مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب

كتاب التفليس
باب التفليس
...
باب التفليس
للغريم: منع من أحاط الدين بماله
ـــــــ
باب
ص: (للغريم منع من أحاط الدين بماله) ش: هذا باب التفليس قال: في الذخيرة: وهو مشتق من الفلوس التي هي أحد النقود كأن الإنسان لم يترك له شيء يتصرف فيه إلا التافه من ماله ا هـ. وفي أبي الحسن قال عياض: التفليس: العدم وأصله من الفلوس أي أنه صاحب فلوس بعد أن كان ذا ذهب وفضة، ثم استعمل في كل من عدم المال، وكذلك يقال أفلس الرجل بفتح اللام فهو مفلس ا هـ. وفي المقدمات التفليس: العدم والتفليس خلع الرجل من ماله لغرمائه والمفلس المحكوم عليه بحكم الفلس الذي لا مال له ا هـ.
فوائد: الأولى: قال في المقدمات في كتاب المديان قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ} [البقرة:282] ، وقال: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فدل ذلك على جواز التداين وذلك إذا تداين في غير سرف ولا فساد وهو يرى أن ذمته تفي بما يدان، ثم قال ": وقد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدين فقال: اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم" ، وقال عمر بن الخطاب: إياكم والدين فإن أوله هم وآخره حرب وحرب: بفتح الحاء والراء قاله في النهاية، وروي سكون الراء أي: نزاع.
الثانية: ذكر في المقدمات أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم آثارا في التشديد في الدين، ثم قال: فيحتمل أن تكون هذه الآثار إنما وردت فيمن تداين في سرف، أو فساد غير مباح، أو فيمن تداين وهو يعلم أن ذمته لا تفي بما تداين به؛ لأنه متى فعل ذلك فقد قصد استهلاك أموال الناس، وقد قيل إن هذا كله إنما كان من النبي صلى الله عليه وسلم في الدين قبل فرض الزكاة ونزول آية الفيء والخمس.

(6/588)


.......................................
ـــــــ
الثالثة: قال فيها أيضا: فكل من ادان في مباح وهو يعلم أن ذمته تفي بما ادان فغلبه الدين فلم يقدر على أدائه حتى توفي فعلى الإمام أن يؤدي ذلك من بيت مال المسلمين، أو من سهم الغارمين من الزكاة، أو من الصدقات محلها إن رأى ذلك على مذهب مالك الذي يرى أنه إن جعل الزكاة كلها في صنف واحد أجزأه، وقد قيل أنه لا يجوز أن يؤدي دين الميت من الزكاة فعلى هذا القول إنما يؤدي الإمام دين من مات من الفيء ا هـ. وقوله ادان يعني استدان قال في النهاية في حديث الأبقع: "فادان معرضا" أي استدان معرضا عن الوفاء ا هـ.
الرابعة: قال فيها أيضا: واجب على من كان عليه دين أن يوصي بأدائه فإذا فعل وترك وفاء فليس بمحبوس عن الجنة لدينه، وكذا إن لم يترك وفاء فليس بمحبوس عن الجنة وعلى الإمام وفاؤه فإن لم يفعل فهو المسئول عن ذلك إذا لم يقدر على أدائه في حياته وأوصى به ا هـ.، وقال في التمهيد في شرح الحديث السابع عشر ليحيى بن سعيد: فالدين الذي يحبس به صاحبه عن الجنة والله أعلم هو الذي ترك وفاء، ولم يوص به، أو قدر على الأداء فلم يوف أو أدانه في غير حق، أو في سرف ومات، ولم يوص به، وأما من ادان في حق واجب لفاقته وعسره، ولم يترك وفاء فإن الله لا يحبسه به عن الجنة؛ لأن فرضا على السلطان أن يؤدي عنه دينه من جملة الصدقات، أو من سهم الغارمين، أو من الفيء الراجع على المسلمين من صنوف الفيء والله أعلم. ونقل الأبي عن عياض في شرح قوله صلى الله عليه وسلم "ومن ترك دينا أو ضياعا فعلي وإلي"1 أي فعلي قضاء دينه، وإلي كفالة عياله وهذا مما يلزم الأئمة في مال الله، فينفق منه على الذرية وأهل الحاجة، ويقضي ديونهم ذكره في أحاديث الجمعة من كتاب الصلاة من شرح مسلم، وقال في الذخيرة: والأحاديث الواردة في الحبس عن الجنة في الدين منسوخة بما جعله الله من قضاء الدين على السلطان وكان ذلك قبل أن تفتح الفتوحات ا هـ. وتقدم في باب الخصائص كلام ابن بطال والجمع بين ما هنا وما هناك والله أعلم.
الخامسة: قال في كتاب التفليس من المقدمات: وقد كان الحكم من النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام بيع المديان فيما عليه من الدين على ما كان عليه من الاقتداء بشرع من قبله فيما لم ينزل عليه فيه شيء، وذكر قصصا في ذلك، ثم قال: نسخ الله ذلك من حكم رسوله بقوله: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وقوله للغريم: فعيل بمعنى فاعل أي غارم ويطلق على المدين وعلى رب الدين وهو المراد هنا مشتق من الغرم، قال في
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب تفسير سورة 33 باب1, مسلم في كتاب الفرائض حديث 15 أبو داود في كتاب الإمارة باب 15. ابن ماجة في كتاب المقدمة باب 7 الدارمي في كتاب البيوع باب 54, أحمد في مسنده (3/371,338,311)

(6/589)


من تبرعه,
ـــــــ
الصحاح: الغريم الذي عليه الدين يقال: خذ من غريم السوء ما سنح بالنون، وقد يكون الغريم أيضا الذي له الدين قال كثير:
قضى كل ذي دين فوفى غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها.
ص: (من تبرعه) ش: يعني أن من أحاط الدين بماله ممنوع من التبرع بالمال ومراده قبل التفليس، وأما بعده فإنه ممنوع من التصرف المالي مطلقا وما ذكره المصنف من

(6/590)


.......................................
ـــــــ
هنا إلى قوله "وفلس" من الأحكام التي لمن أحاط الدين بماله فعلها وعدم فعلها فمراده بها قبل التفليس فتأمله وقوله: أحاط الدين بماله يقتضي أنه لو لم يحط الدين بماله لم يمنع من التبرع، وهو كذلك ويؤخذ من قوله: أحاط أنه علم أن الدين أحاط بماله فلو لم يعلم بذلك لم يمنع من التبرع قال المشذالي في حاشيته في أول التفليس ابن هشام: لو وهب، أو تصدق وعليه دين لا يدري هل يفي ماله بهما أم لا جاز حتى يعلم أن ما عليه من الدين يستغرق ماله قاله ابن زرب واحتج عليه بما في سماع عيسى من الرضاع فيمن دفع لمطلقته نفقة سنة، ثم فلس بعد ستة أشهر إن كان يوم دفع النفقة قائم الوجه لم يظهر في فعله سرف ولا محاباة، فذلك جائز ابن رشد يريد بقوله: "قائم الوجه": جائز الأمر. أن يكون المفلس مأمونا عليه مع كثرة ديونه ولا يتحقق أنها مغترقة لجميع ماله فيقوم من قوله هذا: أن من وهب، أو

(6/591)


.......................................
ـــــــ
تصدق وعليه دين لقوم إلا أنه قائم الوجه لا يخاف عليه الفلس، أن أفعاله جائزة، وإن لم تحصر الشهود قدر ما معه من المال والدين وبهذا كان يفتي ابن زرب ويحتج بهذه الرواية ويقول: لا يخلو أحد من أن يكون عليه دين وقوله صحيح واستدلاله حسن. وأما إن علم أن ما عليه من الدين يغترق ما بيده من المال فلا يجوز له هبة ولا عتق ولا شيء من المعروف ويجوز له أن يتزوج وينفق على ولده الذين تلزمه نفقتهم ويؤدي منه عن عقل جرح خطإ، أو عمد لا قصاص فيه ولا يجوز له أن يؤدي عن جرح فيه قصاص هذا معنى قول مالك في المدونة وغيرها، وبه يقول ابن القاسم.
قلت: وفي سماع أصبغ من الديات ما نصه: "إذا كان الرجل قائم الوجه يبيع ويشتري ويتصرف في ماله فحمالته وهبته وصدقته ماضية كإن علم أن عليه ديونا كثيرة بقي الجواز حتى يثبت أنه لا وفاء له بما فعل من المعروف ".

(6/592)


.......................................
ـــــــ
قلت: وفي سماع أبي زيد فيمن أحاط الدين بماله أو بعضه فيتحمل حمالة وهو يعلم أنه يعدم لا يسعه ذلك بينه وبين الله وحمالته مرودة؛ لأنها معروف ابن رشد معناه إذا كان البعض الباقي عن الدين لا يفي بما تحمل به ولو كان يفي صحت حمالته.
قلت: وأخذوا من هذا، ومن نظائره أن من عليه صلاة فرض لا يجوز له أن يتنفل، وأن أصحاب المكوس لا يصح منهم عتق وفي أحكام ابن سهل فيمن باع دارا بمحاباة، ثم ثبت

(6/593)


ومن سفره إن حل بغيبته, وإعطاء غيره قبل أجله, أو كل ما بيده: كإقراره لمتهم عليه على المختار والأصح,
ـــــــ
عليه دين من قبالة أحباس فقال ابن العطار وغيره: إن كان الدين قبل البيع فالدين أحق بالمحاباة، وإن كان بعد البيع فالمبتاع أولى بها ويحلف ما كان توليجا، وإن كانت الدار لم تخرج من يد البائع فالدين أولى ولو كان بعد البيع، وقال يحيى بن واقد: إن أثبت صاحب الحبس المحاباة في الدار فالبيع مردود والدين أحق بالزائد؛ لأن هبة المديان لا تصح المشذالي انظر ابن سهل في مسائل المديان في مسألة رجل لزمته قبالة أحباس فاعتقلت داره ا هـ.ص: (وسفره إن حل بغيبته) ش: يعني أن للغريم أن يمنع المدين من السفر إذا كان الدين يحل بغيبته وهو واضح.
تنبيهات: الأول: هذا الكلام في المدين لا بقيد كون الدين أحاط بماله كما نبه عليه ابن غازي رحمه الله.

