مواهب
الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب كتاب الإجارة
باب الإجارة
مدخل
...
باب الإجارة
__________
كتاب الإجارة
قال في القاموس: الأجر الجزاء على العمل
كالإجارة مثلثة انتهى. وقال القرافي في
الذخيرة ويقال آجر بالمد والقصر وأنكر بعضهم
المد، وهو منقول، قال: ولما كان أصل هذه
المادة الثواب على الأعمال، وهي منافع خصصت
الإجارة ببيع المنافع على قاعدة العرف في
تخصيص كل نوع تحت جنس باسم ليحصل التعارف عند
الخطاب قال: وقد غلب وضع الفعالة بالكسر
للصنائع نحو الصناعة والخياطة والتجارة،
والفعالة بالفتح لأخلاق النفوس نحو السماحة
والشجاعة والفصاحة، والفعالة بالضم لما يطرح
من المحقرات نحو الكناسة والقلامة والفضالة
والنخالة انتهى. وقال في اللباب: حقيقتها:
تمليك منفعة غير معلومة زمنا معلوما بعوض
معلوم انتهى. وقال ابن عرفة: حدها عرفا: بيع
منفعة ما أمكن نقله غير سفينة، ولا حيوان لا
يعقل بعوض غير ناشئ عنها بعضه يتبعض بتبعيضها،
فيخرج كراء الدور والأرضين والسفن والرواحل،
والقراض والمساقاة والمغارسة والجعل، وقول
القاضي معاوضة على منافع الأعيان، لا يخفى
بطلان طرده، ونحوه قول عياض: بيع منافع معلومة
بعوض معلوم مع خروج فاسدها انتهى. وقال
البرزلي قال الغرناطي: الإجارة تطلق على منافع
من يعقل، والأكرية على منافع من لا يعقل
البرزلي يريد اصطلاحا، وقد يطلق أحدهما على
الآخر، ففي غررها إن استأجرت منه دارا بثوب
إلى آخره انتهى. وقال في اللباب: وقد خص تمليك
منفعة الآدمي باسم الإجارة، ومنافع المتملكات
باسم الكراء انتهى. والموثقون المتقدمون
يستفتحون عقود الأراضي والجنات بلفظ "تقبل"
ومعنى الجميع واحد انتهى. وقال ابن عرفة
وقولها: "يجوز أن يستأجر طريقا في
(7/493)
صحة الإجارة
بعاقد، وأجر: كالبيع،
__________
دار رجل ومسيل مصب مرحاض" لا يخفى أنه من باب
المجاز؛ لأنه أخف من الاشتراك ا هـ قال في
اللباب: وحكمها: الجواز ابتداء، واللزوم بنفس
العقد ما لم يقترن به ما يفسدها، وقال ابن
عرفة محمد، وهي جائزة إجماعا الصقلي خلاف
الأصم فيها لغو؛ لأنه مبتدع، وفيها مع غيرها
عقدها لازم كالبيع انتهى. وقد يعرض لها الوجوب
إذا لم يجد الإنسان من يستأجره بل بنفسه ووجبت
إعانته نقله الأبي عن ابن عرفة في حديث نزول
السيد عيسى وحكمة مشروعيتها: قال قال في
اللباب: التعاون ودفع الحاجات، وقد نبه الله
على ذلك بقوله: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ
فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ
بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً} [الزخرف: 32]
انتهى.
(7/494)
باب صحة الإجارة بعاقد وأجر كالبيع
ذكر رحمه الله من أركانها: العاقد، وهو شامل
للمؤجر والمستأجر، وذكر الأجر وسيذكر المنفعة،
ولم يذكر الصيغة، وكذلك ابن شاس وابن الحاجب
والقرافي وابن عرفة، وذكرها صاحب اللباب فقال:
هي لفظ، أو ما يقوم مقامه يدل على تمليك
المنفعة بعوض انتهى.
تنبيه: لا يرد على المصنف مسألة الخياط
المخالط يستخيطه الثوب، فإذا فرغ أرضاه قال
مالك لا بأس بها؛ لأنها نادرة، وبهذا اعتذر عن
ابن الحاجب ومسألة الخياط هذه هي في رسم سلعة
سماها من سماع ابن القاسم من الجعل والإجارة
ونصها: وسئل عن الخياط الذي بيني وبينه
الخلطة، ولا يكاد يخالفني أستخيطه الثوب، فإذا
فرغ منه، وجاء به أراضيه على شيء أدفعه إليه؟
قال: لا بأس بذلك قال ابن رشد: وهذا كما قال؛
لأن الناس استجازوه ومضوا عليه، وهو نحو ما
يعطي الحجام من غير أن يشارط على عمله قبل أن
يعمله، وما يعطي في الحمام، والمنع من هذا
وشبهه تضييق على الناس وحرج في الدين وغلو فيه
قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ
(7/494)
__________
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:
78] وقال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا
تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171] ومما
يدل على جوازه من السنة ما ثبت من "أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة، فأمر
له بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا من خراجه"
وكره النخعي أن يستعمل الصانع حتى يقاطع بشيء
مسمى، وكره ذلك ابن حبيب أيضا قال، ولا يبلغ
التحريم والأمر في ذلك واسع انتهى. ونقله ابن
عرفة.
فرع: قال في الذخيرة عن ابن يونس: إذا قلت:
خطه بدرهم، وقال بدرهمين، فخاطه، فليس له إلا
درهم قاله ابن القاسم؛ لأنك أعلمته بما ترضى
به، وكذلك قول ساكن الدار انتهى. وفي النوادر
عن مالك من رواية ابن المواز: من دفع ثوبا
لخياط، فقال: لا أخيطه إلا بدرهمين، وقال ربه:
لا أخيطه إلا بدرهم، وجعله عنده، فخاطه ليس له
إلا درهم قال: ومن سكن منزلا، فقال له ربه:
بدينارين في السنة، وقال الساكن: لا أعطي إلا
دينارا وإلا خرجت إن لم ترض، فسكن، ولم يجبه
بشيء حتى تمت السنة قال: لا يلزمه إلا دينار
انتهى. ومسألة الخياط: لا تشبه مسألة كراء
المنزل؛ لأن رب الثوب لم يتول استيفاء المنفعة
بنفسه، فلذلك لم يفرقوا فيها بين تقدم قول
الخياط، وقول صاحب الثوب بخلاف المنزل، فإن
المستأجر تولى استيفاء
(7/495)
__________
المنفعة بنفسه مع علم رب المنزل بذلك، ففرقوا
في ذلك بين تقدم قول الساكن وتأخر قوله عن قول
صاحب المنزل قاله ابن رشد في نوازل سحنون من
جامع البيوع، وذكر فيه أيضا أن حكم ما أتلفه
المشتري من السلع بحضرة ربه حكم ما ذكر من
استيفاء المستأجر للمنفعة مع علم رب المنزل
بذلك أنه يلزم من قوليهما الآخر، وقد تكلم على
هذه المسألة بكلام جيد، وفرق فيه بين مسألة
نوازل سحنون ومسألة سماع عيسى من كراء الدور
وغيرهما من الروايات، فانظره والله أعلم.
تنبيه ثان: علم من تشبيه الأجرة بالثمن أنه
يشترط فيها أن تكون معلومة الجملة والتفصيل أو
التفصيل دون الجملة؛ لأن المذهب جواز ذلك في
البيع، وقيل: لا يجوز، وقيل: بالكراهة على ما
تقدم في البيع ونقل القول بالمنع في التوضيح
عن خارج المذهب، ونقله ابن عرفة عن ابن أبي
مسلمة وسحنون، فعلى هذا لا تمتنع حراسة الأندر
كل إردب مثلا بقدح؛ لأنه معلوم التفصيل مجهول
الجملة ما لم يقترن بذلك ما يفسده من أعمال
مجهولة ونحو ذلك، وقد ذكر البرزلي في أوائل
مسائل الجعل والإجارة أن ابن أبي زيد سئل عن
حراس الزرع والزيتون ليلا ونهارا بالضمان، أو
بغيره على أن كل قفيز عليه مدين أو ثلاثة، وهل
يلزمهم تفريغ الشباك والأحمال أم لا؟ فقال:
أما استئجارهم لكل قفيز مدان، فجائز، فإن
شرطوا تفريغ الشباك ونزول الأحمال، فيلزم،
وشرط الضمان عليهم لا يلزم، وله أجرة مثله ممن
لا ضمان عليه البرزلي يجري على شرط ضمان ما لا
يضمن في الإجارات والعواري، وفيه خلاف
والمشهور ما قاله، وقوله: "كل قفيز بمدين
جائز" معناه إذا عرف صفتهما كما قال: ويتوصل
إلى معرفته بفرك سنبله، ولا يراعى كثرة
الأقفزة من قلتها؛ لأنه مأخوذ من كل قفيز، فهو
مجهول الجملة معلوم التفصيل، وهو جار على
المذهب أيضا من جواز بيع الحنطة في سنبلها،
وفي الذخيرة عن
(7/496)
__________
الأبهري ما يقتضي المنع قال الأبهري يمتنع حمل
الزرع على أن له في كل مائة إردب تخرج عشرة
أرادب؛ إذ لا يدري كم إردبا يخرج؟ وتجوز
بالقتة؛ لأنها تحزر، ولعل هذا على القول بعدم
جواز ذلك البيع، وهذا هو الظاهر والله أعلم.
وسئل أيضا عن حراستهم الأندر كلها بأقفزة
معلومة، ومنهم من يصيب ألفا ومائة قفيز، أو
أقل أو أكثر هل هو على قدر الرءوس أو الصابة؟
فأجاب: استئجارهم الأندر بأقفزة معلومة إن كان
قبل حصوله في الأندر ورؤيته، فلا يجوز وبعد
رؤيته وحصوله، فجائز، ويكون مفضوضا على قدر
الصابة، ووقع لسحنون أنه على الرءوس والأول:
أحب إلي قال البرزلي: وهذه إحدى المسائل التي
اختلف فيها، هل هي على قدر الأنصباء، أو على
الرءوس؟ انتهى. والله أعلم.
فرع: قال في المدونة في أكرية الدور: ولو سكن
أجنبي طائفة من دارك، وقد علمت به، فلم تخرجه
لزمه كراء ما سكن أبو الحسن لاحتمال تركه
للإرفاق وكونه على جهة الإجارة، فلما احتمل
الوجهان كان الأصل أن الأملاك على ملك مالكها،
ولا يمين عليه إلا أن يدعى عليه بالنص أنه
أرفقه، فيختلف في يمينه على الخلاف في دعوى
المعروف، وأما إن لم يقم عليه إلا بسكوته، فلا
يمين انتهى.
فرع: قال البرزلي في أواخر الوكالات، وفي
نوازل ابن الحاج: إذا خرج أحد الشريكين في دين
لاقتضائه دون إذن صاحبه، فاقتضاه، أو بعضه
وطلب الأجرة من صاحبه وجبت له بعد حلفه أنه ما
خرج لذلك متطوعا قلت: إلا أن تشهد العادة أن
مثله لا يأخذ أجرة فيما ولي، أصله مسألة كتاب
العارية وكراء الدور إذا سكن طائفة من داره
بغير إذنه انتهى. وفي رسم طلق من سماع ابن
القاسم من الرهون وسئل مالك عن رجل يرهن الدار
من رجل يضعها على يديه ويقتضي غلتها، ويقوم في
ذلك، ثم يطلب أن يعطى في ذلك أجرا فيما قام به
قال: من الناس من يكون له ذلك، ومنهم من لا
يكون له ذلك، فأما الرجل الذي مثله يشبه أن
يعمل بأجر، ومثله يؤاجر نفسه في مثله، فإن
طلبه، فأرى ذلك له، وأما من مثله يعني، فلا
أرى له ذلك ابن رشد هذا نحو ما في رسم جامع من
كتاب الجعل من سماع عيسى أنه يكون له إجارة
مثله إن كان يشبه أن يكون مثله يعمل بالإجارة،
وإنما له ذلك بعد يمينه ما أقام في ذلك، وعنى
به احتسابا، وإنما، فعل ذلك ليرجع بحقه فيه
على معنى ما قاله في أول سماع يحيى من الكتاب
المذكور انتهى. وله أيضا في سماع يحيى من كتاب
البضائع والوكالات قريب من هذا، وفي سماع ابن
القاسم منه، مسألة: طالب النفقة على البضاعة
كالقراض، وفي التوضيح وابن عرفة في كتاب
القراض شيء من هذا المعنى، وقال في آخر كتاب
الرهون من الذخيرة إذا تهدمت دار، فتقوم عليها
فلك الأجرة إن كان مثلك يعمل ذلك بأجرة بعد أن
تحلف ما تبرعت انتهى. والقاعدة المذهبية في
إيصال النفع للغير ذكرها ابن الحاجب في أواخر
الإجارة، وكذا ابن عرفة، وذكرها القرافي في
الرهون، وفي اللقطة، وقال في المسائل
الملقوطة:
(7/497)
__________
إذا عجز صاحب الدابة عن علفها وسيبها، فأعلفها
غيره، ثم وجدها ربها قال مالك: هو أحق بها؛
لأنه مكره على تركها بالإضرار لذلك، ويدفع ما
أنفق عليها، وقيل: هي لعالفها لإعراض المالك
عنها ذكر ذلك القرافي في الفرق التاسع
والثلاثين والمائة، وفي الذخيرة في الركن
الثالث من الإجارة، ولا شيء عليه في قيامه
عليها؛ لأنه قام لنفسه انتهى. وعلم من تشبيه
العاقد هنا بعاقد البيع أن الصبي المميز إذا
أجر نفسه بغير إذن وليه صح، ووقف على رضاه،
وقد نص على ذلك في المدونة قال في المتيطية:
وليس لذي الأب والوصي أن يؤاجرا أنفسهما دون
إذنهما، فإن فعلا نظرا في ذلك، فما رأياه من
رد أو إمضاء فعلاه ما لم يعملا، فإن عملا كان
لهما الأكثر من المسمى وأجرة المثل، فإن
أصابهما من سبب العمل شيء فلهما قيمة ما
نقصهما أو ديتهما إن هلكا، ولهما الأجرة إلى
يوم أصابهما ذلك، وليس لهما فيما أصابهما من
غير سبب العمل شيء انتهى.
فرع: قال في المتيطية، وإن آجر الرجل ابنه من
نفسه، أو من غيره، ومثله لا يؤاجر فسخت
الإجارة، وأنفق الأب عليه إن كان الأب غنيا،
والابن عديما لا مال له، فإن كان له مال أنفق
عليه منه، وله أن يؤاجره فيما لا معرة على
الابن فيه، وإن كان الأب فقيرا، أو مقلا، أو
يريد تعليم الابن فيجوز له ذلك حينئذ، وينفق
عليه من أجرته، فإن فضل شيء حبسه عليه، وليس
له أن يأكل مما فضل من عمل الصبي، وإن كان
فقيرا خوفا من أن لا يتمكن الصبي من العمل
فيما يستقبل، أو يمرض فلا يجد ما يأكل، وقال
ابن لبابة لا بأس أن يكون بالمعروف انتهى.
فرع: قال ابن عرفة: قال المتيطي وابن فتوح:
ويجوز عقد الحاضنة على محضونها أما كانت أو
غيرها، ولا ينفسخ إلا أن يزاد الصبي في أجرته
فتقبل الزيادة ويفسخ عقد الأم، وينظر له أحسن
المواضع، ولو كان بأقل من موضع آخر، ولا تقبل
الزيادة في عقد الوصي إلا أن يثبت أن فيه غبنا
على اليتيم انتهى.
فرع: قال في المتيطية: ولا يجوز استئجار
الأعزب المرأة لتخدمه في بيته مأمونا كان، أو
غيره، فإن كان له أهل جاز إن كان مأمونا،
وكانت المرأة متجالة لا إرب للرجال فيها، أو
كانت شابة ومستأجرها شيخ كبير فإن ذلك جائز
انتهى. ونحوه في اللخمي، ونقله ابن عرفة، وفي
الجعل منها في ترجمة إجارة نزو الفحل: وأكره
للأعزب أن يؤاجر حرة ليس بينه وبينها محرم أو
أمة لخدمة يخلو معها أو يعادلها في محمل
انتهى. أبو الحسن الكبير انظر هل الكراهة على
بابها، أو على المنع ؟؛ لأن فيه خلوة وعلى هذا
حمله اللخمي، وقال: لم يجز، وكذا نقله المتيطي
وابن فتوح، وفي رسم لم يدرك من سماع عيسى من
النكاح: وسئل عن المرأة العزبة الكبيرة تلجأ
إلى الرجل فيقوم لها بحوائجها ويناولها الحاجة
هل ترى له ذلك حسنا؟ قال: لا بأس به، وليدخل
معه غيره أحب إلي، ولو تركها الناس لضاعت ابن
رشد، وهذا على ما قال: إنه جائز
(7/498)
وعجل إن عين أو
بشرط، أو عادة أو في مضمونه لم يشرع فيها،
__________
للرجل أن يقوم للمرأة الأجنبية في حوائجها
ويناولها الحاجة إذا غض بصره عما لا يحل له
النظر إليه مما لا يظهر من زينتها لقوله
تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا
مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] وذلك الوجه
والكفان على ما قاله أهل التأويل فجائز للرجل
أن ينظر إلى ذلك من المرأة عند الحاجة
والضرورة، فإن اضطر إلى الدخول عليها أدخل
غيره معه ليبعد سوء الظن عن نفسه، فقد روي "أن
رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لقيا
النبي صلى الله عليه وسلم ومعه زوجته صفية رضي
الله عنها فقال لهما: "إنها صفية" ، فقالا:
سبحان الله، يا رسول الله، فقال: "إن الشيطان
يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف
في قلوبكما فتهلكا" انتهى. ص: (وعجل إن عين،
أو بشرط، أو عادة، أو في مضمونة لم يشرع إلا
كراء حج فاليسير وإلا فمياومة) ش: اعلم أن
(7/499)
إلا كري حج:
فاليسير وإلا فمياومة،
__________
التعيين تارة يكون في الأجرة وتارة يكون في
المنفعة المستأجرة، واعلم أنه يقضى بتعجيل
الأجرة إذا شرط التعجيل سواء كانت الأجرة شيئا
بعينه، أو شيئا مضمونا في الذمة، وكذلك يقضى
بالتعجيل إذا كانت العادة التعجيل سواء كانت
الأجرة شيئا معينا أو شيئا مضمونا، وسواء في
ذلك الأجرة المعينة، والمضمونة، وكذلك يقضى
بالتعجيل إذا كانت المنفعة المستأجرة مضمونة
في ذمة الأجير وتأخر شروعه في العمل يومين،
وأما لو أخره إلى يوم واحد فيجوز التقديم
والتأخير وقول المصنف: "إن عين" مستغنى عنه؛
لأن الأجر إذا كان معينا، فإن شرط تعجيله، أو
كان العرف تعجيله صحت الإجارة وقضي بتعجيله
للشرط والعرف، وهو مستفاد من قوله: "أو بشرط
أو عادة" وإن لم يكن شرط، ولا عرف فالإجارة
فاسدة كما سيصرح به المؤلف فتأمله، ولا يرد
هذا على ابن الحاجب؛ لأنه لا يفسد عنده إلا
إذا كان العرف التأخير فيحمل قوله: "يعجل إن
كان معيناً" على ما إذا لم يكن عرف، ولا اشترط
التعجيل، وهو خلاف قول ابن القاسم كما قاله في
التوضيح قال في أوائل كراء الرواحل منها: ومن
اكترى دابة لركوب أو حمل، أو دارا، أو استأجر
أجيرا بشيء بعينه من عين، أو عرض، أو حيوان،
أو طعام فتشاحا في النقد، ولم يشترطا شيئا،
فإن كانت سنة الكراء في البلد بالنقد جاز وقضي
بقبضها،
(7/500)
وفسدت إن انتفى
عرف تعجيل المعين:
__________
وإن لم تكن سنتهم بالنقد لم يجز الكراء، وإن
عجلت هذه الأشياء إلا أن يشترط النقد في العقد
كما لا يجوز بيع ثوب، أو حيوان بعينه على أن
لا يقبض إلا إلى شهر، ويفسخ ابن القاسم، وإن
اكترى ما ذكرناه بدنانير معينة، ثم تشاحا في
النقد، فإن كان الكراء بالبلد بالنقد قضي به،
وإلا لم يجز الكراء إلا أن يعجلها انتهى. قال
أبو الحسن قال عياض: قوله: "إلا أن يعجلها"
أي: يشترط ذلك في أصل العقد يبين ذلك ما تقدم
واختصره ابن يونس إلا أن يشترط تعجيله في
العقد، وقوله أولا: "إلا أن يشترط النقد في
العقد". الاستثناء منقطع كأنه يقول: لكن إن
اشترط النقد في العقد جاز انتهى. ثم قال في
المدونة إثر الكلام السابق كقول مالك فيمن
ابتاع سلعة بدنانير له ببلد آخر عند قاض، أو
غيره، فإن شرط ضمانها إن تلفت جاز، وإلا لم
يجز البيع فأرى إن كان الكراء لا ينقد في مثله
فلا يجوز إلا أن يشترط عليه إن تلفت فعليه
مثلها، ولا يجوز اشتراط هذا في طعام، ولا عرض
في بيع، ولا كراء؛ لأنه مما يبتاع لعينه فلا
يدري أي الصفقتين ابتاع، ولا يراد من المال
عينه، وقال غيره في الدنانير: هو جائز، وإن
تلفت فعليه الضمان انتهى. أبو الحسن قوله:
"فأرى الكراء إن كان لا ينقد في مثله"، معناه
ليس من سنتهم النقد، وذكر بعضهم عن بعض الشيوخ
أنه قال: "يحتمل أن يريد بقوله: إن كان لا
ينقد في مثله" كبيع الخيار، قال: ولم أره
لغيره انتهى. وهذا الذي أشار إليه المؤلف في
فصل كراء الدابة بقوله: "وبدنانير عينت إلا
بشرط الخلف" انتهى. وقوله: "أو في مضمونة لم
يشرع فيها" يريد لم يشرع فيها إلا بعد طول،
وأما إن قرب الشروع، فيجوز تأخير الكراء،
ويجوز اشتراط ذلك قال المتيطي: فإن كان
المضمون في الكراء إنما هو على أن يأتيه بها
تلك الليلة، أو في الغد فلا بأس باشتراط تأخير
الكراء إلى أجل وقوله: "إلا كراء حج فاليسير"
لو أدخل الكاف لكان أشمل قال المتيطي روى أبو
زيد عن ابن القاسم ذلك في الكراء المضمون، ولم
يذكر الحج، ونصه: تعجيل النقد في الكراء
المضمون إلى أجل هو. الأصل، ولا يجوز تأخيره
بشرط واختلف في تعجيل بعضه وتأخير باقيه دون
شرط فقال مالك فيمن أكرى إلى الحج في غير إبان
الحج ليخرج في إبانه لا بأس أن يقدم منه
الدينار والدينارين، ولا يجوز في غيره وروى
أبو زيد عن ابن القاسم ذلك في الكراء المضمون،
ولم يذكر الحج، وقال: كم من كري ذهب بالكراء،
وروى ابن المواز عن مالك كراهة تأخير النقد
إلا أن ينقد أكثره، أو ثلثيه، وقال مثله أشهب،
ثم قال: قال مالك قد اقتطع الأكرياء أموال
الناس فلا بأس أن ينقده الدينار والدينارين
(7/501)
__________
يريد في غير الحج انتهى. وفي التوضيح عن
الموازية مثل الحج في غير إبانه، واليسير
الدينار والديناران على ما رجع إليه مالك
والله أعلم. وقوله: "وإلا فمياومة" أي، وإن لم
تكن الإجارة مضمونة بل كانت معينة، أو كانت
مضمونة إلا أنه شرع فيها، ولم يكن شرط، ولا
عرف والأجر غير معين فإنما تستحق الأجرة
مياومة، وهذا عند المشاحة، وإلا فيجوز التقديم
والتأخير صرح بذلك في أول مسألة من كتاب الجعل
والإجارة من البيان، ونقله ابن عرفة.
تنبيهات: الأول: يعترض على المصنف بما اعترض
به على ابن الحاجب في قوله، فإن لم يكن شرط،
ولا عادة أخذ مياومة قال ظاهر كلامه يتناول
الصنائع، بل الإجارة في العرف مقصورة عليها
والمذهب أن الصانع لا يستحق الأجرة عند
الإطلاق إلا بعد تمام العمل انتهى. ومثله يقال
عليه، وما قال: إنه المذهب هو في كتاب الجعل
والإجارة من المدونة قبل ترجمة الدعوى في
الإجارة، ونصها: وإذا أراد الصناع والأجراء
تعجيل الأجر قبل الفراغ وامتنع رب العمل حملوا
على المتعارف بين الناس، فإن لم تكن لهم سنة
لم يقض لهم به إلا بعد فراغ أعمالهم، وأما في
الأكرية في دار أو راحلة، أو في إجارة بيع
سلعة ونحوه فبقدر ما مضى، وليس للخياط إذا خاط
نصف القميص أخذ نصف الأجرة حتى يتم؛ إذ لم
يأخذه على ذلك انتهى.
الثاني: ما تقدم من أنه إذا كانت الإجارة غير
مضمونة بل معينة يجوز التقديم، والتأخير محله
ما إذا شرع في العمل، أو تأخر الشروع نحو
العشرة الأيام، وإن طال ذلك لم يجز تقديم
الأجرة قال ابن رشد في أول كتاب الجعل
والإجارة من البيان: الإجارة على شيء بعينه
مثل نسج الغزل وخياطة الثوب على قسمين: مضمونة
في ذمة الأجير فلا تجوز إلا بتعجيل الأجر أو
الشروع في العمل، أو تعجيلهما، ومعينة في عينه
فتجوز بتعجيل الأجر وتأخيره على أنه يشرع في
العمل، فإن شرع إلى أجل لم يجز النقد إلا عند
الشروع في العمل انتهى. وتأخير الشروع إلى
يومين لا يضر قاله في المدونة أبو الحسن وإلى
عشرة أيام وانظر كلامه عند قول المؤلف: "وكراء
دابة إلى شهر"، ونقل كلام ابن رشد فعلى هذا
إذا كان العمل معينا على أن لا يشرع في العمل
إلا إلى أجل، وكان الأجر شيئا معينا تفسد هذه
الصورة؛ لأن كون الأجر معينا يقتضي تقديمه،
وكون العمل في عين الأجير إلى أجل يقتضي
تأخيره، والله أعلم.
الثالث: قال ابن رشد: إن صرح بكون العمل
مضمونا كقوله: استأجرتك على كذا في ذمتك إن
شئت عملته بيدك، أو بغيرك أو معينا كاستأجرتك
على عمل كذا بنفسك فلكل منهما حكمه، وإن لم
يصرح، وظاهر اللفظ أنه مضمون كقوله أعطيتك كذا
على خياطة هذا الثوب حمل على المضمون اتفاقا
إلا أن يعرف أنه يعمله بيده، أو كان عمله
مقصودا لرفقه وإحكامه، وإن كان ظاهره التعيين
كاستأجرتك على خياطة هذا الثوب، أو على أن
تخيطه، ولا
(7/502)
كمع جعل، لا
بيع
__________
يقول: أنت ففي حمله على المضمون، أو المعين
قولان المشهور: أنه يحمل على المضمون أيضا إلا
أن يعلم أنه يعمله بيده، أو يكون قصد عمله
لرفقه وإحكامه انتهى.
الرابع: قال ابن عرفة عن ابن فتوح: إن قام من
آجر عبده يطلب أجره بعد تمام عمله فأجرته تجري
مجرى الحقوق في الفسحة وضرب الأجل، وإذا آجر
العبد نفسه، أو الحر وطلب ذلك بعد الخدمة قال
ابن حبيب: لا ينبغي أن يحملا كالحقوق عند
وجوبها، ويجب تعجيل أجرهما لقوله عليه الصلاة
والسلام: "أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه"
إلا أن يؤخر الأجير من استأجره بأجرة سنة، ثم
يطلب فيحمل محمل الحقوق انتهى.
الخامس: قال في الذخيرة عن ابن يونس: كره مالك
نقد الكراء في السفن؛ لأنها لا تجب إلا
بالبلاغ، وجوزه ابن نافع، وقال: له من الكراء
بحساب ما قطع، فإن عطب قبل البلاغ وادعيت
النقد صدق عليك؛ لأن الأصل عدمه، ولا يشهد
بعضهم لبعض للتهمة، وقيل: يجوز كما في قطع
الطريق انتهى. ص: (كمع جعل) ش: أي، وكذلك تفسد
الإجارة إذا جمعها مع الجعل، وقاله في أول
كتاب الجعل من المدونة
فرع: لا يجوز اجتماع الإجارة مع السلف قال في
المدونة: وإن دفعت إلى حائك غزلا ينسج لك ثوبا
بعشرة دراهم على أن يسلفك فيه رطلا من غزل لم
يجز؛ لأنه سلف وإجارة انتهى. قال أبو الحسن
الصغير قال ابن يونس: الإجارة بيع من البيوع
يحرم فيها ما يحرم من البيع، وقد ورد النهي عن
بيع وسلف انتهى. ص: (كمع جعل) ش: أي، وكذلك
تفسد الإجارة إذا جمعها مع الجعل، وقاله في
أول كتاب الجعل من المدونة فرع: لا يجوز
اجتماع الإجارة مع السلف قال في المدونة: وإن
دفعت إلى حائك غزلا ينسج لك ثوبا بعشرة دراهم
على أن يسلفك فيه رطلا من غزل لم يجز؛ لأنه
سلف وإجارة انتهى. قال أبو الحسن الصغير قال
ابن يونس: الإجارة بيع من البيوع يحرم فيها ما
يحرم من البيع، وقد ورد النهي عن بيع وسلف
انتهى. ص: (لا بيع) ش: يعني أنّ الإجارة مع
البيع ليست بفاسدة بل يجوز اجتماعها معه،
وأطلق - رحمه الله - في ذلك، وفيه تفصيل، فإن
كانت الإجارة في غير الشّيء المبيع فذلك جائز،
وإن كانت الإجارة في الشّيء المبيع كما لو باع
له جلودا على أن يحذوها البائع نعالا للمشتري
فقال في التّوضيح عن ابن عبد السّلام في ذلك
قول مشهور بالمنع خليل هو قول سحنون قال في
النّوادر: وهو خلاف قول ابن القاسم وأشهب
انتهى. وقول سحنون: هذا هو الّذي في العتبيّة
في آخر سماع سحنون من باب البيع والإجارة،
ونصّه: وسئل عن البيع والإجارة فقال: جائز في
غير ذلك الشّيء بعينه قال ابن
(7/503)
__________
رشد: هذا معلوم مشهور من مذهب سحنون أنّ البيع
والإجارة في الشّيء المبيع عنده لا يجوز على
حال، ومذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وهو
الصّحيح إن كان ذلك فيما يعرف وجه خروجه كبيعه
ثوبا على أنّ على البائع خياطته، أو قمحا على
أن يطحنه، أو فيما لا يعرف وجه خروجه ولكن
يمكن إعادته للعمل كبيعه صفرا على أن يعمل
البائع منه قدحا، وما أشبه ذلك فذلك جائز،
وأمّا ما لا يعرف وجه خروجه، ولا يمكن إعادته
للعمل كبيعه غزلا على أنّ على البائع نسجه، أو
الزّيتون على أنّ على البائع عصره، أو الزّرع
على أنّ على البائع حصاده ودرسه، وما أشبه ذلك
فلا يجوز باتّفاق انتهى. وقاله ابن رشد أيضا
في رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم
من جامع البيوع، وفي رسم أمّهات الأولاد من
سماع عيسى من تضمين الصّنّاع، وفي كراء
الرّواحل من المدوّنة قريب من ذلك، وصرّح به
في أواخر كتاب التّجارة إلى أرض الحرب، ونصّه:
وأمّا إن ابتعت ثوبا على أن يخيطه لك أو نعلين
على أن يحذوهما فلا بأس فلا بأس به، وإن ابتعت
منه قمحا على أن يطحنه لك فاستخفّه مالك بعد
أن كرهه، وكان وجه ذلك عنده معروفا، وجلّ قوله
فيه: التّخفيف على وجه؛ لأنّه القياس قال أبو
الحسن في شرحه الكبير: فإن هلك الثّوب أو
القمح قبل خياطته، أو قبل طحنه سقط عن المشتري
قدر الإجارة، وكان ضمان الباقي منه، وهذا إذا
كان غير البائع يتولّى عمل ذلك كلّه، وأمّا إن
كان البائع هو الّذي يتولّى عمله لضمنه؛ لأنّه
صانع انتهى.
تنبيهات: الأوّل: قال القبّاب في باب بيع
الغرر زاد اللّخميّ فيما لا يعرف وجه خروجه
وتمكن إعادته إلّا أن يكون اشترى جملة ما يعمل
منه فلا يجوز؛ لأنّه كلّما أعيد نقص منه فلا
يقدر أن يعمل منه إلّا دون الأوّل كالفضّة على
أنّ على البائع صياغتها، والصّفر على أن يعمل
منه أقداحا، وما أشبه ذلك.
الثّاني: من البيع والإجارة أن يدفع الإنسان
ثوبه لمن يرقّعه له، أو نعله لمن يشركها فلا
يجوز ذلك حتّى يريه الجلد والرّقعة؛ لأنّ ذلك
مبيع فلا بدّ من رؤيته، أو ما يقوم مقام
الرّؤية من الصّفة في الشّيء الغائب الّذي
يتعذّر الوصول إليه حالة العقد هذا إذا كان
عند الصّانع الجلود والرّقاع، فإن لم يكن عنده
انضاف إلى ذلك بيع ما ليس عنده من غير أجل
السّلم إلّا أن يكون لا يعدم ذلك فلا يحتاج
إلى طول الأجل، ويكفي الوصف التّامّ كما في
سائر السّلم، ولا يكتفي بالوصف إلّا إذا كان
ما يريد أن يعمل منه غير موجود عنده حين
العقد، ولا يتعذّر عليه غالبا لكونه لا يعدمه
ويكثر عنده قاله القبّاب في الباب المذكور.
الثّالث: صورة المسألة أن يشتري منه المبيع
بكذا على أن يعمل له فيه كذا، أو يعمل له في
غيره، وأمّا لو اشترى المبيع بثمن على حدة،
ثمّ استأجره بأجرة أخرى فليس من هذا الباب؛
لأنّ المراد أن يجتمعا في عقد واحد، وذلك واضح
(7/504)
وكجلد لسلاخ،
__________
الرّابع: إذا اشترى جبنا، أو لحما بالوزن على
أنّ على البائع أن يقلي ذلك فذكر سيّدي أبو
عبد اللّه بن الحاجّ في فصل خروج العالم إلى
السّوق من المدخل أنّ في ذلك وجوها من المنع
منها أنّه اشترى منه الدّهن الّذي يقلى به،
وهو مجهول وأنّه اشترى منه ما يوقد به تحته،
وهو مجهول كذلك، وأنّه لا يعلم وزنه بعد
القلي، وأنّه لا يعلم أجرة قليه، وهذان
الأخيران لا يضرّ جهلهما كما يظهر ذلك ممّا
تقدّم، وأمّا الأوّلان فالمنع بسببهما ظاهر.
الخامس: إذا هلك المبيع قبل أن يعمل العمل
المستأجر عليه فيه فقال في الرّسم المتقدّم في
تضمين الصّنّاع: لا ضمان على البائع، ويحطّ عن
المشتري بقدر الخياطة والطّحن من الثّمن إلّا
أن يكون البائع ممّن يعمل تلك الصّناعات بنفسه
فيسلك به مسلك الصّنّاع في الضّمان، فيكون
عليه قيمة الثّوب يوم البيع، وهو الصّحيح،
وقيل: يوم ذهب، ويقوّم غير معمول، ويفضّ
الثّمن الّذي وقع به البيع على الثّوب والعمل،
فيكون للبائع منه ما ناب الثّمن، فإن كان له
فضل على القيمة أخذه، وإن كان عليه أدّاه، وإن
قامت على الضّياع بيّنة سقط عنه الضّمان، وفضّ
الثّمن أيضا على الثّوب والعمل فلا يكون
للبائع منه إلّا ما ناب الثّوب انتهى.
بالمعنى، وقال الشّيخ أبو الحسن في شرحه
الكبير إثر كلام المدوّنة السّابق، فإن هلك
الثّوب، أو القمح قبل خياطته، أو قبل طحنه سقط
عن المشتري قدر الإجارة، وكان ضمان الباقي
منه، وهذا إذا كان غير البائع يتولّى عمل ذلك،
وأمّا لو كان البائع هو الّذي يتولّى عمله
لضمنه؛ لأنّه صانع انتهى. وفهم من هذا أنّه لو
ضاع بعد العمل لم يحطّ عن المشتري شيء من
الثّمن، ويفصل فيه بين أن يكون البائع هو
الصّانع، أو غيره على ما تقدّم.
السّادس: لو اختلفا في الضّياع هل هو قبل
العمل أو بعده لم أر فيه نصّا والظّاهر: أنّ
القول قول المشتري فتأمّله.
السّابع: علم من هذا أنّ البيع والإجارة يجوز
اجتماعهما، ولو كان البائع لا يتولّى العمل
المستأجر عليه بنفسه واللّه أعلم. وهذه
التّفريعات كلّها إنّما هي على المشهور من
جواز اجتماعهما، وقد حكى اللّخميّ عن القاضي
قولا بالمنع، واللّه أعلم.
الثّامن: البيع والكراء كالبيع والإجارة يجوز
اجتماعهما في عقد واحد صرّح به في المدوّنة في
أوّل كراء الرّواحل وغيره. ص: (وكجلد لسلاخ)
ش: هو كقول ابن الحاجب:
(7/505)
أو نخالة
لطحان، وجزء ثوب لنساج،
__________
"ولو استأجر السلاخ بالجلد لم يجز". قال ابن
عبد السلام وظاهر كلامه أنه لا فرق بين أن
تكون الشاة حية، أو مذبوحة، وهو كذلك، ولعله
إنما منع من ذلك؛ لأنه لا يستحقه السلاخ عنده
إلا بعد السلخ، ولا يدري كيف يخرج هل يخرج
سليما من القطع أم لا؟ وفي أي جهة يكون القطع
انتهى. ونقله في التوضيح وأتى المصنف بالكاف
ليدخل اللحم قال في أوائل كتاب الجعل والإجارة
من المدونة: ولا يجوز الاستئجار على سلخ شاة
بشيء من لحمها انتهى. وانظر لو استأجره برأس
الشاة أو بالأكارع هل يجوز أم لا والظاهر: أنه
إن استؤجر على الذبح فقط، أو عليه وعلى السلخ
فلا يجوز؛ لأنه لا يدري هل تصح ذكاتها أم لا،
وأما إن استأجره على السلخ وحده بعد الذبح
فذلك جائز؛ لأنه لا غرر فيه فتأمله والله
أعلم.
تنبيه: قال في التوضيح خليل قد تقدم في بيع
الجلود على ظهور الخرفان في البيوع ستة أقوال
فينبغي أن تأتي هنا ا هـ وجزم به ابن عرفة كما
سيأتي. ص: (ونخالة لطحان) ش: قال ابن عبد
السلام للجهل بقدرها؛ لأنه كالجزاف غير
المرئي، ولو استأجره بصاع من النخالة بأن يقول
له: اطحنه ولك صاع من نخالته فيحتمل أن يتخرج
على القولين في الإجارة على الطحن بصاع من
الدقيق ويحتمل الجواز على القولين لاختلاف صفة
الدقيق دون النخالة غالبا، والنفس أميل إلى
المساواة بالدقيق؛ لأن من الطحن ما تخرج
نخالته كثيرة الأجزاء، ومنه ما لا تخرج كذلك
انتهى. ونقله الشيخ في التوضيح، وقال ابن عرفة
ابن شاس: لو استأجر السلاخ بالجلد والطحان
بالنخالة لم تجز قلت: الجلد جار على ما تقدم
في بيعه والنخالة تجرى على حكم الدقيق انتهى.
ونقل ابن غازي كلام ابن عرفة بلفظ النخالة
تجرى على الخلاف في الدقيق وعبارته أصح وأحسن
لإيهام العبارة الثانية أن الخلاف في كل من
صورتي النخالة أعني صورة الجزاف وصورة المكيل
فتأمله والمشهور في مسألة الدقيق جواز
الاستئجار بصاع منه كما سيأتي فتجوز الإجارة
بصاع من النخالة، وإذا علم هذا ففي قول صاحب
الشامل: "وجاز طحن بجزء من دقيقه على الأصح لا
بالنخالة، أو صاع منها وجاز بدرهم وصاع منها"
نظر من وجهين ظاهرين: أحدهما: أنه قد علم أن
الاستئجار بصاع منها جائز إما على القولين
اللذين في الدقيق، أو على المشهور منهما.
الثاني: قوله: "وجاز بدرهم وصاع منها" يناقض
قوله الأول، وهذا ظاهر والله أعلم. ص: (وجزء
ثوب لنساج) ش: يعني أن الإجارة تفسد إذا جعل
أجرة النساج جزء الثوب الذي ينسجه للجهل،
وكذلك جزء جلد، أو جلود لدباغ قال في كتاب
الجعل والإجارة من المدونة:
(7/506)
__________
ولا يجوز أن تؤاجره على دبغ جلود أو عملها، أو
ينسج ثوبا على أن له نصف ذلك إذا فرغ؛ لأنه لا
يدري كيف يخرج ذلك، ولأن ما لا يجوز أن يؤاجر
به انتهى. فهذا مجهول، وقال عليه الصلاة
والسلام: "من استأجر أجيرا فليعلمه بأجره"
وقال في حديث آخر: "فليؤاجره بشيء معلوم" .
وفهم من قول المؤلف: "جزء ثوب" أنه لو استأجره
بجزء الغزل، أو بجزء الجلد، أو الجلود قبل
الدباغ أن ذلك جائز، وهو كذلك إذا شرط عليه
تعجيل ذلك أو يكون العرف، وإلا فسدت الإجارة،
وكذلك لو دفع له نصف الجلود ونصف الغزل من
الآن، وشرط عليه نسج الجميع، أو دبغ الجميع،
ثم يأخذ جزءه فلا يجوز للتحجير، فإن أعطاه
الغزل على جزء، ولم يبين هل من الثوب، أو من
الغزل فقال ابن حبيب: يجوز قال المصنف في
التوضيح أصل ابن القاسم المنع، وجزم به في
الشامل فقال: فلو دخل على جزء غير معين منع
خلافا لابن حبيب.
تنبيهات: الأول: قال اللخمي في الجعل
والإجارة: وإن قال ادبغ نصف هذه المائة بنصفها
وشرطا نقد النصف جاز إذا كانت تعتدل في القسم
والعدد، أو تتقارب، وإن تباين اختلافهما لم
يجز من أجل الجهل بما يدبغ؛ لأنه لا يدري هل
يدبغ ستين، أو أربعين، وليس يفسد من أجل الجهل
بما يصير للعامل في أجرته؛ لأن شراء نصفها على
الشياع جائز، وإن لم يعتدل في القسم انتهى.
الثاني: منه، فإن لم يفسخ قال في هذه الصورة:
حتى قاسمه ودبغ جميعها كان له النصف الذي أخذه
أجرة بقيمته يوم قبضه بعد المقاسمة، وله إجارة
المثل في النصف الآخر انتهى. وكذا لو فات
النصف الذي أخذه أجرة بغير الدبغ للزمه قيمته
يوم قبضه، ولو كان النصف قائما لرده، وكان له
أجرة مثله، وهذا بين والله أعلم.
(7/507)
__________
الثالث: قال في التوضيح في شرح قول ابن
الحاجب: ولو استأجر السلاخ بالجلد والنساج
بجزء من الثوب والطحان بالنخالة لم يجز، فإن
وقعت المسألة على ما قاله المصنف فقال أصبغ:
له أجرة مثله، والثوب والجلود لربها ابن عبد
السلام يريد أصبغ؛ لأنه لم يجعل له النصف إلا
بعد الفراغ من العمل فعلى هذا إن فاتت الجلود
بيد الصانع بعد الدبغ فله نصفها بقيمتها يوم
خرجت من الدباغ، ولربها النصف الآخر، وعليه
أجرة المثل في دباغ الجميع، ولو دفع إليه نصف
الجلود قبل الدبغ على أن يدبغها مجتمعة
فأفاتها بالدباغ فله نصفها بقيمتها يوم قبضها،
وله أجرة عمله في نصفها للتحجير في نصف
الدابغ، وهذا بين، وأشار بعضهم إلى أنه يختلف
في ضمان الصانع لنصفها في هذا الوجه الأخير
إذا شرع في دباغها، ويختلف في فواتها بالشروع؛
لأن قبضه ليس قبضا حقيقيا؛ لأنه غير متمكن من
الانتفاع بما قبضه.
الرابع: قال اللخمي: في الوجه الأول أعني إذا
قال له: ادفع المائة على أن لك نصفها بعد
الدفع إن شرع في العمل من التمادي حتى يفرغ،
وكذلك النسج إن شرط أن ينسج له غزلا بنصفه
فأخذ في النسج مكن من التمادي؛ لأن في نزعها
عليه حينئذ مضرة واعترضه ابن عرفة، وقال: هذا
خلاف قول أهل المذهب في المساقاة الفاسدة: إن
ما يرد منها لإجارة المثل يفسخ، ولو بعد
العمل، بخلاف ما يرد لمساقاة المثل، وما قال
ابن عرفة: هو الظاهر، فقد قال اللخمي في باب
المساقاة بعد أن ذكر مسائل يرجع فيها إلى أجرة
المثل وأخرى يرجع فيها إلى مساقاة المثل،
وهكذا: الجواب: في كل موضع يرجع فيه إلى أجرة
المثل فإنه يعطى العامل أجرة عن الماضي، ولا
يمكن من التمادي، وكل موضع يرجع فيه إلى
مساقاة المثل لا ينزع منه بعد العمل حتى يتم
ما دخل فيه، وعلله بأنه مساقاة المثل العوض
فيها من الثمرة، فلو فسخت ذهب عمله باطلا، وفي
الإجارة العوض في الذمة لا يذهب عمله باطلا،
وذكر ابن عرفة كلامه هذا في
(7/508)
أو رضيع، وإن
من الآن،
__________
آخر المساقاة، وذكره أيضا عن عبد الحق عن غير
واحد من شيوخ صقلية وزاد مع المساقاة القراض
قال: وذكره ابن رشد غير معزو، وكأنه المذهب،
وكذا عياض وقيد الفوات بعمل له بال فتأمله
والله أعلم. ص: (أو رضيع، وإن من الآن) ش:
يعني أن الإجارة تفسد أيضا فيما إذا استأجر من
يرضع صبيا بجزء منه وقوله: "وإن من الآن"
مبالغة في هذه المسألة فقط دون ما قبلها ويعني
به أن الإجارة فاسدة سواء شرط أخذ الجزء
المستأجر به بعد تمام مدة الرضاع، أو شرط أخذه
الآن أما الأول: فظاهر؛ لأنه معين يتأخر قبضه،
وهو شامل لوجهين أيضا: الأول: أن يشترط أخذه
بعد المدة، ويكون فيها على ملك ربه الثاني: أن
يشترط أخذه بعد المدة لكنه على ملك المستأجر
كما تقدم في مسألة الجلود والغزل، وأما الوجه
الثاني: وهو ما إذا شرط أخذ الجزء المستأجر به
من الآن فيتبادر جوازها كما في مسألة الجلود
والغزل وعلله ابن عبد السلام بأن الصبي لما
كان مما يتعين، ولو تعذر تعليمه بموت، أو غير
ذلك لم يلزم ربه خلفه صار نقد الأجرة فيه
كالنقد في الأمور المحتملة بشرط، وعلى هذا
التقدير فسواء كانت الأجرة جزءا منه، أو غير
ذلك انتهى. وتصور كلام المصنف من الشرح
والحاشية ظاهر.
تنبيه: ذكر ابن أبي زيد - رحمه الله - في
مسألة التعليم التي جعلها المصنف وابن عرفة
مساوية لهذه أنه إذا وقع وشرط قبض نصفه بعد
السنة فسخ، فإن فات وعلمه سنة، ولم يفت العبد
فله قيمة تعليمه، والعبد لسيده، وإن فات بعد
السنة بيد المعلم فالعبد بينهما، وعلى ربه
قيمة تعليمه، وعلى المعلم نصف قيمته يوم تمام
السنة معلما، وإن شرط قبضه الآن وفات بيد
(7/509)
وبما سقط، أو
خرج في نفض زيتون، أو عصره،
__________
المعلم بعد تمام السنة فله نصف قيمة تعليمه
وعليه نصف قيمة العبد يوم قبضه، ويكون بينهما،
والله أعلم. ص: (وبما سقط، أو خرج من نفض
زيتون، أو عصره) ش: أي، وكذا تفسد الإجارة إذا
استأجره على نفض الزيتون بما يسقط منه أي بجزء
مما يسقط، وعلى عصره بما خرج منه من الزيت أي
بجزء مما يخرج منه للجهل بقدر ما يسقط، وما
يخرج من العصر، ولو في شيء منه، وكيف يخرج؟
قاله في المدونة قال: ولأنه لا يقدر على الترك
إذا شرع ونص كلامه في آخر كتاب الجعل
والإجارة: وإن قال له: انفض شجري، أو حركها
فما نفضت، أو سقط فلك نصفه؛ لم يجز لأنه
مجهول، وإن قال: اعصر زيتوني، أو جلجلاني فما
عصرت فلك نصفه لم يجز؛ لأنه لا يدري كم يخرج؟
ولا كيف يخرج؟ وإذا لا يقدر على الترك إذا
شرع، وليس هكذا الجعل والحصاد يدعه متى شاء
إذا قال: فما حصدت من شيء فلك نصفه انتهى. فقد
بين وجه عدم جواز عصر الزيتون بجزء مما يخرج
منه، وأما وجه عدم جواز النفض والتحريك فقال
الشيخ أبو الحسن عن القاضي إسماعيل؛ لأن الشجر
يختلف فمنه ما هو ناجح يقل ما يسقط منه، ومنه
ما هو بخلافه انتهى. فلا يصح ذلك إجارة، ولا
جعلا للجهل المذكور بخلاف مسألة الحصاد الآتية
في قول المصنف: "فما حصدت فلك نصفه" فإنه يقدر
على الترك متى شاء، وما يحصده فله نصفه فهو
معلوم ومثل الحصاد اللقط قال في المدونة: وإن
قال له: فما حصدت، أو لقطت فلك نصفه جاز، وله
الترك متى شاء؛ لأنه جعل، وكذلك الجداد إذا
قال له: جد من نخلي ما شئت فما جددت فلك نصفه
صرح به ابن رشد في أوائل كتاب الجعل، والفرق
بين الحصاد والجداد واللقط وبين النفض والعصر
أن الحصاد والجداد واللقط من مقدوره، ولا مانع
له إلا الكسل، وكلما أراد أن يقطع عرجونا، أو
يحصد موضعا، أو يلقط شيئا علم أن له نصف ذلك
قبل عمله بخلاف النفض والتحريك، فإنه غير منوط
بمقدوره فهو يعمل العمل، ولا يدري هل يسقط شيء
أم لا؟ وهل يقدر، أو يترك، وكذلك العصر فتأمله
(7/510)
وكاحصد. وادرس،
ولك نصفه،
__________
تنبيهات: الأول: قال أبو الحسن عن ابن القصار:
ومعنى التحريك هنا النفض باليد، وأما بالقضيب
فهو كالحصد قال: وهذا بعيد؛ لأن النفض باليد
غير معتاد انتهى. ونقله في التوضيح قال في
التوضيح بعد ذكره مسألة النفض ابن يونس: لو
قال: انفضه كله، ولك نصفه جاز انتهى. وكلامه
يوهم: أنه تقييد لقول ابن القاسم، وكلام ابن
عرفة يفهم أنه إنما نقله عن ابن حبيب وأن ابن
القاسم يخالفه فتأمله والله أعلم.
الثاني: إذا وقع شيء من هذه الوجوه الفاسدة
وأتم العمل على ما قالا فللعامل أجرة مثله،
وجميع الزرع لربه، فإن قسما على ما قالا فما
أخذه العامل حرام، وما أخذه رب الزرع فلا يحرم
عليه؛ لأن الزرع جميعه له، ذكر ذلك الشيخ أبو
الحسن الصغير ويأتي ما يشبه ذلك في كراء الأرض
بالطعام.
