مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب

كتاب السلم
باب: شرط السلم:
قبض رأس المال كله, أو تأخيره ثلاثا ولو بشرط،
ـــــــ
كتاب السلم
صلى: (باب شرط السلم قبض رأس المال كله) ش: قال ابن عرفة السلم عقد معاوضة يوجب عمارة ذمة بغير عين ولا منفعة غير متماثل العوضين فيخرج شراء الدين وإن ماثل حكمه حكمه؛ لأنه لا يصدق عليه عرفا والمختلفان بجواز اشتراكهما في شيء واحد والكراء المضمون والقرض ولا يدخل إتلاف المثلي غير عين ولا هبة غير معين انتهى. وأما حكمه فقال المشذالي في حاشيته في أول السلم الأول صرح في المدونة بأنه رخصة مستثنى من بيع ما ليس عندك انتهى، وقال ابن عبد السلام والشروط التي يذكرها المؤلف يعني ابن الحاجب هي في جوازه فحكمها أجدر بالجواز لقوله تعالى :{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275]. وللحديث: "من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم"1. والإجماع على جوازه انتهى.
ـــــــ
11 رواه البخاري في كتاب السلم باب (7,2,1).

(6/476)


...................................................
ـــــــ
تنبيه: قال الجزولي في الكبير: روي عن ابن عمر كراهة تسميته بالسلم قال: لأن السلم اسم الله فكرهه؛ لأن فيه تهاونا قال في المدارك وكان شيخنا يكره تسميته بالسلم، ثم قال والصحيح أنه يجوز أن يسمى بالسلم انتهى. وقال ابن عبد السلام وكره بعض السلف لفظة السلم في حقيقته العرفية التي هي أحد أنواع البيع ورأى أنه إنما يستعمل لفظ السلف أو التسليف صونا منه للفظ السلم عن التبذل في الأمور الدنيوية ورأى أنه قريب من لفظ الإسلام، ثم قال والصحيح جوازه لا سيما وغالب استعمال الفقهاء إنما هو صيغة الفعل مقرونة بحرف في فيقول أسلم في كذا فإذا أرادوا الاسم أتوا بلفظة السلم وقل ما يستعملون لفظة الإسلام في هذا الباب وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" 1 ا هـ. وقال في المتيطية بعد أن ذكر في صفة الوثيقة إنك تقول أسلم فلان بن فلان الفلاني إلى فلان ما نصه، قولنا في أول هذا النص أسلم فلان بن فلان إلى فلان هو الصواب وإن قلت سلف وكلاهما حسن وإن شئت ابتدأت العقد بدفع فلان إلى فلان كذا وكذا سلما، وقال ابن العطار في وثائقه جائز أن يقول سلم وأسلم وفي وثائق محمد بن محمد الباجي جائز أن يقول سلم وأسلف ويكره أن يقول أسلم فلان وروى ذلك عبد الله عن ابن عمر، وقال إنما الإسلام لله رب العالمين ا هـ. وقول المصنف قبض رأس المال كله تصوره من كلام الشارح ظاهر، وقال ابن عبد السلام لا أعلم خلافا في كون تعجيل رأس المال عزيمة، وأن الأصل التعجيل، وإنما الخلاف هل يرخص في تأخيره.
تنبيه: قال المتيطي بعد أن ذكر صفة وثيقة تكتب فيما إذا تعاقدا السلم على الصحة، ثم امتنع المسلم من الدفع أو المسلم إليه من القبض حتى حل أجل السلم ما نصه فإذا ظفر الطالب منهما بالفار وأثبت هذا العقد على عينه أو لم يظفر به وأثبته في مغيبه قضى السلطان عليه بإمضاء الصفقة إن كان الفار من المسلم إليه بعد الإعذار إليه وعجزه عن الدفع وأخذه ذلك منه في حضور للمسلف بعد حلول الأجل وفي مغيبه يقضي بذلك عليه في ماله وترجى له الحجة إلى حضوره، وإن كان المسلم إليه هو الطالب للمسلف فلا يقضى على المسلف بشيء ويفسخ السلف وإن كان المسلف هو الفار، ثم جاء يطلب المسلم إليه وأبى المسلم إليه من إمضاء السلف لم يقض عليه بذلك وإذا وقع بين المتصارفين مثل هذا أو فر أحدهما لزم الفار منهما الصرف متى ظفر به ا هـ. وانظر كلام ابن عبد السلام فإنه يظهر منه أن الكلام إنما يأتي على القول بعدم فساد السلم إذا تأخر زمنا طويلا من غير شرط وانظر أيضا كلام الذخيرة وانظر ما ذكره في المتصارفين مع ما تقدم
ـــــــ
1 نفس المصدر في الصفحة السابقة.

(6/477)


وفي فساده بالزيادة؛ إن لم تكثر جدا: تردد,
ـــــــ
لسند عند قول المصنف في باب الخيار وبدئ المشتري للتنازع، والله أعلم.ص: (وفي فساده بالزيادة أن تكثر جدا تردد) ش: اعلم أن القول بالفساد والقول بعدمه كلاهما لمالك في المدونة فأشار بالتردد لتردد سحنون في النقل عنه والقول بالفساد هو في السلم الثاني، ونصه على قول ابن عرفة وفي التهذيب: وإن ادعى أحدهما أنه لم يضرب لرأس المال أجلا، وأن رأس المال تأخر شهرا بشرط وأكذبه الآخر فالقول قول مدعي الصحة قال عبد الحق نقص أبو سعيد من هذه المسألة؛ لأن نصها في الأم قال الذي عليه السلم: لم أقبض رأس المال إلا بعد شهر أو شهرين أو كان شرطنا ذلك فاقتصر أبو سعيد على مسألة الشرط وترك الأخرى وهي يستفاد منها أن تأخير رأس المال البعيد يفسده والقول بعدم الفساد قال في التوضيح: هو قوله في الثالث إن تأخرا أكثر من ثلاثة أيام من غير شرط الأمد اليسير فيجوز ما لم يحل الأجل فلا يجوز ا هـ. وقوله: ما لم يحل الأجل هو الذي أشار إليه المؤلف بقوله ما لم يكثر جدا، والله أعلم. ونحوه ما قاله ابن عرفة عن ابن الحارث في السلم، ونصه ابن حارث: اتفقوا على أنه لا يجوز تأخير رأس ماله المدة الطويلة ا هـ. وقال ابن عبد السلام: إن أخر رأس مال السلم أكثر من يومين على القول الأول يعني في كلام ابن الحاجب أو أكثر من ثلاثة وذلك بغير شرط فهل يبطل السلم، في ذلك قولان أحدهما فساد السلم، وهو مذهب المدونة والثاني أنه لا يفسد، وهو قول ابن القاسم وأشهب والقولان معا لمالك والذي ذكرناه عن المدونة منهما هو ظاهر منها في بعض المواضع وفي موضع آخر منها إن تأخر رأس مال السلم أكثر من ثلاثة أيام من غير شرط فيجوز ما لم يحل الأجل فلا يجوز، والأقرب أن السلم فاسد لاستلزامه الوقوع في بيع الدين بالدين ا هـ. وقال ابن بشير: إذا تأخر رأس مال السلم فلا يخلو إما أن يكون بشرط أو بغير شرط فإن كان بشرط فطال الزمان المشترط فهو عقد فاسد يفسخ إن ترك وإن قصد جاز وحد هذا في الكتاب باليومين وفي كتاب الخيار بالثلاثة وإن طال بغير شرط فلا يخلو إما أن يكون رأس المال يعرف بعينه كالعرض والحيوان أو لا يعرف كالنقدين وإذا كان يعرف فلا يخلو إما أن يكون مما يغاب عليه كالثياب وما في معناها أو لا يغاب عليه كالحيوان فإن كان من العروض التي يغاب عليها كره ولم يفسخ إن ترك وإن كان مما لا يغاب عليه فقد جعله كالوديعة عند السلم فإنه يكره وإن كان مما لا يعرف بعينه كالنقدين فقولان: أحدهما أنه يفسخ إن نزل، وهو المشهور لحصول الدين بالدين، والثاني أنه لا يفسخ؛ لأنهما لم يدخلا على التأخير ا هـ. فعلم من كلامه أنه إذا زاد التأخير على الثلاثة بغير شرط كان تأخيرا طويلا؛ لأن حد القصير ما

(6/478)


وجاز بخيار لما يؤخر, إن لم ينقد,
ـــــــ
كان دون الثلاث، وأن المشهور أنه يفسخ وحيث كان هذا القول بهذه المثابة فكان ينبغي للمؤلف أن يقتصر عليه، والله أعلم. ص: (وجاز بخيار لما يؤخر إن لم ينقد) ش: قال في المدونة في كتاب الخيار: ولا بأس بالخيار في السلم إلى أمد قريب يجوز تأخير النقد إلى مثله كيومين أو ثلاثة إذا لم يقدم رأس المال فإن قدمه كرهت ذلك؛ لأنه يدخله بيع وسلف جر منفعة وإن تباعد أجل الخيار كشهر أو شهرين لم يجز قدم النقد أم لا ولا يجوز الخيار في شيء من البيوع إلى هذا الأجل فإن عقد البيع على ذلك، ثم ترك الخيار مشترطه قبل التفرق لم يجز لفساد العقد ا هـ. قال عياض في التنبيهات ابن محرز: ظاهر قوله أنه تكلم إذا كان رأس المال عينا ولم يذكر لو كان عبدا أو دابة أو دارا واستصوب أن يعتبر الجنس الذي هو رأس مال السلم الذي اشترط الخيار فيه فيضرب له من الأجل أجل مثله عياض، وظاهر الكتاب يدل على خلاف اختياره وتعليله بأن لهما إجازة ذلك؛ لأنه يجوز أن يؤخر رأس المال يومين أو ثلاثة، وقوله: فلما اشترط الخيار إلى الموضع الذي يجوز تأخيره إليه جاز، وهو أبين؛ ولأنا إذا ضربنا مثل ذلك الأجل في السلم فحش وكثر فيه العذر ولم يدر مسلم الدار متى يختارها صاحب الطعام هل الساعة فيكون انتظار قبض طعامه إلى شهر أو هل يختارها آخر الشهر فيستأنف انتظار سلمه منه إلى شهرين وقد تتضع الأسواق أو ترتفع ا هـ. وقال ابن عبد السلام: لا يجوز أن يكون أمد الخيار هنا أكثر من يومين وسواء كان الخيار مما يجوز الخيار فيه ثلاثة أيام باتفاق ولا أكثر من يومين على قول من يمنع تأخير رأس مال السلم أكثر من يومين وسواء كان رأس المال مما يجوز الخيار فيه ولو بيع بالنقد أكثر من ثلاثة أيام أو لا ا هـ. وذكر ابن عرفة كلام ابن محرز ورده من وجه آخر، ونصه، ابن محرز: ظاهر قولها أن رأس المال عين وربما كان عبدا أو دابة أو ثيابا أو دارا وأمد الخيار يختلف في هذه الأشياء بيعت بنقد أو تأخير فالصواب عندي أن يعتبر ذلك فيها فيضرب فيها من الأجل بقدر ما يحتاج إليه.
قلت: لا يلزم من الحكم بسعة أمد الخيار فيما بيع عليه بدين كونه - أي الخيار - كذلك إن كان رأس المال سلما؛ لأن الموجب للفساد في تأخير رأس مال السلم إنما هو الأجل الذي يئول به أمرهما إلى الدين بالدين، والأجل في بيع الأجل بعين أضعف منه بالسلم؛ لأنه في بيع الأجل قابل للسقوط بتعجيل المدين الثمن ويجبر ربه على قبضه بخلاف السلم ولا يلزم من عدم تأثير الأجل المعروض للسقوط الفاسد عدم تأثير الأجل القوي ذلك ا هـ. وقول

(6/479)


وبمنفعة معين, وبجزاف, وتأخير حيوان بلا شرط,
ـــــــ
المصنف إن لم ينقد مفهومه إن نقد لا يصح، وهو كذلك قال في التوضيح الثاني يعني من شرطيه أن لا ينقد ولو تطوعا وإلا فسد ا هـ. وقال ابن عبد السلام بعد أن تكلم على هذا الشرط وبحث فيه ما نصه: وهذا كله بعد تسليمه إنما يتم إذا كان رأس المال مما لا يعرف بعينه كالدنانير والدراهم وأما إن كان مما يعرف بعينه كالثياب والحيوان وغيرهما فيجوز فيه التطوع بالنقد ا هـ. ونقله في التوضيح ونحوه في ابن عرفة.
تنبيه: قال أبو الحسن عن عبد الحق قال بعض القرويين: وإذا تطوع بالنقد في الخيار في السلم فأخبر بإفساد ذلك فرجع فأخذ ما نقد قبل تمام الخيار أو بعده صح السلم؛ لأن عقده في الأصل صحيح، وإنما أفسده ما أحدثاه فإذا أبطلا ما أحدثا لم يبطل العقد الصحيح ا هـ. وأما اشتراط النقد فهو مفسد لبيع الخيار وتقدم عن عبد الحق أنه ينبغي أن لا يصح البيع وإن أسقط شرط النقد فأحرى هنا، والله أعلم ص: (وبمنفعة معين) ش: قال ابن عرفة: ولو حل أجل الطعام المسلم فيه قبل استيفاء المنفعة التي هي رأس المال ا هـ. ونقله عن ابن حارث، والله أعلم. ص: (وبجزاف) ش: قال ابن الحاجب: والمجازفة في غير العين جائزة كالبيع اتفاقا ا هـ، وقوله: غير العين يريد الدنانير والدراهم قال في المدونة: ولا بأس أن يسلم تبرا أو نقارا من فضة أو ذهب جزافا لا يعلمان وزنهما في سلعة إلى أجل ا هـ. وإنما قال المصنف بجزاف وأطلق؛ لأن مراده شروطه المتقدمة في البيع قال في الشامل: وجاز بمنفعة معين وجزاف بشرط على المعروف ا هـ. والله أعلم ص: (وتأخير حيوان بلا شرط) ش: قال في أوائل السلم الثاني من التهذيب: وإذا كان رأس مال السلم عرضا أو طعاما أو حيوانا بعينه فتأخر قبضه الأيام الكثيرة أو الشهر أو إلى الأجل وإن كان ذلك بشرط فسد

(6/480)


وهل الطعام والعرض كذلك, إن كيل وأحضر, أو كالعين ؟ تأويلان ورد زائف
ـــــــ
البيع وإن لم يكن بشرط وكان ذلك هروبا من أحدهما فالبيع نافذ مع كراهة مالك لهما في ذلك التأخير البعيد بغير شرط ا هـ. وظاهر هذا اللفظ أن تأخير الحيوان مكروه وليس كذلك لما تقدم في كلام ابن بشير وصرح به في المدونة في غير هذا الموضع وفي الجواهر أما تأخيره فالشرط زيادة على الثلاث يفسد العقد وأما بغير شرط ففي الفساد قولان في العين خاصة ولا يفسد تأخير العرض ولكن يكره ا هـ. فعلم من كلام ابن بشير المتقدم عند قوله وفي فساده بالزيادة وكلام المدونة المذكور ومن كلام الجواهر أن الزيادة على الثلاث بشرط مفسدة في العين وغيرها، والله أعلم. ص: (وهل الطعام والعرض كذلك إن كيل وأحضر أو كالعين تأويلان) ش: يحتمل على بعد أن يقال أن المصنف إنما قصد بقوله كالعين أنهما شبيهان بالعين وإن كيلا وأحضرا في كونهما يغاب عليهما فيكون التأخير فيهما مكروها لقربهما من العين الممنوع فيها التأخير فإنه لا يلزم أن يكون المشبه في منزلة المشبه به أو شبههما بالعين؛ لأن المطلوب فيهما التعجيل كما هو مطلوب في العين ولكن الطلب مختلف، وهو بعيد جدا و الظاهر أنه مشى على ما قال في التوضيح ينبغي أن تحمل الكراهة على التحريم، والله أعلم.
تنبيه: قال ابن غازي قال ابن عبد السلام: قال بعضهم: الكراهة في الطعام أشد انتهى. وكان ابن غازي لم يره لمن هو أقدم من ابن عبد السلام وقد نقله أبو الحسن في التقييد الكبير عن ابن يونس عن بعض القرويين، ونصه، ابن يونس: قال بعض أصحابنا: هذه المسألة على ثلاثة أوجه إن كان رأس المال حيوانا أو رقيقا فتأخر قبضه الأيام الكثيرة أو إلى أجل فالبيع نافذ بغير كراهية وإن كان عرضا يغاب عليه فالبيع نافذ مع الكراهية وإن كان عينا فتأخر كثيرا أو إلى أجل فسد البيع؛ لأنه لا يعرف فأشبه ما في الذمة فصار الدين بالدين قال بعض القرويين: هذا إذا كان الثوب غائبا ولو كان حاضرا حين العقد لانبغى أن يكون كالعبد لا كراهية في تأخيره والطعام أثقل منه إذ لا يعرف بعينه والعين أشد من الطعام؛ لأن الطعام يشترى لعينه والعين لا يراد لعينه فهو كغير العين فتأخيره يكون دينا بدين انتهى. ص: (ورد زائف) ش: "رد" مصدر مضاف للمفعول كما قال ابن غازي ويريد المصنف ولو بعد

(6/481)


وعجل،
ـــــــ
شهر أو شهرين من يوم قبض رأس المال كما ستقف عليه في المدونة. ص: (وعجل) ش: يريد بالتعجيل أنه لا يتأخر البدل أكثر من ثلاثة أيام وأما تأخير البدل إليها فجائز ولو بشرط كما ستقف عليه في لفظ المدونة قال في التوضيح: وإن حصل قبض رأس المال حسا لم يحصل معنى كما لو اطلع المسلم إليه على أن بعض الدراهم ناقص أو زائف ففي مختصر ابن شعبان إذا جاءه بدرهم ناقص فاعترف الآخر به أنه ينقص من السلم بقدره ولا شك أن هذا الباب أخف من الصرف فما جاز في الصرف يجوز هنا أولى والمشهور هنا هو مذهب المدونة جواز البدل وتأخيره اليومين والثلاثة، انتهى. وفي سلمها الأول وإذا أصاب المسلم إليه رأس المال نحاسا أو رصاصا بعد شهر أو شهرين فله البدل ولا ينتقض السلم إلا أن يعملا على ذلك ليجيزا بينهما الكالئ بالكالئ فيفسخ ذلك ا هـ. فهذا يدل على قولي يريد ولو بعد شهر أو شهرين إلى آخره وفي التوضيح المشهور وهو مذهب المدونة جواز البدل وتأخيره اليومين والثلاثة ا هـ. ويشير إلى قوله في المدونة إثر الكلام المتقدم وإن ردها عليك فقلت سأبدلها بعد يوم أو يومين جاز؛ لأن ذلك كتأخير رأس مال السلم بشرط يومين ونحو ذلك لا أكثر ا هـ. وهذا مستند قولي يريد بالتعجيل أن لا يتأخر إلى آخره.
تنبيهان: الأول: قوله: في المدونة في كلامه المتقدم إلا أن يعملا على ذلك إلى آخره هذه الزيادة هي قول أشهب كذا جعلها ابن يونس قال ابن عبد السلام: والذي قاله يعني أشهب لا يختلف فيه ا هـ. قال أبو الحسن الصغير: وأمرهما محمول على السلامة حتى يتعين غير ذلك ا هـ. ولهذا قال بعض الموثقين على ما نقل في التوضيح، وهذا عندي لا يعرف إلا ببينة تشهد على أصل تعاقدهما في الشراء أو بإقرارهما ا هـ. الثاني: جعل في الشامل من شرط جواز البدل أن لا يكون نحاسا ولا رصاصا وهو يشير إلى ما نقل في التوضيح وغيره عن سحنون أنه فسر ما في المدونة بأن الدراهم مكروهة أو زيوف ولو كان نحاسا أو رصاصا ما حل أخذها ولا التبايع بها ا هـ. وما قاله سحنون قال فيه أبو عمران: إنه خلاف ظاهر المدونة ونقل في التوضيح قول أبي عمران وأقره، وهو الظاهر من لفظ المدونة المتقدم ولكن سحنون هو العالم بها وبمهماتها، والله أعلم.

(6/482)


وإلا فسد ما يقابله لا الجميع على الأحسن
ـــــــ
ص: (وإلا فسد ما يقابله لا الجميع على الأحسن) ش: أي وإن لم يعجل بل تأخر أكثر مما قلنا، وهو أكثر من ثلاثة أيام فسد وظاهره سواء تأخر بشرط أو بغير شرط، وهو ظاهر كلام أبي الحسن في الكبير قال في المدونة: إن قلت سأبدلها إلى شهر أو شهرين لم يجز إذ لا يجوز تأخير رأس المال بشرط إلى هذا ا هـ. قال أبو الحسن يريد ولو بغير شرط ا هـ. وقال ابن بشير: وإن كان التأخير بغير شرط ففيه القولان إذا كان عينا هل يفسخ أم لا ا هـ وقد تقدم عنه أن المشهور الفساد، والله أعلم. واعلم أنه لا يفسد السلم نفس دخولها على الشرط فإنه نقل ابن عرفة عن ابن محرز أنه قال: قال لنا أبو بكر بن عبد الرحمن لو ترك قوله: يعني في المدونة سأبدلها لك بعد شهرين وأدرك بعد يومين فسخ الشرط وأخذ بالرفع وإن لم يدرك حتى طال فسخ السلم من أوله؛ لأنهما عملا عليه، وقال بعضهم: لا ينتقض السلم؛ لأنه وقع صحيحا وينتقض ما أخره فقط وأراه قول أبي عمران، وهو أشبه ا هـ. وقال ابن محرز: هو الأشبه ا هـ. قال ابن غازي: كأنه الذي أشار إليه المصنف بالأحسن ويحتمل أن يكون أشار بالأحسن لاختيار الشيخ أبي إسحاق الذي نقله المتيطي، ونصه: فلو أخره ببدل الزيوف يوما أو يومين جاز ولا يجوز أكثر من ذلك قال أبو إسحاق: ويجبر على بدلها فإن تأخر ذلك إلى الأجل فالأشبه أن ينتقض القدر الذي تأخر وحده ولا ينتقض جميع السلم ا هـ ويحتمل أن يكون أشار به إليهما جميعا، والله أعلم. تنبيهات: الأول: جعل ابن بشير محل هذا الكلام كله إذا قام بالبدل قبل حلول الأجل فإن لم يقم بالبدل إلا عند حلول الأجل جاز تأخيره ما شاء وهكذا قال أشهب إذا لم يبق إلا اليومان أو الثلاثة، وهذا جار على المشهور من المذهب أن تأخير رأس مال السلم يومين أو ثلاثة لا يعد دينا بدين ا هـ. ونقله ابن عرفة.
الثاني: قال اللخمي في السلم الأول: إذا كان رأس مال السلم شيئا مما يكال أو يوزن فرده بعيب انتقض السلم إن كان انعقاد السلم على شيء بعينه ولو لم يكن معينا وكان موصوفا على من أجاز الموصوف على الحلول لم ينتقض السلم برده بالعيب وإن كان الحكم الرجوع بمثله ا هـ، وقوله: على من أجاز الموصوف نقله في الشامل وجزم به فقال: وإن رد رأس المال بعيب، وهو غير عين رجع بمثله وإلا بطل ا هـ.

(6/483)


..................................................
ـــــــ
الثالث: قال اللخمي: إذا وجب انتقاض السلم لرد رأس المال بعيب وكان بعد قبض المسلم فيه فإن كان قائما بيد المسلم رده وإن حالت سوقه أو حدث به عيب أو خرج من يده نظرت فإن كان المسلم فيه عروضا أو عبيدا أو حيوانا رد قيمته يوم قبضه ولو كان الآن موجودا في يده وإن كان مما يكال أو يوزن كالطعام والحديد والنحاس كان لبائعه أن يأخذ عينه إن كان موجودا بيد المسلم أو مثله إن لم يكن موجودا أو لا تفيته حوالة الأسواق ا هـ، ونقله ابن عرفة، ونقله في الشامل وزاد بعد قوله حوالة على المنصوص فإن اللخمي خرج فيه قولا بأن حوالة الأسواق تفيته، والله أعلم.
الرابع: إذا شرط تعين الدنانير والدراهم فقيل الشرط لازم وقيل لا يلزم وقيل لازم إن كان من بائع الدنانير وساقط من مشتريها فعلى الأول الحكم ما تقدم في كلام المصنف وعلى لزوم الشرط يجوز الخلف إذا رضيا جميعا ولا يدخله الكالئ؛ لأنه إذا صح التعين صار بمنزلة لو كان رأس المال ثوبا أو عبدا فإذا ردها انتقض السلم وما تراضيا عليه سلم مبتدأ وعلى الثالث إن شرط ذلك المسلم له جاز الخلف إذا رضي وحده وإلا فسخ وإن شرط السلم عاد الجواب كالقول الأول وقد اختلف فيمن شرط شرطا ليس بفاسد ولا يتعلق بالوفاء به منفعة هل يلزم الوفاء به من الدنانير والدراهم لا تختلف الأغراض فيها إلا أن يعلم أن ذلك شرط كان المعنى أن يشترط ذلك بائعها لا شيء عنده سواها ويكون له شيء يضيق عليه بيعه لخلفها أو يشترط ذلك مشتريها لحلها فيكون لكل شرطه؛ لأنه شرط يتعلق به منفعة ا هـ. باختصار من اللخمي.
الخامس: إذا ظهر على عيب في المسلم فيه بعد قبضه لم ينتقض السلم بحال وسواء كان السلم في عبد أو ثوب أو ما يكال أو يوزن وللمسلم أن يرد بالعيب ويرجع بالمثل في الذمة بمنزلة ما لم يقبض ذلك ولو كان ظهور العيب بعد حوالة سوقه؛ لأن حوالة الأسواق لا تفيت الرد بالعيب وإن حدث عنده عيب كان له أن يرد ويغرم ما نقصه العيب ويرجع بمثل الصفقة التي كان أسلم فيها فإن أحب الإمساك أو كان خرج من يده بهبة، ثم اطلع على عيب فقيل يغرم قيمة ما قبض معيبا ويرجع بالصفقة وقيل يرجع بقدر ذلك العيب شريكا في الصفقة فإن كانت قيمة العيب الربع رجع بمثل ربع الصفقة التي أسلم فيها شريكا للمسلم إليه وقيل يرجع بقيمة العيب من الثمن الذي كان أسلم، اللخمي. وأرى أن يكون المسلم بالخيار بين أن يرد القيمة ويرجع بالمثل وينقص من السلم بقدر العيب ا هـ باختصار أيضا من اللخمي.
السادس: قال في المدونة: وإن قلت له حين ردها إليك: ما دفعت لك إلا جيادا فالقول قولك وتحلف ما أعطيت إلا جيادا في علمك إلا أن يكون إنما أخذها منك على أن يزنها

(6/484)


..................................................
ـــــــ
منك فالقول قوله: مع يمينه وعليك بدلها ا هـ. قال أبو الحسن في الكبير: ويحلف إلخ زاد في الوكالات ولا أعلمها من دراهمي ا هـ. قال أبو الحسن قال عبد الحق في التهذيب: يريد ويزيد ما يعلم أنها من دراهمه؛ لأنه في أصل الدفع قد يعطى جيادا في علمه، ثم الآن يعرف أنها من الدراهم. قوله: في علمك قال أبو إسحاق: إلا أن يحقق أنها ليست من دراهمه فيحلف على البت فإن نكل حلف قابضها الراد على البت؛ لأنه موقن ا هـ. كلام أبي الحسن وقول أبي إسحاق "فإن نكل" الظاهر أنه يريد إن نكل سواء حلف على البت أو على العلم إذ لا فرق، والله أعلم. وقال في المسائل الملقوطة: إذا ادعى البائع أنه وجد الدراهم زيوفا فإن قيد عليه في المسطور أنه قبض طيبة فالبائع مدع والمشتري مدعى عليه وليس تحليف المبتاع لإقراره بقبضها طيبة جيادا أو إن سقط هذا من العقد حلف له المشتري ولو قال له المبتاع: ما علمت من دراهم يحلف لقد دفعتها إليك جيادا في علمي وما علمت هذه من دراهمي فإن حقق أنها ليست من دراهمه حلف على البت فإن رد اليمين على البائع حلف على البت أنها دراهمه وما خلطها بغيرها ولزمه بدلها ودعوى النقص كذلك وإن قيد البائع أنه قبضها تامة لم يحلف له المشتري ولو دفع له ذلك على التصديق فينبغي أن يكون القول قول البائع ا هـ، وقال أبو الحسن في الكبير: وظاهر الكتاب أنه يحلف على العلم سواء كان صيرفيا أو غير صيرفي، وقال ابن كنانة: أما الصراف فإنه يحلف في هذا على البت ا هـ، وقوله: إلا أن يكون إنما أخذها منك إلخ قال أبو الحسن في الكبير: فإن اختلف الدافع والقابض فقال الدافع: إنما أخذتها على المفاصلة، وقال القابض: إنما أخذتها على التقليب فالقول قول الدافع كالمتبايعين يختلفان في البتل والخيار ا هـ. وانظر قول المؤلف في أوائل البيع: "وعدم دفع رديء أو ناقص".
السابع: قال أبو الحسن في الكبير في شرح هذه المسألة المتقدمة قال أبو محمد في النوادر: "ولا يجبر البائع أن يقبض من الثمن إلا ما اتفق على أنه جيد فإن قبضه ثم أراد رده لرداءته فلا يجبر الدافع على بدله إلا أن يتفق على أنه رديء" ا هـ. وتقدم نحو هذا عن النوادر في باب الخيار عند قول المصنف "وبدء المشتري للتنازع" وفي أحكام ابن سهل في مسائل البيوع ومن كان عليه دين لأجل فأحضره ليقضيه فقال شاهدان: هو رديء، وقال آخرون: هو جيد لم يلزم الذي هو له قبضه إلا أن يشاء حتى يتفق على جودته وإن قبضه الذي هو له فلما قلبه ألفاه رديئا بزعمه أو شهد له بذلك شاهدان وشهد غيرهما أنه جيد لم يجب له رده إلا بالاتفاق على رداءته ا هـ. وأما مسألة الصيرفي يقول في الرديء إنه جيد أو يغر من نفسه ويظهر المعرفة فذكر ذلك في النوادر في أواخر كتاب الغصب وقد ذكر في المدونة في كتاب تضمين الصناع مسألة الصيرفي يغر من نفسه، ونصه: وكذلك الصيرفي يقول "في درهم تريه إياه إنه جيد فيلفى رديئا فإن غر من نفسه عوقب ولم يغرم" ا هـ وانظر

(6/485)


والتصديق فيه: كطعام من بيع,
ـــــــ
مسألة الاستئجار في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف فإنه ذكر أنه إن لم يغر من نفسه فلا ضمان عليه وهل له أجر أم لا قولان وإن غر من نفسه فاختلف هل لا ضمان عليه ولا أجرة له أو عليه الضمان وله الأجرة ويحاسبه بها، والله أعلم.ص: (والتصديق فيه كطعام من بيع) ش: هذه المسألة في باب السلم الثاني قال الشيخ أبو الحسن في التقييد الكبير قال ابن الكاتب في الذي أخذ من غريمه الطعام على التصديق: يحتمل أن لا يجوز تصديقه قبل حلول الأجل؛ لأنه إذا صدقه لأجل تعجيله قبل الأجل فيدخله سلف جر منفعة، وهو بمعنى ضع وتعجل منه فعلى هذا أن قوله في الكتاب جاز إنما معناه إذا كان بعد حلول الأجل وأما إذا كان قبل الأجل فله ضع وتعجل ويدخل مع ذلك حط الضمان وأزيدك، ا هـ كلام الشيخ أبي الحسن، وهو جار على المشهور إذ قد تقدم للمصنف في أول الصرف أنه لا يحرم التصديق في المعجل قبل أجله.
مسألة: قال ابن رشد في أول رسم من سماع أشهب من كتاب البيوع: من اشترى دارا أو أرضا أو خشبة أو شقة على أن فيها كذا وكذا ذراعا فقيل ذلك كقوله أشتري منك كذا وكذا ذراعا فإن وجد في ذلك أكثر مما سمى من الأذرع فالبائع شريك له بالزيادة كالصبرة تشترى على أن فيها عشرة أقفزة فيجد أكثر من عشرة فالزائد للبائع وإن وجد أقل مما نقص كان أقل كمستحق إن قل لزم المبتاع بأقل بحسابه وإن كثر كان مخيرا في أخذ ما وجدوه أو منابه من الثمن أو رده وقيل ذلك كالصفة لما ابتاع وإن وجد أكثر مما سمي فهو له وإن وجد أقل خير في أخذه بجميع الثمن أو رده والقولان قائمان من المدونة من تضمين الصناع ومن رسم أوصى من سماع عيسى من جامع البيوع ا هـ. من ابن عرفة مختصرا. وقال ابن رشد