(6/594)


.......................................
ـــــــ
الثاني: أطلق المصنف رحمه الله في منعه من السفر إذا حل بغيبته وهو مقيد بأن لا يوكل وكيلا بوفاء الحق فإن وكل فلا منع هذا الذي عليه أهل المذهب كابن شاس ونصه: "وليس لمن له دين مؤجل منعه من السفر ولا طلب كفيل ولا الإشهاد إلا أن يحل في غيبته فليوكل من يقبضه عند استحقاقه" ا هـ. وكذلك ابن الحاجب ومشى عليه في التوضيح لكن قال ابن عبد السلام: ظاهر المدونة أنه يمنع من السفر البعيد ولا يقبل منه الوكيل فقال ابن غازي: لعل المؤلف لم يقيد المسألة هنا بعدم التوكيل اعتمادا على ما نسبه ابن عبد السلام لظاهر المدونة على أنه أضرب عن نقل هذا الاستظهار في التوضيح ا هـ. وما قاله ليس بظاهر فإن أهل المذهب كلهم مصرحون بهذا التقييد.
الثالث: فإذا وكل فهل له عزل وكيله ؟ ابن عبد السلام تردد، واختار بعض المحققين أن له عزله إلى بدل لا مطلقا، وأصل المذهب أنه إذا تعلق بالوكالة حق لأحد الغريمين إلا أن يكون له العزل ا هـ.
الرابع: يفهم من كلام المؤلف بالأحروية لصاحب الدين أن يمنع المدين من السفر إذا كان الدين حالا حتى يقبضه وهو كذلك والله أعلم.
الخامس: مفهوم قوله حل بغيبته إذا كان لا يحل بغيبته فإنه ليس له منعه من السفر ولا تحليفه ونص في سماع عيسى من كتاب الكفالة أنه يحلفه أنه لم يرد الفرار من الحق الذي عليه، وأنه ينوي الرجوع عند الأجل لقضاء الحق الذي عليه. ابن يونس، وقال بعض أصحابنا: إنما يحلف المتهم وجعل الشيخ أبو الحسن هذا تقييدا للمدونة وكذلك الشيخ أبو محمد قال في مختصره. بعد أن ذكر لفظ المدونة: يريد ويحلف نقله المشذالي عنه وجعله صاحب الشامل المذهب، ونصه: "ولذي الدين منع المديان من سفر يحل فيه إلا أن يوكل من يوفيه. لا إن كان يحل بعده وحلف أنه لم يرد به فرارا، وأن نيته العود لقضائه عند الأجل وقيل إن اتهم وإلا فلا" ا هـ. وكذلك اللخمي ذكر هذا على أنه المذهب ونصه في السلم الثالث "ومن كان عليه دين إلى أجل فأراد السفر قبل حلوله لم يمنع إذا بقي من الأجل قدر سيره ورجوعه وكان مما لا يخشى لدده ومقامه، وإن خشي ذلك منه وكان معروفا باللدد منع إلا أن يأتي بحميل، وإن كان موسرا أو له عقار كان بالخيار بين أن يعطي حميلا بالقضاء، أو وكيلا بالبيع ويكون النداء قبل الأجل بمقدار ما يرى أنه يكمل الإشهاد عند محل الأجل، وإن أشكل أمره هل يريد بسفره تغييبا، أم لا حلف أنه ما يسافر فرارا، وأنه لا يتأخر عن العودة لمحل الأجل وترك" ا هـ. وهو كلام حسن ونقله عنه الشيخ بدر الدين بن جماعة الشافعي في منسكه. الكبير ومعنى قوله: "ويكون النداء" إلخ فيما يظهر أنه إذا وكل على البيع يكون ابتداء بيعه وندائه على العقار بمقدار ما يرى إلخ.

(6/595)


لا بعضه ورهنه, وفي كتابته: قولان.
ـــــــ
السادس: اعلم أن هذا الكلام كله في المديان الموسر، وأما المعسر فليس للعديم منعه صرح به أهل المذهب في باب الحج قال ابن عرفة في موانع الحج ابن شاس: "لمستحق الدين منع المحرم الموسر من الخروج ويجب أداؤه ويمتنع تحلله فإن كان معسرا، أو مؤجلا لم يمنع".
قلت: إن كان إيابه قبل حلوله ا هـ.
فرع: قال المشذالي في حاشيته: في السلم الثالث قال ابن سهل سئل أبو إبراهيم عمن له دين مؤجل قرب الأجل أم بعد فزعم رب الدين أن الغريم يريد السفر وأنكر الغريم ذلك ؟ فقال: إن قام الطالب بشبهة بينة، وإن لم تكن قاطعة حلف المطلوب ما يريد سفرا، أو إن نكل كلف حميلا ثقة يغرم المال، ثم يقال له سافر إن شئت ا هـ. فتأمله.
فرع: منه أيضا قال المتيطي: لا يمنع الخصمان من السفر ولا من أراده منهما وله أن يوكل عند ذلك قال ابن العطار: وعليه أنه يحلف ما استعمل السفر ليوكل فإن نكل منع من التوكيل إلا إن شاء خصمه ابن الفخار ولا يحلف وله التوكيل إن كان خصمه قد أحرجه، أو شاتمه فحلف لا خاصم بنفسه قال ابن الفخار: إن حلف لا يخاصمه من غير عذر لم يكن له أن يوكل ا هـ. وسيذكره المؤلف في فصل الوكالة.
فرع: قال الزيزي في تكميله.: وهل يحلف على نهاية سفره قولان ا هـ. وأصله لابن رشد في سماع عيسى من الكفالة، ونقله المشذالي لكن ليس على هذا الوجه فراجع أيهما شئت والله أعلم.
فرع: من التزم لإنسان أنه إن سافر فله عليه كذا، وكذا فأراد السفر وشرع في أسبابه وفي تحميل حوائجه فهل له مطالبته بالالتزام أجاب الوالد: بأنه يطالب بدفع المال الملتزم به، أو بتوكيل وكيل يدفع عنه إذا سافر؛ لأنه لا يتحقق وجوب المال الملتزم به إلا بعد سفره لاحتمال موته ولو عند ركوبه، أو حصول عائق يمنعه والله أعلم. وأخذ من هنا مسألة مطالبة الزوجة زوجها بالنفقة عند سفره والله أعلم.
ص: (لا بعضه ورهنه) ش: هذا إذا كان صحيحا، وأما إذا كان مريضا فلا يجوز قضاؤه ولا رهنه في مذهب ابن القاسم بخلاف بيعه وابتياعه قاله ابن القاسم: ونقل الرجراجي في ذلك ثلاثة أقوال، ونصه: "وإذا كان المقر مريضا

(6/596)


وله التزوج, وفي تزوجه أربعا, وتطوعه بالجج: تردد، وفلس حضر
ـــــــ
فلا يخلو إما أن يكون مديانا، أو غير مديان فإن كان مديانا فتصرفه في المعاوضات جائز قولا واحدا ما لم يحاب وتصرفه في المعارف ممنوع قولا واحدا إلا بإجازة الورثة، وفي قضائه ورهنه ثلاثة أقوال: المنع لابن القاسم، والجواز للغير في كتاب المديان، والتفصيل بين القضاء والرهن وهو القول الذي حكاه أبو الوليد" ا هـ. ونقل ابن رشد الثلاثة الأقوال في رسم طلق بن حبيب من كتاب اللقطة والله أعلم. يعني بقوله: المعارف. المعروف كالصدقة والعتق ونحو ذلك، وأما إذا لم يكن عليه دين، ثم استحدث في مرضه دينا ببيع، أو قرض ورهن فيه رهنا فلا كلام في صحة ذلك والله أعلم. قال في الوثائق المجموعة: فإن كان الراهن حين الرهن مريضا فليس بضار له؛ لأن بيع المريض جائز ما لم يحاب في ذلك فكذلك رهنه؛ لأن الرهن كالبيع وسببه كان ا هـ. فتأمله فإنه حسن.ص: (وفي تطوعه بالحج تردد) ش قال في المقدمات: يجوز إنفاقه المال على عوض فيما جرت العادة بفعله كالتزوج والنفقة على الزوجة وما أشبه ذلك ولا يجوز فيما لم تجر العادة بفعله من الكراء في الحج، والتطوع وما أشبه ذلك وانظر هل له أن يحج الفريضة من أموال الغرماء، أم لا ؟ وإن كان يأتي على ذلك الاختلاف في الحج هل على الفور، أو على التراخي وهل له أن يتزوج أربع زوجات وتدبر ذلك ا هـ. وما ذكره الشارح عن المقدمات لم أقف عليه فيها والعجب من تردد ابن رشد في حج الفريضة، وقد نص في النوادر على أنه لا يحج الفريضة قال في كتاب الاستطاعة: قال ابن المواز قال مالك وذكر ابن عبدوس من رواية ابن نافع فيمن عليه دين وليس عنده قضاء فلا بأس أن يحج. قال سحنون: وأن يغزو قال ابن المواز: قال مالك: وإن كان له وفاء، أو كان يرجو قضاءه فلا بأس أن يحج قال محمد: معناه وإن لم يكن معه مقدار دينه فليس

(6/597)


أو غاب, إن لم يعلم ملاؤه بطلبه, وإن أبى غيره دينا حل
ـــــــ
له أن يحج يريد محمد إلا أن يقضيه، أو يتبع وحده، وقال سند في باب الاستطاعة: وإن كان عليه دين وبيده مال فالدين أحق بماله من الحج قاله مالك في الموازية فإن لم يكن له مال قال عنه ابن نافع: عند ابن عبدوس لا بأس أن يحج قال سحنون: وأن يغزو يريد أن المعسر يجب إنظاره فإذا تحقق فلسه وكان جلدا في نفسه فقد سقط عنه عائق الدين ويلزمه الحج لقوته عليه أما من له مال فلا يخرج حتى يؤدي دينه. فإن كان هذا في حكم الحج الفرض فما بالك بالتطوع فقد سقط التردد الذي في كلام المصنف والذي في كلام ابن رشد لوجود النص عن مالك والحمد لله على ذلك.ص: (أو غاب إن لم يعلم ملاؤه) ش: أطلق رحمه الله والغيبة على ثلاثة أقسام: قريبة وحدها ابن القاسم في العتبية، والواضحة بالأيام اليسيرة فلا يفلس بل يكشف عن حاله ابن رشد ولا خلاف في ذلك، وغيبة متوسطة وحدها ابن رشد بالعشرة الأيام ونحوها فإن لم يعلم ملاؤه فلس بلا خلاف، وإن علم لم يفلس على المشهور خلافا لأشهب وغيبة بعيدة وحدها ابن رشد بالشهر ونحوه قال: ولا خلاف في وجوب تفليسه، وإن علم ملاؤه قاله جميعه في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب المديان، وهذه طريقة ابن رشد، وأما اللخمي وابن الحاجب فأطلقوا في الغيبة التعميم وحكوا الخلاف فيها مطلقا من غير تقييد بعشرة أيام كما قال ابن رشد ونقل في التوضيح كلام ابن رشد جميعه ومشى عليه صاحب الشامل ونصه: "وفلس ذو غيبة بعدت كشهر، أو توسطت كعشرة أيام وجهل تقديم يسره لأن قربت وكشف عنه كأن علم تقديم يسره على المشهور. فرع: قال في التوضيح: أما لو حضر الغريم وغاب المال فإن ذلك يوجب تفليس الغريم إذا كانت غيبة المال بعيدة ا هـ. ونقله في الشامل.
فرع: قال في الشامل: واستؤني ببيع سلع من بعدت غيبته كإن قربت على الأظهر ا هـ. ونقله في التوضيح.ص: (بطلبه، وإن أبى غيره دينا حل) ش: الباء متعلقة بقوله: "فلس"