الثالث: ما يسقط من التمر بين الكرانيف والسعف
يسمى الجلالة لا يجوز الاستئجار عليه بجزء
منه؛ إذ لا يحاط بقدره لاختفائه بين الكرانيف
قاله في رسم قطع الشجرة من سماع ابن القاسم من
الإجارة. ص: (كاحصد وادرس ولك نصفه) ش: قال في
المدونة: وإن قال احصده وادرسه، ولك نصفه لم
يجز؛ لأنه استأجره بنصف ما يخرج من الحب، وهو
لا يدري كم يخرج، ولا كيف يخرج؟ وكذلك لو بعته
زرعه جزافا، وقد يبس على أن عليك حصاده
(7/511)
وكراء أرض
بطعام أو بما يثبته
__________
ودرسه وذريه لم يجز؛ لأنه اشترى حبا جزافا لم
يعاينه، ولو قال: على أن كل قفيز بدرهم جاز؛
لأنه معلوم بالكيل، وهو يصل إلى صفة القمح
بفرك سنبله، وإن تأخر درسه إلى مثل عشرة أيام،
أو خمسة عشر يوما فهو قريب، وقال قبله: ومن
قال لرجل: احصد زرعي هذا، ولك نصفه أو جد
نخلتي هذه، ولك نصفها جاز، وليس له تركها؛
لأنها إجارة، وكذلك لقط الزيتون انتهى. أي إذا
قال له: القط زيتوني ولك نصفه قال أبو الحسن
عن الأمهات: فحين يحصده وجب له نصفه عياض ظاهر
هذا أنه إنما يجب له بعد الحصاد، والذي يأتي
على أصولهم أنه وجب له بالعقد ألا تراهم جعلوا
ما هلك قبل حصاده وبعده من الأجير، وقال
الرجراجي: هذا هو المشهور، وقال في التوضيح
ابن حبيب: والعمل في تهذيبه بينهما ابن يونس
يريد، ولو شرط في الزرع قسمته حبا لم يجز، وإن
كان إنما يجب له بالحصاد فجائز، وكذلك في كتاب
ابن سحنون عبد الحق، ولا يجوز قسمه قتا ويدخله
التفاضل، وفي هذا خلاف في الربويات وغيرها،
واعترض منع قسمته حبا بأنه شرط يوافق مقتضى
العقد؛ لأن الأجير لا يستحقه إلا بعد عمله،
وحينئذ لا يتمكن من أخذ نصيبه إلا مهذبا،
وأجيب بمنع؛ لأنه لا يملكه إلا بعد الحصاد،
فقد قال ابن القاسم: إذا تلف قبل أن يحصده، أو
بعد أن حصد بعضه هو منهما، وعليه أن يستعمله
في مثله، أو مثل ما بقي منه، وخالف في ذلك
سحنون انتهى. بالمعنى واللفظ، فقد ظهر الفرق
بين هذه المسألة الممنوعة والمسألة الجائزة
الآتية في قوله: "واحصد هذا ولك نصفه" بأن هنا
لما استأجره على حصاده ودرسه، فكأنه استأجره
بالحب، وذلك لا يجوز، وفي المسألة
(7/512)
إلا كخشب،
__________
الأخرى إنما استأجره بنصف الزرع القائم الذي
يحصده، وذلك صحيح، والله أعلم. ص: (لا كخشب)
ش: قال في المدونة: لا يجوز كراؤها بشيء مما
تنبت، ولو كان من غير الطعام من قطن، أو كتان،
أو أصطبة، وهي المشاق، أو قصب، أو قرط، أو
تبن، أو علف، ولا بزعفران، ولا بطيب يشبهه،
ولا بعصفر، ولا بطعام، ولو لم تنبته فلا يجوز
بلبن محلوب، أو في ضروعه، أو بجبن أو عسل، أو
بسمن، أو تمر، أو صير، وهي نوع من الحيتان
تملح أو بشيء من الأنبذة والأشربة أو بفلفل،
أو بزيت الكتان أو الجلجلان، أو بسمك، أو بطير
الماء الذي هو للسكين، أو بشاة اللحم أبو
الحسن يعني العلوف أو الشارف، وقوله:
"الأشربة" يعني التي تشرب لا التي يتداوى بها
إلا أن تكون طعاما، ثم قال في المدونة ولا بأس
بكرائها بالعود والصندل والحطب والجذوع
وبالعين انتهى. وقال ابن عرفة: ولا بأس
بكرائها بالماء قلت: ، ولا يتخرج منعها به على
أنه طعام؛ لأنه قول ابن نافع، وهو يجيزه
بالطعام غير الحنطة وجنسها قال: وجعل ابن
الحاجب وابن شاس القصب كالجذوع، وقبله ابن
هارون لا أعرفه بل قولها: لا يجوز كراؤها
بالقصب انتهى. وقال في التوضيح هو بفتح الصاد
المهملة ونقل الجواز عن صاحب التلقين، وإذا
كان كذلك فيرد إنكار ابن عرفة، وأما ما ذكره
عن المدونة فإنما هو القضب بالضاد المعجمة كذا
رأيته في نسخة مصححة، وبدليل ذكره له مع القرط
والتبن والعلف، ولعله ظن كلام ابن الحاج أنه
كذلك
تنبيهات: الأول: قال ابن ناجي: ابن عرفة: قول
اللخمي يجوز كراؤها بالمصطكى نص في أنها غير
طعام
الثاني: شدد سحنون فقال: من أكراها بما يخرج
منها فذلك جرحة، وتأوله أبو محمد على من كان
عالما أنه لا يجوز، وهو مذهبه، أو قلد من
مذهبه المنع سحنون ولا يأكل طعامه، ولا يشتري
منه ذلك الطعام الذي أخذه في كرائها وتأوله
ابن رشد على أنه من الورع.
الثالث: إذا وقع ذلك فإنما له كراؤها
بالدراهم، وذكر الشيخ أبو محمد أن عيسى بن
مسكين وغيره من قضاة أصحابنا بإفريقية حكموا
بأن يعطى له قيمة الجزء الذي يقع له من ثلث،
أو ربع دراهم؛ لأنه لا يعرف لها بالمغرب قيمة
كراء بالعين، ولم يعتبروا قيمة كرائها يوم
العقد؛ لأنه لا كراء على المكتري في الأرض إذا
لم يصب فيها شيئا ابن عرفة عن المتيطي قال بعض
الموثقين: أرض الأندلس عندي بخلاف ذلك الكراء
فيها معروف فيجب أن يقضى فيها بكراء المثل
قلت: وكذا الأمر عندنا في أرض تونس، وفي
قولهم: "ينظر إلى ما يقع له من ذلك الجزء ربع
أو ثلث دراهم" نظر؛ لأن ظاهر البناء على ما
دخلا عليه من الجزء، وهو عقد فاسد
(7/513)
وحمل طعام لبلد
بنصفه، إلا أن يقبضه الآن،
__________
فيجب لغو ما دخلا عليه وينظر إلى قيمتها
بالجزء أن لو جاز فيها، ثم ينظر إلى قيمة ذلك
الجزء انتهى. وما قاله ظاهر لا شك فيه، ولا
يعدل عنه والله أعلم.
الرابع: قال في آخر الجامع من الجواهر لما
تكلم على الزرع كره مالك شراء طعام من مكتري
الأرض بالحنطة هذا، ومذهبه أن الطعام كله له،
وإنما عليه كراء الأرض عينا انتهى. وهذا،
والله أعلم. إذا لم يتب ويصلح ما وقع له على
الوجه الشرعي، وأما لو فعل ذلك فلا يظهر
للتوقف حينئذ وجه، وقد ذكر الشيخ أبو الحسن
الصغير في أواخر الشفعة أنه يقوم من مسألة
الأخذ بالشفعة ممن اشترى بدراهم مغصوبة جواز
شراء ما يحصل بالمعاملة الفاسدة قبل أن يصلحا
شأنهما قال: فعلى هذا يجوز شراء مكتري الأرض
بالطعام قبل أن يصلح شأنه مع ربها فالكلام
الأول: على التنزه، وما هو الأولى والله أعلم.
الخامس: قال فيها: ومن أكرى أرضه بدنانير
مؤجلة فحلت فلا يأخذ بها طعاما، ولا إداما
وليأخذ ما يجوز أن يبتدئا به كراءها والله
أعلم.
السادس: يجوز كراء الأرض بشجر بأصولها يأخذها
من المكتري إن لم يكن فيها ثمر، فإن كان فيها
ثمر لم يجز قاله في المدونة.
السابع : قال فيها: ويجوز بيع رقبة الأرض بشجر
فيها ثمر كما تباع بطعام عاجل وآجل انتهى.
وقال في النوادر بعد أن ذكر منع كراء الأرض
بما يؤكل، أو يشرب من الأشربة وبما يخرج من
الأرض ما نصه: ولا بأس بشرائها بذلك كله ما لم
يكن فيه يومئذ طعام انتهى. كذا في النسخة،
وصوابه: "ما لم يكن فيه يومئذ طعام"، ثم قال
في النوادر: ولا بأس أن تكتري بئرا إلى جانب
أرضك لتسقيها بمائها بما شئت من الطعام انتهى.
وقد تقدم أن الماء غير ربوي، وأنه يجوز بيعه
بطعام إلى أجل كما صرح به في السلم الثالث من
المدونة.
الثامن: قال اللخمي يجوز كراؤها بثياب القطن
والكتان؛ لأن الصنعة غيرتها، والله أعلم. ص:
(وحمل طعام لبلد بنصفه إلا أن يقبضه الآن) ش:
أي إلا أن يشترط أن يقبض نصفه الآن قال في
كتاب الجعل والإجارة من المدونة: ولا يجوز أن
يحمل لك طعاما إلى بلد كذا
(7/514)
وكإن خطته
اليوم بكذا، وإلا فبكذا،
__________
بنصفه إلا أن تنقده نصفه مكانك؛ لأنه شيء
بعينه بيع على أن يتأخر قبضه إلى أجل انتهى.
قال أبو الحسن: هذا بالشرط، ولو اشترط أن
ينقده فلا إشكال في المنع، وإن وقع الأمر
مبهما فعلى مذهب ابن القاسم هو على الفساد حتى
يشترط قبض نصفه الآن، وعلى مذهب أشهب وابن
حبيب وسحنون هو جائز حتى يشترط أن لا يقبضه
إلا بعد البلاغ، ونحوه في ابن يونس.
تنبيهان: الأول: قال في كتاب الجعل والإجارة
من المدونة: ولا يجوز أن يقول له: احمل طعامي
هذا إلى بلد كذا ولك نصفه إلا أن يعطي نصفه
نقدا، ولا يجوز على تأخيره إلى البلد لو اكتال
نصفه هاهنا، ثم يحمل الجميع إلى البلد لم يجز
أيضا قال ابن حبيب: ولو سلم له نصفه إن شاء
حمله أو حبسه لجاز انتهى. فمعنى الأول أنه كان
له نصفه، وشرط عليه أن يحمل الجميع إلى البلد
والله أعلم.
الثاني: إذا وقع ذلك وحمله للبلد فذكر ابن
يونس عن ابن أخي هشام أن للحمال نصفه، وعليه
مثله في الموضع الذي حمله منه، وله كراؤه في
النصف الآخر ما بلغ قال: وعاب هذا بعض شيوخنا،
وقال: يلزم عليك إذا هلك الطعام أن تضمن نصفه؛
لأنه على قوله بالقبض لزم ذمته، وهذا بعيد؛
لأن فساد المعاملة منع المكاري من قبض حصته
إلى أن يصل للبلد المحمول إليه فكيف يضمن إذا
هلك قبل البلد، وهو إنما يصير له بعد الوصول
إليها، وإنما يكون الطعام كله لربه، وعليه
إجارة حمله كله، وهذا هو الصواب كما في مسألة
دبغ الجلود ونصها: ونسج الثوب على أن له نصف
ذلك إذا فرغ فعمل على ذلك فإن له أجر عمله،
والثوب والجلود لربها، فكذلك هذا انتهى. أبو
الحسن: ويظهر لي أن قول ابن أخي هشام هو ظاهر
الكتاب من قوله؛ لأنه لا شيء بعينه بيع على أن
يتأخر قبضه تأمله، وفي مسألة الجلود والثوب:
شرط أنه إنما يقبض بعد الفراغ انتهى. فإن أفات
الحمل النصف بعد وصوله للبلد المحمول إليه،
فعليه مثله في ذلك الموضع، وله جميع الكراء
والله أعلم. ص: (وكإن خطته اليوم بكذا، وإلا
فبكذا) ش: قال فيها: وإن آجرت رجلا يخيط لك
ثوبا إن خاطه اليوم فبدرهم، وإن خاطه غدا فنصف
(7/515)
واعمل على
دابتي فما حصل: فلك نصفه،
__________
درهم أو قلت له: إن خطت خياطة رومية فبدرهم،
وإن خطته خياطة عربية فبنصف درهم لم يجز، وهو
من وجه بيعتين في بيعة، فإن خاطه فله أجر مثله
زاد على التسمية، أو نقص قال غيره في المسألة
الأولى إلا أن يزيد على الدرهم، أو ينقص من
نصف الدرهم فلا يزاد، ولا ينقص أبو الحسن
ويعتبر في التقويم التعجيل والتأخير أي يقال:
كم قيمة خياطة هذا الثوب اليوم؟ وكم قيمة
خياطته إلى غد؟ ونحوه في ابن يونس سحنون وقول
ابن القاسم أحسن
فرعان: الأول: إذا استأجره على خياطة ثوب
بدرهم، ثم قال له: عجله لي اليوم وأزيدك نصف
درهم، فإن كان على يقين من أنه يمكنه تعجيله
فذلك جائز، وإن كان لا يدري إذا أجهد نفسه هل
يتم أم لا فكرهه مالك ومثله استئجار رسول على
تبليغ كتاب لبلد بكذا، ثم زيادته على أن يسرع
في السير فيبلغه في يوم كذا يفصل فيه كما تقدم
هذا الذي ارتضاه ابن رشد في رسم سلف من سماع
ابن القاسم من الإجارة، ونصه: سئل مالك عن
الرجل يستخيط الثوب بدرهم، ثم يقول له بعد
ذلك: عجله لي اليوم، ولك نصف درهم قال مالك:
لا أرى به بأسا وأرجو أن يكون خفيفا، ولم يره
كالرسول يزاد لسرعة السير قال ابن رشد: أما
الذي يستخيط الرجل الثوب بأجل مسمى، ثم يزيده
بعد ذلك على أن يعجله له فلا إشكال أن ذلك
جائز؛ لأن تعجيله ممكن له، ولا ينبغي أن يتعمد
تأخيره ومطله إضرارا به لغير سبب، وله أن يتسع
في عمله ويؤخره لعمل غيره قبله، أو للاشتغال
بما يحتاج إليه من حوائجه على ما جرى من عرف
الصناع في التراخي في أعمالهم، فإذا زاده على
أن يتفرغ له، ويعجله جاز؛ لأنه أخذ ما زاده
على فعل ما يقدر عليه، ولا يلزمه انتهى. ونقله
ابن عرفة وبعض الكلام في التوضيح والله أعلم.
الثاني: من استأجر غلمانا يخيطون الثوب كل شهر
بشيء مسمى فلا يجوز أن يطرح على أحد منهم
ثيابا على أنه إن فرغ منها في يوم فله بقيته،
وإن لم يفرغ منها في يوم كان عليه يوم آخر لا
يحبسه له في شهر إن كان ذلك كثيرا لكثرة الغرر
في ذلك، وإن كان ذلك يسيرا فذلك خفيف قاله في
أول سماع ابن القاسم من الإجارة. ص: (واعمل
على دابتي فما حصل فلك نصفه) ش: قال ابن غازي
أي فما حصل من ثمن، أو أجرة بدلالة قوله بعد:
"وجاز بنصف ما يحتطب عليها" انتهى. وقوله: "من
أجرة" لعله يريد في صورة العكس التي
(7/516)
وهو للعامل،
وعليه أجرتها، عكس لتكريها، وكبيعه نصفا: بأن
يبيع نصفا، إلا في البلد، إن أجلا ولم يكن
الثمن مثليا.
__________
في قوله عكس لتكريها، وإلا فليس في هذه الصورة
أجرة إنما فيها ثمن ولفظ المصنف نحو لفظ
المدونة وفسر الشارح بأن المراد الثمن.
تنبيهات: الأول: لا فرق في ذلك بين الدابة
والسفينة والإبل قاله في المدونة، وكذلك في
عكس هذه المسألة لا فرق بينهما وزاد في
المدونة معها في هذه مسألة الدار والحمام أعني
فيما إذا دفع إليه هذه الأشياء ليكريها وسكت
في المسألة الأولى أعني قوله: "اعمل على دابتي
عن الدار والحمام". فقال عياض: لأن ما لا يذهب
به، ولا عمل فيه لمتوليه كالرباع فهو فيها
أجير، والكسب لربها ويستوي فيها "اعمل"
و"آجر"، ونقله أبو الحسن وقبله، وكذلك قال
اللخمي قوله: في السفينة أكرها، واعمل عليها
سواء إن كان فيها قومه ربها؛ لأنه إنما يتولى
العقد فغلتها لربها، وله أجر مثله، ولو كان
سافر فيها بمتاعه فالربح له ولربها الإجارة
والحمام والفرن إن لم يكن فيها دواب، ولا آلة
الطحن كان ما يؤاجر به للعامل أجر المثل، وإن
كانا بدوابهما ويشتري الحطب من عند صاحبهما،
أو من غلتهما فما أصاب لربهما وللعامل، وعليه
أجرة المثل، وإنما هو قيم فيهما، وكذا الفندق
ما أكرى به مساكنه لربه، وللقيم إجارته انتهى.
الثاني: لا فرق أيضا فيما إذا قال: اعمل على
دابتي، أو في سفينتي أو إبلي وبين أن يقول لي،
أو لا يقولها على ظاهر رواية الأكثرين وصريح
رواية الدباغ، وفي الجلاب إذا قال: اعمل لي
كان الكسب كله لرب الدابة قال عياض والصواب:
الأول: ولا فرق بين أن يقول لي، أو لم يقلها
إذ هو المقصود نقله أبو الحسن.
الثالث: إذا أصيب ما عمل عليها قبل بيعه فهو
من العامل نقله أبو الحسن.
(7/517)
وجاز بنصف ما
يحتطب عليها،
__________
الرابع: إذا قال: اعمل على دابتي قال ابن عرفة
الصقلي: لو عمل، فلم يجد شيئا، فعليه الكراء؛
لأنه في ذمته ولابن حبيب إن عرف أنه عاقه عائق
فلا شيء عليه إذا لم يكرها بشيء مضمون عليه
قلت: وهذا نحو اختلافهم في القرض على الأداء
من شيء بعينه يتعذر، وهو مذكور في القراض،
وقال قبله اللخمي: إن قال أكر دابتي ولك نصف
ما تكريها به فمضى بها، ثم ردها وتعسر عليه
كراؤها لم يكن له شيء؛ لأنه فاسد والحكم أن
يردها، ولا يتم ذلك الفاسد.
الخامس: لو قال: أكرها فعمل عليها كان الكسب
للعامل ولربها كراء المثل؛ لأنه تعدى على
منافع الدابة على غير ما أذن له، وإن قال:
اعمل عليها فأكراها فقال ابن القاسم: ما أكريت
به للأجير، ولربها إجارة المثل، وقال في كتاب
الشفعة: ما أكريت به لربها؛ لأن ضمان منافعها
منه انتهى. من ابن عرفة.
السادس: من هذا الباب لو قلت له: بع سلعتي
والثمن بيني وبينك، أو ما زاد على مائة بيني
وبينك فقال في المدونة: ذلك لا يجوز والثمن
له، وللبائع أجر مثله ابن يونس عن بعض
القرويين الفرق بين إن وقف وساوم، ولم يأته
أحد فالأشبه له أجر مثله إلا أن يتأول أنه جعل
فاسد، والأشبه الأول: أبو الحسن، وهذا على أن
الجعل الفاسد يرد إلى صحيح أصله، وعلى أنه يرد
إلى صحيح غيره له أجر مثله. ص: (وجاز بنصف ما
يحتطب عليها) ش: وكذا إن قال: لك نقلة، ولي
نقلة، أو ما تنقل اليوم لي وغدا لك أو تعمل
عليها اليوم لي، وتبيعه وتعمل عليها غدا لك،
فإن شئت بعته، وإن شئت أخذته لنفسك نقله ابن
عرفة وغيره.
تنبيهات: الأول: إذا قال: بنصف ما تحتطب عليها
لي جائز كما تقدم، وقد يعرض له
(7/518)
وصاع دقيق منه،
أو من زيت لم يختلف،
__________
ما يفسده كقوله: "ولا تأخذ نصفك إلا بعد بيعه
مجتمعا، أو نقله لموضع كذا مجتمعا" قاله ابن
عرفة.
الثاني: إذا وقع على الوجه الفاسد فالكسب
بينهما نصفان ويرجع العامل على ربها بنصف
إجارة مثله ويغرم لربها نصف كراء الدابة في
ذلك العمل قاله ابن عرفة أيضا.
الثالث: إذا قال: اعمل عليها اليوم لي وغدا
لك، فقد تقدم أنه جائز أيضا اللخمي، فإن عمل
اليوم ثم تلفت الدابة فللعامل على ربها أجر
مثله، وليس له أن يكلفه أن يأتي بأخرى فلو عمل
ما للعامل وتلفت قبل أن يعمل ما لربها فهل
لربها كراؤها، أو يأتيه بدابة أخرى يعمل
عليها؛ لأن المعمول عليه لا يتعين؟ والأول:
أبين؛ لأن خلف ذلك يتعذر ابن عرفة القول
الأول: قول ابن القاسم في العتبية ولما ذكره
الصقلي قال الشيخ: أعرف فيها أن على رب الدابة
أن يأتيه بأخرى يعمل عليها، وهو على أصلهم قال
في الطرر فيمن أعطى دابته وفأسه على أن الحطب
مناصفة فضاع الفأس فضمانه من ربه، ويحلف
الأجير إن كان متهما، ونقله الوانوغي
(7/519)
واستئجار
المالك منه، وتعليمته بعمله سنة من أخذه،
واحصد هذا ولك نصفه، وما حصدت: فلك نصفه،
وكراء دابة لكذا على إن استغنى فيها: حاسب،
__________
هنا. ص: (واستئجار المالك منه) ش: يريد ما لم
يؤد إلى دفع قليل في كثير كما في بيوع الآجال.
ص: (وتعليمه بعمله سنة من أخذه) ش: قال أبو
الحسن في الكبير بعد أن نقل عن عبد الحق
والتونسي كلاما طويلا تحقيق هذا الذي قالوه في
مسألة الغلام، أو معلم الصناعة باع منافعه
بمنافع الغلام سنة، فإذا مات الغلام عند تمام
المدة فلا كلام، وإن مات قبل الشروع في المدة
فلا كلام أيضا في فسخ الإجارة بينهما، وإن مات
قبل تمام المدة فلا بد من المحاسبة، فإن وفى
الصانع ثلثي الصنعة ووفى الغلام ثلث العمل فقط
وجب المردود للصانع، وهو ثلث إجارته يرجع به
على سيد الغلام؛ إذ هي بقية قيمة منافعه التي
وفى، ولو كان الحال بالعكس بأن يوفي العامل
ثلثي العمل، ولم يحد له المعلم إلا ثلث الصنعة
لوجب المردود للسيد يرجع بثلث أجرة الغلام،
ولو استويا فيما وفى كل واحد لصاحبه لسقطت
المراجعة بينهما انتهى. ابن عرفة بعض شيوخ عبد
الحق ما حاصله إن مات في نصف السنة، فإن كان
قيمة تعليمه في النصف الأول مثلي قيمة تعليمه
في النصف الثاني: وقيمة عمله في النصف الأول
نصف قيمة عمله في النصف الثاني رجع ربه بثلث
قيمة تعليمه قلت: الأظهر منع إجارته بعمله؛
لأنه يختلف بحسب سرعة تعلمه وبعده انتهى. ص:
(وإجارة دابة لكذا على إن استغنى فيها حاسب)
ش: لو قال: "على إن استغنى عنها" لكان أبين،
ويريد بشرط لا أن ينقد؛ لأنه إن نقد يكون تارة
ثمنا وتارة سلفا قاله في التوضيح وعزاه لمالك
في: العتبية والموازية والمسألة في أول كتاب
الرواحل من البيان، ولا مفهوم لقوله: "دابة"
بل، وكذلك غيرها؛ إذ يجوز أن يستأجر الرجل
الرجل شهرا على أن يبيع له ثوبا على أن
المستأجر متى شاء أن يترك ترك إذا لم ينقد، ثم
نقله في التوضيح عن المدونة، ثم قال: ومنعهما
سحنون قال في البيان: والجواز أظهر ووافق
سحنون
(7/520)
واستئجار مؤجر،
__________
على الجواز في كراء الدار سنة على أنه إن خرج
قبلها حاسبه انتهى كلام التوضيح ومسألة كراء
الدار هذه في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم
من كتاب الدور والأرضين.
فرع: فإن اكترى دابة لبلد معين على أنه إن لم
يجد حاجته فيها تقدم إلى موضع آخر فقال ابن
رشد في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من
كراء الدور: في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن
ذلك لا يجوز إلا أن يسمي الموضع الذي شرط أنه
بالخيار في أن يتقدم إليه، ويكون تبعا للكراء
الأول وبحسابه، فإن لم يكن تبعا للكراء الأول،
أو كان بخلافه أرخص، أو أغلى، أو مبهما لا
يدري إن كان بحسابه أم لا إلا بعد النظر؟ لم
يجز، وهو مذهب ابن الماجشون والثاني: أن ذلك
جائز إذا سمى الموضع الذي شرط أن يتقدم إليه
أو كان وجهه معروفا، فإن لم يسمه كان بحساب
الكراء الأول، وإن لم يكن تبعا، وهو ظاهر قول
مالك في أول رسم من سماع أشهب بعد هذا، وما في
رسم أوصى من سماع عيسى بعد هذا والثالث: أن
ذلك جائز إذا سمى الموضع الذي شرط أن يتقدم
إليه أو كان وجهه معروفا، وإن كان بخلاف
الكراء الأول، أو غير تبع له، وهذا قول ابن
القاسم انتهى. وانظر توجيهها فيه، والمراد
بكونه تبعا يعني أقل من الأول، والله أعلم. ص:
(واستئجار مؤجر) ش: تصوره ظاهر.
فرع: قال في كتاب الجعل والإجارة من معين
الحكام إذا اكترى دارا عشر سنين بعدد
(7/521)
أو مستثنى
منفعته،
__________
معلوم دفعه إليه، وسكن الدار شهرا، أو سنة، ثم
أراد اشتراءها من ربها فقال أبو بكر بن عبد
الرحمن: شراء المكتري لها عندي جائز، وهو فسخ
لما تقدم من الكراء، وعلى هذا لو انهدمت الدار
قبل انقضاء أمد الكراء كانت المصيبة من
المشتري؟ إذ الكراء قد انفسخ، وقال الشيخ أبو
عمران: شراء المكتري لها جائز، ويكون ذلك فسخا
للكراء، ويكون بقية الكراء مضافا إلى ثمن
الدار فيجعل ذلك كله ثمنا للدار انتهى. ونقل
الوانوغي في الثمن قولين الأول: أنه ما وقع به
البيع دون الأجرة. والثاني: ما وقع به البيع،
وما يجب لبقية المدة من الكراء، ونصه: ما نقل
ابن الرفيع عن أبي بكر بن عبد الرحمن وأبي
عمران الفاسي نقله ابن سهل وابن عات، وقد
اتفقا على أن ذلك فسخ لما بقي من المدة فقال
أبو بكر: الثمن ما وقع به البيع دونه، وصوبه
ابن سهل، وقال ابن عمران: الثمن ما وقع به
البيع، وما يجب لبقية المدة من الكراء انتهى.
ومنه قبل هذا بنحو الورقتين ومن آجر أمته لم
يمنع من وطئها، فإن حملت انفسخت الإجارة، إذا
كان الحمل منه، ومن آجر عبده، ثم باعه،
فالإجارة أولى به، فإن كانت الإجارة كاليوم
واليومين جاز البيع، وإن بعدت مدة الإجارة فسخ
البيع ونحو هذا في المدونة قال أبو الحسن في
الكبير قال عبد الحق: وهذا إذا رضي المبتاع،
وإلا فله القيام بهذا العيب إذا لم يعلم أنه
في إجارة انتهى. وقال في معين الحكام أيضا:
مسألة: لو أجره شهرا، ثم باعه، فلم يعلم
المشتري حتى انقضى الشهر قال بعض المتأخرين:
البيع ماض، وهو كعيب ذهب، وللمشتري أجرة
الشهر، أحب البائع أم كره؟ ولا يدخله بيع عبد،
وذهب بذهب؛ لأن هذا أمر جرت إليه الأحكام قال
بعضهم: الإجارة للبائع، ويخير المشتري في أن
يأخذه بغير إجارة، أو يرده، ولا يجوز أن
يتراضيا على أخذ العبد وإجارته انتهى منه.
قال أبو الحسن عن ابن يونس: وقيل: بل يقوم
العبد على أن يقبض يوم عقد البيع، ثم يقوم على
أن يقبض بعد شهر فما نقص رجع بحصة ذلك من
الثمن، وهذا أحسنها صح منه، وهو لأبي إسحاق
ومنه، وإن كان إنما علم بها بعد انقضاء
الإجارة، وكانت قريبة كاليوم واليومين جاز،
ويختلف هل له متكلم في إجارة هذين اليومين على
ما سيأتي انتهى. ويشير إلى الاختلاف المتقدم
في الأمد البعيد والله أعلم. وفي الإجارة من
المعونة فصل: يجوز للمؤاجر أن يبيع العين
المستأجرة من المستأجر وغيره إن بقي من مدة
الإجارة ما لا يكون غررا يخاف
(7/522)
__________
تغيرها في مثله خلافا لأبي حنيفة ولأحد قولي
الشافعي لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ
الْبَيْعَ} [البقرة: 275] ولأنه ليس في بيعها
إبطال حق المستأجر؛ لأن المشتري إنما يتسلمها
بعد انقضاء أمد الإجارة، وكل تصرف لا يبطل حق
المستأجر لا يمنع أصله إذا باع أمة قد زوجها،
وقال فيها أيضا: ويجوز بيع العين المستأجرة من
مستأجرها وغيره، والمنفعة للمستأجر إلى انقضاء
الإجارة وللمؤجر جميع الأجرة، وفي جهل المشتري
الإجارة يثبت له الخيار انتهى. وقال ابن جزي
في القوانين، ويجوز بيع الأرض والرباع
المكتراة خلافا للشافعية، ولا ينفسخ الكراء،
ويكون واجب الكراء في بقية أمد الكراء للبائع،
ولا يجوز أن يشترطه المشتري؛ لأنه يئول إلى
الربا إلا إن كان البيع بعروض، وإن لم يعلم
المشتري أن الأرض مكتراة فذلك عيب، وله القيام
به انتهى.
وفي كتاب الإجارة من الجلاب: ومن اكترى دارا
أو أرضا مدة معلومة فلا بأس أن يبيعها من
مكتريها قبل تمام المدة، ولا بأس أن يبيعها من
غيره؛ لأنه إذا أعلمه بالإجارة، فإن باعها
منه، ولم يعلم المشتري بالإجارة فهو عيب إن
شاء المشتري رضي به، وإن شاء رد، ولا سبيل له
إلى فسخ الإجارة قبل مضي المدة، والأجرة على
كل حال للبائع دون المبتاع قال التلمساني:
لأنه ليس في ذلك أكثر من أنه باع دارا، أو
أرضا يتأخر قبضها مدة من الزمان لا تتغير في
مثلها، ولا يجوز أن يشترط الأجرة المشتري
لنفسه؛ لأنه يدخله الذهب بالذهب متفاضلا، ثم
قال: قال مالك: ومن ساقى حائطا، ثم باعه
فالبيع ماض والمساقاة ثابتة لا ينقضه البيع
الأبهري؛ لأن عقد المساقاة لازم كعقد الإجارة
انتهى. ونحوه للقرافي، وفي أواخر مسائل
الإجارة من البرزلي ما نصه: مسألة ابن عات من
أكرى داره، ثم باعها فإما أن يبيعها من
المكتري، أو من غيره، فإن باعها من غيره، فإن
لم يعلم بالكراء فهو عيب إن شاء رد، وإن شاء
تماسك، وإن علم به فلا رد له، ولا كراء إلا أن
يشترطه، وإن اشترطه، فإن وجب الكراء للبائع،
أو بعضه بمضي المدة فلا خلاف في المنع إذا
بيعت الدار بذهب، وهو ذهب، ولا بالورق على قول
ابن القاسم إلا أن يكون الثمن نقدا، أو يكون
أقل من صرف دينار، وإن لم يجب شيء من الكراء
على المكتري للبائع لكونه لم يمض من المدة
شيء، وإن اشترطه في العقد ففي جوازه قولان
فابن رزق يجيزه ووافقه غيره، ومنهم من منعه،
ونسب لابن القاسم في الدمياطية، ومنهم من قال:
هو للمبتاع اشترطه أم لا؟ وأما إن باعها من
المكتري، فقال ابن عبد الرحمن وأبو عمران: هو
جائز، وهو فسخ لما تقدم من الكراء في قول أبي
بكر بن عبد الرحمن ولما بقي من المدة في قول
أبي عمران ابن سهل وجواب أبي عمران أميل إلى
الصواب وسئل الشارقي وابن دحون وابن الشقاق عن
المكتري إذا ابتاعها بشرط أن الكراء عنه محطوط
فأجابوا إن ذلك لا يجوز ابن دحون هذا إن كان
إسقاطه مشترطا في العقد، وإن وضعه البائع بعد
البيع جاز قال الشارقي وأجازه ابن حزم، وهو
خطأ يريد أنه ابتاع الدار، والكراء عليه
بالثمن الذي دفع فصار ذهبا
(7/523)
والنقد فيه إن
لم يتغير غالبا، وعدم التسمية لكل سنة، وكراء
أرض لتتخذ مسجدا مدة. والنقض لربه إذا انقضت.
__________
وعرضاً بذهب، وهو بين الفساد ابن سهل، وجوابها
ولاء لا يدل على أن الكراء لا يفسخه الشرط
انظر تمامه انتهى. وانظر الجواهر وكلام
الوانوغي في جوابه، والله أعلم. ص: (وعدم
التسمية لكل سنة) ش: قال في التوضيح: يجوز ذلك
كما يجوز أن يستأجر سنة بكذا، وإن لم يعين لكل
شهر شيئا، وكان المقصود من شهور السنة بعضها
كما أشار إليه في المدونة في دور مكة ويرجع
إلى التقويم عند حصول مانع
تفريع: فإن شرطا الرجوع إن حصل مانع إلى
القيمة دون التسمية جاز اتفاقا، وإن شرطا
الرجوع للتسمية دون القيمة امتنع اتفاقا، وإن
دخلا على السكة فمذهب ابن القاسم وروايته في
المدونة أن التسمية لغو ويقضى بالقيمة، وهو
قول أصبغ وسحنون ولمالك في العتبية أن الكراء
فاسد ذكر ذلك في البيان وانظر ابن عرفة في
ابتداء مدة السكنى، والله أعلم. ص: (والنقض
لربه) ش: انظر على من تكون أجرة نقضه والظاهر
أنها على البائع، قال اللخمي: وإن أكرى أرضه
لمن يتخذها مسجدا وضربا لذلك أجلا جاز، فإن
انقضى الأجل كان له أن ينقض ذلك ما لا يصح
بقاؤه للسكنى، ولا يوافق بناء الدور، وما يصح
بقاؤه إن لم يجعله حبسا كان لصاحب الأرض أن
يأخذه بقيمته منقوضا، وإن حبسه فاختلف هل له
أخذه وأن ذلك له أحسن انتهى. قال ابن عرفة إثر
نقله كلام اللخمي هذا قلت: قوله: "له نقض ما
لا يصح للسكنى" تبع فيه التونسي قال؛ لأن رب
الأرض لا يقدر أن ينتفع بها على صورة مسجد
دارا الصقلي
(7/524)
وعلى طرح ميتة:
والقصاص. والأدب وعبد خمسة عشر عاماً
__________
عن بعض القرويين: إلا أن يلتزم إبقاءه مسجدا
فيأخذه بقيمته منقوضا، ويلزمه إبقاؤه مسجدا
انتهى. ص: (وعلى طرح ميتة) ش: قال في المدونة:
ولا بأس بالاستئجار على طرح الميتة والدم
والعذرة انتهى. ونبه على هذا لئلا يتوهم أن
هذه الأشياء لما كانت محرمة كان الأجر على ذلك
محرما كالاستئجار على حمل الخمر؛ لأن المحرم
الاستئجار على حمل الخمر للانتفاع بها، ولو
استؤجر على طرحها وإراقتها جاز قال أبو الحسن
في الكبير: والفرق بينهما أنه في مسألة الخمر
آجر نفسه على حمل الخمر للانتفاع بها، وذلك
حرام، وفي مسألة الميتة الإجارة على طرحها لا
للانتفاع بها، ولو كانت الإجارة على الميتة
للانتفاع بها لم يجز كالخمر انتهى.
فرع: قال في المدونة، ولا يؤاجر على طرح
الميتة بجلدها إذ لا يجوز بيعه، وإن دبغ
انتهى. ص: (والقصاص والأدب) ش: قال أبو الحسن
الصغير قال اللخمي: الإجارة على القتل والجراح
جائزة إذا كان عن قصاص، أو لحق الله تعالى ولا
يستأجر في ذلك إلا من يرى أنه يأتي الأمر على
وجهه، ولا يعبث في القتل، ولا يجاوز في الجرح
انتهى. وقال في المدونة: ولا بأس بالإجارة على
قتل قصاص، أو على ضرب عبدك وولدك للأدب، وأما
لغير ما ينبغي من الأدب فلا يعجبني، وإن آجره
على قتل رجل ظلما فلا أجر له انتهى. أبو الحسن
قوله: "أو على ضرب ولدك أو عبدك" قالوا: ويصدق
أنه فعل ما يوجب ذلك، فلو أقر في العبد أنه لم
يفعل ما يوجب عليه الأدب فهل يمكن من الضرب
اليسير دون سبب، أو لا؟ في ذلك اختلاف ويصدق
في الزوجة أنها فعلت ما يستوجب الضرب انتهى.
وانظر تمامها فيه والله أعلم. ص: (وعبد خمسة
عشر عاما) ش: نحوه في المدونة وفي سماع أشهب
من الإجارة: سئل مالك عمن استأجر أجيرا خمسة
عشر عاما قال: هذا كثير لا يصلح ولكن لا بأس
أن يستأجر عاما وينقده إجارته ابن رشد قوله:
"وينقده إجارته" دليل على أنه إنما كره
(7/525)
ويوم. أو خياطة
ثوب مثلا. وهل تفسد إن جمعهما وتساويا، أو
مطلقا؟ خلاف،
__________
الخمسة عشر عاما مع النقد. وظاهر ما في الجعل
والإجارة: إجازة النقد في الخمسة عشر عاما
خلاف قول غيره فيها انتهى. اللخمي الأمد في
المستأجر يختلف باختلاف الأمن والخوف في تلك
المدة فأوسعها في الأجل الأرضون، ثم الدور، ثم
العبيد، ثم الدواب، ثم الثياب فيجوز كراء
الأرض ثلاثين سنة وأربعين بغير نقد إلا أن
تكون مأمونة الشرب فيجوز مع النقد ويجوز مثل
ذلك في الدور إذا كانت جديدة مأمونة البناء،
وإن كانت قديمة فدون ذلك قدر ما يرى أنه يأمن
سلامتها في الغالب، واختلف في العبيد، فأجاز
في كتاب محمد العشرين سنة بالنقد، وفي المدونة
خمس عشرة سنة ومنعه غير ابن القاسم في
العشرين، وأرى أن ينظر في ذلك إلى سن العبد،
وكذلك الحيوان يختلف في إجارتها باختلاف
العادة في أعمارها فالبغال أوسعها أجلا؛ لأنها
أطول أعمارا، والحمير دون ذلك، والإبل دون
ذلك، والملابس في الأجل مثل ذلك، ويفترق الأجل
في الحرير والكتان والصوف والقديم والجديد
فيضرب من الأجل لكل واحد بقدره انتهى.
فرع: قال في المدونة والموصى له بخدمة عبد عشر
سنين لا بأس أن يكتريه عشر سنين أبو الحسن:
معناه، ويجوز النقد فيه بشرط، وأما الموصى له
بخدمة عبد حياته فلا يجوز أن يكريه عشر سنين
ابن يونس يريد بالنقد، وأما إذا لم ينقد
فجائز؛ لأنه كلما عمل أخذ بحسابه، والله أعلم.
ص: (ويوم، أو خياطة ثوب مثلا وهل تفسد إن
جمعهما وتساويا، أو مطلقا خلاف) ش: يعني أن
المنفعة التي هي أحد أركان الإجارة إذا كانت
صنعة يجوز أن تقيد بالزمن كخياطة يوم مثلا، أو
بمحل تلك الصنعة كخياطة ثوب مثلا، فإن جمع
بينهما أي بين التقييد بالمحل والزمن فقال في
البيان في شرح أول مسألة من كتاب الجعل
والإجارة، فإن كان الأمر في ذلك مشكلا فلا
اختلاف في أن ذلك لا يجوز، وإن كان الإشكال في
أن العمل يمكن تمامه قبل انقضاء الأجل، فقد
قيل: إن ذلك جائز، والمشهور: أن ذلك لا يجوز
انتهى. ونقله في
(7/526)
وبيع دار لتقبض
بعد عام، وأرض لعشر، واسترضاع،
__________
التوضيح، وكذا قال اللخمي إلا أنه اختار القول
بإمضاء هذه العقدة نقله عنه ابن عرفة، وقال
ابن عبد السلام: الذي قاله من يرتضى من
الشيوخ: أن الزمن الذي قيدت به الإجارة إن كان
أوسع من العمل بكثير فلا يختلف في الجواز، وإن
كان أضيق بكثير فلا يختلف في المنع، وإن كان
الزمن مساويا لمقدار العمل ففيه قولان: اختلف
الشيوخ في تعيين المشهور منها انتهى. باختصار،
فالضيق لا يجوز والمساوي لا يجوز أيضا عند ابن
رشد باتفاق، وعند ابن عبد السلام على أحد
المشهورين فجزم المصنف بالفساد فيه لقوة القول
بالفساد لحكاية ابن رشد الاتفاق، والواسع يجوز
عند ابن عبد السلام باتفاق ويمنع عند ابن رشد
على المشهور وإلى اتفاق ابن عبد السلام هذا،
ومشهور ابن رشد أشار بالخلاف، والضيق لم يتعرض
له؛ لأنه واضح الفساد ولأنه لما لم يحك مع
التساوي قولا بالجواز علم أن الضيق أحرى منه
فقوله: "وتساويا" مفهومه: إن لم يتساويا يريد
بأن كان أوسع فلا تفسد على القول الأول، ثم
قال: "أو مطلقا" أي تفسد مطلقا سواء كان
مساويا أم واسعا خلاف، والله أعلم.
فرع: قال في شرح مسألة من أول رسم سماع أشهب،
فعلى القول بأن ذلك لا يجوز يكون للأجير إن
فاتت الإجارة بالعمل أجرة مثله بالغة ما بلغت
على تعجيلها، أو تأخيرها، فأما على القول بأن
ذلك جائز، فإن فرغ منه في اليوم الذي سمى كانت
له الإجارة المسماة، وإن لم يفرغ منه إلا بعد
ذلك كانت له إجارته على غير التعجيل؛ لأن
المستأجر إنما رضي به من
(7/527)
والعرفي في:
كغسل خرقة، ولزوجها فسخه، إن لم يأذن، كأهل
الطفل إذا حملت، وموت أحدى
__________
الأجرة على التعجيل، فإذا أعطاه ذلك لم ينبغ
أن يأخذ ماله باطلا انتهى. ص: (والعرف في كغسل
خرقة) ش: قال ابن غازي: أي وجاز اعتبار العرف،
أو واعتبر العرف انتهى. قال في التوضيح عند
قول ابن الحاجب ويحمل في الدهان وغسل الخرق
وغيره على العرف، وقيل: على الظئر قوله:
"وغيره" أي كحميمه ودق ريحانه ونحو ذلك على
العرف، فإن اقتضى أنه على الظئر، فعليها، وإن
اقتضى أنه على الأب، فعليه، وهذا مذهب
المدونة، ولم يصرح فيها بالحكم إذا لم يكن عرف
نعم نص ابن حبيب على أنه مع عدم العرف على
الأب وقوله: "وقيل على الظئر" أي مع عدم
العرف؛ لأن العرف محل اتفاق، وهذا القول لابن
عبد الحكم وكلامه يوهم أن هذا القول يخالف مع
ثبوت العرف انتهى. ص: (ولزوجها فسخه إن لم
يأذن) ش: تصوره واضح، ونحوه في المدونة قال
فيها: وترضعه حيث اشترطوا، فإن لم يشترطوا
موضعا فشأن الناس الرضاع عند الأبوين إلا
امرأة لا يرضع مثلها عند الناس، أو يكون الأب
وضيعا لا يرضع مثلها عنده، فذلك لها، وقال أبو
الحسن اللخمي: ورضاع الولد في بيتها إلا أن
تكون العادة رضاعه عند أبويه؛ لأن من باع سلعة
معينة لم يكن عليه نقلها إلى دار المشتري. ص:
(كأهل الطفل إذا حملت) ش: ولهم فسخ الإجارة
إلا أن يخاف على الصبي الموت، فيكون عليهم فسخ
الإجارة، وإن خيف عليه ضرر غير الموت، فيكون
لهم تركه، ولكن على الكراهة هذا قاله أبو
الحسن، وهذا والله أعلم إذا لم يتحقق الضرر.
فرع: قال في المدونة: ولا يلزمها أن تأتي
بغيرها أبو الحسن: ولا يلزم الأب ذلك إذا
طلبته هي، وإن تراضيا على ذلك، فإن كان نقدها
الأجرة فلا يجوز؛ لأنه فسخ دين في دين على أصل
ابن القاسم، وإن لم ينقد جاز انتهى. وكرر
المصنف المسألة في آخر الباب في قوله: "وحمل
ظئر أو مرض" ص: (وموت إحدى الظئرين) ش: الظئر
بالظاء المعجمة والهمزة المرضع، ويريد المصنف
إذا استأجرهما جميعا أو استأجر الثانية بعد
الأولى وعلمت بها، قال في المدونة: ومن آجر
ظئرين، فماتت واحدة فللباقية أن لا ترضع وحدها
ومن آجر واحدة، ثم آجر
(7/528)
الظئرين وموت
أبيه، ولم تقبض أجرة، إلا أن يتطوع بها متطوع،
__________
أخرى فماتت الثانية: فالرضاع للأولى لازم كما
كانت، وإن ماتت الأولى، فعليه أن يأتي بمن
ترضع مع الثانية قال أبو الحسن عبد الحق: هذا
إن علمت حين الإجارة أن معها غيرها، وإن لم
تعلم فلا كلام لها؛ لأنها دخلت على أن ترضع
وحدها، وكذلك ذكر حمديس.
فرع: قال في المدونة: وإذا مرضت الظئر مرضا لا
تقدر معه على الرضاع فسخت الإجارة، ولو صحت في
بقية منها أجبرت على الرضاع بقيتها، ولها من
الأجر بقدر ما أرضعت، وليس أن ترضع ما مرضت
قال غيره: إلا أن يكون الكراء انفسخ بينهما
فلا تعود قال ابن القاسم: وإن تمادى بها مرضها
حتى مضى وقت الإجارة فلا تعود إلى رضاع أبو
الحسن: مفهوم كلامه: ولو كان مرضا تقدر معه
على الرضاع لم ينفسخ، وإن كان يضر به، وليس
كذلك قال اللخمي: تفسخ الإجارة بمرضها إن لم
يرج برؤها عن قرب، فإن كان يرى أنه لا يذهب عن
قرب، ثم تبين خلاف ذلك وذهب قريبا لم تنقض
الإجارة إن لم يكونا تفاسخا، ويختلف إن كانا
تفاسخا هل ذلك حكم مضى، أو يرد؛ لأنهما أخطآ
فيما ظنا أبو الحسن: وإن كان يذهب عن قرب فلا
تفسخ الإجارة، وظاهر قوله فيها: ولو صحت في
بقية المدة أجبرت سواء فسخت الإجارة، أو لم
تفسخ، فيكون قول الغير خلافا، وقد اختلف
الشيوخ في ذلك هل هو خلاف، أو تفسير ؟، ويكون
معنى قول ابن القاسم أجبرت ما لم يتفاسخا
انتهى. قلت: ، وهذا هو الظاهر وسيذكر المصنف
مسألة مرض المرضعة في آخر الباب.
فرع: قال أبو الحسن اللخمي: إن تكفلت قبل
الإجارة ووجب سجنها سجنت، ثم ينظر في فسخ
الإجارة حسبما تقدم في موضعها، وإن تكفلت بعد
الإجارة لم تسجن؛ لأن ذلك تطوع يمنع من قبض ما
باعته انتهى. وقد تقدم في باب الضمان نحو هذا
وأوسع منه فانظره. ص: (وموت أبيه، ولم تقبض
أجرة إلا أن يتطوع بها متطوع) ش: قال في
المدونة: وإن مات الأب، ولم يدع مالا، ولم
تأخذ الظئر من إجارتها شيئا فلها فسخ الإجارة،
ولو تطوع رجل بأدائها لم تفسخ، وما وجب للظئر
فيما مضى ففي مال الأب وذمته، ولا طلب فيه على
الصبي انتهى. قال ابن يونس: ولو قبضت إجارتها،
ولم يدع الأب شيئا لم يكن للورثة أن
(7/529)
وكظهور مستأجر
أوجر بأكله أكولا، ومنع زوج رضي من وطء ولو لم
يضر
__________
يفسخوا الإجارة ويأخذوا منها حصة باقي المدة
ولكن يتبعون الصبي بما ينوبهم من أجرة باقيها،
وهذا استحسان وتوسط بين القولين انتهى. وقال
في المدونة قبل ذلك، وإن هلك الأب فحصة باقي
المدة من الأجر في مال الولد قدمه الأب، أو لم
يقدمه وترجع حصة باقي المدة من الأجرة إن قدمه
الأب ميراثا، وليس ذلك عطية وجبت إذ لو مات
الصبي لم تورث عنه، وكانت للأب خاصة دون أمه
ففارق معنى الضمان انتهى. قاله في النكت، وهذا
بخلاف ما إذا قدم الأب أجرة تعليم ولده، ثم
مات فإنها لا تكون ميراثا، والفرق بينهما أن
التعليم لا يلزم الأب فلما أوجبه على نفسه
لزمه حيا وميتا، وأما أجرة الرضاع فهي واجبة
على الأب فإنما قدم ما يلزمه، فإذا مات سقط
ذلك إلا أن يعلم أن الأب قدم ذلك للولد خوف
الموت، فيكون عطية أوجبها في صحته فلا سبيل
إلى أن تكون ميراثا، وتستوي إجارة الظئر
وإجارة التعليم، وأعرف نحو هذا التفسير لابن
المواز انتهى. ص: (وكظهور مستأجر استؤجر بأكله
أكولا) ش: يعني أن الإجارة تنفسخ بذلك ويريد
إلا أن يرضى الأجير بطعام مثله، وليس للأجير
أن يجبره على ذلك لئلا يضر به بعض الأصحاب،
ويحتمل أن يعطيه طعاما وسطا كمن استؤجر على
حمل رجلين لم يرهما فأتى بهما عظيمين فلا
يلزمه حملهما ويأتي بالوسط، وفيه نظر؛ لأن
المحمول لا يتعين فلذلك لزم فيه الوسط قاله في
كتاب النفقات من التوضيح والله أعلم. ص: (ومنع
زوج رضي من وطء، ولو لم يضر) ش: فإن تعدى ووطئ
فلأب الرضيع فسخ الإجارة لما يتقى من الضرر
قاله مالك وابن القاسم وخالفهما ابن الماجشون،
ولم يفسخه من الوثائق انتهى.
(7/530)
وسفر كأن ترضع
معه، ولا يستتبع حضانة: كعكسه، وبيعه سلعة على
أن يتجر بثمنها سنة، إن شرط الخلف:
__________
من المسائل الملقوطة وأظن أن مراده وثائق
الجزيري أو الوثائق المجموعة، والله أعلم. ص:
(وسفر) ش: قال أبو الحسن قال ابن عبد الحكم:
إذا أراد الزوج السفر بها، فإن أجرت بإذنه لم
يكن له ذلك، وإن كان بغير إذنه كان له فسخ
الإجارة.
فرع: قال في المدونة وإن سافر الأبوان فليس
لهما أخذ الصبي إلا أن يدفعا إلى الظئر جميع
الأجرة أبو الحسن عن ابن يونس كلما صنعت
الظئر، أو والد الصبي مما تنفسخ به الإجارة
فليس له ذلك إلا بالطوع من الآخر، وكل ما نزل
بهما من أمر من الله مما لا صنع لهما فيه فهذا
يفسخ الإجارة، وإن كره الآخر.
فرع: قال المشذالي نزلت هذه المسألة آجرت
نفسها بغير إذن زوجها، ولم يعلم إلا بعد مدة
فتنازعت معه لمن يكون ما أخذت في أجرة رضاعها؟
فوقع الحكم بأن ما مضى من المدة لها بحسابه،
وله فسخ الإجارة فيما يستقبل، ولا حجة للزوج
بأنه ملك منافعها فباعتها بغير إذنه؛ لأنه ليس
له عليها إلا منافع الأشياء الباطنة انتهى. ص:
(وبيعه سلعة على أن يتجر بثمنها سنة) ش: قال
الشارح أي وهكذا يجوز أن يبيع له سلعة على أن
يبيع تلك السلعة ويتجر بثمنها سنة انتهى. قلت:
قوله: "على أن يبيع تلك السلعة" ليس هو من
تمام صورة المسألة بل هو مفسد للعقد إن وقع
كذلك وصورة المسألة التي أشار إليها المصنف
هي: أن يبيع له سلعة
(7/531)
كغنم لم تعين،
وإلا فله الخلف على آجره:
__________
بثمن على أن يتجر له بثمنها سنة كما ستقف عليه
في كلام المدونة في القولة التي بعد هذه،
والله أعلم. ص: (كغنم لم تعين، وإلا فله الخلف
على آجره) ش: كذا في كثير من النسخ بـ"لم" قبل
الفعل المضارع المبني للمفعول، وهي مشكلة
لاقتضائه أن الغنم إذا لم تعين لا تجوز
الإجارة عليها إلا بشرط الخلف، وليس كذلك
ويصير قوله: "وإلا فله الخلف" لا معنى له؛
لأنه إن حمل على أن المعنى، وإن عينت فله
الخلف، ويريد مع عدم الشرط فليس بصحيح؛ لأن
العقد فاسد إذا لم يشترط الخلف في المعينة،
وإن أريد مع الشرط، فيكون مستغنى عنه، وقد
تكلف البساطي - رحمه الله - في توجيه ذلك
فقال: التشبيه وقع بين الغنم إذا لم تعين وبين
التجر بثمن السلعة سنة مع شرط الخلف في أن على
المالك الخلف لا في صحة الإجارة بالشرط وعدم
صحتها مع عدمه يعني أن الغنم إذا لم تعين صحت
الإجارة عليها، وإن لم يشترط الخلف والحكم أنه
يقضى عليه بالخلف بخلاف المعينة فإنها لا تصح
إلا بشرط الخلف فافهمه فإنه كاللغز، ويحتمل أن
يكون التشبيه في الجوائح يجوز كذا كما يجوز
الاستئجار على رعي
(7/532)
كراكب، وحافتي
نهرك ليبني بيتا، وطريق في دار
__________
غنم لم تعين، وذكر لفظ المدونة الآتي قال:
وقوله: "وإلا فله الخلف" معناه على الأول أنه
يقضى عليه بالخلف في غير المعينة، وإن عينت مع
الشرط فله أن يأتي بالخلف، أو يدفع جميع
الأجرة ومعناه على الثاني: أن الاستئجار على
الغنم المعينة لا يجوز يعني إلا بشرط الخلف،
وهو على أجره الأول انتهى. وهو في غاية التكلف
بعيد الملاءمة لكلام المصنف، وفي بعض النسخ
المصححة: "كغنم عينت" بالفعل الماضي المبني
للمفعول، "وإلا فله الخلف على آجره"، وهذه لا
إشكال فيها، ومعناها: أن الغنم إذا كانت معينة
فإنه تجوز الإجارة على رعيها إذا شرط الخلف،
وإن لم تكن معينة فلا يحتاج إلى شرط، وله
الخلف على آجره يريد، أو يدفع له الأجرة كاملة
قال في كتاب أوائل الإجارة من المدونة ومن باع
من رجل سلعة بثمن على أن يتجر له بثمنها سنة
كان كمن آجره على أن يتجر له بهذه المائة سنة،
أو يرعى له غنما بعينها سنة، فإن شرط في العقد
خلف ما هلك، أو تلف جاز، وإلا لم يجز، فإن شرط
ذلك فهلك من ذلك شيء فأبى ربه من خلفه قيل له:
أد الإجارة واذهب بسلام، وتكون له أجرته تامة،
ولو آجره على رعاية مائة شاة غير معينة جاز،
وإن لم يشترط خلف ما مات منها، وله خلف ما مات
منها بالقضاء، فإن كانت معينة فلا بد من الشرط
انتهى. وكلام المصنف كما ترى مطابق لهذا على
النسخة الثانية، وقوله: "على آجره" أتى به
لزيادة البيان، وإلا فمعلوم أن الذي له الخلف
إنما هو الآجر أعني رب الغنم والله أعلم.