(6/486)


ثم لك أو عليك الزيد والنقص المعروف؛ وإلا فلا رجوع لك؛ إلا بتصديق أو بينة لم تفارق, وحلف لقد أوفى ما سميّ,
ـــــــ
في رسم أوصى من سماع عيسى إن الثاني من القولين هو الأظهر، والله أعلم. ونقل ابن عرفة هذا جميعه في أواخر بيع الخيار من مختصره وانظر نوازل سحنون من جامع البيوع في مسألة بيع الخيار والشقة والخشب على أن فيها كذا وكذا ذراعا، ثم يوجد أقل من ذلك أو أكثر، والله أعلم. ص: (ثم لك أو عليك الزائد المعروف والنقص) ش: يريد سواء قامت البينة التي لم تفارق نقصا أو زيادة بنقص الكيل أو زيادته فذلك لك أو عليك انتهى. ولو أخر المصنف قوله، ثم لك عن قوله فلا رجوع لكان أحسن ليشمل ما تقدم، والله أعلم. واعلم أن ما ذكره المصنف من فروع هذه المسألة فهو جار في الطعام المسلم فيه وفي الطعام المبيع وهي في السلم الثاني من المدونة وفي أوائله، والله أعلم. ص: (أو بينة لم تفارق) ش: زاد في المدونة من حين قبضه حتى وجد فيه النقص. ا هـ كلام اللخمي أو تكون بينة حضرت كيل البائع الطعام، وأنه على ما قاله المشتري ا هـ.
تنبيهات: الأول: إذا زاد النقص عن المتعارف وقامت البينة بذلك رجع المسلم على المسلم إليه بجميع النقص ولا يترك إلى المسلم إليه مقدار نقص الكيل قاله الشيخ أبو الحسن قال: وهو كالجوائح إذا جاح دون الثلث لا يوضع عن المشتري شيء وإن جاح الثلث وضع عنه قدر ذلك من الثمن وليس للبائع أن يقول لا يوضع الثلث كله؛ لأنه دخل على فساد اليسير من الثمرة ا هـ.
الثاني: إذا ثبت النقص فإن كان الطعام من سلم أو من بيع مضمون رجع بمثله وإن كان معينا رجع بحصة النقص من الثمن قاله في المدونة وجعل الرجراجي محل الرجوع بحصة النقص من الثمرة فيما إذا كان قليلا وأما إن كان كثيرا فالمشتري مخير بين الرد والإمساك وأما حد القليل فقال: يجري على الخلاف في حد القليل والكثير في العيوب، والله أعلم.ص: (وحلف لقد أوفى ما سمى) ش: يعني إذا لم يكن له رجوع لعدم التصديق والبينة فإنه يحلف لك لقد أوفى إلخ ولا يحتاج أن يقول وإلا حلف قال في المدونة: وإن لم تكن له أي للمشتري بينة حلف البائع لقد أوفى له جميع ما سمى له إن كان اكتاله هو

(6/487)


أو لقد باعه على ما كتب به إليه, إن أعلم مشتريه, وإلا حلفت ورجعت؛
ـــــــ
أو لقد باعه على ما كان فيه من الكيل الذي يذكر. قال المشذالي: أبو محمد صالح: ليس في الأمهات "أو لقد باعه"وإنما هو في السلم الثالث,فجمع أبو سعيد بين اللفظين علي معنى التخيير في صفة اليمين على أن المبتاع له أن يحلف البائع بأي اللفظين شاء هذا في الطعام المعين وأما المضمون فإنما يحلف بأحدهما، وهو قوله: "لقد أوفى إلخ" وانظر قوله لقد باعه إلخ كيف يصح؛ لأن شرط اليمين كونها على حسب الدعوى؛ لأن المبتاع يوافق على ابتياعه على ما فيه ولكن يقول لم توفني ذلك فإذا حلف البائع لقد باعه على ما كان فيه من الكيل الذي ذكر أمكن أن يكون في الطعام ذلك القدر ونقص بعد ذلك أو لم يكن فيه والبائع صادق في يمينه فلا بد من تبديل هذا اللفظ انتهى. ومثله في الشيخ أبي الحسن الصغير والكبير. ص: (ولقد باعه على ما كتب به إليه) ش: هذا إذا كان الطعام المقبوض مبعوثا به إلى البائع ونحوه في المدونة قال أبو الحسن: وهذا تصديق التصديق ا هـ. واعلم أنه إنما يكون الذي وجد فيه التسمية ظاهرا إلا إذا كان مقيدا بما قيده به الشيوخ، والله أعلم. ص: (وإلا حلفت ورجعت) ش قال ابن غازي: ينطبق على قوله: "وحلف لقد أوفى ما سمى" وعلى مفهوم قوله "إن علم مشتريه" ا هـ. أما كونه ينطبق على مفهوم قوله وحلف لقد أوفى ما سمى فنص عليه في المدونة وكذلك إن نكل عن اليمين فيما إذا بعث بالطعام إليه وأعلم مشتريه، وإنما قيد به المتأخرون، وهو داخل تحت قول المصنف وإلا حلفت ورجعت وأما كونه ينطبق على مفهوم قوله "إن علم مشتريه" فنص عليه اللخمي وابن يونس وعبد الحق وغيرهم وقيدوا به إطلاق المدونة وصفة يمين المشتري عن اليمين أن يحلف أنه وجده كذا على نحو ما ادعاه، قاله ابن يونس.
تنبيهان: الأول: وإن نكل عن اليمين فنص في المدونة فيما إذا كان الطعام حاضرا عنده أو كان مبعوثا به إليه ولم يعلم مشتريه وقلنا للمشتري احلف وارجع فنكل عن اليمين فانظر هل له أن يحلف البائع أنه لقد باعه على ما كتب به إليه أو ليس له ذلك لم أر فيه نصا والظاهر أن له تحليفه؛ لأن تبدئة المشتري بالحلف في هذه الصورة إنما هو حق له فإذا تركه يرجع الحال إلى الأصل، والله أعلم.
الثاني: غالب الفروع المذكورة هنا إنما هي فيما إذا ادعى المشتري النقص وانظر

(6/488)


وإن أسلمت عرضا فهلك بيدك فهو منه: إن أهمل, أو أودع, أو على الانتفاع, ومنك إن لم تقم بينة ووضع للتوثق,
ـــــــ
ما الحكم لو ادعى البائع عليه أنه غلط في المكيل فإني لم أر الآن من نص عليه، والله أعلم ص: (وإن أسلمت عرضا فهلك فهو منه إن أهمل أو أودع أو على الانتفاع ومنك إن لم تقم بينة ووضع للتوثق) ش: هذه المسألة في أواخر السلم الأول من المدونة وزاد فيها فقال عرضا يغاب عليه قال أبو الحسن في الكبير: لا يخلو إبقاء هذا العرض في يد المسلم من أربعة أوجه وذكر الأوجه الأربعة التي ذكرها المصنف فقوله: إن أهمل، هذا هو الوجه الأول في كلام المصنف، وهو الوجه الرابع في كلام أبي الحسن، ونصه: الرابع أن يبقى بيد المسلم مهملا بلا نية فهذا الوجه يحمل فيه العرض على أنه وديعة فيكون ضمانه من المسلم إليه ا هـ. وقال ابن بشير للمتأخرين: قول أنها كالمحبوسة للإشهاد ا هـ. وقوله: أو أودع هذا هو الوجه الثاني في كلام المصنف، وهو الوجه الأول في كلام أبي الحسن ونصه: أحدها أن يبقى بيد المسلم وديعة بعد أن دفعه إلى المسلم إليه فرده إليه وديعة فهذا الوجه يكون ضمان العرض فيه من المسلم إليه على قاعدة الودائع ا هـ. قال اللخمي في أواخر السلم من تبصرته في هذا الوجه: فإن ادعى بائعه تلفه وإن أحدا غصبه إياه أو استهلكه كان القول قوله ويحلف إن كان ممن يتهم أنه كذب في قوله ذلك والسلم على حاله ا هـ. والظاهر أن هذا جار في الوجه الأول من كلام المصنف إذ لا فرق بينهما، والله أعلم.
تنبيه: قال في المدونة في هذا الوجه: وإن أسلمت إلى رجل عرضا يغاب عليه في حنطة إلى أجل فأحرقه رجل في يدك قبل أن يقبضه المسلم إليه فإن كان تركه وديعة بيدك بعد أن دفعت إليه فهو منه ويتبع الجاني بقيمته والسلم ثابت ا هـ. قال أبو الحسن معنى قوله: "قبل أن يقبضه" يعني القبض الحسي ومعنى قوله: "بعد أن دفعته إليه" أي قال له خذه وفي الأمهات إن كان بعد أن دفعه إلى الذي عليه السلم، ثم رده إليه وديعة فالضمان منه، عياض قال بعض الشيوخ قوله: "ثم رده إليه" إلا أن يريد بذلك قوله خذه واترك هذا بمنزلة الدفع ا هـ. وقوله: "أو على الانتفاع" هذا هو الوجه الثالث في كلام المصنف، وهو الوجه الثاني في كلام أبي الحسن، ونصه: الثاني أن يبقى بيده على جهة الانتفاع به فهذا الوجه حكم العرض فيه حكم الثوب المستأجر يكون ضمانه من المسلم إليه ا هـ. وقوله لمنافع فاللام الجر، والله أعلم. وقوله: "ومنك إن لم تقم بينة ووضع للتوثق" هذا هو الوجه الرابع في كلام المصنف، وهو الوجه الثالث في كلام أبي الحسن ونصه: الثالث أن يبقى

(6/489)


ونقض السلم وحلف؛ وإلا خير الآخر؛
ـــــــ
بيده على جهة التوثق حتى يشهدا فهذا الوجه حكم العرض فيه حكم المستأجر يضمنه المسلم ضمان تهمة فإن قامت البينة على هلاكه فضمانه من المسلم إليه ا هـ. وعلمت من هذا حكم المسألة المأخوذة من مفهوم الشرط في قوله إن لم تقم بينة وقوله للتوثق أي يتوثق به حتى يشهدا أو يأتي برهن أو كفيل؛ لأن العرض نفسه يتوثق به بأن يجعله رهنا عنده قاله اللخمي وابن بشير، ونصه: في السلم الأول منه، وإنما يكون الاحتباس بالثمن فيما بيع نقدا وأما ما بيع بنسيئة فليس لبائعه احتباسه بالثمن؛ لأنه قد رضي بتسليمه دون أن يأخذ عوضا ناجزا لكن في معنى الاحتباس بالثمن احتباسه حتى يشهدوا هذا يجري في البيع على النقد وفي البيع على النسيئة ا هـ. ونبه عليه ابن غازي، والله أعلم. ومفهوم قوله: وضع للتوثق أنه لو لم يضع للتوثق كان الحكم خلاف ذلك وهي الأوجه الثلاثة السابقة ولا يحتاج إلى التفصيل فيها بين قيام البينة وعدم قيامها وذلك بين، والله أعلم.
تنبيه: محل هذه الوجوه الأربعة ما إذا كان العرض حاضرا كذا فرض اللخمي، ثم قال بعد أن فرغ من الوجه الأول في كلام المصنف الذي هو الإهمال ما نصه: وإن كان غائبا عنه ما لم يصدق يعني المسلم إلا أن تقوم البينة على تلفه، ثم يختلف إذا كان غائبا محبوسا في الإشهاد وهل تكون مصيبته من بائعه أو من مشتريه وذلك مبين في كتاب العيوب ا هـ.
فرع: قال أبو الحسن في التقييد الكبير: قال محمد: لو تعدى عليه البائع فأحرقه لزمه قيمته والسلم بحاله ولا يصلح فيه الإقالة ص: (ونقض السلم وحلف) ش: إذا وضع العرض للتوثق وتلف ولم تقم بينة على تلفه فإن ضمانه من المسلم بكسر اللام وينقض السلم بعد حلف المسلم أنه ضاع خشية أن يكون أخفاه، وفي قوله حلف التفات من الخطاب إلى الغيبة، والله أعلم. ص: (والأخير الآخر) ش: أي وإن لم يحلف المسلم على أنه تلف فإنه يخير الأخير، وهو المسلم إليه ويخير بين أن يغرم المسلم قيمة العرض ويثبت عليه السلم أو

(6/490)


وإن أسلمت حيوانا أو عقارا: فالسلم ثابت؛ ويتبع
ـــــــ
لا يغرمه ويفسخ البيع. كذا نقله ابن يونس وأبو الحسن عن أبي محمد، والله أعلم.ص: (وإن أسلمت حيوانا أو عقارا فالسلم ثابت) ش: قال في المدونة: وإن كان رأس المال حيوانا فقتلها رجل بيدك قبل أن يقبضها المسلم إليه أو كانت دورا أو أرضين فعدا فيها رجل بهدم البناء أو احتفار فأفسدها فللمسلم إليه طلب الجاني والسلم ثابت ا هـ. زاد ابن يونس بعد قوله احتفار لفظ فقال أو احتفار الأرض إلى آخره قال أبو الحسن فإن ادعى المسلم انقلاب الدواب وإباق الرقيق فهو مصدق قاله في كتاب بيع الخيار ا هـ. ص: (ويتبع الجاني) ش: قال الشيخ بهرام: أي الجاني الأجنبي فإذا تعدى عليه فأهلكه أتبعه من كان ضامنا له من المتبايعين بما أبت له ا هـ. وقوله: "من كان ضامنا" يعني به المسلم إليه في مسألة الحيوان أو العقار في الأوجه الثلاثة الأول من أوجه العرض والمسلم بكسر اللام في الوجه الرابع من أوجه العرض إلا أنه لا يتصور في هذا الوجه أن يعلم الجاني؛ لأنه إنما يتصور إذا لم تقم بينة على هلاكه فإذا قامت البينة أن شخصا أتلفه فلا ضمان على المسلم وكذلك إذا اعترف شخص بأنه أتلفه فلا ضمان على المسلم فالذي يتصور فيه أن يتبع الجاني هو المسلم إليه فتأمله فيكون قول المصنف "ويتبع" مبنيا للمفعول ويكون راجعا إلى مسألة العرض والحيوان والعقار، وهو قريب مما في المدونة، والله أعلم. تنبيهان: الأول: اعلم أن هذا الكلام فيه إجمال والكلام المفصل البين ما قاله ابن بشير واعلم قبله أنه قد علم مما سبق أن الأوجه الثلاثة الأول ضمان العرض فيها من المسلم إليه وكذلك ضمانه منه إذا قامت البينة في الوجه الرابع وإذا لم يقم فضمانه من المسلم إذا علم ذلك فقال ابن بشير في أواخر السلم الأول بعدما صار في ضمان المسلم إليه فلا شك في صحة السلم وينظر فإن كان هلاكه من الله أو بسبب المسلم إليه فلا رجوع له على أحد وإن كان من سبب المسلم رجع عليه بقيمته أو بمثله على حسب تضمين المتلفات وكذلك يرجع على الأجنبي إن كان الإتلاف بسببه وإن كان في ضمان المسلم انفسخ السلم إلا أن يتلفه المسلم إليه قاصدا إلى قبضه وإتلافه فيكون السلم صحيحا وإن جهل ممن هلاكه فهاهنا قولان: أحدهما أن السلم ينفسخ كما قدمنا، وهو المشهور، والقول الثاني أن المسلم إليه بالخيار ا هـ. واعلم أن قوله وإن جهل ممن هلاكه إنما يرجع إلى ما في ضمان المسلم وإلا فما في ضمان المسلم إليه لا يتصور فيه الفسخ؛ لأن ضمانه منه

(6/491)


الجاني, وأن لا يكونا طعامين ولا نقدين؛
ـــــــ
وقد تقدم من لفظه أنه لا شك في صحة السلم، وإنما النظر فيمن يغرم قيمته فإذا كان في ضمان المسلم إليه وجهل ممن هلاكه كان في ضمانه ولا غرم على أحد، وإنما يحلف المسلم إن كان يتهم هذا الذي ظهر، والله أعلم.
الثاني: قال ابن يونس: قال بعض أصحابنا: وإذا ترك الثوب بيد الذي له السلم فأحرقه رجل يشهد عليه الذي بيده الثوب فإن كان المسلم إليه مليئا جازت شهادته إذ لا تهمة وإن كان المسلم إليه معدما لم يجز شهادته؛ لأنه يتهم إذ يصير له ما لا يأخذ منه سلمه وقد قيل لا تجوز شهادته عليه إذا اختلف في عينه ولا يدري ما يذهب إليه في ذلك قال غيره؛ ولأنه يتهم أن يزيل عيب التهمة عن نفسه فقد يتهم في إمساكها فلا تجوز شهادته بحال ا هـ. وقال ابن بشير: ترك رأس المال عند المسلم على جهة الوديعة وكان مما يعرف بعينه فعدا عليه أجنبي وشهد بذلك المسلم فهل تجوز شهادته أو لا، للمتأخرين ثلاثة أقوال: أحدها تجوز الشهادة على الإطلاق؛ لأنه إذا كان من أهل الشهادة فهو غير متهم، والثاني ردها مطلقا إذ في المذهب قول إنه يحلف المتهم وغير المتهم؛ ولأن الناس يقصدون براءة أنفسهم وإن لم تلزمهم اليمين، والثالث أن الذي عليه السلم إن كان فقيرا لم تجز الشهادة؛ لأنه يتهم أن يشهد له بما يعمر ذمته ليستحق طلبها وإن كان غنيا فلا تهمة فتجوز والأصل في هذا المعنى أن يقال متى تبينت التهمة لم تجز الشهادة ومتى لم تتبين جازت ا هـ. ونقلها في الشامل، والله أعلم.ص: (وأن لا يكونا طعامين ولا نقدين) ش: الضمير في يكونا عائد على العوضين وإن لم يمر لهما ذكر؛ لأنهما معلومان ويعني أنه لا يجوز سلم طعام في طعام ولا نقد في نقد وتصوره واضح.
تنبيهان: الأول: قال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: الثاني أن لا يكونا طعامين ولا نقدين للنسأ والتفاضل وجرى يعني ابن الحاجب في ذكر مسائل هذا الفصل في الشروط على ما هو المألوف من الفقهاء والتحقيق إنما هي موانع؛ لأن وجود هذه الأوصاف مناف للسلم وكل ما كان وجوده منافيا للماهية فهو مانع ا هـ.
الثاني: قال ابن عبد السلام أيضا: إن قلت: لأي معنى ذكر هذه الصورة في شروط

(6/492)


ولا شيئا في أكثر منه أو أجود: كالعكس, إلا أن تختلف المنفعة كفاره الحمر في الأعرابية,
ـــــــ
السلم، وإنما ينبغي أن يكون من شروط ما هو خاص به لا فيما هو شرط فيما هو أعم من السلم، وهو البيع إذ الطعامان والنقدان يمتنع فيهما التفاضل والتأخير في البيع الذي هو أعم من السلم أيضا فقد تقدم بيان حكم ربا الفضل والنسا قبل هذا، وأنهما ممنوعان فأي وجه لإعادتهما؟ قلت: ليس ذكرهما هنا مقصودا بالذات، وإنما هو أصل الكلام أن يقول المؤلف أن لا يؤدي السلم إلى بيع شيء بأكثر منه أو ما يشبه هذا من العبارات فابتدأ بذكر الطعامين والنقدين على جهة التدريج وتكميل الفائدة ا هـ. ومثله يقال على عبارة المؤلف، والله أعلم.
فرع: واختلف في سلم النخل المثمرة في الطعام فمنعه ابن القاسم وأجازه سحنون، وقال ابن مسلمة: إن أزهى منع وإلا جاز ا هـ. من التوضيح وقول ابن القاسم هو الأصح قاله في الشامل، والله أعلم. ص: (ولا شيئا في أكثر أو أجود) ش: هو معطوف على ضمير يكون، وإنما منع؛ لأنه سلف بزيادة. ص: (كالعكس) ش:؛ لأنه ضمان بجعل قال ابن عبد السلام: وإنما تمتنع هذه المسألة على سد الذرائع فإن المتبايعين لم ينصا على الضمان بالجعل، ثم قال: على أن دفع كثير في قليل ليس من شأن العقلاء غالبا فلذلك تضعف التهمة عليه ا هـ.ص: (إلا أن تختلف المنفعة) ش: أي إلا أن تختلف منافع الجنس الواحد فيجوز حينئذ سلمه في أكثر منه وفي أقل وفي أجود وفي أردأ؛ لأن اختلاف المنافع تصير الجنس الواحد كالجنسين ومثل ذلك بالفاره من الحمر الأعرابية فإنهما جنس واحد لكن اختلاف المنفعة صيرهما جنسين وكذا السبق في الخيل والحمل في الإبل والقوة على الحرث والعمل في البقر وكثرة اللبن في الغنم والصغر والكبر في غير الآدمي والغنم كما سيأتي وكذلك رقيق القطن وغليظه ورقيق الكتان وغليظه وكذلك الحرير والصوف. ص: (كفاره الحمر في الأعرابية) ش: فرع: قال في التوضيح: "والمشهور أن البغال والحمير جنس، وهو مذهب المدونة خلافا لابن حبيب أنهما جنسان إلا أن يقرب ما بينهما هكذا حكى القولين غير واحد" ا هـ، وقال ابن عبد السلام: وهل البغال مع الحمير كالجنس الواحد فلا يسلم حمار

(6/493)


وسابق الخيل لا هملاج, إلا كبرذون, وجمل: كثير الحمل؛ وصحح, وبسبقه, وبقوة البقر ولو
ـــــــ
في بغل ولا بغل في حمار حتى يتباينا كتباين الحمير أو تباين البغال ؟ هذا مذهب المدونة أو هما جنسان والأصل الجواز إلى أن يقرب ما بينهما، وهو مذهب ابن حبيب، وهو الأظهر ا هـ. ص: (وسابق الخيل) ش: قال ابن عبد السلام: "اختلف المذهب هل تختلف الخيل بالصغر والكبر فحكى غير واحد أنها تختلف بذلك" وقال ابن دينار لا تختلف الصغار من الكبار في جنس من الأجناس ا هـ والقول الأول عليه مشى المصنف فيما يأتي قريبا واعتبر اللخمي في الخيل الجمال أيضا ص: (لا كهملاج) ش: قال في القاموس الهملاج بالكسر من البراذين الهملج والهملجة فارسي معرب وشاة هملاج لا مخ فيها لهزالها وأمر مهملج مذلل منقاد، وقال ابن غازي قال في الخلاصة: والهملجة والهملاج حسن سير الدابة في سرعة، ودابة هملاج الذكر والأنثى فيه سواء. ص: (وبقوة البقرة ولو أنثى) ش: قال في التوضيح: البقر يقع على الذكر والأنثى، وإنما دخلته التاء على أنه واحد من جنس والجمع البقرات انتهى. وقال في القاموس: البقرة للمذكر والمؤنث الجمع بقر وبقرات وبقر بضمتين ا هـ. وتصور كلام المصنف ظاهر قال في التوضيح:
تنبيه: والجواز على قول ابن القاسم إنما هو إذا كان في معنى المبايعة بأن تسلم البقرة القوية في بقرتين أو أكثر أما سلم بقرة قوية في بقرة ليست كذلك فنص بعضهم على المنع، وهو ظاهر؛ لأنه ضمان بجعل وعكسه سلف بزيادة لكن نص في الموازية على خلافه فإنه أجاز فيها سلم فرسين سابقين في فرسين ليسا كذلك ا هـ. قلت: الذي نقله ابن عرفة عن

(6/494)


أنثى وكثرة لبن الشاة, وظاهرها عموم الضأن. وصحح خلافه,
ـــــــ
الموازية أنه أجاز سلم فرسين في فرسين فيجوز ذلك وعليه فسلم ما ذكره الشيخ عن بعضهم من المعارضة ولا ينبغي أن يكون خاصا بالبقرة بل جار في جميع ما تقدم وما يأتي فتأمله فإنه حسن جدا، والله أعلم. ص: (وصحح خلافه) ش: أي صحح ابن الحاجب القول بأن الضمان لا يختلف بكثرة اللبن، وهذا القول قال الشارح: حكاه ابن حبيب عن مالك وأصحابه وعزاه ابن عبد السلام لابن القاسم، وقال: يريد والله أعلم لأن اللبن في الضأن كالتابع لمنفعة الصوف؛ ولأن لبنها غالبا أقل من لبن المعز وأما المعز فمنفعة شعرها يسيرة ولبنها كثير فهو المقصود منها ا هـ. فإن قلت: الحكم في ذلك الجواز ولوضوحه سكت المصنف عنه إلا أنه يستثنى من ذلك الضأن والمعز فإنه حكم في المدونة للغنم كلها بأنها جنس واحد قال في أول كتاب السلم من المدونة: ولا بأس أن يسلف الإبل في البقر والغنم ويسلف البقر في الإبل والغنم ويسلف الغنم في الإبل والبقر ويسلف الحمير في الغنم والإبل والبقر والخيل وكره مالك أن يسلف الحمير في البغال إلا أن تكون الحمر الأعرابية التي يجوز فيها أن يسلف الفاره النجيب وكذلك إذا سلفت الحمير في البغال والبغال في الحمير واختلفت كاختلاف الحمار الفاره النجيب بالحمار الأعرابي فجائز ا هـ. ثم قال: ولا يسلف صغار الغنم في كبارها ولا كبارها في صغارها ولا معزها في ضأنها ولا ضأنها في معزها؛ لأنها كلها منفعتها للحم لا للحمولة إلا شاة غزيرة اللبن فلا بأس أن تسلم في مواشي الغنم وإذا اختلفت المنافع في الحيوان جاز سلم بعضها في بعض اتفقت أسنانها أو اختلفت ا هـ قال ابن عبد السلام بعد أن ذكر ما ذكرناه: وهذا الذي ذكرناه في هذا الفصل هو المنصوص لهم والفقه الجلي هو ما قاله في المدونة بإثر هذه المسألة، وهو قوله وإذا اختلفت المنافع في الحيوان إلخ فهذا من كلام المتقدمين هو الذي يعتمد عليه، ثم المفتي والقاضي بعد ذلك ينظر في الوجه الذي يكون به الاختلاف غالبا عند الناس فيربط الحكم به وربما كان غير الفقيه أعرف بذلك الوجه من الفقيه فلا ينبغي للفقيه أن يتقيد بهذه المسائل وشبهها مما هو مبني على العرف والرواية بل يتبع مقتضى الفقه حيثما

(6/495)


وكصغيرين في كبير وعكسه, أو صغير في كبير وعكسه, إن لم يؤد إلى المزابنة, وتؤولت على خلافه: كالآدمي والغنم وكجذع طويل غليظ في غيره,
ـــــــ
وجده والله أعلم. ا هـ كلام ابن عبد السلام. ص: (وكصغيرين في كبير إلى آخره) ش: يعني أن مما يختلف به الجنس الواحد ويصير كالجنسين الصغر والكبر في الحيوان إلا في جنسين: الغنم وبني آدم قال في التوضيح قال ابن القاسم: الصغار والكبار من سائر الحيوان مختلفان إلا في جنسين: الغنم وبني آدم ا هـ. فلذلك لا يجوز سلم صغيرين في كبير وعكسه أي كبير في صغيرين، وهذا لا خلاف فيه وأما سلم كبير في صغير وعكسه أو كبيرين في صغيرين وعكسه ففي ذلك قولان المشهور الجواز إن لم يؤد للمزابنة وتؤولت على خلافه أي أنه لا يجوز سلم الصغير في الكبير وعكسه، سواء اتحد أو تعدد قال في التوضيح: وفهم بعضهم المدونة عليه، وقوله: إن لم يؤد للمزابنة قال في التوضيح: معنى المزابنة هنا يعني القمار والخطر؛ لأن إعطاء الصغير في الكبير إلى أجل يكبر فيه فكأنه قال له: اضمن هذا إلى أجل كذا فإن مات كان في ذمتك وإن سلم عاد إلي وكانت منفعته لك وفيما إذا أعطاه الكبير في الصغير كأنه قال له: خذ هذا الكبير على صغير يخرج منه ا هـ. ص: (كالآدمي والغنم) ش: أي فلا يجوز من الصنفين صغير في كبير ولا عكسه ولا صغيران بكبير ولا عكسه. ص: (وكجذع طويل غليظ في غيره) ش: أي في جذع ليس كذلك أي مخالف له في الطول

(6/496)


وكسيف قاطع في سيفين دونه, وكالجنسين ولو تقاربت المنفعة: كرقيق القطن والكتان,
ـــــــ
والغلظ وفي جذعين أو ثلاثة ليست مثله قال في السلم الأول من المدونة: والخشب لا يسلم منها جذع في جذعين مثله حتى يتبين اختلافهما كجذع نخل كبير غلظه وطوله كذا في جذوع نخل صغار لا تقاربه فيجوز وإن أسلمته في مثله صفة وجنسا فهو قرض إن ابتغيت به نفع الذي أقرضته جاز ذلك إلى أجله وإن ابتغيت به نفع نفسك لم يجز ورد السلف ولا يسلف جذع في نصف جذع من جنسه وكأنه أخذ جذعا على ضمان نصف جذع وكذلك هذا في جميع الأشياء وكذلك ثوب في ثوب دونه أو رأس في رأس دونه إلى أجل لا خير فيه ا هـ. وإذا علم هذا فقول ابن الحاجب كجذع طويل أو غليظ في جذع يخالف ليس بظاهر؛ لأنه يقتضي أن اختلافهما في الطول كاف وليس كذلك وقد اعترضه ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح وتبع صاحب الشامل كلام ابن الحاجب، والله أعلم. وأما سلم الغليظ في الرقاق فقد اعترضه بأنه يمكن قسمه على جذوع وأجيب بوجوه الأول أن المراد إذا كان الكبير لا يجعل فيما يجعل فيه الصغار أو لا يخرج منه الصغار إلا بفساد لا يقصده الناس الثاني أن الكبير من نوع غير نوع الصغير الثالث أن المراد بالجذع الصغير المخلوق لا المنجور؛ لأن المنجور يسمى جائزة لا جذعا، وهذا الجواب لعياض، وهو الظاهر.
تنبيه: يفهم من الجواب الثاني أن الخشب أصناف قال في التوضيح: وهو ظاهر كلام ابن أبي زمنين فإنه قال في قول المدونة سلف جذع لو كان في نصف جذع لو كان الجذع مثل الصنوبر والنصف من النخل أو من نوع غير الصنوبر لم يكن به بأس على أصل ابن القاسم وفي الواضحة الخشب كله صنف وإن اختلفت أصوله إلا أن تختلف المنافع والمصارف مثل الألواح والجوائز وشبهها وتردد بعضهم هل كلام ابن حبيب موافق لما قاله ابن أبي زمنين أو مخالف له ا هـ. من ابن عبد السلام ومثله في التوضيح وجعله الشامل خلافا وقد تقدم كلام ابن أبي زمنين وعطف الثاني بـ"قيل" والله أعلم. والحاصل على هذا

(6/497)


لا جمل في جملين مثله عجل أحدهما, وكطير علم, لا بالبيض والذكورة والأنوثة ولو آدميا, وغزل وطبخ إن لم يبلغ النهاية,
ـــــــ
الراجح أنه إذا اختلفت أصول الخشب جاز سلم بعضه في بعض وإن لم تختلف فلا يجوز إلا أن تختلف المنفعة كما تقدم، والله أعلم. ص: (لا جمل في جملين مثله) ش: لا مفهوم لقوله: مثله، وإنما هو تنبيه بالأخف على الأشد انظر التوضيح والكبير. ص: (وكطير علم) ش: قال ابن عرفة ابن رشد: لا خلاف في المذهب أن ما يقتنى من الطير للفراخ والبيض كالدجاج والإوز والحمام كل جنس منه صنف على حدته صغيره وكبيره ذكره وأنثاه وإن تفاضل بالبيض والفراخ فإن اختلف الجنسان جاز واحد منه باثنين لأجل وما كان منه لا يقتنى لبيض ولا فراخ إنما يتخذ للحم فسبيلها سبيل اللحم عند ابن القاسم لا يراعي حياتها إلا مع اللحم وأشهب يراعيها في كل حال فيجوز على مذهبه سلم بعضها في بعض إذا اختلفت أجناسها بمنزلة ما يقتنى لبيض أو فراخ ا هـ. وكلام ابن رشد هذا في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال، ثم قال ابن عرفة المتيطي عن ابن حبيب:

(6/498)


وحساب, وكتابة. والشيء في مثله: فرض وأن يؤجل بمعلوم زائد على نصف شهر:
ـــــــ
الدجاج والإوز صنف واحد والحمام صنف وما لا يقتنى من الوحش كالحجل واليمام هو كاللحم لا يباع بعضه ببعض حيا إلا تحريا يدا بيد قال ابن عرفة:"قلت وظاهر كلام ابن رشد أن الإوز والدجاج جنسان وظاهر نقل المتيطي أنهما جنس واحد وهما معا في قطر الأندلس" ا هـ. ونقله الرجراجي، وقال: وأما سائر الطير والوحش مما لا يقتنى لفراخ ولا بيض مثل الحجل واليمام مجراه مجرى اللحم لا يباع بعضه ببعض وإن حيا إلا تحريا يدا بيد ولا يجوز بأوز أو دجاج أو حمام؛ لأنه من باب اللحم بالحيوان ا هـ.ص: (والشيء في مثله قرض) ش: رد في المدونة الأمر فيه إلى قصد السلم؛ لأنه لم يظهر له منفعة في الخارج بخلاف لو كان سبب المنفعة ظاهرا، والله أعلم. ص: (وإن لم يؤجل بمعلوم) ش: تصوره ظاهر قال البرزلي في أوائل البيوع: سئل أبو عمران عمن قال: خذ دينارا على قفيزين قمحا فأنعم له ولم يذكر أجلا ولا صنفا، ثم قام إلى ناحية المجلس فدفع له الدينار وذكر الأجل والصفة هل يتم ذلك أم لا فأجاب إن اختلف القمح عندهم أو الأجل فالأول فاسد ويفسخ إذا كانا افترقا بعد العقد وقبل التقابض وإن لم يفترقا من المجلس ولم يتباعد ذلك فالعقد والقبض جائز والسلم جائز وإن لم يختلف القمح وصفته معلومة عندهم فهو جائز إذا عجل النقد أو كان ليوم أو يومين ا هـ
فرع: قال ابن رشد في المقدمات: وأما أبعد حد آجال السلم فحد ما يجوز إليه البيع

(6/499)


كالنيروز, والحصاد وقدوم الحاج. واعتبر
ـــــــ
على الاختلاف في ذلك ا هـ. وقال في المتيطية: ولا حد لأكثر الأجل في السلم ا هـ. وهذا ليس على ظاهره ولهذا قال ابن هارون في اختصاره لها مسألة لا حد لأكثر أجل السلم قال بعض الشيوخ: حده ما يجوز إليه البيع على الخلاف في ذلك ا هـ. وقد تقدم الخلاف في أجل البيع في بيوع الآجال، وقال ابن جزي في القوانين: "ولا حد لأكثره إلا إن كان ما ينتهي الغرر لطوله" ا هـ. ص: (كالنيروز والحصاد والدراس وقدوم الحاج) ش: قال في البيوع الفاسدة من المدونة: ولا بأس بالبيع إلى الحصاد والجداد أو العصير أو إلى رفع جرون بئر زرقون؛ لأنه أجل معلوم وإن كان العطاء من النيروز والمهرجان وفصح النصارى وصومهم الميلاد لم يجز فإن كان معروفا جاز البيع، عياض. الجداد بالفتح والكسر وجرون بئر زرقون بضم الجيم والراء جمع جرين، وهو الأندر وكذا جاءت الرواية فيه بزيادة واو وصوابه جرن بغير واو، وبئر زرقون بفتح الزاي فسرها في الكتاب بأنها بئر عليها زرع وحصاد، الشيخ أبو الحسن وزرقون المضاف إليه البئر اسمه إبراهيم بن كلى ا هـ. والنيروز هو أول يوم من السنة القبطية والسريانية والعجمية والفارسية ومعناه اليوم الجديد، وهو عند الفرس ستة أيام

(6/500)


ميقات معظمه, إلا أن يقبض ببلد: كيومين؛ إن خرج حينئذ ببر, أو بغير ريح. والأشهر بالأهلة, وتمم المنكسر من الرابع, وإلى ربيع حل بأوله،
ـــــــ
أولها اليوم الأول الذي هو أول شهر سنتهم ويسمون الشهر الأول نيروز الخاصة والسادس نيروز العامة والنيروز الكبير والمهرجان ويسمى عندهم العنصرة، وهو مولد يحيى عليه الصلاة والسلام، وهو عيد عظيم الشأن عند الفرس، وهو اليوم السادس من شهر مهرماه سابع أشهر السنة الفارسية وآخر يوم من بئونة من السنة القبطية، وهو أيضا ستة أيام واليوم الأول الذي هو سادس عشر مهر ما يسمى مهرجان العامة واليوم السادس الذي هو حادي عشرينه يسمى المهرجان الكبير للخاصة والفصح بكسر الفاء وقيل بفتحها وسكون الصاد المهملة وبالحاء، وقال عياض: "الفصح بكسر الفاء وإهمال الصاد والحاء يوم فطر النصارى من صومهم" ا هـ. وكذا نقله عنه الشيخ أبو الحسن ورأيت في نسخة من ابن عرفة ضبطه في أول بيوع الآجال بفتح الفاء ناقلا له عن عياض ولعله غلط من الناسخ، والله أعلم. أما صوم النصارى والأشهر التي يدخل فيها من السنة القبطية والعجمية فمعلومة غير أن اليوم الذي يدخل فيه من الأشهر المعلومة دخوله فيها يتغير بالنسبة لكل يوم منه فدخوله في الأشهر القبطية دائر ما بين أول يوم من أمشير إلى رابع يوم من برمهات وفي العجمية هو أقرب اثنين إلى الاجتماع الكائن فيما بين اليوم الثاني من شباط إلى اليوم الثامن من آذار وله طرق يتوصل بها إلى معرفة اليوم الذي يدخل فيه من الأشهر المذكورة وأيام صومهم خمسة وخمسون يوما واليوم السادس والخمسون هو فطرهم المسمى بالفصح المتقدم ذكره والميلاد هو الليلة التي صبيحتها الخامس والعشرون من كانون الأول وينجبر والتاسع والعشرون من كيهك ويسمى عيد الميلاد ويعنون به ميلاد المسيح.
تنبيه: قال ابن عرفة اللخمي: "إنما يجوز إلى النيروز وما معه إن علما معا حساب العج وإن جهله أحدهما لم يجز" ا هـ.
فرع: قال في أول رسم سلف في الحيوان من سماع ابن القاسم من كتاب السلم

(6/501)


..................................................
ـــــــ
والآجال: وسئل عن الرجل يبيع كرمه على أن ينقده عشرين دينارا يعطيه ثلث الثمن إذا قطف ثلثه، ثم يعطيه البقية إذا قطف الثلثين قال: لا خير في هذا، وهذا مما لا يعرف حتى يقطف الثلث والثلثين ولكن إن اشترط عليه إذا قطفه لم أر بذلك بأسا وكأنه جعل مثل الحط والجداد فيما رأيت قال ابن رشد وجد ما ذهب إليه مالك أنه إذا سمى الثلث والثلثين فقد صرح أنه أراد ثلث ذلك الكرم بعينه وثلثيه وذلك غرر إذ لا يعرف متى يقطف الثلث والثلثين؛ لأنه قد يعجل قطافه وقد يؤخره وإذا لم يسم ثلثا ولا جزءا منه، وإنما باعه على أن يعطيه ثمنه إذا قطفه كان المعنى عندهم أنهم لا يقصدون إلى قطاف ذلك الكرم بعينه، وإنما أراد أن يعطيه الثمن إذا قطفه حتى يقطف الناس فجاز البيع عنده كمن باع إلى الحصاد وإلى الجداد ولو بين أنه إنما يبيعه منه على أن يعطيه ثمنه إذا قطفه بعينه عجله أو أخره لما جاز البيع. وقد ذكر أصبغ أن أشهب أجازه فيما شرط إذا جد ثلثه دفع إليه ثلث الثمن وإذا جد البقية دفع إليه البقية، وقال مالك: النصف غير معروف قيل إنه يعرف بالفدادين قال: لا أحب ذلك والبيعة إلى فراغه فحمل أشهب أمرهما على أن البيع إنما وقع بينهما فيما ظهر إليه من قصدهما على أن يعطيه ثلث الثمن إذا جد ثلثه والبقية إذا جد البقية على أن يتعجل عما جرت عادة الناس عليه في الجداد ولا يتأخر عنه وإلى هذا نحا مالك في هذا القول إلا أنه رأى النصف والثلث غير معروف إذ لا يعرف إلا بالخرص والتحري إذا تنازعا في ذلك فلم يجزه وأجازه في الكل؛ لأنه معروف لا يخفى، وقال أبو إسحاق التونسي: إذا جاز أن يبيعه إلى فراغ جداده جاز أن يبيعه إلى جداد نصفه؛ لأن النصف مقدر معروف لا يمكن أن يخفى وقول مالك عندي أصح وأولى فلم يختلف قول مالك إنه إذا باعه إلى قطافه أن ذلك جائز؛ لأنه جعله في القول الأول على أنهما إذا أرادا إلى قطاف الناس لا إلى قطاف ذلك الكرم بعينه وفي القول الثاني على أنهما إذا أرادا إلى قطاف ذلك الكرم بعينه على أن لا يتعجل عن قطاف الناس ولا يتأخر عنه ولا اختلف قوله: أيضا في أنه إذا باعه إلى قطاف نصفه أو ثلثه أنه لا يجوز؛ لأنهما إن كانا أرادا إلى قطاف نصفه أو ثلثه على أن لا يتعجل عن قطاف الناس ولا يتأخر عنه فالنصف والثلث غير مقدر ولا معروف فربما تنازعا في ذلك، وهو لا يعرف إلا بالخرص والتحري الذي يجب به حكم وأجاز أشهب البيع في الوجهين جميعا أي فيما إذا باعه إلى قطافه أو باعه إلى قطاف نصفه أو ثلثه إذا كان لا يتعجل عن قطاف الناس ولا يتأخر عنه في الوجهين جميعا، والله أعلم.
فرع: قال في السماع المذكور في رسم صلى نهارا: سئل مالك عن التجار يخرجون في إبان الحصاد يشترون من الزراعين والحصادين وهم على حصادهم وينقدونهم ذهبهم وهم يقيمون خمسة عشر يوما ونحوها قبل أن يفرغوا قال: أرجو إذا كان قريبا أن يكون خفيفا وكره أن يحد فيه حدا وكأني رأيته يخففه قال ابن رشد: إذا اشترى منه كيلا مسمى اشتراه

(6/502)


وفسد فيه على المقول, لا في اليوم, وأن يضبط بعادته من: كيل أو وزن, أو عد: كالرمان, وقيس بخيط, والبيض,
ـــــــ
كله كل قفيز بكذا على ما في الجعل والإجارة من المدونة، وإنما جاز أن يستأجر ذلك أي هذا المقدار لحاجة البائع إلى المهلة في عمله ولو كان الشراء بعد درس الطعام وتصفيته لم يجز أن يتأخر الكيل والقبض فيه إلا اليوم واليومين ونحوهما ولم يجز أكثر من ذلك إذ لا يجوز شراء سلعة بعينها على أن يتأخر قبضها اليوم واليومين والثلاثة ونحو ذلك، وبالله التوفيق ص:(وفسد فيه على المنقول) ش: قال في التوضيح: المنقول عن مالك في المبسوط أنه يدفع في وسط الشهر، وقاله ابن القاسم في العتبية وفضل ا هـ. زاد ابن عرفة في بيوع الآجال في رواية المبسوط أنه أجل معلوم، وهو وسط الشهر وذكر أن ابن رشد رجحه وكذا ابن سهل وكلام ابن رشد في نوازل أصبغ من كتاب الأيمان والنذور في المسألة التي تكلم فيها على الفصول الأربعة وفي رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب المديان يقتضي ترجيح القول بصحة السلم في مسألة شهر كذا ويفهم من كلام ابن رشد في كتاب الديات أن من أسلم إلى الصيف مثلا أنه يصح ويحل بأوله؛ لأنه أجل معلوم كالشهر، ونصه في شرح قوله في الرواية: قيل له إنما شرط عليه في سنة كذا ولم يسم في شهر منها قال: أرى أن يعطيها يعني الدية في وسطها يعني السنة قال ابن رشد: فيه دليل على أن من باع على أن يقضيه الثمن في شهر كذا أو في سنة كذا أنه بيع جائز ويحل عليه الثمن في وسط الشهر وفي وسط السنة خلاف ما يروى عن ابن لبابة أنه قال: البيع على هذا فاسد؛ لأنه أجل

(6/503)


أو بحمل أو جزرة في: كفصيل, لا بفدان. أو بتحر وهل يقدر كذا؟ أو يأتي به ويقول كنحوه؟ تأويلان. وفسد بمجهول وإن نسبه ألغي. وجاز بذراع رجل معين:
ـــــــ
مجهول وقد أجاز في المدونة البيع إلى الحصاد والجداد وجعله أجلا معلوما يحل على المشتري في عظم الحصاد والجداد أو باعه إلى الجداد والحصاد يحل عليه الثمن في الوجهين جميعا في عظم الحصاد والجداد إذ ليس لأول الحصاد والجداد من آخره حد معلوم محصور فيحمل في الوجهين على عظمه بخلاف الشهر إذا باعه على أن يعطيه الثمن في شهر كذا جاز البيع وحل عليه الثمن في وسطه بدليل هذه الرواية ومن جهة المعنى أن الشهر لما كان أوله معلوما من آخره كان وسطه معروفا فقضى بحلول الثمن عنده وإذا باعه إلى شهر كذا وكذا حل عليه الثمن بحلوله؛ لأنه إلى غاية، وهذا بين ا هـ. فإذا علم ذلك فمن باع من رجل بيعا على أن يقضيه الثمن في الصيف فلا إشكال أنه يقضيه في وسط الصيف على هذا القول الذي رجحه ابن رشد وعلى قول ابن لبابة يفسد السلم بذلك وإذا باعه إلى الصيف فإذا كان المتبايعان يعرفان الحساب ويعرفان أول الصيف وآخره فيحل بأوله وإن لم يكونا ممن يعرفان الحساب، وإنما الصيف عندهما شدة الحر وما أشبه ذلك صار ذلك بمنزلة البيع إلى الحصاد والجداد فيحل في معظمه فتأمله ويرجع في أول الصيف إلى الحساب الذي يتعارفه أهل ذلك البلد، والله أعلم. ص:(وجرزة) ش: الجرزة واحدة الجرز قال في

(6/504)


كويبة وحفنة, وفي الويبات والحفنات: قولان وإن تبين صفاته التي تختلف بها القيمة في السلم عادة: كالنوع, والجودة, والرداءة وبينهما.
ـــــــ
التنبيهات: الجرز رويناه بضم الجيم والراء وفتح الراء أيضا وآخره زاي وهي القبض ا هـ. ص:(وأن يبين صفاته التي تختلف بها القيمة في السلم عادة) ش: قال في التوضيح: ويشترط أن تكون الصفات معلومة لغير المتعاقدين؛ لأنه متى اختص المتعاقدان بعلمها دل ذلك على ندرها والندور يقتضي عزة الوجود وأيضا فاختصاصهما بها يؤدي إلى التنازع بينهما ا هـ. وقال في الشامل: وأن تبين صفاته المعلومة لهما ولغيرهما إن كانت قيمة السلم فيه تختلف به عادة أو تختلف الأغراض بسببها ا هـ.
ص:(كالنوع والجودة والرداءة

(6/505)


واللون والحيوان والثوب والعسل ومرعاه،
ـــــــ
وبينهما) ش: يفهم من كلام المصنف أن نوع المسلم فيه وجودته ورداءته أو كونه بين الجودة والرداءة يطلب بيانه في كل شيء يسلم فيه وذلك ظاهر، ثم إن بعض الأشياء تفتقر إلى شيء آخر فشرع المصنف يذكر ذلك. ص:(واللون في الحيوان والثوب والعسل) ش: يعني أن اللون يطلب في هذه الثلاثة الأشياء وهي الحيوان والثياب والعسل وفيما يذكره بعد هذا ويريد مع بيان النوع والجودة وضديهما. ص:(ومرعاه) ش: يعني أن العسل لا بد فيه من بيان مرعى نحله، وقال ابن غازي: لا أذكر من ذكر المرعى في العسل والمصنف مطلع ولم يذكره ابن عرفة مع كثرة اطلاعه ا هـ. قلت: ذكره المازري في شرح التلقين، ونصه: والجواب عن السؤال الرابع أن يقال أما العسل فلا بد من بيان مرعاه لأجل اختلاف طعم

(6/506)


وفي التمر, والحوت, والناحية؛ والقدر وفي البر وجدته, وملئه, إن اختلف الثمن بهما, وسمراء, أو محمولة ببلد: هما به ولو بالحمل؛
ـــــــ
العسل وحلاوته وقوامه ولونه باختلاف مراعيه وهذه مقصودة فيه يختلف الثمن باختلافها اختلافا كثيرا كالنحل الذي مرعاه السعتر وآخر مرعاه الورد والأشياء الطيبة والخريفية كالسعتر وغير الخريفية كالورد وآخر مرعاه الأسفنارية وشبهها ا هـ. ص:(وفي التمر والحوت والناحية والقدر) ش لا بد في التمر والحوت مع بيان النوع والجودة وضديهما واللون من بيان الناحية أي بلده التي يجلب منها والقدر أي كبر التمرة وصغرها قال في التوضيح قال المازري: فيحتاج في التمر إلى ذكر النوع والجودة والرداءة قال: وزاد بعض العلماء البلد واللون وكبر الثمرة وصغرها وكونه جديدا أو قديما ا هـ. فيحتاج إلى ستة أوصاف، خمسة مفهومة من كلام المصنف وهي النوع والجودة وضداهما والبلد واللون والقدر وبقي السادس، وهو كونه قديما أو جديدا ولو قدمه المصنف عن قوله والبر لكان حسنا فإن كلام المصنف يوهم أن الجدة والقدم إنما يطلب بيانه في البر. ص:(وفي البر وجدته وملئه) ش: يعني أن البر يطلب فيه الأوصاف المتقدمة ويطلب فيه أيضا بيان جدته وملئه إن اختلف الثمن بسببهما قال في التوضيح: واشترط بعض العلماء في القمح وصفا سابعا، وهو كون القمح ضامرا أو ممتلئا ورأى أن الثمن يختلف باختلافه ورأى أن الضامر يقل ريعه ا هـ. ص:(ولو بالحمل) ش: يعني أن البلد إذا كانت فيه السمراء والمحمولة فإن كانا ينبتان به وجب بيانهما وإن كانا يجلبان إليه فكذلك وإلا فسد السلم في الصورتين خلافا لابن حبيب وإلى قوله أشار بلو وهذه طريقة ابن بشير وطريقة ابن يونس عكسها فإنه

(6/507)


بخلاف مصر فالمحمولة, والشام فالسمراء, ونقي؛ أو غلث. وفي الحيوان وسنه؛ والذكورة, والسمن, وضديهما, وفي اللحم, وخصيا, وراعيا, أو معلوفا؛ لا من كجنب،
ـــــــ
إنما حكى قول ابن حبيب في البلد الذي ينبتان به قال ابن غازي: ولم أر من نبه على اختلاف الطريقين ا هـ. قلت: نبه على ذلك ابن عبد السلام فإنه لما تكلم على قول ابن الحاجب: السابع معرفة الأوصاف، استطرد إلى ذكر مسألة المحمولة والسمراء، ثم قال: والكلام فيها طويل فعليك بكلام ابن بشير في التنبيه وقابله بنقل ابن يونس فإنهما مختلفان ووافق ابن بشير في الأنواع البديعة ما نقله ابن يونس واستتبع الكلام في الأنوار ا هـ. ص:(وفي الحيوان وسنه) ش: لما كان كلامه الأول يوهم أن الحيوان إنما يطلب فيه بيان النوع والجودة وضديهما واللون نبه هنا على أنه يطلب فيه أيضا سنه والذكورة والسمن وضداهما، وهو الأنوثة والهزال قال ابن الحاجب فيذكر في الحيوان اللون والنوع والذكورة والأنوثة والسمن قال في التوضيح: يحتمل أن يريد بالنوع حقيقته كنوع الإنسان والإبل ويحتمل أن يريد بالنوع الصنف كالرومي والتركي ولا بد من ذكرهما قال: وجعل المصنف اللون معتبرا في جميع الحيوان ونص:في الجواهر على اعتباره في الخيل والإبل ولم يذكره في الطير واعلم أن ذكر الجنس يغني عن ذكر اللون في الرقيق فجنس النوبة السواد والروم البياض والحبش السمر لكن يحتاج على هذا إلى بعض عرضيات اللون كالذهبي والأحمر والبياض الشديد، وذكر سند اللون إنما يعتبر في الرقيق ولعله اعتمد على المازري، وأنه لم يذكر اللون في غيره وليس بظاهر فإن الثمن يختلف به وقد ذكره بعضهم في الخيل وغيره من الحيوان ابن بشير وغيره وحظ الفقيه المفتي في هذا أن يحيل على العارفين فما حكوا أن الأثمان

(6/508)


وفي الرقيق, والقد, والبكارة, واللون, قال: وكالدعج, وتكلثم الوجه, وفي الثوب والرقة, والصفاقة, وضديهما, وفي الزيت المعصر منه, وبما يعصر به, وحمل في الجيد والرديء على الغالب, وإلا فالوسط؛ وكونه دينا
ـــــــ
والأغراض تختلف به يجب ذكره. ص:(وفي الرقيق والقد) ش: اقتصر رحمه الله في ذكر القد على الرقيق اعتمادا على ما ذكره في التوضيح عن سند أنه لا يشترط ذكر القد فيما عدا الإنسان، وهو خلاف قول ابن الحاجب ويزاد في الرقيق القد وكذا الخيل والإبل وشبههما قال: فانظر ذلك ا هـ. ص(وكونه دينا) ش: أي في الذمة يعني أن الشرط السادس من شروط السلم أن يكون المسلم فيه لا يشار إليه بعينه وخصوصيته بل يكون في ذمة المسلم إليه قال ابن عبد السلام: ولا أعلم في ذلك خلافا في أن ذلك من شرط حقيقة كونه مسلما والذمة أمر تقديري يفرضه الذهن وليس ذاتا ولا صفة لها فيقدر المبيع وما في معناه من الأثمان كأنه في وعاء عند من هو مطلوب به فالذمة هي الأمر التقديري الذي يحوي ذلك المبيع أو عرضه، وإنما شرطوا ذلك فيه؛ لأنه لو لم يكن في الذمة لكان معينا وذلك ملزوم لبيع معين يتأخر قبضه؛ لأنه إن لم يكن في ملك البائع فالغرر ظاهر لاحتمال أن لا يبيعه من هو في ملكه وإن كان في ملك البائع فالغرر أيضا لازم؛ لأن بقاءه على تلك الصفة غير معلوم؛ ولأنه يلزم منه الضمان بجعل؛ لأن المسلم يزيد في الثمن ليضمنه له المسلم إليه.

(6/509)


ووجوده عند: حلوله وإن انقطع قبله؛ لا نسل حيوان
ـــــــ
واعترض ابن عرفة على ابن عبد السلام في تعريفه الذمة بما تقدم فإنه يلزم كون معنى قولنا إن قام زيد ونحوه ذمة والصواب في تعريفها أنها ملك متمول كلي حاصل أو مقدر ويخرج عنه ما أمكن حصوله من نكاح أو ولاية أو وجوب حد أو قصاص أو غيره مما ليس متمولا إذ لا يسمى في العرف ذمة ا هـ. وقال في المسائل الملقوطة: الذمة معنى في المكلف قابل للإلزام والالتزام وقيل أمر تقديري إلخ كلام ابن عبد السلام وانظر آخر الباب الثاني من كتاب الكفالة من الذخيرة فإنه تكلم عن الذمة أيضا وانظر أيضا القواعد له، والله أعلم.ص:(ووجوده عند حلوله) ش: قال الشارح: ينبغي أن يكون مراده بالوجدان كونه مقدورا على تحصيله عند حلول السلم قلت: وهو كذلك وينبغي أن يقيد بقيد آخر، وهو أن المعتبر كونه مقدورا عليه في الغالب قال ابن الحاجب: الرابع أن يكون مقدورا على تحصيله غالبا وقت حلوله لئلا يكون تارة سلفا وتارة ثمنا قال في التوضيح قوله: غالبا أي فلا يعتبر عدمه نادرا؛ لأن الغالب في الشرع كالمحقق. ص:(وإن انقطع قبله) ش: قال ابن الحاجب: ولا يضره الانقطاع قبله أو بعده قال في التوضيح أي قبل حلوله ولا بعده كالأشياء التي لها إبان، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد خلافا لأبي حنيفة رحمه الله في اشتراط وجوده من حين السلم فيه إلى حين وجوده لاحتمال الموت والفلس قال في التوضيح: ولم يعتبر أصحابنا ذلك؛ لأنه من الأمور النادرة.
فرع: فلو مات المسلم إليه قبل الإبان وقف قسم التركة إليه، وقال ابن رشد: إنما يوقف إن خيف أن يستغرقها ما عليه من السلم وإن قل وكثرت وقف قدر ما يرى أنه يفي بالسلم وقسم ما سواه إلا على رواية أشهب أن القسم لا يجوز إلا وعلى الميت دين وإن

(6/510)


عين وقل أو حائط, وشرط إن سمي سلما لا بيعا إزهاؤه,
ـــــــ
كان يسيرا ا هـ. وانظر بقية كلام التوضيح وابن عرفة، قال ابن عبد السلام: وإن كان عليه ديون ضرب للمسلم بقية ذلك الشيء في وقته على ما يعرف في أغلب الأحوال من غلاء أو رخص وتمم بعضهم هذا الكلام فقال: ويوقف ما صار له في المحاصة حتى يأتي الإبان فيشتري له ما أسلم فيه فإن نقص عن ذلك أتبع بالقيمة ذمة الميت إن طرأ له مال وإن زاد لم يشتر له إلا قدر حقه وترك البقية إلى من يستحق ذلك من وارث أو مديان قال: ولو هلك ما وقف له في حال الوقف لكان من المسلم إليه؛ لأنه له نماؤه فعليه ثواؤه وحق هذا غير ما وقف له قلت: ولم يحك في هذه المسألة بما قاله ابن القاسم فيما للغرماء من مال المفلس ولعل ذلك أن مسألة التسلم لم يحل الأجل فيها لكون الإبان لم يأت فلم يتمكن المشتري من حقه بوجه ولو حل الأجل فيجري فيها حكم ما وقف للغرماء من مال المفلس ا هـ ص:(وشرط إن سمي سلما لا بيعا إزهاؤه) ش: انظر هذه المسألة في أوائل السلم الأول من المدونة وانظر كلام الشيخ أبي الحسن فإنه لم يفرق بين كونه سلما أو مبيعا إلا في اشتراط الأجل؛ لأن السلم يقتضي التأجيل وإن سماه بيعا فلا يشترط ذلك ويحمل على الحلول، والله أعلم.

(6/511)


وسعة الحائط وكيفية قبضه, لمالكه, وشروعه وإن لنصف شهر, وأخذه بسرا؛ أو رطبا لا تمرا. فإن شرط تتمر الرطب: مضى بقبضه, وهل المزهي كذلك ؟ وعليه الأكثر أو كالبيع الفاسد ؟
ـــــــ
تنبيه: إن قيل ظاهر كلام المصنف إنه إذا سماه سلما يشترط تقديم رأس المال لوجود ذلك في السلم وقد صرح في المدونة بأن ذلك لا يشترط بل يجوز تأخيره ولو بشرط والجواب أن ذلك مفهوم من قول المصنف وهل القرية الصغيرة كذلك أو لا في وجوب تعجيل النقد فيها ص:(وكيفية قبضه) ش: أي فيذكر القدر الذي يأخذه من كيل أو وزن أو عدد وما يأخذه كل يوم وهل الأيام متوالية أو متفرقة ولا يجوز على أن يأخذ كل يوم ما

(6/512)


تأويلان. فإن انقطع: رجع بحصة ما بقي, وهل على القيمة وعليه الأكثر؟ أو على المكيلة؟ تأويلان. وهل القرية الصغيرة كذلك؟ أو إلا في وجوب تعجيل النقد فيها؟ أو تخالفه فيه وفي السلم لمن لا ملك له ؟ تأويلان.
ـــــــ
شاء ولو شرط أخذ الجميع في يوم لجاز قاله في التوضيح. ص:(وإن انقطع رجع بحصة ما بقي وهل على القيمة وعليه الأكثر أو المكيلة تأويلان) ش: قال في المدونة: وإذا اشترط أخذه رطبا وقبض بعض سلمه، ثم انقطع ثمر ذلك الحائط لزمه ما أخذ بحصته ورجع بحصة ما بقي من الثمن انتهى. وإلى ما تقدم أشار المصنف بقوله "رجع بحصة ما بقي" وأشار بقوله "وهل على القيمة" إلخ إلى ما نقله ابن يونس وأبو الحسن بعد الكلام الأول ونص ما عند ابن يونس وفي كتاب ابن مزين قلت كيف يتحاسبان إذا انقطع اللبن والثمرة على قيمة ما قبض وما بقي أم على الكيل الذي قبض والكيل الذي بقي قاله بل على كيل ما قبض وما بقي ولا ينظر في هذا أنه إلى القيمة في الذي يبتاع لبن غنم جزافا أياما معدودة فيحلبها أياما، ثم تموت أو يموت بعضها وحكى ابن القاسم أنه قال: إنما يحسب على القيمة لا على الكيل؛ لأنه إنما كان يأخذ شيئا فشيئا إلا أن يشترط عليه أن يجده من يومه أو في يوم واحد مسمى فهذا يجب على الكيل انتهى. وقال في الشامل: وهل على المكيلة أو

(6/513)


وإن انقطع ماله إبان, أو من قرية خير المشتري في الفسخ والإبقاء؛ وإن قبض البعض: وجب التأخير, إلا أن يرضيا بالمحاسبة,
ـــــــ
القيمة إلا بشرط جده في يوم فعلى المكيلة وعليه الأكثر ورجح تأويلان ومعنى هذا أنه إذا سلمه مثلا في عشرة آصع من الرطب وقبض خمسة مثلا، ثم انقطع ثمر الحائط فهل يرجع على حسب المكيلة فيقال قبض النصف ويرجع بما ينوب النصف الثاني من رأس المال أو يقال الخمسة التي قبضها تساوي ثلاثة أرباع رأس المال؛ لأنها في أول الأمر فقيمتها أغلا فيرجع بربع رأس المال قيمة الخمسة الباقية؟

(6/514)


ولو كان رأس المال مقوما ويجوز فيما طبخ, واللؤلؤ, والعنبر, والجوهر؛ والزجاج؛ والجص والزرنيخ, وأحمال الحطب, والأدم, وصوف بالوزن, لا بالحزر, والسيوف, وتور ليكمل,
ـــــــ
تنبيه: فإن قلت: أطلق المصنف في التأويل الأول، وهو يقيد بما إذا لم يشترط جده

(6/515)


والشراء من دائم العمل: كالخباز, وهو بيع إن لم يدم فهو سلم:
ـــــــ
في يوم واحد. قلت: إنما سكت عن ذلك لوضوحه؛ لأنه إذا شرط جده في يوم واحد لم تختلف قيمته، والله أعلم. ص:(والشراء من دائم العمل كالخباز، وهو بيع وإن لم يدم فسلم) ش: هذه تسمى بيعة أهل المدينة لاشتهارها بينهم والمسألة في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة وفي أوائل السلم قال في كتاب التجارة: وقد كان الناس يتبايعون اللحم بسعر معلوم أخذ كل يوم شيئا معلوما ويشرع في الأخذ ويتأخر الثمن إلى العطاء وكذلك كل ما يباع في الأسواق ولا يكون إلا بأمر معلوم يسمى ما يأخذ كل يوم وكان العطاء يومئذ مأمونا ولم يروه دينا بدين واستخفوه انتهى. وقد ذكروا أنه يتأخر الشروع العشرة الأيام ونحوها، وقال في رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم من كتاب الجامع: وحدثنا مالك عن عبد الرحمن المجمر عن سالم بن عبد الله قال: كنا نبتاع اللحم من الجزارين بسعر معلوم نأخذ منه كل يوم رطلا أو رطلين أو ثلاثة ويشترط عليهم أن يدفعوا

