مواهب
الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب كتاب الإقرار
باب الإقرار
باب الإقرار
...
باب الإقرار
يؤاخذ المكلف، بلا حجر بإقراره
__________
كتاب الإقرار
قال في الذخيرة: وهذه المادة وهي الإقرار
والقرار والقر والقارورة ونحو ذلك من السكون
والثبوت؛ لأن الإقرار يثبت الحق والمقر أثبت
الحق على نفسه والقرار السكون والقر البرد وهو
يسكن الدماء والأعضاء والقارورة يستقر فيها
مائع انتهى. ومنها قاعدة الإقرار والدعوى
والشهادة كلها إخبارات، والفرق بينها أن
الإخبار إن كان يقتصر حكمه على قائله، فهو
الإقرار وإن لم يقتصر، فإما أن لا يكون للمخبر
فيه نفع وهو الشهادة أو يكون وهو الدعوى انتهى
وقال السبكي: في نكته في تفسير القرآن العظيم
قوله تعالى {ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ
تَشْهَدُونَ} [البقرة: 84] يدل على تغاير
الإقرار والشهادة انتهى وفيه خلاف وفي المدونة
أن الإقرار شهادة وقال ابن عرفة: الإقرار لم
يعرفوه وكأنه عندهم بديهي ومن أنصف لم يدع
بداهته؛ لأن مقتضى حال مدعيها أنه قول يوجب
حقا على قائله والأظهر أنه نظري فيعرف بأنه
خبر يوجب حكم صدقه على قائله فقط بلفظه أو
بلفظ نائبه فيدخل إقرار الوكيل وتخرج
الإنشاءات كـ"بعت" و"طلقت" ونطق الكافر
بالشهادتين ولازمهما عنها لا الإخبار ككنت بعت
وطلقت وأسلمت ونحو ذلك والرواية والشهادة
وقوله: "زيد زان" لأنه وإن أوجب حكما على
قائله فقط، فليس له هو حكم مقتضى صدقه انتهى.
ص: (يؤاخذ المكلف بلا حجر بإقراره)
(7/215)
__________
ش: خرج بالمكلف إقرار المكره، فإنه غير مكلف
على الصحيح وقال القرطبي في شرح مسلم: في آخر
باب الديات شرط صحة الإقرار أن لا يكون
بإكراه، وأما المحبوس والمتهدد فاختلف في أخذه
بإقراره واضطرب المذهب في إقراره بعد الحبس
والتهديد هل يقبل جملة أو لا يقبل جملة أو
الفرق فيقبل إذا عين ما اعترف به من قتل وسرقة
أو لا يقبل إذا لم يعين ثلاثة أقوال انتهى.
وقال الدماميني في شرح البخاري في قوله:
"زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع". وعن
الإمام مالك إن المذعور لا يلزمه ما صدر منه
في حال ذعره من بيع وإقرار وغيره انتهى بلفظه.
مسألة: امرأة ادعت على أخيها بميراثها من
أبيها في أملاك سمتها فقال وكيل الأخ: إن
أخاها قد قاسمها جميع الأملاك وقبضت حصتها من
ذلك فقال ابن رشد في نوازله: إن كان الأخ جعل
لوكيله الإقرار فقوله إن موكله قد قاسم أخته
في جميع الأملاك التي وقف عليها إقرار منه
عليه بمشاركة أخته له في جميعها، فيقضى لها
بميراثها في سائرها إن كانت في يديه انتهى.
وفي مسائل الأقضية من البرزلي عن ابن أبي زيد
أن من طلبت منه أخته ميراثها من أملاك أبيها
فقال: بيدي ربع ملكته من أبي وربع ملكته بكسبي
وغفل عنه حتى مات: إن على ورثته إثبات ما ادعى
أنه استفاده بعد موت أبيه وإلا حلفت ما علمت
بما استفاده وقسم بينهما انتهى.
فرع: قال في الكافي في كتاب الوكالة عن ابن
خويز منداد: وقد اتفق الفقهاء فيمن قال: ما
أقر به على فلان فهو لازم لي إنه لا يلزمه
انتهى.
فرع: يتعلق بحكم الإقرار بالمجمل قال في وثائق
الجزيري في إقرار الزوج لزوجته والسيد لأم
ولده يقول: أشهد فلان أن جميع ما يغلق عليه
باب البيت الذي يسكنه مع زوجته فلانة أو مع أم
ولده من الوطاء والغطاء والثياب والتوابيت
والمواعين والحلي والأثاث لزوجته فلانة مالها،
ومن كسب يدها لا حق لي معها في شيء منه بوجه
من الوجوه، ثم قال فيه يجوز إقرار الزوج
لزوجته والسيد لأم ولده، فإن سمى ما أقر به
كان أتم، وإن أجمل جاز، فإن مات وادعى الورثة
أنه للميت اكتسبه بعد الإشهاد، فعليهم البينة،
ولا يمين عليها إلا أن يقطعوا أنه اكتسب شيئا
معلوما يسمونه بعد تاريخ الإشهاد فلهم عليها
اليمين، ولها ردها عليهم انتهى. قاله في باب
الوصايا فصريح كلامه أن الإقرار بالمجمل يصح
ولابن رشد في رسم إن خرجت من سماع عيسى من
كتاب الشهادات الثاني ما يخالفه ونص السماع
مسألة وسئل عن الذي يشهد لامرأته أن كل شيء
يغلق عليه باب بيتها، فهو لها إلا أن يكون
اشترى لها من متاع الرجال شيئا وأشهد لها،
فقال سواء أشهد لها أو لم يشهد لها ما في
البيت مما يعرف أنه متاع النساء، فهو لها أنه
إنما يشتريه لها قال ابن رشد: المعنى في هذه
المسألة أن المشهد لامرأته بهذه الشهادة توفي،
فقامت تدعي ما في البيت من متاع النساء
والرجال فلم ير لها فيما أشهد لها به
(7/216)
__________
منفعة إذا لم يشهد لها على شيء بعينه أنه لها،
وإنما أشهد لها بما في بيتها، ولعل ما تدعيه
من متاع الرجال لم يكن في بيتها يوم الإشهاد،
فقال سواء أشهد لها، أو لم يشهد لها ما في
البيت مما يعرف أنه من متاع النساء فهو لها
يريد، وما كان فيه من متاع الرجال فهو لورثته
إلا أن يكون اشترى لها من متاع الرجال شيئا
فأشهد لها أنه إنما يشتريه لها وفي قوله: "إلا
أن يكون اشترى لها" إلى آخر قوله دليل على أنه
لو أشهد لها على شيء بعينه من متاع الرجال أنه
لها لم يكن لها، وفي ذلك نظر؛ لأنه إن لم يعلم
أصل الملك له صح الإقرار لها، وإن علم أصل
الملك له كان إقراره هبة تصح لها بحيازتها
إياها لكونها في بيتها، وتحت يدها إلا ما في
سماع أشهب من كتاب الصدقات والهبات في نحو هذه
الحيازة إن هذا آل إلى الضعف وهو القياس على
مذهب ابن القاسم؛ لأن يد الزوج عنده هي
المغلبة على يد الزوجة إذا اختلفا فيما هو من
متاع الرجال والنساء ولو قامت في حياته تدعي
ما في بيتها من متاع الرجال وتحتج بما أشهد
لها به من أن جميع ما في بيتها لها فناكرها في
ذلك. وادعى لنفسه وزعم أنه لم يكن في بيتها
يوم أشهد لها بما أشهدوا أنه إنما اكتسبه بعد
ذلك لوجب أن ينفعها الإشهاد، ويكون القول
قولها مع يمينها إلا أن يقيم هو البينة أنه
اكتسب ذلك بعد الإشهاد، ويحتمل أن يكون معنى
المسألة أنه أشهد لها بذلك في مرضه الذي مات
فيه فلا يكون في بطلان الشهادة إشكال ولا في
أنها لا يكون لها من متاع الرجال إلا ما أشهد
عند اشترائه أنه إنما يشتريه لها فلا كلام
انتهى فقوله: "فلم ير لها فيما أشهد لها به
منفعة إذ لم يشهد لها على شيء بعينه" إلى آخر
كلامه صريح في أن الإقرار بالمجمل لا يصح ونقل
ابن سلمون في وثائقه في باب الوصايا فيه
الخلاف عن ابن رشد وغيره ونصه بعد أن تكلم على
أم الولد، فإن قال في مرضه هذه ولدت مني ولا
ولد لها فإن كان له ولد من غيرها جاز إقراره
وعتقت من رأس ماله وإلا لم يصدق ورقت، وكذلك
إذا مات سيدها، وقد كان أقر لها في صحته بجميع
ما في بيتها من الثياب والماعون والحلي
والقليل والكثير، فإنه يكون لها، وكذلك إن
أشهد لها به مجملا وإن لم يشهد لها بذلك، فلا
يكون لها إلا الشيء الخفيف مثل كسوتها وشبه
ذلك وإن ادعته وكان من زيها وهي في ذلك بخلاف
الحرة ويكتب في ذلك عقدا أشهد فلان على نفسه
أنه برئ من أم ولده فلانة من علقه كلها
وتبعاته أجمعها وأقر أنه لا مرفوع له عندها
ولا مودع ولا في ذمتها، ولا في أمانتها وأن ما
يغلق عليه موضع سكناها معه من الأثاث والمتاع
وما بيدها من الحلي وغيره مما هو شاكلة
النساء، فهو مالها ومتاعها لا حق له معها في
شيء من ذلك فمن ادعى في شيء من ذلك بدعوى أو
طالبها بمطلب بسببه في حياته أو بعد وفاته
فمطلبه باطل ودعواه كاذبة أو قصد تحليفها أو
تحنيثها، فالله حسيبه وسائله إشهادا صحيحا،
وكذلك تعقد للزوجة إن نسبها إلى ذلك. وقد
اختلف في موجب هذه الوثيقة فقال ابن زرب ذلك
لها، ويصح إشهاده بذلك، ولا بد من اليمين وحكي
أن بعض الشيوخ كان يفتي بأن لا يمين عليها إلا
أن
(7/217)
لأهل لم يكذبه،
__________
يحقق الورثة عليها ما يجب عليها فيه اليمين
قال: وهو ضعيف ولا بد فيه من اليمين وقال ابن
رشد: عقد مثل هذه الوثيقة لا يجوز وإقراره لا
يصح وإشهاده وعدم إشهاده سواء، وهذا كله إذا
كان الإشهاد في حال الصحة، وأما إذا كان
الإشهاد وهو مريض فلا خلاف بينهم أنه لا ينفذ
وسئل ابن زرب في ذلك أيضا فقال: أما ما كان من
زيها أو زيه فلا تأخذه إلا بعد يمينها، وأما
ما كان من زيها فإنها تأخذه بلا يمين وأفتى
ابن وضاح المرسي بأن ذلك عام إلا في الذهب
والفضة، وأما ما كان من ثيابه أو زيه أو عروض
أو طعام، فهو موروث إلا أن يعين ذلك في صحته
ويعينه الشهود انتهى. ص: (لأهل لم يكذبه) ش:
احترز بقوله: "لم يكذبه" مما إذا قال: لا أعلم
لي عليك شيئا، ثم رجع فقال: نعم لي عليك فأنكر
المقر، فإنه لا ينفعه إنكاره. نقله ابن عرفة
عن النوادر ونص النوادر من أقر أن لفلان عليه
ألف درهم فقال: ما لي عليك شيء فقد برئ بذلك
فإن أعاد المقر الإقرار بالألف فقال الآخر أجل
هي لي عليك أخذته بها قال سحنون: إذا قال لك
علي ألف درهم فقال الآخر: ما لي عليك شيء، ثم
رجع فقال: هي لي عليك فأنكرها المقر فالمقر
مصدق، ولا شيء للطالب، ولكن إن قال الطالب: ما
أعلم لي عليك شيئا، ثم قال نعم هي لي عليك
فأنكر المقر، فههنا يلزمه اليمين ولا ينفعه
إنكاره، وإن قال هذه الجارية غصبتها من فلان
فقال فلان: ليست لي لم يلزم المقر شيء فإن
أعاد الإقرار فادعاها الطالب دفعت إليه، ولو
قال هذا العبد لك فقال الآخر هو ليس لي، ثم
قال هو لي قبل أن يعيد المقر الإقرار لم يكن
له العبد ولم تقبل بينته عليه إن أقامها؛ لأنه
برئ منه انتهى. وحصل ابن رشد في ذلك ثلاثة
أقوال ونصه إثر قول العتبية في رسم يوصى من
سماع عيسى من الدعوى والصلح وسئل عن الرجل
يقول للرجل المائة دينار التي استودعتكها
فيقول ما استودعتنيها ولكن أعطيتنيها قراضا،
وهذه مائة دينار ربحت فيها فلك منها خمسون
فأبى أن يأخذ الخمسين قال: إن أبى أن يأخذها
حبسها واستأنى سنين لعله أن يأخذها فإن أبى أن
يأخذها تصدق بها قيل له إن مات فأحب ورثته أن
يأخذوها قال: يأخذونها إن شاءوا إذا أحب المقر
أن يدفعها إليهم قلت ولا يقضى عليه بدفعها إلى
ورثته قال: لا يقضى عليه بدفعها إليهم قال ابن
رشد: هذه مسألة يتحصل فيها ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه ليس له أن يأخذ
(7/218)
ولم يتهم،
كالعبد في غير المال،
__________
الخمسين التي أقر بها إلا أن يكذب نفسه ويرجع
إلى تصديقه وهو الذي يأتي على ما لابن القاسم
في كتاب الرهون من المدونة وما لأشهب في كتاب
إرخاء الستور منها، وهو أحد قولي سحنون
والثاني: أنه ليس له أن يأخذ الخمسين وإن رجع
إلى تصديقه، وكذب نفسه إلا أن يشاء أن يدفعها
إليه باختياره، وهو ظاهر قول ابن القاسم ههنا،
وفي ورثته إن مات ونص ما في رسم لم يدرك من
سماع عيسى من كتاب النكاح. والثالث أن له أن
يأخذها وإن كان مقيما على الإنكار وهو قول
سحنون في نوازله من كتاب الاستلحاق وإنما يكون
له على القول بأن يأخذها إن كذب نفسه ورجع إلى
تصديق صاحبه ما لم يسبقه صاحبه بالرجوع إلى
قوله وتكذيب نفسه فتحصل من القول أن من سبق
منهما بالرجوع إلى قول صاحبه كانت له الخمسون
دون يمين وبالله التوفيق انتهى. وانظر آخر
كتاب السرقة من المدونة فيمن أقر أنه سرق
فلانا وكذبه، ومسألة إرخاء الستور والنكاح
الثالث فيما إذا أقر الزوج بالوطء وأنكرته
المرأة ومسألة كتاب الرهون في اختلاف البائع
والمبتاع في الأجل والثمن.
مسألة: قال في الذخيرة في كتاب الدعوى.
فرع: قال أشهب: إن قلت بعتك هذا العبد ودبرته
وأنكر لزمك التدبير وتأخذ الثمن من خدمته التي
تدعي إلا أن يقر فتعطيه ما بقي منه فإن
استوفيت بقي مدبرا مؤاخذة لك بإقرارك فإن مت
وهو يخرج من الثلث عتق وإن كان عليك دين انتهى
والله أعلم. ص: (كالعبد في غير المال) ش: وأما
في المال. فلا يقبل إقراره قال في المدونة:
كقول مالك في ثوب بيد العبد
(7/219)
وأخرص، ومريض،
إن ورثه ولد لأبعد أو لملاطفه، أو لمن لم
يرثه، أو لمجهول حاله:
__________
يقول فلان أودعنيه وسيده يدعيه فالسيد مصدق
إلا أن يقيم فلان البينة انتهى. قال في النكت:
قال بعض أصحابنا: ويحلف فإن قال هو لي حلف على
البت، وكذلك إن قال لعبدي أعلم أصل شرائه أو
ملكه، وأما إن قال هو بيد عبدي أو حوزه فيحلف
ما أعلم لك فيه حقا انتهى، وهذا في غير
المأذون له يؤخذ ذلك من قول المصنف "بلا حجر"
لأن المأذون له غير محجور عليه، فإقراره جائز
فيما بيده وما جاوز ذلك، فهو في ذمته وليس
للسيد فسخه، وكذلك ما كان بيده من وديعة أو
أمانة فاستهلكه، فهو في ذمته وليس للسيد فسخه
قاله في كتاب المأذون له من المدونة، وأما غير
المأذون له فلا يصح إقراره ولا يلزمه في ماله
ويكون في ذمته إن عتق إلا أن يسقطه السيد أو
السلطان قاله في الكتاب المذكور. ص: (ومريض)
ش: قال في المدونة في كتاب الحمالة وما أقر به
المريض أنه فعله في صحته من عتق أو كفالة أو
حبس أو صدقة أو غيره لوارث أو غيره فإقراره
باطل، ولا يجوز ذلك في ثلث ولا غيره، ويكون
ميراثا وإن أوصى مع ذلك بوصايا كانت الوصايا
في ثلث ما بقي بعد ذلك، فإن ضاق الثلث عن
وصيته لم تدخل الوصايا في شيء مما أقر به
انتهى قال في الذخيرة وقوله في العتق: "لا
يلزم في ثلث ولا غيره" هو كذلك إلا أن يقول
أنفذوا هذه الأشياء، فتخرج من الثلث انتهى،
وما ذكره في المدونة من الإقرار في المرض
بالكفالة في الصحة فيه كلام الشيوخ فانظر ابن
يونس وأبا الحسن والله أعلم. ص: (أو لملاطفه
أو لمن لم يرثه) ش: يعني لقريب لا يرثه، ولا
يريد بذلك الأجنبي؛ لأنه يوهم حينئذ أنه يشترط
في صحة إقراره للأجنبي أن يرثه ولد وليس كذلك
فإن إقراره للأجنبي جائز سواء كان له ولد أو
لم يكن وعلم ذلك من تقييده بالولد، ولا بد من
أن يكون ليس عليه دين محيط لغير الملاطف
والقريب الذي لم يرثه وإلا فلا يقبل إقراره
لما قدمه في باب التفليس أنه لا يقبل إقراره
لمن يتهم عليه إذا أحاط الدين بماله. ص: (أو
مجهول حاله) ش: سواء أوصى أن يتصدق به عن
صاحبه أو يوقف هكذا قال في البيان ونقله في
التوضيح وقول الشارح: "إن أوصى أن يتصدق به أو
يوقف لهم" يوهم أن ذلك شرط والله أعلم.
(7/220)
كزوج علم بعضه
لها أو جهل، وورثه، ابن
__________
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه إذا لم يكن له
ولد لا يصح إقراره للمجهول وفي ذلك ثلاثة
أقوال ذكرها في البيان والمقدمات ونقلها في
التوضيح وليس فيها قول بعدم الصحة مطلقا كما
يفهم من كلام المصنف الأول أن إقراره جائز إن
أوصى أنه يوقف حتى يأتي له طالب وإن أوصى أن
يتصدق به عنه لم يصح لا من الثلث ولا من غيره
والقول الثاني أنه من الثلث والقول الثالث أنه
إن كان يسيرا فمن رأس المال، وإن كان كثيرا لم
يجز من رأس المال ولا من الثلث وظاهر كلام
صاحب الشامل أن فيها قولا بالبطلان، وكأنه
اعتمد على ظاهر كلام المصنف ص: (كزوج علم بغضه
لها أو جهل إلى آخره) ش: سئلت عن رجل أقر أن
جميع ما بيد زوجته من قماش وكذا وكذا ملك لها
لا حق له فيه وكتب بذلك خطه في شهر شوال، ثم
لم يزل حيا إلى أن توفي في صفر من السنة
الثانية وانحصر إرثه في زوجته وبنت وبيت المال
فوضعت زوجته المذكورة يدها على أعيان كثيرة
مما كان للمقر من كتب ومصاغ وكذا وكذا وادعت
أن ذلك كله مما يشمله الإقرار، فإذا ادعى وكيل
بيت المال أو وارث أو مدع شرعي على الزوجة أن
جميع ما وضعت يدها عليه مما ذكر أعلاه لم يكن
بيدها حين الإقرار المذكور هل تسمع دعواه
بذلك؟ وإذا قلتم تسمع فإذا وقعت الدعوى بذلك
فهل عليها إقامة البينة أو يمين شرعية فأجبت
تسمع الدعوى على المرأة المذكورة بما ذكره،
وعلى المدعي إقامة البينة بأنها وضعت يدها بعد
الإقرار فإن لم تقم له البينة، فله تحليفها
على ذلك وإن اتهمها فإن الإقرار لا حقيقة له،
وإنما مراده تخصيصها بما
(7/221)
أو بنون، إلا
أن تنفرد بالصغير، ومع الإناث والعصبة، قولان
كإقراره للولد العاق أو لأمه، أو لأن من لم
يقر له أبعد وأقرب، لا المساوي والأقرب،
__________
ذكره، فله تحليفها على ذلك هذا إذا كان
الإقرار في الصحة. وأما إن كان في المرض فهو
باطل إذا علم ميله لها، وإن علم بغضه لها،
فالإقرار صحيح وإن جهل حاله وكان له منها ولد
صغير فهو باطل، وهذا كله فيما عدا الديون
السابقة على الإقرار فإنها مقدمة على من أقر
به بلا خلاف وانظر ابن سلمون في البيوع في بيع
التوليج والتصيير وفي كتاب الإقرار والوصايا.
ص: (ومع الإناث والعصبة قولان) ش: يعني أنه
إذا أقر للزوجة التي جهل بغضه لها ولم يكن لها
ابن ولا بنون وإنما كان لها بنات وعصبة ففي
صحة إقراره لها قولان وسواء كانت البنات واحدة
أو أكثر صغارا أو كبارا إذا كن من غيرها أو
كبارا منها، وأما إن كن صغارا منها، فلا يجوز
إقراره لها قولا واحدا قاله ابن رشد في أول
رسم من سماع ابن القاسم من كتاب التفليس، وهذا
مستفاد من قول المصنف أولا "إلا أن تنفرد
بالصغير" ونقل في التوضيح كلام ابن رشد والله
أعلم. ص: (أو لأمة) ش: هذا كأنه مستثنى من
قوله إنه يصح إقراره للزوجة التي جهل بغضه لها
إذا كان لها ابن أو بنون كما قال إلا أن يكون
الولد عاقا ففي صحة إقراره للزوجة قولان صرح
بهما ابن رشد، ونقلهما في التوضيح إلا أن
المصنف قيد ذلك بقوله: "لأمه"، وابن رشد فرضه
في الزوجة كانت أمه أم لا. ص: (لا المساوي
والأقرب) ش: تصوره ظاهر.
مسألة: من باع من بعض ولده دارا أو ملكا وذكر
في العقد أنه باعه ذلك بيعا صحيحا بثمن قبضه،
فقام باقي الورثة على المشتري، فذكروا أن
البيع ليس بصحيح، وأنه لم يدفع فيه ثمنا وأنه
توليج من الأب إليه، فلا وجه لدعواهم عليه،
ولا يمين عليه إلا أن يثبتوا أن الأب كان يميل
إليه، فتتعلق اليمين عليه.
(7/222)
كأخرني لسنة،
وأنا أقر، ورجع للخصومة.
__________
تنبيه: قالوا: ولو شهدت البينة بمعاينة القبض
لم تترتب يمين على الابن، وإن شهدت البينة
بميل الأب إليه وانحرافه عن سائر ولده، وإن
كان الأب أقر بعد ذلك بالتوليج لم يضر ذلك
الابن انتهى. من معين الحكام وفي وثائق
الغرناطي: ولا يثبت التوليج إلا بإقرار المولج
إليه انتهى من المسائل الملقوطة.
فرع: في حكم من أقر بشيء في صحته لبعض ورثته
فيقدم المقر له بعد موت المقر ويقيم البينة
على الإقرار قال في رسم البراءة من سماع عيسى
من كتاب الدعوى والصلح وسألته عن الرجل يقر
لولده ولامرأته ولبعض من يرثه بدين في الصحة،
ثم يموت الرجل بعد سنين فيطلب الوارث الدين
الذي أقر له به قال ذلك له إذا أقر به في
الصحة امرأة كانت أو ولدا فما أقر له به في
الصحة فذلك له ابن رشد هذا هو المعلوم من قول
ابن القاسم وروايته عن مالك المشهور في
المذهب، ووقع في المبسوط لابن كنانة والمخزومي
وابن أبي حازم ومحمد بن مسلمة أنه لا شيء له
وإن أقر له في صحته إذا لم يقم عليه بذلك بينة
حتى هلك إلا أن يعرف سبب ذلك عسى أن يكون قد
باع له أصلا أو أخذ من موروث أمه شيئا فإن عرف
ذلك وإلا فلا شيء له، وهو قول له وجه من
النظر؛ لأن الرجل يتهم أن يقر بدين في صحته
لمن يثق به من ورثته على أن لا يقوم به حتى
يموت فيكون وصية لوارث وبالله التوفيق انتهى.
وقال في آخر سماع أصبغ من كتاب الوصايا: وسئل
عن الرجل يموت فيترك عمه وأمه وتقوم الأم بدين
لها كان أقر لها به في الصحة قال: لا كلام
للعم قلت أرأيت إن طلب منها اليمين أن ذلك كان
توليجا؟ قال أصبغ أما في الحكم فلا يلزمها قال
ابن رشد: هذا هو المشهور في المذهب أن إقرار
الرجل لوارثه بالدين في الصحة جائز وإن لم يقم
به إلا بعد موته وقال ابن كنانة: يجوز له
إقراره لها في حياته، ولا يجوز له بعد وفاته
إلا أن يعرف لذلك سبب مثل أن يكون باع له رأسا
أو أخذ له موروثا وبه قال المخزومي وابن أبي
حازم ومحمد بن مسلمة وقول أصبغ في اليمين إنها
لا تلزمها في الحكم يريد من أجل أنها يمين
تهمة فقوله على القول بسقوط يمين التهمة
والأظهر في هذه المسألة لحوق اليمين مراعاة
لقول من لم يعمل الإقرار بعد الموت والله أعلم
ا هـ. وصرح ابن سلمون بلزوم اليمين إن ثبت ميل
الميت للمقر له ذكره في فصل التصيير في ترجمة
البيوع ومثل الإقرار بالدين ما إذا صير الأب
لابنه دارا أو عرضا في دين أقر به له فإن كان
يعرف سبب ذلك الدين جاز له التصيير سواء كان
في الصحة أو في المرض، وإن لم يعرف أصله فحكمه
حكم الإقرار بالدين فإن كان في الصحة، ففيه
قولان. أحدهما: إنه نافذ ويأخذه من تركته في
الموت ويحاص به الغرماء، وهو قول ابن القاسم
في المدونة والعتبية قال المتيطي: وعليه العمل
والثاني: أنه لا يحاص به الغرماء،
(7/223)
__________
ولا يأخذه من التركة وهو قول المدنيين انتهى
من ابن سلمون فتحصل من هذا أن الإقرار للوارث
بشيء إذا قام به المقر له بعد موت المقر وشهدت
به البينة فإن كان يعرف وجه ذلك أو سبب يدل
عليه جاز ذلك وسواء كان الإقرار في الصحة أو
في المرض وإن لم يعرف وجهه، ولا سببه وكان
الإقرار في الصحة ففيه قولان: أحدهما: إنه
نافذ ويؤخذ من تركته في الموت ويحاص به
الغرماء في الفلس وهو قول ابن القاسم في
المدونة والعتبية: والثاني: أنه لا يحاص به
الغرماء في الفلس، ولا يأخذه من التركة في
الموت وهو قول المدنيين للتهمة عندهم قال ابن
رشد: لا يحاص به على قول ابن القاسم إلا مع
الدين الذي استدانه بعد الإقرار، وأما القديم
قبل الإقرار فإن ثبت ميله إليه، فيلزم المقر
له اليمين على صحة ترتب ذلك قبله، واختار ابن
رشد إبطال الإقرار بالدين مراعاة لقول
المدنيين والله أعلم.
مسألة: وإن ولاه ما اشتراه بثمن كثير بثمن
يسير أو أشهد أنه باعه منزله بشيء يسير، وهو
يساوي شيئا كثيرا، فذلك توليج كما صرح به في
رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب
الصدقات والهبات وفي رسم كتب عليه ذكر حق وفي
سماع أصبغ الثاني الواقع بعد سماع أبي زيد منه
واختلف بعد ذلك هل يبطل ذلك مطلقا؟ وهو قول
أصبغ؛ لأنه لم يسم هبة فيكفي فيه الحوز وعزاه
لابن القاسم أو يكون كالهبة إن حازه الأب له
جاز، وهو قول مالك وغيره، وأما إذا أقر له
بشيء في يده من مال أو متاع فحكمه حكم الهبة
قال ابن رشد: في أول رسم من سماع أصبغ من كتاب
الوصايا إقرار الرجل بما في يديه من الدور
والمتاع التي لا يعرف ملكه لها إنها لابنه من
ميراثه في أمه كإقراره له في مرضه بالدين من
ذلك لا يجوز إلا أن يشبه قوله ويعرف وجه
إقراره أنه كان لأمه من المال نحو ما أقر به،
وكذلك في كتاب ابن المواز إن أقر الرجل في
مرضه بالدين لابنه لا يقبل منه إلا أن يكون
لذلك وجه أو سبب يدل، وإن لم يكن قاطعا، ولو
كانت الدور التي أقر أنها لابنه من ميراثه في
أمه يعرف ملكه لها لم يجز إقراره لابنه بها في
مرضه على حال، ولو أقر له بها في صحته لكان
إقراره له بها كالهبة تصح له إن حازها بيد
تحويز الآباء لمن يلزمهم من الأبناء على ما في
رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقة
والهبة وفي غيره من المواضع خلاف قول أصبغ في
سماعه منه انتهى. يعني أن أصبغ يقول: لا يصح
ذلك للابن، ولو حازه الأب؛ لأنه لم يسمه هبة
وقال ابن رشد في آخر رسم الوصايا من سماع أشهب
من كتاب الوصايا إقرار الرجل في صحته أو في
مرضه بما يعرف ملكه له من شيء بعينه أنه لفلان
وفلان وارث أو غير وارث يجري مجرى الهبة
والصدقة، ويحل محلها، ويحكم له بحكمها إن حاز
ذلك المقر له به في صحة المقر جاز له، وإلا لم
يجز هذا مما لا اختلاف فيه أحفظه إلا أن يكون
أقر له بذلك على سبيل الاعتذار، فلا يلزمه
حسبما مضى القول فيه في رسم البز من سماع ابن
القاسم من كتاب الصدقات والهبات وفي رسم
العشور من سماع عيسى من كتاب الدعوى، والصلح
وانظر نوازل ابن رشد في مسائل البيوع
والمشذالي في آخر البيوع الفاسدة،
(7/224)
__________
وأحكام ابن سهل، وقال البرزلي في كتاب الإقرار
ما نصه عن نوازل ابن الحاج: من أقر بمال في
يده أنه لرجل هو كالهبة إن قام في صحته أخذه
وإن قام في مرضه أو بعد موته هو ميراث قال
البرزلي: قلت: الأظهر أنه بمنزلة إذا قال رجل
أو وجد بخطه لفلان قبلي كذا وثبت إقراره أو
خطه بلفظه "قبلي" وقد مرت قبل هذا، وهذا إذا
لم يذكر سببا انتهى. وله نحو ذلك في مسائل
الهبة يشير إلى ما قدمه في مسائل القراض وفي
مسائل البيوع عن نوازل ابن الحاج أيضا ونصه
إذا قال لرجل أو وجد بخطه لفلان قبلي كذا وثبت
إقراره أو خطه فلفظة "قبلي" محتملة أن يكون
أوجب له قبله هبة أو صدقة فموته أو فلسه قبل
القبض يبطلها بعد الاستظهار بيمين الورثة في
الموت لا يعلمون موروثهم تصدق عليه، ولا
أوجبها قبله ولا أعلمهم بذلك، ويحتمل أن يكون
لفظة "قبلي" يستوجب بها الحكم بالدين، وينبغي
أن ينظر في حال الرجلين، فإن قال قبلي من سلف
أو معاملة، فلا إشكال في لزومه هنا انتهى.
مسألة: قال القرافي في قواعده في الفرق الثاني
والعشرين بعد المائتين: إذا أقر الوارث أن ما
تركه أبوه ميراث بينهم على ما عهد في الشريعة،
وعلى ما يحمل عليه الديانة، ثم جاء بشهود
أخبروه أن أباهم أشهده أنه تصدق عليه في صغره
بهذه الدار وحازها له أو أقر أنه ملكها عليه
بوجه شرعي، فإنه إذا رجع عن إقراره بأن التركة
كلها موروثة إلا هذه الدار المشهود له بها دون
الورثة، واعتذر بإخبار البينة له وأنه لم يكن
عالما بذلك بل أقر بناء على العادة، ومقتضى
ظاهر الشريعة أنه تسمع دعواه، ويقبل عذره
ويقيم بينته ولا يكون إقراره السابق مكذبا
للبينة وقادحا فيها؛ لأن هذا عذر عادي يسمع
مثله انتهى كلام القرافي بلفظه. وسلمه ابن
الشاط وانظر ما قاله القرافي مع ما نقله في
النوادر عن سحنون في كتاب ابنه في أواخر كتاب
الدعوى والبينات في ترجمة المدعي يكذب بينته
ونصه ومن كتاب ابن سحنون وسأله شجرة عمن ادعى
دارا بيد امرأة ابنه أنها لابنة تركها بين
ورثته وسماهم، ثم جاء ببينة أخرى أن أباه أشهد
له في صحته بنصفها صيره إليه في حق له قبله من
قبل ميراثه لأمه، وذلك عند مخرجه إلى الحج، ثم
رجع فسكنها حتى مات، فقال له الحاكم قد
ادعيتها أولا ميراثا والآن لنفسك قال لم أعلم
بهذه البينة الأخيرة قال سحنون: لا يقبل منه
يريد؛ لأنه كذب بينته بدعواه الأولى انتهى.
فعلل عدم قبول دعواه الثانية بأنه كذب بينته
بدعواه الأولى فتأمله مع ما قاله القرافي
والله أعلم. ونزلت مسألة وهي أن امرأة توفيت
ولها زوج وإخوة وأب فادعى بعض الإخوة أن بعض
متخلفها ملك لأمهم فأثبت الزوج أنه ملك
لزوجته، فادعى بقية الإخوة أنها أوصت له بتلك
الحوائج فهل دعواهم الأولى مكذبة؟ لدعواهم
الثانية أم لا فأجبت بما صورته إذا كان المدعي
الوصية من الإخوة المدعين على الزوج أن
الحوائج ملك لأمهم فالظاهر أن ذلك مكذب
لدعواهم الوصية فلا تسمع، وإن كان المدعي
لملكية الأم غيرهم من الورثة، فدعواه مسموعة
والله أعلم. وسئلت أيضا عمن أقر أنه لا حق له
في هذه العزلة التي هي وقف من قبل فلانة،
وأنها لم تزل جارية في ملكها إلى حين وقفها،
ثم مات شخص قريب للمقر، فادعى أن
(7/225)
ولزم لحمل، إن
وطئت، ووضع لأقله، وإلا فلأكثره، وسوي بين
توأميه،
__________
لمورثه فيها حصة، فهل تسمع دعواه أم لا؟ فأجبت
إقرار الشخص أنه لا حق له في هذه العزلة التي
هي وقف قبل فلانة، وأنها لم تزل جارية في
ملكها إلى حين وقفها مبطل لدعواه أن لمورثه
فيها حصة والله أعلم. ص: (ولزم لحمل) ش: سواء
أطلق الإقرار كقوله "لحمل فلانة ألف" أو قيده
بقوله: "ألف من هبة أو صدقة" ولا إشكال إذا
قيد ذلك بوجه يصح للجنين كما ذكرنا، وأما إن
قال: "أقرضنيها" ونحو ذلك فذكر في التوضيح عن
سحنون وابن عبد الحكم أنه يلزمه قال: وخرج عدم
اللزوم من أحد القولين في مسألة من علق طلاق
زوجته على مسألة الحجر وخرج عدم اللزوم أيضا
فيما إذا طلق من الموازية انتهى. وقال ابن
عرفة المازري في الإقرار لحمل إن قيده بما يصح
كقوله: "لهذا الحمل عندي مائة دينار من وصية
أوصى له بها أو ميراث" صح وإن قيده بما يمتنع
بطل كقوله لهذا الحمل عندي مائة دينار من
معاملة عاملني بها وقال ابن سحنون: يلزمه
وتقييده بما ذكر ندم ذكر، ثم عن المازري
التخريج فيما إذا أطلق فتحصل فيما إذا قيده
بوجه لا يصح للجنين قولان لسحنون مع ابن عبد
الحكم ونقل المازري وفهم من كلام المصنف أن
الإقرار لصبي لا يعقل أو لمجنون صحيح من باب
أحرى وهو كذلك كما صرح به صاحب الشامل وغيره
قال ابن عرفة: وما أقر به لمجنون أخذه وليه أو
السلطان إن لم يكن له ولي انتهى. ص: (ووضع
لأقله) ش: كذا في كثير من النسخ ونحوه لابن
الحاجب وقد تعقبه ابن عبد السلام وابن هارون
والمصنف قال ابن عبد السلام: لأن حكم الستة في
ذلك حكم ما زاد عليها اتفاقا، وإنما تبع ابن
الحاجب ابن شاس من غير تأمل، وصوب ابن عرفة
تعقبهم، ثم قال إلا أن لابن شاس وابن الحاجب
في ذلك عذرا، وهي أول مسألة من كتاب أمهات
الأولاد، وذكر لفظ المسألة، ثم قال فالتعقب
عليهما في لفظهما بما هو نص المدونة أخف من
التعقب عليهما في لفظ هو من قبل أنفسهما
انتهى. وانظر إذا كانت المرأة ظاهرة الحمل يوم
الإقرار وتأخر أكثر من ستة أشهر والظاهر أن
ذلك لا يضر، ويلزم الإقرار للحمل كما قالوه في
غير مسألة، فتأمله والله أعلم. ص: (وإلا
فلأكثره) ش: أي وإن لم تكن الأمة موطوءة فإن
الإقرار يلزم لما تضعه لأكثر الحمل، وهو أربع
سنين أو خمس على الخلاف المتقدم في باب العدة،
وانظر هل يعتبر أكثر الحمل من يوم وطئت أو من
يوم الإقرار قال ابن عرفة: ذكر المازري ما يدل
على وجود الحمل يوم الإقرار، وهو وضعه لأقل من
ستة أشهر،
(7/226)
إلا لبيان
الفضل بعلي، أو في ذمتي أو عندي، أو أخذت منك،
ولو زاد إن شاء الله، أو قضى، أو وهبته لي، أو
بعته، أو وفيته، أو أقرضتني أو ما أقرضتني، أو
ألم تقرضني، أو ساهلني، أو اتزنها
__________
وما يدل على عدمه، وهو وضعه لأكثر من أربع
سنين من يوم الإقرار. قال: وإن وضعته لما بين
هذين الوقتين، وليست بذات زوج ولا سيد يطؤها
حمل على أن الولد كان مخلوقا لا تحل إضافته
للزنا انتهى.
قلت: أول كلامه صريح في أن ذلك من يوم
الإقرار، وآخر كلامه يدل على أن المعتبر من
يوم وطئت لقوله: "حمل على أن الولد كان مخلوقا
لا تحل إضافته للزنا" وهذا هو الظاهر فتأمله
والله أعلم. ص: (أو وهبته لي) ش: لأن ذلك
دعوى. واختلف هل يحلف المقر له أم لا. قال
(7/227)
مني، أو
لأقضينك اليوم، أو نعم، أو بلى، أو أجل جوابا
لا ليس لي عندك، أو ليست لي ميسرة لا أقر، أو
علي أو علي فلان أو من أي ضرب تأخذها ما أبعدك
منها وفي حتى يأتي وكيلي وشبهه أو اتزن أو خذ
قولان كلك علي ألف فيما أعلم أو أظن أو علمي،
__________
الشارح في الكبير: ولعلهما جاريان على الخلاف
في اليمين هل تتوجه على دعوى المعروف أم لا؟
انتهى. ص: (لا أقر) ش: هو بـ"لا" النافية
الداخلة على الفعل المضارع المثبت كما قال ابن
غازي ومعناه ظاهر من كلامه وكلام الشارح.
مسألة: من ادعي عليه بشيء، فلم يقر ولم ينكر
بل قال عقب دعوى المدعي، وأنا أيضا لي عليك
مال أو شيء سماه فلا يكون ذلك إقرارا نقله ابن
فرحون عن المازري في الفصل السابع في الكلام
على النيات
مسألة: اختلف في السكوت هل هو كالإقرار أم لا
قال في العتبية في رسم العرية من سماع عيسى من
كتاب التفليس: مسألة وسئل عن رجل جاء قوما في
مجلس فقال: أنا أشهدكم أن لي على فلان كذا
وكذا دينارا وفلان ذلك مع القوم في المجلس
فسكت، ولم يقل نعم ولا لا، ولم يسأله الشهود
عن شيء، ثم جاء يطلب ذلك قبله فأنكر أن يكون
عليه شيء قال: نعم ذلك لازم إذا سكت، ولم يقل
شيئا قال محمد بن رشد: اختلف في السكوت هل هو
يعد إذنا في
(7/228)
__________
الشيء وإقرارا به على قولين مشهورين في المذهب
منصوص عليهما لابن القاسم في غير ما موضع من
كتابه. أحدهما: أنه إذن. والثاني: أنه ليس
بإذن وهو قول أبي القاسم أيضا في سماع عيسى من
كتاب الدعوى والصلح وفي سماع أصبغ من كتاب
المدبر وأظهر القولين أنه ليس بإذن؛ لأن في
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "والبكر تستأذن
في نفسها وإذنها صماتها" دليلا على أن غير
البكر بخلاف البكر في الصمت، وقد أجمعوا على
ذلك في النكاح، فوجب أن يقاس ما عداه عليه إلا
ما يعلم بمستقر العادة أن أحدا لا يسكت عليه
إلا برضا منه فلا يختلف في أن السكوت عليه
إقرار كالذي يرى حمل امرأته فيسكت ولا ينكره،
ثم ينكره بعد ذلك وما أشبه ذلك، وقد مضى هذا
المعنى في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب
النكاح وفي غير ما موضع من كتابنا هذا انتهى.
ونقل ابن سلمون في وثائقه في باب الإقرار كلام
ابن رشد هذا وذكر قبله مسألة من له دين على
ميت وقسمت تركته بحضرته، ولم يتكلم أن ذلك
مسقط لحقه، وتقدم كلامه في كتاب التفليس عند
قول المصنف: "وإن ظهر دين" وكلام ابن رشد في
نوازل عيسى وكلام ابن فرحون والمتيطي زاد ابن
فرحون إثر كلامه المتقدم في باب التفليس مسألة
قال ابن القاسم: فيمن سئل عند موته هل لأحد
عندك شيء فقال لا قيل له ولا لامرأتك والمرأة
ساكتة ولم تتكلم، وهي تسمع فإنها تحلف أن حقها
عليه يريد إلى الآن، وتأخذه إن قامت لها به
بينة، ولا يضرها سكوتها من المذهب لابن راشد،
ثم ذكر مسألة العتبية المذكورة هنا، ولم ينقل
كلام ابن رشد عليها، ثم قال:
فرع: وقال ابن القاسم: فيمن قال لرجل فلان
الساكن في منزلك لم أسكنته؟ فقال: أسكنته
بالكراء والساكن يسمع ولا ينكر ولا يغير، ثم
ادعى أن المنزل له فقال: لا يقطع سكوته دعواه
إن أقام البينة أن المنزل له ولا يحلف؛ لأنه
يقول: ظننت أنه يداعبه انتهى. ونقل ذلك ابن
سلمون أيضا إثر كلامه المتقدم في باب التفليس
وزاد بعده وكتب شجرة إلى سحنون: رجل أوصى بعتق
أمته وهي حاضرة ساكتة تسمع ولا تدعي الحرية،
فلما مات الموصي قالت: إنها حرة، فلا يضرها
سكوتها انتهى، وذكر البرزلي في أوائل القسمة
عن التونسي أنه إذا قسم بعض العقار، وترك بعضه
فلم يتكلم من له دين على ميت حين القسمة، ثم
تكلم بعد ذلك، واعتذر بأنه إنما ترك الكلام؛
لأن بقية الربع لم يقسم أنه يقبل منه ذلك
انتهى.
مسألة: قال ابن سهل في أحكامه في مسائل
الإقرار: إذا دفع وديعة لرسول بغير بينة، ثم
جاء ربها فأعلمه بذلك فسكت، ثم طالبه فإنه
يحلف ما أمر فلانا بقبضه وما كان سكوته رضا
بقبضه، ثم يغرمه ولو علم بذلك فقال للدافع:
كلم فلانا القابض يحتال لي في المال كان رضا
بقبضه فليطلبه به والدافع بريء انتهى. وقال في
النوادر في أواخر كتاب الوديعة في ترجمة
المودع يأتيه من يذكر أن ربها أمره بأخذها
فيدفعها إليه قال محمد بن عبدوس في الذي قال
للمودع بعثني ربها لآخذها منك فدفعها إليه، ثم
اجتمع مع ربها فذكر له ذلك فسكت، ثم طالبه بعد
ذلك قال: يحلف أنه ما أمر فلانا بقبضها وما
كان سكوته رضا بقبضه، ثم يغرمه ولو أن رب
المال علم بقبض
(7/229)
ولزم إن نوكر
في ألف من ثمن خمر، أو عبد، ولم أقبضه كدعواه
الربا، وأقا بينة أنه راباه في ألف، لا إن
أقامها على إقرار المدعي أنه لم يقع بينهما
إلا الربا، أو اشتريت خمرا بألف، أو اشتريت
عبدا بألف ولم أقبضه،
__________
القابض، فجاء إلى المودع فقال له كلم فلانا
القابض يحتال لي في المال فقال هذا رضا بقبضه
فليطلبه به ويبرأ الدافع قال: ولو طلبها ربها
فجحد الدافع فقال ربها احلف ما أودعتك قال:
يحلف له ما لك علي شيء قال أبو محمد: يريد على
قول ابن الماجشون ويعني أيضا أن الدافع أيقن
بأمر رب الوديعة له انتهى. ص: (ولزم إن نوكر
في ألف من ثمن خمر) ش: يريد ويحلف المقر له
أنها ليست من ثمن خمر نقله ابن عرفة عن كتاب
ابن سحنون. ص: (أو عبد ولم أقبضه) ش: هذا قول
ابن القاسم وسحنون وغيرهما قال أصبغ ولا يحلف
البائع إلا أن يقوم عليه بحضرة البيع نقله ابن
عرفة أيضا وهو يؤخذ من فصل اختلاف المتبايعين.
ص: (أو اشتريت عبدا بألف ولم أقبضه) ش: فإن
قيل لم لم يقولوا بتبعيض الإقرار في هذه
المسألة كما قيل به في مسألة له علي ألف من
ثمن عبد، ولم أقبضه، ويعد قوله: "ولم أقبضه"
ندما؟ فالجواب على ما قال ابن عبد السلام أنا
لا نسلم أن قوله: "اشتريت عبدا بألف" يوجب
عمارة ذمته بالألف إلا بشرط القبض في البيع،
وهو لم يقر به لكن قال في التوضيح: فيه بحث لا
يخفى عليك انتهى.
قلت: كأنه يشير والله أعلم. إلى ما تقرر أن
الضمان ينتقل في البيع الصحيح بالعقد، ولا
(7/230)
أو أقررت بكذا
وأنا صبي، كانا مبرسم إن علم تقدمه أو أقر
اعتذاراً، أو بقرض شكرا على
__________
يشترط القبض لكن قد تقدم أنه إذا تنازع
المتبايعان فيمن يبدأ بالتسليم أنه يجبر
المشتري على تسليم الثمن أولا، فهذا يقتضي أنه
يقبل قوله في عدم القبض؛ لأنه يقول من حق
البائع أن يمتنع من تسليم المبيع حتى يقبض
ثمنه مني وذكر ابن فرحون في الفصل الثاني من
القسم السابع من الركن السادس أنه لو قال
الشاهدان نشهد أن له عنده مائة دينار من ثمن
سلعة اشتراها منه فقال ابن عبد الحكم: لا يقبل
ذلك منهما ولا يلزمه اليمين حتى يقولا وقبض
السلعة انتهى. ص: (أو أقررت بكذا وأنا صبي) ش:
قال في العمدة وإن أقر بالغا عاقلا أنه استهلك
مالا في جنونه أو في صبوته لزمه ومن ادعى عليه
بأنه أقر بالغا فقال بل أقررت غير بالغ فالقول
قوله مع يمينه قال القاضي أبو محمد وأظن بعض
أصحابنا جعل القول قول المدعي، ولو ادعى أنه
أقر مجنونا، ولم يعلم له سبق جنون فهل يقبل
قوله أو قول المقر له؟ روايتان ولو قال لا
أدري هل كنت بالغا أم لا أو كنت عاقلا أم لا
لم يلزمه شيء قال القاضي وعلى القول المظنون
يشبه أنه يلزمه انتهى.
قلت: الظاهر أن يفرق بين الصبا والجنون فإذا
قال لا أدري أكنت صبيا أو بالغا لا يلزمه شيء
حتى يثبت أنه بالغ وإذا قال: لا أدري أكنت
بالغا عاقلا أم لا لزمه؛ لأن الأصل العقل حتى
يثبت انتفاؤه فتأمله. ص: (أو بقرض شكرا على
الأصح) ش: كلام ابن غازي عليها حسن، ومفهوم
قول المصنف "بقرض" أنه لو أقر بغير القرض على
وجه الشكر يلزمه، وهو
(7/231)
الأصح، وقبل
أجل مثله في: بيع، لا قرض،
__________
كذلك. قال ابن عرفة: قال ابن رشد: والشكر إنما
هو معتبر في قضاء السلف؛ لأنه معروف يوجب شكرا
ولو أقر بدين من غير قرض وادعى قضاءه لم يصدق
ورواه ابن أبي أويس وسواء قال كان عندي على
وجه الشكر أو لا انتهى. وما ذكره عن ابن رشد
في شرح المسألة الثالثة من سماع سحنون من كتاب
المديان والتفليس وزاد فيه إذ ليس بموضع شكر
على ما مضى القول فيه في رسم توضأ من سماع
عيسى ويشير بذلك إلى ما قاله ابن القاسم فيمن
أشهد رجلا أنه تقاضى من فلان مائة دينار كانت
له عليه، فجزاه الله خيرا فإنه أحسن قضائي
فليس لي عليه شيء فقال المشهود له: قد كذب
إنما أسلفته المائة سلفا إن القول قول المشهود
له قال ابن رشد: هذا مثل ما في آخر المديان
منها وما في رسم المكاتب من سماع يحيى من هذا
الكتاب أن من أقر بالاقتضاء لا يصدق في أنه
اقتضاه من حق له، وإن كان إقراره على وجه
الشكر وقال في كتاب الشهادات من المدونة وفي
سماع سحنون من هذا الكتاب إن من أقر بسلف
وادعى قضاءه على وجه الشكر لا يلزمه والفرق
بين القضاء والاقتضاء أن السلف معروف يلزمه
شكره لقوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي
وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] وقوله: {وَلا
تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة:
237]. وقوله عليه الصلاة والسلام: "من أزكت
عليه يد رجل فليشكرها" فحمل المقر على أنه
إنما قصد إلى أداء ما تعين عليه من الشكر
لفاعله لا إلى الإقرار على نفسه بوجوب السلف
عليه إذ قد قضاه إياه على ما ذكر وحسن القضاء
واجب على من عليه حق أن يفعله، فلم يجب على
المقتضي أن يشكره فلما لم يجب ذلك عليه وجب أن
لا يكون له تأثير في الدعوى، وهذا على أصل ابن
القاسم وعلى أصل أشهب في أنه لا يؤخذ بأكثر
مما أقر به يكون القول قول المقتضي وما قاله
ابن الماجشون نص في هذه المسألة انتهى مختصرا
ص: (وقبل أجل مثله إلخ) ش: ما ذكره ابن عرفة
صحيح لا شك فيه، وما ذكره المصنف وابن الحاجب
إنما يأتي على أصل الشافعية من أن الأصل في
القرض الحلول والله أعلم.
(7/232)
وتفسير ألف في:
كألف، ودرهم، وخاتم فصه لي نسقا، إلا في غصب،
فقولان، لا بجذع، وباب في له من هذه الدار، أو
الأرض: كفي على الأحسن،
__________
ص: (إلا في غصب فقولان) ش: كذا ذكر القولين في
التوضيح عن أشهب عدم لزوم الغصب، وعن ابن عبد
الحكم اللزوم وكأنه لم يقف على المسألة في
المدونة وهي في كتاب الغصب منها ونصها من أقر
أنه غصب هذا الخاتم، ثم قال: وفصه لي أو أقر
لك بجبة، ثم قال وبطانتها لي أو أقر لك بدار
وقال بناؤها لي لم يصدق إلا أن يكون كلامه
نسقا انتهى. ونقل أبو الحسن عن أشهب نحو قول
ابن عبد الحكم أنه لا يصدق ونقل عن ابن القاسم
في سماع أصبغ نحوه خلاف قوله في المدونة، ثم
قال قول ابن رشد في السماع ضعيف وما في
المدونة أصح وأولى انتهى والله أعلم. ص: (كفى
على الأحسن) ش: كلامه رحمه الله يقتضي أن
الخلاف في قوله: "له في هذه الدار حق" وأما
قوله: "من هذه الدار حق" فلا خلاف فيه وليس
كذلك فإن سحنونا اختلف قوله إذا قال له من هذه
الدار حق أو في هذه الدار حق فقال مرة: يقبل
تفسيره بما ذكر، ثم رجع فقال: لا يقبل ذلك منه
وقال ابن عبد الحكم إن قال: "من" لم يقبل قوله
وإن قال: "في" قبل والخلاف في قوله: "في" وفي
قوله: "من" لكن لما كان القول بقبول تفسيره في
"من" إنما هو القول المرجوع عنه لم يلتفت إليه
والله أعلم. وكأن المصنف رحمه الله رأى أن
القول بقبول تفسيره إنما هو القول المرجوع
عنه، فصار كالعدم، فلذلك لم يذكر الخلاف إلا
في قوله: "في هذه الدار".
(7/233)
ومال نصاب
والأحسن تفسيره: كشيء وكذا، وسجن له، وكعشرة
ونيف، وسقط في كمائة
__________
فرع: قال في النوادر في كتاب الإقرار في ترجمة
من أقر لرجل بشاة في غنمه أو بعير في إبله:
قال ابن عبد الحكم: ومن بيده صبرة قمح فقال إن
لفلان منها خمسين إردبا فلم يكن فيها إلا دون
ذلك فجميعها للمقر له وإن زادت على خمسين
فالزيادة للمقر ولو قال له من هذه الصبرة عشرة
دنانير بيع له منها بعشرة دنانير، وما بقي
فللمقر وإن لم يف ثمنها بالعشرة فليس له على
المقر غير ذلك وإن قال له من ثمنها عشرة
دنانير سئل ما أراد فإن أراد كان له من ثمنها
إذا اشتريت سئل كم كان ثمنها فكان المقر له
شريكا فيها بعشرة وإن قال أردت من ثمنها إذا
بيعت فهو كذلك، وإن طلبت منه اليمين حلف على
ما يقول فإن مات قبل أن يسأل فللمقر له الأقل
من الوجهين. والله الموفق انتهى. وقوله:
"فكذلك" أي فكالوجه الأول يباع له منها بعشرة
دنانير. ص: (وسجن له) ش: أي للتفسير فيما يقبل
فيه تفسيره على كل قول.
(7/234)
وشيء وكذا،
درهما وعشرون وكذا، وكذا أحد وعشرون وكذا،
وكذا أحد عشر وبضع أو، دراهم ثلاثة وكثيرة، أو
لا كثيرة ولا قليلة أربعة، ودرهم، المتعارف،
وإلا فالشرعي وقبل غشه ونقصه إن وصل ودرهم مع
درهم أو تحته أو فوقه أو عليه أو قبله أو بعده
أو فدرهم أو ثم درهم درهمان وسقط في لا بل
ديناران،
ـــــــ
(7/235)
ودرهم درهم، أو
بدرهم درهم، وحلف ما أرادهما، كإشهاد في ذكر
بمائة وفي آخر بمائة، وبمائة، وبمائتين،
الأكثر، وجل المائة أو قربها، أو نحوها
الثلثان، فأكثر وبالاجتهاد، وهل يلزمه في عشرة
في عشرة، عشرون، أو مائة، قولان وثوب في
صندوق، وزيت في جرة وفي لزوم ظرفه، قولان،
__________
ص: (وجل المائة أو قربها أو نحوها الثلثان
فأكثر بالاجتهاد) ش: هكذا قال سحنون في نوازله
من كتاب المديان والتفليس وقال ابن رشد بعد أن
ذكر الخلاف في ذلك ما نصه: وهذا كله إنما
يحتاج إليه في الميت الذي يتعذر سؤاله عن
مراده، وأما المقر الحاضر فيسأل عن تفسير ما
أراد ويصدق في جميع ذلك مع يمينه إن نازعه في
ذلك المقر له إن ادعى أكثر مما أقر له به،
وحقق الدعوى في ذلك، وأما إن لم يحقق الدعوى،
فعلى قولين في إيجاب اليمين عليه
(7/236)
لا دابة في
إصطبل، وألف، إن استحل أو أعارني، لم يلزم كإن
حلف في غير الدعوى،
__________
انتهى. وما قاله ظاهر إن فسره المقر بأكثر من
النصف، وأما إن فسره بالنصف أو دونه، فلا يقبل
تفسيره والله أعلم. ص: (كأن حلف في غير
الدعوى) ش: هذا جمع المصنف بين نقلي سحنون
رحمه الله وفرق بينهما ابن عرفة بغير ذلك ونص
كلام الشيخ عن ابن سحنون من قال لفلان علي
مائة درهم إن حلف أو إذا حلف أو متى حلف أو
حين يحلف أو مع يمينه أو في يمينه أو بعد
يمينه، فحلف فلان على ذلك، ونكل المقر، فلا
شيء عليه في إجماعنا. وقاله ابن عبد الحكم
قائلا: وإن حلف مطلقا إن بطلاق أو عتق أو صدقة
أو استحل ذلك أو إن كان يعلم ذلك أو إن أعارني
دابته أو داره فأعاره ذلك أو إن شهد به على
فلان، فشهد ولو قال إن حكم بها على فلان
فتحاكما إليه فحكم بها عليه لزمه ابن سحنون من
أنكر ما ادعى به عليه، فقال له المدعي احلف
وأنت بريء أو متى حلفت أو أنت بريء مع يمينك
أو في يمينك فحلف فقد برئ ولو قال له الطالب
لا تحلف لم يكن له ذلك، وكذلك إن قال المطلوب
للمدعي احلف وأنا أغرم لك فحلف لزمه ولا رجوع
له عن قوله ونوقض قول سحنون بعدم اللزوم في
قوله: "إن حلف فحلف" بقوله: "احلف وأنا أغرم"
أنه يلزمه، ومثله قول حمالتها احلف أن الحق
الذي تدعيه قبل أخي حق وأنا ضامن أنه يلزمه
ولا رجوع له ويلزمه ذلك إن حلف المطلوب وإن
مات كان ذلك في ماله ويجاب بأن شرط لزوم الشيء
إمكانه، وهو غير ثابت في قوله: "إن حلف
وأخواته" لما علم أن ملزومية الشيء للشيء لا
تدل على إمكانه فلم يلزمه الإقرار لعدم إتيانه
في لفظه بشرطه، وهو الإمكان، ولزمه ذلك في
قوله: "احلف" لإتيانه بما يدل على ثبوت شرط
اللزوم، وهو الإمكان لدلالة صيغة "افعل" عليه؛
لأن كل مطلوب عادة
(7/237)
أو شهد فلان
غير العدل وهذه الشاة أو هذه الناقة، لزمته
الشاة، وحلف عليها، وغصبته من فلان، لا بل من
آخر، فهو للأول، وقضي للثاني بقيمته.
__________
ممكن انتهى. وانظر المسألة في سماع أصبغ من
كتاب الدعوى من العتبية. ص: (أو شهد فلان غير
العدل) ش: مفهومه إن كان عدلا لزمه ما شهد به
عليه بمجرد شهادته عليه فقط والذي حصله ابن
رشد في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب
الشهادات أنه إن قال ذلك على التبكيت لصاحبه
والإنزاه للشاهد عن الكذب، فلا اختلاف أنه لا
يلزمه ما شهد به عليه وإن لم يقل ذلك على وجه
التبكيت ففي ذلك ثلاثة أقوال أحدها أنه لا
يلزمه ما شهد به عليه كان يحقق علم ما نازعه
فيه خصمه من ذلك أو لا يحققه إلا أن يحكم عليه
بشهادته مع شاهد آخر أو يمين المدعي، وهو قول:
ابن القاسم وابن الماجشون وأصبغ وعيسى بن
دينار والثاني إنه يلزمه ما شهد به عليه كان
يحقق علم ما نازعه فيه خصمه من ذلك ولا يحققه،
ويؤخذ منه دون يمين المدعي وهو قول مطرف
والثالث: أنه يلزمه إذا كان لا يحقق معرفة ما
نازعه فيه خصمه، ولا يلزمه إن كان يحقق معرفة
ذلك وهو قول: ابن دينار وابن كنانة واختيار
سحنون وسواء كان الشاهد في هذا كله عدلا أو
مسخوطا أو نصرانيا وقد قيل لا يلزم القضاء
بشهادة النصراني بخلاف المسخوط، وإذا لم يتبين
من صورة تراجعهما التبكيت من غير التبكيت فهو
فيما نازعه فيه من قول قاله أو فعل فعله محمول
على التبكيت حتى يتبين منه الرضا والتزام
الحكم به على نفسه على كل حال وفيما نازعه من
حدود أرض أو دين على أبيه وما أشبه ذلك محمول
على غير التبكيت حتى يتبين منه التبكيت ولا
اختلاف في أن له أن يرجع عن الرضا بقوله: في
جميع ذلك قبل أن يشهد وذلك بخلاف الرضا
بالتحكيم إذ لا يختلف في أنه ليس لواحد منهما
أن ينزع بعد الحكم ويختلف هل له الرجوع قبل
الحكم انتهى فعلم من هذا أن الشاهد إن كان
عدلا لم يلزم ما شهد به بمجرد شهادته على
الراجح من الأقوال الذي هو قول ابن القاسم
وإنما اقتصر المصنف على غير العدل؛ لأن شهادته
لا تؤثر أصلا لأحدهما ولا مع شاهد آخر أو يمين
وأول كلامه في التوضيح يوهم أنه يلزم ما شهد
به العدل بمجرد شهادته، فإنه قال: ونص مالك في
مسألة إن شهد على أنه لا يلزمه وقيده ابن
القاسم بما إذا لم يكن عدلا، وأما العدل فيقبل
عليه يوهم أنه يلزم ما شهد به العدل ونحوه في
(7/238)
ولك أحد ثوبين
عين وإلا فإن عين المقر له أجودهما. حلف، وإن
قال لا أدري. حلفا على نفي العلم واشتركا،
والاستثناء هنا. كغيره، وصح له الدار والبيت
لي، وبغير الجنس. كألف، إلا عبدا، وسقطت
قيمته،
__________
المجموعة انتهى. ويمكن حمل قوله، فيقبل عليه
أي تقبل شهادته عليه، وكلام النوادر قريب من
هذا، فإنه لما نقل عن مالك أنه قال: لا يلزمه
ذلك قال ما نصه قال ابن القاسم: لكن إن كان
الشاهد عدلا قبل عليه ونحوه في المجموعة عن
ابن القاسم انتهى والله أعلم وانظر المسألة
أيضا في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب
الشهادات وفي نوازل أصبغ من كتاب الدعوى
والصلح والتبكيت قال في الصحاح كالتقريع
والتعنيف وبكته بالحجة أي غلبه انتهى. ص: (ولك
أحد ثوبين عين إلخ) ش: هذه المسألة في أول رسم
من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح، وانظر
هذه المسألة مع ما قال في النوادر في ترجمة من
أقر بعدد من صنفين لم يذكر كم من كل صنف قال
ابن المواز: وإذا قال المريض لفلان علي مائة
دنانير ودراهم فإن أمكن مسألته سئل والقول
قوله، ويجبر حتى يبين فإن مات فورثته بمثابته
يقرون بما شاءوا من كل صنف ويحلفون فإن أنكر،
وأعلم ذلك جعل على النصف من كل صنف بعد أيمان
الورثة أنهم لا يعلمون له شيئا وبعد يمين
المقر له أنه ليس حقه أقل من ذلك على البت لا
(7/239)
وإن أبرأ فلانا
مما له قبله. أو من كل حق، أو أبرأه. برئ
مطلقا، ومن القذف والسرقة، فلا تقبل
__________
على العلم انتهى. ونقله ابن بطال في أحكامه في
باب ما يلزم المقر في أواخر كتابه. ص: (وإن
أبرأ فلانا مما له قبله أو من كل حق أو أبرأه
برئ مطلقا ومن القذف والسرقة) ش: قال في
النوادر في كتاب الإقرار في ترجمة الإقرار
بالمجهول: ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقر أنه لا
حق له قبل فلان، فهو جائز عليه وفلان بريء في
إجماعنا من كل قليل وكثير دينا أو وديعة أو
عارية أو كفالة أو غصبا أو قرضا أو إجارة أو
غير ذلك، ثم قال بعد أسطر من هذه الترجمة وإن
أقر أنه لا حق له قبل فلان، ثم ادعى قبله قذفا
أو سرقة فيها قطع، وأقام بينة فلا يقبل ذلك
إلا أن تقول البينة إنه جعله بعد البراءة، وإن
أقر أنه لا حق له قبله، فليس له أن يطلبه
بقصاص ولا حد ولا أرش ولا كفالة بنفس ولا بمال
ولا دين ولا مضاربة ولا شركة ولا ميراث ولا
دار ولا أرض ولا رقيق ولا شيء من الأشياء من
عروض وغيرها إلا ما يستأنف بعد البراءة في
إجماعنا انتهى. وقال قبله قال سحنون: في بعض
أقاويله: إذا قال: فلان بريء من كل حق لي عليه
أو قال مما لي عليه أو مما لي عنده أو قال لا
حق لي قبله فذلك كله سواء وهو بريء من كل شيء
من أمانة أو ضمان قال محمد: وأنا أستحسن قوله:
"هو بريء من حقه قبله" ولم يقل من جميع حقه،
ثم قال أنا بريء من بعض حقي وبقي البعض، فلا
يصدق والبراءة جائزة في إجماعنا في جميع حقه
انتهى. وهو معنى ما أشار إليه المصنف ومثل ذلك
إذا قال: وهذا آخر حق لي عليه قال في النوادر
من كتاب الأقضية قال محمد بن عبد الحكم وإذا
شهدت بينة لرجل أن فلانا أبرأه من جميع
الدعاوى وأنه أخر كل حق له مطلب من جميع
المعاملات، ثم أراد أن يستحلفه بعد ذلك، وادعى
أنه قد غلط أو نسي، فليس ذلك له، وكذلك إن شهد
عليه بذكر حق مسمى، وفي الكتاب أنه لم يبق له
عليه، ولا قبله حق، ولا عنده أو شهدوا له أنه
لم يبق بينه وبينه معاملة غير ما في هذا
الكتاب، فليس له بعد ذلك أن يستحلفه على غير
ذلك يريد مما قبل تاريخ الكتاب، وكذلك لو قال
الذي أقر بالحق ليس هذا الذي أديت علي وغلطت
في الحساب فليس له أن يحلف رب الحق على ذلك،
ولو كان له ذلك ما نفعت البراءة ولا انقطعت
المعاملة.
تنبيهات: الأول: ذكر صاحب الطراز في ترجمة
مبارأة الوصي عن اليتيمة ما يخالف ما نقله
صاحب النوادر والمؤلف ونصه انظر لو انعقد بين
شخصين أنه لم يبق لواحد منهما دعوى ولا حجة
ولا يمين ولا علقة بوجه من الوجوه كلها قديمها
وحديثها، ثم قام أحدهما على صاحبه بحق قبل
تاريخ الإشهاد المذكور، وثبت ببينة أنه يأخذه
صاحبه به، ولا يضره الإشهاد؛ لأن ظاهر الإشهاد
المذكور لم يقصدا فيه لإسقاط البينة قاله ابن
عتاب قال البرزلي: فعلى هذا
(7/240)
__________
يفتقر إلى ذكر إسقاط البينة الحاضرة والغائبة
في السر والإعلان، ومن أقام منهما بينة، فهي
زور وإفك لا عمل عليها انتهى من آخر مسائل
الأنكحة من مختصر البرزلي وما قاله خلاف
المشهور انظر نوازل ابن الحاج.
الثاني: ظاهر كلام المؤلف بل صريحه وظاهر كلام
المازري الذي نقله ابن غازي أن الإبراء يشمل
الأمانات وهي معينات وفي كلام القرافي في
الذخيرة ما يقتضي مخالفة ذلك ونصه في آخر كتاب
الدعاوى تنبيه: الإبراء من المعين لا يصح
بخلاف الدين فلا يصح "برأتك من داري التي تحت
يدك" لأن الإبراء الإسقاط، والمعين لا يسقط.
نعم يصح فيه الهبة ونحوها انتهى، وهو كلام
ظاهر في نفسه إلا أن المراد من قول القائل
"أبرأتك من داري التي تحت يدك" أي أسقطت
مطالبتي بها ولا شك أن المطالبة تقتضي
الإسقاط، فالكلام على حذف مضاف فتأمله مع أن
ما ذكره القرافي خلاف ما صرح به ابن عبد
السلام في أول كتاب الصلح من الإسقاط في
المعين وأن لفظ الإبراء أعم منه؛ لأنه يطلق
على المعين وغيره فراجعه وتأمله والله أعلم.
الثالث: قول المؤلف "برئ مطلقا" يحتمل أن يريد
سواء كان الذي أبرأه منه معلوما أو مجهولا كما
قال في باب الوكالة: وأبرأ وإن جهله الثلاثة
وفي المذهب مسائل لا يفسدها الجهل وانظر كلام
ابن رشد المشار إليه عند كلام المصنف في
الوكالة قال القرافي في باب الحمالة نظائر قال
العبدي يجوز المجهول في الحمالة والهبة زاد
غيره: الوصية والبراءة من المجهول والصلح
والخلع والصداق في النكاح والصدقة والقراض
والمساقاة والمغارسة فتكون إحدى عشرة مسألة.
الرابع: ما ذكره ابن عرفة عن ابن رشد من أن
لفظة "عندي" تقتضي الأمانة ولفظة "عليه" تقتضي
الذمة. نقل مثله في المسائل الملقوطة عن
الغرناطي ونصه ومن أقر لرجل أنه لا حق له عليه
عنده برئ من الحقوق الواجبة من الضمانات
والديون وإن أقر أنه لا حق له عنده برئ من
الضمانات والأمانات انتهى. من وثائق أبي إسحاق
الغرناطي.
فروع: الأول: إذا عمم المبارآت بعد عقد الخلع
فأفتى ابن رشد أنه راجع لجميع الدعاوى كلها
مما تتعلق بالخلع أو بغيره وأفتى غيره بأنه
يرجع إلى أحكام الخلع خاصة ذكره البرزلي في
مسائل الخلع وهي في نوازل ابن رشد من مسائل
الطلاق، وذكرتها في الباب الأول من كتاب
الالتزام الذي ألفته
الثاني: قال البرزلي في أثناء مسائل الأقضية
والشهادات ناقلا له عن تعليقة التونسي ما نصه
وهو أن رجلا قام بعقد استرعاء وطلب إثباته على
رجل فقال: هذا الرجل إنه ساقط عني بإشهاد هذا
القائم على نفسه بقطع دعواه عني، وإن كل بينة
مسترعاة قديمة أو حديثة فهي
(7/241)
دعواه، وإن
بصك، إلا ببينة أنه بعده وإن أبرأه مما معه.
برئ من الأمانة لا الدين.
__________
ساقطة، فقال القائم إني لم أفهم هذه الوثيقة
المنعقدة بيني وبينك، وهي معقودة على الكمال
جوابها إن شهد بها، فإنها تمضي على القائم،
فإن قوله: "لم أفهمها" إبطال لها، وتزوير
لشهودها، وهذا باب عظيم إن فتح للخصام بطلت به
حقوق كثيرة وبينات محققة، وسد هذا الباب واجب
انتهى، ويشهد لما قاله مسائل متعددة من نوازل
ابن رشد والله أعلم.
الثالث: قال البرزلي في أواخر مسائل الوكالات
مسألة: لا يجوز للوصي أن يبرئ عن المحجور
البراءة العامة، وإنما يبرئ عنه في المعينات،
وكذلك المحجور يقرب رشده لا يبرئه إلا من
المعينات، ولا تنفعه المبارأة العامة حتى يطول
رشده كستة أشهر فأكثر ونص عليه المتيطي ومن
هذا لا يبرئ القاضي الناظر في أحباس المبارآت
العامة وإنما يبرئه من المعينات وإبراؤه عموما
جهل من القضاة، وقد رأيت ذلك لقاض يزعم
المعرفة، ولا يعلم صناعة القضاء، وكذلك رأيت
تقديم قاض آخر لناظر في حبس معين، وجعل بيده
من ذلك النظر التام العام وجعله مصدقا في كل
ما يتولى دخله وخرجه دون بينة لثقته بالقيام
به، وهذا أيضا جهل؛ لأن أحوال الأحباس كأموال
الأيتام، وقد قال تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ
إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا
عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] يقول لئلا تضمنوا
ويقول الآخر لئلا تحلفوا فعلى كل حال لا يصرف
الأمر إليهم على حد ما يصرفه الإنسان في مال
نفسه إذ ليس له تصرف إلا على وجه النظر فهو
محجور عن التصرف التام انتهى. ص: (فلا تقبل
دعواه وإن بصك إلا ببينة أنه بعده) ش: قال في
سماع أبي زيد من الشهادات وسئل عن رجل أتى
بشاهدين يشهدان أن هذا المدعي أقر عندنا منذ
شهرين أن ليس له قبل فلان شيء ولا يدري
الشاهدان اللذان شهدا على الحق قبل هؤلاء أم
بعد قال أرى أن يقضي بشاهدي المطلوب ابن رشد
المعنى أن المطلوب أقر بالعشرين وادعى البراءة
منها واستظهر على ما ادعاه بإقرار الطالب أنه
لا شيء عنده، فالطالب يقول إنما أقررت قبل أن
تجب العشرون والمطلوب يقول إنما أقررت بعد
وجوبها فقيل القول قول المطلوب، وهو قول
(7/242)
__________
ابن القاسم في هذه الرواية؛ لأن قوله: "يقضي
بشاهدي المطلوب" معناه يقضي بأن يكون القول
قوله من أجل شهادة شاهديه وقيل: القول قول
الطالب وهو الذي يأتي على قول ابن نافع في
سماع يحيى من كتاب الدعوى والصلح، وهذا إذا
كانت بينهما مخالطة، ولو لم تكن بينهما مخالطة
لكان القول قول المطلوب قولا واحدا ولو كان له
قبله حق قديم غير هذا لكان القول قول الطالب
قولا واحدا بدليل ما في سماع أشهب من الوديعة.
وجه الأول أنه لا يشهد أحد بأنه لا حق له عند
من يكون له عنده حق، ووجه الثاني أن الدين وجب
على الطالب بإقراره، فلا يسقط إلا بيقين وهو
الأظهر، وكذلك إذا أقر المطلوب بالعشرين، وأتى
ببراءة منها وقال: هي التي أقررت بها وقال
الطالب: غيرها يكون القول قول الطالب إن كان
له قبله غيرها والقول قول المطلوب إن لم يكن
له غيرها قبله ولا بينهما مخالطة، ويختلف إن
لم يكن له قبله حق وكانت بينهما مخالطة على
القولين المذكورين ولسحنون في نوازله من
المديان ثالث في المسألة، وهو تفرقته بين أن
يأتي المطلوب ببراءة واحدة تستغرق العدد أو
ببراءات متفرقات، وهو قول ضعيف، وأما إن كان
المطلوب منكرا للعشرين التي قامت عليه البينة
بها، فلا إشكال ولا اختلاف أن القول قول
الطالب إذ لا تسقط بينته بأمر محتمل، وإنما
تختلف إذا أتى ببينته أنه قضاه العشرين بعد
الإنكار، وبالله التوفيق انتهى.
وقول ابن نافع: الذي أشار إليه ابن رشد في
سماع يحيى هو في رسم الأقضية، ونصه وسألت ابن
وهب عن الرجل يدعي عليه رجل بمائة دينار،
فيدعي المدعى عليه أنه قضاه مائة دينار وعشرين
ويأتي على ذلك بالبينة ولا تشهد البينة على
المائة الدينار بعينها أنها دخلت في المائة
والعشرين فيقول الطالب إنما لي عليك مائة
دينار من ثمن عطر بعتكه وثبت له ذلك بالبينة
أو بإقرار المشتري فيقول له الطالب هات البينة
إنك قضيتني ثمن العطر بعينه ويقول المشتري
قضيتك مائة وعشرين ثمن العطر فيها فهل يبرأ
المطلوب بهذه الشهادة وسألت ابن القاسم عنها
فقال: يحلف المدعى عليه بالله لقد دخلت المائة
دينار ثمن العطر في المائة والعشرين التي
قضاه، ثم لا شيء عليه قال: ولقد بلغني عن بعض
العلماء أنه سئل عن رجل ادعى على رجل بألف
دينار وأتى بذكر حق، فأتى المدعى عليه ببراءة
من ألفي دينار قال: يحلف المدعى عليه ويبرأ،
وهذا أمر الناس عندنا. قال يحيى: وسألت ابن
نافع عن ذلك فقال: إن كانت بينهما مخالطة
معروفة وملابسة فالبينة على المطلوب أن المائة
دينار ثمن العطر دخلت في المائة والعشرين وإلا
غرم؛ لأن المخالطة التي جرت بينهما تدل على
أنه قد عامله في غير العطر قال ابن رشد: سقط
جواب ابن وهب في أكثر الكتب وثبت في بعضها؟
قال: نعم فقوله مثل قول ابن القاسم ومثل ما
حكي عن بعض العلماء، وأما قول ابن نافع، فهو
خلاف لهم إذ لا فرق في مذهبهم بين أن يكون
بينهما مخالطة أو لا يكون، القول عندهم قول
المطلوب في الوجهين جميعا حتى يأتي الطالب بمن
يشهد له أنه كان له عليه دين سواه. ولا
(7/243)
__________
اختلاف إذا لم تكن بينهما مخالطة أن القول قول
المطلوب، ولا في أنه إذا علم أنه كان له عليه
دين غيره في أن القول قول الطالب، وإنما
الخلاف إذا كان بينهما مخالطة وملابسة انتهى.
وله في رسم إن خرجت من سماع عيسى من الكتاب
المذكور نحو ذلك ونصه وسئل عن رجل كان له على
رجل حق منذ عشرين سنة فقام به عليه اليوم فزعم
الذي عليه الحق أنه قد قضاه، فتأتي البينة أنه
قد قضاه منذ تسع سنين أو نحوها ويأتي صاحب
الحق بالبينة أنه أقر له منذ سنين فبأي
الشاهدين يؤخذ قال: يؤخذ بأحدثهما وهي الشهادة
على الإقرار.
قال ابن رشد: هذا كما قال إن الذي يوجبه الحكم
أن يؤخذ بالشهادة على الإقرار؛ لأنه لما أقر
له بالحق بعد أن قامت البينة على القضاء حمل
على أن القضاء إنما كان له من حق آخر قبله كما
لو أقر أنه كان له قبله حق آخر فقضاه فادعى
صاحب الحق أنه إنما كان ذلك لحق قديم لكان
القول قوله ولو كان أقام البينة على القضاء
فادعى صاحب الحق أن القضاء إنما كان ذلك لحق
آخر كان له قبله، وأنكر المطلوب أن يكون له
قبله سوى هذا الذي قد قضاه لكان القول قول
المطلوب باتفاق، وإن لم يكن بينهما مخالطة
قديمة.
واختلف إن كان بينهما مخالطة فقيل القول قول
الطالب، وقيل القول قول المطلوب ولسحنون في
نوازله من كتاب المديان ثالث انتهى. فعلم من
هذا الكلام أنه إذا كان القول قول المطلوب أو
الطالب، فذلك مع يمينه ونص على ذلك أيضا في
النوادر في كتاب الدعوى، والصلح وهو بين واتضح
به أيضا قول ابن رشد المتقدم في مسألة كتاب
الشهادات، وهو قوله "ولو كان له قبله حق قديم
كان القول قول الطالب قولا واحدا" وإن كان ذلك
لا يدخل في مسألة قيام البينة بالبراءة بل إذا
قامت البينة بالبراءة سقط كل ما كان قبلها ولو
أقر به كما سيأتي في كلام ابن رشد إن شاء
الله. وإنما ذلك في قيام البينة بالقضاء بشيء
مخصوص، فيدعي الطالب أن له عليه حقين وأن الذي
ادعاه، وقامت له به البينة غير الذي شهدت بينة
المطلوب بقضائه، ويدعي المطلوب أنه قضاهما
جميعا، فهذا هو الذي لا خلاف في أن القول قول
الطالب يحلف، ويأخذ حقه، وهو بين أيضاً. ونص
كلام ابن رشد المشار إليه، وهو في أول رسم من
كتاب المديان وسمعت مالكا يقول في الشريكين
يتحاسبان فيكتب أحدهما لصاحبه البراءة من آخر
حق قبله، ثم جاء بذكر حق قبله لم يقع في أصل
البراءة اسمه فادعى صاحب البراءة أنه قد دخل
هو وغيره قال يحلف بالله لقد دخل في حسابنا،
ويبرأ منه؛ لأن القوم إذا تحاسبوا دخل أشباه
هذا بينهم، فلو كان من جاء منهم بعد ذلك بذكر
حق فيه شهداء أخذ بما فيه لم يتحاسبوا ليبرأ
بعضهم من تباعة بعض قال ابن رشد: هذا بين لا
إشكال فيه ولا اختلاف؛ لأن ذكر الحق الذي قام
به الطالب قبل البراءة، وإذا كان قبلها.
فالقول قول المطلوب أنه قد دخل في البراءة؛
لأن الحقوق إذا كانت بتواريخ مختلفة، فالبراءة
من شيء منها دليل على البراءة مما قبله، وهذا
من نحو قولهم فيمن أكرى دارا مشاهرة أو مساناة
إن دفع كراء شهر أو
(7/244)
__________
سنة براءة للدافع مما قبل ذلك، ومثل ما في رسم
الأقضية من سماع أشهب في التخيير والتمليك في
الذي يبارئ امرأته، وهي حامل على أن تكفيه
مؤنة الرضاع، ثم تطلبه بنفقة الحمل فقال: لا
شيء عليه؛ لأنه يعرف أنه لم يكن يمنعها الرضاع
أو يعطيها هذا وإنما الاختلاف إذا قام بذكر
حق، فزعم أنه بعد البراءة، وزعم المطلوب أنه
قبل البراءة، وأنه دخل فيها، وذلك على ثلاثة
أقوال مضى تحصيلها في سماع أبي زيد من
الشهادات انتهى.