(6/598)


زاد على ماله, أو بقي ما لا يفي بالمؤجل فمنع من تصرف مالي, لا في ذمته:
ـــــــ
والضمير المجرور في "بطلبه" عائد على الغريم وهو فاعل المصدر الذي هو طلبا ودينا مفعوله وفهم من قوله فلس بطلب الغريم أنه لا يكون للقاضي تفليس المديان إلا بطلب الغريم، وأنه لو أراد المدين تفليس نفسه لم يكن له ذلك، وقد اختلف الشافعية هل له ذلك أم لا ؟ قاله في التوضيح وفهم من إفراد الضمير في طلبه وفي الأبي وغيره أنه لو طلب التفليس واحد من الغرماء فأكثر كان له ذلك وهو كذلك قال في أول التفليس من المدونة: وإذا قام رجل واحد على المديان فله أن يفلسه كقيام الجماعة ا هـ. وقال ابن عبد السلام في شروط التفليس: أحدها أن يقوم من الغرماء عليه واحد فأكثر ا هـ. وقاله: غيره وإنما ذكرت عبارته مع عبارة المدونة؛ لأنها أصرح في ذلك من عبارة المدونة والله أعلم..ص: (فيمنع من تصرف مالي لا في ذمته) ش: يعني فبسبب الحكم بتفليسه يمنع من التصرفات المالية قال في المقدمات: وأما بعد التفليس فلا يجوز له بيع ولا شراء ولا أخذ ولا عطاء ا هـ. وقال: الشارح في حل كلام المصنف لهذه القولة ولا يبيع بمحاباة ا هـ. فتقييده بالمحاباة ليس بظاهر؛ لأن المذهب منعه من البيع والشراء مطلقا ونبه عليه ابن غازي وقوله يمنع من تصرف مالي يريد في المال الموجود في يده كما قال ابن الحاجب في المال الموجود: قال الشيخ احترازا مما لم يوجد فإنه لا يمنع كالتزامه عطية شيء إن ملكه اللهم إلا أن يملكه ودينهم باق عليه فلهم حينئذ المنع ا هـ ودخل في قوله "تصرف مالي" النكاح ونص عليه في المدونة ونقله في التوضيح وقوله لا في ذمة فلا يمنع من التصرف في ذمته ويشير لقول: ابن الحاجب وتصرفه شارطا أن يقبض من غير ما حجر عليه صحيح قال ابن عبد السلام: يريد كما لو اشترى شيئا على أن يدفع ثمنه من غير المال الذي حجر عليه ولكن ذلك بعد القسمة فالمسألة أبين لعدم الحاجة للشرط الذي ذكره المؤلف ولو قيل لا يحتاج إلى ذلك الشرط مطلقا؛ لأن الحكم يقتضيه لما كان بعيدا، وقال في التوضيح: يعني إذا اشترى شيئا، وشرط أن يقضيه من غير ما حجر عليه مما سيطر أجاز خليل وانظر في هذا فإن فيه البيع لأجل مجهول وقابله بما قالوا لو تزوجها إلى ميسرة، وقد تقدم أن شيخنا أخذ منه لا يجوز له أن يشتري سلعة بشرط أن يدفع ثمنها إذا فتح الله فانظر ذلك ا هـ. ولا

(6/599)


كخلعه, وطلاقه, وقصاصه, وعفوه, وعتق أم ولده. وتبعها مالها. إن قل, وحل به وبالموت
ـــــــ
يلزم في هذا أن يكون لأجل مجهول فقد يؤجل بأجل معلوم يمكنه أن يتجر فيه في تلك السلعة ويربح فيها قال ابن عرفة عن اللخمي: وروايته في تبصرته ما نصه: "وإن اشترى بعد الحجر على المال الذي فيه رد إلا أن يكون فيه ويقرب بيعه إلا أن يرضى البائع أن يباع له ولا يدخل مع الغرماء، وإن اشترى على أن يقبض من غير ما حجر عليه فيه جاز ونحوه قول المازري إن كان بيعه وشراؤه مصروفا لذمته كسلم يسلم إليه فيه لأجل بعيد يصح العقد إليه وما في معناه لم يكن لغرمائه منعه من ذلك ا هـ. وما ذكره الشارح في شرح قوله: لا في ذمته ليس هو محله إنما محله حيث ذكرته، والله أعلم.ص: (وتبعها مالها إن قل) ش: قال ابن الحاجب: وفي اتباعها مالها إذا لم يكن يسيرا قولان قال: في التوضيح: يعني إذا فرعنا على المشهور من إمضاء العتق فإن لم يستثن السيد مالها فلمالك في الموازية يتبعها؛ لأن السيد باعتبارها غير مفلس، وقال ابن القاسم: لا يتبعها إلا أن يكون يسيرا ا هـ. وقد صدر في الشامل بقول مالك؛ لأنه هو المناسب لقوله بعد هذا؛ لأنه لا يلزم بانتزاع أم ولده والله أعلم..ص: (وحل به وبالموت ما أجل) ش: تصوره واضح.
فرع: لو قال بعض الغرماء لا أريد حلول عروضي، وقال المفلس: بل حكم بحلول ما علي ولا أؤخرها فالقول للمفلس ويخير المستحق قاله في الموازية والعتبية واعترضه اللخمي بأن الحلول إنما كان لحق رب السلع، فيكون القول له في التأخير ا هـ. ونقله في الشامل ونصه: "فلو أراد بعضهم تأخير سلعة منع وجبر على قبضها، ورجح قوله" ا هـ. يشير برجح لكلام اللخمي، وقال ابن عرفة: المذهب حلول دين المفلس المؤجل بتفليسه كالموت مطلقا، وسئل السيوري وبعض المغاربة لعدم حلوله فيها خلاف المذهب. ثم قال اللخمي: القياس إن أتى المفلس بحميل أن يبقى ما عليه لأجله؛ لأن تعجيله إنما هو لخوف أن لا يكون له عند الأجل شيء ولابن رشد عن سحنون ولا يحاصص ذو الدين العرض المؤجل

(6/600)


ما أجل, ولو دين كراء؛ أو قدم الغائب مليا, وإن نكل المفلس, حلف كل: كهو وأخذ حصته, ولو نكل غيره على الأصح,
ـــــــ
بقيمته حالا بل على أن يقبضه لأجله قال ابن رشد: وهو بعيد قال ابن عرفة: ففي حلول الأجل بتفليسه، ثالثها إن لم يأت بحميل به ورابعها إن لم يكن عرضا للمعروف وقول السيوري فيه وفي الموت واللخمي وسحنون ا هـ.
فرع: قال في التوضيح ولو قالت الورثة: نحن نأتي بحميل مليء ونؤدي عند الأجل ومكنونا من قسم التركة كلها لم يكن لهم ذلك قاله: ابن نافع في المبسوط ا هـ. وقال في الشامل: ولو طلب الوارث تأخيره للأجل بحميل مليء ويمكن من أخذ التركة منع ا هـ. ثم قال في باب الضمان: ومن مات وعليه دين وهو وتركته مجهولان فضمنه وارثه ليمكن من التركة جاز إن انفرد بعضهم إن كان النقص عليه والفاضل بينهم لا على أن يختص به ا هـ. وهذه المسألة التي في الضمان ذكرها في التوضيح في الضمان وابن عرفة أيضا في الضمان وهو في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم ورسم البيوع من سماع أشهب، وقد نقلت كلامه في باب الضمان في شرح قول: المصنف، وإن جهل والظاهر أنه لا معارضة بين ما ذكره في التوضيح هنا وبين ما ذكره في باب الضمان؛ لأن مراده بقوله هنا لم يكن لهم ذلك أنه لا يجبر الغرماء عليه فتأمله والله أعلم.ص: (ولو دين كراء) ش: يشير لقول المقدمات، وأما ما لا يمكنه دفع العوض فيه ويمكنه دفع ما يستوفى فيه مثل أن يكتري الرجل دارا بالنقد أو يكون العرف فيه النقد فيفلس المكتري قبل أن يقبض الدار أو بعد أن قبض وسكن بعض السكنى فأوجب ابن القاسم في المدونة للمكري المحاصة بكراء ما بقي من السكنى إذا شاء أن يسلمه وله مثل ذلك في العتبية وعلى قياس هذا إن فلس قبل أن

(6/601)


وقبل إقراره بالمجلس, أو قربه: إن ثبت دينه بإقرار لا ببينة, وهو في ذمته.
ـــــــ
يقبض الدار فللمكري أن يسلمها ويحاصص بجميع كرائه، وهذا إنما يصح على قول أشهب الذي يرى قبض أوائل الكراء قبضا لجميع الكراء، فيجيز أخذ الدار للكراء من الدين، وأما ابن القاسم فالقياس على أصله: أن يحاص الغرماء بكراء ما مضى، ويأخذ داره ولا يكون له أن يسلمها ويحاص الغرماء بجميع الكراء، وإن لم يشترط في الكراء النقد ولا كان العرف فيه النقد لوجب على المذهب المتقدم إذا حاص أن يوقف ما وجب له في المحاصة فكلما سكن شيئا أخذ بقدره من ذلك ا هـ. والمسألة في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب التفليس واستوفى ابن رشد الكلام عليها فراجعه إن أردته والله أعلم.ص: (وإن نكل المفلس حلف كل كهو) ش فهم من قوله: المفلس أن المدين إذا لم يفلس فليس لغريمه الحلف مع شاهده قال ابن عرفة اللخمي في كتاب الشهادات لابن حبيب عن الأخوين، وإن نكل مدين عن الحلف مع شاهد له بدين قبل الضرب عليه فليس لغرمائه الحلف عليه وبعده لهم ذلك ا هـ. ومثل المفلس الميت.
تنبيه: إذا قام للميت، أو المفلس شاهد بقضاء دينه فهل يحلف غرماؤه معه أم لا ذكر في العتبية في سماع عيسى من كتاب التفليس أن لهم ذلك، ونصه: "وسألته عن الرجل يهلك

(6/602)