(6/516)


كاستصناع سيف أو سرج. وفسد بتعيين المعمول منه أو العامل,
ـــــــ
الثمن من العطاء قال: وأنا أرى ذلك حسنا قال مالك: "ولا أرى به بأسا إذا كان العطاء مأمونا وكان الثمن إلى أجل فلا أرى به بأسا" قال ابن رشد: كنا إلخ يدل على أنه معلوم عندهم مشهور ولاشتهار ذلك من فعلهم سمي بيعة أهل المدينة، وهذا أجازه مالك وأصحابه اتباعا لما جرى عليه العمل بالمدينة بشرطين أن يشرع في أخذ ما أسلم فيه وأن يكون أصله عند المسلم إليه على ما قاله غير ابن القاسم في سماع سحنون من السلم والآجال وليس ذلك محض سلم ولذلك جاز تأخير رأس المال إليه فيه ولا شراء شيء بعينه حقيقة ولذلك جاز أن يتأخر قبض جميعه إذا شرع في قبض أوله وقد روي عن مالك أنه لم يجز ذلك ورآه دينا بدين، وقال: تأويل حديث المجمر أن يجب عليه ثمن ما يأخذ كل يوم إلى العطاء، وهذا تأويل سائغ في الحديث؛ لأنه إنما سمى فيه السوم وما يأخذ كل يوم ولم يذكر عدد الأرطال التي اشترى منه فلم ينعقد بينهما بيع على عدد مسمى من الأرطال فكلما أخذ شيئا وجب عليه ثمنه إلى العطاء ولا يلزم واحدا منهما التمادي على ذلك إذا لم يعقدا بيعهما على عدد معلوم مسمى من الأرطال فكلما أخذ شيئا وجب عليه ثمنه إلى العطاء وإجازة ذلك مع تسمية الأرطال التي يأخذ منها في كل يوم رطلين أو ثلاثة على الشرطين المذكورين هو المشهور في المذهب، وهو قوله: في هذه الرواية وأنا أراه حسنا معناه وأنا أجيز ذلك استحسانا اتباعا لعمل أهل المدينة وإن كان القياس يخالفه، انتهى.
فرع: قال في النوادر: ومن أسلم في لحم ضأن يأخذ كل يوم وزنا معلوما فله أن يأخذه في يومه لحما يقدره ولا يتعجل منه في ذلك اليوم أكثر من شرطه ومن الواضحة وإذا شرط أن يأخذ كل يوم من اللحم كذا فأخذ يوما أكثر من الشرط وأدى ثمن الزائد فإن كان ما أخذ مثل صفة شرطه فجائر وإن كان بخلاف الصفة من ثمن اللحم أو عظم الحيتان أو وصفا من اللحم غير ما له عليه لم يجز أن يشتري منه زيادة في الوزن ولو جاءه بمثل الوزن دون الصفة أو خلاف الجنس ويعطيه معه عرضا أو عينا لم يجز ولا يأخذ أكثر وزنا وأدنى صفة ثمنا ولو سأله أن يعجل له شرط اليومين أو ثلاثة جاز ما لم يعطه أدنى صفة أو أعلى فلا يجوز ا هـ. ص:(كاستصناع سيف أو سرج وفسد بتعيين المعمول منه أو العامل) ش: قال في المدونة: من استصنع طستا أو قلنسوة أو خفا أو غير ذلك مما يعمل في الأسواق بصفة

(6/517)


...................................................
ـــــــ
معلومة فإن كان مضمونا إلى مثل أجل السلم ولم يشترط عمل رجل بعينه ولا شيئا بعينه يعمله منه جاز ذلك إذا قدم رأس المال مكانه أو إلى يوم أو يومين فإن ضرب لرأس المال أجلا بعيدا لم يجز وصار دينا بدين وإن اشترط عمله من نحاس أو حديد بعينه أو ظواهر معينة أو عمل رجل بعينه لم يجز وإن نقده؛ لأنه غرر لا يدري أسلم إلى ذلك أم لا ولا يكون السلف في شيء معين ا هـ قال أبو الحسن بعد أن ذكر كلام ابن رشد الذي ذكره المصنف في التوضيح، وقاله الشارح في الكبير وابن غازي قالوا وهذه الأقسام الأربعة في الكتاب أحدها قوله: فإن كان مضمونا إلى مثل أجل السلم، والثلاثة الأقسام تؤخذ من قوله وإن اشترط عمله من نحاس بعينه يعني والرجل غير معين، وقوله: رجل بعينه يعني والمصنوع منه غير معين، ثم قال في الجواب عن الوجهين لم تجز ولو عين كلا منهما لكان أحرى

(6/518)


وإن اشترى المعمول منه واستأجره: جاز إن شرع: عين عامله أم لا، لا فيما لا يمكن وصفه: كتراب المعدن, والأرض والدار والجزاف؛ وما لا
ـــــــ
في المنع إلا أنه انظر كيف يستقيم هذا مع ما ذكره ابن رشد فقال: كلام ابن رشد إنما هو في بيع النقد أعني فيما عدا الوجه الأول وجاء به في الكتاب إنما هو في بيع الأجل ا هـ، ثم تكلم أبو الحسن على الوجه الرابع في كلام ابن رشد، وهو ما إذا كان المصنوع منه مضمونا والصانع معين لا يجوز وجعله معارضا لما تقدم في مسألة الشراء من دائم العمل ويمكن أن يحمل كلام المدونة على ما إذا لم يشتر المعمول منه، وكلام ابن بشير فيما إذا اشترى، ولعل المصنف فهم ذلك فذكر أولا أنه يفسد بتعيين المعمول منه، والصانع. ثم قال: ولو اشترى المعمول منه واستأجره جاز ولهذا قيد ذلك بقوله إن شرع، وإنما لم يجز إذا لم يشرع؛ لأنه يصير هنا من بيع معين يتأخر قبضه ويفهم هذا من كلام ابن عبد السلام ومن كلام الرجراجي، والله أعلم.ص:(والجزاف) ش: يشير إلى قوله في المقدمات فسلف الدنانير والدراهم جائز في كل شيء من كل من العروض والطعام والرقيق والحيوان وجميع

(6/519)


يوجد, وحديد، وإن لم يخرج منه السيوف في سيوف وبالعكس؛ ولا كتان غليظ في رقيقه, إن لم يغزلا, وثوب ليكمل ومصنوع قدم لا يعود هين الصنعة: كالغزل بخلاف النسج إلا ثياب الخز. وإن قدم أصله: اعتبر الأجل وإن عاد.
ـــــــ
الأشياء حاشا أربعة أحدها: ما لا يصح الانتقال به من الدور والأرضين والثاني ما لا يحاط بصفته مثل تراب المعادن والجزاف فيما يصح بيعه جزافا والثالث ما لا يتعذر وجوده من الصفة والرابع ما لا يجوز بيعه بحال مثل تراب الصياغين والخمر والخنزير وجلود الميتة وجميع النجاسات ا هـ. ص:(وحرير في سيوف) ش:؛ لأن الصنعة المفارقة لغو بخلاف اللازمة قال ابن عرفة: والصنعة المفارقة في أصله كأصله بخلاف اللازمة كالنسج، ثم ذكر هذه المسألة.

(6/520)


اعتبر فيهما والمصنوعان يعودان ينظر للمنفعة. وجاز قبل زمانه: قبول صفته فقط: كقبل محله في العرض مطلقا. وفي الطعام إن حل لم يدفع كراء,
ـــــــ
ص:(وجاز قبل زمانه قبول صفته فقط) ش: هذا إذا قضاه بشيء من جنسه إذ لا بد أن يكون موافقا له في صفته لا أدنى ولا أعلى وأما لو قضاه قبل الأجل بغير جنسه فيشترط في المقتضى الشروط الثلاثة الآتية فيما إذا قضاه بغير جنسه بعد الأجل وشرط رابع، وهو أن يكون المقتضى مما يجوز بيعه بالمسلم فيه إلى أجل قال في التوضيح: فلا يجوز أخذ أعلا ولا أدنى؛ لأنه يلزم حط الضمان وأزيدك أو ضع وتعجل ا هـ. ونحوه لابن بشير والظاهر أن هذا الشرط الرابع مستغنى عنه؛ لأن الغرض أن المأخوذ من غير جنس المسلم فيه ولا شك أن الجنسين يجوز سلم أحدهما في الآخر فتأمله فيشترط فيه الشروط الآتية فقط ويحمل قول الشيخ بعد هذا على إطلاقه أي سواء كان ذلك قبل الأجل أو بعده، والله أعلم. ص:(كقبل محله في العرض مطلقا وفي الطعام إن حل) ش: هذا مشكل استشكله جماعة منهم

(6/521)


ولزم بعدهما: كقاض إن غاب. وجاز أجود وأردأ, لا أقل, إلا عن مثله ويبرأ مما زاد,
ـــــــ
التونسي وابن الكاتب وابن محرز. ص:(وجاز أجود وأردأ) ش: أي من جنسه قال في المدونة في آخر السلم الأول: وإن أسلمت في محمولة أو سمراء أو شعير أو سلمت وأقرضت ذلك فلا بأس أن تأخذ بعض هذه الأصناف قضاء من بعض مثل المكيل إذا حل الأجل، وهو بدل جائز وكذلك أجناس التمر ولا يجوز ذلك كله قبل محل الأجل في البيع أو في القرض وإن أسلمت في حنطة فلا تأخذ منه دقيق حنطة وإن حل الأجل ولا بأس به من قرض بعد محله وإن أسلمت في لحم ذوات الأربع أن يأخذ لحم بعضها أو شحمها قضاء من بعض إذا حل الأجل؛ لأنه بدل وليس هو بيع طعام قبل قبضه؛ لأنه كله نوع واحد ألا ترى أن التفاضل لا يجوز فيه أخذ ما سلف فيه ا هـ. ص:(لا أقل إلا عن مثله) ش: أي لا يجوز أن يأخذ الأجود والأردأ أقل من حقه إلا على وجه القضاء من ذلك المقدار، ثم يبرئه المسلم مما أدى إلا على وجه المصالحة عن الجميع بالمأخوذ قال في أواخر السلم الثالث من المدونة في ترجمة اقتضاء الطعام من ثمن الطعام: وهل تراعى هذه التهمة في أخذه أقل من ذلك النصف بعينه أم لا ؟ ذكر ابن عرفة أنه لا يعتبر وذكر أبو الحسن عن ابن

(6/522)


ولا دقيق عن قمح, وعكسه, وبغير جنسه, إن جاز بيعه قبل قبضه. وبيعه بالمسلم فيه مناجزة,
-----------------------------------
اللباد اعتبار ذلك، والله أعلم. ص:(ولا دقيق عن قمح وعكسه) ش: تصوره واضح، وهذا بخلاف القرض، وقاله في المدونة في السلم الأول. ص:(وبغير جنسه إن جاز بيعه قبل قبضه) ش: تقدم الكلام عليه.

(6/523)


وأن يسلم فيه رأس المال؛ لا طعام ولحم بحيوان, وذهب, ورأس المال ورق, وعكسه. وجاز
ـــــــ
تنبيه: ذكر ابن الحاجب وابن رشد وغيرهم في قضاء المسلم فيه بغير جنسه قبل الأجل هل يشترط أن يكون مضى الأجل قبله ما يكون أجلا في السلم قولين من غير ترجيح وهل يشترط أن يكون بقي لأجل السلم قدر ذلك، والله أعلم. ص:(وجاز بعد أجله الزيادة ليزيده طولا) ش: يعني أن من أسلم في ثوب على طول معين فلما حل الأجل زاده

(6/524)


بعد أجله الزيادة ليزيده طولا: كقبله إن عجل دراهمه, وغزل ينسجه لا أعرض أو أصفق.
ـــــــ
دراهم على أن أعطاه ثوبا أطول منه فإن ذلك جائز بشرط تعجيل الثوب المأخوذ قال في السلم الثاني من المدونة: وإن أسلمت إلى رجل في ثوب موصوف فزدته بعد الأجل دراهم على أن يعطيك ثوبا أطول منه من صنفه أو من غير صنفه جاز إذا تعجلت ذلك ا هـ. قال في التوضيح بعد ذكره كلام المدونة هذا إما تعجله وإما لم يتعجله فلا يجوز؛ لأنه بيع للزيادة وسلف لتأخير الثوب الأول ا هـ، وقال ابن يونس: كأنك أعطيت في الثوب المأخوذ الدراهم التي رددتها والثوب أسلمت فيه وإن تأخر ذلك كان بيعا وسلفا تأخيره لما عليه سلف والزيادة بيع ولو أعطاه من غير مؤخر كان الدين بالدين ا هـ. وظاهر كلام المصنف أنه يزيده دراهم على أن يزيده في طي الثوب الذي بان يزيد في نسجه، وهذا غير مراد لقوله في المدونة إذا تعجلت ذلك فلا يجوز إذا أعجل له الثوب المأخوذ ص:(كقبله إن عجل دراهمه وغزل ينسجه لا أعرض ولا أصفق) ش: قال في المدونة: وإن أسلمت إلى رجل في ثياب موصوفة فزدته قبل الأجل دراهم نقدا على أن يزيدك في طولها جاز؛ لأنهما صفقتان ولو كانت صفقة واحدة ما جاز ا هـ. وقال أبو الحسن: وأما إن زاده الدراهم قبل الأجل على أن يعطيه ثوبا أطول منه من صنفه فعند ابن القاسم ذلك جائز وهما صفقتان قال: ولو كانت صفقة

(6/525)


..................................................
ـــــــ
واحدة ما جاز يريد أو اشترط عليه في أصل العقد أني أزيدك دراهم بعد مدة على أن تعطيني ثوبا أطول لم يجز قال: ولو زاده قبل الأجل على أن يعطيه ثوبا أصفق أو أراك لم يجز بخلاف إذا لم يخرجه عن الصفقة؛ لأنه في إخراجه إياه عن الصفقة يدخله فسخ الدين في الدين وإذا لم يخرجه عن الصفقة، وإنما زاده في الطول فإنما هي صفقة ثانية عند ابن القاسم كما ذكر؛ لأن الأذرع المشترطة قد بقيت على حالها والذي استأنفوه صفقة أخرى ورآه سحنون غير جائز، وهو فسخ الدين في الدين ا هـ. فكأنه يقول إنه إذا زاده دراهم على أن زاده في الطول فكأن الثوب الأول باق على حاله وزاده تلك الدراهم على أن زاده أذرعا أخرى فهو صفقة ثانية وأما إذا زاده قبل الأجل على أن يعطيه أعرض أو أصفق فلا بد من تبديل ذلك الثوب المسلم فيه أو لا يشترطاه؛ لأن العرض لا يزاد وكذا الصفاقة قال في التوضيح: ولتحقق أنهما صفقتان شرطوا أن يبقى للأجل مثل أجل السلم فأكثر ولزم تعجيل الدراهم المزادة ا هـ بالمعنى قال ابن يونس ولو زاده على أن أعطاه خلاف الصفقة لم يجز ويدخله فسخ الدين في الدين؛ لأنه نقله عما أسلم فيه ا هـ. وكلام التوضيح يوهم أنه أجاز في المدونة أن يزيده دراهم قبل الأجل على أن يعطيه ثوبا من خلاف صفقته وليس كذلك إنما قال ذلك في المدونة بعد الأجل قال في المدونة: فإن قيل لم منع التأخير بعده لعلة البيع والسلف وأجاز ذلك قبل الأجل ولم يعجل له ثوبا مؤجلا ودراهم نقدا بثوب مؤجل أطول منه فيكون دينا بدين كما قال سحنون قيل الفرق عنده أنه قبل الأجل لم يكن للمسلم تعجيل الثوب حتى يعد تأخيره سلفا وأما بعد فقد ملك تعجيله فيكون تأخيره به سلفا والزيادة بيعا فيدخله البيع والسلف ا هـ وعلم من هذا شرح قول المصنف "لا أعرض وأصفق" وأما قوله: "وغزل ينسجه" فإشارة لما ذكره ابن القاسم في المدونة على جهة الاستدلال لإجازته الزيادة في طول الثوب المسلم فيه قبل الأجل وأن ذلك صفقتان فإنه قال إثر الكلام المتقدم: كما لو دفعت إليه غزلا ينسجه ثوبا ستة في ثلاثة، ثم زدته دراهم وغزلا على أن يزيدك في طول أو عرض فلا بأس به وهما خفيفتان وهذه إجارة والإجارة بيع من البيوع يفسدها ما يفسد البيع ا هـ فمسألة الغزل الذي ينسجه ليس من مسائل السلم، وإنما هي من مسائل الإجارة ولذا جاز فيها أن يزيده غزلا ودراهم على أن يزيده في العرض؛ لأنه لا يدخله هنا فسخ الدين في

(6/526)


ولا يلزم دفعه بغير محله ولو خف حمله.
ـــــــ
الدين لأنه إنما يزيده من غزله ولكن الزيادة في العرض إنما تمكن إذا كان ذلك قبل أن ينسج له شيئا، والله أعلم.ص:(ولا يلزمه دفعه بغير محله ولو خف حمله) ش: يعني ولا يلزم المسلم إليه دفع المسلم فيه بغير محله ولو خف حمله إلى المسلم إذا طلبه ويريد إلا العين وعكس هذا إذا طلب المسلم إليه أن يدفع المسلم فيه إلى المسلم، وهو كذلك وهنا في غير العين قال ابن رشد في أواخر السلم الأول من التنبيه: وإذا لقي المسلم المسلم إليه في غير البلد الذي اشترط فيه القضاء فإن كان عينا وجب على كل واحد منهما الرضا بالأخذ إذا طلبه الآخر فإن كان عروضا لها حمل ومؤنة لم يجبر كل واحد منهما بالقضاء إلا بالتراضي فإن كان عروضا لا حمل لها كالجواهر مثلا فهل تكون كالعين أو كالنوع الآخر فيه قولان وهما خلاف في حال فإن كان الأمن في الطريق فلا شك في كونها كالعين أو كان غيره فلا شك في كونها كالعرض وينبغي أيضا أن يكون كالعروض مع الخوف ا هـ. ونقله ابن عرفة عنه فلو ظفر به في غيره وكان في الحمل مؤنة لم يلزمه القضاء على ما تقدم وطلب المشتري من البائع أن يدفع له المسلم فيه فإن كان له حمل ومؤنة لم يلزم البائع ما طلبه به المشتري وإن لم يكن له حمل فقولان والمشهور أنه مثل الأول ا هـ، وقال في التوضيح: فإن ظفر من عليه الدين بالطالب وأراد المديان التعجيل فامتنع الطالب ويحتمل عكسه فعلى الأول فقال ابن بشير وغيره: المسألة على ثلاثة أقسام إن كان الدين عينا وجب القبول قال في أنواره: إلا أن يتفق أن للطالب فائدة في التأخير كما لو حصل في الزمن خوف أو فيما بين البلدين وإن كان الدين عروضا لها حمل أو طعاما فلا يجبر على قبوله وإن لم يكن لها حمل كالجواهر فقولان والمشهور أنها كالعرض وقيل كالعين، وهو خلاف في شهادة فإن كان الأمن في الطريق فكالعين وإلا فلا. قال: وهذا إذا كان من البيع وأما القرض فيقبل على قبوله مطلقا وعلى الثاني معنى، الاحتمال الثاني في كلام ابن الحاجب فنص محمد وغيره على أنه ليس للطالب جبر المطلوب مطلقا اللخمي ولأشهب عن محمد ما يفهم منه أنه إذا كان سعر البلدين سواء أو هو في البلد الذي لقيه فيه أرخص أنه يجبر المسلم إليه على القضاء في البلد الذي لقيه فيه ا هـ.
تنبيهات: الأول: المراد بقول المؤلف محله أي المحل الذي شرطه المسلم والمسلم إليه لقبض المسلم فيه فإن لم يشترطا فهو بوضع العقد كما أشار إليه ابن عبد السلام
الثاني: أطلق المصنف في المختصر في قوله: "ولم يلزم دفعه" وكذا أطلق في

(6/527)


فصل في القرائض
...
فصل: في القراض
يجوز قرض ما يسلم فيه فقط؛
ـــــــ
التوضيح فيما نقله في قوله: "فنص محمد وغيره على أنه ليس للطالب جبر المطلوب مطلقا" وقد تقدم كلام ابن بشير أنه يلزمه دفع العين، وأن ابن عرفة نقله وقبله، وهو كذلك في غيرهما فيقيد كلام المؤلف في المختصر وفي التوضيح، والله أعلم.
الثالث: تقدم فيما نقله في التوضيح عن أنوار ابن بشير أنه إذا أراد المديان التعجيل وامتنع الطالب أنه يجبر على أخذه مطلقا، وهذا كما ترى ليس بظاهر فإنه مخالف لقول الشيخ في آخر فصل القرض ولم يلزم رده إلا بشرط أو عادة كأخذه بغير محله إلا العين ا هـ ولقول ابن الجلاب ومن أقرض رجلا شيئا إلى أجل فليس له مطالبته به قبل الأجل ولو رده إليه المقرض قبل أجله لزمه قبوله عرضا كان أو عينا إذا رده إليه في المكان الذي اقترضه منه فيه أو رده في غير الموضع الذي أخذه فيه لم يلزم ربه قبوله ا هـ ونحوه في الإرشاد وعكسه في القرض أعني إذا طلب المقرض حقه من المقرض في غير محل السلف قال في الجلاب: ومن اقترض قرضا لم يشترط للقضاء موضعا فإنه يلزم المقرض القضاء في الموضع الذي أقرضه فيه فطالبه بالقضاء لم يلزمه ذلك ويلزمه أن يوكل من يقضيه عنه في البلد الذي اقترضه منه ولو اصطلحا على القضاء في البلد الذي هما فيه، وهو غير البلد الذي تقارضا فيه كان ذلك جائزا إذا كان بعد حلول الأجل وإن كان قبل حلوله لم يجز ا هـ. وأجاز في الجلاب هذا مطلقا وأبقاه التلمساني والقرافي على إطلاقه، وهو مقيد بغير العين وأما العين فله أخذه حين ما لقيه بعد الأجل قاله في كتاب الآجال من المدونة وغيرها، والله أعلم.
فصل:
ص:(يجوز قرض ما يسلم فيه فقط) ش: مراده بالجواز هنا أصل معناه الشامل للندب والوجوب؛ لأن القرض مندوب إليه إذ قد ورد فيه أحاديث كثيرة ولو قال: جاز وندب

(6/528)


إلا جارية تحل للمستقرض. وردت؛ إلا أن تفوت عنده بمفوت البيع الفاسد, فالقيمة. كفاسده, وحرم هديته, إن لم يتقدم مثلها,
ـــــــ
قرض ما يسلم فيه لكان أتم، ثم قال ابن عرفة وحكمه من غير ذاته الندب وقد يعرض ما يوجبه أو كراهيته أو حرمته وإباحته تعسر ا هـ. وهذا نحو ما يأتي في فصل المقاصة أعني قولهم تجوز المقاصة قال ابن عرفة في بيع الآجال وهي جائرة فيجب تفسيره بالجواز الأعم من الوجوب لا بقسميه وإلا كان خلاف المشهور كالإمكان إذ هو أعم من الواجب ومن نحو هذا فقال: يقع في المدونة ما هو من القواعد العقلية المشاركة في علومها أو فطرة سنية ا هـ. ص:(إلا جارية تحل للمقرض) ش: استثنى من ذلك مسألة ذكرها ابن يونس في كتاب الوكالات، ونقلها الشيخ أبو الحسن أيضا في شرح قوله في المدونة ولا بأس أن تأمره يبتاع لك عبد فلان بطعامك هذا وتريه هذا وذلك قرض وعليك المثل فيهما قال بعض شيوخنا: أو بجاريتي هذه ويكون عليك مثلها ولا يتأتى فيه عارية الفروج؛ لأنه لا تصل للمستقرض قال أبو الحسن: وربما ألقيت فيقال أين يجوز قرض الجارية من غير المحرم منها فيقال في مثل هذه الصورة أو تقضي عنه في الدين ا هـ. وخرج بقوله تحل للمستقرض من كانت لا تحل له إما لمحرمية بينهما أو لغيرها ويلحق بذلك الصغير يقترض له وليه والجارية الصغيرة أنثى لا تشتهى تحل أن تستقرض ويجوز للنساء أن يقترضن الجواري قاله ابن الحاجب وغيره، والله أعلم. ص:(وحرم هدية) ش: قال ابن رشد في رسم طلق، ابن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب الماشية: لا يحل لمن عليه الدين هدية ولا أن يطعمه طعاما رجاء أن يؤخره بدينه ولا يحل لمن عليه الدين أن يقبل ذلك منه إذا علم ذلك من غرضه وجائز لمن عليه الدين أن يفعل ذلك إذا لم يقصد ذلك ولا رآه وصحت

(6/529)


أو يحدث موجب كرب القراض وعامله. ولو بعد شغل المال على الأرجح, وذي الجاه والقاضي, ومبايعته مسامحة, أو جر منفعة:
ـــــــ
نيته فيه كما كان يفعل. ابن شهاب ويكره لذي الدين أن يقبل ذلك منه وإن تحقق صحة نيته في ذلك إذا كان ممن يقتدى به لئلا يكون ذريعة لاستجازة ذلك حيث لا يجوز ا هـ.ص:(أو جر منفعة) ش: يريد أن السلف إذا جر منفعة لغير المقترض فإنه لا يجوز سواء جر نفعا للمقرض أو غيره. قال في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب

(6/530)


كشرط عفن بسالم, ودقيق أوكعك ببلد, أو خبز فرن بملة,
ـــــــ
السلم والآجال له على رجل عشرة دنانير حل أجلها فيعسر بها فيقول له رجل أخره بالعشرة وأنا أسلفك عشرة دنانير قال مالك: إن كان الذي يعطي يكون له على الذي له الحق فلا خير فيه وإن كان قضاء عن الذي عليه الحق سلفا له فلا بأس به قال ابن رشد: هذا بين على ما قال: إن ذلك لا يجوز إذا لم يكن ذلك قضاء من الذي عليه سلفا منه له؛ لأنه أسلف

(6/531)


أو عين عظم حملها: كسفتجة؛ إلا أن يعم الخوف, وكعين كرهت إقامتها؛ إلا أن يقوم دليل على أن القصد نفع المقترض فقط في الجميع:
ـــــــ
الذي له الحق لغرض له في منفعة الذي عليه الحق فهو سلف جر نفعا إذ لا يحل السلف إلا إلى مريد به السلف منفعة الذي أسلفه خالصا لوجه الله خاصة لا لنفسه ولا لمنفعة من سواه، وبالله التوفيق.
فرع: قال في الذخيرة قال سند: ومنع ابن القاسم أن يقول الرجل للرجل أقرضك هذه الحنطة على أن تعطيني مثلها وإن كان القرض يقتضي إعطاء المثل لإظهار صورة المكايسة قال أشهب: إن قصد بالمثل عدم الزيادة فغير مكروه وكذلك إن لم يقصد شيئا فإن قصد المكايسة كره ولا يفسد العقد لعدم النفع للمقرض ا هـ. ص:(كسفتجة) ش: قال في التوضيح قال السفاتج والسفتجاة على جمع السلامة واحده سفتجة بكسر السين المهملة وسكون الفاء وفتح التاء المثناة من فوق وبالجيم وهي كتاب صاحب المال لوكيله في بلد آخر ليدفع لحامله بدل ما قبضه منه ا هـ. ونحوه في تهذيب الأسماء للنووي وزاد وهي لفظة أعجمية ا هـ. وقال في القاموس: السفتجة كقرطقة يعني بضم السين أن يعطي مالا لآخر وللآخر مال في بلد المعطى فيوفيه إياهم، ثم يستفيد أمن الطريق، وفعله السفتجة بالفتح

(6/532)


كفدان مستحصد: خفت مؤنته عليه: يحصده ويدرسه ويرد مكيلته, وملك ولم يلزم رده؛ إلا بشرط, أو عادة؛ كأخذه بغير محله إلا العين.
ـــــــ
ا هـ. والسفاتج بكسر التاء على وزن فعالل والظاهر أنه لا يجوز ضم التاء؛ لأنه ليس في صيغ الجمع فعالل بضم اللام. ص:(كفدان مستحصد) ش: أي بلغ الحصاد فهو من باب تسمية الشيء بما قرب منه. ص:(ولم يلزم رده إلا بشرط أو عادة كأخذه بغير محله إلا العين) ش: تصوره ظاهر
فروع: الأول: قال في المسائل الملقوطة: وإذا وعدت غريمك بتأخير الدين لزمك؛ لأنه إسقاط لازم للحق سواء قلت له أؤخرك أو أخرتك ا هـ.
الثاني: قال ابن ناجي في شرح قوله في الرسالة: ولا أن يقرضه قرضا شيئا في مثله صفة ومقدارا يقوم من كلام الشيخ افتقار القرض لأن يكون بلفظ وفيه قولان ويؤخذ منه جواز اشتراط ما يوجبه الحكم من قوله في مثله صفة ومقدارا؛ لأن الصفة والمقدار يوجبهما الحكم وإن لم يقع الحكم عليهما في القرض واختلف في فساد العقد به إن وقع وشرط على ثلاثة أقوال ثالثها يمتنع في الطعام فإن وقع فسخ ا هـ.

