد بلغت ستة أشهر فحكمها حكم المريضة لا يجوز له العقد عليها حتى يزول ذلك المانع منها انتهى. فخرج بقوله: "غير بائن" المختلعة والمطلقة قبل البناء والطلاق المحكوم به والثلاث ص: "في عدة صحيح" ش: قال ابن بشير في كتاب إرخاء الستور من التنبيه وقد يشترط أن يكون النكاح صحيحا فإن كان النكاح فاسدا نظرت فإن كان مما يفسخ بعد الدخول لم تكن فيه رجعة وإن كان مما لا يفسخ ثبتت الرجعة انتهى. وهذا داخل في كلام المصنف لأن الرجعة لا تكون إلا بعد الدخول وهو بعد الدخول لا يطلق عليه أنه فاسد وقال اللخمي في إرخاء الستور الرجعة تصح في النكاح الصحيح والإصابة الصحيحة إذا كان الطلاق بالطوع من الزوج ليس بحكم أوجب ذلك عليه وكذلك إذا كان فاسدا مما الحكم أنه يفوت بالدخول فطلق بعد أن دخل وإن كان مما يفسخ بعد الدخول فطلق قبل أن يدخل أو بعد أن دخل وقبل أن يفسخ لم تكن فيه رجعة انتهى.
وقال ابن رشد في اللباب: الرجعة رد المعتدة عن طلاق قاصر عن الغاية ابتداء غير خلع أوقعه الزوج في نكاح صحيح ووطء جائز أو أوقعه الحاكم لسبب ثم زال ذلك السبب في العدة وأقرت الزوجة ببقائها فلا رجعة له على المبتوتة ولا على المختلعة ولا على التي لم يدخل بها ولا على المنكوحة نكاحا فاسدا ولا على التي طلقها بعد أن وطئها وطئا فاسدا كالتي

(5/403)


حل وطؤه بقول مع نية. كرجعت وأمسكتها،
---------------------------
وطئها وهي حائض وله رجعة من طلقها عليه الحاكم بالإيلاء أو لوجود العيب أو بعدم النفقة إذا أصاب في العدة أو زال العيب أو أيسر فيها انتهى. وقوله: "ابتداء" يعني أن كونه قاصرا عن الغاية إنما يفيد إذا كان الطلاق ابتداء وأما إذا كان قد أوقع قبله من الطلاق ما كمل بالأخير ثلاثا فإنها تبين وقوله: "وعلى التي طلقها بعد إن وطئها وطئا فاسدا" يريد ولم يطأها وطئا صحيحا لا قبله ولا بعده وأما لو وطئها قبله أو بعده وطئا صحيحا فله الرجعة وقوله: "ولوجود العيب" هو قول أبي إسحاق التونسي أن طلاق العيب واحدة رجعية وهو خلاف المشهور المعلوم في المذهب قال ابن عرفة: في عيوب الزوجين وطلاق العيب واحدة بائنة ولو كان بعد البناء حيث تصور وسمع يحيى ابن القاسم إن طلقت امرأة المجنون نفسها فهي طلقة بائنة ابن رشد هذا معلوم المذهب لأن كل طلاق يحكم به الإمام فهو بائن إلا المولى والمعسر بالنفقة وقال التونسي تطليق الإمام على المجنون والمجذوم والمبروص رجعي والإرث بينهما قائم في العدة ومن صح من دائه فله الرجعة وقوله صحيح إلا أنه خلاف المعلوم في المذهب هو نحو سماع عيسى في الأمة تختار نفسها فيموت في عدتها ترجع لعدة الوفاة.
ابن عرفة: في قوله: "المبروص" نظر صوابه الأبرص أو المبرص قال الجوهري: برص الرجل فهو أبرص وأبرصه الله انتهى. ونحوه في المقدمات في كتاب طلاق السنة ووافق التونسي على قوله اللخمي ونقله ابن عرفة في باب الرجعة واقتصر عليه ونصه ولمن طلق عليه لعسر النفقة أو عيب الرجعة إن أيسر في العدة أو ذهب عيبه وإلا فلا إن لم ترض ويختلف إن رضيت فيهما أو في الإيلاء بعدم إصابته ففي صحة رجعته قولا ابن القاسم مع الأخوين في الإيلاء وسحنون فيه وفي المعسر انتهى. وتقدم الكلام على هذا جميعه مستوفيا عند قول المصنف في آخر طلاق السنة "لا لعيب وما للولي فسخه" فراجعه والله أعلم. ص: "حل وطؤه" ش: خرج به الوطء المحرم كالوطء في الحيض والصوم خلافا لابن الماجشون وكالوطء في الدبر ووافق عليه ابن الماجشون قاله في التوضيح وغيره.
تنبيه: قال اللخمي: وإن أصابها في صوم تطوع أو في اعتكاف غير منذور أو منذور في الذمة كانت له الرجعة ليس ذلك الصوم والاعتكاف قد بطل بأول الملاقاة ولا يجب إمساك بقيته فكان تمادية بمنزلة من لان في صوم ولا اعتكاف انتهى. وقال في التوضيح بعد أن ذكر.

(5/404)


أو نية على الأظهر وصحح خلافه أو بقول ولو هزلا في الظاهر لا الباطن، لا بقول محتمل بلا نية، كأعدت الحل ورفعت التحريم، ولا بفعل دونها كوطء ولا صداق، وإن استمر وانقضت لحقها طلاقه على الأصح،
-----------------------------
كلام اللخمي وذهب الباجي إلى أن الخلاف مطلق انتهى. ص: "أو نية على الأظهر بكذا خلافه" ش: قال اللخمي: وإذا لم تصح الرجعة بمجرد النية ثم أصاب بعد ذلك بغير نية لم تصح الرجعة أيضا إذا بعد ما بين النية والفعل أو القول إلا أن يحدث نية عند الإصابة وقال محمد إن نوى الرجعة ثم قبل أو باشر أو ضم فإن فعل ذلك لمكان ما نوى فهي رجعة يريد إذا أصاب ساهيا عن الطلاق المتقدم لم يكن وطؤه رجعة إذا لم تقارنه نية وقد اختلف في النية للطهارة هل من شرطها مقارنة الفعل انتهى. وهذا إذا أصاب زوجته وهو ذاهل عن الرجعة وأما لو أصابها وهو يرى أن رجعته بالنية صحيحة وأنها رجعت إلى عصمته فلا شك أن هذه الإصابة رجعة محدثة صحيحة لاقتران الفعل بالنية لأن وطأه وهو يرى أنه مرتجع رجعة قاله اللخمي في مسألة من قال إذا جاء غد فقد ارتجعتك وسيأتي ذلك عند قول

(5/405)


ولا إن لم يعلم دخول وإن تصادقا على الوطء قبل الطلاق، وأخذا بإقرارهما كدعواه لها بعدها إن تماديا على التصديق على الأصوب، وللمصدقة النفقة، ولا تطلق لحقها في الوطء وله جبرها على تجديد عقد بربع دينار،
---------------------------------------
المصنف: "وفي إبطالها إن لم تنجز كغد" والله أعلم. ص: "ولا إن لم يعلم دخول" ش: قال ابن عرفة: وشرطها ثبوت بنائه بها ومثبتة ما تقدم في الإحلال انتهى. والذي تقدم أنه يثبت بشاهدين على النكاح وامرأتين على الخلوة وتقاررهما على الإصابة ص: "كدعواه لها بعدها" ش: تصوره واضح.
فرع: إذا طلق الرجل امرأته وادعى بعد انقضاء عدتها أنه قد كان راجعها قبل أن تنقضي عدتها وأتى برجعة مكتوبة قبل ذلك بمدة لا يعلم إن كانت قبل الطلاق أو بعده فيقول بعد الطلاق وتقول المرأة قبله من طلاق آخر فيدخل ذلك من الاختلاف ما يدخل في البراءة التي لا يعلم إن كانت متأخرة عن ذكر الحق أو متقدمة عليه انتهى. من رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس والاختلاف في ذلك سيأتي الكلام عليه إن شاء الله مستوفيا في كلام المصنف في باب الإقرار وبيان المشهور فيه فراجعه هناك والله أعلم. ص: "

(5/406)


ولا إن أقر به فقد في زيادة بخلاف البناء، وفي إبطالها إن لم تنجز كغد أو الآن فقط تأويلان، ولا إن قال من يغيب إن دخلت فقد ارتجعتها كاختيار الأمة نفسها أو زوجها بتقدير عتقها بخلاف ذ ات الشرط تقول إن فعله زوجي فقد فارقته
--------------------------------
ولا إن أقر به فقط في زيارة" ش: أي فلا رجعة له واحترز بقوله: "فقط" مما إذا أقرنه في خلوة الاهتداء فإن له الرجعة وهذا القول هو الذي رجحه المصنف في التوضيح هنا وذكر في باب العدة أنه إذا أقر أحد الزوجين فقط فلا رجعة قاله في شرح قول ابن الحاجب وتسقط النفقة والسكنى ولا يجب إلا نصف الصداق ولا رجعة وظاهره أنه لا رجعة مطلقا من غير تفصيل بين خلوة الزيارة والاهتداء وهو أحد الأقوال ولم يحك في باب العدة غيره فتأمله والله أعلم. ص: "وفي إبطالها إن لم ينجز كغد أو الآن فقط تأويلان" ش: يعني أن الرجل إذا لم ينجز رجعة زوجته بأن يقول راجعت زوجتي بل علقها كما لو قال إذا كان غدا فقد ارتجعتك فقال مالك: لا يكون ذلك رجعة فظاهر كلامه أن هذه الرجعة باطلة مطلقا ومن الشيوخ من حمل كلام مالك على ظاهره كعبد الحق ومنهم من قال: مراده لا تكون رجعة الآن وتصح إذا جاء غد فإبطالها إنما هو الآن فقط ولما وجه اللخمي كلام مالك قال عقيبه: وإذا كانت هذه رجعة فاسدة على قوله ثم لم يحدث رجعة ولا أصاب حتى خرجت من العدة بانت وإن أصاب في العدة وهو يرى أن تلك الرجعة كان وطؤه رجعة لأنه وإن كان الارتجاع الأول فاسدا فإن حقه في الرجعة قائم وإصابته وهو يرى أنه مرتجع رجعة محدثة انتهى. ص: "بخلاف ذات الشرط تقول إن فعله زوجي فقد فارقته" ش: ومثله اخترت زوجي في أنه لا

(5/407)


وصحت رجعته إن قامت بينة على إقراره، أو تصرفه ومبيته فيها،أو قالت حضت ثالثة فأقام بينة على قولها قبله بما يكذبها أو أشهد برجعتها فصمتت ثم قالت: كانت انقضت أو ولدت لدون ستة أشهر، والردة برجعته، ولم تحرم على الثاني، وإن لم تعلم بها حتى انقضت وتزوجت أو
-----------------------------------------
يلزم نقله ابن رشد عن مالك في أول مسألة من سماع القرينين من كتاب التخيير ص: "وصحت رجعته إن قامت بينة" ش: تعين حمله على الوجه الثاني من الوجهين اللذين ذكرهما الشارح في الكبير ولا يصح حمله على ما في الوسط ص: "ثم قالت كانت انقضت" ش: أفاد بقوله: "ثم قالت" أن قولها كان متراخيا عن إشهاده برجعتها ص: "وإن لم تعلم بها حتى انقضت وتزوجت" ش: تصوره واضح من كلام الشارح وقال في طلاق السنة من مختصر الوقار ومن كتب إلى زوجته بطلاقها ووصل ذلك إليها وارتجعها ولم يصل إليها ارتجاعه إياها

(5/408)


وطئ الأمة سيدها فكالوليين والرجعية كالزوجة إلا في تحريم الاستمتاع والدخول عليها والأكل معها، وصدقت في انقضاء عدة الأقراء والوضع بلا يمين ما أمكن، وسئل النساء ولا يفيدها تكذيبها نفسها،
----------------------------
حتى انقضت عدتها وتزوجت فلا سبيل له إليها قال أبو بكر: ولست آخذ به

(5/409)


ولا أنها رأت أول الدم وانقطع، ولا رؤية النساء لها، ولو مات زوجها بعد كسنة فقالت لم أحض إلا واحدة فإن كانت غير مرضع ولا مريضة لم تصدق إلا إن كانت تظهره وحلفت
----------------------------------

(5/410)


في كالستة لا كالأربعة وعشر، وندب الإشهاد وأصابت من منعت له وشهادة السيد كالعدم، والمتعة على قدر حاله بعد العدة للرجعية أو ورثتها ككل مطلقة في نكاح لازم لا في فسخ كلعان،
----------------------------------
لأن الله جعله مالكا لرجعتها وقد ارتجعها ص: "وندب الإشهاد" ش: ويستحب إسماعها قاله ابن رشد في آخر سماع ابن القاسم من طلاق السنة والله أعلم. ص: "والمتعة على قدر حاله بعد العدة للرجعية" ش: وقيل: على قدر حالها فقط قاله أبو عمران وقيل: على قدر حالها نقل القولين ابن عرفة وابن ناجي على المدونة: والله أعلم.
فرع: قال ابن عرفة: ابن محرز عن ابن وهب وأشهب إن لم يمتعها حتى ارتجعها سقطت انتهى. ص: "ككل مطلقة بنكاح لازم" ش: قال في المدونة: ولكل مطلقة المتعة طلقة واحدة أو اثنتين أو ثلاثا إلا المطلقة قبل البناء أو قد سمى لها فحسبها نصفه ولا متعة لها انتهى. وقال ابن عرفة لما تكلم على من لا متعة لها عاطفا عليه اللخمي ولا من قامت بعيب ولا من فسخ نكاحها ولا لعارض حدث انتهى. وقال في الشامل: والمتعة مستحبة لا واجبة على المشهور في كل نكاح لازم أو فاسد يفوت بالبناء انتهى. وقال ابن يونس في النكاح الثاني: وكلما فسخ قبل البناء لصداقة فلا متعة فيه انتهى. ص: "لا في فسخ كلعان" ش: قال

(5/411)


وملك أحد الزوجين إلا من اخلعت أو فرض وله وطلقت قبل البناء، ومختارة لعتقها أو لعيبه، ومخيرة ومملكة.
باب في الإيلاء
الإيلاء يمين مسلم مكلف يتصور وقاعه،
------------------------------
ابن عرفة اللخمي: إن فسخ لرضاع بأمر الزوج رأيت عليه المتعة انتهى. وقال قبله وقول الباجي المفارقة عن مفالجة كالملاعنة خلاف ظاهر المذهب انتهى. وقال ابن ناجي: وقال ابن عرفة بعده ابن رشد ظاهر قول ابن القاسم إن طلق فيما يفسخ بطلاق قبل فسخه فلا متعة عليه انتهى. ص: "وملك أحد الزوجين" ش: قال ابن عرفة: عن اللخمي وإن اشترى زوجته لم يمتعها لبقائها معه ولو اشترى بعضها متعها ص: "أو فرض لها وطلقت قبل البناء" ش: قال في المدونة: وإذا خلا بزوجته وأرخى الستر وقد سمى لها وطلقها وقال لم أمسها وقالت مسني فالقول قولها في الصداق ولا متعة لها انتهى. وقال ابن ناجي قال أبو عمران وإذا قال أصبت وأكذبته ينبغي أن يكون لها جميع المهر مع المتعة انتهى. والله أعلم. ص: "ومختارة لعتقها أو لعيبه" ش: قال ابن عرفة: الصقلي لمن اختارت نفسها لتزويج أمة عليها المتعة والله أعلم.

(5/412)


باب في الإيلاء
الإيلاء يمين مسلم مكلف يتصور وقاعه،
------------------------------
باب
ص الإيلاء يمين وزوج مسلم مكلف يتصور وقاعه" ش: اختلف في مدلول الإيلاء لغة فقال عياض: أصل الإيلاء الامتناع قال الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} النور:

(5/412)


وإن مريضا بمنع وطء زوجته وإن تعليقا؛
-----------------------------------
ثم استعمل فيما كان الامتناع منه بيمين وقال الباجي: الإيلاء في اللغة اليمين وقاله ابن الماجشون وكذلك قال المفضل ويقال آلى وتألى وائتلى وآلى هو المستعمل عند الفقهاء يقال الأيولي إيلاء والاسم منه الألية والجمع الألايا على وزن عطية وعطايا قاله في تهذيب الأسماء قال كثير في عمر بن عبد العزيز:
قليل الألايا حافظ ليمينه ... وإن ندرت منه الألية برت
يصفه بقلة الحلف ويقال الألوة بتثليث الهمزة قاله في التوضيح وهو بسكون اللام وفتح الواو كما يفهم من الصحاح فإنه قال فيه والألوة فأما الألوة بالتشديد فهو العود الذي يتبخر به وفيه لغتان ضم الهمزة وفتحها وهو فارسي معرب وأما الشرع فحده ابن عرفة بأنه حلف زوج على ترك وطء زوجته يوجب خيارها في طلاقه وحده المصنف بقوله: "الإيلاء يمين زوج مسلم مكلف يتصور وقاعه" وكان الإيلاء والظهار طلاقا بائنا في الجاهلية فغير الشرع حكمهما واختلف العلماء هل عمل بهما في أول الإسلام أم لا وصحح بعضهم أنه لم يعمل بهما والله أعلم. وانظر تهذيب الأسماء واللغات وقوله: "يتصور وقاعه" تصوره ظاهر قال ابن عرفة: وفيها من آلى من صغيرة لا يوطأ مثلها لم يؤجل حتى يمكن وطؤها اللخمي سواء ضمها إليه أم لا والكبيرة قبل البناء لا يوقف لها إلا بعد أربعة أشهر من يوم دعائه للبناء بعد مدة جهازها وجهازه لأنه الوقت الذي توجه لها حق الإصابة فيه انتهى. ص: "وإن مريضة" ش: قال ابن عرفة: وإيلاء المريض لازم إن لم يقيده بمدة مرضه وإلا فقولان الأول نص عليه ابن شاس وغيره والثاني نص عليه ابن رشد وغيره انتهى. ص: "بمنع وطء زوجته" ش: سواء كانت يمينه صريحة في ترك الوطء أو متضمنة عقلا كوالله لا ألتقي معها أو شرعا كلا أغتسل من جنابة كما سيذكره المصنف قريبا.
فرع: فإن قال علي نذر أن لا أقربك فقال ابن القاسم هو مول وقال يحيى بن عمر:

(5/413)


غير المرضعة وإن رجعية أكثر من أربعة أشهر، أو شهرين للعبد، ولا ينتقل بعتقه بعده كوالله لا أراجعك أو لا أطؤك حتى تسأليني أو تأتيني، أو لا ألتقي معها، أو لا أغتسل من جنابة، أو لا أطؤك حتى أخرج من البلد إذا تكلفه، أو في هذه الدار إذا لم يحسن خروجها له، أو إن لم أطأك فأنت
--------------------------------------
ليس بمول وهو بمنزلة قوله علي نذر أن لا أكلمك وهو نذر في معصية قاله في التوضيح ص: "غير المرضعة" ش: هذا هو المشهور وقال أصبغ: هو مول اللخمي: وهو أقيس لأن للمرأة حقا في الوطء ولا حق للولد ولا مضرة عليه لقوله عليه الصلاة والسلام إن ذلك لا يضر واتفق على أنه مول إذا أرضع الولد غيرها وعلى المشهور فقال في كتاب ابن سحنون: إن حلف بطلاقها ألبتة أن لا يطأها حتى تفطم ولدها فمات الولد قبل الفطام حل له الوطء ولا حنث عليه إن كانت نيته إصلاح ولده وإن كانت نيته أن لا يمسها حولين فهو مول وتطلق عليه إذا أوقفه السلطان بعد أربعة أشهر لأنه لا يقدر أن يمسها ولا يفيء لأن يمينه بالبتة انتهى. من التوضيح ص: "أو إن لم أطأك فأنت طالق" ش: ظاهره أنه يكون موليا بمجرد كلامه وليس كذلك بل له وطؤها الآن فإن وقف عن وطئها كان موليا قال في التوضيح: لما تكلم

(5/414)


طالق أو إن وطئتك ونوى ببقية وطئه الرجعة وإن غير مدخول بها في تعجيل الطلاق إن حلف بالثلاث وهو الأحسن، أو ضرب الأجل قولان فيها، ولا يمكن منه كالظهار لا كافر، وإن أسلم إلا أن يتحاكموا إلينا.
---------------------------------
في باب الطلاق المعلق على قول ابن الحاجب: فإن كان نفيا يمكن دعوى تحقيقه بفعل له غير محرم أو لغيره مطلقا غير مؤجل منع منها حتى يقع ما نصه يستثنى من هذه القاعدة ما إذا قال امرأته طالق إن لم أحبلها فإنه لا يمنع من وطئها قاله في المقدمات وله أن يطأها أبدا حتى

(5/415)


ولا لأهجرنها أو لا كلمتها، أو لا وطئتها ليلا أو نهارا، واجتهد وطلق في لأعزلن أو لأبيتن أو ترك الوطء ضررا وإن غائبا، أو سرمدا العبادة بلا أجل على الأصح،
------------------------------
يحبلها لأن بره في إحبالهاوكذلك إن قال إن لم أطأك له أن يطأها لأن بره في وطئها فإن وقف عن وطئها كان موليا عند مالك والليث فيما روى عنهما وقال ابن القاسم: لا إيلاء عليه وهذا هو الصواب انتهى. وقال المصنف في باب الطلاق من المختصر في الكلام على التعليق: وإن نفى ولم يؤجل كأن لم يقدم منع منها إلا إن أحبلها أو إن لم أطأها ولا يصدق حد الإيلاء على هذه الصورة لأنه ليس عليه يمين تمنع من الوطء والله أعلم.ص: "أو ترك الوطء ضررا" ش: قال الفاكهاني في شرح الرسالة قوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} البقرةقال ابن العربي: يقتضى أنه تقدم ذنب وهو الإضرار بالمرأة في المنع

(5/416)


ولا إن لم يلزمه بيمينه حكم: ككل مملوك أملكه حر، أو خص بلدا قبل ملكه منها، أو لا وطئتك في هذه السنة، إلا مرتين أو مرة، حتى يطأ وتبقى المدة، ولا إن حلف على أربعة أشهر، أو إن وطئتك فعلي صوم هذه الأربعة: نعم إن وطئ صامه بقيتها والأجل من اليمين، إن كانت يمينه صريحة في ترك الوطء لا إن احتملت مدة يمينه أقل أو حلف على حنث فمن الرفع
---------------------------
من الوطء ولهذا قلنا: إن المضارة دون يمين توجب من الحكم ما توجب اليمين إلا في أحكام

(5/417)


والحكم وهل المظاهر إن قدر على التكفير وامتنع كالأول وعليه اختصرت أو كالثاني وهو الأرجح، أو من تبين الضرر، وعليه تؤولت؟ أقوال كالعبد لا يريد الفيئة، أو يمنع الصوم بوجه جائز، وانحل الإيلاء بزوال ملك من حلف بعتقه ؛ إلا أن يعود بغير إرث:
---------------------------------
المدة انتهى. وانظر ما نقله البرزلي عن المازري وكلام ابن بشير في التنبيه وكلام ابن رشد في سماع ابن القاسم وسماع عيسى من طلاق السنة والله أعلم. ص: "وهل المظاهر إن قدر على التكفير" ش: يريد بأي نوع من أنواع الكفارات وإن لم يقدر على التكفير لم يدخل عليه إيلاء قال ابن عرفة: روى أشهب: إن لم يجد ما يعتق ولا يقدر على الصوم ولا يجد ما يطعم فليكف عن أهله حتى يجد الشيخ: ولا حجة لها انتهى. ونص ابن الحاجب قال: وأما من ليس بمضار فلا يدخل عليه الإيلاء قال في التوضيح: قيده اللخمي بما إذا طرأ عليه العسر والعجز عن الصيام بعد عقد الظهار وأما إن عقده على نفسه مع علمه أنه عاجز عن حله فإنه يدخل عليه الإيلاء لأنه قصد الضرر بالظهار ثم يختلف هل يطلق عليه الآن أو يؤخر إلى انقضاء أجل الإيلاء رجاء أن يحدث لها رأي في ترك القيام انتهى. ص: "إلا أن يعود بغير إرث" ش:

(5/418)


كالطلاق القاصر عن الغاية في المحلوف بها لا لها، وبتعجيل الحنث، وبتكفير ما يكفر: وإلا فلها ولسيدها إن لم يمتنع وطؤها المطالبة بعد الأجل بالفيئة:
----------------------------------
فرع: لو اشترى بعض العبد وورث بعضه عاد عليه الإيلاء لأجل بقاء اليمين في ذلك البعض المشتري وكذلك لو لم يرث منه شيئا ولكن اشترى بعضه فإن وطئها في المسألتين عتق عليه جميع العبد البعض المشتري بنفس حنثه وبقية العبد بالتقويمقاله في التوضيح ص: "إن لم يمتنع وطؤها" ش: قال الشارح في الكبير: يريد سواء كان المانع عقليا كالرتق أو عاديا كالمرض أو شرعيا كالحيض والنفاس انتهى. وتبع المصنف رحمه الله وشارحه كلام ابن الحاجب قال: ولا مطالبة لممتنع وطؤها برتق أو مرض أو حيض انتهى. وتبع ابن الحاجب ابن شاس رحمه الله وما قالوه مخالف لما قدمه المصنف رحمه الله في فصل طلاق السنة في قوله: "وعجل فسخ الفاسد في الحيض والطلاق على المولى" وهو قول ابن القاسم في المدونة: وذكره في آخر كتاب اللعان وقال ابن عرفة هنا وإن حمل أجله وهي حائض وقفت فإن قال أفيء أمهل وإن أبى ففي تعجيل طلاقه روايتا ابن القاسم وأشهب بلعانهما وعلى المشهور قال محمد ويجبر على الرجعة وتعقبه ابن الكاتب بأن علة جبره عليها قصده تطويل عدتها وهي

(5/419)


وهي تغييب الحشفة في القبل، وافتضاض البكر إن حل، ولو مع جنون، لا بوطء بين فخذين وحنث إلا أن ينوي الفرج، وطلق إن قال: لا أطأ بلا تلوم، وإلا اختير مرة ومرة، وصدق إن ادعاه، وإلا أمر بالطلاق، وإلا طلق عليه . وفيئة المريض والمحبوس بما ينحل به، وإن لم تكن يمينه مما تكفر قبله كطلاق فيه رجعة فيها أو في غيرها، وصوم لم يأت، وعتق غير معين فالوعد،
---------------------------------
في هذه الطالبة طلاقها فيه وبأن الحاكم لا يحكم بمنهي عنه وأجاب الصقلي بأن إبايته سبب

(5/420)


وبعث للغائب وإن بشهرين ولها العود إن رضيت وتتم رجعته إن انحل وإلا لغت وإن أبى
---------------------------
طلاقه فكأنه المستقل بطلاقها وقول ابن شاس وابن الحاجب: "وقبوله لا مطالبة للمريضة المتعذر وطؤها ولا للرتقاء ولا للحائض" لا أعرفه ومقتضى قولها في الحائض ينافيه انتهى. وقوله: "وقبوله كذا" هو في النسخ التي رأيتها ولعل قبوله ابن عبد السلام والله أعلم.واستشكل في التوضيح كلام ابن الحاجب بأنه مناقض لما في اللعان بالنسبة إلى الحيض: وأجاب بأن قال: لا يبعد أن تكون الفيئة على هذا القول بالوعد كما في نظائر المسألة حيث تتعذر الفيئة بالوطء ويكون التطليق عليه إنما هو إذا امتنع من الوعد انتهى. وما قاله لا يدفع الإشكال لأن كون الفيئة بالوطء أو بالوعد وإلزامه الطلاق إن امتنع فرع: المطالبة بها وقد نفى

(5/421)


الفيئة في: إن وطئت إحداكما فالأخرى طالق، طلق الحاكم إحداهما، وفيها فيمن حلف لا يطأ واستثنى أنه مول وحملت ما إذا روفع ولم تصدقه وأورد لو كفر عنها ولم تصدقه وفرق بشدة المال وبأن الاستثناء يحتمل غير الحل.
----------------------------------
المطالبة بها فتأمله وقد استفيد من قول ابن عرفة وعلى المشهور أن قول ابن القاسم الذي مشى عليه المصنف في فصل طلاق السنة من تعجيل الطلاق على المولى هو المشهور ويدخل في كلام المصنف من آلى من زوجته الصغيرة التي لا تطيق الوطء وقد تقدم نص المدونة: في ذلك من كلام ابن عرفة والله أعلم.

(5/422)


باب الظهار
...
باب في الظهار
باب تشبيه المسلم المكلف من تحل أو جزأها بظهر محرم أو جزئه ظهار.
-----------------------------------
باب
ص: "الظهار تشبيه المسلم المكلف من تحل أو جزأها بظهر محرم أو جزئه ظهار"

(5/422)


وتوقف إن تعلق بكمشيئتها وهو بيدها ما لم توقف وبمحقق تنجز،
------------------------------
ش: قال الجوهري: الظهار قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي عياض وهو مأخوذ من الظهر وكنى به عن المجامعة لأنه ركوب للمرأة كما يركب ظهر المركوب لا سيما وعادة كثير من العرب وغيره المجامعة على حرف من جهة الظهر ويستقبحون سواه ذهابا إلى الستر والحياء والخفاء وأن لا تجتمع الوجوه حينئذ وأن لا يطلع على العورات وهي كانت سيرة الأنصار حتى نزل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} على إحدى الروايتين في سبب نزولها انتهى. وقال في التوضيح: واعلم أن الظهار كان في الجاهلية وأول الإسلام طلاقا حتى أتت خويلة بنت ثعلبة على ما رواه أبو داود وغيره تشكو زوجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتقول ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت وجادلت النبي صلى الله عليه وسلم انتهى. وظاهر كلام النووي في تهذيب الأسماء واللغات أنه لم يعمل في الإسلام بأن الظهار والإيلاء طلاق على القول الراجح قال القاضي عبد الوهاب والظهار محرم بالكتاب كما أخبر الله عز وجل فقال: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} ولنصه في الآيات على أنه منكر وزور ولقوله في آخر الآية {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} الشيخ أبو إسحاق ويؤدب من ظاهر انتهى. وقال ابن عرفة القاضي هو محرم لأنه منكر وزور وروى ابن شعبان يؤدب المظاهر ونقل الباجي قبل قولها رواية المبسوط الظهار يمين تكفر يحتمل الجواز والكراهة أرجح انتهى.
وحده ابن عرفة بقوله: الظهار تشبيه زوج زوجه أو ذي أمة حل وطؤه بمحرم إياها عجز منه أو بظهر أجنبية في تمتعه بها والجزء كالكل والمعلق كالحاصل وأصوب منه تشبيه حل متعة حاصلة أو مقدرة بآدمية إياه أو جزأها بظهر أجنبية أو بمن حرم أبدا أو جزء في الحرمة فيها من قال أنت مثل قدم أمي ونحوه مظاهر ومن قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي مظاهر وقول ابن الحاجب تشبيه من يجوز وطؤها بمن يحرم يبطل طرده بقولها قال مالك: إن

(5/423)


-----------------------------
قال أنت علي كفلانة فهي ألبتات وعكسه بتشبيه الجزء انتهى. وقول المصنف: "تشبيه المسلم" يدخل في كلامه السيد والزوج وتفسير المصنف قول ابن الحاجب وشرط المظاهر أن يكون مسلما أي زوجا مسلما وتبعه ابن فرحون ليس بظاهر وسواء كان عبدا أو سفيها فإذا ألزم العبد أو السفيه الظهار فحكم العبد يأتي وأما السفيه فمذهب ابن القاسم أن وليه ينظر له فإن كان موسرا وامتنع وليه من التكفير عنه فليس له الصيام فإذا طلبته امرأته بالوطء طلق عليه من غير ضرب أجل وعند ابن وهب إذا امتنع وليه له أن يصوم ولا يطلق عليه إلا بعد ضرب الأجل قاله ابن رشد في سماع عبد الملك وقال اللخمي: في تبصرته وإذا ظاهر السفيه وهو موسر بالعتق عاجز عن الصيام كان الأمر إلى وليه فإن رأى أن العتق خير له من الطلاق أمره بالعودة وأعتق عنه وإن لم ير ذلك لأن العتق يجحف بماله أو لأنه ممن تكرر منه اليمين بالظهار أو يكون مطلاقا فإن أعتق عنه وطلق هو بعد ذلك لم يعتق عليه وكان للزوجة أن تقوم بالطلاق إذا مضت أربعة أشهر وقيل يطلق عليه من غير ضرب أجل لأن الصبر إلى تمام الأجل لا يفيد بمنزلة من قال إن وطئتك فأنت طالق ألبتة واختلف إذا امتنع العتق وكان قادرا على الصوم فقيل لا يصح منه الصوم لأنه موسر وقيل له أن يصوم لأنه في معنى المعسر والأول أحسن انتهى. قال في النوادر فإن لم يكن له مال صام ولا يمنع من الصوم فإن أبى فهو مضار انتهى. والله أعلم.
تنبيه قال المصنف تنبيه: قال ابن عبد السلام هنا: إنه لا بد من أداة التشبيه كلفظة "مثل" أو الكاف فيقول أنت علي كظهر أمي أو مثل أمي وأما لو حذف الأداة فقال أنت أمي لكان خارجا عن الظهار ويرجع إلى كنايات الطلاق وإن كان محمد نص في هذه اللفظة على أنه مظاهر انتهى. وقوله: "المسلم المكلف" بصيغة التذكير يدل على أن المرأة لو ظاهرت لم يلزمها كفارةقال في التوضيح وهو صحيح وقد نص عليه في المدونة: زاد ابن المواز ولو كان ملكها الطلاق انتهى. وما قاله عن ابن المواز هو في البيان بأتم من هذا ونصه في سماع أبي زيد قال وسئل ابن القاسم عن الرجل يقول لامرأته قد جعلت أمرك بيدك فتقول أنا عليك كظهر أمك قال ليس لها ذلك ابن رشد هذا كما قال لأن الزوج إنما ملكها في الطلاق فليس لها أن توجب عليه أن لا يقر بها حتى يكفر كفارة الظهار فإذا لم يكن لها ذلك فقط سقط ما بيدها من التمليك إذا قضت بما ليس لها إلا أن تقول أردت بذلك الطلاق فيكون ثلاثا إلا أن يناكرها الزوج فيما فوق الواحدة والله أعلم.انتهى وخرج بالمكلف المكره لقوله عليه السلام: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" 1 وقد نص عليه في المدونة: وأما ظهار السكران فكطلاقه على المشهور.
ـــــــ
1 رواه ابن ماجة في كتاب الطلاق باب 16.