.......................................
ـــــــ
فتقوم عليه امرأته بصداق عليه إلى أجل ببينة وقام عليه غرماؤه فشهد لهم عليها شاهد واحد أن المرأة صالحت زوجها على: إن وضعت له ذلك الصداق، قال يحلف الغرماء مع شاهدهم ويستحقون حقوقهم فإن أبوا أن يحلفوا حلف من رضي واستحقوا حقوقهم" قال ابن رشد: قوله إن الغرماء يحلفون مع شاهدهم على إبراء الميت من الصداق، ويستحقون حقوقهم في تركة الميت فيختصون بها دون المرأة صحيح على قياس قول مالك في الميت يقوم عليه الغرماء له دين بشاهد واحد: إن الغرماء يحلفون مع الشاهد على الدين فيستحقونه لأنفسهم من ديونهم؛ لأنها يمين مع الشاهد يصلون بها إلى استيفاء حقوقهم في المسألتين جميعا فلا فرق في المعنى والقياس بين أن يبرئوا الميت من الصداق بحلفهم مع الشاهد فيستحقون تركته في ديونهم، وبين أن يثبتوا له الدين بحلفهم عليه مع الشاهد به فيستحقونه في ديونهم، وقد حكى ابن حبيب عن أصبغ: أنه لا يحلف الغرماء في إبراء الميت وإنما يحلفون في دين له؛ لأن حلفهم على الدين رجم بالغيب إذ لا يعلمون ذلك وهو بعيد قد أنكره ابن المواز، وقال: إن ذلك ليس رجما بالغيب وإنما يحلفون بخبر مخبر كما يحلفون على إثبات دين له وذلك بين لا فرق في هذا المعنى بين الموضعين ا هـ. وذكر ابن فرحون في الباب الحادي عشر من القسم الثاني المسألة، والخلاف في المفلس عن المتيطي.
فرع: وهل يبدأ الورثة، أو الغرماء؟ قال ابن رشد إثر كلامه المتقدم وقوله في هذه المسألة: إن الغرماء يحلفون مع شاهدهم ويستحقون حقوقهم فالظاهر من قوله أنه يبدأ الغرماء بالأيمان على الورثة: وفي هذا تفصيل أما إن كان فيما ترك المتوفى فضل عن حقوق الغرماء فلا اختلاف في أن الورثة يبدءون بالأيمان فإن حلفوا بطل دين المرأة واستحقوا ما فضل عن ديون الغرماء فإن أبى الورثة أن يحلفوا حلف الغرماء، ويأخذون حقوقهم فإن فضل فضل بعد استيفائهم لم يكن للورثة أن يحلفوا عليه، ولم يكن لهم شيء منه؛ لأن الأيمان عرضت عليهم أولا فتركوها إلا أن يقولوا: لم نكن نعلم أنه يفضل لصاحبنا فضل، أو يعلم أن نكولهم من أجل ذلك فيحلفون ويأخذون ما بقي من دينه، وإن نكل الغرماء أيضا عن اليمين حلفت المرأة واستحقت دينها وحاصت الغرماء في جميع ما يخلفه المتوفى، وأما إن لم يكن فيما ترك فضل عن ديون المتوفى فاختلف قول: مالك فيمن يبدأ باليمين فالظاهر من قوله في الموطإ أن الورثة يبدءون باليمين، وروى ابن وهب عنه أن الغرماء يبدءون وهو اختيار سحنون وعليه تؤول قول مالك في موطئه فقال إنما بدأ الورثة باليمين من أجل أن الغرماء لم يحلفوا ولو كانوا حلفوا لكانوا هم المبدئين باليمين وهو تأويل بعيد، والصواب أن ذلك اختلاف من قول مالك، ثم وجه كلا من القولين بما يطول ذكره.
فرع: إذا ادعى الغريم أنه لا مال له فأقام الطالب بينة على دار، أو عرصة أنها ملكه فقال ابن فرحون في آخر التبصرة في فصل مسائل المديان مسألة في بيع ملك الغريم. وفي

(6/603)


وقبل تعيينه القراض والوديعة, إن قامت بينة بأصله والمختار قبول قول صانع بلا بينة, وحجر أيضا إن تجدد مال وانفك ولو بلا حكم ولو مكنه الغريم فباعوا واقتسموا, ثم داين غيرهم فلا دخول للأولين: كتفليس الحاكم
ـــــــ
المتيطية: وإذا أثبت الطالب مالا للغريم تعينه البينة وقف الغريم على ذلك فإن أقر بذلك أمره الحاكم ببيعه وقضاء دينه فإن أبى ضيق عليه بالضرب والسجن حتى يبيع ولا يبيعه القاضي كبيعه على المفلس؛ لأن المفلس ضرب على يديه ومنع من ماله فلذلك بيع عليه وهذا بخلافه قال الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن، وإن أنكر الغريم الملك وعجز عن الدفع في شهادة من شهد له بالملك فقال بعض الموثقين عندي: أنه يبيعه عليه ولا يضطره إلى ما يستوفى منه ا هـ. وكلام المتيطية هذا ذكره فيها في البيوع في الكلام على بيع السلطان لهلاك الغريم والله أعلم.ص: (وقبل تعيينه القراض والوديعة، وإن قامت بينة بأصله) ش:

(6/604)


إلا كإرث, وصلة وجناية وبيع ماله بحضرته بالخيار ثلاثا ولو كتبا, أو ثوبي جمعته, إن كثرت قيمتهما, وفي بيع آلة الصانع: تردد وأوجر رقيقه, بخلاف مستولدته,
ـــــــ
هذا إذا كان إقراره بذلك بعد التفليس قال ابن سلمون، وأما قبل التفليس فجائز لمن لا يتهم بدين، أو وديعة، أو قراض، أو شيء بعينه مع يمين المقر لهم وقيل بلا يمين ا هـ. ص: (وبيع ماله بحضرته بالخيار ثلاثا) ش: تصوره واضح.
تنبيه: قال: في المقدمات في كتاب التفليس: ويباع ماله من الديون إلا أن يتفق الغرماء على تركها حتى تقبض عند حلولها ا هـ.ص: (وأوجر رقيقه بخلاف مستولدته) ش: مراده برقيقه من فيه عقد حرية وهو واضح.

(6/605)


ولا ويلزم بتكسب, وتسلف واستشفاع, وعفو للدية, وانتزاع مال رقيقه أو ما وهبه لولده, وعجل بيع الحيوان واستؤني بعقاره, كالشهرين وقسم بنسبة الديون بلا بينة حصرهم, واستؤني به, إن عرف بالدين في الموت فقط,
ـــــــ
تنبيه: قال في المقدمات فإن ادعى في أمة أنها أسقطت منه لم يصدق إلا أن تقوم بينة من النساء، أو يكون قد فشا ذلك قبل ادعائه، وإن كان لها ولد قائم فقوله مقبول أنه منه ا هـ. ص: (واستؤني به إن عرف بالدين في الموت فقط) ش: في قوله في الموت فقط نظر قال ابن رشد في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب المديان بعد أن ذكر الخلاف في الاستيناء في الحاضر والقريب الغيبة، وأما البعيد الغيبة فلا اختلاف في وجوب الاستيناء به إذا خشي أن يكون عليه دين ا هـ، والله أعلم.
فرع: وأما بيع الورثة قبل قضاء الدين أو قسمتهم فقال في الشامل في باب التفليس:

(6/606)


وقوم مخالف النقد يوم الحصاص, واشترى له منه بما يخصه,
ـــــــ
ومنع وارث من بيع قبل وفاء دين فإن فعل، ولم يقدر الغرماء على أخذه إلا بالفسخ فلهم ذلك إلا أن يدفعه الوارث من ماله على الأشهر كما لو أسقطوا دينهم ا هـ. وهذا الذي ذكره إذا كان الورثة عارفين بالدين، أو كان الميت مشهورا بالدين وإلا لم ينقض البيع قال في كتاب المديان من المدونة وإذا باع الورثة التركة فأكلوا ذلك واستهلكوا، ثم طرأت ديون على الميت فإن كان الميت معروفا بالدين فباعوه مبادرة لم يجز بيعهم وللغرماء انتزاع عروضه ممن هي في يده ويتبع المشتري الورثة بالثمن، وإن لم يعرف الميت بالديون، وباعوه على ما يبيع الناس اتبع الغرماء الورثة بالثمن كان فيه وفاء أو لم يكن ولا تباعة على من ذلك المال بيده قال أبو الحسن: "قوله للغرماء انتزاع عروضه من يد من هي بيده أي من يد المشتري" قال ابن محرز قال في كتاب ابن المواز: إلا أن يشاء المشترون قيمة السلع يوم قبضوها على ما هي من نماء أو نقص وقوله: "وإن لم يعرف الميت بالدين" هذا مفهوم قوله "إذا كان الميت يعرف بالدين وباعوا مبادرة" فظاهره لا ينتفي عنهم الغرم إلا بشرطين وليس كذلك؛ لأنه إذا لم يعرف بالدين سواء باعوا مبادرة أم لا؛ لأنه لا فائدة في الاستيناء وقوله لا تباعة على من ذلك المال بيده قال ابن يونس: يريد إذا لم يحابوا، وإن كانوا عدما اتبعهم دون المشتري ا هـ. وانظر المشذالي في بيع الورثة أو قسمتهم قبل قضاء الدين وتكلم هناك أيضا على حكم بيع أحد الشركاء طائفة معينة من الأرض وانظر البرزلي في مسائل القسمة وانظر اللخمي في كتاب المديان والتفليس في تبصرته فإنه فصل في بيع الورثة قبل قضاء الدين والله أعلم.ص: (وقوم مخالف النقد) ش: اعلم أن معرفة وجه التحاصص كما قال: في المقدمات أن يصرف مال الغريم من جنس ديون الغرماء دنانير إن كانت ديونهم دنانير، أو دراهم إن كانت ديونهم دراهم، أو طعاما إن كانت ديونهم طعاما على صفة

(6/607)


ومضى إن رخص أو غلا, وهل يشترى في شرط جيد أدناه أو وسطه؟ قولان. وجاز الثمن إلا لمانع كالاقتضاء وحاضت الزوجة بما أنفقت وبصداقها: كالموت, لا بنفقة الولد,
ـــــــ
واحدة، أو عروضا إن كانت ديونهم عروضا على صفة واحدة، وإن كانت ديونهم مختلفة صرف مال الغريم عينا دنانير أو دراهم على الاجتهاد في ذلك، ثم تحصر جميع ديونهم إن كانت صفة واحدة، أو قيمتها إن كانت مختلفة حلت، أو لم تحل ا هـ.ص: (ومضى إن رخص أو غلا) ش: يريد إلا أن يكون ما صار له أكثر من جميع حقه فيرد الفضل للغرماء قال في التوضيح الباجي وصاحب المقدمات: فإن تأخر الشراء حتى غلا أو رخص فلا تراجع فيه بينه وبين الغرماء إلا أن يكون فيما صار له أكثر من جميع حقه فيرد الفضل إلى الغرماء وإنما يكون التحاسب بينه وبين الغريم، وقال المازري ولو تغير السعر حتى صار يشتري له أكثر مما كان يشتري له يوم قسمة المال فالزائد بين الغرماء ويدخل معهم فيه كمال طرأ للمفلس وذهب ابن الماجشون إلى أن هذا الفضل الذي حدث بمقتضى اختلاف الأسعار يستبد به هذا الغريم الموقوف له المال ويشتري له مما بقي له في ذمة المفلس بناء على أصله إن مصيبة ما وقف له من ذلك ممن له الدين ا هـ. وقد حكى في الشامل في ذلك ثلاثة أقوال، ونصه: "ومضى وإن غلا، أو رخص وقيل إلا أن يصير له أكثر فيرد الفاضل للغرماء.