تنبيه: إنما يلزم المطلوب اليمين إذا حقق
الطالب الدعوى وإنها بعد البراءة ولو قال: لا
أعلم كانت اليمين يمين تهمة وتجري على أيمان
التهم قال في الرسم الثاني من كتاب المديان
أيضا وسئل مالك عمن كان له على رجل دين فقضاه
واكتتب منه براءة فيها، وهو آخر حق كان له
عليه، فيأتيه بعد ذلك بذكر حق لا يعلم أكان
قبل البراءة أو بعدها قال أرى براءته من ذلك
أن يحلف لقد دخل هذا الذكر الحق في هذه
البراءة، ويبرأ من ذلك، ولعله أن يأتي بذلك
عليه بعد موته، فلا يكون له ذلك قال ابن رشد:
المعنى في هذه المسألة أن الطالب لما أتى بذكر
الحق أشكل أكان قبل البراءة أو بعدها إما
لكونهما مؤرخين بشهر واحد أو عاريين من
التاريخ أو أحدهما، ووقع قوله: "لا يعلم أكان
قبل البراءة" معرى من الضبط فإن كان أراد أن
الطالب لا يعلم أكان ذكر الحق الذي قام به قبل
أو بعد فإيجابه اليمين على المطلوب لقد دخل
هذا الذكر الحق في هذه البراءة مختلف فيه؛
لأنها يمين تهمة من غير تحقق دعوى، فيجري على
الخلاف المعلوم في لحوق يمين التهمة وصرفها
وإن كان أراد أن الطالب ادعى أن ذكر حقه الذي
قام به بعد البراءة، وحقق الدعوى بذلك، ولم
يعلم صحة قوله لالتباس التواريخ فلا اختلاف
ولا إشكال في لحوق اليمين ولا في وجوب صرفها
إلا أنه اختلف هل يكون القول قول الطالب أو
المطلوب؟ انتهى. ونص ما لسحنون في نوازله الذي
أشار إليه ابن رشد قيل له أرأيت إن أتى بذكر
حق له على رجل فيه ألف دينار، فأتى المشهود
عليه ببراءة ألفي دينار يزعم أن تلك الألف
دخلت في هذه المحاسبة والقضاء قال: يحلف ويبرأ
قيل له، فإن أتى ببراءات متفرقة إذا اجتمعت مع
الذكر الحق أو الذكورات الحق كانت أكثر أو
أقل، وليس شيء من ذلك منسوبا أنه من الذكورات
الحق ولا غير ذلك فقال إذا كانت البراءات
متفرقة وليس واحد منها إذا انفردت فيها جميع
هذه الذكورات الحق أو الذكر الحق فإني لا
أراها براءة مما ثبت قبله وإن كان في واحد
منها جميع هذا الحق وصارت بقية البراءات زيادة
على ما ثبت قبله فإني أرى أن يحلف ويبرأ قال
ابن رشد تفرقة سحنون هذه ضعيفة لا وجه لها؛
لأن الحق يقضى مجتمعا ومتفرقا شيئا بعد شيء.
وقد روى ابنه أنه رجع إلى أن يبرأ بالبراءات
المتفرقة وإن كان ليس في واحدة منها إذا
انفردت كفافا بالذكر الحق، ولو قيل إنه إن كان
البراءة أو البراءات إذا اجتمعت أكثر من ذكر
الحق لم تكن براءة لكان لذلك وجه بأن يقال
المعنى في ذلك أن المطلوب أنكر المخالطة وزعم
أنه لم يبايعه سوى هذه المبايعة التي فيها ذكر
(7/245)
__________
الحق وادعاها الطالب، فإذا لم يكن في البراءة
الواحدة أو البراءات أكثر من ذكر الحق لم يكن
للطالب دليل على ما ادعاه من المخالطة فوجب أن
يحلف المطلوب أنه لم يكن له سوى ذكر الحق
وتكون البراءة أو البراءات براءة له منه، وإن
كان في البراءة الواحدة أو البراءات زيادة على
ذكر الحق كان في ذلك للطالب دليل على ما ادعاه
من المخالطة، وأنه عامله غير هذه المعاملة،
فوجب أن يحلف الطالب أنه قد عامله فيما سوى
هذا الحق، وأن البراءة أو البراءات التي
استظهر بها المطلوب إنما هي من ذلك، فلا يكون
شيء من ذلك براءة للمطلوب من ذكر الحق انتهى.
وهذا إذا لم يكن في البراءة المتأخرة أنه لم
يبق له قبله حق وأن هذا آخر حق له قبله فإن
كان فيها ذلك كان القول قول المطلوب بيمين إن
لم يعلم التاريخ على قول ابن القاسم ودون يمين
إن كان ذكر الحق الذي بيد الطالب تاريخه مقدما
على تاريخ البراءة التي فيها ذلك بلا خلاف كما
تقدم
وقال في رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ:
وسمعت ابن القاسم: وسئل عن الرجل يأتي بذكر حق
فيه شهود على رجل بمائة دينار ويأتي المطلوب
ببراءة دفعها إليه لا يدري شهودها أكانت قبل
ذلك الذكر بحق أو بعده ليس فيها تاريخ قال:
يحلف، ويبرأ يعني صاحب البراءة قلت: يعني يحلف
أنه قضاء لذلك الحق، ويبرأ وقاله أصبغ، وهذا
هو القضاء وصوابه، ولا يجعل له مالين كما لو
كان للحق تاريخ والبراءة بعده بمال دفعه،
وادعى صاحب الحق أنه غيره لم يقبل قوله الآخر؛
لأنه هو بريء، وسئل عن رجل أتى بذكر حق على
رجل فيه ألف دينار فأتى المشهود عليه ببراءته
بألفي دينار، فزعم أن تلك الألف دخلت في هذه
المحاسبة والقضاء، وأتى ببراءات متفرقة إذا
اجتمعت استوت مع الذكر الحق أو الذكورات الحق
أو كانت أكثر أو أقل، وليس من ذلك شيء منسوب
ليس فيه شيء يشبه أن يكون من الذكورات الحق
ولا غير ذلك، ويقول في الأكثر قد دخل فيه عند
الحساب والقضاء مع غيره، فرأى ذلك كله سواء
وأنه له براءة، ويحلف في ذلك إن ادعى الآخر
غير ذلك، وقاله لفظا ثابتا، ويتم له بقية
الذكورات إذا كانت البراءات أقل من ذلك قال:
وهو أحب إلي، وهو الذي أرى وأستحسن. قال أصبغ:
رددتها عليه مرة بعد مرة، فثبت على ذلك قال
أصبغ كله باب واحد وهو كالطلاق وللطلاق تفسير
قال ابن رشد: مساواته في هذه الروايات بين أن
تكون البراءة الواحدة أو البراءات أقل من ذكر
الحق أو أكثر، فإنها براءة للمطلوب، هو
المشهور في المذهب الأظهر من الأقوال وقد قيل
إنها لا تكون له براءة، وهو قول ابن نافع في
سماع يحيى من الدعوى والصلح وذلك إذا كانت
بينهما مخالطة، وأما إن لم تكن بينهما مخالطة،
فلا اختلاف في أنها تكون له براءة انتهى، ثم
تكلم على قوله: "وهو كالطلاق" إلخ ونقلت كلامه
في باب الرجعة فراجعه واستظهار ابن رشد هنا
للقول الأول خلاف ما تقدم له في سماع أبي زيد
من الشهادات من استظهار قول ابن نافع، فلعله
رجع إلى استظهار القول الأول؛ لأن كلامه هنا
(7/246)
__________
متأخر عن ذلك، وصرح هنا بأن الأول هو المشهور.
وما أشار إليه ابن رشد في كلامه المتقدم في
سماع أشهب من الوديعة هو في رسم الأقضية.
ونصه: وسئل مالك فقيل له كانت لي عند رجل
ثلاثة وعشرون دينارا وديعة فكنت آخذ منه الشيء
بعد الشيء حتى بقيت لي عنده ثمانية عشر فسألته
إياها، فقال دفعتها في بعض حاجتي، ولكن اكتبها
علي فكتبتها عليه بالشهود والبينة مؤرخة فغبت،
ثم رجعت فتقاضيته إياها، فجاء ببراءة مكتوب
فيها براءة لفلان بن فلان من أربعة دنانير
ليست الأربعة مؤرخة ولا منسوبة من الثمانية
عشر ولا من الثلاثة والعشرين فهو يقول من
الثمانية عشر وأقول من الثلاثة والعشرين التي
كانت لي عليك قبل أن أكتب عليك الثمانية عشر،
فقال أيقر لك بأنه قد كان لك عليه ثلاثة
وعشرون فقال: لا فأطرق طويلا، ثم قال: إن أقمت
البينة أنه قد كانت عليه ثلاثة وعشرون دينارا
حلفت بالله ما هذه البراءة من الثمانية عشر،
وكانت لك عليه ابن رشد، وهذا كما قال إنه إذا
أقر أنه كانت له عليه ثلاثة وعشرون أو أقام
عليه بذلك البينة كان القول قوله إن البراءة
ليست من الثمانية عشر، وإنها من الثلاثة
والعشرين، ولو لم يقر بذلك، ولا قامت عليه به
بينة لكان القول قول المطلوب إنها من الثمانية
عشر باتفاق إن لم يكن بينهما مخالطة وقال في
النوادر في كتاب الإقرار في الترجمة التي بعد
ترجمة الإقرار بالمجهول. قال ابن المواز: وإذا
دفع إليه خمسين دينارا وكتب له أن ذلك آخر حق
له قبله، ثم قام عليه بحق، فقال هو بعد
البراءة وقال الآخر: قبلها فكلما أشكل من هذا
أهو قبل البراءة أم بعدها، فلا يقضى به، وكذلك
لو أخرج هذا ذكر حق لا تاريخ فيه، وبيد الآخر
براءة لا تاريخ فيها فالبراءة أحق، وإن كان في
أحدهما تاريخ حكم بالذي فيه التاريخ، وبطل
الآخر انتهى. والله أعلم. فتحصل من هذه النصوص
أنه إن كان الحق الذي يقوم به قبل تاريخ
البراءة فلا اختلاف أن القول قول المطلوب بأنه
دخل في البراءة كما قاله ابن رشد في أول رسم
من سماع ابن القاسم من كتاب المديان وفي غير
موضع، وظاهر كلامه أيضا أنه لا يلزمه يمين،
ولو ادعى عليه أنه نسيه أو غلط كما تقدم عن
النوادر ونقل ابن بطال في باب جامع في الأيمان
من مقنعه كلام النوادر برمته، وقبله، ورأيت
مكتوبا على هامش نسخته التي بيده ما صورته في
هذا خلاف في لحوق اليمين وبلحوقها العمل. انظر
نوازل ابن الحاج والمفيد والفتحونية فانظره
وما ذكره ابن رشد والمصنف من أنه لا يقبل
دعواه بعد البراءة هو المعروف من المذهب وما
ذكره ابن عات في ترجمة مبارأة الوصي، فهو
بعيد، وأما إن كان الحق الذي يقوم به لم يتحقق
أنه بعد تاريخ البراءة بل أشكل أمره أكان
قبلها أو بعدها إما لكونهما مؤرخين بشهر واحد
أو عاريين من التاريخ أو أحدهما مؤرخ والآخر
غير مؤرخ، فلا يخلو إما أن يتحقق الطالب أنه
بعد البراءة أو يقول لا علم لي فإن حقق أنه
بعد البراءة ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أن
القول قول المطلوب مع يمينه وهو قول ابن
القاسم في المدونة وابن وهب وغيرهما. قال ابن
رشد: في رسم الكراء والأقضية من كتاب المديان
وهو المشهور
(7/247)
فصل في
الاستلحاق
إنما يستلحق الأب مجهول النسب،
__________
في المذهب والأظهر من الأقوال كما تقدم
والثاني أن القول قول الطالب مع يمينه، وهو
قول ابن نافع واستظهره ابن رشد أيضا. في سماع
أبي زيد من كتاب الشهادات كما تقدم أيضا
والثالث تفرقة سحنون بين أن يأتي المطلوب
ببراءة واحدة تستغرق جميع العدد، فيكون القول
قول المطلوب أو يأتي ببراءات متفرقة إذا جمعت
كانت مثل الحق أو أكثر أو أقل فلا يبرأ قال
ابن رشد: في نوازل سحنون: وهذه تفرقة ضعيفة لا
وجه لها كما تقدم أيضا، وهذا إذا كانت بينهما
مخالطة، وأما إذا لم يكن بينهما مخالطة فالقول
قول المطلوب قولا واحدا قاله ابن رشد في سماع
أبي زيد من كتاب الشهادات كما تقدم، وأما إن
لم يحقق الطالب أن الحق الذي قام به بعد
البراءة، وإنما قال: لا علم لي فالقول قول
المطلوب. ولم يحك ابن رشد فيه خلافا كما تقدم
وإنما حكى الخلاف في وجوب اليمين عليه وإجرائه
على الخلاف في يمين التهمة قاله في الرسم
الثاني من سماع ابن القاسم من كتاب المديان.
تنبيهان: الأول: علم مما تقدم أن قول المصنف:
"لا تقبل دعواه وإن بصك شامل لما علم أنه قبل
تاريخ البراءة ولما جهل، وأن القول في ذلك قول
المطلوب يريد مع يمينه إذا جهل التاريخ كما
صرح به ابن رشد في الرسم الثاني من سماع ابن
القاسم من كتاب المديان، وفي رسم الأقضية من
سماع يحيى من كتاب الدعوى والصلح وغيرهما،
وأما إذا علم أنه قبل تاريخ البراءة. ففي لحوق
اليمين ما تقدم عن النوادر وابن رشد وما رأيته
على هامش النسخة التي من كتاب ابن بطال.
الثاني: ذكر ابن غازي رحمه الله استظهار ابن
رشد لقول ابن نافع فقط، ولم يذكر تشهيره للقول
الذي مشى عليه المؤلف واستظهاره إياه مع أنه
قول ابن القاسم وابن وهب وغيرهما، فلذلك
اعتمده المصنف، وكأن ابن غازي لم يقف على
الكلام الثاني والله أعلم.
الاستلحاق
قال ابن عرفة: هو ادعاء المدعي أنه أب لغيره
فيخرج قوله: "هذا أبي" "وهذا أبو فلان" انتهى.
ص: (فصل إنما يستلحق الأب مجهول النسب) ش: أتى
بأداة الحصر لينبه أن
(7/248)
__________
الاستلحاق لا يصح إلا من الأب فقط، وهذا هو
المشهور وحكى الباجي وغيره عن أشهب أن الجد
يستلحق، وتأوله ابن رشد بما سيأتي، فإنه قال
في المسألة الثانية من نوازل أصبغ من كتاب
الاستلحاق قلت فإن استلحق ولد ولد فقال: هذا
ابن ابني وابنه ميت هل يلحق به إذا كان له
وارث معروف كما يلحق به ابنه لصلبه قال لا؛
لأن ولد الولد هذا بمنزلة الأخ والعصبة ولا
ولي لا يجوز استلحاقه إذا كان له وارث معروف
وذلك أن ابنه لو كان حيا، فأنكر أن يكون ابنه
لم يكن للجد أن يستلحقه ابن رشد هذا كما قال:
إنه لا يجوز للرجل أن يلحق بولده ولدا هو له
منكر، وقيل إذا استلحق الجد ولد ولده لحق به
حكاه التونسي، وليس بصحيح إلا على ما يذكره
فإن قال: هذا ابن ولدي أو ولد ابني لم يصدق،
وإن قال أبو هذا ابني أو والد هذا ابني صدق،
والأصل في هذا أن الرجل إنما يصدق في إلحاق
ولد بفراشه لا في إلحاقه بفراش غيره، وهذا لا
ينبغي أن يختلف فيه ا هـ. ونحوه في نوازل
سحنون. ونقله ابن عرفة وزاد بعده قلت قال
الباجي: قال مالك: في كتاب ابن سحنون لا يصح
استلحاق الجد ولا يصح إلا من الأب سحنون ما
علمت فيه خلافا وقال أشهب: يستلحق الأب والجد
انتهى. ونقل كلام الباجي كالمنكت به على ابن
رشد، وخرج بأداة الحصر استلحاق الأم قال ابن
عرفة: واستلحاق الأم لغو وفي نوازل سحنون من
كتاب الاستلحاق في رجل له امرأة وله ولد فتزعم
المرأة أن الغلام ولدها من زوج غيره، ويزعم
الرجل أن الغلام ولده من امرأة غيرها أنه يلحق
بالزوج، ولا يقبل قول المرأة ابن رشد لا
اختلاف أعلمه أن المرأة لا يجوز لها استلحاق
ولدها بخلاف الأب؛ لأن الولد ينتسب إلى أبيه
لا إلى أمه ولولا ما أحكم الشرع لكان نسبته
إلى أمه أولى؛ لأنها أخص به من أبيه؛ لأنهما
اشتركا في الماء واختصت بالحمل والوضع انتهى.
وقال ابن عرفة: وفي القذف منها إن نظرت امرأة
إلى رجل وقالت: ابني ومثله يولد لها، وصدقها
لم يثبت نسبه منها إذ ليس هنا أب يلحق به وفي
الولاء منها إن جاءت امرأة بغلام مفصول ادعت
أنه ولدها لم يلحق بها في ميراث ولا يحد من
افترى عليها به انتهى، وقوله: "مجهول
(7/249)
إن لم يكذبه
العقل لصغره، أو العادة، إن لم يكن رقا لمكذبه
أو
__________
النسب" هو أيضا مما دخلت عليه أداة الحصر أي
إنما يصح استلحاق الأب ولدا مجهول النسب أما
من كان نسبه معلوما، فلا يصح استلحاقه قال في
كتاب أمهات الأولاد من المدونة: ومما يعرف به
كذبه أن يكون لهم أب معروف أو هم من المحمولين
من بلد يعلم أنه لم يدخله قط كالزنج والصقالبة
أو تقوم بينة أن أم هذا الصبي لم تزل زوجة
لغير هذا المدعي حتى ماتت، فإن قالوا: لم تزل
ملكا لغيره، فلا أدري ما هذا، ولعله تزوجها
انتهى. قال في تهذيب الطالب: قال بعض أشياخنا:
إذا قامت بينة أن أم الصبي لم تزل زوجة لفلان
وجب الحد على هذا المدعي، وكذلك عن بعض شيوخنا
إذا عرف للولد نسب، وادعاه رجل أنه يحد المدعي
وكأنه نفاه من نسبه، وفي هذا عندي نظر انتهى.
وقال أبو الحسن: في المسألة التي قامت البينة
أنها لم تزل زوجة لغيره ويحد حد القذف؛ لأنه
نفاه من نسبه انتهى. وهو ظاهر.
تنبيه: ثم قال في المدونة: وإن استلحق محمولا
من بلدة دخلها لحق به، وهذا ينبني على أمر
اختلف فيه هل يعتبر شرطا في الاستلحاق أم لا،
وهو أن يعلم تقدم ملك أم هذا الولد أو نكاحها
لهذا المقر قال سحنون يعتبر قال ابن عبد
السلام: وهو قول لابن القاسم والمشهور أن ذلك
لا يعتبر وهو ظاهر ما في المدونة وهو الأظهر
في النظر؛ لأنهم اعتبروا في هذا الباب الإمكان
وحده ما لم يقر دليل على كذب المقر. انتهى
كلام ابن عبد السلام وقال أبو الحسن في قوله
في المدونة من بلد يعلم أنه لم يدخله قط في
بعض الروايات لا يعلم أنه دخله قط وعليها
اختصرها ابن يونس فعلى رواية البراذعي يكون
محمولا على الصدق مع الإشكال وعلى رواية ابن
يونس يكون محمولا على غير الصدق والله أعلم.
قلت: وكلامه في المدونة صريح في أنه لا يشترط
علم ذلك قال فيها: ومن استلحق ولدا لا يعرف له
نسب لحق به، وإن لم يعرف أنه ملك أمه بشراء أو
نكاح، وكذلك إن استلحق عبده أو أمته لحقا به
إلا أن يتبين كذبه في ذلك كله فلا يلحق به، ثم
قال ومما يعرف به كذبه أن يكون له أب معروف
إلخ ما تقدم، فحاصله أن سحنونا يشترط علم تقدم
النكاح أو التسري وابن القاسم لا يشترطه. أما
لو فرض أنه علم أنه لم يقع منه نكاح، ولا تسر
أبدا لم يلحق به، وهذا داخل في قول المؤلف "لم
يكذبه العقل" لأن من علم منه عدمهما يستحيل
منه الولد عقلا لكن العلم بعدم النكاح والتسري
عسير والله أعلم. ص: (ولم يكن رقاً لمكذبه أو
(7/250)
ومولى. لكنه
يلحق به. وفيها أيضا. يصدق. وإن أعتقه مشتريه
إن لم يستدل على كذبه.
__________
مولى لكنه يلحق به) ش: كذا في النسخ التي
رأيناها وهو كلام متدافع؛ لأن أول الكلام
يقتضي أن شرط الاستلحاق أن لا يكون المستلحق
رقا لم يكذب المستلحق أو مولى له، وأنه إن كان
كذلك لم يصح الاستلحاق، وقوله آخرا: "لكنه لا
يلحق به" مناقض، فلا يصح حمله على قول ابن
القاسم في المدونة ولا على قول أشهب قال ابن
القاسم في المدونة في كتاب أمهات الأولاد: ومن
استلحق صبيا في ملك غيره وبعد أن أعتقه غيره
لم يصدق إذا كذبه الحائز لرقه وولائه ولا يرثه
إلا ببينة تثبت أبو الحسن هذا هو الوجه الثالث
لابن يونس ويشير إلى قول ابن يونس استحقاق
الولد عند ابن القاسم على ثلاثة وجوه، وهو أن
يستلحق ولدا ولد عنده من أمته أو ولد له بعد
أن باعها بمثل ما تلحق فيه الأنساب، ولم يطلبه
المبتاع ولا زوج ولا تبين كذبه. فهذا يلحق به
بلا خلاف والثاني أن يستلحق ولدا لم يولد عنده
ولا علم أنه ملك أمه بشراء ولا نكاح، فهذا
يلحق به عند ابن القاسم إذا لم يتبين كذبه ولا
يلحق به عند سحنون. والثالث: أن يستلحق ولدا
ولد في ملك غيره أو بعده إن أعتقه غيره، فهذا
لا يلحق به عند ابن القاسم وقال أشهب: يلحق
به، ويكون ابنا له ومولى لمن أعتقه أو عبدا
لمن ملكه انتهى. والصواب حذف قول المصنف:
"لكنه يلحق به" ليكون جاريا على قول ابن
القاسم في المدونة أو عدم اشتراط ما ذكر وأن
يلحق بمن استلحقه مع بقاء رقه وولائه لحائزهما
ليكون
(7/251)
__________
جاريا على قول أشهب كما نقله ابن يونس عنه بل
وقع لابن القاسم أيضا في أول سماع عيسى من
كتاب الاستلحاق نحوه وقال ابن رشد: هو الصحيح
إذ لا يمتنع أن يكون ولدا للمقر به المستلحق
له وعبدا للذي هو في يده وقال: إنه خلاف ما في
كتاب أمهات الأولاد من المدونة ونص كلامه قال
عيسى قال ابن القاسم: في القوم من أهل الحرب
يسلمون جماعة ويستلحقون أولادا من زنا قال:
إذا كانوا أحرارا، ولم يدعهم أحد لفراشه،
فإنهم يلحقون به وقد ناط عمر بن الخطاب رضي
الله عنه من ولد في الجاهلية ممن ادعاهم في
الإسلام إلا أن يدعيه زوج الحرة أو سيد الأمة؛
لأنه قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الولد للفراش وللعاهر الحجر" 1 فإذا ادعاه مع
سيد الأمة أو زوج الحرة، فهو أحق قلت:
والنصارى يسلمون فيدعون أولادا من زنا كانوا
في نصرانيتهم قال: يلحقون بهم؛ لأنهم يستحلون
في دينهم الزنا وغيره.
قلت: فإن استلحق رجل منهم ولد أمة مسلم أو
نصراني قال إذا ألحقه به فإن عتق يوما ما كان
ولدها وورثته قال محمد بن رشد قوله في أول هذه
المسألة قال: "إذا كانوا أحرارا ولم يدعهم
لفراش، فهم ولده" يدل على أنهم إذا كانوا
عبيدا لا يلحقون به، وإن لم يدعهم أحد لفراش
وقد وقع مثل هذا في كتاب أمهات الأولاد من
المدونة، وهو خلاف قوله في آخر المسألة إذا
ألحقه فإن أعتقه يوما ما كان ولده وورثه، وهذا
الذي قاله في آخر المسألة هو الصحيح إذ لا
يمتنع أن يكون ولدا للمقر به المستلحق له
وعبدا للذي هو في يده. وقوله: "إذا ألحقه به
فإن أعتق". إلخ يجوز أن يكون في اللفظ تقديم
وتأخير وحقيقته إذا ألحق به ويكون ولده فإن
عتق يوما ورثه وبالله التوفيق، انتهى. بلفظه
وفي قوله: "لأنهم يستحلون في دينهم الزنا"
دليل على أنه لو كان ممن لا يستحلون الزنا لا
يلحق بهم، وهو كذلك وقد نقله ابن عرفة إثر هذه
المسألة ونصه أبو عمر: كان عمر ينيط أولاد
الجاهلية بمن استلحقهم إذا لم يكن هناك فراش؛
لأن أكثر فعل الجاهلية كان كذلك، وأما اليوم
في الإسلام فلا يلحق ولد الزنا بمدعيه عند أحد
من العلماء كان هناك فراش أم لا. الباجي: كان
النكاح في الجاهلية على أربعة أضرب الأول:
الاستبضاع وهو أن يعجب الرجل نجابة الرجل
وسلبه فيأمر من تكون له من أمة أو حرة أن تبيح
له نفسها، فإذا حملت منه رجع هو إلى وطئها
حرصا على [النجابة وهذه]2
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الوصايا باب 4. كتاب
البيوع باب 3، 100. مسلم في كتاب الرضاع حديث
36، 38. أبو داود في كتاب الطلاق باب 34.
الترمذي في كتاب الرضاع باب 8. النسائي في
كتاب الطلاق باب 48. ابن ماجة في كتاب النكاح
باب 59. الدرامي في كتاب النكاح باب 41.
الموطأ في كتاب الأقضية حديث 20. أحمد في
مسنده (1/ 59، 65، 104) (4/ 186، 187، 238،
239) (5/ 267، 326) (6/ 129، 200، 237، 247).
2 ما بين حاصرتين ساقط من الأصل وهي زيادة
يقتصيها السياق.
(7/252)
وإن كبر
__________
الطريقة هي التي مال إليها ابن حيث1 قال: الذي
يفيده كلام الأئمة أن الخلاف إنما هو في النطق
لا نجابة الولد والثاني: أن تكون المرأة لا
زوج لها، فيغشاها جماعة، فإذا حملت دعتهم
وقالت لأحدهم هذا منك فيلحق به، ولا يمكنه
الامتناع، والثالث: البغايا كن يجعلن الرايات
على مواضعهن فيغشاها من شاء فإن استمر بها حمل
قالت لأحدهم هو منك فيلحق به، والرابع: النكاح
الصحيح أبطل الإسلام الثلاثة المتقدمة انتهى.
تنبيه: لم يشرح الشارحان قول المؤلف لكنه يلحق
به، وأما ابن غازي فقال: ظاهر هذا الاستدراك
أنه يلحق به مع بقاء رقه أو ولائه لحائزهما،
وهذا لا يقوله ابن القاسم هنا، وإنما نسبه ابن
يونس لأشهب، ثم ذكر كلامه المتقدم، ثم قال:
نعم قال ابن القاسم: نحو هذا في المدونة في
المسألة الآتية فيمن ابتاع أمة فولدت عنده،
فادعى البائع بعد عتق المبتاع الأم والولد
قال: هناك ألحقت به نسب الولد، ولم أزل عن
المبتاع ما ثبت له من ولائهما قال أبو الحسن
الصغير الفرق بينهما أنه في الأول لم يملك
أمه، فليس معه قرينة تصدقه بخلاف هذه. وفي بعض
نسخ هذا المختصر، فإنه لا يلحق به وهو كالحشو
ا هـ. ص: (وفيها أيضا يصدق، وإن أعتقه مشتريه
إن لم يستدل على كذبه) ش: قال في المدونة: بعد
نصها المتقدم في المسألة الأولى قيل لابن
القاسم في باب آخر أرأيت من باع صبيا ولد
عنده، فأعتقه المبتاع، ثم استلحقه البائع
أتقبل دعواه، وينقض البيع فيه، والعتق قال: إن
لم يتبين كذب البائع فالقول قوله قال ابن
يونس: قال سحنون: هذه المسألة أعدل قوله في
هذا الأصل انتهى. فظاهر هذا أنه مخالف لنصها
المتقدم أي في أمهات الأولاد في قولها:"ومن
استلحق صبيا في ملك غيره وبعد أن أعتقه غيره"
إلخ وكلام المصنف يقتضي أنه حمله على الخلاف،
وهو المفهوم من كلام ابن عرفة، فإنه قال: ولو
استلحقه بائعه بعد أن أعتقه مشتريه فقال ابن
القاسم: في أول الباب إن كذبه من أعتقه لم
يصدق، وقال بعده إن لم يتبين كذب البائع قبل
قوله، وهو قول غيره، وهو أشهب ورجحه سحنون
وقال هو أعدل قوله انتهى. وفرق أبو الحسن
بينهما بأنه في الأولى لم يملك أمه فليس معه
قرينة تصدقه بخلاف هذه ا هـ. وهذه التفرقة غير
ظاهرة لما سيأتي، ولو فرق بينهما بأن الأولى
لم يدخل العبد في ملكه، والثانية كان في ملكه
كان أبين، فإن جميع المسائل الآتية التي قال
فيها في المدونة: إنه يلحق به كان العبد أو
أمه في ملكه، فتأمله والظاهر حمله على الخلاف،
ـــــــ
1 كذا في الأصل: "مال إليها ابن حيث" وفيه سقط
واضح.
(7/253)
أو مات وورثه!
إن ورثه ابن،
__________
وهو المفهوم من كلام الرجراجي والقول الثاني
هو الظاهر، وهو الموافق لما سيأتي من كلام
المصنف، وهو المأخوذ من أكثر مسائل المدونة
قال فيها: ومن باع صبيا ولد عنده أو لم يولد
عنده، ثم استلحقه بعد طول الزمان لحق به ورد
الثمن إلا أن يتبين كذبه ا هـ. فظاهر هذا سواء
ملك أمه أو لا. وهذه المسألة هي التي أشار
المصنف إليها بقوله: "أو باع ونقض". ثم قال
فيها: ومن ابتاع أمة، فولدت عنده ما بينه وبين
أربع سنين، ولم يدعه فادعاه البائع، فإنه يلحق
به، ويرد البيع، وتعود أم ولد له إن لم يتهم
فيها، وإن ادعاه بعد عتق المبتاع للأم والولد
ألحقت به نسب الولد، ولم أزل عن المبتاع ما
ثبت له من ولائهما، ويرد البائع الثمن، وكذلك
إن استلحقه بعد موتهما، ولو عتقت الأم خاصة لم
أقبل قوله فيها وقبلته في الولد، ولحق به ورد
الثمن لإقراره أنه ثمن أم الولد، ولو كان
الولد خاصة هو المعتق لثبت الولاء لمعتقه
وألحقت الولد بمستلحقه، وأخذ الأم إن لم يتهم
فيها لدناءتها، ورد الثمن، وإن اتهم فيها لم
ترد إليه، وكذلك الجواب إذا باع الأمة وهي
حامل فولدت عند المبتاع فيما ذكرنا انتهى.
وهذه المسألة هي التي أشار إليها المصنف
بقوله: "وإن باعها، فولدت فاستلحقه" إلخ. وهو
قول المصنف: "ولحق به الولد مطلقاً" أي سواء
أعتق الأم والولد أو لم يعتقهما أو أعتق
أحدهما دون الآخر إلا أن قوله في المدونة في
هذه المسألة: "ألحقنا به نسب الولد، ولم أزل
عن البائع ما ثبت له من ولائهما" خلاف قوله في
المسألة الأولى إنه ينقض البيع والعتق فتحصل
من هذا أنه إذا استلحق من هو في ملك غيره أو
ولائه هل يصدق، ويلحق به أو لا؟ قولان، وعلى
القول بتصديقه وهو الظاهر فإن كان المستلحق من
ملك غيره لم يدخل في ملكه، فإنه يبقى في ملك
مالكه كما تقدم عن ابن رشد في سماع عيسى، وإن
كان هو البائع له، فإنه يلحق به، وينقض البيع
إن كان المشتري لم يعتقه، وإن أعتقه المشتري
فهل ينقض البيع والعتق أو لا؟ قولان. ويظهر من
كلام ابن رشد ترجيح القول بنقض البيع والعتق،
فإنه قال في آخر نوازل سحنون: وإذا استلحق
الولد الذي باع أمه، وكان ولد عنده ولم يكن له
نسب، وهو حي فلا اختلاف أنه يلحق به، ويفسخ
البيع فيه، ويرد إليه ولد أو أمه أو أم ولد
وإن كان الولد قد أعتق، وينقض العتق، وقيل:
إنه لا ينقض ا هـ. ولابن رشد كلام يأتي عند
قول المصنف: "وإن اشترى مستلحقه". ص: (وورثه
إن ورثه ابن) ش: ظاهره أن هذا الشرط إنما هو
في إرثه منه، وأما النسب فلا حق به، وهو كذلك
كما صرح به أبو الحسن في كتاب اللعان وذكر ابن
عرفة في كتاب اللعان في ذلك خلافا، وظاهر كلام
(7/254)
__________
المصنف أنه إنما يرثه إذا ورثه ابن ذكر وأنه
إذا ورثه بنت أو غيرها لم يرثه وهو خلاف ما
تقدم له في اللعان، فإنه قال: وورث المستلحق
الميت إن كان له ولد أو لم يكن له، وقل المال
وما قاله في اللعان هو الموافق لما في المدونة
وأبي الحسن في كتاب اللعان، ونص ما في المدونة
ومن نفى ولدا بلعان، ثم ادعاه بعد أن مات
الولد عن مال، فإن كان لولده ولد ضرب الحد
ولحق به وإن لم يترك ولدا لم يقبل قوله؛ لأنه
يتهم في ميراثه وحد ولا يرثه انتهى. قال أبو
الحسن: قال فضل بن مسلمة: إلا أن يكون المال
يسيرا قال غيره: أو يكون ولده عبدا، وهذا إنما
هو في الميراث، وأما النسب فلا حق؛ لأن إلحاق
النسب ينفي كل تهمة الشيخ وكان ينبغي على هذا
أن يرث ولكن سبق النفي إلى هذا الولد انتهى.
وقال ابن عرفة في باب اللعان بعد نقله كلام
المدونة: ظاهر كلامه المتقدم، ولو كان الولد
بنتا وذكر بعض المغاربة عن أحمد بن خالد أنه
قال: إن كان الولد بنتا لم يرث معها بخلاف
إقرار المريض لصديق ملاطف إن ترك بنتا صح
إقراره؛ لأنه ينقص قدر إرثها ابن حارث اتفقوا
فيمن لاعن، ونفى الولد، ثم مات الولد عن مال،
وولد فأقر الملاعن به أنه يلحق به، ويحد، وإن
لم يترك ولدا لم يلحق به، واختلف في الميراث
فقول ابن القاسم فيها يدل على وجوب الميراث،
وهو قوله: "إن لم يترك ولدا لم يقبل قوله
لتهمته في الإرث، وإن ترك ولدا قبل قوله؛ لأنه
نسب يلحق به". وروى البرقي عن أشهب أن الميراث
قد ترك لمن ترك، ولا يجب له ميراث وإن ترك
ولدا. وذكر أبو إبراهيم عن فضل إن كان المال
يسيرا قبل قوله، ثم قال وما ذكره ابن حارث من
الاتفاق على عدم استلحاقه إن كان الولد قد مات
مثله لابن المواز وابن القاسم وأصبغ وقال أبو
إبراهيم وغيره من الفاسيين: إنما يتهم إن لم
يكن له ولد في ميراثه فقط، وأما نسبه، فثابت
باعترافه انتهى، وقد صرح بذلك في نوازل سحنون
من كتاب الاستلحاق وقال في المسألة العاشرة
منها قول سحنون في ابن الملاعنة يهلك ويترك
ابنة وعصبة، ثم يستلحق الأب ابنة الميت قال
تلحق ابنة الميت بجدها ويرجع الجد على العصبة
بالنصف الذي أخذوا من ميراث ولده قال ابن رشد:
وهذا كما قال؛ لأن استلحاقه لابنة الميت الذي
لاعن به استلحاق منه لابنته، فهي تلحق بجدها،
وهي مثل ما في المدونة من أن الملاعن له أن
يستلحق ولده الذي لاعن به بعد أن مات، ولا
يتهم على أنه إنما استلحقه ليرثه إذا كان له
ولد، فكما لا يتهم مع الولد، وإن كان يرث معه
السدس، فكذلك لا يتهم مع الابنة، وإن كان يرث
معها النصف إذ قد يكون مال الذي ترك الولد
الذكر كثيرا، فيكون السدس عنده أكثر من نصف
مال الذي ترك الابنة انتهى. فحمل ابن رشد لفظ
الولد في المدونة على الذكر لكنه ساوى بينه
وبين الابنة في الحكم وظاهر كلام ابن غازي في
باب اللعان أنه لم يقف على كلام ابن رشد هذا،
وكذلك ظاهر كلام ابن عرفة.
فرع: ولو ورث المستلحق غير الابن والابنة لم
يصدق؛ لأن العلة في ذلك إنما هي أن استلحاقه
الميت استلحاق لمن ترك من الأولاد، وذلك يرفع
التهمة. وقد ذكر بعد هذه المسألة في
(7/255)
أو باعه! ونقض!
ورجع بنفقته إن لم تكن له خدمة على الأرجح،
وإن ادعى استيلادها بسابق، فقولان، فيها: وإن
باعها فولدت فاستلحقه: لحق ولم يصدق فيها، إن
اتهم بمحبة أو عدم ثمن أو وجاهة ورد ثمنها
ولحق به الولد مطلقا،
__________
نوازل سحنون فيمن باع عبدا، وأقام عند المشتري
حتى جنى عليه جناية مات منها، ثم استلحقه
البائع أنه يلحق به، ويرث منه إن كان له ولد،
فإن كان ولد الميت حرا ورث معه الأب المستلحق
حظه من الدية، وإن كان عبدا ورث جميع الدية
قال: لأن استلحاقه لولده بعد موته استلحاق
لولد ولده واستلحاق النسب يرفع التهمة في
الميراث انتهى. واستفيد من هذه المسألة
فائدتان: الأولى: منهما أن وجود ولد للميت
كاف، وإن كان محجوبا من الميراث وهو خلاف ما
قاله المصنف في باب اللعان، وقد اعترضه ابن
غازي والثانية أن كلام المدونة المتقدم إنما
هو في ابن الملاعنة، وكلام المصنف أعم من ذلك
وما في نوازل ابن سحنون موافق له والله أعلم.
ص: (ورجع بنفقته إن لم تكن له خدمة على
الأرجح) ش: قال في الشامل، وفي رجوع مبتاعه
بنفقته ثالثها الأرجح إن كانت له خدمة لم
يرجع، وإلا رجع انتهى. وفي معين الحكام مسألة
ويحكم على البائع بنفقته التي اعترف أنه باعها
وكسوتها إلى حين ردها؛ لأنه مقر أنه باع منه
من لا يجب عليه نفقته قاله سحنون وقال أبو
الحسن اللخمي: الظاهر من المذهب أنه لا شيء
على البائع من النفقة التي أنفقها المشتري مدة
بقائها عنده انتهى. ص: (ولم يصدق فيها إن اتهم
بمحبة أو عدم ثمن أو وجاهة) ش: قال ابن رشد
إثر كلامه المتقدم قوله هذا إلا أن يتهم في
الجارية بميل إليها أو زيادة في حالها أو يكون
مغرما، فتمضي بما ينوبها من الثمن، ويرد الابن
بما
(7/256)
وإن اشترى
مستلحقة والملك لغيره: عتق كشاهد ردت شهادته،
وإن استلحق غير ولد: لم يرثه إن كان وارث،
وإلا فخلاف
__________
ينوبه منه ويتبع به دينا في ذمته انتهى فقول
المصنف: "أو وجاهة" هو الذي أشار إليه ابن رشد
بقوله: "أو زيادة في حالها" وفي كلام ابن
الفرات ما يفهم منه أيضا أن المراد بالوجاهة
أن تكون الجارية وجيهة أي جميلة حسنة والله
أعلم. ص: (وإن اشترى مستلحقه والملك لغيره
عتق) ش: ليس في كلامه رحمه الله ما يدل على
أنه يلحق به، وقد صرح في المدونة بأنه يلحق
به.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أنه
يعتق عليه مطلقا وليس كذلك بل إنما يعتق عليه
حيث يصح استلحاقه، ولو على قول أما إذا تبين
كذبه فلا يعتق عليه قال في رسم باع غلاما من
سماع ابن القاسم من كتاب الاستلحاق في رجل
فارسي له غلام هندي قال هو ابني هل يصير حرا؟
قال مالك: ما ادعى من ذلك مما يعتقد الناس أنه
ليس بابنه ولا ولده، فهو أحق به قال ابن رشد:
هذا مما لا اختلاف فيه إذا استلحق من لا يشبه
أن يكون ابنه، وتبين كذبه، فلا يلحق به، وإنما
اختلف قول ابن القاسم إذا استلحق من يشبه أن
يكون ابنه، ولم يعلم ما يدعي من ملكه لأم
المستلحق أو تزويجه إياها فإن عرف ملكه إن
كانت أمة أو تزويجه إن كانت حرة وأتت لما يشبه
أن يكون منه، ولم يحزه غيره بنسب لحق به
باتفاق، فوجه يلحق به باتفاق، ووجه لا يلحق به
باتفاق، ووجه يختلف في إلحاقه به، وإذا لم
يلحق به في الموضع الذي يختلف في إلحاقه به
على القول بأنه لا يلحق به، فإنه يعتق عليه إن
كان عبدا له انتهى. ص: (كشاهد ردت شهادته) ش:
قال في كتاب الولاء من المدونة: ومن شهد على
رجل أنه أعتق عبده فردت شهادته، ثم ابتاعه منه
أو شهد على أبيه بعد موته أنه أعتق عبدا له في
وصية، فصار العبد له في قسمه أو أقر أنه بعد
أن اشترى عبدا أنه حر أو شهد أن البائع أعتقه،
والبائع ينكر أو قال: كنت بعت عبدي هذا من
فلان، فأعتقه وفلان يجحد ذلك، فالعبد في ذلك
كله حر بالقضاء وولاؤه لمن زعم أنه أعتقه
انتهى. ص: (وإن استلحق غير ولد لم يرثه إن لم
يك
(7/257)
__________
وارث، وإلّا فخلاف) ش: اعلم أنّ النّسخ اختلفت
في قول المصنّف إن لم يكن وارث، ففي بعض
النّسخ الصّحيحة "يكن" بلفظ المضارع وإسقاط
"لم" وكتب عليها صاحبها إنّها كذلك في نسخة
مقابلة على خطّ المصنّف وفي بعض النّسخ "إن
كان وارث" وهي صحيحة أيضا موافقة لما قبلها،
وهذا هو الموافق للنّقل، ولما قدّمه المصنّف
في فصل اختلاف الزّوجين. وفي بعض النّسخ "إن
لم يك" بثبوت "لم" وهي غير صحيحة؛ لأنّها
تؤدّي عكس المراد. والمعنى على
(7/258)
وخصه المختار
بما إذا لم يطل الإقرار،
__________
النّسخة الصّحيحة أنّ من استلحق غير ولد لم
يرث المستلحق الّذي هو غير ولد هذا الّذي
استلحقه إن كان هناك وارث وإن لم يكن هناك
وارث، فخلاف هذا الّذي فرضه أهل المذهب في
صورة هذه المسألة. وإن كان ظاهر كلام ابن
الحاجب عكس هذا فقد قال ابن عبد السّلام:
إنّما هذا إذا كان المقرّ ذا مال ومسألة
المؤلّف يعني ابن الحاجب بالعكس فتأمّل ذلك
انتهى، ولكنّ الّذي يظهر أنّه لا فرق بينهما؛
لأنّه إذا قال هذا أخي وصدّقه الآخر، فكلّ
منهما قد استلحق غير ولد، ولهذا تركوا الكلام
عليها، فتأمّل ذلك.
تنبيهات: الأوّل: ظاهر قوله: "وارث" أنّه إذا
كان له وارث معروف لم يرثه المستلحق، وإن كان
الوارث المعروف غير محيط بإرثه، وليس كذلك بل
الخلاف جار في ذلك أيضا قال ابن عرفة: إقرار
من يعرف له وارث محيط ولو بولاء بوارث لغو
اتّفاقا وإن لم يكن له وارث محيط أو كان ولم
يحط كذي بنت فقط ففي إعمال إقراره قولان: لابن
القاسم في سماعه من الاستلحاق مع ابن رشد عن
قوله فيها مع غيرها وسحنون في نوازله والباجيّ
عن مالك وجمهور أصحابه وأصبغ وأوّل قولي سحنون
وثانيهما مع أشهب انتهى. وعلم من هذا قوّة
القول بالإرث وإن كان المتيطيّ جعله شاذّا؛
لأنّ ابن عرفة إنّما عزا مقابله لقول سحنون
الثّاني: مع أشهب وعزا القول بالإرث للجماعة
المذكورين قبله، وقال في مختصر الحوفيّ: وبه
أفتى ابن
(7/259)
__________
عتّاب وقال به العمل وقال المتيطيّ: وهو شاذّ
واستحسنه بعض القرويّين في زمانه قائلا ليس
ثمّ بيت مال انتهى. ونصّ المتيطيّة فإن كان
المعروف النّسب ذا فرض لا يستوعب المال، فإنّه
يأخذ فرضه وما بقي لبيت مال المسلمين عند أهل
المدينة أو ردّ على الوارث المعروف عند من
يذهب إلى الرّدّ ولا شيء للمقرّ له إلّا في
قولة شاذّة وهي إحدى قولي ابن القاسم فإنّه
جعل ما بقي للمقرّ له إذا كان من العصبة
انتهى.
الثّاني: قال ابن عرفة: المعتبر في ثبوت
الوارث وعدمه إنّما هو يوم موت المقرّ لا يوم
الإقرار قاله أصبغ في نوازله ولم يحك ابن رشد
غيره انتهى ويشير إلى قوله في نوازل أصبغ من
كتاب الاستلحاق فإن أقرّ بأنّ هذا الرّجل
وارثه وله ورثة معروفون فلم يمت المقرّ حتّى
مات ورثته المعروفون الّذين كانوا يدفعون
المقرّ له أيجعل المال لهذا المقرّ له؟ قال:
نعم، لأنّه ليس هناك وارث معروف يدفعه فكأنّه
إنّما أقرّ له السّاعة، ولا وارث له انتهى.
الثّالث: ظاهر كلام المصنّف أنّ الميراث
للمقرّ له على القول به دون يمين، وهو كذلك
فإنّ ابن رشد قال في رسم باع غلاما من سماع
ابن القاسم من كتاب الاستلحاق: قد قيل إنّ
الميراث لا يكون إلّا بعد يمينه أنّ ما أقرّ
به المتوفّى حقّ ويقوم ذلك من كتاب الولاء
وذكر ابن سهل أنّ مالكا كان يفتي به نقله عنه
ابن عرفة وحصل في آخر كلامه في ذلك ثلاثة
أقوال يفصل في الثّالث بين أن يبيّن المقرّ
وجه اتّصاله بالمقرّ له في جدّ معيّن فلا يمين
أو لا يبيّن ذلك فيجب اليمين وقال في مختصر
الحوفيّ: وعلى القول بالقبول، فعلى المقرّ له
اليمين على حقيقة الإقرار وفاقا لابن العطّار
وابن مالك وخلافا لابن عتّاب وأنكر ذلك، ثمّ
أفتى فيمن أقرّت بابن عمّ أبيها في عقد، ولم
يرفع العاقد نسبها لجدّ واحد بيمين المقرّ له.
الرّابع: إذا بيّن المقرّ له وجه نسبة المقرّ
به إليه كقوله هذا أخي شقيقي أو لأب أو لأمّ
فواضح وإن أجمل قال ابن عرفة: ففي ذلك اضطراب
قال ابن رشد: والّذي أقول به في هذه المسألة
على مذهب ابن القاسم إذا قال فلان: وارثي ولم
يفسّر حتّى مات إنّ له جميع الميراث إن كان
المقرّ ممّن يظنّ به أنّه لا يخفى عليه من
يرثه ممّن لا يرثه، وأمّا الجاهل الّذي لا
يعلم من يرثه ممّن لا يرثه فقوله فلان وارثى
حتّى يقول: ابن عمّي أو ابن ابن عمّي أو مولاي
أو أعتقني أو أعتق أبي أو أعتق من أعتقني أو
ما أشبه ذلك، وكذا إن قال: فلان أخي قاصدا
للإشهاد له بالميراث كقوله أشهدكم أنّ هذا
يرثني أو يقال له هل لك وارث فقال: نعم هذا
أخي وشبه ذلك، وأمّا إن قال من غير سبب هذا
أخي أو فلان أخي ولم يزد على ذلك، فلا يرث من
ماله إلّا السّدس لاحتمال أن يكون أخا لأمّه،
ولو لم يقل فلان أخي أو هذا أخي، وإنّما سمعوه
يقول: يا أخي يا أخي لم يجب له بذلك ميراث؛
لأنّ الرّجل قد يقول أخي أخي لمن لا قرابة
بينه وبينه إلّا أن تطول المدّة السّنين، وكلّ
واحد يدعو صاحبه باسم الأخوّة أو العمومة
فإنّهما يتوارثان انتهى.
(7/260)
وإن قال لأولاد
أمته: أحدهم ولدي: عتق الأصغر، وثلثا الأوسط،
وثلث الأكبر.
__________
الخامس: فإن مات المقرّ له في حياة المقرّ،
ثمّ مات المقرّ وقام أولاد المقرّ له بهذا
الإقرار لم يجب لهم به ميراث المقرّ إذا لم
يقرّ إلّا للميّت إلّا أن يشهد أنّه لم يكن
باقيا في حين موته فولده المذكور بنو ابن عمّه
وورثه المحيطون بميراثه قاله في المتيطيّة
وذكر ابن عرفة المسألة في الاستلحاق عن ابن
سهل قائلا أفتى أكثر أهل بطليوس أنّ الولد يرث
المقرّ وإن غير واحد من أهل بطليوس وابن مالك
وابن عتّاب أفتوا بأنّه لا يرث واللّه أعلم.
السّادس: قال ابن رشد في رسم باع غلاما من
سماع ابن القاسم من كتاب الاستلحاق: لا يجوز
الإقرار بوارث إذا كان له وارث معروف النّسب
أو ولاء إلّا في خمسة مواضع الإقرار بولد أو
ولد ولد أو أب أو جدّ أو زوجة إذا كان معها
ولد فأمّا إذا أقرّ بولد، فيلحق به نسبه في
الموضع الّذي ذكرنا على اتّفاق واختلاف، وأمّا
إذا أقرّ بولد ولد، فلا يلحق به إلّا أن يقرّ
به الولد، فيكون هو مستلحقه أو يكون قد عرف
أنّه ولده، فيكون إنّما استلحق هو الولد،
وكذلك الولد إذا أقرّ بأب فلا يلحق به، ويرثه
إلّا إذا أقرّ به الأب، فيكون الأب هو الّذي
استلحقه، وأمّا إذا أقرّ بجدّ فلا يلحق به
إلّا أن يقرّ الجدّ بابنه، ويقرّ أبوه به
فيكون كلّ واحد منهما قد استلحق ابنه، وأمّا
إذا أقرّ بزوجة لها ولد أقرّ به فإقراره
بالولد يرفع التّهمة بالزّوجة، فترثه وإن لم
تثبت الزّوجيّة ولا عرفت وباللّه التّوفيق.
انتهى. وانظر كلام ابن سهل وكلام ابن رشد في
آخر كتاب الاستلحاق ومختصر الحوفيّ لابن عرفة.
السّابع: فإن أقرّ هذا المشهود لآخر أنّه
وارثه أو لا وارث له غيره بعد إقراره الأوّل
بطل الآخر أي الإقرار الثّاني قاله في
المتيطيّة.
الثّامن: إذا لم يكن هناك وارث معروف، ودفع
للمستلحق على أحد المشهورين الميراث، ثمّ جاء
شخص وأثبت أنّه وارث معروف، فإنّه يأخذ المال
من المستلحق المذكور. قاله في الجواهر واللّه
أعلم. ص (وإن قال لأولاد أمته أحدهم ولدي عتق
الأصغر وثلثا الأوسط وثلث الأكبر) ش: هكذا قال
سحنون: في نوازله من كتاب الاستلحاق وحصل ابن
رشد في شرحها أن الأصغر حر بلا خلاف، وفي
الأوسط والأكبر أربعة أقوال الأول ما في نوازل
سحنون وهو ما ذكره المصنف وقال: هو أضعف
الأقوال قال:؛ لأنا لا نحيط علما أن الميت لم
يرد ذلك، ولا يحتمله لفظه والثاني القرعة
والثالث: أنهما يعتقان أيضا للشك، وخرجه من
المسألة الثانية
(7/261)
وإن افترقت
أمهاتهم: فواحد بالقرعة،
__________
أعني قوله: "وإن أقر ميت بأن فلانة" إلخ.
واستظهره قلت: وظاهر كلام ابن رشد أنه غير
منصوص، وقد ذكره في النوادر وابن يونس عن ابن
عبد الحكم والرابع: أنه لا يعتق منهما واحد.
فرع: قال في نوازل سحنون: ولا يثبت النسب
لواحد منهم قال ابن رشد: ولا خلاف في ذلك.
فرع: قال فيها أيضا: ولا ميراث لواحد منهم قال
ابن رشد: فيه نظر والذي يوجبه النظر عندي أن
يكون حظ واحد من الميراث بينهم على القول
بأنهم يعتقون جميعا على ما قاله في المسألة
التي ذكرناها، وهو الصحيح إذ قد صح الميراث
لواحد منهم ولا يدري من هو منهم، فإن ادعاه كل
واحد منهم قسم بينهم بعد أيمانهم إن حلفوا
جميعا أو نكلوا، وإن حلف بعضهم اختص به دون
الناكل، وإن قالوا: لا علم عندنا كان الميراث
بينهم بعد أن يحلف كل واحد منهم أنه لا يعلم
من أراده الميت منهم على الخلاف في لحوق يمين
التهمة وإن عتق بعضهم يعني على القول به كان
له حظه من الإرث، ويوقف حظ من لم يعتق، فإن
عتق أخذه، وإن مات قبل أن يعتق رد إلى الورثة
انتهى مختصرا والله أعلم. ص: (وإن افترقت
أمهاتهم فواحد بالقرعة) ش: قال ابن رشد: ولا
يثبت نسب واحد منهم، ويكون الحكم في الميراث
(7/262)
وإذا ولدت زوجة
رجل وأمة آخر واختلطا عينته القافة، وعن ابن
القاسم فيمن وجدت مع ابنتها أخرى لا تلحق به
واحدة منهما،
__________
على قياس ما تقدم انتهى والله أعلم. ص: (وإذا
ولدت زوجة رجل وأمة آخر) ش: هذه المسألة في
أول نوازل سحنون من كتاب الاستلحاق وفرضها كما
فرضها المصنف في زوجة رجل وأمة آخر ولا خصوصية
لذلك. وقال ابن رشد: المسألة على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يدعي كل واحد منهما صبيا بعينه غير
الذي ادعاه صاحبه، ويلحقه بنفسه وينفي الآخر
عن نفسه، والواجب أن يلحق بكل واحد منهما من
ادعاه والثاني: أن يقول كل واحد منهما لا أدري
أيهما ولدي، والحكم في ذلك أن تدعى القافة ولو
أرادا في هذا الوجه أن يصطلحا على أن يأخذ كل
واحد منهما ولدا يكون ابنه مع كونه لا يدعي
علم ذلك لم يكن لهما ذلك بل تدعى القافة
والوجه الثالث: أن يدعيا جميعا صبيا واحدا
منهما يقول كل واحد منهما هذا ابني، ويتنازعان
فيه، وينفيان الآخر عنهما قال: والواجب في هذا
عندي على أصولهم أن تدعى له القافة أيضا إذ
ليس لهما أن ينفيا الآخر عن أنفسهما، وقد علم
أنه ابن أحدهما، والذي ادعياه جميعا ليس
أحدهما أولى به من صاحبه انتهى. ولا يعترض على
هذا بأن القافة لا يحكم بها في أولاد الحرائر
على المشهور كما ذكره ابن رشد في سماع أشهب من
كتاب الاستلحاق، وغيره؛ لأن العلة في ذلك هو
قوة الفراش في النكاح، فيلحق الولد بصاحب
الفراش الصحيح دون الفاسد، وذلك معدوم إذ لا
مزية لأحد الفراشين على الآخر لصحتهما جميعا،
والله أعلم.
فرع: قال البرزلي في مسائل النكاح والطلاق:
إذا فرض عدم القافة، فإنه إذا كبر الولد والى
أيهما شاء بمنزلة ما إذا أشكل الأمر فإن مات
قبل ذلك ورثاه، وإن ماتا ورثهما معا انتهى.
والله أعلم. ص: (وعن ابن القاسم فيمن وجدت مع
ابنتها أخرى لا تلحق به واحدة) ش:
(7/263)
وإنما تعتمد
القافة على أب لم يدفن وإن أقر عدلان بثالث
ثبت النسب وعدل يحلف معه ويرث ولا نسب وإلا
فحصة المقر. كالمال.
__________
كذا فعل ابن الحاجب لما ذكر المسألة الأولى
أتى بعدها بهذه، ونسبها لابن القاسم لكنه زاد
بعد قول ابن القاسم وقال سحنون: القافة فقال
في التوضيح كأنه أتى بهذا الفرع إثر الأول
إشارة إلى التعارض بينهما، فكأنه أشار إلى
التخريج يعني تخريج الخلاف من الثانية في
الأولى كذا قال ابن عبد السلام: قال في
التوضيح: وهو تخريج ظاهر والظاهر أنه لا فرق
بينهما انتهى. وما قاله ظاهر لا شك فيه والله
أعلم. ص: (وإنما تعتمد القافة على أب لم يدفن)
ش: تصوره ظاهر، واختلف أيضا في قصر القافة على
الولد الحي وعمومها فيه حيا أو ميتا قال ابن
عرفة: وفي قصرها على الولد حيا، وعمومها فيه
حيا وميتا سماع أصبغ ابن القاسم إن وضعته
تماما ميتا لا قافة في الأموات، ونقل الصقلي
عن سحنون إن مات بعد وضعه حيا دعي له القافة.
قلت: ويحتمل ردهما إلى وفاق؛ لأن السماع فيمن
ولد ميتا وقول سحنون: فيمن ولد حيا، ولم أقف
لابن رشد على نقل خلاف فيها انتهى.
فرع: قال في التوضيح: والمشهور أنه يكتفى
بالقائف الواحد وقيل لا بد من اثنين. ص: (وإلا
فحصة المقر كالمال) ش: أي وإن لم يكن المقر
عدلا، فإنما يرث هذا المقر به من حصة المقر
فقط، ولم يبين ما يأخذ منها اعتمادا على ما
سيقوله في باب الفرائض حيث يقول: وإن أقر أحد
الورثة فقط بوارث، فله ما نقصه الإقرار قال
ابن رشد في سماع عيسى من كتاب الاستلحاق: وهذا
هو المعلوم من قول مالك المشهور من مذهبه أن
الوارث إذا أقر بوارث لا يلزمه أن يدفع إليه
إلا ما زاد نصيبه في الإنكار على نصيبه في
الإقرار وإن نقص نصيب المقر في الإنكار أو لم
يزد على نصيبه في الإقرار مثل أن تقر الزوجة
بأخ، وما أشبه ذلك، فلا شيء
(7/264)
وهذا أخي، بل
هذا، فللأول نصف إرث أبيه وللثاني نصف ما بقي
وإن ترك أما وأخا فأقرت بأخ. فله منها السدس،
وإن أقر ميت بأن فلانة جاريته ولدت
__________
له، وفي ذلك خلاف في المذهب انتهى، وهذا الحكم
على القول المعروف من المذهب أن إقرار العدل
بالوارث كإقرار غير العدل لا يأخذ المقر به
إلا من حصة المقر فقط وهذا إذا كان المقر
رشيدا، وأما إن كان سفيها، فلا يؤخذ من حصته
شيء والله أعلم. ص: (كالمال) ش: تشبيه في أصل
المسألة أي إن شهد عدلان من الورثة بمال في
ذمة الميت ثبت، وإن شهد عدل حلف معه، وثبت،
وإن لم يكن عدلا ففي صحة الشاهد قال في كتاب
الشهادات من المدونة: وتجوز شهادة الوصيين أو
الوارثين بدين على الميت، وإن شهد لصاحب الدين
بذلك واحد من الورثة حلف معه إن كان عدلا،
واستحق حقه فإن نكل أخذ من شاهده قدر ما يصيبه
من الدين، وإن كان سفيها لم تجز شهادته، ولم
يرجع عليه في حصته بشيء انتهى. قال أبو الحسن:
قال عياض: ظاهره اشتراط الرشد في العدالة، وهو
قول أشهب وأن شهادة السفيه لا تجوز، ولو كان
عدلا في نفسه، وأجازها مالك وفي كتاب التفليس
في باب الشهادة على الميت بدين قبول شهادته،
وإن كان سفيها وتكررت هذه المسألة هنا، وفي
باب الشركة وفي المديان وفي الوصايا
(7/265)
منه فلانة ولها
ابنتان أيضا ونسيها الورثة، والبينة، فإن أقر
بذلك الورثة. فهن أحرار، ولهن ميراث بنت، وإلا
لم يعتق شيء. وإن استلحق ولدا ثم أنكره. ثم
مات الولد. فلا يرثه! ووقف ماله! فإن مات!
فلورثته! وقضي دينه! وإن قام غرماؤه وهو حي:
أخذوه.
__________
الأول، وهذه المسألة لا تخلو من أربعة أوجه:
عدل رشيد: يؤخذ منه ويؤخذ بشهادته عكسه سفيه
مسخوط لا يؤخذ منه؛ لأنه سفيه ولا يؤخذ به؛
لأنه مسخوط عدل سفيه لا يؤخذ منه، وهل يؤخذ به
قولان. رشيد غير عدل: يؤخذ منه ولا يؤخذ به
ولم أر فيه خلافا انتهى. كلام أبي الحسن والذي
مشى عليه المصنف في باب الشهادات أن شهادة
السفيه لا تجوز وقال أبو الحسن: قوله في
المدونة: "أخذ من شاهده قدر ما يصيبه من
الدين". هذا مذهب ابن القاسم، وأشهب يقول:
يأخذ جميع دينه من نصيب المقر إذ لا ميراث إلا
بعد أداء الدين بخلاف الوصية على قول أشهب إنه
يكون شريكا مع الورثة إذا حلف وإن نكل كان
شريكا للمقر وهذا في الوصية بالجزء وأما
بالعدد فكالدين انتهى. وانظر كتاب الوصايا من
النوادر وآخر كتاب الإقرار منها، فإنه عقد في
كل واحد منهما بابا لإقرار الوارث بأن صورته
أوصى بكذا أو عليه دين. ص: (فإن أقر بذلك
الورثة فهن أحرار) ش: يتنزل منزلة إقرار
الورثة إن تشهد البينة أنه قال: إحدى هؤلاء
الثلاثة ابنتي، ولم يسمها فالشهادة جائزة
باتفاق قاله ابن رشد في نوازل سحنون من كتاب
الاستلحاق والله أعلم. ص: (وإن استلحق ولدا،
ثم أنكره، ثم مات الولد، فلا يرثه ووقف ماله)
ش: هكذا قال في رسم يوصى من سماع عيسى من كتاب
الاستلحاق.
(7/266)
__________
وقال ابن رشد: وفي قوله، ووقف نظر والواجب أن
يكون جميع ميراثه لجماعة المسلمين؛ لأنه مقر
أن هذا المال لهم لا حق له معهم فيه؛ وهم لا
يكذبونه فلا معنى لتوقيفه إذ لا يصح أن يقبل
رجوعه فيه بعد موته برجوعه إلى استلحاق ابنه؛
لأنه قد ثبت لجماعة المسلمين ثبوته على إنكاره
إلى أن مات.
تنبيه: فإن مات الأب المستلحق قبل الابن ورثه
الابن بالإقرار الأول، والاستلحاق الذي سبق،
ولا يسقط نسبه بإنكاره بعد استلحاقه، ثم إن
مات الابن بعد ذلك ورثه عصبته من قبل أبيه
المستلحق له قاله ابن رشد في الرسم المذكور
وابن بطال في مقنعه ونص ابن بطال: وإن مات
المستلحق الأب قبل المستلحق، وورثه بالإقرار
الأول والاستلحاق الذي سبق، ولا يلتفت إلى
إنكاره بعد الاستلحاق انتهى. وقوله: "المستلحق
الأب" لو قدم "الأب" فقال: "الأب المستلحق"
لكان أوضح.
فرع: قال في المقنع: وإن استلحق الرجل رجلا
لحق به نسبا أولاد المستلحق، ومن نفى ولده، ثم
استلحقه ثبت نسبه منه انتهى.
فائدتان: الأولى: يجتمع لحوق الولد والحر في
خمس مسائل إحداها: الرجل تكون عنده الأمة،
فتلد منه، فيقر بعد الولادة أنه غصبها، فيلحق
به الولد؛ لأنه يتهم على قطع نسبه ويلزمه
الحد، الثانية: من اشترى أمة فولدت، ثم استحقت
بحرية، فذكر أنه علم أنها كانت حرة ووطئها بعد
ذلك، فيحد، ويلحق به الولد الثالثة من اشترى
جاريتين على أن له الخيار في إحداهما، فأقر
أنه اختار واحدة، ثم وطئ الأخرى، فإنه يحد،
ويلحق به الولد الرابعة: من اشترى جارية،
ووطئها فخاصمه ربها، فقال ادفع ثمن جاريتي
التي بعت منك، فيقول الواطئ إنما تركتها عندي
أمانة وديعة، فإنه يحد، ويلحق به الولد
الخامسة الرجل يتزوج بأم امرأته عالما بذلك،
فتلد منه، فإنه يحد، ويلحق به الولد انتهى من
معين الحكام. وذكرها في التوضيح في كتاب
الاستلحاق عند قول ابن الحاجب: "ويحد الواطئ
العالم والولد رقيق، ولا نسب له". وقال بعدها:
وليس ذكر هذه المسائل على سبيل الحصر بل
الضابط أن كل حد يثبت بالإقرار، ويسقط بالرجوع
عنه، فالنسب ثابت منه، وكل حد لازم بالرجوع
عنه فالنسب معه غير ثابت انتهى. وهذه الزيادة
أصلها لابن رشد في نوازله ذكر هذه المسائل
الخمس في المسائل المتعلقة بالنكاح، ثم ذكر
بعدها ما تقدم، ونقل الشيخ أبو الحسن كلامه في
الرجم وأشار إليه في كتاب القذف، وذكره أيضا
مختصرا في أمهات الأولاد، وزاد بعده ما نصه
الشيخ في محل الملك والنكاح وهو سياق كلامه
انتهى، وزاد أيضا هذا الكلام في كتاب الرجم،
وعدها في المسائل الملقوطة ثمانية ناقلا لها
عن ابن عبد السلام منها الخمس المذكورة
والسادسة الرجل يشتري جارية فيولدها، ثم يقر
أنها ممن تعتق عليه، وأنه عالم بذلك وقت
الشراء، ووقت الوطء. السابعة:
(7/267)
ـــــــ
الرجل يتزوج المرأة فتلد منه، ثم يقر أنه كان
طلقها ثلاثا، وارتجعها قبل أن تتزوج، وهو عالم
بأن ذلك لا يحل الثامنة: الرجل يتزوج المرأة
فيولدها، ثم يقر أن له أربع نسوة سواها، وأنه
تزوجها، وهو يعلم أن نكاح الخامسة حرام انتهى.
وقال في المسألة الخامسة: وهي الرجل يتزوج أم
امرأته عالما بذلك، فتلد منه قال ابن عبد
السلام: وهذا إنما يصح عندي إذا لم يعلم منه
أنه عالم بالتحريم إلا بعد تزويجها، وأما لو
علم منه أنه عالم بالتحريم قبل نكاحه إياها،
فهو زنا محض لا يلحق معه الولد انتهى. وذكر في
الذخيرة منها ست مسائل: ناقلا لها عن عبد الحق
عد الثانية والثالثة والخامسة والثامنة
والسادسة التي ذكرها عكس الرابعة، وهو أن يقول
اشتريتها، والسيد منكر، ولا بينة قال: فيحد هو
والجارية إن أقام السيد على إنكاره وعبر عن
المسألة الخامسة بأن يتزوجها ويقر أنه أولدها
عالما أنها ذات محرم بنسب أو رضاع أو صهر.
الفائدة الثانية: قال السهيلي في شرح السيرة
في حديث الإسراء: ومروره على النساء اللاتي
أدخلن على الرجال ما ليس منهم من الأولاد، فإن
بلغ الصبي وتابت أمه فأعلمته أنه لغير رشدة
ليستعفف عن ميراثهم ويكف عن الاطلاع على
عوراتهم أو علم ذلك بقرينة حال وجب عليه ذلك،
وإلا كان شر الثلاثة كما في الحديث في ابن
الزنا أنه شر الثلاثة، وقد يؤول على وجوه هذا
أقربها إلى الصواب انتهى. وقيل في تأويله أي
إذا عمل بعمل أبويه وفي آخر باب الزنا من
النوادر عن كتاب ابن حبيب قال الشعبي: ولد
الزنا خير الثلاثة إذا اتقى الله قيل له فقد
قيل إنه شر الثلاثة قال هذا شيء قاله كعب لو
كان شر الثلاثة لم ينتظر بأمه ولادته، وكذلك
قال ابن عباس وقال ابن مسعود إنما قيل شرهم في
الدنيا، ولو كان شرهم عند الله ما انتظر بأمه
أن تضع وقال عمر بن الخطاب: أكرموا ولد الزنا
وأحسنوا إليه وقال ابن عباس: هو عبد من عبيد
الله إن أحسن جوزي وإن أساء عوقب وقال عمر:
أعتقوا أولاد الزنا، وأحسنوا إليهم، واستوصوا
بهم ا هـ. وانظر حاشيتي على مناسك الشيخ خليل
عند قوله: "ولا بأس أن يحج بثمن ولد الزنا"
(7/268)
باب الإيداع
الإيداع: توكيل بحفظ مال
__________
باب
(الإيداع توكيل بحفظ مال) ش: قال ابن عرفة:
الوديعة بمعنى الإيداع، نقل مجرد حفظ
(7/268)
تضمن بسقوط شيء
عليها، لا إن انكسرت في نقل مثلها،
__________
ملك ينقل، فيدخل إيداع الوثائق بذكر الحقوق
ويخرج حفظ الإيصاء والوكالة؛ لأنهما لأزيد
منهما وحفظ الربع وقول ابن الحاجب كابن شاس
تابعين للغزالي استنابة في حفظ مال كخروجه
ويبطل عكسه ما دخل وطرده ما خرج وبمعنى لفظها
متملك: نقل مطلق حفظه، ينقل، وهو المستعمل في
عرف الفقهاء ولا يتناوله لفظ ابن شاس انتهى.
وقوله: "ينقل" صفة لقوله: "متملك" ولو قدم
"إليه" لكان أبين. ويدخل في حده استئجار حارس
لمتاع، ونحوه وإخراجه حفظ الربع من الوديعة
غير ظاهر قال في كتاب الهبة من المدونة وإذا
قلت قبضت وبعت في الأرض الغائبة لم يكن حوزا
وذلك كالإشهاد على الإقرار بالحوز إلا أن يكون
له في يديك أرض أو دار أو رقيق بكراء أو عارية
أو وديعة، وذلك ببلد آخر فوهبك ذلك، فإن قولك
قبلت حوز انتهى. وبهذا رد الوانوغي على ابن
عرفة فقال هذا ينقض قول ابن عرفة في مختصره
ردا على ابن الحاجب أن حفظ الربع ونحوه مما لا
ينتقل يبطل طرد حد ابن الحاجب قال: ودعوى اللف
والنشر في هذا المقام بعيد ا هـ. وقال
المشذالي: وجه النقض على ابن عرفة بمسألة
المدونة؛ لأن ظاهر قوله: "أو وديعة" راجع إلى
الأرض وما ذكر معها فصح كون الربع عنده مما
يصح إيداعه، فبطل اشتراط كون المودع مما ينقل،
فيكون إذ ذاك مراد الدخول لا مراد الخروج،
وأما قوله: "ودعوى الرد" إلى آخره، فهو
استبعاد لدفع مقدر تقديره أن يقال لا نسلم صحة
النقض، وقولكم: "إن وديعة راجع للجميع" ممنوع،
بل الكلام فيه لف ونشر فقوله: "عارية" راجع
إلى الأرض وقوله: "أو وديعة" راجع إلى الرقيق
وقال المشذالي: وهذا، وإن كان ممكنا إلا أنه
بعيد كما قال لكونه على خلاف الظاهر ولا دليل
يصرف عنه، فوجب الوقوف عنده انتهى. ولم يذكر
أحد إخراج العقار من حكم الوديعة والله أعلم
وحكمها قال ابن عرفة: هي من حيث ذاتها للفاعل
والقابل مباحة، وقد يعرض وجوبها كخائف فقدها
لموجب هلاكه أو فقده إن لم يودعها مع وجود
قابل لها يقدر على حفظها وحرمتها كمودع شيء
غصبه، ولا يقدر القابل على جحدها أو ردها
لربها أو للفقراء إن كان المودع مستغرق الذمة
ولذا ذكر عياض في مداركه عن بعض الشيوخ أن من
قبل وديعة من مستغرق ذمة، ثم ردها إليه ضمنها
للفقراء ابن شعبان من سأل قبول وديعة ليس عليه
قبولها، وإن لم يوجد غيره.
قلت: ما لم يتعين عليه قبولها بهلاكها إن لم
يقبلها مع قدرته على حفظها كرفقة فيها
(7/269)
__________
من يحترمه من أغار عليها أو ذي حرمة بحاضرة
تعرض ظالم لبعض أهلها وندبها حيث يخشى ما
يوجبها دون تحققه وكراهتها حيث يخشى ما يحرمها
دون تحققه انتهى، وانظر الذخيرة وفي مسائل
القابسي من البرزلي عن ابن المميسي أنه أتاه
رجل من جيرانه يشاوره أن أحد هؤلاء القوم يعني
الولاة أو الغصاب أراد أن يستودعه مائة دينار
وذكر أنه لا يجد منه بدا فقال له ابن المميسي
يا أخي إن كنت تقدر على غرمها فتأخذها منه
وتتصدق بها على المساكين فإن سألك فيها غرمتها
له، ثم ذكر له أن أصحاب سحنون سئلوا في كائنة
تونس أن رجلا ذهب له فيها شيء، وذهب له فيها
ذهب وثوب ديباج فرآه يوما في يد جندي فلم يشك
أنه ثوبه فاشتراه منه بسبع دنانير، ثم مضى
بالثوب، فلما فتحه إذا هو غير ثوبه، ثم قال:
فرجع إلى الجندي فقال: يا هذا إنما ظننت أنه
ثوبي، فلذلك اشتريته فقال له لا عليك ورد
الجندي يده إلى منطقته فصب منها دنانير فعد
منها سبعة فأعطاها له وانصرف قال: فلم يختلف
عليه أحد من أصحاب سحنون أن عليه أن يتصدق
بالدنانير وبقيمة الثوب أيضا قال الشيخ:؛ لأنه
رد الثوب إلى غير مالكه انتهى.
فرع: يجب حفظ الوديعة من التلف، ولو أذن ربها
في التلف، ويضمن إن فعل قال ابن سلمون: وفي
كتاب الاستغناء: إذا قال رب الوديعة للمودع:
ألقها في البحر أو في النار ففعل فهو ضامن
للنهي عن إضاعة المال كمن قال لرجل اقتلني أو
ولدي انتهى. ولا شك في الحرمة، وأما وجوب
الضمان ففيه نظر، والظاهر دخول الخلاف فيه
لإذن المالك في ذلك كمن أذن لرجل في قطع يده.
فرع: قال في كتاب الغصب من المدونة ومن غصب
شيئا، ثم أودعه، فهلك عند المودع، فليس لربه
تضمين المودع إلا أن يتعدى انتهى.
تنبيه: قال في اللباب: أركانها ثلاثة: الصيغة
والمودع والمودع أما الصيغة، فهي لفظ أو ما
يقوم مقامه يدل على الاستنابة في حفظ المال
انتهى. من الذخيرة قال الشافعي: تفتقر للإيجاب
والقبول كالوكالة وأصلنا يقتضي عدم الاشتراط
فيهما كما تقرر في البيع انتهى. قوله فيهما أي
في الإيجاب والقبول، ونزلت مسألة، وهي أن رجلا
كان جالسا، فجاء إنسان، فوضع أمامه متاعا، ثم
ذهب فقام الجالس وتركه، فذهب المتاع فالظاهر
ضمانه؛ لأن سكوته حين وضع المتاع يدل على
قبوله للوديعة والله أعلم. وقال ابن عرفة:
المودع من له التصرف في الوديعة بملك أو تفويض
أو ولاية كالقاضي في مال اليتيم والغائب
والمجنون والمودع من يظن حفظه، والأظهر أن
شرطها باعتبار جواز فعلها وقبولها حاجة
الفاعل، وظن صونها من القابل، فتجوز من الصبي
الخائف عليها إن بقيت بيده، وكذا العبد
المحجور عليه. ويجوز أن يودعا ما خيف تلفه بيد
مودعه إن ظن صونه بيد أحدهما لاحترامهما
وثقتهما كأولاد المحترمين وعبيدهم عند نزول
(7/270)
وبخلطها، إلا
كقمح بمثله، أو دراهم بدنانير
__________
بعض الظلمة ببعض البلاد ولقاء الأعراب
القوافل، والأصل في هذه النصوص الرأفة على حفظ
المال والنهي عن إضاعته. قال اللخمي: في
البخاري ومسلم: قال النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن إضاعة المال انتهى. ص: (إلا كقمح بمثله
ودراهم بدنانير) ش: قوله: "كقمح بمثله" شامل
لحفظ كل جنس بجنسه المماثل له حتى الدراهم
والدنانير بمثلها، وهي الصورة الأولى من
الصورتين المستثنتين من الضمان بخلط الوديعة
والثانية هي التي أشار إليها الشيخ بقوله:
"ودراهم بدنانير" وهي إذا خلط الجنس بغير جنسه
ولكن يمكن ميزه بسهولة قال في الجواهر: الثالث
من أسباب التقصير في الوديعة خلط الوديعة بما
لا يتميز عنه مما هو غير مماثل له كخلط القمح
بالشعير وشبهه فأما خلطها بجنسها المماثل لها
جودة ورداءة كحنطة بمثلها أو ذهب بمثله أو بما
يتميز عنه ولا يختلط به كذهب بورق فلا يضمن
انتهى. وفي المدونة من أودعته دنانير أو دراهم
فخلطها بمثلها، ثم ضاع المال لم يضمن، وإن ضاع
بعضه كان ما ضاع وما بقي بينكما؛ لأن دراهمك
لا تعرف من دراهمه ولو عرفت بعينها كانت مصيبة
دراهم كل واحد منه ولا يغيرها الخلط وإن
أودعته حنطة فخلطها بحنطة فإن كانت مثلها وفعل
ذلك بها على الإحراز والدفع، فهلك الجميع لم
يضمن، وإن كانت مختلفة ضمن، وكذلك إن خلط
حنطتك بشعير، ثم ضاع الجميع، فهو ضامن؛ لأنه
قد أفاتها بالخلط قبل هلاكها انتهى. ص:
(للإحراز) ش: قال ابن غازي: إنما ذكر هذا
القيد في المدونة في الصورة الأولى، وأما
الثانية فلم يذكره فيها أصلا انتهى. قال بعض
الناس: وهو خاص أيضا ببعض أفراد الصورة
الأولى، وهو الحنطة ومشابهاتها، وأما الدنانير
والدراهم، فلا يشترط فيهما الإحراز، وهذا ليس
بصحيح فقد قال أبو الحسن الصغير في قوله في
المدونة المتقدم: ومن أودعته دراهم أو دنانير
فخلطها يعني على وجه الإحراز والدفع لا على
وجه التمليك قاله أبو عمران في الطعام بعده
انتهى. ويعني والله أعلم بقوله: "قاله أبو
عمران في الطعام بعده" أن أبا عمران لما تكلم
على قوله في المدونة في الطعام وفعل ذلك بها
على وجه الإحراز قال: وكذلك الدنانير
والدراهم، فإن القاضي كذلك فعل في التنبيهات،
ونصه: قوله في خلط الحنطة إذا خلطها على وجه
الدفع للإحراز، فلا ضمان عليه.
تنبيه: إن خلطه بما يخلط إنما يضمنه إذا كان
لهذا وشبهه من النظر؛ لأن جمعها أحرز
(7/271)
للإحراز، ثم إن
تلف بعضه: فبينكما، إلا أن يتميز،
__________
لها من تفريقها وأرفق بها من شغل مخزنين بذلك
وكرائهما وحفظهما، وهو المراد بالدفع وإن
الخلط إذا كان لغير هذا من تعد أو أخذها لنفسه
أنه فيه ضامن، ولا فرق في هذا بين الطعام
والدراهم، وقوله: "لأن دراهم هذا تعرف من
دراهم هذا" يدل على أنها مختلفة، وإن خلط
الدراهم المختلفة لا يضمن فيها؛ لأنها تتميز،
وكذلك يجب لو خلط دنانير عنده وديعة بدراهم في
كيس لم يضمن، فتأمله تجده يدل على أن الإحراز
قيد في الصورتين معا والله أعلم. ص: (ثم إن
تلف بعضه فبينكما إلا أن يتميز) ش: يشير به
إلى ما تقدم عن المدونة قال اللخمي: وإذا خلط
الدراهم أو الطعام بمثله، ثم ضاع بعد ذلك كانا
شريكين في الباقي على قدر ما لكل واحد منهما،
ويتفق في هذا مالك وابن القاسم؛ لأنهما كانا
شريكين قبل الضياع بوجه جائز انتهى، ونقله ابن
عرفة وخلاف مالك وابن القاسم المشار له هو ما
ذكره في المدونة في تضمين الصناع ونصه قال ومن
اختلط له دينار مع مائة دينار لغيره، ثم ضاع
من الجملة دينار، فهما فيه شريكان صاحب
الدينار بجزء من مائة جزء وجزء، وقال ابن
القاسم وابن سلمة: لصاحب المائة تسعة وتسعون،
ويقتسمان الدينار الباقي ابن يونس ولو لم يبق
إلا دينار واحد لقسم بينهما نصفين على
قوليهما؛ لأن كل واحد يدعيه لنفسه انتهى. وقال
المشذالي في حاشيته على هذا المحل قال ابن سهل
ابن القاسم وابن أبي سلمة: وكذلك الشاة تختلط
بغنم فتبهم، ثم ذكر مسألتين إحداهما: من سماع
عيسى والثانية من سماع يحيى من كتاب الوديعة،
ثم ذكر مسألة من ألغاز ابن فرحون فراجعه والله
أعلم.