(5/424)


-----------------------------
تنبيه: ظهار الفضولي هل يلزم إذا أمضاه الزوج أم لا لم أر فيه نصا والظاهر أنه يلزم كالطلاق وقوله: "من تحل" مراده به من تحل إما تحقيقا أو تعليقا وإلا كان رسمه غير جامع لخروج نحو قوله للأجنبية إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي مع أنه ظهار قاله في المدونة: ونقله ابن عرفة وغيره والله أعلم.وقوله: "أو جزأها بظهر محرم أو جزئه" لو قال بمحرم أو جزئه لكان أحسن لأن الجزء يشمل الظهر وغيره ويكون شبيه قوله في المقدمات وهو على أربعة أوجه تشبيه جملة بجملة وبعض ببعض وبعض بجملة وهي كلها في الحكم سواء إلا أن يكون البعض الذي شبه من زوجته أو شبه به زوجته مما ينفصل عنها أو عن المشبهة بها من ذوات المحارم كالكلام أو الشعر فيجري ذلك على الاختلاف فيمن طلق ذلك من زوجته انتهى. وقد قال الشيخ إن الأحسن لزومه في الشعر والكلام وقال في التوضيح في قول ابن الحاجب وجزؤها مثل كلها كالطلاق وقوله: "كالطلاق" يحتمل معنيين أحدهما الاحتجاج على الشافعي لأنه يوافق على التطليق بالجزء ويخالف هنا وثانيهما الإشارة إلى أنه ليس كل جزء يلزم به الظهار بل هو كالطلاق فيتفق على الظهار إن شبه بيدها ورجلها ويختلف في الشعر والكلام انتهى. وقال ابن فرحون: وإنما يلزم في الأجزاء المتصلة لا المنفصلة كالبصاق ونحوه انتهى. وأما تعليق الظهار بدواعي الوطء مثل أن يقول مضاجعتك أو ملامستك أو قبلتك علي كظهر أمي فمشهور المذهب أن الظهار يلزمه قاله الرجراجي قال وهذا القول قائم من المدونة: والله أعلم.وقوله: "محرم" يشمل المحرم على التأبيد كالمحارم والملاعنة والمدخول بها في العدة ويشمل المحرمة لا على التأبيد كالأجنبية وأخت الزوجة وعمتها والظاهر أنه كذلك ويشمل أيضا مكاتبته وهو كذلك قال الشيخ أبو الحسن الصغير عند قوله في المدونة: وإن تظاهر من امرأته وهي حرة أو أمة أو صغيرة أو حائض إلى آخره عن ابن محرز ولو قال لزوجته أنت علي كظهر مكاتبتي لزمه الظهار لأنه لو ظاهر من مكاتبته لم يلزمه ظهار فكذلك إذا ظاهر بها لزمه الظهار وإن كانت قد تحل إذا عجزت انتهى. وقال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: وفي المكاتبة لو عجزت قولان وانظر لو شبه بها في الظهار فالحكم كما لو قال لزوجته أنت علي كظهر مكاتبتي فأدت أو عجزت هل تكون الزوجة مظاهرا منها انتهى. وهذا الكلام يدل على أنه لم يقف على نص في المسألة والنص موجود ولم ينبه ابن عرفة فيما رأيت على هذه المسألة والله أعلم.
مسألة: قال المشذالي في حاشيته: سئل ابن عبد السلام عمن قال لرجل أنت علي حرام كأمي وأختي وزوجتي ما يلزمه في زوجته وهل هي منصوصة فقال لا أعرف فيها نصا والظاهر عندي لزوم التحريم فيها لاحتمال عطفها على المبتدأ الذي هو أنت فكأنه قال أنت وزوجتي ويحتمل عطفه على المجرور بالكاف لكن على الأول يلزم الظهار لا الطلاق وعلى الثاني الطلاق ويكون من عكس التشبيه ولعل الأقرب تحليف القائل بأنه ما نوى الطلاق

(5/425)


وبوقت تأبد أو بعدم زواج فعند الإياس أو العزيمة،
-----------------------------
ويكلف بحكم الظهار ص: "وبوقت تأبد" ش: يعني إذا وقت الظهار بوقت تأبد ولم يختص بذلك الوقت كما لو قال لزوجته أنت علي كظهر أمي اليوم أو هذا الشهر فإنه مظاهر ولو مضى اليوم أو الشهر وليس منه قول المحرم لزوجته أنت علي كظهر أمي ما دمت محرما لأنها عليه الآن كظهر أمه فهو بمنزلة من قال للمظاهر منها أنت علي كظهر أمي قال اللخمي: في الكلام على ظهار المجبوب والمعترض ظهار المحرم على وجهين فإن قال أنت علي كظهر أمي ما دمت محرما لم ينعقد عليه ظهار لأنها في تلك الحال كظهر أمه فهو بمنزلة من ظاهر ثم ظاهر فلا يلزمه الثاني وإن قال أنت علي كظهر أمي ولم يقيد بقوله ما دمت محرما لزمه الظهار لأن يمينه مع الإطلاق تتضمن جميع الأزمنة انتهى. نقله في الشامل: ومثل المحرم فيما يظهر المعتكف والصائم الذي يعلم من نفسه السلامة والله أعلم.ص: "وبعدم زواج فعند اليأس أو العزيمة" ش: نحو هذه العبارة قول ابن الحاجب ولو قال إن لم أتزوج عليك فإنما يلزم عند اليأس أو العزيمة قال في التوضيح: يعني لا يكون مظاهرا إلا عند اليأس أو العزيمة انتهى. زاد ابن شاس إلا أن ينوي مدة معينة فيحنث بمضيها فحمل كلام ابن الحاجب على هذا فقط وقال لم يتعرض المصنف يعني ابن الحاجب لكونه هل يمنع من الوطء كالطلاق أو لا ونص الباجي على أن الظهار كالطلاق وأنه يحرم عليه الوطء إذا كانت يمينه على حنث ويدخل عليه الإيلاء ويضرب له الأجل من يوم الرفع انتهى. وفهم ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب على أنه لا يمنع من وطئها وقال ابن عرفة الشيخ في الموازية من قال إن لم أفعل كذا فأنت علي كظهر أمي إن ضرب أجلا فله الوطء إليه وإلا فلا فإن رفعته أجل حينئذ ووقف لتمامه فإن فعل بر وإن قال التزام الظهار واحدة في الكفارة لزمه ولم يطلق إلا بالإيلاء حين دعي للفيئة فإن فرط في الكفارة صار كمول يقول أفيء فيختبر المرة بعد المرة وتطلق عليه بما لزمه من الإيلاء ثم قال وقول ابن الحاجب مع ابن شاس لو قال إن لم أتزوج عليك إلى آخره خلاف

(5/426)


ولم يصح في المعلق تقديم كفارته قبل لزومه،
---------------------------------
ما تقدم وقبله ابن عبد السلام ولا أعرفه ومقتضى المذهب خلافه في الأيمان والنذور منها: إن قال أنت طالق إن لم أفعل كذا حيل بينه وبينها حتى يفعل ذلك وإلا دخل عليه الإيلاء انتهى. وانظر إنكاره هذا إن كان بناء منه رحمه الله على فهم كلام ابن الحاجب كفهم كلام ابن عبد السلام فليس بظاهر عبارة واحد منهما فضلا عن كونه صريح عبارته بل ظاهر عبارتهما كما قال الشيخ خليل إنه إنما يلزمه الظهار في ذلك الوقت ولم يتعرضا لكونه لا يمنع وعلى هذا ففي قوله: "وقبله ابن عبد السلام" نظر لأن ابن عبد السلام قال في أثناء كلامه هذا ظاهر كلام المؤلف وحكى غيره أن الظهار كالطلاق وأنه يمنع من الوطء إذا كانت يمينه على حنث ويدخل عليه الإيلاء انتهى. وإن أراد الإنكار عليهما في قولهما إنه لا يكون مظاهرا إلا عند اليأس أو العزيمة فليس بظاهر لأن ما قالاه هو المنصوص قال ابن رشد: في شرح آخر مسألة من سماع أبي زيد من كتاب الظهار لا يجب على الرجل الظهار بقوله امرأتي علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليها لأنه لم يحنث بعد ولا يقع عليه الحنث بذلك إلا بعد الموت إلا أن الكفارة تجزئه قبل الحنث لأنها يمين هو فيها على حنث فإن أراد أن يكفر ليحل عن نفسه الظهار فيجوز له الوطء كان ذلك له وإن لم يفعل وطالبته امرأته بالوطء ورفعته إلى السلطان ضرب له أجل الإيلاء إذ لا يجوز له أن يطأها إلا أن يكفر انتهى. فقوله: "ولا يقع عليه الحنث بذلك إلا بعد الموت" إلى قوله: "فإن أراد أن يكفر" صريح في أنه يمنع من الوطء وستأتي مسألة سماع أبي زيد وكلامه المشار إليه برمته في شرح قول المصنف: "وتعددت الكفارة إن عاد ثم ظاهر" وإن أراد الإنكار عليهما بخلاف هذا الوجه فلم يظهر لي وليس في كلامهما إشكال أصلا والله أعلم.ومن هذا المعنى مسألة القرافي التي ذكرها في كتابه المسمى: "كفاية اللبيب في كشف غوامض التهذيب" المتقدم ذكرها عند قول المصنف في باب الأيمان "وبعزم على ضده" وهي قوله في المدونة: في الأيمان والنذور: ومن قال لامرأته أنت طالق واحدة إن لم أتزوج عليك فأراد أن لا يتزوج عليها فليطلقها طلقة ثم يرتجعها فتزول يمينه ولو ضرب أجلا كان على بر وليس له أن يحنث نفسه قبل الأجل وإنما يحنث إذا مضى الأجل ولم يفعل ما حلف عليه وتقدم هناك ما أورده عليها من الإشكال وما حملها عليه فراجعه هناك والله أعلم.ص: "ولم يصح في المعلق تقديم كفارته قبل لزومه" ش: نحوه في سماع عيسى من كتاب الظهار في رسم لم يدرك قال من قال امرأتي علي كظهر أمي إن فعلت كذا لا يجزئه كفارته قبل حنثه كحلفه بالطلاق لا فعل كذا لا يجزيه تقديم طلاقه على حنثه قال ابن رشد:

(5/427)


وصح من رجعية ومدبرة ومحرمة ومجوسي أسلم ثم أسلمت، ورتقاء لا مكاتبة ولو عجزت على الأصح، وفي صحته من كمجبوب تأويلان، وصريحه بظهر مؤبد تحريمها أو عضوها أو ظهر ذكر.
---------------------------------
هو في الظهار أوضح لأن طلاقه يجب بحنثه والكفارة لا تجب بحنثه في الظهار حتى يطأ قال ولو حلف بالظهار على شيء أن يفعله ولم يضرب لذلك أجلا لجاز له أن يقدم الكفارة ويبر بذلك لأنه على حنث كما يجوز له أن يقدم الطلاق إذا حلف بالطلاق أن يفعل فعلا ولم يضرب له أجلا ويبر في يمينه لأنه على حنث حتى يفعل على ما في النذور من المدونة: انتهى. ونقله ابن عرفة وذكره ابن رشد أيضا في آخر سماع أبي زيد من الكتاب المذكور وهذا يفهم من قول المصنف: "أو بعدم جواز فعند اليأس أو العزيمة" والله أعلم.ص: "وصريحه بظهر مؤبد تحريمها أو عضوها أو ظهر ذكر" ش: يعني أن ألفاظ الظهار على نوعين صريح وكناية فالصريح ما فيه ظهر مؤبد تحريمها قال في التوضيح: وهذا لا خلاف فيه والمشهور قصر

(5/428)


----------------------------
الصريح على ما ذكر وقال ابن عرفة الصيغة قال ابن الحاجب: وابن شاس صريحه ما فيه ظهر مؤبدة التحريم كظهر أمي أو عمتي وكنايته الظاهرة ما سقط فيه أحدهما كأمي أو كظهر فلانة الأجنبية والخفية كاسقني الماء مرادا به الظهار ابن رشد صريحه عند ابن القاسم وأشهب ما ذكر فيه الظهر في ذات محرم وغيرها وعند ابن الماجشون ما ذكر فيه ذات محرم ولو لم يذكر الظهر وكنايته عند أشهب أن لا يذكر الظهر في غير ذات محرم ولو لم يذكر الظهر وكنايته عند أشهب أن لا يذكر الظهر في غير ذات محرم وما ذكر فيه الظهر عند ابن الماجشون غير كناية فلا كناية له عنده انتهى.
قلت: ما ذكر عن ابن رشد مخالف لكلامه في المقدمات ونصه كلامه: وله صريح وكنايات فصريحه عند ابن القاسم وأشهب وروايتهما عن مالك أن يذكر الظهر في ذات محرم وكنايته عند ابن القاسم أن لا يذكر الظهر في ذات محرم أو يذكر الظهر في غير ذات محرم وكنايته عند أشهب أن لا يذكر الظهر في غير ذات محرم ومن صريحه عند ابن الماجشون أن لا يذكر الظهر في ذات محرم وليس من كناياته عنده أن لا يذكر الظهر في غير ذات محرم فلا كناية عنده للظهار انتهى. فكلام ابن شاس وابن الحاجب موافق لما ذكره ابن رشد عن ابن القاسم وهو خلاف ما ذكره ابن عرفة ولعل في كلامه سقطا أو في نسخته من المقدمات سقط والله أعلم. وأما قول المصنف: "أو عضوها أو ظهر ذكر" فمشكل لأنه يقتضي أنه إذا شبه بعضو من ذوات محارمه فإنه من الصريح وليس كذلك بل صرح في الجواهر بأنه إذا شبه بعضو من ذوات المحارم فإنه من الكنايات الظاهرة ونصه الركن الثالث اللفظ وهو قسمان صريح وكناية والصريح ما تضمن ذكر الظهر في محرم من النساء كقوله أنت علي كظهر أمي أو أختي أو عمتي أو من أمي من الرضاعة والكناية نوعان ظاهرة وهي ما تضمنت ذكر الظهر في المحرم أو التشبيه بالمحرم من غير ذكر الظهر كقوله أنت علي مثل أمي أو حرام كأمي أو مثل أمي أو فخذها أو بعض أعضائها وكقوله أنت علي كظهر فلانة الأجنبية وهي متزوجة أو غير متزوجة وخفية وهي ما لا تقتضي الظهار بوجه كقوله ادخلي أو اخرجي أو تمتعي وشبهه انتهى. وقال في التوضيح ونص في الجواهر على أنه يلحق به بقوله كأمي في كونه كناية ظاهرة ما لو قال أنت كخدامي أو رأسها أو عضو من أعضائها انتهى. وأما إذا قال كظهر ذكر فاختلف هل هو من ألفاظ الظهار أم لا ومذهب ابن القاسم أنه ظهار لكن غايته أن يكون كالكناية الظاهرة في كلامه في التوضيح إشارة إلى ذلك وسيأتي في التنبيه الثالث والله أعلم.
تنبيهات: الأول: يدخل في الصريح على ما قال المصنف ما إذا شبه بظهر ملاعنة وقد أدخله المصنف في كلام ابن الحاجب وقال إنه يتناول الملاعنة وليست محرما إذ المحرم من حرم نكاحها على التأبيد لحرمتها فقولنا لحرمتها احتراز من الملاعنة لأن تحريمها ليس لحرمتها بل

(5/429)


ولا ينصرف للطلاق وهل يؤخذ بالطلاق معه إذا نواه مع قيام البينة كأنت
حرام كظهر أمي أو كأمي؟ تأويلان، وكنايته كأمي،
--------------------------------
لعارض انتهى: ويدخل في الكناية الظاهرة ما إذا شبه بظهر أخت زوجته أو عمتها أو خالتها وقال في الجواهر ونصه ولو شبه بمحرمه لا على التأبيد فإن ذكر الظهر فهي من الكناية الظاهرة وقد تقدم حكمها انتهى.
الثاني: لا فرق بين أن يقول أنت علي كظهر أمي أو أنت كظهر أمي بحذف "علي" قاله في اللباب.
الثالث: تحصل مما تقدم أن القسمة رباعية تارة يذكر الظهر من غير مؤبدة التحريم وتارة يذكر مؤبدة التحريم من غير ظهر وتارة يذكر غير مؤبدة التحريم بغير ظهر والقسم الأول هو الصريح والثاني والثالث هما الكناية الظاهرة وبقي القسم الرابع وسيذكر المصنف حكمه وأنه يلزم فيه ألبتات إلا أن ينوي به الظهار وقال في التوضيح لما تكلم على هذا القسم الرابع: فإن قلت: هذه المسألة وما بعدها من أي الأقسام هي؟ فإنها ليست من صريح الظهار قطعا ولا من الكناية الخفية والمصنف يعني ابن الحاجب قد أخرجها من الكناية الظاهرة قيل هي كالمترددة بين الظاهرة والخفية ولذلك ذكرها المصنف بينهما انتهى. وهذا كلام التوضيح الموعود بهوقوله: "وما بعدها" يعني به مسألة التشبيه بظهر الذكر ومسألة قوله كابني وغلامي ومسألة أنت حرام كظهر أمي أو كأمي وهذا الكلام صريح في أن التشبيه بظهر الذكر ليس من الصريح قطعا والله أعلم.ص: "ولا ينصرف للطلاق وهل يؤخذ بالطلاق معه إذا نواه مع قيام البينة كأنت حرام كظهرأمي أو كأمي تأويلان" ش: يعني أن صريح الظهار لا ينصرف للطلاق فإن ادعى أنه أراد بصريح الظهار الطلاق فهل يؤخذ بالطلاق مع الظهار إذا قامت البينة عليه أو إنما يؤخذ بالظهار فقط؟ تأويلان، هذا معنى كلامه، وأما قوله كأنت حرام كظهر

(5/430)


---------------------------
أُمِّي أَوْ كَأُمِّي فَمَسْأَلَةٌ أُخْرَى شَبَّهَهَا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي جَرَيَانِ التَّأْوِيلَيْنِ فِيهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْحُكْمَ مَعَ عَدَمِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ اتِّكَالًا عَلَى الْمَفْهُومِ، فَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَقُولُ يُؤْخَذُ بِالطَّلَاقِ مَعَ الظِّهَارِ إذَا نَوَى بِصَرِيحِ الظِّهَارِ الطَّلَاقَ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَعَ عَدَمِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ لَا يُؤْخَذُ بِالظِّهَارِ، وَعَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الظِّهَارُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤْخَذْ بِالطَّلَاقِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ فَأَحْرَى مَعَ عَدَمِهَا غَيْرَ أَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ مَعَ عَدَمِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى كِلَا التَّأْوِيلَيْنِ إلَّا أَنْ يَحْمِلَ قَوْلَهُ: "وَلَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ" مَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ: "وَهَلْ" إلَى آخِرِهِ عَلَى مَا إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ دُونَ الظِّهَارِ فَيَقْرُبُ حِينَئِذٍ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَيَكُونُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ يُؤَاخَذُ بِالطَّلَاقِ عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَنَصُّهُ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّرِيحِ، وَالظِّهَارِ، وَالْكِنَايَةِ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكِنَايَةِ الطَّلَاقَ صُدِّقَ أَتَى مُسْتَفْتِيًا أَوْ أَحْضَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ، وَالصَّرِيحُ لَا يُصَدَّقُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ إذَا أَحْضَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ، وَيُؤْخَذُ بِالطَّلَاقِ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ، وَبِالظِّهَارِ بِمَا لَفَظَ بِهِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ إلَيْهَا سَبِيلٌ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، وَقِيلَ أَنَّهُ يَكُونُ ظِهَارًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَإِنْ نَوَاهُ، وَأَرَادَهُ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ، وَأَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ انتهى.
فَمَفْهُومُ كَلَامِهِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَصَدَقَ فِي إرَادَةِ الطَّلَاقِ، وَلَمْ يُؤْخَذْ بِالظِّهَارِ، وَإِنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ يَقُولُ هُوَ ظِهَارٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي آخِرِ كِتَابِ الظِّهَارِ قَالَ: أَصْلُ الظِّهَارِ بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، فَإِذَا ظَاهَرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فَهُوَ مُظَاهِرٌ سَمَّى الظَّهْرَ أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ أَرَادَ بِذَلِكَ الظِّهَارَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الظِّهَارَ، فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى عَنْهُ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا بَتَاتًا، وَلَا يَنْوِي فِي وَاحِدَةٍ، وَلَا اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ هَذَا نَصُّ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا ظَاهَرَ بِذَوَاتِ مَحْرَمٍ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ أَنَّهُ طَلَاقٌ سَمَّى الظَّهْرَ أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ، وَمُسَاوَاتُهُ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَ الظَّهْرَ أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِهِ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ إذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا، وَأَمَّا إذَا حَضَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ، وَطُولِبَ بِحُكْمِ الظِّهَارِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَمَّى الظَّهْرَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالظِّهَارِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ حَضَرَتْهُ بِالْإِفْصَاحِ بِهِ، فَلَمْ يُصَدَّقْ فِي طَرْحِ الْكَفَّارَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ نَوَاهُ، وَأَرَادَ الطَّلَاقَ، وَكَانَ مِنْ حَقِّ الْمَرْأَةِ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ أَنْ تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ الظَّهْرَ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِالظِّهَارِ وَصَدَقَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِهِمْ أَنَّ مَنْ ادَّعَى نِيَّةً مُخَالِفَةً لِظَاهِرِ لَفْظِهِ لَا يُصَدَّقُ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا إنْ لَمْ يُسَمِّ الظَّهْرَ، وَظَاهِرٌ إنْ سَمَّاهُ، وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مَا فِي المدونة: بِرِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ، وَحَكَى أَبُو إسْحَاقَ التُّونُسِيُّ أَنَّهُ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُفَسِّرَ مَا فِي المدونة: بِرِوَايَةِ

(5/431)


---------------------------
عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَوَّلَ الْأَبْهَرِيُّ فَقَالَ: إنَّ صَرِيحَ الظِّهَارِ ظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَمَا أَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ طَلَاقٌ، وَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى بَلْ يُخَالِفُ فِي الطَّرَفَيْنِ، فَيَقُولُ فِي الرَّجُلِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ أَرَدْتُ بِذَلِكَ الظِّهَارَ أُلْزِمَ الظِّهَارَ بِمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ نِيَّتِهِ، وَالطَّلَاقُ بِمَا أَظْهَرَ مِنْ لَفْظِهِ انتهى.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي تَنْوِيَتِهِ ثَالِثُهَا يَنْوِي فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ يَعْنِي لَوْ ادَّعَى فِي صَرِيحِ الظِّهَارِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الظِّهَارَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الطَّلَاقَ، فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ أَمْ لَا الْمَازِرِيُّ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَيَكُونُ ظِهَارًا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَلَوْ نَوَى إنَّكِ بِمَا أَقُولُ طَالِقٌ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَنْوِي فِي الطَّلَاقِ سَوَاءٌ قَصَدَ الثَّلَاثَ أَوْ دُونَهَا لِعِيسَى وَسَحْنُونٍ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَنْوِي إنْ قَصَدَ الثَّلَاثَ، وَلَا يَنْوِي إنْ قَصَدَ دُونَهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ بِمَا إذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ عَالِمًا بِمُوجِبِ الظِّهَارِ، وَقَصَدَ الْخِلَافَ، وَأَمَّا إنْ قَصَدَ الطَّلَاقَ، وَهُوَ يَجْهَلُ حُكْمَ الظِّهَارِ، وَيَنْوِي أَنَّهُ طَلَاقٌ فَهُوَ مُظَاهِرٌ، وَفِي مِثْلِهِ نَزَلَ الْقُرْآنُ.
تنبيه: الْمُرَادُ بِعَدَمِ تَصْدِيقِهِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا، وَكَذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ: وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَمَذْهَبُ المدونة: عَلَى تَأْوِيلِ الْأَبْهَرِيِّ، وَرَوَى عِيسَى وَابْنُ سَحْنُونٍ أَنَّهُ يُصَدَّقُ، وَهُوَ مَذْهَبُ المدونة: عَلَى تَأْوِيلِ ابْنِ رُشْدٍ، وَأَمَّا إنْ أَحْضَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالظِّهَارِ، وَالطَّلَاقِ مَعًا هَكَذَا أَشَارَ إلَيْهِ سَحْنُونٌ وَاللَّخْمِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ انتهى.
تنبيه: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ عَكْسُ كَلَامِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي التَّوْضِيحِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ مَعَ عَدَمِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ هَلْ يُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ الطَّلَاقِ أَمْ لَا، وَأَمَّا مَعَ الْبَيِّنَةِ فَيُؤْخَذُ بِهِمَا، وَكَلَامُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ هَلْ يُؤْخَذُ بِالطَّلَاقِ مَعَ الظِّهَارِ أَوْ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِالظِّهَارِ فَقَطْ؟ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِالظِّهَارِ، وَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ جَارِيَانِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ، وَمَعَ عَدَمِ قِيَامِهَا فَتَأْوِيلُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ الطَّلَاقِ مَعَ عَدَمِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ إلَّا بِالظِّهَارِ، وَكَذَلِكَ مَعَ قِيَامِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا حُمِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ: "وَهَلْ" إلَى آخِرِهِ عَلَى مَا إذَا نَوَى، وَيُجْعَلُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: "مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ" أَنَّهُ إذَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ لَمْ يُؤْخَذْ بِالظِّهَارِ، فَيَقْرُبُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ، فَيُؤْخَذُ بِهَا مَعَ الْبَيِّنَةِ أَوْ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِالظِّهَارِ مُطْلَقًا تَأْوِيلَانِ لَوَفَّى بِالْمَقْصُودِ، والله أعلم.فَتَأَمَّلْهُ، والله أعلم.. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: "كَأَنْتِ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي" فَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِي تَشْبِيهٌ لِمَسْأَلَةٍ بِأُخْرَى لَا تَمْثِيلٌ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهَا وَلِذَا اُغْتُفِرَ فِيهِ إدْرَاجٌ "كَأُمِّي" وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ انتهى.، وَهُوَ كَمَا قَالَ رحمه الله: إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ الْجَارِيَيْنِ فِيمَا إذَا نَوَى بِصَرِيحِ الظِّهَارِ الطَّلَاقَ يَجْرِيَانِ فِيمَا

(5/432)


---------------------------
إذَا قَالَ أَنْتِ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي يَعْنِي إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِجَرَيَانِ ذَلِكَ فِيهَا فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ كِتَابِ الظِّهَارِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَصَرَّحَ فِي المدونة: بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ ظِهَارٌ، وَنَصُّهُ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ، وَإِنْ قَالَ: لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِثْلُ أُمِّي أَوْ حَرَامٌ كَأُمِّي، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ مُظَاهِرٌ، وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَقَالَ قَبْلَهُ، وَإِنْ قَالَ: لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِثْلُ أُمِّي، فَهُوَ مُظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِلْحَرَامِ مَخْرَجًا حِينَ قَالَ: مِثْلُ أُمِّي قَالَ غَيْرُهُ، وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الْكَفَّارَةَ فِي الظِّهَارِ، وَلَا يَعْقِلُ مَنْ لَفَظَ بِهِ فِيهِ شَيْئًا سِوَى التَّحْرِيمِ ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ أُمَّهُ كَانَ الْبَتَاتُ انتهى.، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي المدونة: أَنْتِ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي، وَلَكِنَّهُ يُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِنْ بَابٍ أَحْرَى؛ لِأَنَّهُ إذَا قُلْنَا إنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ حَرَامٌ كَأُمِّي ظِهَارٌ فَقَوْلُهُ كَظَهْرِ أُمِّي مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ لَكِنْ ذَكَرَ فِيهِمَا خِلَافَ مَا قَالَ فِي المدونة:: وَنَصُّهُ . وَلَوْ قَالَ أَنْتِ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي، فَعَلَى مَا نَوَى مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَظِهَارٌ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ طَلَاقٌ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي إنْ نَوَى بِذَلِكَ الظِّهَارَ، وَالطَّلَاقَ لَزِمَاهُ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إذَا قَدَّمَ الظِّهَارَ فِي نِيَّتِهِ، وَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ فَقَطْ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا ابْنَ شَاسٍ، وَظَاهِرُ المدونة: خِلَافُ مَا قَالَاهُ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ المدونة: السَّابِقَ ثُمَّ قَالَ بِمُقْتَضَاهُ إنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي نَقَلْنَاهُ آخِرًا مَعَ النِّيَّةِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ، وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ . وَقَوْلُهُ هَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْغَيْرِ فِي الْأُولَى خِلَافٌ هَكَذَا قال ابن عبد السلام:: فِي مَعْنَى المدونة:، وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُهُ لَا خِلَافَ فِي إلْزَامِهِ الظِّهَارَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَكَلَامُ عِيَاضٍ قَرِيبٌ مِنْهُ أَعْنِي أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الْكِتَابِ أَنَّهُ ظِهَارٌ، وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، فَإِنَّهُ قَالَ، وَإِنْ قَرَنَ بِظِهَارِهِ لَفْظَةَ الْحَرَامِ فَقَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِثْلُ أُمِّي فَفِي المدونة: أَنَّهُ ظِهَارٌ . وَمِثْلُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ، وَكَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فِي ذَلِكَ، وَفِي حَرَامٍ مِنْ أُمِّي أَنَّهُ ظِهَارٌ، وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هَذَا إذَا سَمَّى الظَّهْرَ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ، فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَى، وَفِي كِتَابِ الْوَقَارِ فِي حَرَامٍ مِثْلُ أُمِّي هُوَ الْبَتَاتُ، وَيَلْزَمُهُ الظِّهَارُ مَتَى رَاجَعَ، وَفِي سَمَاعِ عِيسَى فِي أَحْرَمُ مِنْ أُمِّي أَنَّهَا ثَلَاثٌ انتهى.، وَنَقَلَ ابْنُ حَارِثٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا إذَا قَالَ حَرَامٌ مِثْلُ أُمِّي إنَّهُ طَلَاقٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الظِّهَارَ قِيلَ، وَالْمَشْهُورُ فِي أَحْرَمُ مِنْ أُمِّي إنَّهُ ظِهَارٌ انتهى.، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ نَحْوَهُ لِأَبِي الْحَسَنِ فِي فَهْمِ كَلَامِ المدونة:، وَإِنَّ قَوْلَهُ فِي الثَّانِيَةِ لَا اخْتِلَافَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْغَيْرِ فِي الْأُولَى خِلَافٌ، وَيَعْنِي، والله أعلم.أَنَّ مُرَادَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِقَوْلِهِ فِي الْأُولَى هُوَ ظِهَارٌ مَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ فَيَلْزَمُهُ، وَأَنَّ الْغَيْرَ يَقُولُ هُوَ ظِهَارٌ، وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، والله أعلم.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: مَا تَقَدَّمَ عَنْ اللَّخْمِيِّ مِنْ قَصْرِ الْخِلَافِ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ حُكْمَ الظِّهَارِ تَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي اللُّبَابِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَجَعَلَهُ في الشامل طَرِيقَةً.

(5/433)


أو أنت أمي إلا لقصد الكرامة أو كظهر أجنبية، ونوي فيها في الطلاق فألبتات، كأنت كفلانة الأجنبية إلا أن ينويه مستفت، أو كابني أو غلامي ككل شيء حرمه الكتاب.
---------------------------
الثاني: لو أراد بصريح الظهار الطلاق والظهار جميعا فالظاهر على تأويل ابن رشد أنهما يلزماه معا وأما على التأويل الثاني فلا شك في عدم لزوم الطلاق.
الثالث: علم مما تقدم أنه إذا قبلنا قوله في لزوم الطلاق فاللازم له الثلاث وكان المصنف سكت عن ذلك لما سيقوله في الكناية الظاهرة أنه إذا قصد بها الطلاق ينوي في ذلك ويلزمه ألبتات ص: "أو أنت أمي" ش: قال اللخمي: في أوائل كتاب الظهار قال مالك في كتاب محمد إذا قال أنت أمي إن فعلت كذا وكذا ففعله فهو مظاهر وهذا لقصد الحالف ليس لمجرد لفظه لأن الظهار أن يجعلها حراما كأمه ومقتضى قوله أنت أمي أن تكون الزوجة أما وهذا مستحيل أن يكون شخصان هنا شخصا واحدا انتهى. فظاهره أنه لا يلزمه شيء في قوله: "أنت أمي" إلا إذا أراد به الظهار أو قامت قرينة على ذلك وهو ظاهر لأنه يشبه قوله يا أمي ويا أختي وقال في رسم القسمة من سماع عيسى من كتاب الظهار قال ابن القاسم من قال لامرأته أنت أمي يريد بذلك الطلاق فهو الطلاق وإن كان لا يريد به الطلاق فهو ظهار انتهى. وذكر الرجراجي فيه قولين.
أحدهما: رواية عيسى هذه.
والثاني: رواية أشهب أنه الطلاق الثلاث ولا يلزمه الظهار وعلى رواية عيسى مشى المصنف ص: "فألبتات" ش: قد تقدم أن الكناية نوعان:
الأول: إذا شبه بذوات المحارم ولم يذكر الظهر فثبوته في الطلاق هو المشهور وقال ابن الماجشون هو ظهار ولا يصدق في دعوى الطلاق قال في التوضيح: وعلى المشهور إذا نوى به الطلاق فهو ألبتات ولا ينوي في دونها إلا أن يكون غير مدخول بها فينوي وقال سحنون: ينوي أيضا في المدخول بها قال صاحب المقدمات: وهو أظهر لأنه ليس من ألفاظ الطلاق

(5/434)


ولزم بأي كلام نواه لا بأن وطئتك وطئت أمي، أو لا أعود لمسك حتى أمس أمي أو لا أراجعك حتى أراجع أمي فلا شيء عليه:
----------------------------
فوجب أن يوقف الأمر على ما نوى وأما النوع الثاني: إذا قال أنت كظهر فلانة الأجنبية فما قاله من أنه ظهار إلا أن ينوي به الطلاق فيكون ما نوى هو مذهب المدونة: انتهى. وقال أولا في شرح قول ابن الحاجب وينوي في الطلاق أي ينوي في الكناية الظاهرة بنوعيها ويصدق فيما قصده منه انتهى. ثم قال وأما النوع الأول وذكر ما تقدم وظاهر كلامه في التوضيح أنه ينوي فيما أراد فتأمله وظاهر كلام ابن عرفة أنه ألبتات قال وفيها إن قال أنت علي كظهر فلانة الأجنبية وهي متزوجة أم لا فهو مظاهر وقال غيره هي طالق أبو إبراهيم قول الغير خلاف قال فضل وابن رشد وعبد الملك زاد بعده ولا نية له وزاد أيضا بعد إلا أن يريد بذلك التحريم فيكون ألبتات انتهى. والله أعلم.ص: "ولزم بأي كلام نواه" ش: هذه هي الكناية الخفية قال ابن عرفة: والكناية الخفية ما معنى لفظه مباين له وأزيد منه إن لم يوجب معناه حكما اعتبر فيه كاسقني الماء وإلا ففيهما كأنت طالق وأشار في المقدمات إلى إجرائها على خفية الطلاق فتلغى على قول مطرف وروايته لغوها في الطلاق وعلى قول أشهب فيها إن لم ينو فيها معنى التطليق انتهى. وتقدم في المقدمات ص: "لا بأن وطئتك وطئت أمي" ش: قال ابن غازي ذكره ابن عبد السلام وذكر ابن عرفة أنه لم يجده لغيره قال وكونه ظهارا أقرب من لغوه لأنه إن كان معنى قوله إن وطئتك وطئت أمي لا أطؤك حتى أطأ أمي فهو لغو وإن كان معناه وطئي إياك كوطء أمي فهو ظهار وهذا أقرب كقوله تعالى: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} ليس معناه لا يسرق حتى يسرق أخ له من قبل وإلا لما أنكر عليهم يوسف عليه السلام بل معناه سرقته كسرقة أخيه من قبل ولذا أنكر عليهم انتهى. وما ذكره عن ابن عرفة بعض كلامه وترك منه شيئا كثيرا محتاجا إليه ونص كلامه وسمع يحيى ابن القاسم من قال لجاريته لا أعود لمسك حتى أمس أمتي لا شيء عليه ابن رشد لأنه كمن قال لا أمس أمتي أبدا.
قلت: انظر هل هذا مثل قوله: "إن وطئتك فقد وطئت أمي" نقل ابن عبد السلام أنه لا شيء عليه ولم أجده لغيره وفي النفس من نقله الصقلي عن سحنون شك لعدم نقله

(5/435)


وتعددت الكفارة إن عاد ثم ظاهر أو قال لأربع من دخلت،
--------------------------
الشيخ في نوادره وانظر هل هو مثل قوله أنت أمي سمع عيسى أنه ظهار وهذا أقرب من لغوه لأنه إن كان معنى قوله إن وطئتك إلى آخر ما نقله ابن غازي فانظر هذا الذي تركه ابن غازي رحمه الله وما فيه من الفوائد ذكره ابن عرفة من جهة البحث ظاهر فإن المتبادر من قوله: "إن وطئتك فقد وطئت أمي" أي وطئي إياك مثل وطء أمي وأما من جهة النقل فذكره ابن عبد السلام قبل الكلام على الكناية الخفية كما قال قبله ونقله في التوضيح أيضا وقبله ونقله ابن يونس في أوائل الظهار كما قال وقبله ونصه وقال سحنون: وإن قال إن وطئتك وطئت أمي فلا شيء عليه انتهى. وكلام ابن عرفة متدافع لأنه قال أولا لم أجده لغير ابن عبد السلام ثم قال إن الصقلي ذكره عن سحنون وقوله إن في النفس شيئا من نقله الصقلي عن سحنون لعدم نقله الشيخ في نوادره فغير ظاهر لأن إمامة ابن يونس وجلالته وثقته معروفة فلا ينبغي أن يطعن في قوله وكون الشيخ لم يذكره ليس فيه حجة لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ على أن الشيخ لم ينف وجوده وهذا كله إذا لم ينو الظهار أما إذا نوى به الظهار فلا إشكال أنه يلزمه وقول الشارح في الكبير ظاهر كلام المصنف أنه لا يلزمه ولو نوى به الظهار بعيد لأن المصنف قد قدم أنه يلزم بأي كلام نواه به فتأمله وقول البساطي أكثر هذه الألفاظ في المدونة: ليس كذلك لأنه ليس شيء منها في المدونة: وقال اللخمي: في أوائل كتاب الظهار ولو قال لا أمسك حتى أمس أمي لم يكن مظاهرا لأنه لم يلحقها بها في التحريم ولم يشبهها بها ولو أراد بذلك التحريم لكانت طالقا انتهى.
قلت: فيفهم منه إن قصد به التحريم فهو طلاق فيتحصل من هذا أن هذه الألفاظ إن قصد بها التحريم فهو طلاق وإن قصد بها الظهار فظهار وإن لم يقصد بها شيئا فلا شيء عليه والله أعلم. ص: "وتعددت الكفارة إن عاد ثم ظاهر" ش: يعني لو ظاهر ثم عاد ثم ظاهر أيضا لزمته كفارة ثانية ولو كان ظهاره ثانية بما ظاهر به أولا قال في التوضيح: كما لو قال أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار وعاد ثم قال ثانيا أنت علي كظهر أمي إن دخلت