وبقية الكلام على شروط المسألة وتفريعاتها
مبسوط في شرح المدونة وذكروا من جملة شروط
المسألة أن لا يشترط عليه أن يتجر بالربح
بخلاف أولاد الغنم يجوز أن يشترط عليه أن يرعى
أولادها قالوا؛ لأن الربح مجهول، وما تلده
الغنم معروف، والذي يظهر أنه غير معروف
لاحتمال ولادتها واحدا، أو أكثر إلا أنه أقل
غررا من الثمن فتأمله. ص: (كراكب) ش: يعني أن
الراكب إذا تعذر ركوبه فإنه لا ينفسخ الكراء
ويلزمه أو ورثته إن مات أن يأتوا بالخلف، أو
يدفعوا جميع الأجرة فإنه لا يتعين بالتعيين،
والله أعلم. ص: (وطريق في دار) ش: إذا كان
(7/533)
ومسيل مصب
مرحاض، لا ميزاب، إلا لمنزلك في أرضه، وكراء
رحى ماء بطعام، أو غيره، وعلى تعليم قرآن
مشاهرة، أو على الحذاق، وأخذها، وإن لم تشترط.
وإجارة ماعون: كصحفة، وقدر،
__________
يصل بذلك إلى منفعة. أبو الحسن عن أشهب، وإلا
فهو أكل المال بالباطل. ص: (أو مسيل مصب
مرحاض) ش: قال في المحكم: المرحاض: المغتسل،
ومنه قيل لموضع الخلاء: مرحاض. ص: (وكراء رحا
ماء بطعام) ش: نحوه في الإجارة من المدونة
قالوا: نبه عليه لكون الطحن بالماء فربما
يتوهم في الماء أنه لا يباع بطعام، أو أن
الرحا لما كانت متشبثة بالأرض، فيكون من كراء
الأرض بالطعام المشذالي ونحوه كراء المعصرة
بالزيت والملاحة بالملح والله أعلم. ص: (أو
على الحذاق) ش: بالذال المعجمة كذا في الصحاح
وغيره،
(7/534)
وعلى حفر بئر
إجارة، وجعالة، ويكره: حلي
__________
وقال الشيخ زروق: الحداق بكسر الحاء والدال
المهملتين انتهى، وفيه نظر فإني لم أره لغيره.
ص: (وعلى حفر بئر إجارة وجعالة) ش: ويجوز
الجعل سواء كانت في ملك الجاعل أم لا عند ابن
القاسم خلافا لابن المواز ذكره الشيخ خليل في
باب الجعل في شرح قول ابن الحاجب، وفي جوازه
في الشيء الكثير قولان وانظر الشيخ زروق في
شرح قول الرسالة: ولا يضرب في الجعل أجل في رد
آبق فإنه اقتصر على قول ابن المواز، ونقل ابن
عرفة في آخر كتاب الجعل عن المتيطي أن الجم
الغفير على هذا القول أعني قول ابن المواز،
وقال قبله بنحو الورقتين: إن الجعل على الحفر
لا يكون فيما يملكه الجاعل على المشهور ذكره
إثر الكلام الآتي ذكره فراجعه والله أعلم.
وذكر شرطين آخرين: أحدهما: اختبار الأرض في
لينها وقساوتها والثاني: استواء الجاعل
والمجعول له في العلم بها والجهل، وهذان
الشرطان متدافعان كما يظهر؛ لأن الأول يقتضي
أن من شرط الجعل العلم بحال الأرض والثاني:
يقتضي أن شرط الجعل استواء الجاعل والمجعول له
في العلم بها، أو الجهل، ويفهم من كلام ابن
عبد السلام أن الأول اشترطه في المدونة
والثاني: اشترطه في: العتبية فهما قولان قال
ابن عرفة في باب الجعل ابن الحاجب: العمل كعمل
الإجارة إلا أنه لا يشترط كونه معلوما فإن
مسافة الآبق والضالة غير معلومة ابن عبد
السلام: كلامه يوهم العموم في كل أنواع
الجعالة، وليس كذلك مذهب المدونة لا يجوز
الجعل في حفر البئر إلا بعد خبرتهما الأرض
معا، وشرط في العتبية استواء حال الجاعل
والمجعول له في العلم بحال الأرض.
قلت: عزوه للمدونة شرط الخبرة لا أعرفه في
الجعل نصا، ولا ظاهرا بل بلزوم يأتي محله إنما
ذكره في الإجارة، ولعله اعتمد في ذلك على ظاهر
لفظ الصقلي قال ما نصه: قال
(7/535)
كإيجار مستأجر
دابة، أو ثوب لمثله،
__________
مالك: لا بأس بالإجارة على حفر بئر بموضع كذا
وقد خبرا الأرض، وإن لم يخبراها لم يجز قال
يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: إن عرفا الأرض
بلين، أو شدة، أو جهلاها معا جاز، وإن علم ذلك
أحدهما، وجهله الآخر لم يجز الجعل فيه انتهى.
وهذا كالنص في حمل مسألة المدونة على الجعل
لذكره عليها نقل يحيى عن ابن القاسم في الجعل.
قلت: لفظها في الأم قلت: إن استأجرت من يحفر
لي بئرا بموضع من المواضع قال: إن خبروا الأرض
فلا بأس، وإن لم يخبروها فلا خير فيه كذا سمعت
مالكا وسمعته في الإجارة على حفر فقر النخل
يحفرها إلى أن يبلغ الماء إن عرفا الأرض فلا
بأس، وإن لم يعرفاها فلا أحبه قلت: فلفظ
الإجارة مع ذكر فقر النخل كالنص في عدم الجعل؛
لأن حفر فقر النخل إنما يكون في الأرض
المملوكة دائما، أو غالبا، والجعل على الحفر
على المشهور لا يكون فيما يملكه الجاعل. وتقدم
نقل الشيخ عن محمد عن ابن القاسم إن كانت
الأرض لمستأجر لم يجز فيها جعل على بناء، أو
حفر، وما نسبه لابن الحاجب من إيهام العموم
مثله لفظ المقدمات والتلقين ا هـ. كلام ابن
عرفة بلفظه. ص: (كإيجار مستأجر دابة، أو ثوبا
لمثله) ش: كذا في بعض النسخ، وهي بينة موافقة
لما في الإجارة من المدونة، وفي بعض النسخ
"كإيجار مستأجر دابة، أو لفظ لمثله" بـ"أو"
العاطفة ولفظ فاللام الجر ولفظ من الفظاظة،
وهي عبارة غلقة، ولعله وقع فيها تقديم، أو على
لفظ غلطا من الناسخ، ويكون أصلها "لفظ أو
لمثله" ويكون المعنى أنه يكره أن يؤجرها لفظ،
أو لمثله، ويكون المؤلف في عهدة أن إجارتها
لفظ مكروه فإن الذي ذكره في كتاب الإجارة من
المدونة أنه كره إجارتها لمثله، أو أخف منه،
وأما من هو أفظ منه، أو ليس مثله في الأمانة،
فقد صرح اللخمي بأنه يكون متعديا، وظاهره
المنع، ونص على المنع أبو الحسن الصغير وصرح
به في العتبية عن أصبغ في سماع عيسى من كتاب
الإجارة فلو قال المصنف: "لمثله أو أخف" كان
جاريا على
(7/536)
__________
لفظ المدونة ولمالك في كراء الرواحل إجازة
كراء الدابة لمثله، أو أخف.
تنبيه: ما ذكره من الكراهة إنما هو إذا
اكتراها للركوب قال في الإجارة منها وكره مالك
لمكتري الدابة لركوبه كراءها من غيره كان
مثله، أو أخف منه، فإن أكراها لم أفسخه، وإن
تلفت لم يضمن إن كان أكراها فيما اكتراها فيه
من مثله في حاله وأمانته وخفته، ولو بدا له عن
السفر، أو مات أكريت من مثله، وكذلك الثياب في
الحياة والممات، وليس ككراء الحمولة والسفينة
والدار هذا له أن يكري ذلك من مثله في مثل ما
اكتراها له أبو الحسن عن ابن يونس يعني من غير
كراهة انتهى. وقيد اللخمي جواز كرائها إذا
كانت مكتراة للحمل بأن يصحبها ربها في السفر،
وأما إن كان المكتري هو الذي يسافر بها فهي
بمنزلة التي للركوب، وكذلك ذكر ابن يونس عن
ابن حبيب وقبله، وزاد ابن حبيب إلا أن يكون
ربها يعلم أن المكتري لا يسوقها بنفسه فلا حجة
له، وذكر اللخمي أنه إذا أراد كراءها من غيره،
وكان اكتراها للركوب، أو للحمل لم يكن له ذلك
حتى يعلم صاحبها، فإن أعلمه وسلم أن الثاني
كالأول أكراها، وإن كره، وإن خالف في ذلك رفع
للحاكم، فإن كان الأمر على ما قال صاحب الدابة
منعه، وإن كان لا مضرة عليه أمضى كراءه، ومكن
الثاني، فإن لم يعلم صاحبها حتى سافر الثاني،
أو علم، وغلبه نظر في ذلك، فإن كان الأمر لو
رفع للحاكم مكنه من السفر لم يكن عليه شيء،
وإن كان يمنعه من السفر كان على حكم المتعدي،
فإن سلمت أخذه بفضل كراء الثاني عن الأول، وإن
حدث عيب ضمنه إن كان العيب لأجل ركوبه، وإذا
كان متعديا في كرائها من الثاني، فإن كان غير
مأمون فادعى ضياعها ضمن الأول:؛ لأنه متعد،
ولم يرجع على الثاني؛ لأنه أذن له، ولو كان
الأول عديما إلا أن يكون الثاني عالما بتعديه
ضمن؛ لأنه متعد.
واختلف إن حدث عيب من غير سبب الركوب هل يضمنه
الأول: أو لا يضمنه، وكذلك إذا علم الضياع
ببينة، أو أكراها من مثله في الأمانة وأضر منه
في الركوب وادعى الضياع، هل يضمن أم لا؟ لأنه
غير الوجه الذي تعدى به، ولا أرى أن يضمن
الأول إلا أن يؤتى من سبب الوجه الذي تعدى به
انتهى. من كراء الرواحل وعلم منه أنه إذا أعلم
صاحبها عند كرائها من غيره لم يكره، وأن كراءه
إياها لمن ليس مثله ممنوع؛ لأنه جعله متعديا
والله تعالى أعلم. وقال في العمدة ويجب تعيين
المركوب لا الراكب، وله استيفاء المنفعة
بنفسه، أو بمثله خفة وحذقا بالمسير، ثم قال:
ومن اكترى دارا فله أن يسكنها، أو يسكنها أو
يؤجرها من مؤجرها، أو أجنبي مثل الآجر، أو
أقل، أو أكثر انتهى. وله نحوه في الإرشاد قال
الشيخ سليمان في شرح الإرشاد قال في العمدة:
ثم إن محل استيفاء المنفعة لا يتعين، وإن عين
بل للمستأجر أن يستوفي المنفعة بنفسه وبغيره،
وله أن يؤجر مؤجره وغيره بمثل الإجارة وبالأقل
والأكثر قال في شرحه: معناه إذا استأجر الرجل
دارا ليسكنها، أو دابة ليركبها ونحو ذلك لم
يتعين عليه أن
(7/537)
__________
يسكنها، أو يركبها هو بنفسه، ولو عين نفسه
للسكنى، أو للركوب بل له أن يسكنها أو يكريها
لمن شاء ممن هو في رفقه في السكنى، وفي خفته
في الركوب وحذقه في المسير، وذلك؛ لأنه قد ملك
المنفعة بالعقد فله أن يملكها لمن شاء كسائر
أملاكه، ولهذا يكون له إجارة ما استأجره ممن
شاء بما شاء هذا، وقد قال في المدونة: وكره
مالك لمكتري الدابة لركوبه كراءها لغيره، وإن
كان أخف منه، أو مثله، وإن أكراها لم أفسخه،
وعلى هذا اقتصر خليل في مختصره انتهى. وقال
ابن الحاجب: ولا يتعين الراكب، ولو عين لم
يلزم تعيينه، وجعل مثله فأدنى واستثقله مالك
في الدابة خاصة إلا أن يموت، أو يبدو له
انتهى.
فرع: لو شرط رب الدابة على المكتري أنه لا
يكريها لغيره فكنت كتبت أولا بأني لم أر الآن
فيه نصا صريحا، والظاهر: أنه يجوز له أن
يكريها لمثله أو أخف، ويبطل الشرط لما تقدم في
كلام ابن الحاجب وصاحب العمدة أن ما يستوفى به
لا يتعين، ولو عين، وقال في كتاب الدور من
المدونة: ومن اكترى دارا فله أن يكريها من
مثله بأكثر من الكراء أو بأقل، ومن اكترى
حانوتا للقصارة فله كراؤه من حداد أو طحان، أو
غيره إلا أن يكون ذلك أكثر ضررا بالبنيان
فيمنع، وله ذلك في المساوي، ثم قال: ومن اكترى
بيتا، وشرط أن لا يسكن معه أحدا فتزوج، أو
ابتاع رقيقا، فإن لم يكن في سكناهم ضرر على رب
البيت لم يكن له أن يمنعه، وإن كان في سكناهم
ضرر فله منعه، وقد تكون غرفة ضعيفة الخشب
ونحوه فينظر في ذلك انتهى. وقال في الوثائق
المجموعة: وإن اكترى غرفة فشرط عليه ربها أن
لا يسكن معه غيره فيها لضعف خشب الغرفة، وما
أشبهه فله شرطه انتهى. فإن كان إذا شرط أن لا
يسكن معه غيره لا يوفي له بذلك إذا لم يكن فيه
ضرر فمن باب أولى أن لا يوفي له إذا أراد أن
يسكن من هو مثله فتأمله، ثم رأيت النص فيه
نقله الشارح عن ابن يونس في شرح قوله: وشهر
على أن يسكن يوما لزم إن ملك البقية في أول
فصل جاز كراء حمام، ونصه: ابن يونس عن بعض
القرويين: ظاهره أن العقد جائز، وأنه بالخيار
ما لم يسكن، فإذا سكن انعقد الكراء في الشهر،
فإن أراد إن سكنت فالكراء لي لازم، وليس لي أن
أكري من غيري كان هذا من بيع الشروط التي يبيع
منه على أن لا يبيع، ولا يهب فهذا لو أسقطوا
الشرط على أحد القولين تم الكراء، وأما إن شرط
إن خرجت عاد المسكن للمكري، وعليه جملة الكراء
فهذا فاسد لا بد من فسخه؛ لأنه غرر. انتهى.
فرع: قال في المدونة في مسألة كراء الثوب: فإن
هلك بيدك لم تضمنه، وإن دفعته إلى غيرك كنت
ضامنا إن تلف أبو الحسن ظاهره: ولو كان مثله،
وقال سحنون: لا يضمن إذا كان مثله، ومسألة من
اكترى فسطاطا إلى مكة فأكراه من مثله في مثل
حاجته إليه هي الأصل، وقال ابن القاسم فيها:
ذلك جائز، قال في التوضيح: وفي استدلال سحنون
نظر؛ لأن
(7/538)
وتعليم فقه،
وفرائض: كبيع كتبه، وقراءة بلحن، وكراء دف،
ومعزف لعرس
__________
الاختلاف في اللبس أكثر من الاختلاف في
الفسطاط. ص: (وتعليم فقه وفرائض) ش: أي وتكره
الإجارة على تعليم فقه وفرائض، ونحوه في
المدونة اللخمي ويجوز للمفتي أن يكون له أجر
من بيت المال، ولا يأخذ أجرا ممن يفتيه، وقد
تقدم ذلك، ونقله ابن عرفة، وقال: قلت في الأجر
على الشهادة خلاف، وكذلك في الرواية، وكذلك من
يشغله ذلك عن جل تكسبه، فأخذه الأجرة من غير
بيت المال لتعذرها منه عندي خفيف، وهو مجمل ما
سمعته من غير واحد عن بعض شيوخ شيوخنا، وهو
الشيخ أبو علي بن علوان أنه كان يأخذ الأجر
الخفيف في بعض فتاويه انتهى، وفي باب الأقضية
شيء منه. ص: (وقراءة بلحن) ش: حمله الشيخ
بهرام على أن مراده ذكر كراهية القرآن
بالألحان؛ لأنه الذي ذكره هنا في المدونة إلا
أنه يصير تكرارا مع قوله في فصل سجود وقراءة
تلحين وحمله البساطي على أن مراده ذكر كراهة
الإجارة على تعليم القرآن بالألحان قال: لأنه
الآن ليس في عد المكروهات من غير هذا الباب،
وهذا الثاني هو الأنسب بسياق كلام المؤلف،
وكان الحامل للشارح على حمله على الأول أنه لم
يصرح في المدونة بكراهة الإجارة عليها، وهو إن
كان كذلك قد يؤخذ من كونه مكروها أن تكون
الإجارة عليه مكروهة، والكلام في كون الكراهة
في كلام مالك على بابها، أو على المنع تقدم في
سجود التلاوة واللحن بسكون الحاء ذكره البساطي
وغيره.
فرع: قال في المدونة: وأكره الإجارة على تعليم
الشعر والنوح، أو على كتابة ذلك، أو إجارة كتب
فيها ذلك أو بيعها عياض معناه نوح المتصوفة
وأناشيدهم المسمى بالتغني على طريق النوح
والبكاء ورواه بعضهم نحوا، وهو غلط وخطأ
انتهى.
فرع: قال القرطبي في شرح أوائل مسلم واعلم أن
أخذ الأجرة والجعل على ادعاء علم الغيب، أو
ظنه لا يجوز للإجماع على ما حكاه أبو عمر بن
عبد البر انتهى. ص: (ومعزف)
(7/539)
وكراء: كعبد
كافر،
__________
ش: بكسر الميم عياض المعازف عيدان الغناء. ص:
(وكراء عبد لكافر) ش: كذا في بعض النسخ بإضافة
"كراء" لعبد واحد العبيد وجر "كافر" باللام،
وفي بعضها "وكراء لعيد كافر" بإدخال اللام على
"عيد" واحد الأعياد، وإضافته لكافر، وكلاهما
واضح، وفي بعضها "وكراء كعبد كافر" بإدخال كاف
التشبيه على "عبد" واحد العبيد وتجريد "كافر"
من اللام، والظاهر: أنها ترجع للنسخة الأولى،
ويكون "كراء" مضافا إلى "عبد" على أنه فاعله،
وفصل بينهما بكعبد، فيكون "كافر" مجرورا، أو
يكون "كراء" مضافا إلى "كعبد" على عادة المصنف
في الإضافة إلى المجرور بكاف التشبيه، و"كافر"
مرفوع على أنه فاعل "كراء". وما ذكره الشيخ -
رحمه الله - من أن إجارة العبد المسلم للكافر
مكروهة فإنما ذلك إذا لم يغب عليه. وأما إن
كان يغيب عليه في بيته فلا يجوز لما في ذلك من
المفاسد منها استيلاء الكافر على المسلمين
وإهانتهم والتمكن من إذايتهم، وقد قال الله
تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ
لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
سَبِيلاً} [النساء: 141] ومنها ما يخشى أنهم
يفتنونهم عن دينهم والعياذ بالله لتمكنهم
منهم، ومنها ربما أطعموهم شيئا من المحرمات
كالخمر والخنزير، ومنها أنهم يمنعونهم من
الواجبات، ومنها ما يخشى من وطء الإماء، فإن
وقعت الإجارة على الصفة المذكورة فسخت، وقد
ذكر ابن رشد في البيان أن إجارة المسلم نفسه
من النصراني واليهودي على أربعة أقسام: جائزة
ومكروهة ومحظورة وحرام، فالجائز لأن يعمل له
المسلم عملا في بيت نفسه كالصانع الذي يعمل
للناس والمكروهة أن يستبد بجميع عمله من غير
أن يكون تحت يده مثل أن يكون مقارضا، أو
مساقيا والمحظورة أن يؤاجر نفسه في عمل يكون
فيه تحت يده كأجير الخدمة في بيته وإجارة
المرأة لترضع له ابنته في بيته، وما أشبه ذلك
فهذه تفسخ إن عثر عليها، فإن فاتت مضت، وكانت
لها الأجرة، والحرام أن يؤاجر نفسه منه فيما
لا يحل من عمل الخمر، أو رعي الخنازير فهذا
يفسخ قبل العمل، فإن فات تصدق بالأجرة على
المساكين، فإذا كان هذا في إجارة الحر نفسه،
فكيف في إجارة العبد فلا شك أن إجارة العبد
المسلم للكافر إذا كان يغيب عليه في بيته لا
يجوز ويفسخ ويؤدب
(7/540)
وبناء مسجد
للكراء،
__________
المستأجر والمؤجر أدبا يليق بحالهما والله
أعلم. ص: (وبناء مسجد للكراء) ش: قال في
التهذيب، ولا يصلح أن يبني مسجدا ليكريه ممن
يصلي فيه، أو يكري بيته ممن يصلي فيه، وأجاز
ذلك في غيره في البيت انتهى. وقال ابن يونس:
ولا يجوز لأحد أن يبني مسجدا ليكريه ممن يصلي
فيه، ثم قال: قال ابن القاسم: ومن آجر بيته
لقوم ليصلوا فيه رمضان لم يعجبني ذلك كمن أكرى
المسجد، وقال غيره: لا بأس بذلك في كراء البيت
انتهى. ونقل ابن عرفة لفظ التهذيب مع زيادة،
ونصه: وفيها، ولا يصلح أن يبني مسجدا ليكريه
ممن يصلي فيه، ولا بيته وإجارتهما لذلك غير
جائزة وأجازه غيره في البيت عياض؛ لأن ذلك ليس
من مكارم الأخلاق اللخمي من بنى مسجدا ليكريه
جاز.
قلت: اقتصاره على هذا دون ذكر قولها إنه لا
يجوز غير صواب، وإن وافق مفهوم نقل الصقلي عن
سحنون إنما لم يجز كراء المسجد؛ لأنه حبس لا
يباع، ولا يكرى، والبيت ليس مثله، وكراؤه جائز
اللخمي إن أكرى بيته، أو داره ممن يصلي فيهما
في أوقات الصلوات فقط كره؛ لأنه ليس من مكارم
الأخلاق، فإن نزل مضى، وإن أخلى البيت وسلمه
جاز قال ابن عرفة: قلت: هذا يخالف قوله: "من
بنى مسجدا ليكريه جاز" إلا أن يريد ليكريه في
غير الصلاة، وهو بعيد انتهى. قال في
التنبيهات: قوله: في الرجل يبني مسجدا ليكريه
ممن يصلي فيه جاز وكراهيته له في رواية ابن
القاسم، وكذلك الذي آجر بيته من قوم ليصلوا
فيه فلا يعجبني، وهو كمن أكرى المسجد، وقول
غيره في البيت لا بأس باستئجاره يصلى فيه،
وإجازته كراء الدار على أن تتخذ مسجدا بين هذه
المسائل فرق، وأما الذي بنى مسجدا فأكراه فلو
أباحه للمسلمين لكان حبسا لا حكم فيه له، ولا
لأحد فيه، وإن كان لم يبحه، وإنما فعل ذلك
ليكتريه فليس من مكارم الأخلاق، وهو معنى قوله
- والله أعلم - في كراء المسجد: "لا يصلح"،
وفي كراء البيت: "لا يعجبني"، وأنه يجوز له
فعله كما أجاز إجارة المصحف لكنه ليس من مكارم
الأخلاق وأفعال أهل الدين، وهذا معنى منع محمد
عندي لإجارة المصحف انتهى. وقال أبو
(7/541)
وسكنى فوقه
__________
الحسن في الكبير وانظر قوله: "لا يصلح" هل هو
على الكراهة، أو على المنع، فعلى ما نقل ابن
يونس عن سحنون هو على المنع؛ لأنه قال إنما لم
يجز في المسجد؛ لأنه حبس لا يباع، ولا يكرى،
وعلى ما تقدم لعياض هو على الكراهة؛ لأنه قال:
ليس هو من مكارم الأخلاق انتهى. يشير إلى ما
تقدم عن التنبيهات، ولم يثبت عنده زيادة ابن
عرفة وثبتت عند ابن ناجي فقال: قوله: "لا
يصلح" على التحريم لزيادته فيها، وإجارتهما
لذلك غير جائزة انتهى. وعلى كل حال فأكثر
عبارات أهل المذهب عدم الجواز لا الكراهة كما
قال المصنف، وقال أبو الحسن في التقييد الصغير
إثر قوله في التهذيب وأجاز ذلك غيره في البيت
الشيخ وأجاز هو وغيره أن يكري الأرض ممن
يتخذها مسجدا عشر سنين فالمسجد في طرف، والأرض
لتتخذ مسجدا في طرف، والبيت بينهما واسطة
انتهى. وحكى الأصحاب في التوفيق بين ابن
القاسم والغير في البيت وجهين: أحدهما: أن
الغير تكلم بعد الوقوع وابن القاسم قبل الوقوع
الثاني: أن قول ابن القاسم فيما إذا كان يكريه
منهم في أوقات الصلاة فقط ويرجع إليه في
غيرها، وقول الغير فيما إذا كان يكريه منهم
لينتفعوا به مدة كرائه للصلاة وغيرها، وفيما
شاءوا مما هو من جنس الصلاة انظر أبا الحسن
واللخمي والله أعلم. ص: (وسكنى فوقه) ش: هذا
الكلام موافق لظاهر ما في الجعل والإجارة من
المدونة ولظاهر كلام ابن يونس ومخالف لظاهر ما
يأتي للمصنف في إحياء الموات ولظاهر كلام ابن
شاس هناك أيضا ولتابعيه القرافي وابن الحاجب
أما المدونة ففي التهذيب في ترجمة الإجارة على
القصاص وكره مالك السكنى بالأهل فوق ظهر
المسجد قال أبو الحسن في الكبير: ونقلها ابن
يونس، وقد كره مالك أن يبني الرجل مسجدا، ثم
يبني فوقه بيتا يسكنه بأهله ابن يونس يريد؛
لأنها إذا كانت معه صار يطؤها على ظهر المسجد،
وذلك مكروه، وذكر مالك أن عمر بن عبد العزيز
رضي الله عنه كان يبيت على ظهر المسجد
بالمدينة في الصيف فكان لا يقرب فيه امرأة
انتهى. وقال ابن الحاجب في إحياء الموات:
ويجوز للرجل جعل علو مسكنه مسجدا، ولا يجوز
جعل علو سفله مسجدا، ويسكن العلو؛ لأن له حرمة
المسجد، ونحوه في الذخيرة، وفي الجواهر قال في
التوضيح: نحوه في المدونة في باب الصلاة
والواضحة، وفي كتاب الجعل من المدونة وكره
مالك السكنى إلى آخره، قال: فإن قلت، فقد صرح
بالكراهة هنا خلاف ما في الواضحة قيل: الظاهر
حملها على المنع توفيقا بين النقلين انتهى
كلامه في التوضيح، وما نسبه للواضحة هو في
أوائل الصلاة منها قال في مختصرها: وأجاز مالك
للرجل يكون له سفل وعلو أن يجعل العلو مسجدا،
ويسكن السفل، أو لم يجز له أن يجعل السفل
مسجدا، ويسكن العلو، وفرق بين ذلك أنه إذا جعل
السفل مسجدا، وقد صار لما فوقه حرمة المسجد
انتهى. وأما ما نسبه للمدونة في كتاب الصلاة
فليس بصريح فيما قاله قال في آخر الصلاة الأول
من التهذيب: ولا يبني فوق
(7/542)
__________
المسجد بيتا ليسكن فيه انتهى. قال أبو الحسن
في الأمهات لا يعجبني انتهى. على أن ظاهر كلام
ابن عرفة أن كلام المدونة محمول عنده على
الكراهة، ونصه: في أواخر صلاة الجماعة، وفيها
المسجد حبس لا يورث إذا كان صاحبه أباحه للناس
وأكره بيتا للسكنى فوقه لا تحته انتهى. نعم
حمله ابن ناجي على التحريم كالمصنف وسيأتي
كلامه، وتحقيق المسألة: أن المسجد لله إذا
بناه الشخص له وحيز عنه فلا ينبغي أن يختلف في
أنه لا يجوز له البناء فوقه، فقد قال القرافي
في الفرق الثاني عشر بعد المائتين: اعلم أن
حكم الأهوية تابع لحكم الأبنية فهواء الوقف
وقف، وهواء الطلق طلق، وهواء الموات موات،
وهواء الملك ملك، وهواء المسجد له حكم المسجد
لا يقربه الجنب، ومقتضى هذه القاعدة: أن يمنع
هواء المسجد والأوقاف إلى عنان السماء لمن
أراد غرز خشب حولها وبنى على رءوس الخشب سقفا
عليه بنيان، ولم يخرج عن هذه القاعدة إلا فرع:
وهو إخراج الرواشن والأجنحة على الحيطان، ثم
أخذ يبين وجه خروجه إلى آخر الفرق انتهى
باللفظ، ونحوه في الذخيرة، ومثله في قواعد
المقري.
قاعدة: حكم الأهوية حكم ما تحتها فهواء الوقف
وقف فلا يباع هواء المسجد لمن أراد غرس الخشب
حولها، وبناء الهواء سقفا وبنيانا انتهى. وقال
اللخمي في كتاب الإجارة في ترجمة إجارة
المسجد، أو الدار ومن بنى مسجدا لله أحيز عنه،
وأحب أن يبني فوقه لم يكن له ذلك انتهى
بالمعنى. وأما إن كانت له دار لها علو وسفل،
فأراد أن يحبس السفل مسجدا، ويبقي العلو على
ملكه، فظاهر ما تقدم للواضحة، وما تقدم لابن
الحاجب وتابعيه، وما يأتي للمصنف في إحياء
الموات أن هذا لا يجوز وصرح اللخمي بجوازه قال
إثر ما تقدم عنه: وإن قال: أنا أبنيه لله،
وأبني فوقه مسكنا، وعلى هذا أبني جاز، وكذلك
لو كانت الدار علوا وسفلا فأراد أن يحبس السفل
مسجدا، ويبقي العلو على ملكه جاز انتهى.
وينبغي أن يوفق بين هذه النقول، ويجعل معنى
قوله في المدونة في كتاب الصلاة: "لا يعجبني"،
أو "لا يبني" لا يجوز ويحمل هو، وما في
الواضحة، وما لابن شاس وتابعيه القرافي وابن
الحاجب، وما يأتي للمصنف على الشق الأول الذي
تقدم أنه لا ينبغي أن يختلف فيه ويحمل ما في
الجعل منها، وكلام اللخمي الأخير، وما للمصنف
هنا على الشق الثاني، وإن كان لفظ اللخمي
الجواز؛ لأنه لا ينافي الكراهة، ويساعد هذا
التوفيق كلام ابن ناجي، ونصه: على قوله في
الصلاة الأول من التهذيب، ولا يبني إلى آخره
قال في الأم لا يعجبني ذلك؛ لأنه يصير مسكنا
يجامع فيه، وذلك كالنص على التحريم، ولا أعلم
فيه خلافا، وذكر أبو عمران النظائر المعلومة
التي تدل على الخلاف هل ظاهر المسجد كباطنه أم
لا ؟، وذلك يوهم جواز البناء عليه على قول،
وليس كذلك لما ذكره في الأم مع أن اللفظ يقتضي
أن المسجد سبق فهو تغيير الحبس بل ظاهرها أن
من عنده علو وسفل فحبس العلو مسجدا فإنه جائز،
ونص عليه اللخمي في الجعل انتهى. وقال على
قولها في الجعل والإجارة: وكره المتقدم يريد
يكون تحبيس المسجد متأخرا عنه انتهى.
(7/543)
بمنفعة تتقوم،
__________
والله أعلم. ولهذا لما أن حمل ابن عبد السلام
كلام ابن الحاجب، والذي في الصلاة الأول من
المدونة على ظاهره قال ما نصه: ذكر في المدونة
مثل ما قاله المؤلف من التفرقة بين السكنى على
ظهر المسجد أو تحته، ولم يقل؛ لأن له حرمة
المسجد أي: لا على المسجد حرمته فإن ذلك ليس
بالبين، ولا سيما، والكلام فيما إذا حبس على
هذه الصورة نعم ليس من الأدب الاعتلاء على
رءوس المصلين الفضلاء وأهل الخير، وقد فعل ذلك
أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه لما أن نزل
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكن بيتا
عنده، وسكن أبو أيوب غرفة عليها، وانهرقت جرة
في الغرفة فخشي أن ينزل منها شيء على رسول
الله صلى الله عليه وسلم فسد الكوة التي هناك
بقطيفة عنده، ونقل رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى الغرفة ونزل هو وأهله إلى البيت
واحتج في المدونة لما ذكره بأن عمر بن عبد
العزيز كان يبيت بالمدينة فوق ظهر المسجد إذ
كان أميرا فلا تقربه امرأة، وليس في هذا دليل؛
لأن مسجد المدينة سبق تحبيسه على أيام عمر بن
عبد العزيز والسكنى بالأهل، أو المبيت بهم على
ظهره مخالف لمقتضى ما بني له ذلك المسجد،
وإنما الكلام فيمن أراد إنشاء تحبيس مسجد على
هذه الصورة انتهى. ورأيت لبعض علماء الأندلس
كلاما أجاب به حين سئل عن كلام المصنف هنا،
وفي إحياء الموات، وذكر في الجواب نحو ما
ذكرناه إلا أنه جعل قول المصنف هنا وبناء مسجد
للكراء وسكنى فوقه مسألة واحدة، وهي أن يبني
مسجدا ليكريه ويتخذ فوقه بيتا قال: وكلامه في
إحياء الموات في اتخاذ منزل فوق مسجد محبس
مباح لعموم الناس انتهى. وفي جعله الفرعين
فرعا واحدا انظر، والصواب ما قدمناه، وبعض
علماء الأندلس المشار إليه هو الشيخ العلامة
مفتي غرناطة أبو عبد الله محمد بن أحمد
الجعدالي الغرناطي والله أعلم. ص: (بمنفعة) ش:
يتعلق بقوله: "صحت الإجارة". قال الشيخ بهرام
الباء سببية، وقال البساطي للاستعانة، والظاهر
الأول: قال ابن عرفة: المنفعة ما لا تمكن
الإشارة إليه حسا دون إقامة يمكن استيفاؤه غير
جزء مما أضيف إليه انتهى.
فرع: قال اللخمي في كتاب الشركة في شركة
الأبدان: اختلف فيمن استأجر أجيرا ليأتيه
بالغلة فأجيز ومنع انتهى. ومذهب المدونة المنع
نص على ذلك في كتاب الجعل والإجارة منهما. ص:
(تتقوم) ش: في كثير من النسخ بضم التاء الأولى
وفتح الثانية، والظاهر فتحهما معا، والمعنى:
أن لها قيمة واحترز به من التافه الحقير الذي
لا يجوز مقابلته بالمال في نظر الشرع البساطي
كاستئجار نار ليوقد منها سراجا، وقد اختلف في
جواز الإجارة ومنعها في فروع نظرا إلى أن
المنفعة فيها متقومة أم لا منها إجارة المصحف
للقراءة فيه، وإجارة الأشجار لتجفيف الثياب
عليها على ما ذكره ابن الحاجب وابن شاس ومشى
المصنف فيهما على الجواز، فقول الشارحين هنا
احترز به من إجارة الأشجار
(7/544)
قدر على
تسليمها بلا استيفاء عين قصدا، ولا حظر،
__________
لتجفيف الثياب عليها غير ظاهر والله أعلم. ص:
(قدر على تسليمها) ش: قال القرافي: احترز من
استئجار الأخرس للكلام والأعمى للإبصار وأرض
الزراعة لا ماء لها قطعا، ولا غالبا، وقاله
الأئمة، ومن فروع ذلك استئجار أرض الزراعة،
وماؤها غامر أي: كثير وانكشافه نادر، ومذهب
المدونة: الجواز إذا لم ينقد، وعليه مشى
المصنف كما سيأتي فهو راجع لهذا القيد.
تنبيهان: الأول: من فروع هذا القيد كراء
المشاع قال في المدونة: يجوز كراء المشاع كنصف
عبد أو دابة قال اللخمي: وإذا أكرى رجل من رجل
نصف عبده أو دابته، أو داره جاز ذلك، ثم هما
في العبد والدابة بالخيار بين أن يقتسما
المنافع يوما بيوم، أو يومين بيومين فيستعمله
المستأجر في الأيام التي تصير إليه فيستخدم
العبد، ويركب الدابة، وإن شاء آجره من غيره،
وإن شاء أن يؤاجر ذلك من أجنبي، ويقتسما
الأجرة، وإن لم يكن العبد من عبيد الخدمة،
وكانت له صنعة لا يمكن تبعيضها ترك لصنعته
واقتسما خراجه، وأما الدار، فإن كانت تنقسم
قسمت منافعها، وسكن المكتري فيما يصير إليه،
أو أكراه، وإن كانت لا تحمل القسم أكريت
واقتسما كراءها إلا أن يحب أحدهما أن يأخذها
بما يقف عليه كراؤها، وإن كان العبد أو
(7/545)
__________
الدابة، أو الدار شركة فأكرى أحدهما نصيبه
بإذن شريكه جاز، وعاد الجواب في قسمة منافعه
إلى ما تقدم إذا كان جميعه لواحد. فإن أكرى
ذلك بغير إذن شريكه، فلم يجز ودعا إلى البيع
كان له ذلك في العبد والدابة والدار إذا لم
تنقسم، وإن لم يدع إلى البيع، ورضي ببقاء
الشركة لم يكن له رد الكراء، وإن كانت الدار
تنقسم ودعا الشريك إلى قسمة المنافع كان ذلك
له وقسمت بالقرعة فما صار للمكري أخذه
المكتري، وإن أراد المكري أن يقسم بالتراضي
كان للمكتري منعه من ذلك، وإن دعا الشريك إلى
قسم الرقاب كان له ذلك، ومن حق المكتري أن
يقسم بالقرعة فما صار للمكري كان حق المكتري
فيه، وإن اعتدلت قسمة المنافع مع قسمة الرقاب
كان ذلك للمكتري، فإن كان الذي صار للمكري أقل
من النصف بما لا ضرر على المكتري فيه حطه من
الكراء بقدره، وإن صار له أكثر، وأمكن أن يميز
ذلك القدر الزائد فعل، وانتفع به المكري، وإن
كان لا يتميز، ولا يصاب فيه مسكن بانفراده بقي
للمكتري، ولا شيء عليه فيه؛ لأنه يقول: كنت في
مندوحة عنه، ولا حاجة لي فيه انتهى.
الثاني: لم يذكر المؤلف من شروط المنفعة أن
تكون مملوكة، وكذا ابن شاس وابن الحاجب، وذكره
القرافي، وقال احترازا من الأوقاف والربط
ومواضع الجلوس من المساجد والطرقات والمدارس
وغير ذلك؛ لأن المملوك في هذه الأمور كلها
الانتفاع دون المنفعة.
فرع: يتفرع على هذا الشرط كراء دور مكة ونقل
في المقدمات عن مالك فيها أربع روايات: الجواز
والمنع والكراهة في أيام الموسم، ولا خلاف عن
مالك وأصحابه أنها فتحت عنوة وانظر الكلام على
هذه المسألة مشبعا في حاشيتي على المناسك قال
القرافي تنبيه: مقتضى هذه المباحث أن يحرم
كراء دور مصر وأرضها؛ لأن مالكا صرح في
المدونة وغيرها أنها فتحت عنوة ويلزم على ذلك
تخطئة القضاة في إثبات الأملاك وعقود الإجارات
والقاعدة المتفق عليها أن مسائل الخلاف إذا
اتصل ببعضها قضاء حاكم تعين ذلك القول وارتفع
الخلاف، فإذا قضى حاكم بثبوت ملك أرض العنوة
ثبت الملك وارتفع الخلاف وتعين ما حكم
(7/546)
وتعين ولو
مصحفا، وأرضا غمر ماؤها، وندر انكشافه وشجرا
لتجفيف عليها على الأحسن، لا لأخذ ثمرته، أو
شاة للبنها،
__________
به الحاكم، وهذا التقرير يطرد في مكة ومصر
وغيرهما انتهى. ص: (ولو مصحفا) ش: قال في
المدونة: وتجوز إجارة المصحف لجواز بيعه،
وأجاز بيعه كثير من التابعين قال ابن عباس:
"ما لم يجعله متجرا" أما ما عملته بيدك فجائز،
وتجوز الإجارة على كتابته انتهى. أبو الحسن
انظر قول ابن عباس ما لم يجعله متجرا، هل فلا
يجوز أو يكره؟ انتهى. والله أعلم. ص: (وأرضا
غمر ماؤها وندر انكشافه) ش: هذه المسألة في
كراء الدور والأرضين من المدونة ونصها: ومن
اكتريت منه أرضه الغرقة بكذا إن انكشف عنها
الماء، وإلا فلا كراء بينكما جاز إذا لم تنقد،
ولا يجوز النقد إلا أن يوقن بانكشافها قال
غيره: إن خيف أن لا ينكشف لم يجز، وإن لم ينقد
أبو الحسن انظره قال في التوضيح قال صاحب
المقدمات: تحصيل مذهب ابن القاسم جواز العقد
كانت الأرض أرض مطر، أو نيل أو غيرهما مأمونة،
أو غير مأمونة، وأما بالنسبة إلى جواز النقد
ووجوبه فما كان من الأرض مأمونا كأرض النيل
والمطر المأمونة وأرض السقي بالعيون الثابتة
والآبار المعينة فالنقد فيها للأعوام الكثيرة
جائز، وما كان منها غير مأمون فلا يجوز النقد
فيه إلا بعد أن تروى، ويتمكن من الحرث كانت من
أرض النيل أو المطر، أو السقي بالعيون
والآبار، وأما وجوب النقد فيجب عنده في أرض
النيل إذا رويت؛ إذ لا يحتاج إلى غير ذلك،
وأما غيرها فلا يجب فيها النقد حتى يتم الزرع
ويستغنى عن الماء انتهى. ص: (وشجر لتجفيف
الملابس عليها على الأحسن) ش: الأحسن هو
اختيار ابن عبد السلام من القولين اللذين ذكر
ابن الحاجب، وقال ابن عرفة: تبع ابن الحاجب
ابن شاس في حكاية القولين وقبله شارحوه، ولا
أعرف القول بالمنع ومقتضى المذهب: الجواز
كإجارة مصب مرحاض وحائط لحمل خشب انتهى. ص:
(لا لأخذ
(7/547)
واغتفر ما في
الأرض، ما لم يزد على الثلث بالتقويم، ولا
تعليم غناء،
__________
ثمرته) ش: أي الشجر، وهذا راجع إلى قوله: "بلا
استيفاء عين قصدا". ص: (أو شاة للبنها) ش: يصح
أن يقرأ بالجر عطفا على مقدر في قوله: "لا
لأخذ ثمرته" أي لا شجر لأخذ ثمرته، ولا شاة
لأخذ لبنها، فيكون من الممنوع، ويصح أن يقرأ
بالنصب عطفا على قوله: "وشجرا"، ويكون من
الجائز، وعلى كل تقدير فلا بد من عناية في
كلامه؛ لأنا إن جعلناه ممنوعا نقول: إلا بشروط
يأتي ذكرها يريد، وكذا إذا جعلناه جائزا
فتأمله والله أعلم. والشروط أن تكون الغنم
كثيرة كالعشرة ونحوها، وأن يكون في الإبان،
وأن يعرفا وجه حلابها، وأن يكون إلى أجل لا
ينقضي اللبن قبله، وأن يشرع في أخذ ذلك يومه،
أو إلى أيام يسيرة، وأن يسلم إلى ربها لا إلى
غيره هذا إذا كان جزافا، فإن كان على الكيل
أسقطت الشرط الأول، فقط قاله في التوضيح
والمسألة في كتاب التجارة إلى أرض الحرب،
وكلام أبي الحسن فيها مبسوط، ولا يقال قوله:
شاة بالإفراد ينافي الأول؛ لأن المراد جنس
الشاة والله أعلم. ص: (ولا تعليم غناء) ش: هو،
وما بعده إلى قوله: "ولا متعين" راجع لقوله:
"ولا حظر والحظر" المنع قال الأبي في شرح مسلم
في كتاب البيع في حديث "مهر البغي وحلوان
الكاهن". ولا خلاف في حرمة مهر البغي، ولا
خلاف في حرمة أجرة المغنية والنائحة، ولا خلاف
في حرمة ما يأخذه الكاهن قال الأبي، وكذلك لا
يحل ما يأخذه الذي يكتب البراءات لرد التليفة؛
لأنه من السحر، وسئل شيخنا يعني ابن عرفة عمن
ذهبت له حوائج فقرأ في دقيق وأخذ يطعمه أناسا
اتهمهم، وكانت فيهم امرأة حامل فقالت إن
أطعمتموني فأنا أموت فأطعموها منه فماتت فأجاب
بأنه ليس عليه إلا الأدب، وأما ما يؤخذ على حد
المعقود، فإن كان يرقيه بالرقى العربية جاز،
وإن كان بالرقى العجمية لم يجز، وفيه
(7/548)
أو دخول حائض
لمسجد، أو دار: لتتخذ كنيسة: كبيعها لذلك،
وتصدق بالكراء وبفضله الثمن على الأرجح ولا
متعين: كركعتي الفجر بخلاف الكفاية وعين متعلم
ورضيع،
__________
خلاف. وكان الشيخ يقول: إن تكرر منه النفع
بذلك جاز انتهى. ص: (ودخول حائض لمسجد) ش:
فرضها ابن الحاجب في استئجارها على كنس
المسجد، وذكر المصنف ما هو أعم من الكنس
وغيره، ويريد إذا كانت هي التي تكنس، وأما لو
كانت الإجارة متعلقة بذمتها لجاز وعكس هذه
المسألة أن يؤاجر المسلم نفسه لكنس كنيسة أو
نحو ذلك، أو ليرعى الخنازير أو ليعصر له خمرا
فإنه لا يجوز، ويؤدب المسلم إلا أن يتعذر
بجهالة واختلف هل الأجرة من الكافر ويتصدق بها
أم لا؟ ابن القاسم التصدق بها أحب إلينا قاله
في التوضيح. ص: (ودار لتتخذ كنيسة) ش: تصوره
واضح.
فرع: إذا غصب النصراني سفينة مسلم لمسلم وحمل
فيها الخمر قال في رسم يوصي من سماع عيسى من
كتاب الغصب له أن يأخذ كراءها ويتصدق به قال
ابن رشد: معناه كراء مثلها على أن يحمل فيها
خمرا أن لو أكراها نصراني من نصراني لذلك،
وأما قوله: "يتصدق به" فهو بعيد أن يجب ذلك
عليه إلا أن يعلم بتعديه فلا يمنعه من ذلك،
وهو قادر على منعه، وأما إن لم يعلم بذلك، أو
علم، ولم يقدر على منعه فلا يجب أن يتصدق إلا
بالزائد على
(7/549)
ودأر وحانوت
وبناء على جدار، ومحمل، إن لم توصف، ودابة
لركوب، وإن ضمنت فجنس، ونوع وذكورة،
__________
قيمة كرائها على أن يحمل عليها غير الخمر فحمل
عليها خمرا. قاله ابن حبيب انتهى. ص: (وبناء
على جدار) ش: تصوره واضح، وأما إذا اكترى أرضا
ليبني فيها لم يلزمه أن يذكر قدر البناء؛ لأن
الأرض لا ضرر عليها في ثقل البناء بخلاف
الجدار إذا أكراه ليبني عليه انتهى من
التوضيح. ص: (ومحمل) ش: بفتح الميم الأولى
وكسر الثانية. ص: (ودابة لركوب، وإن ضمنت فجنس
ونوع وذكورة) ش: يعني أن الدابة إذا اكتريت
للركوب فيلزم تعيينها إذا كانت معينة، وإن
كانت مضمونة فيلزم أن يذكر جنسها ونوعها
والذكورة والأنوثة، وظاهر كلامه أنه يكتفى في
التعيين بالوجه الأول ابن عبد السلام: وينبغي
أن يختبرها الراكب لينظر سيرها في سرعته وبطئه
فرب دابة، كما قال مالك: المشي خير من ركوبها.
تنبيه: قال في التوضيح محمد: وإن وقع الكراء
على الإطلاق حمل على المضمون حتى يدل دليل على
التعيين قال: ولو اكترى منه أن يحمله إلى بلد
كذا على دابة، أو سفينة، وقد أحضرها، ولا يعلم
له غيرها، ولم يقل له: تحملني على دابتك هذه،
أو سفينتك هذه فهلكت
(7/550)
وليس لراع: رعي
أخرى، إن لم يقو، إلا بمشارك، أو تقل، ولم
يشترط خلافه، وإلا فأجره لمستأجره: كأجيرة
لخدمة آجر نفسه،
__________
بعد أن ركب فعلى الكري أن يأتيه بدابة أو
سفينة غيرها، وهو مضمون حتى يشترط أنه إنما
يكري هذه الدابة بعينها محمد أو يكريه نصف
السفينة، أو ربعها، فيكون كشرط التعيين انتهى.
ص: (كأجير لخدمة آجر نفسه) ش: ظاهره فتكون
الإجارة لمن استأجره أولا، وليس له غير ذلك،
وخيره في المدونة بين ذلك وبين أن يسقط حصة
ذلك اليوم من الأجرة، ونصه: بعد مسألة
الرعاية، وكذلك أجيرك للخدمة يؤاجر نفسه من
غيرك يوما، أو أكثر فلك أخذ الأجر، أو تركه
وإسقاط حصة ذلك اليوم من الأجر عنك قال عبد
الحق خيره ابن القاسم في أجير الخدمة، ولم
يخيره في الراعي إذا شرط أن لا يرعى مع غنمه
غنما أخرى وخالف، والأمر في ذلك سواء، وينبغي
أن يقال: كم تستوي إجارته على أن لا يرعى مع
الغنم غيرها، وتقوم على أن يرعى معها غيرها
فيعرف ما بين ذلك، ثم يخير بين أن ينظر ما
يخصه من الكراء الذي سمي فيسقطه من إجارته، أو
يأخذ ما آجر به نفسه، والله أعلم. انتهى.
ونقله أبو الحسن، وقال: صورته أن يعين إجارتها
وحدها مثلا عشرة ومع غيرها ثمانية فيسقط من
نصيبه من المسمى الخمس، أو يأخذ ما أجر به
نفسه انتهى. ونقل عن أبي محمد صالح أنه قال
يتوهم أن الأجير بخلاف الراعي؛ لأن الأجير عطل
ذلك اليوم، والراعي لم يعطل، ثم ذكر كلام عبد
الحق، وكلام عبد الحق ظاهر لا شك فيه قبله أبو
الحسن وفسره.
تنبيه: قال ابن يونس قوله: "لك أخذ الأجر إلخ"
هذا فيما يشابه ما أجرته فيه، أو يقاربه، وأما
أن يؤاجره للرعاية شهرا بدينار فيؤاجر نفسه في
الحصاد، أو في مخوف كل يوم بدينار أو
(7/551)
ولا يلزمه رعي
الولد، إلا لعرف، وعمل به في الخيط ونقش
الرحى، وآلة بناء، وإلا فعلى ربه: عكس إكاف،
وشبهه وفي السير والمنازل، والمعاليق،
__________
تؤاجره لخدمتك في الغزو فيذهب يقاتل فيقع في
سهمانه عشرة دنانير، فهذا وشبهه لا يكون له
إلا إسقاط ما عطل لك من عملك من الأجر، وقاله
غير واحد من أصحابنا انتهى. وذكر أبو الحسن عن
عبد الحق قريبا من ذلك، ثم قال: قال أبو محمد
صالح: انظر على هذا إذا أصاب بيض الحجل فهي
للأجير انتهى. ص: (إلا لعرف) ش: فإذا لم يكن
عرف لم يلزمه رعايتها ابن يونس قال أبو بكر بن
اللباد: ولربها أن يأتي براع يراعي معه
للتفرقة أبو الحسن راعى التفرقة في الحيوان
البهيمي، ومثله في سماع عيسى انتهى. ابن عرفة
بعد ذكر كلام ابن اللباد قلت: معناه: أن
التفرقة تعذيب لها فهي من النهي عن تعذيب
الحيوان انتهى. وتقدم الكلام على ذلك بأتم من
هذا عند قول المصنف في فصل طعام الربا "وتفريق
أم فقط من ولدها". ص: (عكس إكاف) ش: كلام ابن
غازي في شرح هذه المسألة كاف، وهو ظاهر، والله
أعلم. ص:
(7/552)
والزاملة،
ووطائه بمحمل، وبدل الطعام المحمول، وتوفيره:
كنزع الطيلسان قائلة، وهو أمين فلا
__________
(وبدل الطعام المحمول) ش: يعني إذا نقص الطعام
المحمول ببيع، أو أكل فأراد ربه أن يوفيه، فإن
كان فيه عرف عمل به، وإن لم يكن لهم عرف،
فعليه حمل الوزن الأول نقله في التوضيح عن
المدونة قال: وعكسه إذا استأجره على حمل مائة
رطل فأصابه مطر حتى زاد فلا يلزمه إلا حمل
الوزن الأول قاله سحنون وانظره في ابن يونس.
ص: (وتوفيره) ش: بالفاء كذا فسره الشارح. ص:
(وهو أمين) ش: قال ابن ناجي في شرح قول
الرسالة: ومن اكترى ماعونا، أو غيره فلا ضمان
عليه في هلاكه بيده، وهو مصدق إلا أن يتبين
كذبه قول الشيخ: مصدق يريد، ويحلف إن كان
متهما لقد ضاع، ولا فرطت، ولا يمين عليه، إن
كان غير متهم قاله ابن القاسم، وقيل: يحلف
مطلقا، وقيل: يحلف غير المتهم ما فرط. انتهى.