(6/608)


.......................................
ـــــــ
وقيل: يشتري له به أيضا مما بقي في ذمة المفلس" ا هـ. وكأنه غره ظاهر كلام التوضيح حيث حكى عن الباجي وابن رشد أنه يمضي غلا السعر، أو رخص، ثم حكى عن المازري قولين فقد يتبادر من ظاهر الكلام أنهما مخالفان لكلام الباجي وابن رشد وليس كذلك بل القول الأول في كلام المازري مخالف، والقول الثاني الذي نقله ابن الماجشون موافق لكلام الباجي وابن رشد ونص كلام ابن الماجشون على ما نقله ابن حبيب في مختصر الواضحة في ترجمة الرجل المفلس وعليه طعام وعروض فإن حال السعر بعد أن وضع لهم الثمن ليشتري لهم بغلاء اتبعوا الغريم بالفضل إلا أن يكون فيما صار لهم أكثر من حقوقهم فيردوا الفضل على الغرماء وإنما ذلك حكم نازل يحكم فيه فيمضي عليهم ولا يحول عنهم وإنما يحول عن الغريم وله، وإن اعتقبته الأسعار بالرخص والغلاء فكل قد كان عنده اختصاص في دين الميت سواء ا هـ. ولفظ ابن رشد في المقدمات: فإن غلا السعر أو رخص فاشترى له بذلك أقل مما صار له في المحاصة لغلاء السعر، أو أكثر لرخص السعر فلا تراجع في ذلك بينه وبين الغرماء إلا أن يكون فيما صار له أكثر من جميع حقه فيرد الفضل إلى الغرماء وإنما التحاسب في زيادة ذلك ونقصانه بينه وبين الغريم يتبعه بما بقي من حقه قل لرخص السعر، أو كثر لغلائه ا هـ. ولفظ الباجي: فإن تأخر الشراء حتى غلا السعر ورخص فإنه لا تراجع فيه بينه وبين الغرماء وإنما التحاسب بينه وبين المفلس في زيادة ذلك ونقصانه لا يتعلق بما يرى الغرماء ا هـ. فظهر من هذا موافقة كلام ابن الماجشون كلام الباجي وابن رشد فليس في المسألة غير قولين نقل ابن عرفة كلام ابن رشد، وقال بعده: ونحوه للباجي، ولم يتعرض للقول الذي ذكره المازري وجعله مقابلا لقول ابن الماجشون ولا لكلام ابن الماجشون أيضا إذا علم ذلك فكلام صاحب الشامل مشكل من وجوه: أحدها حكاية ثلاثة أقوال في المسألة اعتمادا على ظاهر ما في التوضيح إن كان اعتماده على ذلك. الثاني: جعله بقية قول الباجي وابن رشد قولا ثانيا وهو قوله وقيل إلا أن يصير له أكثر فيرد الفضل للغرماء؛ لأن ذلك من تتمة كلامها وكلام ابن الماجشون أيضا كما تقدم بيانه. الثالث: عدم ذكره للقول المقابل للمشهور الذي حكاه المازري، وجعله مقابلا لقول ابن الماجشون وهو أن يكون على ما نابه بالحصاص يوم القسمة بين الغرماء ويدخل هو معهم فيه، فالثلاثة الأقوال التي ذكرها على ما تحصل من كلامهم ترجع لقول واحد؛ لأن القول الثاني في كلامهم هو تتمة القول الأول، والقول الثالث في كلامه هو قول ابن الماجشون ونقله عنه في التوضيح، وقد علم مما تقدم أنه موافق لما قاله الباجي وابن رشد فتأمله والله أعلم.
تنبيه: بقي على المصنف أن ينبه على تتمة ما قاله الباجي وابن رشد وابن الماجشون من أنه يختص بما نابه بالحصاص يوم القسمة دون الغرماء إذا رخص السعر بما إذا لم يزد ما صار له على جميع حقه فإنه حينئذ يرد الفضل للغرماء ونبه على ذلك الشارح إلا أن ظاهر

(6/609)


وإن ظهر دين أو استحق مبيع وإن قبل فلسه: رجع بالحصة كوارث, أو موصى له على مثله, وإن اشتهر ميت بدين, أو علم وارثه وأقبض: رجع عليه وأخذ مليء عن معدم؛ ما لم يجاوز ما قبضه, ثم رجع على الغريم, وفيها البداءة بالغريم, وهل خلاف, أو على التخيير ؟ تأويلان:
ـــــــ
كلامه يقتضي أن ذلك من كلام ابن رشد فقط وليس كذلك بل كلام الباجي شامل له أيضا والله أعلم ص: (وإن ظهر دين، أو استحق مبيع، وإن قبل فلسه رجع بالحصة كوارث، أو موصى له على مثله) ش: تصوره ظاهر.
فرع: فلو بيع بعض مال المفلس وبعض الغرماء حاضر، وقسمت التركة وصاحب الدين حاضر، فنقل الشارح عن بعض الأشياخ في مسألة المفلس الاتفاق على أنه إذا كان الغريم حاضرا أنه لا يرجع على أحد منهم بشيء ونقل ابن رشد في ذلك خلافا قال في العتبية في

(6/610)


فإن تلف نصيب غائب: عزل له فمنه: كعين وقف لغرمائه؛ لا عرض وهل إلا أن يقوم بكدينه؟ تأويلان,
ـــــــ
نوازل عيسى من كتاب التفليس، وسئل عن الرجل يكون له على الرجل الذكر الحق فلا يقوم به حتى يموت الذي عليه الحق واقتسم ورثته ماله وهو حاضر ينظر، ثم قام بعد بذكر الحق قال: فلا شيء له إلا أن يكون له عذر في تركه القيام، أو يكون لهم سلطان يمتنعون به، أو نحو هذا مما يعذرون به فهو على حقه أبدا، وإن طال زمانه إذا كان له عذر مما وصفنا "؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لايبطل حق امرئ مسلم وإن قدم" قال ابن رشد هذا خلاف قول سحنون في نوازله من هذا الكتاب: إن السلطان إذا باع مال الميت فقضى بعض غرمائه، وبقيتهم حضور، ثم قاموا عليهم أن لهم الدخول ولا يضرهم علمهم بموت صاحبهم، وأن ماله بيع لمن قام طالبا لحقه من غرمائه؛ لأنهم يقولون:كنا على حقوقنا، وعلمنا أنه لا يبطلها عنا قيام أصحابنا، وفرق بين ذلك وبين بيع مال المفلس يباع لبعض غرمائه وبعضهم حضورلا يقومون أن المفلس له ذمة تتبع فيحمل سكوتهم على أنهم رضوا باتباع ذمته، والميت لا

(6/611)


.......................................
ـــــــ
ذمة له فيكون القول قولهم أنهم إنما سكتوا غير راضين بترك حقوقهم وكان شيخنا أبو جعفر يقول ليس بين المسألتين فرق ولو قيل في هذا الفرق بالعكس لكان أشبه فتحصل في المسألة على ما كان يذهب إليه أربعة أقوال لا قيام في المسألتين، والقيام فيهما جميعا والفرق بينهما على ما في نوازل سحنون والفرق بينهما على عكسه حسبما ذكرناه عن الشيخ وبالله التوفيق ا هـ بلفظه. ثم لما ذكر مسألة نوازل سحنون لم يتكلم عليها بشيء وقوله: لا قيام في المسألتين يعني مسألة الميت والمفلس إذا قضى السلطان بعض الغرماء كما يظهر بالتأمل، وقال ابن سلمون في فصل الإقرار: لما ذكر مسائل يكون فيها السكوت إقرارا وكذلك من كان له دين على تركة فقسمت التركة وهو حاضر ساكت فذلك يبطل دعواه في الدين، ذكره ابن حبيب عن مالك ولابن القاسم مثله قال مطرف: إلا أن يكون له عذر، أو لم يجد عقدا، أو خوف سلطان، أو شبه ذلك فيحلف إنما كان تركه للقيام إلا لما ذكر ويأخذ حقه، قال بعضهم في هذه المسائل هي التي فيها السكوت كالإقرار ا هـ. وقوله، أو لم يجد عقدا كأنه والله أعلم. إذا قال لم أعلم بالدين إلا حين وجدت العقد، وأما إذا كان عالما بالدين، وقال إنما أخرت الكلام لأني لم أجد العقد، أو البينة فالذي اقتصر عليه الجزولي والشيخ يوسف بن عمر أن ذلك لا يفيده وصوبه أيضا ابن ناجي في شرح الرسالة وذكر عن شيخه أبي مهدي أنه يقبل قوله، ثم رجع عن ذلك. وسيأتي كلامهم في باب الشهادات عند كلام المؤلف على الحيازة والله أعلم. وقول: ابن فرحون في الباب الثالث والخمسين من التبصرة في القضاء للإقرار أربعة أركان: الأول الصيغة وهي لفظ، أو ما يقوم مقامه كالإشارة والكتابة والسكوت، ثم قال: والسكوت مثل الميت تباع تركته وتقسم وغريمه حاضر ساكت لم يقم فلا قيام له إلا أن يكون له عذر ا هـ. وقال في الباب الثاني والستين في القضاء بشهادة الوثيقة والرهن على استيفاء الحق.
فرع: وفي مختصر الواضحة في آخر باب الحيازات قال: عبد الملك، وقال مطرف وأصبغ لو مات الذي عليه الحق فقسم ورثته ميراثه وهو حاضر ينظر إليه، ثم قام بعد ذلك يذكر حقه فلا شيء له إلا أن يكون له عذر في ترك القيام بحقه مثل أن يكون لم يعرف شهوده أو كانوا غيبا، أو لم يجد ذكر حقه إلا عند قيامه، أو يكون لهم سلطان يمتنعون به ونحو هذا مما يعذر فيه فيحلف بالله ما كان تركه القيام إلا للوجه الذي عذر به، ثم يكون على حقه، وإن طال زمانه لقوله صلى الله عليه وسلم "لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم" قالا: فإن أبى أن

(6/612)