(5/436)


أو كل من دخلت، أو أيتكن؛
----------------------------
الدار لأن الأولى لما تقرر شرطها وهو العود صارت اليمين الثانية وإن كانت بغير ما علق به أولا مخالفة للأولى فصار بمنزلة ما لو قال أنت علي كظهر أمي إن كلمت زيدا وأنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار انتهى. واعلم أولا أن كلام المصنف نحو كلام ابن الحاجب وهو شامل لما مثل به في التوضيح وبما إذا قال لزوجته أنت علي كظهر أمي من غير تعليق ثم عاد ثم قال أنت علي كظهر أمي ومقتضى كلامها أن الكفارة تتعدد في ذلك وهو خلاف مذهب ابن القاسم في الصورتين بل لو شرع في الكفارة عن الأول ثم ظاهر لم تتعدد الكفارة بل يبتدئها من حينئذ وتجزئ عن الظهارين قال ابن رشد: إذا وقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة عن الظهار الأول وكان ذلك مما لا يجب فيه إلا كفارة واحدة لم يجب عليه إتمام الأولى واستأنف كفارة الظهار من يوم أوقع الظهار الثاني وحيث تجب عليه لكل واحد كفارة إذا أوقع الثاني بعد أن شرع في الكفارة الأولى يجب عليه إتمامها وابتداء كفارة أخرى للظهار الثاني هذا تحصيل مذهب ابن القاسم في هذه المسألة وحكى ابن حبيب عن أصبغ أنه إذا كان الظهار الأول بفعل والثاني بفعل فعليه لكل واحد كفارة وإن كان الفعل واحدا وهو بعيد ولابن الماجشون في ديوانه أن كفارة واحدة تجزئه في ذلك كيفما كان فعلى مذهبه إذا وقع الظهار الثاني بعد أن شرع في كفارة الظهار الأول يبتدئ من يوم أوقع الثاني وإن كانا جميعا بفعلين في شيئين مختلفين وقد قيل إنه إذا أوقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة للأول يتم للأولى ثم يستأنف الثانية وإن كانا جميعا بغير فعل قال ابن المواز وهو أحب إلي إن لم يبق من الأولى إلا يسير وإن لم يكن من الأولى إلا يومان أو ثلاثة فإنه يتمها ويجزئه لهما جميعا وقول ابن القاسم في هذه المسائل كلها أظهر الأقوال وأولاها بالصواب انتهى.
ثم قال في سماع أبي زيد: قال ابن القاسم في رجل قال أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك فأخذ في الكفارة فلما صام شهرا وقع بينه وبينها مشاجرة فقال لها: أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك قال: يبتدئ شهرين من يوم ظاهر للظهار الآخر قيل له: فإنه ابتدأ فلما صام أياما أراد أن يبر بالتزويج عليها قال: إذا تزوج عليها سقطت عنه الكفارة وبطل عليه الصيام قال ابن رشد: لا يجب على الرجل الظهار بقوله امرأتي علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليها لأنه لم يحنث بعد ولا يقع عليه الحنث إلا بعد الموت إلا أن الكفارة تجزئه قبل

(5/437)


لا إن تزوجتكن أو كل امرأة.
----------------------------
الحنث لأنها يمين هو فيها على حنث فإن أراد أن يكفر ليحل عن نفسه الظهار فيجوز له الوطء كان له ذلك وإن لم يفعل وطلبته المرأة بالوطء ضرب له أجل الإيلاء إذ لا يجوز له أن يطأ إلا أن يكفر فإن هو لما أخذ في الكفارة قال لها مرة أخرى أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك عاد إلى ما كان عليه قبل أن يبتدئ الكفارة وسقط ما مضى منها ولم يكن له أن يطأ حتى يستأنف الكفارة على ما قال ولم يكن له أن يتم الكفارة التي دخل فيها ثم يستأنف الكفارة لليمين الأخرى لأن اليمينين جميعا على فعل واحد فلا يلزمه فيهما إلا كفارة واحدة فإن تزوج عليها بر بالتزويج وانحلت اليمين ولم يكن عليه إتمام ما دخل فيه من الكفارة وهذا كله بين انتهى. وقال في التوضيح ولو أخذ في كفارة الظهار ثم قال أنت علي كظهر أمي فليبتدئ الآن كفارة واحدة وتجزئه وقل بل يتم الأولى ويبتدئ كفارة ثانية محمد وهو أحب إلي إذا كان لم يبق من الأولى إلا اليسير وأما إن مضى يومان أو ثلاثة فليتم ويجزئه لهما وقال أشهب سواء مضى أكثر الكفارة أو أقلها فإنه يجزئه أن يبدأ الكفارة عن الظهارين إذا كانا نوعا واحدا مثل أن يقول أنت علي كظهر أمي ثم يقول وقد أخذ في الكفارة مثل ذلك وكذلك لو كان الأول بيمين حنث فيها والثاني بغير يمين قال وإن كان الأول بغير يمين والثاني بيمين حنث فيها فليتم الأول ويبتدئ كفارة ثانية للظهار الثاني انتهى. وقال ابن عرفة ولو حدث التكرار بعد تمام كفارة الأول تعددت لما بعدها اتفاقا ولو حدث في أثنائها ففي أجزاء ابتدائها عنهما ولزوم تمام الأولى وابتداء ثانية ثالثها إن لم يبق من الأولى إلا اليسير وإن مضى منها يومان أو ثلاثة أجزأه إتمامها عنهما ثم ذكر الخلاف ثم قال وقول ابن الحاجب لو عاد ثم ظاهر لزم ظهاره دون خلاف ليس كذلك ولو قال: "لو وطئ" بدل "لو عاد" لاستقام انتهى. والله أعلم.ص: "لا إن تزوجتكن" ش: أي لا إن قال لنسوة: إن تزوجتكن فأنتن علي كظهر أمي فلا تتعدد عليه الكفارة بل عليه كفارة واحدة إذا تزوجهن أو تزوج واحدة منهن قاله في المدونة: قال ابن رشد: ولا خلاف في ذلك بخلاف ما لو قال لأربع نسوة من تزوجت منكن فهي علي كظهر أمي قاله في المدونة: وعزاه ابن رشد في آخر سماع ابن القاسم لابن المواز ص: "أو كل امرأة" ش: أي إذا قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي فإنما عليه كفارة واحدة وكذلك إذا قال لامرأته كل امرأة أتزوجها فهي علي

(5/438)


أو ظاهر من نسائه، أو كرره أو علقه، بمتحد إلا أن ينوي كفارات، فتلزمه وله المس بعد واحدة على الأرجح، وحرم قبلها الاستمتاع،
--------------------------
كظهر أمي بخلاف ما لو قال من تزوجت من النساء فهي علي كظهر أمي قاله ابن المواز ونقله في البيان وفي التوضيح. قال في التوضيح: قال في الاستلحاق: وانظر إذا قال من تزوجت فهي علي كظهر أمي ولم يقل من النساء فهل تجزئه كفارة واحدة؟ انتهى. ص: "أو كرره أو علقه بمتحد" ش: قال ابن رشد: في نوازل أصبغ من كتاب الظهار: مذهب ابن القاسم أن الرجل إذا ظاهر من امرأته ظهارا بعد ظهار أنهما إن كانا جميعا بغير فعل أو جميعا بفعل في شيء واحد أو الأول بفعل والثاني بغير فعل فليس عليه فيهما جميعا إلا كفارة واحدة إلا أن يريد أن عليه في كل ظهار كفارة فيلزمه ذلك وأنهما إن كانا جميعا بفعلين مختلفين أو الأول منهما بغير فعل والثاني بفعل فعليه في كل واحدة منهما كفارة ثم ذكر ما نقلناه عنه في شرح قول المصنف: "وتعددت الكفارة إن عاد ثم ظاهر" والله أعلم. ص: "وله المس بعد واحدة على الأرجح" ش: لأنها هي كفارة الظهار والباقي كطعام نذره قاله القابسي

(5/439)


وعليها منعه ووجب إن خافته رفعها للحاكم وجاز كونه معها إن أمن وسقط إن تعلق ولم يتنجز بالطلاق الثلاث أو تأخر كأنت طالق ثلاثا وأنت علي كظهر أمي:
--------------------------
وأبو عمران قالا: وإنما تفاوضا بهذه الكفارة وضاق الثلث قدمت كفارة واحدة على كفارة اليمين بالله تعالى وتقدم كفارة اليمين على ما بقي لأنه نذر قال ابن يونس: هذا هو الصواب ومقابله لأبي محمد: لا يطأ حتى يكفر ما نوى من الكفارات انتهى. من التوضيح بالمعنى وقال ابن رشد في نوازل أصبغ من كتاب الظهار: قال أبو إسحاق: ويجوز له أن يطأ بعد الكفارة الأولى وقبل الثانية قال ابن رشد: بل هو الواجب لأنه لو كفر يعني الثانية قبل أن يطأ لم تجزه الكفارة إذ ليس بمظاهر وإنما هو حالف كرجل قال: إن وطئت امرأتي فعلي كفارة الظهار فلا تلزمه الكفارة حتى يطأ انتهى. قال ابن عرفة: وللخمي نحو ما لابن إسحاق وقال ابن عبد السلام قد يقال إن المكلف التزام ما بقي من الكفارة قبل المماسة فيلزمه ما التزم كما لو قال لله علي أن أعتق رقبتين قبل أن أطأ لما جاز له الوطء إلا بعد عتقهما وأجل هذا هو الذي فهمه الشيخ أبو محمد من مراد المظاهر وفهم غيره النذر المعلق فكأنه قال إن وطئتها فعلي كفارتان وعلى هذا فيسأل المظاهر عن مراده ويتفق القولان قال وينبغي أن لا يشترط العود فيما زاد على كفارة واحدة على مذهب القابسي انتهى. وما قاله إذا بين المظاهر مراده أنه يعمل عليه ظاهر ولعل الخلاف إنما هو إذا لم تكن له نية فاختلف على ماذا يحمل كلامه وأما قوله إنه ينبغي أن لا يشترط العود على مذهب القابسي فإن أراد بذلك إذا كان مراد الحالف ما قال فظاهر وأما إن كان مراده الوجه الآخر أو لم تكن له نية فلا يصح أن يقدم الكفارة قبل الوطء فضلا عن العود فتأمله والله أعلم. ص: "وسقط إن تعلق ولم يتنجز بالطلاق الثلاث" ش: تصوره ظاهر وقوله: "الثلاث" احتراز مما لو طلق واحدة أو اثنتين قال

(5/440)


----------------------------
في المدونة: وإن قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي فطلقها واحدة أو اثنتين فبانت منه ودخلت الدار وهي في غير ملكه لم يحنث بدخولها فإن تزوجها ودخلت وهي تحته عاد عليه الظهار انتهى. وقوله في المدونة: فطلقها واحدة أو اثنتين فبانت منه ودخلت فظهر منه أنها لو دخلت في العدة وكان الطلاق رجعيا لزمه الظهار وقد صرح به ابن الحاجب في الكلام على الطلاق.
فرع: قال في المقدمات: ومن ظاهر من أمته بيمين ثم باعها ثم اشتراها فإن اليمين ترجع عليه على مذهب ابن القاسم إن بيعت عليه في الدين وإنما لا تعود عليه اليمين إذا عادت إليه بميراث انتهى. قال اللخمي: وعلى قول ابن بكير لا يكون مظاهرا يعني إذا عادت إليه بشراء ونقله ابن عرفة وصاحب الشامل.
فرع: قال اللخمي: وإن كان نكاحان بينهما ملك فحلف وهي زوجة لم يحنث حتى طلق ثم اشتراها ثم باعها ثم تزوجها عادت على العصمة الأولى فإن حنث كان مظاهرا وإن كانا ملكين بينهما نكاح لم يبن الملك الثاني على الأول لأن النكاح الذي بينهما صحح البيع قال وإن حلف وهي زوجة فانفسخ النكاح ثم باعها ثم تزوجها ثم حنث لم يكن مظاهرا لأن العصمة الأولى زالت وهذا نكاح مبتدأ بمنزلة من قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثم اشتراها فانفسخ النكاح ثم باعها ثم تزوجها ثم دخل لم تطلق عليه لأن العصمة التي حلف لها زالت وهذا نكاح مبتدأ ولو لم يحنث بالطلاق وأوقع عليها طلقة كان قد بقي له فيها طلقتان انتهى. ففرق بين أن يكون اشتراها بعد طلقة أو فعل طلقة ونقل في الشامل: كلامه الأول ولم ينقل الأخير فيتوهم أن حكمهما واحد ولم ينقل ابن عرفة هنا عن اللخمي ولا كلمة ولا عن ابن يونس وإنما نقل كلامه في المقدمات في المسألة المتقدمة وفي هذه المسألة وهي ما إذا ظاهر من زوجته وهي أمة بيمين ثم اشتراها قبل أن يحنث باليمين قال في المقدمات: فذهب بعض الشيوخ إلى أن اليمين لا تعود عليه لأنه ملك يمين لا ملك عصمة فهو غير المالك الأول كملك العصمة بعد الطلاق ثلاثا قال إلا أن يبيعها ثم يتزوجها فإنه يعود عليه اليمين لأنه بقي له فيها طلقتان واليمين تعود ما بقي من طلاق ذلك الملك شيء انتهى. ويظهر من كلامه الأخير أن شراءها كان بعد أن طلقها طلقة واحدة وهذا القول نقله ابن يونس عن بعض أصحابنا وقاله اللخمي ولم ينقل غيره قال وعكسه أن يحلف بظهر أمته فلم يحنث حتى باعها ثم تزوجها ثم حنث وهي زوجة لم يلزمه ظهار انتهى. ثم قال في المقدمات وذهب بعضهم إلى أن اليمين تعود عليه إذا اشتراها انتهى. قال ابن يونس وهو أصوب ثم قال في المقدمات والذي أقول به إنه إن ورث جميعها أو اشترى جميعها في صفقة واحدة فاليمين باقية عليه لا تسقط عنه إذ لم تحرم عليه لخروجها من عصمة النكاح إلى ملك اليمين ولا أقول إنها تعود عليه إذ لا يكون العود إلا بعد المفارقة وأما إذا ورث بعضها أو اشترى بعضها فحرمت عليه بذلك ثم اشترى

(5/441)


كقوله لغير مدخول بها أنت طالق، وأنت علي كظهر أمي لا إن تقدم أو صاحب كإن تزوجتك فأنت طالق ثلاثا وأنت علي كظهر أمي، وإن عرض عليه نكاح امرأة فقال هي أمي فظهار، وتجب بالعود،
--------------------------------
بقيتها فحلت له بالملك فاليمين لا تعود عليه لأن ملك اليمين غير ملك العصمة وملك اليمين من ملك العصمة أبعد من ملك العصمة الثانية من ملك العصمة الأولى انتهى. ص: "لا إن تقدم" ش: لا كلام في هذا وكذلك لو ظاهر من زوجته الأمة ثم طلقها ثم اشتراها أو اشتراها قبل أن يطلقها أو كان علقه ثم حنث قبل الشراء فإن الظهار لازم له قاله اللخمي وهو في المدونة: والله أعلم.ص: "أو صاحب" ش: قال في التوضيح: عن اللخمي ولو كانا في مجلسين أعني قال في مجلس إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثا وفي مجلس إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي ونقل أبو الحسن عن ابن محرز أن قوله لزوجته التي في عصمته إن دخلت الدار فأنت طالق ألبتة وأنت علي كظهر أمي مثل قوله للأجنبية إن تزوجتك إلى آخره وقال عنه ولو أنه قال إن تزوجتها فهي طالق ثلاثا ثم هي علي كظهر أمي أو قال لزوجته أنت طالق إن دخلت الدار ثم أنت علي كظهر أمي لم يلزمه الظهار لأنه حينئذ وقع على غير زوجة لما وقع مرتبا على الطلاق انتهى. وانظر اللخمي والله أعلم. ص: "وإن عرض عليه نكاح امرأة" ش: قال ابن عرفة: والمعلق بالقرينة كالصريح كالطلاق وروى الباجي: من ذكر له نكاح امرأة فقال هي أمي مظاهر إن تزوجها الباجي: يريد لأنه مستند إلى ما عرض عليه

(5/442)


وتتحتم بالوطء، وتجب بالعود ولا تجزئ قبله، وهل هو العزم على الوطء، أو مع الإمساك؟ تأويلان وخلاف . وسقطت إن لم يطأ بطلاقها وموتها، وهل تجزئ إن أتمها؟ تأويلان، وهي إعتاق رقبة لا جنين وعتق بعد وضعه
----------------------------
من زواجها فكأنه قال: إن فعلت فهي أمي ولو أراد أن يصفها بالكبر لم يلزمه ظهار انتهى. ص: "وتتحتم بالوطء" ش: قال في المتيطية: فإن وطئ قبل الكفارة فقد ثبت وجوبها عليه ويعاقب جاهلا كان أو عالما وعقوبة العالم أشد انتهى. ص: "وهل يجزئ إن أتمها تأويلان" ش: هذان التأويلان في الطلاق البائن أو الرجعي بعد العدة وأما الرجعي قبل انقضاء العدة فإن أتمها أجزأه باتفاق قاله في تهذيب الطالب وقيده صاحب البيان بما إذا نوى رجعتها وعزم على الوطء وإن لم ينو فيكون كالطلاق البائن قاله في التوضيح.
فرع: قال في الشامل: فإن قصد البراءة بالرجعي ارتجع ثم كفر قبل الرجعة في العدة ففي الإجزاء قولان انتهى. وقوله: "فإن قصد البراءة" أي أن يبتدئ الكفارة في الرجعي ارتجع ثم كفر وانظر المسألة في كتاب الظهار في أول سماع القرينين.
فرع: فإن كان لما إن طلقها لم تتم الكفارة حتى تزوجها قال في التوضيح: فاتفق على أنه لا يبني على الصوم اتفاقا واختلف هل يبني على الإطعام على أربعة أقوال فذكرها انتهى. وهذا الذي قاله هو أيضا في أول سماع القرينين ص: "لا جنين وعتق بعد وضعه" ش: هو كقوله في المدونة: ويعتق إذا وضعته وقال ابن عبد السلام: قول ابن الحاجب فلو أعتق جنينا عتق ولم يجزه أقرب من عبارتها لأن ظاهر كلامه أنه معتق حين عتقه وعبارتها تدل على أن

(5/443)


ومنقطع خبره
-----------------------------
عتقه حين الوضع فيقال على هذا إذا وضعته صار رقبة وعتقه حينئذ عن الكفارة فيجزئه ولكن لا يخفى عليك الجواب عن هذا انتهى. وقوله في الشامل: وعتق بعد وضعه وقيل بعتقه ولم أر من نقل هذا الخلاف والله أعلم.
فرع: وأما عتق الرضيع فيجزئ قاله كل أهل المذهب قال في المدونة: ويجزئ عتق الصغير والأعجمي في كفارة الظهار إذا كان من قصر النفقة قال ابن ناجي ما ذكره في الصغير متفق عليه ويريد بقوله: "يجزئه" أن نفقته عليه إلى أن يبلغ الكسب ولو بالسؤال وبه كان شيخنا حفظه الله يفتي ويذكر أن أبا حفص العطار نص على ذلك وأخذ ابن رشد مثله من قولها في كتاب التجارة: ومن أعتق ابن أمته الصغير فله بيع أمه ويشترط على المبتاع نفقة الولد ومؤنته وقد تقدم الكلام على هذا المعنى أعني نفقة الصغير في فصل زواج الإماء وما ذكر أن ابن العطار نص عليه تقدم نقله عن ابن رشد وكأنه لم يقف عليه والله أعلم. وقوله في المدونة: "إذا كان من قصر النفقة" قال في التوضيح: قال أبو عمران هو على الاستحباب وأما الإجزاء فإنه يجزئ وإن كان مع سعة النفقة قال ابن عبد السلام: وقيل إنه شرط ينتفي الإجزاء بانتفائه والأولى أولى لأنه لا يعلم شيء من مسائل هذا الباب وما يقرب منه يجزئ الفقير ولا يجزئ الغني. انتهى كلامه.
فرع: قال في سماع أصبغ: قيل أرأيت من أعتق في رقبة واجبة منفوسا فكبر أخرس أو أصم أو مقعدا أو مطبقا أعليه بدلها قال ليس ذلك عليه وهذا شيء يحدث وكذلك لو ابتاعه فكبر على مثل هذا لم يلحق البائع شيء من ذلك ابن رشد تعليله لإجزاء ذلك في الكفارة وأنه لا رجوع في ذلك على البائع بأن هذا شيء يحدث ليس بعلة صحيحة لأن ما يقدم ويحدث من العيوب إذا أمكن أن يعلم بحلف البائع فيه اليمين ولا يجزئ عن المكفر في الكفارة إذا كان العيب مما لا يجوز في الرقاب فالعلة في ذلك إنما هي أن هذا مما يستوي البائع والمبتاع في الجهل بمعرفته ولا يمكن أن يعلمه أحد فإن لم يكن له حكم البيع في قيام المبتاع على البائع ولا في عدم الإجزاء في الكفارة لأن المكفر قد ادعى ما يجب عليه باجتهاد ولم يقصر فلا درك عليه ص: "ومنقطع خبره" ش: قال في المدونة: في كتاب الضوال: ومن أعتق آبقا عن ظهاره لم يجزه إذ لا يدري أحي هو أم ميت أم معيب أم سليم إلا أن يعرف في الوقت موضعه وسلامته من العيوب فيجزئه أو يعلم بذلك بعد عتقه فيجزئه ذلك وإن جهل أولا انتهى. والفرق بينه وبين الجنين أن هذا رقبة والجنين ليس برقبة والله أعلم. ص: "وفي

(5/444)


مؤمنة، وفي العجمي: تأويلان، وفي الوقف حتى سيسلم: قولان، سليمة عن: قطع أصبع، وعمى، وبكم، وجنون وإن قل، ومرض مشرف، وقطع أذنين، وصمم، وهرم، وعرج: شديدين، وجذام، وبرص، وفلج بلا شوب عوض، لا مشترى للعتق ومحررة له لا من يعتق عليه،
------------------------------
العجمي تأويلان" ش: الكافر إذا كان يجبر على الإسلام كالمجوسي صغيرا أو كبيرا أو من لا يعقل دينه من أهل الكتاب ففي إجزائه خلاف انظر اللخمي ص: "سليمة عن قطع أصبع" ش: ومثله الشلل والإقعاد وذهاب الأسنان كلها قاله ابن عرفة عن اللخمي.
فروع: الأول: المشهور في المذهب المعلوم من قول مالك في الحج الثاني من المدونة: وغيرها فيمن اشترى عبدا فأعتقه في ظهاره أو بعيرا فقلده وأشعره ثم أصاب به عيبا لا يجزئه العبد في الرقاب ولا البعير في الهدايا أنه يرجع بقيمة العبد ولا يرده لفواته بالعتق أو بالهدي ويجعل ما يؤخذ في قيمة العيب فيما وجب عليه من بدله قاله في سماع محمد بن خالد.
الثاني: من أعتق رقبة في ظهار فاستحقت الرقبة فرجع المعتق على بائعها بالثمن وهو ثمن واسع قال ابن القاسم: يشتري به كله رقبة ولا يشتري ببعضه لأن مالكا سئل عن الرجل يعتق الرقبة عن ظهار ثم يطلع على عيب قال يرجع به على بائعه ويجعله في رقبة فإن لم يجد به رقبة أعان به في رقبة يتم بها عتقها قال ابن القاسم: فمن هنا رأيت ما قلت: لك قال والعيب الذي أصيب بالعبد ليس هو مما إذا كان في العبد لم يجز في الرقاب ولكنه إذا كان بالعبد جاز العبد به وأجزأه.

(5/445)


وفي إن اشتريته فهو عن ظهاري: تأويلان: والعتق ؛ لا مكاتب، ومدبر ونحوهما، أو أعتق نصفا فكمل عليه، أو أعتقه، أو لا أعتق ثلاثا عن أربع، ويجزئ: أعور، ومغصوب، ومرهون، وجان ؛ إن افتديا، ومرض، وعرج خفيفين،
-----------------------
قلت: فلو كان تطوع قال: يرجع بالعيب ويصنع به ما شاء قاله في سماع سحنون.
الثالث: قال ابن عرفة: والدين المانع سعيه لنفسه لصرفه في قضاء دينه وزمانة الشيخوخة يمنعان إجزاءه بخلاف الصغير لاستقباله كذلك ولذا جاز بيعه انتهى. ص: "أو أعتق نصفا فكمل عليه أو أعتقه" ش: يعني أنه إذا أعتق نصف عبده عن ظهار ثم كمل الحاكم عليه عتق نصفه الثاني أو أعتق نصفه عن ظهاره ثم أعتق نصفه الثاني عن ذلك الظهار فإنه لا يجزئه أما الأولى فظاهر وأما الثانية فما ذكره المصنف هو قول ابن الماجشون وأصبغ وقال ابن عبد السلام: هو ظاهر المدونة: والأظهر لأن الحكم يوجب عليه التتميم فملكه لباقي غير تام ونقله في التوضيح ص: "ومغصوب" ش: قال ابن عرفة: في قول ابن شاس: "يجزئ المغصوب" نظرا لعدم قدرة العبد على التخلص انتهى. قال في التوضيح: وسواء قدر على خلاصه أم لا والله أعلم.ص: "ومرض وعرج خفيفين" ش: قال ابن عرفة: وخفيف العيب

(5/446)


وأنملة وجدع في أذن وعتق الغير عنه ولو لم يأذن؛ إن عاد ورضيه، وكره الخصي، وندب أن يصلي ويصوم، ثم لمعسر عنه وقت الأداء لا قادر. وإن بملك محتاج إليه: لكمرض، أو منصب، أو بملك رقبة فقط ظاهر منها صوم شهرين بالهلال منوي التتابع والكفارة، وتمم الأول إن انكسر من الثالث، ولسيد المنع إن أضر بخدمته ولم يؤد خراجه، وتعين لذي الرق، ولمن طولب بالفيئة، وقد التزم عتق من يملكه لعشر سنين،
-----------------------------
لغو اللخمي: كالخفيف من مرض وعرج وصمم ثم قال ابن عرفة: واللخمي معها: وكجذع

(5/447)


وإن أيسر فيه: تمادى، إلا أن يفسده . وندب العتق في: كاليومين، ولو تكفله المعسر: جاز وانقطع تتابعه بوطء المظاهر منها أو واحدة ممن فيهن كفارة وإن ليلا ناسيا . كبطلان الإطعام، وبفطر السفر، بمرض هاجه، لا إن لم يهجه، كحيض، ونفاس، وإكراه، وظن غروب، وفيها
----------------------------
في الأنف أو قطع أنملة أو بعض الأسنان الباجي عن ابن حبيب: أو الضرس ابن رشد ويجزئ ولد الزنا اتفاقا انتهى. وانظر إذا ذهبت أنملتان والأشبه الإجزاء لأن الخلاف في الأصبع والله أعلم. والأنملة بالفتح قاله في الصحاح ص: "وفيها ونسيان ثم قال وشهر أيضا القطع بالنسيان" ش: يعني أن من أكل ناسيا في صوم ظهاره لم ينقطع تتابع صومه على مذهب

(5/448)


ونسيان، وبالعيد إن تعمده لا جهله، وهل إن صام العيد وأيام التشريق، وإلا استأنف، أو يفطرهن ويبني؟ تأويلان، وجهل رمضان: كالعيد على الأرجح، وبفصل القضاء، وشهر أيضا القطع بالنسيان ؛ فإن لم يدر بعد صوم أربعة عن ظهارين موضع يومين: صامهما وقضى شهرين، وإن لم يدر اجتماعهما: صامهما
---------------------------
المدونة وشهر أنه ينقطع وهكذا حمله الشارحان ونحوه في التوضيح وذكر فيه أن المشهر للقول بالقطع هو صاحب البيان فأما ما نسبه للمدونة فهو في كتاب الظهار ونصه: ومن أكل

(5/449)


وقضى الأربعة، ثم تمليك ستين مسكينا أحرارا مسلمين: لكل مد وثلثان برا، وإن افتاتوا تمرا أو مخرجا في الطر: فعدله،
------------------------
ناسيا في صوم ظهار أو قتل نفس أو نذر متتابع أو أكره على الفطر أو تقايأ أو ظن أن الشمس قد غربت فأكل أو أكل بعد الفجر ولم يعلم أو وطئ نهارا غير التي تظاهر منها ناسيا فليقض في ذلك يوما يصله بصومه فإن لم يفعل ابتدأ الصوم من أوله انتهى. قال ابن ناجي في شرحها ما ذكره في النسيان والإكراه لا أعلم فيه خلافا انتهى. وأما ما ذكره من تشهير القول بالقطع بالنسيان ففيه إجمال وكلامه في التوضيح يقتضي أن صاحب البيان قال في مسألة المدونة: هذه أعني من أكل ناسيا ثم قضى يوما وصله بصيامه أن المشهور فيها القطع لأنه قال في التوضيح: في قول أشهب بن الحاجب وفي الخطأ والسهو ثالثها ينقطع بالخطأ والمشهور لا ينقطع ولو بوطء غيرها ويقضيه متصلا يعني اختلف هل ينقطع التتابع بالفطر سهوا كمن أفطر في يوم ناسيا أو خطأ كمن صام تسعة وخمسين يوما ثم أصبح مفطرا معتقدا أنه أكمل الصوم وكمن اعتقد أن الشمس غربت فأكل أو الفجر لم يطلع فأكل ثم تبين له خلاف ما اعتقده على ثلاثة أقوال الأول أنه ينقطع في السهو والخطأ وهو لمالك في الموازية نص فيه على القطع بالفطر ناسيا اللخمي وغيره وعليه فينقطع بالفطر خطأ وفي البيان مشهور المذهب أنه لا يعذر بالنسيان في كفارة القتل والظهار والقول الثاني أنه لا ينقطع بهما قال المصنف وهو المشهور وإنما عزاه اللخمي وصاحب البيان وغيرهما لابن عبد الحكم وقوله: "ولو بوطء غيرها" يعني إن عذر في الوطء فأحرى في الأكل والشرب والقول الثالث لا ينقطع بالسهو لأنه يعرض في كل جزء من أجزاء الصوم فيعسر التحرز منه بخلاف الخطأ وبعضهم يرى هذا

(5/450)


-----------------------------
الثالث ظاهر المذهب ذكره فيما أصبح مفطرا بعد تسعة وخمسين معتقدا الإتمام وقوله ويقضيه أي وإذا فرعنا على عدم القطع وهو ظاهر انتهى. كلامه برمته.
واعلم أن هنا شيئين: أحدهما الفطر ناسيا والثاني تفرقة صوم الظهار نسيانا كما إذا صام بعض الصوم ثم نسي التتابع فأفطر يوما أو يومين أو أكثر ثم ذكر أنه لم يكمل الصيام وكمن أفطر لعذر ثم لم يصل القضاء نسيانا والذي قال فيه صاحب البيان يبطل التتابع على المشهور هو الثاني لا الأول يظهر لك ذلك بكلامه وهذه المسألة في سماع سحنون وعزاه ابن عرفة لسماع يحيى ولم أرها إلا في سماع سحنون من كتاب الظهار ولم ينقلها الشيخ أبو محمد بن أبي زيد في نوادره إلا عن سحنون وسماع يحيى ليس فيه إلا مسألة واحدة فلعل ذلك وقع في نسخة الشيخ ابن عرفة ونص كلامه في كتاب الظهار التتابع في كفارة القتل والظهار فرض بنص التنزيل فلا يعذر أحد في تفرقتهما بالنسيان على المشهور في المذهب وإنما يعذر في ذلك بالمرض أو الحيض إن كان امرأة فإن مرض الرجل فأفطر في شهري صيامه أو أكل فيهما ناسيا قضى ذلك ووصله بصيامه فإن ترك أن يصله بصيامه ناسيا أو جاهلا أو متعمدا استأنف صيامه ثم قال ومحمد بن عبد الحكم يرى أنه يعذر في تفرقة الصوم بالنسيان لأنه أمر غالب كالمرض انتهى. وكذلك كلام اللخمي قريب من ذلك ونصه الصوم عن الظهار شهران متتابعان حسبما ورد به القرآن فمن أتى به متفرقا متعمدا لم يجزئه وإن كانت التفرقة عن مرض أجزأ أو اختلف إذا كانت عن نسيان أو خطأ ثم ذكر الخلاف وذكر ما نقله المصنف عنه في التوضيح ثم قال في آخر كلامه ومن أكل في نهاره بعد أن كان بيت الصوم ناسيا قضى يوما ووصله بصيامه وأجزأه ولم يستأنف لأن بعض أهل العلم قال إنه صوم صحيح لا يجب قضاؤه وقياس المذهب أن يكون بمنزلة من بيت الفطر لأنه لم يختلف قول مالك وأصحابه أنه صوم فاسد يجب قضاؤه ولا يحتسب به انتهى. فقوله: "وقياس المذهب" يدل على أنه ليس فيه خلاف منصوص فبان من كلامهما أنهما لم ينقلا الخلاف إلا في تفرقة النسيان لا فيمن أفطر ناسيا كما قاله المصنف في التوضيح وما نقله ابن عرفة عن ابن رشد هو كذلك فيه لا في عز وسماع يحيى فقط فإني لم أره إلا في سماع سحنون كما تقدم بيانه ونص كلام ابن عرفة ابن رشد في سماع يحيى لا يعذر بتفرقة النسيان وعذره به ابن عبد الحكم انتهى. وهذا هو الذي يظهر من كلامه في الجواهر ولم يذكر في التوضيح ما شهره ابن الحاجب إلا عن ابن عبد الحكم وقد شهره صاحب اللباب وذكر في المتيطية وفي معين الحكام مثل ما في المدونة: فقط ذكر من غير خلاف والله أعلم. هذا ما ظهر لي في ذلك وما ظهر له الحق بعد هذا الكلام في طريق فليتبعه والله الهادي للصواب.
تنبيه: أدخل المصنف في التوضيح في الخطأ مسألة من صام تسعة وخمسين ثم أصبح معتقدا للتمام وهي من التفرقة نسيانا والله أعلم.ثم فرع: المصنف مسألة اليومين فقال: فإن لم

(5/451)


-----------------------------
يدر بعد صوم أربعة عن ظهارين موضع يومين صامهما وقضى شهرين وإن لم يدر اجتماعهما صامهما والأربعة وصورة المسألة أنه صام أربعة أشهر عن ظهارين ثم ذكر بعد فراغه أنه ناس ليومين فتارة يذكر أنهما مجتمعان وتارة لا يدري هل هما مجتمعان أم مفترقان فإذا علم اجتماعهما فتارة يعلم أنهما ليس يوم من الأولى ويوم من الآخرة وتارة لا يعلم ذلك هذه صورة المسألة وأما حكمها فهي على ما قلنا إن الفطر ناسيا لا يقطع وإنما يقطع تفرقة النسيان بصوم يومين وشهرين فقط في جميع الصور أما اليومان فلاحتمال أن يكون اليومان اللذان أفطرهما من الأخيرة سواء كانا مجتمعين إما في أولها أو في آخرها أو في وسطها أو واحد من أولها وواحد من آخرها أو يكون منها يوم واحد فقط فيقضي يومين بعدها متصلا وأما الشهران فلاحتمال أن يكون اليومان من الأولى سواء كانا مجتمعين أو مفترقين أو يوم منها ويوم من الأخيرة لأنه كان الواجب عليه أن يصومهما إن كانا يومين أو واحدا إن كان واحدا عقيب فراغه منهما فلما فصل بينهما بالكفارة الثانية لزمه أن يبتدئهما والله أعلم.وكذا قال ابن شاس وابن بشير إنه إنما يلزمه شهران ويومان كان يعلم اجتماعهما أم لا يعلم وفرعنا ذلك على القول بأن النسيان يبطل وفرعنا على القول بأن التفرقة نسيانا لا تبطل أنه إنما يلزمه يومان وفرض ابن رشد المسألة في البيان في يومين ولم يذكر اجتماعا ولا افتراقا إلا أنه يقال من كلامه إنهما مجتمعان وأما على ما قال المؤلف من أن الفطر نسيانا يقطع التتابع فقالوا يصوم اليومين والأربعة الأشهر إذا كان لا يدري اجتماعهما ووجه لزوم اليومين عند ابن القاسم على ما قال ابن عبد السلام: هو أنه يقول احتمال اجتماع اليومين وكونهما من الكفارة الأخيرة قائم فلا بد من رعيه فيصوم اليومين ثم يبقى احتمال افتراقهما فيصوم أربعة أشهر وبالجملة ابن القاسم يراعي كل احتمال انتهى. كلام ابن عبد السلام.
وقال ابن عبد السلام أيضا: وتبعه المؤلف: واعلم أنه إنما يحتاج إلى صيام الأربعة أشهر في هذه الصورة إذا شك في أمسه هل هو من اليومين اللذين ذكرهما وأما إن تحقق أن اليومين سابقان على ذلك فيحتسب بالعدد الذي تحقق أنه صامه وإن لم يتخلله فطر ويبني عليه بقية الأربعة أشهر والله أعلم.انتهى كلام ابن عبد السلام قالوا أما إن علم اجتماعهما فلا يصوم إلا يومين وشهرين قال في التوضيح: يصوم يومين لاحتمال أن يكونا من الأخيرة فلا ينتقل عنها وهو قادر على تمامها ويقضي شهرين لاحتمال أن يكونا من الأولى أو أحدهما من الأولى والآخر من الثانية انتهى. وانظر هذا التعليل الذي قاله إنما يستقيم على أن الفطر ناسيا لا يقطع التتابع وأما إذا قلنا إنه يقطع التتابع فلا فائدة لصوم اليومين لأنه قد انقطع التتابع بالفطر ناسيا فلا يبني إلا على ما صامه بعد ذلك ويكمل عليه فتأمله والله أعلم. وقد نقل صاحب الشامل عن المدونة: القطع بالنسيان وهو غريب وانظر كلام أبي الحسن الصغير ص: "