(7/272)
وبانتفاعه بها
أو سفره، إن قدر على أمين، إلا أن ترد سالمة.
__________
فرع: إذا خلط الوديعة بما لا يجوز خلطها به
وقلنا يضمن، فليس معناه أنه لا يضمن إلا إذا
تلفت، بل يضمنها بمجرد الخلط يتبين ذلك بما
قال اللخمي ونصه: وإذا كان عند رجل وديعتان
قمح وشعير، فخلطهما ضمن لكل واحد مثل ما خلط
له انتهى. ص: (وبانتفاعه بها) ش: انظر إذا
انتفع بها، وردها سالمة هل يلزمه كراء مثلها
أم لا، وسيأتي في أول الغصب
(7/273)
وحرم سلف: مقوم
ومعدوم، وكره النقد
__________
عن التنبيهات ما يدل على أن عليه الكراء
فراجعه. ص: (وحرم سلف مقوم ومعدم وكره النقد
والمثلي) ش: قال اللخمي وكالمقوم ما يكال أو
يوزن إذا كان يكثر اختلافه، ولا يتحصل أمثاله،
ثم قال بعد أن ذكر الاختلاف في القمح والشعير
والدراهم، وأرى أن ينظر إلى المودع فإن كان
يعلم منه أنه لا يكره ذلك فيما بينه وبين
المودع أو معه كرم طبع جاز، وإن كان يعلم منه
الكراهية لم يجز؛ لأنه لو حجر ذلك عليه من حين
الدفع أو قال لا حرج عليك إن تسلفتها لم يختلف
في أنه ممنوع من الانتفاع بها، وإن أشكل أمره
كره ذلك انتهى.
فرع: قال في الرسالة: وإن باع الوديعة وهي عرض
فربها مخير في الثمن أو القيمة يوم التعدي قال
الجزولي وغيره: وإن كان مكيلا أو موزونا فربه
مخير في الثمن أو المثل، وقال ابن يونس في
كتاب الوديعة: ولو كانت الوديعة طعاما أو سلعة
فرب الوديعة مخير إن شاء أغرمه مثل طعامه
وقيمة سلعته إن فات ذلك فإن لم يفت أخذه بعينه
وإن شاء أخذ ما أخذ
(7/274)
والمثلي:
كالتجارة، والربح له،
__________
فيها من ثمن أو جارية أو غيره انتهى، والله
أعلم. ص: (كالتجارة والربح له) ش: قال الشارح
في الوسط: أي وكذا تحرم التجارة الوديعة بغير
إذن ربها فإن تجر فربح كان الربح له. وقاله في
المدونة ونحوه في الشرح الصغير والذي في
المدونة إنما هو الكراهة كما هو ظاهر كلام
المصنف وعلى ذلك حمله في الكبير ويوجد ذلك في
بعض نسخ الوسط وهو الصواب ونص المدونة ومن
أودعته مالا فتجر به فالربح له، وليس عليه أن
يتصدق بالربح، ويكره التجارة الوديعة قال أبو
الحسن الصغير: وكذلك الوصي يتجر بمال الأيتام
إن الربح له بخلاف المبضع معه والمقارض قال
عبد الحق: الفرق بينهما أن المبضع معه
والمقارض إنما دفع المال إليهما على طلب الفضل
فيه، فليس لهما أن يجعلا ذلك لأنفسهما دون رب
المال والمودع لم يدخل على طلب الفضل، وإنما
أراد حفظها له، فله أصل المال دون الربح صح من
النكت الشيخ: والوصي أيضا إنما عليه حفظ مال
اليتيم انتهى. وفي المدونة ومن أبضع معه
ببضاعة يشتري بها شيئا، فتجر فيها، فإن تلفت
ضمن، وإن ربح فالربح للمالك بخلاف الوديعة؛
لأن المبضع طلب الربح فليس للمبضع معه قطعه
عنه ونقله إلى ملكه فإن تلف المال ضمن بتعديه
والمودع إنما قصد الحفظ فقط فلم يكن له من
الربح شيء انتهى. وفي أول كتاب القراض من
المنتقى ما نصه: ولم
(7/275)
وبرئ إن رد غير
المحرم إلا بإذن، أو يقول: إن احتجت فخذ فلا
يبرأ
__________
يختلف أصحابنا أن المبضع معه المال يبتاع به
لنفسه أن صاحب المال مخير بين أن يأخذ ما
ابتاع به لنفسه أو يضمنه رأس المال؛ لأنه إنما
دفع إليه المال على النيابة عنه في عرضه
وابتياع ما أمره به، فكان أحق بما ابتاعه،
وهذا إذا ظفر بالأمر قبل بيع ما ابتاعه فإن
فات ما ابتاعه به، فإن ربحه لرب المال وخسارته
على المبضع معه انتهى. ص: (وبرئ إن رد غير
المحرم) ش: هو كقول ابن الحاجب وإذا تسلف مالا
يحرم تسلفه، ثم رد مكانها مثلها، فتلف المثل
برئ على المشهور ابن عبد السلام قيد المسألة
بما لا يحرم تسلفه ليدخل فيه المكروه، ويخرج
منه العرض، وتسلف المعدم للعين، وفي خروج
المعدم من ذلك نظر؛ لأن ربها إنما يكره تسلفها
للمعدم خشية أن لا يردها أو يردها بعسر فإن
ردها، فقد انتفت العلة التي لأجلها منع من
تسلفها انتهى. ونحوه في التوضيح وقال في
المدونة ولو كانت أي الوديعة ثيابا فلبسها حتى
بليت أو استهلكها، ثم رد مثلها لم تبرأ ذمته
من قيمتها؛ لأنه إنما لزمه قيمة ذلك انتهى.
أبو الحسن مفهومه لو رد القيمة لبرئ، وليس
كذلك، فإن ذمته لا تبرأ سواء أوقف القيمة أو
المثل انتهى، والمشهور أنه يبرأ، وقيل لا يبرأ
ثالثها: يبرأ إن ردها بإشهاد ورابعها: يبرأ إن
كانت منثورة ولو كانت مصرورة ضمنها ولو ردها.
فرع: قال في التوضيح وعلى المشهور فلا يصدق
إلا بيمين قاله أشهب وكذلك هو في الموازية
انتهى. وقال ابن عرفة وعلى براءته في تصديقه
في ردها دون يمين أو بها ثالثها: إن تسلفها
بغير بينة صدق دون يمين وإلا لم يصدق لقول
الشيخ لم يذكر في المدونة يمينا مع قول الباجي
ظاهرها نفيها والشيخ عن محمد مع ابن الماجشون
في المنثورة والموازية، وذكر اللخمي
(7/276)
وضمن المأخوذ
فقط أو بقفل بنهي، أو بوضع بنحاس في أمره
بفخار، لا إن زاد قفلا، أو عكس في الفخار، أو
أمر بربط بكم فأخذها باليد: كجيبه على
المختار، وبنسيانها في موضع إيداعها.
__________
الثالث اختيارا له ولم أقف على من نص على
إخراج المعدم من البراءة إذا تلف النقد
والمثلي، ورده إلا ما يفهم من كلام ابن الحاجب
ولم ينبه على ذلك ابن عرفة ولا غيره. ص: (إلا
إن زاد قفلا) ش: قال ابن الحاجب: واقفل واحدا
فقفل اثنين قولان قال في التوضيح: القول بنفي
الضمان لابن عبد الحكم وهو الذي اقتصر عليه في
الجواهر وزاد إلا أن يكون في حاله إغراء للص
فيضمن، والقول بالضمان مال إليه ابن يونس، ولا
أعلمه منصوصا انتهى. وقال في الشامل: وبقفل
نهاه عنه واختير سقوطه لا إن لم ينهه أو زاد
قفلا إلا في حال إغراء اللص. ص: (وبنسيانها في
موضع إيداعها إلى قوله لا إن نسيها في كمه
فوقعت) ش: هو كقول
(7/277)
وبدخوله الحمام
بها، وبخروجه بها يظنها له فتلفت، لا إن نسيها
في كمه فوقعت ولا إن شرط عليه الضمان،
وبإيداعها وإن بسفر
__________
ابن الحاجب: ولو نسيها في موضع إيداعها، فقال
مطرف وابن الماجشون وابن حبيب عليه الضمان
بخلاف ما إذا نسيها في كمه، فلا ضمان عليه
وقيل سواء قال في التوضيح: يحتمل في نفي
الضمان، ولم أر ذلك في الأولى منصوصا نعم خرجه
جماعة من الثانية، وخرجه اللخمي وابن رشد من
المودع مائة دينار، فيدعيها رجلان، ونسي أيهما
أودعه، ومن اشترى ثوبين بالخيار من رجلين،
فاختلطا، ولم يدر لمن الجيد منهما، فقد اختلف
هل يضمن لهما أو لا شيء عليه؟ اللخمي والعذر
بالنسيان أبين؛ لأنه لا يعد بالنسيان مفرطا،
ويحتمل أن يريد بقوله سواء أي في الضمان لكن
لم أر من قال في الثانية بالضمان والله أعلم.
انتهى كلام التوضيح. ونقل ابن عرفة كلام ابن
حبيب ومطرف وابن الماجشون المتقدم، ونقل قبله
عن ابن شعبان ما نصه، ولو أودعه بالطريق فمضى
لحاجة قبل إحرازها، فضاعت ضمن ولو جعلها في
كمه ملقاة لم يكن حوزا انتهى. ثم قال ابن
عرفة: لما نقل كلام ابن حبيب ومطرف وابن
الماجشون قوله في سقوطها من كمه خلاف ما تقدم
في الزاهي وبه يفسر كلام ابن الحاجب انتهى.
وقال في الشامل ولو نسيها في محل إيداعها ضمن
على المنصوص، ثم قال: لا إن نسيها في كمه،
فسقطت على الأصح انتهى وقال ابن الفاكهاني في
شرح الرسالة: لما عد الأشياء التي توجب
الضمان، السابع: النسيان فلو نسيها في موضعه
الذي أخذها فيه ضمن عند ابن حبيب، وكذلك لو
نسيها، فجعلها في كمه، وهو يظن أنها له،
فتلفت، فهو ضامن وقال ابن عبد الحكم: إذا
نسيها في مجلسه، فضاعت لم يضمن قال: وهذا
الأصل مختلف فيه بين أصحابنا منهم من يجعل
نسيانه جناية، ومنهم من لا يرى ذلك انظر
الجواهر انتهى كلامه ونظرت الجواهر فلم أر
فيها شيئا مما ذكره والله أعلم. ص: (وبإيداعها
وإن بسفر) ش: يريد وإن لم يجد لها محملا معه
إلا أن يعلم صاحبها أنه لا يجد لها محملا على
مذهب المدونة خلافا لابن القاسم في أنه لا
ضمان عليه إذا لم يجد لها محملا معه قاله ابن
رشد في رسم شك من سماع ابن
(7/278)
لغير زوجة وأمة
اعتمدا بذلك
__________
القاسم من البضائع والوكالات، وفيه مسألة: من
أودع معه وديعة لبلد، فعرضت له إقامة في
الطريق قصيرة كالأيام، أو طويلة كالسنة أو
متوسطة كالشهرين، فإن بعثها في القصيرة ضمنها
وإن حبسها في الطويلة ضمنها، وهو في المتوسطة
مخير هذا الذي ارتضاه ابن رشد وجمع فيه بين
أقوال مالك وأصحابه. وفي نوازل أصبغ من الكتاب
المذكور مسألة تتعلق بهذا المعنى، فراجعها
وانظر الشيخ أبا الحسن وابن يونس في شرح قوله
في المدونة في كتاب الوديعة وإن قال الرسول لم
أجد الرجل فرددت إليك المال صدق قال هذا إذا
كان في البلد معه، وإن كان في غير البلد، فهو
متعد في الرد؛ لأن الواجب إذا لم يجده إيداعها
انظر بقية المسألة وفي النوادر من كتاب ابن
المواز من أبضع معه ببضاعة، فليس له أن يودعها
غيره، ولا أن يبعث بها مع غيره إلا أن تحدث له
إقامة في بلد، ولا يجد صاحبها ويجد من يخرج
إلى حيث أمر صاحبها فله توجيهها، ثم قال: قال
مطرف: ولو قال الآمر: قد أمرتك أن لا تخرج من
يدك، ولا تدفعها إلى غيرك، وأنكر ذلك المأمور
فالمأمور مصدق، وإن لم تقم بينة وقاله ابن
الماجشون وأصبغ وقال: قال مطرف فيه: ولو اجتهد
في أنه أمين، فإذا هو غير أمين فالضمان عليه
انتهى، ونص على هذا الأخير ابن رشد في رسم
أوصى من سماع عيسى من الرهون وتقدم كلامه،
وأما قوله: "أن المأمور مصدق" فليس بمخالف لما
قاله المصنف في باب الوكالة والقول لك إن ادعى
الإذن أو صفة له، وقد نص في سماع أصبغ من كتاب
الوديعة على أن القول قول رب الوديعة. ونقل
المسألة في الذخيرة ولم يحكيا خلافا والله
أعلم. ص: (لغير زوجة وأمة اعتيدتا بذلك) ش:
يعني فلا ضمان عليه وعكس المسألة نص عليه
المشذالي في حاشيته ونصه قوله، فدفعه لزوجته
انظر العكس قال الوانوغي: قال عياض: كان أبو
جعفر يفتي بعدم ضمانها إذا ضاعت عنده كما لا
يضمن هو ما ضاع عندها، وقال غيره تضمن هي ولا
يضمن هو، وهو ظاهر المدونة المشذالي ما حكاه
الوانوغي عن عياض ذكره في المدارك وأبو جعفر
المشار إليه هو أحمد بن داود الصواف من علماء
إفريقية انتهى، وأشار ابن ناجي في شرح الرسالة
إلى هذا
(7/279)
إلا لعورة
حدثت، أو لسفر عند عجز الرد، وإن أودع بسفر،
ووجب الإشهاد بالعذر، وبرئ إن رجعت سالمة
وعليه استرجاعها إن نوى الإياب وببعثه بها،
__________
فرع: رجل طلع إلى سقف، فقال لصاحب الحانوت:
احبس لي هذا الفرو حتى أهبط، فاحتاج صاحب
الحانوت إلى القيام، فقال لرجل آخر انظر
الحانوت والفرو حتى آتي فضاع الفرو فأجاب
الفقيه أبو الوليد هشام بن أحمد على صاحب
الحانوت الضمان، وهذا يأتي على الوديعة إذا
أودعها غيره أنه ضامن إلا أن يكون عند إرادة
سفر قاله في مسائل ابن الحاج، ونقله ابن سلمون
عنها.
فرع: منها رجل حمل بضاعة لرجل، فجاء إلى موضع
خوف في الطريق، فحبسها بيده،
(7/280)
وبإنزائه عليها
فمتن، وإن من الولادة كأمة زوجها فماتت من
الولادة، وبجحدها، ثم في قبول بينة الرد خلاف
وبموته ولم يوص، ولم توجد، إلا لكعشر
__________
ثم نزل يبول فوضعها في الأرض، ثم قام ونسي، ثم
تذكر فرجع إلى الموضع، فلم يجدها أو لا يدري
أين وضعها فقال ابن الحاج: أفتيت أنا وابن رشد
بأنه ضامن وذكر لي عن الباجي أنه أفتى بأنه لا
يضمن انتهى، والله أعلم. ص: (وبإنزائه عليها)
ش: تصوره واضح قال ابن ناجي في شرح الرسالة
ولو ختن المودع علجا أسلم عنده وهو يطيقه فمات
من ذلك، فإنه ليس بتعد اتفاقا وسواء قلنا
الختان سنة أو واجب قاله شيخنا أبو مهدي انتهى
والله أعلم. ص (وبموته ولم يوص بها ولم توجد
إلا لكعشر سنين) ش: هذا فيما إذا لم تكن
الوديعة بإشهاد مقصود به التوثق وأما إن كانت
كذلك، فلا يسقط الضمان بطول الزمان كما نبه
عليه ابن عرفة،
(7/281)
سنين، وأخذها
إن، ثبت بكتابة عليها أنها له أن ذلك خطه، أو
خط الميت، وبسعيه بها لمصادر، وبموت المرسل
معه لبلد، إن لم يصل إليه، وبكلبس الثوب،
وركوب الدابة،
__________
واعترض على إطلاق ابن الحاجب وعلى سكوت شارحيه
عليه والله أعلم. ص: (وأخذها إن ثبت بكتابة
عليها أنها له إن ذلك خطه أو خط الميت) ش:
فاعل "ثبت" هو قوله: "إن ذلك خطه" و"بكتابة"
متعلق بـ"أخذها" ولو أخره لكان أبين وتقديره:
وأخذها بكتابة عليها أنها له
(7/282)
والقول له أنه
ردها سالمة، إن أقر بالفعل، وإن أكراها لمكة
ورجعت بحالها، إلا أنه حبسها عن أسواقها: فلك
قيمتك يوم كرائه ولا كراء أو أخذه وأخذها،
وبدفها مدعيا أنك أمرته به، وحلفت وإلا حلف
وبرئ، إلا ببينة على الآمر ورجع على القابض،
__________
إن ثبت أن ذلك خطه أو خط الميت. ص: (وبدفعها
مدعيا أنك أمرته به وحلفت وإلا حلف وبرئ إلا
ببينة على الآمر) ش: قال في كتاب الوديعة من
المدونة ومن أودعته وديعة، فادعى أنك أمرته
بدفعها إلى فلان ففعل وأنكرت أنت أن تكون
أمرته فهو ضامن إلا أن تقوم لك بينة أنك أمرته
بذلك قال أبو الحسن: قال سحنون: ويحلف ربها
فإن نكل حلف المودع وبرئ قال أشهب: سواء
أودعته ببينة أو بغير بينة صح من عياض وفي
المبسوط عن مالك إن لم يشهد ربها عليها بها
صدق الرسول أنه أمره بذلك، ويحلف وفي كتاب ابن
حبيب لعبد الملك إن الرسول مصدق بكل حال كان
دينا أو صلة أنكره القابض أو أقر به إلا أن
يقول له اقض عني فلانا دينه علي فيضمن إن لم
يشهد انتهى.
فرع: فلو مات المودع وادعى المودع أنه أمره
بدفعها إلى فلان، فإنه يضمن ويحلف الورثة على
العلم قال في المدونة في كتاب الصدقة: ولو
دفعت في الصحة مالا لمن يفرقه في سبيل الله أو
في الفقراء، ثم مت أنت قبل إنفاذه، فإن أشهدت
فإنه ينفذ ما فات وما بقي، فهو من رأس المال،
فإن لم يشهد فالباقي لورثتك، ولو فرق باقيه
بعد موتك ضمن البقية لوارثك قال أبو الحسن:
قال عياض: معناه أن الورثة مقرون بذلك، ولو
نازعوه لضمن ما فرق، وما بقي إن كان لم يشهد
بعد أن يحلف منهم من يدعي علمه ممن يظن به ذلك
الشيخ أي نازعوه أن الميت لم يأمره بذلك
انتهى.
(7/283)
__________
فرع: قال في المسائل الملقوطة: لا يجوز دفع
الوديعة بأمارة أو بكتابة فإن فعل، وجاء
المودع فأنكر حلف ما أمره ولا كتب بذلك إليه،
وأنه لا حق له عليه وضمنها مثلها أو قيمتها،
ثم يرجع المودع على القابض منه ولا يمنعه من
ذلك تصديقه فيما أتى به ولا معرفته بصحة ما
جاء به وشهادته بذلك قاله ابن سهل في كتاب
الإقرار انتهى. وذكر المسألة في موضع ثان، ثم
قال: وكذلك المحال عليهم والوكيل حكمهم كذلك،
ولا يجبروا بالدفع إلا ببينة على المرسل
انتهى. وذكر المسألة اللخمي في كتاب الوديعة
بأتم من هذا ونصه، وليس على المودع أن يسلم
الوديعة بأمارة المودع ولا بكتابته وإن اعترف
المودع أنه خطه إلا أن يثبت الرسول عند الحاكم
أنه خط المودع قال في كتاب محمد: لأن صاحب
الحق لو كان حاضرا لم يجب له أخذها حتى يشهد
له بما يبرأ به يريد أن من حقه الإبراء
وإشهاده على القبض؛ لأنه لا يبرأ إذا جحد
المودع إلا أن يعترف المودع أنه رضي لصاحبها
بتسليمها بذلك أو رضي الآن بتسليمها، فيلزم ما
رضي به، وإن رضي أن يدفعها إلى الرسول بغير
إمارة ولا كتاب الوديعة عين والمودع موسر جاز
رضاه، وألزم ما ألزم نفسه من ذلك، فإن أنكر
المودع أن يكون أرسله قام المودع بالمثل، ولم
يكن على صاحبها في ذلك ضرر وإن كانت عرضا أو
غير ذلك مما لا يقضى على متلفه بالمثل أو عينا
والمودع معسر لم يجز، ورد رضاه؛ لأن في ذلك
ضررا على صاحبها إن قال: لم أبعث إلا أن يكون
الرسول ثقة مأمونا ممن يغلب على الظن صدقه،
فيمكن من قبضها، ويلزم الآخر ما رضي به وإن
أوقع الدفع بأمارة أو بكتاب من غير ثبت أو
بقول الرسول خاصة، ثم قدم المودع فأنكر أن
يكون بعثه كان القول قوله مع يمينه أنه لم
يبعثه ولا كتب، ثم يكون بالخيار بين أن يغرم
الرسول أو المودع فإن غرم الرسول لم يرجع بها
على المودع واختلف إذا أغرمها المودع هل يرجع
بها على الرسول؟ فقال ابن القاسم في المدونة:
إذا صدق الرسول ودفع إليه، ثم قدم الغائب
وأنكر وغرم المودع كان له أن يرجع بها على
الرسول وقال أشهب في مدونته: لا يرجع بها وقال
محمد بن المواز إذا دفع بالكتاب أو بأمارة، ثم
أنكر المودع كان له أن يرجع على القابض، وعلى
قول أشهب أنه لا يرجع وإن قال المودع: أمرتني
أن أدفعها إلى فلان وصدقه عليه، وأنكر صاحبها
ذلك وأن يكون أذن له في خروجها عن يده كان
القول قوله مع يمينه، ثم يغرمها أيهما أحب فإن
رجع صاحبها على متلفها لم يرجع به الغارم على
الرسول واختلف إذا رجع صاحبها على الرسول هل
يرجع الرسول على من قبضها منه فعلى قول أشهب
لا يرجع عليه، وقال عبد الملك يرجع، وأرى
الرجوع في هذه الأسئلة الأربعة مفرعا، فيسقط
رجوعه في كل موضع يعترف المودع أن القابض قبض
بوجه صحيح، وأن المودع ظالم في إغرامه، ويرجع
في كل موضع يكون من القابض على شك هل قبض بوجه
صحيح أم لا فإذا كان دفعه بخط المودع أو
بأمارة أو بقوله: "ادفعها صدقة عليه" لم يرجع،
وإن كان دفعه بقول القابض أرسلني إليك رجع؛
لأنه يقول حملت قولك على أنه مصدق
(7/284)
وإن بعثت إليه
بمال، فقال: تصدقت به علي وأنكرت: فالرسول
شاهد وهل مطلقا؟ أو إن كان المال بيده؟
تأويلان.
__________
لك ولو علمت أن المودع يخالفك لم أدفع إليك
شيئا انتهى. ص: (وإن بعثت إليه بمال فقال
تصدقت به علي وأنكرت فالرسول شاهد وهل مطلقا
أو إن كان المال بيده تأويلان) ش: قال في كتاب
الوديعة من المدونة: وإن بعثت إليه بمال فقال
تصدقت به علي وصدقه الرسول وأنت منكر للصدقة،
فالرسول شاهد يحلف معه المبعوث إليه ويكون
المال صدقة عليه قال كيف يحلف ولم يحضر؟ قال
كما يحلف الصبي إذا كبر مع شاهده في دين أبيه
انتهى. قال أبو الحسن: قوله "كيف يحلف" نقله
ابن يونس قيل لمالك كيف يحلف وانظر جعله يحلف
هنا، وهل هي يمين غموس أو إنما يحلف إذا تحقق
ذلك عنده أو غلب على ظنه واختلف هل يحلف على
غلبة الظن؟ على قولين ذكرهما اللخمي في كتاب
الشهادات انتهى.
فرع: قال في الشهادة من المدونة: ومن أودعك
وديعة فشهدت عليه أنه تصدق بها على فلان أو
أقر له بها حلف فلان مع شهادتك واستحقها إن
كان حاضرا وإن غاب لم تجز شهادتك إن كانت
غيبته تنتفع أنت في مثلها قال أبو الحسن فإن
كانت غيبة لا تنتفع في مثلها جازت الشهادة
لارتفاع التهمة انتهى. قال في النكت: سألت بعض
شيوخنا من أهل بلدنا فقلت أرأيت إن قال
للسلطان خذها من يدي لا أريد إمساكها فقال: إن
كان ذلك حين أتى يشهد قال للحاكم إن فلانا
أودعني كذا وكذا، وقد تصدق به على فلان الغائب
فخذه فشهادته جائزة، وإن شهد، ولم يذكر ذلك،
ثم أتى يقول هذا فيتهم أن يقول هذا لينفي
الظنة عنه التي قد أبطلت شهادته انتهى. قال
أبو الحسن: ولو قدم الغائب، فأراد أن يقوم
بشهادته قال
(7/285)
وبدعوى الرد
على وارثك. أو المرسل إليه المنكر:
__________
ابن شعبان: لا تقبل؛ لأنها قد ردت انظر اللخمي
انتهى ص: (وبدعوى الرد على وارثك) ش: قال ابن
الحاجب: ولو ادعى الرد على الوارث لم يقبل
وكذلك دعوى وارث المودع؛ لأنهما لم يأتمناه
كاليتيم ابن عبد السلام وإذا كان الحكم كذلك
في الصورتين فأحرى أن يكون كذلك لو مات المودع
ورب الوديعة معا وادعى وارث المودع رد الوديعة
إلى وارث ربها انتهى وقال ابن عرفة: الشيخ عن
الموازية: إن قال المودع أو العامل رددنا
المال لوصي الوارث لموت رب المال لم يصدقا إلا
ببينة أو إقرار الوصي، ولو كان قبضهما بغير
بينة؛ لأنهما دفعا لغير من قبضا منه انتهى.
وفي الجواهر أما دعوى الرد على غير من ائتمنه
كدعوى الرد على وارث المالك أو وكيله فلا تقبل
إلا ببينة، وكذلك دعوى وارث المودع على الملك
تفتقر إلى البينة، وسواء قبض في جميع هذه
الصور الثلاث ببينة أو بغير بينة انتهى ص: (أو
المرسل إليه المنكر) ش: قال في الوديعة من
المدونة وإن دفعته إليه مالا ليدفعه إلى رجل
فقال: دفعته له وأنكر ذلك الرجل فإن لم يأت
الدافع ببينة ضمن ذلك قبض ذلك منه ببينة أو
بغير بينة ولو شرط الرسول أن يدفع المال إلى
من أمرته بغير بينة لم يضمن، وإن لم تقم له
بينة بالدفع إذا ثبت هذا الشرط قال أبو الحسن
الصغير في شرحه الكبير مفهومه لو أقر أبرئ
الدافع انتهى. قال في المدونة بعد ذلك بيسير
ومن بعث معه بمال ليدفعه إلى فلان صدقة أو صلة
أو سلفا أو من ثمن مبيع أو ليبتاع لك بها سلعة
فقال دفعته وكذبه الرجل لم يبرأ الرسول إلا
ببينة قال أبو الحسن الصغير ومفهوم قوله:
"فأكذبه" أنه لو صدقه أبرئ وظاهره يعم جميع
الصور، وذكر فيها السلف وفيه من أمانة إلى ذمة
أما إن كان قائم الذمة، فلا إشكال أنه يبرأ
وإن كان
(7/286)
__________
خرب الذمة، فعلى ما تقدم، وعلى الصلة أو ثمن
السلعة، فلا إشكال أنه يبرأ بتصديقه انتهى.
وقوله: "على ما تقدم" يشير إلى كلام ابن رشد
وسيأتي إن شاء الله ملخصاً. وقال في المدونة:
بعد هذا وإن بعت من رجل ثوبا وبعثت معه عبدك
أو أجيرك ليقبض الثمن فقال قبضته وضاع مني فإن
لم تقم للمشتري بينة بالدفع إلى رسولك ضمن
بخلاف من دفعت إليه مالا ليدفعه إلى رجل، فقال
دفعته إليه بغير بينة، وصدقه الرجل هذا لا
يضمن. قال أبو الحسن: ظاهره قبض ذلك إلى أمانة
أو اقتضى من حقه عياض اختلف في تأويلها فقال
ابن لبابة وغيره: إن معنى المسألة أنه إذا
صدقه المبعوث، فهو مصدق والرسول بريء سواء كان
القابض لها قبضها من حق أو وديعة، وهو ظاهر
الكتاب وعليه اختصر أكثرهم وهو بين في كتاب
ابن حبيب وقال حمديس: إنما يجب على أصله فيما
أقر به المبعوث إليه من حقوقه أو على وديعة هي
قائمة في يده، وأما التي أقر بقبضها، وادعى
تلفها أو جحد القبض، فلا يبرأ الرسول إلا
ببينة على الدفع وقاله جماعة من نظار الأندلس
ولفظه في الكتاب محتمل أن يكون "من حق أو
وديعة" انتهى. ونقل ابن عرفة هذين التأويلين
عن عياض أيضا والله أعلم وقال في المقدمات: من
دفع الوديعة إلى غير اليد التي دفعتها إليه
فعليه ما على ولي اليتيم من الإشهاد فإن لم
يشهد فلا يصدق في الدفع إذا أنكر القابض، ولا
أحفظ في هذا الوجه نص خلاف إلا ما قاله ابن
الماجشون فيمن بعث ببضاعة إلى رجل مع رجل أنه
لا يلزمه الإشهاد في دفعها إليه وهو مصدق، وإن
أنكر القابض كانت دينا أو صلة ويمكن أن يكون
قول ابن القاسم مثله بالمعنى في مسألة اللؤلؤ
الواقعة في كتاب الوكالات فإن أقر بالقبض،
وادعى التلف، فلا يخلو إما أن يكون قبض إلى
أمانة أو إلى ذمة، فإن كان قبض إلى أمانة،
فاختلف في ذلك قول ابن القاسم فقال فيها مرة:
يبرأ الدافع بتصديق القابض وتكون المصيبة من
الآمر، وهو قوله في الكتاب وقال مرة: لا يبرأ
الدافع إلا بإقامة البينة على الدفع أو يأتي
القابض بالمال وهو قوله في كتاب ابن المواز
وأما إن قبض إلى ذمة مثل أن يقول له ادفع
الوديعة التي لي عندك إلى فلان سلفا أو تسليفا
في سلعة أو إلى صانع يعمل فيها عملا، فإن كانت
الذمة قائمة فإن الدافع يبرأ بتصديق القابض
بلا خلاف وأما إن كانت الذمة خربة فاختلف في
ذلك قيل إن الدافع يبرأ بتصديق القابض، وهي
رواية عيسى عن ابن القاسم وقيل إنه لا يبرأ من
تصديقه إياه لخراب ذمته
فصل:
وهذا التقسيم كله في دفع الأمانة وأما ما يثبت
في الذمة فإن دفع ذلك إلى أمانة، فإنه لا يبرأ
بتصديق القابض إذا ادعى التلف، ولا يبرأ إلا
بإقامة البينة على معاينة الدفع أو يأتي قابض
المال به هذا نص ما في المدونة، ولا أعرف في
هذا خلافا إلا أن يدخله الخلاف بالقياس على
الأمانة، وإن دفع إلى ذمة فإن كانت قائمة،
فإنه يبرأ بتصديق القابض باتفاق، وإن كانت
(7/287)
__________
خربة، فإنه لا يبرأ بتصديق القابض إذا ادعى
التلف إلا أن يقيم بينة على الدفع هذا الذي
يصح عندي على مذاهبهم ولا أعرف فيها نص خلاف
إلا أن يدخلها الخلاف بالقياس على الأمانة،
فهي أربعة وجوه دافع من ذمة إلى ذمة ومن أمانة
إلى أمانة ومن ذمة إلى أمانة ومن أمانة إلى
ذمة انتهى مختصرا لكنه بلفظه والله أعلم. وقول
ابن رشد: "إذا دفع من ذمة إلى أمانة لا يبرأ
بتصديق القابض إذا ادعى التلف" يريد والله
أعلم في غير الوكيل المفوض قال ابن الحاجب:
أما لو لم يمت وأكذبه لم يصدق إلا ببينة ولو
صدقه المرسل إليه في قبضها منه ابن عبد السلام
يريد، فلو لم يمت الرسول أو دفع الوديعة إلى
من أمره بدفعها إليه، وضاعت وأنكر ربها فإنه
لا يصدق في دفعها إليه حتى يقيم البينة على
معاينة الدفع، فإن لم يقمها ضمن سواء صدقه
المرسل إليه في قبضها منه أو لم يصدقه في ذلك
انتهى فقول المصنف المنكر مفهومه أنه لو لم
يكن منكرا لا يضمن وكأنه اعتمد ما تقدم عن
المدونة وما نسبه ابن رشد لابن القاسم فيها
وترك ما مشى عليه ابن الحاجب لقوة الأول، ولا
منافاة على هذا بين ما قال هنا وبين ما قاله
في باب الوكالة، ولو قال غير المفوض قبضت وتلف
برئ، ولم يبرأ الغريم إلا ببينة؛ لأن ما قاله
في الوكالة محمول على القسم الثالث في كلام
ابن رشد، وهو الدفع من ذمة إلى أمانة الذي صرح
بنفي الخلاف فيه بدليل قول المصنف "الغريم"
ولذا قال الشارح هناك: يريد إذا قال الوكيل
المخصوص قبضت ثمن ما بعت إلخ فتأمل ذلك والله
أعلم.
تنبيه: في إطلاق المصنف على هذه المسألة دعوى
الرد مسامحة وإنما فيها دعوى إيصال الأمانة.
تنبيه: ثان: قال في النكت اعلم أن الرسول إذا
شرط عليه أن لا يشهد على من يدفع إليه ينفعه،
وإذا شرط عليه أن لا يمين عليه لم ينفعه ذلك؛
لأن اليمين إنما ينظر إليها حين وجوب متعلقها،
فكأنه شرط سقوط أمر لم يجب بعد بخلاف شرطه ترك
الإشهاد وذكره ابن حبيب فيما أراه انتهى. وقد
ذكر ابن رشد من هذا في رسم أوصى من سماع عيسى
من الرهون مسألة المرتهن يأخذ الرهن على أن
يضعه على يدي عدل ويدعي أنه وضعه، ويصدقه على
ذلك العدل أنه لا ضمان عليه، ويصدق على مذهب
المدونة، وقال ابن عرفة قلت انظر هذا مع القول
بالوفاء بشرط دعوى التصديق في دعوى عدم القضاء
انتهى. وسيقوله المصنف.
تنبيه: إطلاق المصنف هنا في الضمان مع عدم
الإشهاد هو المشهور ومقابله أنه إذا كان العرف
عدم الإشهاد صدق المودع كما تقدم في باب
الوكالة، وتقدم فيه أيضا أن تصديق رب المال لا
يسقط الضمان مع عدم الإشهاد، وكما هو ظاهر
قراض المدونة ولفظ ابن الحاجب هنا إلا أن يدفع
ذلك بحضرة رب المال، فتأمله وراجعه والله
أعلم.
فرع: قال في المدونة إثر المسألة الثالثة، وهي
قوله من بعثت معه بمال ما نصه: وكذلك إن
(7/288)
كعليك، إن كانت
له بينة به مقصودة
__________
أمرته بصدقة على قوم معينين فإن صدقه بعضهم
وكذبه بعضهم ضمن حصة من كذبه، ولو أمرته بصدقة
على غير معينين صدق مع يمينه، وإن لم يأت
ببينة انتهى. ابن يونس يريد وإنما يحلف إذا
كان متهما ونقله أبو الحسن والله أعلم.
فرع: قال في المدونة في كتاب الوديعة وإن بعثت
بمال إلى رجل ببلد فقدمها الرسول، ثم مات بها
وزعم الرجل أن الرسول لم يدفع إليه شيئا فلا
شيء لك في تركة الرسول ولك اليمين على من يجوز
أمره من ورثته أنه لا يعلم لذلك سببا، ولو مات
الرسول قبل أن يصل إلى البلد، فلم يوجد للمال
أثر، فإنه يضمن، ويؤخذ من تركته انتهى زاد في
مختصر الوقار، فإن نكلوا غرموا، وقال فيه فإن
مات المبعوث بها إليه بعد وصول المبعوث بها
معه إلى البلد وادعى دفعها إلى الرجل لم يقبل
قوله إلا أن يأتي على دفعها ببينة، وإن وصل
المبعوث بها معه إلى البلد، ولم يوصلها إلى
المبعوث بها إليه، ولم يذكر لها ذكرا حتى رجع
إلى ربها، وادعى تلفها، فهو ضامن لها انتهى من
كتاب البضاعة منه ونحوه في النوادر في كتاب
الوكالات ونصه: قال ابن حبيب: قال مطرف: عن
مالك ومن أبضع مع رجل بضاعة وأمره أن يدفعها
إلى آخر، وأشهد الآمر عليه أو لم يشهد
والبضاعة دين على الآمر أو على وجه الصلة،
فعلى المأمور أن يشهد على الدافع، وإلا ضمن
إذا أنكر القابض أنه ما قبض منه شيئا أو كان
ميتا أو ما أشبه ذلك من غايات الأمور انتهى ص:
(كعليك إن كانت لك بينة) ش: قال في معين
الحكام إذا كانت الوديعة ببينة، فادعى المودع
رد الوديعة، فعليه البينة وإلا ضمن بعد يمين
ربها، ولربها رد اليمين انتهى، وفي وثائق
المجموعة فإن زعم المستودع عنده المشهود عليه
الوديعة أنه رد الوديعة إلى ربها، فعليه
البينة بما زعمه، ولا يبرئه قوله، وله اليمين
على ربها، فإن حلف ربها أنه لم
(7/289)
لا بدعوى التلف
أو عدم التلف أو الضياع، وحلف المتهم. ولم
يفده شرط نفيها،
__________
يقبضها غرمها المودع عنده وإن نكل ربها عن
اليمين ردت اليمين على المودع فإن حلف برئ وإن
نكل غرم انتهى.
تنبيه: يشترط أن يعلم المودع أنه قصد المودع
بالبينة التوثق قال أبو الحسن: وقوله يعني في
المدونة: "إلا أن يكون قبض ذلك ببينة" ظاهرة،
وإن كانت بينة الاسترعاء، وليس كذلك وأبو محمد
هو الذي حرر هذا اللفظ في رسالته في قوله إلا
أن يكون قبضها بإشهاد ابن يونس من أخذ الوديعة
بمحضر قوم، ولم يقصد إشهادهم عليه، فهو كقبضه
بلا بينة حتى يقصد الإشهاد على نفسه اللخمي إن
كان القبض ببينة ليكون الرد ببينة لم يقبل
قوله إلا ببينة إن كان الإشهاد خوف الموت
ليأخذها من تركته أو قال المودع: أخاف أن يقول
هي سلف فأشهدني أنها وديعة، وما أشبه ذلك مما
يعلم أنه لم يقصد التوثق من القابض، فيكون
القول قوله في ردها بغير بينة، ولو تبرع
المودع بالإشهاد على نفسه فقال أبو بكر بن زرب
لا يبرأ إلا بالإشهاد؛ لأنه ألزم نفسه حكم
الإشهاد وقال ابن عبد الحكم: هو مصدق انتهى.
ص: (وعدم العلم بالتلف أو الضياع) ش: كذا في
أكثر النسخ والصواب "عدم العلم بالرد" قال في
التوضيح: قال في البيان: يريد بعد أن يحلف ما
هي عنده، ولقد ردها إليه أو تلفت وقال في آخر
كتاب الوديعة من الذخيرة قال ابن يونس: قال
أصبغ: إذا قال لا أدري أضاعت أو رددتها والقبض
ببينة يضمن؛ لأن يده يد ضمان وإنما أمن على
الحفظ، ولم يتحقق المبرئ قال ابن عبد الحكم
ولو قال لك إن أودعتني شيئا، فقد ضاع وقبضه
ببينة ليس عليه إلا يمينه لجزمه بانحصار
الطارئ في الضياع انتهى. والمسألة في نوازل
أصبغ من كتاب الوديعة والله أعلم. ص: (وحلف
المتهم) ش: هذا فيما إذا ادعى التلف، ولم يحقق
ربها عليه الدعوى إنها باقية
(7/290)
فإن نكل: حلفت
ولا إن شرط الدفع للمرسل إليه بلا بينة،
وبقوله: تلفت قبل أن تلقاني بعد منعه دفعها
كقوله بعده بلا عذر، لا إن قال: لا أدري متى
تلفت، وبمنعها حتى تأتي الحاكم إن لم تكن
بينة،
__________
انتهى. انظر كتاب ابن حارث في باب الأمناء
وابن جزي في باب الضمان بالتعدي والغصب فإن
نكل غرم، ولا يرد اليمين انظر ابن عرفة، وأما
في دعوى الرد، فإن القول قوله إلا أن يكون
قبضه ببينة، وإذا قبل قوله فقال في التوضيح:
الذي حكاه صاحب البيان وغيره أنه يحلف في دعوى
الرد باتفاق انتهى. وقال ابن عرفة: وحيث يقبل
قوله في الرد فلا خلاف أنه بيمين، واعترض على
ابن الحاجب في حكايته الخلاف في ذلك وقال:
وباشتمال كتابه على مثل هذا كان محققو شيوخنا
ينكرون كتاب ابن الحاجب الفقهي والله أعلم. ص:
(وبمنعها حتى يأتي الحاكم إن لم تكن ببينة) ش:
تصوره ظاهر.
فرعان: الأول: قال في النوادر في آخر كتاب
الوديعة ومن كتاب ابن المواز ومحمد بن عبد
الحكم: قالا ومن أودعته وديعة، ثم أقررت أنها
لزيد الغائب، ثم طلبت قبضها، فلك ذلك بالحكم،
(7/291)
لا إن قال ضاعت
منذ سنين، وكنت أرجوها ولو حضر صاحبها
كالقراض، وليس له الأخذ منها لمن ظلمه بمثلها.
__________
وليس إقرارك أنها لزيد يمنعك من قبضها في غيبة
زيد؛ لأنك الذي أودعتها، وكذلك ما أودعته عند
سفرك من وديعة أو مال أنت فيه وكيل وأنت مقر
أن ذلك لفلان فلك أخذه، وكذلك ما أنت وكيل على
بيعه فبعته فلك قبض الثمن، فلو قدم مالك
الوديعة فطلب أخذها منك وأنت مقر أن من أودعها
عندك ذكر أنها لهذا الطالب، فلك منعها من ربها
إلا بشاهدين على إقرار مودعها بذلك؛ لأنك لا
تبرأ منه إن جحدها إلا بهذا أو يقوم شاهد معك
فيقضي له السلطان بها أو بشاهد ذلك مع يمين
طالبها فإن لم يقض له بشيء، ثم قدم من أودعكها
وقد غاب ربها فعليك دفعها إليه، وإن علمت أنها
لغيره، وكذلك لو كانت دارا، فدفعها إليه
فهدمها، وأتلف نقضها، فلا ضمان عليك إن جاء
ربها؛ لأنك غير متعد فيما
(7/292)
__________
فعلت، وكذلك لو أقررت أنه أمرك بدفعها إليه أو
بدفع حق له عليك، ومر هذا في كتاب
(7/293)
ولا أجرة
حفظها، بخلاف محلها، ولكل تركها، وإن أودع
صبيا، أو سفيها أو أقرضه، باعه فأتلف لم يضمن،
وإن بإذن أهله،
__________
الوكالات وكتاب الإقرار الأول في باب من إقرار
الدين الذي له على فلان لفلان، وفيه قول آخر
انتهى.
الثاني: قال في المسائل الملقوطة إذا دعا
الزوج زوجته لحاجة ودعاها من له عندها وديعة
فالزوج مقدم انتهى. ص: (وإن أودع صبيا إلخ) ش:
قال المشذالي في حاشيته في كتاب المديان وقعت
مسألة في وصي دفع مركبا له لمولى عليه في حجره
وصرفه إلى الإسكندرية فمضى به المولى عليه،
فعطب في رجوعه، فقال الوصي إنما أمرتك أن تسير
به، وتبقيه فغررت
(7/294)
وتعلقت بذمة
المأذون عاجلا، وبذمة غيره إذا عتق، إن لم
يسقطه السيد وإن قال هي لأحدكما ونسيته
تحالفا. وقسمت بينهما وإن أودع اثنين: جعلت
بيد الأعدل.
__________
ورجعت، فعليك الضمان. قال أبو عمران: لا ضمان
عليه؛ لأن من أطلق يد سفيه على ماله أو رباعه
أو أودعه وديعة فتعدى السفيه، فلا شيء عليه،
فقيل جناية الصبي لازمة له إلا فيما أطلق يده
عليه، والوصي يقول: إنما أطلقت يده في الوصول
فقط، فبنفس الوصول انقطع تسليطي عليه، فهو
متعد قال أبو عمران: هذا وإن كان كما قلت، فهو
قد بقي بيده كأن أودعه إياه حتى يبيعه وقد قال
مالك: فيمن جعل للسفيه جعلا في آبق، فباعه إلى
آخر ما في المدونة، وذكر مسائل على هذا المعنى
انتهى. ص: (وإن أودع اثنين جعلت بيد الأعدل)
ش: قال في المدونة ومن أودع رجلين وديعة أو
استبضعها، فليكن ذلك بيد أعدلهما كالمال بين
الوصيين، وإن لم يكن في الوصيين عدل خلعهما
السلطان ووضع المال بيد غيرهما قال ابن
القاسم: ولم أسمع من مالك في الوديعة والبضاعة
شيئا وأراه مثله انتهى قال في الذخيرة: قال في
(7/295)
__________
التنبيهات: لو اقتسماها لم يضمناها في ظاهر
قول ابن القاسم والخلع عند عدم العدالة مختص
بالوصيين؛ لأن الإيداع مشروع عند البر
والفاجر، ولا يوصي الفاجر، وقال القاضي
إسماعيل: هما بخلاف الوصيين لا يكون عند
أحدهما ولا ينزع منهما ولا يقتسمان، ويجعلان
حيث يثقان به وأيديهما فيه واحدة انتهى.
(7/296)
باب العارية
صح وندب: إعارة مالك منفعة
__________
باب العارية
ص: (صح وندب إعارة مالك منفعة) ش: قال ابن
عرفة: الجوهري العارية بالتشديد
(7/296)
بلا حجر: وإن
مستعيرا،
__________
كأنها منسوبة إلى العار؛ لأن طلبها عار
والعارة مثل العارية يقال هم يتعورون للعواري
بينهم. وقيل: مستعار بمعنى متعاور أي متداول
وفي بعض حواشي الصحاح ما ذكره من أنها من
العار وإن كان قد قيل، فليس هو الوجه والصحيح
أنها من التعاور الذي هو التداول، وزنها فعلية
ويحتمل أن تكون من عراه يعروه إذا قصده، ويكون
وزنها فاعولة أو فعلية على القلب، ولما ذكر
ابن عبد السلام كلام الجوهري قال: أنكر عليه
كونها منسوبة إلى العار؛ لأنه لو كان كذلك
لقالوا يتعيرون؛ لأن العار عينه ياء قلت في
المخصص لابن سيده ما نصه وتعورنا العواري
وتعاورنا الشيء تداولناه وقيل العارية من
الياء؛ لأنها عار على صاحبها وقد تعيروها
بينهم.
قلت: وهذا نص بأنها من ذوات الياء يرد إنكار
ابن عبد السلام يتعيرون ولكن قال ابن سيده في
المحكم والعارية المنحة قال بعضهم: إنها من
العار، وهو قول ضعيف غره قولهم يتعيرون
العواري، وليس على وضعه إنما هي معاقبة من
الواو إلى الياء.
قلت: وقد يرد بأن الأصل عدم المعاقبة انتهى.
وفي رده على ابن سيده بمثل هذا نظر، فتأمله
وفي القاموس: والعارية مشددة وقد تخفف
والعارية ما تداولوه بينهم والجمع عواري مشددة
ومخففة انتهى قال ابن عرفة: وهي مصدرا تمليك
منفعة مؤقتة لا بعوض فتدخل العمرى والإخدام لا
الحبس واسما مال ذو منفعة مؤقتة ملكت بغير عوض
ويقال طرداهما بإرث ملك منفعة وارثها ممن حصلا
له بعوض لحصولهما للوارث بغير عوض منه ويجاب
بأن عموم نفي العوض؛ لأنه نكرة في سياق النفي
يخرجهما؛ لأنهما بعوض لمالك العين من الميت
وقول ابن شاس وابن الحاجب تمليك منافع العين
بغير عوض يبطل طرده بالحبس وعكسه بأنه لا
يتناولها إلا مصدرا والعرف إنما هو استعمالها
اسما، وهي الشيء المعار، وهي من حيث ذاتها
مندوب إليها؛ لأنها إحسان والله يحب المحسنين
ويعرض وجوبها نعني عينها لمن يخشى بعدمها
هلاكه وحرمتها ككونها معينة على معصية
وكراهتها ككونها معينة على مكروه وتباح لغني
عنها، وفيه نظر لاحتمال كراهتها في حقه انتهى
ونقل كلامه ابن ناجي.
فائدة: قال القرطبي في تفسير سورة آل عمران من
الغلول منع الكتب عن أهلها وكذا غيرها انتهى
بالمعنى. ص: (بلا حجر) ش: مراده هنا بالحجر
أعم من الحجر المتقدم في بابه ليشمل ما إذا
منع المعير المستعير من الإعارة، فإنه ليس له
الإعارة قال ابن سلمون: العارية مندوب إليها،
وتصح من كل مالك للمنفعة، وإن كان ملكه لها
بإجارة أو عارية ما لم يحجر
(7/297)
لا مالك انتفاع
من أهل التبرع عليه عينا لمنفعة مباحة، لا
كذمي مسلما وجارية لوطء، أو خدمة لغير محرم أو
لمن لا تعتق عليه، وهي لها، والأطعمة والنقود:
قرض بما يدل،
__________
عليه ذلك ومن استعار شيئا لمدة أو اكتراه فله
أن يعيره لمثله في تلك المدة أو يكريه إلا أن
يشترط عليه أن لا يفعل ذلك. ص: (لا مالك
انتفاع) ش: انظر ما نقله ابن غازي وانظر كلام
القرافي الفرق الثلاثين وآخر كتاب العارية من
الذخيرة وما نقله عن النوادر وانظر اللخمي في
الوقف. ص: (لمنفعة مباحة) ش: انظر ما يستعار
ليتجمل به في الأعراس هل هو من باب المتشبع
بما ليس له انظر الأبي في كتاب الأيمان في
حديث: "من ادعى دعوى كاذبة" وانظر
(7/298)
وجاز: أعني
بغلامك لأعينك إجارة وضمن المعيب عليه إلا
لبينة. وهل، وإن شرط نفيه؟ تردد لا غيره ولو
بشرط، وحلف فيما علم أنه بلا سببه. كسوس أنه
ما فرط وبرئ
__________
المدخل. ص: (وضمن المغيب عليه) ش: قال في
المقدمات إذا وجب على المستعير ضمان العارية،
فإنه يضمن قيمة الرقبة يوم انقضاء أجل العارية
على ما ينقصها الاستعمال المأذون فيه بعد
يمينه لقد ضاعت ضياعا لا يقدر على ردها انتهى.
ص: (لا غيره) ش: يعني أنه لا يضمن ما لا يغاب
عليه قال الجزولي في شرح قول الرسالة: ولا
يضمن ما لا يغاب عليه من عبد أو دابة، وهو
مصدق في هلاكه ويحلف متهما كان أو غير متهم
انتهى. وانظر كلام غيره في المسألة.
فرع: قال في التوضيح: ابن المواز: وإذا قلنا
لا يضمن الدابة فيضمن سرجها ولجامها اللخمي
ولا يضمن العبد ولا ما عليه من الكسوة؛ لأن
العبد جائز لما عليه انتهى. ص: (إن
(7/299)
في كسر: كسيف،
إن شهد له أنه معه في اللقاء، أو ضرب به ضرب
مثله، وفعل المأذون، ومثله ودونه، لا أضر وإن
زاد ما تعطب به فله قيمتها أو كراؤه كرديف
واتبع إن أعدم ولم يعلم
__________
شهد له أنه معه في اللقاء) ش: هذا هو مذهب
المدونة. ص: (أو ضرب به ضرب مثله) ش: هذا قول
آخر حكاه ابن رشد أنه لا يصدق إلا أن يكون له
بينة أنه ضرب به في اللقاء ضربا يجوز له قال:
وهو أبعد الأقوال، ولا يحتاج إليه على القول
الأول الذي صدر به المصنف وهو مذهب المدونة.
فرع: قال في التوضيح: اللخمي: وأما الرحى
تستعار للطحن عليها فيأتي بها، وقد
(7/300)
بالإعارة، وإلا
فكراؤه ولزمت المقيدة بعمل أو أجل لانقضائه،
وإلا فالمعتاد، وله الإخراج في: كبناء، إن دفع
ما أنفق، وفيها أيضا قيمته، وهل خلاف، أو
قيمته إن لم يشتره، أو إن طال أو إن اشتراه
بغبن كثير؟ تأويلات.
__________
جففت فلا شيء عليه بالاتفاق. ص: (وإلا
فالمعتاد وله الإخراج في كبناء) ش: قال ابن
غازي: قوله "وإلا فالمعتاد" هو خلاف ما في
المدونة إلا أن ابن يونس صوبه، وقوله: "وله
الإخراج" وفاق لما في المدونة وكلامه متناقض،
وقد عدها ابن الحاجب قولين، وقبله ابن عبد
السلام وابن عرفة والمصنف ولو قال فالمعتاد
على الأرجح، وفيها له الإخراج في كبناء إلخ
لأجاد انتهى. وما قاله ابن غازي صحيح لا غبار
عليه، وعلى ما ذكره المصنف في البناء هنا مشى
في كتاب الشركة في مسألة إعارة الجدار، وما
بعده، وهو أحد الأقوال الستة التي حصلها ابن
زرقون على ما قاله في التوضيح كأنه والله أعلم
أشار به إلى أخذها من كلام ابن رشد فإنه حصلها
في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم من
الأقضية فراجعه. وقال البساطي هنا: فإن قلت
قوله: "وإلا فالمعتاد" يقتضي أن العارية لازمة
إلى انتهاء المدة وقوله: "وله الإخراج" ينافي
ذلك، ولهذا لما قال ابن الحاجب: "وإلا
فالمعتاد في مثلها" عبر بعد ذلك بـ"قيل" فقال:
"وقيل
(7/301)
وإن انقضت مدة
البناء والغرس: فكالغصب، وإن ادعاها الآخذ
والمالك: الكراء فالقول له إلا أن يأنف مثله،
__________
للمعار الإخراج" فجعلهما قولين وقال الشارحان
الذي عبر عنه بـ"قيل" هو مذهب المدونة والمصنف
جمع بينهما.
قلت: هو تابع في ذلك للمدونة، ويبين لك ذلك
بنصها قال: ومن أذنت له أن يبني في أرضك أو
يغرس فلما فعل أردت إخراجه فإن كان بقرب ذلك
مما يرى أنه لا يشبه أن يعير إلى تلك المدة،
فليس لك إخراجه إلا أن تعطيه ما أنفق فأنت ترى
أنه جعلها لازمة إلى المدة، ولكنه جعل للمعير
الإخراج بشرط أن يعطيه ما أنفق، فليس بين
الكلامين خلاف. (فإن قلت): فابن الحاجب جعله
خلافا وقال الشارحان: القول الأول لمطرف وغيره
قلت: هذا أيضا صحيح، واتفق مطرف والمدونة على
أنها لازمة ولكن مطرف يقول: ليس له الإخراج،
ولو أعطى بخلاف المدونة فكانا قولين بهذا
الاعتبار انتهى كلامه. وما قاله رحمه الله ليس
بظاهر، فإنه إنما فرق في المدونة بين أن يطلبه
بالقرب بعد ما يرى أنه أعار إلى مثله لأجل أنه
ورطه حتى بنى أما لو لم يبن أو كان المستعار
مما لا يبنى فيه، ولا يغرس كالثوب والدابة
والعبد لأخذه صاحبه قرب الأمد أو بعد قال في
المدونة: إثر الكلام المتقدم في كلام البساطي
وقال في باب بعد هذا قيمة ما أنفق وإلا تركته
إلى مثل ما يرى الناس أنك أعرته إلى مثله من
الأمد وإن أردت إخراجه بعد أمد يشبه أنك أعرته
إلى مثله فلك أن تعطيه قيمة البناء والغرس
مقلوعا، وإلا أمرته بقلعه إلا أن يكون مما لا
قيمة له إذا قلع، ولا نفع فيه من جص ونحوه،
فلا شيء للباني فيه، وكذلك لو ضربت لعاريته
أجلا فبلغه، وليس لك إخراجه ههنا قبل الأجل،
وإن أعطيته قيمة ذلك قائما، وكذلك لو لم يبن،
ولم يغرس حتى أردت إخراجه، فليس لك ذلك قبل
الأجل، ولو لم تضرب أجلا كان ذلك لك انتهى.
وقال ابن عرفة اللخمي إن أجلت العارية بزمن أو
انقضاء عمل لزمت إليه، وإن لم تؤجل كقولك
أعرتك هذه الأرض أو الدابة أو الدار أو هذا
العبد أو الثوب في صحة ردها، ولو بقرب قبضها
ولزوم قدر ما تعار له ثالثها إن أعاره ليسكن،
ويبني، فالثاني وإلا، فالأول لابن القاسم فيها
مع أشهب وغيرهما وابن القاسم في الدمياطية
انتهى والله أعلم ص: (إلا أن يأنف مثله عنه)
ش: قال ابن الحاجب إلا أن
(7/302)
كزائد المسافة
إن لم يزد، وإلا فللمستعير في نفي الضمان
والكراء، وإن برسول مخالف كدعواه رد ما لم
يضمن،
__________
يكذبه العرف. ابن عبد السلام: واعلم أن المراد
بقوله: "ما لم يكذبه العرف" ليس هو إلا أن
تكون عادة المالك أن يكري ما جرى بينهما
النزاع فيه بل مرادهم مع ذلك أن يكون شرفه
يأبى الكراء من غيره ويأنف عن مثل هذا ونحوه
في التوضيح. ص: (كدعواه رد ما لم يضمن) ش: قال
ابن رشد في أول سماع عيسى من كتاب الرواحل
والدواب: الأشياء المقبوضة من أربابها على غير
وجه الملك إن قبضت لمنفعة القابض خاصة
كالعواري والرهون، فالقابض ضامن لما يغاب عليه
إلا أن يقيم البينة على التلف، ومصدق فيما لا
يغاب عليه أنه قد تلف مع يمينه إلا أن يتبين
كذبه، وإن قبضت لمنفعة أربابها خاصة كالبضائع
والودائع، فالقابض لها مصدق في دعوى التلف دون
يمين إلا أن يتهم، فيحلف عينا كان، أو عرضا أو
حيوانا، وإن قبضت لمنفعتهما جميعا كالقراض
والشيء المستأجر فكذلك؛ لأنه يعقب منفعة
أربابها من جهة
(7/303)
وإن زعم أنه
مرسل لاستعارة حلي وتلف ضمنه مرسله، إن صدقه،
وإلا حلف وبرئ ثم حلف الرسول وبرئ وإن اعترف
بالعداء: ضمن الحر والعبد في ذمته، إن عتق،
__________
أنها ملك لمتاعه، ولو شاء لم يدفعه، وما يصدق
فيه في دعوى التلف من الوديعة والبضاعة
والقراض والشيء المستأجر، وما لا يغاب عليه من
الرهون والعواري، فالقول قوله في دعوى الرد مع
يمينه إلا أن يكون قبضه ببينة. وقد روى أصبغ
عن ابن القاسم في أول سماعه إن القول قول
المستأجر في رد ما استأجره، وإن قبضه ببينة
وكذلك يلزم في القراض الوديعة، وما لا يصدق
فيه في دعوى التلف مما يغاب عليه من العواري
والرهون، فلا يكون القول فيه قوله في دعوى
الرد، وعليه إقامة البينة في ذلك إلا ما يدل
عليه ما وقع في آخر رسم من سماع أبي زيد من
الوديعة من أنه يصدق في رد الرهن إذا قبضه
بغير بينة انتهى. وقال في سماع أبي زيد:
المذكور في هذه المسألة دليل على أن القول قول
المرتهن في رد الرهن إذا قبضه بغير بينة
كالوديعة، وذلك بعيد، ثم قال: ولعله إنما تكلم
في هذه الرواية على الرهن الذي لا يغاب عليه
يصدق المرتهن في رده إذا قبضه بغير بينة كما
يصدق في تلفه كالوديعة انتهى، وقال في آخر رسم
الرهون الثاني من المدونة من سماع عيسى من
كتاب الرهون في شرح مسألة فيه: وهذا كما قال؛
لأن ما لا يصدق في دعوى الضياع فيه من العواري
والرهون التي يغاب عليها فلا يصدق في دعوى
الرد فيه سواء قبض ذلك ببينة أو بغير بينة،
وهذا مما لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب إلا
ما وقع في آخر سماع أبي زيد من الوديعة، فإن
فيه دليلا على أنه يصدق في دعوى الرهن إذا
قبضه بغير بينة، وهو بعيد، ولعله إنما تكلم
على الرهن الذي لا يغاب عليه انتهى، وعلى هذا،
ففي كلام المصنف إشكال انظر المقدمات في كتاب
الوديعة والتوضيح في كتاب الوديعة في شرح
قوله: "وإن ادعى الرهن قبل مطلقا".
(7/304)
وإن قال أوصلته
لهم: فعليه وعليهم اليمن. ومؤنة أخذها على
المستعير: كردها على الأظهر، وفي علف الدابة:
قولان.
__________
مسألة: من استعار دابة ليحمل عليها شيئا فوكل
من يحمله عليها أو حمله عليها شريكه لم يضمن
هو، ولا شريكه بخلاف لو تعدى أجنبي وحمل عليها
ما استعيرت له، فإن الأجنبي يضمن قاله في كتاب
الشركة من المدونة. وقال أبو الحسن: قال ابن
حبيب: ومن استعار دابة لركوب أو حمل، ثم ردها
مع عبده أو غلامه، فعطبت أو ضلت، فلا يضمن؛
لأن شأن الناس على هذا، وإن لم يعلم ضياعها
إلا بقول الرسول وهو مأمون أو غير مأمون ذلك
سواء فلا يضمن. ص: (فعليه وعليهم اليمين) ش:
قال في رسم البراءة من سماع عيسى من العارية:
ولو زعم الرسول أنه قد أوصله إلى الذين بعثوه
وجحدوه لم يكن عليهم، ولا عليه إلا اليمين
ويبرءون انتهى. وقوله: "وجحدوه" الظاهر أن
مراده جحدوا الإرسال ولو أقروا به ضمنوا والله
أعلم. ص: (ومؤنة أخذها على المستعير كردها على
الأظهر) ش: تصوره ظاهر، وتقدم في الإقالة
الكلام على حمل السلعة المقال منها، والله
أعلم.
(7/305)
باب الغصب
__________
باب الغصب
قال في الذخيرة: الغصب لغة قال الجوهري: أخذ
الشيء ظلما. غصبه منه وغلبه سواء والاغتصاب
مثله، انتهى. ثم قال صاحب المقدمات: التعدي
على رقاب الأموال سبعة أقسام لكل قسم منها حكم
يخصه وهي كلها مجمع على تحريمها وهي الحرابة
والغصب والاختلاس والسرقة والخيانة والإدلال
والجحد، انتهى.
فوائد قال عليه السلام: في خطبة ثاني النحر
"إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام
كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا".
فورد سؤال وهو أن المشبه يجب أن يكون أخفض من
المشبه به وهو هنا منحط عنه في نظر الشرع
بكثير وجوابه أن التشبيه وقع بحسب اعتقادهم
فإنهم كانوا يعظمون البلد والشهر ويحتقرون
الأمور المذكورة، انتهى. بالمعنى، من الذخيرة.
ومنها أيضا في أدلة الغصب قوله صلى الله عليه
وسلم: "من غصب شبرا من أرض طوقه من سبع أرضين"
1. متفق عليه.
فائدة: قال العلماء: لم يرد في السمعيات ما
يدل على تعدد الأرضين إلا قوله تعالى:
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ
وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12]
وهذا الحديث وقيل: المثلية في العظم لا في
العدد فلا دلالة.
فائدة: قال البغوي: قيل: طوقه أي كلف حمله يوم
القيامة لا طوق التقليد وقيل: تخسف الأرض به
فتصير البقعة المغصوبة في حلقه كالطوق قال:
وهذا أصح لما في البخاري قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "من أخذ من الأرض شبرا بغير
حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين" 1.
انتهى. وحديث البخاري هذا دليل أيضا على تعدد
الأرضين وقوله: "وقيل المثلية في العظم" يظهر
لي أنه ولو قيل به ففيه أيضا دليل على التعدد،
والله أعلم. ومنها أيضا قال
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب المساقاة حديث 137، 141
(7/306)
الغصب، أخذ
مال، قهرا، تعديا، بلا حرابة.
__________
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضا
ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق" 1. يروى
بالتنوين في عرق على النعت، وبعدمه على
الإضافة وفي النكت: عرق الظالم ما يحدثه في
المغصوب. قال ابن شعبان: العروق أربعة ظاهران
البناء والغرس وباطنان في الأرض الآبار
والعيون، انتهى. ص: (أخذ المال قهرا تعديا بلا
حرابة) ش: هذا الرسم نحو رسم ابن الحاجب وهو
متعقب من وجهين: الأول: أن فيه التركيب في
قوله: "بلا حرابة" لأنه يتوقف على معرفة حقيقة
الحرابة والتركيب هو توقف معرفة الحدود على
معرفة حقيقة أخرى ليست أعم منه ولا أخص من
أعمه وقد اعترض به ابن عرفة على ابن الحاجب
وأصله لابن عبد السلام ولم يعزه ابن عرفة له.
الثاني أنه غير مانع؛ لأنه يدخل فيه أخذ
المنافع كسكنى ربع وحرثه وليس غصبا بل تعديا
وهذا لابن عرفة أيضا وحده بقوله: الغصب أخذ
مال غير منفعة ظلما قهرا لا بخوف قتال فيخرج
أخذه غيلة؛ إذ لا قهر فيه؛ لأنه بموت مالكه
وحرابته، انتهى. وفي التنبيهات الغصب في لسان
العرب منطلق على أخذ كل ملك بغير رضا صاحبه من
شخص أو مال أو منافع وكذلك التعدي سرا أو جهرا
أو اختلاسا أو سرقة أو جناية أو قهرا غير أن
الغصب استعمل في عرف الفقهاء في أخذ أعيان
المتملكات بغير رضا أربابها وغير ما يجب على
وجه القهر والغلبة من ذي سلطان وقوة واستعمل
المتعدي عرفا في التعدي على عينها أو منافعها
سواء كان للمتعدي في ذلك يد بيد أربابها أو لم
يكن كالقراض والودائع والإجارة والصنائع
والبضائع والعواري وفرق الفقهاء بين الغصب
والتعدي في وجوه منها أن الغاصب ضامن للسلعة
يوم الغصب؛ لأنه يوم وضع يده عليها بالتعدي
والمتعدي يوم التعدي والغاصب يضمن الفساد
اليسير والمتعدي لا يضمن إلا الكثير وعلى
المتعدي كراء ما تعدى عليه وأجرته بكل حال
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الحرث باب 15. أبو
داود في كتاب الإمارة باب 37. الدرامي في كتاب
البيوع باب 65. الموطأ في كتاب الأقضية حديث
26، 27. أحمد في مسنده (3/ 304، 313، 327،
328، 356، 381).
(7/307)
وأدب مميز
__________
عند مالك وقال في الغاصب: لا كراء عليه وفي
كثير من هذه الأصول اختلاف من أصحابنا معلوم،
انتهى. ويؤخذ منه أن من تعدى على دابة وديعة
وركبها فعليه أجرتها فتأمله وقال في الذخيرة:
قال بعضهم الغصب رفع اليد المستحقة ووضع اليد
العادية قهرا وقيل: وضع اليد العادية قهرا
وينبني على التعريفين أن الغاصب من الغاصب
غاصب على الثاني دون الأول؛ لكونه لم يرفع
اليد المستحقة، انتهى. وقال ابن عرفة: التعدي
قال المازري: هو غير الغصب وأحسن ما ميز به
عنه أن التعدي الانتفاع بملك الغير بغير حق
دون قصد الرقبة أو إتلافه أو بعضه دون قصد
تملكه. قلت: وحاصل مسائل التعدي الانتفاع بمال
الغير دون حق فيه خطؤه كعمده أو التصرف فيه
بغير إذنه أو إذن قاض أو من يقوم مقامه
لفقدهما فيدخل تعدي المقارض وسائر الأجراء
والأجانب. ص: (وأدب مميز) ش: قال ابن الحاجب:
ويؤخذ بحق المغصوب من مال الصبي المميز ويؤدب،
انتهى. قال في التوضيح: ولا خلاف في تأديب
البالغ وأما غير البالغ فقال ابن عبد السلام:
ما ذكره المؤلف هو ظاهر المذهب للمتقدمين وفي
المقدمات لا يؤدب من لم يبلغ الحلم لقوله عليه
السلام: "رفع القلم عن ثلاث" 1. وقيل: يؤدب
كما يؤدب في المكتب انتهى. وقال في المقدمات:
ويجتمع في الغصب حق الله وحق المغصوب منه فيجب
على الغاصب لحق لله تعالى الأدب والسجن على
قدر اجتهاد الحاكم ليتناهى الناس عن حرمات
الله ولا يسقط ذلك عنه عفو المغصوب منه،
انتهى. ونقله في التوضيح ونقله ابن ناجي في
شرح الرسالة وقال عقيبه: وما ذكره خالفه فيه
المتيطي فقال: لا يؤدب إن عفا عنه المغصوب
منه، انتهى. فتأمله، والله أعلم.
تنبيه: قال ابن عرفة: والغصب بين الكافرين
كالغصب بين المسلمين. ابن شعبان: وكذا بين
الزوجين وبين الوالد وولده وفي اغتصاب الوالد
من ولده خلاف وبهذا أقول، انتهى. ونحوه في
المقدمات ويستوي في حكمه الأحرار البالغون من
أهل الذمة والمسلمين القرابة والأجنبيين إلا
الوالد من ولده والجد للأب من حفيده فقيل: لا
يحكم لهم بحكم الغاصب الأجنبي لقوله
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الحدود باب 22. أبو
داود في كتاب الحدود باب 17. الترمذي في كتاب
الحدود باب 1. ابن ماجة في كتاب الطلاق 15.
الدرامي في كتاب الحدود 1. أحمد في مسنده (6/
100، 101، 144).
(7/308)
كمدعيه على
صالح، وفي حلف المجهول: قولان.
__________
عليه السلام: "أنت ومالك لأبيك" 1. انتهى. قال
البرزلي إثر نقله قول ابن شعبان: وبهذا أقول.
قلت: وهو الذي ارتضاه الباجي في سنن الصالحين
وروى فيه حديثا وأشعارا لقوله عليه السلام:
"أنت ومالك لأبيك" وقوله عليه السلام: "خير ما
يملكه الإنسان من كسبه وولده من كسبه" 2.
وظاهر قول مالك أنه لا يجوز له القدوم عليه
ابتداء إلا من ضرورة فإن فعل فلا يطلب منه ما
يطلب من الأجانب من القطع والأيمان عند
الإنكار والقتل في باب التغليظ إلى غير ذلك
وحكم الجد جار على إلحاقه بالأب وفي المذهب
مسائل تشهد للقولين، انتهى. من أول مسائل
الغصب، والله أعلم. ص: (كمدعيه على صالح وفي
حلف المجهول قولان) ش: قال في كتاب الغصب
منها: ومن ادعى على رجل غصبا وهو ممن لا يتهم
بهذا عوقب المدعي وإن كان متهما نظر فيه
الإمام وأحلفه فإن نكل لم يقض عليه حتى يرد
اليمين على المدعي كسائر الحقوق، انتهى. قال
أبو الحسن الصغير: قال ابن يونس الناس في هذا
على ثلاثة أوجه فإن كان المدعى عليه الغصب ممن
يليق به ذلك هدد وسجن فإن لم يخرج شيئا حلف.
وفائدة تهديده لعله يخرج عين ما غصب إذا كان
يعرف عينه وأما ما لا يعرف فلا فائدة في
تهديده؛ إذ لو أخرج بالتهديد ما لا يعرف بعينه
لم يؤخذ منه حتى يقر آمنا وإن كان من وسط
الناس لا يليق به سرقة لم يلزمه يمين ولا يلزم
راميه بذلك شيء وإن كان من أهل الدين والخير
لزم القائل بذلك الأدب وقال في آخر كتاب
السرقة من النكت: قال بعض شيوخنا من أهل
بلدنا: المتهم بالسرقة على ثلاثة أوجه فمبرز
بالعدالة والفضل لا شيء عليه ويؤدب له المدعى
عليه ومتهم معروف بهذا فيحلف ويهدد ويسجن على
قدر ما يرى الحاكم فيه من الاجتهاد ورجل متوسط
الحال بين هذين يكون عليه اليمين، انتهى. وقال
اللخمي في تبصرته: ومن ادعي عليه الغصب كان
الحكم في تعلق اليمين والعقوبة راجعا إلى حال
المدعى عليه فإن كان معروفا بالخير والصلاح
عوقب المدعي وإن لم يكن معروفا بذلك وأشكل
حاله لم يعاقب
ـــــــ
1 رواه ابن ماجة في كتاب التجارات باب 64.
أحمد في مسنده (2/ 179، 204، 214)
2 رواه النسائي في كتاب البيوع باب 1. ابن
ماجة في كتاب التجارات باب 1. الدرامي في كتاب
البيوع باب 6. أحمد في مسنده (6/ 31، 42، 193،
220).
(7/309)
__________
المدعي ولم يحلف المدعى عليه وإن كان ممن يشبه
ذلك وليس معروفا به حلف ولم يعاقب المدعي وإن
نكل حلف المدعي واستحق وإن كان معروفا بالتعدي
والغصب حلف وضرب وسجن فإن تمادى على الجحود
ترك واختلف إذا اعترف بعد التهديد على ثلاثة
أقوال فقيل: لا يؤخذ بإقراره عين المدعى فيه
أو لم يعينه؛ لأنه مكره وقيل: إن عين أخذ به
وإن لم يعين لم يؤخذ بإقراره وقال سحنون.
ويؤخذ بإقراره عين المدعى فيه أو لم يعينه
قال: ولا يعرف ذلك إلا من ابتلي به يريد
القضاة وما شابههم يقول إن ذلك الإكراه كان
بوجه جائز وإن كان من الحق عقوبته وسجنه لما
عرف من حاله أخذ بإقراره وإنما الإقرار الذي
لا يؤخذ به ما كان ظلما أن يهدد ويضرب من لا
يجوز فعل ذلك به وقد أجمع الناس على من أسلم
بعد القتال والسيف أنه مسلم كالطائع بغير
إكراه؛ لأنه إكراه بحق ولو أكره ذمي على
الإسلام لم يكن إسلامه إسلاما إن رجع عنه وإن
ادعى أن ذلك كان للإكراه؛ لأن الذمة التي عقدت
لهم تمنع من إكراههم فإكراههم على ذلك ظلم،
انتهى. وفي الفصل الثالث من القسم الثالث من
تبصرة ابن فرحون في الدعاوى بالتهم والعدوان
ما نصه: إذا كان المدعى عليه بذلك ليس من أهل
تلك التهمة فهذا النوع لا تجوز عقوبته اتفاقا
واختلف في عقوبة المتهم له على قولين والصحيح
منهما أنه يعاقب ثم قال في آخر الفصل: قال
الباجي: وإذا كان المدعى عليه مجهول الحال
فظاهر ما في المذهب يقتضي أن الأدب على المدعى
عليه وعليه اليمين وفي الواضحة ما يقتضي أنه
يخلى سبيله دون يمين وقد أطال رحمه الله في
هذا الفصل الكلام فقول المؤلف: "وفي حلف
المجهول قولان". يشير إلى كلام ابن يونس
المتقدم وكلام الباجي الذي نقله ابن فرحون
وانظر ما ذكره البساطي رحمه الله والله أعلم.
فرع: قال في ثاني مسألة من سماع يحيى من كتاب
الغصب فيمن عرف بالغصب لأموال الناس فسئل صاحب
الحق البينة على أنه غصبه ما يدعيه فلا يجدها
على حضور الغصب ومعاينته لكنهم إنما كانوا
يعرفون الحق للمدعي إلى أن صار بيد الظالم لا
يدرون كيف صار إليه إلا أن صاحب الحق كان يشكو
إليهم أنه غصبه أو سمعوا ذلك من جيرانهم أو لا
يذكرون شيئا أن ذلك يوجب للمدعي أخذ حقه إلا
أن يأتي الظالم ببينة على اشتراء صحيح أو عطية
ممن كان يأمن ظلمه أو يأتي بوجه حق ينظر فيه
فإن جاء بالبينة على أنه اشترى فزعم البائع أن
ذلك البيع كان خوفا من شره وهو ممن يقدر على
العقوبة إن امتنع من مبايعته قال: أرى أن يفسخ
ذلك البيع إذا ثبت أن المشتري موصوف بما زعم
البائع من استطالته وظلمه وأنه قد عمل ذلك
بغيره.
قلت: فإن زعم البائع أنه إنما دفع إليه الثمن
في العلانية ثم دس إليه من يأخذه منه سرا ولو
لم يفعل ذلك لقي منه شرا قال: لا أرى أن يقبل
قوله وعليه دفع الثمن بعد أن يحلف الظالم
بالله لقد دفع إليه الثمن ثم لم يرتجعه ولم
يأخذه منه بعد دفعه إليه. قال ابن رشد: أما ما
(7/310)
وضمن
بالاستيلاء، وإلا فتردد: كأن مات، أو قتل عبد
قصاصا، أو ركب، أو ذبح،
__________
ذكره من أن الظالم المعروف بالغصب لا ينتفع
بالحيازة وإن طالت فلا أعلم فيه خلافا وأما إن
ثبت الشراء ودفع الثمن فادعى البائع أنه أخذه
منه في السر فهو مدع فوجب أن يكون القول قول
الغاصب وقد روي عن يحيى أن المشتري إذا عرف
بالعداء والظلم أن القول قول البائع مع يمينه
وقاله ابن القاسم وقع ذلك في بعض الروايات وهو
إغراق إذا أقر أنه دفع إليه الثمن ثم ادعى أنه
أخذه منه وأما لو لم يقر بقبض الثمن وقال:
إنما أشهدت له على نفسي بقبضه تقية على نفسي
لأشبه أن يصدق في ذلك مع يمينه في المعروف
بالغصب وإنما يكون قول يحيى من تصديق البائع
فيما ادعى من أنه دس إليه من أخذ منه الثمن في
السر إذا شهد له أنه قد فعل ذلك بغيره، وبالله
التوفيق، انتهى. ص: (وضمن بالاستيلاء) ش:
تصوره واضح سئلت عن رجل غصب بعيرا أو سرقه ثم
إنه ضل منه فجعل جعلا لمن يأتيه به فأتاه به
شخص فأخذه وغاب فهل لرب الجمل مطالبة الذي أتى
بالجمل بعد هروبه أم لا؟ فأجبت بأنه إن كان
عالما بأنه غصبه أو سرقه فإنه ضامن وإن لم
يعلم بذلك فلا ضمان عليه أخذا من مسألة الوكيل
يتعدى ويوكل غيره فحيث لا يجوز له فقد ذكر ابن
رشد في نوازله هذا التفصيل، والله أعلم. ص:
(أو ذبح شاة) ش: قال ابن الحاجب: وإذا ذبح
الشاة ضمن قيمتها وقال محمد: إذا لم يشوها
فلربها أخذها مع أرشها قال ابن عبد السلام:
ظاهره أنه ليس له في القول الأول إلا قيمتها
وبعد ذبحها أفاته مطلقا. وهو ظاهر ما حكاه
غيره. وقال بعضهم
(7/311)
أو جحد وديعة،
أو أكل بلا علم،
__________
عن ابن القاسم: إن ربها مخير بين أخذ قيمتها
أو أخذها بعينها على ما هي عليه من غير زيادة،
انتهى. وقال ابن عرفة: الجلاب: من غصب شاة
فذبحها ضمن قيمتها وكان له أكلها وقال محمد بن
مسلمة: لربها أخذها ويضمن الغاصب ما بين
قيمتها مذبوحة وحية ثم ذكر كلام ابن الحاجب
وابن عبد السلام ثم قال ما ذكره من أن ذبحها
فوت يوجب قيمتها لا أعرفه في الذبح نصا بل
تخريجا مما حكاه المازري فيمن طحن القمح ثم
ذكره ثم قال: وقوله: "قال بعضهم عن ابن القاسم
إن ربها مخير" ظاهره أنه لم يقف عليه نصا لابن
القاسم وفي رسم الصبرة وذكر فيه عن ابن القاسم
أنه يخير ثم قال قبله ابن رشد ولم يزد شيئا
ولا ذكر في أن لربها أخذها مذبوحة خلافا،
انتهى. وما ذكره ابن عرفة صحيح فقد شرح
التلمساني كلام الجلاب المتقدم بأن ربها مخير
وذكر ابن رشد في أجوبته في أوائل كتاب الجامع
في المسألة التي تكلم فيها على معاملة من ماله
حرام أو بعضه أن رب الشاة مخير ولم يذكر في
ذلك خلافا وذكر أنه لا يجوز شراؤها من الغاصب
وحصل هناك قاعدة وهي أن ما فات عند الغاصب ولم
يكن لربه أخذه بلا خلاف فهذا يكره له شراؤه
وما كان في فواته خلاف والقول بعدم الفوات
ضعيف فيكره وتشتد الكراهة وما كان في فوته
خلاف قوي فلا يجوز شراؤه وكذا ما كان ربه
مخيرا في أخذه لا يجوز شراؤه، انتهى. ونقل ذلك
البرزلي في
(7/312)
أو أكره غيره
على التلف، أو حفر بئرا تعديا.