فرع: والقول قول المستأجر في رد الشيء
المستأجر إلا أن يكون قبضه ببينة نص عليه ابن
رشد وغيره وتقدم في العارية كلام ابن رشد
فانظره وانظر المقدمات وانظر التوضيح في كتاب
الوديعة في شرح قوله: "وإن ادعى الرد إلخ".
تنبيه: قال ابن الحاجب: والمستأجر أمين على
الأصح قال ابن عبد السلام: يعني أن من ملك
منفعة بعوض فالقول قوله: في تلف الذات التي
قبضها لاستيفاء تلك المنفعة سواء كانت تلك
الذات من نوع ما لا يغاب عليه كالحيوان، أو
مما يغاب عليه كالجفنة، أو لا. هذا هو
(7/553)
ضمان ولو شرط
إثباته، إن لم يأت بسمة الميت، أو عثر بدهن،
أو طعام بآنية فانكسرت، ولم يتعد أو انقطع
الحبل. ولم يغر بفعل:
__________
المعروف في المدونة وغيرها، وأنكر بعضهم وجود
الخلاف فيه في المذهب، ومن أثبته لم يثبته
عموما كما يقتضيه ظاهر كلام المؤلف يعني ابن
الحاجب، بل هو مقصور عندهم على ما يغاب عليه
انتهى. ونحوه في التوضيح قال في إجارة الحلي
والثياب من كتاب الإجارة من المدونة: ومن
استأجر فسطاطا، أو بساطا أو غرائر، أو آنية
إلى مكة ذاهبا وجائيا جاز ذلك، فإن ادعى حين
رجع ضياع هذه الأشياء في البداءة صدق في
الضياع ولزمه الكراء كله إلا أن يأتي ببينة
على وقت الضياع، فإن كان معه قوم في سفره
فشهدوا أنه أعلمهم بضياع ذلك، وطلبه بمحضرهم
حلف، وسقط عنه من يومئذ حصة باقي المدة انتهى.
وقال ابن رشد في شرح المسألة الثانية من سماع
أشهب من كتاب تضمين الصناع وحكم اكتراء العروض
بشرط الضمان على قول مالك في هذه الرواية حكم
بيع الثنيا يفسخ الكراء إلا أن يرضى المكتري
بإسقاط الشرط، فإن فات الكراء كان على المكتري
الأكثر من الكراء المسمى، أو كراء المثل على
غير شرط الضمان، ثم قال: وأما قوله: في
الدمياطية فيمن اكترى دابة بالضمان: إنه لا
خير
(7/554)
كحارس ولو
حماميا.
__________
فيه، ويرد إلى كراء مثله مما لا ضمان عليه
فظاهره كان أكثر من المسمى، أو أقل ومعناه إن
فات الكراء، وأنه يفسخ قبل فوته، وإن ترك
المكري الشرط، وهو القياس خلاف رواية أشهب ا
هـ فقول المصنف: "وهو أمين" يمكن أن يكون
الضمير عائدا على المستأجر بكسر الجيم، فيكون
أشار إلى هذا ويمكن أن يعود الضمير على
المستأجر بالفتح، وهو الذي يظهر من قوله: "ولو
شرط إثباته إن لم يأت بسمة الميت"، ويكون
مشيرا بذلك إلى قوله في المدونة: "ولا ضمان
على الرعاة إلا فيما تعدوا فيه، أو فرطوا في
جميع ما رعوه من الغنم والدواب لأناس شتى، أو
لرجل واحد". ثم قال ابن القاسم: وإذا اشترط
على الراعي الضمان فسدت الإجارة، ولا شيء
عليه، وله أجر مثله بغير ضمان ناف على
التسمية، أو نقص قال غيره: وإن كان ذلك أكثر
من التسمية لم يزد عليها قال: ومحال أن يكون
أكثر قال ابن القاسم: وكذا إن شرطوا على
الراعي أنه إن لم يأت بسمة ما مات منها ضمن
فلا يضمن، وإن لم يأت بها، وله أجر مثله ممن
لا ضمان عليه انتهى. وقال في المسائل
الملقوطة: ولا ضمان على الراعي فيما تلف، أو
ضل، وعليه اليمين إن اتهم أنه ما فرط، ولا
تعدى، ولا دلس ويضمن إن فرط، ولا ضمان عليه إن
نام مغلوبا في إبان النوم إلا أن يأتي من ذلك
ما ينكر، وإن شرط عليه الضمان فسخت الإجارة،
وله أجرة المثل فيما رعى انتهى. وعلى هذا فقول
المصنف: "ولو شرط إلى آخره" صحيح في نفي
الضمان إلا أنه يوهم أن ذلك مع صحة العقد، وقد
صرح في المدونة بفساده فتأمله والله أعلم.
مسألة: قال في الإرشاد في باب الإجارة: وتلزم
بالفاسدة أجرة المثل قال الشيخ زروق عند
الفوات بما تفوت به من انقضاء العمل ونحوه نعم
وكل ما يفيت البيع الفاسد يفيت الإجارة
الفاسدة؛ لأنه كالبيع فيما يحل ويحرم، وقد
يكون له الأقل من المسمى، وأجرة المثل في بعض
الصور الفاسدة، وقد يكون له الأكثر، وقد يحكم
بالمسمى فقط لشبه الصحيحة، وقد تسقط لانتفاء
الموجب فانظر ذلك كله انتهى.
(7/555)
وأجير لصانع:
كسمسار. إن ظهر خيره على الأظهر. ونوتي غرقت
سفينته بفعل سائغ.
__________
مسألة: قال في الطرر: وإذا ادعى الراعي أن بعض
الغنم له لم يصدق إلا أن يأتي بسبب يدل على
صدقه فيحلف، ونقله عن نوازل ابن رشد.
مسألة: إذا قال الصانع: هذا متاع فلان، وقال
فلان: ليس هو لي فالظاهر: أن القول قول الصانع
قال البرزلي: مسألة قال ابن الحاج: إذا احترق
الخبز في الفرن فقال الفران: هو لفلان، وقال
صاحبه: ليس هو لي فالقول قول الفران قاله ابن
زرب، ثم ذكر عن اللخمي ما مضمونه: إن كان ما
يعمل للناس فإنه يصدق، وإن كان يعمل بنفسه لم
يصدق فانظره وأظنه في تضمين الصناع، والله
أعلم.
فرع: قال في الطرر في ترجمة وثيقة باستئجار
جماعة لرعاية غنم: لا يجبر أهل الأفران وأهل
الأزحاء وأهل الحمامات على طبخ، ولا طحن، ولا
غيره، وكذلك الصناع كلهم، ثم ذكر أن القضاء
بطليطلة على جبر الفران على طبخ خبز جاره إذا
امتنع بمثل ما يطبخ به خبز مثله انتهى. ص:
(وأجير لصانع) ش: يعني أن الأجير الذي يعمل
عند الصانع لا ضمان عليه والضمان على الصانع
قال في المدونة في أول كتاب تضمين الصناع:
ويضمن القصار ما أفسد أجيره، ولا شيء على
الأجير إلا أن يتعدى أو يفرط انتهى. ص:
(وسمسار ظهر خيره على الأظهر) ش: هذا إذا ادعى
ضياع المتاع، وأما لو ادعى أنه باعه من رجل،
والرجل ينكر فإنه يضمن لتفريطه بعدم الإشهاد
نص على ذلك ابن رشد في نوازله في آخر كتاب
البيوع، ونصه: وأما السمسار يدعي بيع السلعة
من رجل عينه، وهو ينكره فلا اختلاف في أنه
ضامن لتركه الإشهاد؛ لأنه أتلف السلعة على
ربها إذا دفعها إلى المبتاع، ولم يتوثق عليه
بالإشهاد، ولا يراعى
(7/556)
لا إن خالف
مرعى شرط أو أنزى بلا إذن. أو غر بفعل. فقيمته
يوم التلف. أو صانع في مصنوعه.
__________
في هذا العرف بترك الإشهاد؛ إذ ليس من المسائل
التي يراعى فيها ذلك لافتراق معانيها انتهى
منه بلفظه، وانظر أول الإجارة من مسائل
البرزلي وانظر كلام القاضي عياض في آخر
التدليس بالعيوب، فقد أطال في ذلك. ص: (أو
أنزى بلا إذن) ش:
فرع: قال في الطرر في ترجمة استئجار راع لغنم
سئل بعضهم عما كسر الراعي من الغنم قال أما ما
كسره بالعصا حين يذودها بها فلا ضمان عليه،
وأما ما كسره بالحجارة، فعليه الضمان؛ لأنه من
التعدي انتهى.
فرع: قال في الترجمة المذكورة قال في المؤلفة
لابن لبابة إذا عقر الراعي من الغنم مرة ثانية
وثالثة، ولم يضمنه صاحب الغنم وأمضاه على
فعله، ولم ينكر عليه، ورضي لم يضمنه بعد ذلك
انتهى. ص: (أو صانع في مصنوعه) ش: قال ابن
الحاجب: تلف بصنعه أو بغير صنعه، قال في
التوضيح: كما لو ادعى أن سارقا سرقه
(7/557)
لا غيره ولو
محتاجا له عمل.
__________
فرع: قال في المسائل الملقوطة قال في الكافي:
في الصانع تضيع عنده السلعة فيغرم قيمتها، ثم
توجد أنها للصانع، وكذا لو ادعى على رجل أنه
سرق عبده فأنكر فصالحه على شيء، ثم وجد العبد
قال ابن رشد في سماع يحيى: هو للمدعى عليه،
ولا ينقض الصلح صحيحا كان، أو معيبا إلا أن
يجده عنده قد أخفاه، فيكون لربه، وفي التهذيب
في المكتري يتعدى على الدابة فتضل فيغرم
قيمتها، ثم توجد هي للمكتري انتهى.
تنبيه: قال في التوضيح ابن رشد: والضمان بسبب
الصنعة إنما هو إذا لم يكن فيها تغرير، وأما
إن كان فيها تغرير كثقب اللؤلؤة ونقش الفصوص
وتقويم السيوف واحتراق الخبز عند الفران
والثوب عند الصباغ فلا ضمان عليه فيها إلا أن
يعلم أنه تعدى فيها أو أخذها على غير وجه
مأخذها ونحوه لابن المواز انتهى.
تنبيه: تضمين الصناع من المصلحة العامة قال في
التوضيح: وذكر أبو المعالي أن مالكا كثيرا ما
يبني مذهبه على المصالح، وقد قال: إنه يقتل
ثلث العامة لمصلحة الثلثين المازري، وهذا الذي
حكاه أبو المعالي عن مالك صحيح انتهى. وفي بعض
نسخ التوضيح ولكنه في تضمين الصناع، وانظر
كلام القرافي في آخر شرح المحصول فإنه تكلم في
مسألة المصالح المرسلة بكلام حسن، وأنكر ما
ذكره إمام الحرمين عن مالك، وقال إنه لا يوجد
في كتب المالكية فتأمله والله أعلم.
(7/558)
وإن ببينة. أو
بلا أجر. إن نصب نفسه وغاب عليها.
__________
فرع: قال اللخمي في كتاب الشركة في شركة
الأبدان فيما إذا مرض أحد الشريكين: ولو أجر
رجلان أنفسها بعمل شيء بعينه أو كانت الإجارة
في الذمة لم يكن على أحدهما أن يوفي عمل
الآخر، وليس كالأول يعني شريكي الصنعة أولئك
متفاوضان فلزم أحدهما ما لزم الآخر انتهى.
يعني متفاوضين في العمل كالمتفاوضين في المال.
فرع: قال: وقبله: إذا كانت الإجارة على عمل
رجل لم يجز أن يضمن عنه رجل آخر ذلك الفعل إن
مرض أو مات، أو غاب ا هـ، وقال في كتاب الجعل
والإجارة من المدونة: وإن أجرت رجلين على حفر
بئر كذا فحفرا بعضها، ثم مرض أحدهما فأتمها
الآخر فالأجرة بينهما، ويقال للمريض أرض
الحافر من حقك، فإن أبى لم يقض عليه والحافر
متطوع له انتهى. ص: (إن نصب نفسه) ش: ابن عرفة
اللخمي المنتصب من أقام نفسه لعمل الصنعة التي
استعمل فيها كان بسوقها، أو داره وغير المنتصب
لها من لم يقم نفسه لها، ولا منها معاشه قلت:
ظاهره، ولو كان انتصابه لجماعة خاصة ونص عياض
على أن الخاص بجماعة دون غيرهم لا ضمان عليه،
ونحوه لابن رشد في المقدمات ونحو لفظ اللخمي
سماع عيسى: لا ضمان على الصانع حتى ينصب نفسه
للعمل الصقلي إثر سماع عيسى قال بعض شيوخنا:
معناه أنه عمله بغير أجر، ولو أخذ عليه أجرا
صار صانعا فيضمن، وحكى أنه منصوص للمتقدمين
قلت: ففي ضمانه بمجرد نصب نفسه أو بقيد عمومه
للناس قولان الظاهر سماع عيسى مع بعض شيوخه
الصقلي وطريق عياض مع ابن رشد. ص: (وغاب
عليها) ش: يريد
(7/559)
فبقيمته يوم
دفعه. ولو شرط نفيه. أو دعا لأخذه. إلا أن
تقوم بينة: فتسقط الأجرة،
__________
في بيته فشمل شرطين: الأول: أن لا يكون عمله
في بيت رب السلعة، وإن كان في بيته فلا
(7/560)
وإلا أن يحضره
بشرطه وصدق إن ادعى خوف موت: فنحر أو سرقه
منحوره أو قلع ضرس أو صبغا: فنوزع. وفسخت بتلف
ما يستوفى منه، لا به إلا صبي تعلم ورضع، وفرس
نزو وروض،
__________
ضمان عليه جلس معه ربها أم لا؟ عمل بأجر أم
لا؟ الثاني: أن لا يكون ربه ملازمه، وإلا فلا
ضمان عليه قاله في التوضيح. ص: (وصدق إن ادعى
خوف موت فنحر) ش: قاله في المدونة، وهذا إذا
جاءه بالشاة منحورة، أو بثمنها، أو ادعى أنها
سرقت منه بعد الذبح، وأما لو أكلها فلا يصدق
قاله أبو عمران في الكافي، ونقله أبو الحسن
الصغير، وقال في المسائل الملقوطة: وإن أتى
بشاة مذبوحة قال: خشيت عليها الموت صدق في قول
ابن القاسم، وكذلك إذا قال سرقت بعد الذبح
وضمنه غيره انتهى. وانظر هل يصدق في هذه
المسائل بيمين أم لا. ص: (لا به إلا صبي تعليم
ورضاع وفرس نزو وروض) ش: قال الشارح في الوسط
الحق بهذه الأربع مسائل، وهي: أن من استأجر
على أن يحصد أرضه، وليس له غيرها، أو يبني له
حائطا، ثم حصل مانع من ذلك والخياط والحائك
يدفع إليه ثوب ليعمله للباس لا للتجارة، وليس
عنده غيره، والطبيب يوافق على معافاة العليل
مدة فيموت قبلها وألحق بعضهم ما إذا استأجر
على الجواهر النفيسة ليضع فيها شيئا فهلكت
والعلة في ذلك تعذر الخلف غالبا انتهى. ونقلها
صاحب المسائل الملقوطة.
(7/561)
وسن لقلع فسكنت
كعفو القصاص،
__________
فرع: قال في مسائل الإجارة من البرزلي: سئل
ابن أبي زيد إذا أصاب الأجير في البناء مطر في
بعض اليوم منعه من البناء في بعض اليوم قال:
فله بحساب ما مضى، ويفسخ في بقية اليوم، ومثله
لسحنون ولغيره يكون له جميع الأجر لأن المنع
لم يأت من قبله انتهى. وقال ابن عرفة قال
سحنون في وثائقه: إن منع أجير البناء، أو
الحصد، أو عمل ما مطر لم يكن له بحساب ما عمل
من النهار، وأجيره له كل الأجر؛ لأن المنع لم
يكن منه قال ابن عرفة: ولا يدخل هذا الخلاف في
نوازل وقعت في بلدنا بتونس؛ لأن العرف تقرر
عندهم بفسخ الإجارة بكثرة المطر ونزول الخوف
انتهى. ذكره في الكلام على ما تفسخ به
الإجارة. ص: (وسن لقلع فسكنت كعفو القصاص) ش:
قال ابن عرفة ابن شاس: وتنفسخ بمنع استيفاء
المنفعة شرعا كسكون ألم السن المستأجر على
قلعها أو عفو عن القصاص المستأجر على استيفائه
قال ابن عرفة: قلت: هذا إذا كان العفو من غير
المستأجر، وانظر هل يقبل قول المستأجر في ذهاب
(7/562)
وبغصب الدار،
وغصب منفعتها، وأمر السلطان بإغلاق الحوانيت،
وحمل ظئر أو مرض لا تقدر معه على رضاع ومرض
عبد وهربه لكعدو، إلا أن يرجع في بقيته
__________
ألمه؟ والأظهر: أنه لا يصدق إلا أن يقوم على
ذلك دليل، وفي يمينه مع ذلك نظر والأظهر أنها
كأيمان التهم انتهى. ص: (وحمل ظئر) ش: أي
وتنفسخ الإجارة بحمل الظئر أي المرضعة؛ لأنه
يخاف على الولد من لبنها. قال في المدونة في
كتاب الجعل والإجارة: وإذا حملت الظئر
(7/563)
بخلاف مرض دابة
بسفر ثم تصح، وخير إن تبين أنه سارق، وبرشد
صغير عقد عليه، أو على
__________
فخيف على الولد فلهم فسخ الإجارة انتهى. قال
البساطي: فإن قلت: كلام المدونة يخالف كلام
المؤلف من وجهين أحدهما: أنه قال فيها: "إذا
خيف" والمؤلف أطلق، والثاني: أنه قال فيها
"فلهم الفسخ" والمصنف جزم. قلت: قد يجاب عن
الأول بأن الغيلة مضمونة بالحمل فأحال في
المدونة على الخوف إشارة إلى العلة وأطلق
المصنف إشارة إلى المظنة مع أنك إذا تأملت
وجدت الخوف على الولد مقطوعا به عند الحمل،
والذي قد يكون، وقد لا يكون إنما هو حصول
الضرر، وأما الثاني: فالظاهر وروده على كلام
المصنف انتهى. قلت: قد قدم المصنف هذه المسألة
على ما في المدونة فقال: ولزوجها فسخه إن لم
يأذن كأهل الطفل إذا حملت وتقدم هناك عن الشيخ
أبي الحسن أنه إن خيف على الصبي الموت وجب
عليهم الفسخ، وإن خيف عليه ضرر غير الموت فلهم
تركه على الكراهة، وقد تقدم أن هذا الذي قاله
أبو الحسن إنما يكون، والله أعلم. مع عدم تحقق
الضرر، وأما لو تحقق الضرر لوجب عليهم الفسخ
فجزم المصنف هنا بالفسخ اعتمادا على ما قدمه
على أنه لا دليل في كلامه على تحتم الفسخ بل
أكثر المسائل التي ذكرها لا يتحتم فيها الفسخ
نعم يعترض على المصنف في تكرارها إلا أن يقال
أراد جمع النظائر التي تفسخ فيها الإجارة،
وفيه نظر؛ إذ ليس في كلامه استيفاء لها،
فتأمله والله أعلم. ص: (وبرشد صغير عقد عليه)
ش: عبارة المدونة: فاحتلم لكن قيده الشراح بأن
يكون
(7/564)
سلعة ولي. إلا
لظن عدم بلوغه، وبقي كالشهر: كسفيه، ثلاث
سنين، وموت مستحق وقف آجر، ومات قبل تقضيها
على الأصح، لا بإقرار المالك،
__________
رشيداً إذ لا يكفي مجرد الاحتلام في المحجور
انظر ابن عرفة. ص: (وبموت مستحق وقف آجر، ومات
قبل تقضيها على الأصح) ش: قال في الجواهر إذا
مات البطن الأول: من أرباب الوقف بعد الإجارة
قبل تقضي مدتها انفسخت الإجارة في باقي مدة
الإجارة؛ لأنه تناول بالإجارة ما لا حق له
فيه، وقيل: إذا أكرى مدة يجوز الكراء إليها
لزم باقيها انتهى. ونقل ابن الحاجب القولين من
غير ترجيح قال ابن عرفة: ولا أعرف الثاني لغير
ابن شاس، ولم يعزه ابن هارون، ولا ابن عبد
السلام وظاهر أقوال الشيوخ: نفيه، ثم ذكر عن
ابن رشد والمتيطي وابن فتوح أنه ينقض بموت
المستحق.
تنبيه: قال في الإرشاد في باب الوقف: وتنفسخ
بموت الآيل إليه الوقف لا المستأجر قال الشيخ
سليمان البحيري في شرحه ناقلا عن شرح مؤلفه
المعتمد معنى قولنا: إنها تنفسخ بموت مستحق
الأجرة أنه إن كان الوقف على بطن بعد بطن فآجر
البطن الأعلى، ثم مات قبل انقضائها انفسخت
فيما بقي؛ لأن ملك المنفعة انتقل بالموت للبطن
الآخر ممن يرجع إليه الوقف، فقد تبين أنه آجر
ملكه وملك غيره بخلاف موت الناظر إذا لم يكن
من أهل الوقف وموت
(7/565)
أو خلف دابة في
غير معين. أو حج وإن فات مقصده أو فسق مستأجر،
وآجر الحاكم، إن لم
__________
المستأجر فإنه لا يفسخ انتهى. ص: (أو خلف رب
دابة في غير معين وحج) ش: وله أن يرفع الأمر
إلى الحاكم فينظر في ذلك، فإن رأى أن في الصبر
ضررا فسخ الكراء، وإن لم يضر لم يفسخ نقله ابن
عرفة عن اللخمي، ثم قال ابن عرفة: ولو غاب كرى
مضمون ووجد له مثله لم يستحقه مكتريه إلا
بالحكم، وإن لم يوجد، وله ما يكرى به عليه
أكرى عليه الحاكم منه، وإن لم يكن له شيء وضاع
المكترى بسلفه جاز إن علم له مال، وإن لم يعلم
ففي صحة سلفه لذلك قولا ابن القاسم ومحمد ورجح
اللخمي الأول بالقياس الأحروي على منع غرماء
مفلس طاع برد ما ابتاعه لبائعه لعجزه عن ثمنه
بسلفهم إياه الثمن لربح فيه انتهى. ص: (أو فسق
مستأجر) ش: قال في المدونة، وإذا ظهر من مكتري
الدار دعارة وخلاعة وفسق وشرب خمر لم ينقض
الكراء ولكن الإمام يمنعه ويكف أذاه عن
الجيران، وعن رب الدار، وإن رأى إخراجه أخرجه،
وأكراها عليه قال أبو الحسن قال ابن يونس من
اكترى دارا، وله جيران سوء فله ردها؛ لأن ذلك
عيب ولهذا قال مالك فيمن اشترى دارا ولها
جيران سوء: إنه عيب ترد به قال الشاعر:
يقولون لي بعت الديار رخيصة ... ولا أنت مديون
ولا أنت مفلس
فقلت لهم كفوا الملامة واقصروا ... بجيرانها
تغلو الديار وترخص
انتهى.
(7/566)
يكف، أو بعتق
عبد وحكمه على الرق. وأجرته لسيده، إن أراد
أنه حر بعدها.
__________
وقال ابن عرفة: وروى ابن حبيب في فاسق ذي دار
بين الناس يعاقبه السلطان ويمنعه، فإن لم ينته
بيعت عليه اللخمي وأرى أن يبدأ بعقوبته، فإن
لم ينته أكريت عليه، فإن لم ينته عن إذايته
لإتيانه إليها بيعت عليه وسمع أبو زيد ابن
القاسم آخر مسألة من كتاب السلطان قال مالك في
فاسق يأوي إليه أهل الفسق يخرج من منزله
وتخارج عليه الدار والبيوت، ولا تباع عليه
لعله يتوب ابن القاسم يتقدم إليه مرة، أو
مرتين، أو ثلاثا، فإن لم ينته أخرج وأكري عليه
ابن رشد رواية ابن حبيب يباع عليه خلاف هذا
السماع وقوله فيها أصح لما ذكره من رجاء
توبته، ولو لم تكن الدار له إلا بكراء أكريت
عليه، ولم ينفسخ كراؤه ابن عرفة؛ لأن فسخ
الكراء مضرة على رب الدار ويحتمل حمل رواية
ابن حبيب على من لا ترتفع مضرة فسقه إلا برفع
ملكه وحمل رواية ابن القاسم على من ترتفع
مضرته بمجرد كرائها عليه ابن رشد وروى يحيى بن
يحيى أنه قال: أرى أن يحرق بيت الخمار قال
وأخبرني بعض أصحابنا أن مالكا كان يستحب حرق
بيت المسلم الذي يبيع الخمر قيل له فالنصراني
يبيعها بين المسلمين؟ قال: إن تقدم إليه، فإن
لم ينته أحرقت بيته قال وحدثني الليث أن عمر
بن الخطاب أحرق بيت رويشد الثقفي؛ لأنه كان
يبيع الخمر، وقال: أنت فويسق لا رويشد انتهى.
والله أعلم.
(7/567)
فصل في الكراء
وكراء الدابة كذلك، وجاز على أن عليك علفها،
أو طعام ربها، أو عليه طعامك، أو ليركبها في
حوائجه، أو ليطحن بها شهرا، أو ليحمل على
دوابه مائة، وإن لم يسم ما لكل، وعلى حمل آدمي
لم يره، ولم يلزمه الفادح، بخلاف ولد ولدته،
__________
فصل كراء الدواب
ص: (أو ليركبها في حوائجه أو ليطحن بها شهرا)
ش: "شهراً" قيد في المسألتين. ص: (ولم يلزم
الفادح) ش: قال عياض: الفادح من الرجال
والأحمال العظام الثقال التي
(7/568)
وبيعها،
واستثناء ركوبها الثلاث، لا جمعة. وكره
المتوسط، وكراء دابة شهرا، إن لم ينقد، والرضا
بغير المعينة الهالكة، إن لم ينقد أو نقد،
واضطر، وفعل المستأجر عليه، ودونه، وحمل
برؤيته، أو كيله، أو وزنه، أو عده، إن لم
تتفاوت، وإقالة قبل النقد وبعده، إن لم يعب
عليه،
__________
تهلك الدواب انتهى. ص: (وبيعها واستثناء
ركوبها الثلاثة) ش: تصوره ظاهر، والمسألة في
المدونة وغيرها قال القرطبي في شرح مسلم
وغيره: يجوز بيع البعير واستثناء ركوبه لحديث
جابر في الصحيحين لكن قال مالك: إذا كانت
المسافة معلومة قريبة وحمل الحديث عليه انتهى.
ص: (وكراء دابة شهرا إن لم ينقد) ش: قوله:
"دابة" يريد معينة وقوله: "شهرا" يعني يكتريها
ولا يركبها إلا بعد مضي شهر، وهذا لا يجوز
النقد فيه؛ لأن الإجارة المعينة إذا لم يشرع
فيها لم يجز النقد؛ لأنه يصير تارة ثمنا وتارة
سلفا قال في المدونة: ومن اكترى دابة بعينها
على أن يركبها إلى يوم، أو يومين، وما قرب جاز
وجاز النقد فيه، وإن كان إلى شهر أو شهرين جاز
ما لم ينقد ا هـ. ص: (وإقالة بزيادة قبل النقد
وبعده إن لم يغب عليه) ش:
(7/569)
وإلا فلا، إلا
من المكتري فقط، إن افتصا، أو بعد سير كثير،
واشتراط هدية مكة، إن عرف، وعقبة الأجير، لا
حمل من مرض، ولا اشتراط إن ماتت معينة أتاه
بغيرها: كدواب لرجال، أو لأمكنة، أو لم يكن
العرف نقد معين. وإن نقد، أو بدنانير عينت،
إلا بشرط الخلف،
__________
يعني أنه لا يجوز الإقالة برأس المال وتجوز
بزيادة قبل النقد وبعده وقبل الغيبة عليه من
المكتري والمكري ويريد إذا كانت الزيادة
معجلة، وقد استوفى أقسامها في المقدمات. ص:
(واشتراط هدية مكة إن عرف) ش: نحوه في
المدونة.
فائدة: قال بعده في المدونة: وأجاز للمكتري أن
يحمل في غيبته ثوبا، أو ثوبين لغيره، ولا يخبر
بذلك الحمال، وهو من شأن الناس، ولو بين هذه
الأشياء ووزنها كان أحسن انتهى، والله أعلم.
ص: (ولا اشتراط إن ماتت معينة أتاه بغيرها) ش:
قال في المدونة، وإن اشترط في
(7/570)
أو ليحمل عليها
ما شاء. أو لمكان شاء. أو ليشيع رجلا. أو بمثل
كراء الناس. أو إن وصلت في كذا فبكذا. أو
لينتقل لبلد وإن ساوت إلا بإذن كإردافه خلفك.
أو حمل معك والكراء لك، إن لم تحمل زنة:
كالسفينة، وضمن إن أكرى لغير أمين، أو عطبت
بزيادة مسافة
__________
المعينة إن ماتت أتاه بغيرها لم يجز. انتهى.
ص: (أو عطبت بزيادة المسافة أو حمل تعطب به)
ش: يعني أن الدابة إذا عطبت بزيادة المسافة
فإنه يضمنها، وسواء كانت الزيادة مما تعطب
الدابة في مثلها أم لا، وكذا يضمن الدابة إذا
عطبت بسبب زيادة في الحمل إذا كانت الزيادة
مما تعطب الدابة بمثلها.
(7/571)
أو حمل تعطب
به،
__________
تنبيهات: الأول: قوله: "أو عطبت" بزيادة مسافة
ظاهره أنه إذا زاد على المسافة التي اكترى
إليها يضمن، ولو كان اكترى ذاهبا وراجعا، ولا
يعتبر قدر الرجوع مما زاد على المسافة كما
تقول الشافعية إنه لا يضمن حتى يزيد على
المسافة المشترطة قدر الرجوع الذي يستحقه، وهو
كذلك قال في كتاب الرواحل من المدونة قال
مالك: وإن اكتراها إلى بلد ذاهبا وراجعا فعطبت
الدابة يوم وصوله إلى البلد لم يضمن المكتري،
ولربها نصف الكراء فقط، وإن جاوزها فلربها أخذ
قيمتها يوم تعديه مع كرائها إلى ذلك الموضع،
وإن شاء أخذ دابته وكراء ما تعدى فيه قال ابن
يونس: يريد مع كراء الأول ويفهم ذلك من مسألة
المدونة الآتية في شرح قول المصنف إلا أن
يحبسها كثيرا.
الثاني: قول المؤلف: "ضمن في هذه المسائل"
معناه أن رب الدابة مخير في أن يأخذ قيمتها،
أو يأخذ الكراء الأول وكراء الزيادة.
الثالث: ظاهر كلامه أن التعدي في زيادة
المسافة من التعدي في زيادة الحمل، وليس كذلك
فإنه إذا تعدى بزيادة المسافة يخير رب الدابة
في أن يأخذ قيمتها يوم التعدي مع كرائه الأول
أو يأخذ كراءه الأول مع كراء مثل ما تعدى،
وأما إذا تعدى بزيادة الحمل فإن ربها يخير بين
أن يأخذ كراء مثل ما زاد على الدابة بالغا ما
بلغ مع الكراء الأول، أو قيمة الدابة يوم
التعدي، ولا كراء له قال في المدونة في
المسألة الثانية: وإذا زاد المكتري على الدابة
في الحمل الذي شرط فعطبت، فإن زاد ما تعطب في
مثله خير ربها في أخذ المكتري بقيمة كراء ما
زاد على الدابة في الحمل بالغا ما بلغ مع
الكراء الأول أو قيمة الدابة يوم التعدي، ولا
كراء له قال ابن يونس: يريد إذا زاد على ذلك
في أول المسافة، وإن زاد بعد أن سار نصف
الطريق واختار ربها أخذ قيمة الدابة فله قيمة
الدابة يوم التعدي ونصف الكراء الأول، وكذلك
في ثلث الطريق، أو ربعه ثلث الكراء، أو ربعه
مع قيمة الدابة انتهى. وقال في المسألة
الأولى: وإذا بلغ المكتري الغاية التي اكترى
إليها، ثم زاد ميلا فعطبت الدابة فلربها كراؤه
الأول والخيار في أخذ قيمة كراء الميل الزائد
ما بلغ، أو قيمة الدابة يوم التعدي
(7/572)
وإلا فالكراء:
كأن لم تعطب، إلا أن يحبسها كثيرا فله كراء
الزائد، أو قيمتها. ولك فسخ عضوض، أو جموح، أو
أعشى أو دبره فاحشا:
__________
انتهى. ص: (وإلا فالكراء) ش: أي، وإن لم تكن
الزيادة التي في الحمل مما تعطب الدابة بمثلها
فلا يلزم المكتري إلا كراء الزيادة، ولو عطبت
الدابة، وهذا هو المشهور أعني أنه يفرق بين
الزيادة في المسافة وبين الزيادة في الحمل ففي
زيادة المسافة يضمن إذا عطبت مطلقا سواء كانت
الزيادة مما تعطب بمثلها أم لا، وفي زيادة
الحمل لا يضمنها إذا عطبت إلا إذا زاد زيادة
تعطب بمثلها قال أبو الحسن الصغير: والفرق
بينهما أن التعدي بزيادة الحمل اليسير الذي لم
تعطب بمثله مستند إلى إذن وتعد فالإذن في
الحمل المعتاد، والزيادة في اليسير إنما هو
تعد فقط، والله أعلم.
فرع: الشعبي عن أحمد بن عبد الله إذا حمل على
الدابة المكتراة إلى موضع أقل من الشرط غلطا
منه حتى وصل، فعليه الكراء كاملا؛ إذ لو شاء
لتثبت في حمل الجميع انتهى. ص: (كأن لم تعطب)
ش: يعني أن الدابة إذا لم تعطب فلا يلزم
المكتري إلا كراء ما زاد من الحمل أو المسافة،
وإن كانت الدابة تعطب بمثل ذلك، ثم استثنى من
زيادة المسافة. ص: (إلا أن يحسبها كثيرا فله
كراء الزيادة وقيمتها) ش: ويشير به إلى قوله
في المدونة: ومن اكترى دابة من مصر إلى برقة
ذاهبا وراجعا إلى مصر فتمادى إلى إفريقية وعاد
إلى مصر فرب الدابة مخير في أخذ قيمة كرائها
من برقة إلى إفريقية ذاهبا وراجعا إلى برقة ما
بلغ مع كرائه الأول، أو نصف الكراء الأول مع
قيمتها ببرقة يوم التعدي ردها بحالها، أو بغير
حالها؛ لأن سوقها قد تغير، وقد حبسها المكتري
عن نفعه بها، وعن أسواقها انتهى. ص: (ولك فسخ
عضوض أو
(7/573)
كأن يطحن لك كل
يوم أردبين بدرهم، فوجد لا يطحن إلا أردبا.
وإن زاد أو نقص ما يشبه الكيل فلا لك ولا
عليك.
فصل
جاز الكراء حمام، ودار غائبة: كبيعها،
__________
جموح، أو أعشى، أو دبرة فاحشا) ش: قال في
الشامل: ولك فسخ كراء عضوض وأعشى وعثور وجموح
وذي دبرة فاحشة وقيد إن كان بمستعتب، وإلا
تمادى وحط عنه قيمة العيب كما لو لم يعلم به
حتى وصل انتهى. والأعشى هو الذي لا يبصر
بالليل، والجموح القوي الرأس الذي لا يقاد إلا
بعسر، والعضوض الذي يعض من يقرب منه، والدبر
العقر الذي يحصل في ظهور الإبل قاله بهرام. ص:
(كأن يطحن لك كل يوم إردبين بدرهم فوجد لا
يطحن إلا إردبا) ش: هكذا قال في كتاب الرواحل
من المدونة ونصها: وإن اكتريت ثورا لتطحن عليه
كل يوم إردبين بدرهم فوجدته لا يطحن إلا إردبا
فلك رده، وعليك في الإردب نصف درهم انتهى.
وظاهر كلام المدونة أن عقد الكراء صحيح، وليس
بفاسد، وهو جار على أحد القولين المشهورين
اللذين تقدما فيما إذا قيد العمل بالزمان
وتحمل العمل كما أشار إلى ذلك القاضي عياض في
التنبيهات في كتاب كراء الرواحل وأشار إلى ذلك
اللخمي وتقدم أن الخلاف إنما هو فيما يمكن أن
يعمل وأن يتمه في ذلك الزمان، والله أعلم. ص:
(وإن زاد، أو نقص ما يشبه الكيل فلا لك، ولا
عليك) ش: لو جعل من تمام المسألة التي قبله ما
بعد، والله أعلم.
فصل
ص: (جاز كراء حمام ودار غائبة كبيعها) ش: قال
في المدونة: ولا بأس بكراء أرض، أو
(7/574)
أو نصفها، أو
نصف عبد شهرا على إن سكن يوما: لزم، إن ملك
البقية،
__________
دار غائبة ببلد قريب، أو بعيد على صفة، أو
رؤية متقدمة وينقده كالبيع، ثم لا رد له إن
وجدها على الصفة، وإنما يجوز ذلك على رؤية
متقدمة منذ أمد لا تتغير في مثله انتهى. أبو
الحسن قوله: "وينقده كالبيع" قال أحمد: قال
محمد بن إبراهيم: ولا ينقده على صفة ربها،
وإنما ينقده على صفة غيره، أو يرسل المكتري
رسولا يبصرها انتهى. ص: (أو نصفها، أو نصف
عبد) ش: قال في كراء الدور منها: وتجوز إجارة
نصف دابة، أو نصف عبد يكون للمستأجر يوما،
وللذي له النصف الآخر يوما كالبيع، ثم قال:
ولا بأس بكراء نصف دار أو سدسها، أو جزء شائع
قل، أو كثر كالشراء قال أبو الحسن في شرح
الكلام الأول قال اللخمي: فيستعمله المستأجر،
وذكر كلام اللخمي المتقدم ذكره في التنبيه
الأول عند قول المصنف: "قدر على تسليمها". ص:
(إن ملك البقية) ش: يعني إن كان المكتري يملك
منفعة البيت في بقية الشهر إن شاء سكن، وإن
شاء أسكن غيره قال في المدونة: ومن استأجر
بيتا شهرا بعشرة دراهم على أنه إن سكن فيه
يوما واحدا فالكراء له لازم جاز إن كان له أن
يسكن بقية الشهر أو يكريه إذا خرج، وإلا لم
يجز على حال انتهى.
تنبيهان: الأول: زاد ابن عرفة عن المدونة ما
لم يشترط عليه إن خرجت فليس لك أن تكري البيت،
ثم قال: ونقلها اللخمي بزيادة لا خير فيها،
والكراء لازم، والشرط باطل، وإن كان على أنه
إن خرج رجع البيت لربه، ولا يحط من الكراء
شيئا فهو فاسد، وعليه قيمة ما سكن وفسخ متى
أدرك، وفيه نظر؛ لأن ظاهر قولها: "لا خير فيه"
أنه فاسد، وهو مقتضى أصل المذهب في الشرط
المنافي لمقتضى العقد
(7/575)
وعدم بيان
الابتداء وحمل من حين العقد، ومشاهرة، ولم
يلزم لهما، إلا بنقد فقدره: كوجيبة بشهر كذا،
أو هذا الشهر، أو أشهرا، أو إلى كذا وفي سنة
بكذا: تأويلان. وأرض مطر عشرا، إن
__________
الثاني: قال في المدونة: وللكري أن يأخذ كراء
كل يوم يمضي إلا أن يكون بينهما شرط فيحملان
عليه ابن يونس، وإن لم يكن شرط، وكانت سنة
البلد النقد قضى به انتهى. ص:
(7/576)
لم ينقد، وإن
سنة إلا المأمونة: كالنيل، والمعينة، فيجوز
ويجب في مأمونة النيل إذا رويت، وقدر من أرضك،
إن عين، أو تساوت،
__________
(كوجيبة) ش: الوجيبة المدة المعينة. ص: (وأرض
مطر عشرا) ش: مراده سواء كانت مأمونة، أو غير
مأمونة، وكذلك سائر الأرضين وقوله: "عشرا" ذكر
العشر؛ لأنه في المدونة كذلك، وإلا فهو يجوز
كراءها أكثر من عشر قال في المقدمات السنين
الكثيرة والله أعلم. ص: (إن لم ينقد) ش: قال
في المدونة: ولا بأس بكراء أرض المطر عشر سنين
إن لم ينقد، فإن شرط النقد فسد أبو الحسن
قوله: "إن لم ينقد" معناه إن لم يشترط النقد
يدل عليه قوله: "فإن شرط". انتهى. وقد قال
المؤلف في فصل الخيار: المواضع التي يمتنع
النقد فيها مع الشرط وعدمه وعد هذا فيما يمتنع
النقد فيه مع الشرط فقط إلا أن الشيخ بهرام
قال هنالك: ظاهره أن التطوع بالنقد جائز ونص
الفاكهاني في شرح الرسالة على خلافه انتهى.
وفي: المدونة ما يوافق ظاهر كلام المؤلف،
ونصها في أكرية الدور: وإن أكريت من رجل أرضه
قابلا، وفيها زرع له، أو لمكتري عامه جاز، فإن
كانت مأمونة كأرض النيل جاز النقد فيها، وإلا
لم يجز بشرط انتهى. ص: (إلا المأمونة كالنيل،
والمعينة فيجوز) ش: أي الأرض المأمونة من أرض
المطر فيجوز اشتراط النقد فيها كما يجوز ذلك
في أرض النيل المأمونة الري، وفي الأرض
المعينة الماء المأمونة هذا معنى كلامه، وقد
صرح في التوضيح هنا بأنه يجوز اشتراط النقد في
الأرض الغالب ريها على قول ابن القاسم خلافا
لابن الماجشون وكلام البساطي فيه شيء فتأمله
وللرجراجي كلام في
(7/577)
وعلى أن يحرثها
ثلاثا، أو يزبلها، إن عرف وأرض سنين لذي شجر
بها سنين مستقبلة وإن لغيرك،
__________
ذلك فانظره فيه والله أعلم. ص: (وعلى أن
يحرثها ثلاثا، أو يزبلها) ش: ابن عرفة وشرط
منفعة في الأرض كشرط نقد بعض كرائها فيها: من
اكترى أرضا على أن يكريها ثلاث مرات ويزرعها
في الكراب الرابع جاز، وكذا على أن يزبلها
بشيء معروف الصقلي وغيره يريد إن كانت مأمونة؛
لأن زيادة الكراب والتزبيل منفعة تبقى في
الأرض إن لم يتم زرعه، فإن
(7/578)
لا زرع، وشرط
كنس مرحاض، أو مرمة، أو تطيين من كراء وجب، لا
إن لم يجب، أو من عند المكتري، أو حميم أهل ذي
الحمام، أو نورتهم مطلقا، أو لم يعين بناء
وغرس، وبعضه أضر ولا
__________
نزل في غير المأمونة، ولم يتم زرعه نظر كم
يزيد كراؤها لزيادة ما اشترط على معتاد حرثها،
وهو عندنا حرثه على كرائها دون ما اشترطت
زيادته على المعتاد فيرجع بالزائد؛ لأنه كنقد
اشترطه
(7/579)
عرف، وكراء
وكيل: بمحاباة أو عرض، أو أرض، مدة لغرس فإذا
انقضت: فهو لرب الأرض، أو نصفه، والسنة في
المطر بالحصاد وفي السقي بالشهور فإن تمت وله
زرع أخضر فبكراء مثل الزائد وإذا انتثر
للمكتري حب فنبت قابلا فهو لرب الأرض كمن جره
السيل
__________
فيها، ولو تم زرعه كان عليه كراء مثلها بشرط
تلك الزيادة؛ لأنه كراء فاسد قاله التونسي
انتهى. وقوله: "نظر كم يزيد كراؤها إلخ" يريد
في السنة الثانية صرح به أبو الحسن الصغير
وغيره أبو الحسن أجاز هنا بيع الزبل فهو يناقض
ما في البيوع الفاسدة إن كان لمالك، وإن كان
لابن القاسم فهو موافق انتهى. ص: (وفي السقي
بالشهور إلى آخره) ش: قال في
(7/580)
إليه ولزم
الكراء بالتمكن، وإن فسد لجائحة أو غرق بعد
وقت الحرث أو عدمه بذرا، أو سجنه،
__________
الشامل: وفي السقي بتمامها، فإن تمت، والزرع
باق، وكان ربه يظن تمامه فزاد الشهر ونحوه لزم
رب الأرض تركه لتمامه بكراء المثل فيما زاد،
وقيل: نسبة المسمى، ولو بعد الأمد وعلم ربه
ذلك فلربها قلعه، أو تركه بالأكثر من المسمى
وكراء المثل، وليس له شراؤه على الأصح انتهى.
ص: (أو عدمه بذرا أو سجنه) ش: قال في المدونة:
ومن اكترى أرضا، فلم يجد بذرا، أو سجنه سلطان
باقي المدة فالكراء يلزمه، ولا يعذر بهذا ولكن
ليكريها إن لم يقدر هو على أن يزرعها أبو
الحسن الصغير قال اللخمي محمل قوله في البذر
على أن المكتري وحده عجز عنه؛ لأنه قادر على
أن يكريها، ولو كانت شدة، فلم يجد أهل الموضع
بذرا سقط عنه الكراء، وكذلك إذا قصد السلطان
أن يحبسه ليحول بينه وبين زراعتها وكرائها فلا
شيء عليه، وإن لم يقصد ذلك، وإنما طلبه
السلطان بأمر فكان ذلك السبب في امتناع حرثها
كان عليه كراؤها انتهى. ص:
(7/581)
أو انهدمت
شرفات البيت أو سكن أجنبي بعضه لا إن نقص من
قيمة الكراء وإن قل أو انهدم بيت فيها أو سكنه
مكريه أو لم يأت بسلم للأعلى. أو عطش بعض
الأرض أو غرق،
__________
(أو انهدمت شرفات البيت) ش: يريد، ولم ينقص
ذلك من قيمة كرائها قاله في المدونة ص: (لا إن
نقص من قيمة الكراء، وإن قل) ش: يريد إذا قام
بذلك، فإن سكت وسكن، ولم يقم به فلا شيء له
قاله في المدونة: ونقله في التوضيح وابن عرفة
وغيرهما، والظاهر من كلامهم: أن حكم انهدام
البيت منها كذلك لا شيء له إن سكت، وإنما
يخالف حكم بيت غيره في أنه يجوز له السكنى،
ولا يلزمه الخروج، وتحصيل مذهب المدونة في
ذلك: أنه إذا انهدم شيء من الدار قليلا كان،
أو كثيرا لم يجبر ربها على إصلاحه مطلقا كما
قال في التوضيح، ثم ينظر فيه، فإن كان فيه
مضرة على الساكن فله الخيار بين أن يسكن بجميع
الكراء، أو يخرج، فإن خرج، ثم عمرها ربها لم
يلزمه الرجوع إليها، وإن عمرها، وهو فيها لزمه
بقية الكراء، وإن سكن الدار مهدومة لزمه جميع
الكراء، وإن كان لا ضرر على المكتري في السكنى
فالكراء له لازم، وينظر إلى المتهدم، فإن نقص
من قيمة الكراء حط ذلك النقص إذا قام به
المكتري، ولم يصلحه رب الدار، فإن سكت وسكن
فلا شيء له، وإن لم ينقص من قيمة الكراء شيئا
فلا كراء له، والله أعلم. ص: (أو عطش بعض
الأرض، أو غرق فبحصته) ش: قال في معين الحكام:
تنبيه: وصفة الحكم في ذلك أن يشهد أهل المعرفة
بما عهد من حال هذه الأرض في الأعوام
(7/582)
فبحصته، وخير
في مضر، كهطل، فإن بقي. فالكراء، كعطش أرض صلح
وهل مطلقا؟ أو إلا أن يصالحوا على الأرض؟
تأويلان
__________
المتوسطة، فإن قيل للفقير خمسة، أو ثمانية نظر
ما رفع الآن منها وأعطى من الكراء بحساب ذلك
انتهى. ص: (وخير في مضر) ش: انظر اللخمي
والرجراجي والجزولي في شرح الرسالة، والله
أعلم. ص: (أو عطش) ش: قال ابن عرفة اللخمي،
وإن غرقت الأرض بعد الإبان، ثم ذهب عن قرب بعد
ما أفسد الزرع، ثم لم تمطر بقية السنة، وعلم
أنه لو لم تفسد لم يتم الزرع سقط كراؤها،
واختلف إن أذهبه السيل فروى محمد عليه الكراء،
وقال: يريد إن أذهبه بعد
(7/583)
عكس تلف الزرع
لكثرة دودها أو فأرها، أو عطش، أو بقي القليل،
ولم يجبر آجر على إصلاح مطلقا، بخلاف ساكن
أصلح له بقية المدة قبل خروجه، وإن اكتريا
حانوتا، فأراد كل مقدمه قسم إن أمكن وإلا أكري
عليهما، وإن غارت عين مكرى سنين بعد زرعه.
نفقت حصة سنة
__________
الإبان، وأرى إن أذهب السيل وجه الأرض قبل
الإبان، أو بعده أن لا كراء عليه؛ لأن منفعة
الأرض في وجهها، وهو المكترى، وهو المقصود
قلت: قوله: اختلف يدل على قولين، ولا ثاني لما
ذكر إلا اختياره انتهى. ص: (وإن غارت عين مكرى
سنين بعد زرعه أنفقت حصة سنة فقط) ش: ابن
عرفة، وفيها لمن اكترى أرضا ثلاث سنين فزرعها،
ثم غارت عينها أو انهدمت بئرها، وأبى ربها
إصلاحها أن ينفق عليها حصة تلك السنة فقط من
الكراء، وما زاد عليه فهو به متطوع الصقلي عن
محمد إن كان قبضها ربها غرمه، فإن كان عديما
فللمكتري إنفاق قدره، ويتبعه به، وإن كان ذلك
في السنة الثانية فله إنفاق حصتها، ولا ينفق
عليها شيئا من حصة
(7/584)
فقط، وإن تزوج
ذات بيت وإن بكراء. فلا كراء، إلا أن تبين،
والقول للأجير. أنه وصل كتابا،
__________
الأولى، فإن كان ذلك قبل أن يزرعها فقال أشهب:
لا شيء على ربها، وللمكتري أن يفسخ، فإن أنفق
من عنده فلرب الأرض كراؤه كاملا، ولا شيء
للمكتري فيما أنفق إلا في نقص قائم من حجر
ونحوه يعطيه قيمته منقوضا، أو يأمره بقلعه
قلت: يجري الحكم بأن له ذلك، ولو كره رب
الأرض، أو يأمره على ما تقدم في ذهاب الرحى
بسيل، أو قيمة النقض على ما تقدم في بناء
المكتري بإذن رب الدار، أو بغير إذنه انتهى.
ص: (وإن تزوج ذات بيت، ولو بكراء فلا كراء إلا
أن يتبين) ش: قال في كتاب كراء الدور والأرضين
من المدونة: ومن نكح امرأة، وهي في بيت اكترته
سنة فدخل بها فيه، وسكنا باقي المدة فلا كراء
لها عليه، ولا لربها، وهي كدار تملكها هي إلا
أن تبين له أني بالكراء فإما أديت أو خرجت،
قال الشيخ أبو الحسن: قال اللخمي: يريد؛ لأن
العادة أن ذلك على وجه المكارمة، وإن كان يسكن
بها في مسكن لأبيها، أو أمها كان كمسكنها لا
شيء لهما عن مدة ما كانت في العصمة، وأما الأخ
والعم فالأمر فيهما مشكل فيحلف ويستحق إلا أن
تطول المدة والسنون، وهو لا يتكلم، ومثله إذا
سكن عند أبويه، ثم طلبا الكراء فلا شيء لهما،
وذلك لأخيه وعمه إن لم يقم دليل لهما على
المكارمة انتهى. والله أعلم. ص: (والقول
للأجير أنه وصل كتابا) ش: قال في كراء الدواب
من
(7/585)
أو أنه استصنع،
وقال: وديعة، أو خولف في الصفة وفي الأجرة، إن
أشبه وجاز،
__________
المدونة: وإن أجرت رجلا على تبليغ كتاب من مصر
إلى إفريقية بكذا فقال بعد ذلك أوصلته وأكذبته
فالقول قوله: في أمد يبلغ في مثله؛ لأنك
ائتمنته عليه، وعليك دفع كرائه، وكذلك الحمولة
كلها، وقال غيره: على المكري البينة أنه أوفاه
حقه، وبلغه غايته انتهى. وقوله: في المدونة:
"في أمد يبلغ في مثله" يستفاد من قول المؤلف
بعد أن أشبه فإنه عائد إلى الفروع الأربعة
والله أعلم. قال الشيخ أبو الحسن الصغير: جعل
القول قوله، وإن كانت ذمته عامرة بما دفع
فصدقه في أدائها ابن يونس كوكيل البيع يقول:
بعت ويقول الموكل: لم تبع فالقول قول الوكيل
قال أبو إسحاق: ولعل ابن القاسم إنما أراد أن
مثل هذا لا يحتاج إلى إثبات؛ لأنه عرف عندهم
أو لتعذر ذلك فصار كالمشترط أن يصدق في قوله:
أوصلته، وإلا فهو إدخال في ذمة الذي أرسل إليه
وانظر مثل هذا ما قال في كراء الدور في مسألة
الدم، وفي كتاب الوكالات في مسألة اللؤلؤ
وانظر خلافها مسألة الصبرة في البيوع الفاسدة
ومسألة الغرائر في السلم الثاني، وانظر ما هو
أعم من هذا الرسول يقول: دفعت البضاعة من كتاب
الشهادات، وفي تضمين الصناع، وفي كتاب
الوكالات، وفي غير ما موضع من الكتاب وانظر
وكيل البيع في المساقاة، وفي الأيمان بالطلاق،
وانظرها في النكاح في المرأة توكل من يزوجها،
وانظر لو مات الرسول في الطريق فإنه يكون له
من الإجارة بحسب ما سار قال في العتبية فيمن
استأجر رجلا على تبليغ غلام إلى موضع فيأبق في
بعض الطريق: إنه له بحساب ما سار إلا أن يكون
ذلك بمعنى الجعل قال بعض الشيوخ، وكذلك مسألة
الكتاب الشيخ وقول الغير بين لا إشكال فيه؛
لأنه جار على الأصل انتهى. ص: (وفي الأجرة إن
أشبه وجاز) ش: تصوره من كلام الشارح وابن غازي
واضح، فإن اختلف الصانع والمصنوع له فطلب
أحدهما نقد يوم التعاقد، والآخر يوم الفراغ
فقال في النوادر في كتاب تضمين الصناع: إنه
يقضي بنقد يوم
(7/586)
لا كبناء، ولا
في رده، فلربه. وإن بلا بينة. وإن ادعاه،
وقال: سرق مني، وأراد أخذه، دفع قيمة الصبغ
بيمين، إن زادت دعوى الصانع عليها، وإن اختار
تضمنه، فإن دفع الصانع قيمته أبيض: فلا يمين،
وإلا: حلفا، واشتركا،
__________
التعاقد. ونصه في آخر ترجمة تفليس الصناع.