(5/452)


ولا أحب الغذاء ولا العشاء، كفدية الأذى، وهل لا ينتقل إلا إن أيس من قدرته على الصيام، أوإن شك؟ قولان فيها وتؤولت أيضا على أن الأول قد دخل في الكفارة، وإن أطعم مائة وعشرين؛
-----------------------------
"ولا أحب الغداء والعشاء كفدية الأذى" ش: قال في المدونة: ولا أحب أن يغدي ويعشي في الظهار لأن الغداء والعشاء لا أظنه يبلع مدا بالهاشمي قال الشيخ أبو الحسن: لا أحب هنا على بابه قال ابن يونس في كتاب ابن المواز: من غدى أو عشى خبز البر وإلا دام في الظهار لم يتبع ولا إعادة عليه ثم قال في المدونة: ولا ينبغي ذلك في فدية الأذى ويجزئ ذلك فيما سواها من الكفارات الشيخ لا ينبغي هنا على بابه انتهى. وقال ابن ناجي لا أحب ولا ينبغي على التحريم لوجهين أحدهما تعليله ذلك بقوله لأن الغداء والعشاء لا أظنه يبلغ مدا بالهاشمي.
الثاني: قوله: "ويجزي ذلك فيما سواها من الكفارات" مفهومه أنه لا يجزئ في الظهار ولا في فدية الأذى وفي قول: "لا أظنه" مسامحة لأنه لا يبني على غلبة الظن وإنما يبني على العلم وقال المغربي قوله: "بالهاشمي" صوابه "بالهشامي" لأنه منسوب إلى هشام لا هاشم

(5/453)


فكاليمين وللعبد إخراجه إن أذن سيده وفيها أحب إلي أن يصوم وإن أذن له في الإطعام وهل هو وهم لأنه الواجب؟ أو أحب للوجوب، أو أحب لسيد عدم المنع؟ أو لمنع السيد له الصوم أو على العاجز حينئذ فقط؟ تأويلات، وفيها إن أذن له أن يطعم في اليمين أجزأه وفي قلبي منه شيء ولا يجزئ تشريك كفارتين في مسكين ولا تركيب صنفين
-----------------------
انتهى وانظر التوضيح ص: "ولا يجزئ تشريك كفارتين" ش: يعني أن من لزمه ظهاران مثلا فأخرج مائة وعشرين مدا إلا أنه نوى أن كل مد نصفه عن كفارة ونصفه الثاني عن كفارة أخرى فإنه لا يجزئه قال في المدونة: ولو صام ثمانية أشهر متتابعات عن الأربع ونوى لكل واحدة منهن لم يعينها كفارة أجزأه وكذلك الإطعام فإن شركهن في كل يوم من الصيام أو في كل مسكين من الإطعام لم يجزه إلا أن ينوي مدا لكل مسكين في كفارته وإن لم ينو به امرأة بعينها ولا كفارة كاملة فيجزئه ذلك لأن الإطعام يجوز أن يفرق فيطعم اليوم عن هذه أمدادا وفي غد عن الأخرى أمدادا ثم يتم بعد ذلك كفارة لكل واحدة فيجزئه وإن كان متفرقا بخلاف الصوم لأن فيه شرط التتابع فإن ماتت منهن واحدة وقد أطعم عن جميعهن

(5/454)


ولو نوى لكل عددا أو عن الجميع كمل، وسقط حظ من ماتت ولو أعتق ثلاثا عن ثلاث من أربع لم يطأ واحدة حتى يخرج الرابعة، وإن ماتت واحدة منهن أو طلقت.
----------------------------
مائة وعشرين مسكينا ولم ينو ما لكل واحدة من ذلك ولا أشركهن في كل مسكين سقط حظ الميتة من ذلك وجبر على ما بقي بعد ذلك تمام ثلاث كفارات انتهى. وإلى هذا أشار المصنف بقوله ص: "ولو نوى لكل عددا أو عن الجميع كمل وسقط حظ من مات" ش: يعني لو أطعم مثلا مائة وثمانين مسكينا عن أربع نسوة ظاهر من كل واحدة منهن فإنه يجزئه ذلك عن مقدار ثلاث كفارات ويكمل الرابعة وسواء نوى أن لكل واحدة عددا من المائة أو نوى أن المائة والثمانين عن الأربعة ولم يشرك في كل مسكين فإنه يجزئه عن مقدار ثلاث كفارات فإن ماتت واحدة سقط حظها إن كان بينه سواء كان أقل مما لغيرها أو أكثر أو مساويا وإن لم يبينه فإنه يسقط ربع المائة والثمانين ولو نوى أن لواحدة غير معينة عددا والأخرى غير معينة وأقل وماتت واحدة جعل لها الأكثر قال جميع ذلك في التوضيح وقوله إنه إن شرك في كل مسكين لا يجزئ يعني إذا لم تعرف أعيان المساكين ولو عرفت لنظر إلى ما يقع لكل واحد منهم فيكمل تمام المد قاله في التوضيح والله أعلم.

(5/455)


باب اللعان
إنما يلاعن زوج
----------------------------
باب
ص إنما يلاعن زوج" ش: قال ابن عرفة: ولا نص في حكمه ابن عات: لاعن ابن

(5/455)


وإن فسد نكاحه أو فسقا أو رقا لا كفرا
----------------------------
الهندي فعوتب في ذلك فقال أردت إحياء سنة قد دثرت والحق أنه إن كان لنفي نسب وجب وإلا فالأولى تركه بترك سببه فإن وقع صدقا وجب لوجوب دفع معرة القذف وحده ثم وجدت نحوه في سراج ابن العربي.
قلت: في الجواهر إشارة إلى ذلك ونصه: الزوج كالأجنبي في القذف إلا في أمور منها: أنه قد يباح له ذلك وقد يجب لضرورة دفع النسب انتهى. وقال في اللباب: حكمه الجواز الحديث عويمر انتهى. وقال البرزلي: قول ابن الهندي سنة قد أميتت يعني صفة اللعان وقد أغنى الله عنه بما ذكره في القرآن والستر أولى وإنما تستر بهذا الكلام حتى عوتب وقد وقع في زمن الأمير يحيى بجامع الزيتونة ثم وقع مرة أخرى ولا غرابة في وقوع سببه في هذا الزمان لكثرة المفاسد فنعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن وقال في الطراز: كانت ملاعنته إياها في المسجد الجامع بقرطبة سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ص: "أو فسقا أو رقا لا كفرا" ش: قال في المدونة: واللعان بين كل زوجين كانا أو مملوكين أو أحدهما أو محدودين أو كتابية تحت مسلم إلا الكافرين فلا لعان بينهما فأما الأمة والكتابية فلا يلاعن الزوج في قذفهما بغير رؤية كان حرا أو عبدا إذ لا يحد قاذفهما ويلاعن فيهما إن أحب إذا نفى حملا أو ادعى استبراء أو ادعى رؤية لم يمس بعدها لخوف الحمل ولو شاء أن يلاعن في قذفهما ليحقق ذلك عليهما لم أمنعه انتهى. قال أبو الحسن: قوله: "كانا مملوكين" كأنه يقول يلاعن من لا تجوز شهادته خلافا لأبي حنيفة أنه لا يلاعن العبد ولا المحدود لأن الله استثناهم من الشهداء وقوله: "إلا الكافرين" ابن يونس ذكر أن أبا عمران قال في أهل الكتاب إذا تراضوا بحكم الإسلام فنكلت فعلى قول ابن القاسم ترجم وعلى ما قال البغداديون لا ترجم لأن أنكحتهم فاسدة وإنما يجب على من نكل منهم الحد كالمتلاعنين قبل البناء انتهى. وقال في الشامل: لا كافرين إلا أن يتحاكما إلينا وهل ترجم المرأة إن نكلت أو تحد قولان انتهى. وقال ابن عرفة وشرط وجوبه أي اللعان على الزوجة إسلامها وعلى الزوج في قذفه دون حل نفي إسلامها وحريتها ثم ذكر لفظ المدونة: وسيقول المصنف: "ولاعنت الذمية بكنيستها ولم تجبر".

(5/456)


إن قذفها بزنا في نكاحه وإلا حد تيقنه أعمى ورآه غيره وانتفى به ما ولد لستة أشهر وإلا لحق به إلا أن يدعي الاستبراء،
---------------------------
تنبيه: قوله في المدونة: "فأما الأمة والكتابية فلا يلاعن الزوج في قذفهما" قال الشيخ أبو الحسن: أي لا يلزمه لعان يدل عليه قوله فيما يأتي ويلاعن فيهما إن أحب انتهى. وظاهر هذا الكلام أنه إذا لم يلاعن لا يؤدب وليس كذلك لأن المصنف سيقول: "وحكمه رفع الحد والأدب في الأمة والذمية" والله أعلم.ص: "إن قذفها بزنا" ش: لما ذكر من يلاعن ومن لا يلاعن أخذ يذكر أسباب اللعان فبدأ بالكلام على القذف بالزنا فقال إن قذفها بزنا يريد سواء كان في قبل أو دبر صرح بذلك ابن القصار وتبعه ابن الحاجب وغيره قال ابن عرفة: وهو مقتضى المذهب وقال القرطبي: إذا قذف بالوطء في الدبر لاعن وعن أبي حنيفة لا يلاعن وبناه على أصله في أن اللواط لا يوجب الحد وهو فاسد لأن الرمي به معرة انتهى. وشرط فيه ابن الحاجب أن ترفعه للحاكم قال في التوضيح: فإن لم ترفع فلا لعان لأن ذلك من حقها ثم إن لم يبلغ رميه لها الحاكم فلا كلام وإن بلغه حد إلا أن يلاعن وقال ابن عبد السلام: وشرطه فيه أن ترفعه للحاكم فلو لم ترفعه فلا لعان عليهما لأن لعانهما من حقها وإنما يبقى النظر هل يلاعن الزوج أو يحد القذف وبالجملة إن هذا الشرط في تلاعنهما معا فإذا انتفى ذلك الشرط انتفى تلاعنهما ولا يلزم انتفاء تلاعنه هو انتهى. وخرج بقوله: "بزنا" ما إذا رماها بغير الزنا واختلف إذا عرض لها هل يجب اللعان أم لا والمعروف أنه لا يوجب اللعان قاله ابن عرفة قال وعلى المعروف في حده به كأجنبي أو تأديبه نقل محمد وقول أشهب عن ابن القاسم الشيخ عن محمد عن ابن عبد الحكم إن صرح بعد تعريضه لاعن انتهى. ونقله في المقدمات ولا بد من تقييد كلام المصنف بما إذا رماها بزنا طوعا فإن رماها بغصب فيأتي والله أعلم.ص: "وانتفى به ولد لستة وإلا لحق إلا أن يدعي الاستبراء" ش: يعني أن اللعان إذا

(5/457)


وبنفي حمل وإن مات أو تعدد الوَضع أو التوأم بلعان معجل: كالزنا والولد إن لم يطأها بعد وضع أو لمدة لا يلحق الولد فيها لقلة أو لكثرة أو استبراء بحيضة ولو تصادقا على نفيه إلا أن تأتي به لدون ستة أشهر، أو وهو صبي حين الحمل أو مجبوب أو ادعته مغربية على مشرقي وفي حده
--------------------------------
كان لرؤية فتارة يدعي الزوج أنه استبرأها بحيضة قبل الرؤية وأنه لم يطأ بعد الاستبراء فإن الولد ينتفي بذلك اللعان وادعى ابن رشد في ذلك الإجماع وسيأتي لفظه وإن لم يدع الاستبراء فإن أتت بالولد لستة أشهر من يوم الرؤية فأكثر انتفى الحمل وإن أتت به لدون ستة أشهر لحق به لأن اللعان إنما كان للرؤيةوحكى ابن رشد في ذلك ثلاثة أقوال ونصه في المقدمات: فإذا لاعن على الرؤية وادعى الاستبراء انتفى الولد بإجماع وإن لم يدع الاستبراء فاختلف هل ينتفي الولد بذلك اللعان أم لا على ثلاثة أقوال أحدها أن الولد ينفيه اللعان على كل حال وإن ولدته لأقل من ستة أشهر وهو أحد قولي مالك في المدونة.

(5/458)


بمجرد القذف أو لعانه خلاف، وإن لاعن لرؤية وادعى الوطء قبلها وعدم الاستبراء فلمالك في إلزامه به وعدمه ونفيه أقوال ابن القاسم: ويلحق إن ظهر يومها ولا يعتمد فيه على عزل
--------------------------
والثاني: أنه لا ينفيه بحال وإن ولدته لأكثر من ستة أشهر ويلحق به الولد وهو قول عبد الملك وأشهب.
والثالث: التفرقة بين أن يولد لأقل من ستة أشهر أو لأكثر منها وهذا القول الثاني لمالك في المدونة: فيأتي على هذا في جملة المسألة ثلاثة أقوال وفي كل طرف منها قولان إذا ولدته لدون ستة أشهر وإذا ولدته لأكثر من ستة أشهر قولان انتهى. وظاهر كلام المصنف وابن رشد أن الحكم كذلك سواء كانت ظاهرة الحمل يوم الرؤية أم لا وسيأتي في كلام المصنف عن ابن القاسم أنها إذا كانت ظاهرة الحمل يوم الرؤية فإنه يلحق به وهو ظاهر فيقيد به ما هنا والله أعلم.فإن لاعن للرؤية ولم يكن ذكر الاستبراء ثم أتت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية وقلنا إنه يلحق به فادعى الآن أنه كان استبرأ قبل الرؤية وقال ليس الولد مني قال في المقدمات كان ذلك له في الوجوه كلها باتفاق وسقط نسب الولد قيل بذلك اللعان وهو قول أشهب وقيل بلعان ثان وهو قول أصبغ وعبد الملك وفي المدونة: ما يدل على القولين انتهى. ونقله في التوضيح.
قلت: وكلامه في الأم صريح في أنه ينتفى باللعان الأول ونصه: قلت: فإن ادعى رؤية أو زعم أنه لم يكن استبرأ ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم ادعى الرؤية فلما ولدت ادعى الاستبراء قال لا يلحق به الولد ويكون اللعان الذي تلاعنا نفيا للولد.
قلت: فإن قال بعد ذلك الولد ولدي وقد كنت كاذبا في الاستبراء وما استبرأتها قال يضرب الحد لأنه صار قاذفا ويلحق به الولد.
قلت: فإن لم يدع الاستبراء إلا أنه قال الولد ليس مني ولاعنها برؤية ثم جاءت بولد لأدنى من ستة أشهر فألحقته به أيكون قاذفا ويجلد الحد؟ قال: لا.
تنبيه: مشى المصنف هنا فيما إذا لم يدع الاستبراء على القول الثالث في كلام ابن رشد في التفصيل بين أن تلده لستة أشهر من الرؤية فأكثر فلا يلحقه أو تلده لأقل فيلحق ثم ذكر بعد هذا مسألة المدونة: وذكر الثلاثة الأقوال فقال ص: "وإن لاعن لرؤية وادعى الوطء قبلها وعدم الاستبراء فلمالك في إلزامه به وعدمه ونفيه أقوال ابن القاسم ويلحق إن ظهر يوما"

(5/459)


---------------------------
ش: وهذه المسألة داخلة في عموم المسألة التي فرغنا منها لأن فرض المسألة الأولى أنه لم يدع الاستبراء وهذه أخص لأنه ادعى أنه وطئ واقتصر المصنف في تلك على قول واحد وذكر هنا لمالك ثلاثة أقوال ويشير إلى قوله في المدونة: ومن قال رأيت امرأتي تزني ولم أجامعها بعد ذلك إلا أني كنت وطئتها قبل الرؤية في اليوم أو قبله ولم أستبرئ فإنه يلاعن قال مالك ولا يلزمه ما أتت به من ولد قال ابن القاسم إلا أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية فيلزمه وقد اختلف في ذلك قول مالك فمرة ألزمه الولد ومرة لم يلزمه الولد ومرة قال بنفيه وإن كانت حاملا قال ابن القاسم وأحب ما فيه إلى أنه إن كان لها يوم الرؤية حمل ظاهر لا يشك فيه أن الولد يلحق به إذا التعن على الرؤية انتهى. لفظ التهذيب واختلف شيوخ المدونة: في فهم كلامها فمنهم من فهم المدونة: على ظاهرها وإن قول مالك اختلف على ثلاثة أقوال فمرة ألزمه الولد وإن لم ينفه باللعان الأول وألحقه به وإن ولدته لأكثر من ستة أشهر من يوم الرؤية إلا أن ينفيه بلعان ثان وقوله: "مرة لم يلزمه" أي ليس في اللعان الأول تعرض للولد فيبقى الأمر موقوفا فإن نفاه بلعان ثان انتفى وإن استلحقه لحق به وقوله: "ومرة قال بنفيه" يعني أن الولد ينتفي باللعان الأول فلا يلحق به فإن ادعاه بعد ذلك حد ولحق به هكذا قرر الأقوال الثلاثة في التوضيحومنهم من فهم المدونة: على أنه ليس فيها إلا قولين الأول أن الولد منفي وإن أتت به لأقل من ستة أشهر وهو معنى قوله: "ومرة لم يلزمه الولد" وقوله بعده: "مرة قال بنفيه" تأكيد لهذا القول والقول الثاني الفرق بين أن يولد لستة أشهر فأكثر أو لأقل وهو معنى قوله في المدونة: "فمرة ألزمه الولد" لكن على أن هذا القول مقيد بكلام ابن القاسم أعني قوله إلا أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية وعلى هذا التأويل حمل المدونة: ابن رشد وابن لبابة.
تنبيهات: الأول: ظاهر التهذيب أن هذا التقييد لابن القاسم وأنه ليس من كلام مالك وقبله المصنف في التوضيح وغيره وظاهر كلام الأم أنه لمالك وسيأتي نصه.
الثاني: هذا الخلاف جار سواء كانت يوم الرؤية ظاهرة الحمل أم لا ولهذا قال ابن القاسم وأحب ما فيه إلي إن كان لها يوم الرؤية حمل ظاهر لا يشك فيه أن الولد لاحق قال في التوضيح: وتفصيل ابن القاسم ظاهر لأنه لا يلزم من لعانه لنفي الحد نفي حمل ظاهر والظاهر أنه لا يشترط الظهور بل إنما يشترط أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية ولو قيل إنه للأول ولو أتت به لستة أشهر لأن وضع الولد لستة أشهر نادر والأصل إلحاق الولد بالفراش لكان أحسن انتهى.
قلت: الذي اختاره ابن القاسم في المدونة: ظاهر لأنه يقول إن كانت ظاهرة الحمل يوم الرؤية فالولد لاحق به إذا لم يدع الاستبراء يريد ولو أتت به لأكثر من ستة أشهر وإن لم تكن

(5/460)


ولا مشابهة لغيره، وإن بسواد ولا وطء بين الفخذين إن أنزل ولا بغير إنزال إن أنزل قبله ولم يبلغ ولا عن في نفي الحمل مطلقا، وفي الرؤية في العدة وإن من بائن وحد بعدها
---------------------------
ظاهرة الحمل فالذي صدر به ابن القاسم أنه إن أتت به لأقل من ستة أشهر فهو لاحق وإلا فهو منفي باللعان للرؤية ونص كلامه الموعود به.
قلت: فإن قال رأيتها تزني الساعة ولم أجامعها بعد ذلك إلا أني قد كنت جامعتها من قبل أن أراها فقال مالك يلتعن ولا يلزمه الولد.
قلت: فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من بعد ما التعن أيلزمه قال نعم لأن الحمل قد كان من قبل أن يراها تزني وقد اختلف قول مالك فمرة ألزمه الولد ومرة لم يلزمه إياه ومرة قال بنفيه وإن كانت حاملا وأحب ما فيه إلي أنه إذا رآها تزني وبها حمل ظاهر لا شك فيه أنه يلحق به الولد إذا التعن على الرؤية.
الثالث: قال في التوضيح: فإن قيل في قول ابن القاسم أحب إلي نظر إذ هو موضع الجزم لعظم أمر الأنساب وإنما يقال أحب في باب العبادات قيل إنما حمله على ذلك اضطراب مدرك الإمام فلم يستطع الجزم بمخالفته انتهى. ص: "ولا وطء بين الفخذين إن أنزل" ش: قال ابن عرفة: الشيخ عن الموازية من أنكر حمل امرأته بالعزل لم ينفعه وكذلك كل وطء في موضع يمكن وصول المني للفرج وكذا في الدبر قد يخرج منه الفرج ونحوه مفهوم قول استبرائها إن قال البائع كنت أفاخذ ولا أنزل وولدها ليس مني لم يلزمه اللخمي: +

(5/461)


كاستلحاق الولد إلا أن تزني بعد اللعان وتسمية الزاني بها وأعلم بحده لا إن كرر قذفها به وورث المستلحق الميت إن كان له ولد حر مسلم أو لم يكن وقل المال وإن وطئ أو أخر بعد علمه بوضع أو حمل بلا عذر امتنع،
-----------------------------
إن أصاب بين الفخذين وشبهه لزمه الولد ولا يلاعن ولا يحد لأن نفيه لظنه إلا أن يكون عن وطئه حمل الباجي إثر ذكره ما في الموازية يبعد وجود الولد من الوطء في غير الفرج ولو صح ما حدت امرأة بحملها ولا زوج لها لجواز كونه من وطء في غير الفرج انتهى. وقال في التوضيح في قول ابن الحاجب ولا يعتمد على الوطء بين الفخذين إن أنزل لاحتمال أن يكون وصل من مائه شيء للفرج قالوا وكذلك الوطء في الدبر واستشكل الباجي هذا وقال يبعد عندي أن يلحق الولد من غير الوطء في الفرج انتهى. وقوله: "استشكل الباجي" هذا يعني به الإلحاق بالوطء بين الفخذين والوطء في الدبر لا الأخيرة فقط كما قد يتوهم والله أعلم.ص: "وورث المستلحق الميت إن كان له ولد حر مسلم أو لم يكن وقل المال" ش: انظر ابن غازي وما سيأتي في باب الاستلحاق ص: "وإن وطىء أو أخر بعد علمه بوضع أو حمل بلا عذر امتنع" ش: هذا بالنسبة إلى اللعان لنفي الولد فإن كان اللعان لرؤية فإنه يمتنع اللعان بوطئها

(5/462)


وشهد بالله أربعا لرأيتها تزني، أو ما هذا الحمل مني،
------------------------------
بعد الرؤية قال ابن عرفة: الباجي عن محمد وابن حبيب عن ابن الماجشون إن ادعى رؤية قديمة ثم قام الآن بها حد ولم يقبل ابن عرفة ظاهره ولو قال لم أمسها بعد رؤيتها وقال اللخمي: لم يختلف المذهب إن رآها وسكت ولم يذكر ذلك إلا بعد مدة أو ظهور الحمل إلا أنه لم يصب بعد الرؤية أن له أن يلاعن انتهى.
قلت: يقيد الأول بما إذا كان قد وطئ كما هو المتبادر منه ويتفق النقلان ويفهم منه أنه إذا وطئ بعد الرؤية لم يكن له أن يلاعن ولا ينفي الولد وهو ظاهر وقد صرح به ابن الحاجب وقبله في التوضيح ص: "وشهد بالله أربعا" ش: قال ابن عرفة: شرط اللعان ثبوت الزوجية إلا أن يكونا طارئين انتهى مختصرا بالمعنى.
فرع: قال ابن عرفة: المتيطي: إذا ثبتت مقالتهما وزوجيتهما سجنه الإمام الباجي اختلف في سجنه فسألت أبا عمران ابن عبد الملك فقال يسجن لقول مالك فيها أنه قاذف انتهى ونقله في التوضيح.
تنبيه: قال ابن الحاجب: وصفته أن يقول أربع مرات أشهد بالله وقال محمد بن يزيد الذي لا إله إلا هو قال في التوضيح: قال ابن عبد السلام: وظاهر كلام المؤلف أنه اختلف ابتداء هل يزيد "الذي لا إله إلا هو" وظاهر ما حكاه غيره أنه يقوله وإنما الخلاف إذا تركه خليل وفيه نظر فقد ذكر المتيطي وابن شاس القولين كما ذكره المصنف انتهى. قلت: والظاهر ما قاله ابن عبد السلام وسيأتي للمصنف في باب الشهادات أن اليمين في كل حق بالله الذي لا إله إلا هو فيحمل كلام المتيطي وابن شاس على ما قاله ابن عبد السلام انتهى.
فرع: قال ابن عرفة اللخمي: في لزوم إني لمن الصادقين قولان للموازية ولها،

(5/463)


ووصل خامسة بلعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، أو إن كنت كذبتها، وأشار الأخرس أو كتب وشهدت ما رآني أزني أو ما زنيت أو لقد كذب فيهما وفي الخامسة غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ووجب أشهد واللعن والغضب وبأشرف البلد وبحضور جماعة أقلها أربعة، وندب إثر صلاة
----------------------------
والصواب الأول لوروده في القرآن انتهى. فينبغي أن لا يترك ص: "ووصل خامسته بلعنة الله عليه" ش: أشار بقوله: "بلعنة الله" إلى أنه لا يتعين أن يقول: "إن لعنة الله" قال في التوضيح ولكن ينبغي أن يكون ذكرها أولى ومقتضى كلامه أن يحلف في الخامسة كما حلف في الأيمان قبلها ويزيد فيها اللعنة وتفعل المرأة ذلك وتزيد الغضب وهو الذي صرح به في كتاب محمد خلاف ما قال القابسي انظر ابن عرفة ص: "بأشرف البلد" ش: قال القرطبي في سورة النور اللعان يفتقر إلى أربعة أشياء عدد الألفاظ وهي أربع شهادات والمكان وهو أن يقصد به أشرف البقاع بالبلد إن كان بمكة فعند الركن والمقام وإن كان بالمدينة فعند المنبر وببيت المقدس فعند الصخرة وإن كان في سائر البلدان ففي مساجدها وإن كانا كافرين بعث بهما إلى الموضع الذي يعتقدان تعظيمه إن كانا يهوديين فالكنيسة أو مجوسيين فبيت المقدس وإن كان لا دين لهما مثل الوثنيين ففي مجلس حكمه والوقت وذلك بعد صلاة العصر والجمع وذلك بأن يكون هناك أربعة أنفس فصاعدا فاللفظ وجمع الناس مشروطان والزمان والمكان مستحبان انتهى. وقال قبله إذا فرغ المتلاعنان من تلاعنهما جميعا تفرقا وخرج كل واحد منهما من باب المسجد الجامع غير الباب الذي يخرج منه صاحبه ولو خرجا من باب واحد لم يضر لعانهما ولا خلاف أنه لا يكون اللعان إلا في مسجد جامع يجمع فيه الجمعة بحضرة

(5/464)


وتخويفهما وخصوصا عند الخامسة والقول بأنها موجبة العذاب، وفي إعادتها إن بدأت خلاف، ولاعنت الذمية بكنيستها، ولم تجبر وإن أبت أدبت، وردت لملتها، كقوله وجدتها مع رجل في لحاف وتلاعنا إن رماها بغضب أو وطء شبهة وأنكرته أو صدقته ولم يثبت، ولم يظهر وتقول ما زنيت ولقد غلبت وإلا التعن فقط كصغير توطأ،
-------------------------------
السلطان أو من يقوم مقامه من الحكام ص: "وتخويفهما وخصوصا عند الخامسة" ش: نحوه لابن الحاجب وقبله شراحهوقال ابن عرفة ابن شعبان يخوفان قبل اللعان ويذكران عذاب الآخرة يقال للرجل: أنت تجلد ويسقط إثمك ويقال لها نحو ذلك.

(5/465)


وإن شهد مع ثلاثة التعن ثم التعنت وحد الثلاثة لا إن نكلت أو لم يعلم بزوجيته حتى رجمت وإن اشترى زوجته ثم ولدت لستة أشهر فكالأمة، ولأقل؛ فكالزوجة
----------------------------------
قلت: في صحيح مسلم في رواية ابن عمر فأنزل الله هذه الآيات: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فتلاهن عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها ثم دعاها فوعظها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة عياض حديث مسلم سنة في وعظ المتلاعنين يعظ كلا منهما بعد تمام الرابعة قبل الخامسة وقول ابن الحاجب: "يستحب تخويفهما وخصوصا عند الخامسة" لا أعرفه إلا ما عزاه عياض للشافعي وظاهره أنه غير المذهب انتهى. ص: "وإن اشترى زوجته ثم ولدت لستة فكالأمة ولأقل فكالزوجة" ش: لما قدم أن اللعان في الزوجة دون الأمة ذكر هذه المسألة لأنها مركبة من القسمين وهي إذا اشترى زوجته الأمة ثم ظهر بها حمل فنفاه فإن ولدت لدون ستة أشهر فهو للنكاح وحكمها حكم الزوجة فلا ينتفي إلا بلعان وإن وضعته لستة أشهر فأكثر من يوم الشراء فحكمها حكم الأمة له أن ينفيه بغير لعان هذا إن أقر أنه وطئها بعد الشراء واستبرأها بحيضة وأما إن أقر أنه لم يطأها بعد الشراء فالولد للنكاح ولا ينتفي إلا بلعان وهذا مقيد بما إذا لم يعلم أنها كانت حاملا يوم الشراء فإن علم أنها كانت حاملا يوم الشراء لم ينفه إلا بلعان قاله في التوضيح.
تنبيهان: الأول: قال في التوضيح: وهذا مقيد بما إذا لم يطأها يعني بعد رؤية الحمل انتهى. قلت: وهذا لا يحتاج إليه لأنه قد تقرر أولا أنه إذا وطئ بعد علمه بالحمل لم يكن له أن يلاعن بعد ذلك.
الثاني: قال في التوضيح: أيضا قولهم إنها إذا ولدت لستة أشهر فأكثر أن له نفيه بغير لعان يريدون بغير يمين انتهى.

(5/466)


وحكمه: رفع الحد أو الأدب في الأمة والذمية وإيجابه على المرأة إن لم تلاعن وقطع نسبه وبلعانها تأبيد حرمتها وإن ملكت أو انفش حملها ولو عاد إليه قبل كالمرأة على الأظهر وإن استلحق أحد التوأمين: لحقا،
----------------------------
قلت: وهذا مخالف لما سيقوله في باب أم الولد والله أعلم.وفي بعض نسخ التوضيح بغير يمين وقال ابن عرفة قال ابن حبيب عن أصبغ: من اشترى زوجته حاملا أو غير ظاهرة الحمل وأتت به لأقل من ستة أشهر من الشراء سحنون: أو لأكثر وأقر أنه ما وطئها بعد الشراء فحملها للنكاح سحنون ولو لخمس سنين وإلا فهو للملك وقول ابن الحاجب إن ولدت لستة أشهر فأكثر فحكمه فيه حكم الأمة ظاهره ولو أقر بعدم الوطء بعد الشراء ولذا قال ابن عبد السلام: لما قرر كلامه هذا إن لم يطأها السيد بعد الشراء وهذه غفلة فتأمله انتهى. ص: "وحكمه رفع الحد" ش: اعلم أنه يترتب على اللعان ستة أحكام ثلاثة على لعانه وثلاثة على لعانهافالثلاثة التي تترتب على لعانه الأول سقوط الحد عنه إن كانت الزوجة حرة مسلمة والأدب إن كانت نصرانية أو أمة الثاني: إيجابه على المرأة إن لم تلاعن الثالث: قطع النسب والثلاث التي على لعانها سقوط الحد عنها والفراق وتأبيد حرمتها وقيل في الأخيرين إنهما يترتبان على لعانه والله أعلم.ص: "وإن استلحق أحد توأمين لحقا" ش: يعني أن حكم التوأمين

(5/467)


وإن كان بينهما ستة فبطنان إلا أنه قال: إن أقر بالثاني وقال لم أطأ بعد الأول سئل النساء فإن قلن إنه قد يتأخر هكذا لم يحد.
---------------------------
حكم الولد الواحد فلا يمكن لحوق أحدهما ونفي الآخر قال في التوضيح: وكذلك إذا لاعن لأولهما خروجا انتفى الثاني بذلك اللعان ومتى استلحق أحدهما لحق الآخر وحد فإن نفى أحدهما وأقر بالآخر حد ولم ينتف شيء انتهى. مختصرا والتوأمان كما قال ابن عرفة: ما ليس بين وضعهما ستة أشهر انتهى. وقال في المدونة: قال ابن القاسم: وإذا ولدت المرأة ولدين في بطن أو وضعت ولدا ثم وضعت آخر بعده بخمسة أشهر فهو حمل واحد فإن أقر الزوج بأحدهما ونفى الآخر حد ولحقا به جميعا انتهى. والمسألة من كلام مالك كما في الأم وإن كان البراذعي عزاها لابن القاسم.
فائدة: قال ابن الحاجب هنا: إن توأما الملاعنة شقيقان قال في التوضيح: وهو المشهور وقال المغيرة: إنهما يتوارثان لأم كالمشهور في توأمي الزانية والمغتصبة خلافا لابن نافع في قوله إن توأما الزانية شقيقان وأما توأما المسبية والمستأمنة فإنهما يتوارثان لأب وأم قاله في البيان انتهى. كلام التوضيح وكلام البيان المشار إليه هو في أول كتاب اللعان منه وعزا مقابل المشهور في المغتصبة لابن القاسم في سماع يحيى من كتاب الاستلحاق وسيقول المصنف في باب الفرائض: "ولا يرث ملاعن وملاعنة وتوأماها شقيقان" انتهى. والله أعلم.ص: "وإن كان بينهما ستة فبطنان" ش: يعني أنه إذا كان بين الولدين ستة فليسا بتوأمين بل هما بطنان قال في المدونة: وإن وضعت الثاني لستة أشهر فهما بطنان فإن أقر بالأول ونفى الثاني وقال لم أطأ بعد ولادة الأول لاعن ونفى الثاني إذ هما بطنان فإن قال لم أطأها من بعد ما ولدت الأول وهذا الثاني ولدي فإنه يلزمه لأن الولد للفراش وسئل النساء فإن قلن إن الحمل يتأخر هكذا لم يحد وكان بطنا واحدا وإن قلن لا يتأخر حد ولزمه الولد وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله ص: "إلا أنه قال إن أقر بالثاني وقال لم أطأ بعد الأول سئل النساء فإن قلن إنه يتأخر هكذا لم يحد" ش: يعني أن مالكا رحمه الله بعد أن قال إنهما إذا كان بينهما ستة أشهر فهما بطنان وفرّع على ذلك الفرع الأول في المدونة الذي لم يذكره المصنف وهو ما إذا

(5/468)


---------------------------
أقر بالأول ونفى الثاني وقال لم أطأ بعد ولادة الأول قال: إنه يلاعن الثاني ذكر هذا الفرع: الثاني الذي ذكره المصنف أعني إذا أقر بالثاني يريد مع إقراره بالأول وقال لم أطأ بعد الأول فقال إنه يسأل النساء فإن قلن إن الحمل قد يتأخر هكذا لم يحد وإن قلن لا يتأخر حد وإنما لم يحد إذا قلن يتأخر لعدم نفيه إياه بقوله لم أطأها بعد وضع الأول لجواز أن يكون ناشئا عن الوطء الذي كان عنه الأول عملا بقولهم لا يتأخر وإذا قلن لا يتأخر فيحد لنفيه إياه بقوله لم أطأها بعد وضع الأول والحال أن بينهما ستة أشهر وانضم إلى ذلك قول النساء إن الحمل لا يتأخر هكذا وهذا كالمخالف لما قاله أولا وإلى هذا الاستشكال أشار المصنف بأداة الاستثناء كابن الحاجب ولم يذكر الفرع الأول من كلام المدونة: لجريه على الأصل المذكور أعني كونهما بطنين ووجه الاستشكال أنه جزم أولا بأنه إذا كان بينهما ستة أشهر فهما بطنان ثم قال ثانيا يسأل النساء فقال إن كانت الستة كافية في الدلالة على كونهما بطنين كما قال في الفرع الأول فلا يسأل النساء في الفرع: الثاني ويحد لأنه قد نفاه بقوله لم أطأ بعد الأول وأكذب نفسه باستلحاقه وإن لم تكن كافية فيسأل النساء أيضا في الفرع الأول فإن قلن إنه يتأخر هكذا حد ولم يلاعن كما لو وضعت لأقل من ستةوأجاب ابن عرفة بأن ذلك كاف حيث لا يعارض أصلا ولا يكفي حيث يعارض أصلا وهو في المسألة الثانية يعارض أصلا وهو درأ الحد بالشبهة انتهى. وإلى هذا الاستشكال والجواب أشار الشيخ أبو الحسن الصغير بأنه قال جزم أولا بجعلهما بطنين ثم قال يسأل النساء وإنما قال يسأل النساء ولم يجزم كالتي قبلها لأجل حد الزوج حد القذف لأن الحدود تدرأ بالشبهات انتهى.
تنبيه: هذا الذي فرضناه في تقرير المسألة من أنه أقر بالأول أيضا هو الذي يفهم من لفظ الأم ونصه قلت: فإن وضعت الثاني لستة أشهر أتجعله بطنا واحدا قال بل هما بطنان قلت: فإن قال لم أجامعها بعد ما ولدت الولد الأول قال يلاعنها وينفي الثاني قلت: فإن قال لم أجامعها بعدما ولدت الولد الأول ولكن هذا الثاني ابني قال يلزمه الولد ويسأل النساء فإن كان الحمل يتأخر هكذا لم أر أن يجلد وإن قلن لا يتأخر إلى مثل هذا جلدته الحد وقد سمعت غير واحد يذكر أن الحمل يكون واحدا ويكون بين وضعهما الأشهر انتهى. وصرح بذلك الشيخ أبو محمد في اختصاره للمدونة فقال ولو أقر بالثاني محمد وبالأول وقال لم أطأها بعد الأول لحق الثاني ويسأل النساء الخ وكذلك نقله اللخمي فقال وإن أقر بهما جميعا وقال لم أجامعها بعد ما ولدت الأول يسأل النساء إلى آخره وما ذكرناه في وجه الاستشكال وفي جوابه هو الذي قاله ابن عرفة وهو المفهوم من كلام أبي الحسن وهو الظاهر كما تقدم وحمل ابن عبد السلام المسألة على أنه إنما أقر بالثاني بعد أن نفى الأول ولاعن فيه وقرر الإشكال في كلام ابن الحاجب المدلول عليه بالاستثناء بأنه إذا قال النساء يتأخر كان كما

(5/469)


-----------------------------
لو ولدا في وقت واحد أو كان بينهما أقل من ستة أشهر وقد قال في هاتين الصورتين إن أقر بأحدهما ونفى الآخر حد ولحقا به فكذا يجب الحكم في إشراكهما وقبله في التوضيح وكذا الشارح زاد في التوضيح وكأنه إنما أسقط الحد لأن قول النساء لا يحصل به القطع فكان ذلك شبهة تسقط الحد ثم قال ويرد هذا أنه لو كان كذلك لزم أيضا سقوط الحد إذا قلنا إنه لا يتأخر لأن قولهن لا يحصل القطع وقد نص في المدونة: على وجوب الحد في ذلك انتهى. والظاهر في المسألة التي فرضها ابن عبد السلام أنه إذا نفى الأول ولاعن فيه وأقر بالثاني وقال لم أطأ بعد الأول أنه يحد ولا يسأل النساء لأن الولد الثاني قد أقر به بعد أن نفاه فيحد على كل حال والله أعلم.