__________
مسائل الغصب، وكلام ابن ناجي في شرح كتاب
الاستحقاق من المدونة يقتضي أنه لم يقف على
كلام ابن رشد وكذلك ابن عرفة، والله أعلم. ص:
(أو أكره غيره على التلف) ش: انظر نوازل سحنون
من كتاب الغصب وسماع ابن القاسم في رسم حمل
صبيا من كتاب الأيمان بالطلاق وكتاب الإكراه
في النوادر وكلام القرافي في شرح المحصول
وكلام ابن يونس في أوائل الوديعة وقال في
المسائل الملقوطة: العمد والخطأ والإكراه في
أموال الناس سواء يجب ضمانها وهو من خطاب
الوضع ولا يشترط فيه التكليف والعلم فلا فرق
في الإتلاف بين الصغير والكبير والجاهل
والعامد ولا يلتفت للضرب والحبس وغير ذلك من
أنواع التهديد والإكراه في مال نفسه ينفعه
الرجوع فيه، انتهى. وقال النووي: اتفق العلماء
على
(7/313)
وقدم عليه
المردي، إلا لمعين فسيان، أو فتح قيد عبد لئلا
يأبق أو على غير عاقل إلا بمصاحبة ربه أو حرزا
لمثلي، ولو بغلاء بمثله
__________
أنه لو جاء ظالم يطلب إنسانا مختفيا ليقتله أو
يطلب وديعة لإنسان ليأخذها غصبا فسأل عن ذلك
وجب على من علم ذلك إخفاؤه وانكار العلم به،
انتهى. وذكر ابن ناجي في باب جمل من الفرائض
أن الكذب الواجب هو الذي لإنقاذ مسلم أو ماله،
انتهى. ص (المثلي ولو بغلاء بمثله) ش: هذا إذا
فات أما إذا كان الشيء المغصوب موجودا وأراد
ربه أخذه وأراد الغاصب إعطاء مثله فلربه أخذه
قال ابن رشد في أول كتاب الجامع من نوازله:
إذا كان الحرام عند
(7/314)
__________
آخذه لم يفت رد بعينه إلى ربه ومالكه وسواء
كان له مال حلال أو لم يكن يعني للغاصب ولا
يحل لأحد أن يشتريه منه إن كان عرضا ولا
يبايعه فيه إن كان عينا ولا يأكله إن كان
طعاما ولا يقبل منه شيئا هبة ولا يأخذه منه في
حق كان له عليه ومن فعل شيئا من ذلك وهو عالم
كان سبيله سبيل الغاصب في جميع أحواله وكذا إن
فات عند الغاصب ولم يذهب بأمر من السماء أو
بجناية من غير الغاصب عليه؛ لأن ذلك لا يقطع
تخيير صاحبه أخذه وكذلك أيضا لو أفاته الغاصب
إفاتة لا تقطع تخيير صاحبه في أخذه، مثل أن
يكون شاة فيذبحها أو بقعة فيبنيها دارا أو
ثوبا فيخيطه أو يصبغه أو ما أشبه ذلك ولو
أفاته إفاتة تلزمه بها القيمة أو المثل فيما
له المثل ويسقط خيار ربها في أخذها عند بعض
العلماء كالفضة يصوغها حليا والصفر يفعل منه
قدحا والخشب يصنع منه توابيت وأبوابا والصوف
والحرير والكتان يعمل من ذلك ثيابا وما أشبه
ذلك لما جاز أيضا لأحد أن يشتريه ولا أن
يستوهبه بخلاف من يقول من العلماء: إن لرب هذه
الأشياء أن يأخذ الفضة مصوغة والصفر معمولا
والخشب مصنوعا والثياب منسوجة دون شيء يكون
عليه للغاصب لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس
لعرق ظالم حق" 1. انظر بقية كلامه.
تنبيه: قال في التوضيح في كتاب الصرف عن ابن
القاسم: إنهم اتفقوا على أن الدنانير والدراهم
تتعين بالنسبة إلى من كان ماله حراما أو كان
في ماله شبهة فإذا أراد من هو من أهل الخير
أخذ عين دنانيره ودراهمه من الغاصب الذي ماله
حرام أو في ماله شبهة مكن من ذلك باتفاق ثم
قال: وانظر الاتفاق الذي حكاه المصنف مع قول
ابن الجلاب ومن غصب دراهم فوجدها ربها بعينها
وأراد أخذها وأبى الغاصب أن يردها وأراد رد
مثلها فذلك للغاصب دون ربها قاله ابن القاسم،
انتهى.
قلت: ذكر ابن عرفة عن ابن شاس أنه إذا أراد
الغاصب إعطاء ربها غير عينها فإن افترقا في
الحل والتحريم أو الشبهة فلربها أخذ عينها
اتفاقا وإلا فالمشهور كذلك، انتهى. وما ذكره
عن ابن الجلاب ذكره هو في باب الغصب وقال
بعده: وقال بعض أصحابنا وهو الشيخ أبو بكر
الأبهري ذلك لربها دون غاصبها وقال غيره لم
يقل ذلك ابن القاسم في الغصب وإنما ذكره في
البيوع؛ لأن البيع بها واقع على صفة؛ لأنها لا
تراد لعينها ولا غرض في ذلك وأما المغصوب فله
غرض في أخذ عين ماله؛ لأنه حلال ومال الغاصب
حرام فكيف يمنع من ذلك ولم يقله ابن القاسم
فيه وإنما تأول عليه في هذا قوله في البيع ولا
شبهة، انتهى. وقال الشيخ سليمان البحيري بعد
أن ذكر كلام التوضيح وما نقله ابن الجلاب عن
ابن القاسم هو خلاف
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الحرث باب 15، أبو
داود في كتاب الإمارة باب 37، الترمذي في كتاب
الأحكام باب 38. الموطأ في كتاب الأقضية حديث
26. أحمد في مسنده (5/ 327).
(7/315)
وصبر لوجوده،
ولبلده ولو صاحبه، ومنع منه للتوثق ولا رد له:
كإجازته بيعه معيبا زال، وقال أجزت لظن بقائه:
__________
المشهور انتهى. وذكر التلمساني في شرح الجلاب
والقرافي عن المدونة في كتاب الشفعة ما يدل
على أن لربها أخذها والذي لابن القاسم في
البيع هو ما في كتاب السلم فيمن أسلم ثم أقالك
قبل التفرق ودراهمك في يده فأراد أن يعطيك
غيرها فذلك له وإن كنت شرطت استرجاعها بعينها،
انتهى. فعلم مما تقدم أنه ليس للغاصب أن يحبس
المثلي حيث لم يجعل فيه مفوت ولم يدفع مثله،
والله أعلم. ص: (كإجازته بيعه معيبا زال وقال:
أجزت لظن بقائه) ش: قال في المدونة: ومن غصب
أمة بعينها بياض فباعها ثم ذهب البياض عند
المبتاع فأجاز ربها
(7/316)
كنقرة صيغت،
وطين لبن وقمح طحن وبذر زرع وبيض أفرخ،
__________
البيع ثم علم بذهاب البياض فقال: إنما أجزت
البيع ولم أعلم بذهاب البياض وأما الآن فلا
أجيزه فلا يلتفت إلى قوله ولزمه البيع وقال
أبو الحسن الصغير: لم يلتفت إلى قوله وإن كان
صادقا في قوله وانظر قوله: "ثم ذهب البياض عند
المبتاع" فمفهومه لو ذهب عند الغاصب لكان
الحكم خلاف هذا. ابن يونس: قال بعض الفقهاء:
لو ذهب عند الغاصب وأجاز البيع لانبغى أن يكون
له متكلم؛ لأن البيع وقع على غير الصفة التي
يعرفها فيقول إنما أجزت البيع على ما كنت أعرف
ابن يونس؛ لأنه يقول إنما أجزت بيع جارية
عوراء بهذا الثمن ولو علمت أن بياضها قد زال
قبل البيع ما بعتها بمثل هذا الثمن وأما التي
بيعت عوراء فقد بيعت على ما كان يعرف فقد رضي
بتسليمها على ذلك الحال فلا حجة له ابن يونس
ويحتمل أن يقال: لا حجة له في الوجهين؛ لأنه
لو شاء استثبت ولم يعجل وهي حجة مالك في
الأولى وقال عبد الحق: لا حجة له في الوجهين
وقول مالك "لو شاء لم يعجل". يعم الوجهين،
انتهى كلام أبي الحسن.
(7/317)
إلا ما باض، إن
حضن وعصير تخمر وإن تخلل خير: كتخللها لذمي،
وتعين لغيره وإن صنع كغزل وحلي وغير مثلي
فقيمته يوم غصبه،
__________
ص: (وعصير تخمر) ش: قال اللخمي وفي ثمانية أبي
زيد من تعدى على جرة عصير فكسرها فإن دخله عرق
خل ولم يتخلل غرم قيمته على الرجاء والخوف
بمنزلة الثمرة وإن ظهر أنه خمر ولم يدخله عرق
خل فلا شيء عليه؛ لأنه كسره في حين لو علم به
لم يحل إمساكه، انتهى. ص: (وإن صنع كغزل وحلي
وغير مثلي) ش: قال بعضهم: إنه رأى خط المؤلف
بالضاد المعجمة والياء التحتية مبنيا للنائب
وهو ظاهر أشار به إلى أن الغاصب إذا غصب غزلا
ثم ضاع ذلك الغزل إما بسبب ذلك الغاصب أو بغير
سببه فإنه يلزم غرم قيمته وهذا الذي صدر به
ابن الحاجب وكذلك الحلي إذا غصبه وتلف فإنه
يلزمه غرم قيمته ونبه بالغزل والحلي على مذهب
ابن القاسم في المثلي إذا دخلته الصنعة أنه
يصير من المقومات وكذلك أيضا المثلي الجزاف
يعني به أن ما كان من المثليات إذا كان لا
يباع بكيل ولا وزن ولا عدد وإنما يباع جزافا
فغصبه أحد وتلف كان عليه القيمة؛ لأنه صار من
المقومات حيث لم يحصر مما ذكر. ص: (فقيمته يوم
غصبه) ش: يعني أن المغصوب المقوم أو ما في
حكمه مما تجب فيه
(7/318)
وإن جلد ميتة
لم يدبغ أو كلبا ولو قتله تعديا، وخير في
الأجنبي فإن تبعه تبع هو الجاني فإن أخذ ربه
أقل فله الزائد من الغاصب فقط وله هدم بناء
عليه،
__________
القيمة إنما تعتبر القيمة فيه يوم الغصب. هذا
هو المذهب وقال أشهب: تلزمه أعلى قيمة مضت
عليه من غصبه إلى يوم تلفه ونقله ابن شعبان عن
ابن وهب وعبد الملك. ص: (ولو قتله بعداء) ش:
كذا في بعض النسخ "بعداء" بباء الجر الداخلة
على عداء وهو بفتح العين المهملة والمد قاله
في الصحاح وهو تجاوز الحد في الظلم وفي بعض
النسخ "ولو تعدياً" بالتاء المثناة من فوق،
ويعني أنه يضمن المقوم بقيمته يوم غصبه ولو
كان الغاصب قتل المغصوب تعديا منه وهذا قول
ابن القاسم وأشهب وقال سحنون وابن القاسم في
أحد قوليه: له أخذه بقيمته يوم
(7/319)
وغلة مستعمل،
وصيد عبد، وجارح،
__________
القتل كالأجنبي. ص: (وغلة مستعمل) ش: هذا هو
المشهور أنه يضمن غلة ما استعمل من رباع
وحيوان وهو خلاف مذهب المدونة فإنه قال في
كتاب الغصب: إنه لا يرد غلة العبيد والدواب
وقال في كتاب الاستحقاق: ولا يرد غلة الحيوان
مطلقا وما مشى عليه المصنف قال في التوضيح:
صرح المازري وصاحب المعين بتشهيره وشهره ابن
الحاجب وقال ابن عبد السلام: هو الصحيح عند
ابن العربي وغيره من المتأخرين.
(7/320)
وكراء أرض
بنيت، كمركب نخر، وأخذ ما لا عين له قائمة،
__________
فرع: من غصب منفعة دار واستأجر منه رجل تلك
المنفعة فلربها أخذ المنفعة من الغاصب أو من
المستأجر، عالما كان أو جاهلا، كما لو غصب
طعاما وباعه واستهلكه المشتري
(7/321)
وصيد شبكة وما
أنفق في الغلة، وهل إن أعطاه فيه متعدد عطاء
فيه؟ أو بالأكثر منه ومن القيمة تردد
__________
فلرب الطعام أن يضمن من شاء منهما بخلاف ما
إذا غصب الرقبة وأكراها قاله في نوازل عيسى من
كتاب الغصب. ص: (وهل إن أعطاه فيه متعدد عطاء
فيه أو بالأكثر منه ومن القيمة تردد) ش: يعني
أن من كان له متاع أو سلعة أو شيء تسوق به
فأعطاه فيه ناس متعددون ثمنا ثم تعدى عليه شخص
فغصبه ذلك الشيء واستهلكه فهل يضمن الغاصب لرب
المتاع ذلك الثمن الذي أعطي فيه أو يضمن
الأكثر منه ومن القيمة؟ تردد. هذا حل كلامه،
والمسألة في سماع ابن القاسم من كتاب الغصب
ونصها: قال مالك في رجل تسوق فيعطيه غير واحد
ثمنا ثم يعدو عليه رجل فيستهلكها قال: أرى أن
يضمن ما كان يعطى بها ولا ينظر في قيمتها قال:
وذلك إذا كان عطاء قد تواطأ عليه الناس ولو
شاء أن يبيع به باع.
فرع: ولا يضمن إلا قيمتها قال عيسى: يضمن
الأكثر من القيمة والثمن، انتهى. وظاهر كلام
العتبي وابن يونس أيضا أن المستهلك لا يضمن
إلا ما أعطي فيها سواء زاد على القيمة أو نقص
وكلام ابن رشد خلافه فأشار بالتردد لترددهم في
فهم كلام مالك فتأمله، والله أعلم.
(7/322)
وإن وجد غاصبه
بغيره وغير محله: فله تضمينه، ومعه أخذه إن لم
يحتج لكبير حمل، لا إن هزلت جارية، أو نسي عبد
صنعة ثم عاد أو خصاه فلم ينقص،
__________
ص: (وإن وجد غاصبه بغيره وغير محله فله
تضمينه) ش: تصوره ظاهر.
فرع: قال البرزلي: وقعت مسألة وهو أنه وجبت
قناطر من كتان من عداء على رجل بتونس وكان
تعديه عليها بالإسكندرية فوقع الحكم عليه بدفع
قيمته بالإسكندرية في تونس لتعذر الطريق إلى
الإسكندرية عن قرب بر أوبحر ولو لم يتعذر
الطريق لم يقض إلا بمثلها في الإسكندرية وهي
مثل ما حكى ابن رشد فيمن سلف طعاما لأسير في
بلاد الحرب أو في بلاد الإسلام ثم أخذها العدو
أو تعذر الوصول إليها فقيل: يقضى بقيمتها في
ذلك البلد يوم الحكم ويأخذه ربه إن وجده وقيل:
لا يقضى إلا بمثله في ذلك البلد إلا أن يتفقا
على شيء يجوز وكذلك لو دفعه في قرية الأسير
وهي تجري على الخلاف هل هو استهلاك أو قرض؟
وأما لو كان الكتان جزافا أو الطعام كذلك لم
يقض إلا بقيمته يوم العداء وأنه يأخذها حيث
وجدها، انتهى. ص: (أو خصاه فلم ينقص) ش: قد
تكلم عليه ابن غازي بما يغني ويؤخذ من هنا أن
الخصاء ليس بمثلة ولو كان مثلة لعتق على
الغاصب وغرم لربه قيمته كما قال في كتاب الغصب
من المدونة: وأما من تعدى على عبد رجل ففقأ
عينه أو قطع له جارحة أو
(7/323)
أو جلس على ثوب
غيره في صلاة، أو ضل لصا، أو أعاد مصوغا على
حاله، وعلى غيرها فقيمته:
__________
جارحتين فما كان من ذلك فسادا فاحشا حتى لم
يبق فيه كبير منفعة فإنه يضمن قيمته ويعتق
عليه وكذلك الأمة، والله أعلم. ص: (أو دل
لصاً) ش: انظر كيف مشى هنا على أنه لا يضمن مع
أن الذي جزم به ابن رشد في رسم حمل صبيا من
سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق أنه يضمن
ولو أكره على ذلك وهو الذي اختاره أبو محمد
كما سيأتي فتأمله. ولعل المصنف مشى على هذا
القول؛ لأنه يفهم من كلام ابن يونس في آخر
كتاب الغصب أنه الجاري على مذهب ابن القاسم في
مسألة دلالة المحرم على الصيد فتأمله. وأصل
المسألة في النوادر ونقل فيها القولين
بالتضمين وعدمه في آخر كتاب الغصب ونقل
القولين عنه ابن يونس في آخر كتاب الغصب ثم
قال بعدهما: قال أبو محمد: وأنا أقول بتضمينه؛
لأن ذلك من وجه التغرير وكذا نقل البرزلي عن
ابن أبي زيد أنه أفتى بالضمان وذكر الشيخ أبو
محمد مسائل جملة في أواخر كتاب الغصب من
الغرور بالقول وذكر منها مسألة الصيرفي يغر من
نفسه أو يقول في الرديء إنه جيد وذكرها أيضا
في آخر كتاب تضمين الصناع وذكرها في المدونة
(7/324)
ككسره، أو غصب
منفعة فتلفت الذات أو أكله مالكه ضيافة، أو
نقصت للسوق،
__________
أيضا في كتاب تضمين الصناع وانظر الغرور
بالقول والفعل في ابن عرفة، وفي المسائل
الملقوطة مسألة من أجوبة القرويين في القائل
للرجل بع سلعتك من فلان فإنه ثقة مليء فيجده
بخلاف ذلك فقال: لا يغرم إلا أن يغره وهو يعلم
بحاله، انتهى. ص: (ككسره) ش: هذا التشبيه راجع
إلى ما لا يغرم فيه القيمة وإنما يأخذ فيه
الشيء المغصوب لكن يؤخذ هنا أيضا قيمة الصياغة
قال ابن الحاجب: ولو كسره أخذه وقيمة الصياغة
وسكت المؤلف هنا عنه لوضوحه، والله أعلم. ص:
(أو نقصت للسوق) ش: كذا في بعض النسخ بجر
"السوق" فاللام التعليل أي نقصت السلعة لأجل
تغير سوقها لا لشيء في بدنها وفي بعض النسخ
"نقصت السوق" أي نقص سوقها. وعلى هاتين
النسختين فيكون معطوفا على ما لا ضمان فيه بما
قبلها وفي بعض النسخ "أو نقصت لا لسوق" بإدخال
"لا" النافية على السوق المنكر المجرور باللام
والمعنى أن السلعة المغصوبة نقصت في بدنها لا
لأجل سوقها، ويكون معطوفا على ما يضمن
(7/325)
أو رجع بها من
سفر ولو بعد: كسارقه، وله في تعدي كمستأجر:
كراء الزائد إن سلمت، وإلا خير فيه وفي قيمتها
وقته
__________
فيه القيمة وهو قوله: "وعلى غيرها فقيمته
ككسره" والله أعلم. ص: (أو رجع بها من سفر ولو
بعد كسارق) ش: هذا مما دخل تحت قوله: "وغلة
مستعمل". وإنما ذكرها هنا ليبين أن هذا الفعل
من الغاصب ليس بفوت يوجب تخيير ربها فيها وفي
قيمتها وليبين أنه يوجب ذلك من التعدي
كالمستأجر ونحوه وليس مقصوده أنه لا كراء على
الغاصب فليس معارضا لما تقدم ومن يحمله على
نفي الكراء على الغاصب كما هو مذهب المدونة
فيحتاج أن يقيد ما تقدم بذلك قال ابن الحاجب
لما أن عد بعض ما يكون فوتا يوجب تخيير رب
السلعة فيها وفي قيمتها ما نصه: ولو رجع
بالدابة من سفر بعيد بحالها لم يلزم سواها عند
ابن القاسم بخلاف تعدي المكتري والمستعير وفي
الجميع قولان قال ابن عبد السلام: ستأتي مسألة
المدونة التي ذكرها المؤلف بعد هذا، انتهى.
ويشير إلى قوله فإن استغل واستعمل ثم قال ابن
عبد السلام ما نصه: ثم هذا الحصر الذي أعطاه
كلام المؤلف حيث قال: "لم يلزم سواها"، يحتمل
أن يبقى على ظاهره فلا يكون على الغاصب كراء
في سفره على الدابة ويحتمل أن يريد نفي قيمة
الدابة التي يكون رب المال مخيرا فيها في
التعدي لا كراء الدابة، انتهى. ولما أن كان
ابن الحاجب يذكر الأقوال في الغلة قال في
كلامه هنا: يحتمل ويحتمل فأما المصنف فلم يذكر
أولا إلا المشهور وهو ضمان غلة المغصوب
المستعمل مطلقا فيحمل كلامه هنا على نفي
الضمان إلا أن يجعل كلامه الأول على مذهب
المدونة ويقيد فيصح، والله أعلم. ص: (وله في
تعدي كمستأجر كراء الزائد إن سلمت وإلا خير
فيه وفي قيمتها وقته) ش: فسر الشارح مثل
المستأجر المستعير ومعنى كلامه أن الدابة إذا
سلمت في تعدي المستأجر وشبهه كالمستعير
(7/326)
وإن تعيب، وإن
قل ككسر نهديها،
__________
فليس لربها إلا كراء الزائد فقط ولا تخيير له،
وإنما يخير مع عدم السلامة. وظاهره أن ذلك
يتعين سواء كانت الزيادة كثيرة أو قليلة ولا
يخير وهذا مخالف لما قدمه في فصل العارية وفي
فصل كراء الدواب وفصل الوديعة وخلاف لما في
المدونة ولما قاله ابن الحاجب وقبله في
التوضيح قال في المدونة: وأما المكتري أو
المستعير يتعدى المسافة تعديا يحبسها أياما
كثيرة ولم يركبها ثم يردها بحالها فربها مخير
في أخذ قيمتها يوم التعدي أو يأخذها مع كراء
حبسه إياها بعد المسافة، انتهى. وقال ابن
الحاجب ولو رجع بالدابة من سفر بعيد على حالها
لم يلزمه سواها عند ابن القاسم بخلاف تعدي
المكتري والمستعير وفي الجميع قولان قال ابن
عبد السلام بخلاف المكتري والمستعير يزيدان في
المسافة زيادة بعيدة ثم يردان الدابة على
حالها فلرب الدابة أخذها وله تركها وأخذ
القيمة وقال في التوضيح: بخلاف تعدي المكتري
والمستعير إذا زاد في المسافة زيادة بعيدة فإن
ربها بالخيار فإن أحب أخذها وكراءها من موضع
التعدي إلى غايته وإن أراد أخذ قيمة دابته من
المكان الذي تعدى عليه وله الكراء الأول في
الكراء ثم قال: وفهم من قوله يعني ابن الحاجب:
"سفر بعيد" أنه لو تعدى المستعير والمكتري
موضعا قريبا أو زمنا قريبا أنه لا يكون له
تضمين الدابة وفي الباجي إذا أمسكها أياما
يسيرة زائدة على أيام الكراء لا ضمان عليه
وإنما له الكراء في أيام التعدي مع الكراء
الأول قاله مالك وأصحابه، انتهى. وما ذكره عن
الباجي نحوه في المدونة كما سيأتي إن شاء الله
فلو زاد المؤلف مع قوله: "إن سلمت" لفظ
"وقربت" يعني مسافة التعدي لكان أحسن؛ لأن
قوله: "إن سلمت" لا يوافق المنصوص؛ إذ لا فرق
بين سلامتها وعدم سلامتها إلا مع قرب المسافة
قال في المدونة بعد الكلام المتقدم بأسطر قال
ابن القاسم: وإذا زاد المكتري للدابة أو
المستعير في المسافة ميلا أو أكثر فعطبت ضمن
وخير ربها فإما ضمنه قيمتها يوم التعدي ولا
كراء له في الزيادة وإما ضمنه كراء الزيادة
فقط ولا شيء له من قيمتها وعلى المكتري الكراء
الأول بكل حال ولو ردها بحالها والزيادة يسيرة
مثل البريد أو اليوم وشبهه لم تلزم قيمتها ولا
يضمن إلا كراء الزيادة فقط، انتهى، والله
أعلم. ص: (خير فيه) ش: يعني أنه يخير المغصوب
منه في الشيء المغصوب يريد وفي قيمته في ثلاث
مسائل، الأولى: إذا تعيبت بسماوي، الثانية:
إذا تعيبت بجناية، الثالثة: إذا تعيبت بجناية
الغاصب. أما الأول فليس له إلا أخذه بغير أرش
أو أخذ القيمة قال في المدونة: وما أصاب
السلعة بيد الغاصب من عيب قل أو كثر بأمر من
الله فربها مخير في أخذها معيبة أو تضمينه
قيمتها يوم الغصب وإن كانت جارية فأصابها عنده
عور أو عمى أو ذهاب يد بأمر من الله فليس
لربها أن يأخذها وما نقصها عند الغاصب إنما له
أخذها
(7/327)
أو جنى هو أو
أجنبي. خير فيه: كصبغه في قيمته وأخذ ثوبه،
ودفع قيمة الصبغ،
__________
ناقصة أو قيمتها يوم الغصب، وليس للغاصب أن
يلزم ربها أخذها ويعطيه ما نقصها إذا اختار
ربها أخذ قيمتها، انتهى. وذكر هذه الصورة ابن
الحاجب ولم يحك فيها خلافا. وأما الثانية
فيخير بين أخذه وأخذ أرش الجناية من الجاني أو
تضمين الغاصب القيمة ويتبع الغاصب الجاني قال
في المدونة إثر الكلام المتقدم بسطرين: ولو
قطع يدها أي الجارية أجنبي ثم ذهب فلم يقدر
عليه فليس لربها أخذ الغاصب بما نقصها وله أن
يضمنه قيمتها يوم الغصب ثم للغاصب اتباع
الجاني بما جنى عليها وإن شاء ربها أخذها
واتبع الجاني بما نقصها دون الغاصب، انتهى.
وذكرها أيضا ابن الحاجب ولم يحك فيها خلافا.
وأما الثالثة فيخير أيضا بين أخذها مع أرش
الجناية من الغاصب وبين أخذ القيمة منه هذا
مذهب المدونة قال فيها: ولو كان الغاصب هو
الذي قطع يد الجارية فلربها أن يأخذها وما
نقصها أو يدعها ويأخذ قيمتها يوم الغصب ابن
يونس. قوله: "وما نقصها" يريد يوم الجناية،
انتهى. وذكر ابن الحاجب فيها قولين وعزا هذا
لابن القاسم ومقابله لأشهب وهو أنه ليس له إلا
أخذها بغير أرش أو أخذ القيمة وجعل البساطي
هذا الثاني هو المذهب ونصه: والمنصوص أنه في
جناية الأجنبي له أن يأخذه ناقصا ويتبع
الأجنبي بأرش الجناية وليس له ذلك على المذهب
في السماوي وفي جناية الغاصب، انتهى. وفيه
نظر؛ لأن الأول مذهب المدونة كما علمنا ولم أر
من رجح الثاني ولا من شهره، والله أعلم.
فرع: قال ابن عرفة أشهب: إن غصب أشياء مختلفة
فنقصت في يده فلربها تضمينه قيمتها يوم الغصب
أو أخذها ناقصة ولا شيء له وله أخذ بعضها
بنقصه وقيمة باقيها، انتهى. ص: (كصبغه في
قيمته وأخذ ثوبه ودفع قيمة الصبغ) ش: قال ابن
الحاجب: وإذا صبغ الثوب خير المالك بين القيمة
والثوب ويدفع قيمة الصبغ وقال أشهب لا شيء
عليه في الصبغ أما لو نقصت القيمة فلا شيء
عليه ولا له أن يأخذه قال في التوضيح يعني إذا
صبغ الغاصب الثوب فزادت قيمته أو لم تزد ولم
تنقص فمذهب المدونة أنه يخير المالك فيما ذكر
(7/328)
وفي بنائه في
أخذه، ودفع قيمة نقده بعد سقوط كلفة لم
يتولها، ومنفعة البضع، والحر
__________
ثم قال: ويدلك على ما قيدنا به كلام المؤلف
يعني ابن الحاجب أن الثوب زادت قيمته أو لم
تنقص قوله في قسيم المسألة أما لو نقصت إلى
آخره وهو ظاهر؛ لأن ذلك عيب فكان كسائر
العيوب، انتهى.
تنبيهان: الأول: قول التوضيح؛ "لأن ذلك عيب
إلخ". نحوه لابن عبد السلام وإذا كان عيبا
فكان الظاهر أن يغرم الغاصب الأرش إذا اختار
في الثوب أخذه؛ لأن هذا العيب منه حدث وقد
تقدم أن مذهب المدونة تغريمه الأرش مع أخذ
السلعة إذا كان من الغاصب فتأمله على أنه أطلق
المسألة أعني مسألة الصبغ في المدونة ولم
يقيدها بزيادة الصبغ ولا بنقصه، والله أعلم.
الثاني: قال البساطي: فإن قلت أطلق المصنف
وقيدت المسألة بما إذا زادت قيمته فهل له وجه؟
قلت: المسألة متأولة كما ذكرت وإطلاق المؤلف
لا يضر؛ لأنه إن نقصت لا يتأتى فيه ذلك وإن
كانت سواء فكذلك، انتهى. فتأمل قوله: "وإن
كانت سواء" فإنه مخالف للتوضيح، والله أعلم.
فرع: قال ابن عرفة: وفي تضمين الصناع منها:
ولك أخذ ما خاطه الغاصب بلا غرم أجر الخياطة
لتعديه. قلت: الفرق بينهما أن الصبغ بإدخال
صنعة في المغصوب فأشبه البناء والخياطة مجرد
عمل فأشبه التزويق، انتهى. ص: (كحر باعه وتعذر
رجوعه) ش: قال في
(7/329)
بالتفويت. كحر
باعه وتعذر رجوعه، ومنفعة غيرهما بالفوات، وهل
يضمن شاكيه لمغرم زائدا على قدر الرسول إن
ظلم، أو الجميع، أو لا؟ أقوال
__________
مسائل أبي عمران القابسي من كتاب الاستيعاب
وكتاب الفضول فيمن باع حرا ماذا يجب عليه قال
يحد ألف جلدة ويسجن سنة فإذا أيس منه ودى ديته
إلى أهله، انتهى. ص: (وهل يضمن شاكيه لمغرم
زائدا على قدر الرسول إن ظلم أو الجميع أو لا؟
أقوال) ش: القول الأخير أنه لا غرم عليه وإنما
عليه الأدب هو قول أكثر الأصحاب قاله الشيخ
ابن أبي زيد وابن يونس وانظر إذا شكا شخص رجلا
لحاكم جائر لا يتوقف في قتل النفس فضرب المشكو
حتى
(7/330)
وملكه إن
اشتراه، ولو غاب أو غرم قيمته إن لم يموه ورجع
عليه بفضلة أخفاها، والقول له في تلفه ونعته
وقدره، وحلف:
__________
مات، هل يلزم الشاكي شيء أم لا ؟. ص: (ولو
غاب) ش: قال ابن الحاجب: وفيها لو نقل الجارية
لبلد ثم اشتراها من ربها في بلد آخر جاز وقال
أشهب: بشرط أن تعرف القيمة ويبذل ما يجوز فيها
بناء على أصل السلامة ووجوب القيمة. ابن عرفة.
إجراء القولين على الأصلين المذكورين واضح إذا
اعتبر القولان من حيث ذاتهما لا من حيث
قائلهما وإجراؤهما على ذلك من حيث قائلهما
مشكل؛ لأن الأول عزاه ابن عبد السلام لابن
القاسم وهو يقول: الواجب فيه القيمة ووجوب
القيمة لا يتأتى أن يجرى عليه اعتبار أصل
السلامة وإنما يتأتى اعتبار أصل السلامة على
القول في النقل إن الواجب فيه في المغصوب أخذ
شيئه وهذا إنما هو قول سحنون والثاني عزاه
المؤلف لأشهب وقوله في نقل المغصوب إن ربه
مخير في أخذه أو قيمته ولم يقل بوجوب القيمة
إلا ابن القاسم حسبما تقدم للخمي، انتهى. ص:
(ورجع عليه بفضلة أخفاها) ش: قال أشهب ومن
قال: إن له أخذها فقد أخطأ كما لو نكل الغاصب
عن اليمين وحلفت على صفتك ثم ظهرت خلاف ذلك
كنت قد أظلمته في القيمة فيرجع عليك بما زدت
عليه ولا يكون له رد الجارية، انتهى. من
التوضيح وانظر لو وصفها الغاصب ثم ظهرت أنقص
مما وصفها فهل له رجوع أم لا؟ وكذلك لو وصفها
المغصوب منه ثم ظهرت أزيد فتأمله. ص: (والقول
له في تلفه ونعته وقدره) ش: لأنه غارم فهو
مدعى عليه فيسأل المغصوب منه عما يدعيه ثم
يوقف له الغاصب؛ لأنه المدعى عليه كما نبه على
ذلك الباجي في كتاب الأقضية في قضية المزني
لما نحر حاطب ناقته وتقدم نحو هذا في آخر
الرهون، والله أعلم. ص: (وحلف) ش: قال في
الوسط: أي الغاصب في دعوى التلف والقدر والوصف
وقاله في المدونة، انتهى. وهذا يوهم أنه نص في
المدونة على اليمين فيما إذا ادعى التلف وليس
(7/331)
كمشتر منه، ثم
غرم لآخر رؤيته،
__________
كذلك. قال في التوضيح: ولم أر في الأمهات وجوب
اليمين على الغاصب إذا ادعى التلف لكن نص فيها
في الشيء المستحق إذا كان مما لا يغاب عليه
أنه يحلف إذا ادعى المشتري تلفه وكذلك في رهن
ما لا يغاب عليه ولا يمكن أن يكون الغاصب أحسن
حالا منهما وقد نص ابن عبد السلام على وجوب
اليمين هنا في التلف، انتهى. وما ذكره في
التوضيح نحوه للشيخ أبي الحسن الصغير قال في
المدونة: وإذا ادعى الغاصب هلاك ما غصب من أمة
أو سلعة فاختلفا في صفتها صدق الغاصب مع
يمينه. الشيخ: ظاهره أنه يصدق في الهلاك من
غير يمين وقد ذكر الأمة والسلعة وقد تقدم في
الشيء المستحق إذا كان مما يغاب عليه أنه يحلف
إذا ادعى المشتري تلفه وكذلك في رهن ما يغاب
عليه وكيف يكون الغاصب أحسن حالا من هؤلاء إلا
أن يقال: إن معنى ما قال هنا أن المغصوب منه
صدقه أو أقام بينة على ما ادعى، انتهى، والله
أعلم. ص: (كمشترى منه) ش: ظاهره أن القول قوله
في التلف وفي النعت والقدر ويحلف والمنقول أنه
يصدق في هلاك ما لا يغاب عليه ولم يذكروا حلفه
لكنهم شبهوه بالرهون والعواري فيقتضي أنه يحلف
وإن كان مما يغاب عليه فيحلف على التلف ويغرم
القيمة وقيل: لا يمين عليه وقالوا إذا باعه
يلزمه ثمنه. وقوله: "مقبول في قدره" هذا ما
رأيته في المسألة في التوضيح والبيان قال في
رسم استأذن من سماع عيسى من الغصب: وسئل ابن
القاسم عن الرجل يشتري السلعة في سوق المسلمين
فيدعيها رجل قبله ويقيم البينة أنها اغتصبت
منه فيزعم مشتريها أنها قد هلكت قال: إن كان
حيوانا فهو مصدق وإن كانت مما يغاب عليه لم
يقبل قوله وأحلف ويكون عليه قيمتها إلا أن
يأتي بالبينة على هلاك من الله أتاه من اللصوص
والغرق والنار ونحو ذلك فلا يكون عليه شيء،
قيل له: فإن باعها؟ قال: لا يكون عليه إلا
ثمنها قيل له: فإن قال: بعتها بكذا وكذا ولم
تكن له على ذلك بينة إلا قوله
(7/332)
ولربه: إمضاء
بيعه،
__________
أيصدق على ذلك؟ قال: قوله مقبول في ذلك؛ لأنه
قد يعرف الشيء في يديه ثم يتغير عنده قبل أن
يبيعه بكسر أو عور أو شيء يصيبه ابن رشد إنما
قال: إنه يحلف إذا ادعى تلف السلعة التي اشترى
ويغرم قيمتها مخافة أن يكون غيبها، انتهى.
وقال في التوضيح: قيل: وإذا صدق فيما لا يغاب
عليه فإنما ذلك إذا لم يظهر كذبه كالرهن
والعارية وقال أصبغ: يصدق في الضياع فيما لا
يغاب عليه مع يمينه ابن عبد السلام وإذا بنينا
على المشهور وضمناه فخرج بعضهم قولا بعدم
اليمين، انتهى. فتأمله، والله أعلم. ص: (ولربه
إمضاء بيعه) ش: قال في المدونة: ومن غصب عبدا
أو أمة ثم باعها ثم استحقها رجل وهي بحالها
فليس له تضمين الغاصب القيمة وإن حالت الأسواق
وإنما له أن يأخذها أو يأخذ الثمن من الغاصب
كما لو وجدها بيد الغاصب وقد حالت أسواقها فإن
أجاز ربها البيع بعد أن هلك الثمن بيد الغاصب
فإن الغاصب يغرمه وليس الرضا ببيعه يوجب حكم
الأمانة في الثمن، انتهى. وقال اللخمي: إذا
باع الغاصب العبد ثم أتى صاحبه ولم يتغير سوقه
ولا بدنه كان بالخيار بين أن يجيز البيع أو
يأخذه ويرجع المشتري بالثمن ثم قال: وإن كان
العبد قائم العين وأجاز المغصوب منه البيع لزم
المشتري إلا أن يكون المغصوب منه فاسد الذمة
بحرام أو غيره واختلف إذا كان المشتري قد دفع
الثمن إلى الغاصب والغاصب فقير وقد أجاز
المستحق البيع فقيل: لا شيء له على المشتري
وقيل: يأخذ منه الثمن وهذا على القول بأن
العقد بيع فيكون قد أجاز البيع دون
(7/333)
ونقض عتق
المشترى، وإجازته وضمن مشتر لم يعلم في عمد،
لا سماوي، وغلة، وهل الخطأ كالعمد؟ تأويلان،
__________
القبض وعلى القول إن البيع التقابض لا يكون له
على المشتري شيء، انتهى. ونقل في النوادر
القولين وضعف الثاني وأنكره. انظره في كتاب
الاستحقاق.
تنبيه: قال اللخمي: وإن علم المشتري أن البائع
منه غاصب وأحب المبتاع رد البيع قبل قدوم
المغصوب منه لم يكن له ذلك إذا كان قريب
الغيبة وله ذلك إذا كانت الغيبة بعيدة؛ لأن
عليه في وقفه في ضمانه حتى يقدم ضررا، انتهى.
فيكون بمنزلة بيع الفضولي.
مسألة: إذا كان طعام أو غيره مشتركا بين شخصين
فغصب منه ظالم حصة أحدهما فهل ذلك بين
الشريكين أو خاص بمن أخذ باسمه؟ قال ابن أبي
زيد: الذي عندي أن المأخوذ بينهما والباقي
بينهما وكذلك أفتى السيوري ذكره عنه البرزلي
في مسائل الغصب وبحث في ذلك فانظره. ص: (لا
سماوي) ش: قال في المدونة: ولو مات عند
المبتاع لا شيء عليه قال أبو الحسن عن ابن
يونس قال ابن المواز قال أشهب وإن استحقت
بحرية يعني وقد ماتت رجع المشتري على بائعها
بالثمن وكذا إذا استحقت بأنها أم ولد أو معتقة
إلى أجل وقد ماتت وإن كانت مدبرة لم يرجع
بشيء. ابن المواز. ومثله عندنا المكاتبة،
انتهى. ونحوه في كتاب الاستحقاق من النوادر.
(7/334)
ووارثه،
وموهوبه إن علما: كهو، وإلا بدئ بالغاصب،
__________
مسألة: من استحق بعد أن تداولته الأملاك بحرية
تراجع بائعوه كل واحد على صاحبه وكذلك إذا
استحق برق وأخذه مستحقه وأجاز البيع الأخير
وهو صريح في كتاب الاستحقاق من النوادر ويؤخذ
من المسألة الثانية من سماع عبد الملك من
الاستحقاق وهي أيضا في نوازل ابن رشد في
الاستحقاق وفي أحكام ابن سهل في الاستحقاق وفي
جامع القول في العمدة في الدرك من النوادر وفي
سماع أصبغ ويحيى من كتاب البيوع. وانظر أبا
الحسن في كتاب الشفعة في مسألة الشقص إذا تكرر
بيعه وانظر رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب
العيوب وانظر أول سماع عيسى من كتاب العارية
وقال في كتاب الرهون من المدونة: وقال
(7/335)
ورجع عليه بغلة
موهوبه، فإن أعسر: فعلى الموهوب، ولفق شاهد
بالغصب لآخر على إقراره بالغصب: كشاهد بملكك:
لثان بغصبك. وجعلت ذا يد، لا مالكا، إلا أن
تحلف مع شاهد
__________
مالك فيمن باع سلعة فاستحقها صاحبها وقد دارت
في أيدي رجال أنه يأخذ الثمن من أيهم شاء. ص:
(ولفق شاهد بالغصب لآخر على إقراره بالغصب
إلخ) ش: ظاهر كلامه أنه يحتاج إلى يمينين وهو
كذلك قال في رسم: إن خرجت من سماع عيسى من
كتاب العارية وسئل عن امرأة أعارت لأخرى حجلة
لها ولم يشهد على ذلك إلا امرأتان فتزوجت
المستعيرة ودخلت المعيرة إلى الريف فأقامت عشر
سنين وماتت المستعيرة فأتت المعيرة تطلب
الحجلة وأنكر ورثة المستعيرة فشهد المرأتان
بالعرية وقد غابت الحجلة قال ابن القاسم: تحلف
المرأة مع شهادة المرأتين بالله الذي لا إله
إلا هو ما قضتها بعد عاريتها ولا باعت ولا
وهبت وتستحق ذلك في مال المتوفاة قال محمد بن
رشد: قوله: "إن المرأة تحلف مع شهادة
المرأتين" إلى آخره معناه بعد يمينها مع
شهادتهما لقد أعارتها إياها وهذا ما لا خفاء
به وإنما سكت عنه للعلم به
(7/336)
الملك، ويمين
القضاء وإن ادعت استكراها على غير لائق بلا
تعلق، حدت له، والمتعدي: جان على بعض غالبا،
فإن أفات المقصود: كقطع ذنب دابة ذي هيئة، أو
أذنها، أو طيلسانه، أو لبن شاة هو المقصود،
وقلع عيني عبد أو يديه فله أخذه ونقصه، أو
قيمته،
__________
إذ لا يخفى أنها لا تستحق العارية بشهادة
المرأتين دون يمين فأراد أنها تكتفي بحلفها مع
شهادة المرأتين أنها أعارتها دون أن تحلف ما
قبضتها بعد عاريتها ولا باعت ولا وهبت ولا بد
أيضا أن تحلف على صفتها فيكون في مال المتوفاة
ما قومت به الصفة التي حلفت عليها، وبالله
التوفيق، انتهى. ص: (وإن ادعت استكراها على
غير لائق بلا تعلق حدت له) ش: لم يشرح الشيخ
بهرام هذه المسألة ويوجد في كثير من شروحه
بياض لشرحها ومفهوم قوله أنها
(7/337)
وإن لم يفته
فنقصه: كلبن بقرة. ويد عبد أو عينه وعتق عليه،
إن قوم، ولا منع لصاحبه في الفاحش على الأرجح،
__________
لو تعلقت به لم تحد له وأنه لو كان لائقا به
لم تحد ولو لم تتعلق به. وقال في الإكمال في
حديث جرير في كتاب البر والصلة: ولو ادعت
امرأة مثل هذا عندنا على أحد من المسلمين حدت
له للقذف وكذبناها ولا يقبل منها دعواها ولم
يلحقه تبعة بقولها إلا أن تأتي به متعلقة تدمي
مستغيثة لأول حالها وكان ممن لم يشتهر بخير
ولا عرف بزنا وأما إن جاءت متعلقة بمن لا يليق
به ذلك فلا شيء عليه واختلف عندنا في حدها
لقذفه فقيل: تحد وقيل: لا تحد لما بلغت من
فضيحة نفسها ولا حد عليها للزنا ولبعض أصحابنا
في المشتهرة بذلك مثل صاحبة جريج أنها تحد
للزنا على كل حال ولا تصدق بتعلقها وفضيحتها
نفسها؛ لأنها لم تزل مفتضحة بحالها وهذا صحيح
في النظر، انتهى. ص: (وإن لم يفته فنقصه) ش:
تصوره ظاهر.
مسألة: من استهلك فرد خف لرجل أنه لا يلزمه
قيمته على انفراده وإنما يلزمه ما نقص
(7/338)
ورفا الثوب
مطلقا، وفي أجرة الطبيب: قولان.
__________
من قيمتهما جميعا. انتهى. من شرح المسألة
الثالثة من كتاب السداد والأنهار من البيان.
وفي المسائل الملقوطة: الصحيح فيمن استهلك أحد
المزدوجين أو أحد الأشياء التي لا يستغني
بعضها عن بعض أنه يغرم قيمة المستهلك مع قيمة
عيب الباقي منهما وقيل بوجوب قيمتهما واختلف
فيمن استهلك سفرا من ديوان في سفرين بعضهم يرد
السالم وما نقصه من ذهاب أخيه ويغرم قيمة
الهالك وفي شرح الرسالة للقاضي عبد الوهاب أنه
يغرم قيمة الجميع ا هـ من تسهيل المهمات في
قوله في بيع الخيار "وإذا تعدد المبيع" انتهى
كلام المسائل الملقوطة. ونحو ذلك في التوضيح.
مسألة: قال ابن كنانة: أكره أن يأخذ الرجل من
شجرة غيره غرسا إلا بإذنه. قال محمد بن رشد:
أما إذا أخذ من شجرة غيره ملوخا يغرسها في
أرضه وكان ما امتلخ منها لا قيمة له ولا ضرر
فيه على الشجرة التي امتلخت منها فهذا الذي
ذكره ابن كنانة، والله أعلم. وأما إن كان لما
امتلخ منها قيمة أو كان ذلك يضر بالشجرة التي
امتلخت منها فلا يجوز لأحد أن يفعله إلا بإذن
صاحب الشجرة قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا
(7/339)
__________
عن طيب نفس منه" . فإن فعل ذلك بغير إذنه
دلالة عليه لسبب بينه وبينه يقتضي الإدلال
عليه فعليه أن يتحلله من ذلك فإن حلله وإلا
غرم له ذلك عودا مكسورا يوم امتلخه وليس له أن
يقلعه ويأخذه وعليه مع ذلك قيمة ما نقص من
الشجرة التي امتلخ منها وإن فعل ذلك غصبا أو
تعديا بلا إذن صاحبه ولا دلالة عليه ممن
يستوجب الدلالة فله أن يقلعه ويأخذه وإن كان
قد علق إلا أن يكون بعد طول مدة زمان وبعد
نماء أو زيادة بينة فلا يكون له أن يأخذه
بعينه وتكون له قيمته يوم امتلخه من شجرة عودا
ميتا مكسورا وإن كان أضر بالشجرة كان عليه ما
نقص مع قيمة ما نقص من الشجرة هذا قول أصبغ في
الواضحة وقال سحنون إنما يكون أولى بغرسه إذا
كان إن قلعه وغرسه ينبت وإن كان لا ينبت فله
قيمته ولا سبيل له إلى قلعه. وكان ربيعة يقول
في مثل هذا وإن نبت فإنما له قيمته أو غرس
مثله وأما إن قلع من بستانه غرسا فغرسه في
أرضه دلالة على صاحب البستان فله أن يقلعه
ويأخذه وإن كان قد نبت وعلق إلا أن يتطاول
أمره ونما نماء بينا فلا يكون له قلعه وتكون
له قيمته يوم اقتلعه نابتا؛ لأن دلالته عليه
إذا كان من أهل الدلالة شبهة تمنع ولو كان
اقتلعه غصبا غير مدل لكان صاحب الغرس أحق
بغرسه وإن كان قد نبت في أرضه وطال زمانه
وثبتت زيادته؛ لأنه شبهة بعينه أخذها حيا فنما
وزاد ونبت فهو كالغاصب يغصب أو يسرق ثم يجده
صاحبه وقد كبر ونبت ونما وزاد فهو أبدا أحق به
وسواء كان مما ينبت إن غرس بعد قلعه من أرض
الغاصب أو مما لا ينبت هو أحق به إلا أن يشاء
أن يسلمه ويأخذ قيمته نابتا يوم قلعه فيكون
ذلك له. ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ وبالله
التوفيق، انتهى. من أواخر كتاب الجامع من
البيان ومنه أيضا وسئل ابن كنانة عن الكرم
يقطف والزيتون يجنى والزرع يحصد هل يجوز لأحد
أن يأخذ بقيته؟ قال: إن كان أهله تركوه لمن
أخذوه فلا بأس بأكله وإن كانوا يريدون الرجعة
له فلا يجوز لأحد أخذه قال ابن رشد: هذا كما
قال: والمعنى فيه بين إن علم صاحبه تركه لمن
أخذه من فقير أو غني وأما إن خشي أنه إنما
تركه لمن أخذه من المساكين فلا ينبغي لغني أن
يأكل منه شيئا، وبالله التوفيق، انتهى، والله
أعلم.
(7/340)
فصل في
الاستحقاق
__________
باب الاستحقاق
لم يبين المصنف حقيقته وحكمه وسببه وشروطه
وموانعه ولا يتصور إلا بمعرفة ذلك.
(7/340)
وإن زرع
فاستحقت فإن لم ينتفع بالزرع: أخذ بلا شيء،
__________
قال ابن عرفة: وهو من تراجم كتبها أما حقيقته
فقال ابن عرفة: هو رفع ملك شيء بثبوت ملك قبله
أو حرية كذلك بغير عوض فيخرج العتق ومطلق رفع
الملك بملك بعده وما وجد في المقاسم بعد بيعه
أو قسمه؛ لأنه لا يؤخذ إلا بثمن، انتهى. وقال
في اللباب: هو الحكم بإخراج المدعى فيه
الملكية من يد حائزه إلى يد المدعي بعد ثبوت
السبب والشروط وانتفاء الموانع وأما حكمه فقال
ابن عرفة: حكمه الوجوب عند تيسر أسبابه في
الرفع على عدم يمين مستحقه وعلى يمينه مباح
كغير الربع؛ لأن الحلف مشقة، انتهى. وأما سببه
فهو قيام البينة على عين الشيء المستحق أنه
ملك للمدعي لا يعلمون خروجه ولا خروج شيء منه
عن ملكه حتى الآن والشهادة في أنها لم تخرج عن
ملكه إنما يكون على نفي العلم في قول ابن
القاسم المعمول به قاله في اللباب وأما شروطه
فثلاث، الأول: الشهادة على عينه إن أمكن وإلا
فحيازته وهي أن يبعث القاضي عدلين وقيل: أو
عدلا مع الشهود الذين شهدوا بالملكية فإن كانت
دارا مثلا قالوا لهما مثلا هذه الدار هي التي
شهدنا عند القاضي فيها الشهادة المقيدة أعلاه.
الثاني: الإعذار في ذلك إلى الحائز فإن ادعى
مدفعا أجله فيه بحسب ما يراه. الثالث: يمين
الاستبراء واختلف في لزومها على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه لا بد منها في جميع الأشياء قاله
ابن القاسم وابن وهب وابن سحنون. الثاني: لا
يمين في الجميع أيضا قاله ابن كنانة. الثالث:
أنه لا يحلف في العقار ويحلف في غيره وهو
المعمول به عند الأندلسيين وفي سجلات الباجي
لو استحق ذلك من يد غاصب لم يحلف قال ابن
سلمون ولا يمين على مستحق الأصل إلا أن يدعي
عليه خصمه ما يوجبها، وقيل: لا بد من اليمين
كالعروض والحيوان، انتهى. ثم قال: وأما غير
الأصول من الدواب والرقيق والعروض وغيرهما
فيكتب في استحقاقها يعرف شهوده فلاناً
(7/341)
وإلا فله قلعه،
إن لم يفت وقت ما تراد له، وله أخذه بقيمته
على المختار،
__________
ويعلمون له مالا وملكا جارية صفتها كذا أو
فرسا أو ثوبا صفته كذا لا يعلمون له في ذلك
بيعا ولا تفويتا ولا أنه خرج عن ملكه بوجه حتى
الآن وقيدوا بذلك شهادتهم على عين الثوب أو
الفرس أو الجارية في كذا فإذا ثبت هذا فلا بد
من اليمين ونصه: حلف بإذن القاضي بعرية كذا
فلان المذكور في رسم الاسترعاء بكذا بحيث يجب
وكما يجب يمينا قال فيها بالله الذي لا إله
إلا هو ما بعت الفرس أو الثوب أو الجارية
المشهود لي به فيه ولا فوته ولا خرج عن ملكي
بوجه من وجوه الفوت حتى الآن ومن حضر اليمين
المنصوصة عن الإذن واستوعبها من الحالف وعرفه
قيد على ذلك شهادته في كذا وكانت يمينه على
عين الجارية والفرس وهو يشير إليهما في يمينه
بيان اليمين في هذا واجبة على المشهور المعمول
به بخلاف الأصول فإنه لا يمين فيها إلا على
قول سحنون. وحكى ابن سهل عن ابن كنانة أنه لا
يمين على مستحق العروض والحيوان إلا أن يدعي
الخصم ما يوجبهما وتكون اليمين على النص
المذكور أنه ما باع ولا وهب وكان محمد بن
الفرج يحلفه أنه ماله ومالكه وأنه ما باع ولا
وهب قال ابن سهل وما تقدم هو نص المدونة ولا
يحتاج إلى ما ذكره محمد بن فرج وفي المجموعة
إذا كانت الجارية غائبة فالشهادة فيها على
النعت والاسم جائزة فإن وجدت جواري كثيرة على
تلك الصفة يحلف الحاكم المستحق وأثبتا عنده
أنها واحدة منهن وإن لم يوجد سواها لم يكلفه
من ذلك شيئا وفي مسائل. ابن الحاج سئل في
الشهادة على الصفة فقال: وقفت على الكتابين في
المملوكة السوداء الموصوفة بهما. والذي يظهر
لي أن الشهادة على الصفة فيها عاملة فالحكم له
بها واجب بعد أن ينظر ويسأل هل في البلد
مملوكة توصف بهذه الصفة؟ فإن لم توجد قضيت
لربها وأسلمتها إليه بعد أن يحلف. وسئل في رجل
ابتاع كتابا من كتب العلم ثم جاء رجل آخر
فادعاه وأتى بكتاب بذلك وقد فات الكتاب فقال:
لا يتوجه الحكم لمستحق الشيء
(7/342)
وإلا فكراء
السنة: كذي شبهة، أو جهل حاله
__________
إلا بعد شهادة العدول على يمينه والإعذار إلى
الذي هو في يده ولا يصح الحكم دون تعيين
المشهود فيه عند الحكم، انتهى كلام ابن سلمون
وأما المانع من الاستحقاق ففعل وسكوت بالفعل
أن يشتري ما ادعاه من عند حائزه فقال: إنما
اشتريته خوف أن يغيب عليه فإذا أثبته رجعت
عليه بالثمن لم يكن له مقال وقال أصبغ: إلا أن
تكون بينة بعيدة جدا أو يشهد قبل الشراء أنه
إنما اشتراه لذلك فذلك ينفعه ولو اشتراه وهو
يرى أن لا بينة له ثم وجد بينة فله القيام أو
أخذ الثمن منه قال أصبغ: والقول قوله وأما
السكوت فمثل أن يترك القيام من غير مانع أمد
الحيازة قاله في اللباب.
فرع: قال ابن سلمون: فإن ثبت ذلك لمن باعه ممن
باعه من مستحقه فلا بد أن يحلف الذي ثبت له
ومن بعده فإذا حلفوا يمين القضاء فحينئذ يحكم
به لمستحقه، انتهى. ص: (كذي شبهة) ش: ظاهر
التشبيه أن حكم من كانت الأرض بيده بشبهة حكم
الغاصب في جميع الوجوه وليس كذلك وإنما مراده
بتشبيهه به فيما إذا استحقت من يده بعد أن
زرعها وقبل فوات إبان الزراعة فإن كراء تلك
السنة للمستحق وأما إن استحقت من يده قبل أن
يزرعها فسيأتي حكمه في قوله: "وللمستحق
أخذها". وأما إذا استحقت بعد إبان الزراعة فإن
كراءها للذي أكراها قاله في المدونة ودخل في
ذي الشبهة المشتري والوارث والمكتري منهما إذا
لم يعلموا بالغصب أو التعدي وكذلك المكتري من
الغاصب إذا لم يعلم بالغصب كما صرح به
الرجراجي ويؤخذ من كلام المصنف في التوضيح،
والله أعلم. ص: (أو جهل حاله) ش: أي حال
الزارع هل هو غاصب أو ذو شبهة؟ وهذا أولى من
حمله على أن المراد جهل حال مكتري الأرض هل هو
غاصب أو مبتاع؟ قد تقدم أن المكتري من الغاصب
ذو شبهة إن
(7/343)
وفاتت بحرثها
فيما بين مكر ومكتر، وللمستحق أخذها، ودفع
كراء الحرث فإن أبى قيل له أعط كراء سنة، وإلا
أسلمها بلا شيء،
__________
لم يعلم بالتعدي فتأمله، والله أعلم. ص:
(وفاتت بحرثها فيما بين مكر ومكتر) ش: يشير
بهذا إلى قوله في كتاب الاستحقاق من المدونة:
ومن اكترى أرضا بثوب أو بعبد فاستحق أو بما
يوزن من نحاس أو حديد بعينه يعرفان وزنه ثم
استحق ذلك فإن كان استحق قبل أن يزرع أو يحرث
انفسخ الكراء وإن كان بعد ما زرع أو أحدث فيها
عملا فعليه قيمة كراء الأرض وقال في كراء
الأرضين: ومن اكترى أرضا بعبد أو بثوب بعينه
فاستحق بعد الحرث أو الزراعة فعليه كراء مثلها
وكذلك إن اكتراها بحديد أو برصاص أو نحاس
بعينه وقد عرفا وزنه فإن الكراء ينتقض إلا أن
يكون قد زرعها أو حرثها أو أحدث فيها عملا
فعليه كراء المثل، انتهى. قال عياض: وهو بين؛
إذ نفس الحراثة وإن لم يزرع فوت وللمكتري كراء
المثل كما لو زرعت ولا يختلف أن ذلك فوت بين
المكري والمكتري، انتهى. فهذا مراد المصنف ولا
يصح أن يحمل كلامه على استحقاق الأرض
المكتراة؛ لأنه إذا استحقت الأرض لم يبق
للمكري كلام حرثت أو لم تحرث، والله أعلم. ص:
(وللمستحق أخذها ودفع كراء الحرث فإن أبى، قيل
له: أعط كراء سنة وإلا أسلمها بلا شيء) ش: يصح
أن يكون مراده مستحق الأرض أو مستحق الثوب أو
العبد المكترى به؛ لأن الحكم فيهما واحد أو
هما معا قال الشيخ أبو الحسن عن ابن يونس في
شرح كلام المدونة المذكور في كتاب كراء
الأرضين قال بعض فقهائنا القرويين: وإن أراد
مستحق العبد أن يجيز بيع عبده بكراء الأرض
ويأخذ الأرض إن لم يحرث لكان له ذلك وإن حرثت
كان له أن يدفع إلى المكتري حق حرثه
(7/344)
وفي سنين يفسخ
أو يمضي، إن عرف النسبة، ولا خيار للمكتري
للعهدة، وانتقد إن انتقد الأول، وأمن هو،
__________
ويأخذ الأرض؛ لأنه كمستحق لمنفعة هذه الأرض
وجد منفعتها باقية كمن استحق أرضا بعد أن
حرثها المكتري أنه يدفع إليه حق حرثه ويأخذ
أرضه فإن امتنع دفع إليه المكتري كراء سنة فإن
امتنع سلمها بحرثها فحكم مستحق العبد في ثمنه
كحكم مستحق الأرض، انتهى. ونحوه في كتاب
الاستحقاق ونحوه في كلام عياض وما ذكره المؤلف
هو قول ابن القاسم وصححه ابن رشد واعترض قوله:
"وإلا أسلمها بلا شيء" بأنه كان ينبغي أن
يجعلهما شريكين في كراء الأرض ذلك العام
محروثة المستحق بقيمة كرائها غير محروثة
والمستحق منه بقيمة حرثه وعمله وقال: هذا على
أصله من الرجوع على المستحق بقيمة السقي
والعلاج انظر بقية الكلام في أول رسم من سماع
يحيى من كتاب الاستحقاق. ص: (إن عرف النسبة)
ش: يشير إلى كلام ابن يونس: ولا يجيز الكراء
(7/345)
والغلة لذي
الشبهة أو المجهول للحكم:
__________
فيما بقي حتى يعلم ما ينوب ذلك ليجيز بثمن
معلوم على مذهب من لا يجيز جمع السلعتين
للرجلين في البيع، انتهى. وانظر بقية المسألة
في أول كتاب الاستحقاق في المدونة. ص: (أو
المجهول للحكم) ش: في بعض نسخ الشارح "أو
المجهول الحكم" بإضافة المجهول للحكم والذي في
أكثر النسخ "للحكم" فاللام الجر وهو الصواب
لإفادته حكما وقوله "للحكم" هو أحد الأقوال
الثلاثة قال في المقدمات: واختلف في الحد الذي
يدخل فيه الشيء المستحق في ضمان المستحق وتكون
الغلة له ويجب التوفيق به على ثلاثة أقوال
أحدها حتى يقضى له به وهو الذي يأتي على قول
مالك في المدونة أن الغلة للذي هي في يده حتى
يقضى بها للطالب وعلى هذا القول لا يجب توقيف
الأصل المستحق توقيفا يحال بينه وبينه ولا
توقيف غلته وهو قول ابن القاسم في المدونة إن
الرباع التي لا تحول ولا تزول لا توقف مثل ما
يحول ويزول وإنما توقف وقفا يمنع من الإحداث
فيها، والقول الثاني أنه يدخل في ضمانه إذا
ثبت بشهادة شاهدين أو شاهد وامرأتين، والثالث
إذا شهد له شاهد واحد، انتهى. القولان
الأخيران باختصار والأول باللفظ.
فرع: قال في المقدمات: واختلف في الحد الذي
تكون به الثمرة في استحقاق الأصل غلة
فيستوجبها المستحق منه ببلوغها إليه إما
بالحكم والقضاء وإما بثبوت الحق بشهادة شاهد
وإما بأن يشهد للمستحق شاهد واحد على الاختلاف
المذكور في ذلك فروى أبو زيد عن ابن القاسم أن
الثمرة تكون للمستحق ما لم تجذ وفي كتاب ابن
المواز ما لم تيبس ويرجع عليه بالسقي والعلاج
وعلى ما قال في المدونة في الرد بالعيب ما لم
تطب إذا لم يفرق بين المسلمين وهذا إذا كان
المستحق منه اشترى الأصول قبل إبار الثمرة
وأما إن كان بعد الإبار
(7/346)
كوارث
__________
فالثمرة للمستحق على مذهب ابن القاسم وإن جذت
ويرجع عليه بالسقي والعلاج كالرد بالعيب وعلى
مذهب أشهب تكون الثمرة للمستحق ما لم تجذ فإن
جذت كانت للمشتري وأما إن كان اشترى الأصل
والثمرة مزهية فاشترطها ففي كتاب ابن المواز
إن الثمرة تكون للمستحق كيف كانت يبست أو جذت
أو باعها أو أكلها ويغرم المكيلة إن عرفها
وإلا فالقيمة وفي البيع يغرم الثمن الذي باعها
إن فاتت أو كانت بيد مبتاعها فهو مخير في
أخذها أو إنفاذ بيعه أو أخذ الثمن وإن تلفت
عند المبتاع فليس إلا الثمن وهذا على القول
بأنها لا تصير غلة للمبتاع إلا باليبس أو
الجذاذ وأما على القول الذي يرى أنها تصير له
غلة بالطيب فلا حق له فيها إذا أزهت عند
البائع؛ لأنها قد صارت له غلة بطيبها ويأخذ
المستحق النخل وحدها ويرجع المستحق منها على
البائع بما ينوبها من الثمن ويسقط عنه ما ناب
الثمرة لبقائها بيده إلا أن يكون اشتراؤه
إياها من غاصب أو مشتر اشتراها بعد الإبار على
مذهب ابن القاسم فهي ثلاثة أحوال أحدها أن
يكون المستحق منه اشتراها قبل الإبار والثاني
أن يكون اشتراها بثمرتها بعد الإبار والثالث
أن يكون اشتراها بثمرتها بعد الإزهاء والطيب،
انتهى.
تنبيه: قال في البيان في شرح المسألة الرابعة
من كتاب الاستحقاق بعد أن ذكر الخلاف في الحد
الذي يدخل به الشيء المستحق في ضمان البائع ما
نصه: وكذلك أيضا النفقة القياس فيها أن تجري
على هذا الاختلاف فعلى الأول لا يجب للمقضى
عليه الرجوع بشيء من النفقة على المقضى له؛
لأنه إنما أنفق على ما ضمانه منه فغلته له
وعلى القول الثاني يجب له الرجوع عليه بما
أنفق بعد ثبوت الحق بشهادة شاهدين أو شاهد
وامرأتين لوجوب الضمان عليه وكون الغلة له من
حينئذ وعلى القول الثالث يجب له الرجوع عليه
بما أنفق منذ وقف بشهادة الشاهد لوجوب الضمان
عليه وكون الغلة له من حينئذ وقد فرق في رسم
حمل صبيا من رواية عيسى من كتاب الصلح بين
النفقة والغلة فقال: إن النفقة ممن تصير له
والغلة للذي هو في يديه؛ لأن الضمان منه وساوى
بين ذلك عيسى من روايته وهو القياس وكذلك ظاهر
المدونة أنه لا فرق بين الغلة والنفقة،
والصواب أن لا فرق بينهما في أن يكونا جميعا
للضمان إما من يوم وجوب التوقيف بشهادة شاهد
واحد وإما من يوم وجوبه بشهادة شاهدين وإما من
يوم القضاء والحكم، انتهى. وعلى ما في المدونة
مشى المصنف في باب القضاء فقال: والغلة له
للقضاء والنفقة على المقضى له به. ص: (كوارث)
ش: ظاهره أن الغلة للوارث سواء كان وارثا من
غاصب أو مشتر وليس كذلك فإن وارث الغاصب لا
غلة له قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب:
فإن بيع المغصوب أو ورث بأن علم فكالغاصب وإن
لم يعلم فلا شيء
(7/347)
وموهوب، ومشتر
منه، إن لم يعلموا
__________
عليه في السماوي ولا في الغلة سكن أو زرع
وقوله: "لا في الغلة" ظاهره؛ لأن الغلة تكون
للمشتري وللوارث إذا لم يعلم وهو صحيح في
المشتري وأما وارث الغاصب فلا غلة له باتفاق
سواء انتفع بنفسه أو أكرى لغيره. ونحوه لابن
عبد السلام وصرح بذلك اللخمي ويفهم ذلك من
قوله في باب الغصب: "أو وارثه أو موهوبه إلى
آخره"، وقال في الاستحقاق منها: ومن ابتاع
دارا أو عبدا من غاصب ولم يعلم فاستغلهم زمانا
فالغلة للمبتاع بضمانه وكذلك إن ورثهم عن أبيه
ولم يدر بما كانوا لأبيه فاستغلهم ثم استحقوا
فالغلة للوارث، انتهى. فهذا في المورث
والمجهول الذي لم يعلم أنه غاصب أو غير غاصب
ولذا قال اللخمي عقيبها: وهذا وارث لا يدري
بما كانت لأبيه، انتهى. ص: (وموهوب) ش: يريد
إذا كان الغاصب موسرا وأما إذا كان الغاصب
معسرا فإنه يرجع بالغلة على الموهوب وقال
اللخمي: فإذا وهب ما غصبه فاغتله الموهوب له
فقال أشهب: الموهوب بمنزلة المشتري وقال ابن
القاسم ليس بمنزلته ويرجع على الغاصب فإن أعدم
أو غاب فعلى الموهوب وهو أبين ولا فرق بين
الموهوب له ووارث الغاصب إذا كان غير عالم
بالغصب ولم يختلفوا في الوارث أنه يلزمه ما
يلزم الغاصب فكذلك الموهوب له، انتهى. بالمعنى
إلى قوله: "وهو أبين ومنه إلخ". باللفظ
فالوارث هنا إما وارث المشتري أو وارث الموهوب
أو وارث ذي الشبهة ولابن رشد كذلك وسيأتي،
والله أعلم. ص: (ومشتر) ش: يعني أن الغلة
للمشتري من الغاصب إذا لم يعلم بالغصب يريد
ولا رجوع للمغصوب منه على الغاصب بالغلة من
يوم باع على المشهور كما صرح به ابن الحاجب
وغيره. ص: (إن لم يعلموا) ش: قال البساطي وهذا
إذا تحقق عدم علمهم وكذلك من جهلنا هل هو عالم
أم لا؟ فحمله على عدم العلم استصحابا لحال
المسلم، انتهى. وهو كلام صحيح جار على المذهب،
والله أعلم.
فائدة: سئلت عن جماعة ورثوا دارا كبيرة بعضها
عامر وبعضها خراب وبعض الورثة حاضر وبعضهم
غائب فاستولى الحاضر على الدار وسكن العامر
وعمر الخراب وسكنه فهل للغائبين الرجوع عليه
بالأجرة في هذه المدة؟ وهل لهم نقض ما عمره من
الخراب؛ لكونه بغير إذنهم أفتونا مأجورين؟
فأجبت الحمد لله إن كان الوارث الحاضر الذي
سكن لم يعلم بالغائب فلا رجوع له عليه فيما
سكن وله الرجوع عليه بحصته فيما أكراه أو
اغتله هذا قول ابن القاسم وروايته عن مالك
قاله في أول كتاب الصدقات من البيان وهو الذي
مشى عليه المصنف بعد هذا حيث قال: كوارث طرأ
عليه مثله إلا أن ينتفع وأما إن علم به فإنه
يرجع عليه بأجرة ما سكن وبحصته من الغلة وما
عمره مما ليس بضروري فإن أراد أحد منهم القسمة
قسمت الدار فإن وقع ما بناه في حصته كان له
وعليه من الكراء بقدر ما انتفع من
(7/348)
بخلاف ذي دين
على وارث: كوارث طرأ على مثله،
__________
نصيب أصحابه قبل القسمة وإن وقع في نصيب غيره
خير من وقع في حصته بين أن يعطيه قيمته منقوضا
أو يسلم إليه نقضه وعلى الباني من الكراء بقدر
ما انتفع من نصيب أصحابه قبل القسمة وإن
أرادوا شركته ولم يرد واحد منهم القسمة فلهم
ذلك بعد أن يدفعوا حصصهم من قيمة ما عمله قيل
قائما وقيل منقوضا هذا محصل كلام ابن رشد في
أول كتاب الاستحقاق في البيان والقول بأنه
يأخذ قيمته منقوضا هو الظاهر لقول ابن يونس في
كتاب العارية في ترجمة من أعار أرضه: كل من
بنى في أرض غيره من زوجة أو شريك أو غيره بغير
إذن ربها أو علمه فله قيمة عمله منقوضا، والله
أعلم. ص: (بخلاف ذي دين على وارث) ش: يشير إلى
ما في أول سماع يحيى من القسمة في الورثة
يقتسمون التركة فتنمو في أيديهم ثم يطرأ دين
يستغرق التركة بنمائها أنهم يردون ما أخذوا
ولا ضمان عليهم فيما نقص إلا أن يستهلكوه
فيكون عليهم غرمه وكذلك الموصى لهم بأشياء
بأعيانها وأما ما اشتراه الورثة من التركة
فحوسبوا به في ميراثهم واشتراه الموصى لهم
فحوسبوا به في وصاياهم فلهم نماؤه وعليهم
ضمانه قال ابن رشد: ولا خلاف في ذلك؛ لأنه لا
فرق بين أن يشتريه الورثة فيحاسبوا به في
ميراثهم وفي وصاياهم وبين أن يباع من غيرهم
ويدفع إليهم الثمن ونحوه في رسم الأقضية من
سماع يحيى من الوصايا في كتاب القسمة من
المدونة ما يدل على ذلك وأما قول الشارح في
شروحه الثلاثة والبساطي إن معنى كلام المصنف
إذا كان لرجل دين على شخص فدفع له فيه ملكا
ورثه فاغتله ثم استحق من يده فإنه يرد الغلة
فغير صحيح ولا وجه له؛ لأنه قد نص المتيطي
وابن سلمون وغيرهما من الموثقين على أن
التصيير بيع من البيوع وتقدم أن ما اشترى
الورثة أو الموصى لهم وحوسبوا بثمنه فيما أوصى
لهم به أو في ميراثهم لهم نماؤه وعليهم ضمانه،
والله أعلم. ويوجد في بعض نسخ الأوسط زيادة
على ما تقدم
(7/349)
إلا أن ينتفع.
وإن غرس، أو بنى: قيل للمالك أعطه قيمته
قائما، فإن أبى: فله دفع قيمة الأرض، فإن أبى:
فشريكان بالقيمة
__________
ونصها: لأنه من باب جر النفع لانتفاعه مع بقاء
الدين على صاحبه وهذا أيضا غير صحيح؛ لأنه
يلزم مثله في جميع صور الاستحقاق، والله أعلم.
ص: (وإن غرس أو بنى قيل للمالك: أعطه قيمته
قائما فإن أبى فله دفع قيمة الأرض) ش: تصوره
ظاهر.
فرع: فلو قال رب الأرض: ما عندي ما أعطيه الآن
وما أريد إخراجه ولكن يسكن وينتفع حتى يرزقني
الله ما أؤدي منه لم يجز ذلك ولو رضي الذي عمر
الأرض؛ لأنه سلف جر منفعة. قاله في سماع يحيى
من كتاب الاستحقاق ونصه: إن كره المستحق أن
يدفع ما عليه من القيمة أو كان معدما قيل
للعامل: ادفع إليه قيمة أرضه ثم يكون لك فإن
أبى أو كان معدما كانا شريكين على قدر قيمة
الأرض وقيمة العمارة ولو رضي الذي عمر الأرض
أن يؤخر المستحق على أن ينتفع بها ما حل؛ لأنه
سلف جر منفعة قال ابن رشد: ولو أكراه المستحق
بما وجب عليه من قيمة البناء لم يجز عند ابن
القاسم للدين بالدين ويجوز على مذهب أشهب؛ لأن
قبض أوائل الكراء عنده كقبض جميعه، والله
أعلم. وانظر أول رسم من سماع يحيى من كتاب
الاستحقاق فيما يكون قيمة بنائه منقوضا وماله
قيمة قائما، والله أعلم. وسئلت عن مسألة
محصلها: شريك غرس أو بنى في بعض أرض مشتركة
بينه وبين جماعة بغير إذنهم، فهل للشركاء
إلزامه بقلع ما غرسه أو بناه؟ فأجبت: إذا غرس
الشريك أو بنى الأرض المشتركة بغير إذن شركائه
فليس للشركاء إلزامه بقلع ما غرسه أو بناه بل
لو أراد هو أو أحدهم القسمة قسمت الأرض فإن
وقع غرسه وبناؤه فيما خصه كان له وعليه الكراء
بقدر ما انتفع من نصيب أصحابه قبل القسمة وإن
وقع الغرس أو البناء في حصة غيره خير من وقع
في حصته
(7/350)
يوم الحكم، إلا
المحبسة: فالنقض، وضمن قيمة المستحقة، وولدها
__________
بين أن يعطيه قيمة ذلك منقوضا أو يسلم له نقضه
وعليه أيضا من الكراء بقدر ما انتفع من نصيب
أصحابه قبل القسمة وإن لم يرد أحد منهم القسمة
بل أرادوا بقاء الأرض مشتركة فلهم أن يدخلوا
معه ويشاركوه بقدر حصصهم من الأرض بعد أن
يسلموا إليه قدر حصصهم من قيمة عمله قيل قائما
وقيل منقوضا وهو الراجح الجاري على مذهب
المدونة وانظر المسألة في أول كتاب الاستحقاق
من البيان وتكررت بعد ذلك في سماع عيسى منه
وفي رسم القطعان من سماع عيسى من الشركة وابن
يونس في كتاب العارية وغير ذلك، والله أعلم.
ص: (إلا المحبسة فالنقض) ش: يعني أن الأرض
المحبسة تحبس فليس للباني إلا حمل أنقاضه قال
في التوضيح بعد ذكره مسألة الاستحقاق: والخلاف
فيها وهذا كله ما لم تستحق الأرض بحبس فليس
للباني إلا حمل أنقاضه؛ إذ ليس ثم من يعطيه
قيمة البناء قائما وليس له أن يعطي قيمة
النفقة ولا يكونان شريكين؛ لأنه من بيع الحبس،
انتهى. وهذا إن لم يوجد من يعطيه قيمة النقض
وأما إن وجد من يعطيه ذلك فيدفع ولا امتناع له
من ذلك كما صرح بذلك في أحكام ابن سهل في
مسائل الحبس ونصه عن ابن حبيب عن مطرف فيمن
بنى مسجدا وصلى فيه نحو السنتين ثم باعه ممن
نقضه أو بناه بيتا أو تصدق به قال: يفسخ ما
فعل ويرد إلى ما كان عليه مسجدا وهو كالحبس
لله لا يجوز بيعه ولا تحويله وللباني نقض
بنائه وإن شاء فليحتسب في تركه وإن أراد نقضه
فأعطاه محتسب قيمته مقلوعا ليقره للمسجد أجبر
الباني على ذلك إلا ما لا حاجة للمسجد بد منه
ولا بد من نقضه فيتركه كذلك قلت فنقض المسجد
الأول أيجب على من نقضه أن يعيده كما كان قال:
عليه قيمته قائما؛ لأنه متعد في نقضه وهدمه ثم
يبني بتلك القيمة قال ابن حبيب: وقال لي أصبغ
مثله وكما يفهم ذلك أيضا من نوازل ابن رشد في
مسائل الأكرية وذكر ابن عبد الرفيع في مختصر
النوازل في مسائل الحبس ونصها: مسألة من أكرى
الأرض المحبسة عليه لمن يبني فيها لمدة فله أن
يأخذ الأنقاض بقيمتها مقلوعة وليس عليه أن
يلحقها بالحبس ولو كان الحبس على رجلين فأكرى
أحدهما حصته بشيء فليس لصاحبه الدخول عليه،
انتهى. ص: (وضمن قيمة المستحقة وولدها
(7/351)
يوم الحكم،
والأقل، إن أخذ دية
__________
يوم الحكم) ش: يعني أن من اشترى أمة فأولدها
ثم استحقها إنسان فإن سيدها الذي أولدها يضمن
قيمتها وقيمة ولدها الذي أولدها إياه واحدا
كان أو أكثر. ولا يضمن من مات وهو القول الذي
رجع إليه مالك وكان أولا يقول لمستحقها أخذها
إن شاء مع قيمة الولد قيل: ثم رجع عنها إلى
أنه يلزمه قيمتها فقط يوم وطئها وبه أفتى لما
استحقت أم ولده إبراهيم وقيل: أم ولده محمد
وعبر عنه ابن رشد بقوله وبه حكم عليه في
استحقاق أم ولده فإن أعدم الوالد اتبعه بقيمة
الولد وقيمتها فإن كان الولد موسرا أخذ منه
قيمته فقط ولا يرجع عليه الأب انظر استحقاق
المدونة وقال ابن يونس: انظر قول ابن القاسم
إذا كان الأب عديما والابن مليا فليأخذ الأب
قيمة نفسه وهو إنما يأخذ منه قيمته يوم الحكم
وكان يجب إنما يستحق قيمته يومئذ بماله،
وقيمته بماله أكثر مما في يده فكيف يصح أخذ
قيمته منه وأظن أن ابن القاسم إنما يقول قيمته
بغير مال وبه يصح قوله قال في المجموعة: فإن
كان للولد مال كسبه لم يقوم بماله لكن بغير
ماله كقيمة عبد ويؤدي ذلك الأب ولا يؤخذ من
أموال الولد شيء، انتهى.
فرع: قال ابن عرفة اللخمي: لو استحقت حاملا
فعلى أن له أخذها يؤخر لوضعها فيأخذها وقيمة
ولدها فإن أسقطته أو ماتت فلا شيء على الأب
وعلى أخذ قيمتها يأخذ قيمتها الآن على ما هي
عليه ولا ينتظر وضعها وعلى القول الآخر: ليس
له إلا أخذ قيمتها يوم
(7/352)
لا صداق حرة أو
غلتها،
__________
حملت، انتهى. ص: (لا صداق حرة أو غلتها) ش:
انظر كتاب الاستحقاق من المدونة وشراحها
والمشذالي وانظر رسم يدير من سماع عيسى من
كتاب الاستحقاق وابن عرفة وما ذكره هو المذهب
من أن العبد إذا استحق بحرية لا يرجع على سيده
بما اغتله منه من خراجه وأجرة عمله ولا بأجرة
ما استخدمه فيه وكذا لو كاتبه ثم استحق بحرية
بعد أن قبض السيد الكتابة لم يرجع عليه بها
بخلاف ما لو جرح فأخذ السيد لذلك أرشا فله
الرجوع على سيده بما أخذه من أرش جراحه وكذا
لو كان له مال اشتراه معه أو أفاده عبد من فضل
خراجه أو عمله أو تصدق به عليه أو وهب له
فانتزعه السيد فله الرجوع على سيده بما انتزعه
من ذلك أما لو وهب له السيد مالا أو استخبره
بمال فاستفاد فيه وقال: إنما دفعته إليه؛ لأنه
عبدي وكنت أرى أن لي أن أنتزعه منه متى شئت
فللسيد أن يرجع في ذلك كله وأما إذا قال: اتجر
بهذا المال لنفسك فليس له إلا رأس ماله.