وإذا طلب الصانع بعد فراغ المتاع نقد يومئذ لم
يكن له إلا النقد الذي كان جاريا يوم دفع
إليه، وكذلك المكري له نقد البلد الذي حمله
منه لا نقد البلد الذي حمله إليه، وإن لم يجر
عنه ببلد حمل إليه انتهى. ص: (ولا في رده
فلربه) ش: قال في كتاب الإجارة من المدونة:
وإذا أقر الصانع بقبض متاع، وقال: عملته
ورددته ضمن إلا أن يقيم بينة على الرد أبو
الحسن زاد في تضمين الصناع قبضه ببينة أو بغير
بينة ابن يونس، فإن لم تقم بينة على الرد حلف
ربه وأخذ قيمته بغير صنعة انتهى. ثم قال في
المدونة: وإن ادعي على أحدهم فأنكر لم يأخذ
إلا ببينة أن المتاع قد دفع إليه، وإلا حلف
انتهى. ونقله ابن يونس
فرع: قال ابن عرفة في آخر الإجارة: وإن اختلف
الأجير، ومن آجره في مرضه، أو عطلته في مدة
الإجارة ففي قبول قول من آجره إن آواه إليه
ليله، أو نهاره، وإلا فالأجير وعكسه ثالثها
الأول: في العبد، وفي الحر قول الأجير مطلقا
ورابعها القول قوله: مطلقا وخامسها عكسه لابن
عات عن ابن مغيث عن ابن القاسم وأصبغ وفتوى
الشيوخ، وعن اللخمي مع محمد مع أشهب وعن ابن
حبيب مع ابن الماجشون وعن التونسي عن أصل ابن
القاسم وغيره انتهى. ص: (وإن ادعاه، وقال: سرق
مني إلى قوله حلفا واشتركا) ش: مشى رحمه الله
على ما قيد به صاحب النكت والتونسي واللخمي
قول ابن القاسم فجعل رب الثوب تارة يريد أخذه،
(7/587)
لا إن تخالفا
في لت السويق وأبى من دفع ما قال، اللات:
فبمثل سويقه،
__________
وتارة يريد تضمين الصناع قيمته فقال: إن أراد
أخذه دفع قيمة الصبغ، ثم ينظر، فإن زادت دعوى
الصانع على قيمة الصبغ حلف رب الثوب ليسقط عنه
الزائد على قيمة الصبغ من التسمية التي ادعى
الصانع، وهذا معنى قول المؤلف: "بيمين" إلى
آخره، وقوله: "بيمين" متعلق بمحذوف أي أخذه
بيمين، ومفهوم الشرط، وهو قوله: "إن زادت دعوى
الصانع عليها" أنها لو كانت دعواه مساوية لها،
أو أقل أخذه بغير يمين، وهو كذلك، وأما إن
اختار رب الثوب تضمين الصانع فإنه يقال
للصانع: ادفع له قيمة الثوب أبيض، فإن فعل فلا
يمين على واحد منهما، وإن امتنع حلفا واشتركا،
وكيفية حلفهما أن يبدأ برب الثوب فيقال: احلف
له أنك لم تستعمله، فإذا حلف قيل للصانع: احلف
أنه استعملك، وإلا ادفع قيمة الثوب أبيض، فإن
حلف قيل لربه: ادفع قيمة عمله وخذه، فإن أبى
قيل للصانع: ادفع إليه قيمة ثوبه غير معمول،
فإن أبى كانا شريكين هذا بقيمة ثوبه غير
معمول، وهذا بقيمة عمله قال في المدونة: لأن
كل واحد منهما مدع على صاحبه، قال جميع ذلك في
التوضيح.
تنبيه: قال في المدونة قال ابن القاسم: وكذلك
إن ادعى أن الصانع سرقه منه إلا أنه إن كان
الصانع ممن لا يشار إليه بذلك عوقب رب الثوب،
وإلا لم يعاقب انتهى. ص: (لا إن تخالفا في لت
السويق، وأبى من دفع ما قاله يكره فمثل سويقه)
ش: قال أبو الحسن الصغير
(7/588)
وله وللجمال
بيمين: في عدم قبض الأجرة وإن بلغا الغاية،
إلا لطول: فلمكتريه بيمين،
__________
عن عياض: لت السويق بالتاء باثنتين من فوق هو
بله بالسمن ونحوه انتهى. ويشير المؤلف إلى
قوله في كتاب الإجارة من المدونة: ومن لت
سويقا بسمن، وقال لربه أمرتني أن ألته لك
بعشرة دراهم، وقال له: لم آمرك أن تلته قيل
لصاحب السويق: إن شئت فاغرم له ما قال، وخذ
السويق ملتوتا، فإن أبى قيل للات: اغرم له مثل
سويقة غير ملتوت، وإلا فأسلمه إليه بلتاته،
ولا شيء لك، ولا يكونان شريكين في الطعام
لوجود مثله، وقال غيره إذا امتنع رب السويق أن
يعطيه ما لته به قضي له على اللات بمثل سويقه
غير ملتوت انتهى. أبو الحسن مسألة السويق هذه
دائرة بين أن يقول ربه أودعتك إياه، أو يقول:
سرق مني فقوله في الكتاب: "وقال ربه: لم آمرك
بلته" أعم من ذلك، وكذا لفظه في الأمهات،
ونقلها عبد الحق بلفظ: وقال ربه: ما دفعت إليك
شيئا عبد الحق فهذا مثل قوله في الثوب: سرق
مني، ثم ذكر قول ابن القاسم وقول الغير، وهل
هو وفاق، أو خلاف؟ والظاهر: أن المؤلف حمله
على الخلاف، وترك قول ابن القاسم لترجيح غيره
عنده انظر أبا الحسن وابن يونس والنكت والله
أعلم. ص: (وله وللجمال بيمين إلى قوله
فلمكتريه بيمين) ش: قال في كتاب كراء الرواحل
قال ابن القاسم، وإن قال المكتري: دفعت
الكراء، وأكذبه الجمال، وقد بلغ الغاية فالقول
قول الجمال إن كانت الحمولة بيده، أو بعد أن
سلمها بيوم أو يومين، وما قرب، وعلى المكتري
البينة، وكذلك الحاج إن قام الكري بعد بلوغهم
ما لم يبعد صدق مع يمينه، فإن تطاول ذلك
فالمكتري مصدق مع يمينه إلا أن يقيم الجمال
بينة، وكذلك قيام الصناع بحدثان رد المتاع،
فإن قبض المتاع ربه وتطاول ذلك فالقول قول رب
المتاع، وعليه اليمين انتهى. فقول المؤلف:
"وله" أي للأجير يشير إلى قوله في المدونة:
وكذلك قيام الصناع إلى آخره وقول المؤلف: "إلا
لطول فلمكتريه" استثناء من مسألة الأجير
والجمال، وإطلاق المكتري على المستأجر، وعلى
المكري سائغ والله أعلم. قال أبو الحسن: قوله:
"فإن تطاول ذلك فالمكتري مصدق مع يمينه إلا أن
يقيم الجمال البينة" ظاهره: أن الجمال يقيم
البينة أن المكتري لم يقبضه، وليس الأمر كذلك
ابن يونس يريد على إقرار المكتري أنه لم يدفع
إليه شيئا فيقضى بها انتهى. ويحتمل أن يكون
الضمير في قوله: "له" راجعا لرب الأرض والدار
المفهومة من السياق؛ لأنه في فصل أكرية الدور
والأرضين والحكم في المسألة كذلك قاله في رسم
يوصي من سماع عيسى من كتاب أكرية الدور
والأرضين، وهي مسألة طويلة فراجعها.
(7/589)
وإن قال: بمائة
لبرقة، وقال: بل لإفريقية: حلف. وفسخ ،إن عدم
السير، أو قل: وإن نقد، وإلا فكفوت المبيع
وللمكري في المسافة فقط، إن أشبه قوله فقط، أو
أشبها، وانتقد. وإن لم ينتقد: حلف المكتري،
ولزم الجمال ما قال، إلا أن يحلف على ادعى.
فله حصة المسافة على دعوى المكتري، وفسخ
الباقي، وإن لم يشبها: حلفا، وفسخ بكراء المثل
فيما مشى،
__________
ص: (وإن قال: بمائة لبرقة، وقال بل لإفريقية
حلفا وفسخ إن علم السير) ش: قال في الكبير عن
ابن المواز: ويبدأ صاحب الظهر باليمين انتهى.
قال ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب
(7/590)
وإن قال:
أكريتك للمدينة بمائة وبلغاها، وقال بل لمكة
بأقل، فإن نقده فالقول للجمال فيما يشبه وحلفا
وفسخ، وإن لم ينتقد. فللجمال في المسافة،
وللمكتري في حصتها مما ذكر بعد يمينها وإن
أشبه قول المكري فقط. فالقول له بيمين، وإن
أقاما بينة. قضي بأعدلهما، وإلا
__________
السلم: سمعت شيخنا ينقل عن التونسي أن المراد
بإفريقية حيث ما وقعت في المدونة القيروان. ص:
(وإن قال: أكريتك للمدينة بمائة وبلغاها، وقال
بل لمكة بأقل، فإن نقده فالقول للجمال فيما
يشبه وحلفا وفسخ، وإن لم ينقد فللجمال في
المسافة، وللمكري في حصتها مما ذكر بعد
يمينهما، وإن أقاما بينتين قضي بأعدلهما) ش:
اعلم أن اختلافهما في المسألة الأولى إنما كان
في المسافة فقط، والخلاف بينهما في هذه
المسألة في المسافة، وفي قدر الكراء معا، وقد
اختصر المصنف الكلام فيها تبعا للمدونة، فلم
يذكر حكم ما إذا كان اختلافهما قبل الركوب، أو
بعد الركوب بيسير، أو بعد ركوب كثير اعتمادا
على ما تقدم في المسألة التي قبلها فإن الحكم
فيها إذا تخالفا قبل الركوب، أو بعد الركوب
اليسير التحالف والتفاسح كما تقدم، وأما بعد
الركوب الكثير فالحكم في ذلك حكم ما إذا بلغا
المدينة كما سيأتي في كلام الرجراجي والله
أعلم. وقوله: فإن نقده فالقول للجمال فيما
يشبه، وحلفا فسخ يعني أنه إذا كان اختلافهما
بعد أن بلغا المدينة يريد، أو بعد السير
الكثير فلا يخلو إما أن يكون اختلافهما قبل
النقد، أو بعده، فإن كان بعد أن انتقد الجمال
الكراء فالقول قول الجمال فيما يشبه، ويشير
بذلك لقوله في كتاب كراء الرواحل من المدونة،
ونصه: قال ابن القاسم: ولو قال الكري: أكريتك
إلى المدينة بمائتين، وقد بلغاها، وقال
المكتري بل إلى مكة بمائة، فإن نقده المائة
فالقول قول الجمال فيما يشبه؛ لأنه ائتمنه،
ويحلف له المكتري في المائة الثانية، ويحلف
الجمال أنه لم يكره إلى مكة بمائة
(7/591)
__________
ويتفاسخان. وقال الرجراجي: فإن أشبه قولهما،
أو قول الجمال فالقول قوله: فيما انتقد مع
يمينه كان ما انتقد كل الذي ادعي، أو بعضه
ويحلف له المكتري فيما لم ينقده، وهذا الذي
قاله الرجراجي خلاف ما قاله أبو الحسن الصغير،
وهو ظاهر كلام ابن يونس فإنه نقل عن ابن يونس
أنه قال في كلام المدونة: هذا إذا أشبه ما
قالاه جميعا، وأما إن أشبه قول المكتري خاصة
فإنه يحلف على دعوى المكتري، ويكون له المائة
قاله فيما يأتي إذا لم ينقد فأحرى إذا انتقد
انتهى. وهو ظاهر، ويمكن أن يقال: إن قول
المصنف بعد هذا: وإن أشبه قول المكري فقط
عائدا إلى المسألتين جميعا أعني مسألة
الانتقاد وعدم الانتقاد، ولم يتكلم المصنف على
ما إذا أشبه قول المكتري فقط، وقال الرجراجي:
القول قوله مع يمينه، وتفض المائة على
المسافتين، فما ناب المسافة المتفق عليها كان
للكري، وما ناب المسافة المختلف فيها رده
الكري على المكتري يريد بعد حلف الجمال على أن
الكراء إنما كان للمدينة والله أعلم. ثم قال:
فإن نكل المكتري عن اليمين كان القول قول
المكري، ويأخذ ما ادعاه؛ لأن المكتري مكنه
بنكوله، وإن لم يشبه قول واحد منهما فإنهما
يتحالفان ويتفاسخان، ويكون للكري في المسافة
المتفق عليها كراء المثل وقوله: "إن لم ينقد"
هذا هو الشق الثاني من شقي المسألة، وهو ما
إذا كان اختلافهما بعد أن بلغا المدينة يريد،
أو بعد السير الكثير ولكن لم ينتقد الكراء
فقال المصنف: القول للجمال في المسافة،
وللمكتري في حصتها مما ذكرا بعد يمينهما، وهذا
الحكم إذا أشبه قول المكتري وحده، أو أشبه
قولهما معا يبين ذلك قوله: "وإن أشبه قول
المكري فقط فالقول له بيمين". قال في المدونة
إثر كلامه السابق: وإن لم ينقده صدق الجمال في
المسافة وصدق المكتري في حصتها من الكراء الذي
يذكر بعد أيمانهما، ويفض الكراء على ما يدعي
المكتري، وقال هو وغيره: وذلك إذا أشبه ما
قالا، أو ما قال المكتري، وأما إن أشبه قول
المكري خاصة فالقول قوله: ويحلف على دعوى
المكتري انتهى. وقال الرجراجي: فإن أشبه قول
كل منهما، أو انفرد المكتري بالشبه فالقول
قوله: مع يمينه ويفض ما أقر به من الكراء على
المسافتين فما ناب مسافة المدينة كان للكري،
وما ناب مسافة مكة سقط عن المكتري، ويكون له
الركوب إلى المدينة إن اختلفا قبل بلوغها، وإن
أشبه قول المكري فقط فالقول قوله مع يمينه،
ويكون له جميع ما ادعاه، وبقي وجه لم يتكلم
عليه المصنف، وهو ما إذا لم يشبه قول واحد
منهما والحكم في ذلك كما قال الرجراجي أن
يتحالفا، ويكون للكري كراء المثل في المسافة
المتفق عليها بالغا ما بلغ، ومن نكل منهما قبل
عليه قول صاحبه والله أعلم.
فرع: وإذا اختلفا فيمن يبدأ بالثمن فإنهما
يقترعان نقله أبو الحسن الصغير وقوله: وإن
أقاما بينتين قضي بأعدلهما، وإلا سقطتا إنما
نبه على هذه المسألة، وإن كان الحكم في تعارض
البينتين كذلك لينبه على غير قول ابن القاسم
في المدونة فإنه قال: أقبل بينة كل منهما إذا
(7/592)
سقطتا. وإن
قال: اكتريت عشرا بخمسين، وقال: خمسا بمائة.
حلفا، وفسخ، وإن زرع بعضا ولم ينقد فلربها ما
أقر به المكتري إن أشبه وحلف وإلا فقول ربها
إن أشبه
__________
كانت عادلة؛ لأن كل واحد منهما ادعى فضلة أقام
عليها بينة فأقضي بأبعد المسافتين، وبأكثر
الثمنين، وليس هذا من التهاتر، وسواء انتقد،
أو لم ينتقد والله أعلم.
مسألة: قال في كراء الرواحل: وإن طلب الجمال
نقد الكراء قبل الركوب، أو بعد السير القريب
فامتنع المكتري حملا على سنة الناس في نقد
الكراء، أو تأخيره، وإن لم يكن لهم سنة كان
كالسكنى لا يعطيه إلا بمقدار ما سكن، وإن عجل
الكراء من غير شرط فلا رجوع له فيه، فإن أراد
أحدهما نقد البلد الذي بلغا إليه وطلب الآخر
نقد بلد التعاقد قضي بنقد البلد الذي عقدا فيه
الكراء انتهى. انظر المشذالي في هذا المحل
فإنه ذكر اختلافهما في كراء الدور وانظر أبا
الحسن.
فائدة: قال أبو الحسن يقال: الكري والمكاري
والمكري لبائع المنافع، ويقال المكتري
والمتكاري لمشتريها حيث دخلت التاء فهو مشتري
المنافع، وجمع المكري مكرون، وجمع الكري
أكرياء، وجمع المكتري مكترون انتهى. ص: (وإن
قال: اكتريت عشرا بخمسين، وقال بل خمسا بمائة
حلفا وفسخ) ش: يريد إذا كان ذلك بحضرة الكراء،
ولم يزرع شيئا يبينه مقابلته له بقوله: "وإن
زرع" إلى آخره، وهو كقوله في المدونة، فإن كان
بحضرة الكراء تحالفا وتفاسخا أبو الحسن، ولا
يراعى الأشبه وظاهره انتقد أم لا، وهذا مذهب
ابن القاسم؛ لأنه لم يجعل النقد فوتا انتهى.
ص: (إن أشبه وحلف) ش: أي إن أشبه قوله: ويحلف،
وهو كقوله في المدونة فلربها فيما مضى ما أقر
به المكتري إن أشبه تغابن الناس أبو الحسن
ظاهره، وإن أشبه مع ذلك قول الآخر فهذان وجهان
انتهى. الأول: إذا أشبه قول المكتري فقط
الثاني: إذا أشبها قال ابن يونس قوله: "فلربها
ما أقر به المكتري؛ لأنه غارم، وهو خمسة في كل
سنة" انتهى. ص: (وإلا فقول ربها إن أشبه) ش:
يريد مع يمينه قال في المدونة: وإن لم يشبه أي
قول المكتري قبل قول ربها مع يمينه أبو الحسن
قوله: "وإن لم
(7/593)
فإن لم يشبها
حلفا. ووجب كراء المثل فيما مضى، وفسخ الباقي
مطلقا وإن نقد فتردد.
__________
يشبه" يريد، أو نكل فالقول قول ربها، وهذا،
وهذا وجه ثالث انتهى والرابع: إذا أتيا معا
بما لا يشبه، والله أعلم. ص: (وفسخ الباقي
مطلقا) ش: هو كقوله في المدونة: ويفسخ باقي
المدة على كل حال أبو الحسن يعني في الوجوه
الأربعة. ص: (وإن نقد فتردد) ش: أجمل - رحمه
الله في ذكر هذا التردد، ولم يبين ذلك شراحه،
وإنما يتبين ذلك بذكر كلام المدونة وشراحها
قال فيها في كراء الدور بعد أن ذكر الأوجه
الأربعة المتقدمة، وهذا إذا لم ينقد قال أبو
الحسن: مفهومه لو نقد لكان القول قول ربها،
ولا يفسخ بقية الخمس سنين، فيكون كقول الغير
ومخالفا لقوله: ويفسخ باقي المدة على كل حال
فقيل معنى قوله: "وهذا إذا لم ينقد" أي هذا
الذي سمعت من مالك، ولم أسمع منه إذا انتقد،
والحكم عنده سواء فيهما لكن يعترض هذا بقوله:
ومن قول مالك: إن رب الأرض والدابة والدار
مصدق في الغاية فيما يشبه، وإن لم ينتقد إذ
هذا الكلام يظهر منه أنه مصدق إذا انتقد إذ هو
من باب أولى، وهذا يعطي سماعه للوجهين، وقيل:
إنه يعود على أول المسألة، وهذا إذا زرع سنة،
أو سنتين إلا أن فيه تكرارا انتهى. ونص قول
الغير فيها قال غيره: إذا انتقد فالقول قول
ربها مع يمينه فيما يشبه من المدة، فإن لم يأت
بما يشبه وأتى المكتري بما يشبه صدق فيما سكن
على ما أقر به، ويرجع ببقية المال على ربها
بعد يمينه على ما ادعى عليه ويمين المكري فيما
ادعى عليه من طول المدة، وإن لم يشبه واحد
منهما تحالفا، وفسخ الكراء، وعلى المكتري قيمة
كراء ما سكن، وإن أتيا بما يشبه صدق رب الأرض؛
لأنه انتقد مع يمينه انتهى. فجعله إذا أتى رب
الأرض بما يشبه لا ينفسخ، وكذا إذا أتيا معا
بما يشبه، فيكون في هذين الوجهين مخالفا لما
تقدم فيما إذا لم ينتقد فمن الشيوخ من حمل قول
ابن القاسم: "وهذا إذا لم ينتقد" على معنى أنه
إن انتقد فلا يفسخ يريد في هذين الوجهين،
ويكون قول ابن القاسم موافقا لقول الغير،
ومنهم من يرى أن مذهب ابن القاسم أنه يفسخ
مطلقا، ويكون قول الغير خلافا، وهو تأويل ابن
يونس فإنه قال هذا الذي ذكر الغير غير موافق
لقول ابن القاسم إلا قوله: "إذا أشبه قول
ربها، أو أشبه ما قالا أن المكتري يلزمه أن
يسكن على ما أقر به المكتري" فهذا يخالف فيه
ابن القاسم ويرى أنهما يتحالفان ويتفاسخان في
بقية المدة؛ لأنها كسلعة قائمة لم تقبض، والله
أعلم.
(7/594)
باب الجعالة
صحة الجعل بالتزام أهل الإجارة جعلا علم،
__________
باب
ص: (صحة الجعل بالتزام أهل الإجارة جعلا علم)
ش: قال ابن عرفة: الجعل على عقد معاوضة على
عمل آدمي بعوض غير ناشئ عن محله به لا يجب إلا
بتمامه لا بعضه ببعض، فيخرج كراء السفن،
والمساقاة، والقراض وقولنا: "به" خوف نقض عكسه
بقوله: إن أتيتني بعبدي الآبق فلك عمله كذا،
أو خدمته شهرا؛ لأنه جعل فاسد لجهل عوضه
والمعروف حقيقته المعروضة للصحة والفساد، أو
جزاء منه معاوضة على عمل آدمي يجب عوضه بتمامه
لا بعضه ببعض فتخرج المساقاة والإجارات
لاستحقاق بعضه ببعضه فيهما، والقراض لعدم وجوب
عوضه لجواز تجره، ولا ربح. وقول ابن رشد: "هو
جعل الرجل جعلا على عمل رجل لو لم يكمله لم
يكن له شيء" ينتقض بالقراض انتهى. والضمير في
قوله: "به" يعود للعمل أي بعوض غير ناشئ عن
محل العمل بسبب ذلك العمل فتخرج المغارسة
والقراض؛ لأنه بعوض ناشئ عن محل العمل لكن ليس
ذلك العوض ناشئا بسبب العمل فتأمله، وقال في
التوضيح: الأصل في الجعالة قوله تعالى:
{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف:
72] وحديث الرقية انتهى. قال: ابن عرفة بعد
ذكر الحديث قلت تمسك به غير واحد من أشياخ
المذهب في جواز الجعل، وفيه نظر لجواز كون
إقراره صلى الله عليه وسلم على ذلك لاستحقاقهم
إياه بالضيافة فأجاز لهم استخلاص ذلك بالرقية
رخصة اتفاقا انتهى. وقد بحث ابن ناجي مع ابن
عرفة في رد الاستدلال المذكور،
(7/595)
يستحقه السامع
بالتمام ككراء السفن
__________
والصواب مع ابن ناجي فتأمله والله أعلم. ص:
(ككراء السفن) ش: تصوره واضح.
فرع: قال في أوائل رسم من سماع ابن القاسم من
كتاب الرواحل: قال مالك في النفر يتكارون
السفينة فيحملون فيها طعاما لهم، فإذا بلغوا،
قال أول من يمر: بمنزله منهم أنا آخذ طعامي
فأخذ طعامه، ثم إن السفينة غرقت قال: ليس عليه
تبعة لأصحابه أذنوا في ذلك أم لم يأذنوا، وليس
عليه أن يبلغ معهم بطعامه، ثم يرجع إلا أن
يكتالوا فينقص الكيل، فيكون عليه بقدر طعامه
ابن رشد المعنى في هذه المسألة أنهم اكتروا
السفينة على أن يحمل فيها الطعام إلى منازلهم
فوجب كلما مر أحد منهم بمنزله أن يأخذ طعامه؛
لأنه على ذلك حمله، فإن نقص الطعام بعد ذلك
كان عليه من النقصان بحسب طعامه يرجع به عليه؛
لأنه حمله معهم على سبيل الشركة، وكذا لو وجد
أسفل القمح قد اسود لموج ركبه إلا أن يعلم أن
فساده إنما كان بعد أخذ طعامه فلا يكون عليه
في ذلك تبعة كما لو غرق المركب بعد أخذه طعامه
فذهب بما فيه، وأما لو حملوا الطعام في سفينة
إلى بلد واحد لتجارة، أو لغير تجارة فخلطوه،
أو اختلط، لم يكن لأحد منهم أن يأخذ طعامه
بالطريق إلا أن يرضى أصحابه مخافة أن يكون
أسفل طعامه فاسدا، أو يفسد بعد ذلك، أو ينقص
في الكيل، فإن أخذ طعامه من الطريق برضا
أصحابه لم يكن لهم عليه تباعة إن ألفوه فاسدا،
أو نقص كيله على ما قاله في رسم الأقضية
(7/596)
إلا أن يستأجر
على التمام فبنسبة الثاني. وإن استحق ولو
بحرية،
__________
الثاني عن أشهب من كتاب الشركة، وما يأتي له
بعد هذا في رسم حلف، وفي رسم أخذ يشرب خمرا،
ومن الناس من ذهب إلى أن رواية أشهب معارضة
لهذه الرواية والصحيح أن لا تعارض بينهما، ولا
اختلاف على ما بيناه انتهى. وقال في رسم حلف
من سماع ابن القاسم من الكتاب المذكور وسئل عن
رجل حمل طعاما من الريف في سفينة فمر بأخ له
في قرية أخرى فقال: أفي سفينتك فضل تحمل لي
مائة إردب؟ قال: نعم، وقد كان الأول حمل فيها
خمسمائة إردب فألقى طعامه من فوق طعام صاحبه
فانخرق المركب فدخل الماء في أسفله فأصاب منه
نحو خمسين إردبا، وهو يعلم أنه لم يصل إلى
طعام الرجل الذي كان حمله فوق طعامه الأول
قال: أراهما في ذلك شريكين قلت: إنه لم يصل
إلى الأول، قال: قد حملاه على وجه الشركة وخلط
ابن رشد مضي القول في معنى هذه المسألة، وقال
في رسم أخذ يشرب خمرا من السماع المذكور قال
مالك في الطعام الذي في السفينة الذي فسد
بعضه، ولم يفسد بعضه إن كان كل واحد طعامه
محجوز على حدته قد حازه بشيء جعله حاجزا فيما
بين القمح فأرى أن من سلم منهم فله ما سلم ومن
أصيب منه بما أصابه، أو اسود لموج ركبه
فمصيبته من صاحبه، وإن كانت تلك التي حجزوها
قد انخرق بعضها إلى بعض حتى اختلط
(7/597)
__________
الطعام كانوا شركاء جميعا فيما فسد لهم وضاع
يأخذ كل واحد منهم بحصة طعامه ابن رشد قوله:
"إن الطعام إذا انخرق ما حجز به بين طعام كل
واحد فاختلط أنه يحكم بينهم فيما فسد منه بحكم
الشركة" فهو صحيح؛ إذ لا فرق بين أن يحملوه
على الشركة أو يختلط بغير اختيارهم فيما يجب
من أن يكونوا شركاء فيه بحسب ما لكل واحد منهم
انتهى. وفي رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب
من الشركة، وسئل عن القوم يحملون الطعام من
القمح في السفينة الواحدة يختلط بعضه ببعض، ثم
يريد بعضهم البيع بالطريق، فقال: لا أرى له
ذلك إلا أن يرضى أصحابه أن يعطوه لأني أخاف أن
يكون أسفل الطعام فاسدا، أو يمطروا بعد ذلك
فيفسد القمح فلا أرى لواحد منهم أن يأخذ حتى
يبلغوا جدة فيقتسمونه الفاسد والجيد إلا أن
يرضى أصحابه أن يسلموا له حقه فأرى ذلك، ولا
أرى له عليهم تباعة إذا نزلوا فوجدوا القمح
فاسدا.
قلت: المعنى في هذه المسألة أنهم حملوا الطعام
في السفينة على أن يمروا لبلد واحد لتجارة، أو
لغير تجارة فلذلك لم ير لواحد منهم أن يأخذ
طعامه إذا كان قد اختلط بمنزلة أن لو كانوا
خلطوه، وحملوه على الشركة؛ لأن اختلاطه يوجب
اشتراكهم فيه، وذلك بخلاف ما لو حملوه على أن
يمروا به على منازلهم كان من حق من يمر منهم
بمنزله أولا أن يأخذ طعامه فيه، ولا يكون
لأصحابه عليه تبعة إلا أن ينقص الطعام، أو
يكون قد أصابته آفة على ما قاله في أول رسم من
سماع ابن القاسم من كراء الرواحل حسبما بيناه
في ذلك، فليس هذا بمخالف لها، ومن الناس من
حملها على الخلاف، وليس ذلك عندي بصحيح، والله
أعلم. انتهى. وتقدم في باب القسمة عند قول
المصنف: "لا شهادته" عن البرزلي أن السفن إذا
اختلط فيها الطعام المشحون أنه يقبل كل واحد
فيما ذكر بعد يمينه إذا ادعى ما يشبه، وقال في
رسم حلف أن لا يبيع سلعة من سماع ابن القاسم
من كتاب البضائع والوكالات: وسئل عن الرجل
يبعث معه قوم ببضائع لهم في قمح فيجمع ذهبهم
فيشتري لهم دفعة واحدة، ثم يصاب ذلك الطعام
قال: لا يشبه هذا الذي ذكرت من الدقيق، وليس
بهذا بأس، ولا ضمان عليه.
قلت: هذا كما قال، ومثله لابن القاسم من كتاب
ابن المواز قال، وكذلك كل ما ينقسم بكيل، أو
وزن يشتريه لهم مشاعا، ثم يقسمه، وأما ما لا
يقسم إلا بالقيمة فهذا يضمن قال محمد: بخلاف
العامل في القراض يخلط أموال المقارضين فيما
يقسم بالقيمة؛ لأنه إليه البيع،
(7/598)
بخلاف موته بلا
تقدير زمن إلا بشرط ترك متى شاء ولا نقد
__________
وليس ذلك للأول. انتهى. ص: (بخلاف موته) ش:
فرع: ولو أعتقه سيده فقال في النوادر في كتاب
الجعل والإجارة قال عبد الملك: ومن جعل في آبق
جعلا، ثم أعتقه فلا شيء لمن وجده بعد ذلك، وإن
لم يعلم بالعتق، ولو أعتقه بعد أن وجده كان له
جعله، فإن كان عديما فذلك في رقبة العبد؛ لأنه
بالقبض وجب له الجعل قال أحمد: إن كان العتق
بعد القدوم فكما قال، وإن أعتقه بعد علمه أنه
وجده لزمه جعله، وإن لم يجد عنده لم يصح عتق
العبد حتى يقبض هذا جعله مبدأ على الغرماء
أحمد كالمرتهن انتهى. ص: (في كل ما جاز فيه
الإجارة) ش: قال في الذخيرة الركن الثالث:
العمل، وفي الجواهر هو كل عمل يجوز الاستئجار
عليه لكن لا يشترط كونه معلوما تحصيلا لمصلحة
العقد احترازا ممن وجد آبقا، أو ضالا بغير عمل
فلا جعل له، وممن عرف مكانه فدل عليه؛ لأن ذلك
واجب عليه انتهى. وقال قبله في مسألة طلب
الآبق: فإن طلب من يعلم موضعه فلا شيء له؛ لأن
ذلك واجب عليه انتهى. قال في الكتاب في شروط
المعقود عليه: الأول: أن يكون مما لا يلزم
المجعول له عمله، فإن كان مما يلزمه لم يجز له
أخذ الجعل عليه مثل أن يجد آبقا من غير عمل؛
لأن رده واجب عليه انتهى. وقال ابن سلمون: ومن
رد آبقا، أو ضالة من غير عمل فلا جعل له على
رده، ولا على دلالته لوجوب ذلك عليه انتهى.
وقال في النوادر في كتاب الجعل والإجارة:
وإنما يجوز الجعل على طلب عبد يجهل مكانه فأما
من وجد آبقا أو ضالا، أو ثيابا فلا يجوز له
أخذ الجعل على رده، ولا على أن يدله على مكانه
بل ذلك واجب عليه، فأما من وجد ذلك بعد أن جعل
ربه فيه جعلا فله الجعل علم بما جعل فيه، أو
لم يعلم تكلف طلب هذه الأشياء أم لم يتكلف،
وإن وجده قبل أن يجعل ربه فيه شيئا فانظر، فإن
كان ممن يطلب الإباق، وقد عرف بذلك فله جعل
مثله، وإن لم يكن ممن نصب لذلك نفسه فليس له
إلا نفقته، وكذلك لو جاء به بدأ، ولم يبذل ربه
فيه جعلا، وكذلك قال ابن الماجشون وأصبغ: وكله
قول مالك، وقال ابن الماجشون في كتابه: إذا
كان ليس من شأنه طلب الإباق فلا جعل له، ولا
نفقة قولا مجملا انتهى.
(7/599)
مشترط في كل ما
جاز فيه بلا عكس ولو في الكثير إلا كبيع سلع
كثيرة لا يأخذ شيئا إلا بالجميع وفي شرط
المنفعة الجاعل قولان ولمن لم يسمع جعل مثله
إن اعتاده كحلفهما بعد تخالفهما. ولربه تركه
وإلا فالنفقة وإن أفلت فجاء به آخر فلكل
نسبته.
__________
مسألة: إذا كان الآبق في موضع بعيد ونفقته
تستغرق الجعل الذي جعل عليه فليرفع
(7/600)
وإن جاء به ذو
درهم وذو أقل اشتركا فيه ولكليهما الفسخ.
ولزمت الجاعل بالشروع وفي الفاسد جعل المثل
إلا بجعل مطلقا فأجرته.
__________
المجعول له الأمر للقاضي ليبيعه، ويحكم بجعله،
فإن جاء به فليس له غير الجعل الذي جعل له
انتهى من أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب
الجعل والإجارة.
(7/601)
باب إحياء الموات
موات الأرض. ما سلم من الاختصاص
__________
باب
ص: (موات الأرض ما سلم عن الاختصاص بعمارة ولو
اندرست) ش: هذا باب
(7/601)
بعمارة، ولو إن
درست. إلا لإحياء. وبحريمها. كمحتطب. ومرعى.
يلحق غدوا، ورواحا لبلد.
__________
إحياء الموات والموات بفتح الميم ويقال موتان
بفتح الميم والواو الأرض التي ليس لها مالك
ولا بها ماء ولا عمارة ولا ينتفع بها إلا أن
يجري إليها ماء أو تستنبط فيها عين أو يحفر
فيها بئر ويقال لها ميتة والموات بضم الميم
ويقال الموتان بضم الميم أيضا الموت الذريع
وبدأ المؤلف رحمه الله بتعريف الموات إما لأنه
السابق في الوجود فلتقدمه طبعا قدمه وضعا وإما
لأن حقيقة الموات متحدة والإحياء يكون بأمور
كل منها مضاد للموات فاحتاج إلى ذكره أولا
ليذكر أضداده والتعريف المذكور تبع المصنف فيه
ابن الحاجب وهو تبع ابن شاس وهو تبع الغزالي
وهو قريب مما قال أهل اللغة في معناه وقال ابن
عرفة إحياء الموات لقب لتعمير داثر الأرض بما
يقتضي عدم انصراف المعمر عن انتفاعه بها وموات
الأرض قال ابن رشد في رسم الدور من سماع يحيى
بن القاسم من كتاب السداد والأنهار روى ابن
غانم موات الأرض هي التي لا نبات بها لقوله
تعالى: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا} [النحل: 65] فلا يصح الإحياء إلا
في البوار ثم قال بعد ذكره كلام ابن الحاجب
فتبع مع ابن شاس الغزالي وتركا رواية ابن غانم
وهي أجلى لعدم توقف تصور مدلولها على الاختصاص
وموجبه انتهى. وقال في اللباب حقيقة الإحياء
العمارة والموات ما لم يعمر من الأفنية وحكمه
الجواز وهي سبب في الملك وحكمة مشروعيته الرفق
والحث على العمارة انتهى. ص: (إلا لإحياء) ش:
قال في التوضيح عن ابن رشد وإنما يكون الثاني
أحق إذا طالت المدة بعد عوده إلى حالته الأولى
وأما إن أحياه الثاني بحدثان عوده إلى الحالة
الأولى فإن كان عن جهل منه بالأول فله قيمة
عمارته قائمة للشبهة وإن كان عن معرفة فليس له
إلا قيمة عمارته منقوضة بعد يمين الأول إن
تركه إياه لم يكن إسلاما له وأنه على نية
إعادته انتهى.
(7/602)
وما لا يضيق
على وارد. ولا يضر بما لبئر. وما فيه مصلحة
لنخلة. ومطرح تراب. ومصب ميزاب لدار. ولا تختص
محفوفة بأملاك. ولكل. الانتفاع ما لم يضر
بالآخر. وبإقطاع الإمام ولا يقطع معمور العنوة
ملكا وبحمى إمام محتاجا إليه. قل من بلد عفا.
لكغزو،
__________
تنبيه: وينبغي أن يقيد بأن لا يكون الأول علم
بعمارة الثاني وسكت عنه وإلا كان سكوته دليلا
على تسليمه إياه فتأمله والله أعلم. ص: (وما
لا يضيق على وارد ولا يضر بماء بئر) ش: قال
الشارح وقال ابن نافع حريم البئر العادية
خمسون والتي ابتدئ عملها خمسة وعشرون انتهى.
والعادية بالتشديد قال في النهاية لابن الأثير
شجرة عادية أي قديمة كأنها تنسب إلى عاد وهم
قوم هود عليه السلام وكل قديم ينسبونه إلى عاد
وإن لم يدركهم انتهى. ففهم من كلامه أن
العادية بتشديد الياء، وفي الصحاح: وشيء عادي
أي قديم كأنه منسوب إلى عاد. ص: (ولا يقطع
معمور العنوة) ش: قال في كتاب التجارة لأرض
الحرب من التنبيهات وأرض العنوة بفتح العين
التي غلب عليها قهرا انتهى. ص: (وبحمى إمام
محتاج إليه قل من بلد عفا لكغزو) ش: يعني أن
الوجه الرابع من أوجه الاختصاص التي تمنع
إحياء
(7/603)
__________
الموات الحمى يحمى للضعفاء من المسلمين لترعاه
مواشيهم ويمنع منه الأغنياء وكذلك يجوز للإمام
أن يحمي والحمى بكسر الحاء المهملة وفتح الميم
والقصر هو المكان الذي يمنع رعيه ليتوفر فيه
الكلأ فترعاه مواش مخصوصة ويمنع غيرها من رعيه
والكلأ بالهمز من غير مد هو المرعى - رطبا كان
أو يابسا - والخلا بالقصر من غير همز النبات
الرطب قال في المشارق وضبطه السمرقندي والعذري
بالمد وهو خطأ. وقال الحافظ ابن حجر ومن مده
فقد أخطأ. والحشيش هو العشب اليابس وظاهر كلام
صاحب القاموس أن الحمى يجوز فيه المد ولم يحك
في المشارك فيه إلا القصر وسيأتي لفظه فالحمى
بمعنى المحمي فهو مصدر بمعنى المفعول وهو خلاف
المباح وتثنيته حميان وحكى الكسائي أنه سمع في
تثنيته حموان بالواو والصواب الأول لأنه يأتي
وأصل الحمى عند العرب أن الرئيس منهم كان إذا
نزل منزلا مخصبا استعوى كلبا على مكان عال
فحيث انتهى صوته حماه من كل جانب فلا يرعى فيه
غيره ويرعى هو مع غيره فيما سواه وأما الحمى
الشرعي فهو أن يحمي الإمام موضعا لا يقع به
التضييق على الناس للحاجة العامة إلى ذلك إما
للخيل التي يحمل عليها الناس للغزو أو لماشية
الصدقة قاله الباجي ونقله عنه ابن عرفة وهو
قريب من كلام المصنف الذي ذكره هنا فإنه ذكر
للحمى شروطا أربعة:
الأول أن يكون الحامي هو الإمام يريد أو نائبه
كما سيأتي التنبيه على ذلك وإليه أشار بقوله:
"حمى إمام" فليس لآحاد الناس أن يحمي.
والشرط الثاني أن يكون ذلك الحمى محتاجا إليه
أي لمصلحة المسلمين إما لخيل المجاهدين والإبل
التي يحمل عليها للغزو أو لماشية الصدقة قال
الشافعية ويجوز للإمام أن يحمي للضعفاء من
المسلمين لترعاه مواشيهم ويمنع منه الأغنياء
وكذلك يجوز للإمام أن يحمي للمسلمين ويمنع منه
أهل الذمة ولا يجوز العكس في المسألتين.
قلت: والظاهر أن هذا جار على مذهبنا كما يؤخذ
من حديث الموطإ الآتي وقوله أدخل رب الصريمة
والغنيمة وإلى هذا أشار بقوله: "محتاجا إليه
لكغزو" فقوله: "لكغزو" متعلق بقوله: "محتاجا
إليه" فهو من تتمة الشرط الثاني، وأتى بالكاف
في قوله: "لكغزو" ليدخل ماشية الصدقة وما
ذكرناه بعد هذا فلا يجوز للإمام أن يحمي لنفسه
لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم أعني أن
يحمي لنفسه كما تقدم في الخصائص قالوا: ولم
يقع ذلك منه صلى الله عليه وسلم قال الشيخ
زكرياء ولو وقع لكان في ذلك مصلحة للمسلمين
لأن ما كان مصلحة له صلى الله عليه وسلم فهو
مصلحة لهم وهو كلام صحيح.
الشرط الثالث أن يكون ذلك قليلا لا يضيق على
الناس بل يكون فاضلا عن منافع أهل ذلك الموضع
وإليه أشار بقوله: "قل". وصرح بذلك ابن الحاجب
على ما في نسخة المصنف في
(7/604)
__________
التوضيح ويؤخذ من كلام سحنون الآتي فلا يجوز
أن يكون الحمى كثيرا يضر بالناس ويضيق عليهم.
الشرط الرابع: أن يكون في المواضع التي لا
عمارة فيها بغرس ولا بناء وإلى ذلك أشار
بقوله: "من بلد عفا" أي ليس لأحد فيه أثر بناء
ولا غرس. والمراد بالبلد الأرض وأعاد الضمير
عليها مذكرا اعتبارا بلفظ البلد فلا يجوز أن
يكون الحمى في المواضع المعمورة بالبناء
والغرس وأشار المصنف رحمه الله بما ذكره في
هذين الشرطين إلى ما قاله سحنون ونقله عنه في
النوادر وغيرها قال في التوضيح: قال سحنون:
الأحمية إنما تكون في بلاد الأعراب العفاء
التي لا عمارة فيها بغرس ولا بناء وإنما تكون
الأحمية فيها في الأطراف حتى لا تضيق على ساكن
وكذلك الأودية العفاء التي لا مساكن بها إلا
ما فضل عن منافع أهلها من المسارح والمرعى
انتهى. وجعل الشارح قول المصنف: "قل من بلد
عفا" شرطا واحدا، وجعل قوله: "لكغزو" شرطا
مستقلا وهو نحو كلام المصنف في التوضيح
والظاهر ما ذكرناه، نعم يمكن أن يكون الشرط
الثالث والرابع شرطا واحدا كما قال الشارح
فتكون الشروط ثلاثة.
تنبيهات: الأول الأصل في الحمى ما رواه
البخاري في صحيحه في كتاب الشرب بكسر الشين
المعجمة والمراد بالشرب الحكم في قسمة الماء
وضبطه الأصيلي بالضم قال الحافظ ابن حجر
والأول أولى قال البخاري حدثنا يحيى بن بكير
قال حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عبد
الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي
الله عنهما أن الصعب بن جثامة رضي الله عنه
قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا
حمى إلا لله ولرسوله" 1. قال: وبلغنا أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم حمى النقيع وأن عمر
حمى الشرف والربذة. وأخرج منه أيضا في كتاب
الجهاد في باب أهل الدار يبيتون الموصول منه
عن الصعب بن جثامة أيضا أعني قوله: "لا حمى
إلا لله ولرسوله". وقوله: "وبلغنا أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم حمى النقيع" هكذا وقع
لجميع رواة البخاري غير أبي ذر فإنه وقع عنده
قال أبو عبد الله بلغنا فاغتر بذلك بعض الشراح
فظن أنه من كلام البخاري وأنه من تعليقاته
وليس كذلك وإنما القائل بلغنا هو ابن شهاب فهو
موصول بالإسناد المذكور إليه لكنه مرسل من
مراسيل ابن شهاب وهكذا وقع في رواية لأبي داود
فقال عن الصعب بن جثامة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم حمى وقال: "لا حمى إلا لله ولرسوله"
. قال ابن شهاب: وبلغني "أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم حمى النقيع" ثم ذكر أبو داود
رواية أخرى بعدها عن الصعب بن جثامة أيضا أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى النقيع
وقال: "لا حمى إلا لله" ولم يقل: "ولرسوله"
وذكر الروايتين في آخر كتاب الجراح من سننه.
واقتصر الحافظ ابن حجر في
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الجهاد باب 146. كتاب
المساقاة باب 11 أحمد في مسنده (4/ 38، 71،
73).
(7/605)
__________
فتح الباري على ذكر الرواية الأولى من روايتي
أبي داود ولم يذكر الثانية وذكرها في تخريجه
لأحاديث الرافعي وعزاها للإمام أحمد وأبي داود
والحاكم وقال إنها مدرجة يعني حمى النقيع.
وذكر أن البخاري وهم من أدرجها وقال أيضا في
تخريجه لأحاديث الرافعي: أغرب عبد الحق في
الجمع فجعل قوله: "وبلغنا" من تعليقات البخاري
وتبعه على ذلك ابن الرفعة قال: ويكفي في الرد
عليهما أن أبا داود صرح بأنه من مراسيل الزهري
يعني في الرواية الأولى ثم ذكر أن الإمام أحمد
وابن حبان أخرجا من حديث ابن عمر "أن النبي
صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين"
والصعب ضد السهل وعلى وزنه وجثامة بجيم مفتوحة
وثاء مثلثة مشددة ذكره النووي في أول كتاب
الحج من شرح مسلم.
الثاني: اقتصر عبد الحق في الأحكام على عزو
الحديث لأبي داود واقتصر على الرواية الثانية
من روايتيه وزاد فيها لفظ "ولرسوله" فقال: روى
أبو داود عن الصعب بن جثامة "أن النبي صلى
الله عليه وسلم حمى النقيع وقال: "لا حمى إلا
لله ولرسوله" وقال علي بن عبد العزيز في
المنتخب حمى النقيع لخيل المسلمين ترعى فيه ثم
ذكر حديثين آخرين ثم قال وأصح هذه الأحاديث
حديث الصعب بن جثامة وهو الذي يعول عليه
انتهى. تبعه على ذلك ابن عبد السلام والمصنف
في التوضيح وابن عرفة وقد علمت أن الحديث في
صحيح البخاري وأخرج النسائي في سننه في كتاب
الحمى وفي كتاب السير من حديث مالك عن ابن
شهاب الموصول منه أعني قوله: "لا حمى إلا لله
ولرسوله" وعزا جماعة من الشافعية حديث أنه صلى
الله عليه وسلم حمى النقيع لابن حبان وقد علمت
أنه في صحيح البخاري فعزوه له أولى وإن كان
مرسلا لأن مراسيل البخاري كلها صحيحة ولا سيما
وقد اعتضد بحديث ابن عمر المذكور والله أعلم.
الثالث: وقع للحاكم أن البخاري ومسلما اتفقا
على إخراج حديث "لا حمى إلا لله ورسوله" وتبعه
على ذلك أبو الفتح القشيري في الإلمام وابن
الرفعة في المطلب قال الحافظ ابن حجر في
تخريجه لأحاديث الرافعي وقد وهم الحاكم في ذلك
فإن الحديث من أفراد البخاري.
الرابع: اقتصر ابن الأثير في جامع الأصول على
عزو الحديث للبخاري وأبي داود ولم يذكر
النسائي وقد علمت أنه رواه في موضعين من سننه.
الخامس: قال في النهاية في معنى الحديث أعني
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا حمى إلا لله
ولرسوله" أنه صلى الله عليه وسلم نهى عما كانت
تفعله الجاهلية وأضاف الحمى لله ولرسوله أي
إلا ما يحمي للخيل التي ترصد للجهاد والإبل
التي يحمل عليها في سبيل الله انتهى. وقال ابن
عبد السلام في شرح ابن الحاجب لما ذكر الحديث
تأوله الجمهور على معنى أنه لا ينبغي أن يحمى
إلا كما حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم
لخيل المجاهدين وشبه ذلك مثل ما فعله الخلفاء
بعده حموا لإبل الغزاة
(7/606)
.............................................
__________
انتهى. وقال الجلال السيوطي في حاشية البخاري
قوله لا حمى إلا لله ولرسوله قال الشافعي
يحتمل معنيين أحدهما لا حمى إلا ما حماه صلى
الله عليه وسلم والثاني لا حمى إلا مثل ما
حماه؛ فعلى الأول ليس لأحد من الولاة أن يحمي
بعده وعلى الثاني يختص بمن قام مقامه فهو
الخليفة دون سائر نوابه انتهى. ومقتضى كلامه
أنه يتفق على أنه ليس لنواب الإمام أن يحموا
وقال في فتح الباري والأرجح عند الشافعية أن
الحمى يختص بالخليفة ومنهم من ألحق به ولاة
الأقاليم ومحل الجواز أن لا يضر بكافة
المسلمين انتهى. والذي اقتصر عليه صاحب
الإرشاد من الشافعية أن الحمى لا يختص بالإمام
بل لولاته أن يحموا وقال ابن أبي شريف في شرحه
أنه الأصح والذي رأيته في كلام كثير من
أصحابنا المالكية أنه يجوز للإمام أن يحمي
بالشروط التي تقدم ذكرها ولم يتكلموا على
نوابه ولكن مقتضى كلام أهل المذهب أن ذلك بحسب
عموم الولاية وخصوصها فإذا عم الإمام الولاية
على بلد لأمير جاز له أن يحمي وأخرى إذا فوض
إليه النظر في أمر الحمى والله أعلم.
السادس: قال ابن عرفة بعد أن ذكر كلام عبد
الحق المتقدم لفظ النقيع وجدته في نسخة صحيحة
من الباجي ومن أحكام عبد الحق بالنون قبل
القاف وذكره البكري بالباء قبل القاف وكذا
وجدته في نسخة صحيحة من النوادر وهو مقتضى قول
اللغويين قال الجوهري في حرف الباء والبقيع
موضع فيه أروم الشجر من ضروب شتى وبه سمي بقيع
الغرقد وهو مقبرة المدينة ونحوه في مختصر
العين ومثله لابن سيده وزاد والغرقد شجر له
شوك كان ينبت هناك فذهب وبقي الاسم لازما
للموضع ولم يذكر أحد منهم النقيع بالنون قبل
القاف أنه اسم موضع مع كثرة ما جلب فيه ابن
سيده في المحكم وقال الباجي في آخر الموطإ في
ترجمة ما يتقى من دعوة المظلوم وفيه ذكر الحمى
فقال الباجي وهذا الحمى هو النقيع بالنون ولم
يتكلم عياض في مشارقه على هذه الكلمة لعدم
وقوعها في الموطإ والصحيحين انتهى.
قلت: وكأنه رحمه الله لم يقف على ما ذكره
القاضي عياض في المشارق في آخر حرف الباء
الموحدة لما ذكر أسماء المواضع ونصه بقيع
الغرقد الذي فيه مقبرة المدينة بباء بغير خلاف
وسمي بذلك لشجرات غرقد وهو العوسج كانت فيه
وكذلك بقيع بطحان جاء في الحديث وهو بالباء
أيضا قال الخليل البقيع كل موضع من الأرض فيه
شجر شتى وأما الحمى الذي حماه النبي صلى الله
عليه وسلم ثم عمر بعده وهو الذي يضاف إليه في
الحديث "غرز النقيع" وفي الآخر "بقدح لبن من
النقيع". وحمى النقيع وهو على عشرين فرسخا من
المدينة وهو صدر وادي العقيق وهو أخصب موضع
هنالك وهو ميل في بريد وفيه شجر ويستجم حتى
يغيب فيه الراكب فاختلف الرواة وأهل المعرفة
في ضبطه فوقع عند أكثر رواة البخاري بالنون
وكذا قيده النسفي وأبو ذر والقابسي وسمعناه في
مسلم من أبي بحر بالباء وكذا روي عن ابن
(7/607)
__________
ماهان وسمعناه من القاضي الشهيد وغيره بالنون
وبالنون ذكره الهروي والخطابي وغير واحد قال
الخطابي وقد صحفه أصحاب الحديث فيروونه بالباء
وإنما الذي بالباء بقيع المدينة موضع قبورها
وأما أبو عبيد الله البكري فقال إنما هو
بالباء مثل بقيع الغرقد قال ومتى ذكر البقيع
بالباء دون إضافة فهو هذا ووقع فيه في كتاب
الأصيلي في موضع بالنون والباء وهو تصحيف
قبيح. والأشهر في هذا النون والقاف.