(5/470)


باب العدة
باب العدة
...
باب العدة
تعتد حرة وإن كتابية أطاقت الوطء
-----------------------------
باب
ص تعتد حرة" ش: قال ابن عرفة: دليل براءة الرحم عدة واستبراء العدة مدة منع النكاح لفسخه أو موت الزوج أو طلاقه فيدخل مدة منع من طلق رابعة نكاح غيرها إن قيل هو له عدة وإن أريد إخراجه قيل مدة منع المرأة النكاح إلى آخره وفي مسائل استبرائها إطلاق لفظه عليها مجازا وفيها التصريح بأن مدة منعه للفسخ عدة وقولها إن علم بعد وفاته فساد

(5/470)


بخلوة بالغ
---------------------------
نكاحه وأنه لا يقر بحال فلا إحداد عليها ولا عدة وعليها ثلاث حيض استبراء معناه لا عدة وفاة وأطلق الاستبراء على عدة مدة الفسخ مجازا لأنه خير من الاشتراك انتهى كلامه. قلت: الذي يظهر أن في حده للعدة دورا لأن معرفة مدة منع النكاح متوقفة على معرفة العدة فإنه قد تقدم أن من موانع النكاح كون المرأة معتدة إذا توقفت معرفة كونها معتدة على معرفة كونها ممنوعة من النكاح فقد جاء الدور فتأمله فالأولى أن تعرف العدة بأنها المدة التي جعلت دليلا على براءة الرحم لفسخ النكاح أو لموت الزوج أو طلاقه وقد قال ابن عرفة: في حد الاستبراء إنه مدة دليل براءة الرحم لا لرفع عصمة أو طلاق فتأملهوأما تسمية مدة منع الزوج من النكاح إذا طلق الرابعة أو طلق أخت زوجة أو من يحرم الجمع بينهما عدة فلا شك أنه مجاز فلا ينبغي إدخاله في حقيقة العدة الشرعية والله أعلم.فإن قيل يخرج من هذا الحد عدة الصغيرة التي لا يوطأ مثلها من الوفاة لتيقن براءة رحمها وكذلك من علم أن الزوج لم يدخل بها فالجواب أن عدة الوفاة إنما شرعت فيمن علم أن الزوج لم يدخل بها احتياطا لبراءة الرحم لأنه لو ظهر بها حمل وادعاه الزوج لحق به فالعدة واجبة لتيقن براءة الرحم وهذه العلة ظاهرة فيمن يوطأ مثلها ولكن لما لم يكن في قدر من يوطأ مثلها حد يرجع إليه من الكتاب والسنة حمل الباب محملا واحدا فوجبت العدة على من كانت في المهد حسما للباب فعلم أن أصل وجوب العدة إنما هو للدلالة على براءة الرحم ولا يضر عدم وجود العلة في بعض الصور فتأمله والله أعلم.
تنبيه قال ابن عبد السلام: ويجب الاعتناء بالعدة لأن الله سبحانه أكد ذلك بقوله: {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} الطلاق على خلاف بين المفسرين من المخاطب بذلك هل الحكام أو المطلقون وهو الأظهر أو المطلقات؟ واختار بعضهم أن الأمر بالإحصاء يتناول الجميع لأن لكل واحد منهم تعلقا بذلك انتهى. ص: "بخلوة بالغ" ش: أي بسبب خلوة بالغ وهي إرخاء الستور فلو لم تكن خلوة لا عدة وهو كذلك وهي المطلقة قبل البناء قال في التوضيح:
فرع: قال في المدونة: ولو كان معها نساء حين دخل وانصرف بمحضرهن فلا عدة عليها الباجي: وكذلك امرأة انتهى. وقال ابن عبد السلام إثر كلام الباجي: هذا صحيح لأن

(5/471)


غير مجبوب أمكن شغلها منه وإن نفياه وأخذا بإقرارهما لا بغيرها إلا أن تقربه أو يظهر حمل ولم ينفه بثلاثة أقراء أطهار وذي الرق قرءان
-----------------------
الخلوة قد فقدت انتهى. ونقل الشيخ أبو الحسن في الكبير كلام الباجي عن ابن يونس ونصه ابن يونس قال بعض أصحابنا وامرأة واحدة فأكثر في ذلك سواء لأن الخلوة لم تثبت الشيخ وهذا إذا كانت المرأة الواحدة أو النساء من أهل العفاف والصيانة وأما إن كانت المرأة أو النساء من شرار الناس فعليها العدة لأنهن لا يمنعن الخلوة انتهى. وقوله بالغ احتراز من غير البالغ وإن قوي على الجماع.
فإن قيل: ما الفرق بين الصغيرة التي لا تطيق الوطء تجب عليها العدة والصغير الذي لا يطيق الوطء لا عدة في وطئه؟
قيل: لأن الصبي لا ماء له قطعا فلا يولد له قطعا ونفي الولد عن الصغيرة المطيقة للوطء لا يبلغ القطع فوجبت العدة للاحتياط قاله ابن عرفة وقال اللخمي: وذكر بعض أهل العلم أنه رأى جدة بنت إحدى وعشرين سنة وعرفت أن في بلاد مكة مثل ذلك كثيرا كاليمن انتهى. ص: "أمكن شغلها" ش: الشغل فيه أربع لغات ضم أوله وتسكين ثانيه وضمهما معا وفتح أوله وتسكين ثانيه وفتحهما معا قاله في الصحاح ص: "وذات رق قرءان" ش: قال في

(5/472)


والجميع للاستبراء، لا الأول فقط على الأرجح ولو اعتادته في كالسنة
-----------------------
تهذيب الأسماء: القرء بفتح القاف وضمها لغتان حكاهما القاضي عياض وأبو البقاء أشهرهما الفتح وهو الذي قاله جمهور أهل اللغة واقتصروا عليه ص: "والجميع للاستبراء لا الأول فقط على الأرجح" ش: فائدة الخلاف تظهر في الذمية فعلى القول إن الجميع للاستبراء يلزمها الثلاث وعلى الثاني يختلف هل يلزمها جميع الثلاثة أولا على الخلاف في خطابهم بفروع الشريعة وإنما قال المصنف: "لا الأول" لئلا يتوهم أن مقابل الأرجح يقول اثنتان للاستبراء وواحدة للتعبد ورجح عبد الحق قول: "بكر" القاضي وهو مقابل الأرجح نقله في التوضيح والله أعلم.ص: "ولو اعتادته في كالسنة" ش: ما ذكره المصنف من انتظار هذه المرأة الحيض هو المشهور وقيل تحل بانقضاء السنة حكاه ابن الحاجب فأشار المصنف: بـ"لو" إلى مقابل المشهور الذي حكاه ابن الحاجب من أنها تحل بانقضاء السنة وقد أنكره ابن عبد السلام والمصنف وقال ابن عرفة ابن رشد عن محمد من حيضتها لسنة أو أكثر عدتها سنة بيضاء إن لم تحض لوقتها وإلا فأقراؤها ولا مخالف له من أصحابنا فتعقب شارحي ابن الحاجب نقله عدم اعتباره انتظار الإقراء بانفراده حسن انتهى. قال في التوضيح: ويمكن أن يريد به المصنف أنها تحل بثلاثة أشهر لكن هذا القول إنما حكاه أشهب عن طاوس انتهى. قال في التوضيح: وعلى الانتظار فقال محمد إن لم تحض عند مجيئها حلت وإن حاضت من الغد انتهى. وقال ابن عبد السلام وإذا فرعنا على القول الأول يعني الانتظار فقالوا إذا طلقت تربصت سنة فإن جاء فيها وقت الحيض ولم تحض حلت للأزواج وإن لم يجئ وقتها في هذه السنة طلبت وقتها بعد السنة فإن جاء وقتها أيضا ولم تحض حلت وإن جاء وقتها فحاضت اعتدت بقرء واحد ثم تفعل في الثاني والثالث كما في الأول قال ابن المواز إذا كان وقت حيضتها بعد تمام السنة فلم تحض عنه مجيئه حلت وإن حاضت من الغد قال اللخمي: وليس هذا أصل المذهب لأن الحيض يتقدم ويتأخر وإنما قال هذا مراعاة للخلاف

(5/473)


أو أرضعت أو استحيضت وميزت ولزوج انتزاع ولد المرضع فرارا من أن ترثه أو ليتزوج أختها أو رابعة إذا لم يضر بالولد
--------------------------
الذي ذكره أشهب في مدونته عن طاوس أنه قال يكفيها ثلاثة أشهر انتهى.
تنبيه: قال ابن عبد السلام: مرادهم بالمعتادة في هذا الباب خلاف مرادهم في كتاب الحيض لأن المعتادة هنا هي التي شأنها أن ترى دم الحيض سواء كان عدد أيامه في جميع الشهر متساويا ومحله من الشهر الذي يكون فيه واحدا أو اختلف ذلك والمعتادة في كتاب الحيض أخص من هذا وهي التي لا تختلف أيامها بالاعتبارين أو يكون لها عادتان انتهى. والله أعلم.ص: "أو أرضعت" ش: معطوف على ما في حيز "لو" وظاهره وجود الخلاف في ذلك وحكى ابن الحاجب الاتفاق عليه ونقل ابن عرفة عن ابن يونس الإجماع ونصه ومتأخرته لرضاع بإقرائها الصقلي إجماعا انتهى. ومعنى كلام المصنف أنها تعتد بالقرء ولو كانت ترضع فتأخر حيضها لسبب الرضاعة فإن عليها أن تنتظر الحيض حتى تفطم ولدها فإن لم تحض من يوم فطمته حتى مضت سنة حلت وإن رأت في آخرها الدم اعتدت بقرء وكذا تفعل في الثاني والثالث ابن عبد السلام هذا إذا كانت المرضع لا ترى الدم في مدة رضاعها وأما إن رأته فلا شك أنها تعتد بتلك الأقراء والأمة في ذلك كالحرةانتهى والله أعلم.ص: "أو استحيضت وميزت" ش: هو أيضا معطوف على ما في حيز "لو" والخلاف في هذا موجود لمالك في روايتين إحداهما اعتبار الحيض المميز واختارها ابن القاسم والثانية أنها كالمرتابة تعتد بالسنة واختارها ابن وهب نقله في التوضيح وغيره والله أعلم.وقوله "وميزت" قال في التوضيح: وغيره وتمييزه برائحته ولونه وقال ابن المواز بكثرته أي إن دم الحيض كثير ودم الاستحاضة قليل انتهى. ص: "وللزوج انتزاع ولد المرضع" ش: ابن عبد السلام وغلبوا حق الرجل على حق المرأة في النفقة والسكنى لأنه إنما كان ذلك لها بسبب العدة التي هي من حق الرجل وظاهر كلامهم أنه يشترط أن يظهر في ذلك معنى مقصود الرجل انتهى. قال ابن رشد: في رسم كتاب سعد في الطلاق من سماع ابن القاسم من طلاق السنة وليس للأب أن ينتزعه منها إلا أن يتبين صدق قوله ويعلم أنه لم يرد بذلك الضرر انتهى.

(5/474)


وإن لم تميز أو تأخر بلا سبب، أو مرضت تربصت تسعة أشهر ثم اعتدت بثلاثة.
--------------------------------
فروع: الأول: قال في الرسم المذكور إذا كان الولد لم يعلق بأمه فللأم أن تطرحه للأب إن شاءت إذ ليس يجب عليها إرضاعه إذا كان للأب مال وهو يقبل ثدي غيرها انتهى. وهذا الذي قاله ابن رشد مشكل فإن الرجعية يجب عليها الرضاع كما صرح به في كتاب الرضاع من المدونة: وسيصرح به المصنف في فصل النفقات.
الثاني: إذا كان غرض الأب بالانتزاع إسقاط النفقة والكسوة فله ذلك لأنهم قالوا له أن ينتزع لئلا ترثه فلا يكون له ذلك لأجل إسقاط النفقة من باب أولى لأن مصلحة الميراث لغيره ومصلحة النفقة له هذا الذي يظهر والله أعلم.
الثالث: قال ابن فرحون في شرحه إذا انتزع ولده ومات فله أن يمنعها من أن ترضع ولد غيره بأجر أو بغير أجر لأن مقصوده لا يحصل إلا بمنعها من الرضاع جملة وحقه مقدم على حقها في النفقة والسكنى انتهى. ص: "وإن لم تميز" ش: أي تربصت سنة ولا خلاف في ذلك ص: "أو تأخر بلا سبب أو مرضت تربصت تسعة ثم اعتدت بثلاثة" ش: يعني أن المرأة إذا رأت الحيض ولو مرة في عمرها ثم انقطع عنها سنين ثم طلقت فإن لم تأتها الأقراء فإن أتتها وإلا تربصت سنة قاله في التوضيح وسيأتي كلامه عند قول المصنف: "كعدة من لم تر الحيض" وقال في كتاب طلاق السنة من المدونة: وإذا بلغت المرأة الحرة عشرين سنة أو ثلاثين ولم تحض فعدتها في الطلاق ثلاثة أشهر ولو تقدم لها حيض مرة لطلبت الحيض فإن أبانها اعتدت سنة من يوم الطلاق تسعة أشهر براءة لتأخير الحيض ثم ثلاثة أشهر عدة انتهى. قال أبو الحسن قال ابن المواز إلا أن تعتد بالسنة من زوج قبله فتصير ممن عدتها ثلاثة أشهر حتى يعاودها حيض فتطالب به أو تعاود السنة ابن يونس ووجهه أنها لما حبست أولا تسعة

(5/475)


كعدة من لم تر الحيض واليائسة
------------------------
أشهر للريبه غالب مدة الحمل صارت من أهل الاعتداد بالشهور فلا تنتقل عنها إلا أن يعاودها حيض انتهى.
تنبيهات: الأول: ما ذكره المصنف أنها إذا تأخر حيضها بلا سبب تربصت سنة ظاهره سواء كانت حرة أو أمة وهو المشهور وقال أشهب: تمكث الأمة أحد عشر شهرا تسعة استبراء وشهرين في العدة قال في التوضيح: وهو الظاهر لأن الثلاثة الأشهر أنها لم تنتظر في حق الأمة على المشهور لأجل أن الحمل لا يظهر في أقل منها وها هنا قد حصل قبلها تسعة ويمكن أن يدخل هذا في قول المصنف: "ولو برق".
الثاني: قال في رسم استأذن من سماع عيسى من طلاق السنة والاستبراء من الريبة في الوفاة بعد العدة وفي الطلاق قبل العدة يقال للحرة والأمة في الطلاق انتظرا تسعة أشهر من حين طلقكما زوجاكما لعلكما تحيضان انتهى. وقال في كتاب طلاق السنة من المدونة: والعدة في الطلاق بعد الريبة وفي الوفاة قبل الريبة انتهى. قال ابن ناجي: يريد أن التسعة أشهر أصل لزوال الريبة والثلاثة هي العدة بعد وفي الوفاة يكفي تسعة أشهر ووجهه عبد الحق بما حاصله لأن عدة من تحيض لا تنتقل للأشهر إلا بدليل نفي الحمل وهو التسعة والحكم بالدليل واجب التقدم على حصول مدلوله وعدة الوفاة بالأشهر دون شرط وتأخير الحيض مانع والعلم بدفع المانع جائز تأخيره لأن الأصل عدمه انتهى.
الثالث: قال الزناتي وهل التسعة الأشهر من يوم طلقت أو من يوم رفعت حيضتها قولان انتهى. ص: "كعدة من لم تر الحيض واليائسة" ش: عدل عن أن يقول كعدة الصغيرة واليائسة لشمول ما ذكره للكبيرة إذا لم تر الحيض والحكم فيها كالحكم في الصغيرة فلذلك

(5/476)


ولو برق وتمم من الرابع في الكسر لغى يوم الطلاق وإن حاضت في السنة انتظرت الثانية والثالثة ثم إن احتاجت لعدة فالثلاثة ووجب إن وطئت بزنا أو شبهة،
---------------------------
عدل إلى ما ذكره قال ابن الحاجب: والتي لم تحض وإن بلغت الثلاثين كالصغيرة قال في التوضيح: يريد أو أكثر من الثلاثين وقد صرح في أصل المدونة: بأن الأربعين كذلك قال علماؤنا وأما لو حاضت مرة في عمرها ثم انقطع عنها سنين لمرض أو غيره وقد ولدت أو لم تلد ثم طلقت فإن عدتها الأقراء حتى تبلغ سن من لا تحيض فإن أتتها الأقراء وإلا تربصت سنة كما تقدم انتهى. ص: "ولو برق" ش: مقابل المشهور قولان أحدهما أن عدتها شهر ونصف والثاني أنهما شهران حكاهما ابن بشير والله أعلم.ص: "وألغي يوم الطلاق" ش: وكذا يلغى يوم الوفاة قاله في رسم البر من سماع ابن القاسم من طلاق السنة وهذا هو الذي رجع إليه مالك بعد أن كان يقول تعتد المرأة إلى مثل الساعة التي طلقها فيها زوجها أو توفي عنها قال ابن رشد: وقول مالك الأول: هو القياس إذ لا اختلاف به أنه يجب عليها أن تبتدئ العدة من الساعة التي طلقت فيها وتوفي عنها زوجها ولا يصح لها بإجماع أن تلغي بقية ذلك اليوم فتبتدئ العدة من غروب الشمس فإذا وجب عليها بالإجماع أن تبتدئ العدة من تلك الساعة وتجتنب الطيب والزينة من حينئذ إن كانت عدة وفاة وجب أن تحل في تلك الساعة من النهار وبقاؤها إلى بقية النهار زيادة على ما فرض الله عليها انتهى. فتأمله والله

(5/477)


فلا يطأ الزوج ولا يعقد أو غاب غاصب أو ساب أو مشتر ولا يرجع لها قدرها وفي إمضاء الولي وفسخه تردد.
----------------------------
أعلم ص: "ولا يطأ الزوج ولا يعقد" ش: فإن وطئ الزوج زوجته في مدة استبرائها من الزنا فلا تحرم عليه كما تقدم عن التوضيح في الكلام على نكاح المعتدة والله أعلم.ص: "قدرها" ش: جعل فيه الشارح احتمالين الظاهر منهما الثاني: والمعنى أن المرأة إذا وطئت بزنا أو اشتباه وجب عليها أن تمكث قدر العدة المتقدمة فإن كانت حرة من ذوات الأقراء مكثت ثلاثة قروء وإن كانت أمة قرأين وإن كانت من ذوات الأشهر ثلاثة أشهر وقال ابن غازي المراد الحرة وحكم الأمة يأتي في باب الاستبراء والذي يأتي في باب الاستبراء استبراؤها من ذلك لوطئها بالملك واستبراؤها هنا لوطئها بالنكاح وقد قال في كتاب الاستبراء من المدونة: وإن تزوجت أمة بغير إذن سيدها ففسخ النكاح بعد البناء ولم يمسها إلا بعد حيضتين لأنه استبرأها

(5/478)


واعتدت بطهر الطلاق وإن لحظة فتحل بأول الحيضة الثالثة أو الرابعة إن طلقت لكحيض، وهل ينبغي أن لا تعجل برؤيته تأويلان،
-----------------------------
من نكاح يلحق فيه الولد ولا عدة عليها انتهى. وانظر النص على بقية أحكام المسألة وكلام الشارح في الكبير يقتضي ذلك والله أعلم. ص: "وهل ينبغي أن لا تعجل برؤيته تأويلان" ش: لما ذكر أن المطلقة تحل بأول الحيضة الثالثة كما هو المشهور وهو مذهب المدونة: نبه على أنه وقع في المدونة: بأن ذلك عن أشهب أنه لا ينبغي أن يعجل بالنكاح حتى تستمر الحيضة واختلف الشيوخ هل هو خلاف لابن القاسم أو وفاق فمعنى كلام المصنف وهل ينبغي للمرأة إذا رأت أول الحيضة الثالثة أن لا تعجل بالتزويج بسبب رؤية الدم فمعمول "تزويج" محذوف والباء في "برؤيته" للسببية ونص كلامه في المدونة: وترتجع الحامل ما بقي في بطنها ولد وغير الحامل ما لم تر أول الدم من الحيضة الثالثة فإن رأته فقد مضت الثلاثة الأقراء والأقراء الأطهار قال أشهب وأحب إلي أن لا تنكح حتى تستمر الحيضة لأنها ربما رأت الدم ساعة أو يوما ثم ينقطع فيعلم أن ذلك ليس بحيض فإذا رأت امرأة هذا في الحيضة الثالثة فلترتجع إلى بيتها والعدة قائمة ولزوجها الرجعة حتى تعود إليها حيضة صحيحة مستقيمة انتهى. من أوائل إرخاء الستور منها قال المصنف في التوضيح واعلم أن قوله: "وينبغي" هو من كلام أشهب في المدونة: والكلام الأول لابن القاسم كذا قال الجمهور واختصر ابن أبي زمنين المدونة: على

(5/479)


وروجع النساء في قدر الحيض هنا هل هو يوم أو بعضه وفي أن المقطوع ذكره أو أنثياه يولد له فتعتد زوجته أو لا، وما تراه اليائسة هل هو حيض للنساء
-=--------------------------
أن مجموع الكلام لأشهب وعلى الأول فاختلف هل كلام أشهب وفاق وهي طريقة المصنف يعني ابن الحاجب وأكثر الشيوخ أو خلاف وإليه ذهب غير واحد وهو مذهب سحنون لقوله هو خير من رواية ابن القاسم وهو مثل رواية ابن وهب أنها لا تحل للأزواج ولا تبين من زوجها حتى يتبين أنها حيضة مستقيمة وهو مذهب ابن المواز وابن حبيب وعلى هذا فيكون قول أشهب: "وأحب" محمولا على الوجوب ويبين ذلك تعليل أشهب بقوله إذ قد ينقطع عاجلا فإنها علة تقتضي الوجوب انتهى. فمعنى كلام المصنف أنه إذا قلنا إن المرأة تحل برؤية الحيضة الثالثة فهل ينبغي لها أن لا تعجل بالنكاح لأجل تلك الرؤية وخوف انقطاعه بناء على أن كلام أشهب وفاق ولا ينبغي لها ذلك عند ابن القاسم بناء على أنه خلاف وإذا قلنا بهذا فأحب للوجوب كما قال في التوضيح: وحمله ابن رشد في رسم الطلاق من سماع أشهب من طلاق السنة على الاستحباب واستدل على ذلك فراجعه إن أردته والله أعلم.
تنبيهات: الأول: قال في التوضيح: اختلف القائلون بحمل قوله على الخلاف لو انقطع الدم فالحكم عند ابن القاسم فقال أبو عمران وابن رشد لا يضرها ذلك وقد حلت للأزواج لرؤيته أولا ورأوا أن مذهب ابن القاسم في مقدار الحيض واحد في بابي العبادات والعدد ومنهم من قال بل يضرها وإنما لم يطلب منها ابن القاسم ما طلبه أشهب لأن الأصل عدم انقطاع الدم وهو أيضا الغالب فلا يلزمها وجوبا ولا استحبابا رعى مخالفة الأصل والغالب وإلى هذا ذهب جمهورهم أنه إن لم يتماد بها لا تحتسب به حيضة انتهى.
الثاني: قال في التوضيح: إذا ماتت الزوجة بعد رؤية الدم وقبل التمادي فإنه يحمل أمرها فيه على التمادي ولا يرثها مطلقا وإن مات الزوج حينئذ لم ترثه إن تمادى وإن قالت قبل موته باليوم والشيء القريب انقطع الدم عني وكان موته بأثر قولها ذلك ورثته نقله ابن عبد السلام.
الثالث: قال في التوضيح: قال عياض اختلفوا إذا راجعها زوجها عند انقطاع هذا الدم وعدم تماديه ثم رجع الدم بالقرب هل هي رجعة فاسدة إذ قد ظهر أنها حيضة صحيحة وقعت الرجعة فيها فتبطل وهو الصحيح وقد قيل لا تبطل رجع عن قرب أو بعد خليل وهذا الكلام يدل على أنها لو لم يعاودها الدم أن الرجعة صحيحة وأن للزوج الرجعة وإن قالت قبل ذلك قد رأيت الدم ثم ادعت انقطاعه انتهى. ص: "ورجع في قدر الحيض هنا هل هو يوم أو بعضه وفي أن المقطوع ذكره أو أنثياه يولد له فتعتد زوجته أو لا وما تراه اليائسة هل هو

(5/480)


بخلاف الصغيرة إن أمكن حيضها وانتقلت للأقراء والطهر كالعبادة،
----------------------------
حيض للنساء" ش: ذكر رحمه الله ثلاث مسائل وأنه يرجع فيها للنساء ولم يذكر في المدونة: الرجوع للنساء في الثانية وإنما ذكره في الأولى والثالثة وأما المسألة الأولى فذكر المصنف أنه يرجع في قدر الحيض هنا يعني في باب العدة للنساء واحترز بذلك من العبادات فإنه تقدم أنه لا حد لأقله بالنسبة للعبادات وبين أن المرجوع إليهن فيه هل يكون الحيض يوما أو بعض يوم وظاهر كلامه رحمه الله أن اليوم لا كلام أنه حيض كامل وكلامه في المدونة: ليس كذلك قال في أوائل كتاب الاستبراء منها: وإن ابتاعها فرأت عنده دما لخمسة أيام من حيضتها عند البائع لم يجزه من الاستبراء لأنه دم واحد وتدع له الصلاة وإن رأته بعد أيام كثيرة يكون هذا لها حيضا مؤتنفا فرأته يوما أو بعض يوم أو يومين ثم انقطع فإن قال النساء إن مثل ذلك حيضة أجزأتها وإلا لم يكن استبراء لرحمها وإن لم تصل فيه حتى تقيم في الدم ما يعرف ويستيقن أنه استبراء لرحمها انتهى.

(5/481)


----------------------------
وقال المصنف في التوضيح قد تقدم أن أبا عمران وابن رشد تأولا على المدونة: أنه لا حد لأقل الحيض هنا كالعبادات وأن أكثرهم خالفهم في ذلك ونص المازري على أن المشهور عن مالك نفي التحديد واستناد الحكم إلى ما يقول النساء إنه حيض انتهى. وهذا الذي أراد المصنف أن يمشي عليه لكن عبارته رحمه الله لا توفي بذلك كما تقدم وكلام ابن رشد الذي ذكره في التوضيح وهو في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب من طلاق السنة واستدل على أن ذلك مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة: بقوله فيها إن الأمة المبيعة إذا دخلت في الدم من أول ما تدخل فمصيبتها من المشتري وقد حل للمشتري أن يقبل ويباشر ويجوز للمرأة أن تتزوج بأول ما تراه ولا معنى لاستحباب التأخير لأن الدم إذا انقطع لا يخلو أن يعود عن بعد أو قرب فإن عاد عن بعد انكشف أن ذلك الدم هو الحيضة الثالثة وأن هذا الدم حيضة رابعة وإن عاد عن قرب كان مضافا للأول وعلم أنه كان ابتداء الحيضة الثالثة وأن ما بينهما من الطهر ملغى لا حكم له ثم ذكر كلام ابن القاسم في كتاب الاستبراء ثم قال فعلى قوله هذا إن سئل عنه النساء فقلن إنه لا يكون حيضا يكون الحكم في ذلك على ما في سماع أشهب و فرع: على هذا هل تقضي الصلاة في تلك الأيام أم لا قال والذي يأتي على المذهب إنها لا تقضي لأن الاختلاف إنما هو بالنسبة إلى العدة لا إلى إسقاط الصلاة قال وروي عن سحنون أنها تقضي الصلاة وهو خارج عن المذهب مثل قول أبي حنيفة انتهى. ونقل القاضي عياض عن ابن رشد أنه يقول إنها تقضي الصلاة واعترض عليه وقال في قوله نظر ولا يوافق عليه ونقل المصنف كلامه في التوضيح وقبله وقد علمت أن ابن رشد إنما نقله عن سحنون واعترضه كما تقدم وقد تعقب ابن عرفة ذلك على عياض والله أعلم.ونقل ابن عرفة كلام ابن رشد ونقل بعده كلام المدونة: في إرخاء الستور كالمقوي له ولفظه أقوى من لفظ التهذيب المتقدم ونصه وفي إرخاء الستور منها إذا رأت أول قطرة من الحيضة الثالثة تم قرؤها انتهى. وحصل في أقل الحيض في العدة خمسة أقوال الأول كالطهارة الثاني يسأل النساء وقد تقدم عزوهما الثالث يوم رواه الخطابي عن مالك الرابع ثلاثة أيام لابن مسلمة الخامس خمسة أيام لابن الماجشون والله أعلم.
وأما المسألة الثانية وهي قوله: "وفي أن المقطوع ذكره وأنثياه يولد له فتعتد زوجته أو لا" فهو كقول ابن الحاجب: "ولا تجب بوطء الصغير ولا بالمجبوب ذكره وأنثياه بخلاف الخصي القائم" وفيها: فيه وفي عكسه يسأل النساء فإن كان يولد لمثله فالعدة وإلا فلا عدة ولا يلحقوالذي في آخر كتاب النكاح الأول من المدونة: وإذا كان الرجل مجبوبا أو خصيا ولم تعلم به المرأة فلها أن تقيم أو تفارق ويتوارثان قبل أن تختار فراقه فإن فارقته بعد أن دخل بها فعليها العدة إن كان يطأها وإن كان لا يطأها فلا عدة عليها قيل فإن كان مجبوب الذكر قائم الخصي قال إن كان يولد لمثله فعليها العدة وسئل عن ذلك فإن كان يولد لمثله لزمه الولد

(5/482)


----------------------------
وإلا لم يلزمه ولا يلحق به انتهى. وقال في التنبيهات المجبوب المقطوع جميع ما هنالك والخصي المقطوع الأنثيين أو المسلول ذلك منه قال ابن حبيب وذكره قائم أو بعضه والفقهاء يطلقونه على المقطوع منه أحدهما انتهى. وقال في النكت قال عبد الحق إذا كان مجبوب الذكر والخصا هذا لا يلزمه ولد ولا عدة على امرأته وإن كان مجبوب الخصا فعلى المرأة العدة لأنه يطأ بذكره ولا يلزمه ولد وإن كان مجبوب الذكر قائم الخصا فهذا إن كان يولد لمثله فعليها العدة ويلزمه الولد وإلا فلا وهذا معنى ما في المدونة: ونحوه حفظت عن بعض شيوخنا من القرويين انتهى. وقال في المدونة: في كتاب طلاق السنة والخصي لا يلزمه ولد إن أتت به امرأته إلا أن يعلم أنه يولد لمثله وقال بعده وتعتد امرأة الخصي في الطلاق قال أشهب لأنه يصيب ببقية ذكره انتهى. فهذه المواضع هي التي تكلم في المدونة: فيها على الخصي وليس فيها شيء يوافق ما ذكره ابن الحاجب والمصنف والحق في ذلك الذي جمع ما في المدونة: كلام صاحب النكت وعليه اعتمد الشيخ أبو الحسن في الكلام على مسائل المدونة: وهو الظاهر غير أنه ذكر أن اللخمي رجح في الذكر المقطوع الخصيتين عدم العدة والظاهر ما قاله عبد الحق فتحصل من هذا الذي يسأل عنه إنما هو المقطوع ذكره دون أنثييه وأيضا فلم يقل في هذه أنه يسأل النساء والله أعلم.
وأما المسألة الثالثة وهي قوله: "وما تراه اليائسة هل هو حيض" فيشير به إلى قوله في كتاب طلاق السنة من المدونة: وإذا بلغت الحرة عشرين سنة أو ثلاثين ولم تحض فعدتها ثلاثة أشهر ولو تقدم لها حيضة مرة لطلبت الحيض فإن لم يأتها اعتدت سنة من يوم الطلاق تسعة براءة ثم ثلاثة عدة فإن حاضت بعد عشرة أشهر رجعت إلى الحيض وإن ارتفع ائتنفت سنة من يوم انقطع الدم ثم إن عاودها الدم في السنة رجعت إلى الحيض هكذا تصنع حتى تتم ثلاث حيض أو سنة لا حيض فيها وكذلك التي لم تحض قط قبل الطلاق أو اليائسة ترى الدم بعد ما أخذت في عدة الأشهر فترجع إلى عدة الحيض وتلغي الشهور وتصنع كما وصفنا هذا إن قال النساء فيما رأته اليائسة إنه حيض وإن قلن إنه ليس بحيض أو كانت في سن من لا تحيض من بنات السبعين أو الثمانين لم يكن ذلك حيض وتمادت بالأشهر انتهى. وفي كلام المدونة: فائدة وهي إنما يسأل النساء عمن يشك في أمرها هل هي يائسة أم لا وأما من تحقق أنها يائسة كبنت السبعين فلا يسأل النساء عنها وقال أبو الحسن وقوله يعني في المدونة: لم يكن ذلك حيضا ظاهره أنها تصوم وتصلي ولا تغتسل وهو أحد القولين والآخر أن حكمها في الصلاة والصوم وغير ذلك حكم الحائض إلا العدة انتهى.
فرع: قال الشيخ أبو الحسن انظر إذا أشكل الأمر عليهن فيرجع لما قال ابن رشد: إنه يحمل على أنه حيض انتهى. ويشير بذلك لما قال في رسم الصلاة من سماع أشهب من كتاب الوضوء والنساء في الحيض ينقسمن خمسة أقسام صغيرة لا يشبه أن تحيض ومراهقة

(5/483)