واختلف إذا أعطاه أو تصدق عليه ثم أعتقه أو
أعطاه بعد أن أعتقه وهو يرى أنه مولاه ثم
استحق بحرية أو ملك فقيل: له الرجوع عليه بذلك
وقيل: لا رجوع له عليه قاله جميعه في رسم يدير
من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق وكذلك الأرض
المستحقة بحبس لا يرجع بغلتها على القول
المفتى به كما صرح بذلك ابن رشد في مسائل
الحبس من نوازله قال في التوضيح: وهو الذي جرى
به العمل، انتهى. وهذا والله أعلم. إذا لم
يعلم المستحقة من يده بالحبس وأما إذا علم
بالحبس واستغله فيرجع عليه بالغلة إذا كان
البائع للحبس هو المحبس عليه وكان كبيرا عالما
بالحبس فإنه لا رجوع له بالغلة ولو كان
المشتري عالما كما يأتي ذلك في كلام ابن سهل
في مسائل الحبس ونصه: قال ابن العطار: وإذا
فسخ بيع الحبس فالغلة فيما سلف قبل ثبوت
تحبيسه للمبتاع لا يرجع عليه بشيء منها إذا لم
يعلم بالحبس بعد أن يحلف أنه لم يعلم وما كان
في رءوس الشجر من الثمر وقت الاستحقاق فهو
للذي ثبت لهم أصل التحبيس في حين بنائه، وإن
كان في إبان الحرث فعليه كراء الأرض، وإن كان
بائع الحبس هو المحبس عليه رجع عليه بالثمن
فإن لم يكن له مال وثبت عدمه حلف للمبتاع وأخذ
من غلة الحبس عاما بعام فإن مات المحبس عليه
قبل استيفاء الثمن رجع الحبس إلى من يستحقه
ولم يكن للمبتاع منه شيء فإن كان بائع الحبس
كبيرا عالما بالتحبيس عوقب بالأدب والسجن على
بيعه إن لم يكن له عذر. قال القاضي ابن سهل:
ينبغي إن كان مالكا لنفسه مع ذلك إلا أن يكون
له طلب المبتاع بشيء من الغلة وإن علم حين
ابتياعه أنه حبس. وقد نزلت بقرطبة في مسألة
القرشية وأفتيت فيها
(7/353)
وإن هدم مكتر
تعديا: فللمستحق النقض وقيمة الهدم، وإن أبرأه
مكر به كسارق عبد، ثم
__________
بذلك وكان غيري خالفني فيها وخلافه خطأ،
انتهى. وظاهره أنه إذا علم البائع بالحبس وكان
هو المحبس عليه أن لا رجوع عليه بالغلة ولو
علم المشتري أيضا بالحبس كما يفهم وقد صرح
بذلك المشذالي في أواخر كتاب الاستحقاق ونصه:
وسئل اللؤلؤي عمن حبس عليه حبس فباعه والمشتري
عالم بأنه حبس أم لا فاستغله مدة ثم نقض البيع
فقال: لا يرد الغلة؛ لأن البائع عالم فهو واهب
للغلة إلا أن يكون له شريك أو يكون الحبس
معقبا فليس لشريكه نصيبه من الغلة وانظر
المتيطي والطرر وانظر ابن سهل فإنه أشار إلى
مسألة اللؤلؤي وأنها نزلت بقرطبة وأن غيره
خالفه، انتهى. كلامه، والله أعلم. سئلت عن
مسألة وهي: شخص باع وقفا عليه يعلم بوقفيته
لشخص يجهل الوقفية ثم باعه المشتري لشخص يعلم
الوقفية ثم إن المشتري الثاني باعه مع جهة
أخرى موقوفة على البائع الأول تعدى هذا
المشتري عليها فهل للبائع الأول مطالبته
بالغلة في ذلك أم لا؟ فأجبت الحمد لله وحده
إذا ثبت وقفية هذه الجهات بشروطه نقض البيع في
جميعها وأعيدت على ما كانت عليه ولا رجوع
للبائع الأول بغلة ما باعه وهو عالم بوقفيته
وأما الجهة التي تعدى عليها المشتري الثاني
وباعها فللبائع الأول الرجوع عليه بغلتها ولا
رجوع له على المشتري الثالث لجهل المشتري
الوقفية، والله أعلم. وانظر أحكام ابن سهل
فيما إذا باع القاضي الحبس وانظر ابن سلمون في
مسائل الحبس. ص: (وإن هدم مكتر تعديا فللمستحق
النقض وقيمة الهدم) ش: هذا كقوله في المدونة
ومن اكترى دارا فهدمها تعديا ثم قام مستحق فله
أخذ النقض إن وجده وقيمة الهدم من الهادم قال
في التنبيهات: قوله: "بقيمة الهدم" قيل: بما
بينها بقعة وما بينها من القيمة بذلك البناء
فيغرمه وقيل: قيمة ما أفسد من البناء وعند ابن
حبيب يضمن له ما أنفق في البناء وقيل: يأخذ
النقض من مستحقها ثم يغرم له ما أفسد من الهدم
قال الشيخ أبو الحسن قول عياض: "بما بينها
بقعة" يعني مع الأنقاض، انتهى. ثم نقل بقية
كلام التنبيهات وقال عقبه: كذا في التنبيهات
ورأيته يعني القول الأخير في كلام التنبيهات
في موضع آخر يأخذ النقض مستحقه فعلى ما في
التنبيهات يغرم قيمة البناء قائما ويكون له
النقض كمن تعدى على سلعة فأفسدها إفسادا كبيرا
فإنه إذا ضمن قيمتها تكون له وعلى ما في
الموضع الآخر يكون هو التأويل الثاني، انتهى،
والله أعلم.
(7/354)
استحق، بخلاف
مستحق مدعي حرية، إلا القليل، وله هدم مسجد،
__________
تنبيه: قال القرطبي في شرح حديث جريج من مسلم
في قوله: "ولكن أعيدوها من طين كما كانت" يدل
على أن من تعدى على جدار أو دار وجب عليه أن
يعيده على حالته إذا انضبطت صفته وتمكنت
مماثلته ولا تلزم قيمة ما تعدى عليه وقد بوب
البخاري عليه "من هدم حائطا بنى مثله" وهو
تصريح بما ذكرنا فإن تعذرت المماثلة فالمرجع
إلى القيمة وهو مذهب الكوفيين والشافعي وأبي
ثور وفي العتبية عن مالك مثله ومشهور مذهب
مالك وأصحابه وجماعة من العلماء أن فيه وفي
سائر المتلفات المضمنات القيمة إلا ما يرجع
إلى الكيل والوزن بناء منهم على أنه لا تتحقق
المماثلة إلا فيهما، انتهى. ونحوه في الإكمال
قال: ولا حجة لأولئك بهذا الحديث؛ لأنه في شرع
غيرنا وليس فيه أن نبينا أمر بذلك ولعله
بتراضيهما ألا ترى إلى أن قولهم: "نبنيها لك
بالذهب" وهذا كان من طيب نفوسهم فكذلك بناؤها
بالطين، انتهى. ص: (وله هدم مسجد) ش: هذه
مسألة ذكرها في كتاب الاستحقاق من المدونة
وتكلم الشيخ أبو الحسن على حكم النقض هل لا
يؤخذ إلا عين النقض أو إن كان بشبهة أخذت
قيمته قائما وإلا أخذ النقض وأطال وجلب كلام
الأشياخ ومحصله اختصره ابن عرفة فقال: وفي جعل
نقض المسجد في حبس مطلقا أو إن كان بانيه
غاصبا وإن كان ذا شبهة جعلت قيمته في حبس
قولان، الظاهر قول ابن القاسم فيها والصقلي عن
سحنون وصوبه اللخمي وقال لي: لا بد من هدمه
لمخالفته بناء المسجد جعل نقضه في حبس مثله
وما شاكلها أخذه المستحق بقيمته وإن بنى بشبهة
وأبى المستحق من دفع قيمة البناء والآخر من
قيمة الأرض وكانا شريكين فإن حمل القسم وفي حظ
الحبس ما يصح مسجدا قسم وإلا بيع وجعل منابه
في مثله، انتهى. ومعنى القولين على ما ذكرناه
أول الكلام وقوله وقال: ذكره اللخمي تفريعا
على قول ابن سحنون. وقوله: "لمخالفته بناء
المسجد" لعله بناء الدور؛ لأنه الذي يصح به
الكلام وهو كذلك في التبصرة، والله أعلم.
فرع: قال أبو محمد: وعلى قول ابن القاسم بجعل
النقض في مسجد آخر فإن لم يكن في موضعه مسجدا
نقل ذلك النقض إلى أقرب المساجد إليه ويكون
الكراء على نقلانه منه
(7/355)
وإن استحق بعض:
فكالمبيع،
__________
ويجوز لمن أخذه في كرائه ملكه، انتهى. ص: (وإن
استحق بعض فكالمبيع) ش: كذا في بعض النسخ
"فكالمبيع" شبه مسألة الاستحقاق للبعض بمسألة
استحقاق بعض المبيع في البيع ولا معنى لهذا
التشبيه؛ لأن فرض المسألة استحقاق بعض المبيع
ففيه تشبيه الشيء بنفسه وفي بعضها "فكالعيب"
يعني أنه إذا اشترى الشخص شيئا واستحق بعضه
فحكمه حكم ما إذا ظهر عيب ببعض المبيع فهذه
النسخة أنسب ولكن على كل حال فقد قدم المؤلف
حكم استحقاق البعض في فصل الخيار وإنما نبه
عليه هنا؛ لأنه بابه، والله أعلم. ولا بأس
بذكر حكم استحقاق البعض على سبيل الاختصار
وذكر كلام المؤلف بعده فنقول إذا استحق بعض
المبيع فلا يخلو إما أن يكون شائعا فإنه يخير
المشتري في التمسك ويرجع بحصة الجزء المستحق
من الثمن وفي رده لضرر الشركة وسواء استحق
الأقل أو الأكثر وإن استحق جزء معين فلا يخلو
إما أن يكون مقوما أو مثليا فإن كان مقوما
كالعروض والرقيق والحيوان فإن استحق البعض رجع
بحصته بالقيمة لا بالتسمية وإن استحق وجه
الصفقة تعين رد الباقي ولا يجوز التمسك بالأقل
وإن كان مثليا فإن استحق الأقل رجع بحصته من
الثمن وفي الرد قال في المدونة: ومن ابتاع
ثيابا كثيرة أو صالح بها عن دعواه فاستحق
بعضها أو وجد بها عيب قبل قبضها أو بعده فإن
كان ذلك أقلها رجع بحصته من الثمن وإن رضي
البائع؛ إذ لا يعرف ثمنه حتى يقوم وقد وجب
الرد فصار بيعا مؤتنفا بثمن مجهول، انتهى.
وهذا أيضا يخالف فيه أشهب وابن حبيب ويجيزان
التمسك بالأقل قاله أبو الحسن وقال: قوله:
"فإن كان ذلك أقلها إلى آخره" لأن هذا ليس
بيعا مؤتنفا بثمن مجهول؛ لأن البيع لم يزل
جائزا بالعقد الأول، انتهى. ويقال لأي شيء
ينتقض البيع إذا استحق الأكثر ولا ينتقض في
الأقل، والله أعلم. ثم قال في المدونة
(7/356)
ورجع للتقويم
وله رد أحد عبدين استحق أفضلهما بحرية. كأن
صالح عن عيب بآخر، وهل يقوم الأول يوم الصلح
أو يوم البيع تأويلان،
__________
إثر الكلام المتقدم: ولو كان ما ابتاع مكيلا
أو موزونا فإن استحق القليل منه رجع بحصته من
الثمن ولزمه ما بقي وإن كان كثيرا فهو مخير في
أن يحبس ما بقي بحصته من الثمن أو يرده وكذلك
في جزء شائع مما لا ينقسم؛ لأن حصته من الثمن
معلومة قبل الرضا به، انتهى. ص: (وله رد أحد
عبدين استحق أفضلهما بحرية) ش: كذا قول أبي
سعيد في تهذيبه ومن ابتاع عبدين في صفقة
فاستحق أحدهما بحرية بعد أن قبضه أو قبل فإن
كان وجه الصفقة فله رد الباقي قال الشيخ أبو
الحسن: ليس في الأمهات "فله رد الباقي" وإنما
فيه "رد الباقي" وهذه متعقبة؛ لأن ظاهره له
الرد وله التمسك فيكون كقول ابن حبيب وأشهب،
انتهى. وما ورد على أبي سعيد يرد على المصنف
وقوله: "بحرية" وكذلك برق وقد دخل في قوله:
"وإن استحق بعض فكالعيب" وإنما نبه عليه؛ لأنه
قد يتوهم في هذه أنها صفقة جمعت حلالا وحراما
فترد كلاهما؛ لأنهما في هذه لم يدخلا على ذلك،
والله أعلم. ص: (كأن صالح عن عيب بآخر)
(7/357)
وإن صالح
فاستحق ما بيد مدعيه: رجع في مقر به لم يفت،
وإلا ففي عوضه: كإنكار على الأرجح، لا إلى
الخصومة، وما بيد المدعى عليه، ففي الإنكار
يرجع بما دفع وإلا فبقيمته،
__________
ش: الذي في أكثر النسخ"كان" وهو الصواب ويعني
أن حكم ما إذا اشترى عبدا ثم اطلع فيه على عيب
قديم فصالح عنه بعبد آخر ثم استحق أحدهما كحكم
اشترائهما في صفقة واحدة قال في المدونة: ومن
اشترى عبدا فأصاب به عيبا فصالحه البائع عن
العيب على عبد آخر دفعه إليه جاز وكأنهما في
صفقة واحدة فإن استحق أحدهما فليفض الثمن
عليهما وينظر هل هو وجه الصفقة أم لا على ما
ذكرنا؟ أبو الحسن. يعني فيمن باع عبدين في
صفقة واحدة، انتهى. وشبه المؤلف هذه المسألة
بتلك كما في تهذيب أبي سعيد إلا أن الحكم الذي
يؤخذ من كلامهما في المسألة الأولى ليس كذلك
كما تقدم فيكون في هذه أيضا كذا ولذلك قال
اللخمي قال ابن القاسم فيمن اشترى عبدا ثم وجد
به عيبا فصالح عنه على عبد آخر ثم استحق
أحدهما فسبيلهما سبيل ما اشترى صفقة واحدة
يريد إن كانا متكافئين أو استحق الأدنى رجع
بما ينوب المستحق ولزم الآخر وسواء كان
المستحق الأول أو الآخر وإن كان المستحق
الأجود رد الآخر، انتهى. والله أعلم. ص: (وإلا
ففي عوضه كإنكار على الأرجح) ش: أي وإن فاتت
قال في المدونة بتغير بدن أو سوق فيرجع في
عوضه أي عوض الشيء المقر به وهو مثل المثلي
وقيمة المقوم كما يرجع في الإنكار بعوض الشيء
المصالح فيه فات أو لم يفت وهو مثل المثلي
وقيمة المقوم وهذا يفرقه ذهن الطالب؛ لأن في
الإقرار ثبت الشيء له وأما في الإنكار فلم
يثبت فكيف يتوهم أن يأخذه فيتعين أن يكون
المراد عوض الشيء المصالح
(7/358)
وفي الإقرار لا
يرجع:
__________
به، والله أعلم. ص: (وفي الإقرار لا يرجع) ش:
قال أبو الحسن الصغير في صلح الإقرار على عوض
بعد أن تكلم على ما إذا استحق العوض ولو استحق
ما بيد المدعى عليه، فقال أشهب في المجموعة:
إن استحق بالبينة والحكم فليرجع على المدعي
بما دفع إليه، وقال الطحاوي في كتابه: لا يرجع
بشيء؛ لأنه أقر أنه للمدعي وأن ما أخذ منه ظلم
وذكر أن هذا قول لأهل المدينة وابن أبي ليلى
ومن قال بقولهم ثم قال الشيخ: والعمل عندنا
اليوم على ما في كتاب الطحاوي والمدنيين أنه
لا يرجع ويقال للمستحق من يده: تأخذ النسخة
وترجع على بائعك بالثمن أو تخاصم ثم لا رجوع
لك، انتهى. وانظر ما معنى قوله: "ويقال
للمستحق إلى آخره" والله أعلم. وفي معين
الحكام: فإذا أعذر للذي ألفى في يده العبد أو
الدابة فالصواب أن يقال: لا حجة لي إلا أن
أرجع على من باع مني فإن ادعى الذي ألفى في
يده العبد أو الدابة مطعنا في الشهود أجل فإن
عجز بعد ذلك حكم عليه ثم لا يكون له رجوع على
البائع؛ لأن قيامه عليه إنما هو بالبينة التي
أعذر فيها فإذا طعن فيها لم يكن له قيام،
انتهى. وصرح ابن سلمون بأن من استحق شيئا
وادعى فيه دافعا وعجز عنه لم يبق له رجوع على
بائعه، والله أعلم.
مسألة: ، قال في النوادر في كتاب الأقضية
الأول في ترجمة من قيم عليه في شيء هل يقوم
على من باع منه قبل الحكم وهو في أثناء ترجمة
كبيرة وفي كتاب ابن سحنون سأل حبيب سحنونا
فيمن اعترف من في يده شيء وثبت عليه بشاهد
واحد فيريد المشهود أن يأخذ حميلا على من باع
ذلك؛ لئلا يحكم عليه في وقت يغيب هذا فيه،
قال: لا حميل له عليه ولا يعرض له حتى يحكم
عليه، انتهى.
تنبيهات: الأول: من ادعى الحرية وذكر أنه من
بلد كثر فيه بيع الأحرار ووافقه المبتاع على
أنه اشتراه من تلك البلد، فقال ابن سهل، قال
محمد بن الوليد ويحيى بن عبد العزيز إنه يكلف
المشتري إثبات رقه، وقاله سحنون، وقال ابن
لبابة: البينة على مدعي الحرية وكان عبد
الأعلى يفتي بما قال: قال أصحابنا: لفساد
الزمان ولست أراه، وقال ابن زرب: على السيد
الإثبات على صحة ابتياعه ممن كان ملكا له
وبذلك أفتوا في فتنة ابن حفصون، انتهى. من
مسائل العتق وهي قبل مسائل النكاح.
الثاني إذا ادعت الحرية ثم أقرت بالرق، فقال
ابن سهل في المحل المذكور: قالت طائفة: لا
يقبل رجوعها؛ لأنها قد استحقت بدعواها فليس
لها أن ترق نفسها، وقالت طائفة يقبل
(7/359)
كعلمه صحة ملك
بائعه،
__________
رجوعها وتبقى مملوكة لسيدها، قال ابن عتاب:
وبه أفتيت واختاره القاضي ابن بشير ولم يذكر
لنا ابن عتاب؛ إذ ذكرها في سماع ابن القاسم،
قال مالك: يسمع نزوعها إلا أن يخاف أنها إنما
نزعت من خوف وأرادت ذكره واستحيت منه، انتهى.
الثالث: إذا اعترف المملوك بالرق ثم ادعى
الحرية، هل يقبل منه؟ انظر ابن سلمون في بيع
الرقيق فإنه ذكر فيه قولين وعلى أنه يقبل منه
فإذا ثبت ذلك وكان البائع عديما فهل يرجع عليه
بالثمن؟ فيه خلاف ذكره ابن رشد في آخر سماع
عيسى من كتاب الجهاد ورسم لم يدرك من سماع ابن
القاسم من كتاب الاستحقاق.
الرابع: إذا شهد الشهود على الحرية في العلم
هل يفيد ذلك أم لا؟ انظر الباب الثالث
والأربعين من التبصرة لابن فرحون وانظر ابن
سهل في المحل المذكور أولا فإنه ذكر في ذلك
خلافا وفيه مسائل من هذا الباب وانظر الباب
الثاني والعشرين من التبصرة فإن فيه أن الأصل
الحرية وفي أول الكتاب في الفرق بين المدعي
والمدعى عليه.
الخامس: إذا أراد وضع قيمة العبد المستحق
والذهاب إلى البلد التي فيها بائعه فله ذلك في
المستحق برق لا بحرية كما قاله في وثائق
الجزيري، وفي سماع عيسى المذكور وفي رسم
القبلة من سماع ابن القاسم من الاستحقاق،
والله أعلم. ص: (كعلمه صحة ملك بائعه) ش: قال
الشيخ أبو الحسن الصغير في شرح مسألة الصلح
المتقدمة: وقد اختلف إذا كان في عقد الشراء
وعلم المبتاع صحة ملك البائع المذكور حين
انبرام البيع وانعقاده، فقال ابن القاسم
وأشهب: لا يرجع إذا استحق ذلك من يده، وقال
غيرهما: يرجع، انتهى. وفي أول البيوع من معين
الحكام مسألة إذا صرح المبتاع بصحة ملك البائع
لما باع ثم طرأ استحقاق فهل له رجوع على
البائع أو لا؟ في ذلك روايتان إحداهما أنه
يرجع على البائع ولا يضره إقراره والأخرى أنه
لا يرجع عليه بشيء رواها أصبغ وعيسى عن ابن
القاسم، قال ابن العطار وبالرواية الأولى
القضاء قالوا وهو دليل المدونة؛ لأنه قال في
كتاب الاستحقاق منها فيمن له
(7/360)
لا إن قال
داره،
__________
على رجل ألف درهم فحط عنه خمسمائة درهم على أن
أخذ منه عبده ميمونا بخمسمائة ثم استحق العبد
أنه يرجع بالألف فقوله: "عبده ميمونا" تصريح
بإضافة العبد إليه. ص: (لا إن قال داره) ش:
قال في المتيطية في أوائل البيوع: وقولنا:
ابتاع منه جميع الدار أولى من إضافتها إلى
البائع فيقال: جميع داره وكذلك جميع ما يبتاع
من ملك أو سلعة لما وقع في ذلك من الاختلاف
فقد ذكر بعض الموثقين أنه إذا أضيف شيء من ذلك
إلى البائع ثم استحق من يد المبتاع فإنه لا
يرجع على البائع بشيء؛ لأن في إضافة ذلك إليه
إقرارا من المبتاع بتحقيق تمليك البائع لما
باع منه فإذا استحق من يده فقد علم أنه لم
يستحق بحق فلم يكن له الرجوع وكان يرى أن يعقد
الموثق ابتاع منه جميع الدار الذي ذكر البائع
أنها له أو ابتاع منه جميع الدار التي بموضع
كذا ولا يرى أن يقول جميع الدار التي له، وقال
غيره من الموثقين: إن قولك: "جميع الدار" أو
"جميع داره" بإضافة أو بغير إضافة سواء إن
استحق ذلك من يد المبتاع رجع به على البائع
وقد أشار إلى ذلك أشهب في المجموعة، فقال: إنه
يرجع بالثمن على البائع، والظلم إنما وقع عليه
دون المبتاع؛ لأن بينة المستحق تقول إنه باع
ما ليس له. قال ابن الهندي والذي تدل عليه
الأصول أن قول الموثق: "جميع الدار التي له"
ليس بمانع للمبتاع من الرجوع على البائع
بالثمن عند الاستحقاق؛ إذ قد أحكمت السنة
الرجوع عليه حتى لو لم يقل في الوثيقة ومرجع
دركهم والدليل على ذلك ما نص عليه أهل العلم
في نص الوثائق في بيع جميع الأملاك فإنهم
استفتحوا ذلك: اشترى فلان من فلان جميع ما
جرته أملاكه وضمته فوائده وجمعته مكاسبه.
وقولهم هذا كقول الموثق: جميع الدار التي له،
لا فرق في ذلك فلو كان هذا عندهم لرجوع
المبتاع عند الاستحقاق على البائع ما كتبوه
وقد دارت غير مرة فقضي فيها بالرجوع بالدرك
وقد أوقفت على ذلك جماعة من أهل العلم الماضين
فلم نجد عند أحد منهم
(7/361)
وفي عرض بعرض
بما خرج من يده أو قيمته،
__________
أن ذلك يمنع الرجوع، قال غير واحد من
الموثقين: وهذا هو الصواب؛ لأنه ليس في إضافة
ذلك إلى البائع إقرار من المبتاع بتمليك
البائع له وإنما معنى قوله: "ابتاع منه جميع
داره" أي جميع الدار التي ذكر البائع أنها له
وأيضا فلو أن المبتاع صرح بتمليك البائع
للمبيع ثم استحق ذلك من يده فإن في رجوعه على
البائع روايتين: إحداهما أنه يرجع على البائع
ولا يضره إقراره والأخرى أنه لا يرجع عليه
بشيء. رواها أصبغ وعيسى عن ابن القاسم، قال
ابن العطار: وبالرواية الأولى القضاء هذا في
صريح الإقرار فكيف بلفظ لا يحتمل إلا على بعد
والذي وقع لابن القاسم في العتبية من سماع
عيسى وحكاها أيضا فضل بن مسلمة عن ابن القاسم
أنه إذا أقر المبتاع أن جميع المبيع للبائع
منه ثم استحق من يده أنه لا يرجع على البائع
بشيء. وقال أشهب وعبد الملك وابن وهب وسحنون
وغيرهم: لا يمنع ذلك من الرجوع عليه وهذا
اختيار الشيوخ بالأندلس وهو دليل ما في كتاب
الاستحقاق من المدونة فيمن له على رجل ألف
درهم فحط عنه خمسمائة على أن يأخذ منه عبده
ميمونا بخمسمائة ثم استحق العبد أنه يرجع
بالألف فقوله: "على أن أخذ منه عبده ميمونا"
كقول الموثق: ابتاع منه داره، وقال عباس في
وثائقه: سألت عن ذلك محمد بن إدريس الفقيه
فذكر أن ابن القاسم لا يبطل رجوع المبتاع بذلك
على البائع إلا أن يقر أنها من خطة آبائه
وأجداده فيبطل دركه حينئذ عنده وكذلك في
العبيد والدواب لا يبطل دركه إلا أن يقر أن
ذلك من تلادة البائع فيبطل دركه، انتهى. ونحوه
في الوثائق المجموعة وقوله: "من خطة آبائه" أي
من بناء آبائه وقوله: "من تلادة" أي ولد عنده،
والله أعلم. وفي حاشية المشذالي في آخر كتاب
الاستحقاق بعد أن ذكر قول ابن العطار:
"وبالرواية الأولى القضاء" ابن عبد السلام:
والأصح من القولين عدم الرجوع، انتهى. وفي أبي
الحسن الصغير إثر الكلام المتقدم وذكر الباجي
أنه اختلف أيضا إذا كان في عقد الشراء داره أو
الدار التي له، قال: ينبغي أن يتحرز الموثق من
الخلاف فيسقطه ويكتب دارا أو الدار التي ذكر
أنها له وذكر ابن العطار في وثائقه القولين،
قال: والقضاء بأنه يرجع، قال ابن الهندي إذا
قال في آخر الوثيقة على سنة المسلمين ومرجع
دركهم فإنه يسقط الخلاف ويكون له الرجوع قولا
واحدا، انتهى. والظاهر أن قوله: "وذكر ابن
العطار إلخ" راجع إلى كلامه الأول في المسألة
الأولى وذكر ابن رشد القولين في سماع عيسى من
كتاب الاستحقاق فقف عليه إن أحببته فقد ظهر
معنى قول المصنف: "لا إن قال: داره" أي لا إن
قال الموثق في الوثيقة: داره أو الدار التي له
وقد علمت أن هذا هو الصحيح. وأما المسألة
الأولى فلو أشار المؤلف فيها إلى القول الثاني
ولو بصح أو عمل به لكان حسنا، والله أعلم. ص:
(أو قيمته) ش: والقيمة يوم البيع.
(7/362)
إلا نكاحا
وخلعا، وصلح عمد، ومقاطعا به عن عبد أو مكاتب
__________
قاله في كتاب الاستحقاق من المدونة أبو الحسن،
لأن البيع صحيح وإنما يراعى يوم القبض في
البيع الفاسد أو الهبة على أحد القولين،
انتهى. والفوات بتغير السوق والبدن والعتق
والاستيلاد وتزويج الأمة، قاله في المدونة،
والله أعلم. ص: (إلا نكاحا) ش: ذكر ست نظائر
والسابعة مسألة الصلح على الإنكار إذا استحق
الشيء المصالح به وانظر لو مات العبد في يدها
ثم استحقت، في أبي الحسن الصغير في كتاب
الاستحقاق. ص: (أو مقاطعا به) ش: قال في كتاب
البيوع من المدونة: وإذا بعت عبدك من نفسه
بأمة له فقبضتها ثم استحقت أو وجدت بها عيبا
لم يكن لك ردها عليه وكأنك انتزعتها منه
وأعتقته ولو بعت بها نفسه وليست له يومئذ رجعت
عليه بقيمتها لا بقيمته كما لو قاطعت مكاتبك
على أمة في يده فقبضتها وأعتقته وتمت حريته ثم
استحقت أو وجدت بها عيبا فإنك ترجع عليه
بقيمتها دينا وهذا كالنكاح بها بخلاف البيوع،
انتهى. قوله: "ولو بعته بها نفسه وليست له
يومئذ" قال ابن يونس: قال يحيى وهي بعينها في
ملك غيره. وقوله: "كما لو قاطعت مكاتبك إلى
آخره" يريد ويجوز أن يقاطع المكاتب على عبد في
يديه فإن استحق أو وجد بها عيب رجع بقيمته بلا
خلاف في هذا؛ لأن سيده كان غير قادر على أخذ
ماله فهو بخلاف العبد وإن أعتق عبده على عبد
موصوف فاستحق أو وجد به عيب رجع عليه بمثله في
صفقة. ابن يونس. فصار ذلك على ثلاث رتب في
المعين لا يرجع عليه بشيء وفي الموصوف يرجع
عليه بمثله وإذا كان المعين لغيره رجع بقيمته،
انتهى. من ابن يونس ونقله أبو الحسن ونقل بقية
(7/363)
أو عمرى، وإن
أنفذت وصية مستحق برق لم يضمن وصي وحاج إن عرف
بالحرية وأخذ السيد ما بيع ولم يفت بالثمن:
كمشهود بموته إن عذرت بينته وإلا فكالغاصب وما
فات فالثمن كما لو دبر أو كبر صغير.
__________
النظائر، والله سبحانه أعلم. ص: (أو عمرى) ش:
يريد أن من أعمر رجلا حياته دارا ثم أعطى
المعمر دارا ثم أعطى المعمر بكسر الميم المعمر
بفتحها عبدا عوضا عما جعله له من العمرى ولا
يجوز أن يعطي رجل عبد الرجل ليعمره دارا فليس
مرادا هنا، والله أعلم. ص: (إن عرف بالحرية)
ش: هذا كقوله في كتاب الاستحقاق من المدونة
فإن كان معروفا بالحرية لم يضمن الوصي ولا
متولي الحاج، قال أبو الحسن: ظاهره أن مع
الجهل يحمل على الرق وفي آخر كتاب الرجم أن
الناس محمولون على الحرية فمعنى قوله هنا إن
كان معروفا بالحرية فيمن ظهرت فيه مخايل الرق
أو صفة تؤذن بالرق وأما مع الجهل بحاله فمحمول
على الحرية كما، قال بعض في كتاب الرجم فيفسر
هذا الموضع بما قلناه ثم قال: ومفهوم قوله إن
كان معروفا أنه لو كان غير معروف لضمن؛ لأنه
تعدى على مال الغير، انتهى. ويعني تغيير
المعروف من ظهرت عليه مخايل الرق أو من فيه
ريبة كما تقدم. ص: (وأخذ السيد ما بيع ولم يفت
بالثمن) ش: قال في المدونة: ويأخذ السيد ما
كان قائما من التركة لم يبع وما بيع وهو قائم
بيد مبتاعه فلا يأخذه السيد إلا بالثمن ويرجع
بذلك الثمن على البائع، قال أبو الحسن: قوله:
"يرجع على البائع" وقال أولا: "لم يضمن الوصي"
قالوا: معنى ما تقدم أن الثمن فات وصرفه في
مصارفه ومعنى قوله: "يرجع على البائع" أن
الثمن قائم بيده، انتهى. يريد أو صرفه في غير
ما لم يوص به الميت. ص: (وإلا فكالغاصب) ش:
قال في المدونة: فإن لم تأت البينة بما تعذر
به من شبهة دخلت عليهم فذلك كتعمدهم الزور
فيأخذ متاعه حيث وجده، قال الرجراجي: وسواء
كانت شهادتهم عند الورثة أو عند القاضي وتأول
القاضي إسماعيل المدونة على أنهم شهدوا عند
الورثة وأما إن شهدوا عند القاضي فلا سبيل إلى
متاعه إلا بالثمن، قال الرجراجي وهذا الذي
قاله مخالف لنص المدونة، والله أعلم.
تنبيه: قال أبو الحسن: وحملهم على الكذب حتى
يأتوا بالشبهة، والله أعلم. ص: (وما فات
فالثمن) ش: هذا قسيم قوله ما بيع ولم يفت يعني
وأما ما فات فإنما له الرجوع بالثمن على الذي
باع ذلك، وقاله في المدونة.
(7/364)
__________
فرع: قال في كتاب الرهون من المدونة: وإذا باع
السلطان الرهن ودفع ثمنه إلى المرتهن ثم استحق
الرهن وقد فات عند المبتاع أو غاب عليه
المبتاع فلم يوجد فللمستحق إجازة البيع وأخذ
الثمن من المرتهن ويرجع المرتهن بحقه على
الراهن، وقاله مالك فيمن باع سلعة فاستحقها
صاحبها وقد دارت في أيدي رجال أنه يأخذ الثمن
من أيهم شاء، انتهى. من أبي الحسن. وفوات
الشيء المستحق إنما هو بزوال عينه أو ما يقوم
مقام زوال عينه وقوله أو غاب به المبتاع في
الأمهات "وغاب"، واختصار أبي سعيد أحسن؛ لأنه
معنيان ومفهومه أنه لو لم يفت لكان الحكم غير
هذا وهو أنه يأخذه المستحق من غير ثمن ولا يرد
هذه مسألة محمد في الذي يباع عليه ماله وهو
غائب ثم قدم فأثبت البراءة من الدين أنه قال:
يأخذ ذلك بالثمن، والفرق بينهما أن مسألة محمد
بيع على ملك الغائب وهذا بيع على غير ملك
المستحق. وانظر مسألة محمد في كتاب الأقضية
لابن يونس، انتهى. وانظر ابن سلمون في باب من
أحاط الدين بماله، وقال أبو الحسن: قوله:
"فللمستحق إجازة البيع وأخذ الثمن من
المرتهن". عياض الذي يقطع به أن مذهب المدونة
أن رجوعه على المرتهن والذي قال ابن حبيب
وأصبغ عن ابن القاسم أنه إنما يرجع على الراهن
إلا أن يكون عديما فيرجع على المرتهن الشيخ.
وسبب الخلاف هل هذا الرهن إنما بيع على الراهن
وفيما عليه أو إنما بيع لحق المرتهن وأنه بحكم
الحاكم بالبيع زال ملك الراهن؟ وبعضهم حمل
المدونة على أن الراهن عديم ثم قال: قوله:
"يأخذ الثمن من أيهم شاء إلا الأخير" فإنه لا
يرجع على أحد فإن أخذه من الأول صحت جميع
الصفقات بخلاف الشفعة إن أخذه من الأول بطلت
جميع الصفقات. والفرق بينهما أنه إنما يرجع
بالثمن والشفعة إنما يرجع في الدار، انتهى.
وتقدم في آخر باب الغصب شيء من هذا، وقال
البرزلي في أثناء كتاب الأقضية: قال اللخمي في
كتاب التخيير: من أثبت
(7/365)
__________
دينا على غائب وباع فيه داره ثم قدم الغائب
وأثبت أنه قضاه دينه بعد البيع إذا فات؛ لأنه
لم يتعد على الذمة ابن عات: هو مخالف لما قاله
أبو الوليد إنه يجوز بيع الرهن دون الحكم سواء
كان في وثيقة الدين تصديق المرتهن في الاقتضاء
أم لا فإن ادعى بعد ذلك دفع الدين فإن لم
يشترط التصديق في الاقتضاء وأقام البينة على
الدفع انتقض البيع وإن لم تقم بينة حلف
المرتهن ونفذ البيع وإن نكل حلف الراهن لقد
أداه وسقط الدين ونفذ البيع ذكره ابن فتحون.
قلت: لعل مسألة اللخمي باع بحكم حاكم ومسألة
ابن فتحون بغير حاكم، انتهى. من مسائل
الأقضية.
(7/366)
باب في الشفعة
الشفعة أخذ شريك
__________
باب الشفعة
قال ابن رشد في المقدمات: والأصل في تسميتها
بذلك هو أن الرجل في الجاهلية كان إذا اشترى
حائطا أو منزلا أو شقصا من حائط أو منزل أتاه
المجاور أو الشريك فشفع له في أن يوليه إياه
ليتصل له الملك أو يندفع عنه الضرر حتى يشفعه
فيه فسمى ذلك شفعة وسمى الآخذ شفيعا والمأخوذ
منه مشفوعا عليه، انتهى. والشفعة بسكون الفاء،
قاله عياض. ص: (أخذ شريك) ش: تمام الرسم قوله
ممن تجدد ملكه اللازم اختيارا بمعاوضة عقارا
بمثل الثمن أو قيمته
(7/366)
ولو ذميا باع
المسلم لذمي كذميين تحاكموا إلينا،
__________
أو قيمة الشقص. وهو قريب من قول ابن الحاجب
واعترضه ابن عرفة بأنه رسم الأخذ لا رسم ماهية
الشفعة ورسمها هو استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه
بثمنه، انتهى.
قلت: قد يقال: إنه غير جامع لخروج ما يكون فيه
الشفعة بقيمة الشقص فتأمله واعتراض ابن عرفة
المذكور هو في مختصره ونقل عنه تلميذه البرزلي
أنه نقض رسم ابن الحاجب أيضا بأخذ الشريك
الثوب إذا وقف على ثمن وبما إذا وقع ثوب مسلم
في الغنائم وأخذه رجلان فأخذ من أحدهما ثم
أراد الأخذ من الآخر، انتهى. وقوله: "أخذ
شريك" أي بجزء مشاع وأما لو كان شريكا بأذرع
وهي غير معينة ففيها خلاف، قال مالك: لا شفعة
وأثبتها أشهب ورجح ابن رشد الأول وأفتى به
وحكم به بأمره، قاله في آخر كتاب الشفعة من
المقدمات. ص: (ولو ذميا باع المسلم لذمي
كذميين تحاكموا إلينا) ش: قال في آخر كتاب
الشفعة من المدونة: وإذا كانت دار بين مسلم
وذمي فباع المسلم حصته من مسلم أو ذمي فلشريكه
الذمي أن يشفع كما لو كان مسلما، انتهى. وفي
التبصرة للخمي وإن باع النصراني نصيبه من مسلم
أو نصراني كانت للمسلم الشفعة، انتهى. ثم قال
في المدونة إثر الكلام المتقدم: ولو كانت بين
ذميين فباع أحدهما لم أقض بالشفعة بينهما إلا
أن يتحاكموا إلينا، انتهى. وفي أول سماع يحيى
من الشفعة وسألت ابن القاسم عن النصرانيين
الشريكين في الأصل يبيع أحدهما حظه من مسلم أو
نصراني فتجب الشفعة لشريكه أيقضى له بها، قال:
أما على المسلم فيقضى بها للنصراني لأني قد
كنت أقضي بها للمسلم على النصراني وأما إذا
كان الشفيع نصرانيا وكان شريكه مسلما أو
نصرانيا فاشترى نصراني فلا أرى أن يقضى بينهما
بشيء؛ لأن الطالب والمطلوب نصرانيان فهما
يردان إلى أهل دينهما؛ لأن المطلوب يقول ليس
في ديننا الحكم بالشفعة فلا أرى للمسلم أن
يحكم بينهما إلا أن يتراضيا على ذلك ابن رشد
تحصيل القول في هذه المسألة أنه إن كان الشفيع
الذي لم يبع أو المشتري المشفوع عليه مسلما
قضي بالشفعة لكل واحد منهما على صاحبه باتفاق
المذهب؛ لأنه حكم بين مسلم ونصراني واختلف إن
كان الشفيع والمشتري المشفوع عليه نصرانيين
والشريك البائع مسلما، فقال في هذه الرواية:
إنه لا يقضى في ذلك بالشفعة ويردان إلى أهل
دينهما؛ لأن الشافع والمشفوع نصرانيان، وقال
في أصل الأسدية وهو في بعض روايات المدونة:
إنه يقضى في ذلك بالشفعة من أجل أن
(7/367)
أو محبسا
ليحبس: كسلطان
__________
الشريك البائع مسلم. وهو قول أشهب في
المجموعة، انتهى. فالقول الثاني هو الذي مشى
عليه المؤلف، فقال: ولو كان الشريك الآخذ
بالشفعة ذميا والحالة أن شريكه مسلم باع لذمي
وأشار بـ"لو" إلى القول الأول في كلام ابن رشد
ودخل في كلامه بالأحروية ما إذا باع الشريك
المسلم لمسلم فيكون لشريكه الذمي الشفعة أو
باع النصراني حصته لمسلم أو ذمي فلشريكه
المسلم الشفعة أو كانت بين ذميين فباع أحدهما
حصته من مسلم؛ لأن هذه متفق على وجوب الشفعة
فيها كما تقدم وقول الشارح قوله الذمي لو باع
المسلم لا شفعة له وليس كذلك لا يرد على
المصنف؛ لأن هذه الصورة داخلة في كلامه
بالأحروية فليتأمل وقول البساطي واعترضوا عليه
بأنه مخالف للمدونة.
قلت: ولعله رجح ما لابن القاسم في المجموعة أن
المسلم إذا باع لنصراني وشريكه نصراني فلا
شفعة للنصراني، فيه سهو ظاهر، والله أعلم.
قوله: "كذميين تحاكموا إلينا" هذه الصورة
السادسة فإن للمسألة سبع صور؛ لأن الدار تارة
تكون شركة بين ذمي ومسلم فتارة يبيع المسلم
حصته من مسلم أو ذمي وتارة يبيع الذمي حصته من
مسلم أو ذمي فإن كانت الدار بين ذميين فتارة
يبيع أحدهما حصته من مسلم أو ذمي فهذه ست
والسابعة إذا كانت الدار بين مسلمين فباع
أحدهما حصته من ذمي فواحدة صريحة في كلام
المؤلف وهي ما إذا باع المسلم حصته لذمي وكان
شريكه ذميا وهو على الخلاف والخامسة الأخرى
داخلة في كلام المؤلف بالأحروية؛ لأنها متفق
عليها وبقيت واحدة وهي ما إذا كانت بين ذميين
فباع أحدهما لذمي فأشار إليها بقوله: "كذميين
تحاكموا". وهكذا، قال في المدونة: ولو كانت
بين ذميين فباع أحدهما نصيبه لم أقض بالشفعة
بينهما إلا أن يتحاكموا إلينا. وقال أشهب: إذا
كان المبتاع مثلهما فلا شفعة وإن تحاكموا
إلينا، انتهى. فقول المؤلف: "كذميين تحاكموا
إلينا" يعني كما إذا كانت لذميين والحالة أنه
باع أحدهما لذمي ويدل على أن أحدهما باع لذمي
قوله: "باع المسلم لذمي" وقوله: "ذميين
بالجمع" لا بالتثنية كما تقدم وحذف الجار
والمجرور في قوله إلينا للعلم به، والله أعلم.
ص: (ليحبس) ش: يريد وأما لو أخذها لنفسه فليس
له ذلك.
(7/368)
لا محبس عليه،
أو ليحبس وجاز وإن ملك تطرقا، وناظر وقف،
وكراء، وفي ناظر الميراث.
__________
تنبيه: لو أعمر إنسان إنسانا جزءا مشاعا من
دار وله فيها شريك فباع شريكه فللمعمر - بكسر
الميم - أن يأخذ بالشفعة؛ لأن الحصة ترجع إليه
بعد موت المعمر بفتح الميم قاله ابن الحاجب ص:
(وجار وإن ملك تطرقا) ش: قال في كتاب الشفعة
من المدونة: ولا شفعة بالجوار والملاصقة في
سكة أو غيرها ولا بالشركة في الطريق ومن له
طريق في دار فبيعت الدار فلا شفعة له فيها،
انتهى. قال ابن يونس: لأنه إنما له حق في
الجوار لا في نفس الملك، انتهى. ص: (وناظر
وقف) ش: لا إشكال في عدم أخذه بالشفعة على
القول الذي مشى عليه المصنف من أن المحبس عليه
ليس له أن يأخذ بالشفعة ولو ليحبس وقد يؤخذ
ذلك من قول أبي الحسن في آخر كتاب الشفعة لما
ذكر قوله في المدونة إن المحبس عليهم ليس لهم
أن يأخذوا بالشفعة، قال ابن سهل به يستدل على
أن صاحب المواريث لا يشفع لبيت المال
والمساجد، انتهى، والله أعلم. ص: (وكراء) ش:
أي وكذا لا شفعة في الكراء وما ذكره المصنف هو
أحد قولي مالك ورواية ابن القاسم عنه وإنما
اقتصر عليه؛ لأنه مذهب المدونة في أول كراء
الدور والأرضين حسبما أشار إلى ذلك في توضيحه
وصرح ابن ناجي في شرح المدونة بمشهوريته
وسيأتي لفظهما، قال في المدونة في كراء الدور
وإذا اكترى رجلان دارا بينهما فلأحدهما أن
يكري حصته، قال مالك ولا شفعة فيه لشريكه
بخلاف البيع، انتهى. قال ابن ناجي: ما ذكره من
عدم الشفعة هو المشهور، وقال أشهب: وابن
المواز له الشفعة. وقال
(7/369)
__________
في التوضيح في كتاب الشفعة في شرح قول ابن
الحاجب: "وفي الثمار والكتابة وإجارة الأرض
للزرع قولان". قوله: "وإجارة الأرض للزرع". لا
يريد خصوصية هذه المسألة بل كل كراء. والقولان
لمالك ومذهب ابن القاسم في المدونة سقوطها وهو
قول عبد الملك والمغيرة وبوجوبها قال مطرف
وأشهب وأصبغ واختلف أيضا في المساقاة كالكراء،
والأقرب سقوطها في هذه الفروع؛ لأن الضرر فيها
لا يساوي الضرر في العقار الذي وردت الشفعة
فيه، انتهى. وأصله لابن عبد السلام ونصه وليس
في قول المؤلف: "وإجارة للزرع" دليل على
خصوصية هذه الصورة بالخلاف في ثبوت الشفعة
فيها بل ذلك عام في كراء العقار لكن مذهب ابن
القاسم سقوط الشفعة في الكراء وهو قول المغيرة
وعبد الملك، وقال أشهب ومطرف وأصبغ: فيه
الشفعة وهو قول ابن القاسم أيضا، والقولان
مرويان عن مالك واختلف أيضا في المساقاة كما
اختلف في الكراء والأقرب في هذه المسائل على
أصل المذهب سقوط الشفعة فإن الضرر اللاحق بسبب
المشاركة فيها قاصر عن الضرر اللاحق في
المسائل المتفق على ثبوت الشفعة فيها، انتهى.
تنبيهات: الأول: اعترض الشارح على المصنف في
اقتصاره على القول بعدم الشفعة وعدم تعرضه
للقول بوجوبها، قال في الوسط بعد نقله القولين
عن الموازية: فانظر كيف اقتصر الشيخ على عدم
الشفعة ولم يحك القول الآخر وهو أولى بالذكر
هنا؛ لأنه أحد قولي مالك ورواية ابن القاسم
عنه وبه أخذ هو وأشهب ومطرف وأصبغ وابن المواز
وابن حبيب أو كان يذكر القولين معا، انتهى.
ونحوه في الكبير، وقال بدل قوله وهو أولى
بالذكر هنا فكان هذا القول أولى بالاقتصار
عليه أو يذكر القولين معا وعلى هذا فلو قال:
"وفي الكراء وناظر الميراث قولان" لكان أحسن،
والله أعلم. وعلى التسوية بين القولين من غير
ترجيح مشى في شامله، فقال: وفي الكراء روايتان
وتبع البساطي الشارح في الاعتراض على المؤلف،
فقال: وكان الأحسن أن يذكر المصنف في الكراء
القولين كما في ناظر الميراث؛ لأنهما لمالك
ورجح جماعة الثاني ولم يتعرض ابن غازي لما
ذكره الشارح من الاعتراض على المصنف بنفي ولا
إثبات وتعرض له الشريف الفاسي ونظر في اعتراضه
وأجاب عن الشيخ في اقتصاره على القول بعدم
الشفعة بما قدمناه ونص إثر قول ابن الحاجب
المتقدم قوله: "وإجارة الأرض للزرع" لا يريد
خصوصية هذه المسألة بل كل كراء كذلك، والقولان
لمالك ومذهب ابن القاسم في المدونة في كراء
الدور وسقوطها وعليه اقتصر الشيخ خليل واعترضه
شارحه الشيخ تاج الدين بأن القولين لمالك
ورواية ابن القاسم وبثبوت الشفعة أخذ هو وأشهب
ومطرف وأصبغ وابن المواز وابن حبيب فكان ذكره
لهذا القول أولى أو كان يذكرهما ولهذا حكى في
شامله القولين من غير ترجيح وفيه نظر لقوله في
التوضيح مذهب المدونة السقوط، ولعله لما لم ير
المسألتين في كتاب الشفعة من المدونة لم يعتبر
كلامه، والله أعلم، انتهى. فظهر من هذه النصوص
صحة ما قاله المصنف وسقط عنه اعتراض الشارح
والبساطي، والله أعلم.
(7/370)
__________
الثاني: سيأتي في كلام المصنف في الثمار إذا
لم تيبس أن فيها الشفعة، وقال في حاشية
المشذالي في كتاب الشفعة: فإن قيل: ما الفرق
بين الشفعة في الثمار وعدمها في السكنى وكل
منهما غلة ما فيه الشفعة؟ قيل: الفرق أن
الثمار لما تقرر لها وجود في الأعيان ونمو في
الأبدان من الأشجار صارت كالجزء منها. وإليه
أشار ابن العربي فأعطيت حكم الأصول ولا كذلك
السكنى فلذلك صرح في المدونة بعدم الشفعة
فيها. المشذالي: قال الشيخ أبو الحسن في ترجمة
اكترى حمامين أو حانوتين من كراء الدور أن
الفرق أن الثمرة أعيان وهي مشتبهة بالأصول ولا
كذلك المنافع ألا ترى إذا اشترى الثمرة بعد
يبسها في رءوس الأشجار أنه لا شفعة فيها،
انتهى. وتأمل الفرق بين الزرع والثمار، والله
أعلم.
الثالث: على القول بوجوب الشفعة في الكراء،
فقال اللخمي بشرطين: أن يكون مما ينقسم وأن
يشفع ليسكن، قال المشذالي، قال الشيخ أبو
الحسن في الترجمة المذكورة: قال ابن يونس، قال
محمد وأشهب يرى الشفعة في الكراء وبه أقول.
اللخمي وبه العمل بشرط أن يكون مما ينقسم وأن
يشفع ليسكن، انتهى. ونقله الباجي عن أبي الحسن
أيضا وزاد إثره. قلت: وليس العمل عليهما عندنا
بإفريقية، انتهى. أي ليس العمل عندهم بإفريقية
على اشتراط الشرطين المذكورين، والشرطان
المذكوران ذكرهما اللخمي وعنه نقلهما الشيخ
أبو الحسن فإنه بعد أن ذكر الشرطين المذكورين
أتى بكلام اللخمي عقب ذلك كالمستدل بذلك
ولنذكر كلامه برمته ونصه ابن المواز وأشهب يرى
الشفعة في الكراء وبه أقول الشيخ وعليه العمل
وذلك بشرطين أن يكون مما ينقسم وأن يشفع ليسكن
اللخمي. اختلف إذا كان الكراء في نصف شائع،
فقال مالك مرة لا شفعة فيه ومرة قال: فيه
الشفعة وهذا إذا كانت الدار تحتمل القسمة فإن
أراد الشريك أن يأخذ بالشفعة ليسكن كان ذلك له
وإن أراد ذلك ليكري لم يكن له ذلك وهو بمنزلة
من يأخذ الشفعة بالبيع وكذلك الحانوت يكون بين
الشركاء فيكري أحدهم نصيبه شائعا فلا شفعة في
الآخر إذا كان لا يحتمل القسم أو كانوا يأخذون
بالشفعة ليكرون وإن كان يحتمل القسم وأراد أن
يأخذ بالشفعة ليجلس فيه للبيع كان ذلك له وإن
كان يكريه لمن يجلس فيه لم يكن له ذلك، انتهى.
الرابع: قال المشذالي في حاشيته في كراء الدور
إثر كلام المدونة المتقدم: وقوله: "فلأحدهما
أن يكري حصته" ظاهره ولو من غير شريكه وأنه لا
يكون شريكه أحق به من الغير وهو خلاف ما في
سماع ابن القاسم في رجلين وهبت لهما ثمرة شجر
عشر سنين حبسا عليهما ثم أراد أحدهما بيع حصته
من ذلك بعد الطيب فشريكه أولى بها، انتهى.
وهذه المسألة في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم
من كراء الدور والأرضين وزاد بعد قوله أولى
بها ممن أراد شراءها بالذي بذل فيها، قال
سحنون، وقال مالك: لا شفعة في الأكرية، وقاله
ابن القاسم، قال محمد بن رشد قول مالك: "أراد
شريكه أولى بها في مسألة الكراء، ومسألة
(7/371)
__________
الثمرة" يريد أولى بها من المشتري بالثمن الذي
بذل فيها؛ لأنه يأخذ الثمرة من المشتري
بالشفعة يوم تمام الشراء والكراء من المكتري
بالشفعة بعد تمام الكراء فليس ما قاله مالك في
مسألة الثمرة والكراء خلافا لما حكاه سحنون عن
مالك وابن القاسم من أنه لا شفعة في الأكرية؛
لأنهما مسألتان، فالمسألة الأولى وهي أن
الشريك أولى بالثمرة وبالكراء بما بذل المشتري
والمكتري فيها من الثمن والكراء لا خلاف فيها
وكذلك يجب في كل مشترك لا شفعة فيه ومثله قول
مالك في الذي تكون تحته الأمة لقوم فتلد منه
فيبيعونها وولدها أنه أحق بها بما يعطى فيها
وقد مضى القول في ذلك في رسم نقدها من سماع
عيسى من كتاب النكاح. والمسألة الثانية، وهي
هل تكون الشفعة في الكراء بعد تمامه وفي
الثمرة بعد الشراء أم لا؟ فيها اختلاف اختلف
في ذلك قول مالك وقع اختلاف في قوله في
المدونة في الثمرة وفي الكراء في الواضحة وأخذ
بوجوب الشفعة في ذلك ابن الماجشون وابن عبد
الحكم وبأن لا شفعة في ذلك ابن القاسم ومطرف
وأصبغ وبه أخذ ابن حبيب وكذلك اختلف قول مالك
أيضا في الشفعة في الكتابة والدين يباعان هل
يكون للمكاتب والذي عليه الدين الشفعة في ذلك
أم لا؟ فقال مرة لهما الشفعة في ذلك وأخذ به
مطرف وابن الماجشون وابن وهب وأشهب وأصبغ وابن
عبد الحكم وإليه ذهب ابن حبيب وحكى في ذلك
حديثا من مراسيل سعيد بن المسيب أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم، قال: "الشفعة في الكتابة
والدين" . وحكى عن مالك من رواية ابن القاسم
عنه أنه استحسن الشفعة في ذلك ولم ير القضاء
بها، انتهى. وقال ابن الفاكهاني في شرح عمدة
الأحكام أنه لم يقف على نص في مسألة الأمة
ومسألة بيع الدين وقد تقدمت مسألة الأمة في
النكاح عند قول المصنف: "وفسخ إن طرأ بلا
طلاق" والله أعلم. واقتصر في المسائل الملقوطة
على القول بالشفعة في الدين، والله أعلم.
الخامس: ما عزاه ابن رشد لابن الماجشون وابن
عبد الحكم من الأخذ بوجوب الشفعة في الكراء
وبأن لا شفعة لابن القاسم ومطرف وأصبغ وابن
حبيب عكس ما نقل صاحب النوادر فإنه عزا لابن
الماجشون وابن عبد الحكم عدم الأخذ بالشفعة
ولابن القاسم ومن ذكر معه الأخذ بالشفعة ونصه:
قال ابن حبيب: اختلف قول مالك في الشفعة في
الكراء فأخذ ابن القاسم وابن عبد الحكم بقوله
أن لا شفعة وأخذ مطرف وابن القاسم وأصبغ بقوله
إن فيه الشفعة وبه يأخذ وذلك في كراء الدور
والمزارع سواء، انتهى. وعلى نقل النوادر مشى
ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح والشارح
كما تقدم في كلامهم وعلى نقل ابن رشد مشى ابن
عرفة ونصه ابن رشد إنما وقع اختلاف قول مالك
في الشفعة في الكراء في الواضحة وبقوله
بالشفعة فيه قال ابن الماجشون وابن عبد الحكم
وبنفيها فيه، قال ابن القاسم ومطرف وأصبغ وابن
حبيب، انتهى. ولم يتعرض ابن عرفة لما بين
النقلين من المخالفة مع أنه نقل عن النوادر
بعض فروع الترجمة التي فيها كلام النوادر
المذكور ولعل لكل من مطرف وأصبغ وابن حبيب
قولين
(7/372)
قولان ممن تجدد
ملكه اللازم اختيارا بمعاوضة،
__________
في المسألة أيضا مثل ما لمالك وابن القاسم
فتأمل ذلك أيضا، والله الموفق للصواب.
السادس: قول ابن رشد: "وقع اختلاف قول مالك في
الثمرة في المدونة وفي الكراء في الواضحة"
ظاهره قول مالك لم يختلف في الكراء في المدونة
واستقرأ الخلاف منها الشيخ أبو الحسن الصغير
من قوله في المدونة في كتاب الشفعة: ومن أعمر
عمرى على عوض لم تجز وردت ولا شفعة فيه؛ لأنه
كراء فاسد ظاهر هذا التعليل أن الشفعة في
الكراء الصحيح وهو خلاف ما في كراء الدور وهو
قول أشهب، وقاله ابن القاسم أيضا ورجحه ابن
المواز وبه مضى عمل القضاة أبو محمد صالح،
قوله: "لأنه كراء فاسد" راجع للرد خاصة تقديره
لم يجز ورد؛ لأنه كراء فاسد ولا شفعة فيه وعلى
هذا لا يلزم الاستقراء، انتهى. ونحوه لابن
ناجي ونصه: ظاهر تعليله يقتضي أن الشفعة في
الكراء الصحيح وهو مخالف لقولها في كتاب كراء
الدور والأرضين بنفي الشفعة ورد أبو محمد صالح
هذا الأخذ بأن التعليل راجع لقوله: "لم يجز
ورد لعدم الشفعة" وتقديره لم يجز ورد؛ لأنه
كراء فاسد ولا شفعة فيه، انتهى.
السابع: انظر ما حكاه ابن رشد من الخلاف في
الشفعة في الدين مع قول ابن ناجي في شرح
الرسالة ولا شفعة في الدين باتفاق واختلف هل
يكون المديان أحق به أم لا؟ ولعل الذي نفى ابن
الحاجب الخلاف فيه إذا باع أحد الشركاء في
الدين حصته منه فتأمله واقتصر في المسائل
الملقوطة على القول بالشفعة في الدين، والله
أعلم.
فرع: وهل لأحد الشريكين أن يلزم صاحبه أن
يقاومه؟ سيأتي عن النوادر أنه ليس له ذلك في
البيع، والكراء مثله وانظر في الإجارة الكلام
على أنهما يؤجران أو يسكن أحدهما بما يقف عليه
الكراء ص: (ممن تجدد ملكه اللازم اختيارا
بمعاوضة) ش: يدخل في قوله بمعاوضة البيع وهبة
الثواب والمهر والخلع وجميع المعاوضات والصلح
ولو كان على إنكار، وقد قال في الجواهر في آخر
كتاب الصلح: إذا ادعى رجل على رجلين دارا
فكذبه أحدهما وصدقه الآخر فصالحه المصدق على
مال فأراد المكذب الأخذ بالشفعة فله ذلك،
انتهى. وخرج
(7/373)
ولو موصى ببيعه
للمساكين على الأصح والمختار، لا موصى له ببيع
جزء عقارا، ولو مناقلا به، إن انقسم، وفيها
الإطلاق، وعمل به بمثل الثمن
__________
به الهبة لغير ثواب والصدقة، والله أعلم. ص:
(لا موصى له ببيع جزء) ش: أي فليس للورثة عليه
شفعة وأما لو كان شريكه أجنبيا لكانت له
الشفعة وصرح به الشارح في الكبير فأحرى أن
الشفعة للأجنبي في المسألة التي قبلها ونص
عليه اللخمي في الأولى. ص: (بمثل الثمن) ش:
تصوره واضح.
(7/374)
ولو دينا،
__________
فرع: قال في المدونة: وإذا قال الشفيع بعد
الشراء: اشهدوا أني أخذت بشفعتي ثم رجع فإن
علم بالثمن قبل الأخذ لزمه وإن لم يعلم كان له
أن يرجع، انتهى. فعلم من هذا أنه يصح الأخذ
بالشفعة قبل علم الثمن، وقال اللخمي: تسليمه
الشفعة قبل معرفة الثمن جائز. واختلف في الأخذ
قبل المعرفة بالثمن فقيل: جائز وهو ظاهر
الكتاب؛ لأنه قال: إذا أشهد أنه أخذ قبل
المعرفة بالثمن ثم قال: بدا لي فإن له أن يترك
إن أحب فجعله بالخيار في التمسك ولو كان عنده
فاسدا لم يكن له أن يمسك وفي كتاب محمد إن ذلك
فاسد ومجبور على رده، انتهى. ونص ما في كتاب
محمد على ما في النوادر إذا تشاهد المتبايعان
على البيع وكتما الثمن لم تجب الشفعة حتى يظهر
الثمن، انتهى. وقال ابن رشد في اللباب: الشرط
الثالث معرفة الثمن فلو لم يعرفه فلا شفعة.
وقد قال ابن القاسم: في رجل تصدق على أخته
بسهم في أرض عوضا عما ذكر أنه أصابه من مورثها
مما لا يعلم قدره لا شفعة فيه، انتهى.
والمسألة في كتاب الشفعة من البيان في رسم شهد
في سماع عيسى من ابن القاسم وفي المسألة
المذكورة أن الجهل بالثمن إن كان لطول المدة
فإن الشفعة تسقط بذلك وسيأتي الكلام على ذلك
مستوفى عند قوله: "لا إن غاب أولاً".
فرع: قال في شرح أول مسألة من سماع يحيى من
كتاب الشفعة واختلف إذا باع نصراني من نصراني
شقصا بخمر أو خنزير والشفيع مسلم فقيل: إنه
يأخذ الشفعة بقيمة الشقص وهو قول أشهب فكأنه
لم ير للخمر قيمة وقد قال ابن الماجشون في
المسلم يستهلك الخمر للنصراني إنه لا قيمة
عليه فإذا دفعها بطوعه فأحرى أن لا تكون لها
قيمة وقيل: يأخذ قيمة الخمر والخنزير وهو قول
ابن عبد الحكم وهو أشبه على مذهب ابن القاسم؛
لأن ذلك مما يضمن للنصراني فأشبه شراء الشقص
بعرض، انتهى. ونقله ابن عرفة وغيره.
فرع: وما بيع بعين فدفع عنه عرض وعكسه في
الشفعة فيه بما دفع أو بما عقد به ثالثها هذا
أحب. الشيخ عن محمد عن عبد الملك مع ابن عبدوس
عن سحنون ونقل محمد: وقوله:
(7/375)
أو قيمته برهنه
وضامنه، وأجرة دلال، وعقد شراء. وفي المكس:
تردد،
__________
ورابعها لابن عبد الحكم بما عقد عليه إلا أن
يدفع ذهبا عن ورق وعكسه فيما دفع كالمرابحة
وخامسها لابن عبدوس عن سحنون بالأقل منهما.
قلت: هو نحو قولها في المرابحة، انتهى. من ابن
عرفة.
فرع: قال في المدونة: ومن ابتاع شقصا من دار
بعرض فاختلف المبتاع مع الشفيع في قيمته وقد
فات بيد المبتاع أو لم يفت فإنما ينظر إلى
قيمته يوم الصفقة لا اليوم فإن كان مستهلكا
صدق المبتاع مع يمينه في قيمته فإن جاء بما لا
يشبه صدق الشفيع فيما يشبه فإن جاء بما لا
يشبه وصفه المبتاع وحلف على صفته وأخذ الشفيع
بقيمة تلك الصفة يوم الصفقة أو ترك فإن نكل
المبتاع حلف الشفيع على ما يصف هو وأخذه بقيمة
صفقته، انتهى.
تنبيه: قول المؤلف: "بمثل الثمن" قال في
التوضيح: فإن لم يجد مثل المثلي غرم قيمته،
قاله مالك في المجموعة فيمن اشترى بعبد فلم
يجده الشفيع، انتهى. وانظر كتاب الشفعة من
النوادر. ص: (أو قيمته) ش: أي قيمة الثمن إذا
كان من المقومات.
فرع: وإنما ينظر إلى قيمته يوم الصفقة لا يوم
القيام في ذلك، قاله في المدونة في كتاب
الشفعة. ص: (وأجرة دلال وعقد شراء وفي المكس
تردد) ش:
تنبيه: قال في اللباب: إذا زاد المبتاع للبائع
شيئا بعد البيع ففي لزوم ذلك للشفيع قولان
لابن القاسم وأشهب فإذا قلنا لا يلزم، فقال
المبتاع: إنما زدته فرارا من الشفعة فإنه يحلف
ويرجع، انتهى. ومذهب المدونة عدم اللزوم.
(7/376)
أو قيمة الشقص
في: كخلع، وصلح عمد، وجزاف نقد، وبما يخصه: إن
صاحب غيره، ولزم المشتري الباقي، وإلى أجله إن
أيسر
__________
فرع: من اشترى شقصا فصالح أحد الشفعاء على
تسليم شفعة في مغيب شركائه ثم قدموا وأخذوا
شفعتهم فلا رجوع على المصالح بشيء. قاله ابن
رشد في نوازله، والله أعلم. ص: (أو قيمة الشقص
في كخلع) ش: قال في المدونة: ومن نكح أو صالح
أو خالع على دم عمد على شقص ففيه الشفعة
بقيمته؛ إذ لا ثمن معلوم بعوضه، انتهى. قال
ابن الحاجب: فقيمة الشقص يوم العقد، انتهى.
فرع: قال ابن عرفة: أبو عمران: من نكح على
تفويض فدفع لزوجته شقصا قبل بنائه شفع فيه
بقيمته اتفاقا فإن دفعه بعد بنائه شفع فيه
بمهر المثل اتفاقا فيهما، انتهى. والشقص بكسر
الشين المعجمة هو النصيب نقله في التوضيح عن
عياض وغيره. ص: (وصلح عمد) ش: احترز بالعمد من
الخطإ ففيه الشفعة بالدية فإن كانت العاقلة
أهل إبل أخذه بقيمة الإبل وإن كانت أهل ذهب
وورق أخذه بذهب وورق ينجم على الشفيع كالتنجم
على العاقلة، قاله في المدونة. ص: (وإلى أجله
إن أيسر) ش: تصوره واضح.
(7/377)
أو ضمنه مليء،
وإلا عجل الثمن، إلا أن يتساويا عدما على
المختار، ولا يجوز إحالة البائع به كأن أخذ من
أجنبي مالا ليأخذ ويربح ثم لا يأخذ له، أو باع
قبل أخذه بخلاف أخذ مال بعده ليسقط كشجر وبناء
بأرض حبس أو معير، وقدم المعير بنقضه أو ثمنه،
__________
فرع: فلو لم يقم الشفيع إلا بعد حلول الأجل
فهل يضرب له أجل مثل الأجل الذي مضى ويأخذ
بالنقد؟ قولان لأصحابنا رجح ابن رشد وغيره
الأول، قاله في التوضيح. ص: (أو باع قبل أخذه)
ش: يعني أن الشفيع لا يجوز له أن يبيع الشقص
الذي يأخذه بالشفعة قبل أخذه، وقاله في
المدونة. ص: (كشجر وبناء بأرض حبس أو معير) ش:
يعني أن الشفعة كما تكون في العقار تكون في
الشجر والبناء الكائنين بأرض حبس أو بأرض
عارية. ص: (وقدم المعير بنقضه أو ثمنه) ش: أي
بالأقل من قيمة نقضه أو الثمن الذي باعه كما
قال في المدونة:
(7/378)
إن مضى ما يعار
له، وإلا فقائما، وكثمرة، ومقتاه، وباذنجان،
ولو مفردة إلا أن تيبس، وحط حصتها إن أزهت، أو
أبرت، وفيها: أخذها: مالم تيبس أو تجذ. وهل هو
خلاف؟ تأويلان.
__________
وإذا بنى رجلان في عرصة رجل بإذنه ثم باع
أحدهما حصته من النقض فلرب الأرض أخذ ذلك
النقض بالأقل من قيمته أو من الثمن الذي باعه،
انتهى. وهذا في العارية المطلقة وأما
(7/379)
وإن اشترى
أصلها فقط: أخذت، وإن أبرت ورجع بالمؤنة،
وكبئر لم تقسم أرضها وإلا فلا، وأولت أيضا
بالمتحدة، لا عرض أو كتابة ودين،
__________
المقيدة بمدة، فقال ابن راشد: إذا باع قبل
انقضائها على البقاء فللشريك الشفعة ولا كلام
لرب الأرض وإن باعه على النقض قدم رب الأرض،
نقله في التوضيح، قال: وينبغي أن يتفق في
الأحكار التي عندنا بمصر أن تجب الشفعة في
البناء القائم فيها؛ لأن العادة عندنا أن رب
الأرض
(7/380)
وعلو على سفل
وعكسه، وزرع ولو بأرضه، وبقل، وعرصة، وممر قسم
متبوعه، وحيوان إلا في:
__________
لا يخرج صاحب البناء أصلا فكان كمالك الأرض،
وقاله شيخنا، انتهى. ص: (وعرصة وممر) ش: قال
اللخمي: إذا كانت دار بين أشراك اقتسموا بيوته
دون ما لها من حق في ساحة وبئر وماجل وطريق ثم
باع أحدهم ما صار له من البيوت بجميع حقوقه
مما لم يقسم لم يستشفع ما قسم بالشرك فيما لم
يقسم ولا يستشفع الساحة والبئر والماجل
والطريق لأجل بقاء الشركة فيها؛ لأنها من
منفعة ما قسم ومصلحته. وإن باع نصيبه من البئر
والماجل خاصة كان للشركاء أن يردوا بيعه إذا
كان البائع يتصرف إلى البيوت؛ لأن في ذلك
زيادة مضرة وإن كان قد أسقط حقه في تصرفه من
عندهم وجمع بيوتهم إلى حق آخر وفتح لها من دار
أخرى فإن كان بيعه من أهل الدار جاز وكان
لبقية الورثة الشركاء الشفعة على أحد القولين
في وجوب الشفعة فيما لم يقسم وإن كان بيعه من
غير أهل تلك الدار كان لهم أن يردوا بيعه؛ لأن
ضرر الساكن أخف من ضرر من ليس بساكن ولهم أن
يجيزوا بيعه ويأخذوا بالشفعة إن أحبوا، قال
أبو الحسن بن القصار: اختلفت الرواية عن مالك
في وجوب الشفعة فيما لا ينقسم مثل الحمام
والبئر والطريق والأرحية ولم يبين كيف كان صفة
البيع، وموضع الفقه فيه ما تقدم ذكره. انتهى.
بلفظه ونقله ابن عرفة وقبله والجزولي والشيخ
يوسف بن عمر وزاد بعد قوله ويأخذوا بالشفعة إن
أحبوا على القول بأن الشفعة فيما لا ينقسم.
(7/381)
كحائط وإرث،
وهبة بلا ثواب وإلا فبه بعده وخيار إلا بعد
مضيه، ووجبت لمشتريه، إن باع نصفين خيارا ثم
بتلا
__________
فرع: قال ابن ناجي في شرح الرسالة، وقال في
النوادر: ومن المجموعة وكتاب محمد، قال ابن
القاسم، قال مالك: إذا قسمت البيوت وبقيت
العرصة فلأحدهم بيع نصيبه من البيوت والعرصة
ولا شفعة لشريكه في العرصة بها ولا فيها، قال
أشهب: وليس لأحدهم بيع حصته من العرصة خاصة
إلا نصيبه من البيوت وإن كانت العرصة واسعة
إلا أن يجتمع ملؤهم على بيعها فيجوز فإن أباه
أحدهم فهو مردود؛ لأنها بقيت مرفقا بينهم،
انتهى. وكذلك لا شفعة في النهر ولا في سبيل
الماء، قال ابن عبد السلام: ولا يبعد تخريج
الخلاف فيهما من الخلاف في النخلة الواحدة. ص:
(وهبة بلا ثواب) ش: قال في المدونة في كتاب
الشفعة: ومن وهب شقصا لغير ثواب فعوض فيه فقبل
فإن رأى أنه لصدقة أو لصلة رحم فلا شفعة فيه
ومن عوض من صدقة وقال: ظننت أنه يلزمني فليرجع
في العوض إن كان قائما وإن فات فلا شيء له ومن
وهب شقصا من دار لابنه الصغير على عوض جاز
وفيه الشفعة ولا تجوز محاباته في قبول الثواب
ولا ما وهب أو تصدق أو أعتق من مال ابنه
الصغير ويرد ذلك إلا أن يكون الأب موسرا،
انتهى. أبو الحسن قوله: "ومن وهب شقصا من داره
لابنه الصغير" تقدير الكلام ومن وهب شقصا من
دار ابنه. انتهى.
فرع: وهل تلزمه اليمين أنه بغير ثواب؟ قال في
الكبير: لم يحلف إلا أن يكون متهما، وقال مطرف
وابن الماجشون: يحلف مطلقا المتيطي والقضاء
بالأولى، انتهى. ص: (وخيار إلا بعد مضيه) ش:
قال ابن سهل في أحكامه إن سلمها في أيام
الخيار في شقص بيع بالخيار بعرض أو غيره لم
يلزمه وهو على شفعته ويرد العرض وإن رضيا
بإمضاء ذلك العرض بعد تمام
(7/382)
فأمضى، وبيع
فاسد، إلا أن يفوت، فبالقيمة، إلا ببيع صح
فبالثمن فيه، وتنازع في سبق ملك إلا أن ينكل
أحدهما وسقطت إن قاسم أو اشترى أو ساوم، أو
ساقى، أو استأجر، أو باع حصته
__________
البيع لم يجز حتى يفسخاه ثم يستأنفا ما أحبا،
انتهى. ص: (وسقطت إن قاسم إلخ) ش: قال الجزيري
في وثائقه: وتبطل الشفعة مساومة الشفيع
للمبتاع وطلبه المقاومة أو الكراء أو القسمة،
انتهى. فظاهره أنه بإرادة ذلك تسقط الشفعة
وإنما تسقط هذه الأشياء إذا فعلها الشفيع من
المشتري كما صرح به في النوادر وذكره المصنف
وانظر أبا الحسن الصغير. ص: (أو باع حصته) ش:
يعني أن الشفيع إذا باع حصته قبل أخذه بالشفعة
سقط أخذه، لأنه لم يبق له حصة في العقار
المشترك ويصير للمشتري الأول الشفعة على
المشتري الثاني هذا إذا باع جميع حصته وهذا هو
الجاري على مذهب المدونة؛ إذ قال فيها: ومن
ابتاع شقصا بالخيار وله شفيع
(7/383)
أو سكت بهدم أو
بناء، أو شهرين، إن حضر العقد، وإلا سنة: كأن
علم فغاب، إلا أن يظن الأوبة قبلها، فعيق.
__________
فباع الشفيع شقصه قبل تمام الخيار بيع بتل فإن
تم بيع الخيار فالشفعة للمبتاع وإن رد فهو
لبائعه، انتهى. وهذه المسألة الأخيرة تقدمت في
كلام المصنف وظاهر كلام المصنف إذا باع حصته
قبل أخذه بالشفعة سقط أخذه سواء كان عالما
بالبيع أم لا وفي المسألة خلاف، قال في
التوضيح في شرح قول ابن الحاجب وفي بيع الحصة
المستشفع بها قولان، قال ابن عبد السلام:
وظاهر كلام ابن القاسم التفرقة بين أن يبيعه
غير عالم فالشفعة وبين أن يبيعه عالما فلا
شفعة له وفي البيان: ظاهر ما في المدونة أنه
لا شفعة له إذا باع نصيبه وإن باع غير عالم؛
لأنه قال فيمن باع شقصا بالخيار ثم باع صاحبه
بيع بتل أن الشفعة لمشتري الخيار على مشتري
البتل وليست التفرقة بين أن يعلم أم لا. لابن
القاسم في سماع عيسى، قال: وقال أشهب: وأحب
إلي أن لا شفعة له بعد بيع نصيبه أو بعضه؛
لأنه إنما باع راغبا في البيع وإنما الشفعة
للضرر فلم تكن له شفعة فهو قول رابع ونص ابن
ميسر على أنه إذا باع لا شفعة له إلا أن يبقى
له بقية، قال في البيان: وقوله: "إلا أن يبقى
له بقية" يحتمل وله الشفعة بقدرها كأحد قولي
مالك وظاهر المدونة ويحتمل فله أخذ الجميع
فيكون قولا خامسا، قال: وأظهر هذه الأقوال
الفرق بين أن يبيع عالما وغير عالم، وقال
اللخمي اختلف بعد القول أن الشفعة تسقط إذا
باع بعض نصيبه هل يسقط من الشفعة بقدر ما باع؟
والذي أرى أن يستشفع الجميع؛ لأن الشفعة تجب
بالجزء اليسير في الكثير البيع، انتهى. ص:
(وإلا سنة) ش: تصوره ظاهر.
مسألة: من ابتاع شقصا وله شفعاء فيهم أقرب
وأبعد فليس للأبعد أن يأخذ بالشفعة حتى يوقف
الأقرب فإما أخذ أو ترك فإذا قال: أنا آخذ ولم
يحضر نقده أجل اليومين والثلاثة فإن لم يأت
بالمال لم يكن له شفعة ووجبت لمن بعده وإن لم
يقم واحد من الشفعاء
(7/384)
وحلف إن بعد
وصدق إن أنكر علمه: لا إن غاب أولا،
__________
لا الأقرب ولا الأبعد حتى مضى أمد انقطاعها
على الاختلاف في ذلك بطلت شفعتهم جميعا القريب
والبعيد ولا حجة للبعيد في أن يقول إنما سكت؛
لأنه كان أمامي من هو أحق بالشفعة مني فلما
رأيت الأمد قد تم له حينئذ طلبتها أنا؛ لأن
سكوته على أن يقوم بشفعته فيأخذها إن كان
الأقرب غائبا أو يوقف على الأخذ والترك إن كان
حاضرا سقط لحقه فيها، انتهى. مختصرا من نوازل
ابن رشد، والله أعلم. ص: (وحلف إن بعد) ش: هذا
راجع لقوله: "وإلا سنة". والمعنى إذا قلنا: إن
الشفعة للحاضر في السنة فإنه يحلف إذا كان
قيامه بعيدا من العقد وحد البعد في ذلك السبعة
الأشهر وما بعدها. قال في التوضيح: وهل يحلف
إذا لم تسقط شفعته في السنة؟ نقل في الكافي عن
مالك أنه إن قام عند رأس السنة فلا يحلف وروي
عنه أنه يحلف ولو قام بعد جمعة وفي المدونة
ولم ير مالك السبعة الأشهر ولا السنة كثيرا أي
قاطعا لحقه في الشفعة إلا أنه إن تباعد هكذا
يحلف ما كان وقوفه تركا للشفعة وفي الموازية
عن مالك يحلف في سبعة أشهر أو خمسة لا شهرين
ابن العطار وابن الهندي وغيرهما من الموثقين
وظاهر المدونة أنه لا يحلف في السبعة الأشهر
وحمل ابن رشد المدونة على أنه يحلف في السبعة،
انتهى. وإذا قلنا إن الحاضر إذا قام بعد البعد
في السنة يحلف فمن باب أولى إذا علم وغاب وكان
يظن الأوبة قبل السنة فعيق وقلنا إن له الشفعة
بعد السنة أنه يحلف أنه لم يكن مسقطا للشفعة
ولا يصح أن يكون قوله: "وحلف راجعا" إلى قوله:
"إلا أن يظن الأوبة قبلها فعيق" لأنه يصير
قوله بعده: "إن بعد" لا معنى له فتأمله، والله
أعلم. ص: (وصدق إن أنكر علمه) ش: يعني أن
الشفيع الحاضر إذا أنكر علمه فإنه يصدق ولا
تسقط شفعته وهل تلزمه اليمين؟ قال في الواضحة:
لو أنكر الشفيع العلم وهو حاضر فنقل أبو الحسن
عن ابن القاسم وأشهب أنه يصدق وإن طال؛ لأن
الأصل عدم العلم المتيطي وهو ظاهر المذهب،
وقاله غير واحد من الموثقين ويحلف على ذلك،
وقال محمد بن عبد الحكم: وابن المواز يصدق ولو
بعد أربعة أعوام وابن المواز وأن الأربعة
كثيرة ولا يصدق في أكثر منها.
فرع: قال أبو الحسن: ولو علم بالشراء وادعى
جهل الشفعة، قال: لا يصدق، قال ابن كوثر: وإن
كانت امرأة فلا تعذر بالجهل، انتهى. ونقله ابن
رشد. ص: (لا إن غاب أو لا) ش:
(7/385)
أو أسقط لكذب
في الثمن، وحلف أو في المشترى، أو المشتري، أو
انفراده،
__________
قال في المدونة: قال مالك: والغائب في شفعته
وإن طالت غيبته وهو عالم بالشراء فإن لم يعلم
فذلك أحرى ولو كان حاضرا، قال ابن يونس، قال
ابن المواز، وقاله مالك وأصحابه وقد روى أشهب
"أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " ينتظر
إن كان غائبا" . قال أشهب: وقضى عمر بن عبد
العزيز بالشفعة للغائب بعد أربع سنين، قال
مالك إلا أن يقوم بعد طول الزمان مما يجهل في
مثله أصل البيع ويموت الشهود فأرى الشفعة
منقطعة فأما في قرب الأمد مما يرى أن المبتاع
أخفى الثمن لقطع الشفعة فلتقوم الأرض على ما
يرى من ثمنها يوم البيع فيأخذها بها، انتهى.
وقال الرجراجي في قول المدونة: وإن طالت غيبته
إلا أن يطول الزمان جدا فيما يجهل في مثله أصل
البيع ويموت الشهود فإن ذلك يقطع شفعته وهو
قول مالك في كتاب محمد، انتهى. وانظر سماع ابن
القاسم من كتاب الشفعة، وقال في النوادر من
كتاب محمد وهو في العتبية من سماع ابن القاسم
وإذا قال المبتاع: نسيت الثمن فإن مضى طول من
السنين ما يندرس فيه العلم وتموت البينة
وترتفع فيها التهمة فالشفعة ساقطة وكذلك إن
كان صغيرا أو غائبا وأما إن كان على غير ذلك
فالشفعة قائمة بقيمة الشقص، قال ابن عبدوس،
قال ابن الماجشون: إذا جاء الشفيع إلى ولد
المبتاع بعد طول الزمان فيحلف ما عنده علم ذلك
ثم يأخذ بالقيمة وكذلك لو كان المبتاع حيا،
قال: لا أدري بكم اشتريت فيحلف فإن نكل أخذه
الشفيع إن شاء وقيل للمبتاع: متى أحببت حقك
فخذه وإن حلفت فلك قيمته يوم أسلمته إلى
الشفيع وإن قال الشفيع: لا أقبضه لعل ثمنه
كثير فلا بد أن يحلف المبتاع ما يعلمه أو
يسجن، وقال غيره: إذا اختلفوا في الثمن فجاء
المشتري بما لا يشبه أو جهلوا الثمن استشفعه
بقيمته يوم ابتاعه، انتهى. وقال اللخمي: اختلف
إذا قال المشتري: نسيت الثمن وطال السنون مما
ينسى فيه الثمن أو مات المشتري، وقال الورثة:
لا علم عندنا وكان
(7/386)
__________
الشفيع غائبا أو صغيرا، فقال ابن القاسم في
كتاب محمد ونقل كلام النوادر المتقدم برمته
ولفظه وزاد بعده فأسقط ابن القاسم الشفعة إن
طال السنون وأثبتها عبد الملك بالقيمة ولم
يبين هل القيمة يوم البيع أو اليوم؟ والقول:
"أن لا شفعة أحسن" لأن الشفعة كانت لتغليب أحد
الضررين أن يعود إلى هذا ثمنه ويشفع الآخر
بدفع مضرة الشريك وإذا جهل الثمن وأمكن أن
يؤخذ بأقل مما كان به وذلك ظلم على المشتري لم
يؤخذ منه، انتهى. قال في المسائل الملقوطة:
ومما يسقط الشفعة أن ينسيا الثمن أو يجهلاه
وإن بموت الشهود، قال: وفي ذلك خلاف، انتهى.