والنقيع بالنون كل موضع يستنقع الماء فيه وبه
سمي هذا انتهى. وقوله بقيع بطحان هو بضم
الموحدة وسكون الطاء المهملة بعدها حاء مهملة
قال في المشارق: هكذا يرويه المحققون وكذا
سمعناه من المشايخ وهو الذي يحكي أهل اللغة
فيه فتح الموحدة وكسر الطاء وكذا قيده اللقاني
في البارع وأبو حاتم والبكري في المعجم وقال
البكري لا يجوز غيره وهو واد في المدينة
انتهى. وقوله: "غرز النقيع" بفتح الغين
المعجمة والراء وبعدها زاي قال في المشارق
هكذا ضبطناه على أبي الحسن وحكى فيه صاحب
العين السكون قال وواحده غرزة مثل تمرة وتمر
وبالوجهين وجدته في أصل الجياني في كتاب
الخطابي قال أبو حنيفة: هو نبات ذو أغصان رقاق
حديد الأطراف يسمى الأسل وتسمى به الرماح
وتشبه به وقال صاحب العين هو نوع من الثمار ا
هـ ومقتضى كلام ابن عباس أنه لم يقف على كلام
صاحب المشارق أيضا فإنه قال بعد أن ذكر كلام
عبد الحق: هكذا رأيت في نسخة من الأحكام
منسوبة إلى الصحة بالنون والقاف وذكره البكري
بالباء والقاف قال وهو صدر وادي العقيق وقال:
وهو منتدى للناس ومتصيد وروي أن النبي صلى
الله عليه وسلم صلى الصبح في المسجد بأعلى
عسيب وهو جبل بأعلى قاع العقيق ثم أمر رجلا
صيتا فصاح بأعلى صوته فكان مدى صوته بريدا وهو
أربعة فراسخ فجعل ذلك حمى طوله وعرضه ميل وفي
بعضه أقل من ميل انتهى. وقوله: "منتدى" بمعنى
النادي وهو المجلس الذي يتحدث فيه وذكر المصنف
في التوضيح بعض كلام المشارق ولكن كلامه يقتضي
أن أبا عبيد غير البكري وكلام القاضي عياض في
المشارق يقتضي أن أبا عبيد هو البكري وكذا
رأيته في كلام غير واحد من العلماء منهم ابن
حجر في مقدمة فتح الباري إلا أنه ذكر عن
البكري أنه حكى فيه وجهين والذي حكاه القاضي
في المشارق عن البكري إنما هو وجه واحد كما
تقدم.
قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: النقيع
بفتح النون وكسر القاف هو صدر وادي العقيق على
نحو عشرين ميلا من المدينة وقال الشافعي في
مختصر المزني وهو بلد ليس بالواسع الذي يضيق
على من حوله إذا حمي ويعني بالبلد الأرض قال
صاحب مطالع الأنوار مساحته ميل في بريد وذكر
ما تقدم عن المشارق إلا أن قوله: "على عشرين
ميلا من المدينة" خلاف ما قال في المشارق
والذي حكاه الحافظ ابن حجر وغيره أنه على
عشرين فرسخا كما قال في المشارق وذكر في
النوادر عن كتاب ابن سحنون أن ابن وهب روى عن
مالك أن قدر النقيع ميل
(7/608)
__________
في ثمانية أميال قال ثم زاد فيه الولاة بعد
وهكذا ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن
موطإ ابن وهب أنه ميل في ثمانية أميال وهو
خلاف ما ذكره هو في مقدمة فتح الباري وما ذكره
في المشارق وما حكاه النووي في تهذيب الأسماء
واللغات من أنه ميل في بريد فإن البريد اثنا
عشر ميلا.
السابع: تقدم في صحيح البخاري أن عمر رضي الله
عنه حمى الشرف والربذة قال في فتح الباري وهو
من بلاغ الزهري والشرف بفتح المعجمة والراء
بعدها فاء في المشهور وذكر عياض أنه عند
البخاري بفتح المهملة وكسر الراء قال وفي موطإ
ابن وهب بفتح المعجمة والراء قال كذا رواه بعض
رواة البخاري أو أصلحه وهو الصواب وأما سرف
فهو موضع بقرب مكة ولا يدخله الألف واللام
انتهى. وقال في مقدمته قال أبو عبيد البكري هو
ماء لبني باهلة أو لبني كلاب انتهى. وقال
الزركشي هو من عمل المدينة وأما سرف فمن عمل
مكة على ستة أميال وقيل سبعة وقيل تسعة وقيل
اثنا عشر انتهى. وأما الربذة فهي بفتح الراء
وفتح الموحدة وبعدها ذال معجمة قال في فتح
الباري موضع معروف بين مكة والمدينة انتهى.
وقال الزركشي في كتاب العلم من حاشية البخاري
موضع على ثلاث مراحل من المدينة انتهى. قال
ابن عبد السلام المالكي قال البكري الربذة هي
التي جعلها عمر حمى لإبل الصدقة وكان حماه
الذي حماه بريدا في بريد قال ثم تزيدت الولاة
في الحمى أضعافا ثم أبيحت الأحمية في أيام
المهدي فلم يحمها أحد وحمى عمر رضي الله عنه
صرفة وزاد فيه عثمان انتهى. وقال في النوادر
وحمى أبو بكر رضي الله عنه الربذة لما يحمل
عليه في سبيل الله نحو خمسة أميال في مثلها
وحمى ذلك عمر لإبل الصدقة التي يحمل عليها في
سبيل الله وحمى أيضا الشرف انتهى.
الثامن: ذكر الرافعي في الشرح الكبير الحديث
السابق بلفظ: "أنه صلى الله عليه وسلم حمى
النقيع لإبل الصدقة ونعم الجزية" قال الحافظ
ابن حجر في تخريج أحاديثه بعد أن ذكر روايات
الحديث تبين بهذا أن قوله: "لإبل الصدقة ونعم
الجزية" مدرج ليس في أصل الخبر انتهى والله
أعلم.
التاسع: قال المصنف في التوضيح انظر ما في
الحديث من قوله: "حمى النقيع" كما ذكر المصنف
يعني ابن الحاجب وذكره الجوهري رباعيا فقال
أحميت المكان جعلته حمى انتهى.
قلت: ليس في كلامه ما يقتضي أنه لا يستعمل منه
إلا الرباعي ونصه حميته أي دفعت عنه وهذا شيء
حمى على فعل أي محظور لا يقرب وأحميت المكان
جعلته حمى انتهى. وقال في القاموس حمى الشيء
يحميه حميا وحماية بالكسر ومحمية منعه وكلأ
حمى كرضا محمي ثم قال وأحمى المكان جعله حمى
لا يقرب انتهى. وقال في المشارق الحمى بكسر
الحاء مقصور الممنوع من الرعي تقول حميت الحمى
فإذا امتنع منه قلت أحميته ومنه قولهم حميت
الماء القوم أي منعتهم انتهى. فعلم من كلامه
في المشارق أنه يقال حميته
(7/609)
__________
بالفعل الثلاثي وأنه لا يقال أحميته بالرباعي
إلا بعد امتناع الناس منه والله أعلم.
العاشر: قوله: "لا حمى" بلا تنوين وفي بعض
الروايات بالتنوين. قال الكرماني فتكون -
حينئذ "لا" بمعنى "ليس" أي فتكون للاستغراق
على الأول بخلاف الثاني.
الحادي عشر: قال الشافعية: وينبغي للوالي إذا
حمى أن يجعل للحمى حافظا يمنع أهل القوة من
الرعي فيه ويأذن للضعيف والعاجز فإن دخله أحد
من أهل القوة ورعى منع ولا غرم عليه ولا تعزير
انتهى.
قلت: وهو ظاهر وكلام أهل المذهب يقتضيه فقد
قال ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح وقد صح
أن عمر رضي الله عنه قال لهني حين ولاه على
الحمى: أدخل رب الصريمة والغنيمة وإياي ونعم
ابن عوف وابن عفان ا هـ. إلا أن قولهم: "لا
تعزير عليه" فيه نظر والظاهر أن من بلغه النهي
وتعدى بعد ذلك ورعى في الحمى فللإمام أن يعزره
بالزجر أو التهديد فإن تكررت المخالفة فيعزره
بالضرب وقولهم: "لا غرم عليه" ظاهر لا شك فيه
والله أعلم. وما ذكره ابن عبد السلام عن عمر
رضي الله عنه هو ما رواه مالك رضي الله عنه في
آخر جامع الموطإ في باب ما يتقى من دعوة
المظلوم عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن
الخطاب استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمى
فقال يا هني اضمم جناحك عن الناس واتق دعوة
المظلوم فإن دعوة المظلوم مجابة وأدخل رب
الصريمة والغنيمة وإياي ونعم ابن عوف وابن
عفان فإنهما إن تهلك مواشيهما يرجعان إلى
المدينة إلى زرع ونخيل وإن رب الصريمة
والغنيمة إن تهلك ماشيته يأت ببنيه فيقول يا
أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا
- لا أبا لك - فالماء والكلأ أيسر علي من
الذهب والورق وأيم الله إنهم لا يرون أني قد
ظلمتهم إنها لبلادهم ومياههم قاتلوا في
الجاهلية وأسلموا عليه في الإسلام والذي نفسي
بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله
ما حميت عليهم من بلادهم شبرا انتهى.
الثاني عشر: هذا الحديث رواه البخاري في كتاب
الجهاد عن إسماعيل يعني ابن أبي أويس عن مالك
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري وهذا
الحديث ليس في الموطإ قال الدارقطني في غرائب
مالك هو حديث غريب صحيح انتهى.
قلت: وهذا من الأمر العجيب فإن الحديث موجود
في جميع نسخ الموطإ وشروحه والله أعلم.
الثالث عشر: قوله: "مولى له يدعى هنيا" هو بضم
الهاء وفتح النون وتشديد الياء قال النووي في
تهذيب الأسماء واللغات هكذا ضبطه ابن ماكولا
وغيره من أهل الإتقان وكذا ضبطناه في صحيح
البخاري والمهذب وغيرهما قال ورأيت بخط من لا
تحقيق له أنه يقال أيضا بالهمز وهذا خطأ ظاهر
نبهت عليه لئلا يغتر به روي هني عن أبي بكر
وعمر ومعاوية
(7/610)
__________
وعمرو بن العاص رضي الله عنهم انتهى. وقال في
فتح الباري: قوله: "يدعى هنيا" بالنون مصغرا
من غير همز وقد يهمز وهذا المولى لم أر من
ذكره في الصحابة مع إدراكه. وقوله: "على
الحمى" قال في فتح الباري بين ابن سعد أنه كان
على حمى الربذة وقوله: "اضمم جناحك عن الناس"
أي اكفف يدك عن ظلمهم في المال والبدن والجناح
اليد قال الله تعالى: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ
جَنَاحَكَ} [القصص: 32] وفي رواية البخاري:
"اضمم جناحك عن المسلمين" قال في فتح الباري
وفي رواية معن عن مالك عند الدارقطني في
الغرائب: "اضمم جناحك للناس". وعلى هذا استرهم
بجناحك وهو كناية عن الرحمة والشفقة وقوله في
هذه الرواية: "اضمم جناحك للناس" لعله على
الناس فإني رأيته كذلك. وقال ابن عرفة قال أبو
عمر قوله: "اضمم جناحك" يقول لا تستطل على أحد
لمكانك مني وقوله: "واتق دعوة المظلوم" كناية
لطيفة عن النهي عن الظلم وهكذا رأيته في نسخ
البخاري وذكره في فتح الباري بلفظ: "واتق دعوة
المسلمين" ثم قال: وفي رواية الإسماعيلي
والدارقطني وأبي نعيم "دعوة المظلوم". وقوله:
"فإن دعوة المظلوم مجابة" هكذا في نسخ الموطإ.
ولفظ البخاري: "فإن دعوة المظلوم مستجابة"
وقوله: "وأدخل رب الصريمة والغنيمة" أدخل
بهمزة قطع مفتوحة وكسر الخاء المعجمة ومتعلق
الإدخال محذوف والمراد المرعى والصريمة بضم
الصاد المهملة مصغر الصرمة بكسر الصاد وهي
القطعة من الإبل نحو الثلاثين قاله في الصحاح
وقال الإسنوي في المهمات في كتاب إحياء الموات
ما بين العشرة إلى الثلاثين من الإبل خاصة
وقال في القاموس ما بين العشرة إلى الثلاثين
أو إلى الخمسين أو الأربعين أو ما بين العشرة
إلى الأربعين أو ما بين عشرة إلى بضع عشرة
والغنيمة على وزن الصريمة مصغر أيضا هي ما بين
الأربعين إلى المائتين قاله الإسنوي أيضا
وقوله وإياي ونعم ابن عوف وابن عفان فيه تحذير
المتكلم نفسه وهو شاذ لا يقاس عليه عند جمهور
النحويين قال الإسنوي وقد وقع للرافعي وغيره
بالكاف والوارد في رواية الشافعي وغيره إنما
هو بالياء وابن عوف هو عبد الرحمن وابن عفان
هو عثمان رضي الله عنهما وخصهما بالذكر على
طريق المثال لكثرة نعمهما لأنهما من مياسير
الصحابة قال في فتح الباري ولم يرد منعهما
ألبتة وأنه أراد أنه إذا لم يسع المرعى إلا
نعم أحد الفريقين فنعم المقلين أولى فنهاه عن
إيثارهما على غيرهما أو تقديمهما قبل غيرهما
وقد بين حكمة ذلك انتهى.
قلت: ظاهر الخبر أنه أراد منع نعمهما ليتوفر
المرعى لإبل الصدقة فتأمله. وقوله: "يأتني
ببنيه" كذا في أكثر نسخ الموطإ "يأتني" بحذف
الياء للجزم في جواب الشرط وهو الراجح وفي بعض
النسخ "يأتيني" بإثبات الياء وهو ضعيف وقوله:
"ببنيته" كذا في نسخ الموطإ بالنون قبل
المثناة تحت جمع ابن وهي رواية الكشميهني في
البخاري. ووقع عند أكثر رواة البخاري ببيته
بالتاء التحتية ثم الفوقية بلفظ البيت والمعنى
متقارب وقوله: "فيقول يا أمير المؤمنين"
(7/611)
__________
مقول القول محذوف لدلالة السياق عليه ولأنه لا
يتعين في لفظ مخصوص نحو يا أمير المؤمنين أنا
فقير أنا محتاج إلى كذا وقوله: "أفتاركهم أنا"
استفهام إنكاري أي لا أتركهم محتاجين وقوله:
"لا أبا لك" بفتح الموحدة من غير تنوين ثم
اختلف فيه فعند سيبويه والجمهور أنه مضاف
واللام زائدة مؤكدة لمعنى الإضافة وهي معتد
بها من حيث إن اسم لا لا يضاف لمعرفة فاللام
لصورة الإضافة وغير معتد بها من حيث إن ما
قبلها منصوب بالألف واللام وإنما ينصب بها إذا
كان مضافا ويشكل عليهم لا أبا لي بالألف
واللام فإنه لا ينصب بالألف إذا أضيف للياء
وقال ابن الحاجب وابن مالك أنه شبيه بالمضاف
ويشكل على قولهما حذف التنوين وسمع من قولهم:
"لا أباك" بدون لام وهو مشكل. وظاهر كلامهم
أنه لم يسمع "لا أبا لك" ولو سمع لأمكن توجيهه
بأنه شبيه بالمضاف والخبر على هذه الأوجه
محذوف وسمع من كلامهم "لا أبا لك" بالبناء على
الفتح وهو القياس. وقوله: "لك" هو الخبر على
هذا الوجه ولو قال: "لا أب لك" بالرفع
والتنوين صح وهذا اللفظ ظاهره الدعاء عليه؛
قال في فتح الباري وهو على المجاز لا على
الحقيقة. وقوله "إنهم ليرون" قال في فتح
الباري بضم التحتية أوله بمعنى الظن وبفتحها
بمعنى الاعتقاد قوله: "أني قد ظلمتهم".
فرع: قال ابن حجر قال ابن التين يريد أرباب
المواشي الكثيرة والذي يظهر لي أنه أراد أرباب
المواشي القليلة لأنهم الأكثر وهم أهل تلك
البلاد من نواحي المدينة ويدل على ذلك قوله:
"إنها لبلادهم". وقد أخرج ابن سعد في الطبقات
أن عمر رضي الله عنه أتاه رجل من أهل البادية
فقال يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في
الجاهلية وأسلمنا عليها في الإسلام ثم تحمى
علينا فجعل عمر ينفخ ويفتل شاربه وأخرج
الدارقطني في غرائب مالك نحوه وزاد فلما رأى
الرجل ذلك ألح عليه فلما أكثر عليه قال: رضي
الله عنه المال مال الله والعباد عباد الله
والأرض أرض الله ما أنا بفاعل انتهى.
قلت: والظاهر أن الضمير في "يرون" يعود إلى
أصحاب المواشي الممنوعين سواء كانت مواشيهم
كثيرة أو قليلة ثم قال في فتح الباري وقال ابن
المنير لم يدخل ابن عفان ولا ابن عوف في قوله:
"قاتلوا عليها في الجاهلية" فالكلام عائد على
عموم أهل المدينة لا عليها انتهى. قال الشيخ
ابن أبي زيد في النوادر وقال عمر رضي الله عنه
لرجل من العرب عاتبه في الحمى بلاد الله حميت
لمال الله انتهى. وقوله: "لولا المال الذي
أحمل عليه في سبيل الله" قال في فتح الباري أي
من الإبل التي كان يحمل عليها من لا يجد
مركبا. وجاء عن مالك أن عدة ما كان في الحمى
في عهد عمر بلغ أربعين ألفا من إبل وخيل بينها
انتهى وقال الإسنوي: قوله: "لولا المال الذي
أحمل عليه" أي الخيل التي أعددتها لأحمل عليها
من لا مركوب له قال مالك رضي الله عنه وكانت
عدتها أربعين ألفا انتهى. وهو مخالف لما ذكره
في فتح الباري.
(7/612)
وافتقر لإذن،
وإن مسلما، إن قرب،
__________
الرابع عشر: قال ابن عرفة قال أبو عمر فيه ما
كان عليه عمر فيه من التقى وأنه لا يخاف في
الله لومة لائم لأنه لم يداهن عثمان ولا عبد
الرحمن وآثر المساكين والضعفاء وبين وجه ذلك
وامتثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا حمى إلا
لله ولرسوله" يعني إبل الصدقة ا هـ قال ابن
عرفة لما ذكر عن الباجي أنه يحمي لماشية
الصدقة قلت يقوم منه طول تأخير صرف الزكاة إذا
كان لتأخير مصرفها انتهى.
الخامس عشر: قال الشافعية: أن ما حماه الرسول
صلى الله عليه وسلم لا ينقض فلا ينقض حمى
النقيع وأما ما حماه غيره من الولاة فيجوز
نقضه لمصلحة وسواء كان الناقض هو الذي حماه أو
غيره.
قلت: هذا ظاهر إن ثبت أنه صلى الله عليه وسلم
لما حمى النقيع أمر أن يجعل ذلك حمى للمسلمين
دائما وأما إذا حماه في سنة من السنين ولم
يفهم أن ذلك حكم مستمر فالظاهر أنه لا يلزم
استمراره ولو ثبت ذلك لاستمر عمل الخلفاء بعده
على حمى ذلك الموضع وقد تقدم أن الصديق رضي
الله عنه حمى الربذة وكذلك عمر رضي الله عنه
فتأمله والله أعلم. ص: (وإن مسلما إن قرب) ش:
ظاهره أن الذمي يحمى في القريب بإذن الإمام
وهذا ليس بمنصوص للمتقدمين قال ابن عبد السلام
لكن ركن إليه الباجي وفي المسألة قول ثان لابن
القصار قال للإمام أن يأذن لأهل الذمة في
الموات قال في التوضيح ولم يفرق بين قريب ولا
بعيد وفيها قول ثالث قال ابن عبد السلام وهو
المنصوص للمتقدمين ابن عرفة وهو المشهور إن
حكمهم في البعيد حكم المسلمين والقريب ليس لهم
أن يحموه ولو أذن الإمام والقريب هو حريم
العمارة مما يلحقونه غدوا ورواحا قاله في
التوضيح وقاله في الجواهر ونصه وأما البعيد
فلا يفتقر إلى إذن الإمام فيه وهو ما كان
خارجا عما يحتاجه أهل العمران من محتطب ومرعى
مما العادة أن الرعاء يصلون إليه ثم يعودون
إلى منازلهم فيبيتون بها ويحتطب المحتطب ثم
يعود إلى منزله انتهى. وقال ابن رشد في رسم
الدور من سماع يحيى في كتاب السداد والأنهار
وحد البعيد من العمران الذي يكون لمن أحياه
دون إذن الإمام ما لم ينته إليه مسرح العمران
واحتطاب المحتطبين إذا رجعوا إلى المبيت في
مواضعهم من العمران انتهى.
تنبيه: يعترض على المؤلف بما اعترض به على ابن
الحاجب لأن المؤلف قد قدم أن القرب من وجوه
الاختصاص فلا يكون القريب مواتا إذ الموات ما
انفك عن الاختصاص فلا يتصور في القريب إحياء
لأن الإحياء إنما يكون في الموات والظاهر أن
مراد المؤلف أن حريم
(7/613)
__________
العمارة مانع من الإحياء بغير إذن الإمام ثم
ينظر فيه أي في حريم العمارة فإن كان فيه ضرر
فلا يجوز إحياؤه ولا يبيحه الإمام وما لم يكن
فيه ضرر فإنه يجوز إحياؤه بإذن الإمام ويكون
الموات على ثلاثة أقسام كما قال ابن رشد في
رسم الدور من سماع يحيى من كتاب السداد
والأنهار. ونصه: الموات الذي يستحقه الناس
بالإحياء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من
أحيا أرضا ميتة فهي له" 1 هي الأرض التي لا
نبات فيها قال ذلك مالك رحمه الله في رواية
ابن غانم عنه بدليل قوله تعالى: {وَاللَّهُ
أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا
بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [النحل: 65]
فلا يصح الإحياء إلا في البوار. ثم قال: وحكم
إحياء الموات يختلف باختلاف مواضعه وهي على
ثلاثة أوجه: بعيد من العمران وقريب منه لا ضرر
على أحد في إحيائه وقريب منه في إحيائه ضرر
على من يختص بالانتفاع به. فأما البعيد من
العمران فلا يحتاج في إحيائه إلى استئذان
الإمام إلا على طريق الاستحباب على ما حكى ابن
حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأما القريب منه
الذي لا ضرر في إحيائه على أحد فلا يجوز
إحياؤه إلا بإذن الإمام على المشهور في المذهب
وقيل إن استئذان الإمام في ذلك مستحب وليس
بواجب واختلف إن وقع بإذنه على القول بأنه لا
يجوز إلا بإذنه قيل يمضي مراعاة للخلاف وهو
قول المغيرة وأصبغ وأشهب وقيل إنه يخرج منه
ويكون له قيمة بنيانه منقوضا وهو القياس ولو
قيل إنه يكون له قيمته قائما للشبهة في ذلك
لكان له وجه. وأما القريب منه الذي في إحيائه
ضرر كالأفنية التي يكون أخذ شيء منها ضررا
بالطريق وشبه ذلك فلا يجوز إحياؤه بحال ولا
يبيحه الإمام انتهى. وقد تقدم عنه وقال في
الرسم الذي قبله ما نصه على ما اختصره ابن
عرفة قال ابن حبيب الشعاري المجاورة للقرى
والمتوسطة بينها لا يقطع الإمام منها شيئا
لأنها ليست كالعفاء من الأرض التي لعامة
المسلمين إنما هي حق من حقوقهم كالساحة للدور
وإنما العفاء ما بعد وتعقب الفضل قوله فقال
وأين يقطع الإمام إلا فيما قرب من العمران وهو
لا يلزم لأنه إنما أراد الشعاري القريبة من
القرى جدا لأن إقطاعها ضرر بهم في قطع مرافقهم
منها التي كانوا يختصون بها لقربهم على ما
سنذكره في رسم الدور انتهى. والذي في رسم
الدور وهو ما تقدم والشعاري هي الشجر المختلط
أو الأرض ذات الشجر كذا فسرها أهل اللغة فعلى
هذا إنما يمتنع من إحياء القريب الذي في
إحيائه ضرر وأما ما لا ضرر في إحيائه فلا يمنع
من ذلك ولو كان قريبا إلا أنه لا يجوز إحياؤه
إلا بإذن الإمام على المشهور والله أعلم.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الحرث باب 15. أبو
داود في كتاب الإجارة باب 37. الترمذي في كتاب
الأحكام باب 38. الموطأ في كتاب الأقضية حديث
26، 27. الدرامي في كتاب البيوع باب 65. أحمد
في مسنده (3/ 302، 327، 338، 356، 363، 381).
(7/614)
وإلا فللإمام
إمضاؤه، أو جعله متعديا، بخلاف البعيد، ولو
ذميا بغير جزيرة العرب، والإحياء بتفجير ماء
وبإخراجه وببناء، وبغرس، وبحرث، وتحريك أرض،
وبقطع شجر، وبكسر حجرها
__________
فرع: قال في المدخل لا يجوز لأحد البناء على
شاطئ النهر للسكنى ولا لغيرها إلا القناطر
المحتاج إليها انتهى. ص: (وافتقر لإذن) ش: أي
وافتقر إحياء الموات لإذن الإمام.
فرع: قال ابن رشد في كتاب السداد والأنهار في
شرح المسألة الثالثة من سماع أشهب وليس للعامل
أن يقطع شيئا من الموات إلا بإذن الإمام
انتهى. ص: (أو جعله متعديا) ش: قال ابن عبد
السلام فإذا فرعنا على القول الأول وهو
المشهور من أن القريب الذي لا ضرر فيه يفتقر
إلى إذن الإمام فإذا أحياه أحد من غير استئذان
تعقب الإمام ما فعله هذا فإن رأى إمضاءه أمضاه
وإن لم ير ذلك أخذه منه وأعطاه قيمة ما صنعه
منقوضا إن رده لبيت المال وإن شاء كلفه بهدمه
وإن شاء أقطعه لغيره فكان لذلك الذي أقطعه
إياه الإمام أن يأمر هذا بما كان الإمام يأمره
به وهذا هو الذي أجمله المؤلف يعني ابن الحاجب
بقوله أو جعله متعديا انتهى كلام ابن عبد
السلام ومثله يقال على كلام المؤلف وقال في
التوضيح المشهور ما قاله المؤلف يعني ابن
الحاجب وهو قول مالك وابن القاسم أن للإمام
إمضاءه أو جعله متعديا فيعطي قيمة بنائه
مقلوعا ورأى اللخمي أنه يعطي قيمته قائما
للشبهة اللخمي قال مطرف وابن الماجشون الإمام
مخير بين أربعة أوجه إن رأى أن يقره له أو
للمسلمين أو يعطيه قيمته منقوضا أو يأمره
بقلعه أو يقطعه لغيره ويكون للأول قيمته
منقوضا ابن رشد وهو القياس وقال في موضع آخر
وهو معنى ما في المدونة انتهى. وظاهر كلام
التوضيح أن كلام مطرف وابن الماجشون خلاف
المشهور والظاهر أنه تفسير لقول مالك كما قال
ابن عبد السلام وكما يظهر من قول ابن رشد
والله أعلم.
(7/615)
وتسويتها لا
بتحويط ورعي كلأ، وحفر بئر ماشية، وجاز بمسجد
سكنى لرجل تجرد للعبادة، وعقد نكاح، وقضاء
دين، وقتل عقرب، ونوم بقائلة، وتضييف بمسجد
بادية،
__________
تنبيه: لا ينبغي أن يفهم من قول المصنف وابن
الحاجب "أو جعله متعديا" أنه يرجع عليه بالغلة
بل ظاهر نصوصهم أنه لا يرجع عليه بالغلة بل
تقدم في كلام التوضيح أن اللخمي رأى أن تكون
له قيمة البناء قائما للشبهة ونقل ابن عرفة عن
ابن رشد أنه قال له قيمته منقوضا قال ولو قيل
قائما للشبهة لكان له وجه انتهى. ص: (وقضاء
دين) ش: يعني أنه يجوز قضاء الدين في المسجد
لأنه معروف بخلاف البيع والصرف قال الطرطوشي
في كتاب البدع أراد بالقضاء المعتاد الذي فيه
يسير العمل وقليل العين وأما لو كان قضاء بمال
جسيم يحتاج المؤنة والوزن والانتقاد ويكثر فيه
العمل فإنه مكروه.
فرع: قال في أواخر كتاب الجامع من الذخيرة قال
مالك وينهى السؤال عن السؤال في المسجد
والصدقة في المسجد غير محرمة انتهى. وقال ابن
ناجي في شرح قول الرسالة ويكره العمل في
المساجد إلى آخره ينبغي أن تنزه المساجد عن
البيع والشراء واستخف في البيان قضاء الدين
وكتب الحق فيه ما لم يطل وإنشاد الضالة وعمل
الصناعة والسؤال قال ابن عبد الحكم في النوادر
من سأل فلا يعطى وأمر بحرمانهم وردهم خائبين
قال التادلي كان
(7/616)
وإناء لبول: إن
خاف سبعا: كمنزل تحته، ومنع عكسه:
__________
الشيخ أبو عبد الله محمد بن عمران يغلظ عليهم
في النهي وربما أمر بإخراجهم إلى السجن. وكان
بعض الشيوخ على العكس منه فيرفق بهم ويسأل عن
أحوالهم ويتصدق عليهم فالأول تصرف بالشرع
والثاني بعين الحقيقة انتهى. وقال في الإكمال
لما تكلم على قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما
بنيت المساجد لما بنيت له" 1 قال بعض شيوخنا:
إنما يمنع في المساجد من عمل الصناعات ما يختص
بمنفعة آحاد الناس مما يتكسب به فلا يتخذ
المسجد متجرا فأما إن كانت لما يشمل المسلمين
في دينهم مثل المثاقفة وإصلاح آلات الجهاد مما
لا مهنة في عمله للمسجد فلا بأس به انتهى.
فرع: قال في الذخيرة ويجعل الماء العذب في
المساجد وكان في مسجد رسول الله صلى الله عليه
وسلم انتهى. ص: (وإناء لبول إن خاف سبعا) ش:
قال ابن العربي وكذلك الغريب إذا لم يجد أين
يدخل دابته فإنه يدخلها في المسجد إذا خاف
عليها من اللصوص انتهى. ص: (ومنع عكسه) ش:
تقدم الكلام على هذه المسألة في باب الإجارة
عند قول المصنف: "وسكنى فوقه" بما فيه كفاية.
فرع: قال ابن رشد في رسم نذر سنة من سماع ابن
القاسم من كتاب الجامع: لا خلاف أن لظاهر
المسجد من الحرمة ما للمسجد ولا يورث المسجد
ولا البنيان الذي فوقه
ـــــــ
1 رواه ابن ماجة في كتاب المساجد باب 11. مسلم
في كتاب المساجد حديث 79- 81. أحمد في مسنده
(3/ 349، 420).
(7/617)
كإخراج ريح،
ومكث بنجس،
__________
ويورث البنيان الذي تحته وإنما اختلف في صلاة
الجمعة عليه هل تكره ابتداء وتصح إن فعلت أو
لا تصح ويعيد أبدا والله أعلم. ص: (كإخراج
ريح) ش: عده المصنف في المحرمات وقال ابن
العربي في عارضته في باب تطييب المساجد في شرح
قول عائشة أمر عليه الصلاة والسلام ببناء
المساجد وأن تنظف وتطيب: ونظافتها أن لا تبقى
فيها قمامة من الخرق والقذى والعيدان وليس من
ذلك الحدث يكون فيه من ريح أو صوت ولا يناقض
تنظيفه تعليق قنو فيه من ثمر يأكله المساكين
ولا أكل ما فيه إذا وضع لقاطة أو سقاطة ما
يأكل في حجره أو كمه انتهى. وقال في باب المشي
إلى المسجد وانتظار الصلاة فيه في شرح قوله
صلى الله عليه وسلم: "لا تزال الملائكة تصلي
على أحدكم ما دام في المسجد اللهم اغفر له
اللهم ارحمه ما لم يحدث" 1 قال رجل من حضرموت
لأبي هريرة ما الحدث؟ قال: فساء أو ضراط. فيه
دليل على جواز إرسالهما في المسجد كما يرسله
في بيته إذا احتاج إلى ذلك وأن المسجد إنما
ينزه عن نجاسة عينية انتهى.
ص: (ومكث بنجس) ش: هذا الذي صدر به ابن شعبان
قال في التوضيح: قال في مختصر ما ليس في
المختصر ويجب على من رأى في ثوبه دما كثيرا في
الصلاة أن يخرج من المسجد ولا يخلعه فيه قال
وقد قيل يخلعه ويتركه بين يديه ويغطي الدم
انتهى. وقال القلشاني في شرح الرسالة من رأى
بثوبه كثير دم فقال ابن شعبان يخرج من المسجد
ولو كان في صلاة وقال غيره ينزعه ويتركه بين
يديه ساترا نجاسته ببعضه وقال القلشاني قلت
وعليهما الخلاف في إدخال النعل الذي لحقته
نجاسة في محفظة أو ملفوفة في خرقة كثيفة
انتهى. وقال الأقفهسي قال الجزولي ودخول
المسجد بالثوب النجس مكروه وكذلك نعليه إذا
كان فيهما نجاسة فلا يدخلهما المسجد حتى
يحكهما ولا يغسلهما فإن ذلك يفسدهما انتهى.
فما ذكره من الكراهة مخالف لما مشى عليه
المصنف وأما ما ذكره فظاهر ولا ينبغي أن يكون
خلافا والله
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الصلاة باب 87. كتاب
البيوع باب 49.
(7/618)
وكره أن يبصق
بأرضه وحكه، وتعليم صبي، وبيع وشراء، وسل سيف،
__________
أعلم. ص: (وبيع) ش: أي يكره البيع في المسجد.
وفي جامع الذخيرة وجوز مالك أن يساوم رجلا
ثوبا عليه أو سلعة تقدمت رؤيتها انتهى. وقال
الجزولي في شرح الرسالة ولا يجوز البيع في
المسجد ولا الشراء واختلف إذا رأى سلعة خارج
المسجد هل يجوز أن يعقد البيع في المسجد أم لا
قولان من غير سمسار وأما البيع بالسمسار فيه
فممنوع باتفاق فإن وقع البيع في المسجد فقال
ابن بطال الإجماع على أنه لا يفسخ وأنه ماض
انتهى من باب السلام والاستئذان وانظره في
الاعتكاف وقال الشيخ يوسف بن عمر وإن حضرت
السلعة والسوام
(7/619)
وإنشاد ضالة،
وهتف بميت، ورفع صوت. كرفعه بعلم، ووقيد نار،
ودخول كخيل لنقل،
__________
فذلك حرام. انتهى أوله بالمعنى. ص: (وإنشاد
ضالة) ش: قال الطرطوشي في كتاب البدع ولو لم
يرفع بذلك صوته ولكن يسأل عن ذلك جلساءه غير
رافع صوته فلا بأس بذلك لأنه من جنس المحادثة
وذلك غير ممنوع انتهى. يريد غير مكروه كما
يفهم من كلامه.
فرع: قال القرطبي في شرح مسلم في قوله إن عمر
مر بحسان ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه قال
أي أومأ إليه بعينه أن اسكت وهذا يدل على أن
عمر كان يكره إنشاد الشعر في المسجد وكان قد
بنى رحبة في خارج المسجد وقال من أراد أن يلغط
أو ينشد شعرا فليخرج إلى هذه الرحبة وقد اختلف
في ذلك فمن مانع مطلقا ومن مجيز مطلقا والأولى
التفصيل فما كان يقتضي الثناء على الله تعالى
أو على رسوله أو الذب عنهما كما كان شعر حسان
أو يتضمن الحث على الخير فهو حسن في المساجد
وغيرها وما لم يكن كذلك لم يجز لأن الشعر لا
يخلو في الغالب عن الكذب والفواحش والتزيين
بالباطل ولو سلم من ذلك فأقل ما فيه اللغو
والهذر والمساجد منزهة عن ذلك لقوله تعالى:
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ
وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36]
ولقوله عليه السلام: "إن هذه المساجد لا يصلح
فيها شيء من كلام الناس إنما هي للذكر والصلاة
وقراءة القرآن" انتهى.
فرع: قال الطرطوشي في الكتاب المذكور ولم أر
لمالك شيئا في كتابة المصاحف في المساجد قال
وأما الرجل المتقي الذي يصون المسجد ويكتب
المصاحف فظاهره الجواز انتهى.
فرع: وأما الوضوء في المسجد فقال الفاكهاني في
شرح الرسالة في قوله ويكره العمل في المساجد
من خياطة ونحوها حكى الباجي في الوضوء في صحن
المسجد قولين والقولان في الواضحة أيضا قال
ابن بشير رأيت بعض أشياخي توضأ في المسجد
وأظنه بلع المضمضة
(7/620)
وفرش أو متكأ،
__________
والاستنشاق أو كلاما هذا معناه انتهى. وقال في
آخر سماع موسى من كتاب الطهارة سئل ابن القاسم
في الذي يتوضأ في صحن المسجد وضوءا طاهرا فقال
لا بأس بذلك وتركه أحب إلي وسئل عنها سحنون
فقال لا يجوز قال ابن رشد لا وجه للتخفيف في
ذلك. وقول سحنون: "لا يجوز" أحسن لقوله تعالى:
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}
[النور: 36] فواجب أن ترفع وتنزه عن أن يتوضأ
فيها لما يسقط فيها من غسل الأعضاء من أوساخ
ولتمضمضه فيه أيضا وقد يحتاج إلى الصلاة في
ذلك الموضع فيتأذى المصلي بالماء المهراق فيه
وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"اجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم" .1 ولقد
كره مالك أن يتوضأ رجل في المسجد وأن يسقط
وضوءه في طست وذكر أن هشاما فعله فأنكر الناس
ذلك عليه ونقله ابن عرفة في كتاب الصلاة وقال
ابن ناجي في شرح الرسالة في هذا المحل قال
الباجي واختلف أصحابنا في الوضوء فأجازه ابن
القاسم في صحنه في رواية موسى بن معاوية وكرهه
سحنون لما في ذلك من مج الريق في المسجد قال
الباجي ورحاب المسجد كالمسجد في التنزيه
انتهى. قال في المدخل في الكلام على الإمام
والبدع المحدثة في المسجد لما تكلم على
الخلاوي المبنية على سطح المسجد وقد منع
علماؤنا الوضوء في المسجد ومن كان ساكنا في
سطوحه فإنه يتوضأ فيه وذلك ممنوع كما لو توضأ
داخل المسجد لأن حرمة سطحه كحرمته واختلف في
الخطيب إذا أحدث أثناء خطبته أو بعد فراغه هل
يجوز له أن يتوضأ في المسجد فروى ابن القاسم
أنه لا بأس أن يتوضأ في المسجد في صحنه وضوءا
طاهرا وكرهه مالك وإن كان في طست ومن يتوضأ في
سطحه أو في البيوت التي فيه إنما يتوضأ في
داخل المسجد وذلك ممنوع انتهى. وظاهره أنه
حرام لا يجوز وأن الخلاف إنما هو في الخطيب
فانظره مع ما تقدم. قال الزركشي من الشافعية
في أحكام المساجد. الثامن قال ابن المنذر أباح
كل من يحفظ عنه العلم الوضوء في المسجد أن لا
يتوضأ في مكان يتأذى الناس به فإنه مكروه
ويشترط أن لا يحصل تمخط بالاستنشاق ولا بصاق
بالمضمضة ونحو ذلك من التنخم وإلا فينتهي إلى
التحريم وحكى المازري عن بعضهم الجواز مع ذلك
لأن البصاق إذا خالطه الماء صار في حكم
المستهلك فكان كما تقدم وهو يقتضي أنه مع بقاء
العين يحرم ولا شك فيه، قال وينبغي أن يبلع
الماء الذي يتمضمض به للخلاص من ذلك وتحصل به
سنة المضمضة ثم
ـــــــ
1 رواه ابن ماجة في كتاب المساجد باب5. بلفظ:
"..واتخذوا على أبوابها المظاهر".
(7/621)
ولذي مأجل،
وبئر، ومرسال مطر. كماء يملكه منعه وبيعه، إلا
من خيف عليه ولا ثمن معه، والأرجح بالثمن،
كفضل بئر زرع خيف على زرع جاره بهدم بئره،
وأخذ يصلح، وأجبر عليه: كفضل بئر ماشية بصحراء
هدرا إن لم يبين الملكية،
__________
قال: وحكي عن مالك كراهته تنزيها للمسجد انظر
بقية كلامه. ص: (ولذي ماجل وبئر) ش: نبه
بقوله: "مأجل وبئر" على أنه لا فرق بين ما
ينقص بالاغتراف ولا يخلفه غيره كالماجل أو
يخلفه غيره كالبئر. ص: (بهدم بئر) ش: هو متعلق
بقوله: "خيف" فيفهم منه أنه زرع على ماء وأنه
لو زرع على غير أصل لم يجب على جاره دفع فضل
مائه له وهو كذلك. قال في
(7/622)
وبدئ بسافر وله
عارية آلة، ثم حاضر، ثم دابة ربها بجميع الري
وإلا بنفس المجهود وإن سال مطر بمباح سقي
الأعلى إن تقدم للكعب،
__________
المدونة في كتاب حريم الآبار: ولو حرث جار لك
على غير أصل ماء له فلك منعه أن يسقي بفضل ماء
بئرك التي في أرضك إلا بثمن إن شئت أبو الحسن
قالوا هذا إذا كان له ثمن ابن يونس أما إذا
كان لا ثمن له ولا ينتفع صاحبه بفضله فما الذي
يمنع الجار أن يبتدئ الزرع عليه وذكره أبو
إسحاق انتهى. وقال ابن رشد في شرح آخر مسألة
من نوازل عيسى من كتاب السداد والأنهار من حق
من قرب من المياه أن ينتفع بما فضل منها دون
ثمن إن لم يجد له صاحبه ثمنا باتفاق وإن وجد
فعلى اختلاف انتهى. ص: (وإن سال مطر بمباح سقى
الأعلى) ش: تصوره ظاهر وسئلت عن أرض كانت تشرب
بالسيل من قديم الزمان بغير
(7/623)
وأمر بالتسوية،
وإلا: فكحائطين، وقسم للمتقابلين. كالنيل وإن
ملك أولا قسم بقلد أو غيره، وأقرع للتشاح في
السبق، ولا يمنع صيد سمك وإن من ملكه
__________
تسبب للماء ثم يمر بعد شربها إلى أرض أسفل
منها ثم إن السيول تكاثرت وعظمت فأحرجت مشربها
وأحالت الماء من ممره القديم إلى ممر آخر فصار
يسقي السفلى وتعطلت العليا واندرس مشربها مدة
سنين فأراد أهل العليا أن يعمروا مشربهم
ويتسببوا للماء فمنعهم أهل السفلى فهل لهم ذلك
أم؟ لا فأجبت: أولا لأهل الأرض العليا أن
يعمروا مشربهم المندرس
(7/624)
وهل في أرض
العنوة فقط؟ أو إلا أن يصيد المالك تأويلان
وكلإ بفحص وعفى لم يكتنفه زرعه بخلاف مرجه
وحماه.
__________
وليس لأهل السفلى منعهم من ذلك وليس لأهل
الأرض العليا أن يسدوا المشرب الذي أحدثته
السيول للماء قبل بلوغه إلى أرضهم لأن الماء
غيث يسوقه الله إلى من يشاء قال الله تعالى:
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ
لِيَذَّكَّرُوا} [الفرقان: 50] يريد المطر
فإذا صرفه إلى قوم فلا ينبغي لأحد أن يقطعه
عنه ثم حصل عندي توقف في ذلك لكون الأرض التي
تسقى أسفل من الأرض الأخرى أما إذا كان المشرب
الذي انفتح تشرب به أرض أعلى من أرض هؤلاء
الذين يريدون سد المشرب المنفتح فليس لهم ذلك
بلا توقف وقطعت السؤال الذي كتبت عليه الجواب
أولا والله أعلم، والمسألة في سماع عيسى من
كتاب السداد والأنهار ونقله في النوادر ونقله
ابن عرفة والله سبحانه أعلم.
(7/625)
باب الوقف
صح وقف مملوك،
__________
باب وقف المملوك
قال ابن عرفة: الوقف مصدرا إعطاء منفعة شيء
مدة وجوده لازما بقاؤه في ملك معطيه ولو
تقديرا فتخرج عطية الذوات والعارية والعمرى
والعبد المخدم حياته يموت قبل موت ربه لعدم
لزوم بقائه في ملك معطيه لجواز بيعه برضاه مع
معطاه وقول ابن عبد السلام إعطاء منافع على
سبيل التأبيد يبطل طرده بالمخدم حياته ولا يرد
بأن جواز بيعه ممنوع اندراجه تحت التأبيد لأن
التأبيد إنما هو في الإعطاء وهو صادق على
المخدم المذكور لا في لزوم بقائه في ملك معطيه
وهو اسما ما أعطيت منفعته مدة إلى آخره وصرح
الباجي ببقاء ملك المحبس على محبسه وهو لازم
تزكية حوائط الإحباس على ملك محبسها وقول
اللخمي آخر الشفعة الحبس يسقط ملك المحبس غلط
انتهى. ويخرج من حد ابن عرفة الحبس غير المؤبد
وقد صرح بجوازه ابن الحاجب والمصنف ثم قال ابن
عرفة وهو مندوب إليه لأنه من الصدقة ويتعذر
عروض وجوبه بخلاف الصدقة انتهى. وقال في
المقدمات والإحباس سنة قائمة عمل بها رسول
الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده
انتهى. وقال في اللباب حكمه الجواز خلافا لأبي
حنيفة وحقيقته لغة الحبس وشرعا حبس عين لمن
يستوفي منافعهما على التأبيد انتهى. قال
النووي وهو مما اختص به المسلمون. قال الشافعي
رضي الله عنه لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمته
دارا ولا أرضا تبررا بحبسها وإنما حبس أهل
الإسلام انتهى. وقوله: "مملوك" تصوره واضح
واحترز به من وقف الإنسان نفسه على نوع ما من
العبادات كذا ذكر ابن عبد السلام عن الغزالي
ولما كان كلامه شاملا لكل مملوك بين ما هو
داخل وما فيه تردد بقوله وإن بأجرة إلى قوله
تردد وظاهر كلامه سواء كان مشاعا أو غير مشاع
قال ابن الحاجب يصح في العقار المملوك لا
المستأجر من الأراضي والديار والحوانيت
والحوائط والمساجد والمصانع والآبار والقناطر
والمقابر والطرق شائعا وغيره. قال في التوضيح:
قوله "شائعا أو غيره" يعني يجوز وقف العقار
سواء كان شائعا كما لو وقف نصف دار أو غير
شائع ولا يريد المصنف أنه يجوز وقف المشاع من
غير إذن شريكه فإن ذلك لا يجوز ابتداء أعني
فيما لا يقبل القسمة واختلف إن
(7/626)
__________
فعل هل ينفذ تحبيسه أم لا وعلى الثاني اقتصر
اللخمي آخر الشفعة. قال لأن الشريك لا يقدر
على بيع جميعها وإن فسد فيها شيء لم يجد من
يصلحه معه واختار ابن زرب الأول اللخمي وإن
كانت مما تنقسم جاز له الحبس إذ لا ضرر عليه
في ذلك. وسأل ابن حبيب ابن الماجشون عمن له
شرك في دور ونخل مع قوم فتصدق بحصته من ذلك
على أولاده أو غيرهم صدقة محبسة ومنها ما
ينقسم ومنها ما لا ينقسم ومن الشركاء من يريد
القسم؛ قال يقسم بينهم ما انقسم فما أصاب
المتصدق منها فهو على التحبيس وما لا ينقسم
بيع فما أصاب المتصدق من الثمن في حصته اشترى
به ما يكون صدقة محبسة في مثل ما سبلها فيه
المتصدق واختلف هل يقضى عليه بذلك انتهى.
وبعضه في ابن عبد السلام وقال ابن عرفة وإطلاق
ابن شاس وابن الحاجب إجازته في الشائع كقولها
في آخر الشفعة. قال مالك إن حبس أحد الشريكين
في دار حظه منها على رجل وولده وولد ولده فباع
شريكه حظه منها فليس له ولا للمحبس عليهم أخذه
بالشفعة إلا أن يأخذه بالحبس فيجعله في مثل ما
جعل حظه فيه. اللخمي إن كانت الدار تحمل القسم
جاز الحبس إذ لا ضرر على شريكه بذلك إن كره
البقاء على الشركة قاسم
قلت: هذا على أن القسم تمييز حق وعلى أنه بيع
يؤدي إلى بيع الحبس إلا أن يقال الممنوع بيعه
ما كان معينا لا المعروض للقسم لأنه كالمأذون
في بيعه من محبسه. قال وإن كان مما لا ينقسم
فللشريك رد الحبس.
قلت: ومثله في نوازل الشعبي. قال وإن كان علو
وسفل لرجلين فلرب العلو رد تحبيس ذي السفل
لأنه إن فسد منه شيء لم يجد من يصلحه ولرب
السفل رد تحبيس ذي العلو للضرر متى وهي منه ما
يفسد سفله والحائط كالدار فيما ينقسم وما لا
ينقسم.
قلت: ومثل إطلاقها في تحبيس الشريك في الدار
وقع في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن
القاسم من الشفعة فتكلم فيه ابن رشد بحكم
الشفعة وأعرض عن حكم الحبس المشاع. ولابن سهل
عن ابن زرب اختلف أهل العلم فيمن له حصة في
دار لا تنقسم فحبسها فقال بعضهم تحبيسه لا
ينفذ وأجازه بعضهم وبإجازته أقول ثم ذكر كلام
ابن الماجشون ثم قال قلت في جواز تحبيس مشاع
ربع ورثوه مشترك فيه مطلقا ووقفه على إذن
شريكه فيما لا ينقسم وإلا بطل ثالثها يجوز
مطلقا أو يجعل ثمن الحظ المحبس مما لا ينقسم
مثل ما حبسه فيه لظاهرها مع ظاهر سماع ابن
القاسم ونص ابن زرب عن اللخمي والمذهب وابن
حبيب مع ابن الماجشون ويتخرج القول بالجواز في
العلو والسفل انتهى. وأقوى الأقوال الثاني
لجعله اللخمي المذهب ابن عرفة المتيطي إن أقر
بعض الورثة بتحبيس ربع نفذ إقراره في حظه فقط
قلت: مثله في النوادر لعبد الملك وظاهره نفوذه
مطلقا ولو كان فيما لا ينقسم. وهذا
(7/627)
__________
على القول بجوازه مطلقا في تحبيس المشاع واضح
وعلى وقفه على إذن شريكه فيه نظر. قال وأشد ما
على المنكر الحلف على أنه لا يعرف أن المحبس
حبس عليهم.
قلت: يريد إن كان ممن يظن به العلم. قال وليس
له رد اليمين لأن الحبس لا يملك ملك المبيع
لأن مصيره للأعقاب والمرجع ولا يحلف أحد عن
أحد ولو نكل إذا ردت اليمين عليه لم يبطل
الحبس عليه بنكوله فهذه وجوه تمنع رد اليمين
في الحبس والباجي اختلف هل على المنكر يمين
فقال بعضهم عليه اليمين وبعضهم لا يمين عليه
ابن زرب نزلت في رجل حبس مالا وثبت حوزه فادعى
بعض ورثته أن الحبس رجع إليه وسكن فيه حتى مات
وأراد تحليف المحبس عليهم فقلت لا يمين عليهم
وقال بعض فقهاء عصرنا عليهم اليمين وهو عندي
خطأ انتهى. وقول ابن الحاجب: "والمقابر" نقله
ابن عرفة عن اللخمي ثم قال يريد بالمقابر
المتخذة حيث يجوز اتخاذها سمع ابن القاسم ثم
ذكر كلام السماع مختصرا ولنأت بالسماع من أصله
ونصه وسئل عن فناء قوم كانوا يرمون فيه وفيه
عرض لهم ثم إنهم غابوا عن ذلك فاتخذ مقبرة ثم
جاءوا فقالوا نريد أن نسوي هذه المقابر ونرمي
على حال ما كنا نرمي فقال مالك أما ما قدم
منها فأرى ذلك لهم وأما كل شيء جديد فلا أحب
لهم درس ذلك. ابن رشد أفنية الدور المتصلة
بطريق المسلمين ليست بملك لأرباب الدور
كالأملاك المحوزة التي لأربابها تحجيرها على
الناس لما للمسلمين من الارتفاق بها في مرورهم
إذا ضاق الطريق عنهم بالأحمال وشبهها إلا أنهم
أحق بالانتفاع بها فيما يحتاجون إليه من الرمي
وغيره فمن حقهم إذا اتخذت مقبرة في مغيبهم أن
يعودوا إلى الانتفاع بالرمي فيها إذا قدموا
إلا أنه كره لهم درسها إذا كانت جديدة مسنمة
لم تدرس ولا عفت لما في درس القبور وروي أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يمشي
أحدكم على الرضف خير له من أن يمشي على قبر
أخيه" وقال: "إن الميت يؤذيه في قبره ما يؤذيه
في بيته" . وقال ابن أبي زيد: إنما يكره درسها
لأنها من الأفنية ولو كانت من الأملاك المحوزة
لم يكره ذلك وكان لهم الانتفاع بظاهرها وروي
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال
واروا في باطنها وانتفعوا بظاهرها. قال ابن
رشد ولو كانت من الأملاك المحوزة قد دفن فيها
بغير إذنهم لكان من حقهم نبشهم منها وتحويلهم
إلى مقابر المسلمين وقد فعل ذلك بقتلى أحد لما
أراد معاوية إجراء العين التي إلى جانب أحد
أمر مناديا فنادى في المدينة من كان له قتيل
فليخرج إليه وينبشه وليحوله. قال جابر
فأتيناهم فأخرجناهم من قبورهم رطابا لينين
انتهى. ابن عرفة في استدلاله بفعل معاوية نظر
لأن قتلى أحد ما أقبروا إلا حيث جاز إقبارهم
واستدلاله بإخراجهم يوهم كون القبر غير حبس
والأقرب أنه فعله لتحصيل منفعة عامة حاجية
حسبما يأتي في بيع الحبس لتوسعة جامع الخطبة
ولابن عات سئل بعضهم أيجوز حرث البقيع بعد
أربعين سنة دون دفن فيه وأخذ ترابه للبناء؟
قال الحبس لا يجوز أن يتملك انتهى. ولم يظهر
لي في تعقيب ابن عرفة وجلبه لهذا الكلام كبير
(7/628)
وإن بأجرة، ولو
حيوانا، ورقيقا:
__________
فائدة فتأمله والله أعلم. ص: (وإن بأجرة) ش:
هذا خلاف قول ابن الحاجب المتقدم "لا
المستأجر". قال ابن عبد السلام في قول ابن
الحاجب "المملوك". ويمكن أن يريد المؤلف بهذا
القيد اشتراط ملك الرقبة وإن ملك المنفعة
وحدها لا يكفي في التحبيس ويدل على ذلك قوله:
"إلا المستأجر" فيكون مراده المملوك رقبته لا
منفعته بخصوصيتها والأحسن أن يظهر فاعل اسم
المفعول فيقول: "المملوك رقبته" ويقول لا
منفعة ويبقى مطلق المنفعة المقابل للرقبة ولا
يختص ذلك بمنفعة الاستئجار انتهى. وقال ابن
عرفة: وقول ابن الحاجب ويصح في العقار المملوك
لا المستأجر انتصارا لقول ابن شاس: "لا يجوز
وقف الدار المستأجرة". وفي كون مراد ابن شاس
إن وقف مالك منفعتها أو بائعها نظر وفسره ابن
عبد السلام في لفظ ابن الحاجب بالأول وهو بعيد
لخروجه بالمملوك والأظهر الثاني وفي نقله
الحكم بإبطاله نظر لأن الحبس إعطاء منفعة
دائما وأمد الإجارة خاص بالزائد عليه يتعلق به
الحبس لسلامته من المعارض ثم في لغو حوز
المستأجر للحبس فيفتقر لحوزه بعد أمد الإجارة
وصحته له فيتم من حين عقده قولان مخرجان على
قولي ابن القاسم وأشهب في لغو حوز المستأجر ما
في إجارته لمن وهب له بعد إجارته وصحته له
انتهى. والذي استظهره في كلام ابن شاس فهمه
القرافي عليه ونصه.