وترك له قوته, والنفقة الواجبة عليه لظن يسرته وكسوته كل دستا معتادا؛
ـــــــ
يحلف حلف الورثة بالله ما يعلمون له حقا فإن حلفوا برئوا، وإن نكلوا غرموا، أو من نكل منهم قال: فضل بن مسلمة انظر في هذه المسألة، وانظر فيمن أقام شاهدا على حق له على ميت ونكل إن كان يحلف الورثة أنهم لا يعلمون هذا الحق مثل ما قال هذا فتدبره ا هـ. قال في المتيطية في كتاب الرهون وكتاب التفليس: وإذا استظهرت المرأة بصداقها بعد وفاة زوجها بمدة العشر سنين، ونحوها وما يخلفه الميت بحاله لم يقسم ولا فوت فلها القيام بذلك ويقضى لها به ولا يضرها سكوتها وتحلف لما يجب عليها قاله غير واحد من الشيوخ والدليل على صحة ذلك ما في نوازل عيسى وذكر ما تقدم، ولم يذكر خلافه وسيأتي في آخر الشهادات في الكلام على الحيازة المدة المسقطة للدين إذا لم يقم به صاحبه والله أعلم. ص: (والنفقة الواجبة عليه) ش: قال الشارح يعني ما ينفقه على من وجبت عليه نفقته كزوجاته وولده وأمهات أولاده ومدبريه ا هـ. ولم يذكر الوالدين وذكر في التوضيح عن البيان أنه قال في قوله في المدونة في الزكاة: الأول يترك له ما يعيش به هو وأهله الأيام، والمراد بالأهل في المدونة أزواج المفلس، ومن تلزمه نفقته من رقيقه وأمهات أولاده ومدبريه ا هـ. ولم يذكر الوالدين، وقال أبو الحسن الصغير في شرح كلام المدونة المتقدم: والأهل هنا من تلزمه نفقته كالزوجة والولد الصغير والأبوين الفقيرين؛ لأن الغرماء عاملوه على ذلك وهذه بخلاف المستغرق الذمة بالمظالم والتباعات، فإنه لا يترك له إلا ما يسد جوعته؛ لأن أهل الأموال لم يعاملوه على ذلك قاله ابن رشد ا هـ. ص: (وكسوتهم كل دستا معتادا) ش: يعني بالدست: القميص، والعمامة، والسراويل، والمكعب، وهو المداس ويزاد في الشتاء الجبة هكذا فسر الدست النووي في منهاجه وزاد بعض شراحه الدراعة التي تلبس فوق القميص إن كان مما يليق بحاله، ونقل عن الإمام الشافعي أنه لا يترك له

(6/613)


ولو ورث أباه: بيع لا وهب له؛ إن علم واهبه أنه يعتق عليه, وحبس لثبوت عسره, إن جهل حاله ولم يسأل الصبر له بحميل بوجهه فغرم, إن لم يأت به ولو أثبت عدمه, أو ظهر ملاؤه إن تفالس؛
ـــــــ
الطيلسان، وذكر أنه قال: إن تركه لا يخل بالمروءة، وخالفه في ذلك أصحابه ومنعوا قوله: لا يخل بالمروءة. قال الشارح وتزاد المرأة على ما ذكرنا المقنعة والإزار وغيرهما مما يليق بحالها ا هـ.ص: (وحبس لثبوت عسره) ش: قال في المقنع: ويحبس الأخرس فيما يجب عليه إذا كان يعقل ويكتب ويشير وهو كالصحيح، ويحبس الأعمى والمقعد، ومن لا يدان له ولا رجلان وجميع من به وجع لا يمنعه ذلك من الحبس والظاهر أن معنى، ومن به وجع إلخ أن من به مرض فإن ذلك لا يمنع من حبسه ا هـ. فرع: قال: ابن عرفة تلقى الأشياخ بالقبول ما في ثمانية أبي زيد لا يسجن في الحديد إلا من سجن في دم قلت: وكذا من لا يؤمن هروبه.
فرع: وانظر أجرة الحباس على من لم أر الآن فيها نصا والظاهر أنها كأجرة أعوان القاضي تكون من بيت المال فإن لم يكن فتكون على الطالب إن لم يلد المطلوب ويختفي. كذا نص عليه ابن فرحون في تبصرته والله أعلم.ص: (يغرم إن لم يأت ولو أثبت عدمه) ش: قال في التوضيح: قال ابن راشد القفصي وإذا قبل منه الحميل ليثبت عدمه

(6/614)


إن وعد بقضاء وسأل تأخير كاليوم أعطى حميلا بالمال، وإلا سجن: كمعلوم الملاء وأجل لبيع عرضه إن أعطى حميلا بالمال وإلا سجن. وفي حلفه على عدم الناض تردد. وإن علم بالناض. لم يؤخر وضرب مرة بعد مرة، وإن شهد بعسره أنه لا يعرف له مال ظاهر, ولا باطن حلف كذلك، وزاد وإن وجد ليقضين وانظر وحلف الطالب إن ادعى عليه علم العدم. وإن سأل تفتيش داره ففيه تردد،
ـــــــ
فغاب الغريم وأثبت الحميل عدم الغريم فقال ابن رشد: يغرم لتعذر اليمين اللازمة للغريم.

(6/615)


ورجحت بينة الملاء إن بينت, وأخرج المجهول إن طال سجنه بقدر الدين, والشخص, وحبس النساء عند أمينة, أو ذات أمين والسيد لمكاتبه, والجد والولد لأبيه, لا عكسه كاليمين إلا المنقلبة والمتعلق بها حق لغيره, ولم يفرق بين كالأخوين. والزوجين إن خلا,
ـــــــ
وقال اللخمي: لا يغرم؛ لأن اليمين بعد ثبوت الفقر أنه لم يكتم شيئا استظهار إلا أن يكون ممن يظن أنه يكتم ا هـ. واقتصر في التوضيح في باب الضمان على نقل كلام اللخمي وذكر

(6/616)


ولا يمنع مسلما. أو خادما. بخلاف زوجة. وأخرج لحد. أو ذهاب عقله لعوده. واستحسن بكفيل بوجهه لمرض أبويه. وولده. وأخيه وقريب جدا ليسلم
ـــــــ
أن المازري قال يجري فيها قولان، وجزم هناك في المختصر بكلام اللخمي فقال: إلا إن أثبت عدمه فتأمل ذلك والله أعلم. ونبه على هذا ابن غازي.ص: (وأخرج لحد) ش: تصوره ظاهر.
فرع: إذا وجبت عليه دعوى هل يخرج ليسمعها أم لا ؟ ظاهر كلام ابن بطال أو صريحه في كتاب المقنع في باب الحكم على المسجون أنه لا يخرج، ونصه: "قال ابن كنانة فيمن سجنه الإمام وللناس عليه ديون هل يسمع الإمام بينة خصمه، ومن يزكيهم، ويقضي عليه ؟ قال: يأمر الإمام أن يوكل من يخاصم له ويعذر إليه، فإن أبى أن يوكل يقضي عليه إذا شهدت البينة، وزكوا بعد أن يعذروا إليه، فإن حضر خروج خصمه إلى سفر، أو مرض، أو خشي فراقهم أشهد على شهادتهم" ا هـ. وأصله في النوادر في كتاب الأقضية الثاني، وقوله: وإن حضر إلخ يعني قبل الإعذار إلى المسجون وما ذكره في هذا الباب مخالف لما ذكره بعد هذا في باب نظر القاضي في مال الغيب، والحبس فيها من أنه يخرج، ونصه: "ويخرج القاضي المحبوس في الدين إذا خوصم في مال الآخر حتى يثبت، فإن ثبت عليه مال آخر وكتب به عليه كتبه القاضي أنه محبوس بذلك أيضا" ا هـ. ونحوه للمازري، ونصه: "لو سلم الكفيل الغريم وهو محبوس في حبس القاضي، فإن هذا التسليم يسقط الكفالة لكون المتكفل له يتمكن من طلبه وهو في الحبس، ومحاكمته عند القاضي الذي حبسه حتى يمكنه من حقه، ويقضي بذلك على المحبوس، وإن وجد حبسه زاد في مقدار أمد الحبس لأجل هذا الطلب الثاني بحسب ما يقتضيه الاجتهاد" ا هـ. والله أعلم.

(6/617)


لا جمعة. وعيد. وعدو. إلا لخوف قتله. أو أسره. وللغريم أخذ عين ماله المحاز عنه في الفلس لا الموت. ولو مسكوكا.
ـــــــ
فرع: قال ابن بطال في باب نظر القاضي وإذا حبس رجل لرجل في دين فأقر المحبوس أنه قد كان أجر نفسه من رجل آخر إلى مكة، أو على أن يعمل له عملا لم يخرج من الحبس بإقراره الذي أقر به ويتهم أن يكون أراد الخروج من الحبس فإن قامت عليه بينة بأنه أجر نفسه قبل أن يحبس في حضر أو سفر يسافره أو كان صانعا في شيء يصنعه كان مما يعمله في الحبس، أو يعمله خارجا لم يخرج من الحبس فإن أوفى وخرج طولب بذلك بعد الخروج فإن أراد صاحب الأجرة أن يفسخ الإجارة فذلك له إذا حبس.
فرع: قال ابن بطال أيضا وإذا أراد رجل أن يخرج إلى بلد ينتقل إليه فأقام رجل عليه البينة بدين متقدم عليها إن أقرت بينة في ذلك الوقت فلا بينة، أو ابتاعت من رجل بيعا لزمها به بدين فأرادوا حبسها في الحبس، وقال الزوج، بل أخرجها وتتبعونها حيث كانت، أو قال إنما أقرت أو ابتاعت لئلا أخرج بها فأما ما قامت عليه البينة من ذلك فإنها تحبس بذلك ولا تخرج من الحبس ولا يخرجها الزوج إلا بعد دفع الحق، وأما إن أقرت بذلك فإن القاضي ينظر في ذلك فإن كانت أقرت لأب، أو لأحد ممن يتهم، أو يرى أنها إنما أرادت أن تعوق بذلك الزوج عن الخروج بها لم يجز ذلك وينظر القاضي في ذلك على قدر ما يرى حين ينزل، أو يشاور في ذلك ا هـ.ص: (وللغريم أخذ عين ماله المحاز عنه في الفلس لا الموت) ش: مفهوم قوله "المحاز عنه" أنه لو لم يجز عنه ليس كذلك أما في الفلس فهو أحق بها من باب أحرى، وأما في الموت فهو أحق بها أيضا قال في المقدمات ولا خلاف في مذهبنا أن البائع أحق بما في يده في الموت والفلس، وأنه أحق بما أسلمه ما ألفاه قائما

(6/618)


وآبقا. ولزمه إن لم يجده إن لم يفده غرماؤه. ولو بمالهم.
ـــــــ
عند المبتاع في الموت والفلس وإنما وقع الخلاف بينهم في بعض المسائل لاختلافهم من أي قسم هي ا هـ. وفي بعض ما ذكره نظر ا هـ. فتأمله، والله أعلم.
فرع: إذا قيم على المفلس فوجد بعض الناس سلعة له فأراد أخذها فخاصمه المفلس في عينها فوقفت السلعة، ثم مات المفلس فقال في كتاب الهبات من المدونة إن ربها أحق بها إن ثبتت بينة ا هـ.
فرع: قال الفاكهاني في شرح العمدة في باب الرهن حيث يكون البائع أحق بسلعته هل يفتقر أخذها إلى حكم حاكم أو يستبد بأخذها لا أعلم لأصحابنا فيها نصا وظاهر الحديث يدل على الاستبداد ا هـ. قلت: إن سلم الغرماء له أخذها لم يحتج إلى حكم حاكم، وإن لم يسلموا له ذلك فلا بد من حكم حاكم وهو ظاهر والله أعلم.ص: (وآبقا ولزمه إن لم يجده) ش: هذا قول ابن القاسم في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب المديان والتفليس قال ابن رشد قال أصبغ: ليس له إلا المحاصة ولا يجوز له أن يتركها ويتبع العبد؛ لأنه دين بدين وخطار، وهو