(6/533)


..................................................
ـــــــ
الثالث: قال ابن عرفة: وللمقرض رد عين القرض ما لم يتغير وبه اتضح منعه في الإماء بأنه عارية الفروج فإن تغير بنقص فواضح عدم القضاء بقبوله ولو تغير بزيادة فالأظهر وجوب القضاء بقبوله قبل أجله، وهو عرض لانتفاء المنة عن المقرض فيهما لتقدم معروفه عليه بالقرض ووجوب قضائه بمحل قبضه، وهو غير عين ويجوز بغيره تراضيا الخلاف إن حل أجله وإلا فلا ابن عتاب عن المشاور من أقرض طعاما ببلد فخرب وانجلى أهله أو أيس من عمارته بعد طول فله أخذ قيمته في موضع السلف وإن رجى قرب عمارته تربص إليها وإن كان من سلم خير في الإياس بين تربصه أو أخذ ماله قلت: الأظهر إن لم ترج عمارته عن قرب القضاء بالدفع في أقرب موضع عمارة لمحل القرض انتهى.
الرابع: قال ابن ناجي في شرح قول الرسالة: وكذلك له أن يعجل الطعام من قرض لا من بيع اختلف المذهب إذا أراد المديان دفع بعض ما عليه، وهو موسر هل يجبر رب المال على قبضه أم لا فروى محمد في رواية أبي زيد أنه يجبر، وقال ابن القاسم في رواية محمد: لا يجبر وأما المعسر فيجبر اتفاقا ا هـ وعزا الجزولي القول الأول لمالك وعطف الثاني بقيل واقتصر الشيخ يوسف بن عمر على الثاني وفي كتاب المديان من ابن يونس ابن المواز قال مالك: ومن كان له على رجل حق فجاءه ببعضه فقال: لا أقبل إلا كله فأرى أن يجبر على أخذ ما جاء به قال ابن يونس: إن كان الغريم موسرا لم يجبر رب الحق

(6/534)


فصل: في المقاصة
تجوز المقاصة في ديني العين مطلقا,
ـــــــ
على أخذ ما جاء به ا هـ. وانظر رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف فإنه ذكر المسألة وانظر هل هو إذا جاء به قبل الأجل أو بعده أو مطلقا فتأمله، والله أعلم.
فصل:
ص:(تجوز المقاصة في دين العين مطلقا) ش: قال في الصحاح: تقاص القوم إذا قاص كل واحد منهم صاحبه في حساب أو غيره ا هـ. وقال ابن عرفة: المقاصة متاركة مطلوب بمماثل صنف ما عليه لماله على طالبه فيما ذكر عليهما ولا ينتقض طرده بمتاركة متقاذفين حديهما أو طلبيهما على شرط ثبوت الحد بالحكم به ولا بمتاركة متجارحين جرحين متساويين؛ لأن المتماثلين عرفا لا لغة ما صح قيام أحدهما مقام الآخر، وهذا لا يصدق على حد القذف ولا طلبهما ولا على الجرحين للإجماع على أن أحدهما لا يصح بدل الآخر بحال وإلا زيد في الرسم ماليا وقولنا ما عليه خير من لفظ الدين لتدخل المقاصة فيما حل من كتابة ونفقة الزوجة ا هـ. وأما حكمها فقال ابن عرفة إثر الكلام المتقدم عن ابن رشد في رسم العشور من سماع عيسى من كتاب النذور: ومشهور المذهب وجوب الحكم بالمقاصة وروى زياد لا يحكم بها ومثله في كتاب الصرف خلاف ما في النكاح الثاني والسلم الثاني منها وعلى المشهور لو اشترى على أن لا مقاصة ففي لغو الشرط وأعماله سماع القرينين، وقال ابن كنانة مع ابن القاسم في المدونة: وتأول ما في الصرف عنه؛ لأن كون الشرط على المناجزة كشرط تركها وتعليله يرد هذا التأويل وقيل يفسد البيع بشرط تركها إن كان الدين حالا فيدخله البيع والسلف روي هذا عن ابن القاسم، وقال أصبغ: هو حقيق أن تضرب للدين أجلا ولم يشترط إلا أن لا يقبضه ذلك اليوم ا هـ والفرع الأول في التوضيح وبهرام قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب في أول المقاصة: جاز اتفاقا والجواز هنا بمعنى الإذن وقد اختلف هل يجب أن يعمل على قول من دعا منهما إليها، وهو المشهور أو القول لمن دعا منهما إلى عدمها رواه زياد عن مالك وأخذ من المدونة في الصرف والسلم الثاني والنكاح الثاني القولان ا هـ، وقال بهرام في شرح قول المختصر: تجوز المقاصة والجواز هنا بمعنى الإذن في الإقدام على المعنى باعتبار حق الله

(6/535)


إن اتحدا قدرا وصفة, حلا أو أحدهما, أم لا. وإن اختلفا صفة مع اتحاد النوع أو اختلافه, فكذلك إن حلا وإلا فلا: كأن اختلفا زنة من بيع, والطعامان من قرض كذلك, ومنعا من بيع ولو متفقين, ومن بيع وقرض؛ تجوز إن اتفقا وحلا؛ لا إن لم يحلا, أو أحدهما. وتجوز في العرضين مطلقا إن اتحدا جنسا وصفة كأن اختلفا جنسا واتفقا أجلا, وإن اختلفا أجلا منعت إن لم يحلا أو أحدهما. وإن اتحدا جنسا والصفة متفقة أو مختلفة جازت إن اتفق الأجل وإلا فلا مطلقا.
ـــــــ
تعالى وهل يجب أن يعمل فيها في حق الآدمي حتى يكون القول قول من دعا إليها، وهو المشهور أو قول من دعا إلى عدمها، وهو رواية زياد عن مالك ا هـ، وقوله: في ديني العين اعلم أن المصنف قسم الدين على ثلاثة أقسام إما أن يكون عينا أو طعاما أو عرضا فإن اختلف الدينان قال ابن بشير: كعروض في ذمة وعين في ذمة أخرى أو عرض وطعام أو عين وطعام جازت المقاصة على الإطلاق حل الدينان أم لم يحلا اتفقت آجالهما أم اختلفت ا هـ. وقوله مطلقا أي سواء كانا من بيع أو من قرض أو أحدهما من قرض والآخر من بيع. ص:(وإن اختلفا صفة مع اتحاد النوع) ش: كمحمدية ويزيدية. ص:(أو اختلافه) ش: كذهب وفضة. ص:(كإن اختلفا زنة) ش: سواء اتفقا في الصفة أو اختلفا كما صرح به ابن بشير ص:(من بيع) ش: قال الشارح احترازا مما إذا كانا من القرض أو أحدهما فالمقاصة جائزة وإن اختلفا في الوزن كما تقدم ا هـ. وقد تقدم أن الزيادة في القرض ممتنعة إلا اليسيرة كرجحان ميزان، وقال ابن عرفة ابن بشير والمازري: والقرض فيما ذكر كالبيع ويغتفر في القرض فالزيادة في الصفة لا الزيادة في العدد على المشهور وفي الموازية إن اختلف العدد في القرض منع مطلقا قال: وإن كان أحدهما من القرض والآخر من بيع جازت ما لم يكن الذي حل أولهما حلول الأقل وما لم يعد إلى المقرض أكثر ا هـ. ص:(ويجوز في العرضين مطلقا إن اتفقا جنسا وصفة) ش: قال ابن بشير: فإن اتفقا في الجنس والصفة جازت المقاصة اتفقت الآجال أو اختلفت حلا أو لم يحلا ا هـ. ص:(وإن اتحد جنسا والصفة متفقة أو مختلفة جازت إن اتفق الأجل وإلا فلا مطلقا) ش: هكذا يقع في بعض النسخ وفيه نظر من وجوه الأول: قد قدم حكم ما إذا اتفق العرضان في صفة فلا حاجة إلى إعادته هنا الثاني: أن قوله: "وإلا فلا" يقتضي أنه إذا لم يتفق الأجلان لم تجز المقاصة وإن اتفقا في الصفة والجنس، وهو ما تقدم أنه إذا اتفقا في الجنس والصفة جازت المقاصة اتفقا في الأجل أو اختلفا حلا أو لم يحلا كما تقدم في كلام ابن بشير أيضا الثالث: كان ينبغي أن يقول إن اتفق الأجل وحل؛ لأن حكم الحلول حكم اتفاق الأجل وقد يقال سكت عن هذا الثالث لوضوحه وإن كان التنبيه على الأول الرابع: دخل في قوله "وإلا فلا مطلقا" ما إذا

(6/536)


باب الراهن
...
باب الرهن
ـــــــ
كانا من قرض والحال منهما أو الأقرب حلولا أجود، وهو جائز إذ لا مانع فيه؛ لأنه إنما يمنع إذا كانا من بيع؛ لأنه يدخله حط الضمان وأزيدك ولا ضمان في القرض وكذا إذا كان أحدهما من قرض والآخر من بيع وكان أقربهما حلولا هو البيع والأفضل جاز للعلة المذكورة وقد صرح بذلك ابن بشير وصرح في التوضيح بالجواز في الأول وقد سلم كلامه في الشامل من الاعتراضين الأولين، ونصه: وإن اتفقا جنسا دون صفة جاز إن حلا وإلا فلا مطلقا ا هـ. ويقع في بعض نسخ المختصر كعبارة الشامل، والله أعلم. تنبيهان: الأول: إذا اتحدا في الجنس واختلفا في الصفة وحلا أو اتفقا أجلا جازت المقاصة سواء كان من بيع أو قرض أو أحدهما من القرض والآخر من بيع كما صرح به ابن بشير، والله أعلم.
الثاني: جميع ما تقدم في مسألة العرضين المتفقين في الجنس إنما هو إذا اتفق عددهما فإن اختلفا وهما من القرض لم يجز على المشهور من منع الزيادة في القرض وإن كان من بيع وقد حل الأجلان فيجوز إن كان أحدهما من قرض والآخر من بيع فإن كان البيع أكثرهما لم تجز المقاصة؛ لأنه زيادة في القرض، والله أعلم.
باب
ص:(باب الرهن) ش الرهن في اللغة: معناه الثبوت والدوام. يقال ماء راهن أي: راكد ونعمة راهنة أي: دائمة، وقال بعضهم: إن معناه في اللغة الحبس لقوله تعالى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] أي: محبوسة بما قدمته، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "نفس المؤمن مرهونة بدينه حتى يقضى عنه" فمعنى مرهونة: محبوسة في قبرها والمعنى الثاني لازم للمعنى الأول لأن الحبس يستلزم الثبوت بالمكان، وعدم مفارقته، أما في الشرع: فهو جعل عين لها قيمة مالية في نظر الشرع أي ما جاز بيعه فكل ما جاز بيعه جاز رهنه إلا ما سنعرفه وأما دليله فقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقد قال تعالى: {وَإِنْ

(6/537)


الرهن بذل من له البيع ما يباع أو غررا ولو اشترط في العقد وثيقة بحق كولي
ـــــــ
كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283] وأما السنة: فلما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم "رهن درعه عند يهودي يقال له أبو الشحم على ثلاثين صاعا من شعير لأهله ". ص:(بذل من له البيع) ش: أي من يحق له بيع العين ويخرج من ذلك المريض إذا كان مدينا فإن مذهب ابن القاسم أنه يجوز بيعه ولا يجوز رهنه، ونقله في المقدمات والرجراجي وسيأتي ذلك عند قول المصنف في أول باب التفليس لا بعضه - ورهنه ويأتي أيضا في كلام الوثائق المجموعة فتأمله، ونبه بقوله ما يباع أو غررا على أنه يشترط في المرهون ما يشترطه في الشيء المبيع إلا أنه يغتفر فيه الغرر فلا يصح رهن الخمر والخنزير والميتة، وقوله "أو غررا" معطوف على ما في قوله "ما يباع" ونبه به على أنه يجوز رهن الآبق والشارد إذا لم يقارن عقدة البيع بلا خلاف وإن قارنها ففيه خلاف والمشهور الجواز وإليه أشار بقوله. ص:(ولو اشترط في العقد) ش: ومنشأ الخلاف هل للرهن حصة من الثمن أم لا ؟ وقوله: "وثيقة بحق" فصل. خرج به ما دفع لا على سبيل التوثق بل على سبيل الملك كالبيع والانتفاع كالمستأجر والمعار، وهو حال من "ما" والباء في "بحق" للسببية وهذا الحد قريب من قول ابن الحاجب إعطاء امرئ وثيقة بحق واعترضه ابن عرفة بأنه لا يتناول الرهن بحال؛ لأنه اسم والإعطاء مصدر وهما متباينان ا هـ يعني أن الرهن وإن كان في الأصل مصدرا ولكن الأغلب في عرف الفقهاء إطلاقه على الشيء المرهون فكان الأولى أن يقول معطى أو ما أشبهه. وحده ابن عرفة بأنه مال قبضه توثقا به في دين قال فتخرج الوديعة والمصنوع في يد صانعه وقبض المجني عبدا جنى عليه انتهى. ونقله ابن غازي بلفظ مال قبض توثقا به في دين ولقائل أن يقول إن الرهن كما يطلق في عرف الفقهاء على الشيء المرهون فكذلك أيضا يطلق على الرهن الذي هو المصدر كما إذا قالوا يصح الرهن أو يبطل الرهن أو يصح رهن كذا أو لا يصح رهن كذا فاستعمال الرهن بمعنى المصدر شائع في عرف الفقهاء؛ فلذلك عرفه ابن الحاجب والمصنف بهذا المعنى فتأمله، والله أعلم. ص:(كولي) ش: أبا كان أو وصيا قال في المدونة: وللوصي أن يرهن مال اليتيم رهنا فيما يبتاع له من كسوة أو طعام وليس للوصي أن يأخذ عروض اليتيم بما أسلفه رهنا. ا هـ ثم قال: وإذا رهن الأب من متاع ابنه الصغير في دين عليه ولم يصدقه الولد لم يجز الرهن؛ لأنه لا يجوز له أخذ

(6/538)


وكاتب, ومأذون, وآبق, وكتابة, واستوفي منها, أو رقبته, إن عجز؛ وخدمة مدبر,
ـــــــ
مال ولده لغير حاجة. ص:(ومكاتب) ش: قيده في المدونة بما إذا أصاب وجه الرهن ونقله في الكبير ص:(وآبق) ش: قال ابن الحاجب ورهن الآبق والبعير الشارد إن قبض قبل موت صاحبه أو فلسه قال في التوضيح أي: يجوز رهن الآبق والبعير الشارد، وقوله: إن قبض قبل موت صاحبه أو فلسه ليس بظاهر؛ لأن رهن الآبق والشارد صحيح وإن لم يقبضا قبل موت صاحبهما وإنما القبض قبل موت صاحبهما شرط في صحة الاختصاص ا هـ. والظاهر ما قاله ابن الحاجب؛ لأن الرهن يبطل بالموت والفلس قبل قبضه وقد نقله ابن عرفة عن الصقلي عن ابن المواز كذلك وقال في النوادر في كتاب الرهون في ترجمة العين وما يكال أو يوزن والمعروف لمالك أنه لا ترهن الأجنة وقال أحمد بن ميسر ذلك جائز كما يرتهن العبد الآبق والبعير الشارد ويصح ذلك بالقبض ا هـ. وسيأتي أنه لا يصح رهن الجنين.
تنبيه: سئلت عن رهن الدار الغائبة، والشيء الغائب فأجبت أنه يصح ويشترط في اختصاص المرتهن به أن يقبضه هو أو وكيله قبل موت الراهن أو فلسه وهو كالآبق والشارد بل أحرى بالجواز فإن مات الراهن أو فلس قبل قبض المرتهن أو وكيله بطل الرهن ولو جد فيه؛ لأن المصنف سيقول: "وبموت راهنه أو فلسه قبل حوزه ولو جد فيه" وأيضا فقد نص في المدونة أن من وهب دارا غائبة ومات قبل أن يحوزها الموهوب له بطلت الهبة ولو لم يفرط مع أن المشهور في الهبة إذا جد في طلبها لا تبطل وقد فرق بينهما هنا في التوضيح: بأن الرهن لما كان باقيا على ملك راهنه لم يكتف بالجد بخلاف الموهوب فإنه خرج عن ملك واهبه والله أعلم. وذكر في التوضيح وغيره أن رهن الدين يصح ولو على غائب ويكفي في حوزه الإشهاد والظاهر هنا الصحة أيضا والله أعلم.ص:(وخدمة مدبر) ش: أي، وجاز

(6/539)


وإن رق جزء فمنه, لا رقبته وهل ينتقل لخدمته؟ قولان: كظهور حبس دار, وما لم يبد صلاحه, وانتظر ليباع, وحاص مرتهنه في الموت والفلس, فإذا صلحت: بيعت فإن وفى: رد ما أخذه؛ وإلا قدر محاصا بما بقي,
ـــــــ
رهن خدمة مدبر سواء رهن منها مدة معلومة يجوز بيعها أو رهن جميع خدمته، أما إن رهن منها مدة معلومة فإن ذلك جائز في عقد البيع وبعده، وأما إن رهن الجميع فيجوز بعد العقد ويختلف فيه إذا كان في العقد على الخلاف في رهن الغرر في عقدة البيع والمشهور الجواز واحترز بالخدمة من الرقبة ورهن الرقبة على وجهين: الأول: أن يرتهن رقبته على أنه إن مات الراهن ولا مال له بيع له المدبر فإن كان هذا الشرط في أصل العقد فإنه يجري على الخلاف في رهن الغرر فإنه لا يدري متى يموت السيد وإن لم يكن في أصل العقد جاز بلا خلاف والثاني أن يرتهن الرقبة على أنه تباع له قبل موت السيد فهذا لا يجوز وإليه أشار بقوله: "لا رقبته". ثم اختلف هل يعود الرهن إلى المنفعة أو لا وإليه أشار بقوله: "وهل ينتقل لخدمته قولان" وهذا كله من التوضيح.ص: (وما لم يبد صلاحه) ش: يريد وقد خلقت الثمرة المازري وأما إذا لم تخلق فذلك كرهن الجنين ا هـ. من التوضيح ص: (وانتظر ليباع) ش: أي فإن حل أجل الدين أو مات راهن الثمرة التي لم يبد صلاحها قبل أن يبدو

(6/540)


لا كأحد الوصيين, وجلد ميتة, وكجنين, وخمر, وإن لذمي, إلا أن تتخلل, وأن تخمر: أهراقه بحاكم, وصح: مشاع, وحيز بجميعه, إن بقي فيه للراهن, ولا يستأذن شريكه, وله أن يقسم ويبيع ويسلم, وله استئجار جزء غيره ويقبضه المرتهن له,
ـــــــ
صلاحها ولم يكن له مال انتظر بدو الصلاح لتباع، وإنما انتظر بدو الصلاح؛ لأن بيعها قبل ذلك لا يجوز. وهذا إذا لم يكن له مال غيرها. أما إن كان فإنه يؤخذ منه؛ لأن حق رب الدين

(6/541)


ولو أمنا شريكا فرهن حصته للمرتهن, وأمنا الراهن الأول: بطل حوزهما, والمستأجر والمساقي, وحوزهما الأول: كاف والمثلي ولو عينا بيده؛ إن طبع عليه.
ـــــــ
في ذمة المديان. ا هـ من التوضيح كله باللفظ إلا القليل فظهر لك أن في كلام الشيخ حذفا تقديره فإن حل أجل الدين أو مات الراهن ولا مال له انتظر ليباع والظاهر أن حكم الفلس حكم الموت بدليل ما بعده والله أعلم. ص: (والمستأجر والمساقي وحوزهما الأول كاف) ش: هذا إذا كان المستأجر والمساقي هو المرتهن.
فرع: قال في الذخيرة قال: الطرطوشي: راهن المغصوب من غاصبه يسقط عنه ضمانه. وقاله أبو حنيفة وأحمد. وقال الشافعي: لا يسقط عنه ضمان الغصب لنا القياس على ما إذا باعه منه أو وهبه منه والجامع الإذن في الإمساك. ص: (والمثلي ولو عينا إن طبع عليه) ش: يعني أنه يصح رهن المثلي وإن كان عينا بشرط أن يطبع على ذلك المثلي وظاهر قوله ولو عينا أن العين فيها خلاف كما هي قاعدته والخلاف إنما هو في غير المعين إذا لم يطبع عليه فأشهب يقول يصح رهنه وابن القاسم يقول: لا يصح وأما العين فاتفاقا على أنه لا يصح رهنها إلا مطبوعا عليها فهذه طريقة المازري وابن الحاجب. وأما الباجي وابن يونس

(6/542)


وفضلته, إن علم الأول ورضي
ـــــــ
وابن شاس فلم ينقلوا عن أشهب إلا أن الطبع في النقل مستحب قاله في التوضيح والمشهور وهو مذهب المدونة أن المثليات كلها لا ترتهن إلا مطبوعا عليها قال في رهونها: ولا ترهن الدنانير والدراهم والفلوس وما لا يعرف بعينه من طعام أو إدام أو ما يكال، أو يوزن إلا أن يطبع على ذلك ليمنع المرتهن من النفع به ورد مثله، وأما الحلي فلا يطبع عليه حذر اللبس كما لا يفعل ذلك بسائر العروض؛ لأن ذلك يعرف بعينه. ا هـ ابن يونس قال أشهب: لا أحب ارتهان الدنانير والدراهم إلا مطبوعة للتهمة في سلفها فإن لم يطبع عليها لم يفسد الرهن ولا البيع ويستقبل طبعها إن عثر على ذلك وما بيد أمين فلا يطبع عليه وما أدري ذلك عليه في الطعام والإدام وما لا يعرف بعينه وإن كانت تجري مجرى العين؛ لأنه لا يخاف في غير العين ما يخاف في العين ا هـ.
تنبيهات: الأول: لو قال المصنف: "والمثلي إن طبع عليه ولو غير عين" لكان مشيرا لخلاف أشهب على طريقة ابن الحاجب، وأما على الطريقة الأخرى فالعين وغيرها سواء فلا يتأتى في أحدهما إغياء، والله أعلم.
الثاني: محل الطبع إذا لم يوضع ذلك على يد أمين أما إذا وضع تحت يد أمين فلا يحتاج إلى طبع كما تقدم في كلام ابن يونس وقاله ابن الحاجب وغيره، والله أعلم.
الثالث: قال الشيخ أبو الحسن الصغير: والمراد بالطبع طبع لا يقدر على فكه في الغالب، وأما الطبع الذي لا يقدر على فكه أصلا فليس في قدرتهما، والطبع الذي يقدر على فكه كل أحد كلا طبع ا هـ. الرابع: قال الشيخ أبو الحسن أيضا انظر لو قامت الغرماء على الراهن قبل أن يطبع على الرهن ففي بعض الحواشي يكون المرتهن أسوة الغرماء وليس هذا ببين؛ لأن هذا رهن يجوز فيكون المرتهن أولى به ا هـ.
ص: (وفضلته إن علم الأول ورضي) ش قال ابن سلمون وإذا كان في الرهن فضل على العدد الواقع فيه فهو رهن معه وجائز أن يزيد دينا آخر، ويكون رهنا بها إلى أجل دين الرهن، ولا يجوز إلى أبعد منه ولا إلى دونه ولا يجوز أن

(6/543)


ولا يضمنها الأول: كترك الحصة المستحقة أو رهن نصفه, ومعطى دينارا ليستوفي نصفه
ـــــــ
يرهن فضلة الرهن من غيره بغير علمه ورضاه على المشهور ا هـ ومعنى الفضلة: أن الرهن قيمته أكثر من الدين فيرهنه عند آخر على أن الأول يستوفي منه دينه وفضلة ثمنه للثاني. قال في المدونة وإن ارتهنت ثوبا قيمته مائة دينار في خمسين، ثم رهن رب الدين فضلته لغيرك لم يجز إلا أن يكون ذلك بإذنك فيجوز ويكون جائزا للثاني فإن هلك الثوب بيدك بعد ما ارتهن الثاني فضلته ضمنت من مبلغ دينك، وكنت في الثاني أمينا ويرتجع المرتهن الثاني بدينه؛ لأن فضلة الرهن على يد عدل.
تنبيهات: الأول: قال في التوضيح إنما يشترط رضا الأول إذا كان الرهن على يده قال في البيان، وأما إذا كان موضوعا على يد عدل فالاعتبار إنما هو بعلمه دون علم المرتهن ا هـ. أي علم العدل.
الثاني: وهذا إذا رهنه الثوب جميعه أولا، وأما لو رهن نصف العبد أو ربعه ثم رهن النصف الثاني لآخر فلا إشكال في ذلك قال الرجراجي: ارتهان فضلة الرهن لا تخلو تلك الفضلة من أن تكون فضلة في عين الرهن أو تكون فضلة في قيمة الرهن ومعنى الوجه الأول أن يرهنه نصف الثوب في عشرة دنانير، والنصف الآخر مرتهن فقبض المرتهن جميع الثوب ليتم له الحوز ومعنى الوجه الثاني: أن يرهنه الثوب في خمسة وهو يساوي عشرة. وفائدة

(6/544)


ويرد نصفه. فإن حل أجل الثاني أولا قسم؛ إن أمكن وإلا بيع وقضيا,
ـــــــ
اختلاف الصورتين معرفة ما يصح للمرتهن الثاني ويكون أحق به من الغرماء إذا صح له القبض والحوز ففي الوجه الأول يكون أحق بنصف الثوب من الغرماء سواء كان النصف الباقي يفي بحق المرتهن الأول أو عجز عنه وفي الوجه الثاني يكون المرتهن الثاني أحق بما ناب عن دين المرتهن الأول من قيمة الرهن فإن كانت قيمته كفاف دين الأول أو أقل من دينه فهو أحق بجميع الرهن من الغرماء ولا حق للمرتهن الثاني إذا ثبت ذلك فلا يخلو من أن يكون الرهن على يده أو على يد عدل فإن كان على يده فلا خلاف في الجواز وإن كان المرتهن عين الرهن أو صفته، وهو مما يزيد من قيمته على قدر الدين الأول إلا على مذهب من يرى أن رهن القدر لا يجوز فيمنع في رهن الصفة؛ لأن ذلك غرر قد يكون وقد لا يكون فإن كان على يد عدل فيجري فيه من الخلاف ما نذكره في الوجه الثاني إن شاء الله.
فأما إذا رهنه من غير الأول فلا يخلو من أن يكون على يد عدل أو على يد المرتهن الأول فإن كان على يد عدل فإن رضي بالحوز الثاني فالمذهب على قولين: أحدهما أن ذلك جائز رضي المرتهن الأول أو سخط وهو قول أصبغ وهو ظاهر المدونة. والثاني: أن ذلك لا يجوز إلا برضا الأول وهو قول مالك في كتاب محمد وهو أضعف الأقوال إذ لا فائدة لرضاه، وأما إن كان الرهن على يد المرتهن الأول ففي المذهب ثلاثة أقوال أحدها: أن ذلك جائز رضي المرتهن الأول بذلك أم كره، وهو ظاهر قول مالك في كتاب الوصايا الثاني وغيره من كتاب المدونة والثاني: أن ذلك لا يجوز ولا يكون حوزه حوزا للثاني وإن رضي؛ لأن قبضه وحوزه أولا إنما كان لنفسه لا لغيره وهو رواية ابن المواز عن ابن القاسم في كتابه، ورواه أبو القاسم بن الجلاب أيضا، والثالث: التفصيل بين أن يرضى المرتهن الأول بالحوز الثاني فيجوز، وإن لم يرض فلا يجوز. وهو نص قول مالك في كتاب الرهن وذهب بعض المتأخرين إلى أن ذلك اختلاف أحوال وأن معنى الجواز عنده إذا كان أجل الدينين سواء أو كان الأخير أبعد طولا فلذلك يجوز وإن لم يرض الأول وإن كان الثاني أقرب حلولا ودين الأول عوض من بيع ودخل الثاني على أن يقبض حقه إذا حل أجله لم يجز إلا برضا الأول؛ لأن الأول يقدر على تقديم حقه قبل أجله وإن كان دين الأول عينا أو عرضا من قرض جاز إذا دخل على أن يعجل حقه إذا حل الدين الأول ا هـ.
الثالث: قول المصنف: "ورضي" يغني عن قوله: "وعلم الأول". ص: (قسم إن أمكن)

(6/545)


والمستعار له, ورجع صاحبه بقيمته, أو بما أدى من ثمنه نقلت عليهما وضمن إن خالف وهل مطلقا, أو إذا أقر المستعير لمعيره وخالف المرتهن ولم يحلف المعير؟ تأويلان.
ـــــــ
ش: قال ابن عرفة قسمه إن انقسم لا أعرفه في هذه المسألة إلا في الجلاب مثل ما ذكره المؤلف وما وقع الحكم بقسمه في العتبية والموازية إلا في استحقاق بعضه ا هـ. وما ذكره الجلاب هو في آخر باب الرهن.
فرع: قال ابن عبد السلام: فإن حل أجل الثاني قسم الرهن على الدين إن أمكن قسمه فيدفع للأول قدر ما يتخلص منه لا أزيد، والباقي للثاني إلا أن يكون الباقي يساوي أكثر من الدين الثاني فلا يدفع منه للثاني إلا مقداره، وتكون بقية الرهن كلها للدين الأول ص: (والمستعار له) ش:
فرع: قال في كتاب الرهون من المدونة: ولو هلكت السلعة عند المرتهن وهي مما يغاب عليها لاتبع المعير المستعير بقيمتها وإن كانت مما لا يغاب عليه لم يضمنها المستعير ولا المرتهن ا هـ. زاد ابن يونس بعد قوله بقيمتها أو قاص المستعير المرتهن ا هـ قال في الشامل: فإن هلك الرهن اتبع ربه الراهن المرتهن فإن كان مما لا يغاب عليه فلا ضمان عليه ا هـ. وهذا إذا ضاع الرهن بيد المرتهن ولو ضاع بيد عدل جعله عنده راهنه وربه المعير لكان ضمانه من ربه، ونقله ابن عرفة. ص: (وضمن إن خالف) ش: ليس المراد بالضمان هنا ضمان الرهان والعواري بل المراد والله أعلم أنه يصير في ضمانه مطلقا قامت على هلاكه بينة أم لا كان مما يغاب عليه أم لا كما صرح به ابن عبد السلام وبدليل فرضهم ذلك في العبد ص: (وهل مطلقا إلى آخره) ش: أي سواء أقر المرتهن بما أقر به المستعير من التعدي أم لا وهو تأويل ابن أبي زيد أو إنما يضمن إذا لم يقر المرتهن

(6/546)


وبطل بشرط مناف: كأن لا يقبض, وباشتراطه في بيع فاسد ظن فيه اللزوم,
ـــــــ
بالتعدي ولم يحلف المعير على ذلك، وأما إن أقر المرتهن بالتعدي أو حلف المعير على ذلك فلا ضمان على الراهن المستعير ويصير الرهن فيما قاله الراهن وهو تأويل ابن يونس والله أعلم ص: (وبطل بشرط مناف كأن لا يقبض) ش: من الشرط المنافي ما ذكره في أواخر كتاب الرهون من المدونة ونصه: "ومن رهن رهنا على أنه إن مضت سنة خرج من الرهن فلا أعرف هذا من رهون الناس ولا يكون هذا رهنا ". ابن يونس قال ابن المواز فإن مات الراهن أو فلس دخل فيه الغرماء ا هـ. وليس منه مسألة غلق الرهن كما يأتي في قول المصنف وباشتراطه في بيع فاسد ظن فيه اللزوم إنما هي من باب الرهن الفاسد، والمرتهن أحق به من الغرماء حتى يقبض حقه، والله أعلم. وانظر المشذالي في مسألة: غلق الرهن غلقا إذا استحقه المرتهن، وذلك إذا لم يفتكك في الوقت المشروط وفي الحديث: "لا يغلق الرهن" ا هـ. وفي موطإ مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغلق الرهن" 1. قال مالك تفسير ذلك فيما نرى، والله أعلم: أن يرهن الرجل الرهن عند الرجل بالشيء، وفي الرهن فضل عما رهن به فيقول الراهن للمرتهن: إن جئتك بحقك إلى أجل يسميه له وإلا فالرهن لك بما فيه قال: فهذا لا يصح ولا يحل وهذا الذي نهى وإن جاء صاحبه بالذي رهن به بعد الأجل فهو له، وأرى هذا الشرط مفسوخا قال الباجي غلق الرهن معناه: أنه لا يفك يقال غلق الرهن إذا لم يفك ومعنى الترجمة: أنه لا يجوز أن يعقد الرهن على وجه يئول إلى المنع في فكه، وقوله صلى الله عليه وسلم "لا يغلق الرهن" معناه والله أعلم. لا يمنع من فكه وذلك نهي عن عقد يتضمن ذلك وعن استدامته إن عقد على وجه يتضمنه ا هـ. من الباجي.ص: (وباشتراطه في بيع فاسد ظن فيه اللزوم) ش: قبله الشيخ بهرام
ـــــــ
1 رواه ابن ماجة في كتاب الرهون باب 3 الموطأ في كتاب الأقضية حديث 13.