فرع: قال في الجواهر: يمنع وقف الدار
المستأجرة لاستحقاق منافعها للإجارة فكأنه وقف
ما لا ينتفع به ووقف ما لا ينتفع به لا يصح
انتهى. وهذا التوجيه ليس بظاهر بل الظاهر قول
ابن عرفة بصحة الحبس فتأمله والله أعلم.
واستبعاد ابن عرفة حمل ابن عبد السلام قول ابن
الحاجب على المعنى الأول ليس بظاهر لقوله في
ترجمة الإجارة في الصناعات من كتاب الإجارة من
المدونة ولا بأس أن يكري أرضه على أن تتخذ
مسجدا عشر سنين فإذا انقضت كان النقض له
انتهى. ونقله المصنف في الإجارة ولأن الوقف لا
يشترط فيه التأبيد إلا أن كلام ابن عرفة جار
على ما قدمه في حد الوقف وتقدم أنه يخرج من
حده الحبس غير المؤبد. قال الرصاع في شرح حدود
ابن عرفة فإن قلت إذا اكترى أرضا عشر سنين
ليصيرها حبسا مسجدا في تلك المدة فكيف يصدق
عليها حد الشيخ يعني ابن عرفة قلت: هذه الصورة
ذكروها في الحبس وقالوا لا يشترط كون المحبس
مالك الرقبة بل ما هو أعم كالمنفعة وإلى ذلك
أشار خليل بقوله: "وإن بأجرة" فيحتاج هذا إلى
تأمل في دخولها انتهى كلام الرصاع والله أعلم.
ص: (ولو حيوانا) ش: تصوره واضح.
(7/629)
__________
فرع: وأما الثياب فقال ابن عرفة وفي الثياب
طريقان اللخمي في جوازها ومنعه قولان لها
ولنقل ابن العطار مع القاضي الباجي لابن
القاسم في العتبية لم أسمع من مالك في الثياب
شيئا ولا بأس به وأجازه أشهب فعلى جوازه يلزم
لموافقته الشرع وكونه من العقود اللازمة وعلى
كراهته ففي جوازه ولزومه روايتان.
قلت: يريد بالجواز عدم اللزوم لا أحد أحكام
الأقسام الخمسة وإلا لزم كون قسيم الشيء قسما
منه وهو محال انتهى. ثم قال وقول اللخمي
والمتيطي الأصل في تحبيس ما سوى الأرض قوله
صلى الله عليه وسلم: "من حبس فرسا في سبيل
الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده فإن شبعه
وريه في ميزانه" 1. أخرجه البخاري. وهو شنيع
في فهمه إن ضبط باء حبس بالتخفيف وفي روايته
إن ضبطها بالتشديد وفي مثل هذا كان بعض من
لاقيناه يحكي عن بعض شيوخه أنه كان يقول
استدلالات بعض شيوخ مذهبنا لا ينبغي ذكرها خوف
اعتقاد سامعها ولا سيما من هو من غير أهل
المذهب، إن حال أهل المذهب أو جلهم مثل هذا
المستدل. قال ولقد رأيت لبعض متكلمي المتقدمين
ردا على المنجمين وددت أنه لم يقله لسخافته
ورأيت للآمدي ردا عليهم ليس منصفا وقف عليه
انتهى.
قلت: كلامه رحمه الله يقتضي أن لفظ الرواية في
البخاري "حبس" بتخفيف الباء على وزن "نصر"
والذي في البخاري في كتاب الجهاد عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه
وسلم "من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا
وتصديقا بوعده فكان شبعه وريه وروثه وبوله في
ميزانه يوم القيامة" 1. انتهى. فلفظ البخاري
"احتبس" على وزن "افتعل" وكذلك نقله المنذري
في الترغيب والترهيب عن البخاري ومقتضى كلام
ابن عرفة رحمه الله إن حبس بالتخفيف ليس معناه
أوقف وهو مخالف لما قاله القاضي عياض في
المشارق ونصه في باب الجامع في قوله وأما خالد
فإنه احتبس أدراعه أي أوقفها في سبيل الله
واللغة الفصيحة أحبس. قاله الخطابي ويقال
"حبس" مخففا و"حبس" مشددا انتهى. فدل كلام
القاضي على أن "حبس" بالتخفيف بمعنى "حبس"
بالتشديد وهو الوقف فصح ما قاله اللخمي
والمتيطي
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الجهاد باب 45.
النسائي في كتاب الخيل باب 11. أحمد في مسنده
(3/ 374) بلفظ: "احتبس" بدل "حبس".
(7/630)
كعبد على مرضى
لم يقصد ضرره وفي وقف: كطعام: تردد على أهل
للتملك:
__________
هذا إذا كانا نقلا الحديث بلفظ "حبس" وإن كانا
نقلاه بلفظ "احتبس" كما هو في صحيح البخاري
فحرفه النساخ فمعنى احتبس أوقف كما تقدم كذا
قال النووي وغيره فصح ما قالاه أن الحديث
المذكور أصل في تحبيس ما سوى الأرض وكذا حديث
خالد كما قاله القاضي عياض في شرح مسلم وبقي
النظر فيما اقتضاه كلامه من أن الرواية حبس
فإنه خلاف ما في صحيح البخاري والله أعلم. ص:
(كعبد على مرضي) ش: انظر المتيطي. ص: (وفي وقف
كطعام تردد) ش: أتى بالكاف لتدخل المثليات
ويشير بالتردد لما ذكره في الجواهر من منع وقف
الطعام إن حمل كلامه على ظاهره وما ذكره في
البيان أن وقف الدنانير والدراهم وما لا يعرف
بعينه إذا غيب عليه مكروه.
تنبيه: قال في الشرح الكبير: في هذا التردد
نظر لأنك إن فرضت المسألة فيما إذا قصد بوقف
الطعام ونحوه بقاء عينه فليس إلا المنع لأنه
تحجير من غير منفعة تعود على أحد وذلك مما
يؤدي إلى فساد الطعام المؤدي إلى إضاعة المال
وإن كان على معنى أنه أوقفه للسلف إن احتاج
إليه محتاج ثم يرد عوضه فقد علمت أن مذهب
المدونة وغيرها الجواز والقول بالكراهة ضعيف
وأضعف منه قول ابن شاس إن حمل على ظاهره والله
أعلم انتهى. قال في التوضيح ولعل مراد المصنف
يعني ابن الحاجب وابن شاس أنه لا يصح وقفه
بشرط بقاء عينه انتهى. وقال في الشامل وفيها
جواز وقف الدنانير والدراهم وحمل عليه الطعام
وقيل يكره انتهى. ص: (على أهل للتملك) ش: هذا
الضابط ليس بشامل لخروج نحو المسجد والقنطرة
منه،
(7/631)
كمن سيولد،
__________
والصواب ما قاله ابن عرفة المحبس عليه ما جاز
صرف منفعة الحبس له أو فيه وإن كان معينا يصح
رده اعتبر قبوله ابن شاس لا يشترط في صحة
الموقوف عليه قبوله إلا أن يكون معينا أهلا
للرد والقبول وفي كون قبوله شرطا في اختصاصه
به أو في أصل الوقف خلاف انتهى. ص: (كمن سيولد
له) ش: تصوره واضح ولا معارضة بينه وبين قوله
بعد هذا كعلى ولدي ولا ولد له في كونه جعل له
بيعه لأنه هنا تكلم على صحة الوقف وهناك على
لزومه وهما متغايران. قال ابن عرفة المتيطي
المشهور المعمول عليه صحته على الحمل ابن
الهندي زعم بعضهم أنه لا يجوز على الحمل
والروايات واضحة بصحته على من سيولد له وبها
احتج الجمهور على الحمل وفي لزومه بعقده على
من يولد قبل ولادته قولا ابن القاسم ومالك
لنقل الشيخ روى محمد بن المواز وابن عبدوس لمن
حبس على ولده ولا ولد له بيع ما حبسه ما لم
يولد له ومنعه ابن القاسم قائلا لو جاز لجاز
بعد وجود الولد وموته.
قلت: يرد بأنه لما لزم بوجوده استمر ثبوته
لوجود متعلقه وقبله لا وجود لمتعلقه حكما
والأولى احتجاج غيره بأنه حبس قد صار على
مجهول من يأتي فصار موقوفا أبدا ومرجعه لأولى
الناس بالمحبس ولهم فيه متكلم انتهى. وهو قريب
من قول ابن الماجشون. قال ابن الحاجب ولو قال:
"على أولادي ولا ولد له" ففي جواز بيعه قبل
إياسه قولان. ابن الماجشون يحكم بحبسه ويخرج
إلى يد ثقة ليصح الحوز وتوقف ثمرته فإن ولد له
فلهم وإلا فلأقرب الناس إليه. قال في التوضيح
قول ابن الماجشون ثالث يرى أن الحبس قد تم وإن
لم يولد له رجع إلى أقرب الناس بالمحبس وقوله:
"فإن ولد له فلهم" أي الحبس والثمرة وإذا بقي
وقفا عليهم رد إليه لأنه يصح حوزه لولده قاله
الباجي انتهى. ومن التوضيح عن ابن القاسم قال
وإن مات قبل أن يولد له صار ميراثا انتهى.
مسألة: سئلت عنها وهي رجل. قال في كتاب وقفه
أوقف كاتبه الدار الفلانية على ولده فلان ثم
بعده على أولاده الثلاثة فلان وفلان وفلان
وعلى من يحدثه الله له من الأولاد هل الضمير
في قوله: "له" يرجع إلى الواقف أو إلى الولد؟
فأجبت: أن الظاهر عوده على الولد لأنه الأقرب
وهو الذي يدل عليه السياق فقال السائل أن
الواقف قال في وصيته إني أوقفت الدار على ولدي
فلان وعلى من يحدثه الله لي
(7/632)
وذمي
__________
من الأولاد فبين مرجع الضمير فأجبت بأنه يقبل
قوله فإن ابن رشد قال في أجوبته يجب أن يتبع
قول المحبس في وجوه تحبيسه فما كان من نص جلي
لو كان حيا فقال إنه أراد ما يخالفه لم يلتفت
إلى قوله ووجب أن يحكم به ولا يخالف حده فيه
إلا أن يمنع منه مانع من جهة الشرع وما كان من
كلام محتمل لوجهين فأكثر حمل على أظهر
محتملاته إلا أن يعارض أظهرهما أصل فيحمل على
الأظهر من باقيها إذا كان المحبس قد مات ففات
أن يسأل عما أراد بقوله من محتملاته فيصدق فيه
إذ هو أعرف بما أراد وأحق ببيانه من غيره
انتهى. فعلم منه إذا كان حيا وفسر اللفظ بأحد
احتمالاته قبل تفسيره ولو كان خلاف الظاهر ولا
يقبل قوله في الصريح إذا ادعى أنه أراد خلاف
معناه والله أعلم. ثم رأيت في مسائل الحبس من
البرزلي إذا قال حبس على فلان وكل ولد يحدثه
الله له فقط فالضمير عائد على الابن المحبس
عليه لدلالة اللفظ عليه لأن الضمير يعود على
الأقرب انتهى.
فرع: قريب من هذا المعنى قال القرافي في
الذخيرة في باب الحبس من كتاب الدعوى فرع وقع
فيه النزاع بين فقهاء العصر وهو بعيد ينبغي
الوقوف عليه وهو إذا قال الواقف فمن مات منهم
فنصيبه لأهل طبقته وقد تقدم قبل هذا الشرط ذكر
الواقف فبقي الضمير دائرا بين طبقة الواقف
والموقوف عليه فينبغي تعيين المقصود في
الكتابة وإذا نص على طبقة الموقوف عليه فيميز
بين الأخ وابن العم مع ابن عمه الجميع أولاد
عم وهو مع أخيه الكل إخوة فكلا الجهتين طبقة
واحدة فينبغي أن يبين ذلك فيقول من إخوته أو
يقول الأقرب فالأقرب فيتعين الأخ فإنه وإن كان
في الطبقة وابن العم كذلك إلا أن الأخ أقرب
فإن قال الأقرب فالأقرب فأفتوا بالتسوية في
الشقيق والأخ للأب فإن حجب الشقيق له ليس
بالقرب بل بالقرعة فإن قال طبقته وسكت فأفتى
بعضهم بالأخ دون ابن العم. قال لأنه حمل اللفظ
على أتم مراده وبعض الفقهاء يتوهم أنه إذا قيل
في طبقته فلا احتمال فيه وليس كما قال لما
بينت لك انتهى. وقوله فلا احتمال فيه أنه إذا
قيل في طبقته فإنما يدخل الإخوة فقط دون بني
عم العم من غير احتمال فحاصله أنه إذا قيل رجع
نصيبه لمن في طبقته ولم يزد على ذلك إنما
يتنزل منزلته إخوته فقط دون بني عم إما أصالة
كما قال بعضهم أو يحمل اللفظ على أتم
(7/633)
وإن لم تظهر
قربة أو يشترط تسليم غلته من ناظره ليصرفها،
أو ككتاب عاد عليه بعد صرفه في مصرفه وبطل على
معصية، وحربي.
__________
مراده كما قاله القرافي والله أعلم وهو فرع
حسن. ص: (وذمي) ش: ابن عرفة تبع ابن الحاجب
ابن شاس في قوله: "يجوز الوقف على الذمي"
وقبله ابن عبد السلام ولا أعرف فيها نصا
للمتقدمين والأظهر جريها على حكم الوصية
انتهى. وقال المواق في نوازل ابن الحاج من حبس
على مساكين اليهود والنصارى جاز لقوله تعالى:
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ} [الإنسان: 8]
ونقله ابن غازي في قول المصنف: "وأقاربه أقارب
جهتيه وإن نصارى". ص: (وبطل على معصية) ش:
وانظر الوقف على المكروه والظاهر أنه إن كان
مختلفا فيه فإنه يمضي وإن اتفق على كراهته فلا
يصرف في تلك الجهة ويتوقف في بطلانه أو صرفه
إلى جهة قربه وكذا قال الشيخ أبو عبد الله بن
الحاج في المدخل في فصل الأذان جماعة بعد أن
قرر أن الأذان جماعة على صوت واحد مكروه. قال
وفعلهم ذلك لا يخلو إما أن يكون لأجل الثواب
فالثواب لا
(7/634)
وكافر لكمسجد،
أو على بنيه دون بناته
__________
يكون إلا بالاتباع أو لأهل الجامكية والجامكية
لا تصرف في بدعة كما أنه يكره الوقف عليها
ابتداء انتهى. ص: (وكافر لكمسجد) ش. قال في
الإكمال في كتاب الصلاة لما تكلم على بناء
مسجده صلى الله عليه وسلم قال المازري أما نبش
القبور وإزالة الموتى فيمكن أن يقال لعله أن
أصحاب الحائط لم يملكوهم تلك البقعة على
التأبيد أو لعله تحبيس وقع منهم في حال الكفر
والكافر لا تلزمه القربة كما قالوا إذا أعتق
عبدا وهما كافران أن له أن يرده في الرق قبل
إسلامهما ما لم يخرج من بلده ولم يقر أن أيدي
أصحاب الحوائط زالت عن القبور لأجل من دفن
فيها. قال عياض لا يشترط في تحبيس أهل الكفر
بقاء أيديهم أو زوالها إذ القربة لا تصح منهم
وعقودهم فيها غير لازمة فلهم عند أشياخنا بلا
خلاف الرجوع في أحباسهم ومنعها والتصرف فيها
كيف شاءوا ويفترق من العتق الذي شرط في إمضائه
شيوخنا خروجه من يده إذ صار ذلك حقا للمعتق
برفع يده عنه وتسريحه إياه وتمليكه نفسه فأشبه
عقود هباتهم وأعطيتهم اللازمة انتهى. ص: (وعلى
بنيه دون بناته) ش: أما إذا لم يجعل لهم نصيبا
فظاهر وإذا شرط إخراجهن إذا تزوجن فصرح في أول
رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس بأن ذلك
من إخراج البنات من الحبس وأنه يبطل وانظر لو
حبس على البنات دون البنين وظاهر كلام المتيطي
أنه صحيح فإنه لما ذكر صفة ما يكتب في اشتراط
المحبس أن يكون الحبس لبنيه دون بناته عقبه
بالخلاف في صحة ذلك ثم ذكر بعده صفة ما يكتب
في اشتراط المحبس أن يكون الحبس لبناته دون
بنيه ولم يذكر فيه خلافا فدل كلامه على أنه
جائز والله أعلم. وهو أيضا ظاهر كلام مالك في
العتبية وكلام ابن رشد عليها ونص كلام مالك في
آخر الرسم الأول من سماع ابن القاسم من كتاب
الحبس وهي آخر مسألة منه سئل مالك عن رجل تصدق
على بناته حبسا فإذا انقرض بناته فهي لذكور
ولده وهو صحيح مبتل ذلك لهذا فيكون للإناث حتى
يهلكن جميعهن وللرجل يوم هلكن كلهن ولد وولد
ولد ذكور فقال ولد الولد نحن من ولده ندخل في
صدقة جدنا وقال ولده لصلبه نحن آثر وأولى فقال
مالك أرى أن يدخل معهم ولد الولد. قال ابن رشد
قوله: "إنه يدخل ولد الولد" بقوله: "فهي لذكور
ولده" صحيح على المشهور في المذهب لأن ولد
الولد الذكر بمنزلة الولد إذا لم يكن ولد في
الميراث،
(7/635)
أو عاد لسكنى
مسكنه قبل عام، أو جهل سبقه لدين: إن كان على
محجوره، أو على نفسه، ولو بشريك،
__________
فلما كان له حكم الولد في الميراث وجب أن يدخل
في الحبس وكذلك يدخل مع بناته لصلبه إذا تصدق
على بناته بصدقة حبس بنات بنيه الذكور لأن بنت
الابن بمنزلة الابن في الميراث إذا لم يكن ابن
ولا ابنة فلا شيء لذكور ولد المحبس في هذه
المسألة حتى تنقرض بناته وبنات بنيه الذكور
انتهى. فقول ابن رشد: "فلا شيء لذكور ولد
المحبس إلى آخره" مع جواب مالك عما سئل عنه من
دخول ولد الولد مع الأولاد وعدم تعرضه للحكم
في تخصيص البنات دون البنين يدل على جواز ذلك
ولو لم يكن ذلك جائزا لما سكت عنه فتأمله
والله أعلم. ص: (أو عاد لسكنى منزله قبل عام)
ش: وأما إن عاد إلى السكنى بعد عام فلا يبطل
وهذا في حق من يحوز لنفسه وأما من يحوز له
الواقف فإنه إن عاد إلى السكنى بطل الحبس
والهبة
(7/636)
أو على أن
النظر له، أو لم يحزه كبئر وقف عليه، ولو
سفيها،
__________
انظر التوضيح وابن عرفة في كتاب الهبة وانظر
كلام الشيخ مرزوق في شرح الرسالة فإن لم يدع
سكناه حتى مات بطلت. ص: (أو على أن النظر له)
ش: هذا إذا لم يكن على صغار ولده أو من في
حجره وأما من كان كذلك فهو الذي يتولى حيازة
وقفهم والنظر لهم كما صرح به في المدونة
وغيرها والله أعلم.
مسألة: سئلت عن رجل أوقف وقفا وشرط النظر
لنفسه مدة حياته وحكم بصحة الوقف قاض مالكي
فانتقل القاضي المذكور والواقف بالوفاة بعد
مدة فدعت زوجة الواقف أولاده إلى قاض مالكي
آخر في ميراثها من الأرض الموقوفة فأظهروا
كتاب الوقف فأبطله وحكم لها بإرثها فهل يصح
نقض الثاني أم لا؟ فأجبت حكم القاضي الأول
بصحة الوقف مخالف لمذهب إمامه وقد أخطأ في ذلك
ولكن لا يجوز لغيره أن ينقضه إذا كان ذلك
القاضي الأول ممن تنفذ أحكامه بأن يكون غير
معروف بالجور وأنه يتعمد الأمور الباطنة أو
بأنه يحكم بالجهل من غير مشاورة العلماء فإن
كان كذلك فحكمه باطل على كل حال وكذلك الثاني
إن كان معروفا بالجور أو بأنه يحكم بالجهل من
غير مشاورة العلماء فأحكامه أيضا باطلة والله
سبحانه أعلم. ص: (أو لم يحزه كبير ولو سفيها)
ش: أشار بقوله سفيها إلى أن حيازة السفيه لما
أوقف عليه جائزة على القول الراجح وفي وثائق
الباجي أنها لا تصح وظاهر كلام المصنف أن
حيازة السفيه لما وقف عليه مطلوبة ابتداء وليس
كذلك بل الحائز له ابتداء وليه أو وصيه أو من
يقدمه القاضي له وإنما الخلاف إذا حاز لنفسه
هل يصح حوزه أم لا؟ فالقول الراجح وهو الذي
مشى عليه المصنف أن حيازته لما وقف عليه جائزة
والذي في وثائق الباجي أنها لا تصح قاله ابن
رشد ونقله في التوضيح ونقله الشارح والخلاف في
صحة حيازة السفيه وعدم صحتها إنما هو إذا كان
له ولي. قال في الشامل فإن لم يكن له ولي جازت
حيازته اتفاقا انتهى. وقاله ابن راشد ونقله في
التوضيح وأما حيازة وليه له فجائزة بلا خلاف
بل هو المطلوب ابتداء ولا يقال ظاهر كلام
المؤلف أن الموقوف عليه إذا كان كبيرا سفيها
فلا تكفي حيازة المولى له ولا بد من حوزه لما
تقدم من أن الحائز له ابتداء إنما هو وليه
ويفهم ذلك من قول المصنف بعد "إلا لمحجوره".
ص: (أو ولي صغير) ش: أشار به إلى أن الحكم
ابتداء في الصغير أن الحائز له وليه ولو حاز
لنفسه لصح حوزه كالسفيه فحكم
(7/637)
أو ولي صغير،
أو لم يخل بين الناس وبين، كمسجد قبل فلسه،
وموته ومرضه، إلا لمحجوره إذا
__________
الصغير كالسفيه. قال في كتاب الطرر ومن تصدق
على صغير من أب أو غيره ثم أسلم الصدقة إلى
ذلك الصغير وحازها في صحة المتصدق بها فإنها
حيازة تامة وإن كان الحائز صغيرا وتنفذ الصدقة
إلا أنه يكره ابتداء أن يحوز الصغير فإن وقع
نفذ.
تنبيهان: الأول: حكم الهبة حكم الوقف نقله ابن
عرفة في كتاب الهبة وحكى القولين والله أعلم
الثاني: قال في الشامل وصح أي الحوز بوكالة من
المحبس عليه وإن بحضوره وإن قدم الواقف من
يحوز له جاز وفي الهبة والصدقة يجوز للغائب
فقط. ص: (قبل فلسه وموته ومرضه) ش: دخل في
المرض الجنون. قال في المتيطية قال ابن القاسم
في العتبية وكذلك إن فقد عقله قبل أن تحاز عنه
الصدقة بطلت يريد إلا أن يرجع إليه عقله قبل
أن تحاز الصدقة عنه أو يصح من مرضه قبل أن
يفوت فتنفذ الصدقة ويؤخذ منه انتهى. ص: (إلا
لمحجوره) ش: قال
(7/638)
أشهد، وصرف
الغلة له، ولم تكن دار سكناه، أو على وارث
بمرض موته إلا معقبا خرج من ثلثه، فكميراث
للوارث: كثلاث أولاد، وأربعة أولاد أولاد
وعقبه وترك أما وزوجة فيدخلان فيما للأولاد،
وأربعة أسباعه لولد الولد: وقف،
__________
في الشامل: وفي حوز الحاضن ثالثها إن كان أما
أو جدة صح ورابعها إن كان غير جدة وأخ وإلا
فلا والمنصوص ليس بحوز مطلقا فلو شهدت بينة أن
الأب صرف الغلة في مصالح نفسه فالمشهور
البطلان والله أعلم. ص: (أو على وارث بمرض
موت) ش:. قال ابن الحاجب وإن شرك فما خص
الوارث فميراث ويرجع بعد موت الوارث إلى
مرجعه. قال في التوضيح يعني فإن شرك المريض
الوارث في الوقف مع غيره فذلك لا يوجب صحة
الوقف مطلقا وإنما يصح منه ما للأجنبي وما خص
الوارث ميراث على جهة الملكية إن لم يكن معقبا
وإن كان معقبا رجع النصيب الموقوف بين جميع
الورثة ولا يبطل الوقف بسبب ما فيه من التعقيب
(7/639)
وانتقض القسم
بحدوث ولد لهما: كموته على الأصح، لا الزوجة
والأم، فيدخلان، ودخلا فيما زيد للولد بحبست
ووقفت وتصدقت إن قارنه قيد أو جهة لا تنقطع،
أو لمجهول وإن حصر،
__________
ويبقى بيد جميع الورثة على حكم الإرث ما دام
المحبس عليه موجودا فإذا انقرض المحبس عليه
رجع إلى مرجعه انتهى. وانظر ابن عرفة في آخر
كلامه على مسألة ولد الأعيان. ص: (بحبست ووقفت
أو تصدقت إن قارنه قيد أو جهة لا تنقطع أو
لمجهول وإن حصر) ش: هذا هو الركن
(7/640)
__________
الرابع وهو الصيغة. قال ابن الحاجب أو ما يقوم
مقامها ثم بين ما يقوم مقامها بقوله ولو أذن
في الصلاة مطلقا ولم يخص شخصا ولا زمانا
فكالصريح انتهى. وقوله: "فلو أذن في الصلاة
مطلقا أي إذنا مطلقا" أو في الصلاة مطلقا ولم
يخص به فرضا ولا نفلا وقال في المسائل
الملقوطة ولو بنى مسجدا وأذن في الصلاة فيه
فذلك كالصريح لأنه وقف وإن لم يخص زمانا ولا
شخصا ولا قيد الصلاة فيه بفرض ولا نفل فلا
يحتاج إلى شيء من ذلك ويحكم بوقفيته انتهى.
وذكره والده في الباب السبعين من تبصرته ثم
ذكر اللفظ ثم قال ولفظ وقفت يفيد التأبيد وقال
ابن عبد السلام يعني أنها أصرح ألفاظ الفصل
ولأنها دالة على التأبيد بغير ضميمة وعزاه في
التوضيح لعبد الوهاب وغيره من العراقيين. قال
وقال صاحب المقدمات وابن زرقون لفظ الوقف
والحبس سواء ويدخل في لفظ وقفت من الخلاف ما
يدخل في حبست انتهى. وهذا الثاني هو الذي مشى
عليه المصنف خلافا لابن الحاجب لأنه قدم لفظ
الحبس على لفظ الوقف ولا بد أن يكون الشرط
راجعا إلى الألفاظ الثلاثة ثم قال ابن الحاجب
وحبست وتصدقت إن اقترن به ما يدل على التأبيد
من قيد أو جهة لا تنقطع تأبد وإلا فروايتان.
قال ابن عبد السلام يعني أن لفظتي "حبست"
و"تصدقت" لا يدلان على التأبيد بمجردهما بل لا
بد مع ذلك من ضميمة قيد في الكلام كقوله: "حبس
لا يباع ولا يوهب" وشبه ذلك من الألفاظ أو
الجمع بين اللفظتين معا كما وقع في بعض
الروايات إذا قال حبسا صدقة أو ذكر لفظ
التأبيد أو ضميمة جهة في الحبس لا تنقطع
ومراده عدم انحصار من يصرف إليه الحبس بأشخاص
معينين كقوله: "حبس على المساكين أو على
المجاهدين أو طلبة العلم" فإن انعدمت هذه
القيود والجهات وشبهها ففي التأبيد حينئذ
روايتان وظاهر كلام المؤلف أنه لا يختلف في
التأبيد إذا وجدت هذه القيود أو الجهات وذلك
قريب مما قال في المدونة إذا قال حبس صدقة أو
حبس لا يباع ولا يوهب إن قول مالك لم يختلف في
هذا أنه صدقة محرمة ترجع بمراجع الأحباس ولا
ترجع إلى المحبس ملكا ومع ذلك فابن عبد الحكم
حكى عن مالك أنها ترجع إليه ملكا بعد موت
المحبس عليه وإن قال حبس صدقة وكذا قال ابن
وهب إنها ترجع ملكا إذا حبس على معينين ولو
قال لا يباع ولا يوهب نعم يعز وجود الخلاف بل
ينتفي إذا اقترن به شيء من الجهات غير
المحصورة والمرجع في ذلك كله إلى مدلول العرف
انتهى. والذي يتحصل من كلامه في التوضيح أن
الراجح من المذهب أن "وقفت" و"حبست" يفيدان
التأبيد سواء أطلقا أو قيدا بجهة لا تنحصر أو
على معينين أو غير ذلك إلا في الصورة الآتية
وهي ما إذا قال وقف أو حبس على فلان المعين
حياته أو على جماعة معينين حياتهم وقيد ذلك
بقوله: "حياتهم" فإنه يرجع بعد موتهم ملكا
للواقف إن كان حيا أو لورثته إن كان ميتا
وكذلك إذا ضرب لذلك أجلا فقال حبس عشر سنين أو
خمسا أو نحو ذلك كما نص عليه اللخمي والمتيطي.
قالا ولا خلاف في هذين الوجهين أي إذا ضرب
للوقف أجلا أو قيده بحياة شخص وأما لفظ الصدقة
(7/641)
__________
فلا يقيد التأبيد إلا إذا قارنه قيد كقوله:
"لا يباع ولا يوهب" أو "جهة لا تنقطع" كصدقة
على الفقراء والمساكين وطلبة العلم والمجاهدين
يسكنونها أو يستغلونها أو على مجهول ولو كان
محصورا كعلى فلان وعقبه وغير المحصور كعلى أهل
المدرسة الفلانية أو الرباط الفلاني فإن تجرد
عن ذلك فلا يفيد الوقف فإن كان على معين كقوله
صدقة على فلان فهي له ملك وإن كان لغير معين
كالفقراء فالناظر يصرف ثمنها باجتهاده على
المساكين يوم الحكم ولا يلزم التعميم. قال في
المقدمات وللتحبيس ثلاثة ألفاظ حبس ووقف وصدقة
ثم قال وأما الصدقة فإن تصدق بذلك على معينين
ولا محصورين مثل أن يقول هذه الدار صدقة على
فلان فهذا لا اختلاف فيه أنها لفلان ملك
يبيعها ويهبها وتورث عنه وإن تصدق بها على غير
معينين ولا محصورين مثل أن يقول هذه الدار
صدقة على المساكين أو في السبيل أو على بني
زهرة أو بني تميم فإنها تباع ويتصدق على
المساكين على قدر الاجتهاد إلا أن يقول صدقة
على المساكين يسكنونها أو يستغلونها فتكون
حبسا على المساكين للسكنى والاغتلال ولا تباع
وإن تصدق بذلك على غير معينين إلا أنهم
محصورون مثل أن يقول داري صدقة على فلان وعقبه
هل ترجع بعد انقراض العقب مرجع الأحباس على
أقرب الناس بالمحبس أو تكون لآخر العقب ملكا
مطلقا؟ على قولين روى أشهب عن مالك أنها تكون
لآخر العقب ملكا مطلقا وحكى ابن عبدوس أنها
ترجع مرجع الأحباس وهو قول مالك وبعض رجاله في
المدونة وقد قيل في المسألة قول ثالث إن ذلك
إعمار وترجع بعد انقراض العقب إلى المصدق ملكا
انتهى.
فائدة: قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات
قولهم: "لو اختلط عدد محصور بعدد محصور أو
بغير محصور" هذا اللفظ مما يتكرر في كتب الفقه
وقل من يبين حقيقة الفرق بينهما وقد نقلت في
الروضة في آخر كتاب الصيد كلام الغزالي فيه.
قال الإمام الغزالي إن قلت كل عدد فهو محصور
في علم الله ولو أراد إنسان حصر أهل البلد
لقدر عليه إن تمكن منهم فاعلم أن تحرير أمثال
هذه الأمور غير ممكن وإنما يضبط بالتقريب
فنقول كل عدد لو اجتمع في صعيد واحد لعسر على
الناظر عدده بمجرد النظر كالألف ونحوه فهو غير
محصور وما سهل كالعشرة والعشرين فهو محصور
وبين الطرفين أوساط متشابهة تلحق بأحد الطرفين
بالظن وما وقع الشك فيه استفت فيه القلب هذا
كلام الغزالي انتهى كلام النووي.
فرع: قال في التمهيد: قال مالك إذا أعطى فرسا
في سبيل الله فقيل له هو لك في سبيل الله فله
أن يبيعه وإن قيل هو في سبيل الله ركبه ورده
وذكر ابن القاسم عن مالك قال قال مالك من حمل
على فرس في سبيل الله فلا أرى له أن ينتفع من
ثمنه في غير سبيل الله إلا أن يقول له شأنك به
فافعل به ما أردت فإن قيل له ذلك فأراه مالا
من ماله يعمل به في غزوه إذا هو بلغه ما يعمل
به في ماله. قال وكذلك لو أعطى ذهبا أو ورقا
في سبيل الله ومذهب مالك فيمن أعطي مالا ينفقه
في سبيل الله أنه ينفقه في الغزو فإن فضلت منه
فضلة بعد ما مر غزوه لم
(7/642)
ورجع، إن انقطع
لأقرب فقراء المحبس، وامرأة لو رجلت عصب،
__________
يأخذها لنفسه وأعطاها في سبيل الله أو ردها
إلى صاحبها انتهى من شرح الحديث السادس عشر
لنافع عن ابن عمر وقال ابن يونس وما جعل في
سبيل الله من العلف والطعام لا يأخذ منه إلا
أهل الحاجة وما جعل في المسجد من الماء فليشرب
منه كل أحد لأن القصد منه عموم الناس ولا
مهانة فيه انتهى. قال في المسائل الملقوطة
مسألة فإن قيل ما تقولون في كتب العلم توجد
على ظهورها وهوامشها كتابة الوقف هل للحاكم أن
يحكم بكونها وقفا بذلك قيل هذا يختلف باختلاف
قرائن الأحوال فإن رأينا كتبا مودوعة في خزانة
في مدرسة وعليها كتابة الوقف وقد مضى عليها
مدة طويلة كذلك وقد اشتهرت بذلك لم يشك في
كونها وقفا وحكمها حكم المدرسة في الوقفية فإن
انقطعت كتبها أو فقدت ثم وجدت وعليها تلك
الوقفية وشهرة كتب المدرسة في الوقفية معلومة
فيكفي في ذلك الاستفاضة ويثبت مصرفه
بالاستفاضة وأما إذا رأينا كتبا لا نعلم مقرها
ولا نعلم من كتب عليها الوقفية فهذه يجب
التوقف في أمرها حتى يتبين حالها وهو عيب يثبت
للمشتري به الرد فإذا تقرر هذا فينبغي
الاعتماد على ما يوجد على أبواب الربط
والمدارس والأحجار المكتوبة عليها الوقفية
وتخليص شروطها إذا كانت تلك الأحجار قديمة
واشتهر ذلك ويقبل قول المتولي لذلك الوقف في
مصرفه إذا لم يوجد كتاب الوقف انتهى من
التبصرة انتهى كلام المسائل الملقوطة وقاله
البرزلي وابن فرحون في تبصرته والله أعلم. ص:
(ورجع إن انقطع لأقرب فقراء عصبة المحبس) ش:
فإن كان أهل المرجع أغنياء فقيل يرجع إلى أولى
الناس بهم وقيل يرجع إلى الفقراء والمساكين
انتهى. من وثائق الجزيري وقال في التوضيح ما
يقتضي أن المشهور أنه
(7/643)
فإن ضاق: قدم
البنات، وعلى اثنين، وبعدهما على الفقراء نصيب
من مات لهم،
__________
يرجع إلى الفقراء والله أعلم. ص: (وعلى اثنين
وبعدهما على الفقراء نصيب من مات لهم) ش: انظر
القاضي عبد الوهاب والفاكهاني في شرح قول
الرسالة ومن مات من أهل الحبس رجع نصيبه على
من بقي انظر كلام ابن بطال في مقنعه وأظنه في
النوادر وقد نقلت بعضه في الهبة في الكلام على
العمرى ومن هذا الباب مسألتان سئلت عنهما.
إحداهما في امرأة أوقفت دارا لها على ولدها
عمر وعلى ذريته من بعده ثم على
(7/644)
إلا كعلى عشرة
حياتهم، فيملك بعدهم.
__________
أولاد أولاده أبدا ما تناسلوا والطبقة العليا
تحجب الطبقة السفلى فتوفيت الواقفة وتسلم
الوقف ولدها عمر المذكور ثم مات عن ذكر وثلاث
بنات ثم توفي من البنات اثنتان كل واحدة عن
أولاد فهل لأولادهم حصة مع وجود خالهم وخالتهم
أم لا؟ فأجبت لأولاد كل ميتة حصة والدتهم وليس
لخالهم ولخالتهم في ذلك شيء ولا يمنع من ذلك
قول الواقف الطبقة العليا تحجب الطبقة السفلى
حسبما ذكر ابن رشد في أثناء شرح المسألة
السادسة من أول رسم من سماع ابن القاسم من
كتاب الحبس في مسألة من حبس على أولاده ثم على
أولادهم من بعدهم أن من مات منهم فحظه لوالده
دون إخوته وأطال في ذلك وذكر أن غيره من أهل
زمانه خالفه في ذلك ثم رد عليه وقال في آخر
الرد خطأ صراح وذكر ابن عرفة كلامه في ذلك قبل
الكلام على تحقيق لفظ المحبس عليه في مسألة
الوقف على زيد وعمرو ثم على الفقراء وذكر ابن
رشد المسألة أيضا في نوازله ونقلها عنه
البرزلي أيضا في مسائل الحبس وهذا الذي يؤخذ
من قول الشيخ خليل وعلى اثنين وبعدهما على
الفقراء نصيب من مات منهم وأفتى بذلك الشيخ
شمس الدين اللقاني وغيره في هذه اللفظة أعني
قوله: "الطبقة العليا تحجب الطبقة السفلى" وأن
معناها أن الفروع لا تدخل مع أصولهم ولا
يشاركونهم وأن الولد يستحق ما كان لأبيه
معتمدين على ما تقدم لابن رشد من مسألة الشيخ
خليل هذه والله أعلم. وأما إذا قال:
"وأولادهم" فيدخل أولاد الأولاد مع الأولاد
كما صرح به في مسائل الحبس من أحكام ابن سهل
في مسألة قطيع حبس من جنة وفي غيره والله
أعلم.
والمسألة الثانية: شخص أوقف ماله الفلاني على
من سيولد له من ظهره من الأولاد ذكرا كان أو
أنثى وعلى أولاد أولاده وأولاد أولاد أولاده
أبدا ما تناسلوا وتعاقبوا بطنا بعد بطن وعقبا
بعد عقب يدخل في ذلك الأبناء مع الآباء عدا
أولاد البنات من بنيه وبنات بنيه ومن
(7/645)
__________
أسفل منهم فليس لهم دخول في ذلك وقفا صحيحا
على من سيولد من ظهره وعلى من ذكر بعدهم يدخل
في ذلك الأبناء مع الآباء فهل قوله: "بطنا بعد
بطن" يمنع الطبقة السفلى من الدخول مع الطبقة
العليا أم لا؟ فإن قلتم يمنع فما معنى قوله:
"يدخل الأبناء مع الآباء"؟. وإن قلتم لا يمنع
فهل يقيد دخول الأبناء بوجود الآباء بحيث إن
من مات أبوه لا يدخل لأن دخوله كان مقيدا
بوجود أبيه؟ فأجبت لا أعلم هذه المسألة
بخصوصها منصوصة أعني إذا قال الواقف بطنا بعد
بطن ثم قال ويدخل الأبناء مع الآباء والذي
يظهر أن ذلك لا يمنع من دخول الأبناء مع
الآباء وكلام الواقف يدل على دخولهم مع آبائهم
في موضعين الأول منهما أنه عطف الأبناء على
الآباء بالواو وهي مقتضية لدخولهم معهم كما
جزم بذلك علماؤنا والثاني: وهو أقواهما
تصريحهم بدخولهم مع الآباء مرتين. وأما قوله
"بطنا بعد بطن وعقبا بعد عقب" فالظاهر أنه
إنما أراد به التنصيص على تأكيد استمرار الوقف
وتأبيده على الوجه الذي ذكره على جميع البطون
والأعقاب وإذا ظهر دخولهم في الوقف مع آبائهم
فدخول من مات أبوه في الوقف بعد موت أبيه أحرى
وأولى ولا يمنع من ذلك قول الواقف "يدخل في
ذلك الأبناء مع الآباء" لأن ذلك من باب مفهوم
الموافقة الذي يكون فيه؛ المسكوت عنه أولى
بالحكم من المنطوق وهو المسمى بفحوى الخطاب
لأن من المعلوم أن الناس يقصدون أن يكون ما
كان لكل واحد من أولادهم لأولاده بعد موته
فإذا صرح الواقف بدخولهم مع أبيهم في حياته
فدخولهم بعد موته أولى وأحرى وأيضا فقد صرح
علماؤنا فيما إذا وقف على أولاده ثم على
أولادهم ثم أولاد أولادهم بأن الأبناء لا
يدخلون مع آبائهم. قالوا: فإذا مات ولد من
أولاده وله أولاد فإن أولاده يستحقون ما كان
لأبيهم ويدخلون في الوقف مع وجود أعمامهم ولا
يقال إن أولاد الأولاد لا يدخلون في الوقف إلا
بعد انقراض جميع الأولاد هذا هو الصحيح
المعمول به وأفتى شيوخنا المتأخرون الذين
أدركناهم من أهل مصر وغيرهم بأن قول الواقف
الطبقة العليا تحجب الطبقة السفلى إنما يمنع
من دخول الولد مع أبيه لا من دخوله مع أعمامه
ومن في طبقة أبيه فإذا صرح الواقف بدخول
الأولاد مع آبائهم فلا يشك في دخولهم بعد موته
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومن هذا المعنى مسألة راسلني بها شيخنا
العلامة أحمد بن عبد الغفار من المدينة ونصه
وقعت لنا مسألة بالمدينة وهي شخص وقف على
أولاده وأولادهم وشرط أن الطبقة العليا تحجب
الطبقة السفلى ثم قال على أن من مات وله ولد
انتقل نصيبه لولده فإن لم يكن له ولد فنصيبه
لمن هو في طبقته من أهل الوقف فمات شخص من
طبقته عن غير ولد وثم شخص في طبقته إلا أن أبا
هذا الشخص موجود وهو محجوب به ليس له في الوقف
استحقاق فهل يكون نصيب هذا الميت لهذا المحجوب
بأبيه عملا بقول الواقف لمن هو في طبقته من
أهل الوقف لأنه من أهل الطبقة ومن أهل الوقف
في الجملة لأنه من أولاد الواقف. ولا يعارضه
قول الواقف "تحجب الطبقة العليا الطبقة
السفلى" لأن معناه أن كل واحد من
(7/646)
وفي كقنطرة،
ولم يرج عودها في مثلها، وإلا وقف لها وصدقة
لفلان فله، أو للمساكين فرق ثمنها بالاجتهاد.
__________
الطبقة يحجب فروعه لا فروع غيره أو لا يستحق
شيئا لأنه ليس من أهل الوقف الآن إلا بالقوة
لا بالفعل والظاهر من قول الواقف "من أهل
الوقف" إنما هو من كان مستحقا بالفعل الاحتمال
الأول هو الذي ظهر لي ولم أجزم في المسألة
بشيء فاكتب لي ما عندك فيها نقلا أو بحثا
انتهى كلامه والله أعلم. ص: (وفي كقنطرة لم
يرج عودها في مثلها) ش: قال البرزلي في أوائل
مسائل الحبس وإن جعله على وجه معين غير محصور
كقوله حبس في السبيل أو في وقيد مسجد أو إصلاح
قنطرة كذا فحكمه حكم المبهم المتقدم ذكره
ويوقف على التأبيد، فإن
(7/647)
ولا يشترط
التنجيز وحمل في الإطلاق عليه: كتسوية أنثى
بذكر. ولا التأبيد ولا تعيين مصرفه وسرق في
غالب وإلا فالفقراء ولا قبول مستحقه، إلا
المعين الأهل
__________
تعذر ذلك الوجه لخلاء البلد أو فساد موضع
القنطرة حتى لا يمكن بناؤها وقف إن طمع بصرفه
إليه أو صرفه في مثله قلت: وقعت بتونس حبس
الأمير أبو الحسن كتبا لمدرسة ابتدأها
بالقيروان وأخرى بتونس وجعل مقرها بيتا بجامع
الزيتونة فلما أيس من تمامها قسمت الكتب على
مدارس تونس انتهى. ص: (ولا يشترط التنجيز) ش:
ويصير كالمعتق إلى أجل لأن المعتق إلى أجل لا
يضره استحداث سيده دينا قبل الأجل وذلك يضر
عند التحبيس قاله ابن عبد السلام. قال ابن
عرفة ما قاله ابن عبد السلام ظاهر إن لم يحز
عنه وإن حيز عنه فإن له منفعته في الأجل لغيره
لم يضره حدوث الدين وإن أبقاها لنفسه بطل
بحدوث الدين على
(7/648)
فإن رد فكمنقطع
واتبع شرطه، إن جاز كتخصيص مذهب أو ناظر
__________
المشهور في لغو حوز المستأجر لغيره وعلى
إعماله لا يبطل به انتهى. ص: (واتبع شرطه إن
جاز لتخصيص مذهب) ش: مفهوم قوله: "إن جاز" أنه
إن شرط ما لا يجوز لا يتبع وهذا والله أعلم
إذا شرط شيئا متفقا على منعه وإلا فقد نص في
النوادر والمتيطية وغيرهما أنه إذا شرط في
وقفه إن وجد فيه ثمن رغبة بيع واشترى غيره أنه
لا يجوز له ذلك فإن وقع ونزل مضى وعمل بشرطه.
قال في النوادر في ترجمة الرجوع في الحبس وهل
يباع: قال ابن الماجشون لا أرى أن يستثني في
الدار أن يقول إذا وجد في الدار ثمنا رغيبا
فلتبع ويشتر بثمنها دارا وكذلك الأصول فإن
استثناه في حبسه جاز ومضى انتهى. وقال في
المتيطية في ترجمة ما جاء في مراجع الأحباس:
قال مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ
في الواضحة ولا
(7/649)
__________
يجوز أن يستثني من الحبس في الرباع إن وجد
ثمنا رغيبا فقد أذنت في بيع ذلك وأن يبتاع
بثمن ذلك ربعا مثله لأن هذا لا يقع فيه من
الحاجة إلى بيع ذلك والعذر في تغييره ما وقع
في البيع عند الحاجة وإن استثناه مستثن جاز
ومضى انتهى. ونقله ابن سلمون أيضا ومن ذلك
اشتراط إخراج البنات من الوقف إذا تزوجن وحصل
ابن رشد فيها بعد الوقوع والنزول أربعة أقوال
ولنذكر كلام العتبية وكلامه برمته لما فيه من
الفوائد: قال في العتبية في أثناء الرسم الأول
من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس: قال مالك
من حبس حبسا على ذكور ولده وأخرج البنات منه
إذا تزوجن فإني لا أرى ذلك جائزا له. قال ابن
القاسم فقلت لمالك أترى أن يبطل ذلك ويسجل
الحبس؟ قال نعم وذلك وجه الشأن فيه. قال ابن
القاسم ولكن إذا فات ذلك فهو على ما حبس؟ قال
ابن القاسم إن كان المحبس حيا ولم يحز الحبس
فأرى أن يفسخه ويدخل فيه الإناث وإن كان قد
حيز أو مات فهو كفوت ويكون على ما جعله عليه.
قال ابن رشد: ظاهر قول مالك هذا أن الحبس لا
يجوز ويبطل على كل حال خلاف مذهب ابن القاسم
في أنه يمضي إذا فات ولا ينقض وفوت الحبس عندي
أن يحاز عن المحبس على ما قاله في هذه الرواية
أو يموت يريد أو يموت بعد أن حيز عنه ورأى أن
الحبس إذا لم يحز عن المحبس عنه أن يبطل الحبس
ويدخل الإناث فيه. وظاهر قوله وإن كره ذلك
المحبس عليهم مراعاة لقول من يقول إن الصدقات
والهبات والأحباس لا تلزم ولا يجب الحكم بها
حتى تقبض. وقد روي عن مالك أن ذلك مكروه من
العمل فعلى قوله هذا لا يفسخ الحبس إلا أن
يرضى المحبس عليهم بفسخه وهم كبار وذهب محمد
بن المواز إلى أن ذلك ليس باختلاف من قول مالك
فقال إنما يفعل ما قاله مالك من فسخ الحبس وأن
يجعله مسجلا إنما ذلك ما لم يأبه من حبس عليهم
فإن أبوا لم يجز له فسخه ويقر على ما حبس وإن
كان حيا إلا أن يرضوا له برده وهم كبار. قال
مالك إن لم يخاصم فليرد الحبس حتى يجعله على
صواب. ظاهره إن كان لم يحز عنه وهو على قياس
القول بأن ذلك عنده مكروه من الفعل. وقال ابن
القاسم وإن خوصم فليقره على حاله ومعنى ذلك
على مذهبه إن كان قد حيز عنه وهو الذي ذهب
إليه من التأويل في هذه المسألة عن ابن القاسم
من أنه فرق في هذه الرواية في فسخ الحبس بأن
يحازى عنه أو لا يحاز وقد تأول على ما حكاه
محمد بن المواز عن مالك وابن القاسم أنه ليس
له أن يفسخ الحبس وإن كان ذلك لم يحز عنه إلا
بإذن المحبس عليهم ورضاهم وقد تأول أيضا أن له
أن يفسخه وإن كان قد حيز عنه وإن أبى المحبس
عليهم مراعاة لقول من لا يرى إعمال الحبس جملة
وهو ظاهر قول ابن القاسم في رسم شك بعد هذا من
هذا السماع وفي رسم نذر وتأول على قول مالك في
هذه الرواية أن الحبس يفسخ على كل حال وإن مات
المحبس عنه بعد أن حيز عنه الحبس فيتحصل على
هذا في المسألة أربعة أقوال أحدها قول مالك
هذا أن الحبس يفسخ على كل حال وإن مات المحبس
بعد أن حيز
(7/650)
__________
عنه الحبس ويرجع لملكه والثاني أن المحبس
يفسخه ويدخل فيه البنات وإن حيز عنه والثالث
أنه يفسخه ويدخل فيه البنات ما لم يحز عنه فإن
حيز عنه لم يفعل إلا برضا المحبس عليهم
والرابع أنه لا يفسخه. ويدخل فيه الإناث وإن
لم يحز عنه إلا برضا المحبس عليهم انتهى.
وقال اللخمي: وإخراج البنات من الحبس اختلف
فيه على ثلاثة أقوال: فقال مالك في المجموعة
أكره ذلك وقال في العتبية: إن أخرج البنات إن
تزوجن فالحبس باطل وقال ابن القاسم إن كان
المحبس حيا فأرى أن يفسخه ويدخل فيه البنات
وإن حيز أو مات فات وكان على ما حبسه عليه
وقال أيضا إن كان المحبس حيا فليفسخه ويجعله
مسجلا وإن مات لم يفسخ فجعل له أن يرده بعد
الحوز ويجعله مسجلا ما لم يمت وقال ابن شعبان
من أخرج البنات أبطل وقفه وهذا مثل قول مالك
في العتبية فعلى القول الأول يكره فإن نزل مضى
وعلى القول الآخر يبطل إن لم يشركهم فيه وعلى
أحد قولي ابن القاسم يفسخ ما لم يحزه وعلى
القول الآخر يفسخ وإن حيز ما لم يفت انتهى.
ونقل ابن عرفة كلامهما برمته وقال إثر كلام
ابن رشد قلت في قوله "هو على قياس قوله إنه
مكروه" نظر لأن المكروه إذا وقع أمضي ولم يفسخ
وذكر الأربعة ابن زرقون وقال: الأولان تأولا
على قول مالك في سماع ابن القاسم والثالث ظاهر
قول ابن القاسم في سماعه والرابع قول محمد
وقال الباجي قبل ذكرها ابن زرقون قال: قال ابن
القاسم إن فات ذلك مضى على شرطه وإن كان حيا
ولم يحز عنه فأرى أن يرده ويدخل فيه البنات
ونحوه لعيسى عن ابن القاسم وأنكره سحنون.
قلت: انظر هل هذا زائد على الأربعة أو هو
تقييد لما سوى الأول منها وإن الثلاثة إنما هي
ما لم يمت فإن مات مضى وهو أبين ثم قال ففي
الحبس على البنين دون البنات مطلقا أو إن
تزوجن أربعة ابن رشد وخامسها جوازه وسادسها
كراهته وسابعها فوته بحوزه وإلا فسخه ودخل فيه
البنات للوقار ورواية ابن عبدوس واللخمي عن
أول قولي ابن القاسم انتهى. فعلى المشهور من
أن إخراجهن لا يجوز مطلقا سواء بعد أن تزوجن
أو قبل يتحصل في ذلك بعد الوقوع والنزول خمسة
أقوال: الأول أن الحبس يفسخ على كل حال وإن
حيز عنه أو مات بعد أن حيز عنه ويرجع لملكه
وهو قول مالك في العتبية. الثاني أنه يفسخ
ويرجع لمالكه ما لم يحز عنه وهو قول ابن
القاسم على ما نقله اللخمي عنه. الثالث أنه
يفسخ ويدخل فيه البنات وإن حيز عنه وهو متأول
على قول مالك في العتبية. الرابع أنه يفسخ
ويدخل فيه البنات ما لم يحز عنه لم يدخلن إلا
برضا المحبس عليهم وهو ظاهر قول ابن القاسم في
هذا السماع. والخامس أنه لا يفسخ ويدخل فيه
الإناث وإن لم يأخذ عنه إلا برضا المحبس عليهم
وهو قول محمد بن المواز عنه والله أعلم. ومن
ذلك ما نقله اللخمي وغيره ونصه وإن حبس دارا
وشرط على المحبس عليه أن يرمها إن احتاجت لم
يصح ذلك ابتداء وذلك كراء وليس بحبس فإذا نزل
فقال في المدونة مرمتها من غلتها فأجاز الحبس
وأسقط الشرط وقال محمد يرد الحبس
(7/651)
__________
ما لم يقبض انتهى. وذكر مسائل من هذا المعنى
فيما لا يجوز ابتداء واختلف فيه بعد الوقوع
والنزول فراجعه والله أعلم. وقال في نوازل ابن
رشد وسئل عمن حبس حبسا وشرط في حبسه أنه إن
تمادى به العمر واحتاج رجع في حبسه وباعه
وأنفقه على نفسه هل ينفذ الحبس ويجوز الشرط أو
ينفذ الشرط ويبطل الحبس فأجاب بأن قال الشرط
الذي ذكرت إن كان في التحبيس يوجب صرف الحبس
بعد موت المحبس إلى معنى الوصية على مذهب مالك
وأصحابه فإن كان قد مات نفذ الحبس من ثلثه إن
حمله الثلث وإن لم يحمله فاحمل منه الثلث.