(6/619)


وأمكن لا بضع. وعصمة. وقصاص. ولم ينتقل لا إن طحنت الحنطة. أو خلط بغير مثل. أو سمن زبده. أو فصل ثوبه أو ذبح كبشه. أو تتمر رطبه. كأجير رعي. ونحوه وذي حانوت
ـــــــ
أظهر الأقوال ا هـ. ونقله أيضا بالنص المذكور في آخر أول رسم من سماع أشهب من كتاب السلم والآجال، ونقله كذلك أيضا في رسم: إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الجنايات وزاد فيه أيضا بعد قوله وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب ا هـ. وفي المسألة قول ثالث: أن البائع مخير بين المحاصة وبين أن يطلب العبد فإن وجده كان أحق به، وإن لم يجده رجع فحاص الغرماء قاله في آخر رسم من سماع أشهب في كتاب السلم، وهو والله أعلم فيما إذا كان المشتري عالما بعيب الإباق، أو تبرأ منه البائع وبينه والله أعلم. ص: (وذي حانوت فيما به) ش: لم يتكلم الشارح عليه ويشير به إلى قوله في المدونة: وأرباب الدور

(6/620)


فيما به. وراد لسلعة بعيب- وإن أخذت عن دين- وهل القرض كذلك, وإن لم يقبضه مقترضه, أو كالبيع؟ خلاف,
ـــــــ
والحوانيت أسوة الغرماء في الفلس والموت وليس أحق بما فيها، ونقله في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب في: مكري الدابة أحق بما حملت.ص: (وراد لسلعة بعيب) ش: يعني أن من اشترى سلعة فردها بعيب، ففلس البائع قبل أن يأخذ المشتري به الثمن، فوجد المشتري السلعة التي ردها بعيب قائمة بيد المفلس فإنه لا يكون أحق بها بناء على أن الرد بالعيب نقض بيع، وقيل هو أحق بها بناء على أنه ابتداء بيع كذا في المقدمات، وقال الشارح المعنى أن من اشترى سلعة، ثم اطلع بها على عيب فأراد ردها على البائع فوجده قد فلس فإن له ردها ولا يكون أحق بها، ونحوه في ابن عبد السلام والتوضيح في شرح قول ابن الحاجب: والراد السلعة بعيب لا يكون أحق بها في الثمن وهذا الفرع الذي ذكره الشارح والمصنف في التوضيح تبعا لابن رشد ذكره ابن رشد من باب أحرى والموجب لحمل المصنف في التوضيح كلام ابن الحاجب على هذا المعنى: أنه ذكر هذه المسألة بعد قوله: وفي كون المشتري أحق بالسلعة تفسخ لفساد البيع قولان وفي بعض النسخ ثالثها في النقد دون العين، فلما كان المعنى في هذه المسألة: أنه إذا فسخ البيع، هل يكون المشتري أحق بالسلعة حتى يستوفي منها ما دفعه أم لا ؟ ناسب أن تحمل المسألة الأخرى على أنه إذا اطلع المشتري على عيب فأراد أن يرد السلعة بسبب ذلك العيب ويتمسك بها حتى يستوفي منها ما دفعه، فهل له ذلك أم لا ؟ فقال: لا يكون له ذلك في مسألة الرد بالعيب؛ ولهذا قال المصنف إثر الكلام المتقدم، ولم يجر في هذه من الخلاف ما جرى في التي قبلها؛ لأن المشتري هاهنا مختار للرد بخلاف الأولى، فإنه مجبر عليه. ثم قال في التوضيح: قال في

(6/621)


وله فك الرهن, وحاص بفدائه. لا بفداء الجاني, ونقض المحاصة إن ردت بعيب وردها,
ـــــــ
المقدمات: وهذا على أن الرد بالعيب نقض بيع وعلى أنه ابتداء بيع يكون أحق ا هـ. وهذا غير ظاهر؛ لأن ابن رشد لم يقل هذا في هذه المسألة وإنما قاله في الفرع الذي حملنا عليه كلام المصنف وهو ما إذا رد، ثم فلس، وأما في هذه المسألة وهي ما إذا علم بالفلس، ثم رد على المفلس فينبغي أنه لا يختلف في أنه لا يكون أحق بها فتأمله. وأما قول المصنف: وإن أخذت عن دين، فلو قال: وإن أخذت بالنقد كان أبين؛ لأن الذي يفرق بين النقد والدين في مسألة البيع الفاسد يقول: إذا بيعت بالنقد يكون أحق وإذا بيعت بالدين لا يكون أحق على أني لم أقف على خلاف في هذه المسألة كما قال ابن غازي، وإنما ذكروا التفرقة في مسألة البيع الفاسد اللهم إلا أن يحمل كلام المصنف على القول الأول في كلام ابن رشد وهو أن الراد للسلعة بالعيب يكون أحق بها ويكون التشبيه في كلامه راجعا لأصل المسألة فتحسن المبالغة حينئذ ويكون المعنى: أن الراد للسلعة بالعيب يكون أحق بها ولو كان أخذها عن دين، ولم يشترها بالنقد وهذا هو المتبادر من حل ابن غازي للمسألة فتأمله والله أعلم.ص: (لا بفداء الجاني) ش: قال ابن الحاجب: ولا يحاص بفداء الجاني إذ ليس في ذمة المفلس ابن عبد السلام يعني أن العبد إذا جنى عند المشتري جناية، ثم فلس المشتري فالحكم في هذا العبد كالحكم إذا كان رهنا، ثم جنى وإنما يفترق الحكم في محاصة السيد خاصة؛ لأن البائع لا يحاص هنا ويحاص في مسألة الرهن؛ لأن الدين الذي أراده في مسألة الرهن كان في ذمة المشتري والجناية لم تكن في ذمة المشتري وإنما كانت في رقبة العبد فلا يرجع به البائع على المشتري وهو مراد المؤلف بقوله: ولا يحاص إلخ ا هـ.ص: (ونقض المحاصة إن رد بعيب) ش: الأولى أن تكون هذه مستقلة، ويكون قوله: "وردها" من تعلقات قوله: "والمحاصة بعيب سماوي" كما نبه عليه الشيخ عبد العزيز التكروري وابن الفرات وابن

(6/622)


والمحاصة بعيب سماوي أو من مشتريه أو أجنبي لم يأخذ أرشه أو أخذه وعاد لهيئته, وإلا فبنسبة نقصه, ورد بعض ثمن قبض, وأخذها,
ـــــــ
غازي والله أعلم. ص: (وردها والمحاصة بعيب سماوي) ش: يريد وله أن يتمسك بها ولا شيء له بسبب العيب الحادث عند الفلس نص على هذا ابن الحاجب وشارحاه قال ابن الحاجب: فلو أخذها فوجد عيبا حادثا فله ردها، ويحاص إن حبسها ولا شيء له ابن عبد السلام يعني فلو وجد البائع سلعة بيد المشتري بعد التفليس فأخذها منه، ثم اطلع على عيب حدث عند المشتري فللبائع رد السلعة على المشتري، ويحاص بثمنها وله أن يتمسك بها ولا شيء له بسبب العيب الحادث عند المشتري ولعل هذا كالمتفق عليه ا هـ. ونحوه في التوضيح وعلى هذا ففي قول الشارح في الوسيط يعني "أن البائع إذا أخذ سلعته فوجدها قد تعيبت عند المفلس عيبا سماويا فإن له أن يحاص الغرماء بأرش العيب إن شاء، وإن شاء ردها وحاص بجميع الثمن" نظر؛ لأنه مخالف لما تقدم ومشى في شامله على ما في شرحه والله أعلم.ص: (ورد بعض ثمن وأخذها) ش: أي إذا قبض بعض ثمن المبيع، ثم فلس المشتري فللبائع أن يرد البعض الذي قبضه ويأخذ سلعته وله أن يحاص بالباقي، فإن تعدد المبيع كما لو باع عبدين بعشرين دينارا فاقتضى من ثمنهما عشرة وباع المشتري أحدهما، وبقي الآخر عنده وفلس فأراد البائع أخذ العبد الثاني منهما فليس له أخذه إلا أن يرد من العشرة التي اقتضاها خمسة؛ لأن العشرة الأولى كانت مقبوضة عليهما وهذا إن كانت قيمتهما بعداء

(6/623)


وأخذ بعضه, وحاص بالفائت: كبيع أم ولدت, وإن مات أحدهما أو باع الولد, فلا حصة, وأخذ الثمرة, والغلة,
ـــــــ
وإلا فض العشرة المقتضاة أولا عليهما، ورد حصة الباقي وهذا هو المشهور. ص: (وأخذ بعضه وحاص بالفائت) ش: يريد إلا أن يدفع له ثمن الباقي ولو من أموالهم ولا يكونون أحق بقدر العداء على الأرجح قاله: في الشامل وظاهر التوضيح ترجيح الثاني.ص: (كبيع أم ولدت) ش: يعني أن من اشترى أمة فولدت عنده، ثم باعها دون ولدها، ثم فلس فقام البائع يطلب الثمن فوجد الولد دون أمه فإن حكمه في ذلك حكم ما تقدم من السلعتين فيكون مخيرا بين أن يأخذ الولد بما يصيبه من الثمن ويحاص الغرماء بما أصاب الأم منه وذلك بأن يفض الثمن الذي له على قيمة الأم يوم بيعها وقيمة الولد إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا له جميع الثمن وبين أن يترك الولد ويحاص بجميع الثمن انظر ابن عبد السلام وابن عرفة. ص: (وأخذ الثمرة والغلة) ش: يعني أن المشتري الذي هو المفلس يأخذ الثمرة التي أثمرت عنده والغلة بخلاف الولد، ولم يذكره الشيخ اكتفاء بما تقدم قال ابن الحاجب: ويأخذ الولد بخلاف الثمرة والغلة فليس له أخذهما؛ لأنهما من الخراج، والخراج للبائع للضمان، وعطف الغلة على الثمرة من عطف العام على الخاص، ويحتمل أن يريد بالغلة ما ليس قائم العين.