وإن أتت بعدها بولد لدون أقصى أمد الحمل لحق به، إلا أن ينفيه بلعان وتربصت إن ارتابت به، وهل خمسا أو أربعا خلاف.
-------------------------------
يشبه أن تحيض وبالغة في سن من تحيض ومسنة تشبه أن لا تحيض وعجوز لا يشبه أن تحيض ولما لم يرد في القرآن ولا في السنة حد يرجع إليه من السنين يفصل به بين المسنة التي يشبه أن لا تحيض وبين العجوز التي يشبه أن تحيض وجب أن يرجع في ذلك إلى قول النساء كما قال فليسألن عنه فإن قلن إن هذه المرأة التي دفعت دفعت أو دفعتين من دم بعد أن كانت يئست من المحيض فيما كانت ظنت أن مثلها تحيض فلتعد ذلك الدم حيضا وتغتسل منه إذا انقطع عنها وتصلي وإن قلن مثلها لا يحيض فلا تعد ذلك حيضا ولا تترك الصلاة ولا تغتسل منه قاله ابن القاسم في المجموعة وقال ابن حبيب إنها تغتسل وليس ذلك بصحيح وإن شككن فيها عدت ذلك حيضا لأن ما تراه المرأة من الدم محمول على أنه حيض حتى يوقن أنه ليس بحيض من صغر أو كبر لقول الله عز وجل: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً} والأذى الدم الخارج من الرحم فوجب أن يحمل على أنه حيض حتى يعلم أنه ليس بحيض وهذا ما لا أعلم فيه خلافا وبالله أستعين انتهى. ونقل في المقدمات في كتاب الطلاق في الشك نحو ما تقدم نقله عنه في التوضيح والله أعلم.ص: "وإن أتت بعدها بولد لدون أقصى أمد الحمل لحق إلا أن ينفيه بلعان" ش: الضمير في "بعدها" عائد على العدة أعم من أن تكون عدة طلاق أو وفاة قاله في المدونة: ونقله في التوضيح وابن عرفة وقال في التوضيح هذا مقيد بما إذا لم يتزوج غير هذا الزوج أو تزوجت غيره وأتت به لدون ستة أشهر من عقد الثاني وحينئذ يفسخ نكاح الثاني لأنه ناكح في عدة وترجع إلى الأول وأما لو أتت به لستة أشهر فأكثر فهو لاحق بالثاني قطعا انتهى. ص: "وتربصت إن ارتابت به وهل أربعا أو خمسا خلاف" ش: يعني فإذا مضت الخمسة أو الأربعة على أحد القولين حلت ولو بقيت الريبة قال في المدونة: في الباب الذي بعد ترجمة المنعي لها زوجها من كتاب العدة ولا تنكح مستبرأة البطن إلا بعد زوال الريبة أو بعد خمس سنين انتهى. قال ابن عبد السلام: أبو الحسن وإن قالت أنا باقية على ريبتي لأن خمس سنين أمد ما ينتهي إليه الحمل انتهى. قال ابن عبد السلام: وسواء كان ذلك في عدة الطلاق أو عدة الوفاة انتهى. ونحوه للخمي ونصه: كتاب

(5/484)


وفيها لو تزوجت قبل الخمس بأربعة أشهر فولدت لخمسة لم يلحق بواحد منهما، وحدت واستشكلت، وعدة الحامل في طلاق أو وفاة وضع حملها كله
------------------------------
العدة في باب صفة العدد بعد أن ذكر أقصى أمد الحمل قال: والطلاق والوفاة في هذا سواء إلا في أن تذهب الريبة قبل ذلك أي قبل مضي أقصى أمد الحمل انظر بقيته فيه والله أعلم.وهذا إذا كانت الريبة هل حركة ما في بطنها حركة ولد أو حركة ريح وأما إن تحقق وجود الولد فلا تحل أبدا قاله اللخمي ونقله ابن عرفة ونص ما قاله اللخمي في تبصرته ونقله أبو الحسن الصغير قبل مسألة المدونة: المتقدمة قال الشيخ الريبة على وجهين فإن تحقق أنه حمل وإنما كانت الريبة لأجل طول المدة والخروج عن العادة فشكت هل هو حمل أم لا لم تحل أبدا وإذا صح عن بعض النساء أنها ولدت لأربع سنين وأخرى لخمس وأخرى لسبع جاز أن تكون الأخرى لأبعد من ذلك وإن كانت الريبة والشك هل هي حركة الولد أم لا حلت ولم تحبس عن الأزواج انتهى. وكأنه من عند نفسه وهذا الكلام منقول عنه من أبي الحسن لأن النسخة التي عندي من التبصرة في هذا الموضع منها تصحيف وقال ابن عرفة الخامسة يعني من المعتدات المرتابة في الحمل بجس بطن عدتها بوضعه أو مضي أقصى أمد الحمل مع عدم تحققه ثم قال اللخمي: إن تحقق حملها والشك لأجل طول المدة لم تحل أبدا انتهى. فمفهوم قوله مع عدم تحققه مع ما نقله عن اللخمي يدل على ما قيد به كلام المصنف والله أعلم.
فرع: فإن مات ما في بطنها فلا تحل إلا بخروجه كما سيأتي نقل ذلك عن المشذالي وابن سلمون عند قول المصنف واستمر إن مات لا إن ماتت إن شاء الله والله أعلم.ص: "وعدة الحامل في موت أو طلاق وضع حملها كله" ش:.
فرع: قال في كتاب الطهارة من المدونة: وقاله في النوادر في كتاب العدة ولو طلقها بعد وضع الأول فله الرجعة إلى آخر ما تضع انتهى.
مسألة: إذا ضربت المرأة وخرج بعض الجنين وهي حية ثم بقيته بعد موتها فهل فيه غرة

(5/485)


وإن دما اجتمع، وإلا فكالمطلقة إن فسد كالذمية تحت ذمي،
-------------------------------
أم لا في ذلك قولان وعليها يأتي الخلاف فيما إذا مات أبوه أو طلق في تلك الحال هل تنقضي العدة بوضع بقيته أم لا ذكر ذلك الرجراجي في المسألة الثانية من كتاب الديات والله أعلم.
تنبيه: إنما تنقضي العدة بوضع الحمل إذا كان لاحقا بأبيه قال في كتاب طلاق السنة من المدونة: وإذا كان الصبي لا يولد لمثله وهو يقوى على الجماع فظهر بامرأته حمل لم يلحق به وتحد المرأة وإن مات هذا الصبي لم تنقض عدتها من الموت بوضع حملها وعليها أربعة أشهر وعشر من يوم مات وإنما الحمل الذي تنقضي به العدة الحمل الذي يثبت به نسبه من أبيه خلا الملاعنة خاصة فإنها تحل بالوضع وإن لم يلحق بالزوج وإن مات زوجها وهي في العدة لم تنتقل إلى عدة الوفاة انتهى. قال ابن يونس يريد وكذلك المختلعة والمنعي لها زوجها والمعتدة من وفاة تتزوج فتحمل من الآخر أو تكون حاملا من الأول فيلحق الولد بأحدهما فإنه تنقضي به عدتها من الآخر وإن لم يلحق به انتهى. وقال في الشامل: فإن ولدت من زنا أو كان الميت صغيرا لا يولد لمثله أو مجبوبا أو وضعت لأقل من ستة أشهر لم تنقض به ولا يلحق انتهى. وسيقول المصنف في فصل إن طرأ موجب وبعدم وضع حمل ألحق بنكاح صحيح غيره وبفاسد أثره وأثر الطلاق لا الوفاة والله أعلم.ص: "وإلا فكالمطلقة إن فسد" ش: أطلق رحمه الله هذا الحكم وهو خاص بالمجمع على فساده وأما المختلف فيه فقال في التوضيح إن كان لم يدخل فمن ورثها قال عليها العدة ومن لم يورثها لم ير عليها شيئا انتهى. وقد تقدم للمصنف أن المختلف فيه فسخه بطلاق وفيه الإرث فعليه تكون عليها العدة ثم قال في التوضيح: وإن دخل ففي اعتدادها بالأشهر أو الأقراء قولان وروى ابن المواز عن ابن القاسم فيمن تزوج في المرض ثم مات أنها تعتد بأربعة أشهر وعشر وقال أيضا وتعتد بثلاثة أقراء والأول أظهر انتهى.

(5/486)


وإلا فأربعة أشهر وعشر، وإن رجعية إن تمت قبل زمن حيضها وقال النساء لا ريبة بها، وإلا انتظرتها إن دخل بها
----------------------------
وقال ابن فرحون هنا: وأما المختلف فيه فمبني على الميراث فمن ورثها قال تعتد بأربعة أشهر وعشر وعليها الإحداد ومن نفى الميراث فلا عدة عليها إن لم يدخل وعليها إن دخل ثلاثة أقراء ولا إحداد عليها انتهى. وقد تقدم أن المشهور الإرث فتلخص أن المشهور في المختلف فيه أن حكمها حكم المتوفى عنها والله أعلم.وأما المجمع على فساده فقال ابن عبد السلام: حكمها يوم وفاته حكم المطلقة وقد علمت أن المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها فكذلك هذه وإن دخل بها فالواجب الاستبراء فإن كانت حرة فثلاث حيض وإن كانت أمة فحيضتان انتهى. والله أعلم.ص: "وإلا فأربعة أشهر وعشر" ش: كذا في الآية الشريفة إلا أنه في الآية منصوب قال القرطبي في تفسيره قال الخطابي قوله تعالى: {وَعَشْراً} يريد والله أعلم.الأيام بلياليها وقال المبرد إنما أتت العشرة لأن المراد به المدة المعنى وعشر مدد كل مدة من يوم وليلة فالليلة مع يومها مدة معلومة من الدهر وقيل لم يقل عشرة تغليبا لحكم الليالي إذا الليلة أسبق من اليوم والأيام في ضمنها وعشرا أخف من اللفظ فتغلب الليالي على الأيام إذا اجتمعت في التاريخ لأن ابتداء الشهور بالليل عند الاستهلال فكلما كان أول الشهر الليلة غلبت تقول صمنا خمسا من الشهر فتغلب الليالي وإن كان الصوم بالنهار وذهب مالك والشافعي والكوفيون إلى أن المراد بها الأيام والليالي قال ابن المنذر فلو عقد عاقد عليها النكاح على هذا القول وقد مضت أربعة أشهر وعشر ليال كان باطلا حتى يمضي اليوم العاشروذهب بعض الفقهاء إلى أنه إذا انقضى لها أربعة أشهر وعشر ليال حلت لأنه رأى العدة مبهمة فغلب التأنيث وتأولها على الليالي وإلى هذا ذهب الأوزاعي من الفقهاء وأبو بكر الأصم من المتكلمين وروي عن ابن عباس أنه قرأ: "أربعة أشهر وعشر ليال" انتهى. وجعل سبحانه أربعة أشهر وعشرا عبادة العدة لأن فيها استبراء للحمل إذ فيها تكمل الأربعون والأربعون حسب حديث ابن مسعود وغيره: "ثم تنفخ فيه الروح" فجعل العشرة تكملة إذ هي مظنة ظهور الحمل بحركة الجنين وذلك لنقص الشهور أو كمالها ولسرعة حركة الجنين وإبطائها قاله ابن المسيب وغيره انتهى. من الثعالبي ص: "وإلا انتظرتها" ش: قوله: "وإلا"

(5/487)


--------------------------------
يشمل صورتين الأولى أن تكون العدة تتم قبل زمن حيضتها إلا أنه قال النساء بها ريبة قال في التوضيح: في هذه الصورة: وإن قال النساء بها ريبة فلا بد من الحيضة أو ما يقوم مقامها انتهى. وعلى هذه الصورة فقط حمل المصنف قول ابن الحاجب: "والمشهور إن تمت قبل عادتها فلا وينظرها النساء وإلا فتعم" والله أعلم.الصورة الثانية أن تتم العدة بعد زمن الحيضة وعلى هذه الصورة حمل الشيخ بهرام والبساطي كلام المصنف وأدخلها ابن فرحون في قول ابن الحاجب وإلا فتعم وحكمها كما قال المصنف الانتظار قال الشيخ بهرام يريد إلى تسعة أشهر ومثله في ابن فرحون ونصه ويدخل في قوله: "وإلا" إذا كان شأنها أن ترى الدم في أقل من عدة الوفاة فلم تره فيها فعدم رؤيته في زمنه ريبة فترجع إلى تسعة أشهر انتهى. ونحوه في ابن عرفة وعزاه للمشهور مع مالك وأصحابه ونصه وإن فقدته ومضى وقته لا لسبب ولا ريبة لحس بطن ففي كونها كذلك أي يكفيها أربعة أشهر وعشر أو وقفها على حيضة أو تسعة أشهر نقلا ابن رشد عن سحنون مع ابن الماجشون والمشهور مع مالك وأصحابه فإذا مر بها تسعة أشهر قول واحد وهو ظاهر.
تنبيهات: الأول: قال في المقدمات إثر نقله قول مالك وأصحابه: فإذا مر بها تسعة أشهر حلت إلا أن تكون بها ريبة بحس البطن فتقيم حتى تذهب الريبة أو تبلغ أقصى أمد الحمل انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة في قولها ما لم ترتب الكبيرة ذات المحيض بتأخره عن وقته فتقعد حتى تذهب الريبة الشيخ يريد بحيضة أو بتمام تسعة أشهر فإذا مضت التسعة الأشهر فقد خلت إلا أن تحس ببطنها شيئا فإنها تبقى أمد الحمل انتهى. والظاهر أن هذه طرأت لها ريبة البطن في آخر التسعة الأشهر أو بعد كمالها لأن فرض المسألة أولا إن تأخر حيضتها لا لريبة ولا لعذر والله أعلم.والظاهر أن الحكم كذلك في الصورة الأولى وهي ما إذا قال النساء بها ريبة كما تقدم والله أعلم.
الثاني: يفهم من كلام المؤلف بالأحروية أنها لو كانت العدة إنما تتم بعذر من حيضتها ورأت الحيض أنها تحل وهذا لا خلاف فيه قال ابن عرفة: وعدة الوفاة في نكاح صحيح للمرأة المسلمة ولو قبل البناء أو صغيرة أربعة أشهر وعشرا إن رأت فيها ذات الحيض حيضا اتفاقا عبد الحق في تهذيب الطالب وكذا إن لم تره من لم تحض قط ومثل هذا الفرع من تكون في سن من لا تحيض لصغر أو كبر ويؤمن حملها قاله في المقدمات.
الثالث: قال الجزولي في الكبير انظر الريبة أمن العدة أم لا قال أبو عمران ظاهر الرسالة أنها في الريبة معتدة وفائدته إذا تزوجت بعد تمام أربعة أشهر وعشر وقبل تمام الريبة هل هي متزوجة في العدة فيفسخ ويتأبد التحريم أوليس كالمتزوج فيها وأن العدة إنما هي أربعة أشهر وعشر وما زاد فهو احتياط فلا يفسخ وإنما يكره قولان وكذلك الإحداد ونقل ابن عرفة

(5/488)


--------------------------------
عن ابن أبي زيد القول الأول فقط ونصه: الشيخ لأصبغ في الموازية إن تزوجت المرتابة بتأخير الحيض بعد أربعة أشهر وعشر لم يفسخ نكاحها وفي سماع عيسى من طلاق السنة والاستبراء من الريبة في الوفاة بعد العدةيقال للحرة في الوفاة اعتدي أربعة أشهر وعشرا وللأمة شهرين وخمس ليال ثم استبرئا أنفسكما بتمام تسعة أشهر من حين يهلك زوجكما انتهى.
الرابع: علم من الكلام المتقدم أن الصورة الثانية إنما هي إذا تأخر الحيض لا لريبة ولا لعذر فإن تأخر لريبة فقال ابن رشد وأما إن ارتابت من الحيض بامتلاء في البطن فلا اختلاف في أنها لا تحل حتى تنسلخ من تلك الريبة أو تبلغ أقصى أمد الحمل انتهى. من شرح آخر مسألة من الرسم الثاني من كتاب طلاق السنة ونقله ابن عرفة وأما إن تأخر لعذر فقال في المقدمات في طلاق السنة والعذر الرضاع والمرض انتهى. أما الرضاع فقال ابن عرفة ابن رشد تأخره عن وقته لرضاع كتأخره لوقته انتهى. وأما المرض فقال ابن عرفة أيضا وفي كون ارتفاعه بالمرض كالرضاع تحل في الوفاة بأربعة أشهر وعشر وفي الطلاق بالأقراء ولو تباعدت أو ريبة تربصت في الوفاة تسعة أشهر وفي الطلاق سنة قولا أشهب وابن القاسم مع روايته انتهى. زاد في المقدمات مع ابن القاسم أصبغ وابن عبد الحكم وفي التوضيح اتفق على أن المرضع والمريضة تحل بمضي أربعة أشهر وعشر قاله ابن بشير ونصه في التنبيه وإن كانت مريضة أو مرضعة فلا خلاف في المذهب أن تكتفي بالأربعة الأشهر والعشرة أيام انتهى. فانظره مع ما قاله ابن عرفة عن ابن رشد وهو في المقدمات وفي البيان في الرسم المتقدم وأما المستحاضة فقال ابن عرفة وفي عدة المستحاضة بتسعة أشهر وأربعة أشهر وعشر سماع عيسى ابن القاسم مع الباجي عن المذهب ورواية ابن رشد مع ابن زرقون عن رواية الموازية الشيخ لأصبغ في الموازية مثل ما تقدم في المسترابة وقول ابن الحاجب يفصل في المميزة يريد على رواية ابن القاسم اعتبار التمييز إن ميزت في الأشهر حلت وإلا طلب التمييز أو تسعة أشهر وعلى رواية ابن وهب لغوه فالمعتبر التسعة انتهى. وفي عزوه لسماع عيسى أن عدتها تسعة أشهر مسامحة لأنه يفهم منه أن التسعة كلها عدة ونص ما في سماعه تعتد الحرة أربعة أشهر وعشرا والأمة شهرين وخمس ليال ثم يقال لهما الاستحاضة ريبة فانتظرا حتى يمر لكما تسعة أشهر أقصى الريبة انتهى.
الخامس: يلغى يوم الوفاة كما يلغى يوم الطلاق على القول الذي رجع إليه مالك بعد أن كان يقول تعتد لمثل ساعة الوفاة وقد تقدم عن قول المصنف وألغى يوم الطلاق كلام ابن رشد في ذلك وإنه إن ألغى يوم الطلاق والوفاة فالإجماع على أن ابتداء العدة من ساعة الطلاق والوفاة ويجب عليها من حينئذ الإحداد في الوفاة والله أعلم.ص:

(5/489)


وتنصفت بالرق وإن لم تحض فثلاثة أشهر إلا أن ترتاب فتسعة، ولمن وضعت غسل زوجها، ولو تزوجت ولا ينقل العتق لعدة الحرة ولا موت زوج ذمية أسلمت،
--------------------------------
"وتنصفت بالرق وإن لم تحض فثلاثة أشهر إلا أن ترتاب فتسعة" ش: قال في سماع أبي زيد من طلاق السنة في الجارية يتوفى عنها زوجها وهي ترضع شهران وخمس ليال وإن لم تحض إلا أن ترتاب ابن رشد: قوله في التي توفي عنها زوجها وهي ترضع أنها تعتد بشهرين وخمس ليال ولم تمض إلا أن تستراب الريبة ها هنا إنما تكون بحس تجده في بطنها فإن وجدت ذلك فلا تحل حتى يذهب عنها أو تبلغ أقصى أمد الحمل وإن لم تسترب تنقضي عدتها التي فرض الله عليها بالشهرين وخمس ليال كما قال فيسقطه بعد العدة عنها الإحداد ويسقط عنها في السكنى إلا أنها لا تتزوج إن كانت مدخولا بها حتى تمضي ثلاثة أشهر فيعلم أنه لا حمل بها لأن الحمل يتبين في أقل من ثلاثة أشهر انتهى. ونقله ابن عرفة وهذا يرجح أحد القولين اللذين نقلهما الجزولي في الريبة هل هي من العدة

(5/490)


وإن أقر بطلاق متقدم استأنفت العدة من إقراره ولم يرثها إن انقضت على دعواه وورثته فيها إلا أن تشهد بينة له، ولا يرجع بما أنفقت المطلقة ويغرم ما تسلفت بخلاف المتوفى عنها والوارث وإن اشتريت معتدة طلاق فارتفعت حيضتها حلت إن
-----------------------------
أو ليست منها فانظره مع ما تقدم والله أعلم.وقال ابن عرفة ولذات الرق ولو قبل البناء صغيرة شهران وخمس ليال ابن زرقون: رواية ابن العطار لا عدة عليها قبل البناء وإن أطاقت الوطء شاذة وعلى المعروف إن صغرت عن سن الحيض حلت بشهرين وخمس ليال الباجي والشيخ عن الموازية: إن بلغت ولم تحض أو كانت يائسة ولم يؤمن حملها فثلاثة أشهر وإن أمن فلمالك كذلك وأشهب شهران وخمس ليال وغيرهن قال ابن زرقون بها: إن حاضت فيها وإن استريبت بحس بطن فبزوالها اتفاقا فيهما وإن لم تحض فيها من عادتها فيها فالمشهور ترفع لتسعة أشهر أشهب وابن الماجشون وسحنون: لثلاثة أشهر وإن لم تحض ومثلها يحمل ففي حلها بشهرين وخمس ليال أو بثلاثة أشهر قولا ابن القاسم وأشهب انتهى. وانظر قوله: "وإن لم تحض ومثلها يحمل" إلى آخره كأن هذه طريقة ابن زرقون وهي مخالفة لما قدمه عن الباجي والشيخ عن الموازية والله أعلم.فقول المصنف: "وإن لم تحض فثلاثة أشهر" يحمل على من بلغت سن المحيض ولم تحض أو كانت يائسة سواء كان يمكن حملها أم لا كما قال الشيخ ابن أبي زيد في الرسالة وأما التي لا تحيض لصغر أو كبر وقد بنى بها فلا تنكح في الوفاة إلا بعد ثلاثة أشهر وقول المصنف: "إلا أن ترتاب" أي بتأخر الحيض فتؤخر إلى تسعة كما قال في الرسالة بعد أن ذكر عدة الحرة والأمة من الوفاة ما لم ترتب الكبيرة ذات المحيض بتأخره عن وقته فتقعد حتى تذهب الريبة انتهى. والله أعلم.ص: "وإن أقر بطلاق متقدم استأنفت العدة من إقراره" ش: قال في كتاب الطلاق السنة

(5/491)


مضت سنة للطلاق وثلاثة للشراء
---------------------------
من المدونة: وإذا بلغها موت زوجها فعدتها من يوم مات فإن لم يبلغها ذلك حتى انقضت عدتها فلا إحداد عليها وقد حلت وكذلك إن طلقت وهو غائب فعدتها من يوم طلق إذا أقامت على الطلاق بينة وإن لم تكن على ذلك بينة إلا أنه لما قدم قال كنت طلقتها فالعدة من يوم إقراره ولا رجعة له في ذلك فيما دون الثلاث إذا تمت العدة من يوم دعواه وترثه في العدة من يوم دعواه المؤتنفة ولا يرثها وإن كان الطلاق بتا لم يتوارثا بحال ولا يرجع عليها بما أنفقت من ماله بعد طلاقه قبل علمها لأنه قد فرط قال ابن يونس وأما المتوفى عنها فإنها ترد ما أنفقت من ماله بعد وفاته لأن ماله صار لورثته فليس لها أن تختص منه بشيء دونهم قال ابن المواز ولو قدم عليها رجل واحد يشهد بطلاقها أو رجل وامرأتان فليس ذلك بشيء حتى يشهد لها من يحكم به السلطان في الطلاق وترجع بما تسلفت عليه وكذلك روى أشهب عن مالك في العتبية وقال سحنون عن ابن نافع لا ترجع بما تسلفت عليه انتهى. ونقله أبو الحسن وقال في أول رسم من سماع ابن القاسم من طلاق السنة إنه شهد بالطلاق رجل وامرأة أن لها النفقة حتى يثبت ذلك بشاهد آخر.
فروع: الأول: قال في الرسم المذكور: وتكون عدتها من يوم طلق إن اتفق الشاهدان على اليوم فإن اختلفا اعتدت من الآخر ولو لم يذكر اليوم الذي طلق فيه وفات سؤال الشهود كانت عدتها من يوم شهدا عند القاضي لا من يوم الحكم إن تأخر عن الشهادة.
الثاني: قال فيه أيضا ولا غرم عليها فيما أنفقت من ماله أو أنفق عليها منه من يوم الطلاق إلى يوم علمها به لأنه ألبس على نفسه أي فرط إذا لم يعلمها بطلاقه زاد في سماع أشهب باتفاق.

(5/492)


أو معتدة من وفاة فأقصى الأجلين وتركت المتوفى عنها فقط، وإن صغرت ولو كتابية ومفقودا زوجها التزين
--------------------------
الثالث: لو أنفقت من مالها أو تسلفت لرجعت عليه بذلك عن مالك قاله في سماع أشهب وقال ابن نافع لا ترجع بشيء من ذلك انتهى.
الرابع: قال في أول رسم من سماع أشهب من طلاق السنة أما ما ازدادت في السلف مثل أن تشتري ما قيمته بدينار بأكثر من دينار إلى أجل فتبيعه بدينار في نفقتها فلا يلزمه باتفاق وأما ما أنفقته مما خلفه عندها من ماله فلا غرم عليها فيه باتفاق واختلف فيما أنفقت من مالها وتسلفته عليه من غير أن تغبن فيه بزيادة على هذين القولين انتهى. ص: "فأقصى الأجلين" ش: أي أما العدة مع حيضة أو تسعة أشهر وليست كالمعتدة من الطلاق قال القابسي: لأن العدة من أول الوفاة قد انقضت بمضي شهرين وخمس ليال والتربص لزوال الريبة فمتى زالت حلت والمطلقة عدتها بالأقراء وإنما تصير من أهل الأشهر بعد تسعة أشهر ص: "وتركت المتوفى عنها فقط" ش: هذا شروع منه رحمه الله في الكلام على الإحداد والإحداد مأخوذ من الحد وهو المنع يقال: حددت الرجل إذا منعته ومنه الحدود الشرعية لأنها تمنع ويقال للبواب حداد وقال ابن عرفة: الإحداد هو ترك ما هو زينة ولو مع غيره فيدخل ترك الخاتم فقط للمبتذلة وقول ابن الحاجب وابن محرز ترك الزينة المعتادة يبطل طرده بصحة سلب الزينة المعتادة عمن لبسته مبتذلة انتهى. يعني أن لبس الخاتم وحده لا يعد زينة ولكنه

(5/493)


بالمصبوغ ولو أدكن إن وجد غيره إلا الأسود، والتحلي والتطيب، وعمله والتجر فيه والتزين فلا تمتشط بحناء أو كتم بخلاف نحو الزيت والسدر،
--------------------------------
زينة مع غيره فيدخل في حده ويخرج من حد ابن الحاجب وابن محرز لأنه ليس بزينة معتادة فتأمله والله أعلم.وقال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة والإحداد أن لا تقرب المعتدة من الوفاة شيئا من الزينة بحلي والحلي الخاتم فما فوقه ص: "والتطيب وعمله" ش: تصوره واضح.
فرع: إذا لحقتها العدة وهي متطيبة هل عليها ترك الطيب قال التادلي في منسكه في غسل الإحرام عن القرافي وتنزع المحرمة ما صادف الإحرام من الطيب بخلاف المعتدة تلحقها العدة وهي متطيبة انتهى. ثم ذكر فرقا بينهما حاصله أن العدة تدخل عليها بغير اختيارها بخلاف الإحرام ثم ذكر عن البيان خلاف ذلك ولم يبين موضعه من البيان وهو في المسألة الثانية من سماع أشهب من طلاق السنة ونصه:
مسألة: وسئل عن التي يتوفى زوجها وقد امتشطت أتنقض مشطها فقال: لا أرأيت إن كانت مختضبة كيف تصنع لا أرى أن تنقضهقال ابن نافع وهو وابن رشد: قوله إنه ليس عليها إذا توفي عنها زوجها وهي ممتشطة أن تنقض مشطها معناه إذا كانت امتشطت بغير طيب وأما لو امتشطت بطيب أو تطيبت في سائر جسدها لوجب عليها أن تغسل الطيب لما يجب عليها لو توفي عنها وهي لابسة ثوب زينة أن تخلعه وكما يجب على الرجل إذا أحرم وهو متطيب أن يغسل الطيب عنه قال ابن عرفة: بعد نقله هذا الكلام:
قلت: قول ابن رشد يريد إذا كانت امتشطت بغير طيب يقتضي منعها من الامتشاط بغيره وهو خلاف متقدم قولها تمتشط بالسدر ولما نقل الباجي لفظها قال: ولو مات زوجها بعد أن مشطت رأسها بشيء من الطيب فروى أشهب في العتبية وذكر ما تقدم وهذا

(5/494)


واستحدادها ولا تدخل الحمام ولا تطلي جسدها ولا تكتحل إلا لضرورة وإن بطيب، وتمسحه نهارا.
--------------------------------
خلاف ما تقدم لابن رشد وقول ابن رشد: "لو كان بطيب أو تطيبت لوجب عليها غسله" إلى آخره خلاف قول عبد الحق في تهذيبه قال بعض شيوخنا إذا لزمتها العدة وعليها طيب فليس عليها غسله بخلاف من أحرم وعليه طيب عبد الحق يحتمل أن يفرق بينهما بأن المحرم أدخل الإحرام على نفسه فلو شاء نزع الطيب قبل أن يحرم وبأن فيما دخل على المرأة من وفاة زوجها والاهتمام شغلا لها عن الطيب انتهى. ص: "والتجر فيه" ش: قال ابن عرفة: قال في الموازية لا تحضر حاد عمل طيب ولا تتجر فيه ولو كان كسبها انتهى. والله أعلم.

(5/495)


فصل في زوجة المفقود
ولزوجة المفقود الرفع للقاضي والوالي ووالي الماء وإلا فلجماعة المسلمين فيؤجل الحر أربع سنين إن دامت نفقتها،
--------------------------------
فصل
ص: "ولزوجة المفقود الرفع للقاضي والوالي ووالي الماء وإلا فلجماعة المسلمين" ش: قال ابن عرفة: المفقود من انقطع خبره وممكن الكشف عنه فيخرج الأسير ابن عات: والمحبوس

(5/495)


--------------------------------
الذي لا يستطاع الكشف عنه انتهى. ثم قال في آخر الباب ابن عبد الحكم: من سافر في البحر فانقطع خبره فسبيله سبيل المفقود انتهى. وفي مسائل الشيخ أبي الحسن القابسي: وسئل عن مركبين مرسيين بجانب البر وفي أحد المركبين رجل يعرفه بعض من في المركب الآخر فهال عليهم البحر في الليل فسمع تكبير أهل المركب الذي فيه الرجل المعروف فأصبحوا فلم يجدوا للمركب خبرا ولا أثرا وهل يشهد الذين يعرفون الرجل أنه مات فقال: يشهدون بصفة الأمر والحاكم يحكم بالموت في هذا قيل له فلو كانوا في الموسطة فقال قد يكون هؤلاء رمتهم الريح على موضع آخر هؤلاء سبيلهم سبيل المفقود انتهى. قال البرزلي في مسائل العدة والاستبراء لما تكلم على المفقود ومن فقد زمن الوباء وأنه محمول على الموت ومن هذا ما يوجد اليوم ممن يفقد من مراكب المسلمين فلا يدري أغرق أو أخذه العدو ولم يظهر له خبر ألبتة والصواب أنهم محمولون على الموت بعد الفحص عنهم بأخبار مراكب النصارى وأما من أخذه العدو على ظهر البحر وغدوا به كما يجري اليوم فحكمه حكم الأسير وقد ذكر حكمه في المدونة: وغيرها ابن عات ومثله المحبوس الذي لا يستطاع الكشف عنه انتهى.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه يصح أن يرفع إلى الوالي مع وجود القاضي وإلى والي الماء مع وجود القاضي والوالي وأما جماعة المسلمين فظاهر كلامه أنه لا يصح ضربهم الأجل إلا عند فقد من ذكر والظاهر أنه كذلك لجعلهم القول بأنه إذا كان الإمام الأعظم حاضرا لم يضرب غيره خلاف المشهور ولقول اللخمي المعروف من المذهب أن الكشف عن خبره إلى سلطان بلده وإن تولى ذلك بعض ولاة المياه والعقود منهم أجزأانتهى ونقله في التوضيح ص: "إن دامت نفقتها" ش: قال في المتيطية اعلم أن الغائبين على أزواجهم خمسة: فالأول غائب لم يترك نفقة ولا خلف مالا ولا لزوجته عليه شرط في المغيب فإن أحبت زوجته الفراق فإنها تقوم عند السلطان بعدم الإنفاق والثاني غائب لم يترك نفقة ولزوجته عليه شرط في المغيب فزوجته مخيرة في أن تقوم بعدم الإنفاق أو بشرطها وهو أيسر عليها لأنه لا يضرب له في ذلك أجل والثالث غائب خلف نفقة ولزوجته عليه شرط في المغيب فهذه ليس لها أن تقوم إلا بالشرط خاصة وسواء كان الغائب في هذه الثلاثة الأوجه معلوم المكان أو غير معلوم إلا أن معلوم المكان يعذر إليه إن تمكن من ذلك والرابع غائب خلف نفقة ولا شرط لامرأته وهو مع

(5/496)


--------------------------------
ذلك معلوم المكان فهذا يكتب إليه السلطان إما أن يقدم أو يحمل امرأته إليه أو يفارقها وإلا طلق عليه والخامس غائب خلف نفقة ولا شرط لامرأته عليه وهو مع ذلك غير معلوم المكان فهذا هو المفقود انتهى. باختصار وما ذكره في الرابع من أنه يكتب إليه السلطان إلى آخره وإلا طلقها عليه لم يبين كم ينتظر وقال ابن رشد في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من طلاق السنة لم يحدها هنا يعني في هذا الرسم في الطول حدا وقال في أول رسم شهد من سماع عيسى إن السنتين والثلاث في ذلك قريب وليس بطول وهذا إذا بعث إليها بنفقة وأما إن لم يبعث إليها بنفقة ولا علم له مال فإنها تطلق عليه بعد الإعذار إليه والتلوم عليه وأما إن علم أنه موسر بموضعه فتفرض لها النفقة عليه تتبعه بها ولا يفرق بينهما فهذا ظاهر قول ابن حبيب في الواضحة ومعنى ذلك ما لم يطل على ما قال هنا والله أعلم.انتهى كلامه في رسم الشريكين.
تنبيه: قال في المدونة: وينظر السلطان في مال المفقود ويجمعه ويوقفه كان بيد وارث أو غيره ويوكل به من يرضى وإن كان من ورثته من يراه لذلك أهلا أقامه له وينظر في قراضه وودائعه ويقبض ديونه ولا يبرأ من دفع من غرمائه إلى ورثته لأن ورثته لم يرثوه بعد وما أسكن أو أعار أو آجر إلى أجل أرجئ إليه وإن قارض إلى أجل فسخ وأخذ المال وما لحقه من دين أو اعتراف أو عهدة ثمن أو عيب قضى به عليه ولا يقام له وكيل وتباع عروضه في ذلك وإن أقام رجل البينة أنه أوصى له بشيء أو أسند إليه الوصية سمعت بينته فإذا قضى بمدته بحقيقة أو تعمير جعل للوصي وصية وأعطت للموصى إن كان حيا وحملها الثلث وإلا أعيدت البينة وكذلك إن أقامت المرأة بينة أنه زوجها قضيت لها كقضائي على الغائب انتهى. كلام المدونة: قال أبو الحسن قوله: "أو اعتراف" أي استحقاق وقوله: "أو عهدة" ثمن أي استحقاق ما باع فرجع عليه بالثمن وقوله: "أو عيب" أي باع سلعة فظهر بها عيب وقوله: "ولا يقام له وكيل" وجهه أن الوكيل لا يعمم حجج الغائب ويقوم بحجته إذا قدم انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن في كتاب العيوب في الكلام على الرد على الغائب القاعدة أن الإمام لا يتعرض لديون الغائب يقضيها إلا أن يكون مفقودا أو مولى عليه أو يكون حاضرا ويريد أن يبرئ ذمته ورب الدين غائب أو حاضر فله وهذا بخلاف ما إذا أفسد شخص مال غائب فإن الإمام يأخذ منه القيمة ويحبسها الغائب انتهى. ونحوه في النكت فانظره وقال في المتيطية وأما مال المفقود فينبغي للإمام أن ينظر فيه ويثقفه ويجعله في يد من يرتضيه من أهله أو من غيرهم ويقدمه للقيام بتمييز ماله والنظر في جميع أمواله فإن كانت له أملاك اغتلها ورم ما وهي منها وإن كان له عبيد في خراجهم ما يفضل عن نفقتهم وكسوتهم حبسه له وإلا باعهم عليه ويقتضي ديونه إن كانت له عند حلول آجالها ويمكن من إثباتها والخصام فيها وكذلك ما استودعه المفقود أو قارضه وما كانت عليه من ديون ثبتت عليه قضاها عند حلول

(5/497)


والعبد نصفها من العجز عن خبره، ثم اعتدت: كالوفاة وسقطت بها النفقة.
-----------------------------
آجالها بعد بيان أربابها وما تراخى أجله منها ومن مهور نسائه ولا تحل إلا بانقضاء تعميره انتهى. وقوله وما تراخى أجله يريد تراخى أجله بعد مدة التعمير والله أعلمثم قال في المتيطية وينفق من ماله على أزواجه ويخدمهن إن كن مخدمات وكان ماله يتسع لذلك هذا إن كن مدخولا بهن وأما غير المدخول بهن فالمشهور من المذهب والذي عليه العمل وقاله ابن القاسم من رواية المصريين عنه ورواه أيضا عيسى وبه قال ابن المواز ولم يذكر في ذلك خلافا مع معرفته باختلاف أصحاب مالك أن لها النفقة وإن لم يدخل بها المفقود انتهى. وانظر الشيخ أبا الحسن الصغير في آخر النكاح الثاني من طلاق السنة ثم قال في المتيطية وينفق على فقراء صغار بنيه وأبكار بناته حتى يحتلم الذكر منهم وهو صحيح الجسم والعقل ويدخل بالأنثى زوجها انتهى. والله أعلم.ص: "وللعبد نصفها" ش: قال المتيطي وسواء كان مغيبه بإباق أو بيع فغاب به مشتريه وانقطع خبره انتهى. والله أعلم.ص: "وسقطت بها النفقة" ش: قال في المتيطية وينفق هذا الوكيل أو السلطان إن لم يقدم أحدا على زوجة المفقود في الأربع سنين ويكسوها بعد أن تحلف أن زوجها لم يترك لها نفقة ولا كسوة ولا أرسل بشيء وصل إليها ولا يكلفها إثبات الزوجية لثبوتها عنده قبل الأجل ويكلف ذلك غيرها من نسائه ولا ينفق عليها في العدة وينفق على صغار بنيه وأبكار بناته بعد ثبوت البنوة وأنه لا مال لهم في علم الشهود ثم قال في عقد الوثيقة تقول دفع فلان النظر للمفقود إلى فلانة بعد أن ثبت عند القاضي أنها زوجة المفقود فلان لم تنقطع عصمته عنها إلى حين قيامها عنده وبعد أن ثبت عنده يمينها في المسجد الجامع بمدينة كذا أنه ما ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئا تمون به نفسها ولا أرسل إليها بشيء وصل إليها ولا أسقطت ذلك عنه ولا شيئا منه كذا وكذا دينارا إلى آخره ثم قال وإن كان له بنون قلت: إلى فلانة زوجة المفقود وحاضنة بنيها منه فلان

(5/498)


ولا تحتاج فيها لإذن، وليس لها البقاء بعدها، وقدر طلاق يتحقق بدخول الثاني فتحل للأول إن طلقها اثنتين، فإن جاء أو تبين أنه حي أو مات فكالوليين، وورثت الأول إن قضي له بها، ولو تزوجها الثاني في عدة وفاة فكغيره،
--------------------------
وفلان الصغيرين وفلانة البكر بعد أن ثبت عند الفقيه القاضي أنها زوجته وأن بنيها المذكورين هم من المفقود فلان وأن فلانا وفلانا صغيران وأن فلانة بكر وأنهم لا مال لهم في علم من ثبت ذلك بشهادتهم انتهى. والله أعلم.ص: "وليس لها البقاء بعدها" ش: حمله الشارح على أن المراد ليس لها البقاء في الزوجية بعد العدة وهذا لا إشكال فيه والظاهر عوده إلى الأربع سنين قال ابن عرفة: أبو عمران: لها البقاء على عصمته في خلال الأربع سنين لأنها لم تجب عليها عدة ومتى رجعت للرفع للسلطان ابتدأ لها الضرب وليس لها ذلك أن تمتد لأربع انتهى. بلفظهوكلام الشارح هنا مشكل فانظره مع كلام ابن عرفة ص: "فكالوليين" ش: يعني فإن جاء المفقود أو تبين أنه حي أو أنه مات بعد دخول الثاني بها فإنها فاتت بدخوله بها وإن جاء الزوج المفقود أو تبين أنه حي قبل ذلك ردت إلى الأول سواء تبين ذلك وهي في عدة المفقود أو بعد خروجها منها على المعروف أو بعد أن عقد عليها الثاني وقبل الدخول وأما إن ثبت أنه مات بعد عقد الثاني وقبل دخوله بها فإنه يفسخ نكاحه لأنه تزوج بزوجة الغير وأما إن ثبت موته قبل عقد الثاني فإن حكمها حكم غيرها من النساء فإن كان عقد الثاني بعد خروجها من عدة الأول في نفس الأمر صح نكاحه وإن كان عقده قبل خروجها من عدة الأول في نفس الأمر فهو كالنكاح في العدة وإليه أشار بقوله ص: "ولو تزوجها الثاني في عدة فكغيره" ش: يعني فإن كان لم يدخل بها فسخ النكاح ولم تحرم عليه وإن كان دخل بها وطئها في العدة حرمت عليه وإن كان العقد في العدة والدخول بعدها جرى على الخلاف في ذلك والمشهور تأبيد التحريم والله أعلم.