بالمعنى، وقال الجزيري في وثائقه وبجهله الثمن
مع طول الزمان وموت الشهود يسقط الشفعة وإن
قرب واتهم البائع بإخفاء الثمن شفع بقيمة
الشقص، انتهى.
تنبيه: علم من كلام ابن يونس والنوادر أنه إذا
تجاهل المشتري الثمن في الأمد القريب أنه يؤخذ
الشقص بقيمته إلا أن في النوادر لم يقل يوم
البيع وصرح بذلك ابن يونس وصرح بذلك ابن بطال
في مقنعه، فقال: يأخذه بقيمته يوم ابتاعه
المبتاع، والله أعلم.
فرع: قال في المدونة: وإن كانت الدار بغير
البلد الذي هما فيه فهو كالحاضر مع الدار فيما
تنقطع فيه الشفعة ولا حجة للشفيع أنه لا ينقد
حتى يقبضها لجواز النقد في الربع الغائب،
انتهى. قال أبو الحسن، قال ابن يونس، قال ابن
المواز: وكذلك لو كانا حاضرين بموضع الشقص ثم
سافرا جميعا في موضع أو في مدينة والشفيع عالم
بوجوب الشفعة فهو كالحاضر وإنما ينظر إلى حضور
الشفيع مع المشتري ولا ينظر إلى غيبة الدار،
انتهى.
فرع: قال فيها أيضا ويقضى للشفيع بالشفعة في
غيبة المبتاع كالقضاء عليه ويكون على حجته،
انتهى. قال أبو الحسن: هذا إذا رفع الشفيع إلى
القاضي وهل تسقط إذا لم يرفع أو لا تسقط ابن
يونس لو أراد الشفيع أن يأخذ شفعته والمبتاع
غائب ولا وكيل له حاضر فذلك له ويوكل السلطان
من يقبض الثمن للغائب قيل: وإن كان ذلك له
ويقضى له به فكيف لا يقطع عند الشفعة إذا طال
زمان ذلك قبل أخذه لموضع العذر في استثقال
اختلاف الناس إلى القضاة وربما ترك المرء حقه
إلا بالسلطان، انتهى. وذكر ابن سهل مسألة
القضاء على الغائب في الشفعة وإن طال فيها في
مسائل الأقضية، وقال فيها إن كان للغائب وكيل
يقبض ما يجب قبضه أسلم إليه الثمن، انتهى.
فرع: قال في المدونة: ومن اشترى شقصا من دار
لرجل غائب كان للشفيع أن يأخذ بالشفعة، قال
أبو الحسن: تقديره ومن اشترى لرجل غائب شقصاً.
فرع: قال ابن ناجي في شرح المدونة: وهذا في
الغيبة البعيدة وأما ما قرب ولا مؤنة في
الشخوص منه على الشفيع فهو فيه كالحاضر ونص
عليه أشهب، انتهى. واختلف في المريض فقيل: إنه
كالغائب ولو علم بالشفعة وقيل: كالحاضر.
نقلهما ابن ناجي وغيره. ص: (أو
(7/387)
أو أسقط وصي أو
أب بلا نظر، وشفع لنفسه، أو ليتيم آخر.
__________
أسقط أب أو وصي بلا نظر) ش: ظاهر المدونة أن
الشفعة تسقط ولو كان غير نظر، قال فيها ولو
أسلم من ذكرنا من أب أو وصي أو سلطان شفعة
الصبي لزمه ذلك ولا قيام له إن كبر، انتهى.
قال أبو الحسن، قال في الوثائق المجموعة: إلا
أن يكون الأخذ نظرا فيكون له الأخذ وظاهر
الكتاب سواء كان الأخذ نظرا أم لا وبه قال أبو
عمران: وسبب الخلاف هل الشفعة استحقاق أو
بمنزلة الشراء؟ انتهى.
فرع: قال في المدونة: ولو كان له أب فلم يأخذ
له شفعة ولم يترك حتى بلغ الصبي وقد مضى لذلك
عشر سنين فلا شفعة للصبي؛ لأن والده بمنزلته،
قال أبو الحسن، قال أبو محمد: وقد قيل غير هذا
وهذا وحكى ابن أبي زمنين في سكوت الوصي قولين
الشيخ ومقدم القاضي أحرى أن يدخله الخلاف،
وقال ابن المواز: سكوت القاضي ومقدم القاضي
سنة يسقط شفعة الصبي. انظر بقية كلام أبي
الحسن.
فرع: قال في المدونة في كتاب الشفعة: ولا يأخذ
الوصي للحمل بالشفعة حتى يولد ويستهل، والله
أعلم. ص: (وشفع لنفسه أو ليتيم آخر) ش: يعني
أن الوصي أو الأب إذا باع شقصا من ولايته فإن
له أن يأخذ بالشفعة لنفسه إن كان شريكه أو
يأخذ ليتيم آخر في حجره يشاركه فيه، قال في
المدونة: ومن وكل رجلا يبيع له شقصا أو يشتريه
والوكيل شفيعه ففعل لم يقطع ذلك شفعته، انتهى.
أبو الحسن فعلى ما في الكتاب إذا باع الأب شقص
ابنه من دار بينهما أن له الشفعة وكذلك الوصي
ونص عليه اللخمي، فقال: إذا كانت دار بين رجل
وولده فباع الأب نصيب نفسه كان له أن يستشفع
نصيبه لولده وإن باع نصيب ولده كان له أن
يستشفع لنفسه وكذلك الوصي يكون شريكا لمن يلي
عليه إن باع نصيب نفسه كان له أن
(7/388)
أو أنكر
المشتري الشراء وحلف وأقر به بائعه، وهي على
الأنصباء،
__________
يستشفع لنفسه إلا أن ذلك بعد أن يرفع إلى
السلطان لما يتعلق بذلك من التهمة أن يبيع
نصيب الصغير ببخس ليستشفع أو يواطئ على بيع
نصيبه بغلاء ليأخذه له فإن فعل وأخذ من غير
مطالعة السلطان رفع إليه فإن رآه سدادا أمضاه
وإن وجد تهمة رده والأب والوصي في ذلك سواء صح
من اللخمي، وقال ابن زرب. أربعة بيعهم إسقاط
لشفعتهم الأب يبيع حصة ابنه الصغير من دار
شركة بينهما، والوصي يبيع حصة محجوره، وأحد
المتفاوضين، والوكيل على بيع شقص هو شفيعه.
فهؤلاء لا شفعة لهم؛ لأن البيع تسليم بخلاف
الشراء وقيل في الوكيل: له الشفعة انظر الخصال
وما حكاه ابن زرب خلاف للكتاب إلا في أحد
المتفاوضين؛ لأنه قال: فيما سيأتي ليس لأحد
المتفاوضين فيما باع الآخر شفعة، انتهى. وقال
في التوضيح: للوصي على يتيمين إذا باع نصيب
أحدهما أن يأخذ بالشفعة ليتيمه الآخر أو لنفسه
وإن كان شريكا لكن يدخل معه نظر القاضي إن
أخذه لنفسه؛ إذ يتهم أن يبيع نصيب يتيمه بثمن
بخس ليأخذه بالشفعة وكذلك إن باع نصيب نفسه
وأراد أخذه ليتيمه فلا بد من نظر القاضي وقد
تقدم في أي موضع يباع عقار اليتيم فلا بد من
مراعاة ذلك هنا ولا بد أن يكون الشقص المباع
لليتيم لا يقل ثمنه إذا بيع منفردا عما لو بيع
الجميع وأما لو كان وهو الغالب إذا بيع الجميع
كان ذلك أوفر لنصيب اليتيم يباع الجميع،
انتهى.
تنبيه: استفيد من كلام المدونة إن وكل رجلا
يبيع له شقصا أو يشتريه والوكيل شفيعه ففعل لم
يقطع ذلك شفعته، والله أعلم. ص: (أو أنكر
المشتري الشراء وحلف وأقر به بائعه) ش: هذه
مسألة المدونة، قال في كتاب الشفعة: وإذا أنكر
المشتري الشراء وادعاه البائع فتحالفا وتفاسخا
فليس للشفيع أن يأخذ بالشفعة بإقرار البائع؛
لأن عهدته على المشتري فإذا لم يثبت المشتري
على الشراء فلا شفعة للشفيع، انتهى.
فرع: قال في المدونة في كتاب الشفعة: وإن أقر
رجل أنه ابتاع هذا الشقص من فلان الغائب فقام
الشفيع فلا يقضى له بالشفعة بإقرار هذا حتى
يقيم بينة على الشراء؛ لأن الغائب إذا قدم
وأنكر البيع أن يأخذ داره ويرجع على مدعي
الشراء بكراء ما سكن فإذا قضى بهذا قاض للشفيع
بإقرار هذا لم يرجع عليه الغائب بذلك ولا على
مدعي الشراء فيبطل من الغائب من الغلة بلا
بينة، انتهى. وانظر أبا الحسن. ص: (وهي على
الأنصباء) ش: هذه مسألة المدونة أول كتاب
الشفعة.
(7/389)
وترك للشريك
حصته، وطولب بالأخذ بعد اشترائه لا قبله،
__________
فرع: قال في الجواهر: إذا باع بعض حصته لم
يأخذ مع الشريك بالشفعة؛ لأن بيعه رغبة في
البيع وإنما الشفعة للضرر وكذلك لو باع
السلطان بعض نصيبه في دين وهو غائب ثم قدم؛
لأن يده كيده، قال أبو محمد: لو باع شقصه ثم
باعه المشتري له الشفعة؛ لأنه بيع ثان فلعله
يرضى بالمشتري الأول دون الثاني، انتهى. من
الذخيرة، والله أعلم. وتقدم كلام التوضيح فيما
إذا باع بعض حصته عند قوله: "أو باع حصته". ص:
(وترك للشفيع حصته) ش: انظر المدونة في كتاب
الشفعة وابن عرفة. ص: (وطولب بالأخذ بعد
اشترائه لا قبله) ش: يعني أن الشفيع يطالب
بالأخذ بالشفعة أو ترك الأخذ بها بعد اشتراء
المشتري للشقص لا قبله والمطالب له بذلك
المشتري لما يلحقه من الضرر في تأخيره عدم
الأخذ.
تنبيه: علم من هذا أنه لا يمنع المشتري أن
يشتري دون إعلام الشفيع ولا للبائع أن يبيع
دون علمه وهو كذلك لكنه مكروه، قال القرطبي في
شرح مسلم في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: "من
كان له شريك في ربع أو نخل فليس له أن يبيع
حتى يؤذن شريكه فإن رضي أخذ وإن كره ترك" وفي
رواية "لا يحل أن يبيع حتى يؤذن شريكه" . هو
محمول على الإرشاد إلى الأول بدليل قوله:
"فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به" ولو كان في
ذلك على التحريم لزم البائع ويفسخ البيع لكنه
أجازه وصححه ولم يذم الفاعل فدل على ما قلناه
وقد قال بعض شيوخنا: إن ذلك يجب عليه، انتهى.
وكذلك قال النووي: هو محمول عند أصحابنا على
الندب إلى إعلامه وكراهة بيعه قبل إعلامه
كراهة تنزيه وليس بتحريم ويتأولون الحديث على
هذا ويصدق على المكروه أنه ليس بحلال ويكون
الحلال بمعنى المباح وهو المستوي الطرفين
والمكروه ليس بمستوي الطرفين بل هو راجح
الترك، انتهى. وقال سند في باب إحرام من يولى
عليه للعبد أن يحرم وللسيد أن يرضى أو يمنع
وللشريك أن يبيع وللشفيع أن يطرد المبتاع،
انتهى.
(7/390)
ولم يلزمه
إسقاطه، وله نقض وقف: كهبة، وصدقة والثمن
لمعطاه، إن علم شفيعه،
__________
تنبيه: وأما بعد الشراء، فقال القرطبي: هي حق
للشريك على المشتري فيجب عليه أن يشفعه ولا
يحل له الامتناع من ذلك انتهى. وقال الشيخ أبو
الحسن في شرح قوله في المدونة في كتاب الجهاد
فيمن وقع في سهمه أمة من المغنم أو ابتاعها أو
علم أنها لمسلم فلا يطؤها حتى يعرضها عليه
أقام ابن محرز من هذه المسألة من اشترى شقصا
فيه الشفعة وهو يعلم أن فيه شفعاء فلا يتصرف
فيه حتى يعلم الشفيع وهذا إذا لم يعلم الشفيع
وأما إن علم فلا معنى لتوقيفه، انتهى. وذكر
ابن عرفة في كتاب الجهاد كلام ابن محرز ونقل
عن ابن بشير في المسألة قولين ونقل عن ابن عبد
السلام كلامه في ذلك فراجعه وانظر كلام ابن
سهل وعياض في التنبيهات وكلام ابن عبد السلام
في باب الجهاد عند قول ابن الحاجب: "ومن صارت
إليه جارية أو غيرها" في آخر الباب. ص: (ولم
يلزمه إسقاطه) ش: قال في المدونة: ولو قال
الشفيع للمبتاع قبل الشراء: اشتر فقد أسلمت لك
الشفعة وأشهد بذلك فله القيام بعد الشراء؛
لأنه سلم ما لم يجب له وإن سلم بعد الشراء على
مال أخذه جاز وإن كان قبل الشراء بطل ورد
المال وكان على شفعته، انتهى. ص: (والثمن
لمعطاه إن علم شفيعه) ش: يعني إن علم أن له
شفيعا ومفهومه إن لم يعلم فالثمن له، قال ابن
رشد في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من
كتاب الاستحقاق: ومثله لو اشترى رجل جارية
وتصدق بها على رجل ثم توفي المتصدق واعترفت
الجارية أنها حرة فأخذ الثمن من البائع فإنه
لورثة المتصدق لا للمتصدق عليه وشبههما بمسألة
الشفعة، فقال: وقد اختلف هل هو محمول على
العلم أو على عدم
(7/391)
لا إن وهب دارا
فاستحق نصفها، وملك بحكم أو دفع ثمن أو إشهاد،
واستعجل، إن قصد
__________
العلم؟ وفي الشفعة من المدونة دليل القولين
جميعا، انتهى، والله أعلم. ص: (وملك بحكم أو
دفع ثمن أو إشهاد) ش: انظر كلام ابن غازي الذي
أتي به هنا فإنه جيد، وقال ابن راشد في
اللباب: ثم الآخذ إنما يتوجه له الأخذ عند
وجود المقتضى وهو وجود الشرط والسبب وانتفاء
المانع والسبب نفس البيع ويشترط في كونه سببا
خمسة شروط: أن يكون الشفيع مالكا للرقبة وأن
يخرجه البائع عن ملكه بمعاوضة من بيع ونحوه
وأن يكون البيع صحيحا؛ إذ لا يشفع في الفاسد
إلا بعد الفوات وأن يكون لازما فلا شفعة في
الخيار إلا بعد لزومه وأن يكون الملك سابقا
على البيع فلو اشترى رجلان دارا صفقة واحدة
فلا شفعة لأحدهما على الآخر. وأما الشروط
فأربعة، الأول: أن يشفع ليملك لا ليبيع،
الثاني: بقاء الحصة التي يستشفع بها، الثالث:
معرفة الثمن فلو لم يعلمه فلا شفعة وقد، قال
ابن القاسم في رجل تصدق على أخته بسهمه في أرض
عوضا عما ذكره أنه أصاب من مورثها مما لا يعلم
قدره لا شفعة فيه، الرابع: أن يكون البيع
ثابتا إما بالبينة أو بإقرار المتبايعين ولو
أنكر المبتاع وأقر البائع والشقص بيده لم يكن
له الشقص على المشهور وأوجب ذلك أشهب وأما
المانع فهو التصريح بالإسقاط أو ما يقوم
مقامه، انتهى. باختصار وفي المدونة من ابتاع
شقصا بعبد بعينه فمات بيده فمصيبته من البائع
وللشفيع الشفعة بقيمة العبد وعهدته على
المبتاع؛ لأن الشفعة وجبت له بعقد البيع،
انتهى.
فرع: قال ابن سهل: تنازع بنو حفص في العرصة
التي بينهم ودعت أميرة إلى القسم بعد أن أثبتت
موت حفص ووراثته وملكه للعرصة وأنه أورثها
ورثته وادعت أن آمنة اشترت حصة أخيها عبد
الحميد فطلبت الشفعة وأنكر عبد الحميد وآمنة
التبايع، قال ابن لبابة على عبد الحميد:
اليمين أنه ما باع حصته من أخته آمنة فإذا حلف
وجب القسم وسقطت دعوى الشفعة وإن نكل لم تجب
الشفعة حتى تحلف آمنة أنها لم تشتر فإذا حلفت
سقطت أيضا الشفعة بينهما وإن نكلت مع نكول عبد
الحميد حلفت أميرة أنهما تبايعا بثمن كذا فإذا
حلفت وجب لها الشفعة، وقال أيوب: لا يمين على
عبد الحميد ولا على آمنة؛ لأن المدعي البيع
قال لعبد الحميد: إنك قد بعت من آمنة، فقال
عبد الحميد: لم أبع ولكن وهبت لله تعالى،
وقالت آمنة: لم أبتع ولم أهب فلا يمين على
واحد منهما حتى يأتي بسبب بيع أو هبة فتجب
اليمين؛ ولأن المدعى عليهما التبايع قد تنافيا
وتناكرا ما ادعي عليهما فهذا أبعد في
(7/392)
أرتياء أو نظرا
للمشتري إلا كساعة. ولزم إن أخذ وعرف الثمن
فبيع للثمن، والمشتري إن سلم، فإن سكت: فله
نقضه،
__________
إيجاب اليمين، وقاله محمد بن الوليد ومحمد بن
عمر بن لبابة وأحمد بن يحيى وعبد الله بن
يحيى، قال القاضي: كذا وقع في الأصل بتكرار
ابن لبابة فإن كان صحيحا فهو رجوع عن جوابه
الأول خطأ والصواب ما قاله أبو محمد صالح؛ لأن
المستشفع منه إذا أنكر الابتياع والهبة وانتفى
من ملك الشقص المستشفع فيه سقط بطلب الشفيع،
انتهى. وجواب ابن لبابة الأول واضح؛ إذ قد
يكون لهما غرض في إنكار البيع كجعلهما حيلة
تسقط بها الشفعة في رأي بعض القضاة فأنكر
البيع ليستحكما حاكما يرى سقوط الشفعة بتلك
الحيلة وطلب الشفيع أن يأخذ بالشفعة قبل ذلك
عند حاكم لا يرى تلك الحيلة مسقطة ولو خطر هذا
لابن سهل لم يتوقف في لزوم اليمين وإنما أنكر
ذلك لعدم الاختلاف في بلادهم ووقتهم بدليل ما
حكى بعدها ونصه: يلزم وكيل ابن مالك وزوجته أن
يأتي بشاهد ثان على توكيلهما إياه ويضرب له في
ذلك أجل يومين فإن جاء بالشاهد الثاني ضرب له
أجل في إثبات الابتياع الذي طلب به الشفعة فإن
ثبت ذلك وجبت الشفعة بعد الإعذار إلى البائع
منهم وإن لم يثبت البيع لزمه قيمة الدار على
عدد ورثة حفص بعد أن يحلف البائع والمشتري لما
تبايعا ولهما رد اليمين على زوجة ابن مالك،
قاله ابن لبابة وأيوب بن سليمان ومحمد بن
وليد، قال القاضي: ظاهر هذه المسألة أن جوابهم
فيها خلاف جوابهم في التي قبلها إلا إن كان
عندهم فيها معنى لم يظهر في حكايتها أوجب هذا
الجواب، انتهى. وقد حصل في هذه الأزمان هذا
المعنى ولا شك أنه موجب اليمين فتأمله، والله
أعلم. ص: (إلا كساعة) ش: ينبغي أن يعود
الاستثناء إلى قوله: "أو
(7/393)
وإن قال أنا
آخذ: أجل ثلاثا للنقد، وإلا سقطت، وإن اتحدت
الصفة وتعدت الحصص والبائع: لم تبعض: كتعدد
المشتري، على الأصح،
__________
نظر المشتري فقط" لا لقوله: "إن قصد ارتياء".
ص. (وإن اتحدت الصفقة إلخ) ش: مفهوم قوله:
"اتحدت الصفقة" أنها لو تعددت لكان خلاف ذلك
وهو كذلك وقال في المدونة: ومن اشترى حظ ثلاثة
رجال من دار في ثلاث صفقات فللشفيع أن يأخذ
ذلك أو يأخذ أي صفقة شاء فإن أخذ الأولى لم
يشفع معه فيها المبتاع وإن أخذ الثانية كان
للمبتاع معه الشفعة بقدر صفقته الأولى فقط وإن
أخذ الثالثة خاصة شفع فيها بالأولى والثانية،
انتهى. وقال ابن عرفة: وتعدد الصفقات يوجب
انفراد كل صفقة بحكمها، انتهى.
فرع: فلو تعدد الشفيع فقط، فقال في المدونة:
ومن ابتاع شقصا من دارين في صفقة، وشفيع كل
دار على حدة فأسلم أحدهما فللآخر أن يأخذ
شفعته في التي هو شفيعها دون الأخرى. أبو
الحسن تعدد هنا الشفيع والصفقة واحدة والبائع
واحد والمبتاع واحد وانظر لم لم يجعل للمبتاع
حجة بتبعيض صفقته وظاهره وإن كان الشقص
المأخوذ بالشفعة جل الصفقة ولعله إنما جرى على
القول بأن الشفعة ابتداء بيع، انتهى.
فرع: فلو تعدد الشفعاء مع تعدد البائع ففي
النوادر، قال ابن القاسم وأشهب: من ابتاع حظا
من دار من رجل وحظا من حائط من آخر وشفيعهما
واحد فليس للشفيع إلا أخذ الجميع أو يترك
الجميع ابن عبدوس، وقاله عبد الملك. محمد:
وأنا أنكر أن يجمع الرجلان سلعتيهما في صفقة
واحدة وليرد ذلك إن علم به المشتري ما لم يفت
بحوالة سوق أو بيع أو يأخذ بالشفعة فينفذ
ويقسم الثمن على القيمة، قال أشهب متصلا بكلام
عبد الملك: وكذا إن كان الشفعاء جماعة فليس
لهم أن يأخذوا النخل دون غيرها فإما أخذوا
الجميع أو تركوا، فإن
(7/394)
وكأن أسقط
بعضهم، أو غاب أو أراد المشتري، ولمن حضر
حصته،
__________
أخذوا الجميع على أن النخل لأحدهم وللآخر
الدور فليس للمشتري أن يأبى ذلك ولا حجة له
وليس بقياس وهو استحسان. انتهى. ونقله ابن
عرفة أيضا. ولا منافاة بين هذا وبين ما في
المدونة فإن في هذا تعدد الشفعاء واشتركوا في
كل حصة، والله أعلم. ص: (وكان أسقط بعضهم أو
غاب) ش: قال ابن الحاجب: وإذا اتحدت الصفقة
وأسقط بعضهم أو غاب فليس إلا أخذ الجميع ابن
عبد السلام وأما غيبة بعض الشفعاء فلا أعلم
فيه خلافا وأن الحكم ما قاله المؤلف يعني ابن
الحاجب، انتهى. وأما في الإسقاط فما قال الشيخ
هو المشهور، وقال أصبغ وابن حبيب: إن كان
تسليم أحد الشفعاء على وجه الهبة أو الصدقة
فليس لمن أراد الأخذ إلا بقدر سهمه وللمبتاع
سهم من سلم وإن كان على وجه الترك وكراهة
الأخذ فللمتمسك أخذ جميعها وفي مختصر الوقار
ليس لمن لم يحز إلا مصابه اللخمي وهو أقيس
الأقوال، قاله في التوضيح وهذا لفظه: وقال ابن
عرفة بعد كلام الوقار: وحاصله أن نصيب التارك
للمشتري مطلقا وابن حبيب خصص ذلك بكون الترك
لوجه المشتري وظاهر المدونة والعتبية أنه لمن
بقي مطلقا فالأقوال ثلاثة. ص: (ولمن حضر حصته)
ش: قال الشارح أي فإن أخذ الشفيع الحاضر جميع
الحصة ثم قدم الغائب فله أن يدخل معه إن أحب
فيأخذ بقدر ما كان له من شفعته، انتهى. قال
ابن غازي: أي ولمن صار حاضرا بعد الغيبة ولو
قال: ولمن قدم كان أبين، انتهى. وقال البساطي:
يعني إن حضر واحد من الغيب بعد أن أخذ الحاضر
الجميع فلمن حضر حصته إن أراد فيأخذ بقدر
حصته، انتهى. وظاهر كلامهم وكلام المصنف إن
كان الشفعاء الغيب
(7/395)
وهل العهدة
عليه، أو على المشتري، أو على المشتري فقط:
كغيره، ولو أقاله البائع إلا أن يسلم
__________
جماعة وقدم واحد منهم فله أن يأخذ بقدر حصة
أشراكه الغيب حتى يقدموا وليس كذلك إنما له أن
يأخذ نصف ما أخذه الحاضر إن ساوت حصته حصة
الحاضر وإلا فعلى قدر حصصهما كأنه ليس لهما
شريك غائب، قال في المنتقى: وإن كان أشراكه
غيبا لم يكن للشفيع أن يأخذ حصته دون أشراكه
الغيب حتى يقدموا وليأخذ الآن الكل أو يترك
فإن ترك فلا حق له مع أصحابه إذا قدموا وأخذوا
بالشفعة فإذا قدم واحد ممن غاب قيل له: خذ
الجميع أو اترك الجميع فمن قدم دخل معه في
الشفعة إن أراد ذلك على قدر حصصهما كما لو لم
يكن شريك غيرهما، قاله ابن القاسم في المدونة،
وقاله أشهب في غيرها، انتهى. وفي النوادر، قال
ابن القاسم وأشهب: فإن قدم الغائب وقد أخذ
لحاضر الجميع دخلوا معه بقدر سهامهم وإن أبى
بعضهم الأخذ فللآخرين من الشفعة بقدر حصصهم من
حصص من أخذ لا بقدر حصصهم من حصص جميع
الشركاء، قالا: فإن أبوا إلا واحدا ومصابه مثل
مصابك فجميع ما أخذته بينكما شطرين فلو لم
يقدم إلا واحد فليس له بقدر حصصه من حصص
أصحابه ولكن يأخذ نصف ما أخذت إن كان نصيبه
مثل نصيبك، انتهى. وصرح بذلك ابن رشد في
نوازله وقد تكلم في ذلك وأطال وبهذا يتضح ما
نقله ابن رشد عن أشهب وذكره ابن غازي عنه في
العمدة وهو قوله: "وإن جاء ثالث كان مخيرا إن
شاء كتب عهدته على المشتري وإن شاء على الشفيع
الأول وإن شاء عليه وعلى الثاني". انتهى.
فتأمله، والله أعلم. ص: (وهل العهدة عليه أو
على المشتري؟) ش: هذا قول أشهب الذي اختار ابن
رشد أنه مفسر لقول ابن القاسم، قال في النوادر
بعد أن نقله: وليس لهم أي الشفعاء الغيب أن
يكتبوا ذلك عليكما جميعا، انتهى. أي على
الشفيع الأول والمشتري. ص: (وهل العهدة عليه
أو على المشتري كغيره) ش: يعني أنه إذا أخذ من
حضر من الشفعاء جميع الشفعة ثم قدم أحد
(7/396)
قبلها؟
تأويلان، وقدم مشاركة في السهم، وإن كانت لأب
أخذت سدسا،
__________
الشفعاء الغيب وأخذ بالشفعة، هل تكون العهدة
على الشفيع الأول أو على المشتري المأخوذ منه
بالشفعة كما تكون العهدة عليه في غير مسألة
الغائب إذا قدم على شريكه قال في النوادر، قال
ابن المواز: أجمع مالك وأصحابه أن عهدة الشفيع
على المشتري، قال أشهب: وإليه يدفع الثمن إن
كان المبتاع دفعه إلى البائع وعلى المشتري قبض
الشقص ودفعه إلى الشفيع فإن كان المشتري حاضرا
ولم يدفع الثمن دفع الشفيع الثمن إلى البائع
وعلى المشتري قبض الشقص للشفيع وإن شاء الشفيع
قبضه من البائع، وعهدته في ذلك كله على
المبتاع ومن كتاب ابن المواز فإن غاب المبتاع
ولم يكن ثقة فأبى البائع من دفع الشقص، قال
ابن القاسم: ينظر فيه السلطان، وقال أشهب في
الكتابين: إن قربت غيبته كتب حتى يقدم فيكتب
عليه العهدة وإن
(7/397)
ودخل على غيره:
كذي سهم على وارث، ووارث على موصى لهم، ثم
الوارث، ثم الأجنبي،
__________
بعدت غيبته قضي للشفيع بشفعته وقضي للبائع
بقبض الثمن منه إن لم يكن قبضه وإن كان البائع
قبضه أخذه الإمام من الشفيع فأوقفه للمبتاع
وكتب عليه العهدة فإذا قدم أشهد بذلك على
نفسه. محمد وإن مات فالعهدة على ورثته يريد في
تركته، قال ابن حبيب وإذا حكم على المبتاع
بشفعته فأبى من أخذ الثمن، قال: يحكم بها
ويكتب له العهدة على المبتاع ويأخذ الثمن
فيوقف له من أمواله والشفيع منه بريء، انتهى.
ونقل ابن عرفة هذا الكلام، والله أعلم. ص:
(كذي سهم على وارث) ش:
تنبيه: أما العصبة فكلهم سواء ولو كان بعضهم
شقيقا لبعض، قال في أول الشفعة: ومن هلك وترك
ثلاث بنين، اثنان منهم شقيقان والآخر لأب وترك
بينهم دارا فباع أحد الشقيقين حصته قبل القسمة
فالشفعة بين الشقيق والأخ للأب سواء؛ إذ
بالبنوة ورثوا ولا ينظر إلى الأقعد بالبائع
ولو ولد ولد لأحدهم ثم مات فباع بعض ولده حصته
فبقية ولده أشفع من أعمامهم؛ لأنهم أهل مورث
ثان فإذا سلموا فالشفعة لأعمامهم وإن باع أحد
الأعمام فالشفعة لبقية الأعمام مع بني أخيهم
لدخولهم مدخل أبيهم وإن ترك ابنتين وعصبة
فباعت إحدى الابنتين فأختها أشفع من العصبة؛
لأنهما أهل سهم فإذا سلمت فالعصبة أحق ممن
شركهم بملك ولو باع أحد العصبة فالشفعة لبقية
العصبة والبنات وكذلك الأخوات مع البنات حكم
العصبة؛ لأن العصبة ليس لهم فرض مسمى انتهى.
ص: (وأخذ بأي بيع
(7/398)
وأخذ بأي بيع،
وعهدته عليه، ونقض ما بعده، وله غلته، وفي فسخ
عقد كرائه: تردد، ولا يضمن نقصه، فإن هدم وبنى
فله قيمته قائما، وللشفيع: النقض
__________
شاء) ش: هذا إذا كان غير عالم أو غائبا وأما
إن كان حاضرا عالما فإنه يسقط شفعته من البائع
الأول، قال اللخمي فصل: فإذا باع المشتري
نصيبه والشفيع حاضر عالم ولم يقم برد البيع
سقطت شفعته في البيع الأول وكانت له الشفعة في
البيع الثاني وكذلك إن بيع بيعات وهو حاضر
سقطت إلا من بيع آخر وإن كان غير عالم كان
بالخيار يأخذ بأيهما أحب، انتهى. ص: (وعهدته
عليه) ش: أي على من أخذ منه، قال في المدونة:
وعهدة الشفيع على المبتاع خاصة وإليه يدفع
الثمن كان بائعه قد قبض الثمن أم لا ولو غاب
المبتاع قبل أن ينقد الثمن ولم يقبض الدار نظر
الإمام في ذلك، والبائع له منع الشقص حتى يقبض
الثمن فإن شاء الشفيع أن ينقده فذلك له ويقبض
الشقص وعهدته على المبتاع؛ لأنه أدى عنه. ص:
(وفي فسخ عقد كرائه تردد) ش: حاصله أن له
الأخذ بالشفعة من الآن
(7/399)
أما لغيبة
شفيعه فقاسم وكيله، أو قاض عنه. أو اسقط لكذب
في الثمن، أو استحق نصفها، وحط ما حط لعيب، أو
لهبة، إن حط عادة أو أشبه الثمن بعده. وإن
استحق الثمن، أو رد بعيب بعدها: رجع البائع
بقيمة شقصه، ولو كان الثمن مثليا
__________
واختلف الطليطليون والقرطبيون في فسخ الكراء
وعلى القول بعدم الفسخ فالكراء للمشتري
(7/400)
إلا النقد،
فمثله، ولم ينتقض ما بين الشفيع والمشتري. وإن
وقع قبلها بطلت. وإن اختلفا في الثمن: فالقول
للمشتري بيمين فيما يشبه: ككبير يرغب في
مجاوره وإلا فللشفيع
__________
كما نقله في التوضيح ونقله أبو الحسن. ص: وإن
اختلفا في الثمن فالقول للمشتري بيمين فيما
يشبه) ش: قال في المدونة: وإن اختلف الشفيع
والمبتاع في الثمن صدق المبتاع؛ لأنه مدعى
عليه إلا أن يأتي بما لا يشبه مما لا يتغابن
الناس عن مثله فلا يصدق إلا أن يكون مثل هؤلاء
الملوك يرغب أحدهم في الدار اللصيقة بداره
فيثمنه فالقول قوله إذا أتى بما يشبه، انتهى.
وقول المصنف بيمين ظاهره سواء حقق الشفيع عليه
الدعوى أم لا وليس كذلك، قال في الشامل بيمين:
إن حقق الشفيع لا إن اتهمه وإلا فبدون يمين
على الأشهر، انتهى. ونقله في التوضيح وأصله
لابن رشد. ص: (ككبير يرغب في مجاورته) ش: هذا
مثال لما أشبه فيه قول المشتري، قال ابن غازي:
"يرغب" مبنيا للفاعل ومجاورته بكسر الواو اسم
فاعل وهو كقوله في المدونة إلا أن يكون مثل
هؤلاء الملوك يرغب أحدهم في الدار الملاصقة
به، انتهى.
قلت: ما ذكره هو الظاهر ويحتمل أن يقرأ:
"يرغب" بالبناء للمفعول ومجاورته بفتح الواو
مصدر جاور يجاور وقد جوز أبو الحسن في كلام
المدونة المتقدم أن يكون المراد به ما تقدم،
قال: وإنه أراد يرغب أحد المشتريين في الدار
التي تلاصق الملك إذا كان عادلا، قال في
(7/401)
وإن لم يشبها
حلفا ورد إلى الوسط، وإن نكل مشتر، ففي الأخذ
بما ادعى أو أدى: قولان. وإن ابتاع أرضا
بزرعها الأخضر: فاستحق نصفها فقط: واستشفع:
بطل البيع في نصف الزرع لبقائه بلا أرض:
__________
الوثائق المجموعة: وكذلك الشريكان والجار
اللصيق، انتهى. وقال أبو الحسن: وقوله في
المدونة "إذا أتى بما يشبه" يريد ما يمكن أن
يزيده فيها، انتهى. ص: (فإن لم يشبها حلفا ورد
إلى الوسط) ش، قال أبو الحسن، قال ابن يونس:
اختلفا إذا أتيا بما لا يشبه فأعدل الأقوال أن
يحلفا جميعا ويأخذ الشفيع بالقيمة وإن نكل
أحدهما وحلف الآخر كان القول قول الحالف ابن
رشد. وإن أتى بما لا يشبه؛ لأن صاحبه قد أمكنه
بنكوله من دعواه الشيخ وغيره أعدل الأقاويل أن
تسقط الشفعة كنسيان الثمن، انتهى.
فرع: وإن أقاما بينة وتكافأت في العدالة كانا
كمن لا بينة لهما ويصدق المبتاع؛ لأن الدار في
يديه، قال أبو الحسن، قال هنا؛ لأن الدار في
يديه، وقال فيما تقدم؛ لأنه مدعى عليه
ومعناهما واحد؛ لأنه يريد أخذها من يديه بأقل
مما ادعاه، انتهى. ص: (وإن ابتاع أرضا بزرعها
الأخضر فاستحقّ نصفها فقط واستشفع بطل البيع
في نصف الزّرع لبقائه بلا أرض) ش:
تتمّة: هذه المسألة قوله: وردّ البائع نصف
الثّمن وله نصف الزّرع وخيّر الشّفيع أوّلا
بين أن يشفع أو لا فيخيّر المبتاع في ردّ ما
بقي ويشير إلى قوله في المدوّنة: ومن ابتاع
أرضا بزرعها الأخضر فاستحقّ رجل نصف الزّرع
الأخضر خاصّة واستشفع فالبيع في النّصف
المستحقّ باطل ويبطل في نصف الزّرع لانفراده
بلا أرض ويردّ البائع نصف الثّمن ويصير له نصف
الزّرع وللمستحقّ نصف الأرض ثمّ يبدأ الشّفيع
بالخيار في نصف الأرض الباقي فإن أحبّ أخذه
بالشّفعة ولم يكن له في نصف الزّرع شفعة وإن
لم يستشفع خيّر المبتاع بين ردّ ما بقي في
يديه من الصّفقة وأخذ جميع الثّمن؛ لأنّه
استحقّ من صفقته ما له بال وعليه فيه الضّرر
وبين أن يتماسك بنصف الأرض ونصف الزّرع ويرجع
بنصف الثّمن، انتهى. قوله في المدوّنة:
(7/402)
كمشتري قطعة من
جنان بإزاء جنانه ليتوصل له من جنان مشتريه،
ثم استحق جنان المشتري، ورد البائع نصف الثمن
وله نصف الزرع، وخير الشفيع أولا بين أن شفع
أو لا فيخير المبتاع في رد ما بقي.
__________
"واستشفع فالبيع في النّصف المستحقّ باطل" وهو
نحو قول المصنّف: "واستشفع" وهو يوهم أنّ
الاستشفاع شرط في بطلان البيع في نصف الأرض؛
لأنّه علّل بطلان البيع فيه لبقائه بلا أرض
ويفهم من قوله: "وردّ البائع نصف الثّمن"
لأنّه يقتضي أنّه يردّ نصف جميع ثمن الأرض
والزّرع وذلك مقتض لبطلان البيع فيهما وقوله:
"وله نصف الزّرع" أي للبائع نصف الزّرع الّذي
في النّصف المستحقّ ونقل الشّارح في الكبير عن
النّوادر أنّ على البائع الكراء في النّصف
المستحقّ من الأرض.
قلت: وينبغي أن يجري على ما تقدّم في فصل
الاستحقاق وقول المصنّف: "وخيّر الشّفيع أوّلا
بين أن يشفع أم لا" لم يبيّن ما يترتّب على
أخذه بالشّفعة وقد بيّن ذلك في المدوّنة،
وقال: إنّه إن أخذ النّصف الباقي من الأرض
بالشّفعة لم يكن له في نصف الزّرع شفعة وذلك
(7/403)
__________
على المشهور من أنّ الزّرع لا شفعة فيه لكنّه
لم يبيّن في المدوّنة لمن يكون هذا النّصف من
الزّرع وذكر في النّكت والتّنبيهات فيه قولين
أحدهما أنّه للبائع مع النّصف الأوّل فيصير
جميع الزّرع له والثّاني أنّه للمشتري وصوّبوا
هذا القول الثّاني وجعلوا الأوّل خطأ؛ لأنّ
الشّفعة بيع والأخذ إنّما هو من الشّفيع وعليه
العهدة وفي التّنبيهات أنّه إذا أخذ بالشّفعة
فضّ الثّمن على نصف الأرض ونصف الزّرع فانظره
ولا كراء على الشّفيع في نصف هذا الزّرع؛
لأنّه بمنزلة من اشترى أرضا فزرعها ثمّ أخذها
الشّفيع فلا أجرة له انظر التّوضيح وأمّا إن
لم يأخذ الشّفيع بالشّفعة فقد بيّن ما يترتّب
على ذلك في المدوّنة ويفهم من كلام المصنّف.
وأمّا قول المصنّف: "كمشتري قطعة من جنان" إلى
قوله: "ثمّ استحقّ جنان البائع" فهي مسألة
أخرى شبّهها بمسألة بطلان البيع في نصف الزّرع
لبطلان البيع فيها لكون المشتري لا طريق له
إلى الانتفاع بما اشتراه لكنّ البطلان في
مسألة الزّرع إنّما هو؛ لأنّ الزّرع الأخضر لا
يجوز بيعه إلّا تبعا للأرض ولا يجوز بيعه
بانفراده؛ لأنّه لم يبد صلاحه وصلاحه يبسه
وليس المعنى أنّه ليس لك أرض يبقى فيها وأنّه
يحكم بقلعه ألا ترى أنّه للبائع بخلاف مسألة
الجنان فإنّ موجب الفساد أنّه لم يبق للمشتري
طريق إلى الانتفاع بما اشتراه فالتّشبيه
بينهما إنّما هو في فقد شرط من شروط صحّة
البيع ففي مسألة الزّرع من شروط صحّة بيعه
كونه منتفعا به وقد صار غير منتفع به فتأمّله،
واللّه أعلم.
مسألة: قال اللخمي في تبصرته في آخر كتاب
الشفعة: إذا باع أحد الشريكين لنفسه طائفة
بعينها كان شريكه بالخيار بين خمسة أوجه: بين
أن يمضيها لشريكه وللمشتري ويبقى له ما لم يبع
أو يكون ما لم يبع شركة بينهما وما بيع بينهما
والثمن بينهما أو يرد البيع في نصيبه من
المبيع ولا يستشفع أو يستشفع أو يدعو إلى
المقاسمة فإن صارت الطائفة المبيعة للبائع مضى
البيع وإن صارت للآخر كان بالخيار في إجازة
البيع ورده وإن صار بعضها عند من لم يبع فإن
أجاز البيع فيه مضى البيع وإن رد البيع في
نصيبه كان للمشتري أن يرد البيع فيما بقي في
يده إلا أن يكون الذي رده للشريك أيسر الطائفة
المبيعة فلا يكون له رد الباقي واختلف إذا قال
البائع: ليس لك أن تبقي ما لم يبع شركة بيني
وبينك وتشاركني فيما بعته ولكن نتقاسم فيصير
ذلك لي أو لك، فقيل: لا مقال له في ذلك
والمبدأ الشريك الذي لم يبع
(7/404)
__________
وقيل: له ذلك وهو أحسن؛ لأن كون ما لم يبع
شركة ضرر عليه وإنما رضي أن يكون ذلك على وجه
المقاسمة، فإذا رضي مضى ذلك على وجه المقاسمة
أو يرده ويرجعان إلى المقاسمة، انتهى.
والمسألة في آخر كتاب الشفعة من المدونة
وانظرها في أول رسم، أول عبد أبتاعه فهو حر من
سماع يحيى من كتاب الشفعة وانظر ابن سلمون في
أواخر الشفعة وفيه مسألة من له حصة فباع جزءا
دون حصته وسئلت عن هذه المسألة فأجبت بما ذكره
اللخمي وفي السؤال وحكم في البيع المذكور حاكم
بثبوت المبيع أو بموجبه فهل الحكم بذلك مقتض
للحكم بالقسمة إذا ادعاها البائع أو المشتري؟
فأجبت بأن حكم الحاكم بثبوت البيع أو بموجبه
لا يقتضي الحكم بالقسمة، والله أعلم.
(7/405)
باب في القسمة
القسمة: تهايؤ في زمن: كخدمة عبد شهرا، وسكنى
دار
__________
باب القسمة
قال ابن عرفة: تصيير مشاع من مملوك مالكين
معينا ولو باختصاص تصرف فيه بقرعة أو قراض
فيدخل قسم ما على مدين ولو كان غائبا. نقله
الشيخ عن ابن حبيب ورواه ابن سهل في طعام سلم
ويخرج تعيين معتق أحد عبديه أحدهما وتعيين
مشتر أحد ثوبين أحدهما وتعيين مطلق عدد موصى
به من أكثر منه بموت الزائد عليه قبل تعينه
بالقسمة، انتهى. ص: (تهايؤ) ش: قال الرجراجي:
وقسمة المهايأة تقال بالنون؛ لأن كل واحد
منهما هنى صاحبه بما أراده ويقال بالباء أيضا؛
لأن كل واحد منهما وهب لصاحبه الاستمتاع بحقه
في ذلك الشيء مدة معلومة ويقال بالياء تحتية
ثنتان؛ لأن كل واحد منهما هيأ لصاحبه ما طلب
منه، انتهى. ابن عرفة وهي أي المهايأة اختصاص
شريك بمشترك فيه عن شريكه فيها زمنا معينا من
متحد أو متعدد ويجوز في نفس منفعته لا في
غلته. ص: (في زمن كخدمة عبد شهرا أو سكنى دار
(7/405)
سنين:
كالإجارة، لا في غلة ولو يوما،
__________
سنين كالإجارة) ش: نبه بهذا على أن قسمة
التهايؤ في زمن معين تكون كالإجارة لازمة وشمل
كلامه ما إذا كان المقسوم متحدا أو يأخذه كل
واحد مدة معينة ولا يشترط تساوي المدة فيهما.
ومفهوم قوله: "في زمن كالإجارة" أنها لو كانت
من غير تعيين زمن لم تكن كالإجارة وهو يشير
إلى قول ابن الحاجب فالأولى يعني المهايأة
إجارة لازمة يأخذها كل واحد منهما أو أحدهما
مدة معينة وغير لازمة كدارين يأخذ كل واحد
سكنى دار، انتهى. قال في التوضيح: وهذا القسم
أي المهايأة على قسمين مقاسمة زمان ومقاسمة
أعيان أشار المصنف إليهما بقوله: "فالأولى"
إلى قوله: "مدة معينة". وقوله: "أو أحدهما"
راجع إلى الدارين، وقوله: "مدة معلومة" يحتمل
الصورتين ويحتمل عوده إلى الثانية ويضمر بعد
الأولى مثله الدار الواحدة إنما يتصور فيها
قسمة زمان بخلاف الدارين فإنها مقاسمة أعيان
وقوله: "وغير لازمة كدارين يأخذ كل واحد منهما
سكنى دار" من غير تعيين مدة، انتهى. وقال ابن
عبد السلام: قوله: "غير لازمة" هذا نوع من
أنواع الإجارة على الخيار ولا يشترط فيها ضرب
الأجل؛ لأن كل واحد منهما له أن ينحل متى شاء
ولا يمكن تصويرها بالمثال الأول من مثالي
الملازمة إلا أن يأخذ أحدهما بيتا من الدار
مثلا ويأخذ الآخر كذلك، انتهى. ص:
(7/406)
ومراضاة
فكالبيع، وقرعة،
__________
(ومراضاة فكالبيع) ش: هذا هو القسم الثاني من
أقسام القسمة وهي قسمة المراضاة وبعضهم يسميها
قسمة بيع، قال ابن عرفة: وهي أخذ بعضهم بعض ما
بينهم على أخذ كل واحد منه ما يعد له بتراض
ملكا للجميع، انتهى. وهو على قسمين بعد تقويم
وتعديل، قال في معين الحكام وغيره: واللفظ
للمعين فهذه لا يقضى بها على من أباها ويجمع
فيها بين حظين في القسم وبين الأجناس والأصناف
والمكيل والموزون خشي ما يدخر من الطعام مما
لا يجوز فيه التفاضل ويقام فيها بالغبن إذا
ظهر والأظهر أنها بيع من البيوع وقسمة
المراضاة بلا تعديل ولا تقويم حكمها حكم التي
بعد التعديل والتقويم إلا في القيام بالغبن
وهي بيع من البيوع بلا خلاف، انتهى. وفي
التوضيح نحوه، وقاله في التنبيهات. ص: (وقرعة)
ش: قال ابن عرفة: وهي فعل ما يعين حظ كل شريك
مما بينهم مما يمتنع علمه حين فعله من القسمة
ثم، قال ابن عرفة: والصواب أن بيع القرعة بيع
لا تميز، انتهى.
تنبيه: قال في اللباب: المقسوم لهم الشركاء
المالكون فلا يقسم لغير المالك كالمحبس عليهم
قسمة قرعة ولا مراضاة ولا يمنع أن يقسم بينهم
قسمة مهايأة في الأزمان في الدور والأرضين دون
الشجر، انتهى. وفي مسائل القسمة من البرزلي
مسألة في المجموعة: اختلف في قسمة الحبس قسمة
اغتلال فكرهه قوم وأجازه آخرون ويحتمل أن يريد
الأرض لا الشجر لنصهم على منع قسمة الشجر.
قلت: هذه قسمة المهايأة وذكر كلام ابن عرفة
المتقدم في حد قسمة المهاناة والخلاف في قدرها
ثم قال في المجموعة: اختلف في قسمة الحبس على
التعديل والاتساع فكرهه قوم وأجازه آخرون فهذا
يحتمل أن يريد الأرض والشجر وغيرهما، انتهى.
ولما ذكر ابن عرفة قسمة المهايأة، قال: قال
ابن رشد: منها قسمة الحبس للاغتلال في جبر
المحبس عليهم ما لم يزد عددهم بولادة أو نقص
بموت ومنعه، ثالثها: تجوز برضاهم لبعضهم محتجا
بقولهم فيمن حبس في مرضه على ولده وولد ولده
يقسم الحبس على عددهم وغير ذلك من الظواهر
الموجودة في مسائلهم، وبعضهم محتجا بقول مالك
فيها لا يقسم الحبس وغيرهم
(7/407)
وهي تمييز حق،
وكفى قاسم، لا مقوم،
__________
قلت: عن ابن سهل الأول لعبيد الله بن يحيى
ولمحمد بن لبابة وابن وليد وأيوب بن سليمان
وابن أيمن والثاني لابن الأعين، قال: ويفسخ إن
نزل. وعزا أحد القولين من المدونة لابن عات،
فقال عن محمد بن يحيى بن لبابة حملها على
الخلاف غلط إنما حمل القسم على ثمن المنفعة
ومنعه على الربع المحبس نفسه، انتهى. وسئلت عن
مال موقوف على وصي وأيتام فاقتضى رأي الوصي
ورأي جماعة من المسلمين قسم المال الموقوف فهل
يقسم أم لا؟ فأجبت إن كان المراد بالقسمة
الاستبداد والاختصاص بحيث يصير كل واحد يفعل
فيما بيده ما شاء فهذا لا يجوز وإن أريد قسمته
قسمة مهايأة بمعنى أن كل واحد من المحبس عليهم
يسكن ناحية منه أو يستغله مدة وكلما تغير عدد
الموقوف عليهم بزيادة أو نقص تغيرت القسمة
فاختلف في ذلك على ثلاثة أقوال فقيل: إن ذلك
لا يجوز وقيل: يجوز إذا رضي الموقوف عليهم
أجمعون وقيل: يجبرون على ذلك، والقول الثاني
هو الظاهر، والله أعلم. ص: (وكفى قاسم لا
مقوم) ش، قال القرافي في الفرق الأول من
قواعده في الصور المركبة من الشهادة والرواية
رابعها المقوم للسلع وأرش الجنايات والمساقاة
والغصوبات وغيرها، قال مالك: يكفي الواحد
بالتقويم إلا أن يتعلق بالقيم حد كالسرقة فلا
بد من اثنين وروي لا بد من اثنين في كل موضع،
ومنشأ الخلاف حصول ثلاثة أشياء: شبه الشهادة؛
لأنه إلزام لمعين وهو ظاهر وشبه الرواية؛ لأن
المقوم متصد لما لا يتناهى كالمترجم والقائف
وهو ضعيف؛ لأن الشهادة كذلك وشبه الحاكم؛ لأن
حكمه ينفذ في القيمة والحاكم ينفذه وهو أظهر
من شبه الرواية فإن تعلق بإخباره حد تعين
مراعاة الشهادة لوجهين، أحدهما: قوة ما يفضي
إليه هذا الإخبار وينبني عليه من إباحة عضو
آدمي معصوم وثانيهما: أن الخلاف في كونه رواية
أو شهادة شبهة يدرأ بها الحد ثم، قال: وخامسها
القاسم. قال مالك يكفي واحد والأحسن اثنان،
وقال أبو إسحاق لا بد من اثنين وللشافعية في
ذلك قولان ومنشأ الخلاف شبه الحكم والرواية أو
الشهادة والأظهر شبه الحكم؛ لأن الحاكم
استنابه في ذلك وهو المشهور عندنا وعند
الشافعية أيضا، انتهى. وفي الكتاب الرابع
(7/408)
وأجره بالعدد
وكره، وقسم العقار، وغيره بالقيمة،
__________
عشر من القسم الثاني من تبصرة ابن فرحون، قال
ابن القصار: ويقبل قول التاجر في قيم المتلفات
إلا أن يتعلق بالقيمة حد فلا بد من اثنين.
وروي عن مالك أنه لا بد من اثنين عند مثل
القيمة التي يتعلق بها حد كتقويم العرض
المسروق وهل بلغت قيمته إلى النصاب أم لا؟
فهنا لا بد من اثنين، انتهى. ثم، قال: قال ابن
القصار: يجوز تقليد القاسم على ما رواه ابن
نافع عن مالك كما يقلد المقوم لأرش الجنايات
لمعرفته بذلك، وقال الأبهري: يجب أن يكون
اثنين ثم رجع عن ذلك، انتهى. فلعل المصنف ترجح
عنده الرواية الثانية في المقوم والفرق بين
القاسم والمقوم أن القاسم نائب عن الحاكم،
انتهى. فاكتفى فيه بالواحد، والمقوم كالشاهد
على القيمة فيترجح فيه جانب الشهادة.
(7/409)
وأفرد كل نوع،
وجمع دور وأقرحة
__________
تنبيهات: الأول: الذي يظهر أن مراد المصنف
بالمقوم المقوم للسلع المتلفات ولأروش
الجنايات ونحوهما كما تقدم في كلام القرافي
وليس المراد به المقوم للسلعة المقسومة فإن
الذي يظهر من كلامهم أن القاسم هو الذي يقوم
المقسوم ويعدله.
الثاني: قال القرافي في الذخيرة: قال في
النوادر: قال ابن حبيب: لا يأمر الحاكم بالقسم
إلا من هو عنده مأمون بصير، وقال الشافعية:
يشترط في منصوب الإمام الحرية والعدالة
والتكليف والذكورة؛ لأنه حاكم وعلمه بالمساحة
والحساب والتقويم ولا يشترط في منصوب الشركاء
العدالة والحرية؛ لأنه وكيل ولم أر لأصحابنا
ما يخالف هذا. انتهى، والله أعلم.
الثالث: فهم من قول المصنف "كفى قاسم" أن
الأولى خلاف ذلك وهو كذلك، قال ابن الحاجب:
الاثنان أولى من الواحد، وقال ابن عرفة: الشيخ
عن ابن حبيب: لا يأمر القاضي بالقسم إلا
المأمون المرضي وإن كانا اثنين فهو أفضل وإن
لم يجد إلا واحدا كفى، انتهى. ص: (وأفرد كل
نوع) ش: يعني أنه لا يجوز جمع جنسين ولا نوعين
متباعدين في قسمة القرعة، قال في المدونة: ولا
تقسم أصناف مختلفة بالسهم مثل أن يجعلوا الدور
حظا والرقيق حظا ويستهمون وإن اتفق قيم ذلك؛
لأنه خطر وإنما تقسم هذه الأشياء كل نوع على
حدة البقر على حدة والغنم على حدة والعروض على
حدة إلا أن يتراضوا على شيء بغير سهم وكذلك لا
يجوز أن يجعلوا دنانير ناحية وما قيمته ما
ماثلها ناحية من ربع أو عرض أو حيوان أو
يقترعوا وأما بالتراضي بغير قرعة فجائز وأما
داران في موضع وإن تفاضلتا في البناء كواحدة
جديدة وأخرى رثة أو دار بعضها رث وباقيها جديد
فذلك يجمع في القسم؛ لأنه نوع واحد منه جديد
ودون بالقيم كقسم الرقيق على تفاوتها وكل صنف
لا بد فيه من ذلك فإن كان كل صنف من ذلك لا
يحتمل القسمة بيع عليهم الجميع إلا أن يتراضوا
على شيء بغير سهم فيجوز، انتهى. ص: (وجمع دور
وأقرحة) ش: كذا في بعض النسخ بالواو وفي بعضها
بأو وعلى النسخة الأولى فالواو بمعنى أو
والمراد أن الدور تجمع على حدة والأقرحة على
حدة ولا يريد أن الدور تجمع مع الأقرحة، قال
ابن الحاجب: وتجمع الدور المتقاربة المكان
(7/410)
ولو بوصف، إن
تساوت قيمة ورغبة، وتقاربت كالميل، إن دعا
إليه أحدهم، ولو بعلا وسيحا، إلا معروفة
كالسكنى، فالقول لمفردها، وتؤولت أيضا بخلافه،
__________
المستوية نفاقا ورغبة مهما دعا إليه أحدهم ثم
قال: وكذلك بالقرى والحوائط، والأقرحة يجمع ما
تقارب مكانه كالميل ونحوه وتساوى في كرمه
وعيونه بخلاف اليوم، قال ابن عبد السلام: لا
يريد المؤلف هذه الأنواع التي ذكرها من قرى
وحوائط وأقرحة تجمع في القسم ولكن كل نوع من
هذه يجمع، انتهى. وقال الرجراجي: اتفقوا على
أنه لا يجمع في قسمة القرعة الدور مع الحوائط
ولا الحوائط مع الأرضين ولا الدور مع الأرضين
وإنما يقسم كل شيء من ذلك
(7/411)
وفي العلو
والسفل: تأويلان وأفرد كل صنف كتفاح، إن
احتمل، إلا كحائط فيه شجر مختلفة،
__________
على حدته ويضم بعضه إلى بعض على شروط يذكرها،
انتهى. والأقرحة جمع قراح بفتح القاف، قال في
المدونة: هي الفدادين، وقال ابن عبد السلام:
الأقرحة هي المزارع التي ليس فيها بناء ولا
شجر، قاله الجوهري، والله أعلم. ص: (وأفرد كل
صنف كتفاح إن احتمل) ش: يعني أن كل صنف من
أصناف الفواكه كالتفاح والرمان إذا كان يحمل
القسمة بين الشركاء فإنه يفرد يريد إذا كان كل
واحد في حائط بدليل قوله إلا في كحائط فيه شجر
مختلفة فإنه يعني أن الحائط إذا كان فيه أشجار
الفواكه فإنه يقسم بالقيمة، قاله في المدونة
وإن كانت قرية ذات دور وأرض بيضاء وشجر
فليقسموا الأرض والدور على ما وصفنا وأما
الأشجار فإن كانت مختلفة مثل تفاح ورمان وأترج
وغيرها وكلها في جنان واحد فإنه يقسم كله
مجتمعا بالقيمة كالحائط يكون فيه البرني
والصيحاني والعجوة والجعرور وأصناف التمر فإنه
يقسم على القيمة ويجمع لكل واحد حظه من الحائط
في موضع فإن كان كل صنف من تفاح ورمان وغيره
في جنان على حدة قسم بينهم كل جنان على حدته
بالقيمة إن انقسم، انتهى.
مسألة: قال في الطراز في كتاب السلم لما تكلم
على القطنية وأنها أصناف أنها لا تجمع في
القسم وتقدم كلامه عند قول المصنف: و"قطنية
ومنها كرسفة". ص: (أو أرض
(7/412)
أو أرض بشجر
متفرقة وجاز صوف على ظهر، إن جز وإن لكنصف
شهر، وأخذ وارث عرضا، وآخر دينا، إن جاز بيعه،
وأخذ أحدهما قطنية، والآخر قمحا وخيار أحدهما:
كالبيع، وغرس أخرى، إن انقلعت شجرتك من أرض
غيرك، إن لم تكن أضر
__________
بشجر مفترقة) ش: يعني أن الأرض إذا كان فيها
شجر مفترقة فإنه يقسم الأرض مع الشجر جميعا
ولو أفردنا قسمة الأصول وقعت أصول الرجل في
أرض غيره، انتهى. ص: (وخيار أحدهما كالبيع) ش:
قال في المدونة: ولو اقتسما على أن لأحدهما
الخيار أياما يجوز مثلها في البيع في ذلك
الشيء فجائز وليس لمن لا خيار له منها رد وذلك
لمشترطه وإذا بنى من له الخيار أو هدم أو ساوم
الجميع فذلك رضا كالبيوع، انتهى. ص: (وغرس
أخرى إن انقلعت) ش: قال في أول رسم من سماع
ابن القاسم من كتاب الأقضية: إن سقطت
(7/413)
كغرسه بجانب
نهرك الجاري في أرضه وحملت في طرح كناسته على
العرف، ولم تطرح على حافته، إن وجدت سعة،
__________
الشجرة ونبتت فيها خلوف فالخلوف لصاحب الشجرة
ابن رشد. معناه إذا نبتت في مواضع الشجرة؛ لأن
من كانت له شجرة في أرض رجل فله موضعها من
الأرض وليس لقدر ذلك حد معلوم عند مالك وهو
بقدر ما تحتاج إليه الشجرة في شربها وأما إن
نبتت الخلوف خارجة عن قدر حق صاحب الشجرة فإن
كان له فيها منفعة بغرسها في حقه كان له قلعها
وإلا فهي لرب الأرض بقيمتها حطبا إن كان لها
قيمة وإلا فبغير شيء وإن كان بقاؤها مضرا بأصل
الشجرة كان لصاحب الشجرة قطعها بكل حال إلا أن
يقطع الذي ظهرت في أرضه العروق المتصلة حتى لا
تضر بها فله ذلك ويعطيه قيمتها إن كان لها
قيمة. انتهى. باختصار.
فرع: وعلى رب الشجرة سقيها فإن امتنع من ذلك
وكانت تشرب مع شجر صاحب البستان فالظاهر أنه
يلزمه أجرة سقيها كما قال صاحب البيان في رسم
الشجرة من سماع عيسى من جامع البيوع فيمن
اشترى زيتونة على أن يقطعها فتوانى في قطعها
حتى أثمرت، قال ابن القاسم: الثمرة لمشتري
الشجرة، قال صاحب البيان: ويكون عليه أجرة
قيامه عليها إن كان يسقيها ولم يكن المطر
يسقيها، قاله ابن القاسم في رواية ابن جعفر
عنه ويكون عليه كراء موضعها من الأرض إن كان
غائبا باتفاق وإن كان حاضرا على اختلاف،
انتهى. وقال في كتاب العرايا من المدونة: ولو
وهب ثمن حائط أو جزءا منه أو تمر نخلة معينة
سنين قبل الزهو أو أعمر ذلك لم يجز له شراء
تمرة ذلك أو بعضه بخرصه ولكن بعين أو بعرض،
والسقي في ذلك على الموهوب أو على المعرى
وعليه الزكاة إن بلغ حظه ما فيه الزكاة وإن لم
يبلغ فلا زكاة على واحد منهما، قاله ابن
القاسم، وقال أكابر أصحابنا: العرية مثل الهبة
وفرق بينهما مالك في الزكاة والسقي، انتهى.
وعلى قول مالك مشى المؤلف في باب العرايا،
والقصد
(7/414)
وجاز ارتزاقه
من بيت المال، لا شهادته.
__________
منه أن من له نخلة معينة في بستان رجل فعليه
سقي ذلك كما دلت عليه نصوص المذهب، والله
أعلم.
فرع: قال في وثائق ابن سلمون: قال في مسائل
ابن الحاج: إذا اتفق الجيران على أن يحرس لهم
جناتهم أو كرومهم فأبى بعضهم من ذلك فإنه يجبر
معهم وكذلك أفتى ابن عتاب في الدور يتفق
الجيران ويأبى بعضهم من ذلك، قال القاضي إلا
أن يقول صاحب الكرم أنا أحرسه بنفسي أو يحرسه
غلامي أو أخي فله ذلك وبذلك أفتيت، وسئلت عن
قوم لهم زرع استأجروا من يحرسه فأبى بعضهم من
ذلك، وقال: معي من يحرس زرعي، وزرع كل واحد
منهم على حدته واستأجروا من يحرسه وأبى هو من
الدخول معهم فلم يحرس له أحد حتى كمل الزرع
فأفتيت أنهم يرجعون عليه بما ينوبه من الأجرة،
قال: وأما الأجرة على الصلاة للإمام فمن أباها
من الجيران لم يجبر عليها ولا يحكم عليه بها؛
لأن الإجارة عليها مكروهة في أصلها؛ ولأن
شهودها في الجماعة سنة لا فريضة وينبغي في
أجرة الجمعة أن تلزم من أباها؛ لأن شهودها
فرض. انتهى. ص: (لا شهادة) ش: قال في المدونة
في كتاب الأقضية: ولا تجوز شهادة القسام على
ما قسموا، انتهى. يريد بعد عزل القاضي الذي
بعثه، قال ابن الحاجب: ولا يقبل قولهما بعد
العزل، قال في التوضيح: لا يقبل قولهما بعد
عزل القاضي الذي بعثهما، انتهى. وحاصل المسألة
أن شهادة القسام فيما قسموه بأمر القاضي جائزة
عنده ولو كان ذلك بعد إنفاذ الحكم بالقسمة عند
اختلاف الورثة وضياع المستند الذي فيه القسمة
ولا تجوز شهادتهم عند غير من أمرهم لا وحدهم
ولا مع غيرهم، قاله ابن عرفة ناقلا عن ابن رشد
وعن النوادر، قال: وكذلك العاقد والخاطب
والمحلف والكاتب والناظر للعيب، والله أعلم.
مسألة: قال البرزلي: وسئل ابن أبي زيد عن
الأندار إذا جمعتهم السيول في موضع واحد بعد
الخلط فقيل: يقبل قول الحراثين إذا قالوا هذا
أندر فلان وقالوا رأيناه وقد قلع الماء إياه
وكيف قسمة الشعير والزيتون عند الخلط وهل يصدق
كل واحد منهم عما كان في أندره ويحلف أو لا
فأجاب إن كان إنما اختلط بشهادة الحراثين وهم
عدول فهي جائزة وأما غير العدول فشهادتهم غير
جائزة وأرباب الزيتون والعصر إن تقارروا بينهم
على شيء معلوم فهو كذلك وإن تجاهلوا فليس إلا
الإصلاح
(7/415)
وفي قفيز أخذ
أحدهما ثلثيه، والآخر ثلثه، لا إن زاد عينا،
أو كيلا لدناءة،
__________
قلت: كثيرا ما يقع عندنا بتونس تأتي السيول
بالزيتون في تلك الأودية وحكمه هكذا وكذا ما
اختلط على أيدي اللصوص من الزرع والزيتون على
هذا المنوال وكذا ما وقع في الرواية في السفن
إذا اختلط فيها الطعام المشحون فإنه يقبل كل
واحد فيما ذكر بعد يمينه إذا ادعى ما يشبه
وهذا كله يجري على أصل واحد، انتهى. وانظر
مسائل اللقطة فيه ص: (وفي قفيز أخذ أحدهما
ثلثيه إلخ) ش: قال في المدونة: ولا يجوز في
قسم تمر الحائط تفضيل أحد في الكيل لرداءة حظه
ولا التساوي في المقدار على أن يؤدي آخذ الجيد
ثمنا لصاحبه ولا يجوز بيع حنطة ودراهم بمثلها
ولو اقتسما ثلاثين قفيزا قمحا وثلاثين درهما
على إن أخذ أحدهما الدراهم وعشرة أقفزة وأخذ
الآخر عشرين قفيزا فإن كان القمح مختلفا سمراء
ومحمولة أو نقيا ومغلوثا لم يجز وإن تساوى
القمح في النقاء والجودة والجنس أو كان من
(7/416)
وفي كثلاثين
قفيزا، أو وثلاثين درهماً: أخذ أحدهما عشرة
دراهم، وعشرين قفيزا إن اتفق القمح صفة ووجب
غربلة قمح لبيع إن زادت غلته على الثلث وإلا
ندبت وجمع بز، ولو: كصوف، وحرير، لا كبعل وذات
بئر أو غرب وثمر أو زرع، إن لم يجذاه:
__________
صبرة يتفق أعلاها وأسفلها فذلك جائز بخلاف
المتبايعين؛ لأن هنا لم يأت أحدهما بطعام
والآخر بطعام ودراهم فيكون فاسدا. ولو قسما
مائة قفير قمحا ومائة شعيرا فأخذ ستين قمحا
وأربعين شعيرا وأخذ الآخر ستين شعيرا وأربعين
قمحا فذلك جائز، قال الشيخ أبو الحسن: جعل
(7/417)
كقسمه بأصله،
أو قتا أو زرعا أو فيه فساد كياقوتة، أو
كجفير، أو في أصله بالخرص: كبقل إلا الثمر أو
العنب إذا اختلفت حاجة أهله،
__________
القسمة هنا تمييزا فلذلك أجازها يدل عليه
قوله؛ لأن أحدهما لم يأت بطعام إلخ ولو جعلها
بيعا لمنع كما قال في السلم فيما إذا أخرج
أحدهما مد قمح ومد شعير والآخر مثله إنه لا
يجوز. ص: (أو فيه فساد كياقوتة أو كجفير) ش:
كذا في كثير من النسخ "أو كجفير" بالجيم
والفاء وبعدها ياء ثم راء وفي بعضها "كخفين"
تثنية خف. فعلى النسخة الأولى يكون المعنى
ظاهرا وهو أن ما يفسد بالقسمة لا يجوز قسمه لا
بالقسمة ولا بالمراضاة وذلك اللؤلؤة والفص
والخاتم وجفير السيف وأما على النسخة الثانية
فلا يخلو الكلام عن إشكال؛ لأنه لا يخلو إما
(7/418)
وإن بكثرة أكل،
وقل وحل بيعه واتحد من بسر أو رطب: لا تمر.
وقسم بالقرعة بالتحري كالبلح الكبير وسقى ذو
الأصل كبائعه المستثني ثمرته حتى يسلم،
__________
أن يكون المنفي قسمة القرعة فيفهم منه أن قسمة
المراضاة جائزة في الياقوتة والخفين جميعا
وليس كذلك؛ لأن قسم اللؤلؤة والفص والخاتم
والياقوتة لا يجوز بالمراضاة ولا بالقرعة،
وإما أن يكون المنفي القسمة مطلقا فيفهم منه
أن الخفين لا ينقسمان بالمراضاة وليس كذلك بل
يجوز قسم الخفين والنعلين والمصراعين والباب
والثوب الملفق من قطعتين والرحا بالمراضاة،
قاله في المدونة، وقال أبو الحسن في قسم الرحا
بأن يأخذ هذا حجرا وهذا حجرا قلت ومثله الكتاب
من سفرين أو أسفار، والله أعلم. ومثله
السواران والقرطان كما قاله ابن رشد في رسم
استأذن من سماع عيسى من كتاب الصرف فيما إذا
ظهر العيب بأحد المزدوجين فإنه كظهوره فيهما
جميعا، وقال ابن راشد في اللباب في باب
القسمة: وما له أخ لا يقسم إلا بالتراضي،
انتهى.
(7/419)
أو فيه تراجع،
إلا أن يقل، أو لبن في ضروع، إلا لفضل بين، أو
قسموا بلا مخرج مطلقا، وصحت، إن سكتا عنه،
ولشريكه الانتفاع
__________
وقال الرجراجي: وما له زوج لا يستغني أحد عن
صاحبه كالخفين والبابين والغرارتين فلا يقسم
بين الشريكين إلا بالتراضي، انتهى، والله
أعلم. ص: (أو فيه تراجع إلا أن يقل) ش: يعني
أنه لا يجوز قسم القرعة إذا كان فيها تراجع
إلا أن يكون ذلك قليلا، قال في الرسالة: وقسم
القرعة لا يكون إلا في صنف واحد ولا يؤدي أحد
الشريكين ثمنا وإن كان في ذلك تراجع لم يجز
القسم إلا بتراض، انتهى. وقال في المدونة: ولا
يجوز أن يجعلوا دنانير ناحية وما قيمة مثلها
ناحية من ربع أو عرض أو حيوان ويقرعوا وأما
بالتراضي بغير قرعة فجائز، قال الشيخ أبو
الحسن: تقدم ما للخمي ويشير إلى ما قدمه عنه
في أول كتاب القسمة ونصه: وإن اختلفت قيمة
الدارين فكان بينهما يسير مثل أن يكون قيمة
أحدهما مائة والأخرى تسعين فلا بأس أن يقترعا
على من صارت له التي قيمتها مائة أعطى صاحبها
خمسة دنانير؛ لأن هذا مما لا بد منه ولا يتفق
في الغالب أن يكون قيمة الدارين سواء. الشيخ.
انظر هذا الذي قاله اللخمي مع ما في الرسالة
وما تقدم لعياض أن يقال معنى ما قال أبو محمد:
تراجع كثير، انتهى. وما قدمه عن عياض هو ما
ذكره في أول كتاب القسمة لما تكلم على قسمة
القرعة، فقال: ولا يجوز تعديل السهام بزيادة
دراهم أو دنانير أو غير ذلك من غير جنس
المقسوم من إحدى الجهتين، انتهى. وقال ابن
عرفة بعد أن نقل كلام اللخمي قلت: ظاهر
الروايات منع التعديل في قسم القرعة بالعين،
انتهى. وجزم المصنف في التوضيح بما قاله
اللخمي ونصه: فرعان، الأول: اختلف في قسم
العلو والسفل بالقرعة، الثاني: يجوز في القرعة
أن يكون بينهما الشيء اليسير كما لو كانت قيمة
أحدهما مائة والأخرى تسعين إلى آخر كلام
اللخمي، والله أعلم. ص:
(7/420)
ولا يجبر على
قسم مجرى الماء، وقسم بالقلد: كسترة بينهما،
__________
(ولا يجبر على قسم مجرى الماء) ش: قال في كتاب
القسمة من المدونة: فإن ورثوا قرية على أجزاء
مختلفة ولها ماء ومجرى ماء ورثوا أرضها وماءها
وشربها وشجرها قسمت الأرض بينهم على قدر
مواريثهم منها ولا يقسم مجرى الماء ويكون لهم
من الماء على قدر مواريثهم منه، انتهى. أبو
الحسن. أطلق المجرى هنا على الماء الجاري ولم
يرد موضعه الذي يجري فيه ومثله في كتاب الغرر
لا يجوز أن يشتري مسيل ميزاب أي الماء الذي
يسيل منه، انتهى. ثم قال في آخر كتاب القسمة
من المدونة: ولا يقسم أصل العيون والآبار ولكن
يقسم شربها بالقلد، انتهى. ونقله عياض بلفظ
"ولم تقسم الآبار" ولم أسمع واحدا يقول إن
العيون والآبار تقسم ولا أرى
(7/421)
ولا يجمع بين
عاصبين، إلا برضاهم، إلا مع، كزوجة، فيجمعوا
أولا: كذي سهم، وورثة، وكتب الشركاء، ثم رمى،
أو كتب المقسوم، وأعطى كلا لكل،
__________
أن يقسم إلا على الشرب، انتهى. ثم قال: ظاهر
المذهب أنه أراد قسم الواحد منها فإن الواحد
منها إذا اعتدل في القسم قسم وهو قول سحنون
وتأويله على الكتاب وهو قول ابن نافع وابن
حبيب وحمل ابن لبابة منع القسم فيها على
العموم واستدل بمخالفته في الآبار والعيون ولا
أرى أن يقسم إلا على الشرب ولم يقل فيهما بل
قال في المآجل ولم يفرق بين قليلها وكثيرها،
قال عياض: ولا حجة لبينته في هذا؛ لأنه إنما
تكلم على ماجل واحد وهو يمكن إذا قسم وكان
كثيرا أن يصير منه مآجل ولا يمكن أن يصير
العين عيونا ولا البئر آبارا فظاهر كلامه أنه
إنما أراد العين الواحدة والبئر الواحدة وأنه
لا يمنع قسم الكثير كما، قال سحنون ومن معه،
انتهى.
(7/422)
ومنع اشتراء
الخارج، ولزم، ونظر في دعوى جور أو غلط، وحلف
المنكر، فإن تفاحش أو ثبتا:
__________
ويشهد لقول سحنون ومن معه قوله في أوائل
القسمة فإن ورث قوم أراضي وعيونا كثيرة فإن
أراد أحدهم قسم كل عين وأرض وأراد غيره اجتماع
حصته من ذلك فإن استوت الأرض في الكرم والعيون
في الغرر قسمت كل أرض وعيونها على حدة، انتهى.
ص: (ومنع اشتراء الخارج) ش: قال الشارح: يعني
أنه لا يجوز لأجنبي أن يشتري ما يخرج لأحدهم
بالسهم وهو مراده بالخارج وهكذا قال في
المدونة وزاد؛ لأنه لا شرك له في ذلك وإنما
جاز ما أخرج السهم في تمييز حظ الشريك خاصة؛
لأن القسمة عند مالك بالقرعة ليست من البيوع،
انتهى. وظاهر كلامه رحمه الله يوهم أنه يجوز
للشريك اشتراء الخارج وكذلك لفظ المدونة وليس
كذلك وإنما أراد التفرقة بين جواز القسمة في
تمييز حظ كل واحد وعدم جواز البيع، قال أبو
الحسن في شرح كلام المدونة: هذا جواب سؤال
مقدر كأنه قيل: لم أجزت ما أخرج السهم بالقسم
لأحد الشريكين ولم تجزه لأجنبي وكلاهما مبيع؛
لأن كل واحد من المتقاسمين باع بعض نصيبه ببعض
نصيب الآخر وذلك مثل قسمة المجهول؛ إذ لا يدري
أيهما يصير له وما قدره كالأجنبي، فقال: وإن
كانت القسمة عند مالك بيعا فإن القسمة تفارق
البيع في بعض الحالات وقوله: "إذ لا شركة له"
إنما ذكر هذا التفريق بين الشريك والأجنبي
وكذلك لا يجوز للشريك شراء ما يخرج بالسهم
لشريكه، انتهى. والله أعلم. ص: (فإن تفاحش أو
ثبت نقضت) ش: أي ثبت الجور والغلط، قال أبو
الحسن الصغير في أول كتاب القسمة، قال الباجي
في وثائقه: إنما يرجع بالغبن في القرب، انتهى.
وقال في معين الحكام، قال بعض الأندلسيين:
وأما ما يقام بالغبن فيما قرب وأما ما بعد
أمره وطال تاريخه فلا يقام فيه بغبن، انتهى.
وقال ابن سهل عن أبي إبراهيم: وحد ذلك العام
ويفيته أيضا البناء والغرس، انتهى. وقال
(7/423)
نقضت:
كالمراضاة إن أدخلا مقوما،
__________
في معين الحكام أيضا: وإذا ثبت الغبن في
القسمة انتقضت ما لم تفت الأملاك ببناء أو هدم
أو غير ذلك من وجوه الفوات فإن فاتت الأملاك
بما ذكرنا رجعا في ذلك إلى القيمة يقتسمونها
وإن فات بعضه وبقي سائره على حاله اقتسم ما لم
يفت مع قيمة ما فات، انتهى. ص: (كالمراضاة إن
أدخلا مقوما) ش: نحو هذه العبارة نقلها أبو
الحسن عن أبي عمران ونصها: قال ابن حبيب: وإذا
ادعى أحدهما الغلط بعد القسم فإن قسموا
بالتراضي بلا سهم وهم حائز والأمر فلا ينظر
إلى دعوى ذلك وإن كان الغلط ببينة أو بغير ذلك
من أمر ظاهر؛ لأنه كبيع التساوم يلزم فيه
التغابن وإن قسم بالسهم على تعديل القسم فلا
يقبل قوله إلا ببينة أو يتفاحش الغلط فترد فيه
القسمة كبيع المرابحة، قال أبو عمران: إنما
يصح قول ابن حبيب على وجه وهو إذا تولوا
القسمة بأنفسهم وأما إن أدخلوا بينهم من يقوم
لهم ثم ظهر فيها الغبن فسخت القسمة بينهم؛
لأنا وإن سميناه تراضيا فلم يدخلوا فيه إلا
على التساوي، انتهى. وظاهرها أن الشركاء إذا
لم يدخلوا مقوما وإنما قوموا لأنفسهم أنه لا
يقام في ذلك بالغبن والظاهر أن ذلك ليس بمراد
وإنما المراد أن قسمة المراضاة إذا كانت
بتعديل وتقويم فإنما يقام فيها بالغبن، قال
اللخمي: دعوى الغلط بعد القسم على أربعة أوجه،
أحدها: أن يعدل ذلك بالقيمة ثم يقترعا أو يأخذ
ذلك بغير قرعة ثم يدعي أحدهما غلطا فهذا ينظر
إليه أهل المعرفة فإن كان سواء أو قريبا من
السواء وإلا نقض القسم وكان القول قول من ادعى
الوهم والغلط، والثاني: أن يقولا هذه الدار
تكافئ هذه وهذا العبد يكافئ هذا من غير ذكر
القيمة ثم يقترعان أو يأخذان ذلك بغير قرعة
والجواب فيه كالأول؛ لأن مفهوم ذلك التعديل
والمساواة في القيم وكذلك إذا قالوا هذه الدار
تكافئ هذا المتاع أو هذه العبيد ثم أخذ كل
واحد منهم أحد الصنفين بالتراضي بغير قرعة ثم
تبين أن القيمة غير مختلفة، والثالث: أن يقول
أحدهما خذ هذه الدار وهذا العبد من غير تقويم
ولا ذكر مكافأة فإن كانت القسمة بالتراضي مضت
المغابنة على ما كانت في نصيبه إلا على قول من
لم يمضها في البيع وإن كانت القسمة بالقرعة
وهما عالمان بتغابنهما كانت فاسدة تفسخ بالجبر
وإن لم يدع واحد منهما إليه؛ لأن القرعة على
ذلك غرر وإن كانا يظنان أنها متساوية كانت
جائزة والقيام في ذلك كالعيب والرابع أن
يختلفا في الصفة التي وقع القسم عليها مثل أن
يقتسما عشرة أثواب فكان بيد أحدهما ستة، وقال:
هي نصيبي على هذا اقتسمنا، وقال الآخر: الواحد
منها لي وأنا سلمته غلطا فاختلف فيه على ثلاثة
أقوال، وقال ابن القاسم: القول قول الحائز له
مع يمينه إذا أتى بما يشبه؛ لأن الآخر أقر
بالقسم وادعى ما في يد صاحبه، وقال أشهب:
القول قول الحائز مع يمينه، وقال محمد بن
(7/424)
وأجبر لها كل،
إن انتفع كل
__________
عبدوس: يتحالفان ويتفاسخان ذلك الثوب وحده ثم
ذكر كلاما لابن حبيب في هذا. القسم الرابع:
قال الرجراجي: إذا ادعى أحدهم الغلط في القسمة
فذلك على وجهين، أحدهما: أن يلوا القسم
بأنفسهم، والثاني: أن يقدموا من يقسم بينهم
فإن تولوا القسم بأنفسهم ثم ادعى أحدهم الغلط
فذلك على أربعة أوجه وذكر هذه الأوجه الأربعة
التي ذكرها اللخمي ثم قال: وأما إذا قدموا من
يقسم بينهم فادعى أحدهم أن القاسم جار أو غلط،
فقال ابن القاسم في المدونة: لا يلتفت القاسم
إلى قولهم وليتم قسمته فإذا فرغ منها نظر
السلطان فيها فإن وجدها على التعديل مضى ما
قسم ولا يرد فإن رضي جميعهم برده ونقضه
ليستأنفا القرعة أو التراضي بقسمته مرة أخرى
لم يجز؛ لأنهم ينتقلون من معلوم إلى مجهول وهو
ما يخرج لهم في المستقبل ولو تراضوا بنقضه
بشرط أن يأخذ كل واحد شيئا معلوما معينا جاز
وإن وجد السلطان غبنا فاحشا نقضه قولا واحدا
وإن كان غير فاحش، فقال ابن القاسم في
المدونة: إنه يرد، وقال أشهب: لا يرد، انتهى.