(6/624)


إلا صوفا تم, أو ثمرة مؤبرة, وأخذ المكري دابته, وأرضه, وقدم في زرعها في الفلس. ثم سياقيه ثم مرتهنه: والصانع أحق, ولو بموت ما بيده وإلا فلا. إن لم يضف لصنعته شيئا
ـــــــ
تنبيه: إنما تكون الثمرة التي حدثت عند المشتري غلة إذا جذت، وأما إن دامت في أصولها فإنها ترد ويأخذها البائع على المشهور وقيل إنها تفوت بالأبار، واتفق على أن الصوف يرد مع الغنم قبل الانفصال قاله في التوضيح. ص: (إلا صوفا تم أو ثمرة مؤبرة)

(6/625)


إلا النسج, فكالمزيد يشارك بقيمته والمكتري بالمعينة, وبغيرها إن قبضت, ولو أديرت وربها بالمحمول وإن لم يكن معها ما يقبضه ربه وفي كون المشتري أحق بالسلعة يفسخ لفساد البيع, أو لا أو في النقد؟ أقوال.
ـــــــ
ش: أي وقت الشراء فإنهما لا يكونان غلة وللبائع أخذهما فإن فاتا حاص بما ينوبهما من الثمن قاله في الشامل وأصله في التوضيح.ص: (وفي كون المشتري أحق بالسلعة تفسخ لفساد البيع أولا، أو في النقد أقوال) ش: القول الأول: بأنه أحق، نقله ابن يونس عن رواية

(6/626)


وهو أحق بثمنه, وبالسلعة إن بيعت بسلعة واستحقت, وقضي بأخذ المدين الوثيقة أو تقطيعها, لا صداق قضي, ولربها ردها إن ادعى سقوطها,
ـــــــ
ابن المواز عن ابن القاسم ذكره في مسألة غلق الرهن فكان ينبغي للمؤلف أن يقتصر عليه والله أعلم.
ص: (وقضى بأخذ المدين الوثيقة، أو تقطيعها لإصداق قضي) ش: يعني أن المديان إذا دفع الحق لصاحبه، وأراد أخذ الوثيقة، أو تقطيعها فإنه يقضى له بذلك إن امتنع رب الدين من ذلك، قال الشيخ أبو الحسن الصغير في آخر كتاب المديان عند قول المدونة: ومن أمر رجلا يدفع إلى فلان ألف درهم قال: عني، أو لم يقل، ثم قال الآمر كانت لي دينا على المأمور وأنكر المأمور، وقال: بل أسلفته إياها فالقول قول المأمور قال أبو إسحاق إلا أن يعلم أن مثله لا يملك هذا القدر لعدمه وفلسه، يؤخذ من هذه المسألة من اقتضى دينا لا يلزمه أن يدفع الوثيقة لغريمه المطلوب خوف دعوى السلف، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ وابن دينار: يجبر على دفعها وتقطع، قال ابن الهندي: ولا يبرأ بدفعها إلى الغريم إذا قام

(6/627)


.......................................
ـــــــ
الطالب عليه واستظهر المطلوب في الوثيقة أنه يقول: سقطت مني فحكم عليه بردها للطالب وبالغرم بعد يمين الطالب ا هـ. وقال في العتبية في رسم يوصى من سماع عيسى من كتاب المديان: وسئل عن رجل لقي رجلا قال: أشهدك أني قد تقاضيت من فلان مائة دينار كانت لي عليه فجزاه الله خيرا، فإنه أحسن قضائي فليس لي عليه قليل ولا كثير فلقي الرجل الذي أشهد الرجل الذي زعم أنه قضاه فأخبره بما قال له قال: كذب إنما أسلفته ذلك قال: ابن القاسم القول قول الذي زعم أنه أسلفه مع يمينه إلا أن يأتي الآخر بالبينة أنه تقاضاها في دينه قال ابن رشد إثرها: ويأتي على أصل أشهب في قوله: إنه لا يؤاخذ أحد بأكثر مما يقر به على نفسه أن يكون القول قول المقتضي، وهو قول ابن الماجشون نصا في هذه المسألة بعينها. ويقوم من هذه المسألة أن من كان له حق على رجل بوثيقة فدفع الذي عليه الحق إلى الذي له عليه الحق ودعا إلى قبض الوثيقة منه، أو تحريقها أن ذلك ليس له وإنما له أن يشهد عليه وتبقى الوثيقة بيد صاحب الدين؛ لأنه يدفع بها عن نفسه إذ لعل الذي كان عليه الدين أن يستدعي بينة قد سمعوا إقرار صاحب الدين بقبضه منه، أو حضر ودفعه إليه، ولم يعلموا على أي وجه كان الدفع فيدعي أنه إنما دفع إليه ذلك المال سلفا، أو وديعة ويقول: هات بينة تشهد لك إنما قبضت ذلك مني من حق واجب لك فبقاء الوثيقة وقيامه بها يسقط هذه الدعوى التي تلزمه، وقد كان شيخنا الفقيه أبو جعفر رحمه الله يقيم ذلك فيما أخبرني عنه غير واحد من أصحابنا، وما أشك أن يكون في كلام سمعه منه من آخر مسألة من كتاب المديان من المدونة وهو كلام صحيح إلا أن محمد بن عبد الحكم يرى له من الحق أخذ الوثيقة وقطعها وهو قول عيسى بن دينار في بعض روايات العتبية وهو قول أصبغ في الواضحة ا هـ. وقال ابن فرحون في تبصرته في الباب الثاني والستين: وللذي عليه الدين أخذ وثيقة الدين من صاحبها، أو يقضى عليه بتقطيعها، وقاله ابن العطار ونحوه في الواضحة وكتاب الحداني وبه القضاء، وقال: محمد بن عبد الحكم لا يقطع وثيقة الدين ولا يجبر ربها على إعطائها، ويجبر على أن يكتب له براءة في الموضع الذي فيه الشهود عليه ونحوه في وثائق ابن الهندي؛ لأنه سبب لوجوب اليمين عليه إن ادعى عليه بعد ذلك دعوى كاذبة.وفي أحكام ابن سهل: في امرأة قامت بصداق لم تثبته فحلف الزوج ودعا إلى قطعه، وأرادت الزوجة حبس الصداق بيدها فأفتى ابن لبابة أنه يجاب إلى تقطيعه؛ لأنه سقط عنه بيمينه لما ادعى عليه بما فيه، وإذا سقط عنه فليقطع، ثم قال: إذا دفع إلى المطلقة، أو المتوفى عنها زوجها كالئها ليس عليها أن تدفع كتاب صداقها إلى الزوج ولا إلى ورثته لما في حبس صداقها من المنفعة بسبب الشروط التي لها فيه إن كانت ولأجل لحوق النسب، أو الحمل إن كان حمل بعد موته وفي حياته إلا أن تتطوع بدفعه من غير أن يقضى عليها بذلك هذا هو القول المشهور المعمول به، وقاله أصبغ في كتاب ابن حبيب قال؛ لأن به ثبت نكاحها

(6/628)


ولراهن بيده رهنه بدفع الدين,
ـــــــ
وبه تأخذ ميراثها وتدفع بعد اليوم من دافعها عما ورث، أما لو قامت بباقي المهر في كتاب غير كتاب نكاحها فأخذت به ما كان لها فإنه يؤخذ منها ويقطع عن الورثة، وإن أخذت به أرضا أو عقارا من عقاره لم يؤخذ ذلك منها؛ لأن به تدفع اليوم من دافعها عن ذلك وما يشبهه مما يلتمس التوثق به وعلى الورثة أن يستوثقوا لأنفسهم بالإشهاد وذكر الكتاب الذي بيدها قال ابن حبيب وبه أقول وهذا أحب ما فيه إلي وقيل لا بد من أخذه وتقطيعه ورواه ابن حبيب عن مطرف فيمن مات وقامت امرأته بكتاب مهرها فأخذت به باقيه فأراد الورثة تقطيعها فإن لهم ذلك، وإن قالت: به أدفع بعد اليوم من دافعني عما أخذت. ذكره المتيطي عن ابن سهل، وقال في الاستغناء إن لم يدخل الزوج بالمرأة وأقرت المرأة أنه لم يمسها ولا وطئها فإن الصداق يقطع ا هـ. نقله المشذالي برمته في آخر كتاب المديان وزاد بعده قلت سئل ابن عبد السلام عمن كان عليه حق بصك وتنازع المديان ورب السلعة في تقطيعه، أو تبطيله وبقائه عند ربه فما الذي عليه العمل من القولين ؟ قال: على الثاني خوف لو قطعناه أن يسأل المديان رب الدين هل قبض منه شيئا أم لا ؟ فإن قال: قبضت ولكن من دين كان لي عليك لم يقبل منه، وإن قال لم أقبض حلف يمين غموس ا هـ.
تنبيهات: الأول: قول المصنف: "وقضى بأخذ المدين" يريد بعد خصمهما، ثم تدفع للمدين، قال في الشامل وصوب خصم الوثيقة مع الدفع ا هـ. وهو معنى قول المشذالي أو تبطيله.
الثاني: قال: في الذخيرة: إذا طلب المصالح أخذ الوثيقة التي صالح عليها فللآخر منعه؛ لأنها تشهد له بمال الصلح لثبوت أصل الحق ويكتب الآخر وثيقة بتاريخ متأخر يشهد له بصلحه. قاله: مطرف فتأمله مع كلام المصنف وانظر تبصرة ابن فرحون والله أعلم.
الثالث: قال ابن رشد في الرسم المذكور: وأما إذا أبى الذي بيده الوثيقة من الإشهاد على نفسه بقبض ما فيها، وقال للذي كان عليه الدين: خذ الوثيقة، أو قطعها فتلك براءتك فليس له ذلك ويلزمه الإشهاد على نفسه يقوم ذلك من غير مسألة منها مسألة رسم العرية ا هـ.ص: (ولراهن بيده رهنه بدفع الدين) ش: هذا إذا أقر المرتهن بدفع الرهن إلى الراهن قال في المتيطية: ولو لم يقر المرتهن بدفع الرهن إلى الراهن وادعى أنه تلف له وسقط لكان القول قوله قولا واحدا إذا كان قيامه عليه بالقرب ا هـ. وقال قبله ولا اختلاف بينهم إذا طال الأمر إن القول قول الراهن ا هـ. وهكذا نقل المسألة ابن فرحون في تبصرته عن المتيطي في

(6/629)


كوثيقة زعم ربها سقوطها, ولم يشهد شاهدها إلا بها.
ـــــــ
الباب المتقدم ذكره، ونصه في المتيطية: ولو كان رب الدين قد أخذ من الغريم رهنا، ثم دفعه إليه وادعى أنه أعطاه الرهن، ولم يوفه الغريم حقه، وقال الغريم: لم يدفع لي رهني إلا بعد قبضه دينه فقال مالك في العتبية: أرى أن يحلف الراهن، ويسقط عنه ما ادعى به رب الدين وكذلك لو أنكر المرتهن أن يكون قبض منه شيئا من حقه، وقال: دفعت إليه الرهن على أن يأتيني بحقي فلم يفعل لكان القول قول الراهن على هذه الرواية على أن ما في هذه الرواية خلاف ما في نوازل سحنون من أن القول قول المرتهن إذا كان قيامه عليه بالقرب ولا اختلاف بينهم إذا طال الأمر أن القول قول الراهن والقول الأول أظهر من قول سحنون ولو لم يقر المرتهن بدفع الرهن للراهن وادعى أنه تلف له، أو سقط لكان القول قوله قولا واحدا إذا كان قيامه عليه بالقرب ا هـ. فجعل الخلاف بين سحنون وقول مالك إنما هو فيما إذا أقر المرتهن بدفع الرهن له وادعى أنه لم يوفه والله أعلم.

(6/630)