(5/499)


--------------------------
فروع: الأول: إذا دخل بها في نكاح فاسد فالأول أحق بها إن فسخ بلا طلاق لا إن فسخ بطلاق ونص عليه الباجي وغيره ونقله في التوضيح.
الثاني: إذا فقد قبل البناء وضرب له الأجل وفرق الحاكم بينهما فروي عن مالك أنها تعطى جميع الصداق وبه قال سحنون قال ابن بطال: وبه القضاء وفي الجلاب: إنها تعطى نصفه فإن ثبت بعد ذلك موته أو مضى سن التعمير فيكمل لها وقال جماعة: إن لم تكن قبضته لم تعط إلا النصف وإن قبضته لم ينتزع منها وعلى أنها تأخذ الجميع فقال مالك يعجل لها المعجل ويبقى المؤجل لأجله وقال سحنون: يعجل لها الجميع ومنشأ الخلاف أن فيها شائبتين: شائبة الموت بدليل أنها تعتد عدة الوفاة وشائبة الطلاق بدليل أن دخول الثاني يوقع على الأول طلقة وعلى القول بأنها تعطى الجميع فإن جاء الأول بعد دخول الثاني فقيل ترد إليه نصف الصداق واختاره اللخمي وقال ابن رشد: إنه الأصح وقيل لا ترد إليه شيئا قيل وبه العمل نقله في التوضيح.
الثالث: قال في المنتقى في باب الرعاف من كتاب الطهارة قال ابن حبيب: من تزوج امرأة لها زوج غائب لا يدرى أحي هو أم ميت ثم تبين أنه مات لمثل ما تنقضي فيه عدتها قبل نكاحه أن نكاحه ماض انتهى. ص: "وورثت الأول إن قضى له بها" ش: فإن ثبت أنه مات وهي في العدة فترثه اتفاقا وكذا بعد خروجها وقبل عقد الثاني على المعروف وبعد عقده قبل دخوله على المرجوع إليه.
فرع: قال اللخمي: فإن جهلت التواريخ وقد دخل الثاني لم يفسخ نكاحه ولم يرث

(5/500)


وأما إن نعي لها، أو قال: عمرة طالق مدعيا غائبة فطلق عليه ثم أثبته، وذو ثلاث: وكل وكيلين والمطلقة لعدم النفقة، ثم ظهر إسقاطها،
--------------------------
الأول لأنه لم يفرق بينها وبين الثاني بالشك ولا ترث أيضا بالشك ص: "وأما إن نعي لها" ش: النعي خبر الموت قال عياض: الفقهاء يقولون: المنعى بضم الميم وفتح العين وهو خطأ عند أهل العربية والصواب المنعي بفتح الميم وكسر العين وتشديد الياء وهي التي أخبرت بموت زوجها فاعتمدت على الأخبار وتزوجت ثم قدم زوجها فالمشهور من المذهب أنها ترد إلى الأول ولو دخل بها الثاني وسواء حكم بموته حاكم أو لم يحكم وقيل: تفوت بدخول الثاني كامرأة المفقود وثالثها التفرقة فإن حكم به حاكم فاتت بدخول الثاني وإلا لم تفت وأما إن لم يدخل بها الثاني فهي للأول اتفاقا قاله ابن رشد.
فرعان: الأول: وإذا ردت إلى الأول فلا يقربها حتى تحيض أو تضع حملها إن كانت حاملا وتعتد في بيتها الذي كانت تسكن فيه مع الآخر ويحال بينه وبين الدخول عليها عياض ولا إشكال في منع الثاني من النظر إليها والدخول عليها لأنه أجنبي وأما الأول فلا إشكال في منعه الوطء لاحتياط الأنساب وأما ما عداه من الاستمتاع فمباح لأنها زوجة وإنما حبست لأجل اختلاط النسب كما لو استبرأها من زنا وبدليل لو كانت المغصوبة ظاهرة الحمل من زوجها لجاز له وطؤها إذ الولد ولده عند ابن القاسم وكرهه أصبغ كراهة لا تحريما.
الثاني: قال ابن الحاجب: قال أبو عمران: لو ثبت موته عندها برجلين فلم يظهر خلافه لم يفسخ إلا أن يكونا غير عدلين أو لم يعلم إلا بقولهما قال في التوضيح: ما ذكره عن أبي عمران لا يؤخذ منه جواز ذلك ابتداء ونقل عنه ابن يونس وغيره أنه يجوز لها أن تتزوج بغير العدلين وليس عليها أن ترفع إلى الحاكم ولا يفسخ انتهى. جميعه من التوضيح ملخصا ص: "والمطلقة لعدم النفقة ثم ظهر إسقاطها" ش: هكذا ذكر في توضيحه في الكلام على ذات

(5/501)


وذات المفقود تتزوج في عدتها فيفسخ: أو تزوجت بدعواها الموت أو بشهادة غير عدلين فيفسخ، ثم يظهر أنه كان على الصحة، فلا تفوت بدخول،
--------------------------
الوليين ونص على ذلك أبو عمران الجزائري في نظائره ونص ابن يونس في أواخر كتاب النكاح الثاني في الغائب إذا طلق عليه لعدم النفقة ثم ثبت أنه كان يرسلها إليها أنها ترد إليه وإن دخل بها الثاني ونقله عنه ابن عرفة في الكلام على التطليق على الغائب بعدم النفقة وذكر معه أيضا مسألة من طلق عمرة وادعى أن له زوجة أخرى تسمى بذلكونقلها أيضا عن المتيطي وذكر عنه أيضا قولا ثانيا بأنها لا ترد إليه وهو في المتيطية في الكلام على الطلاق على الغائب بعدم النفقة وهذا كله يقتضي أن المرأة إذا أسقطت النفقة عن زوجها في المستقبل تسقط عنه وصرح بذلك عبد الحق في تهذيبه ونقله عنه أبو الحسن وقبله ولم يذكر خلافه

(5/502)


والضرب لواحدة: ضرب لبقيتهن. وإن أبين،
------------------------------
ذكره في الكلام على من وهبت نوبتها من ضرتها في النكاح الثاني وهو خلاف ما جزم به القرافي في الفرق الثالث والثلاثين من قواعده من أن ذلك لا يسقط ولها الرجوع فيه وقبله ابن الشاط وحمل ابن غازي عليه قول المصنف في فصل الصداق أو أسقطت شرطا قبل وجوبه وقد ذكر في التوضيح في الكلام على نكاح التفويض في ذلك قولين والله أعلم.ص: "والضرب لواحدة ضرب لبقيتهن وإن أبين" ش: معنى كلامه والله أعلم.أن من قام من نسائه بعد ضرب الأجل لواحدة فإنه لا يضرب للثانية أجل مستأنف بل يكفي أجل الأولى وإن كانت الثانية امتنعت حين ضرب الأجل للأولى وليس معنى كلامه إن قامت امرأة من نسائه فضرب لها الأجل ثم اعتدت أن العدة تلزم الباقي وتنقطع عنهن النفقة ولو اخترن المقام يظهر ذلك بكلام المتيطي ونصه ولو كان له نساء سواها فقمن في خلال الأجل أو بعد انقضاء الأجل فطلبن ما طلبته من الفراق فهل يستأنف الإمام الفحص عنه لهن وإعادة ضرب الأجل من بعد اليأس أو يجزئه ما تقدم من فعله الأول فذكر ابن العطار في وثائقه عن ابن الفخار أنه رأى لمالك أن الإمام لا يستأنف ضربا وقاله بعض شيوخنا القرويين قال وكذلك إن قمن بعد مضي الأجل وانقضاء العدة فإنهن يجزئهن وضرب الإمام الأجل لواحدة من نسائه كضربه لجميعهن كما أن تفليسه المديان لأحد الغرماء تفليس لجميعهن قال يحيى بن عمر وبلغني عن ابن القاسم أنه سئل عنها فتفكر ثم قال ضرب الأجل للمرأة الواحدة ضرب لجميعهن فإذا انقضى الأجل تزوجن إن أحببن قال بعض القرويين وذكر عن الشيخ أبي عمران أنه قال يضرب للثانية الأجل حين ترفع إليه من غير أن يكشف عن أمر المفقود لأنه قد كشف عنه للأولى قال بعض شيوخنا القرويين وهذا أصح وأحسن انتهى. وكلام ابن يونس

(5/503)


وبقيت أم ولده، وماله، وزوجة الأسير ومفقود أرض الشرك للتعمير، وهو سبعون،
------------------------------
نحوه ونصه وروى لمالك إذا كان للمفقود امرأتان فرفعت إحداهما أمرها إلى السلطان فضرب لها أجلا أربع سنين ثم بعد ذلك رفعت الأخرى قال مالك لا يستأنف لها ضرب وذكر لنا عن بعض شيوخنا مثل هذا قال مالك وكذلك إن قامت بعد مضي الأجل والعدة فإنه يجزئها وضرب الإمام الأجل لواحدة من نسائه كضربه لجميعهن ثم ذكر ما تقدم عن المتيطي وانظر قول المتيطي: "فقمن في خلال الأجل" وقول ابن يونس: "ثم بعد ذلك رفعت الأخرى" فجعلا قول مالك: "لا يستأنف لها الإمام ضربا" محله إذا قامت تطلب الفراق فمفهومه أنها لو لم تقم فلا يكون ضرب الأجل لواحدة ضربا لبقيتهن وقول ابن فرحون في شرحه يعني أن الحاكم كتب بأمر زوجها وعجز عن الوقوف على خبره وضرب الأجل واعتدت فإن ذلك كاف للجميع يريد إذا قمن بطلب ذلك والله أعلم.وكلام ابن فرحون هذا مع نقل ابن يونس والمتيطي عن مالك في قوله: "وكذا إن قمن بعد مضي الأجل وانقضاء العدة فإن ذلك يجزئهن" يقتضي بظاهره أنهن لا يحتجن إلى عدة إذا قمن بعد مضي الأجل والعدة فتأمله والله أعلم. ومقابل هذا القول قول الشيخ أبي عمران الذي صححه واستحسنه بعض القرويين وقاله ابن عبد السلام هو الأقرب عندي والله أعلم.ص: "وبقيت أم ولده" ش: نقله في التوضيح عن ابن رشد وكأنه لم يقف عليه للمتقدمين وقد نقله غير واحد قال المتيطي وينفق على أم ولده إلى انقضاء تعميره انتهى. ثم قال بعد أن ذكر أن السلطان يقدم على مال المفقود من يحفظه ويكفي عياله كما تقدم نقله وينفق الوكيل أو السلطان إن لم يقدم أحدا على أم ولده بعد أن تثبت أنها أم ولده وبعد يمينها ثم قال في نص الوثيقة وإن كان دفع إلى أم ولده قلت: إلى فلانة أم ولده المفقود فلان بعد أن ثبت عند الفقيه القاضي أبي

(5/504)


واختار الشيخان: ثمانين، وحكم بخمس وسبعين، وإن اختلف الشهود في سنه فالأقل، وتجوز شهادتهم على التقدير، وحلف الوارث حينئذ. وإن تنصر أسير فعلى الطوع، واعتدت في مفقود
-----------------------------
فلان أنها أم ولد وأنه لم يبتل عتقها إلى حين قيامها عنده في علم من ثبت ذلك عنده بشهادتهم وأنها حلفت بأمره وثبت يمينها عنده على الواجب فيه وإن كان لها منه ابن ذكرت فيه مثل ما تقدم في البنين انتهى. وقد تقدم ما ذكره في البنين والله أعلم.ص: "وورث ماله حينئذ" ش: أي فيرثه من كان وارثا له يوم يحكم بموته لانقضاء سن التعمير قال ابن عرفة: وأقوال المذهب واضحة لأن مستحق إرثه وإرثه يوم الحكم بتمويته حسبما يدل عليه لفظ اللخمي والمتيطي وابن كوثر وابن الهندي وغيرهم وبه أفتيت من ذكر أنها نزلت وأفتى بعض الناس بإرث مستحقه يوم بلوغه لا يوم الحكم وسئل عنها غير واحد لعل موافقا له فلم يجده فيما علمت انتهى. ص: "وزوجة الأسير" ش: وسواء علم موضعه أم لا.
فرع: إذا هرب الأسير من أرض الحرب وثبت هروبه وجهل خبره فإن ثبت دخوله بلد الإسلام فكالمفقود وإن لم يثبت فكالأسير لاحتمال عدم خروجه من بلد الحرب انتهى. ص: "وإن تنصر أسير فعلى الطوع" ش: ولو تزوجت زوجته ثم ثبت أنه تنصر مكرها فقيل كزوجة المفقود وقيل كالمنعي لها وذكر القولين في التوضيح وفي الشامل واقتصر في التوضيح في أوائل النكاح على أنها كزوجة المفقود والله أعلم.
فرع: إن شهدت بينة بالإكراه وأخرى بالطوع فبينة الإكراه أعمل لأنها علمت ما لم تعلم الأخرى قاله في التوضيح ص: "واعتدت في مفقود المعترك بين المسلمين بعد انفصال

(5/505)


المعترك بين المسلمين بعد انفصال الصفين، وهل تتلوم ويجتهد؟ تفسيران. وورث ماله حينئذ كالمنتجع لبلد الطاعون، أو في زمنه، وفي الفقد بين المسلمين والكفار تعتد بسنة بعد النظر،
---------------------------------
الصفين" ش: هذا إن شهدت البينة العادلة أنه حضر المعترك وأما إن كان إنما رأوه خارجا عن العسكر ولم يروه في المعترك فحكمه حكم المفقود في زوجته وماله باتفاق. انتهى من التوضيح

(5/506)


وللمعتدة المطلقة أو المحبوسة بسببه في حياته: السكنى، وللمتوفى عنها إن دخل بها، والمسكن له أو نقد كراءه، لا بلا نقد، وهل مطلقا؟ أو إلا الوجيبة؟ تأويلان.
----------------------------
ناقلا له عن المقدمات ص: "أو المحبوسة بسببه في حياته السكنى" ش: مفهومه أنه لا سكنى لها في حياة الموت وقرره الشارح كذلك ولينظر في ذلك وانظر كلام ابن عبد السلام عند شرح قول ابن الحاجب: ولأم ولد تعتق أو يموت عنها السكنى فإنه يدل على أن الحرة إذا فسخ نكاحها بعد الموت لها السكنى في مدة الاستبراء فتأمله والله أعلم. ص: "لا بلا نقد وهل مطلقا أو إلا الوجيبة تأويلان" ش: يعني فإن كان موضع سكناها مع زوجها بكراء ولم ينقد ففي المدونة: أنها لا تكون أحق بالسكنى بغير عوض كما إذا كانت إذا نقد الكراء وظاهر ذلك أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون الكراء مشاهرة أي كل شهر بكذا أو وجيبة وهو المدة المعينة وعلى هذا الظاهر حمل المدونة: الباجي وغيره واحتجوا بأن المسألة وقعت لمالك كذلك في الموازية وذكر في النكت عن بعض القرويين أنه حمل المدونة: على المشاهرة وأما الوجيبة فإنها أحق بالسكنى سواء قدم الكراء أم لا واحتج لمفهوم كلام المدونة: الآتي واحتج في تهذيب الطالب لذلك بأن أبا قرة روى عن مالك أنها تكون أحق بالوجيبة مطلقا قاله في التوضيح والتأويل الأول أرجح لموافقته لما في الموازية وقال ابن عرفة بعد ذكره كلام بعض القرويين.

(5/507)


ولا إن لم يدخل، إلا أن يسكنها، إلا ليكفها، وسكنت على ما كانت تسكن، ورجعت له إن نقلها، أو كانت بغيره وإن بشرط في إجازة رضاع، وانفسخت، ومع ثقة إن بقي شيء من العدة إن خرجت ضرورة فمات، أو طلقها في: كالثلاثة الأيام،
---------------------------
وهو خلاف ما في الموازية وغيرها وذكر أيضا أن اللخمي حمل المسألة على ما حملها عليه الباجي والله أعلم.
تنبيهات: الأول: إذا لم يكن لها السكنى في مال الميت فلا تخرج إلا أن يخرجها رب الدار ويطلب من الكراء ما لا يشبه قال في المدونة: في الكلام على المتوفى عنها: إن كانت الدار بكراء ولم ينقد وهو موسر فلا سكنى لها في ماله وتؤدي الكراء من مالها ولا تخرج إلا أن يخرجها رب الدار ويطلب من الكراء ما لا يشبه واحتج بعض القرويين على تأويله المتقدم بقوله إلا أن يطلب منها رب الدار ما لا يشبه فإن ذلك يدل على أن الكراء لم يكن سنة بعينها لأنه لو أكرى سنة بعينها كان الكراء لزم بما تعاقداه وليس لرب الدار أن يطلب غيره وحملها الأولون على أن مدة الكراء فقد انقضت والله أعلم.

(5/508)


وفي التطوع أو غيره إن خرج: لكرباط: لا لمقام، وإن وصلت، والأحسن، ولو أقامت نحو الستة أشهر، والمختار خلافه، وفي الانتقال تعتد بأقربهما أو أبعدهما أو بمكانها، وعليه الكراء راجعا، ومضت المحرمة أو المعتكفة أو أحرمت وعصت، ولا سكنى لأمة لم تبوأ، ولها حينئذ الانتقال مع سادتها: كبدوية ارتحل أهلها فقط،
---------------------------
الثاني: إذا كان الكراء وجيبة ولم ينقد وقلنا لا سكنى لها فتسكن في حصتها وتسلم الكراء.
الثالث: هل لرب الدار إخراجها لغير زيادة؟ انظر التوضيح ص: "كبدوية ارتحل أهلها

(5/509)


أو لعذر لا يمكن المقام معه بمسكنها: كسقوطه أو خوف جار سوء، ولزمت الثاني والثالث، والخروج في حوائجها طرفي النهار،
-----------------------------
فقط" ش: قال ابن عرفة: وفيها إن كانت في قرار فانثوى أهلها لم تنتقل معهم وإن تبدى زوجها فمات رجعت للعدة في بيتها يدل على أنه لم ينتقل للبادية رفضا للإقامة ولو كانت رفضا لها لكانت كالبدوية انتهى. ص: "والخروج في حوائجها في طرفي النهار" ش: يعني أن اللازم للمعتدة إنما هو المبيت في مسكنها وأما ما عدا ذلك فلها الخروج في حوائجها في طرفي النهار وأخرى في وسط النهار وسواء كانت معتدة من طلاق أو وفاة قال في كتاب طلاق السنة من المدونة: ولا تبيت معتدة من وفاة أو طلاق بائن أو غير بائن إلا في بيتها ولها التصرف نهارا والخروج سحرا قرب الفجر وترجع ما بينها وبين العشاء الآخرة انتهى. وانظر أبا الحسن وقال ابن عرفة وسمع ابن القاسم للمتوفى عنها الخروج للعرس ولا تبت إلا في بيتها بما لا تتهيأ به الحاد ابن رشد هذا إن لم يكن فيها من اللهو إلا ما أجيز في العرس انتهى.
مسألة: قال في المسائل الملقوطة: قال عيسى في كتاب ابن مزين: إذا أنهى إلى الإمام أن المعتدة تبيت في غير بيتها أرسل إليها وأعلمها بما جاء في ذلك وأمرها بالكف فإن أبت أدبها

(5/510)


لا لضرر جوار لحاضرة، ورفعت للحاكم، وأقرع لمن يخرج، إن أشكل . وهل لا سكنى لمن سكنت زوجها ثم طلقها؟ قولان، وسقطت إن أقامت بغيره: كنفقة ولد هربت به،
---------------------------
على ذلك وأجبرها عليه انتهى. من تهذيب الطالب ص: "إلا لضرر جوار بحاضرة ورفعت للحاكم وأقرع لمن يخرج إن أشكل" ش: قال ابن عرفة: وفيها لا تنتقل من مسكنها إلا لضرر لا تقدر معه كخوف سقوط أو لصوص بقرية لا مسلمون بها وإن كانت بمدينة لا تنتقل لضرر جوار ولترفع ذلك إلى الإمام قال ابن عرفة: قلت: ضابطه إن قدرت على رفع ضررها بوجه ما لم تنتقل وحملها ابن عات على الفرق بين القرية والمدينة لأن بها من ترفع إليه أمرها بخلاف القرية غالبا اللخمي: وإن وقع بينها وبين من ساكنها شرفان كان منها أخرجت عنه وفي مثله جاء حديث فاطمة بنت قيس وإن كان من غيرها أخرج عنها فإن أشكل الأمر أقرع بينهم.
قلت: إنما يقع الإخراج لشر بعد الإياس من رفعه بزجر من هو منه وقبل ابن عات وابن عبد السلام وغيرهما قوله: "أقرع بينهم" والصواب إخراج غير المعتدة لأن إقامتها حق لله تعالى وهو مقدم على حق الآدمي حسبما تقدم عن قرب انتهى.
قلت: وفيه نظر لأنه قد ثبت جواز إخراجها لشرها من حديث فاطمة بنت قيس ص: "وهل لا سكنى لمن أسكنت زوجها ثم طلقها قولان" ش: الأول لابن المكوي وضعفه ابن رشدقال ابن عرفة عن ابن عات: قال ابن رشد: قول ابن المكوي وهم ثم قال ولو كتبت له إسقاط خراج دارها أمد العصمة وتوابعها لم يكن عليه شيء ولو قالت أمد العصمة فقد لزمه اتفاقا فيهما ص: "وسقطت إن أقامت بغيره" ش: أي وسقطت سكنى المعتدة إذا أقامت بغير المسكن الذي يسكن به من غير عذر ولو طلبت كراء الموضع الذي هربت عنه فلا كراء لها.

(5/511)


وللغرماء بيع الدار في المتوفى عنها؟ فإن ارتابت: فهي أحق، وللمشتري الخيار وللزوج في الأشهر، ومع توقع الحيض: قولان. ولو باع إن زالت الريبة: فسد.
-----------------------
قاله في التوضيح قال: وظاهر المدونة: وكلام ابن الحاجب أنه لا فرق بين أن يكري الزوج الموضع الذي هربت منه أو يتركه خاليا وقال اللخمي: إن خرجت لغير عذر فطلبت كراء المسكن الذي انتقلت عنه لم يكن لها ذلك وإن خرجت عن مسكن يملكه الزوج أو اكتراه وحبسه لم يكره بعد خروجها وإن أكراه رجعت بالأقل مما اكترت أو أكرى به انتهى. ونقله ابن عرفة وقبله وزاد عن اللخمي ولها نفقتها إن كان طلاقها رجعيا ولو خرجت بغير رضاه والكراء في هذا بخلاف النفقة لأن المطلقة لا منفعة له فيها ولو ارتجعها فامتنعت من الرجعة سقطت من حينئذ نفقتها انتهى. فتأمله ونقله أبو الحسن الصغير وقال: وظاهر الكتاب خلافه والله أعلم.ص: "وللغرماء بيع الدار" ش: قال أبو الحسن: واختلف هل للورثة بيع الدار واستثناء العدة؟ فأجازه اللخمي ومنعه غيره لأن غرر لا يدري من المشتري متى يتصل بقبض الدار وإنما رخص فيه في الدين صح من جامع الطرر انتهى. وقال في التوضيح في قول ابن الحاجب والحكم في المتوفى عنها الجواز بعد قوله وليس للزوج بيع الدار للدين عليه إلا في ذات الأشهر ما نصه هذه المسألة ذكرها في المدونة: في كتاب العدة والغرر وفرضها في بيع الغرماء دار الميت لدين عليه وفرضها الباجي في بيع الورثة ابن عبد السلام: وهو ظاهر كلام

(5/512)


وأبدلت في: المنهدم، والمعار، والمستأجر المنقضي المدة، وإن اختلفا في مكانين: أجيبت، وامرأة الأمير ونحوه: لا يخرجها القادم، وإن ارتابت كالحبس حياته، بخلاف حبس مسجد بيده، ولأم ولد يموت عنها: السكنى.
---------------------------
المصنف واعترض بعضهم كلام الباجي لما توهمه من إجازة بيعهم إياها اختيارا فقال إنما أجاز ابن القاسم هذا البيع إذا بيع للغرماء وأما إذا أراد الورثة البيع في غير دين فلم ينص عليه ابن القاسم قال وعندي أنه غير جائز انتهى. انظر ما حكاه عن الباجي مع ما نقله ابن عرفة ونصه ابن الباجي إنما يجوز هذا في عدة الوفاة لأنها أيام محصلة وذلك إذا دعا الغرماء الورثة ببيعها ولا يجوز في عدة الطلاق انتهى. ص: "وأبدلت في المنهدم والمعار والمستأجر" ش: يريد إذا امتنع ربها من كرائه وكان لامتناعه وجه وإلا فليس له الامتناعانظر التوضيح وغيره ص: "وإن اختلفا في مكانين أجيبت" ش: قال في المدونة: وإذا انهدم المسكن فدعت المرأة إلى سكنى موضع ودعا الزوج إلى غيره فذلك لها إلا أن تدعوه إلى ما يضر به لكثرة كراء أو سكنى فتمنع ولو أسقطت الكراء سكنت حيث شاءت قال ابن يونس قوله أو سكن يعني به مثل أن تدعوه إلى موضع بعيد منه أو فيه جيران سوء ونحو ذلك لأن له التحفظ لنفسه وقوله: "سكنت حيث شاءت" يريد حيث يعرف أنها معتدة لا في موضع يخفى عنه خبرها انتهى. ص: "ولأم ولد يموت عنها السكنى" ش: قال في رسم سعد من سماع ابن القاسم من طلاق السنة قال مالك في أم الولد يتوفى عنها سيدها وهي حامل والحرة يتوفى عنها زوجها

(5/513)


وزيد مع العتق، نفقة الحمل: كالمرتدة والمشتبهة إن حصلت، وهل نفقة ذات الزوج إن لم تحمل عليها أو على الواطئ؟ قولان.
--------------------------
وهي حامل: ليس لواحدة منهما نفقة لا من جملة المال ولا من حصة الولد ابن رشد: أما الحرة فلا خلاف وأما أم الولد فهو المشهور وروي لها النفقة من الجملة وعلى المشهور فاختلف في الأمة يموت عنها سيدها وهي حامل فالمشهور لا نفقة لها لأنها حرة بتبين الحمل وقال ابن الماجشون: لها النفقة انتهى. وقال الجزولي: وإذا مات وهي حامل فهل تعتق في الحال أو حتى تضع؟ والأول المشهور وعليه فاختلف في نفقتها فقيل على نفسها وقيل في التركة وعلى القول الآخر بأنها لا تعتق حتى تضع فنفقتها في التركة انتهى. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وأما الأمة يموت سيدها وهي حمل منه لها النفقة من رأس مال المالك قال فضل أوجب لها النفقة من مال سيدها ولعله يرى أنها لا تعتق إلا بعد وضع الحمل خيفة أن ينفش الحمل فتكون أمة قاله في مختصر الواضحة انتهى. كلام ابن فرحون والله أعلم.

(5/514)


فصل في الاستبراء
يجب الاستبراء بحصول الملك، إن لم توقن البراءة ولم يكن وطؤها مباحا، ولم تحرم في المستقبل، وإن صغيرة أطاقت الوطء، أو كبيرة: لا تحملان عادة أو وخشا، أو بكرا أو رجعت من غصب
---------------------------
فصل
ص: "يجب الاستبراء بحصول الملك إن لم توقن البراءة ولم يكن وطؤها مباحا ولم يحرم في المستقبل" ش: الاستبراء مشتق من التبرؤ وهو التخلص ثم استعمل لغة في الاستقصاء والبحث والكشف عن الأمر الغامض وفي الشرع في الكشف عن حال الأرحام عند انتقال الأملاك مراعاة لحفظ الأنساب. قاله في التوضيح. وقال ابن عرفة الاستبراء مدة

(5/515)


أو سبي، أو غنمت، أو اشتريت، ولو متزوجة وطلقت قبل البناء: كالموطوءة إن بيعت أو زوجت
--------------------------
دليل براءة الرحم لا لرفع عصمة أو طلاق فتخرج العدة ويدخل استبراء الحرة ولو للعان والموروثة لأنه للملك لا لذات الموت وجعل القرافي جنسه طلب براءة الرحم لأنه استفعال يخرج استبراء اللعان لأنه يكون لا عن طلب قال في التوضيح: وهو واجب كإيجاب العدة في الزوجات لحديث أبي داود في سبي أوطاس قال صلى الله عليه وسلم: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض حيضة" 1 انتهى. وذكر المصنف أنه يجب بأربعة شروط: الأول: حصول الملك لمن لم يكن حاصلا له.
الثاني: أن لا توقن البراءة.
الثالث: أن لا يكون وطؤها مباحا أي قبل الملك.
الرابع: أن لا يكون وطؤها حراما في المستقبل. فاحترز بالأول مما إذا تزوج أمة فإنه لا يجب عليه استبراؤها وبالثاني ممن علمت براءتها كالمودعة عنده تحيض قبل استبرائها وبالثالث مما لو اشترى زوجته وبالرابع مما لو اشترى ذات زوج ص: "كالموطوءة إن بيعت أو زوجت" ش: قال ابن عرفة: وفيها يجب لإرادة بيعها ربها من وطئه إياها أو لتزويجه إن وطئها أو زنت أو ابتاعها ممن لم ينف وطأها ومن لم يطأ أمته له تزويجها دونه انتهى. وقوله: "الموطوءة"
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب النكاح باب 44. الترمذي في كتاب السير باب 15. الدارمي في كتاب الطلاق باب 18. أحمد في مسنده (3/62، 87، 321).