(6/547)


..................................................
ـــــــ
والنويري في تكملته على البساطي وقال ابن غازي أشار به لقول ابن شاس أو شرط عليه رهنا في بيع فاسد وظن لزوم الوفاء به فرهنه فله الرجوع عنه كما لو ظن أن عليه دينا فأداه ثم تبين أن لا دين فإنه يسترد ا هـ. وهو نص ما وقفت عليه في وجيز الغزالي وقد أصاب ابن الحاجب في إضرابه عنه صفحا، وأما المصنف فنقله في التوضيح عند قوله: "أو يعمل له" وأما ابن عرفة فلم يعرج عليه بقبول ولا رد خلاف المألوف من عادته وأنا ما أراه إلا مخالفا للمذهب فتأمله مع ما قبل ابن عرفة من قول اللخمي إن كان الرهن بدينارين قضى أحدهما أو بثمن عبدين استحق أحدهما أو رد بعيب أو بمائة ثمن عبد بيع بيعا فاسدا فكانت قيمته خمسين فالرهن رهن بما بقي وتأمله أيضا مع قول ابن يونس قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم فيمن ابتاع بيعا فاسدا على أن يرتهن بالثمن رهنا صحيحا أو فاسدا فرهنه إياه وقبضه: فإنه أحق به من الغرماء؛ لأنه عليه وقع البيع. وكذا إن كان الرهن صحيحا والبيع فاسدا على أن اللخمي وابن يونس لم يتنازلا لظن اللزوم ا هـ. كلام ابن غازي وكلام اللخمي الذي ذكره هو في: باب من رهن رهنا بدينارين فقضى أحدهما أو بعبدين فاستحق أحدهما أو كان عبدا واحدا بيع بمائة بيعا فاسدا فكانت قيمته خمسين فقيل في جميع ذلك الرهن رهن بالباقي.
وحكى ابن شعبان: إذا كان الرهن في حقوق ثلاثة فقضي أحدها أنه يخرج من الرهن بقدره. ففي كتاب محمد فيمن له على رجل مائة على إن رهنه رهنا بالأول والثاني قولان فقيل يقبض الرهن ويسقط نصفه وهو ما قابل الدين الأول، واختار محمد أن يكون جميعه رهنا بالثاني مثل ما في المدونة وعلى هذا يفض الرهن في الاستحقاق إذا استحق أحد العبدين أو رد بعيب، وفي الطلاق إذا رهن بالصداق ثم طلق قبل الدخول والفض أحسن إلا أن تكون عادة أنه يبقى رهنا في الباقي. ومن أسلم دينارا في ثلاثين درهما وأخذ بها رهنا ثم فسخ ذلك فإن كان الدينار والدراهم سواء كان أحق به حتى يعود إليه ديناره وإن كان قيمة الدينار أربعين كان أحق بثلاثة أرباع الرهن والباقي هو أسوة الغرماء؛ لأنه إنما دخل على أن يكون رهنا في ذلك القدر ثم يسلم واختلف إذا كانت قيمة الدينار عشرين هل يكون أحق بجميعه أو بثلثيه ويسقط من الرهن ما ينوب العشرة الزائدة؛ لأنها كالمستحقة ا هـ. وكلام ابن يونس ذكره في باب الرهن بالعقود الفاسدة ولنذكر أولا كلام المدونة ثم نذكر كلام ابن يونس عليه فإنه صريح في المسألة والعجب من ابن غازي رحمه الله تعالى حيث لم ينقله قال في التهذيب ومن لك عليه دين إلى أجل من بيع أو قرض فرهنك به رهنا على أنه إن لم يفتكه منك إلى الأجل فالرهن لك بدينك لم يجز ذلك وينقض هذا الرهن ولا ينظر به إلى الأجل ولك أن تحبس الرهن حتى تأخذ حقك وأنت أحق به من الغرماء. قال أبو محمد: يريد ويصير السلف حالا قال ابن يونس وهذا إذا كان الرهن في أصل البيع

(6/548)


..................................................
ـــــــ
أو السلف، وأما إن كان الأمر ليس كذلك فسد البيع والسلف؛ لأنه لا يدري ما يصح له في ثمن السلعة الثمن أو الرهن وكذلك في السلف لا يدري هل يرجع إليه ما سلف أو الرهن فإن عثر على ذلك قبل الأجل أو بعده فسخ البيع إن لم تفت السلعة بحوالة سوق فأعلى فتكون فيها القيمة حالة، ويصير السلف حالا ويكون المرتهن أولى بالرهن من الغرماء حتى يأخذ حقه؛ لأنه عليه وقع البيع. ولو كان هذا الرهن بعد أن صح البيع أو السلف لم يفسخ إلا الرهن وحده ويأخذه ربه به ويبقى البيع، والسلف بلا رهن إلى أجله ولا يكون المرتهن أحق بهذا الرهن في فلس ولا موت كقولهم فيمن له على الرجل دين إلى أجل فأخذ منه قبل الأجل رهنا على أن يؤخره إلى أبعد من الأجل؛ لأنه لا يجوز لأنه سلف بنفع.
قال غير ابن القاسم: ولا يكون الرهن به رهنا، وإن قبض في فلس الغريم أو موته. قال أبو الحسن فحمل أبو محمد وابن يونس مسألة الكتاب على أنهما في أصل العقد وقال عياض: ظاهر المسألة أن الرهن بعد عقد البيع في ثمن حال فأخره به لأجل الرهن فاستوى هنا فيه البيع والقرض؛ لأنه في هذه المسألة في البيع إذا كان بعد العقد كان تأخيره على هذا الرهن كالسلف عليه وصار بيعا فاسدا باع منه هذا الرهن بهذا الدين إلى ذلك الأجل بشرط إن لم يوفه دينه فإن وفاه فلا بيع بينهما فصار من بيع الغرر، والبيع والسلف مرة بيعا ومرة سلفا فيرد ويفسخ هذا الشرط ولا ينتظر به الأجل فيأخذ صاحب السلف سلفه والبائع ثمن سلعته؛ لأن البيع الأول صح وإنما دخل الفساد في الرهن في ثمنه ويكون هنا أحق برهنه حتى يأخذ حقه؛ لأنه بمعنى الرهن أخذه ا هـ. ولا معارضة بين كلام ابن يونس وعياض فيما إذا وقع الرهن بعد تمام البيع والسلف لا في حمل لفظ المدونة ولا في المعنى؛ لأن عياضا إنما قال: إنه يكون أحق به؛ لأنه فرض أن الثمن والسلف حالان وإنما أخره به لأجل الرهن فكأنه ابتدأ حينئذ سلفا على رهن وقد تقدم في كلام ابن يونس أن السلف إذا وقع على رهن فاسد أنه يفسخ ويصير السلف حالا ويكون المرتهن أحق بالرهن من الغرماء وأما ابن يونس: ففرض المسألة على أن السلف والثمن مؤجلان، وتطوع له بالرهن بشرط أنه إن مضى الأجل ولم يوفه حقه فالرهن له بحقه فهذا رهن فاسد وقع بعد تمام البيع والسلف فيرد ولا يكون أحق به من الغرماء كما سيأتي في كلامه وكلام عياض عن ابن حبيب فتأمله ويؤخذ هذا أيضا من قول الشيخ أبي الحسن أراد بعضهم أن يعارضها على ما قال عياض بمسألة كتاب التفليس فيمن له على رجل دين إلى أجل فأخره برهن إلى أبعد أنه لا يكون الرهن به رهنا وهذه المعارضة لا تصح؛ لأن عياضا قال من ثمن حال فأخره به لأجل الرهن.

(6/549)


الشيخ: وقول عياض أنه بعد العقد يظهر من قوله فرهنك به والفاء للترتيب ومن قوله وينقض هذا الرهن ولو كان في أصل العقد لقال ينقض البيع ا هـ. كلام الشيخ أبي الحسن وكلام عياض في التنبيهات فيه إشارة إلى ما تقدم ونصه إثر كلامه المتقدم. وفي كتاب ابن
ـــــــ
حبيب: إذا وقع الرهن فاسدا بعد تمام البيع ولم يشترط في الرهن بيعا فلا يكون أولى به؛ لأنه لم يخرج من يده بهذا الرهن شيئا، ويظهر أن هذا خلاف المدونة؛ لأنه قال في الكتاب: أو قرض من بيع وقد يكون معنى ما في الكتاب عندي على ما قدمناه أنه أخذه بثمن المبيع لأجل الرهن فيكون كالسلف سواء. وقد خرج من يده الانتفاع بنقد ثمنه وأخذه لأجل الرهن كما قال محمد فيمن أخذ بدين لم يحل إلى أبعد من أجله على أن يعطى حميلا أو رهنا أنه تسقط الحمالة ويرد الرهن إلى ربه إن أدرك قبل أن يدخل في الأجل الثاني؛ لأنه إذا أدخل في الأجل الثاني فهو كسلف لم يحل فيه رهن مقبوض فالرهن به ثابت. ومعنى مسألة ابن حبيب أن الثمن كان مؤجلا فهاهنا إذا فسخنا الرهن لزمه بحقه، ولم يكن أحق به إذ لم يخرج من يده شيئا لأجل الرهن ولم يفسخ الأجل؛ لأنه من بيع ولو كان هذا الشرط في عقد البيع لكان بيعا فاسدا ا هـ. ثم لما أن تمم ابن يونس الكلام على مسألة المدونة هذه كما سنذكر كلامه إن شاء الله ذكر ما نقله عنه ابن غازي وزاد بعده تتمة للكلام السابق ما نصه: كمن قال إن جئتك بالثمن إلى سنة وإلا فالرهن لك بالثمن فهو أحق بالرهن. ابن يونس جعل هذا بيعا صحيحا وهو لا يدري ما يصح له في ثمن سلعته الثمن الذي باعها به، أو الرهن وهذا بيع فاسد إلا أن يكون بعد تمام البيع كما بينا ا هـ. وقال في الذخيرة.
فرع: قال ابن يونس: وإذا رهنه في بيع فاسد رهنا صحيحا أو فاسدا فقبضه فهو أحق به من الغرماء لوقوع البيع عليه ا هـ. وقال الرجراجي: إذا كانت المعاملة صحيحة والرهن فاسدا مثل أن يقع البيع أو السلف على وجه الصحة واللزوم إلى أجل ثم رهنه به رهنا على أنه إن مضت السنة خرج من الرهن فهل يكون أحق بالرهن من الغرماء وهو ظاهر المدونة، والثاني: لا يكون أحق به من الغرماء؛ لأنه لم يخرج بالرهن من يده شيئا وهو قول ابن حبيب والأول أصح وإذا كانت المعاملة فاسدة والرهن صحيحا مثل أن يقع البيع على نعت الفساد بثمن إلى أجل فيرهنه بالثمن رهنا صحيحا إلى ذلك الأجل فإن البيع مفسوخ وترد السلعة مع القيام ويرد الرهن إلى الراهن فإن فاتت السلعة بما يفوت به البيع الفاسد فإن المرتهن أحق بالرهن من الغرماء حتى يقبض القيمة قولا واحدا ا هـ. فعلم من هذا أن المؤلف رحمه الله إنما تبع ابن شاس وأن كلامه مخالف للمدونة ولجميع ما تقدم نقله.
تنبيهات تتعلق بكلام المؤلف وبكلام المدونة المذكور: الأول: قد علم أن السلف الفاسد حكمه حكم البيع الفاسد
الثاني: إذا قلنا أن الرهن لا يبطل في البيع الفاسد فتارة يفسخ مع قيام السلعة قبل فواتها فهذا ظاهر، وتارة يفسخ في القيمة بعد فوات السلعة وحينئذ إما أن تكون القيمة مساوية للثمن أو أقل، أو أكثر فمع التساوي الأمر ظاهر وإن كانت أقل فهل يكون الرهن

(6/550)


..................................................
ـــــــ
جميعه رهنا بها وهو مذهب المدونة وهو المشهور ؟ أو لا قولان: تقدمت الإشارة إليهما في كلام اللخمي وإن كانت القيمة أكثر كان الرهن رهنا في قدر الثمن منهما فقط وقد تقدم ذلك في كلام اللخمي والله أعلم.
الثالث: لا يقال لا مخالفة بين كلام المؤلف وبين ما ذكرتم من النقول؛ لأنه لا يلزم من بطلان الرهن منع التوثق به حتى يتصل بعين شيئه؛ لأنا نقول لا معنى للرهن إلا ذلك ولا معنى لعدمه إلا بطلان ذلك وهذا ظاهر وإنما نبهنا عليه؛ لأنه قد توهمه بعض الناس والله أعلم.
الرابع: قال ابن يونس قال ابن حبيب: وإذا وقع الرهن فاسدا بعد تمام البيع ولم يشترط في البيع رهنا فلا يكون أولى بالرهن؛ لأنه لم يخرج من يده بهذا الرهن شيئا ا هـ. وهذا موافق لما تقدم وقد يؤخذ من قوله: "وبطل بشرط مناف" ويريد وكذلك السلف والله أعلم.
الخامس: قال ابن يونس إثر كلامه المتقدم متمما لكلام المدونة: وأما إن حل الأجل في مسألة الكتاب ولم يدفع إليه ثمنه أو أسلفه فإنه يصير حينئذ كأنه باعه الرهن بيعا فاسدا، فيفسخ ما لم يفت ويكون أحق به من الغرماء وتستوي حينئذ هذه والتي الرهن فيها في عقد البيع قال مالك فيها يعني في المدونة: فإن حل الأجل والرهن بيدك أو بيد أمين فقبضته؛ لأن ذلك شرطك لم يتم لك ملكك الرهن فيما شرطت فيه ولكن ترده إلى ربه وتأخذ دينك، ولك أن تحبسه حتى تأخذ دينك يريد أو قيمة سلعتك التي بعت أولا إذا فاتت قال وأنت أحق به من الغرماء حتى تأخذ حقك، فإن فات الرهن بيدك بما يفوت به البيع الفاسد من حوالة سوق فاعلا في الحيوان والسلع، وأما الدور والأرضون فلا يفيتها حوالة الأسواق، ولا طول الزمان وإنما يفيتها الهدم والبناء سواء هدمتها أنت أو تهدمت بأمر من الله فحينئذ لا ترد الرهن ويلزمك قيمته يوم حل الأجل؛ لأنه بيع فاسد وقع يوم حل الأجل، وأنت للسلعة قابض يومئذ وتقاصه بدينك وتترادان الفضل قال بعض الفقهاء: وبحلول الأجل تدخل في ضمان المرتهن. ابن يونس يريد وإن كانت مما لا يغاب عليه؛ لأنه بيع فاسد وقع يوم الأجل وهو قابض للسلعة فوجب أن يضمنها وإن كانت مما يغاب عليه.
السادس: قال ابن يونس: قال بعض الفقهاء: واختلف إذا كانت بيد أمين فقيل يضمنها أيضا؛ لأن يد ربها ارتفعت عنها، ويد الأمين كيد المرتهن؛ لأنه وكيله بعد حلول الأجل فوجب على المرتهن ضمانها، وقيل لا يضمنها المرتهن إلا بعد قبضها من عند الأمين؛ لأن الأمين كان حائزا للبائع فبقي على ذلك الحوز ا هـ. ابن يونس والأشبه أن يكون من المرتهن بخلاف من اشترى سلعة شراء فاسدا ونقد ثمنها ودعا إلى قبضها فهلكت بيد البائع، فقال ابن القاسم ضمانها منه، وقال أشهب من المشتري فالفرق بينهما على مذهب ابن القاسم أن

(6/551)


وحلف المخطئ الراهن أنه ظن لزوم الدية ورجع, أو في قرض مع دين قديم, وصح في
ـــــــ
البائع وإن قبض الثمن لا يجوز له تسليم المبيع لفساد البيع فكأنها مبقاة على ملكه، ويده عليها بخلاف البيع الصحيح، وهاهنا السلعة خرجت من يد البائع إلى يد وكيل لهما إلى وقت حلول الأجل فيصير وكيلا للمشتري إذا لم يأت البائع بالثمن فيد وكيل المشتري كيده وهذا بين ا هـ.ص: (وحلف المخطئ الراهن أنه ظن لزوم الدية ورجع) ش: وأما لو علم بلزوم الدية على العاقلة ورهن على ذلك فالرهن صحيح قال في المدونة: ويجوز الرهن في دم الخطإ إذا علم الراهن أن الدية على العاقلة ولو ظن أن ذلك يلزمه وحده لم يجز وله رد الرهن، أبو الحسن بعد أن يحلف لقد ظن أن ذلك يلزمه ا هـ. من أوائل كتاب الرهون.ص: (أو في قرض مع دين قديم) ش: هذه المسألة في أواخر كتاب الرهون من المدونة وفي أثناء كتاب التفليس منها ونصها فيه: وإن أسلفت رجلا مسلما بلا رهن أو برهن ثم أسلفته سلفا آخر على أن أخذت منه رهنا بالسلف الأول والثاني وجهلتما أن الثاني فاسد فقامت الغرماء على الراهن في فلس أو موت فالرهن الأول في السلف الأول، والثاني في الثاني ولا يكون الرهن الثاني رهنا في شيء من السلف الأول ا هـ. وقوله:"مع دين" يريد سواء كان هذا الدين القديم من قرض أو بيع قاله في التوضيح والشارح في الكبير وانظر لو كان الثاني غير قرض بل من ثمن بيع وشرط أن الأول داخل في رهن الثاني والظاهر الجواز.
تنبيهان: الأول: قال في التوضيح: مقتضى كلامه في الجواهر أنا لو اطلعنا على ذلك قبل قيام الغرماء لرددنا الرهن ولا يؤخذ ذلك من كلام المصنف يعني ابن الحاجب وكلامه رحمه الله في المختصر نص في صحة الرهن ولم أقف على ذلك لغيره بل قال أبو الحسن: وانظر لو عثرنا على هذا قبل حلول الأجل هل يرد السلف، أو يقال إذا أسقط مشترط السلف شرطه مضى؟ ا هـ.

(6/552)


الجديد, وبموت راهنه أو فلسه قبل حوزه, ولو جد فيه, وبإذنه في وطء,
ـــــــ
الثاني: قيد ابن المواز المسألة بما إذا كان الدين مؤجلا قال، وأما لو كان حالا أو حل أجله لصح ذلك إذا كان الغريم مليا؛ لأن رب الدين قد ملك أخذه فتأخيره كابتداء سلف قال ابن المواز وكذا عندي لو كان عديما وكان الرهن له ولم يكن عليه دين محيط؛ لأنه حينئذ كالملي ا هـ. وأكثرهم على أنه تقييد والله أعلم. ص: (ولو جد فيه) ش: وكذا لو كان مشترطا في العقد عند ابن القاسم قال ابن عرفة ابن حارث: اختلف ابن القاسم وسحنون في المشترط في البيع بعينه يدع المرتهن قبضه حتى يقدم الغرماء أو حتى يبيعه ربه فأبطله ابن القاسم. وقال: ينقض بيعه ويكون أحق به من الغرماء محمد فجعل سحنون قبضه للارتهان حصة من الثمن إذا وقع البيع عليه ا هـ. وتقدم عند قول المصنف "وآبقا" عن التوضيح في الفرق بين الرهن والهبة في كون الجد في طلبها وتزكية شهودها حيازة إن الرهن لم يخرج عن ملك ربه فلم يكتف فيه بالجد بخلافها وما ذكره ابن حارث عن ابن القاسم هو نص قولها وإن بعت من رجل سلعة على أن يرهنك عبده ميمونا بحقك ففارقك قبل قبضه، لم يبطل الرهن ولك أخذه منه رهنا ما لم يقم الغرماء فيكون أسوتهم فإن باعه قبل أن تقبضه مضى بيعه وليس لك أخذه برهن غيره؛ لأن تركك إياه حتى باعه كتسليمك لذلك، وبيعك الأول غير منتقض ا هـ.ص: (وبإذنه في وطء أو إسكان أو إجارة ولو لم يسكن)

(6/553)


أو إسكان أو إجارة, ولو لم يسكن, وتولاه المرتهن بإذنه,
ـــــــ
ش: يريد ولو لم يوجد ولو لم يؤجر ولم يطأ قال في المدونة في آخر كتاب حريم البئر: وللمرتهن منع الراهن أن يسقي زرعه بما ارتهن منه من بئر أو قناة وإن أذن له أن يسقي بها زرعه خرجت من الرهن. وكذلك من ارتهن دارا فأذن لربها أن يسكن أو يكري فقد خرجت من الرهن حين أذن له وإن لم يسكن ولم يكر ا هـ. وقال في كتاب الرهون منها: وكذلك إن ارتهنت أرضا فزرعها بإذنك وهي في يدك خرجت من الرهن قال أبو الحسن: يريد وكذلك إن كانت في غير يدك كأمين أو غيره وقوله زرعها ليس بشرط وكذلك من لم يزرع ولم يسكن ولم يكر كما قال في حريم البئر ا هـ. وكذلك الإذن في الوطء يبطل الرهن قال ابن الحاجب: ولو أذن للراهن في وطء بطل الرهن وكذا في إسكان وإجارة قال في التوضيح: مقتضاه أن مجرد الإذن كاف في البطلان وهو نص المدونة في حريم البئر، وذكر ما تقدم وأشار بلو إلى خلاف أشهب فإنه يقول: لا يبطل إلا بالسكنى والكراء. وحكى بعضهم ثالثا بالفرق بين أن يكون الرهن على يد عدل فيبطل بالإذن أو على يد المرتهن فلا يبطل بالإذن لوجود صورة الحوز، وجعله ابن راشد تفسيرا جمعا بين قولي ابن القاسم وأشهب وسيأتي عند قول المصنف، وهل تكفي بينة على الحوز ؟ ومسألة ما إذا حاز الراهن الرهن ببينة ثم وجد بيد المرتهن فادعى الراهن أنه لم يعلم بذلك وأن المرتهن افتات عليه في ذلك والله أعلم. ص: (وتولاه المرتهن بإذنه) ش: قال في الذخيرة.
فرع: قال في المنتقى: إن ترك المرتهن أن يكري الدار التي لها قدر أو العبد الكثير الخراج حتى حل الأجل ضمن أجرة المثل لتضييعها على الراهن وهو محجور عليه، أما الحقير فلا قاله عبد الملك وقال أصبغ: لا يضمن في الوجهين كالوكيل على الكراء لا

(6/554)


أو في بيع وسلم, وإلا حلف وبقي الثمن إن لم يأت برهن كالأول: كفوته بجناية, وأخذت قيمته, وبعارية أطلقت وعلى الرد, أو رجع اختيارا فله أخذه, إلا بفوته بكعتق, أوحبس أو تدبير, أو قيام الغرماء,
ـــــــ
يضمن ا هـ. وذكر في المتيطية القولين وقال قال: فضل وقول أصبغ هو قول ابن القاسم قال قال أصبغ: وكذلك لو شرط على المرتهن أن يكريها وقال عن عبد الملك: إنه يضمن ما لم يكن المرتهن عالما بذلك. وقال في التوضيح في مسألة اشتراط المرتهن لقلة الرهن: وإذا رهنه وأذن له في الكراء وأن يقضيه من دينه ففرط حتى حل أجل الدين فإن كان رب المال حاضرا وقد علم أنه لم يكرها ولم ينكر فلا شيء على المرتهن وإلا ففي تغريمه كراء المثل قولان لابن الماجشون وأصبغ فضل وقول ابن الماجشون هو قول ابن القاسم وانظر أبا الحسن في كتاب الغصب في الغاصب إذا لم يكر الأرض.
فرع: فإن طلب المرتهن أجرة على توليه لذلك فانظر ذلك في رسم طلق من سماع ابن القاسم من الرهون ونقلت كلامه في كتاب القراض. ص: (أو في بيع وسلم) ش: أي وسلم المرتهن الرهن للراهن ص: (وإلا حلف وبقي) ش: أي وإن لم يسلم المرتهن الرهن للراهن بل كان بيده أو سلمه للمبتاع فإنه يحلف المرتهن إلى آخره قاله في أول رهون المدونة والله أعلم.ص: (وبعارية أطلقت وعلى الرد أو اختيار له أخذه إلا بفوته بكعتق أو

(6/555)


وغصبا, فله أخذه مطلقا,
ـــــــ
حبس أو تدبير أو قيام الغرماء) ش: يعني أن الرهن يبطل بسبب إعادته لراهنه على سبيل العارية المطلقة أي التي لم يشترط ردها فيه ولا تبقى له فيه مطالبة برده إلى الراهن حصل فيه فوت أم لا، قامت الغرماء أم لا، وأما إن أعاره إياه على أن يرده إليه أو كان المرتهن أعاد الرهن إلى راهنه باختياره يعني باختيار من المرتهن للراهن فيه إما بأن أودعه إياه أو أجره منه أو بأي وجه كان فإنه يكون له حينئذ أن يستعيره إلا أن يفوت بتحبيس أو عتق أو تدبير أو بيع أو قيام الغرماء أو موته ذكر ذلك أبو الحسن الصغير وغيره أو يرهنه عند غريم آخر نص عليه الرجراجي فحاصل كلام المصنف أن العارية إذا كانت على الرد فإن الرهن لا يبطل بها وذلك شامل لصورتين إحداهما: أن تكون مؤجلة، والثانية: أن لا تكون مؤجلة ولكن إعارة على رد الرهن قال في التوضيح قال اللخمي: فإن كانت العارية مؤجلة ارتجعها إذا انقضى الأجل ويختلف إذا لم يكن ضرب أجلا؛ لأن العارية لا أمد لها وقد قيل في هذا الأصل: أنه يبقى إلى مدة يرى أنه يعير لمثلها. خليل وقد يقال لا يلزمه هنا التأخير إلى مدة يمكن الانتفاع به ويفرق بين هذه العارية وغيرها بأن بقاء الرهن بيد الراهن يضعف حيازة المرتهن ا هـ. وقوله أو اختيار يعني: إذا رد المرتهن الرهن باختياره يعني بغير العارية لتقدم حكمها بل على سبيل الوديعة أو الإجارة كما تقدم بيانه قال في التوضيح اللخمي: وإنما يرجع في الإجارة إذا انقضت مدتها فإذا قام قبل ذلك وقال جهلت أن ذلك نقض لرهني، وأشبه ما قال حلف ورده ما لم تقم الغرماء.
فإن قلت: كيف تتصور الإجارة والغلات إنما هي للراهن فكيف يتصور أن يستأجر من نفسه قيل يحمل ذلك على ما إذا كان المرتهن اكتراه ثم اكتراه للراهن ا هـ.
فرع: إذا كان الرهن مصحفا أو كتبا وقرأ فيها الراهن عند المرتهن دون أن يخرجها من يده فلا يبطل الرهن بذلك أذن المرتهن فيه أم لا إلا أن يكون رهنه على ذلك ا هـ. من رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب الرهون. ص: (وغصبا فله أخذه مطلقا) ش: قال الشارح: سواء فات بما ذكر أم لا قام غرماؤه أم لا ونحوه في التوضيح في شرح قوله: "فلو عاد اختيارا" وانظر قولهما "فات بما ذكر أم لا" كيف يأخذه إذا فات بعتق ونحوه وكان الراهن مليا فإن غاية ذلك أن يكون بمنزلة ما إذا عتق الراهن وهو بيد المرتهن

(6/556)


وإن وطئ غصبا فولده حر, وعجل المليء الدين أو قيمتها, وإلا بقي
ـــــــ
وسيأتي إن عتق المدبر وكتابته تمضي فكذلك هنا والله أعلم. ص: (والأبقى) ش: أي وإن لم يكن الواطئ مليا بقي الرهن إلى أصله ثم بيعت الأمة الرهن بعد الوضع وحلول الأجل فإن وفى ثمنها بالدين فلا إشكال وإن نقص ثمنها عن الدين اتبع المرتهن السيد قاله في المدونة، وإن كان فيه فضل بيع منها بقدر الدين قال في التوضيح: وعتق ما بقي وقاله ابن رشد في رسم حبل الحبلة المذكور بعد هذا، وذكر أبو الحسن في عتق ما بقي وإيقافه بعض أم ولد خلافا وإن لم يوجد من يبتاع البعض بيعت كلها وقضى المرتهن قال في التوضيح: وكان ما بقي للراهن يصنع به ما شاء، وقال ابن رشد في حبل الحبلة من سماع عيسى يتصدق به؛ لأنه ثمن أم ولد قال وقد قيل إنها تباع كلها وإن وجد من يبتاع منها بقدر الدين من أجل الضرر الذي عليها في تبعيض العتق والله أعلم.
تنبيه: إذا بيعت يكون لها حضانة ولدها ما لم يسافر بها مبتاعها أو يريد أبو الولد السفر به كما تقدم في الحضانة وهذه إحدى المسائل التي تباع فيها أم الولد وهي ست ويعبر عنها أيضا بوجه آخر فيقال في هذه المسائل: تكون الأمة حاملا بحر.
قلت: ويضاف إلى ذلك الأمة المستحقة، والأمة الغارة وأمة المكاتب إذا مات وفيها وفاء بالكتابة وله ولد فإنه يبيع أمه ويوفي الكتابة، وذكر ابن غازي هنا المسائل التي تباع فيها أم الولد وذكر عكسها وذلك في محل واحد كما ذكره في التوضيح ونصه وذلك في العبد إذا وطئ جاريته وحملت وأعتقها ولم يعلم السيد بعتقه لها حتى أعتقه فإن عتق العبد أمته ماض وتكون حرة، والولد الذي في بطنها رقيق؛ لأنه للسيد قال في الجلاب: ولو أعتقها بعد عتقه لم تعتق حتى تضع حملها والله أعلم ا هـ. كلام التوضيح. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: قبله شيخنا أبو مهدي قائلا هو المذهب ومحمله على أن الولد وضعته قبل عتق السيد، وأما لو كان في بطن أمه حين العتق فإنه يتبع أمه ا هـ. وظاهر كلامه في التوضيح أن الجنين لا يعتق ولو أعتق السيد العبد وأمته حامل وهو الذي يفهم من كلامه في المدونة في كتاب أمهات الأولاد فإنه ذكر فيه ما ذكره المصنف في التوضيح عن ابن الجلاب ونصه ولو أعتقها المأذون بعد أن عتق لم أعجل لها ذلك وكانت حدودها حدود أمة تضع فيرق الولد للسيد الأعلى وتعتق هي بالعتق الأول فيها بغير إحداث عتق ا هـ. وإذا كان هذا الحكم فيما إذا أعتقها العبد بعد عتقه فأحرى أن يكون ذلك حكمها إذا أعتقها في حال رقه؛ لأن

(6/557)


وصح بتوكيل مكاتب الراهن في حوزه, وكذا أخوه على الأصح لا محجوره ورقيقيه والقول لطالب تحويزه لأمين.
ـــــــ
عتقه بعد أن عتق أقوى من عتقه قبل أن عتق وعلم من كلامه في المدونة أنه لا يحكم لها بالحرية حتى تضع فقول المصنف "وغيره إنها حرة حاملة بعبد" فيه مسامحة، وبهذا تعلم صحة قول القاضي عبد الوهاب "لا توجد حرة حاملة بعبد" وسقط اعتراض ابن ناجي عليه لما ذكره الشيخ خليل فتأمله والله أعلم. ص: (ولا محجوره) ش: قال في الشامل: وإن ولدا كبيرا وكذا إن لم يكن تحت نظره على الأصح وقاله عبد الملك في الابن والبنت ا هـ. ونحوه في التوضيح.
فرع: وكذا زوجته مثل محجوره على الأصح قاله في التوضيح، وفي الشامل أيضا ولعل المصنف اكتفى بذكر محجوره عنها لدخولها في المحجور؛ لأنها محجورة فيما زاد على الثلث وإن كان لا يطلق عليها في الاصطلاح. ص: (ورقيقه) ش: قال في الشامل: وإن مأذونا له.
فرعان: الأول: قال في التوضيح المازري: وأما حوز القيم بأمور الرهن والمتصرف في ماله من شئونه فقد وقع في الرواية أنه إن حاز جميع الرهن كدار؛ رهن الراهن جميعها فحازها القائم بشئون الراهن للمرتهن بإذنه. فذلك حوز لا يبطل الرهن؛ وإن كان إنما رهن الراهن نصفها وأبقى النصف الآخر بيد القائم بشؤونه فلا يصح لكون الجزء الآخر الذي لم يرتهن بحوزه هذا القائم نيابة عن الراهن وهو غير مميز من الجزء المرتهن، فكأن يد الراهن على جميع الرهن ا هـ. وقاله ابن الماجشون وزاد إلا أن يكون القيم عبدا فلا يحوز يعني لما رهن؛ لأن حوز العبد من حوز سيده سواء كان مأذونا له أم لا انتهى.