وقال في التنبيهات: القسمة على أربعة أضرب:
قسمة حكم، وإجبار وهي قسمة القرعة، وقسمة
مراضاة وتقويم، وقسمة مراضاة على تعديل وحكم
هذه حكم البيوع في كل وجه ولا يرجع فيها بغبن
على القول أنه لا يرجع في البيوع ويرجع بالغبن
في الوجهين الأولين ويعفى عن اليسير في ذلك في
قسمة المراضاة واختلف في اليسير في قسمة
القرعة كالدينار والدينارين من العدد الكثير
فذهب ابن أبي زيد وبعضهم إلى أنه معفو عنه
وأبى ذلك آخرون وقالوا تنقض القسمة؛ لأنه خطأ
في الحكم يجب فسخه ولا يفرق فيه بين القليل
والكثير، انتهى. ونحوه لابن ناجي كما نقله ابن
عرفة، والله أعلم. ص: (وأجبر لها كل إن انتفع
كل) ش: فلا يقسم الفرن والرحى والمعصرة فلو
خربت أرضه حتى صارت براحا لا بناء فيها فهل
تقسم؟ انظر البرزلي في أوائل القسمة فإنه حكى
في ذلك خلافا وتقدم بعض كلامه في باب الشركة
وسئلت عمن له سهمان وخمسة أسهم في أرض متعددة
بعضها مشتمل على نخل وهي كلها بوادي نخلة
وسقيتها ثلاث وجبات وثلث فطلب من شركائه
القسمة بأن يقوموا الأرض ويعطوه من ذلك قطعة
بقدر ما يخصه فإن فضل له شيء أخذه وإن فضل
عليه شيء سلمه، وقال له شركاؤه: ما نعطيك إلا
قدر حصتك من كل أرض ونخل فأجبت بجمع الأراضي
التي فيها النخل على حدة إذا كانت متقاربة
بحيث يكون بينهما كالميل ونحوه وكانت متساوية
في النفاق والرغبة فيها وكذلك تجمع الأراضي
التي لا نخل فيها إذا كانت متقاربة كذلك وكانت
متساوية في النفاق والرغبة
(7/425)
وللبيع إن نقصت
حصة شريكه مفردة لا: كربع غلة أو اشترى بعضا،
__________
ويقسم كل صنف على حدته إذا كان يحصل لأقل
الشركاء حصة بشيء ينتفع به فإن لم يحصل له شيء
ينتفع به لم يجبر على القسم فإن دعا أحد
الشركاء إلى البيع جبر له بقية الشركاء إذا
كانت حصته تنقص إذا بيعت مفردة وليس لشركائه
أن يقولوا له نعطيك من كل قطعة في الأرض بقدر
حصتك إذا كان لا ينتفع بذلك إما تراضوا على أن
يقوموا الأراضي ويعطوه قطعة منها إما بقدر حقه
أو بأقل أو بأكثر وإلا بيع عليهم، والله أعلم.
ص: (وللبيع إن نقصت حصة شريكه مفردة لا كربع
غلة أو اشترى بعضا) ش: يعني وأجبر الشركاء
لبيع الشيء المشترك من عقار وحيوان وعروض إذا
لم يمكن قسمه وكانت حصة أحدهم إذا بيعت مفردة
نقص ثمنها، قال ابن عرفة: إذا دعا أحدهم لقسم
ثوب بينهما لم يقسم وقيل لهما: تقاوماه بينكما
أو بيعاه فإن استقر على ثمن فلمن أبى البيع
أخذه وإلا بيع وفيها أيضا وإن لم ينقسم ما
بينهم من ربع أو حيوان أو عرض وشركتهم بميراث
أو غيره فمن دعا إلى بيعه جبر عليه من أباه ثم
للآبي أخذ الجميع بما يعطى فيه، انتهى. وانظر
كلام ابن غازي فإنه جامع حسن، وقال في آخر
كتاب البيوع من النوادر، قال ابن حبيب، قال
ابن الماجشون وأصبغ في الشيء لا ينقسم بين
الرجلين فيريد أحدهما المقاومة فيه، قال: لا
يلزم صاحبه المقاومة فيه وعليه أن يبيع معه
وإن رضيا بالمقاواة تقاوياه بينهما بالمزايدة
وبما أحبا بلا قيمة ولا يقوم بقيمته ثم
يتزايدان عليها وإذا أمر بالبيع معه فإذا بلغ
فمن شاء أخذه منها بذلك ومن شاء تركه ولو باع
أحدهما نصيبه وحده مضى ذلك ولم يكن له أخذه
بالثمن ليعمل مع من دار له إن شاء كما كان
يعمل مع الشريك الأول يريد إن لم يقم بالشفعة
فيما فيه شفعة ولم يكن بائعا معه، انتهى. وقد
تقدم في كلام ابن رشد أن أحد الشريكين أحق
بالشيء المشترك بالثمن الذي يأخذه الغير بلا
خلاف قبل البيع فإن وقع البيع مضى وإن لم يكن
أحق به إلا فيما فيه الشفعة وكذلك الكراء
وانظر المدونة في كتاب القسمة أيضا.
فرع: قال في النوادر في الجزء الثاني من كتاب
الأقضية في القضاء على الغائب: وكتب شجرة إلى
سحنون في عبد بين رجلين غاب أحدهما وقام شريكه
يطلب بيع نصيبه، قال: إن قربت غيبته استؤني
حتى يحضر فيقاومه أو يجتمعا على البيع وإن
بعدت غيبته فليبع
(7/426)
وإن وجد عيبا
بالأكثر فله ردها، فإن فات ما بيد صاحبه
بكهدم: رد نصف قيمته يوم قبضه، ما
__________
للحاضر العبد وتوقف حصة الغائب من الثمن،
انتهى. ونقله أيضا ابن بطال في المقنع في باب
القضاء على الغائب وذكر البرزلي في مسائل
القسمة عن المازري أن القاضي يبيع ما لم ينقسم
من العقار إذا كان الشريك غائبا ويوقف ثمنه
له.
فرع: إذا طلب أحد الشركاء إخلاء الدار قبل
القسمة أو قبل البيع، وقال الآخر: تقسم وأنا
فيها أو ينادى عليها وأنا فيها انظر ذلك في
مسائل القسمة من البرزلي وانظرها في مسائل
الدعوى والحيازات عن ابن سهل والتوضيح وبهرام
في هذا المحل وتقدم الكلام على ذلك في باب
الشركة، والله أعلم. ص: (وإن وجد عيبا بالأكثر
فله ردها) ش: يريد ونصيب صاحبه السالم لم يفت
يدل عليه قوله: "فإن فات" وقوله: "بالأكثر"
يريد وكذلك وجه الصفقة ولو لم يكن الأكثر، قال
ابن الحاجب: فلو ظهر عيب في وجه نصيبه ولم يفت
الباقي فله رد الجميع، انتهى. قاله ابن عبد
السلام وكما له الرد باطلاعه على العيب في وجه
ما أخذ فكذلك يكون له الرد باطلاعه على العيب
في أكثره، انتهى. وفي المدونة ما نصه باختصار
ابن عرفة: وفيها إن وجد أحد الشريكين بعد
القسم في حظه عيبا فإن كان المعيب وجهه أو
أكثر رد الجميع وابتدأ القسم فإن فات ما بيد
صاحبه رد قيمته يوم قبضه يقتسمانها مع المردود
وإن كان الأقل رده ولم يرجع فيما بيد شريكه
وإن لم يفت فإن كان المعيب سبع ما بيده رجع
على صاحبه بقيمة نصف سبع ما أخذ ثمنا ثم
يقتسمان المعيب كان قسم قرعة أو تراض، انتهى.
وقول المؤلف: "فله ردها" ابن الحاجب: "فله رد
الجميع" الظاهر أن اللام فيه للإباحة وانظر ما
يقابل قولهما: "فله رد الجميع" هل وله المعيب
ويرجع بنصف ما يخصه ثمنا كما في عيب الأقل أم
لا أو له التمسك بما حصل له فقط من غير رد وهو
الذي يظهر من لفظ المدونة فتأمله، والله أعلم.
ص: (فإن فات ما بيد صاحبه بكهدم رد نصف قيمته
يوم قبضه وما سلم بينهما) ش: لا يدخل في قوله:
"كهدم البيع" وإن كان قد ذكره أبو سعيد في
تهذيبه؛ لأن القاضي عياضا تعقبه ونقله عنه في
التوضيح وكذلك حوالة الأسواق، قال في المدونة:
وليس حوالة الأسواق في الدور فوتا، انتهى.
وقال ابن عرفة: ولو اقتسما قمحا فظهر عيب بحظ
أحدهما بعد طحنه ففي رد قيمته أو مثله ثالثها
يكون شريكا بقيمة الطحن في الدقيق وما بقي
وحصة الآخر بينهما لها ولابن عبدوس عن أشهب
سحنون: ليس الطحن بفوت فكذا في الخشب، انتهى،
والله أعلم. وقوله: "يوم قبضه" قال ابن عبد
السلام: إن كان معناه أن يوم القبض هو يوم
البيع فصحيح وإلا فانظر هل يقال: القيمة في
البيع الصحيح يوم البيع وهذا بيع صحيح، أو
يقال: لما انتقضت القسمة انتقض البيع فلا يضمن
إلا يوم القبض، انتهى. قال ابن
(7/427)
سلم بينهما،
وما بيده رد نصف قيمته وما سلم بينهما، وإلا
رجع بنصف المعيب مما بيده ثمنا، والمعيب
بينهما.
__________
عرفة: هذا هو الصحيح وعليه حمله الأشياخ ونحوه
قول الغير في النكاح الثاني إذا وهبت المرأة
صداقها ثم طلقها قبل البناء أنه يرجع عليه
بقيمة ذلك يوم قبضه ولابن القاسم يوم وهبته؛
لأنها لا تضمن هلاكه بأمر من الله وهنا يضمنه
بذلك من هو في يده، انتهى.
فرع: قال ابن عرفة: ابن حبيب: إن فات بعضه رد
قيمة ما فات وإن فات نصف المعيب رد نصفه.
فرع: فإن فات النصيبان معا فإنه يرجع على من
أخذ السالم بنصف ما زادت قيمته على قيمة
المعيب، قاله ابن عبد السلام وهو ظاهر. ص:
(وما بيده رد نصف قيمته) ش: قال ابن عبد
السلام يوم القبض على ما تقدم، انتهى. فإن فات
بعضه فقد تقدم فرق هذا عن ابن عرفة، والله
أعلم. ص: (وما رد بينهما) ش: كذا في بعض النسخ
ويعني به ما رد بسبب العيب الذي اطلع عليه وفي
بعض النسخ: "وما سلم بينهما" ويعني به أيضا
المعيب الذي اطلع عليه وعبر عنه بقوله: "وما
سلم" أي ما سلم من الفوات في مقابلة نصيب
صاحبه الذي فات فتأمله، والله أعلم. ص: (وإلا
رجع بنصف المعيب مما في يده ثمنا والمعيب
بينهما) ش: يشير إلى قوله في المدونة وإن كان
المعيب الأقل رده ولم يرجع فيما بيد شريكه وإن
لم يفت إذا لم ينقض القسم ولكن ينظر فإن كان
المعيب قدر سبع ما بيده رجع على صاحبه بقيمة
نصف سبع ما أخذ ثمنا ثم يقتسمان هذا المعيب،
انتهى. فقوله: "بنصف المعيب" فيه حذف مضافين
والتقدير بنصف قيمة مثل المعيب وقوله: "مما في
يده" من السالم الذي في يد شريكه كما، قال في
المدونة: وهذا أبين من قول المصنف: "فيه حذف
مضافين" أي بمثل قيمة نصف المعيب من الصحيح،
والله أعلم.
تنبيه: هذا ظاهر إذا كان المعيب متميزا عن
السالم وأما إذا كان المعيب يعم جميع
(7/428)
وإن استحق نصف
أو ثلث: خير لا ربع، وفسخت في الأكثر:
__________
ما أخذه أحدهما لكنه ينقص ثمنه يسيرا فلا
يتأتى شيء منه على من أخذ السالم لكن يرجع
بنصف قيمة ما زاده السالم على المعيب، قاله
ابن عبد السلام ولم يتعرض المؤلف في هذا الشق
لتفريق الفوات من غيره أما فوات نصيب السالم
نصيبه من المعيب فهو مساو لعدم فواته كما،
قاله في المدونة ونقله عنه غير واحد وأما فوات
نصيب المعيب نصيبه فالظاهر أن حكمه حكم ما إذا
كان العيب يعم جميع النصيب لكنه ينقص من ثمنه
يسيرا وهو والله أعلم. المشار إليه بقوله في
المدونة: ولو بنى أحدهما في حصته من الدار
وهدم بعد القسمة ثم وجد عيبا فذلك فوت ويرجع
بنصف قيمة العيب ثمنا على ما فسرنا، انتهى،
والله أعلم. ص: (وإن استحق نصف أو ثلث خير لا
ربع وفسخت في الأكثر) ش: ظاهر كلامه أنه لا
فرق بين أن يكون المستحق شائعا من جميع
المقسوم أو من حصة أحدهم أو معينا وليس كذلك
وإنما هذا الحكم فيما إذا استحق معين أو شائع
من حصة أحدهم فيفصل فيه على ما ذكر وفيه ما
نبه عليه ابن غازي وغيره وأما إذا استحق جزء
شائع من جميع المقسوم فلا كلام لأحد الشريكين
على صاحبه؛ لأنه استحق من نصيب أحدهما مثل ما
استحق من نصيب الآخر وهذا ظاهر وقد أشار إلى
ذلك ابن الحاجب بقوله وإن استحق بعض معين
واعلم أن مسألة وجود العيب والاستحقاق ببعض
الأنصباء بعد القسمة، قال عياض في التنبيهات:
جاءت فيها ألفاظ مشكلة وأجوبة مختلفة ومقالات
مطلقة واضطرب بسببها تأويل الشيوخ ومذاهبهم في
تحقيق مذهبه في ذلك، انتهى. وقد لخص في اللباب
من ذلك كلاما ونصه: إذا وقع الاستحقاق في شائع
ينقض القسم واتبع المستحق كل وارث بقدر ما صار
من حقه ولا يتبع المليء على المعدم وإن استحق
نصيب أحدهم بعينه فإن استحق جميعه رجع فيما
بيد شريكه كأن الميت لم يترك
(7/429)
كطرو غريم، أو
موصى له بعدد على ورثة، أو على وارث، وموصى له
بالثلث، والمقسوم: كدار، وإن كان عينا أو
مثليا رجع على كل، ومن
__________
غيره وإن استحق بعضه فثلاثة لابن القاسم، قال:
مرة ينتقض القسم كله إن كان المستحق كثيرا وإن
كان يسيرا رجع بقيمته، وقال: مرة يرجع فيساوي
صاحبه فيما بيده بقدر نصف ذلك كان المستحق
كثيرا أو قليلا، وقال مرة ينتقض في الكثير
ويرجع في اليسير شريكا.
تنبيه: مسائل العيب والاستحقاق وقعت فيها
ألفاظ مختلفة في المدونة وأجوبة مختلفة اضطربت
فيها مسائل الشيوخ في تحقيق مذهبه وقد نبه
عليها القاضي عياض في تنبيهاته، قال بعض
الشيوخ: والذي يظهر من مذهبه المعلوم في البيع
أن الثلث فأزيد كثير يرد منه البيع وأن القسمة
تستوي مع البيع في اليسير الذي لا يردان منه
وهو الربع فما دونه وفي الجل الذي يرد فيه
البيع وتفسخ معه القسمة ويفترقان في النصف
والثلث ونحوهما فيرد البيع بذلك ولا تفسخ
القسمة باستحقاق النصف أو الثلث ويكون بذلك
شريكا فيما بيد صاحبه وكذلك العيب ابن يونس
وهذا تحصيل حسن وليس في مسائل الباب ما يخالفه
إلا مسألة الدار يأخذ أحدهما ربعها والآخر
ثلاثة أرباعها فيستحق نصف نصيب أحدهما فإنه
قال: يرجع بقيمة ذلك فيما بيد صاحبه ولو قال:
"يرجع فيما بيد صاحبه" لاستوت المسائل وحسن
التأويل ولم يكن في الكلام تناقض، انتهى كلام
اللباب بلفظه. ص: (كطرو غريم أو موصى له بعدد
على ورثة أو وارث وموصى له بالثلث، والمقسوم
كدار وإن كان عينا أو مثليا رجع على كل ومن
(7/430)
أعسر: فعليه إن
لم يلعموا، وإن دع جميع الورثة مضت: كبيعهم
بلا غبن، واستوفى مما وجد ثم تراجعوا. ومن
أعسر: فعليه إن لم يعلموا،
__________
أعسر فعليه إن لم يعلموا وإن دفع جميع الورثة
مضت كبيعهم بلا غبن واستوفى مما وجد ثم
تراجعوا ومن أعسر فعليه إن لم يعلموا) ش: ذكر
رحمه الله أربع مسائل، الأولى: أن يطرأ غريم
على الورثة بعد أن اقتسموا التركة. الثانية:
أن يطرأ موصى له بعدد على الورثة بعد القسمة
أيضا، الثالثة: أن يطرأ غريم على الورثة
والموصى لهم بالثلث بعد القسمة، الرابعة: أن
يطرأ موصى له بعدد على الورثة والموصى لهم
بالثلث بعد القسمة أيضا، وذكر أن الحكم في
الصور الأربع نقض القسمة؛ لأنه شبهها بمسألة
استحقاق الأكثر حيث قال: وفسخت في الأكثر كطرو
غريم إلخ، إلا إن شرط في نقض القسمة أن يكون
المقسوم دارا أو ما يشبه الدار
(7/431)
__________
يريد المقومات كالعبيد والثياب ونحوها واحترز
بذلك مما لو كان المقسوم عينا أو مثليا فإن
القسمة لا تنقض كما صرح به في قوله: "وإن كان
عينا أو مثليا رجع على كل من الورثة بحصته".
ويشترط في نقض القسمة إذا كان المقسوم كدار أن
لا يدفع الورثة يريد أو أحدهم جميع الدين فإن
دفعوا الدين من أموالهم أو دفع بعضهم لم تنتقض
وكذلك إذا دفعوا العدد الموصى به لم تنتقض
القسمة وهذا الشرط يفهم من قول المصنف: "وإن
دفع جميع الورثة مضت" وأما قول المؤلف في
مسألة ما إذا كان المقسوم عينا أو مثليا أن من
أعسر فعليه إن لم يعلموا فمشكل؛ لأنه يقتضي أن
الورثة إذا اقتسموا التركة وكانت عينا أو
مثليا ثم طرأ عليهم غريم فوجد بعضهم موسرا
وبعضهم معسرا فإنه إنما يرجع على الموسر بحصته
ويتبع المعسر بحصته إذا لم يكونوا عالمين
بالدين وليس كذلك وإنما يكون هذا فيما إذا طرأ
غريم على غرماء أو وارث على ورثة أو موصى له
على موصى لهم وأما إذا طرأ الغريم على الورثة
فإنه يرجع على المليء منهم بجميع الدين حتى
يستوفي جميع ما أخذه الوارث ثم يتبع الوارث
بقية الورثة سواء علموا بالدين أو لم يعلموا
ومثله في الإشكال قوله بعد: "ومن أعسر فعليه
إن لم يعلموا" قال في كتاب القسمة من المدونة:
ومن هلك وعليه دين وترك دورا ورقيقا وصاحب
الدين غائب فجهل الورثة أن الدين قبل القسمة
أو لم يعلموا بالدين فاقتسموا ميراثه ثم علموا
بالدين فالقسمة ترد حتى يستوفى الدين إن كان
ما اقتسموا قائما فإن أتلف بعضهم حظه وبقي في
يد بعضهم حظه فلرب الدين أخذ دينه مما بيده
فإن كان دينه أقل مما بيده أخذ قدر دينه وضم
ما بقي بيد هذا الوارث بعد الدين إلى ما أتلف
بقية الورثة فإن كان هو التركة وما بقي بيد
الغارم كان له ويتبع جميع الورثة بتمام موروثه
من مال الميت بعد الدين إن بقي له شيء ويضمن
كل وارث ما أكل وما استهلك مما أخذ وما باع
فعليه ثمنه إن لم يحاب، قال مالك: وما فات
بأيديهم من حيوان أو هلك بأمر من الله من عرض
وغيره فلا ضمان على من هلك ذلك بيده وضمانه من
جميعهم، قال ابن القاسم: لأن القسمة كانت
بينهم باطلة للدين الذي على الميت ثم قال: وإن
قسم القاضي بينهم ثم طرأ دين انتقضت القسمة
كقسمتهم بغير أمر قاض وهم رجال ثم قال بعد
هذا: وإذا طرأ على الورثة وارث أو موصى له
بالثلث بعد القسم والتركة عين أو عرض فإنما
يتبع كل واحد بقدر ما صار إليه من حقه إن قدر
على قسم ما بيده من ذلك ولا يكون لهذا الوارث
الذي طرأ على ورثة الميت أن يتبع المليء بما
على المعدم وليس كغريم طرأ على وارث ولكن
كغريم طرأ على غرماء ولو قسموا مال الميت أجمع
وأعدم بعضهم فلا يتبع المليء إلا بما عنده من
حصته بالحصاص وإن كانت التركة دورا وليس فيها
عين فاقتسمها الورثة ثم قدم وارث أو موصى له
بثلث نقض القسم كانوا قد جمعوا الدور في القسم
أو قسموا كل دار على حدة ولو قدم موصى له
بدنانير أو دراهم والثلث يحملها كان كلحوق دين
أدون أو نقض القسم ولا يجبر الورثة على أدائه
من مالهم ومال الميت
(7/432)
__________
قائم ثم قال: ولو طاع أكثرهم بأداء الوصية
والدين وأبى أحدهم، وقال: انقضوا القسم وبيعوا
لذلك واقتسموا ما بقي فذلك له ثم قال: ولو
دعوا إلى نقض القسم إلا واحدا، قال: أنا أؤدي
جميع الدين أو الوصية عينا كانت أو طعاما ولا
أتبعكم بشيء ولا تنقضوا القسم لرغبته في حظه
وقد قسموا ربعا وحيوانا فذلك له، انتهى. وعلم
أن التفريق بين كون المقسوم عينا أو مثليا.
وكونه كدار إنما ذكره ابن الحاجب فيما إذا طرأ
وارث على مثله ولكنه يفهم من كلام غيره وصرح
به في اللباب قال: وإذا طرأ دين على القسمة
يغترق التركة أخذ ذلك من يد الورثة وإن كان لا
يغترقها وكلهم حاضر موسر غير ملد أخذ من كل
واحد ما ينوبه وإن كان بعضهم غائبا أو معسرا
أو ملدا أخذ دينه من الحاضر الموسر غير الملد
ويتبع هو أصحابه وإن كانت التركة عقارا أو
رقيقا فسخت حتى يوفى الدين علموا به أو لم
يعلموا. قاله في المدونة وقال أشهب وسحنون: لا
يفسخ ويفض الدين على ما بأيديهم في الحصص وإذا
طرأ غريم آخر رجع على الغرماء ولا يرجع على
الموسر بما على المعدم ولا يرجع على الورثة
إذا لم يعلموا بدين الطارئ ولا كان موصوفا
بالدين ولو فضل بأيديهم شيء رجع عليهم به
ويرجع بما بقي على الغرماء وإذا طرأ وارث
والتركة عين فيرجع على كل واحد بما ينوبه فإذا
كان معسرا أخذ فيها من الموسر ما نابه فقط
قاله ابن القاسم وقيل: بل يقاسم الموسر فيما
صار إليه ويتبعان المعسر معا ولو ترك دارا
فاقتسماها ثم طرأ وارث خير في نقض القسم أو
يشارك كل واحد فيما صار إليه ا هـ ومسألة بيع
الورثة تقدمت في التفليس في شرح قول المصنف في
باب التفليس واستؤني به إن عرف بالدين في
الموت فقط وتقدم الكلام عليها وقال هنا في
كتاب القسمة من المدونة ومن هلك وعليه دين
وترك دارا بيع منها بقدر الدين ثم اقتسم
الورثة باقيها إلا أن يخرج الورثة الدين من
أموالهم فتبقى لهم الدار يقتسمونها قال أبو
الحسن: إذ لا حجة للطالب إلا في دينه كما لو
أداه أجنبي لم يكن له مقال وظاهره إن كانت
أموال الورثة غير طيبة، الشيخ. أما إن كانت
أموالهم غير طيبة فله مقال إذا كان مال الميت
أطيب منها انظر بقية كلامه.
تنبيه: قال ابن غازي: اشتمل كلامه يعني المصنف
على ثمانية أنواع من الأحد عشر نوعا التي في
المقدمات وكأنه أسقط الثلاثة لرجوعها للثمانية
كما أشار إليه في المقدمات، انتهى. قلت
والثلاثة الباقية هي طرو الغريم على الغرماء
والورثة فإن كان فيما أخذه الورثة كفاف دين
الغرماء رجع عليهم كما تقدم في طرو الغريم على
الورثة وإن لم يكن فيه كفاف دينه رجع على
الغرماء بقيمة دينه كالعمل في رجوع الغريم على
الغرماء والثانية طرو الموصى له بجزء على
الموصى له بجزء وعلى الورثة، والحكم فيها إن
كان ما أخذه الورثة زائدا على الثلث كفاف
الجزء الطارئ كان كطرو الموصى له بجزء على
الورثة وإن لم يكن فيه كفاف رجع بالباقي على
الموصى لهم والثالثة طرو الغريم على الورثة
والموصى لهم بأقل من الثلث.
(7/433)
وإن طرأ: غريم،
أو وارث، أو موصى له على مثله، أو موصى له
بجزء على وارث اتبع كلا بحصته،
__________
والحكم فيها أن ينظر فإن كان ما قبضه الموصى
له بجزء من الثلث بعد أداء الدين فلا رجوع
للغريم عليه إلا في عدم الورثة وإن كان لا
يخرج من الثلث بعد ذلك فيرجع بالزائد على
الثلث على من وجد من الموصى لهم مليئا وأما
قدر الثلث فلا يرجع به على الموصى له إلا في
عدم الورثة، والله أعلم. ص: (وإن طرأ غريم أو
وارث أو موصى له على مثله أو موصى له بجزء على
وارث اتبع كلا بحصته) ش: هذا إذا كان المقسوم
عينا وأما إن كان دارا فإن للوارث نقض القسمة،
قاله في المدونة وابن الحاجب قال ابن الحاجب:
ولو طرأ وارث والمقسوم كدار فله الفسخ وإن كان
المقسوم عينا رجع عليهم ومن أعسر فعليه إن لم
يعلموا به، وقال أشهب: من أعسر فعلى الجميع،
قال في التوضيح: قوله: "فله الفسخ" أي وله أن
يكون شريكا لكل واحد بما ينوبه، انتهى. وقد
تقدم لفظ المدونة ولفظ اللباب لابن راشد
فتأمله، والله أعلم.
مسألة: قال البرزلي في مسائل الشهادات: سئل
المازري عمن قسم موروثه من ربع أو غيره
بمعاينة أو غيرها ثم أخرج ولد الميت كتابا بخط
الميت أنه صار له ربع من التركة بمبايعة وطلب
القيام فهل يحلف أنه لم ير هذا الكتاب إلا
الآن وأنه لم يسقط حقه بعد عثوره فأجاب: يحلف
بعد القسمة أنه لم يعلم بالكتاب إلا الآن لأن
ظاهر القسمة تسليم الأملاك المقتسمة إلا أن
يثبت المطالب أنه من أهل العدالة والدين بحيث
لا يتهم وأما حلفه أنه لم يسقط حقه بعد عثوره
على الكتاب فيلزم إلا أن يظهر من طول زمانه
بعد عثوره وقرائن الأحوال ما يستراب به حاله
في إسقاط حقه فينظر في هذا، انتهى. وقال في
النوادر: ومن
(7/434)
وأخرت، لا دين
لحمل وفي الوصية: قولان،
__________
كتاب ابن سحنون سئل عمن ادعى دارا بيد امرأة
أبيه أنها لأبيه تركها لورثته وسماهم ثم جاء
ببينة أخرى أن أباه أشهد له في صحته بنصفها
صيرها إليه في حق له قبله من قبل ميراثه من
أمه وذلك عند خروجه إلى الحج ثم رجع فسكنها
حتى مات فقال له الحاكم: قد ادعيتها أولا
ميراثا والآن لنفسك فقال لم أعلم بهذه البينة
الأخيرة فقال سحنون: لا يقبل منه لأنه كذب
بينته بدعواه الأولى، انتهى. فتأمل ذلك مع ما
تقدم، والله أعلم. ص: (وأخرت لحمل لا دين وفي
الوصية قولان) ش: يعني أن القسمة تؤخر إذا كان
في الورثة حمل ولا تقسم التركة حتى يوضع الحمل
وإن قال له الورثة: نحن نجعل الحمل ذكرا ونعزل
له ميراثه قال ابن رشد باتفاق: وأما قضاء
الدين فلا يؤخر ويؤدى باتفاق وفي إنفاذ الوصية
قولان هكذا حصل ابن رشد في شرح المسألة
الثالثة من سماع أشهب من كتاب القسمة وذكر فيه
عن ابن أيمن أن الدين يؤخر أيضا واعترضه وقال:
إنه من الغلط الذي لا يعد خلافا ولا حجة له
قال ابن عرفة في تغليطه ابن أيمن وقوله: "لا
حجة فيه له" نظر بل هو الأظهر وبه العمل عندنا
ودليله من وجهين، الأول: أن الدين لا يجوز
قضاؤه إلا بحكم قاض وحكمه يتوقف على ثبوت موت
المديان وعدد ورثته ولا يتصور عدد ورثته إلا
بوضع الحمل فالحكم متوقف عليه وقضاء الدين
متوقف على الحكم والمتوقف على متوقف على أمر
متوقف على ذلك، الأمر الثاني: أن حكم الحاكم
متوقف على الإعذار لكل الورثة والحمل من
جملتهم ولا يتقرر الإعذار في جهته إلا بوصي
ومقدم وكلاهما يستحيل قبل وضعه فتأمله، انتهى.
من آخر كتاب الفرائض من مختصره وذكرها هناك
تبعا لابن الحاجب.
قلت: ما استدل به لابن أيمن مبني على أنه لا
يكفي في الحكم بالحمل ثبوت عدد الورثة
الموجودين والحمل وأنه لا يكون للحمل وصي ولا
ولي وابن رشد لا يسلم ذلك وهو الظاهر، وقد صرح
في رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب الدعوى
والصلح بأن للناظر للحمل أن يصالح الزوجة على
ميراثها إذا لم يكن فيه غرر كأن يترك زوجة
حاملا وبنين
(7/435)
............................................
__________
ونصه: ولا خلاف عندي في أن للناظر للحمل أن
يجيز الصلح عليه ويمضيه إذا رآه نظرا له ولم
يكن فيه غرر ولا فساد لعلم الزوجة بنصيبها ولا
في أن للناظر للحمل أن يصالح الزوجة عنه قبل
أن يوضع إذا كان نصيبها معلوما، انتهى. وذكر
في رسم العتق الثاني من سماع أشهب أن الورثة
إذا عزلوا للحمل ميراثه على أنه ذكر وقسموا
بقية الميراث لم يكن لهم رجوع على ما عزلوه
للحمل إن نقص ما بأيديهم أو هلك وإن تلف ما
وقفوه له رجع عليهم إن وجدهم أملياء وإن أعدم
بعضهم رجع على الأملياء فقاسمهم فيما بأيديهم
ثم رجع هو وهم على العدماء فإن نما ما بأيديهم
كان له الرجوع في ذلك لأن قسمهم لا يجوز عليه
ولو نما ما وقفوه له لم يكن لهم في ذلك قول
لأنهم قد رضوا بما أخذوا فالقسمة تجوز عليهم
ولا تجوز عليه ولو كان للحمل ناظر قسم عليه
لجازت القسمة لهم وعليهم. وقال بعد فيمن ترك
زوجة حاملا وأبوين: الواجب أن يوقف الميراث
حتى تضع فإن ترك الميت ولدا وجعلوا الحمل ذكرا
وعزلوا له ميراثه واقتسموا ما بقي كانت مقاسمة
والحكم فيها على ما تقدم في المسألة التي
قبلها، انتهى. يعني ما تقدم وقال في رسم
الأقضية قبله قال مالك في المبسوط فإن جهل
الورثة فأعطوها ميراثها ثم تلف المال بعد ذلك
لم أر أن يرجعوا عليها بشيء مما أعطوها قال
ابن القاسم مفسرا لقول مالك أما من قاسمها فلا
يرجع عليها بشيء وأما الحمل فله أن يرجع على
من كان من الورثة مليا فليقاسمهم ما في أيديهم
ويتبع هو وهم المعدمين لأنهم فعلوا ما لا يجوز
لهم ولو أعطاها الورثة والناظر لليتيم ثمنها
أو صالحوها عنه لجاز ذلك ولم يكن للورثة
وللحمل رجوع عليها بما تلف من المال أو هلك أو
نقص، انتهى. وقال في رسم البز من سماع ابن
القاسم من كتاب الوصايا بعد أن ذكر نحو ما
ذكره في سماع أشهب من كتاب القسمة ما نصه: ومن
قول ابن القاسم في المدونة وغيرها إن من أثبت
حقا على صغير قضي له به عليه ولم يجعل للصغير
وكيل يخاصم عنه في ذلك فإذا قضي على الصغير
بعد وضعه من غير أن يقام له وكيل فلا معنى
لانتظار وضع الحمل لتأدية دين الميت وهذا كله
بين لا ارتياب فيه، انتهى. وقال فيه ولو كانت
الوصية إنما هي بعدد من دنانير أو دراهم لوجب
أن يعجل تنفيذ الوصية وتؤخر قسمة بقية المال
حتى يوضع الحمل قولا واحدا إذ لا اختلاف في أن
الوصية بالعدد كالدين في وجوب إخراجها من
التركة قبل القسمة، انتهى.
فرع: فلو خلف الميت عقارا وأراد بعض الورثة أن
يبيع ما خصه منه مما هو له على كل حال كما لو
أرادت الزوجة بيع الثمن ونحو ذلك فلم أر الآن
فيه نصا صريحا والظاهر أنه جار على القسمة
فعلى المشهور لا يجوز وإن وقع جاز عليها وعلى
من معها من الكبار ولا يجوز على الحمل إلا أن
يجيزه الناظر على الحمل، والله أعلم. وتقدم
كلام الشامل في بيع الورثة قبل قضاء الدين في
باب التفليس وكلام المدونة وأبي الحسن وانظر
البرزلي في مسائل القسمة.
(7/436)
وقسم عن صغير:
أب، أو وصي وملتقط: كقاض عن غائب، لا ذي شرطة
أو كنف أخا، أو أب عن كبير، وإن غاب، وفيها:
قسم نخلة، وزيتونة إن اعتدلتا، وهل هي قرعة
وجازت للقلة، أو مراضاة؟ تأويلان.
__________
ص: (وقسم عن صغير أب أو وصيه) ش: اعلم أنه إذا
كان الصغير متحدا وشريكه كبيرا أو أجنبيا فإنه
يجوز قسم الوصي من غير مطالعة حاكم بلا خلاف
وأما إذا تعدد الصغار وكان الشريك كبيرا فإن
كان حظ الصغار مشتركا جاز القسم أيضا بلا خلاف
وإن كان حظ كل
(7/437)
__________
واحد متميزا فاختلف فيه على قولين بالجواز
والكراهة. وأما إذا كان القسم إنما هو بين
الصغار فقط ففي ذلك ثلاثة أقوال، مذهب المدونة
عدم الجواز وقيل بالكراهة وقيل بالجواز، والله
أعلم. وأما إن كان القسم بين الأب وبنيه أو
بين الوصي ومحاجيره فقال ابن ناجي في شرح قول
المدونة ويقاسم عن الصغير أبوه أو وصيه أبو
إبراهيم الأعرج أي مع الأجانب وأما مع الأب أو
الوصي فليرفع إلى القاضي، انتهى. وقال ابن
عرفة وسمع القرينان قوله: "لامرأة وصية على
ولدها خذي ثمن المتروك واقسمي ما بقي بأمر
العدول لا السلطان" ابن رشد: ظاهره جواز قسمها
لنفسها على أولادها بأمر العدول دون السلطان.
والمشهور المعلوم أنه لا يجوز إلا بأمر
السلطان فإذا فعلت نقض قسمها إلا أن يجيزه
السلطان وقيل: يجوز إن علم السداد والنظر فيه
لهم وهو قوله في هذا السماع لأنه إنما شرط
العدول ليشهدوا بالسداد، انتهى. والمسألة في
سماع أشهب وابن نافع في رسم الوصايا من كتاب
الوصايا الثاني، والله أعلم.
فرع: قال ابن عرفة المتيطي: قسم الوصي على
يتيمه بالسهم جائز وفي جواز قسمه عليه مراضاة
بالتعديل قولا ابن أبي زمنين مع ابن القطان
والباجي محتجا بمسألة الرهون وابن الهندي
انتهى ومقتضى كلامه أن القول بعدم الجواز لابن
الهندي فقط وقال قبله المتيطي إن شركهم الوصي
مع غيرهم ففي جواز مقاسمتهم له ومعهم الأجنبي
مراضاة قول ابن أبي زمنين وغيره والله تعالى
أعلم.
(7/438)
باب القراض
القراض:
__________
باب القراض
قال في المقدمات: القراض مأخوذ من القرض، وهو
ما يفعله الرجل ليجازى عليه من خير أو شر فلما
كان صاحب المال، والعامل فيه متفقين جميعا
يقصد كل واحد منهما إلى منفعة صاحبه لينفعه هو
اشتق له من معناه اسما، وهو القراض والمقارضة؛
لأنه مفاعلة من اثنين هذا اسمه عند أهل الحجاز
وأهل العراق لا يقولون قراضا ألبتة، ولا عندهم
كتاب القراض، وإنما
(7/438)
توكيل على تجر،
في نقد
__________
يقولون: مضاربة وكتاب المضاربة، أخذوا ذلك من
قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي
الْأَرْضِ} [النساء: 101] {وَآخَرُونَ
يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} [المزمل: 20] وذلك
أن الرجل في الجاهلية كان يدفع إلى الرجل ماله
على الخروج به إلى الشام وغيرها فيبتاع المتاع
على هذا الشرط، وفي قول الصحابة لعمر رضي الله
عنه في قصة عبد الله وعبيد الله: "لو جعلته
قراضاً" دليل على صحة هذه التسمية في اللغة؛
لأنهم هم أهل اللسان وأرباب البيان. وإذا كان
يحتج في اللغة بقول امرئ القيس والنابغة
فالحجة بقول هؤلاء أقوى وأولى ا هـ وفي
الذخيرة: له اسمان: القراض والمضاربة أما لفظ
القراض فقال صاحب العين: أقرضت الرجل إذا
أعطيته ليعطيك فالمقارض يعطى الربح كما يعطى
المقترض مثل المأخوذ، قال غيره: هو من
المقارضة، وهي المساواة، ومنه: تقارض الشاعران
إذا تساويا في الإنشاد؛ لأنهما يستويان في
الانتفاع بالربح، وقيل: من القرض الذي هو
القطع؛ لأنك قطعت له من مالك قطعة، وهو قطع له
مما تحت يده أو لاشتراكهما في العقد على سبيل
المجاز من باب لك جزء من الربح الحاصل بسعيه
وسمي مقارضا مع أن المفاعل لا يكون إلا من
المفاعلة التي لا تكون إلا من اثنين إما؛ لأن
كلا منهما يساوي صاحبه في الربح أو يقطع له
مما تحت يده أو لاشتراكهما في العقد على سبيل
المجاز من باب التعبير بالمتعلق عن المتعلق أو
هو من الصيغ التي لا تقتضي المشاركة نحو
"سافر"، "وعافاه الله"، "وطارقت النعل" إذا
جعلته طاقا على طاق. وأما المضاربة: فهو إما
أن كليهما يضرب في الربح بنصيب وإما من الضرب
في الأرض الذي هو السفر قال ابن عطية في
تفسيره: فرق بين ضرب في الأرض وضرب الأرض أن
الأول للتجارة، والثاني للحج والغزو والقربات
كأنه للتجارة منغمس في الأرض ومتاعها، فقيل:
ضرب فيها، والمتقرب إلى الله - تعالى - بريء
من الدنيا فلم يجعل فيها وسمي مفاعلة على أحد
التأويلات المتقدمة في المقارض، والمقارض
بالكسر رب المال، وبالفتح العامل، والمضارب
بالكسر العامل عكس الأول؛ لأنه هو الذي يضرب
بالمال، قال بعض اللغويين: ليس لرب المال اسم
من المضاربة بخلاف القراض ا هـ وفي اصطلاح
الفقهاء ما قال المؤلف: "توكيل" إلخ وعدل عن
أن تكون إجارة كما قال ابن الحاجب لسلامة ما
قال المؤلف من بعض ما ورد عليه. قال في
التوضيح: أورد على حده أنه غير مانع وغير جامع
أما عدم منعه فلأنه لا ينعقد بلفظ الإجارة فلو
قال: أجرتك على هذا التجر في هذا المال بجزء
من ربحه صدق عليه الحد، وليس بقراض، وأيضا فلو
أجره على التجر إلى أجل أو قارضه بعروض لم يكن
قراضا صحيحا، وأما عدم جمعه فلأنه يجوز القراض
على أن يكون الربح لغيرهما أو لأحدهما وأجيب
عن عدم منعه بأن حقيقة القراض ما ذكره، وكونه
(7/439)
__________
لا ينعقد بلفظ الإجارة شرط في الصيغة وكذا
كونه لا يكون إلى أجل شرط في العمل وكذا كونه
لا يكون بعرض شرط في المال والشرط لا يتوقف
تصور الماهية عليه، وأجيب عن عدم جمعه بأن
الصورة المقترض بها إنما هي من باب التبرعات،
وإطلاق القراض عليها مجاز انتهى. وقال ابن
عرفة: القراض تمكين مال لمن يتجر به بجزء من
ربحه لا بلفظ إجارة فيدخل بعض الفاسد كالقراض
بالدين الوديعة ويخرج عنه قولها قال مالك: من
أعطى رجلا مالا يعمل به على أن الربح للعامل،
ولا ضمان على العامل لا بأس به عياض. قال
سحنون: هو ضامن كالسلف فضل هذا إن لم يشترط أن
لا ضمان عليه محمد إن قال: خذه قراضا فهو ضامن
الباجي يجوز شرط كل الربح لأحدهما في مشهور
مذهب مالك، وإن أريد إدخاله على أنه قراض قيل:
عقد على التجر بمال العوض ليس من غير ربحه
انتهى. ويخرج من الأخير ما إذا شرط الربح لرب
المال فتأمله والله أعلم. وحكمه قال في
التوضيح: لا خلاف بين المسلمين في جوازه، وهو
مستثنى من الإجارة المجهولة، ومن السلف
بمنفعة، وهو معنى قول بعض شيوخنا: إنه سنة أي
أباحته السنة، والرخصة فيه جائزة بالسنة لا
بمعنى السنة التي يحض على أمثالها؛ ولهذا قال
ابن عبد الحكم: لا أقول هي سنة انتهى. قال ابن
عرفة: وقول عياض: "هي مستثناة من السلف
بمنفعة" يرد بأنه ليس بمضمون وكل سلف مضمون
انتهى. وحكمة مشروعيته: قال في المقدمات:
والقراض مما كان في الجاهلية فأقر في الإسلام؛
لأن الضرورة دعت إليه لحاجة الناس إلى التصرف
في أموالهم وتنميتها بالتجارة فيها، وليس كل
أحد يقدر على ذلك بنفسه فاضطر فيه إلى استنابة
غيره، ولعله لا يجد من يعمل له فيه بإجارة لما
جرت عادة الناس فيه في ذلك على القراض فرخص
فيه لهذه الضرورة واستخرج بسبب هذه العلة من
الإجارة المجهولة على نحو ما رخص فيه في
المساقاة وبيع العرية والشركة في الطعام
والتولية فيه انتهى.
فائدة: قال في المقدمات: أول قراض كان في
الإسلام قراض يعقوب مولى الحرقة مع عثمان رضي
الله عنه، وذلك أن عمر رضي الله عنه بعث من
يقيم من السوق من ليس بفقيه فأقيم يعقوب فيمن
أقيم فجاء إلى عثمان فأخبره فأعطاه مزودتين
قراضا على النصف، وقال: إن جاءك من يعرض لك
فقل له: المال لعثمان فقال ذلك فلم يقم فجاء
بمزودين مزود رأس المال ومزود ربح، ويقال: إن
أول قراض كان في الإسلام قراض عبد الله وعبيد
الله ابني عمر بن الخطاب رضي الله عنهم خرجا
في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على أبي موسى
الأشعري، وهو أمير البصرة فرحب بهما، وسهل، ثم
قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت،
ثم قال: بل هاهنا مال من مال الله أريد أن
أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان
به متاعا من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة
فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون
لكما الربح فقالا: وددنا، ففعل وكتب إلى عمر
رضي الله عنه أن يأخذ منهما المال، فلما قدما
باعا فربحا فلما دفعا ذلك إلى أمير المؤمنين
قال: أكل الجيش أسلفه مثل الذي أسلفكما؟ قالا:
لا، فقال عمر:
(7/440)
.........................................
__________
ابنا عمر أمير المؤمنين، فأسلفكما أديا المال
وربحه، فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله
فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا لو
هلك المال أو نقص لضمناه، فقال عمر: أدياه
فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله، فقال رجل من
جلساء عمر: يا أمير المؤمنين، لو جعلته قراضا
فقال عمر: قد جعلته قراضا فأخذ عمر رأس المال
ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف الربح
انتهى. قال في الذخيرة: ويقال: إن الرجل عبد
الرحمن بن عوف، ثم قال سؤال أبو موسى حاكم
عدل، وقد تصرف بوجه المصلحة؛ لأن المال يصير
مضمونا في الذمة فهو أولى من بعثه على وجه
الأمانة مضافا إلى الحرام من ينبغي إكرامه فهو
تصرف جامع للمصالح فيتعين تنفيذه وعدم
الاعتراض عليه جوابه أن عدم التعرض إنما هو
بين النظراء من الأمراء أما الخليفة فله النظر
في أمر نوابه، وإن كان سدادا أو نقول: كان في
هذا التصرف تهمة تتعلق بعمر بسبب أنه إكرام
لبنيه فأراد إبطالها والذب عن عرض الإمامة
بحسب الإمكان انتهى. وقوله: "قد تصرف فيه بوجه
المصلحة؛ لأن المال يصير مضمونا في الذمة" فيه
نظر؛ لأنه لو كان الدفع لهذا القصد أو له
ولغيره كان هذا هو السفاتج، والمشهور من مذهب
مالك أنه غير جائز؛ ولهذا قال الباجي في شرح
هذا الأثر من الموطإ: لم يرد رضي الله عنه
إحراز المال في ذمتهما، وإنما أراد منفعتهما
بالسلف، ومن مقتضاه: ضمانهما المال، وإنما
يجوز السلف لمجرد منفعة التسلف، ثم قال: وسواء
كان المسلف صاحب المال أو غيره ضمن له النظر
عليه من إمام أو قاض أو وصي أو أب فلا يجوز
للإمام أن يسلف شيئا من مال المسلمين ليحرزه
في ذمة المتسلف، وكذلك القاضي والوصي، ثم قال:
وفعل أبي موسى هذا يحتمل وجهين: أحدهما: أن
يكون فعل هذا لمجرد منفعة عبد الله وعبيد الله
وجاز له ذلك، وإن لم يكن الإمام فوض له؛ لأن
المال كان بيده بمنزلة الوديعة لجماعة
المسلمين فاستسلفه بإسلافهما إياه فلو تلف
المال، ولم يكن عند عبد الله وعبيد الله وفاء
لضمنه أبو موسى، والوجه الثاني: أن يكون لأبي
موسى النظر في المال بالتثمير والإصلاح، وإذا
أسلفه كان لعمر الذي هو الإمام تعقب فعله،
فتعقبه ورده إلى القراض انتهى.
نكتة: قال في المنتقى أيضا: وقول عمر: "أكل
الجيش أسلفه إلخ" تعقب منه لفعل أبي موسى،
ونظر في تصحيح أفعاله، وتبيين لموضع المحظور
منه؛ لأنه لا يخفى على عمر أنه لم يسلف كل أحد
من الجيش، وإنما أراد أن يبين لابنيه موضع
المحاباة لموضعهما من أمير المؤمنين، وهذا مما
كان يتورع عنه أن يخص أحد من أهل بيته أو ممن
ينتمي إليه بمنفعة من مال المسلمين لمكانه منه
وقوله: "أديا المال وربحه" نقض منه لفعل أبي
موسى وتغيير لسلفه قال ابن دينار: وإنما كره
تفضيل أبي موسى لولديه، ولو لم يكن يلزمهما،
وهذا على قولنا: إن أبا موسى استسلف المال
وأسلفهما إياه لمجرد منفعتهما، وإن المال كان
بيده على وجه الوديعة، وأما إذا قلنا: إنه
بيده على وجه التثمير والإصلاح فإن لعمر
تعقبه، والتكلم فيه، والنظر في ذلك لهما
وللمسلمين بوجه الصواب وقوله: لولديه بعد
اجتماع عبيد الله وعبد الله: "أديا المال
وربحه" إعراض عن حجة
(7/441)
مضروب، مسلم
__________
عبيد الله؛ لأن المبضع معه يضمن البضاعة إذا
اشترى بها لنفسه، وإن دخلها نقص جبره، ومع
ذلك، فإن ربحها لرب المال انتهى باختصار.
تنبيه: قال في الذخيرة سؤال: كيف يمكن جعله
قراضا بعدما كان قرضا، وإلزام ذلك في القرض
خلاف الإجماع، وأكل للمال بالباطل لأن الربح
ملك للمقترض إجماعا فأخذه غصب جوابه قال
الطرطوشي في سراج الملوك جعل عمر رضي الله عنه
انتفاعهم بجاه العمل للمسلمين له نصف الربح
كأن المسلمين ساعدوهما في ذلك، وهو مستنده في
تشطير عماله في أموالهم فهو كالقراض انتهى.
وإيراد السؤال على هذا الوجه إذا تؤمل لا يخلو
من نظر؛ لأنه قد قرر أن لعمر رضي الله عنه نقض
فعل أبي موسى فله أخذ جميع الربح، وينبغي أن
يقال: كيف يمكن أن يكون قراضا، وهما إنما دخلا
على أنه قرض، وغاية ما هناك أنه كان لعمر رد
فعل أبي موسى وإمضاؤه فإما أن يرد الجميع أو
يمضي الأمر على ما هو عليه فالجواب عنه ما قال
الباجي ونصه: والقراض الذي أشار إليه الرجل من
جلساء عمر أحد نوعي الشركة يكون فيها المال من
أحد الشريكين، والعمل من الثاني، والنوع
الثاني من الشركة: أن يتساويا في المال والعمل
انتهى. والله الموفق. ص: (مضروب) ش: ظاهره أن
المضروب يجوز القراض به كأن التعامل به أو في
التبر كما لو فرض أن السكة المضروبة لا يتعامل
بها في بلد أصلا كما في غالب بلاد السودان على
ما قيل، وقد نقل الشيخ زروق في شرح الرسالة عن
التنبيهات أنه لا يجوز القراض به حينئذ، ولعله
فهمه من كلامه فإني لم أر من صرح به لا في
التنبيهات، ولا في غيرها؛ لأن القاضي قال: ولا
خلاف أنه جائز بالدنانير والدراهم غير جائز
بالعروض ما كانت. واختلفوا في الشروط التي بها
يصح فعندنا أن شروطه عشرة: نقد رأس المال
للعامل، وكونه معلوما، وكونه غير مضمون على
العامل، وكونه مما يتبايع به أهل بلد من العين
مسكوكا كان أو غير مسكوك، ومعرفة الجزء الذي
تقارضا عليه من ربحه، وكونه مشاعا لا مقدرا
بعدد، ولا تقدير، وأن لا يختص أحدهما بشيء
معين سواء إلا ما يضطر إليه العامل من نفقة
ومؤنة في السفر، واختصاص العامل بالعمل، وأن
لا يضيق عليه بتحجير أو بتخصيص يضر بالعامل
وأن لا يضرب له أجل انتهى. فقوله: "وكونه مما
يتبايع به إلخ" ربما يفهم منه ما قاله الشيخ
زروق.
تنبيه: قال أبو الحسن الصغير في قوله: "ولا
تقدير" ذكر بعضهم أن ابن شاس فسره بأنه مثل ما
قارض به فلان انتهى. فتأمله، ثم قال بعد أن
ذكر هذه الشروط: فإذا توفرت هذه الشروط جاز
القراض، وإن اختل منها شرط فسد القراض انتهى.
ص: (مسلم) ش: أي للعامل
(7/442)
بجزء من ربحه،
إن علم قدرهما، ولو مغشوشا،
__________
واحترز به مما إذا شرط بقاء يده معه أو أمينا
عليه ومما لو قارضه بدين في ذمته، وقد زاد ابن
الحاجب لإخراج ذلك قيدا آخر، فقال: المال شرطه
نقد معين معلوم مسلم ثم قال: ولا يجوز بدين،
ولو أحضره، قال في التوضيح: هذا يتعلق بقوله:
"معين" لأن الدين ليس بمعين فلا يجوز لرب
الدين أن يقول لمدينه: اعمل بالدين الذي في
ذمتك قراضا مالك في المدونة، ولو أحضره إلا أن
يقبضه منه ويعيده عليه ابن القاسم مخافة أن
يكون أخره به ليزيده فيه اللخمي ولأنهما قد
يظهران القراض ويبطنان أن يأتيه ربح من دينه،
فيكون فسخ دين في دين اللخمي والمازري وينزل
منزلة القبض إحضاره مع الإشهاد انتهى وسيذكر
ذلك المصنف. ص: (إن علم قدرهما) ش: تصوره واضح
وسيصرح المؤلف ببعض مفهومه، ومنه ما قال ابن
عرفة وشرط ابن شاس كون المال معلوما قال:
احترازا من دفع صرة عينا قراضا؛ لأن جهل المال
يؤدي إلى جهل الربح واضح من مقتضى الروايات
انتهى. وفي الشامل: ولا يجوز بمجهول وزن
انتهى. ص: (ولو مغشوشا) ش: أشار بهذا لقول ابن
الحاجب: ويجوز بالمغشوش على الأصح انتهى.
وظاهر كلام المؤلف وابن الحاجب أن الأصح يجوز
به مطلقا ومقابله لا يجوز مطلقا وكذا فهمه في
التوضيح وقبله، وعزا مقابل الأصح لعبد الوهاب
وأن الباجي قيده ببلد لا يتعامل بالمغشوش
مطلقا قال الباجي في المنتقى مسألة: وأما
المغشوش من الذهب والفضة فحكى القاضي أبو محمد
أنه لا يجوز القراض به مضروبا كان أو غير
مضروب وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: إن
كان الغش النصف فأقل جاز، وإن كان أكثر من
النصف لم يجز واستدل القاضي بأن هذه دراهم
مغشوشة فلم يجز القراض بها أصل ذلك إذا زاد
الغش على النصف، والذي عندي: أنه إنما يكون
ذلك إذا كانت الدراهم ليست بالسكة التي يتعامل
الناس بها، فإذا كانت سكة التعامل فإنه يجوز
القراض بها؛ لأنها قد صارت عينا، وصارت أصول
الأثمان، وقيم المتلفات، وقد جوز أصحابنا
القراض بالفلوس، فكيف بالدراهم المغشوشة؟ ولا
خلاف بين
(7/443)
لا بدين عليه،
واستمر، مالم يقبض، أو يحضره، ويشهد،
__________
أصحابنا في تعلق الزكاة بأعيانها، ولو كانت
عروضا لم تتعلق الزكاة بأعيانها، وإن اعترض في
ذلك أنه يجوز أن تقطع فتستحيل أسواقها فمثل
ذلك يعترض في الدراهم الخالصة إذا قطع التعامل
بها انتهى. ولم ينقل ابن عرفة غيره ونصه:
ومنعه القاضي بالعين مغشوشة الباجي إلا حيث
يتعامل بها لتقويم المتلف بها كالطيبة،
والاتفاق على تعلق الزكاة بها ومقابل ابن
الحاجب تجوز بالمغشوش على الأصح فقول ابن عبد
السلام: "بإطلاق" يرد باتفاق القاضي والباجي
على منعه حيث لا يتعامل به انتهى. وقوله:
"مقابل" لعله وقول ابن الحاجب، وهو الذي يظهر
من معنى الكلام ويدل عليه نقل الباجي كلام ابن
عرفة في شرح الرسالة ولم يذكر في الجواهر، ولا
في الذخيرة غير كلام القاضي والباجي فتأمله.
وقال في الجواهر إثر كلام الباجي: والضابط
لهذا الحكم أن كل ما تختلف قيمته بالارتفاع
والانخفاض لا يجوز أن يجعل رأس المال؛ لأنه
إذا رد بالأجرة إليه لم يتميز الربح إذ ربما
ارتفعت قيمته فيستغرق رأس المال جميع الربح أو
بعضه أو تنقص قيمته فيصير بعض رأس المال ربحا
انتهى. والله أعلم. ص: (ما لم يقبض أو يحضره
ويشهد) ش: يحتمل أن يكون راجعا لقوله: "لا
بدين" ويحتمل أن يرجع إلى قوله: "واستمر" وهو
الظاهر من كلام ابن عبد السلام قال في شرحه:
لا يجوز أن يكون رأس المال دينا على العامل،
ثم قال: فإن وقع ذلك، وأحضر الدين قبل
التجربة، وأشهد على وزنه وزال عنه ضمانه وقبضه
منه كان الربح بينهما والخسارة على رب المال
انتهى. وقوله: ما لم يقبض نحوه في المدونة
ومقتضاه أنه بمجرد القبض يصح القراض وإن أعاده
بالقرب، وهو كذلك وانظر التوضيح وأبا الحسن
والله أعلم.
فرع: فإن عمل به قبل الإشهاد عليه قال في
التوضيح: ففي الموازية الربح للعامل والخسارة
عليه، وقال أشهب: الربح بينهما واختلف في
التأويل عليه فقال اللخمي: وعلى قوله تكون
الخسارة من صاحب المال، وقال التونسي: لا
يصدق، وإن ادعى الخسران إلا ببينة، وحكى ابن
يونس وابن رشد وغيرهما عن أشهب أنه قال: هو
مكروه، فإن نزل مضى، وهو ظاهر ما نقله المصنف
عنه؛ لأن قوله: "يستمر دينا" خلافا لأشهب
يقتضي أنه عنده لا يستمر
(7/444)
ولا برهن، أو
وديعة، ولو بيده، ولا بتبر لم يتعامل به
ببلده: كفلوس،
__________
دينا بل يبقى قراضا، وحكى ابن عبد البر عن
أشهب أن ما اشترى وباع فلرب المال وللعامل أجر
مثله وحكى ابن حارث عن محمد بن عبد الحكم أن
الربح بينهما، والخسارة على رب المال على أصل
القراض، وهذا مثل قول أشهب بالكراهة انتهى. ص:
(ولا برهن أو وديعة) ش: ظاهر كلام ابن رشد في
سماع سحنون أن حكم القراض الوديعة إذا وقع قبل
قبضها حكم القراض بالدين على مذهب المدونة. ص:
(ولا تبر لم يتعامل به ببلده) ش: أما إذا كان
يتعامل به فالاتفاق على جواز القراض به وإن لم
يتعامل به فالذي رجع إليه مالك منع القراض به،
وهو المشهور قال في التوضيح.
فرع: فإن وقع على المشهور ففي الموازية عن ابن
القاسم يمضي بالعمل، وقال أصبغ: لا يفسخ عمل
به أم لا لقوة الخلاف فيه ابن حبيب، وإذا عمل
بالنقار رد مثلها عند المفاصلة إن عرف وزنها،
وإن لم يعرف فرأس المال ما باعه به أو ما خرج
في الضرب انتهى. وقال في الشامل: فإن نزل مضى
بالعمل، وقيل: وقبله: ورد مثله عند المفاصلة
إن عرف وزنه وإلا فما بيع به أو خرج في الضرب
إلا أن يقول: بعها واشترها فليرد ثمنها أو ما
صرفها به، فإن شرط صرفها أو ضربها على العامل
فله أجره في ذلك إن كان له مؤنة وقراض مثله
انتهى. والفرق بين اشتراط ربها صرفها أو بيعها
وعدم اشتراطه لذلك مع علمه أن مآل أمرها لذلك
أنه مع الاشتراط إنما أراد أن يكون القراض بعد
نضوض المال، ومن لم يشترط جعلها قراضا من يوم
دفعت أشار إلى هذا الفرق في التوضيح عن بعض
القرويين. ص: (كفلوس) ش: يريد، ولو كان
التعامل بها كما يفهم من أول كتاب القراض من
المدونة، وقال في الشامل: ولا تجوز بالفلوس
على الأصح وثالثها: إن كثرت، ورابعها:
الكراهة، وعلى المنع فله أجره في بيعه، وقراض
مثله فيما نض ويرد فلوسا انتهى. وفي هذا
الكلام سقوط، وصوابه، وقيل: يمضي ويرد فلوسا
قال في التوضيح الباجي، وإذا قلنا بالمنع فقال
محمد: القراض بالنقار أخف والفلوس
(7/445)
وعرض إن تولى
بيعه: كأن وكله على دين، أو ليصرف، ثم يعمل،
فأجر مثله في توليه، ثم قراض مثله في ربحه:
كلك شرك، ولا عادة أو مبهم أو أجل أو ضمن،
__________
كالعروض، وهذا يقتضي الفساد، ويكون له في بيع
الفلوس أجرة مثله، وفيما نض من ثمنها قراض
مثله، وقال أصبغ: هي كالنقار، وقال ابن حبيب
مثله ويرد فلوسا زاد غيره في قول ابن حبيب إلا
أن يشترط عليه أن يصرفها، ثم يعمل بها، فيكون
الحكم كما فهمه الباجي من قول محمد والله أعلم
ص: (وعرض إن تولى بيعه) ش: يعني أنه لا يجوز
أن يكون رأس مال القراض عرضا على أنه رأس
المال ويرد مثله عند المفاصلة لاحتمال أن يغلو
غلوا يستغرق رأس المال والربح فيؤدي إلى بطلان
عمل العامل ويرخص فيأخذ العامل بعض رأس المال،
ولا على أن رأس المال قيمته الآن أو عند
المفاصلة وكأنه - والله أعلم - للغرر، ولا على
أن يبيعه، ويكون ثمنه رأس المال قال في
المدونة: ويفسخ ذلك، وإن بيع ما لم يعلم
بالثمن، وقيد اللخمي المنع بما إذا كان في
بيعه كلفة ولذلك أجرة لها خطب قال: وإن كانت
الأجرة لا خطب لها أو كان يعلم أنه يتكلف ذلك،
ولو لم يعطه إياه قراضا، أو يقول كلف من يبيع
ويأتيك بالثمن، ولم يلتفت المصنف لتقييد
اللخمي وجعله خلافا، وقال المازري: لو قال:
آخذ هذا العرض وأمضي به إلى البلد الفلاني
وأدفعه إلى فلان يبيعه ويقبض ثمنه فخذه منه
واعمل به قراضا بيني وبينك فإن ذلك جائز بلا
خلاف، ولا يدخله القراض بالعروض؛ لأن المدفوع
إليه العروض، ولا يتولى البيع بنفسه انتهى من
التوضيح، واعتمده المصنف لقول المازري: بلا
خلاف فقال: إن تولى بيعه، والله أعلم. ص: (أو
أجّل أو ضمن) ش: قال في المدوّنة وما لم يشترط
زيادة لأحدهما من
(7/446)
أو اشتر سلعة
فلان، ثم اتجر في ثمنها، أو بدين، أو ما يقل
وجوده: كاختلافهما في الربح، وادعيا ما لا
يشبه وفيما فسد غيره أجرة مثله في الذمة:
__________
القراض الفاسد ففيه إن نزل قراض مثله كالقراض
على ضمان أو إلى أجل فإنّه فيه يردّ إلى قراض
مثله، ولا ضمان عليه انتهى. وفي أوّل كتاب
القراض من حاشية المشذّاليّ المتيطيّ: لو
تطوّع العامل بضمان المال ففي صحّة القراض
خلاف بين الشّيوخ فذهب ابن عتّاب إلى أنّه
صحيح، وحكى إجازته عن شيخه مطرّف ابن بشير،
وقال غيرهما: لا يجوز ومال إليه ابن سهل، وفي
العتبيّة ما يدلّ على القولين انظر الوصايا من
ابن سهل انتهى كلام المشذّاليّ. ص: (أو ما
يقلّ) ش: قال في المدوّنة: ثمّ قال: فإن اشترى
غير ما أمر به، فقد تعدّى، فإن ربح فله
(7/447)
كاشتراط يده أو
مراجعته أو أمينا عليه، بخلاف غلام غير عين
بنصيب له، وكأن يخيط أو يخرز،
__________
فيما ربح قراض مثله وإن خسر ضمن، ولا أجر له
في الوضيعة، ولا أعطيه - إن ربح - إجارته؛ إذ
لعلّها تغترق الرّبح وتزيد فيصل بتعدّيه إلى
ما يريد انتهى. ص: (كاشتراط يده) ش: تصوّره
واضح.
مسألة: قال في رسم حلف أن لا يبيع رجلا سلعة
سمّاها من سماع ابن القاسم من كتاب القراض عن
الرّجل يدفع إلى الرّجل المال فيقيم في يديه
أيّاما، ويتجهّز بذلك يريد سفرا فيلقى صاحب
المال فيقول له: هل لك أن أخرج معك فأخرج ذهبا
آخر مثل الّذي أعطيتك، ونشترك جميعا قال مالك:
ما أرى أمرا بيّنا وما يحضرني فيه مكروه
وكأنّه خفّفه من غير تحقيق قال ابن القاسم،
ولا أرى بذلك بأسا إذا صحّ ذلك على غير موعد،
ولا رأي، ولا عادة قال أصبغ: لا خير فيه قال
سحنون: هو الرّبا بعينه قال محمّد بن رشد قول
ابن القاسم
(7/448)
أو يشارك، أو
يخلط، أو يبضع، أو يزرع،
__________
مفسّرا لقول مالك لأنّ مالكا إنّما خفّف ذلك
على السّلامة من التّواطؤ على ذلك من قبل أن
يتجهّز بالمال إذ لو أتاه قبل أن يتجهّز
بالمال فقال ذلك له وفعله معه لما جاز؛ لأنّه
يصير كأنّه قد استأجره ليعمل معه في ماله على
أنّ له نصيبا من ربحه. وكرهه أصبغ فقال: لا
خير فيه مخافة أن يكون تواطأ معه على ذلك قبل
أن يتجهّز بالمال، فإن وقع ذلك مضى، ولم يفسخ
على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك وفسخ على
مذهب أصبغ ما لم يفت بالعمل فلو فات مضى وكان
العامل على شرطه من الرّبح، وأمّا على مذهب
سحنون الّذي قال فيه: إنّه الرّبا
(7/449)
أو لا يشتري
إلى بلد كذا أو بعد اشترائه، إن أخبره فقرض أو
عين شخصا، أو زمنا، أو محلا: كأن أخذ مالا
ليخرج به لبلد فيشتري، وعليه: كالنشر، والطي:
الخفيفين، والأجر
__________
بعينه فيفسخ متى ما عثر عليه، ويكون الرّبح
كلّه لربّ المال، ويكون للعامل أجرة مثله،
وإنّما قال: إنّه هو الرّبا على سبيل التّجوّز
في اللّفظ في المنع منه؛ إذ ليس ربا بعينه كما
قال اللّه، وإنّما هو على مذهبه استئجار
للعامل على عمله معه بجزء من ربح المال، وذلك
ما لا يحلّ، ولا يجوز على قول النّبيّ صلى
الله عليه وسلم: "من استأجر أجيرا فليعطه
أجره" ولقوله: "من استأجر أجيرا فليؤاجره بأجر
معلوم إلى أجل وليقه عن بيع الغرر" والإجارة
بيع من البيوع لا يجوز فيها الغرر والجهل،
فلمّا كان ذلك لا يحلّ كما لا يحلّ الرّبا قال
فيه: إنّه ربا انتهى. ص: (أو بعد اشترائه إن
أخبره بقرض) ش: كذا في كثير من النّسخ، وفي
بعض النّسخ، "وبعد اشترائه" بالواو، وهو أحسن،
واللّه أعلم. ص: (أو عيّن شخصا أو زمنا أو
محلّا) ش: يعني ففيه أجرة المثل، وقد صرّح
بذلك في المنتقى، وقال ابن غازيّ: تحرير عجيب
في أنّ تعيين الزّمان من قبيل ما يترجّح فيه
أجرة المثل كما أنّ القراض إلى أجل من قبيل ما
يترجّح فيه قراض المثل، وتصوّر الفرق بينهما
جليّ انتهى. كأنّه يشير إلى أنّ تعيين الزّمان
هو أن يشترط عليه أن يشغل جميع المدّة بالبيع
والشّراء مثل أن يدفع له مال القراض، ويبيع
ويشتري فيه شهرا أو شهرين ونحو ذلك على أن
يبيع ويشتري جميع الزّمان، وأنّ القراض إلى
أجل مثل أن يدفع له مال القراض إلى شهر
(7/450)
إن استأجر،
وجاز جزء: قل أو كثر، ورضاهما بعد على ذلك،
وزكاته على أحدهما وهو للمشترط، وإن لم تجب.
__________
ونحوه، ولا يشترط عليه أن يبيع في جميع
الزّمان واللّه أعلم. ص: (ورضاهما بعد على
ذلك) ش: هذا هو المشهور وإن كانت الزّيادة
للعامل فهو أحقّ بها في الموت والفلس لقبضه
لها وإن كانت لربّ المال، فقيل: تبطل لعدم
الحوز، وخرّج اللّخميّ قولا بالصّحّة قال في
التّلقين: ومال المتأخّرون إلى النّفوذ انتهى.
من التّوضيح.
تنبيه: أجاز في المدوّنة هنا التّراضي على جزء
قلّ أو كثر، وقال في باب الآجال: وإن قارضت
رجلا مالا أو أسلفته إيّاه فلا تقبل منه
هديّة. قال أبو الحسن: والفرق بينهما أنّ
الهديّة محقّقة، وهذه متوهّمة أو أنّه في كتاب
الآجال لم يعمل وهنا عمل انتهى بالمعنى. ص:
(وهي للمشترط، وإن لم تجب) ش: قال في التوضيح
كما لو شرط أحدهما ثلث الربح مثلا.
(7/451)
والربح لأحدهما
أو لغيرهما وضمنه في الربح له، إن لم ينفه،
ولم يسم قراضا، وشرطه: عمل غلام ربه، أو دابته
في الكثير، وخلطه، وإن بماله، وهو الصواب، إن
خاف بتقديم أحدهما: رخصا، وشارك، إن زاد مؤجلا
بقيمته وسفره: إن لم يحجر عليه قبل شغله،
وادفع لي، فقد وجدت رخيصا أشتريه،
__________
(7/452)
وبيعه بعرض،
ورده بعيب، وللمالك: قبوله، إن كان الجميع
والثمن عين ومقارضة عبده أو أجيره، ودفع
مالين، أو متعاقبين قبل شغل الأول وإن
بمختلفين إن شرطا خلطا،
__________
لأجنبي وأبى من أخذه فإنه لمشترطه انتهى. ص:
(والثمن عينا) ش: كذا في بعض النسخ عينا
بالنصب على أنه خبر لـ"كان" المحذوفة، وفي بعض
النسخ: "والثمن عين" على أنه مبتدأ
(7/453)
أو شغله، وإن
لم يشترطه: كنضوض الأول، إن ساوى، واتفق
جزؤهما اشتراء ربه منه إن صح اشتراطه أن لا
ينزل واديا أو يمشي بليل أو ببحر أو يبتاع
سلعة وضمن إن خالف كأن زرع أو ساقى بموضع جور
له أو حركه بعد موته عينا،
__________
وخبر. ص: (وضمن إن خالف) ش: انظر إذا شرط عليه
أن لا ينزل واديا أو لا يركب بحرا أو لا يمشي
بليل ففعل ذلك وسلم، ثم إنه اشترى وخسر هل
يضمن أم لا؟ وظاهر كلامه في المدونة: أنه لا
يضمن فإنه قال: وإن نهيته عن الخروج بالمال من
مصر فخرج به إلى إفريقية عينا قبل أن يتجر به،
ثم تجر به بمصر فخسر أو ضاع منه بمصر لم يضمن؛
لأنه رده قبل أن يحركه قال أبو الحسن: ليس
التحريك بشرط فمتى رده إلى موضعه لم يضمن، وإن
حركه الشيخ: وهو مصدق في الرد وانظر هذا مع ما
حكاه اللخمي في مسألة ما إذا زرع أو ساقى جورا
وظلما له أي للعامل يعني في الآتية في كلام
التوضيح في القولة التي بعد هذه، والله أعلم.
ص: (كأن زرع أو ساقى في موضع جور له) ش: يعني
أنه إذا زرع أو ساقى بموضع جور وظلم له أي
للعامل يعني في موضع يرى أنه يظلم فيه فإنه
يضمن واحترز بقوله: "له" مما إذا كان الموضع
فيه ظلم أو جور ولكنه كان يرى أنه هو لا يظلم
لوجاهة ونحو ذلك، وأشار
(7/454)
أو شارك إن
عاملا أو بدين، أو قارض بلا إذن وغرم للعامل
الثاني إن دخل على أكثر كخسره إن قل عمله
والربح لهما: ككل آخذ مال للتنمية فتعدى،
__________
بذلك لما قاله في توضيحه في شرح قول ابن
الحاجب وله أن يزرع ويساقي ما لم يكن موضع ظلم
فيضمن، ظاهر كلام المصنف أنه بمجرد كون الموضع
موضع ظلم يضمن، وفي المدونة: وإن خاطر به في
موضع ظلم أو غرر يرى أنه خطر فهو ضامن فزاد
المخاطرة، وقد يكون الموضع موضع ظلم، ولا يعد
الزارع مخاطرا لوجاهته أو نحو ذلك وكأن ابن
غازي لم يقف على هذا الكلام فتحير في معناه
فانظره، والله أعلم.
فرع: قال في التوضيح: وإذا ضمناه بالتعدي
لمخاطرته في موضع الظلم فلا فرق بين أن تكون
الخسارة من سبب الزرع أو من سبب الظلم قاله
اللخمي للتعدي في أصل فعله، والله أعلم. ص:
(والربح لهما ككل آخذ مال للتنمية فتعدى) ش:
يعني أن العامل إذا تعدى في الصور المتقدمة،
وقلنا: إنه ضامن للمال إن تلف أو خسر فلا يختص
بالربح، ويقال: كما أنه يضمن الخسارة فليستبد
بالربح بل الربح لهما على ما شرطا قال في
التوضيح؛ لأنه يتهم أن
(7/455)
لا إن نهاه عن
العمل قبله أو جنى كل، أو أخذ شيئا فكأجنبي،
ولا يجوز اشتراؤه من ربه، أو بنسيئة، وإن أذن،
أو بأكثر ولا أخذه من غيره، إن
__________
يكون قصد الاستبداد بالربح فعوقب بنقيض قصده
ولأنا لو قلنا الربح للعامل بتعديه لكان ذلك
حاملا له على التعدي ليستقل بالربح ولهذا لو
قلنا: إن كل من أخذ مالا لينميه فيتعدى فيه
كالوكيل والمبضع معه فالغرم عليه والربح لرب
المال، وأما المقارض فالربح لهما على شرطهما،
وقد صرح المصنف يعني ابن الحاجب باطراد هذا
بقوله: وكذلك كل تعد فيه وكل من أخذ مالا على
الأمانة وتعدى فيه فالربح له فقط كالمودع ابن
عبد السلام وذهب بعضهم إلى أن العامل يجب له
الربح كله في مسائل الضمان بسبب المخالفة؛
لأنها توجب انتقال مال القراض إلى ذمته، وذلك
موجب لكونه مالكا للربح انتهى. ص: (ولا أخذه
من غيره إن
(7/456)
كان الثاني
يشغله عن الأول، ولا بيع ربه سلعة بلا إذن،
وجبر خسره، وما تلف وإن قبل عمله، إلا أن
يقبض. وله الخلف، فإن تلف جميعه: لم يلزم
الخلف ولزمته
__________
كان الثاني يشغله عن الأول) ش: قال في المدونة
في كتاب القراض: وللعامل أن يأخذ مالا قراضا
من رجل آخر إن لم يكن الأول كثيرا يشغله
الثاني عنه فلا يأخذ حينئذ من غيره شيئا، فإن
أخذهما، وهو يحتمل العمل بهما فله أن يخلطهما،
ولا يضمن، ولا يجوز أن يكون ذلك بشرط من الأول
أو الثاني انتهى. فإن كان الثاني يشغله عن
الأول وأخذه فقال اللخمي في تبصرته في باب
القراض: وللعامل أن يخلط القراض بماله إذا كان
قادرا على التجر بهما، وإن كان لا يقدر على
التجر بأكثر من مال القراض لم يكن ذلك له، فإن
فعل وتجر في الثاني،
(7/457)
السلعة وإن
تعدد العامل: فالربح: كالعمل، وأنفق، إن سافر
__________
وعطل الأول لم يكن عليه في الأول سوى رأس
المال على المشهور من المذهب، وعلى القول
الآخر يكون عليه قدر ما حرمه من الربح وكذلك
إذا تجر في الأول، ثم اشتغل بالثاني عن بيع
الأول حتى نزل سوقه فيختلف هل يضمن العامل ما
حط السوق؛ لأنه حرمه ذلك، وإن فسد لأجل شغله
عنه ضمن، وكذلك إذا أخذ قراضا بعد قراض فلا
يمنع من الثاني إذا كان يقدر على التجر فيهما،
فإن كان لا يقدر إلا على التجر في أحدهما منع
من التجر في الثاني، فإن فعل ضمن ما كان في
الأول من ضيعة أو نزول أسواق أو فساد نحو ما
تقدم، وإذا اشتغل بالأول وعطل الثاني ضمن قدر
ما حرمه من ربحه على أحد القولين، وإن ضاع
ضمنه؛ لأنه متعد في أخذه، وهذا إذا لم يعلمه
أن في يديه قراضا لغيره أو أعلمه، ولم يعلمه
أنه عاجز عن القيام بالمالين انتهى. ونقله ابن
عرفة واقتصر عليه ونصه: اللخمي له خلطه بماله
إن قدر على التجر بهما، وإن عجز عن التجر
بالزائد عليه منع من خلطه، فإن تجر في الثاني
وعطل الأول فلا شيء عليه على المشهور وعلى
القول الآخر يغرم قدر ما حرمه من الربح إن تجر
بالأول واشتغل بالثاني عن بيع الأول حتى نزل
سوقه أو فسد ففي ضمانه نقصه أو كله - إن فسد -
القولان، وأخذه قراضا بعد قراض جائز إن قدر
على التجر بهما، وإلا منع من التجر بالثاني،
فإن فعل ففي ضمانه لترك الأول ونزول سوقه أو
فساده ما تقدم، وإن اشتغل بالأول ضمن ذلك في
الثاني إن لم يعلم هذا الثاني أن بيده قراضا
لغيره أو أعلمه، ولم يعلم عجزه عن القيام
بالمالين انتهى، والله أعلم. ص: (وإن تعدد
فالربح كالعمل) ش: قال في المدونة: وإن قارضت
رجلين على أن لك نصف الربح، ولأحدهما الثلث
وللآخر السدس لم يجز كما لو اشترك
(7/458)
ولم يبن
بزوجته، واحتمل المال لغير أهل، وحج، وغزو
بالمعروف في المال، واستخدم، إن تأهل، لا
دواء،
__________
العاملان على مثل هذا لم يجز؛ لأن أحدهما يأخذ
بعض ربح صاحبه بغير شيء انتهى. أبو الحسن
قوله: "على أن لك" ظاهره أن الشرط من رب المال
على العاملين، وأما في الصورة الثانية فهو من
العامل خاصة وظاهر الكتاب: أن الحكم فيهما
سواء انتهى. ثم قال: زاد في الأمهات: وإنما
يجوز من هذا إذا عملا على ما يجوز في الشركة
بينهما عياض قال بعضهم: عملهما على قدر
أجزائهما من الربح جائز، ونحوه لحمديس وفي
سماع أصبغ لا خير فيه، فإن عملا مضى، وقال بعض
مشايخنا المتأخرين: الصواب: جوازه انتهى. وبعض
مشايخه المشار إليه هو ابن رشد كذا نسبه في
التوضيح له، وهو له في رسم البيوع من سماع
أصبغ من القراض، وهذا هو المشهور وعليه، فإذا
فات قال في التوضيح قال محمد وابن حبيب يقسم
الربح على ما سموا ويرجع صاحب القليل على صاحب
الكثير بفضل عمله، وقال أحمد بن خالد: بل على
رب المال، وقال جماعة: بل يردان إلى حكم
القراض الفاسد، ثم اختلف هؤلاء فقال التونسي:
يكونان أجيرين، وقال فضل: لهما قراض مثليهما
ابن عبد السلام وقول التونسي أظهر عندي وأجرى
على قواعد المذهب انتهى. وهو الجاري على ما
قدمه الشيخ في قوله، وفيما فسد غيره أجرة مثله
انتهى. ص: (لغير أهل) ش: فإن سافر من بلد له
بها أهل إلى بلد له بها أهل أيضا فلا نفقة له
في ذهابه، ولا في رجوعه، ولو أخذه من بلد ليس
فيه أهله، ثم خرج إلى بلد له فيها أهل فلا
نفقة في ذهابه، ولا في إقامته، وله النفقة في
رجوعه قاله في المدونة. ص: (لا دواء) ش: قال
أبو الحسن قال الباجي: وله أن يحتجم ويحلق
رأسه ويفصد
(7/459)
واكتسى، إن
بعد، ووزع، إن خرج لحاجة، وإن بعد أن اكترى.