(5/516)


وقبل قول سيدها. وجاز للمشتري من مدعيه: تزويجها قبله، واتفاق البائع والمشتري على واحد، وكالموطوءة باشتباه أو ساء الظن: كمن عنده تخرج، أو لكغائب، أو مجبوب أو مكاتبة عجزت
-------------------------------
احتراز من غير الموطوءة فإن له أن يزوجها دون استبراء كما نقله ابن عرفة والله أعلمص: "وقبل قول سيدها" ش: هو راجع إلى التزويج.
فرع: قال في كتاب الاستبراء من المدونة: قيل لمالك أفلا يزوجها ويكف عنها زوجها

(5/517)


أو أبضع فيها وأرسلها مع غيره، وبموت سيد، وإن استبرئت أو انقضت عدتها . وبالعتق،
----------------------------
حتى تحيض؟ قال: لا فإن زوجها وقد وطئها قبل أن تحيض حيضة ثم لم يطأها الزوج حتى حاضت فالنكاح مفسوخ انتهى. اللخمي: ولا تحرم على الزوج انتهى. ص: "أو أرسلها مع غيره" ش: يعني وأما لو جاء بها المبضع معه فإنها لا تحتاج إلى استبراء كما قاله في التوضيح ص: "وبموت سيد وإن استبرئت أو انقضت عدتها" ش: يعني أن الاستبراء يجب بموت السيد وسواء كان المتوفى عنها أم ولد أو أمة أقر السيد بوطئها أم لم يقر وقوله: "وإن استبرئت" يعني أن كل واحدة يجب عليها الاستبراء بموت سيدها وإن كان السيد استبرأها قبل موته أو كانت كل واحدة متزوجة فمات عنها زوجها أو طلقها وانقضت عدتها في حياة سيدها وقوله: "وانقضت عدتها" مفهومه أنه لو لم تنقض العدة لم يجب الاستبراء فأحرى أن لا يجب إذا كانت كل واحدة مات عنها سيدها وهي متزوجة وكذلك نص عليه ابن الحاجب وعلله في التوضيح بأنه إذا لم تكن أم الولد أو الأمة متزوجة ولا معتدة فلا مانع للسيد من وطئها فاحتمل أن تكونا موطوءتين له بخلاف ما إذا كانتا متزوجتين أو معتدتين فإن هناك مانعا له من الوطء والله أعلم.
فرع: إذا قلنا لا بد من الاستبراء بموت السيد فمات وهي في أول الدم فإن كانت أم ولد لم تعتد به لأنه كالعدة لها وإن كانت أمة اعتدت به قاله ابن الحاجب ص: "وبالعتق

(5/518)


واستأنفت إن استبرئت، أو غاب غيبة علم أنه لم يقدم أم الولد فقط بحيضة، وإن تأخرت، أو أرضعت، أو مرضت، أو استحيضت ولم تميز، فثلاثة أشهر:
--------------------------
واستأنفت إن استبرئت أو غاب غيبة علم أنه لم يقدم أم ولد فقط" ش: يعني أن الاستبراء يجب أيضا بالعتق وظاهر قوله: "وبالعتق" أنه يجب الاستبراء سواء استبرأها قبل العتق أم لم يستبرئ ولما كان كذاك بين حكم ما إذا حصل قبل العتق استبراء بقوله: "استأنفت" فعلم أن مراده بقوله: "وبالعتق" الذي ليس قبله استبراء وفاعل قوله: "استأنفت" هو أم الولد وقوله: "استأنفت إن استبرئت" يريد أو انقضت عدتها قاله ابن الحاجب وقوله: "فقط" احتراز من الأمة القن فإنها لا تستأنف بل تكتفي بالاستبراء الحاصل قبل العتق أو انقضاء عدتها.
تنبيه: ومحل وجوب الاستبراء بالعتق ما إذا لم تكن الأمة أو أم الولد متزوجة أو معتدة وأما لو كانت واحدة منهما كذلك فلا يجب الاستبراء قاله ابن الحاجب وقوله: "أو غاب" إلى آخره يعني أن أم الولد إذا غاب عنها سيدها غيبة علم أنه لم يقدم منها قال في التوضيح: ولا يمكنه أن يأتي خفية فإن أم الولد تستأنف لموته أو عتقه حيضة ولو حاضت قبله حيضا بخلاف الأمة والله أعلم.انظر ابن عبد السلام ص: "بحيضة وإن تأخرت إلى آخره" ش: يتعلق هذا المجرور بقوله أول الباب: "يجب الاستبراء" فهو راجع إلى جميع ما تقدم من مسألة استبراء الأمة وأم الولد أما الأمة فواضح وأما أم الولد فإن كانت تحيض فلا شك أن عدتها

(5/519)


كالصغيرة، واليائسة، ونظر النساء فإن ارتبن فتسعة
---------------------------
من وفاة سيدها وعتقه حيضة وإن كانت ممن لا تحيض لكبر أو لغير سبب فثلاثة أشهر وأما إن كانت تحيض فتأخر حيضها أو تأخر للرضاع أو المرض أو كانت مستحاضة فظاهر كلام المؤلف أن حكمها كذلك ثلاثة أشهر وبه صرح الشارح وذكره في النوادر قال في ترجمة عدة المستحاضة في الوفاة وأم الولد واستحاضة الحامل وإذا استحيضت أم الولد في وفاة السيد أو أمته قد أعتقت أو بيعت فثلاثة أشهر تبرئها وكذلك في الريبة بتأخير الحيضة أو تأخر الرضاع أو لمرض إلا أن تحس حركة بطن فتتم إلى زوال ذلك وإذا قال النساء لا حمل بها وقد تمت الثلاثة الأشهر فقد حلت انتهى. وذكر ابن عرفة هذا أيضا عن عبد الحق والقرويين ورواية أبي عمر بن عبد البر وذكر ابن الجلاب أن المستبرأة بتأخير الحيض والمستحاضة إنما تكون عدتها من وفاة سيدها بتسعة أشهر ولم يذكر الرضاع والمرض فحصل ابن عرفة في المستبرأة طريقتين.
الأولى: للجماعة المذكورين.
والثانية: للجلاب فقط لكنه لم يذكر بماذا وقعت الريبة هل بتأخير الحيض أو بالاستحاضة أو بتأخيره للرضاع أو المرض ونص كلامه وأم الولد ذات الحيض كالأمة وفي كونها مستبرأة مثلها ولزوم تسعة أشهر لموت ربها طريقا عبد الحق مع غير واحد من القرويين والشيخ عن رواية محمد ورواية أبي عمر والجلاب انتهى. وكذلك ابن الحاجب في كلامه إجمال ولم يفسره المصنف ولا ابن عبد السلام والله أعلم.
فرع: إذا كانت تحيض في كل ستة أشهر فاختلف هل تستبرئ بحيضة أو تستبرئ بثلاثة أشهر وهو الذي اختاره ابن رشد في رسم استأذن من سماع عيسى.
تنبيه: قال المصنف: بحيضة ولم يقل بقرء لأن المشهور أن الاستبراء حيضة لا طهر ومقابل المشهور أنه طهر قال في التوضيح: ولم أره منصوصا ويريد أن هذا في المعتادة لمقابلته له بالمرتابة في قوله: "وإن تأخرت" إلى آخره والله أعلم.ص: "ونظر النساء فإن ارتبن فتسعة" ش: يعني تسعة أشهر يؤخذ منها الثلاثة قبل أن ينظرنها النساء ابن عبد السلام وابن فرحون: فإن زالت الريبة قبل وفاء التسعة حلت وإن استمرت بعد التسعة ولم تزد بحس ولا تحريك

(5/520)


وبالوضع: كالعدة. وحرم في زمنه الاستمتاع، ولا استبراء إن لم تطق الوطء أو حاضت تحت يده: كمودعة ومبيعة بالخيار، ولم تخرج ولم يلج عليها سيدها، أو أعتق تزوج،
----------------------------
حلت: أيضا انظر التوضيح وأبا الحسن ص: "وبالوضع كالعدة" ش: يعني بوضع حملها كله وإن دما اجتمع ويعني به إن حصلت لها ريبة بالحمل لم تحل إلا بأقصى أمد الحمل كما تقدم والله أعلم.ص: "وحرم في زمنه الاستمتاع" ش: قال في المدونة: في كتاب الاستبراء ولا ينبغي للمبتاع أن يطأ في الاستبراء ولا يقبل أو يجس أو ينظر للذة ولا بأس أن ينظر لغير لذة وإن وطئ المبتاع الأمة في الاستبراء قبل الحيضة نكل إن لم يعذر بجهل حاضت بعد ذلك أو لم تحض انتهى. قال أبو الحسن: معنى قوله: "لا ينبغي" أي لا يجوز بدليل قوله: "نكل" عياض: مذهبه على العموم كانت حاملا أو غير حامل ثم قال قوله:"نكل" ابن رشد مع طرح شهادته ثم قال قوله: "ولا بأس أن ينظر لغير لذة" يفهم منه أن النظر لغير لذة يجوز وإن كان لغير ضرورة وفي كتاب الظهار: أجاز أن ينظر المظاهر إلى وجه زوجته قال: وقد ينظر غيره إليه وقال أبو محمد ولا بأس أن يراها لعذر من شهادة عليها فشدد أبو محمد وهذه مسألة قولين انتهى. وقال في المدونة: ومن اشترى جارية حاملا فلا يتواضعانها ثم قال ولا يطؤها حتى تلد قال أبو الحسن: وتطهر ولا يدخل النفاس في الاستبراء وله أن يتلذذ منها بما عدا الوطء انتهى. والله أعلم. ص: "ولا استبراء إن لم تطق الوطء" ش: قال في التوضيح: ونص المتيطي على أن بنت ثمان سنين لا تطيق الوطء وعمل بذلك وثيقة انتهى. ثم قال في شرح قوله كالمطيقة للوطء قال في الجواهر كبنت العشر والتسع فإنه يمكن وطؤها انتهى.

(5/521)


أو اشترى زوجته، وإن بعد البناء، فإن باع المشتراة وقد دخل، أو عتق، أو مات أو عجز المكاتب قبل وطء الملك لم تحل لسيد ولا زوج إلا بقرءين: أو عدة فسخ النكاح، وبعده بحيضة، كحصوله بعد حيضة أو حيضتين، أو حصلت في أول الحيض، وهل إلا أن تمضي حيضة
---------------------------
هذا والله أعلم.لم يختلف باختلاف الناس ص: "أو اشترى زوجته" ش:.
فرع: قال البرزلي: سئل ابن أبي زيد عمن كان يطأ أمة فاستحقت منه فاشتراها من مستحقها هل يستبرئها؟ فأجاب: لا يطأها إلا بعد الاستبراء بخلاف لو أعتقها ثم تزوجهاانتهى من مسائل العدة والاستبراء ص: "فإن باع المشتراة وقد دخل الخ" ش: مفهوم قوله: "وقد دخل" أنه لو لم يدخل لكان الحكم خلاف ذلك وهو كذلك قال في استبراء المدونة: ومن اشترى زوجته قبل البناء أو بعده لم يستبرئ وإن ابتاعها قبل البناء ثم باعها قبل أن يطأها وبعد أن وطئها فليستبرئ المبتاع بحيضه انتهى. ص: "وهل إلا أن تمضي حيضة

(5/522)


استبراء أو أكثرها؟ تأويلان، أو استبرأ أب جارية ابنه ثم وطئها وتؤولت على وجوبه وعليه الأقل.
--------------------------
استبراء" ش: يعني وهل نفي الاستبراء إذا حصل الملك في أول الحيض مقيد بأن لا يمضي مقدار حيضة استبراء يعني مقدار حيضة كافية في الاستبراء على التفصيل المتقدم في أقل الحيض في العدد كذا فسرابن فرحون قول ابن الحاجب بشرط أن لا يمضي مقدار حيضة استبراء أو نفي الاستبراء مقيد بأن لا يمضي أكثر حيضتها يعني أقواها والله أعلم. ص: "أو استبرأ أب جارية ابنه ثم وطئها وتؤولت على وجوبه وعليه الأقل" ش: يعني أن الأب إذا عزل جارية ابنه واستبرأها ثم وطئها بعد الاستبراء فإنه يملكها بل بمجرد تلذذه بها حرمت على الابن وملكها الأب وتلزمه قيمتها حملت أم لا كان موسرا أو معسرا إلا أنها تباع عليه إن كان معسرا ولم تحمل وإن حملت لم تبع وقد تقدم ذلك في النكاح فإذا ملكها بوطئه إياها بعد أن كان استبرأها فإنه لا يحتاج فيها إلى استبراء آخر بعد الوطء هذا هو المشهور قاله في التوضيح وعليه حمل أكثر الشيوخ قول ابن القاسم في المدونة: وقال غير ابن القاسم في المدونة: إنه يجب عليه الاستبراء من وطئه ولو كان استبرأها قبل ذلك وتأول ابن اللباد وابن الشقاق وابن الكاتب قول ابن القاسم في المدونة: عليه وأنه موافق للغير وسيأتي بيانه وإليه أشار بقوله: "وتؤولت على وجوبه" يعني الاستبراء وعليه الأقل يعني أن أقل الشيوخ على تأويلها على وجوب الاستبراء وأكثرهم على أنه لا يجب وأن قول الغير مخالف لقول ابن القاسم قال في المدونة: ومن وطئ جارية ابنه فقومت عليه فليستبرئها إذا لم يكن الأب قد عزلها عنده واستبرأها وقال غيره لا بد أن يستبرئها لفساد وطئه وإن كانت مستبرأة عند الأب قال ابن القاسم وكل وطاء فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ انتهى. فظاهر قول الغير أنه مخالف لقول ابن القاسم وعلى ذلك حملها اللخمي وابن رشد وابن الحاجب قال في التوضيح: وطريق الأكثر وذلك أن الأكثر فهموا قول ابن القاسم إذا لم يكن الأب عزلها عنده واستبرأها أنه لو استبرأها قبل الوطء لا يحتاج إلى استبراء بعده انتهى. واختاروا قول ابن القاسم ورجحوه وردوا قول الغير بأنه وطء فاسد فإن الأب إذا تلذذ بجارية ولده حرمت على الابن ولزمت الأب القيمة فهي بمجرد مخالطتها ومباشرتها لزمته قيمتها وصارت ملكا له فما حصل وطؤه إلا في مملوكة والفرض أنه قد كان استبرأها فكفاه ذلك كما يكفي المودع استبراء الأمة قبل أن يستبرئها بل من اشترى أمة من فضولي وحاضت عند المشتري ثم أجاز ربها البيع قال في المدونة: هي المودعة يعني لا تحتاج إلى استبراء آخر بعد الإجازة بل الغاصب إذا حاضت عنده الأمة ثم ضمنها بوجه من وجوه الضمان أو اشتراها فله وطؤها من غير استبراء كما صرح به

(5/523)


--------------------------
اللخمي وغيره وخالف ابن اللباد وابن الشقاق وابن الكاتب الأكثر وحملوا قول ابن القاسم على موافقته للغير وحملوا قول الغير فليستبرئها إذا لم يكن الأب قد عزلها عنده واستبرأها على أن المراد إذا قومت عليه فليستبرئها إذا لم يكن عزلها عنده واستبرأها بعد وطئه الفاسدواختار هذا التأويل ابن مرزوق شيخ ابن رشد وخالفه تلميذه ابن رشد وصحح مذهب الأكثر كما تقدم.
وقال القاضي عياض: والذي عندي أن ما ذهب إليه ابن الكتاب أصوب وأنه مراد ابن القاسم بدليل قوله آخر المسألة "لأنه وطء فاسد وكل وطء فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ" فهو إنما علل بفساد الوطء كما علل به غيره ولو كان ما ذهب إليه القابسي لعلل بأنه لا يدري براءة رحمها ولم يعلل بفساد الوطء الذي يقول ابن القابسي إنه غير فاسد بإلزامه القيمة بالمباشرة فتأمله فهو بين انتهى. من التنبيهات وما قاله فيه نظر أما أولا فليس في كلام ابن القاسم أنه وطء فاسد وإنما فيه وكل وطء فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ كما تقدم وكذلك اختصرها المختصرون وعلى تقدير وجوده فليس في كلامه إلا دعوى أن هذا الوطء فاسد من غير دليل وحمل كلام ابن القاسم على ذلك من غير دليل فإن الوطء إذا وقع من غير بريئة الرحم فهو فاسد وأما وطء الأب بعد الاستبراء فالقول بفساده لا وجه له ألا ترى أنه لو تلذذ بها ولم يطأها أليس له أنه يلزمه قيمتها وتصير ملكا له على المعروف فتأمله والله أعلم.وقال المصنف في التوضيح وقول الغير ظاهر انتهى. فكأنه اختار قول الغير وقد تبين أن قول ابن القاسم هو الراجح الظاهر المشهور والله أعلم.وقال في التوضيح وأشار التونسي إلى أن قول الغير مبني على قول ابن عبد الحكم أن الأب لا يضمن القيمة بوطئها بل يكون للابن التماسك بها في عسر الأب ويسره انتهى. ويريد إذا لم تحمل وعزاه غير المصنف لسحنون وعبد الملك وهو ظاهر إلا أن ابن عرفة رده بأن في لفظ الغير لا ينبغي صب مائه على الماء الذي لزمته له القيمة فإن كان هذا في لفظه فلا يتجه حمله على قول سحنون وابن عبد الحكم والله أعلم.
تنبيهان: الأول: أما لو وطئها قبل أن يستبرئها فقومت عليه لم يكن له وطؤها بعد التقويم إلا بعد استبراء لأنه يمكن أن يكون رحمها مشغولا من غيره كما تقدم في لفظ المدونة:
الثاني: وقع في عبارة الشارح في شروحه الثلاثة ما نصه: وفهم ابن اللباد وابن الشقاق قوله "فليستبرئها إن لم يكن عزلها عنده واستبرأها" على أن المراد قبل وطئه وإن كان فعل ذلك بعد وطئه فلا يحتاج إلى استبراء لأن الاستبراء لا يحتاج إلى قصد ونية انتهى. وهذا إما أن يكون تبدلت لفظة بعد بقبل أو يكون سقط منه شيء والمراد قبل وطئه إياها بعد التقويم أو قبل وطئه إياها ثانيا ونحو ذلك وقوله: "إلا أن الاستبراء لا يحتاج إلى قصد ونية" تعليل لقوله: "إن لم يكن فعل ذلك" يعني أنه يستبرئها إن لم يكن حصل منه استبراء بأن يكون عزلها

(5/524)


ويستحسن إن غاب عليها مشتر بخيار له وتؤولت على الوجوب أيضا،
--------------------------
وتركها وطأها فحاضت فإن الاستبراء لا يحتاج إلى قصد ونية والله أعلم.ثم قال في الأوسط والصغير: وكلام الغير يشعر بأن الاستبراء واجب على الأب لفساد وطئه وهو رأي الأقلين وإليه أشار بقوله: "وتؤولت على الوجوب" انتهى. وما قاله ليس بظاهر فإن كلامه صريح في إيجاب الاستبراء على الأب وقوله: "رأي الأقلين" يعني وجوب الاستبراء لكن هو رأيهم لحملهم كلام ابن القاسم على موافقة الغير وقال في الكبير وكلام الغير يشعر بالمخالفة لابن القاسم لقوله: "لفساد الوطء" وعليه فيجب الاستبراء على الأب وهو رأي الأقلين وإليه أشار بقوله إلى آخره انتهى. وهو قريب من كلامه الأول والله أعلم.وقال البساطي وقال ابن اللباد وابن الشقاق قوله: "إذا لم يكن الأب عزلها" أي ولم يطأها وأما إذا وطئها فلا بد منه ويعضده قول غيره: "لفساد وطئه" لأنه إذا لم يكن وطئ يقال لفساد وطئه وها هنا كلمات لم أقدر على سماعها انتهى. وما ذكره عن ابن اللباد وابن الشقاق لم يقولاه وقد عرفت كلامهما وما وقع لبعض أهل المذهب من الكلام وهل هو حسن أم لا والله أعلمص: "ويستحسن إذا غاب عليها مشتر لخيار له وتؤولت على الوجوب أيضا" ش: هذا نحو قوله في المدونة: في كتاب الاستبراء ومن ابتاع جارية بالخيار ثلاثا فتواضعاها أو كانت وخشا فقبضها فاختار الرد من له الخيار فلا استبراء على البائع لأن البيع لم يتم فيها وإن أحب البائع أن يستبرئ التي غاب عليها المشتري وكان الخيار له خاصة فذلك حسن إذ لو وطئ المبتاع لكان بذلك مختارا وإن كان منهيا عن ذلك كما استحب استبراء التي غاب عليها الغاصب قال الشيخ أبو الحسن في قوله: "فلا استبراء على البائع" هو أعم من أن يكون له الخيار أو للمبتاع وقوله: "فتواضعاها" سواء كانت المواضعة على يد المشتري أو البائع أو أمين فلا استبراء عليه لأنها كالمودعة انتهى. وقال اللخمي: وإذا بيعت جارية على خيار البائع أو المشتري ثم ردها في أيام الخيار جرت على ما تقدم في المودعة فقال في المدونة: ليس على البائع استبراء وإن استبرأها إذا كان الخيار للمشتري وقال أبو الفرج القياس أن عليه الاستبراء قال الشيخ وهذا بين إلا أن يثبت أمانة المشتري فيحسن الاستبراء ولا يجب انتهى. فظاهر المدونة: وما نقله اللخمي عنها أن استحسان الاستبراء إنما هو إذا كان الخيار للمشتري فقط وظاهر ما نقله عن أبي الفرج وجوب الاستبراء مطلقا سواء كان الخيار له أو لأجنبي وكذلك أيضا ظاهر استحسانه هو الإطلاق وعلى هذا الإطلاق حمل الشارح كلام المصنف قال الشارح في الكبير يعني ويستحسن الاستبراء إذا غاب على الأمة مشتر بخيار يريد كان الخيار للمشتري أو

(5/525)


وتتواضع العلية أو وخش أقر البائع بوطئها عند من يؤمن
---------------------------------
للبائع أو لأجنبي فإذا ردت إلى سيدها استحسن له أن لا يطأها حتى يستبرئها انتهى. ونحوه للبساطي والأقفهسي وزاد أولهما والله أعلم.ويمكن أن يفهم هذا الإطلاق من قول الشيخ في التوضيح خليل والأقرب حمل المدونة: على الوجوب لاسيما إذا كان الخيار للمشتري انتهى. وفي اختصار ابن أبي زمنين قال ابن القاسم ومن باع جارية على أن الخيار له أو للمشتري وكانت رفيعة فتواضعاها أو كانت من الوخش فقبضها المشتري ثم ردها الذي كان الخيار له فليس على البائع أن يستبرئها لأن البيع لم يتم فيها وإذا أحب أن يستبرئها إذا كانت من الوخش وكان المشتري قد قبضها لنفسه وغاب عليها فهو حسن انتهى. من المغربي واختصر ابن أبي زيد المدونة: مثل اختصار البراذعي المتقدم والله أعلم.وقال أبو الحسن في قوله في المدونة: المتقدم وقوله: "وإن كان منهيا" لأنه وإن كان مختارا بوطئها ذلك فأول وطئه يكون فيه غير أمته وقوله كما استحب استبراء التي غاب عليها استحب للوجوب والجامع بين مسألة الغاصب ومسألة الخيار أن الغاصب والمشتري بالخيار كل واحد منهي عن الوطء انتهى. والله أعلم. ص: "وتتواضع العلية" ش: قال ابن عرفة: المواضعة جعل الأمة مدة استبرائها في حوز مقبول خبره على حيضتها انتهى.
قلت: كلامه يقتضي أن المواضعة إنما هي فيمن تحيض وقال ابن رشد في أول كتاب الاستبراء من البيان ولا يرخص في تركها للمسافر والمجتاز وهي أن توضع الجارية عند امرأة أو رجل له أهل حتى تعرف براءة رحمها من الحمل بحيضة إن كانت من ذوات الحيض وثلاثة أشهر إن كانت يائسة من المحيض لكبر أو صغر ممن توطأ بكرا كانت أو ثيبا أمن منها الحمل أو لم يؤمن وقد قيل إذا أمن منها الحمل فلا مواضعة فيها انتهى. ثم قال والضمان في ذلك على البائع والنفقة عليه ولا يجوز أن يتلذذ بشيء منها وإن كان الضمان منه والنفقة عليه من أجل أنه قد أوجبها لغيره ولا يجوز ذلك للمشتري أيضا من أجل أن الضمان على غيره وإن اشتراها في أول دمها أو عظمه كان ذلك براءة رحمها ولم يكن فيها مواضعة انتهى. وقال بعد هذا في سماع أشهب: أما الصغيرة التي لا يوطأ مثلها فلا اختلاف في أنه لا مواضعة فيها ولا استبراء وإنما اختلف في الصغيرة التي لا يوطأ مثلها ويؤمن الحمل منها فمذهب مالك وعامة أصحابه وجوب الاستبراء فيها والمواضعة إن كانت من ذوات الأثمان بثلاثة أشهر لأن الحمل لا يستبين بأقل منها وقيل: شهران وقيل: شهر ونصف وقيل: شهر وذهب مطرف وابن

(5/526)


والشأن النساء وإذا رضي بغيرهما فليس لأحدهما الانتقال ونهيا عن أحدهما وهل يكتفي بواحدة؟ قال يخرج عن الترجمان ولا مواضعة في متزوجة وحامل ومعتدة، وزانية كالمردودة بعيب أو فساد أو إقالة إن لم
-----------------------------
الماجشون إلى أنه لا يجب فيها استبراء ولا مواضعة وذلك عن جماعة من السلف منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب وسليمان والقاسم بن محمد وابن شهاب وأبو الزناد وأبو الربيع وابن هرمز وغيرهم وكذلك الكبيرة التي يؤمن الحمل لها والله أعلم.ص: "والشأن النساء" ش: هو المستحب ويجوز أن توضع على يد رجل إذا كان مأمونا وله أهل ولا يجوز أن تكون على يد رجل غير مأمون كان له أهل أم لا واختلف إذا كان مأمونا لا أهل له فأجاز ذلك في كتاب محمد على كراهته ومنعه أصبغ وهو أصوب انتهى. من اللخمي وانظر إذا وضعاها عند غير مأمون أو مأمون لا أهل له على قول أصبغ وحاضت هل تكفي أو لا والظاهر أنها تكفي وكذا إذا وضعاها على يد أحدهما وهو غير مأمون فإنه لا يجوز وانظر هل يكفي أو لا والله أعلم. ص: "وإذا رضيا بغيرهما فليس لأحدهما الانتقال" ش: هذا إذا لم تكن في يد أحدهما أما في يد أحدهما فله ذلك والله أعلم.ص: "وهل يكتفي بواحدة قال يخرج على الترجمان" ش: قال اللخمي: المواضعة تجوز على يد أهل الأمانة من النساء والمرأة الواحدة تجزئ في الائتمان عليها ويختلف هل يفيد قولها إنها حاضت فالمشهور من المذهب أن ذلك يجزئ انتهى. والله أعلم.ص: "ولا مواضعة في متزوجة" ش: دخل بها زوجها أو لم يدخل قاله اللخمي ص: "ومعتدة" ش: سواء كانت العدة من طلاق أو وفاة قاله اللخمي ص: "وزانية" ش: يريد المستبرأة من زنا أو غصب قاله اللخمي واستحسن القول بالمواضعة والله أعلم.ص: "كالمردودة بعيب أو فساد أو إقالة إن لم

(5/527)


يغب المشتري وفسد إن نقد بشرط لا تطوعا
--------------------------
يغب المشتري" ش: انظر استبراء المدونة: فإن فيه ما يخالف مفهوم كلام المصنف والله أعلم.ص: "وفسد إن نقد بشرط لا تطوعا" ش: قال في كتاب الاستبراء من المدونة: من ابتاع جارية وهي ممن تستبرأ لم يجز اشتراط النقد فيها في عقدة البيع وضعت على يد المبتاع أو على يد أجنبي واشتراط النقد فيها يفسد البيع وإن لم يشترط النقد في العقد ثم تبرع المبتاع فنقد الثمن في المواضعة جاز ذلك قال أبو الحسن معنى قوله ممن تستبرأ ممن تتواضع احترازا ممن لا مواضعة فيها كالحامل والوخش التي لا توطأ انتهى.
تنبيه: هذا حيث تباع على المواضعة فإما إذا بيعت على عدم المواضعة فالبيع صحيح ويبطل الشرط وينزع الثمن من البائعقال في المدونة: قبل هذا الكلام وأكره ترك المواضعة وائتمان المبتاع على الاستبراء فإن فعلا أجزأه إن قبضها على الأمانة وهي من البائع حتى تدخل في أول دمها فإن قبضها على شرط الحيازة وسقوط المواضعة كالوخش أو لم يشترط استبراء في المواضعة أو جهلا وجه المواضعة فقبضها كالوخش ولم يتبرأ البائع من الحمل لم يفسد وألزمتهما حكم المواضعة انتهى. قال أبو الحسن: إذا اشترط إسقاط المواضعة أو وقع الأمر مبهما ولم يشترط إسقاطها ولا وجوبها عمدا أو جهلا ولم يتبرأ البائع من الحمل فالبيع صحيح على مذهب الكتاب ويلزمها حكم المواضعة ومن كتاب محمد أن البيع فاسد إذا اشترطا ترك المواضعة الشيخ فعلى هذا إذا أبهما كان البيع صحيحا فيتفقان في هذا وقال ابن يونس قال أصبغ: وما بيع على المواضعة أو على معرفة المواضعة والاستبراء فإن اشتراط النقد فيه يفسد البيع إلا أن يتطوع به بعد العقد فيجوز فأما ما بيع على البت ممن لا يعرف المواضعة مثل بيع أهل مصر ومن لا يعرفها من البلدان يبتاعون على النقد ولا يشترطون نقدا

(5/528)


--------------------------
ولا مواضعة فهو بيع لازم ولا يفسخ ولا يقضي عليهما بالمواضعة قال مالك في العتبية: ولو انصرف بها المبتاع وغاب عليها رد إلى المواضعة ولا حجة للمبتاع بغيبة عليها وهو قد ائتمنه عليها انتهى. وقال ابن عرفة : ابن رشد: المذهب وجوبها ولو في بيع سلطان أو مسافر ثم قال في صحة شرطه إسقاطها في العقد وبطلانه ثالثها يبطلان مطلقا ورابعها إن شرط نقد الثمن وخامسها إن تمسك بشرط لابن رشد عن ابن عبد الحكم ولها وللأبهري مع الموازية وابن حبيب واللخمي: وعلى الأول قال الباجي عن ابن حبيب: يخرج من يد المشتري للمواضعة انتهى. ثم قال وشرط نقد المواضعة في عقد بيعها يفسده وطوعه به بعده جائز في بيعها بتا وبخيار مذكور في كتابه وروي عن محمد بيع من لا يعرف المواضعة كمصر يبيعون على النقد لا يشترطون نقدا ولا مواضعة صحيح ويقضي بها وينزع الثمن من البائع إن طلبه المبتاع.
قلت: وإن لم يطلبه لقول محمد لا يوقف بيد البائع ولو طبع عليه انتهى. ونقله عبد الحق في التهذيب بحروفه وقال أبو إسحاق التونسي: وإذا بيع بشرط البراءة من الحمل فالبيع فاسد في المرتفعات وقيل الشرط باطل والبيع جائز ذكره في كتاب محمد وكتاب ابن حبيب وإن باع المرتفعات بشرط ترك المواضعة وأن يضمن المشتري بالعقد كما يضمن الوخش الرقيق وإن وجد حملا أو عيبا قام به فالشرط باطل والبيع جائز ويتواضعانها هذا في كتاب المدونة: وفي كتاب محمد قول إن البيع فاسد انتهى. وقال في المقدمات الحكم بالمواضعة واجب في كل بلد كانت جارية فيه أم لم تكن لم يختلف قول مالك في ذلك ويجب عنده على كل أحد حاضرا كان أو مسافرا وقد سئل مالك عن ذلك في أهل منى وأهل مصر عند الخروج إلى الحج في الغرباء الذين يقدمون فرأى أن يحملوا على ذلك على ما أحبوا أو كرهوا وسواء باع الأمة ربها أو وكيل له أو باعها عليه السلطان في الدين وسواء باع بنقد أو إلى أجل كان ممن يطأ أو ممن لا يطأ إلا أنه إن باع بنقد لم يجز النقد في المواضعة بشرط ثم قال فإن شرط البراءة من الحمل في الرفيعة فالبيع فاسد والمصيبة فيها من المشتري إن ثبتت بعد قبضه كالبيع الفاسد وذلك بعد خروجها من عهدة الثلاث هذا هو المشهور من قول مالك وأصحابه وقيل الشرط باطل والبيع جائز وقع هذا القول في كتاب محمد وقال ابن عبد الحكم الشرط جائز والبيع جائز وأما إن باعها بشرط ترك المواضعة فالبيع جائز والشرط باطل ويحكم بينهما بالمواضعة وتخرج من يد المشتري إلى المواضعة ثم قال وقد قال أبو بكر الأبهري: البيع على شرط ترك المواضعة فاسد ومثله في كتاب ابن المواز: في قولوهو على مذهب ابن عبد الحكم بيع جائز وشرط لازم وأما إن دفعها إلى البائع جهلا بسنة المواضعة ولم يشترط إسقاطها فالبيع جائز باتفاق وتخرج إلى المواضعة وأما إن باعها وتبرأ من حملها وهو

(5/529)


وفي الجبر على إيقاف الثمن قولان، ومصيبته بمن قضي له به.
--------------------------
مقر بوطئها فجعله في المدونة: بيعا فاسدا وذهب ابن حبيب إلى أنه ليس بفاسد وتخرج إلى المواضعة.
فرع: فإذا قبضها المبتاع ثم جاء بها وقال لم تحض قبل قوله قال في النوادر ومن كتاب ابن سحنون وسأل ابن حبيب سحنونا عن الجارية تباع فيقبضها المشتري من غير مواضعة ثم يأتي المشتري فيقول رفعتها حيضتها وذلك بعد عقد الشراء بشهر قال قد أخطأ في ترك المواضعة قال والشهر قليل ولو جاء بعد المواضعة لشهر ونصف وشهرين أحسن فينظرها القوابل فإن قلن مشغولة الرحم وإن لم يكن بها حمل بين ردها وإن كان قد غاب عليها انتهى. ص: "ومصيبته ممن قضي له به" ش: "به" هو بضمير مذكر عائد على الثمن المفهوم من قوله: "إن نقد" وهذا مذهب المدونة: ونصه فإن هلك الثمن قبل محيضها ارتقبت فإن خرجت من الاستبراء فهو من البائع وإن لم تخرج حتى هلكت أو ظهر بها حمل فهو من المبتاع انتهى. قال أبو الحسن: قال ابن يونس: قال ابن المواز: قال مالك: وإن ظهر بها حمل من غير البائع أو حدث بها عيب قبل الحيضة وقد ملك الثمن قبل ذلك فالمبتاع مخير في قبولها بالعيب أو بالحمل بالثمن التالف فيصير من البائع واستثناء ردها وكان الثمن منه انتهى. قال في المدونة: ومن باع أمة رائعة مثلها يتواضع للاستبراء فظهر بها حمل فقبلها المبتاع به فذلك له وليس للبائع ردها إلا أن يدعي أن الحمل منه انتهى. ص: "وفي الجبر على إيقاف الثمن قولان" ش: لو قدم هذا لكان أحسن لأن الأول مفرع عليه كذا جعله ابن عرفة وغيره وقال في الشامل: وجبر مبتاع على وقف الثمن عند عدل على المشهور فإن تلف فهو ممن يصير له وقيل: من المشتري وعليه فإن خرجت سليمة لزمه ثمن آخر وقيل: يفسخ انتهى. والله أعلم.

(5/530)


فصل
إن طرأ موجب قبل تمام عدة أو استبراء انهدم الأول، وائتنفت كمتزوج بائنته ثم يطلق بعد البناء، أو يموت مطلقا، وكمستبرأة من فاسد ثم يطلق وكمرتجع وإن لم يمس طلقها أو مات إلا أن يفهم ضرر بالتطويل فتبني المطلقة إن لم تمس وكمعتدة وطئها المطلق أو غيره فاسقا بكاشتباه إلا من وفاة فأقصى الأجلين
--------------------------
فصل
ص: "إن طرأ موجب قبل تمام عدة أو استبراء انهدم الأول وائتنفت" ش: تصوره ظاهرقال في المدونة: وإذا مات الزوج في عدة من طلاق بائن والطلاق في صحته لم تنتقل

(5/531)


كمستبرأة من فاسد مات زوجها، وكمشتراة معتدة، وهدم وضع حمل ألحق بنكاح صحيح غيره، وبفاسد أثره وأثر الطلاق، لا الوفاة، وعلى كل الأقصى مع الالتباس كمرأتين إحداهما بنكاح فاسد، أو إحداهما مطلقة ثم مات الزوج،
-----------------------------
إلى عدة الوفاة وتمادت على عدة الطلاق وورثته في طلاق المرض لا في طلاق الصحة وإن مات بعد العدة والطلاق بائن أو غير بائن فلا عدة عليها لوفاته وإن مات وهي في عدتها من طلاق غير بائن في صحته أو في مرضه انتقلت إلى عدة الوفاة وورثته وقال ابن عباس وغيره: عليها أقصى الأجلين انتهى. قال ابن ناجي: ما ذكره واضح لأن أحكام الزوجية جارية عليها والقريب قوله في الكتاب وقال ابن عباس وغيره هو سليمان بن يسار قال أبو عمران: قد يكون وفاقا أي إنها وإن رأت الدم ثلاث مرات قبل الأربعة الأشهر وعشر فلا بد لها من الأربعة الأشهر وعشر آخر الأجلين وأخذ ابن بشير من كلام المدونة: إباحة وطئها في العدة ورده بعض شيوخنا بأنه لا يلزم من كون أحكام الزوجية بينهما باقية إباحته بدليل الحائض والمحرمة انتهى. ص: "وبفاسد أثره وأثر الطلاق لا الوفاة" ش: مما يصلح مثالا لقوله: لا الوفاة ما تقدم عن المدونة: في طلاق السنة أن امرأة الصبي إذا حملت ثم مات الصبي فلا يبرئها

(5/532)


وكمستولدة متزوجة مات السيد والزوج ولم يعلم السابق، فإن كان بين موتهما أكثر من عدة الأمة أو جهل، فعدة حرة، وما تستبرأ به الأمة، وفي عدة حرة،
--------------------------
الوضع من عدته ومثله المجبوب ومثل ذلك ما إذا وطئت المتزوجة باشتباه بعد حيضة من وطء زوجها وحملت وألحقناه بالثاني على ما قاله ابن الحاجب ثم مات زوجها فهذه أمثلة لذلك وظاهر كلام ابن عرفة والتوضيح أن أمثلة ذلك عزيزة ولعل المصنف وابن عرفة إنما عز عليهما المثال لأنهما فرضا المسألة في نكاحين أحدهما صحيح والآخر فاسد فتأمله والله أعلم.

(5/533)


وهل قدرها كأقل أو أكثر؟ قولان.
-----------------------------
تنبيه: قوله: "وبفاسد" أي بوطء فاسد لكن له شبهة أما لو كان الحمل لزنا فإنه لا يبرئها من عدة الطلاق أيضا قال ابن رشد: في سماع أبي زيد من طلاق السنة: ولا خلاف في ذلك فلا بد لها من ثلاث حيض بعد الوضع ونحوه في التوضيح لكنه حكى عن ابن إسحاق أنه بحث في ذلك والله أعلم.

(5/534)