(6/558)


وفي تعيينه نظر الحاكم, وإن سلمه دون إذنهما, فإن سلمه للمرتهن: ضمن قيمته, وللراهن ضمنها أو الثمن, واندرج صوف تم وجنين, وفرخ نخل,
ـــــــ
الثاني: قال في التوضيح أيضا عبد الملك: ولو كان ليتيم وليان فأخذ أحدهما لليتيم دينا ورهن فيه رهنا ووضع على يد أحدهما فليس بحوز؛ لأن الولاية لهما ولا يحوز المرء على نفسه ا هـ.ص: (وإن أسلمه دون إذنهما للمرتهن ضمن قيمته وللراهن ضمنها أو الثمن) ش: اعلم أنه إن اطلع على تسليم الرهن لراهنه قبل هلاك الرهن وقبل حصول مانع يمنع من الرهن في تفليسه أو قيام الغرماء عليه فإن للمرتهن أن يرده فإن حصل، أو هلك فهو محل الضمان، ومحل ذلك أيضا ما لم يعلم المرتهن بذلك فيسكت كما قاله ابن يونس وقاله في سماع عيسى وقول المصنف "وللراهن ضمنها أو الثمن" كذا في النسخ التي رأيتها وصوابه "أو الدين" أي، وإن أسلمه للراهن ضمن للمرتهن قيمة الرهن أو الدين كما قاله ابن يونس وغيره، ونقله في التوضيح ونص ما في التوضيح عن المدونة فإن دفعه إلى الراهن ضمنه للمرتهن، وإن كان الدين أقل ثم ابن يونس وغيره يريد أنه يضمن له الأقل من قيمته، أو الدين؛ لأنه إن كانت قيمته أقل فهو الذي أتلفه عليه وإن كان الدين أقل لم تكن له المطالبة بغيره ا هـ.
فرع: متى تعتبر القيمة والظاهر إنها يوم هلاكه يؤخذ ذلك مما ذكره في سماع عيسى فيما إذا أسلم العدل الأمة الرهن للراهن ووطئها الراهن أنه يغرم قيمتها يوم الوطء والله أعلم. ص: (وفرخ نخل) ش: المعنى صحيح سواء قرئ بالحاء أو بالخاء قال في القاموس: الفرخ ولد الطائر، وكل صغير من الحيوان أو النبات والجمع أفراخ، وأفرخ، وفراخ، وفروخ وأفرخة

(6/559)


لا غلة وثمرة, وإن وجدت, ومال عبد, وارتهن إن أقرض, أو باع, أو يعمل له وإن في جعل, لا في معين أو منفعته,
ـــــــ
وفرخان، والزرع المتهيئ للاشتقاق، وفرخ الزرع نبت أفراخه ا هـ.ص: (وإن في جعل) ش: يعني أنه يصح الرهن في الدين اللازم أو الآيل للزوم كالجعل فإنه عقد غير لازم ولكنه يلزم بالشروع. ص: (لا في معين أو منفعة) ش: يعني أن من شروط المرهون به أن يكون دينا في الذمة لازما له، قال في كتاب الرهون من المدونة: وإن استعرت من رجل دابة على أنها مضمونة عليك لم تضمنها وإن رهنته بها فمصيبتها من ربها والرهن فيها لا يجوز أي لا ينفذ ولا يلزم، وقال أشهب: هو رهن إن أصيبت الدابة بما يضمنها به فهو رهن وإن كان بأمر من الله بغير تعد لم يكن رهنا إذ لا يضمن ذلك ا هـ. وعلى هذا فلا يكون أحق به من الغرماء. ثم

(6/560)


ونجم كتابة من أجنبي, وجاز شرط منفعته, إن عينت ببيع, لا قرض وفي ضمانه إذا تلف: تردد,
ـــــــ
قال في المدونة: "ويجوز الرهن بالعارية التي يغاب عليها؛ لأنها مضمونة". قال أبو الحسن: "كأنه يقول لا أعيرك إلا أن تعطيني رهنا على تقدير هلاك العارية" ا هـ. ثم قال فيها: ومن أخذ رهنا بقراض لم يجز إلا أنه إن ضاع ضمنه إذ لم يأخذه على الأمانة وفيها أيضا من استأجر عبدا من رجل وأعطاه بالإجارة رهنا جاز قال أبو الحسن: لأنه يجوز الرهن بثمن المنافع كما يجوز بثمن الأعيان ا هـ. ص: (ونجم كتابة من أجنبي) ش: فرق بين الأجنبي والمكاتب تبعا للمدونة.ص: (وجاز شرط منفعته إن عينت ببيع لا قرض) ش: ظاهر كلام المصنف: أنه لا فرق بين الحيوان وغيره وهو اختيار ابن القاسم، وفي المدونة لا بأس به في الدور والأرضين، وكرهه مالك في الثياب والحيوان إذ لا يدري كيف يرجع إليه، وقال ابن القاسم: لا بأس به في الحيوان والثياب وغيرها ولمالك كقول ابن القاسم، وبه قال أصبغ وأشهب ا هـ. من التوضيح ويفهم من كلام المصنف أنه مشى على مذهب ابن القاسم من ذكره مسألة الضمان؛ لأنه لا يكون إلا في الثياب وما يغاب عليه فتأمله.
تنبيه: انظر إذا اشترط المنفعة في الوجه الممنوع واستعمله ما يلزمه. ص: (وفي ضمانه إذا تلف تردد) ش ذكر في التوضيح عن ابن رشد أنه قال: الصواب أن يغلب عليه حكم

(6/561)


وأجبر عليه, إن شرط ببيع وعين وإلا فرهن ثقة, والحوز بعد مانعه لا يفيد. ولو شهد الأمين. وهل تكفي بينة على الحوز قبله وبه عمل؟ أو التحويز؟ تأويلان. وفيها دليلهما
ـــــــ
الراهن ا هـ. فحقه أن يقول: وضمانه كالرهن على الأظهر. ص: (وأجبر عليه إن شرط ببيع وعين وإلا فرهن ثقة) ش: انظر كلام المدونة عند قول المصنف كشرط رهن، أو حميل في البيوع الفاسدة. ص: (وهل تكفي بينة على الحوز قبله وبه عمل، أو التحويز، وفيها دليلهما) ش: أشار بذلك لظاهر كلام المدونة في كتاب الهبة ونصه: ولا يقضي بالحيازة إلا بمعاينة البينة لحوزه في حبس أو رهن، أو هبة، أو صدقة، ولو أقر المعطي في صحته أن المعطى قد حاز وقبض وشهدت عليه بإقراره بينة، ثم مات لم يقض بذلك إن أنكر ورثته حتى تعاين البينة الحوز ا هـ. ووجه كون كلامها المذكور دالا على القولين ما ذكره المصنف في

(6/562)


.......................................
ـــــــ
التوضيح يعني إذا وجد بيد من له دين على شخص سلعة للمدين بعد موته، أو فلسه، وادعى أنها رهن عنده لم يصدق في ذلك ولو وافقه المرتهن خشية أن يتقاررا لإسقاط حق الغرماء. عبد الملك في الموازية والمجموعة: ولا ينفعه ذلك حتى يعلم أنه حازه قبل الموت والفلس. محمد صواب لا ينفعه إلا معاينة الحوز وهو الذي ذكره اللخمي أنه لا بد من معاينة البينة لقبض المرتهن. وذكر ابن يونس في كتاب الرهن قولين أعني على يكتفى بمعاينة الحوز، أو التحويز، واختار الباجي الحوز قال: ولعل معناه قول محمد، ولكن ظاهر لفظه خلافه، وذكر ابن عبد السلام عن بعض الأندلسيين أن الذي جرى عليه العمل عندهم إذا وجد الرهن بيد المرتهن وقد حازه كان رهنا، وإن لم يحضروا الحيازة. وقول المصنف يعني ابن الحاجب: بمعاينة أنه حاز يحتمل كلا من القولين لكن المفهوم من المعاينة أنه لا بد من الشهادة على التحويز ا هـ. فما ذكره المصنف من الاحتمال في قول ابن الحاجب إلا بالبينة بمعاينة أنه حاز يأتي مثله في قول المدونة إلا بمعاينة البينة لحوزه فعلم من هذا صحة ما أشار إليه المصنف بقوله وفيها دليلهما، وسقط اعتراض الشارح وابن غازي فتأمله، والله أعلم. وأما ابن عبد السلام فأول كلامه يقتضي: أن كلام ابن الحاجب محتمل لكل من القولين، وآخره يقتضي قصره على الحوز فقط، ونصه إثر كلام ابن الحاجب المتقدم، وظاهر كلام المصنف أن مجرد معاينة البينة لحصول الرهن بيد المرتهن قبل الموت والفلس كاف في الحوز سواء كان بتحويز من الراهن له أو لم يكن، وكلام المصنف عندي صحيح وهو موافق في المعنى لما قاله الباجي ا هـ. وذكر عن الباجي مثل ما نقل عنه في التوضيح أنه اختار الحوز فتأمله. وبعض الأندلسيين الذي أشار إليه ابن عبد السلام هو ابن عات كما قال ابن غازي وكلامه المذكور هو في أول الجزء الثامن في ترجمة قرض، وكلامه فيها أتم مما نقله عنه ابن عبد السلام ونصه، ومن الاستغناء إن كانت الحيازة بالمعاينة جاز ويخرج من إرادته إلى إرادة المرتهن وملكه، والعمل على أنه إذا وجد بيده وقد حازه كان رهنا وإن لم يحضروا الحيازة ولا عاينوها؛ لأنه صار مقبوضا وكذلك الصدقة ا هـ. فقول المصنف وبه عمل أشار به لكلام صاحب الطرر والله أعلم. وانظر رسم الرهون الثاني من سماع عيسى من كتاب الرهون وكلام ابن رشد هناك فإن فيه شيئا مما يتعلق بالكلام على هذه المسألة.
مسألة: سئل ابن رشد عن مفلس وجد بيد بعض غرمائه متاع زعم أنه رهن عنده وصدقه المفلس ونازعه الغرماء فسألهم على أي وجه هو عندي فقالوا: لا يلزمنا، ولا ندري وكيف إن ادعى عليهم علم الرهن، وفيهم من لا يلزمه العلم وكيف إن خاصمه بعضهم في الرهن فقال حتى يجتمعوا؟
فأجاب: لا يصدق المفلس بعد التفليس في تصديقه للذي عنده المتاع في أنه عنده رهن رهنه إياه قبل التفليس، ويتحاص فيه الغرماء وإن قالوا لا ندري ما يدعي من أنه رهن

(6/563)


ومضى بيعه قبل قبضه إن فرط مرتهنه, وإلا فتأويلان,
ـــــــ
رهنه إياه قبل التفليس إلا أن تقوم على ارتهانه إياه قبل التفليس بينة، وإن ادعى عليهم معرفة ذلك فعليهم اليمين، ولا يجتزئ بعضهم بيمين بعض، ومن حلف منهم أخذ ما وجب له بالمحاصة ومن نكل منهم رجع حظه فيه إليه بعد يمينه ا هـ. من نوازله، ومن النوازل المذكورة وسأل القاضي عياض ابن رشد عن مفلس قام بعض غرمائه بعقد يتضمن رهنه لدار سكناه قبل تفليسه وشهدت البينة بتحويز المديان الراهن للغريم، وقال سائر الغرماء: لم يزل الراهن عنده ولا فارقها وإنه الآن ساكن فيها، وأن ذلك كله تحيل لإبطال حقهم وشهد لهم جماعة الجيران، ومنهم من يقول: إن المديان المذكور لم يفارق الدار المذكورة إلا حين تفليسه، وكشف القاضي عن الدار فوجدها مشغولة بأهل الراهن، وأثاثه فوقف المرتهن على ذلك فقال: لا علم لي بشيء من هذا وأنا حزت رهني بحضرة بينتي، وأخذت المفتاح وأكريتها من مكتر وأثبت عند القاضي الكراء المذكور، وإن كان المديان قد رجع إليها فقد افتات علي، ولم أعلم به وجهالته بذلك تبعد من جهة النظر وصورة الحال وشهادة بعض الجيران بأن المرتهن عالم بكون المديان في الدار المذكورة من قوله: واجتماعه به فيها فهل يقدح ذلك في الحيازة؟
فأجاب: ما ذكرته فيه موهن للحيازة قادح فيها ومؤثر في صحتها وقد قال تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283] فلا ينبغي أن ينفذ الرهن إلا بالحيازة الصحيحة التي لا علة فيها، وقد قال مالك في أحد أقواله: إن رهن من أحاط الدين بماله لا يجوز ومراعاة الخلاف أصل من أصول مالك فإذا حكمت بإبطال هذه الدار وقضيت بمحاصة جميع الغرماء فيها كنت قد أخذت بالثقة، ولم تحكم بالشك ووافقت الحق ا هـ. من مسائل الحجر والتفليس، وقال في العتبية في رسم: بع ولا نقصان عليك، من سماع عيسى من كتاب الرهون مسألة إذا عاد الرهن لراهنه فلا يبطل إلا إذا علم المرتهن بذلك، وفيها مسائل، وفوائد فانظرها هناك والله أعلم.ص: (ومضى بيعه قبل قبضه إن فرط مرتهنه وإلا فتأويلان) ش: يعني أن الراهن إذا باع الرهن قبل أن يقبضه المرتهن فإن كان بتفريط منه مضى البيع يريد، وليس له

(6/564)


وبعده فله رده إن بيع بأقل, أو دينه عرضا, وإن أجاز تعجل وبقي إن دبره,
ـــــــ
أخذه برهن آخر قاله في المدونة ونقله عنها المصنف وغيره، وقول المصنف مضى يفهم منه أنه لا يجوز ابتداء، وهو كذلك قاله في التوضيح، وأما إذا كان المرتهن لم يفرط وإنما بادر الراهن إلى البيع فقال المصنف: فيه تأويلان: يشير بذلك إلى ما ذكره في توضيحه وذكره ابن عرفة وغيره من تأويل ابن أبي زيد وتأويل ابن القصار قال في التوضيح: تأول ابن القصار وغيره المدونة على أن المرتهن فرط في قبض الرهن لقوله: "لأن تركك إياه" إلخ، ولو لم يكن من المرتهن تفريط ولا توان لكان له مقال في رد البيع فإن فات بيد مشتريه كان الثمن رهنا وتأولها الشيخ ابن أبي زيد على أنه تراخى في القبض، وإن لم يتراخ فبادر الراهن للبيع لم يبطل الرهن ومضى البيع وكان الثمن رهنا ا هـ. ونقل ابن عرفة وأبو الحسن تأويل غير ابن أبي زيد عن القاضي عياض بلفظ، وقال غيره: يعتق غير أبي محمد لا يجوز هنا بيعه، ويرد ويبقى رهنا فإن فات ببيع مشتريه كان الثمن رهنا ا هـ. فمعنى كلام المصنف، وإن لم يفرط ففي إمضاء البيع كما في التفريط وعدم إمضائه تأويلان قال أبو الحسن قال عياض في تأويل أبي محمد: هو الذي يلائم ما قال في كتاب المديان فيما إذا كان الميت موصوفا بالدين وباع الورثة متاع الميت مبادرة للغرماء فلهم أخذ عروضه، ونقض البيع ا هـ. ولنذكر لفظ المدونة ليظهر لك التأويلان قال: وإن بعت من رجل سلعة على أن يرهنك عبده ميمونا بحقك ففارقك قبل قبضه لم يبطل الرهن، ولك أخذه منه رهنا ما لم تقم الغرماء فتكون أسوتهم، فإن باعه قبل أن تقبضه منه مضى البيع وليس لك أخذه برهن غيره؛ لأن تركك إياه حتى باعه كتسليمك لذلك وبيعك الأول غير منتقض ا هـ. وقال ابن رشد: إنه ليس له رد البيع وإنما له فسخ البيع عن نفسه؛ لأنه إنما دخل على ذلك الرهن بعينه ذكر ذلك في رسم الرهون من سماع عيسى من كتاب الرهون، ولنذكر كلام السماع وكلام ابن رشد عليه قال في السماع: وكل رهن لم يقبض من الراهن ويحاز عنه فأمر الراهن فيه جائز إن أعتق، أو

(6/565)


.......................................
ـــــــ
وطئ، أو باع، أو وهب، أو نحل، أو تصدق إذا كان موسرا ويؤخذ منه ما عليه من الدين ويعطى صاحبه، وإن لم يكن موسرا لم يجز منه شيء إلا أن يطأ الأمة فتحمل، أو شيئا يبيعه فينفذ بيعه فأما عتق، أو هبة، أو صدقة فإنه لا يجوز إلا أن يكون موسرا؛ لأنه لم يقبض فليس هو برهن، وأما إن فلس قبل أن يقبض المرتهن كان أسوة الغرماء قال ابن رشد: هذه مسألة صحيحة لا إشكال فيها ولا اختلاف في شيء من وجوهها.ثم قال وهذا إذا طاع الراهن للمرتهن بالرهن بعد عقد البيع، أو بعد عقد السلف، وأما إذا باعه بيعا أو أسلفه سلفا على أن يرهنه عبدا سماه فباعه، أو أعتقه فلا حق للمرتهن فيه ولا شيء له على الراهن المبتاع؛ لأنه قد ترك رهنه بتفريطه في قبضه، وإن كان أعتقه، أو باعه بفور رهنه إياه دون أن يطول، ولم يكن من المرتهن تفريط في قبضه بعد العتق والبيع وكان للمرتهن أن يفسخ البيع عن نفسه؛ لأنه إنما باعه على ذلك الرهن بعينه فلما فوته عليه كان أحق بسلعته إن كانت قائمة أو قيمتها إن كانت فائتة هذا معنى ما في كتاب الرهون من المدونة، وقد قيل إن الثمن يوضع له رهنا قاله أبو إسحاق التونسي على قياس قول أشهب في الراهن يكاتب العبد الرهن قبل أن يقبضه المرتهن وفي كتاب ابن المواز أنه يوضع له رهنا مكانه، وقد سأله عن هذا في الموازية فلم يجبه وهذا إذا كان المرتهن قد دفع السلعة، أو السلف، وأما إن كانت سلعته لم تخرج من يده ولا سلفه فهو أحق بسلعته وسلفه سواء فرط في القبض أو لم يفرط ا هـ. كلام ابن رشد وقوله: ولا شيء له على الراهن المبتاع يعني الذي ابتاع السلعة من المرتهن على أن يرهنه العبد المسمى فباعه، وما قاله ابن رشد هو أولى مما قاله غيره ويكون ذلك بمنزلة ما لو استحق عند ابن القاسم واختيار اللخمي في هذه المسألة مثل قول ابن القصار وغيره والله أعلم.
تنبيهات: الأول: علم من كلام ابن رشد أن الحكم المتقدم إنما هو إذا كان الرهن مشترطا في أصل العقد أو السلف، وأما إذا طاع به الراهن للمرتهن بعد عقد البيع أو السلف فحكمه حكم بيع الهبة قبل قبضها، ونقل ذلك في التوضيح عن القاضي عياض عن بعض شيوخه، ونصه عياض وأشار بعض شيوخنا إلى أن هذا الكلام فيما إذا كان الرهن مشترطا في أصل العقد، وأما ما تطوع به من الرهن بعد العقد فحكمه في بيعه قبل قبضه حكم بيع الهبة قبل قبضها، ونقله ابن عبد السلام عن غير واحد انتهى.
الثاني: قال في التوضيح: قيد ابن المواز وغيره ما تقدم من إمضاء بيع الرهن ولا طلب له برهن آخر بما إذا أسلم البائع السلعة ولو بقيت بيده لم يلزمه تسليمها فرط أم لا حتى يأتيه برهن ا هـ. ونقله ابن عرفة عن عياض بلفظ قال بعض الشيوخ وابن عبد السلام بلفظ وأشار غير واحد، ونقله ابن رشد في كلامه المتقدم على أنه المذهب والله أعلم.
الثالث: علم مما تقدم أن شيوخ المدونة لم يختلفوا في أن المرتهن إذا لم يفرط لا

(6/566)


ومضى عتق الموسر وكتابته, وعجل. والمعسر يبقى,
ـــــــ
يبطل حقه بالكلية وإنما اختلفوا هل له رد البيع إن لم يفت وأخذ الرهن، وإن فات كان الثمن رهنا، أو ليس له رد البيع فات أو لم يفت ويكون الثمن رهنا، وعلى ما قاله ابن رشد ليس له رد البيع الصادر من الراهن في الرهن وله فسخ البيع عن نفسه وعلى ما نقله عن كتاب ابن المواز ليس له رد البيع ويوضع له رهن مكانه ا هـ.
الرابع: إن قيل: ما الفرق على قول ابن القاسم بين ما إذا باع الراهن الرهن المعين قبل قبضه، ولم يفرط المرتهن فاختلف فيه كما تقدم، وأما إذا استحق الرهن المعين قبل القبض أيضا فقال ابن القاسم: يخير البائع في رد البيع وإمضائه ولو أتاه الراهن برهن آخر قيل الفرق بينهما: أن الرهن المشترط قد ذهب بالكلية في الاستحقاق، ولم يؤخذ له عوض فلا يلزم المرتهن أخذ رهن آخر بخلاف البيع فإنه وجد شيء ناشئ عنه معوض به فكأنه باق وفيه نظر.
الخامس: قد علم أن هذه المسألة في الرهن المعين، وأما لو باعه على رهن مضمون، ثم بعد ذلك سمى له رهنا، ثم باعه فلا كلام أنه يلزمه الإتيان ببدله؛ لأنه إنما دخل على رهن مضمون وكما لو استحق فإنه قد تقدم عن اللخمي في قول المؤلف كشرط رهن، أو حميل أنه يلزمه الإتيان ببدله وكلامهم هنا إنما يفرضونه في رهن معين والله أعلم.ص: (ومضى عتق الموسر وكتابته وعجل) ش أفاد بقوله مضى أن ذلك لا يجوز ابتداء وكذلك تدبيره كما قاله في التوضيح ناقلا عن المدونة وغيرها، وظاهر كلام المصنف أن الحكم كما ذكر سواء كان ذلك قبل الحوز أو بعده قال في التوضيح: وهو ظاهر المدونة وصرح به ابن القاسم في العتبية وهو في سماع عيسى قوله: وعجل ظاهره يعجل جميع الدين ولو كان أكثر من قيمة العبد قال أبو الحسن: وهو ظاهر تأويل ابن يونس. ص: (والمعسر يبقى) ش: يعني أن عبد الراهن المعسر يبقى إلى الأجل وظاهره في العتق والكتابة فأما العتق فظاهر كما صرح في المدونة، والكتابة كذلك. قال الرجراجي: وأما الكتابة والتدبير فإن كان الراهن معسرا فإنه يبقى رهنا إلى أجل الدين مكاتبا كان أو مدبرا، وإن كان موسرا ففيها ثلاثة أقوال مذهب ابن القاسم في الكتاب التفصيل بين الكتابة تعجل كالعتق والتدبير يبقى فيحاز رهنا قال في الشامل: فإن أدى ما عليه ولو من أجنبي مضى، وإن تعذر

(6/567)


فإن تعذر بيع بعضه. بيع كله والباقي للراهن, ومنع العبد من وطء أمته, المرهون هو معها وحد مرتهن وطئ إلا بإذن, تقوم بلا ولد, حملت, أم لا.
ـــــــ
بيع بعضه كبيع كله ا هـ. وظاهره في العتق والكتابة والله أعلم.ص: (وحد مرتهن وطئ إلا بإذن، وتقوم بلا ولد حملت أم لا) ش: قال في المدونة: وإن وطئها يعني الأمة الرهن المرتهن فولدت منه حد، ولم يلحق به الولد وكان مع الأمة رهنا وعليه للراهن ما نقصها الوطء بكرا أو ثيبا إذا أكرهها إن طاوعته وهي بكر، فإن كانت ثيبا فلا شيء والمرتهن وغيره في ذلك سواء ا هـ. قال ابن يونس والصواب أن عليه ما نقصها، وإن طاوعته بكرا كانت، أو ثيبا وهو أشد من الإكراه؛ لأنها لا تعد مع الإكراه زانية، وفي الطوع هي زانية فقد أدخل على سيدها عيبا فوجب عليه غرم قيمته، ونحو هذا في كتاب المكاتب أن على الأجنبي ما نقصها بكل حال، وقال أشهب: إن طاوعته فلا شيء عليه مما نقصها بكرا كانت، أو ثيبا وهو ما في كتاب المكاتب من المدونة.
والثالث: الفرق بين البكر والثيب وهو قوله في الرهون في المدونة في بعض الروايات، وأما إذا غصبها فلا اختلاف أن عليه ما نقصها بكرا كانت، أو ثيبا، وإن كانت صغيرة مثلها يخدع فهي في حكم المغتصبة انتهى. وقد تقدم نقل الأقوال الثلاثة المذكورة في وطء الغالط في النكاح، وذكرها في الشامل هنا فقال: ويغرم ما نقصها إن أكرهها وإلا فثالثها الأصح إن كانت بكرا انتهى وكذا ذكرها في التوضيح وابن عرفة هنا فيتحصل عليه أن عليه

(6/568)


وللأمين بيعه بإذن في عقده, إن لم يقل: إن لم آت:
ـــــــ
ما نقصها في الإكراه مطلقا وفي الطوع إن كانت بكرا على الراجح الذي هو مذهب المدونة، وإن كانت ثيبا فرجح ابن يونس أن عليه ما نقصها أيضا وذكر في الشامل أنه لا شيء عليه على الأصح والله أعلم. وقوله في المدونة فولدت قال أبو الحسن: يريد وكذا إن لم تلد يعني عليه الحد سواء حملت أم لا، ثم قال في المدونة: وإن اشترى المرتهن هذه الأمة وولدها لم يعتق عليه ولدها؛ لأنه لم يثبت نفسه. قال ابن يونس: ونوقض قولها لا يعتق الولد بقولها آخر كتاب أمهات الأولاد، ولو كان الولد جارية لم تحل له أبدا وربما أخذ من عدم عتقه إباحة وطئها كقول عبد الملك قال: وجواب بعض الموثقين بأنه حكم بين حكمين لا يخفى سقوطه على منصف ويفرق بأن تأثير مانع احتمال البنوة في حلية الوطء أخف من تأثيره في رفع الملك بالوطء وقوله: "إلا بإذن وتقوم بلا ولد حملت أم لا" أشار بذلك إلى قوله: في الجلاب، ومن ارتهن أمة فوطئها المرتهن فهو زان وعليه الحد ولا يلحق به الولد وولدها رهن معها يباع ببيعها، وإن وطئها بإذن الراهن وإحلالها له، ولم تحمل لزم المرتهن قيمتها وقاصه المرتهن بها من حقه الذي له، وإن حملت كانت أم ولد له ولزمته قيمتها دون قيمة ولدها، ويقاص بقيمتها من حقه الذي عليه ا هـ. وهذا الحكم حكم كل أمة محللة أنه لا حد على الواطئ عالما كان أو جاهلا على المشهور وتقوم عليه، وإن لم تحمل كما ذكره المصنف في باب الزنا والولد لاحق به وهي به أم ولد.
تنبيه: قال الشارح في شرحه هذا المحل، وأما كون الأم تقوم بدون ولدها فلأن المرتهن لا شيء عليه من قيمة ولدها سواء كان موسرا، أو معسرا؛ لأنه غير لاحق به ا هـ. فقوله: "غير لاحق به" غير ظاهر وصوابه وهو لاحق به كما علمت والله أعلم.ص:

(6/569)


كالمرتهن بعده,
ـــــــ
(كالمرتهن بعده) ش: يعني يكون للمرتهن بيع الرهن إذا أذن له الراهن في بيعه بعد عقد الرهن فالضمير عائد على عقد الرهن المتقدم في قوله: بإذن في عقده وهكذا قال في التوضيح في قول ابن الحاجب ولا يستقل المرتهن بالبيع إلا بإذن بعد الأجل اعترض قول المصنف إلا بإذن بعد الأجل بأنه لو أذن بعد عقد الرهن وقبل الأجل جاز له بذلك البيع كبعد الأجل قاله صاحب البيان وابن زرقون لكن نقل المتيطي عن بعض الموثقين منعه؛ لأنه هدية مديان ا هـ. قال ابن غازي بعد أن نقل كلام التوضيح والذي لابن رشد في رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب الرهون أن مذهب المدونة والعتبية أن ذلك لا يجوز ابتداء؛ لأنها وكالة اضطرار لحاجته إلى ابتياع ما اشترى، أو استقراض ما استقرض قال، وأما لو طاع الراهن للمرتهن بعد العقد بأن يرهنه رهنا ويوكله على بيعه عند أجل الدين لجاز باتفاق؛ لأن ذلك معروف من الراهن إلى المرتهن في الرهن والتوكيل على البيع انتهى القصد منه فقف عليه كله في أصله ا هـ. كلام ابن غازي. والذي قال ابن رشد: أنه لا يجوز ابتداء إنما هو إذا كان ذلك في عقد الرهن، ونصه: واختلف إن شرط المرتهن على الراهن في أصل العقد أنه موكل على بيع الرهن مثل أن يقول أبيعكه بكذا بأصل كذا على أن ترهنني كذا، وأنا موكل على بيعه دون مؤامرة سلطان. على قولين.
أحدهما: أن ذلك لازم ليس له أن يعزله عن بيعه لما في ذلك من الحق وهو إسقاط العناء عنه في الرفع إلى السلطان إن ألد به، وإسقاط الإثبات عنه إن أنكر، أو كان غائبا وهو قول إسماعيل القاضي وابن القصار وأبي محمد عبد الوهاب.
والثاني: أن ذلك لا يجوز ابتداء وله أن يعزله واختلف على هذا القول إن باع قبل أن يعزله على ثلاثة أقوال فذكرها، ثم قال بعد ذكرها: وإنما وقع الاختلاف في توكيل الراهن للمرتهن على بيع الرهن عند حلول الأجل من غير مؤامرة سلطان؛ لأنها وكالة اضطرار لحاجته إلى ابتياع ما اشترى أو استقرض؛ لأن الرهن لا يباع على الراهن إلا إن ألد في بيعه أو بعد غيبته، ولم يوجد له مال يقضي منه الدين فيحتاج إلى البحث عن ذلك وعن قرب غيبته من بعدها وذكر ما لا يفعله إلا القاضي فأشبه ذلك حكمه على الغائب، ثم ذكر بقية ما ذكره

(6/570)


وإلا مضى فيهما, ولا يعزل الأمين, وليس له إيصاء به, وباع الحاكم؛ إن امتنع,
ـــــــ
عنه ابن غازي. ص: (وإلا مضى فيهما) ش: الضمير في قوله فيهما راجع إلى مفهوم قوله كالمرتهن بعده فإن مفهومه إذا كان الإذن في عقد البيع فليس له بيعه فإن باعه مضى وهو كذلك على ما صرح به في رسم شك من سماع ابن القاسم وإلى مفهوم قوله: إن لم آت فإن مفهومه أنه إذا قال إن لم آت لم يكن للأمين ولا للمرتهن أن يبيعه فإن باعه مضى كما صرح به في المدونة.
فرع: قال في المدونة: وإذا تعدى المرتهن فباع الرهن، أو وهبه فلربه رده حيث وجده فيأخذه ويدفع ما عليه فيه ويتبع المبتاع بائعه فيلزمه بحقه. اللخمي يريد إذا بيع بعد الأجل فيدفع الراهن للمرتهن ما عليه ويأخذ رهنه ويتبع المشتري المرتهن بالثمن. وإن كان وهبه دفع الدين للمرتهن وأخذه من الموهوب له ولا شيء للموهوب له على الواهب، وإن غاب المرتهن واختلف الدين والثمن فإن كان الدين أكثر دفع إلى المشتري ثمنه ووقف السلطان الفضل، وإن كان الثمن أكثر أخذ الدين واتبع البائع بالفضل، وإن باعه بعرض، أو مكيل، أو موزون، ثم غاب فإن السلطان يقبض الدين من الراهن ويدفع إليه الرهن ويشتري من الدين مثل ما قبضه المرتهن من المشتري فإن فضل للغائب شيء وقف له، وإن فضل عليه شيء اتبع به، وإن كان باعه بعرض دفع إليه قيمته ا هـ. وقال ابن يونس أيضا يريد أنه باعه بعد الأجل، وأما إن باعه قبل حلول الأجل فيخير الراهن في إجازة البيع، وقبض الثمن ولا يرده للمرتهن، ويجعله بيد عدل رهنا إلى أجله إلا أن يأتي برهن ثقة فله قبض الثمن ويوقف له الرهن، وكذلك إن أراد البيع فإن الرهن يوقف بيد عدل لئلا يبيعه ثانية ا هـ. بالمعنى وانظر بقية كلامه ويؤخذ من كلام اللخمي المتقدم: أن المرتهن إذا غاب وكان الرهن موجودا وحل الأجل فيقبض السلطان الدين من الراهن للمرتهن ويدفع الرهن للراهن وهو بين والله أعلم.ص: (ولا يعزل الأمين) ش: إذا وكل الراهن على بيع الرهن فهل له فسخ الوكالة وسيأتي الكلام في ذلك في باب الوكالة عن الباجي والقرافي فراجعه والله أعلم.ص: (وباع الحاكم إن امتنع) ش: قال في التوضيح: إذا رفع المرتهن الأمر إلى الحاكم أمره بالوفاء فإن لم يكن

(6/571)