فروع: الأول: قال في رسم الأقضية الثالث من
سماع أشهب من كتاب الحبس وسئل عن الرجل يحبس
الحائط صدقة على المساكين أيقسم بينهم تمرا أم
يباع ثم يقسم الثمن بينهم فقال ذلك يختلف وذلك
إلى ما قال فيه المتصدق أو إلى رأي الذي يلي
ذلك واجتهاده إن كان المتصدق لم يقل في ذلك
شيئا إن رأى خيرا أن يبيع ويقسم ثمنه وإن رأى
خيرا أن يقسم ثمره قسمه ثمرا فذلك يختلف فربما
كان الحائط نائيا بالمدينة فإن حمل أضر ذلك
بالمساكين حمله وربما كان في الناس الحاجة إلى
الطعام فيكون ذلك خيرا لهم من الثمن فيقسم إذا
كان هكذا فهو أفضل وخير وهذه صدقات عمر بن
الخطاب رضي الله عنه منها ما يباع فيقسم ثمنه
ومنها ما يقسم ثمرا ابن رشد هذا بين على ما
قاله أن ذلك يصرف إلى اجتهاد الناظر في ذلك إن
لم يقل المتصدق في ذلك شيئا وإن قال شيئا أو
حد فيه حدا وجب أن يتبع قوله في صدقته ولا
يخالف فيما حده انتهى. ونقله ابن بطال في
مقنعه ولفظه وفي المستخرجة من سماع أشهب من
حبس حائطا على المساكين إن لم ينص الميت في
ذلك شيئا فلمتولي النظر فيه الاجتهاد إن رأى
بيع الثمرة وقسم ذلك ثمنا فعل وإن رأى خيرا
للمساكين قسمته ثمرا فعل فرب حائط يبعد عن
المدينة فيضر بهم حمله وربما كانت بالناس حاجة
إلى الطعام فيكون قسمته ثمرا خيرا لهم وهذه
صدقات عمر تباع ثمرته ويقسم ثمنها فإنما ذلك
على النظر للمساكين انتهى. ونقله في الذخيرة
عن الأبهري عن مالك
الثاني: قال في المسائل الملقوطة من أوقف وقفا
على منافع الجامع صرف في العمارة والحصر
والزيت وغير ذلك ولا يعطى منه الإمام والمؤذن
ذكر ذلك الحفيد في مختصره الصغير وكل جامع
مسجد ولا ينعكس انتهى. قال ابن رشد في نوازله
من أوقف على منافع مسجد وقفا صرف في منافعه من
بناء وحصر وبناء ما رث من الجدران إنه لا يدخل
في ذلك الإمام فإن صرف للإمام شيء من غلة
الوقف فلا يرجع به عليه ولا ضمان على من دفع
ذلك إليه لأن المحبس لما لم ينص أنه داخل في
التحبيس ولا على أنه خارج حكمنا بظاهر اللفظ
فلم يدخل إلا بيقين وإذا قبض شيئا لم يغرمه
إياه إلا بيقين ولا يقين عندنا في ذلك لاحتمال
أن يكون المحبس قد أراد بحبسه خلاف ظاهر لفظه
ولعل إيهام ذلك تقصير من الكاتب.
الثالث: قال البرزلي في مسائل الحبس سئل
القابسي عمن حبس كتبا وشرط في
(7/652)
__________
تحبيسه أنه لا يعطى إلا كتاب بعد كتاب فإذا
احتاج الطالب إلى كتابين أو تكون كتبا شتى فهل
يعطي كتابين منها أم لا يأخذ منها إلا كتابا
بعد كتاب؟ فأجاب إن كان الطالب مأمونا واحتاج
إلى أكثر من كتاب أخذه لأن غرض المحبس أن لا
يضيع فإذا كان الطالب مأمونا أمن هذا وإن كان
غير معروف فلا يدفع إليه إلا كتاب واحد وإن
كان من أنواع العلوم خشية الوقوع في ضياع أكثر
من واحد.
قلت: تقدم بعض أحكام شروط الحبس من كلام أبي
عمران وغيره وظاهره أنه لا يتعدى ما شرطه
لقوله عليه السلام "المسلمون عند شروطهم" 1.
وظاهر ما في هذا السؤال أنه يراعى قصد المحبس
لا لفظه ومنه ما جرى به العرف في بعض الكتب
المحبسة يشترط عدم خروجها من المدرسة وجرت
العادة في هذا الوقت بخروجها بحضرة المدرسين
ورضاهم وربما فعلوا ذلك في أنفسهم ولغيرهم وهو
والله أعلم لما أشار إليه هذا الشيخ لا لفظه
ومثله ما فعلته أنا في مدرسة الشيخ التي
بالقنطرة غيرت بعض أماكنها مثل الميضأة
ورددتها بيتا ونقلتها إلى محل البئر لانقطاع
الساقية التي كانت تأتيها ورددت العلو المحبس
على عقبه المذكور بيوتا لسكنى الطلبة بعد
إعطاء علو من المحبس يقوم مقامه في المنفعة
بموجب مذكور في محله وكزيادة في رواتب طلبة
لما أن كثروا ويدخل شيء من خراجها بحيث لو كان
المحبس حاضرا لارتضاه وكان ذلك كله برضا
الناظر في الحبس النظر التام كيف ظهر له
الصواب يعطي حسبما ذلك مذكور في كتاب التحبيس،
وعلى مراعاة لفظ المحبس في شرطه أفتى بعض
أصحابنا فيمن بنى مدرسة وجعل فيها بيوتا
للسكنى وشرط في أصل تحبيسها أن لا يسكنها إلا
من يصلي الصلوات الخمس في مسجدها إن لم يكن
إماما في غيرها وأن يحضر الحزب المرتب فيها
لقراءة القرآن إن كان قارئا ويحضر الميعاد في
وقته ومن لم يفعل ذلك فليس له سكنى فأجاب بأن
الشروط المذكورة يجب الوفاء بها ولا يجوز
مخالفتها ومن هذا المعنى الدخول للمدارس لقضاء
الحاجة بها والوضوء والشرب من مائها وهو لم
يكن من أهلها ولا أعدت الميضأة والشرب إلا
لأهلها فسألت شيخنا الإمام عنها فأجاب أنه إن
كان من جنس أهلها ساغ له ذلك لأن الحبس لأهل
ذلك الصنف وهو غير معين فمتى وجد ذلك الصنف
جرى حكمه على ما صح لأهلها فإن كان من غير صنف
أهل ذلك الحبس فلا يجوز له وكذلك عارية بيت
للسكنى من بعض أهل الحبس فإن كان المستعير من
أهل ذلك الحبس جاز وإلا لم يجز لوجهين لفقدان
شرط التحبيس عادة والتصرف في المنفعة بالهبة
وهو لم يؤذن له في نفسه فقط ووقعت هذه المسألة
بالديار المصرية فسئلت عن المسألة فأجبت بمنع
عاريتها ثم إني فعلت ذلك استعرت بيتا في مدرسة
شيخون وآخر في الناصرية فتعقب ذلك
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الإجارة، باب14. أبو
داود في كتاب الأقضية باب12.
(7/653)
__________
من فعلي ما ذكره فأجبت بما قال شيخنا فسلم ذلك
لي انتهى. وذكره أيضا قبل هذا في مسائل الشركة
وذكر ذلك مع مسألة النزول في الوظائف.
الرابع: قال في المسائل الملقوطة: سئل الشيخ
تقي الدين إذا وقف كتابا على عامة المسلمين
وشرط أن لا يعار إلا برهن فهل يصح هذا الرهن
أم لا؟ فأجاب لا يصح هذا الرهن لأنها غير
مأمونة في يد موقوف عليه ولا يقال لها عارية
أيضا بل الآخذ لها إن كان من أهل الوقف مستحقا
للانتفاع فيده عليها يد أمانة فشرط أخذ الرهن
عليها فاسد ويكون في يد الخازن للكتب أمانة
لأن فاسد العقود في الضمان كصحيحها والرهن
أمانة هذا إذا أريد الرهن الشرعي وأما إن أريد
مدلوله لغة وأن يكون تذكرة فيصح الشرط لأنه
غرض صحيح وأما إذا لم يعلم مراد الواقف فيحتمل
أن يقال بالبطلان بالشرط حملا على المعنى
الشرعي ويحتمل أن يقال بالصحة حملا على المعنى
وهو الأقرب لصحته انتهى.
الخامس: إذا خص مسجدا بمعينين فقال في أسئلة
الشيخ عز الدين بن عبد السلام الشافعي فيمن
بنى مسجدا وشرط في وقفه أن لا يتولاه إلا
مالكي المذهب مثلا فهل يجب اتباع شرطه وتكون
ولاية من خالفه باطلة أم لا وإذا وجب اتباعه
وتولاه من هو على شرطه ثم انتقل إلى مذهب آخر
هل تفسخ ولايته أم لا، وإذا لم يتحقق هذا
الشرط من الواقف ولكن الغالب على أهل ذلك
البلد اتباع مذهب كأهل الإسكندرية ومصر فهل
يتنزل هذا منزلة الشرط، وما حكم الائتمام بهذا
الإمام؟ فأجاب إن وقف الواقف على مذهب معين لم
يجز أن يتناوله غيره وإن خص المسجد بمعينين لم
يختص بهم وإذا غلب في بعض البلاد مذهب على
أئمة المساجد بحيث لا يكون فيها غيره حمل
الوقف على ذلك ولا يستحقه من ينتقل عن مذهبه
إلى مذهب آخر وإن كان هذا الإمام معتقدا لجواز
ما يتناول ذلك فلا بأس بالائتمام به وإن كان
يعتقد تحريمه فالائتمام به اقتداء بفاسق والله
أعلم.
السادس: قال في المسائل الملقوطة من ولاه
الواقف على وظيفة بأجرة فاستناب فيها غيره ولم
يباشر الوظيفة بنفسه فإنه لا يجوز له تناول
الأجرة ولا لنائبه لأنه لم يباشر الوظيفة
بنفسه وما عين له الناظر لا يستحقه إلا
بمباشرته بنفسه ولا عين الناظر النائب في
الوظيفة فما تناولاه حرام قاله الشيخ جمال
الدين الأقفهسي المالكي انتهى. يعني استناب
فيها في غير أوقات الأعذار وأما إذا استناب في
أيام العذر جاز له تناول ريع الوقف وأن يطلق
لنائبه ما أحب من ذلك الريع ونقله القرافي في
الفرق الخامس عشر والمائة والله أعلم.
فرع: قال البرزلي في مسائل البيوع سألت شيخنا
الفقيه الإمام رحمه الله هل يجوز أن يأتي
بوظيفة القراءة التي عليه في الصلاة فقال لكنه
جعله إجارة انتهى. ص: (أو ناظر) ش: قال ابن
عرفة والنظر في الحبس لمن جعله إليه محبسه
المتيطي يجعله لمن يثق به في دينه فإن
(7/654)
__________
غفل المحبس عن ذلك كان النظر فيه للحاكم يقدم
له من يرتضيه ويجعل للقائم به من كرائه ما
يراه سدادا على حسب اجتهاده انتهى.
قلت: قوله: "فإن غفل المحبس عن ذلك كان النظر
فيه للحاكم" هذا والله أعلم إذا لم يكن المحبس
عليه معينا مالكا أمر نفسه وأما إن كان مالكا
أمر نفسه ولم يول المحبس على حبسه أحدا فهو
الذي يجوز ويتولاه يدل على ذلك غالب عبارات
أهل المذهب في كتاب الحبس وكتاب الصدقة وكتاب
الهبة من المدونة وكلام المصنف في التوضيح في
شرح قول ابن الحاجب وشرط الوقف حوزه صريح في
ذلك وانظر مسألة رسم شك في طوافه من سماع ابن
القاسم من كتاب الحبس ففيها إشارة إلى ذلك
وذكر فيها أن الناظر على الحبس إذا كان سيئ
النظر غير مأمون فإن القاضي يعزله إلا أن يكون
المحبس عليه مالكا أمر نفسه ويرضى به ويستمر
وفي رسم استأذن من سماع عيسى مسألة تتعلق
بالناظر قال فيها: إنه لا يوصي بالنظر عند
موته ولكن إن كان المحبس حيا كان النظر له
فيمن يقدمه وإن كان مات فإن كان المحبس عليهم
كبارا أهل رضا تولوا حبسهم بأنفسهم وإلا قدم
السلطان بنظره وإن كان للمحبس وصي كان النظر
له إلا أن يكون المحبس قال لمن ولاه إذا حدث
بك الموت فأسنده إلى من شئت فإنه يسنده لمن
شاء وإن أوصى وصيا على ماله وعلى من كان في
حجره كان له النظر في الحبس والله أعلم. وفي
سماع سحنون مسألة تدل على أن المحبس عليهم إذا
كانوا كبارا تولوا حبسهم بأنفسهم وفي أحكام
ابن سهل ما يدل على ذلك في مسألة كراء الأحباس
مدة طويلة وهي في آخر ترجمة قطيع محبس باعته
المحبسة، وفي مسألة الدار المحبسة على رجلين
أكراها أحدهما وانظر النوادر في ترجمة الحبس
يزاد فيه أو يعمر من غلته وكراء الحبس السنين
الكثيرة.
تنبيهات: الأول: قال في النوادر: ومن المجموعة
قال: قال ابن كنانة فيمن حبس حبسا وجعل امرأته
تليه وتقسمه بين بنيها بقدر حاجتهم فكانت تلي
ذلك فماتت؛ قال يلي ذلك من ورثتها أهل حسن
الرأي منهم انتهى من ترجمة جامع مسائل مختلفة
من الأحباس والعمرى والخدمة وهذا لعله في بلد
ليس فيه حاكم أو فيه ولا يصل إليه ولا يلتفت
للنظر في الأحباس أو يكون نظره فيها سببا
لهلاكها وضيعتها والله أعلم. ثم قال بعد ذلك
في ترجمة حوز الأب على من يولى عليه ومن كتاب
ابن المواز قال ابن القاسم وإذا حبس على
أولاده الكبار والصغار حبسا وكل من يقوم به
فذلك له فإن بلغوا كلهم فأرادوا القيام بالحبس
فليس لهم ذلك لأنه لم يرض بهم والوكيل يقوم
بحاله. قال محمد ولو لم يكن فيهم كبير يوم وكل
فلهم إذا كبروا قبض حبسهم فأما إن كان فيهم
كبير فهو بمنزلة أن لو كانوا كبارا كلهم يومئذ
انتهى. وما قاله محمد إذا كانوا صغارا كلهم
ووكل عليهم أن لهم إذا كبروا قبض حبسهم إنما
يكون ذلك والله أعلم إذا فهم أن ذلك مراد
المحبس أو صرح بذلك وإلا فالظاهر أنه لا
(7/655)
__________
ينزع من الناظر ما كان بيده ثم قال: قال ابن
القاسم فإن مات الوكيل فليس له أن يوصي به إلى
غيره إلا أن يكون جعل ذلك الأب إليه. قال أصبغ
وليرجع القيام بذلك إلى المحبس أو وصيه انتهى
فتأمله.
الثاني: علم من كلام ابن القاسم أن الواقف إذا
جعل النظر لشخص فليس للناظر أن يوصي بالنظر
لأحد غيره إلا أن يجعله له الواقف وقد تقدم
ذلك أيضا في مسألة رسم استأذن من سماع عيسى
وأنه ليس له أن يوصي به إلا أن يقول له اجعله
إلى من شئت ويؤخذ ذلك أيضا مما نقله في
التوضيح في باب الأقضية كل من ملك حقا على وجه
يملك معه عزله فليس له أن يوصي به كالقاضي
والوكيل ولو مفوضا وخليفة القاضي للأيتام وشبه
ذلك انتهى.
الثالث: لو غاب الناظر في بلدة بعيدة واحتاج
الحبس إلى من ينظر في بعض شأنه فهل للقاضي أن
ينظر في ذلك أو يوقف الأمر حتى يأتي الغائب؟
الظاهر أن للقاضي أن ينظر في ذلك ويمضي ما
فعله في غيبة الناظر وليس للناظر إبطال ما
فعله القاضي في غيبته ولم أر في ذلك نصا إلا
فتيا وجدت منسوبة لبعض المالكية يسمى علي بن
الجلال وصورتها: ما تقول السادات العلماء في
درس بمكة به مدرس وطلبة وناظر وقفه غائب
بالقاهرة فشغرت وظيفة طلب بالدرس المذكور بحكم
وفاة من كان بها فولى قاضي مكة تلك الوظيفة
شخصا لغيبة الناظر على الوقف المذكور بالقاهرة
أو غيرها من البلاد الشاسعة فهل تصح توليته أم
لا؟ وإذا صحت التولية فهل للناظر بعد أن بلغه
تولية القاضي المذكور أن يولي شخصا آخر خلاف
من ولاه القاضي معتقدا أن القاضي لا نظر له أو
ليس له ذلك؟ فأجاب: ولاية قاضي مكة للشخص
المذكور الوظيفة عند غيبة الناظر للمدرسة
الغيبة البعيدة وشغور الوظيفة عمن كان بها
بموته صحيحة واقعة بمحلها لأنه ولي من لا ولي
له كالمرأة إذا غاب وليها واحتاجت إلى التزويج
فليس للناظر إبطال ما وقع من تولية الحاكم
والحالة هذه والله أعلم. وكتبه علي بن الجلال
المالكي وأجاب بمثل ذلك الشافعية والحنفية
والحنابلة وأجاب سراج الدين عمر البلقيني
الشافعي بما نصه نعم يصح تولية القاضي الوظيفة
لمن ذكر وليس للناظر أن يولي شخصا آخر خلاف من
ولاه القاضي والاعتقاد المذكور غير صحيح وأجاب
الشيخ إبراهيم الأنبابي الشافعي بما أجاب به
البلقيني وكذا أجاب كل من الشيخ محمد بن أحمد
السعودي الحنفي والشيخ عبد المنعم البغدادي
الحنبلي بمثل ذلك والله أعلم. وبذلك أيضا أفتى
بعض أهل العصر وقال: للقاضي أن يقرر في ذلك
وينظر واحتج بأن أصل مذهب مالك القضاء على
الغائب في سائر الحقوق إذا كانت غيبته غيبة
بعيدة وبأن من يريد التقرير مثلا في الوظيفة
في الوقف له شبه الحق على الناظر في وجوب
إنفاذ أمر الواقف وعدم تعطيل وقفه فإذا عين
القاضي المذكور من هو أهل لها كان كحكمه عليه
فيما يدعي به وقد قال أهل المذهب فيما إذا
ادعى على غائب بدين ساغ للحاكم أن يبيع دار
الغائب لقضاء الدين ثم إذا قدم الغائب ببراءة
أو بما
(7/656)
.............................................
__________
يترك عنه الحق أن البيع ماض ويتبع بالثمن من
أخذه فإذا مضى حكم القاضي على الغائب فيما هو
ملك له شرعا فأحرى أن يمضي التقرير في الوظيفة
المذكورة إذ ليس ملكا له ويشهد لذلك أنه إذا
غاب ولي المرأة زوجها الحاكم وبما قاله أيضا
في ترجمة القضاء على الغائب من النوادر ونصه:
قال عبد الملك إذا كان الغائب صغيرا لم يضرب
له أجلا لأنه لو حضر لم يكن يدافع عن نفسه ولا
أخذ لها ولكن إن كان في ولاية أحد غائب ضرب
لوليه أجلا وإن حضر خاصم عنه وإن لم يحضر حكم
عليه وأشهد وإن لم يكن عليه ولي فليول عليه
الحاكم وليا يكون وليا له في هذه الخصومة
وغيرها ثم يحكم عليه وليه له ولا يخصه
بالولاية في هذه الخصومة فقط فيكون قد نصب له
وكيلا يخاصم عنه وهذا لا يكون انتهى كلام
المفتي. وقوله: "وإن لم يحضر حكم عليه وأشهد"
لم أرها في النوادر ورأيتها بخط المفتي مزادة
في الهامش والله أعلم. ويبقى هنا مسألة وهي لو
جعل الواقف النظر في ذلك لشخص غائب عن البلد
وإقامته إنما هي في بلدة أخرى ولا يمكن أن
يأتي إلى بلد الواقف كما لو جعل النظر في حبسه
الذي بمكة لمن كان سلطانا بمصر فالظاهر هنا
أنه ليس للقاضي أن ينظر في ذلك ويوقف الأمر
إلى أن يعلم ما يأمر به الناظر فتأمله والله
أعلم.
الرابع: قال ابن عرفة لو قدم المحبس من رأى
لذلك أهلا فله عزله واستبداله سمع ابن القاسم
من حبس على بنات له وقد بلغن فحزن أموالهن
وكان عمهن يلي حبسهن فاتهمنه في غلتهن وطلب
بعضهن أن يوكل لحقه فإن كان حسن النظر لم يكن
له ذلك وإن كان على غير ذلك جعل معه من يوكله
بذلك ابن رشد: معناه أن العم قدمه المحبس ولو
كان بتقديمهن له لكان لمن شاء منهن توكيل غيره
على حقها ولم يكن للسلطان في ذلك نظر وقوله:
"إن كان على غير ذلك" يريد سيئ النظر أو غير
مأمون وإنما رأى أن توكل لحقها ولم تعزله لأنه
رضيه بعضهن ولو لم ترضه واحدة منهن لعزله
القاضي عنهن ولو كن غير مالكات لأنفسهن لوجب
تقديم السلطان غيره. وقال ابن دحون لو اتهمه
جميعهن لكان لهن عزله وإنما بقي لأنهن اختلفن
في تهمته وفي قوله نظر.
قلت: قول ابن دحون هو معنى متقدم قول ابن رشد
فتأمله. ونزلت في حبس حبسته حرة أخت أمير
بلدنا وجعلته بيد شيخنا ابن عبد السلام على
أنه يدرس به ثم نقلته لشيخنا ابن سلامة فقبله
وشهد في العزل والتولية جميع الشهود الذين
كانوا حينئذ منتصبين للشهادة وعللوا ذلك
بالتفريط ا. هـ. ولكن في استدلاله بالمسألة
المذكورة لذلك نظر لا يخفى فتأمله وقال
البرزلي وسأل ابن دحون ابن زرب عن الوصي يتخلى
عن النظر إلى رجل آخر. قال ذلك جائز وينزل
منزلته قيل له فلو أراد العودة في نظره؟ قال
ليس له ذلك وقد تخلى منه إلى الذي وكله
(7/657)
__________
قلت: يؤخذ من هذا أن من حبس شيئا وجعله على يد
غيره ثم أراد عزله فليس له ذلك إلا بموجب يظهر
كالقاضي إذا قدم أحدا ونزلت بشيخنا الإمام
وكان يقدم على أحباسه من يستحسنه ويعزل من
يظهر له عزله وهو عندي صواب لأن نظر المحبس
أقوى من نظر القاضي في حبسه فلا يتسور عليه
فيه ما دام حيا كما له التقديم في حياته وبعد
مماته من غير أن ينظر عليه أحد من قاض أو غيره
انتهى والله أعلم.
الخامس: قال ابن عرفة ابن فتوح للقاضي تقديم
من ينظر في أحباس المسلمين ولا يرتفع تقديمه
بموته ويرتفع برفعه من ولي بعده انتهى. قال
البرزلي وفي الوثائق المجموعة إذا قدم القاضي
أحدا على الحبس فلا يعزله من جاء بعده إلا
بموجب لأنه كحكمه في القضايا انتهى.
السادس: قال ابن عرفة عن ابن فتوح للقاضي أن
يجعل لمن قدمه للنظر في الأحباس رزقا معلوما
في كل شهر باجتهاده في قدر ذلك بحسب عمله
وفعله الأئمة. ابن عتاب عن المشاور لا يكون
أجره إلا من بيت المال فإن أخذها من الأحباس
أخذت منه ورجع بأجره في بيت المال فإن لم يعط
منها فأجره على الله وإنما لم يجعل له فيها
شيء لأنه تغيير للوصايا وبمثل قول المشاور
أفتى ابن ورد وقال لا يجوز أخذ أجرته من
الأحباس إلا أن يحمل على من حبس وخالفه عبد
الحق وابن عطية وقال ذلك جائز لا أعلم فيه نص
خلاف انتهى. ونقل البرزلي كلام عبد الحق وابن
عطية والله أعلم.
السابع: قال البرزلي وسئل السيوري عن إمام
مسجد ومؤذنه ومتولي جميع أموره قام عليه محتسب
بعد أعوام في غلة حوانيت له وقال فضلت فضلة
عما أنفقت وقال لم يفضل شيء فقال له بين
للقاضي صفة الخروج فقال لا يجب علي ذلك ولو
علمت أنه يجب علي ما توليته ولا قمت به ولا
يوجد من يقوم به إلا هو ولولا هو لضاع هل يقبل
قوله أم لا؟ فأجاب القول قوله فيما زعم أنه
أخرجه إذا كان يشبه ما قال البرزلي وهذا إذا
لم يشترط عليه دخلا ولا خرجا إلا بإشهاد
انتهى.
الثامن: قال في النوادر القائم بالحبس إذا قال
أعمرها من مالي ثم قال إنما عمرتها من الغلة
جاز. قال فإن قال من الغلة أنفقت فقد أنفذ
الوصية وإن قال من مالي عمرتها حلف ورجع بذلك
في الغلة ولا يضره قوله أعمرتها من مالي انتهى
ويفهم منه أن للقائم على الحبس أن يستقرض عليه
ويعمره والله أعلم.
التاسع: لا يجوز للقاضي ولا للناظر التصرف إلا
على وجه النظر ولا يجوز على غير
(7/658)
أو تبدئة فلان
بكذا، وإن من غلة ثاني عام، إن لم تقل من غلة
كل عام أو أن من احتاج من المحبس عليه باع،
__________
ذلك ولا يجوز للقاضي أن يجعل بيد الناظر
التصرف كيف شاء وتقدم كلام البرزلي في آخر
الإقرار عند قوله "وإن أبرأ فلانا". ص: (أو
تبدئة فلان بكذا وإن من غلة ثاني عام إن لم
يقل من غلة كل عام) ش: تصوره واضح وكلامه شامل
لما فرضه في المدونة من تبدئة فلان من غلة
ثاني عام ولما فرضه المتيطي من تبدئته من غلة
العام الماضي إن كان بقي منها شيء والغلة
والمبالغة بأن في قوله: "وإن من غلة ثاني عام"
ترشد لذلك فتأمله. قال في كتاب الوصايا الثاني
من المدونة ومن أوصى لرجل بدينار من غلة داره
كل سنة أو بخمسة أوسق من غلة حائطه كل عام
والثلث يحمل الدار أو الحائط فأخذ ذلك عاما ثم
بار ذلك أعواما فللموصى له أخذ وصية كل عام ما
بقي من غلة العام الأول شيء فإن لم يبق منه
شيء فإذا أغل ذلك أخذ منه لكل عام مضى ولم
يأخذ منه شيئا ولو أكروا الدار في أول سنة
بعشرة دنانير فضاعت إلا دينارا كان ذلك للموصى
له لأن كراء الدار لا شيء للورثة منه إلا بعد
أخذ الموصى له منه وصيته وكذلك غلة الجنان أو
غيره ولو قال أعطوه من غلة كل سنة خمسة أوسق
أو من كراء كل سنة دينارا لم يكن له أن يأخذ
غلة سنة عن سنة أخرى لم تغل ولو أكريت الدار
أول عام بأقل من دينار أو جاءت النخل بأقل من
خمسة أوسق لم يرجع بتمام ذلك في عام بعده
انتهى. ولو طلب أن يوقف له من غلة العام الأول
شيء أو يعطاه في الصورة الأولى فهل يجاب إلى
ذلك في الصورة الأولى؟ قال اللخمي وإن اغتلت
أول سنة عشرة دنانير وأخذ دينارا وبقي تسعة
نظر في ذلك فإن كانت الدار مأمونة أنها لا
تبور أو إن بارت تأتي كل سنة بأكثر من دينار
أخذ الورثة هذه التسعة وإن كان يخشى أن لا
تأتي بذلك وقف منها ما يخاف أن لا يأتي به إلا
أن يكون الوارث مأمونا غير ملد ولا ممتنع ورضي
أن يأخذها في ذمته فيكون أحق بها لأن له فيها
شبهة الملك والوقف غير مفيد للموصى له انتهى.
ص: (أو أن من
(7/659)
وإن تسور عليه
قاض أو غيره رجع له أو لوارثه: كعلى ولدي، ولا
ولد له، لا بشرط إصلاحه على مستحقه: كأرض
موظفة، إلا من غلتها على الأصح، أو عدم بدء
بإصلاحه، أو بنفقته. وأخرج الساكن
__________
احتاج إليه من المحبس عليه باع وإن تسور عليه
قاض أو غيره رجع له أو لوارثه) ش:. قال في
التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: "والوقف لازم
ولو قال لي الخيار" ما نصه قد قال جماعة إن
المحبس إذا شرط في حبسه أنه إن ذهب قاض أو
غيره إلى التسور على حبسه أو النظر فيه فجميع
حبسه راجع إليه إن كان حيا أو إلى ورثته أو
صدقة لفلان أن له شرطه وكذلك قالوا: إذا شرط
أن من احتاج من المحبس عليهم باع الحبس أنه
يصح هذا الشرط ولزم المحبس عليه إثبات حاجته
واليمين على ذلك إلا أن يشترط المحبس أنه مصدق
فله البيع من غير إثبات انتهى. وقال البرزلي:
قال في الوثائق
(7/660)
الموقوف عليه
للسكنى، إن لم يصلح لتكرى له، وأنفق في فرس
لكغزو من بيت المال، فإن عدم بيع وعوض به
سلاح: كما لو كلب، وبيع ما لا ينتفع به من غير
عقار في مثله أو شقصه كأن أتلف، وفضل الذكور
وما كبر من الإناث في إناث،
__________
المجموعة: إذا لم يقل يصدق فعليه إثبات الحاجة
ويحلف أنه لا مال له باطن يكتمه ولا ظاهر
يعلمه فحينئذ يبيعه انتهى. وقال المتيطي: فإن
شرط المحبس أن من ادعى منهم حاجة فهو مصدق
فيصدق وينفذ الشرط ومن ادعى منهم حاجة ولم
يثبت غناه انطلق يده على بيعه انتهى. والمسألة
الأولى في كلام المؤلف هنا الثانية في كلام
التوضيح وأصلها في رسم سلعة سماها من سماع ابن
القاسم من كتاب الحبس. قال: سئل مالك عن رجل
جعل دارا له حبسا صدقة على ولده لا تباع إلا
أن يحتاجوا إلى بيعها فإن احتاجوا إليها
(7/661)
لا عقار وإن
خرب، ونقض
__________
واجتمع ملؤهم على ذلك باعوا فاقتسموا ثمنها
الذكر والأنثى فيه سواء فهلكوا جميعا إلا رجلا
منهم فأراد بيعها إذ ذلك له وقد احتاج إلى
بيعها. قال: نعم فقيل له إن امرأة ثم وهي بنت
أخت الباقي الذي يريد أن يبيع وهي من بنات
المحبس قالت إن بعت فأنا آخذ
(7/662)
ولو بغير خرب
إلا لتوسيع: كمسجد، ولو جبرا،
__________
ميراثي من أمي. قال لا أرى لها في ذلك شيئا.
قال ابن القاسم ولو اجتمع ملؤهم على بيعها
قسموا ثمنها على الذكر والأنثى سواء لأنها
صدقة حازوها وليست ترجع بما يرجع المواريث إلى
عصبة الذي تصدق بها. ابن رشد قوله "إلا أن
يحتاجوا إلى بيعها" يريد أو يحتاج أحدهم إلى
بيع حظه منها - قل الحبس لكثرة عددهم أو كثر
لقلتهم - فيكون لهم ويبطل الحبس فيه ويكون
ثمنه مالا من ماله وكذلك إن احتاجوا كلهم
فباعوا كان الثمن لهم مالا من مالهم على قدر
حقهم في الحبس - قلوا أو كثروا - فإن لم يبق
إلا واحد فاحتاج فله الثمن كله وبطل الحبس في
الجميع بشرط المحبس ومن مات منهم قبل أن يحتاج
سقط حقه إلا أنه إنما مات عن حبس لا يورث عنه
ويرجع إلى من معه في الحبس ولا يورث شيء منه
عن محبس انتهى.
فروع الأول: قال في المتيطية: وإذا قدم المحبس
رجلا على الحوز لبنيه الصغار وجعل له البيع
عليهم إن احتاجوا فأجاز ذلك أحمد. ابن بقي
وقال ابن لبابة ومحمد بن القاسم ليس للمقدم
بيع الحبس حتى يثبت عند القاضي العذر الذي له
يبيع والسداد في الثمن وليس الوكيل كالمحبس
عليه انتهى.
(7/663)
وأمروا بجعل
ثمنه لغيره ومن هدم وقفا. فعليه إعادته،
وتناول الذرية وولد فلان، وفلانة أو الذكور
والإناث وأولادهم الحافد،
__________
الثاني: قال البرزلي: قال مالك فيمن حبس على
ولده حبسا وشرط لهم إن احتاجوا باعوا ذلك
فلحقهم دين أن لأصحاب الدين بيع الحبس من أجل
ما شرطه المحبس لهم من البيع عند حاجتهم
انتهى. والمسألة في العتبية في رسم أخذ يشرب
خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس سئل
مالك عمن تصدق على ابنتين بدار على وجه الحبس
وكتب لهما في كتاب صدقته إن شاءتا باعتا وإن
شاءتا أمسكتا فرهق ابنتيه دين كثير داينتا به
الناس فقام عليهما الغرماء وقالوا نحن نبيع
الدار قد كتب أبوكما في صدقته إن شئتما بعتما
وإن شئتما أمسكتما قال مالك صدقوا في ذلك لهم
أن يبيعوا الدار حتى يستوفوا. قال ابن رشد
لمالك في كتاب ابن المواز خلاف قوله هذا إنه
ليس للغرماء ذلك وهو الذي يأتي على ماله في
كتاب التفليس من المدونة في الرجل يفلس وله أم
ولد ومدبرون ولهم أموال إنه ليس للغرماء أن
يجبروه على أن يأخذ أموالهم فيقضيها إياهم ولا
لهم أن يأخذوا إلا أن يشاء هو أن يفعل ذلك
انتهى. قال البرزلي بعد نقله المسألة قلت قد
يفرق بينهما بأن منفعة الدار حاصلة الآن
للديانة ورقبتها كذلك للحاجة إليها وقد انفك
الحبس عنها ومال العبد الأصل أنه له حتى
ينتزعه بدليل شرائه وهو يضاف للعبد لا للسيد
بدليل جواز بيعه بحاله على المعروف فالأصل
بقاؤه على ملكه حتى يحدث فيه السيد حدثا يدل
على الانتزاع ولا يخالف هذا الأصل مسألة
النذور والأيمان على تأويل فيها وبعض مسائل
العتق انتهى.
الثالث: تقدم عند قول المصنف "واتبع شرطه" حكم
ما إذا شرط المحبس أنه إن وجد في الحبس ثمن
رغبة فقد أذنت في البيع ويبتاع بثمنه ربعا
مثله. ص: (وتناول الذرية وولدي فلان وفلانة
إلخ) ش: تصوره واضح.
(7/664)
لا نسل، وعقبي،
وولدي، وولد ولدي، وأولادي، وأولاد أولادي،
وبنيي وبني بنيي،
__________
مسألة: إذا حبس على ولده وقال فلان وفلان ولم
يسم الآخرين فهل يدخلون؟ قال المشذالي في
الوصايا الأول: قال الوانوغي لو حبس على ولده
وقال فلان وفلان ولم يسم الآخرين فهل هذه
المسألة كمسألة الشيوخ المشهورة في أحكام ابن
زياد فيمن أوصى وقال جعلت النظر على ولدي فلان
وفلان إلى فلان وفي أولاده من لم يسم فهل
الإيصاء قاصر على المسمين أو لا؟ فيه تنازع
بين ابن زرب وغيره فهل مسألة التحبيس مثلها أو
لا؟ فقال بعض المشارقة ليس مثلها لا يدخل في
الحبس ويدخل في الإيصاء والفرق بينهما أن
الوصية بالأولاد قد علم المقصود بها وهو
القيام بهم وهو مظنة التعميم فالتسمية ليست
للتخصيص وأما في الوقف فالمقصود فيه صرف
المنافع ويجوز قصرها على بعض دون بعض فيصح أن
يقال للتسمية أثر. قال المشذالي قلت وهذا فرق
لا بأس به. قال الوانوغي وفي نوازل ابن رشد
نحوه ا هـ. ص: (وولدي وولد ولدي وأولاد أولادي
وبني، وبني بني) ش: ينبغي أن يكون مراد المصنف
أن الواقف إذا قال وقف على ولدي وولد ولدي أو
قال على أولادي وأولاد أولادي أو قال على بني
وبني بني فإن الحفيد لا يتناوله
(7/665)
وفي على ولدي
وولدهم. قولان والإخوة الأنثى، ورجال إخوتي،
ونساؤهم الصغير وبني أبي إخوته الذكور،
وأولادهم، وآلي، وأهلي العصبة، ومن لو رجلت
عصبت وأقاربي أقارب جهتيه مطلقا، وإن نصرى،
ومواليه المعتق، وولده ومعتق أبيه وابنه،
وقومه
__________
هذا اللفظ وليس مراده أن الواقف أتى بلفظة من
الألفاظ الستة فقال وقف على ولدي أو قال على
ولد ولدي أو قال على أولادي أو قال أولاد
أولادي أو قال على بني أو قال على بني بني
فإنه يفوته التنبيه على ما إذا جمع بين
اللفظين والخلاف فيه قوي فإن ابن العطار نص
على أن أهل قرطبة كانوا يفتون بدخولهم. قال
وقضى به محمد بن السليم بفتوى أهل زمانه. قال
ابن رشد وهو ظاهر اللفظ لأن الولد يقع على
الذكر والأنثى فإذا قال على ولدي أو على
أولادي وولد ولدي فهو بمنزلة قوله على أولادي
ذكورهم وإناثهم وعلى أعقابهم وأما إذا قال وقف
على ولدي وعلى أولادي فالمعروف من المذهب عدم
دخولهم وكذلك ينبغي أن يكون الحكم إذا قال على
ولد ولدي فقط فتأمله والله أعلم. ص. (وبني أبي
إخوته الذكور وأولادهم) ش: يريد الإخوة
الأشقاء والإخوة للأب ولا يدخل في ذلك الإخوة
للأم وكان المصنف اعتمد على أنه إذا لم يدخل
في ذلك الأخوات الأشقاء والأخوات للأب مع أنهم
(7/666)
عصبته فقط،
وطفل وصبي، وصغير من لم يبلغ وشاب، وحدث
للأربعين، وإلا، فكهل للستين، وإلا فشيخ وشمل
الأنثى. كالأرمل،
__________
من أولاد أبيه فأحرى الإخوة للأم لخروجهم
بقوله بني أبي وقوله: "وأولادهم" يعني الذكور
كما صرح به في الرواية.
تنبيه: زاد في الرواية أنه يدخل مع ذكور إخوته
وأولادهم الذكور ذكور ولده لأنهم من ولد أبيه.
قال في الجواهر ولو قال على بني أبي دخل فيه
إخوته لأبيه وأمه وإخوته لأبيه ومن كان ذكرا
من أولادهم خاصة مع ذكور ولدهم انتهى. وقاله
ابن شعبان في الزاهي. ص: (ومواليه المعتق) ش:
ولم يتكلم رحمه الله على دخول المولى الأعلى
بل ظاهر كلامه أنه لا يدخل وهو كذلك إن لم يقم
دليل على إرادته على مذهب المدونة قاله ابن
عرفة وفي دخول المولى الأعلى مع الأسفل إن لم
يقم دليل على إرادة أحدهما فقط قولان لأشهب
ونص وصاياها انتهى. ص: (وشمل الأنثى كالأرمل)
ش: تصوره ظاهر وسئلت عن وقف على من كان بمكة
من فقراء الأندلس القاطنين بها فهل يدخل
(7/667)
والملك للواقف،
لا الغلة، فله ولوارثه منع من يريد إصلاحه،
__________
النساء إذا كن بهذه الصفات؟ فأجبت بما صورته:
الظاهر دخولهن كما يؤخذ من كلام أهل المذهب في
مسائل متعددة أعني المذكورة هنا وما أشبهها
وكما يشهد بذلك العرف وبدخولهن في قوله تعالى:
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}
[التوبة:60] الآية. من غير خلاف والله أعلم.
ص: (والملك للواقف) ش: ظاهره حتى في المساجد
ونقل القرافي الإجماع على أن المساجد ارتفع
عنها الملك وهو خلاف ما حكاه في أول الحبس من
النوادر أن المساجد باقية أيضا على ملك محبسها
والله أعلم ونصه في أثناء الترجمة الأولى في
الاستدلال على جواز التحبيس والرد على شريح
القائل لا حبس على فرائض الله وبقاء أحباس
السلف دائرة دليل على منع بيعها وميراثها
والمساجد والأحباس لم يخرجها مالكها إلى ملك
أحد وهي باقية على ملكه وأوجب تسبيل منافعها
إلى من حبست عليه فلزمه ذلك كما يعقد في العبد
الكتابة والإجارة والإسكان وأصل الملك له فليس
للورثة حل شيء مما أوجب في المرافق وإن كان
الملك باقيا عليه انتهى. فتأمله
(7/668)
ولا يفسخ كراؤه
لزيادة ولا يقسم إلا ماض زمنه،
__________
والله أعلم. ص: (ولا يقسم إلا ما مضى زمنه) ش:
مسألة. قال ابن عرفة وفيما تجب به الثمرة لمن
حبس عليه اضطراب يعني إذا كان المحبس عليه
معينا وذكر الخلاف في ذلك ثم قال وإن لم
يكونوا معينين كما لو حبس على رجل وعقبه ففي
وجوبها بالطيب أو القسمة قولان.
قلت: عزاهما ابن زرقون لابن القاسم مع مالك
وابن الماجشون قال وثالثها لأشهب بالآبار
انتهى. وما عزاه ابن زرقون لابن القاسم صرح به
في كتاب الوصايا الثاني من المدونة ونبه على
ذلك في التنبيهات والرجراجي عزاه أيضا لابن
الحاجب وابن كنانة. قال الرجراجي وإنما نبهت
على إجماع المذهب أنها تكون غلة بالطيب في هذا
الفصل وأين هم عما استخرجناه من الكتب
واستشهدنا عليه بنصوص الأمهات والتوفيق بيد
الله يؤتيه من يشاء انتهى. فقد علمت أن القول
الذي عزاه لابن الماجشون هو مذهب المدونة. قال
ابن عرفة وأما الحبس على بني زهرة فلا يجب إلا
بالقسم فمن مات قبله سقط حظه ومن ولد قبله ثبت
حظه ومسألة الوقف على الفقراء وعلى بني تميم
ونحوهم ثم قال قلت والحبس على القراء بمواضع
معينين كقراء جامع الزيتونة إن كان بقيد أن
(7/669)
__________
الثواب لمعين فهم كالأجراء وتقدم كلام الشيوخ
في المستأجر على الأذان والإمام يمرض بعض
الأيام وإمام المسجد يموت وعليه دار محبسة
وأهله بها هل يخرج أو يقسم لتمام العدة وإن
كان الحبس لا بقيد كقراءة شفع المحراب بجامع
الزيتونة فهم كالحبس على فلان وعقبه انتهى.
قلت: ومثله الحبس على فقراء الرباط الفلاني
والمدرسة الفلانية ومذهب المدونة في ذلك لا
يستحقون إلا بالقسم.
تنبيه: على هذا القول إذا مات أحدهم وتقدم له
فيها نفقة. قال الرجراجي فلا خلاف أن لورثته
الرجوع بالنفقة لأن أصحابه قد انتفعوا بنفقته
فيما عمله. لهم واختلف المتأخرون هل الرجوع
بالأقل فيما أنفق أو بما ينوبه من الثمرة أو
إنما يرجع بقيمة النفقة نقدا أو ثمرة؟ الخلاف
إذا أجيحت الثمرة هل تسقط المطالبة وهو ظاهر
المدونة، أم لا؟ وهو
(7/670)
وأكرى ناظره،
إن كان على معين، كالسنتين، ولمن مرجعها له
كالعشر، وإن بنى محبس عليه فمات ولم يبين فهو
وقف،
__________
ضعيف. انتهى باختصار. ص: (وإكراء ناظره إن كان
على معين كالسنتين) ش: يعني أن الحبس إذا كان
على معينين كبني فلان فللناظر أن يكريه سنتين
أو ثلاث سنين ولا يكريه أكثر من ذلك ولكن لا
يكون كراؤه بالنقد انظر النوادر في ترجمة
الحبس يزاد فيه أو يعمر من غلته وكراء الحبس
السنين الكثيرة.
فرع: قال في البيان في رسم الأقضية الأول من
سماع أشهب من كتاب الصدقات فإن وقع الكراء في
السنين الكثيرة على القول بأنه لا يجوز فعثر
على ذلك وقد مضى بعضها فإن كان الذي بقي يسيرا
لم يفسخ وإن كان كثيرا فسخ على ما قاله في
كتاب محمد ا هـ.
قلت: ولم يبين حد اليسير والظاهر أنه كالشهر
والشهرين كما في مسألة كراء الوصي ربع الصغير
ثم يتبين رشده وذكر البرزلي في مسائل الحبس عن
نوازل ابن رشد فيمن حبس على بني فلان أكرى
أحدهم نصيبه خمسين عاما فأجاب إن وقع الكراء
لهذه المدة على النقد فسخ وفي جوازه على غير
النقد قولان الصحيح منهما عندي المنع وهذا
فيما ينفسخ فيه الكراء بموت المكري وهذا
كمسألتك أما الحبس على المساجد والمساكين
وشبههما فلا يكريها الناظر لأكثر من أربعة
أعوام إن كانت أرضا أو أكثر من عام إن كانت
دارا وهو عمل الناس ومضى عليه عمل القضاة فإن
أكرى أكثر من ذلك مضى إن كان نظرا على مذهب
ابن القاسم وروايته ولا يفسخ انتهى. وقال في
الشامل وجاز كراء بقعة من أرض محبسة على غير
معين أربعين سنة لتبنى دارا وعمل به انتهى.
وانظر أحكام ابن سهل في أول كتاب الأقضية من
مسائل الحبس في ترجمة قطيع محبس
(7/671)
وعلى من لم
يحاط بهم، أو على قوم وأعقابهم، أو على كولده
ولم يعينهم فضل المولى أهل الحاجة والعيال في
غلة وسكنى،
__________
باعته المحبسة وانظر الأحكام الصغرى في مسائل
الأقضية. ص: (أو على كولده ولم يعينهم فضل
المتولي أهل الحاجة والعيال في غلة وسكنى) ش:.
قال ابن رشد المبدأ في الحبس أهل الحاجة على
الأغنياء في السكنى والغلة فلا سكنى للأغنياء
معهم إلا أن يفضل عنهم شيء فإن استووا في
الفقر والغنى ولم يسعهم أكري ذلك عليهم وقسم
الكراء بينهم شرعا سواء إلا أن يرضى أحدهم أن
يكون عليه بما يصير لأصحابه من الكراء ويسكن
فيها فيكون له ذلك قاله ابن المواز انتهى. من
سماع سحنون من كتاب الحبس وقال في الشامل ومن
وقف على قوم وأعقابهم أو من لا يحاط بهم فضل
الناظر ذا حاجة وعيال في غلة وسكنى على
المشهور باجتهاده فإن استووا فقرا وغنى أوثر
الأقرب فالأقرب ودفع الفضل لمن يليه فأما على
ولده أو ولد ولده أو مواليه ولم يعينهم فكذلك،
وقيل الغني والفقير سواء فإن عينهم سوى بينهم
فإن كان للغني ولد فقير أعطي بقدر حاجته
انتهى. وقال في النوادر ومن المجموعة من حبس
على قوم وأعقابهم أن ذلك كالصدقة لا يعطى
الغني منها شيئا ويعطى المسدد بقدر حاله فإن
كان للأغنياء أولاد كبار فقراء وقد بلغوا
أعطوا بقدر حاجتهم الباجي يريد بالمسدد الذي
له كفاية وربما ضاق حاله لكثرة عياله انتهى.
وفهم من قوله ولم يعينهم أنه لو عينهم أنه
يسوي بينهم وهو كذلك.
مسألة: من نوازل ابن رشد سأله عنها القاضي
عياض وهو عقد تضمن تحبيس فلان على ابنيه فلان
وفلان لجميع الرحا الكراء بالسوية بينهما
ولاعتدال حبسها عليهما وعلى عقبهما حبسا مؤبدا
وتمم عقد التحبيس على واجبه وحوزه ومات الأب
والابنان بعده وتركا عقبا كثيرا وعقب أحدهما
أكثر من عقب الآخر وفي بعضهم حاجة فكيف ترى
قسمة هذا الحبس بين هؤلاء الأعقاب هل على
الحاجة أم على السوية أم يبقى في يد كل عقب ما
كان بيد أبيه؟ فأجاب الواجب في هذا الحبس إذا
كان الأمر فيه على ما وصفت أن يقسم على أولاد
العقبين جميعا على عددهم وإن كان عقب الولد
الواحد
(7/672)
ولم يخرج ساكن
لغيره،
__________
أكثر من عقب الآخر بالسواء إن استوت حاجتهم
وإن اختلفت فضل ذو الحاجة منهم على من سواه
بما يؤدي إليه الاجتهاد على قدر قلة العيال أو
كثرتهم ولا يبقى بيد ولد كل واحد منهما ما كان
بيد أبيه قبله وبالله التوفيق.
مسألة: سئل عنها الوالد عن أرض وقف تسمى
بالرهط وتنسب لعمرو بن العاص رضي الله عنه
وأنه أوقفها على ذريته وذريته أفخاذ منهم
الرخامي والحطامي والساري وكل واحد منهم بيده
قطعة أخذها من آبائه فهل له أن يقسمها بين
أولاده الذكور والإناث ويكون لمن مات من
الإناث أن تنقل حظها لأولادها حتى أنهم لو
كانوا من فخذ آخر أخذوا ما صار لهم من أبيهم
وما صار لهم من أمهم وليس ثم كتاب ولا شرط؟
فأجاب إذا ثبت الوقف بالبينة أو بالشيوع فإن
علم شرط الواقف بكتاب وقف أو بينة تشهد به ولو
بالشيوع اتبع وإن لم يعلم شرط الواقف وثبت له
عادة قديمة فيصرف الوقف على ما جرت به العادة
القديمة إذا لم تكن مخالفة للوجه الشرعي وليس
لمن صار بيده شيء من الوقف أن يبيعه ولا يقسمه
بين أولاده ولا يؤجره مدة طويلة بل يبقى بيده
فإذا مات انتقل لمن جرت العوائد المذكورة
أعلاه بانتقاله إليه ثم سئل عنه مرة أخرى
فأجاب عنه بما تقدم وزاد فيه وإذا لم يثبت لهم
شرط ولا عادة وثبت أن الوقف على الذرية قسم
بينهم في كل سنة على السوية إلا أن يكون فيهم
محتاج فللناظر أن يؤثره على غيره والله سبحانه
أعلم ومستنده في ذلك ما ذكره ابن فرحون في
تبصرته في الباب السابع والخمسين والباب
السبعين. قال فيه وقد تقدم أنه يقبل قول متولي
نظر الوقف في مصرفه إذا لم يوجد كتاب الوقف
وذكر أن العادة جرت بصرف غلته في الوجوه التي
يذكرها والله أعلم. ص: (ولم يخرج ساكن لغيره
إلا لشرط) ش: قال ابن عرفة قال ابن الحاجب ولا
يخرج الساكن لغيره وإن غنيا. ابن عبد السلام
لما تكلم على حكم المساواة والترجيح قبل
السكنى فحث على ما إذا سكن أحدهم لموجب الفقر
ثم استغنى
(7/673)
إلا بشرط أو
سفر انقطاع أو بعيد.
__________
فإن ذلك الحكم لا يرتفع بارتفاع سببه وهو
الفقر ولعل ذلك لأن عودته لا تؤمن وإلا فالأصل
أن يخرج وهذا في الوقف على غير معين. قال ابن
عرفة قلت في لفظه ولفظ ابن الحاجب إجمال لأن
ظاهر لفظهما سواء كان الحبس على معقب ونحوه أو
على الفقراء فسكن بعضهم لاتصافه بالفقر ثم
استغنى أنه لا يخرج لغيره وليس الأمر كذلك.
قال ابن رشد في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم
من استحق مسكنا من حبس هو على الفقراء لفقره
أخرج منه إن استغنى وفي رسم أدرك من سماع ابن
القاسم: من استحق مسكنا من حبس هو على العقب
وهو غني لانقطاع غيبة المحتاج ثم قدم أنه لا
يخرج لأنه لم يدخل عليه ولكنه سكن بها حيث لم
يكن أحد أولى بها منه وروى الباجي لو سافر
مستحق السكنى لبعض ما يعرض للناس كان له كراء
مسكنه إلى أن يعود ولو انتقل إليه أحد من أهل
الحبس رد لمنزله وأخرج منه من دخل فيه انتهى
من آخر كتاب الحبس منه وقال الفاكهاني في شرح
قوله في الرسالة "ومن سكن فلا يخرج لغيره" ما
نصه: إلا أن يرى الناظر إخراجه وإسكان غيره
مصلحة للحبس فله ذلك لا سيما إن خاف من سكناه
ضررا ولمثل هذا جعل الناظر انتهى من الشيخ
زروق ناقلا له عن الفاكهاني وهو ظاهر فتأمله
والله أعلم.
(7/674)
|