وتزود. وإن اشترى من يعتق على ربه عالما: عتق
عليه، إن أيسر وإلا بيع بقدر ثمنه وربحه قبله
وعتق باقيه وغير عالم فعلى ربه وللعامل: ربحه
فيه ومن يعتق عليه وعلم عتق عليه بالأكثر من
قيمته أو ثمنه، ولو لم يكن في المال فضل وإلا
فبقيمته، إن أيسر فيهما وإلا بيع بما وجب،
__________
ويدخل الحمام إن احتاج إليه انتهى. وقال في
التوضيح في قول ابن الحاجب: "وللعامل نفقته
(7/460)
وإن أعتق مشترى
للعتق: غرم ثمنه وربحه، وللقراض قيمته يومئذ،
إلا ربحه، فإن أعسر: بيع منه بما لربه وإن وطئ
أمة قوم ربها أو أبقى إن لم تحمل فإن أعسر
اتبعه بها وبحصة الولد أو باع له بقدر ماله،
__________
في السفر، وفي إقامته بغير وطنه بالمال
بالمعروف" هكذا في المدونة أي من غير سرف من
طعامه
(7/461)
وإن أحبل
مشتراه للوطء: فالثمن، واتبع به، إن أعسر،
ولكل: فسخه قبل عمله: كربه وإن تزود لسفر ولم
يظعن، وإلا فلنضوضه، وإن استنضه: فالحاكم، وإن
مات فلوارثه الأمين أن يكمله، وإلا أتى بأمين
كالأول وإلا سلموا هدرا. والقول للعامل في
تلفه وخسره،
__________
وشرابه وركوبه ومسكنه أشهب عن مالك وحجامته
وحمامه قالوا: وليس له دواء انتهى. ص: (ولكل
فسخه قبل عمله) ش: نحوه لابن الحاجب قال في
التوضيح أي رده والرجوع، وإذا كان العقد غير
لازم فلا يطلق عليه الفسخ إلا بطريق المجاز
انتهى. ص: (كربه، وإن تزود لسفر، ولم يظعن) ش:
يعني: وأما العامل فليس له حينئذ الفسخ قال في
التوضيح اللهم إلا أن يدفع لرب المال رأس
ماله، وقوله: "ولم يظعن" مفهومه أنه إذا ظعن
فليس له الفسخ، ولو قال له رب المال: أنا أنفق
عليك حتى أردك، وهو كذلك قال في المدونة ولرب
المال رد المال ما لم يعمل به العامل أو يظعن
به لسفر، وليس له أن يقول بعد ظعنه: ارجع،
وأنا أنفق عليك انتهى. ص: (والقول للعامل في
تلفه وخسره ورده) ش: وهل يحلف؟ أما في دعوى
الرد
(7/462)
ورده إلى ربه
إن قبض بلا بينة، أو قال قراض وربه بضاعة
بأجر، أو عكسه، أو ادعى عليه الغصب أو قال
أنفقت من غيره وفي جزء إن ادعى مشبها والمال
بيده وديعة، وإن لربه، ولربه
__________
فيحلف اتفاقا قاله ابن الحاجب وأما في التلف
فأجراه ابن الحاجب على الخلاف في أيمان التهم.
تنبيهات: الأول: حكم المبضع معه حكم المقارض
في دعوى الرد والتلف كما تقدم في العارية
الثاني: قولهم: إنه يقبل قوله: في رد المال
يعني إذا قبضه بغير بينة، وقد تقدم كلام
القاضي عبد الوهاب في الوكالة، وكلام ابن رشد
في العارية. وهذا إن ادعى أنه رد جميعه أو
(7/463)
إن ادعى الشبه
فقط، أو قال قرض في قراض، أو وديعة أو في جزء
قبل العمل مطلقا، وإن قال وديعة ضمنه العامل
إن عمل ولمدعي الصحة ومن هلك وقبله كقراض أخذ
وإن لم يوجد وحاص غرماءه وتعين بوصية وقدم
صاحبه في الصحة والمرض ولا ينبغي لعامل هبة
وتولية ووسع أن يأتي بطعام كغيره إن لم يقصد
التفضل وإلا فليتحلله، فإن أبى: فليكافئه.
__________
رد بعضه، وكان الباقي لا يفي برأس المال،
وإنما يفي بما رده، وأما لو كان الباقي يفي
برأس المال لكان القول قول رب المال ما دام في
الباقي ربح قال في المدونة، في كتاب القراض:
وإن قال العامل رددت إليك رأس مالك، والذي
بيدي ربح، وقال رب المال: لم تدفع إلي شيئا
صدق رب المال ما دام في المال ربح، وعلى
العامل البينة قال ابن يونس: وحكي عن القابسي
أنه قال: معنى ذلك إذا قال: ما في يدي هذا ربح
بيني وبينك؛ لأنه أقر أن حق رب المال قائم
بيده بعد، وأما إن قال: رددت إليك المال وحصتك
من الربح، وما في يدي حصتي من الربح لكان
القول قول العامل إذا كان قبضه بغير بينة كما
لو لم يكن في المال ربح فادعى أنه رده إلى
صاحبه لكان القول قوله مع يمينه انتهى. وقال
اللخمي في تبصرته بعد كلام المدونة: وينبغي أن
يقبل
(7/464)
__________
قوله: وكذلك إذا قال: هذا ربحي، وكما لو قال:
رددت بعض رأس المال، ولا فرق بين قوله: "رددت
بعض رأس المال" أو "جميعه دون الربح" أو "لم
أربح شيئا" أو "ربحته وسلمت إليك رأس المال
ونصيبك من الربح". وقد قال مالك في كتاب محمد
في المساقي يقول بعد جذاذ الثمرة لصاحب الحائط
قد دفعت إليك نصيبك فالقول قول العامل، وإن
كان يقول: هذا الذي في يدي نصيبي فكذلك القراض
انتهى. قال ابن عرفة بعد ذكره ما تقدم: ففي
قبول دعوى العامل رد المال مقرا ببقاء ربح
بيده ثالثها: إن ادعى رد حظ رب المال منه
للخمي ولها وللقابسي انتهى. وقال الجزولي في
شرح قول الرسالة: ومن قال رددت إليك ما وكلتني
عليه أو على بيعه أو دفعت إليك ثمنه أو وديعتك
أو قراضك فالقول قوله: يريد إلا أن يقول له:
رددت إليك رأس المال، والذي بيدي ربح بيني
وبينك، وقال رب المال: لم تدفع لي شيئا صدق رب
المال ما دام في المال ربح، وعلى العامل
البينة، وهذا نص ما في المدونة ا هـ، وقال أبو
الحسن في شرح قوله في المدونة، في كتاب
الوديعة ومن بيده وديعة أو قراض لرجل فقال:
رددت إليك ذلك فهو مصدق ظاهره كان قبل
المفاصلة أو بعد المفاصلة قال في كتاب القراض:
وإذا قال رددت إليك رأس مالك وبيدي ربح إلخ
فهي تقييد بهذا انتهى.
الثالث: لو ادعى العامل أنه لم يعمل بالمال
فهل يكون القول قوله الظاهر أن القول قوله:
ويحلف على ذلك، ولم أر الآن فيه نصا، والله
أعلم.
(7/465)
باب المساقاة
__________
باب إنما تصح مساقاة شجر
قال ابن عرفة: المساقاة عقد على مؤنة نمو
النبات بقدر، لا من غير غلته، لا بلفظ بيع أو
(7/466)
إنما تصح
مساقاة شجر وإن بعلا ذي ثمر
__________
إجارة أو جعل فيدخل قولها لا بأس بالمساقاة
على أن كل الثمرة للعامل ومساقاة البعل انتهى.
ويبطل طرده على قول ابن القاسم بالعقد عليها
بلفظ "عاملتك" لأنها ليست بمساقاة عند ابن
القاسم قال بعد ذلك: الصيغة ابن رشد لا تنعقد
إلا بلفظ المساقاة على قول ابن القاسم انتهى.
ص: (وإن بعلا) ش: قال في التوضيح قال مالك في
المدونة وغيرها تجوز المساقاة على شجر البعل،
وكذلك ما يشرب بالسيح؛ لأنه قد يعجز عن الدواب
والأجراء قيل لمالك فزرع البعل كزرع إفريقية
ومصر، وهو لا يسقى؟ قال: إن احتاج من المؤنة
إلى ما يحتاج إليه شجر البعل، ويخاف هلاكه إن
ترك جازت مساقاته، وإن كان لا مؤنة فيه إلا
حفظه وحصاده ودراسته لم تجز وتصير إجارة
فاسدة، وليس زرع البعل كشجر البعل، وإنما تجوز
مساقاة زرعه على الضرورة والخوف عليه انتهى.
قلت: وقوله: "قيل فزرع البعل إلخ" هو من كلامه
في المدونة قال ابن ناجي: معناه لا يشترط في
شجر البعل خوف الهلاك كما يشترط في زرعه بل
مجرد الحاجة انتهى. والله أعلم. ص: (ذي ثمر)
ش: قال ابن غازي أخرج به الشجر الذي لم يبلغ
حد الإطعام كالودي فإن مساقاته غير جائزة
حسبما صرح به اللخمي وسيقول في الممنوعات:
وشجر لم يبلغ خمس سنين، وهو يبلغ أثناءها
انتهى.
تنبيه: فإن كان في الحائط ودي لم يبلغ حد
الإطعام إلا أنه قليل فهل تجوز المساقاة في
الحائط جميعه، ويكون تبعا؟ الذي يفهم من كلام
الباجي في المنتقى الجواز، فيكون قول المصنف:
"إلا تبعا" راجعا إلى المسائل الثلاث قبله ونص
الباجي عند قوله في الموطإ: ولا يشترط على
العامل ابتداء عمل جديد من بئر يحفرها، أو غرس
يغرسه فيأتي به من عنده، يعني: أنه يشترط على
العامل غرسا يأتي به من عنده فيغرسه في أرضه،
أو حائطه فإن ذلك لا يجوز ورواه ابن المواز عن
مالك قال محمد إن كان يسيرا أجزت المساقاة،
وأبطلت الشرط، وإن كان له قدر لم تجز. قال
مالك، ولو شرط العمل في ذلك فقط، ويكون أصل
الغرس من عند صاحب
(7/467)
ولم يحل بيعه
ولم يخلف
__________
الحائط، فإن كان يسيرا لا تعظم فيه المؤنة
فجائز، وإن كان كثيرا لم يجز، فإن وقع ذلك على
الوجه الذي يجوز، فقد روى ابن المواز عن مالك
أنه أجير له أجر مثله، قال عيسى إن كان العمل
الكثير دون الأصل يرد إلى مساقاة مثله، وإن
كان الودي من العامل رد إلى إجارة مثله وله
قيمة غرسه مقلوعا انتهى. وقوله: "على الوجه
الذي يجوز" كذا في النسخة التي نقلت منها،
والظاهر: أنه سقط منه لا كما يدل عليه بقية
كلامه فتأمله فصواب العبارة أن يقول: "على
الوجه الذي لا يجوز" ونقله ابن عبد السلام
والمصنف في التوضيح والله أعلم. وقال في رسم
كتب عليه حق، ولا بأس أن يشترط على العامل أن
يسقي الجداول إذا كانت يسيرة قال ابن رشد هو
من العمل اليسير الذي جوزوا اشتراطه. ص: (ولم
يحل بيعه) ش: احترازا مما إذا حل بيعه كما إذا
أزهى بعض الحائط فلا تجوز مساقاته قال في
المدونة: وإذا أزهى بعض الحائط لم تجز مساقاة
جميعه لجواز بيعه انتهى. قال ابن ناجي: تسامح
في قوله لم تجز مساقاة جميعه، وإنما أراد لم
تجز مساقاة شيء منه إذ لا ضرر على ربه في ذلك
لجواز بيعه، وهذا هو المشهور، وقال سحنون تجوز
مساقاته انتهى. قلت: وكذلك ينبغي أن لا تجوز
المساقاة إذا أزهى ما يجاوره من الحوائط على
ما تقدم في بيع الثمار.
تنبيه: فإذا عمل رب الحائط في حائطه مدة، ثم
ساقاه قبل أن يثمر أو بعد أن أثمر، ولم يحل
بيع الثمرة جاز ذلك بشرط أن لا يرجع بأجرة ما
سقى، ولا بشيء منه قاله في رسم مسائل البيوع
من سماع أشهب من كتاب المساقاة قال ابن رشد:
فإن ساقاه بعد أن أسقى شهرا على أن يتبعه بما
سقى فإنه يرد إلى أجرة مثله انتهى. ص: (ولم
يخلف) ش: احترز به مما يخلف كالبقول والقضب
بالضاد المعجمة والموز والقرط بالطاء المهملة
قاله في المدونة.
(7/468)
إلا تبعا، بجزء
قل أو كثر،
__________
قال اللخمي: والكراث وكل ما ليس بشجر، وإذا جز
أخلف فلا تجوز مساقاته، وإن عجز عنه ربه قاله
في المدونة والفرق بين البصل والكراث أن البصل
جرت العادة فيه أنه إنما يجذ بأصوله بخلاف
الكراث فإنه يجذ وتبقى أصوله في الأرض. ص:
(إلا تبعا) ش: هو راجع إلى المسائل الثلاث
التي قبله كما ذكرنا عن الباجي قبل، وليس خاصا
بالمسألتين قبله كما قال ابن غازي.
تنبيه: وإذا كان ما يخلف تبعا فلا يجوز
اشتراطه لرب المال، ولا إلغاؤه للعامل قاله في
رسم سن من سماع ابن القاسم. ص: (بجزء قل، أو
كثر) ش: لا مفهوم لقوله بجزء، وإنما نبه به
على أنه لا تجوز المساقاة بكيل مسمى من
الثمرة، ولم يرد أنه لا بد أن يكون المأخوذ
جزءا من الثمرة بل تجوز المساقاة على أن تكون
الثمرة جميعها للعامل قاله في المدونة وغيرها
قال ابن ناجي: وظاهرها أنها مساقاة حقيقية،
ويجبر العامل أو يستأجر من يعمل إلا أن يقوم
دليل على أنه أراد الهبة لقلة المؤنة وكثرة
الخراج قال اللخمي، وهو مقتضى ما رواه ابن
حبيب، وقال التونسي: هي كالهبة، وإن انتفع
ربها بسقي أصوله، ولو مات قبل الحوز بطلت
انتهى.
قلت: قال اللخمي متمما للكلام الأول: ومتى
أشكل الأمر حملا على المعاوضة لقوله: "أساقيك،
ورب الحائط أعلم بمنافعه ومصلحة ماله" انتهى.
ونقله أبو الحسن، وقال في المقدمات: وتجوز
المساقاة على أن تكون الثمرة كلها للعامل
بعمله، وقد قيل فيه: إنه منحة فيفتقر إلى
الحيازة، ويبطل بالموت، وهو بعيد انتهى.
قلت: وأما عكس هذا فظاهر جوازه، وهو أن تكون
الثمرة كلها لرب المال؛ لأن العامل هنا متبرع
بعمله
تنبيه: يشترط في الجزء المأخوذ أن لا يكون
مختلفا فلو كان في الحائط أصناف من الثمرة
وشرط أن يأخذ من صنف منها النصف، ومن صنف منها
الثلث لم يجز، وكذلك لو كان فيه أنواع من
الثمار فساقاه في نوع من الثمار منها بالنصف،
وفي نوع بالثلث لم يجز قال ابن عرفة: والحائط
مختلف نوع شجرة مختلطا كمتحد اللخمي واختلاف
ثمرته بالجودة والرداءة كتساويها، وتعدد
الحوائط وثمرها سواء في الجودة والرداءة
والعمل، أو تقارب كواحد انتهى.
(7/469)
شاع وعلم
بساقيت،
__________
فرع: وقع في الموطإ وغيره في حديث خيبر "أنه
صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن
رواحة فيخرص عليهم، ثم يقول لهم: "إن شئتم
فلكم، وإن شئتم فلنا بخرصها ونؤدي إليكم
نصفها" هكذا ذكره في المقدمات، وفي الموطإ
نحوه قال الباجي قال ابن مزين: سألت عيسى عن
فعل عبد الله أيجوز ذلك للمساقيين والشريكين،
فقال: لا يعمل، ولا يصلح اقتسامه إلا كيلا إلا
أن تختلف حاجتهما إليه فيقتسمانه بالخرص قال
الباجي: وهذا الذي حمل عيسى الحديث عليه، وأنه
كان يسلم إليهم جميع الثمرة ليضمنوا حصة
المسلمين منها لا يجوز؛ لأنه بيع التمر بالتمر
بالخرص في غير العرايا فلذلك تأول الحديث على
أن الخرص للقسمة خاصة، وإذا حمل الحديث على
أنه إنما كان الخرص للزكاة سلم مما جاء به
وأنكره، وهو محتمل لذلك، ويكون قوله: "إن شئتم
فلكم، وإن شئتم فلنا" على سبيل التحقيق لصحة
خرصه انتهى بالمعنى وخرص الحائط للقسمة إنما
يجوز إذا كان للأكل بشروط تقدمت في باب
القسمة، وقال في المقدمات: جاء في بعض الآثار
تضمين اليهود نصيب المسلمين، وفي بعضها
تخييرهم من غير ذكر ضمان فأما تخييرهم في
أخذهم الثمرة في رءوس النخل بما فيه خرص عليهم
من الثمرة يؤدونه عند الجداد من غير تضمين
فليس بضيق، وقد أجازه جماعة من أهل العلم، وهو
على قياس ما قاله مالك في الخرص بسبب الزكاة،
وأما تخييرهم في التزامهم ذلك مضمونا عليهم
فهو من المزابنة، ولا يكون إلا مفسوخا، وقد
ذكر عن بعض أهل العلم إجازته، وهو بعيد انتهى.
فرع: قال في المدونة: وليس للعامل أن يعري من
الحائط إذ ليست له نخلة معينة إلا أن يعري حصة
من نخلات معينات فيجوز قال أبو الحسن، أو يعري
جميع حظه من الحائط قال، فإن أعرى شيئا بعينه
فإنه يمضي نصيبه للمعرى، ويرجع نصيب رب
الحائط، وليس للمعري أن يقول: اجمعوا حظي في
هذه النخلات؛ لأنه إنما أعراه شيئا بعينه
فاستحق فلا يلزم خلفه انتهى. وقاله اللخمي
وزاد: وكذلك لو أعرى رب الحائط جميع حظه، أو
بعضه، أو شيئا بعينه. ص: (بساقيت) ش: قال في
المقدمات والمساقاة أصل في نفسها فلا تنعقد
إلا بلفظ المساقاة على مذهب ابن القاسم فلو
قال رجل استأجرتك على عمل حائطي هذا بنصف
ثمرته لم يجز على مذهبه كما لا تجوز الإجارة
عنده بلفظ المساقاة، وذلك بين من قوله في
الكتاب: إذا ساقاه في ثمرة قد طاب بعضها أن
ذلك لا يجوز بخلاف قول سحنون فإنه يجيزها
ويجعلها إجارة ولمالك في كتاب ابن المواز مثله
وكلام ابن القاسم أصح انتهى.
قلت: وعلى قول سحنون اقتصر ابن شاس وابن
الحاجب قال ابن الحاجب: الصيغة
(7/470)
لا نقص من في
الحائط
__________
مثل ساقيتك، أو عاملتك على كذا فيقول قبلت،
وما في معناها من قول، أو فعل انتهى. ص: ولا
نقص من في الحائط) ش: يعني أنه يشترط في صحة
المساقاة أن لا يخرج رب الحائط ما كان في
الحائط من عبيد ودواب وأجراء وآلة يوم عقد
المساقاة، فإن شرط ذلك فسدت المساقاة قال في
المدونة، وما كان في الحائط يوم عقد المساقاة
من رقيق ودواب لربه فللعامل اشتراطهم، ولا
ينبغي لرب الحائط أن يساقيه على أن ينزع ذلك
منه فيصير كزيادة شرطها إلا أن يكون قد نزعهم
قبل ذلك، ثم قال فيها، ولو شرط رب المال إخراج
رقيقه ودوابه منه لم يجز، فإن نزل ذلك منه
فللعامل أجرة مثله، والثمرة لربها انتهى. قال
أبو الحسن: قوله: "لا ينبغي" معناها المنع يدل
عليه التعليل، وقوله: "إلا أن يكون قد نزعهم"
استثناء منقطع انتهى. وقال ابن ناجي قوله: "لا
ينبغي" على التحريم للتعليل وصرح بذلك عبد
الحق انتهى.
قلت: وآخر كلام المدونة صريح في أن ذلك على
التحريم؛ لأنه جعل ذلك مما تفسد المساقاة به،
وقال ابن نافع ويحيى، وإذا كان في الحائط رقيق
لا يدخلون إلا بشرط ووجه الأول أنه صلى الله
عليه وسلم لما ساقى أهل خيبر لم يخرج شيئا مما
في الحوائط قاله في التوضيح.
تنبيه: في المدونة إلا أن يكون قد نزعهم قبل
ذلك لفظه في الأم قلت: إن لم يشترطهم العامل،
وأراد المالك إخراجهم قال: قال مالك: أما عند
معاملته واشتراطه فلا ينبغي إخراجهم، وإن كان
إخراجهم قبل ذلك فلا بأس هكذا نقله ابن عرفة،
وقال: انظر قولها: "وإن كان إخراجهم قبل ذلك
فلا بأس" هل هو مطلقا لأجل أنه مختلف فيه، أو
ما لم يكن ذلك لقصد إخراجهم من المساقاة كمن
أراد طلاق زوجته فأخرجها من مسكنها لكي تعتد،
ومال أبو حفص العطار إن أراد أن يساقي حائطه
فأخرجهم، ثم أقبل يسوم به فلا بأس إنما الذي
لا يجوز أن يخرجهم عند إرادة عقدها مع من تكلم
معه فيه انتهى. قلت: ما قاله أبو حفص: هو الذي
يفهم من كلام المدونة.
فرع: وليس للعامل أن يعمل بعمال رب المال
ودوابه في غير الحائط المساقى عليه: ولا يجوز
له أن يشترط ذلك قاله في الموطإ، قال الباجي:
لا يجوز للعامل أن يعمل بهم في غير الحائط
المساقى عليه سواء كان يعمل بهم في حوائط
يملكها، أو حوائط ساقى عليها من أجنبي، أو عمل
فيها بأجر، وأما رقيقه وعماله فله أن يستعملهم
حيث شاء ويستبدل بهم كيف شاء؛ لأنه إنما عليه
العمل في الحائط، فإن اشترط ذلك على رب الحائط
فسدت المساقاة؛ لأنها زيادة اشترطها، فإن فاتت
بالعمل فقياس قول ابن القاسم أن يرد إلى إجارة
مثلهم، وإن عمل بهم من
(7/471)
ولا تجديد، ولا
زيادة لأحدهما، وعمل العامل: جميع ما يفتقر
إليه عرفا:
__________
غير شرط منع من ذلك، ولا يفسد العقد بذلك
انتهى بالمعنى قلت: إلا أن يكون ذلك بإذن رب
المال فيجوز والله أعلم. ص: (ولا تجديد) ش:
يعني أنه يشترط أيضا في صحة المساقاة أن لا
يشترط العامل على رب الحائط أن يجدد فيه دواب
وأجراء لم يكن فيه حين العقد، فإن شرط ذلك
فسدت المساقاة يريد إلا أن يكون ذلك يسيرا
كاشتراط دابة، أو غلام في الحائط الكبير فإن
ذلك جائز بلا خلاف كما سيذكره المصنف في
الجائزات فإطلاقه هنا مقيد بما سيأتي قال في
المدونة: وما لم يكن في الحائط يوم العقد فلا
ينبغي أن يشترطه العامل على رب الحائط إلا ما
قل كغلام أو دابة حائط كبير، ولا يجوز ذلك في
صغير، ورب حائط تكفيه دابة واحدة لصغره فيصير
هذا يشترط جميع العمل على ربه، وإنما يجوز
اشتراط ما قل فيما كثر، ولا يجوز للعامل أن
يشترط على رب المال دواب، أو رقيقا ليسوا في
الحائط قال أبو الحسن قوله: "لا ينبغي" معناه
لا يجوز، وقال ابن ناجي: لا ينبغي على التحريم
يدل عليه ما بعده وأخرج منه قوله: "ولا يجوز"
وهذا هو المشهور، وقال ابن نافع: لا بأس أن
يشترط من الرقيق ما ليس فيه قال اللخمي، وهو
أقيس انتهى. ص: (وعمل العامل جميع ما يفتقر
إليه عرفا) ش: كذا في أكثر النسخ "عمل" بصيغة
الفعل الماضي من العمل والعامل فاعله "وجميع"
مفعوله، وفي بعض النسخ بجر العامل بـ"على"
الجارة ورفع "جمع" على أنه مبتدأ تقدم خبره
والمعنى واحد غير أن "على" أبين في الدلالة
على اللزوم قال في المدونة: ووجه العمل في
المساقاة أن جميع العمل والنفقة وجميع المؤنة
على العامل، وإن لم يشترط ذلك عليه انتهى.
يريد جميع الذي تفتقر إليه الثمرة ويقطع
بانقطاعها، أو يبقى منه بعدها الشيء اليسير
قال في المقدمات: عمل الحائط إن لم يتعلق
بإصلاح الثمرة لم يلزم العامل، ولا يصح أن
يشترط عليه منه إلا اليسير يعني كسد الحظيرة
وإصلاح الضفيرة قال: وإن تعلق بإصلاح الثمرة،
وكان ينقطع بانقطاعها، أو يبقى بعدها الشيء
اليسير فهذا يلزم المساقى، وذلك كالحفر والسقي
وزبر الكروم وتقليم الشجر والتسريب والتسديد
وصلاح مواضع السقي والتذكير والجداد، وما أشبه
ذلك
(7/472)
كإبار، وتنقية
ودواب وأجراء،
__________
قال: وإن كان يتأبد ويبقى بعد الثمرة كإنشاء
حفر بئر أو إنشاء ضفيرة، أو إنشاء غراس، أو
بناء بيت تجنى فيه الثمرة كالجرين، وما أشبه
ذلك فلا يلزم العامل، ولا يجوز اشتراط ذلك
عليه عند المساقاة انتهى. ص: (كإبار) ش: قال
في الصحاح: وتأبير النخل تلقيحه يقال نخلة
مؤبرة مثل مأبورة والاسم منه الإبار على وزن
الإزار انتهى. ولم يذكر الفاكهاني في شرح
الرسالة غير هذا، والجاري على الألسنة الإبار
بالتشديد، وهو جائز قال الزمخشري في قوله
تعالى: {وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً}
[النبأ: 28] فعال في باب فعل فاش من كلام فصاح
من العرب لا يقولون غيره وسمعني بعضهم أفسر
آية، فقال: لقد فسرتها فسارا ما سمع بمثله،
وقال غير الزمخشري: هي لغة لبعض العرب يمانية
والله أعلم. وقال أبو الحسن: التلقيح والتذكير
والإبار ألفاظ مترادفة قال في المدونة، ولا
بأس باشتراط التلقيح على رب المال، فإن لم
يشترط فهو على العامل، وقال بعده، وإنما يجوز
لرب المال أن يشترط على العامل ما تقل مؤنته،
وذكر أشياء منها إبار النخل، وهو تذكيرها
انتهى. قال اللخمي: اختلف قول مالك في الإبار
فجعله مرة على رب الحائط، ومرة على العامل
فتأول بعضهم ذلك على أن على رب الحائط الشيء
الذي يلقح به، وعلى العامل العمل قال اللخمي:
وليس بالبين انتهى. قال في التوضيح بعد أن ذكر
القولين: حمله بعضهم على الخلاف قلت: الذي
يظهر من المدونة أنه على العامل إلا أن يشترطه
على رب المال وكلامه الأخير لا يعارض الأول
ولذلك والله أعلم أطلق المصنف فيه.
(7/473)
وأنفق، وكسا،
لا أجرة من كان فيه، أو خلف من مات، أو مرض
__________
ص: (وأنفق وكسا) ش: يعني أن العامل يلزمه أن
ينفق على الدواب والأجراء، وأن يكسوهم سواء
كان له، أو لرب الحائط، وهذا مذهب المدونة قال
فيها وعليه نفقة نفسه ونفقة دواب الحائط من
رقيقه كانوا له، أو لرب الحائط، ولا يجوز أن
يشترط نفقتهم، أو نفقة العامل نفسه على رب
الحائط قال ربيعة: ولا تكون بينهما، ولا شيء
يكون من النفقة في ثمر الحائط قال أبو الحسن
قول ربيعة تفسير، وقال اللخمي في مختصر ما ليس
في المختصر: إن نفقة دواب رب الحائط عليه. ص:
(لا أجرة من كان فيه) ش: يعني أن حكم الأجرة
مخالف لحكم النفقة والكسوة فإنه إنما يلزم
العامل أجرة من استأجره هو، وأما من كان في
الحائط عند عقد المساقاة فأجرته على ربه قال
في التوضيح: هكذا قال في الواضحة وقيده اللخمي
بما إذا كان الكراء وجيبة قال: وإن كان الكراء
غير وجيبة فحكمه حكم ما لا أجراء فيه وخالف في
ذلك الباجي ورأى أن ذلك على ربه، ولو كان غير
وجيبة قال: وهذا إذا كان مستأجرا لجميع العام،
وإن كان مستأجرا لبعضه، فلم أر الآن في ذلك
نصا وعندي أن عليه أن يستأجر من يتم العمل؛
لأنه لو مات للزمه ذلك فكذلك إذا انقضت مدة
إجارته، وما ذكره عن الواضحة هو ظاهر المدونة
لقوله فيها، وأما ما كان في الحائط يوم
التعاقد من دواب ورقيق فخلف من مات منهم على
رب الحائط، وإن لم يشترط العامل ذلك عليهم إذ
عليهم عمل العامل، ولو شرط خلفهم على العامل
لم يجز انتهى. وليس في المدونة التصريح بأن
الأجرة على رب الحائط كما قال الشارح، وأما
كلام اللخمي فمخالف لظاهر المدونة؛ لأنه إذا
كان عليه خلف من مات من الأجراء فذلك يقتضي أن
الأجرة عليه سواء كانت وجيبة، أو غير وجيبة،
وكذلك إذا انقضت الأجرة في بعض العام فظاهر
المدونة أنه يلزمه إتمام الأجرة في بقية
السنة، أو استئجار شخص آخر خلفه قال ابن ناجي
في شرح المدونة: ذكر الموت في الكتاب طردي
لقول اللخمي: الإباق والتلف في أول العمل
كالموت انتهى. قلت: وقال اللخمي أيضا لو أراد
رب الحائط أن يخرج
(7/474)
كما رث على
الأصح: كزرع، أو قصب، وبصل، ومقثأة، إن عجز
ربه وخيف موته وبرز ولم يبد صلاحه وهل كذلك
الورد ونحوه والقطن أو كالأول وعليه الأكثر؟
__________
من فيه ويأتي بمن يعمل عملهم لم يكن للعامل في
ذلك مقال والله أعلم. ص: (كما رث على الأصح)
ش: يعني أن ما كان في الحائط من حبال أو أدلية
وآلات من حديد ونحو ذلك يوم عقد المساقاة فإنه
يكون للعامل، ولا يجوز لرب الحائط إخراجه كما
تقدم، وما لم يكن في الحائط فعلى العامل
الإتيان به، فإذا رث ما كان في الحائط من
الآلات أي بلي فهل يجب على رب المال خلفه، أو
لا يلزم ربه خلفه، ويكون خلفه على العامل؟ ذكر
الباجي في ذلك قولين قال: وكونه على العامل
أظهر؛ لأنه إنما دخل على أن ينتفع به حتى تهلك
عينه، وأمد انتهائها معلوم بخلاف العبد
والدابة فإنه لا يعلم أمد ذلك، وجزم اللخمي
بأن خلف ذلك على العامل، ولم يحك فيه خلافا
إذا علم ذلك فقول المصنف: "كما رث" إن كان
بكاف التشبيه كما هو في غالب النسخ فكان من
حقه أن يذكر قبل قوله: "لا أجرة من كان فيه"
كما قال ابن غازي؛ لأنه مشبه بما هو على
العامل، وإن كان بـ"لا" النافية فهو مخرج من
المنفي قوله أي ليس على العامل خلف من مات، أو
مرض ممن كان فيه وعليه خلف ما رث.
فرع: فلو سرق ما كان في الحائط من الأثاث كان
على رب الحائط إخلافها اتفاقا قاله في
التوضيح، فإذا أخلفها ربه انتفع به العامل قدر
ما كان ينتهي إليه المسروق، ثم يختلف فيه
حينئذ فمن قال إذا بلي يلزم ربه خلفه قال
يستمر العامل على الانتفاع به، ومن قال الخلف
على العامل قال لربه أن يأخذه، والله أعلم. ص:
(كزرع وقصب وبصل ومقثأة) ش: تقدم الكلام على
مساقاة زرع البعل أول الباب والمقثأة بالثاء
المثلثة قبل الألف والتاء الفوقية بعدها. ص:
(أو كالأول، وعليه الأكثر) ش: كلامه في
المدونة كالصريح في هذا، ونصه: ولا بأس
(7/475)
__________
بمساقاة الورد والياسمين والقطن، وأما المقاثي
والبصل وقصب السكر فكالزرع تساقى إن عجز ربه
انتهى. قال في التوضيح: وقول من حمل المدونة
على الجواز مطلقا أظهر انتهى. وقال في
المقدمات: لا ينبغي أن يختلف في أن المساقاة
في الياسمين والورد جائزة على مذهب مالك، وإن
لم يعجز صاحبها عن عملها انتهى. وأما القطن
فاستبعد ابن رشد الخلاف فيه على الإطلاق، وذكر
في التوضيح عن ابن يونس أنه أشار إلى أن
الخلاف في القطن ينبغي أن يكون خلافا في حال
ففي بعض البلاد يكون شجرة كالأصول الثابتة
تجنى سنين، وفي بعضها تكون كالزرع يساقى إن
عجز ربه انتهى. قال في التوضيح: ليس له أصل
ثابت، وهذا ظاهر فليتأمل والله أعلم. ص:
(وأقتت بالجداد) ش: يعني أن الشأن في المساقاة
أن تؤقت بالجذاذ، ولم يبين - رحمه الله - هل
التوقيت بذلك شرط في صحة المساقاة، أو ليس
بشرط، والذي يقتضيه كلامه في المدونة: أن ذلك
ليس بشرط قال فيها: والشأن في المساقاة إلى
الجداد، ولا يجوز شهرا، ولا سنة محدودة، وهي
إلى الجداد إذا لم يؤجلا انتهى. وقال ابن عبد
السلام في قول ابن الحاجب ويشترط تأقيتها
وأقله إلى الجذاذ، وإن أطلق حمل عليه اشتراط
الأجل مع الحكم بصحة عقد المساقاة المطلقة
بعد، فإن قلت: مراده أن وجود الجهالة في العقد
يفسده، وهو أمر زائد على إطلاق العقد قلت:
فعلى هذا تكون الجهالة مانعة من الصحة؛ لأن
التأقيت شرط في الصحة انتهى. وقال أبو الحسن:
قوله: "ولا تجوز شهرا، ولا سنة محدودة" ظاهره
كان الأجل ينقضي قبل الجداد، أو بعده فهذا لا
يجوز؛ لأنه إن كان لا ينقضي إلا بعد الجذاذ
فهي زائدة اشترطها العامل على رب الحائط؛ لأن
رب الحائط يعمل في نصيبه فلهذا قال لا تجوز
شهرا، ولا سنة محدودة انتهى. وقال ابن رشد في
سماع أشهب مسألة: وسألته عن الذي ساقى ثلاث
سنين أليس ذلك من جذاد إلى جذاذ؟ قال: بلى،
قال ابن رشد: هذا مما لا اختلاف فيه أعلمه؛
لأن السنين في المساقاة إنما هي بالأجدة لا
بالأهلة بخلاف القبالات التي إنما هي بالأهلة
لا بالأجدة، فإن ساقاه السنين واشترط أحدهما
على صاحبه الخروج قبل الجذاذ، أو بعده رد في
ذلك إلى مساقاة مثله انتهى. وقال اللخمي
المساقاة إلى السنتين والثلاث على وجهين إن
أريد انقضاء السقي بانقضاء الثمرة التي تكون
في تلك السنين جاز، وإن كان القصد التمادي
بالعمل إلى انقضاء شهور تلك السنة، وإن جدت
الثمرة لم تجز وكان العامل في السنين الأولى
على مساقاة مثله، وفي العام الأخير من حين تجد
الثمرة إلى آخر ذلك العام على إجارة مثله
انتهى. قلت: فتحصل من هذا أن المطلوب في
المساقاة أن تؤقت بالجداد سواء عقداها لعام
واحد، أو لسنين متعددة، فإن عقداها وأطلقا
حملت على الجداد وعلى أنها لعام واحد، وإن
(7/476)
تأويلان. وأقتت
بالجذاذ، وحملت على الأول، إن لم يشترط ثان،
وكبياض نخل، أو زرع، إن وافق الجزء وبذره
العامل، وكان ثلثا بإسقاط كلفة الثمرة: وإلا
فسد:
__________
عقداها لسنة أو لسنتين وأطلقا حملت أيضا على
الأجدة، وإن أراد التحديد بالسنة العربية، أو
السنين العربية لم يجز وتفسد المساقاة بذلك
وسيأتي شيء من هذا عند قول المصنف: "وسنين".
ص: (وحملت على أول، لم يشترط ثان) ش، فإن
اشترط الثاني جاز قال في المدونة: وإن كانت
تطعم في العام مرتين فهي إلى الجداد الأول حتى
يشترط الثاني، ثم قال في آخر الكتاب: ولا بأس
بمساقاة نخل يطعم في السنة مرتين كما تجوز
مساقاة عامين، وليس ذلك مثل ما ذكره هنا من
مساقاة القضب؛ لأن القضب يحل بيعه وبيع ما
يأتي بعده والشجر لا يباع ثمارها قبل أن تزهي
انتهى. يعني أن النخل والشجر، وإن كان يطعم في
السنة مرتين فليس هو كالقضب الذي يخلف لما
ذكره، والقضب بالضاد المعجمة والله أعلم. ص:
(وكبياض نخل، أو زرع) ش: قال في التوضيح:
البياض عبارة عن الأرض الخالية عن الشجر،
وسواء كان البياض بين أضعاف السواد، أو منفردا
عن الشجر، قاله ابن المواز انتهى. ولو قال
المصنف: "وكبياض شجر" لكان أشمل، ومراده أنه
يجوز إدخال البياض الكائن مع الشجر، أو مع
الزرع في مساقاة الشجر، وفي مساقاة الزرع
بالشروط المذكورة، والله أعلم. ص: (وبذره
العامل) ش: فإن دخلا على أن البذر من عند رب
الحائط أو منهما جميعا لم يجز قاله في المدونة
وبقي شرط رابع، وهو أن يكون حرثه والعمل فيه
على العامل، قال في المدونة: ولا يجوز أن
يشترط فيه نصف البذر على رب الحائط، أو حرث
البياض فقط، وإن جعلا الزرع بينهما، وإن كان
على
(7/477)
كاشتراطه ربه،
وألغي للعامل، إن سكتا عنه، أو اشترطه، ودخل
شجر تبع زرعا، وجاز زرع وشجر وإن غير تبع،
وحوائط، وإن اختلفت بجزء،
__________
أن يزرعه العامل من عنده ويعمله، وما أنبت
بينهما فجائز انتهى. ص: (كاشتراط يرد به) ش:
هذا إذا كان العامل يسقيه، أو يبذره أو يعمل
فيه قال في المدونة: وكذلك إن كان يناله سقي
العامل قاله في الموطإ قال ابن حبيب، وإن كان
بعلا، وإن كان لا يسقى بماء الحائط فجائز قال
في التوضيح: وهذا ينبغي أن يكون تقييدا لما في
الموطإ انتهى. قلت: وسياق كلام أبي الحسن
يقتضي أنه تقييد، ولا فرق في ذلك بين كون
البياض كثيرا، أو يسيرا والله أعلم. ص: (وألغي
للعامل إن سكتا عنه) ش: يعني أن المتعاقدين
إذا سكتا عن البياض حين عقد المساقاة، فلم
يشترطه، ولا اشترطه رب المال فإنه يكون للعامل
يريد إذا كان يسيرا؛ لأن الكلام فيه. ص: (أو
اشترطه) ش: يعني أن العامل إذا اشترط البياض
لنفسه فإن ذلك جائز يريد إذا كان يسيرا كما
تقدم، وهذا لا خلاف فيه، ونص في المدونة
وغيرها على أن إلغاء البياض للعامل هو
المطلوب، ولفظ المدونة: قال مالك: وأحب إلي أن
يلغى البياض، فيكون للعامل، وهذا أصله قال عبد
الحق، فإن اعترض معترض، وقال أليس قد ساقى
عليه الصلاة والسلام أهل خيبر على شطر ما
أخرجت من تمر، أو حب فلما استحب مالك إلغاء
البياض، فلم يستحب ما في الحديث من كونه
بينهما فالجواب: أنه جاء في حديث آخر أنه ترك
لهم بياض النخل، فاستحب مالك هذا إذا كان في
كون البياض بينهما كراء الأرض بما يخرج منها،
والله أعلم.
(7/478)
إلا في صفقات
وغائب إن وصف، ووصله قبل طيبه،
__________
فرع: فلو اشترط العامل البياض اليسير وزرعه،
ثم أجيحت الثمرة قال مالك في سماع سحنون: عليه
كراء البياض، قال ابن رشد: ومعنى ذلك: أن
العامل لما أجيحت الثمرة أبى أن يتمادى على
عمل الحائط إلى آخر ما يلزمه من سقائه، ولو
تمادى على ذلك لم يكن عليه في البياض كراء
قال: ويبين ذلك قول مالك في كتاب ابن سحنون:
وكذلك لو عجز العامل عن الأصل كان عليه البياض
بكراء مثله فشبه المسألة الأولى بعجز العامل
عن العمل انتهى بالمعنى والله أعلم. ص: (وغائب
إن وصف ووصله قبل طيبه) ش: يعني أنه تجوز
المساقاة على الحائط، ولو كان غائبا وظاهره
سواء كان قريب الغيبة، أو بعيدها، وهو كذلك
إذا حصل الشرطان المذكوران الأول: أن يوصف
للعامل، والمراد بالوصف أن يذكر جميع ما يحتاج
إليه من العمل فيذكر ما فيه من الرقيق
والدواب، أو لا شيء فيه، وهل هو بعل، أو سقي
بالعين، أو بالغرب؟ وتوصف أرضه، وما هي عليه
من الصلابة، أو غيرها ويذكر ما فيه من أجناس
الأشجار وعددها والقدر المعتاد مما يوجد فيها
أشار إلى ذلك اللخمي ونقله أبو الحسن.
تنبيه: وانظر هل يكتفي بوصف رب الحائط، أو لا
بد أن يصفه غيره؟ والظاهر أنه يكتفي بوصف كما
في البيع، ولم أقف عليه منصوصا، والظاهر أيضا:
أن رؤية العامل للحائط قبل عقد المساقاة بمدة
لا يتغير بعدها تقوم مقام الوصف وانظر هل يجوز
أن تعقد المساقاة معه من غير وصف على أنه
بالخيار إذا رآه كما في البيع، والظاهر:
الجواز أيضا كما في البيع، وقد يؤخذ ذلك من
قوله في المدونة: ولا بأس بمساقاة الحائط
الغائب ببلد بعيد إذا وصف كالبيع انتهى. الشرط
الثاني: أن يعقد المساقاة في زمن يمكن وصول
العامل فيه قبل طيب الحائط، وهذا معنى قول
المصنف: "ووصله قبل طيبه". وأما إن كان لا يصل
إليه إلا بعد طيبه فلا تجوز قاله الشيخ أبو
محمد قال عبد الحق: هذا على أصل ابن القاسم،
وقال بعض شيوخنا: ويجوز ذلك على قول سحنون،
وإن كان لا يصل إلا بعد الطيب.
فرع: فإن عقد المساقاة في زمن يمكن وصوله قبل
الطيب فتوانى في طريقه، فلم يصل إلا بعد الطيب
لم تفسد المساقاة بذلك ذكره أبو الحسن عن بعض
القرويين، ونقله في الشامل.
(7/479)
واشتراط جزء
الزكاة
__________
فرع ونفقة الحمل في خروجه عليه، وليس كالقراض
قاله في المدونة. ص: (واشتراط جزء الزكاة) ش:
يعني أنه يجوز أن يشترط أن الزكاة تخرج من حصة
أحدهما قال في المدونة:، ولا بأس أن يشترط
الزكاة في حظ أحدهما؛ لأنه يرجع إلى جزء معلوم
ساقاه عليه، فإن لم يشترطا شيئا فشأن الزكاة
أن يبدأ بها، ثم يقتسمان ما بقي انتهى. واعلم
أن الحائط في المساقاة إنما يزكى على ملك ربه
فتجب الزكاة فيه إذا كان ربه حرا مسلما، وكان
في الحائط خمسة أوسق، وكذا إن كان أقل إذا كان
لربه حائط آخر إذا ضم ثمره إلى ما خرج من هذا
الحائط بلغ خمسة أوسق، وسواء كان العامل حرا
مسلما أم لا؟ وسواء حصل له نصاب، أو دون
النصاب؟ فتخرج الزكاة من جملة الحائط، ثم يقسم
ربه والعامل ما بقي على ما اتفقا عليه من
الأجزاء، وإن كان رب الحائط ممن لا تجب عليه
الزكاة بأن كان عبدا، أو كافرا فلا تجب الزكاة
في حصته، ولا في حصة العامل، ولو كان حرا
مسلما وحصل له نصاب، ولو حصل للعامل من حائط
له غير الحائط المساقى عليه بعض النصاب لم يضم
إلى ما حصل له في الحائط سواء وجبت فيه الزكاة
أم لم تجب؟ قاله ابن رشد في سماع أشهب من كتاب
المساقاة، وفي نوازل أصبغ من كتاب القراض،
وقال: إنه لا خلاف في ذلك قال ابن عرفة: وزكاة
المساقاة قال في البيان الواجب إخراجها من
جملة الثمرة إن بلغت نصابا، أو كان لرب الحائط
ما إن ضمه إليها بلغت، ثم يقتسمان ما بقي
اللخمي قول مالك: إنها مزكاة على ملك رب
الحائط يجب ضمها لماله من ثمر غيرها ويزكي
جميعها، ولو كان العامل ممن لا تجب عليه،
وتسقط إن كان رب الحائط ممن لا تجب عليه،
والعامل ممن تجب عليه انتهى.
فرع: قال في التوضيح: ولو شرط رب المال الزكاة
على العامل ونقص الحائط عن النصاب فقيل:
يقتسمان الثمرة نصفين، وقال سحنون: لرب الحائط
ستة أعشارها، وللعامل أربعة أعشارها، وقال ابن
عبد السلام: يقتسمان الثمرة أتساعا لرب الحائط
خمسة، وقيل: يقتسمانها من عشرين لرب الحائط
أحد عشر جزءا وللعامل تسعة أجزاء، وقال في
الشامل: ولو شرطت على العامل، فلم تجب فله نصف
الغلة كأن سكتا عنها، وقيل: أربعة أعشارها،
وقيل: تسعة
(7/480)
على أحدهما
وسنين ما لم تكثر جدا بلا حد، وعامل دابة أو
غلاما في الكبير،
__________
أجزاء من عشرين وزكى على ملك ربه انتهى. وهذا
حيث دخلا على أن للعامل نصف الثمرة، وإلا فله
بحسب ما دخلا عليه. ص: (وسنين ما لم تكثر جدا
بلا حد) ش: يعني أنه يجوز أن تعقد المساقاة
على سنين متعددة ما لم تكثر جدا، ولم يحد مالك
في الكثرة حدا، ويشير إلى قوله في المدونة:
ويجوز أن يساقيه سنين ما لم تكثر جدا قيل:
فعشرة قال: لا أدري تحديد عشرة، ولا ثلاثين،
ولا خمسين انتهى. قال في التوضيح: وهذا يحتمل
معنيين: أحدهما: أنه لم يثبت عنده شيء من
السنة والثاني: أنه رأى أن ذلك يختلف باختلاف
الحوائط؛ إذ الجديد ليس كالقديم فلو حدد لفهم
الاقتصار على ذلك الحد، ثم ذكر عن صاحب المعين
أنه قال يستحب أن تكون المساقاة من سنة إلى
أربع قال، فإن طالت السنون جدا فسخت انتهى.
قلت: وما ذكره عن صاحب المعين ذكره في
المتيطية.
تنبيه: قال ابن الحاجب: وتجوز إلى سنين،
والأخيرة بالجداد قال في التوضيح: قال في
البيان: لا خلاف في ذلك، وسواء تقدم الجداد،
أو تأخر عنها انتهى. قلت: ونقله في المتيطي
بلفظ: "فإن انقضت المدة قبل الجداد فعلى
العامل التمادي إلى الجداد" انتهى. ثم قال في
التوضيح: ولما نقل أبو الحسن أنها تؤرخ بالسنة
العجمية قال هذا في السنين الكثيرة؛ لأن
السنين بالعربي تنتقل انتهى. قلت: ، فإن قصد
التحديد بالعربي سواء تقدم على الجداد، أو
تأخر فإن المساقاة تفسد بذلك كما تقدم عند
قوله: "وأقتت بالجداد" والله أعلم. ص: (وعامل
دابة، أو غلاما في الكبير) ش: هذا معطوف على
قوله: "سنين" لكن الأول من باب إضافة المصدر
للمفعول، وهذا من إضافته للفاعل، وانظر هل
يجوز ذلك في العربية؟ وقوله: "في الكبير"
بالباء الموحدة، والمعنى: أنه يجوز أن يشترط
العامل على رب المال أن يعينه بالدابة، أو
غلام إذا كان الحائط كبيرا، وأما إن كان صغيرا
فلا يجوز ذلك.
تنبيه: قوله: "دابة أو غلاما" بـ"أو" مثل لفظ
المدونة، وقال أبو الحسن: ظاهره أحدهما على
البدل لا مجموعهما، والمقصود إنما هو اليسارة
كما قال فيما يأتي، وإنما يجوز اشتراط ما قل
فيما كبر انتهى. قلت: فظاهره أنه إذا كان
الحائط كبيرا فتأمله.
فرع: قال أبو الحسن قال ابن يونس: إذا اشترط
الغلام، أو الدابة فخلف ما مات من ذلك على رب
المال؛ إذ عليهم عمل العامل فهو بمنزلة ما لو
كانوا فيه، وقال اللخمي إن شرط من ذلك غير
معين كان على ربه خلفه، وإن كان معينا، فقال
هذا العبد، أو هذه الدابة لم يجز
(7/481)
وقسم الزيتون
حبا كعصره على أحدهما، وإصلاح جدار، وكنس عين،
وسد حظيرة، وإصلاح ضفيرة أو ما قل،
__________
إلا أن يشترط الخلف انتهى. وقال في التوضيح:
إذا شرط غلاما، أو دابة فقال سحنون: لا يجوز
ذلك إلا بشرط الخلف، وقيل: يجوز، وإن لم يشترط
الخلف والحكم يوجبه قال في البيان: وهو ظاهر
ما في الواضحة، وما في البيان محتمل للوجهين،
والذي أقول به، وهو تفسير لجميع الروايات أنه
إن عين الغلام، أو الدابة بإشارة، أو تسمية
فلا تجوز المساقاة إلا بشرط الخلف، وإن لم يكن
معينا فالحكم يوجبه، وإن لم يشترط انتهى. ص:
(وقسم الزيتون حبا كعصره على أحدهما) ش: ظاهر
كلامه أنه يجوز اشتراط قسم الزيتون حبا، ويجوز
اشتراط عصره على أحدهما، فإن لم يشترط واحدا
من الأمرين لزمهما أن يعصراه، ولا يقتسماه إلا
بعد عصره، وهو ظاهر لفظ المدونة لكنه خلاف ما
ذكره أبو الحسن الصغير عن سحنون أن منتهى
المساقاة في الزيتون جنيه قال في المدونة: قال
مالك في الزيتون: إن شرط قسمه حبا جاز، وإن
شرط عصره على العامل جاز ذلك قال أبو الحسن
زاد ابن يونس في نقله ليسارته قال أبو إسحاق
إن شرطا عصره على رب الحائط جاز قال ابن يونس،
وإن لم يكن فيه شرط فعصره بينهما، وحكاه
اللخمي عن ابن المواز وسحنون قال سحنون: منتهى
المساقاة جناه انتهى. ومقتضى كلام ابن رشد في
سماع عيسى من كتاب المساقاة: أن كلام سحنون هو
المذهب، ويمكن أن يحمل كلام المصنف على أن
المراد أن قسم الزيتون حبا إن شرطه أحدهما عمل
به، ولو كان العرف أن عصره على أحدهما عمل به،
وإن لم يشترطا ذلك، وكان عرف عمل به، فإن لم
يكن عرف، ولا شرط فعصره عليهما، وإن أحب قسمه
حبا جاز فتأمله. ص: (أو ما قل) ش: لو
(7/482)
وتقايلهما
هدرا،
__________
قدمه على قوله: "وإصلاح جدار" وأدخل عليه
الكاف فقال: "كإصلاح جدار" لكان أحسن؛ لأن فيه
تنبيها على أن العلة في جوازهما اشتراطهما على
العامل هو يسارتها كما قال في المدونة: وإنما
يجوز لرب الحائط أن يشترط على العامل ما تقل
مؤنته مثل سرو الشرب، وهو تنقية ما حول النخل
من مناقع الماء، وجم العين، وهو كنسها، وقطع
الجريد، وإبار النخل، وهو تذكيره، وسد الحظار،
واليسير من إصلاح الضفير ونحوه مما تقل مؤنته،
فيجوز اشتراطه على العامل، وإلا لم يجز، وسرو
الشرب بفتح السين المهملة وسكون الراء من
السرو وبفتح الشين المعجمة والراء من الشرب.
ص: (وتقايلهما هدرا) ش: يعني أن العامل إذا
عقد المساقاة على حائط، ثم أراد المقايلة من
رب الحائط، أو ممن صار إليه ببيع، أو إرث فإن
ذلك جائز إذا تقايلا هدرا من غير أن يدفع
أحدهما للآخر شيئا قال في المدونة: ومن ساقى
رجلا ثلاث سنين فليس لأحدهما المتاركة حتى
تنقضي؛ لأن المساقاة تلزم بالعقد، وإن لم
يعمل، وليس لأحدهما الترك إلا أن يتتاركا بغير
شيء يأخذه أحدهما من الآخر فيجوز لأن هذا ليس
ببيع ثمر لم يبد صلاحه؛ إذ للعامل أن يساقي
غيره، فرب الحائط كأجنبي إذا تركه انتهى. وقال
بعده في المدونة: ومن ساقيته حائطك لم يجز أن
يقيلك على شيء تعطيه إياه كان قد شرع في العمل
أم لا؟ لأنه غرر إن أثمر النخل، فهو بيع
الثمرة قبل زهوه، وإن لم يثمر، فهو أكل المال
بالباطل انتهى.
فرع: فإن خرج من المساقاة قبل العمل، أو بعده،
فلرب الحائط، أو للمبتاع على شيء يعطاه لم يجز
باتفاق، فإن وقع، ولم يعثر على ذلك حتى فات
بالعمل رد فيما عمل إلى إجارة مثله، وإن خرج
على جزء مسمى، فإن كان قبل العمل، فلا خلاف في
جواز ذلك، وإن كان بعد العمل، فأجاز ذلك ابن
القاسم في رسم الأقضية من سماع أصبغ ومنعه في
رسم البيوع من سماع أشهب خوف أن تكون المساقاة
التي أظهر أولا وآخرا ذريعة لاستئجار العامل
في المدة التي عمل فيها بالجزء الذي جعل له من
الثمرة، فإن وقع ذلك رد إلى إجارة مثله قال
ابن رشد: فإن فعلا ذلك لأمر بدا لهما دون
دلسة، فلا حرج عليهما؛ لأنها بانفرادها مساقاة
صحيحة انتهى مختصرا من رسم البيوع. وظاهر كلام
ابن رشد: أن هذا هو المذهب، وحكاه في التوضيح
وقبله، وذكره في الشامل بـ"قيل" وليس بظاهر.
(7/483)
ومساقاة العامل
آخر ولو أقل أمانة، وحمل على ضدها، وضمن. فإن
عجز ولم يجد: أسلمه هدرا، ولم تنفسخ بفلس ربه،
وبيع: مساقى، ومساقاة وصي، ومدين بلا حجر،
__________
تنبيه: قال أبو الحسن قوله: "إذ للعامل أن
يساقي غيره" فاستدل على متاركة رب الحائط
بمساقاة الغير، فجعلها مساقاة تنعقد بغير لفظ
المساقاة، وإنما أجازها بغير لفظها؛ لأنها
إقالة، والإقالة معروف. ص: (ومساقاة العامل
آخر) ش: أما إذا ساقى على مثل الجزء الذي سوقي
عليه، فذلك جائز قبل العمل وبعده على مذهب
مالك أنها من العقود اللازمة، وعلى القول
بأنها من العقود الجائزة، فلا تجوز قبل الشروع
في العمل إلا برضا ربه، وإن ساقاه على أن
للعامل الثاني أقل من الجزء الذي جعله له رب
الحائط، فكذلك، وإن كان على أن للعامل الثاني
أكثر، فقال ابن رشد في رسم سن من سماع ابن
القاسم من كتاب المساقاة، فإن ساقاه على أكثر
من الجزء الذي ساقى عليه صاحب الحائط مثل أن
يكون ساقاه صاحب الحائط على أن يكون له النصف
وساقى هو الآخر على أن يكون له الثلثان، فإن
كان بعد أن عمل كان له الفضل أيضا على مذهب
مالك الذي يرى المساقاة تلزم بالقول، ولم يكن
على مذهب من يرى أنها من العقود الجائزة التي
لا تلزم بالقول انتهى. ص: (ولم تنفسخ بفلس ربه
وبيع مساقى) ش: ظاهر قوله: "بيع" سواء كان
مساقى سنة، أو سنتين ومنعه سحنون في السنتين
وصرح ابن عبد السلام والمصنف بأن قول سحنون
خلاف قول ابن القاسم والله أعلم.
فرع: قال ابن عرفة عن اللخمي: ولو أحب المفلس
تأخير بيع الثمرة لطيبها وطلب الغرماء تعجيله،
فالقول قولهم إن كانت الثمرة غير مأبورة
انتهى.
فرع: منه، وفي أكرية الدور منها لمن أخذ نخلا
مساقاة، فغار ماؤها بعد أن سقى أن ينفق فيها
بقدر حظ رب الأرض من الثمرة لسنته تلك الأكثر
في مثله سمع ابن القاسم: ابن رشد:
(7/484)
ودفعه لذمي لم
يعصر حصته خمرا، لا مشاركة ربه، أو إعطاء أرض
لتغرس، فإذا بلغت، كانت مساقاة، أو شجر لم
يبلغ خمس سنين، وهي تبلغ أثناءها،
__________
ظاهره أن ما زادت النفقة على حظ رب الأرض لا
يلزمه، ومثله في رهونها خلاف سماع سحنون لزوم
الراهن إصلاحها، ويلزم ذلك في المساقاة، وإن
لم يكن لرب الحائط غيره بيع منه بما يصلحها
لئلا يذهب عمل العامل انتهى. ص: (ودفعه لذمي
لم يعصر حصته خمرا) ش: قال في المدونة:، ولا
بأس أن تدفع نخلك إلى نصراني مساقاة إن أمنت
أن يعصره خمرا قال ابن ناجي قال ابن العربي:
كيف يقول هذا مالك، وقد ساقى رسول الله صلى
الله عليه وسلم أهل خيبر، ولم يشترط الأمن من
عصر الخمر إلا أن يقال: الممنوع إذا كان
يسقونه مسلما، ولا يقال: كان ذلك قبل تحريم
الخمر؛ لأن فتح خيبر بعد تحريمها قال ابن ناجي
قال بعض شيوخنا وظاهر المدونة: أنه محمول على
عدم الأمن حتى يعلم الأمن انتهى.
فرع: قال في المدونة: وكره مالك أخذك من
نصراني مساقاة، أو قراضا ولست أراه حراما قال
أبو الحسن؛ لأن فيه بعض الإذلال، وقال ابن
ناجي مثله اختصرها ابن يونس، وفيه نظر؛ لأنه
على اختصارهما يكون مالك نص على المسألتين،
وليس كذلك إنما نص على كراهة القراض وقاس ابن
القاسم عليه كراهة المساقاة، وكلام ابن القاسم
يدل على أنه حمل كراهة مالك على التحريم، ولم
يرتضه، فيكون كلامه يدل على قولين التحريم
لمالك والكراهة لابن القاسم. ص: (لا مشاركة
ربه) ش: يشير به والله أعلم إلى ما في رسم
البيوع من سماع أشهب من كتاب المساقاة، ونصه:
قال وسئل عن رب الحائط يقول لرجل تعال أسق أنا
وأنت حائطي هذا، ولك نصف الثمرة قال: لا يصلح
هذا، وإنما المساقاة أن يسلم الحائط إلى
الداخل قال ابن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا
اختلاف فيه أن ذلك لا يصلح، فإن وقع وفات
بالعمل كان العامل فيه أجيرا؛ لأن رب الحائط
اشترط أن يعمل معه، فكأنه لم يسلمه إليه،
وإنما
(7/485)
وفسخت فاسدة
بلا عمل، أو في أثنائه، أو بعد سنة من أكثر:
إن وجبت أجرة المثل، وبعده أجرة المثل: إن
خرجا عنها، كإن ازداد عينا، أو عرضا، وإلا
فمساقاة المثل: كمساقاته مع ثمر أطعم، أو مع
بيع، أو اشترط عمل ربه،
__________
أعطاه جزءا من الثمرة على أن يعمل معه بخلاف
إذا شرط العامل أن يعمل معه رب الحائط هذا قال
فيه ابن القاسم في المدونة: وغيرها إنه يرد
إلى مساقاة مثله، وقال أشهب إلى إجارة مثله،
وقال سحنون يجوز، ولا يرد إلى أجرة مثله، كما
لو اشترط عليه غلاما يعمل معه إذا كان الحائط
كبيرا يجوز فيه اشتراط الغلام والدابة انتهى.
ص: (وفسخت فاسدة بلا عمل، أو في أثنائه، أو
بعد سنة من أكثر إن وجبت أجرة المثل وبعده
أجرة المثل إن خرجا عنها كأن ازداد عينا، أو
عرضا وإلا، فمساقاة المثل كمساقاته مع ثمر
أطعم، أو مع بيع أو اشترط عمل
(7/486)
أو دابة، أو
غلام، وهو صغير، أو حمله لمنزله، أو يكفيه
مؤنة أخرى، أو اختلف الجزء بسنين أو حوائط:
كاختلافهما، ولم يشبها.
__________
ربه، أو دابة أو غلاما، وهو صغير، أو حمله
لمنزله، أو يكفيه مؤنة آخر أو اختلف الجزء
سنين، أو حوائط كاختلافهما، ولم يشبها) ش: لما
ذكر أركان المساقاة الصحيحة وشروطها علم أن
الفاسدة ما اختل منها ركن، أو شرط، ثم ذكر أن
لها ثلاثة أحوال الأولى: أن يطلع على فسادها
قبل الشروع في العمل، والحكم حينئذ فسخها،
وإليه أشار بقوله: "وفسخت فاسدة بلا عمل".
الحالة الثانية: أن يطلع على فسادها في أثناء
العمل، ولو بعد سنة من سنين كما إذا كانت
المساقاة وقعت على سنين كثيرة، والحكم في هذا
الوجه أن ينظر إلى عقد المساقاة، فإن كانت مما
تجب فيه أجرة المثل وجب فسخ المساقاة حين يعثر
على ذلك، وإن كان عقد المساقاة مما تجب فيه
مساقاة المثل لم تفسخ المساقاة ويستمران إلى
تمام العمل، وإلى هذه الحالة الثانية أشار
المصنف بقوله: "أو في أثنائه أو بعد سنة من
أكثر إن وجبت أجرة المثل". وقول المصنف: "أو
بعد سنة" هو داخل في قوله: "أو في أثنائه"
ولهذا لو قال: "أو في أثنائه وإن بعد سنة"
لكان أوضح، بل لو أخره عن قوله: "إن وجبت أجرة
المثل" فإنه قد يقال: كان ينبغي إذا اطلع على
فسادها عند كمال السنة أن تفسخ مساقاة المثل
في باقي السنين؛ لأن العامل قد تم عمله في تلك
السنة، وأخذ مساقاة مثله فيها، فلم يذهب عمله
باطلا، فلم يتركونه يعمل في بقية السنين والله
أعلم. والجواب عن ذلك: أن يقال: إن الحائط قد
تقل ثمرته في عام، وتكثر في آخر، فلو لم يتماد
على العمل في جميع السنين لكان فيه غبن على
أحدهما كما أشار إلى ذلك في المدونة في مسألة
من ساقى حائطه، وقد أطعم على تلك السنة التي
أطعم فيها، أو على سنين بعدها، وذكر ابن عبد
السلام عن الموازية: أنه إنما تفوت كل سنة
بظهور الثمرة فيها، فلو قال المصنف: "أو في
أثنائه إن وجبت أجرة المثل، وإلا تمادى، ولو
بعد سنة" وكان مشيرا إلى ما
(7/487)
__________
ذكره ابن عبد السلام عن الموازية لكان أبين،
فقوله: "إن وجبت أجرة المثل" راجع إلى قوله:
"أو في أثنائه إلخ". وقول البساطي: "إنه راجع
إلى المسألة الأولى أيضاً" أعني قوله: "بلا
عمل" خلاف ما يقتضيه كلامهم قال ابن الحاجب:
وللفاسدة ثلاثة أحوال قبل العمل، فتفسخ قال
ابن عبد السلام: يعني إذا عثر على المساقاة
الفاسدة قبل العمل وجب فسخها على أصل المذهب،
وإلا لما كانت فاسدة، وإذا فسخوا البياعات
المكروهة قبل الفوات، فالفاسد أولى بالفسخ
انتهى. وكذا أطلق ابن شاس الفسخ قبل الفوات
بالعمل، وكذا ابن عرفة ناقلا عن ابن رشد ونص
المقدمات: إذا وقعت المساقاة على غير الوجه
الذي جوزه الشارع، فإنها تفسخ ما لم تفت
بالعمل ورد الحائط إلى ربه انتهى. ومفهوم قول
المصنف: "إن وجبت أجرة المثل" أنها لو لم تجب
أجرة المثل، وما تجب فيه مساقاة المثل في
الحالة الثالثة، وهي ما عثر على فساد المساقاة
بعد تمام العمل، وكان ينبغي له - رحمه الله -
تأخير الكلام على الحالة الثانية عن الحالة
التي بعدها؛ لأنها محتاجة إليها في بيانها كما
فعل ابن الحاجب.
تنبيه: إنما قلنا: المساقاة تفسخ إذا عثر
عليها في أثناء العمل إن كان الواجب فيها أجرة
المثل؛ لأنه يكون للعامل حينئذ بحساب ما عمل،
وإذا كان الواجب فيها مساقاة المثل، فلا تفسخ؛
لأن الضرورة داعية إلى تمام العمل؛ لأن العوض
على هذا التقدير إنما يرجع للعامل من الثمرة
ولأنه لو فسخناها لزم أن لا يكون للعامل شيء
لما تقدم أنها كالجعل لا شيء للعامل إلا بتمام
العمل قاله في: التوضيح: ثم قال: وعلى هذا فلا
بد أن يكون شرع في العمل بماله بل أشار إليه
عياض انتهى.
فرع: قال ابن عبد السلام في آخر كلامه على هذه
المسألة، وقد انتهى هذا: إن إجارة المثل تتعلق
بذمة رب الحائط، وإن مساقاة المثل لا تتعلق
بذمته، بل تكون في الحائط، وقد تقدم هذا
المعنى في القراض مختلفا فيه انتهى. الحالة
الثالثة: أن يطلع على فساد المساقاة بعد تمام
العمل، والحكم فيها على مذهب ابن القاسم أنه
يجب في بعض الصور إجارة المثل، وفي بعضها
مساقاة المثل، وإليه أشار المصنف بقوله:
"وبعده أجرة المثل" إلى قوله: "ولم يشبها".
والمعنى، وإن اطلع على فساد المساقاة بعده أي
بعد الفراغ من العمل، فمذهب ابن القاسم أنه
يجب في بعض الصور إجارة المثل، وفي بعضها
مساقاة المثل، فتجب أجرة المثل إن خرجا عنها
أي عن المساقاة إلى الإجارة الفاسدة، أو إلى
بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، ومثل ذلك بقوله
كأن ازداد أحدهما على الجزء الذي اشترط في
المساقاة عينا، أو عرضا؛ لأنه إذا كانت
الزيادة من رب الحائط، فقد خرجا عن المساقاة
إلى الإجارة الفاسدة، فكأنه استأجره على أن
يعمل له في حائطه بما أعطاه من الدنانير أو
الدراهم، أو بالعروض وبجزء من ثمرته، وتلك
إجارة فاسدة، فوجب أن يرد إلى أجرة المثل،
ويحاسبه رب الحائط بما كان أعطاه من أجرة
المثل، ولا شيء له في الثمرة، وإذا كانت
الزيادة من العامل، فقد خرجا عن المساقاة أيضا
إلى بيع الثمرة
(7/488)
__________
قبل بدو صلاحها، فكأنه اشترى منه الجزء المسمى
في المساقاة بما دفع من الدنانير، أو الدراهم،
أو العروض، أو بأجرة عمله، فوجب أن يرد إلى
أجرة مثله، ويأخذ من رب الحائط ما زاده، ولا
شيء له من الثمرة وإلا أي، وإن لم يكونا خرجا
عن المساقاة، وإنما جاءها الفساد من جهة أنهما
عقداها على غرر، أو نحو ذلك، فمساقاة المثل هي
الواجبة في ذلك. ثم ذكر المسائل التي تجب فيها
مساقاة المثل، وعدها تسعا، فقال: "كمساقاته مع
ثمر أطعم" يشير إلى قوله في المدونة: ومن طابت
ثمرة نخله، فساقاه هذه السنة وسنتين بعدها لم
يجز وفسخ، وإن وجد العامل الثمرة كان له أجرة
مثله، وما أنفق فيها، فإن عمل بعد جداد الثمرة
لم تفسخ بقية المساقاة، وله استكمال الحولين
الباقيين، وله فيهما مساقاة مثله، ولا أفسخهما
بعد تمام العام الثاني؛ إذ قد تقل ثمرة العام
الثاني، وتكثر في الثالث، فأظلمه، وهذا كأخذ
العرض قراضا إن أدرك بعد بيعه، وإن أدى وبعد
أن يعمل فسخ، وله أجر بيعه انتهى.
ففهم منه أنه إذا اطلع على ذلك في العام الأول
فسخت، وكان له أجر مثله فيما سقى، وإن لم يطلع
عليه حتى شرع في الثاني كان له أجرة المثل في
الأولى، ومساقاة المثل فيما بعدها كما صرح به
اللخمي وصاحب المقدمات أو مع بيع يعني أنه إذا
ساقاه حائطه بجزء وباعه سلعة مع المساقاة، ففي
ذلك مساقاة المثل نص عليه ابن رشد في البيان
في أول كتاب المساقاة قال: أو مع إجارة، أو ما
أشبه ذلك انتهى. وانظر الشرح الكبير: لبهرام:
"أو اشترط عمل ربه" يشير إلى قوله في المدونة:
ولا يجوز أن يشترط العامل أن يعمل معه رب
الحائط بنفسه، فإن نزل، فله مساقاة مثله
انتهى. وهذا بخلاف المسألة السابقة عند قوله:
أو مشاركة ربه، إذا قال رب الحائط لرجل: تعال
أسق أنا وأنت حائطي، ولك نصف ثمره، فإن في ذلك
أجرة المثل كما تقدم، وقوله: "أو حمله لمنزله"
يشير إلى ما قال في رسم البيوع من سماع أصبغ
في أثناء المسألة الثانية منه قلت: أرأيت إن
اشترط عليه حمل نصيبه إلى منزله إلى المدينة،
أو اشترط ذلك المساقى على العامل؟ قال: لا خير
فيه، هذه زيادة تزدادها قلت: أرأيت إن كان ذلك
قريبا؟ قال: ما يعجبني إلا أن يكون شيء ليس
عليه فيه مؤنة قلت: أرأيت إن كان قريب الميل،
وما أشبهه؟ قال: ما يعجبني، وقاله أصبغ قال،
وإن وقعت فيه المساقاة في المكان البعيد
وفاتت، رد إلى مساقاة مثله بلا حملان عليه
وسقط الجزء الذي بينهما في الشرط ابن رشد، أما
اشتراطه على العامل حمل نصيبه إلى منزله،
فكرهه ابن القاسم إلا أن يكون شيئا ليس فيه
مؤنة، وكراهيته بينة؛ لأنها زيادة زادها رب
الحائط على العامل إلا أنه لم يبين وجه الحكم
في ذلك إذا وقع، والذي يأتي على الأصل الذي
ذكرناه في أول سماع ابن القاسم أن يرد إذا فات
إلى إجارة مثله إلا في المكان القريب، فيشبه
أن يرد فيه إلى مساقاة مثله استحسانا، وأما
قول أصبغ: أنه يرد إلى مساقاة مثله في المكان
البعيد، فهو بعيد لا يتخرج إلا على قول من يرد
العامل في المساقاة الفاسدة كلها إلى مساقاة
مثله جملة من غير تفصيل انتهى. وقال ابن رشد
أيضا في
(7/489)
__________
المقدمات إثر كلامه السابق: واختلف إذا فاتت
بالعمل ماذا يجب للعامل فيها بحق عمله؟ على
أربعة أقوال: أحدها أن يرد إلى مساقاة مثله
جملة من غير تفصيل والثاني: أنه يرد إلى أجرة
مثله من غير تفصيل والثالث: أنه يرد في بعض
الوجوه إلى إجارة مثله، وفي بعضها إلى مساقاة
المثل، وهو قول ابن القاسم، وذلك استحسان،
وليس بقياس، والأصل عنده أن المساقاة إذا خرجا
فيها عن حكمها إلى حكم الإجارة الفاسدة، أو
إلى بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها بما اشترطه
أحدهما على صاحبه من زيادة يزيدها إياه خارجة
عنها، فإنه يرد إلى إجارة المثل، وذلك مثل أن
يساقيه في حائط على أن يزيد أحدهما صاحبه
دنانير، أو دراهم، أو عرضا من العروض، وما
أشبه ذلك؛ لأنه إذا ساقاه على أن يزيده صاحب
الحائط دنانير، أو دراهم أو عرضا من العروض،
فقد استأجر على عمل حائطه بما أعطاه بجزء من
ثمرته، فوجب أن يرد إلى إجارة مثله، وإذا زاده
العامل، فقد اشترى منه الثمرة بما أعطاه
وبعمله، فيرد إلى إجارة مثله، وأما إذا لم
يخرجا عن حكمها، وإنما عقداها على غرر مثل أن
يساقيه حائطا على النصف وآخر على الثلث، أو ما
أشبه ذلك أو اشترط أحدهما على صاحبه من عمل
الحائط ما لا يلزم مما لا يبقى لرب الحائط
منفعته مؤبدة، فإنه يرد في ذلك إلى مساقاة
مثله، وهذه جملة يأتي عليها مسائل كثيرة.
والرابع: أنه يرد إلى مساقاة مثله ما لم يكن
أكثر من الجزء الذي شرط عليه إن كان الشرط
للمساقى، أو أقل انتهى. والقول الثالث في كلام
ابن رشد الذي هو قول ابن القاسم هو الذي ذكره
المصنف ونقله عياض أيضا وأطلقه، ولم يقيده
بقرب المكان، ولا بغيره، ونقله عنه في التوضيح
وتبعه هنا، وقوله: "أو على أن يكفيه مؤنة آخر"
يشير إلى ما في أول سماع عيسى قيل له: فحائط
ساقاه صاحبه رجلا على أن يكفيه مؤنة حائط له
آخر؟ قال: هذا حرام، قيل له: فقد وقع؟ قال:
يعطى في الذي اشترط عليه كفايته أجرة مثله،
ويرد إلى مساقاة مثله في الآخر ابن رشد مثل
هذا حكى ابن حبيب في الواضحة: أنه يعطى أجرة
مثله في الحائط الذي اشترط عليه كفاية مؤنته،
ويرد في الآخر إلى مساقاة مثله، وهو على الأصل
الذي ذكرناه في أول سماع ابن القاسم انتهى.
وقال أبو الحسن، فإن نزل، فله مساقاة مثله في
الذي يعمل فيه، وله أجرة مثله في الآخر قاله
في سماع عيسى، وفي الموازية: هو أجير في
الحائطين، وقوله: "كاختلافهما، ولم يشبها" قال
في كتاب القراض من المدونة: وإذا اختلف
المتقارضان في أجزاء الربح قبل العمل رد المال
إلا أن يرضى بقول ربه، وإن اختلفا بعد العمل،
فالقول قول العامل كالصانع إذا جاء بما يشبه،
وإلا رد إلى قراض المثل، وكذلك المساقاة
انتهى. قال الشيخ أبو الحسن: هذا التشبيه إنما
يرجع للوجه الثاني: إذا اختلفا بعد الفعل، ولا
يرجع للوجه الأول؛ لأن في المساقاة إذا اختلفا
يتحالفان ويتفاسخان، وقال قبله في قوله: وإذا
اختلف المتقارضان في أجزاء الربح قبل العمل رد
المال؛ لأن القراض عقد جائز غير لازم بخلاف
المساقاة إنهما يتحالفان، وإن لم يعمل؛ لأنها
عقد لازم انتهى. وقال في المدونة في كتاب
المساقاة: وإن اختلفا
(7/490)
وإن ساقيته أو
أكريته. فألفيته سارقا: لم تنفسخ، وليتحفظ
منه: كبيعه، ولم يعلم بفلسه،
__________
في المساقاة، فالقول قول العامل فيما يشبه قال
أبو الحسن: يعني في قلة الجزء وكثرته، وقوله:
"القول قول العامل" يريد بعد العمل، فإن لم
يعمل تحالفا وتفاسخا، ثم ذكر لفظها في القراض،
ثم قال: قوله: "وإلا رد إلى قراض مثله" يعني
إذا أتى رب المال بما لا يشبه، وكذلك المساقاة
إذا أتيا بما لا يشبه رد إلى مساقاة مثله
انتهى مختصرا، وقال اللخمي: إن اختلفا في
الجزء قبل العمل، وأتيا بما لا يشبه تحالفا
وتفاسخا ويختلف، وإن أتى أحدهما بما يشبه دون
الآخر هل القول قوله مع يمينه أو يتحالفان
ويتفاسخان؟ قال: وإن اختلفا بعد العمل، فالقول
للعامل مع يمينه إذا أتى بما يشبه، فإن أتى
بما لا يشبه وأتى الآخر بما يشبه حلف، ولم يكن
للعامل إلا ما حلف عليه صاحبه، فإن نكل عن
اليمين أو أتيا بما لا يشبه رد إلى مساقاة
المثل انتهى. وعزا الشارح والمصنف في التوضيح
هذه المسألة للقرافي.
تنبيهان: الأول: يفهم من كلامهم: أنه إذا أتى
كل واحد منهما بما يشبه كان القول قول العامل،
فتأمله والله أعلم.
الثاني: قال ابن عرفة عبد الحق عن بعض شيوخ
صقلية: ما فيه مساقاة المثل، فالعامل فيه أحق
من الغرماء بالثمرة في الموت والفلس، وكذا ما
يرجع فيه لقراض المثل في القراض يريد، وما
يرجع فيه لأجرة المثل لا يكون في القراض أحق
في موت، ولا فلس، وفي المساقاة يكون أحق في
الفلس لا في الموت انتهى. وهذه آخر مسألة في
كتاب المساقاة منه والله أعلم. ص: (وإن
ساقيته، أو أكريته، فألفيته سارقا لم تنفسخ،
وليتحفظ منه) ش: قال في كتاب المساقاة من
المدونة: ومن ساقيته حائطك، أو أكريت منه
دارك، ثم ألفيته سارقا لم يفسخ لذلك سقي، ولا
كراء وليتحفظ منه، وكذلك من باع من رجل سلعة
إلى أجل، وهو مفلس، ولم يعلم البائع بذلك، فقد
لزمه البيع انتهى. قال الشيخ أبو الحسن قال
اللخمي: في كل هذا نظر، وهذا عيب، وليس يقدر
أن يتحفظ من السارق، ثم قال قوله: "سارقا"
يخاف أن يذهب بالثمرة، أو يقلع الجذوع، وفي
المكتري يخاف منه أن يبيع أبوابها انتهى. وفي
كتاب الجعل والإجارة من المدونة في آخر ترجمة
الأجير يفسخ إجارته في غيرها، ومن استأجر عبدا
للخدمة، فألفاه سارقا، فهو عيب يرد به، فقيل:
الفرق بينهما أن الأجير في الخدمة لا يقدر أن
يتحفظ منه، قال الشيخ أبو
(7/491)
وساقط النخل:
كليف: كالثمرة، والقول لمدعي الصحة، وإن قصر
عامل عما شرط: حط بنسبته.
__________
الحسن: وقال عبد الحق وابن يونس: الفرق بينهما
أن الكراء في العبد للخدمة ووقع في منافع
معينة، فهو كمن اشترى دابة، فوجد بها عيبا
بخلاف المكتري والمفلس والمساقي إنما وقع
الكراء على الذمة، فإن لم يقدر على التحفظ منه
أكرى عليه وسوقي عليه، ولم يفسخ العقد انتهى.
فقول المصنف: "أو أكريته" أي أكريت منه بيتك،
أو متاعك، واحترز به مما لو أكرى نفسه للخدمة،
فإنه عيب يرد به كما تقدم عن المدونة وقول
المصنف: "وليتحفظ منه" يريد إذا أمكن التحفظ،
فإن لم يمكن أكرى عليه الحاكم، أو ساقى كما
تقدم عن أبي الحسن. ص: (وساقط النخل كليف
كالثمرة) ش: قال في الشامل وساقط النخل من ليف
وجريد ونحوهما كالثمرة انتهى. وقال في
المدونة: وما كان من سواقط النخل، أو ما يسقط
من بلح وغيره والجريد والليف ومن الزرع بينهما
على ما شرطا من الأجزاء انتهى. ص: (والقول
لمدعي الصحة) ش: هكذا قال في المدونة قال في
الشامل: وصدق مدعي الصحة بعد العمل، وإلا
تحالفا وفسخت انتهى. وقال اللخمي: القول قول
مدعي الحلال سواء كان اختلافهما قبل العمل، أو
بعده ويحلف على ذلك قبل العمل وفصل في توجيه
اليمين في اختلافهما بعد العمل، وكلام ابن رشد
في رسم إن خرجت من سماع عيسى يدل على أن القول
قول مدعي الصحة قبل العمل وبعده أيضا، فتأمل
ذلك مع كلام الشامل، والله أعلم. ص: (وإن قصر
عامل عما شرط حط بنسبته) ش: وهذا بخلاف ما لو
جاء مطر ودخل الحائط، فلم يحتج إلى سقي في مدة
من الزمان، فلا رجوع عليه بشيء من أجرة السقي
قاله في رسم سن من سماع ابن القاسم، قال ابن
رشد هذا لا خلاف فيه أنه لا رجوع لواحد منهما
على صاحبه إن زاد العمل على المعهود، أو نقص
منه بخلاف ما لو استأجر لسقي حائط في زمن
معلوم، فجاء المطر، فأقام فيه حينا لوجب أن
يحط من إجارته بقدر ما أقام الماء في الحائط
انتهى بالمعنى والله الموفق
(7/492)
|