ورجع مرتهنه بنفقته في الذمة, ولو لم يأذن وليس رهنا به إلا أن يصرح بأنه رهن بها, وهل وإن قال ونفقتك في الرهن؟ تأويلان.
ـــــــ
عنده شيء قال صاحب البيان: أو ألد، أو غاب باع الحاكم عليه الرهن بعد أن يثبت عنده الدين والرهن قال في البيان: اختلف هل عليه أن يثبت ملك الراهن له على قولين يتخرجان على المذهب، وذلك عندي إذا أشبه أن يكون له، وأما إن لم يشبه كرهن الرجل حليا أو ثوبا لا يشبه لباسه، وكرهن المرأة سلاحا فلا يبيعه إلا السلطان بعد إثبات الملك ا هـ. كلام التوضيح. وما نقله عن ابن رشد هو في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم وفي أحكام ابن سهل قال ابن عات: أفتيت في الرهن يسأل المرتهن بيعه يأمر القاضي ببيعه، ولا يحتاج في ذلك إلى إثبات ملك الراهن وذكر أن بعض أصحابه خالفه في ذلك وأفتى أنه لا يأمر ببيعه إلا بعد أن يثبت الراهن ملكه ورد عليهم في ذلك وشنعه فقلت له: فإن كان الرهن دارا فقال: الأصول مخالفة لغيرها ولا بد من ثبوت ملك الراهن قبل أمره ببيعها ا هـ. وفي سماع أصبغ بن الفرج من كتاب السلطان مسألة وسئل أشهب عن رجل أتى بمكة إلى زمزم فوجد رجلا معه قدح فقال ناولني قدحك هذا فقال: إني أخاف عليه فقال: هذا كسائي عندك حتى أعود إليك به فوضع الكساء وأخرج القدح، ثم رجع فلم يجد الرجل قال لو أتى السلطان حتى يأمره إن كان صادقا أن يبيع القدح، ويقبض ثمنه من الثوب قيل له: هو صادق وهذا صحيح ولا يقبضه لنفسه دون السلطان قيل له ويأمره السلطان قال: نعم يأمره من غير حكم على الغائب ويقول له: إن كنت صادقا فافعل فإن جاء الرجل كان على خصومته قال ابن رشد: هذه المسألة وقعت في بعض الروايات وهي صحيحة على أصولهم وعلى معنى ما في طلاق السنة من المدونة وعلى ما قال في نوازل سحنون من المديان والتفليس,

(6/572)


.......................................
ـــــــ
فإن باع القدح بأمر السلطان وقضى ثمنه من ثمن كسائه أي من قيمته فقدم صاحب القدح بالكساء، وأقر بما قال البائع للقدح بأمر السلطان لم يكن له إلا ما باع به القدح لبيعه إياه بأمر السلطان ولو باعه بغير أمره لكانت له قيمته، وإن ادعى القدح وأنكر الكساء حلف في الكساء وأخذ قيمة قدحه، وإن أقر بالكساء وادعى القدح وأنكر الرهن فيه حلف على إنكار الرهن فيه ورد الكساء وأخذ قيمة قدحه أيضا، وهذا خلاف ما جرى به العمل من أن القاضي لا يحكم للمرتهن ببيع الرهن حتى يثبت عنده الرهن والدين وملك الراهن له ويحلفه مع ذلك أنه ما وهب دينه ولا قبضه ولا أحال به وإنه لباق عليه إلى حين قيامه والذي جرى به العمل من هذا هو أصل مطرف وابن الماجشون في مسألة طلاق السنة من المدونة التي أشرنا إليها ا هـ.وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: ويثبت استمرار ملك الراهن إلى حين حوز المرتهن له وصحة قبض المرتهن وهو أن يكون حازه بمعاينة البينة قبل الموت والفلس نقله في المسائل الملقوطة من شرح والده ونقل ابن فرحون في تبصرته في الفصل الخامس من التنبيه على أحكام تتوقف سماع الدعوى عليها آخر كلام ابن رشد من قوله الذي جرى به العمل أن القاضي إلى قوله حين قيامه، ولم يذكر خلافه والله أعلم. فتحصل في إثبات ملك الرهن أربعة أقوال:
الأول: أنه لا بد من إثباته وهو أحد القولين اللذين حكاهما ابن رشد وذكر أنه جرى به العمل وفتوى بعض أصحاب ابن عات والقول الثاني لا يحتاج إلى إثبات ملكه وهو القول الآخر في كلام ابن رشد، والثالث اختيار ابن رشد والرابع: فتوى ابن عتاب وكذا حصلها ابن عرفة.
فروع: الأول: هل يتوقف بيع الحاكم على إثبات أن الثمن الذي سومه قيمة مثله، اختيار ابن عرفة عدم ذلك، وكذلك اختار أيضا أنه لا يشترط أن يكون أولى ما يباع عليه وفي هذا نظر؛ لأنه ذكر النص عن ابن يونس بخلافه وذكر أنه إنما اختار ما ذكر لأخذه من كلام ابن رشد الذي ذكره يدل على خلاف ما قال وعلى موافقة كلام ابن يونس فراجعه.
الثاني: انظر هل يباع الرهن جميعه، أو يباع منه بقدر ما يوفي الدين لم أر في ذلك نصا صريحا والذي يظهر أنه ينظر في ذلك فإن كان يمكن بيع بعضه من غير نقص في الباقي فإنه يباع بعضه وإلا فيباع جميعه، وقد ذكروا في مسألة رهن فضلة الرهن أنه إذا حل الثاني أولا أنه إن أمكن قسمه قسم، وإلا بيع جميعه وفي مسألة الرجلين يرهنان من رجل رهنا فيؤخره أحدهما سنة، ويقوم الآخر ببيع الرهن أنه إن كان ينقسم ولا ينقص من الآخر الذي قام بحقه بيع له نصف الرهن فإن خيف أن ينقص بيع كله وأعطى حقه من ذلك ذكرها في الموطإ واللخمي في آخر الرهون والباجي والقرافي وغيرهم وفي المنتقى: وإذا أمر الإمام ببيع

(6/573)


ففي افتقار الرهن للفظ مصرح به: تأويلان، وإن أنفق مرتهن على: كشجر خيف عليه: بدئ
ـــــــ
الرهن فبيع بغير العين من عرض، أو طعام فقال ابن القاسم في الموازية: لا يجوز ذلك قال أشهب: إن باعه بمثل ما عليه، ولم يكن فيه فضل فذلك جائز، وإن كان فيه فضل لم يجز بيع تلك الفضلة والمشتري بالخيار فيما بقي إن شاء تمسك، أو يرد لما فيه من الشركة، وإن باعه بغير ما عليه لم يجز ا هـ. ونقله القرافي وما ذكره عن ابن القاسم في الموازية نحوه في المدونة قال فيها: وإن باع المأمور الرهن بحنطة، أو شعير، أو عرض لم يجز، ثم إن ضاع ما قبض منه ضمنه المأمور بتعديه قال أبو الحسن: ظاهره ولو كان ما باعه به من جنس الدين ابن يونس ابن المواز عن أشهب إن باعه بمثل ما عليه، ولم يكن في ثمنه فضل فذلك جائز الشيخ يحتمل أن يكون تفسيرا ويحتمل الخلاف ا هـ. فتأمل ذلك والله أعلم.
الثالث: ذكر البرزلي في مسائل الأقضية فيمن أثبت دينا على غائب وبيعت فيه داره، ثم قدم الغائب فأثبت أنه قضاه. عن اللخمي في كتاب التخيير إن البيع نافذ، وذكر ابن فتحون عن أبي الوليد أن المرتهن إذا باع الرهن، ثم أثبت الراهن أنه قضاه أن البيع ينتقض وذكره أيضا في مسائل الديون والتفليس فانظر كلامه والله أعلم.
الرابع: قال القرافي في ذخيرته قال صاحب البيان: إذا لم يوجد من يبيع الرهن إلا بجعل قال ابن القاسم: الجعل على طالب البيع منهما؛ لأنه صاحب الحاجة والراهن يرجو دفع الحق من غير الرهن، وقال عيسى: على الراهن لوجوب القضاء عليه ا هـ. ص: (ففي افتقار الرهن للفظ مصرح به تأويلان) ش: انظر كلام ابن رشد في أول سماع أبي زيد من كتاب

(6/574)


بالنفقة, وتؤولت على عدم جبر الراهن عليه مطلقا, وعلى التقييد بالتطوع بعد العقد, وضمنه مرتهن؛ إن كان بيده مما يغاب عليه ولم تشهد بينة بكحرقه,
ـــــــ
المديان في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم في أثناء المسألة الأخيرة منه من كتاب الرهون.ص: (وضمنه مرتهن إن كان بيده مما يغاب عليه، ولم تشهد بينة بكحرقه) ش:

(6/575)


ولو شرط البراءة, أو علم احتراق محله, إلا ببقاء بعضه محرقا, وأفتي بعدمه في العلم؛ وإلا فلا, ولو اشترط ثبوته,
ـــــــ
قال الباجي في المنتقى إذا قلنا برواية ابن القاسم وقامت بينة بهلاك ما يغاب عليه من الرهون من غير تضييع من المرتهن ففي المجموعة من رواية ابن القاسم عن مالك لا يضمن، وكذلك لو رهنه رهنا في البحر في المركب فيغرق المركب، أو يحترق منزله، أو يأخذه منه لصوص بمعاينة ذلك كله انتهى. ص: (وإلا فلا) ش: أي وإن لم يكن الرهن مما يغاب عليه كالحيوان على اختلاف أنواعه مأكولا، أو غيره فإنه لا ضمان على المرتهن فيه قال في التوضيح: هذا هو المنصوص وأخذ مما رواه أبو الفرج عن ابن القاسم فيمن ارتهن نصف عبد وقبضه كله، ثم تلف أنه لا يضمن إلا نصفه ضمان ما لا يغاب عليه قال اللخمي: وأرى أن يضمن ما يستخف ذبحه وأكله وحكى ابن بزيزة فيه ثلاثة أقوال ثالثها: إن كان مما يسرع إليه الأكل كالغنم انتهى. ودخل في قول المصنف: "وإلا فلا" إذا كان الرهن مما يغاب عليه، ولم يكن بيد المرتهن بأن كان بيد عدل فإنه لا ضمان على العدل ولا على

(6/576)


إلا أن يكذبه عدول في دعواه موت دابة, وحلف فيما يغاب أنه تلف بلا دلسة, ولا يعلم موضعه واستمر ضمانه؛ إن قبض
ـــــــ
المرتهن ودخل فيه أيضا ما إذا قامت بينة بحرقه، أو تلفه أو ضياعه من غير تفريط من المرتهن كما إذا ثبت بالبينة أنه في مخزنه، أو بيته وثبت أن بيته احترق، أو مخزنه أو أنه كان الارتهان في البحر وغرق المركب، أو انتهبت اللصوص جميع الحوائج، أو لم تشهد البينة بذلك ولكن علم احتراق محله وجاء ببعضه محرقا.
فروع: الأول: قال في الذخيرة في آخر كتاب الرهون من المدونة: يصدق المرتهن في دعوى الإباق إلا أن يأتي بمنكر؛ لأنه أمين مطلقا في الحيوان انتهى.
الثاني: إذا سافر المرتهن بغير إذن الراهن فالظاهر أنه ضامن قال في المدونة: ومن

(6/577)


.......................................
ـــــــ
ارتهن عبدا فأعاره لرجل بغير أمر الراهن فهلك عند المعار بأمر من الله لم يضمن هو ولا المستعير وكذلك إن استودعه رجلا إلا أن يستعمله المودع، أو المستعير عملا أو يبعثه مبعثا يعطب في مثله فيضمن انتهى. وقال في الذخيرة بعد قوله: يعطب في مثله ما نصه: "فحينئذ يتعين أنك تسببت في هلاكه فتضمن" انتهى. وقال ابن يونس: قال سحنون: المرتهن ضامن لتعديه ابن يونس وقيل: الأشبه في هذا وأمثاله أنه يضمن؛ لأنه نقل الرقبة بغير إذن صاحبها على وجه الاستعمال فوجب عليه الضمان كتعديه على الدابة الميل ونحوه فعطبت في ذلك أنه يضمن مع علمنا أن الميل لا تعطب في مثله فإن قيل يحتمل أن يكون مثل هذا في البعد ليس نقل رقبة؛ لأن للمرتهن أن يسيره في مثل ذلك، وإن لم يؤذن له في استخدامه فصار إنما يضمن للاستعمال، قيل نقله إلى دار غيره يستعمله تعد من ذلك، وإن لم يؤذن له في استخدامه فصار المرتهن إلى نقل رقبته على هذه الصورة؛ لأنه إنما يجوز له أن يبعثه في حاجة خفيفة فأما بعثه في حاجة ليستعمله فذلك تعد والمتعدي على المنافع إن كان لا يوصل إليها إلا بنقل الرقاب يضمن كما قلنا في الذي تعدى على المنفعة الميل ونحوه فهلك أنه يضمن انتهى، وقال في النوادر وفي كتاب الرهون في ترجمة تعدي المرتهن: ومن المجموعة قال سحنون: وإذا تعدى المرتهن فأودع العبد الرهن، أو أعاره بغير إذن ربه فإنه يضمنه هلك بأمر من الله، أو بغير ذلك، ومن كتاب ابن المواز، ومن ارتهن عبدا فأودعه غيره فمات فلا ضمان عليه انتهى. وفي أحكام ابن سهل في آخر الاستحقاق في ترجمة مسألة المنديل: أنه إذا سافر المرتهن وترك الرهن في بيته مهملا، ولم يودعه أنه ضامن، وكان ينبغي له عند سفره أن يضعه عند أمين فلذلك ضمنه.
تنبيه: علم من كلام المدونة المتقدم وكلام ابن يونس أن للمرتهن أن يستعمل العبد الرهن فيما خف بغير إذن سيده، ومثله في كتاب الوديعة، والديات، والإجارة في العبد المودع والمستأجر من غير إذن سيده والله أعلم.
الثالث: من ارتهن رهنا وشرط أن يجعله على يد عدل، ثم زعم المرتهن أن الرهن ضاع عند الذي وضعه على يده وليس للمرتهن بينة أنه وضعه إلا قوله، وقول العدل قال ابن القاسم: إن كان الذي زعم أنه وضعه على يده عدلا فلا ضمان عليه ويرجع بجميع حقه على الراهن قاله في رسم أوصى من سماع عيسى من الرهون وحكى ابن رشد عن أصبغ أنه ضامن قال: إن وضعه على يد غير عدل ضمنه، وإن قامت البينة على تلفه فإن ادعى أنه لم يعلم أنه غير عدل وإنما دفعه وهو يظن أنه عدل صدق إلا أن يكون معلنا بالفسق مشهورا به، ومثله من دفع له شيء ليدفعه إلى ثقة قال: ولا ضمان على المودع على يديه كان عدلا، أو غير عدل انتهى. ونحوه قول ابن سهل في أول كتاب الحدود في غلام ادعى يهودي أنه مملوكه والغلام يزعم أنه حر وإنه يكره على التهود فوضعه القاضي عند أمين حتى يكشف عن أمره

(6/578)


الدين, أو وهب؛
ـــــــ
ويأخذ رأي أهل العلم فيه. فقال الأمين: أبق مني الغلام من غير تفريط في الاحتراس، وقال اليهودي: إنه كان سبب الإباق أن الأمين خرج به مع نفسه إلى ضيعته وطلب إغرام الأمين قيمة الغلام وسأل القاضي وفقه الله هل يجب على الأمين قيمة الغلام. فأجاب عبيد الله بن وليد توقيف القاضي الغلام لاستبراء أمره حزم من النظر وصواب في الفعل والذي يطلبه اليهودي من إغرام الأمين باطل؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على أمين غرم" ، وقال أهل العلم: إلا أن يتعدى ولو ثبت خروج الأمين بالغلام، ثم ثبت رجوعه به وأبق لم يضمن أيضا، وقال: عبيد الله بن يحيى وسعد بن معاذ، وقال مثله: ابن لبابة أيضا، وقال: لو أبق له من البادية وثبت بالبينة فحينئذ كان يضمن؛ لأنه تعدى بإخراجه عن موضع أمانته، وقال محمد بن غالب: خروج الغلام مع الأمين محترسا عليه لا يوجب ضمانا حتى يثبت بالبينة العادلة أنه خرج به لمنفعة نفسه فيكون متعديا فيضمن، وإن رجع فلا ضمان عليه أصلا في كل حال، وقال: يحيى بن عبد العزيز وأيوب بن سليمان مثله انتهى فهذا قولنا: فيما سئلنا: عنه قاله ابن وليد انتهى كلام ابن سهل.
الرابع: قال في النوادر في الترجمة المتقدم ذكرها: ومن المجموعة قال سحنون: وإذا باع المرتهن الدين الذي على الراهن فسأله المشتري دفع الرهن إليه فليس له ذلك فإن فعل ضمن انتهى. فعلم منه أنه ليس للمشتري أن يطلب الرهن يريد إلا أن يشترط ذلك ولكن لا يدفع له الرهن إلا بإذن الراهن فإن دفعه له بغير إذنه ضمن فتأمله والله أعلم.
الخامس: قال في المدونة: وإن ادعيت دينا فأعطاك به رهنا يغاب عليه فضاع عندك، ثم تصادقتما على بطلان دعواك، وأنه قضاك ضمنت الرهن؛ لأنك لم تأخذه على الأمانة انتهى. ونقله في الذخيرة ونقل بعده بأربعة أوراق، ونحوها فرعا آخر، ونصه: "قال صاحب البيان قال أشهب: إذا اعترف المرتهن ببطلان دعواه التي قضى له بها عليك والرهن حيوان ضمنه؛ لأنه أخذه عدوانا ولو أقيمت عليه بينة ببطلانها لم يضمن؛ لأنه لم يدخل على العدوان بخلاف الأمة المشتركة يجحد أحدهما نصيب صاحبه فتقوم البينة فإنه يضمن، وعن ابن القاسم أنه لا يضمن" انتهى.
السادس: إذا ادعى المرتهن أنه رد الرهن إلى الراهن وقبض الدين وأنكر الراهن الرد فالقول قول الراهن إن كان مما يغاب عليه قبضه ببينة، أو بغير بينة، وإن كان مما لا يغاب عليه فالقول قول المرتهن إلا أن يكون قبضه ببينة قال ابن رشد في رسم الرهون الثاني من كتاب الرهون وفي أول سماع عيسى من كتاب الرواحل والدواب وفي آخر سماع أبي زيد من كتاب الوديعة ونقله في النوادر وفي كتاب الرهون وسيأتي كلام ابن رشد المشار إليه في كتاب العارية والله أعلم.ص: (أو وهب) ش: يعني أن من له على شخص دين برهن، ثم

(6/579)


إلا أن يحضره المرتهن, أو يدعوه لأخذه, فيقول: اتركه عندك. وإن جنى الرهن واعترف راهنه: لم يصدق إن أعدم؛ وإلا بقي إن فداه؛ وإلا أسلم بعد الأجل, ودفع الدين وإن ثبتت, أو اعترفا وأسلمه فإن أسلمه مرتهنه أيضا, فللمجني عليه بماله, وإن فداه بغير إذنه ففداؤه في رقبته فقط؛ وإن لم يرهن بماله ولم يبع إلا في الأجل,
ـــــــ
إن رب الدين وهب الدين للمدين، ثم ضاع الرهن فإن المرتهن ضامن له قاله في النوادر، وقاله: ابن القاسم وأشهب قال: أشهب وترجع أنت فيما وضعته من حقك؛ لأنك لم تضع لتتبع

(6/580)


وإن بإذنه فليس رهنا به, وإذا قضي بعض الدين أو سقط, فجميع الرهن فيما بقي كاستحقاق بعضه, والقول لمدعي نفي الرهنية,
ـــــــ
بقيمة الثوب فتقاصه بقيمته فإن كان عندك فضل وديته فإن كان دينه أكثر فلا شيء لك فيه انتهى. وانظر هل يوافق ابن القاسم أشهب على ما ذكره عنه وظاهر كلام النوادر أن المسألة في سماع سحنون، أو في سماع أشهب فلينظر فيه، وذكر في النوادر في هذا الفصل مسألة ما إذا تلف الرهن ووجبت لصاحبه القيمة فهل يكون أحق بالدين الذي في ذمته من غرماء المرتهن حتى يستوفي منه القيمة التي وجبت له أم لا ذكر عن ابن القاسم أنه ليس أحق بالقيمة وعن أشهب أنه أحق بها.ص: (والقول لمدعي نفي الرهنية) ش: يعني أنه إذا كان لشخص على آخر دين وكان تحت يد صاحب الدين شيء للمديان فادعى أحدهما أن ذلك الشيء رهن في الدين، وقال الآخر: ليس برهن فالقول قول من ادعى نفي الرهنية.
فإن قلت: لم حملت كلام المصنف على هذا، ولم تحمله على أن المراد أنه إذا ادعى صاحب الدين أن الشيء الذي تحت يده رهن وأنكر المديان ذلك فالقول قوله كما قال ابن

(6/581)


.......................................
ـــــــ
الحاجب. وإذا اختلفا في الرهنية فالقول قول الراهن، وهذا هو المتبادر، وأما كون المديان يدعي الرهنية ورب الدين ينكرها فهذا لا يحتاج إلى التنبيه ولا إلى أن يقال: إن القول قول رب الدين مع يمينه؛ لأنه قادر على رده لربه؟.
قلت: يحتاج إلى ذلك فيما إذا هلك الرهن وكان مما يغاب عليه فادعى المديان أن المتاع كان رهنا ليضمن المرتهن القيمة وأنكر رب الدين الرهنية فالقول قوله، وقد نص على ذلك في المدونة قال فيها: وإذا كان بيد المرتهن عبدان فادعى أنهما رهن بألف، وقال الراهن: رهنتك أحدهما بألف وأودعتك الآخر فالقول قول الراهن؛ لأن من ادعى في سلعة بيده، أو عبد أن ذلك رهن، وقال: ربه بل عارية أو وديعة صدق ربه ابن يونس يريد مع يمينه، ثم قال فيها: ولو كان نمطا وجبة فهلك النمط فقال المرتهن: أودعني النمط والجبة رهنا، وقال الراهن: النمط رهن، والجبة هي الوديعة فكل واحد مدع على صاحبه فلا يصدق الراهن في تضمين المرتهن لما هلك، ولا يصدق المرتهن أن الجبة رهن ويأخذها ربها ا هـ. قال ابن يونس: يريد ويحلفان ولهذا عدل المصنف عن عبارة ابن الحاجب فقال: والقول لمدعي نفي الرهنية وأيضا ففي عبارة ابن الحاجب مسامحة أخرى مريبة وهي قوله: الراهن فإنه لم يثبت أنه راهن، ولهذا قال في التوضيح: وقوله يعني ابن الحاجب يريد على دعوى خصمه وإلا فالفرض أن الرهن لم يثبت.
تنبيهات: الأول: علم مما تقدم أن القول قول مدعي نفي الرهنية مع يمينه.
الثاني: علم مما تقدم أيضا أنه لا فرق بين كون الشيء المختلف فيه متحدا، أو متعددا وسلم الراهن كون الرهنية في بعضه وأنكر الآخر ولهذا قال في الشامل: وصدق نافي الرهنية كبعض متعدد، وسيأتي في التنبيه الثالث نقل ابن عرفة عن ابن العطار التفصيل بين المتحد والمتعدد.
الثالث: قال في التوضيح: قيد اللخمي المسألة بما إذا لم تصدق العادة المرتهن فإن صدقته فالقول قوله كبياع الخبز وشبهه يدفع له الخاتم ونحوه ويدعي الرهنية فإن القول قوله، ولا يقبل قول صاحبه: أنه وديعة خليل وهو كلام ظاهر ا هـ. واعتمد التقييد في الشامل فقال: وقيل إلا أن يكون المرتهن كخباز يترك عنده الخاتم فإنه يصدق ا هـ. وظاهر كلام ابن عرفة أنه خلاف، ونقل عن ابن العطار قولا ثالثا ونصه: "ولو ادعى حائز شيء ارتهانه وربه إيداعه المذهب تصديقه" اللخمي إن شهد عرف لحائزه صدق كالبقل في الخاتم ونحوه ابن العطار ولو ادعى حائز عبدين أنهما رهن، وقال: ربهما بل أحدهما صدق ولو ادعى حائز عبد رهن جميعه، وقال ربه: بل نصفه صدق حائزه ا هـ.
فرع: قال في الجواهر: وكذلك لو ادعى المرتهن أن مال العبد، أو ثمرة النخل رهن

(6/582)


وهو كالشاهد في قدر الدين, لا العكس، إلى قيمته, ولو بيد أمين على الأصح, ما لم يفت في
ـــــــ
وأنكر الراهن فالقول قوله أيضا ا هـ. ص: (كالشاهد في قدر الدين) ش: يعني إذا اتفقا على الرهنية واختلفا في مقدار الدين المرهون فيه إلى مبلغ قيمته فيكون القول قول من ادعى أن الدين المرهون فيه قدر قيمة الرهن وما جاوز قدر قيمة الرهن فالقول فيه قول الراهن وسواء أنكر الراهن بالكلية، أو أقر به وادعى أن الرهن في دونه قال في المدونة: وإن قال المرتهن: ارتهنته في مائة دينار، وقال الراهن: المائة لك علي، ولم أرهنك إلا بخمسين، فالقول قول المرتهن إلى مبلغ قيمة الرهن فإن لم يساو إلا خمسين فعجل الراهن خمسين قبل الأجل ليأخذ رهنه. وقال المرتهن: لا أسلمه حتى آخذ المائة فللراهن أخذه إذا عجل الخمسين قبل أجلها وتبقى الخمسون بغير رهن كما أنكرها لا يلزمه فكذلك لا يلزمه بقاء رهنه في الخمسين ا هـ. ولأشهب خلاف ذلك، وانظر ابن يونس. ص: (لا العكس) ش: يعني أن الدين

(6/583)


ضمان الراهن, وحلف مرتهنه, واخذه إن لم يفتكه, فإن زاد حلف الراهن, وإن نقص: حلفا, وأخذه إن لم يفتكه بقيمته, وإن اختلفا في قيمة تالف: تواصفاه ثم قوم, فإن
ـــــــ
لا يكون شاهدا على الرهن فإن اختلفا في صفة قدر الرهن مثلا بعد هلاكه فقال مالك وأصحابه: إن القول في ذلك قول المرتهن ولو ادعى صفة دون مقدار الدين؛ لأنه غارم والغارم مصدق. ابن المواز إلا في قولة شاذة لأشهب فقال: إلا أن يتبين كذب المرتهن لقلة ما ذكر جدا فيصير القول قول الراهن، قال ابن يونس بعد أن ذكر كلام أشهب: إنما أعرف ينحو إلى هذا ابن القاسم وعلى هذه الصورة حمل الشارح كلام المصنف في الوسط وزاد في الكبير صورة أخرى ذكرها ابن عبد السلام ونصه: "وقد اختلف المذهب أيضا لو لم يدع المرتهن هلاك الرهن ولكن، 00 أتى برهن يساوي عشر الدين مثلا، وقال: "هو الذي ارتهنت منك بذلك الدين هل يكون الدين شاهدا للراهن على قولين المشهور هنا أنه لا يكون الدين شاهدا" ا هـ. كلام ابن عبد السلام ونقله الشارح في الكبير واستفيد منه أن الدين ليس بشاهد، ولم يفهم منه ما وراء ذلك، وقد ذكر في نوازل أصبغ من كتاب الرهون قولين في كون القول للراهن مع يمينه إذا أشبه قوله، أو قول المرتهن مع يمينه وذكرهما أيضا في رسم الرهون من سماع

(6/584)


اختلفا, فالقول للمرتهن, فإن تجاهلا, فالرهن بما فيه, واعتبرت قيمته يوم الحكم, إن بقي. وهل يوم التلف أو القبض أو الرهن إن تلف؟ أقوال. وإن اختلفا في مقبوض فقال الراهن عن دين الرهن: وزع بعد حلفهما: كالحمالة.
ـــــــ
عيسى وذكر القولين في النوادر والله أعلم. ص: (فإن اختلفا فالقول للمرتهن) ش:؛ لأنه الغارم فيسأل الراهن عن قيمة سلعته ليعلم ما عنده، أو ما يدعيه. ثم يوقف عليه للمرتهن؛ لأنه المدعى عليه حتى يعلم منتهى دعوى المدعي في دعواه تلك في قدرها وجنسها فيصح توقيف المدعى عليه على ذلك، أو ينكر.
ص: (وإن اختلفا في مقبوض فقال الراهن: عن دين الرهن وزع بعد حلفهما كالحمالة) ش: قال في كتاب الرهون من المدونة: وإن كان لك على رجل مائتان فرهنك بمائة منها رهنا، ثم قضاك مائة، وقال: هي التي فيها الرهن وقلت له أنت هي التي لا رهن فيها وقام الغرماء، أو لم يقوموا فإن المائة يكون نصفها بمائة الرهن

(6/585)


.......................................
ـــــــ
ونصفها للمائة الأخرى ابن يونس: يريد بعد أن يتحالفا إن ادعيا البيان، وقال أشهب: القول قول المقتضي ظاهره: أن التحالف إنما هو مع البيان وبه صرح الشيخ أبو الحسن في مسألة الحمالة، ونصها في الحمالة منها، ومن له على رجل ألف درهم من قرض وألف درهم من كفالة فقضاه ألفا، ثم ادعى أنها القرض، وقال: المقتضي بل هي الكفالة قضى بنصفها عن القرض ونصفها عن الكفالة، وقال غيره: القول قول المقتضي مع يمينه؛ لأنه مؤتمن مدعى عليه وورثة الدافع في قولهما كالدافع ا هـ، وقال مالك: مثله في حقين أحدهما بحمالة، والآخر بغير حمالة وكذلك حق بيمين وحق بلا يمين قال أبو الحسن: معناه ليقضينه ماله انتهى. قال ابن رشد: في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع الرهون فإن حلفا جميعا، أو نكلا جميعا قسم ما اقتضى بين المالين، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف، وقال أيضا في الرسم المذكور من سماع ابن القاسم من كتاب الرهون: فإن كان الحق الأول ستين والثاني ثلاثين واقتضى ثلاثين كان للحق الأول عشرون وللثاني عشرة، ونقله في النوادر وهو مأخوذ من قول المصنف: "وزع". وانظر كلام الرجراجي وأبي الحسن على مسألة الحمالة.
تنبيه: قال ابن رشد في الرسم المذكور من سماع ابن القاسم المتقدم ذكره، وكذا: لو اختلفا عند القاضي في أي الحقين يبدأ بالقضاء يجري الأمر فيه عندي على هذا الاختلاف إلا أنه لا يمين في شيء من ذلك، وقد فرق في سماع أبي زيد من كتاب المديان والتفليس بين اختلافهما عند القضاء وبعد القضاء على اختلاف وقع في ذلك في الرواية فانظر ذلك وأمعن النظر فيه ا هـ. وما عزاه لسماع أبي زيد ليس هو فيه وإنما هو في نوازل سحنون في آخر كتاب المديان والله أعلم.
فروع: الأول: إذا ادعى أحدهما أنه قضاه من كذا، وقال الآخر: بل قبضته مبهما فقال في نوازل سحنون في آخر المديان والتفليس: إن القول قول من قال: إنه مبهم مع يمينه ويفض على المالين أو الأموال فإن اتفقا على الإبهام فيفض ذلك على المالين من باب أولى ا هـ. بالمعنى
الثاني: قال في نوازل عيسى من كتاب المديان والتفليس: وسئل عن رجل كانت له دنانير، أو دراهم أو شيء مما يكال، أو يوزن مما يغاب عليه لم يعرف بعينه على رجل وعلى ابنه فدفع الأب ما عليه إلى ابنه ليدفعه إلى الغريم فقال له: هذا ما لك على أبي، ثم ادعى الغريم بعد ذلك أنه إنما قبضه من الابن قضاء عنه، وأنه ما قال الابن فالقول قول الغريم مع يمينه إلا أن يأتي الابن ببينة تشهد له أنه قال له: هذا الحق عن أبي.
قلت: فإن أتى بالبينة على أمر أبيه أنه يدفع ذلك عنه ؟ قال: لا ينفعه ذلك حتى يأتي

(6/586)


.......................................
ـــــــ
بالبينة على الدفع كان على الأمر بينة، أو لم تكن قال عيسى: إلا أن تكون البينة أن ذلك الشيء الذي قضي شيء أبيه. ابن رشد هذا بين على ما قاله لأن الابن مدع فيما ذكر من أنه قضاه الحق الذي كان له على أبيه، وقد حكمت السنة أن "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" ا هـ.
الثالث: حكى ابن رشد في رسم العارية من سماع عيسى من البضائع والوكالات فيما إذا كان لرجل على آخر عشرة، ولرجل آخر عليه عشرة ووكلا من يقضي منه العشرين فاقتضى عشرة، ثم فلس، وقال الوكيل: هي لفلان، وقال الغريم: للآخر قولان أحدهما: قبول قول الوكيل، والثاني: أن العشرة بينهما ولا عبرة بقول الوكيل والله سبحانه وتعالى أعلم.

(6/587)