مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب

المجلد السابع
تابع كتاب الحجر
باب الصلح
...
باب الصلح
الصلح على غير المدعي بيع،
__________
باب الصلح
قال في التوضيح: قال النووي: الصلح والإصلاح، والمصالحة: قطع المنازعة، وهو مأخوذ من صلح الشيء بفتح اللام وضمها إذا كمل، وهو خلاف الفساد يقال: صالحته مصالحة، وصلاحا بكسر الصاد، وذكره الجوهري وغيره، والصلح يذكر ويؤنث ا هـ. وقال ابن عرفة: الصلح: انتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع، أو خوف وقوعه. وقول ابن رشد: "هو قبض الشيء عن عوض" يدخل فيه محض البيع. وقول عياض: "هو معاوضة عن دعوى" يخرج عنه صلح الإقرار ا هـ. وقد يقال: إن حده غير جامع؛ لأنه لا يدخل فيه الصلح على بعض الحق المقر به فتأمله.
فائدة: قال في المقدمات: روي أن كعب بن مالك تقاضى من أبي حدرد دينا له عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فخرج حتى كشف سجف حجرته فنادى كعب بن مالك فقال: "يا كعب" فقال: لبيك يا رسول الله فأشار بيده أن ضع الشطر، فقال كعب: قد فعلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قم فاقضه" . وهذا الحديث أصل لما صرح به العامة من قولها: "خير الصلح الشطر ولا صلح إلا بوزن" ا هـ. قال ابن عرفة: وهو أي الصلح من حيث ذاته مندوب إليه، وقد يعرض وجوبه عند تعيين مصلحة وحرمته وكراهته لاستلزامه مفسدة واجبة الدرء، أو راجحته كما مر في النكاح للخمي وغيره ابن رشد لا بأس بندب القاضي الخصمين إليه ما لم يتبين له الحق لأحدهما؛ لقول عمر لأبي موسى: احرص على الصلح ما لم يتبين لك فصل القضاء، وقيل في بعض المذاكرات: لا بأس به بعد البينتين إن كان أرفق بالضعيف منهما كالندب لصدقه عليه، ورد بأنه يوهم ثبوت الحق على من له الحق، أو سقوطه له بخلاف الصدقة ابن رشد إن أباه أحدهما فلا يلح عليهما إلحاحا يوهم الإلزام. قلت: ونقل عن بعض قضاة طرابلس جبره عليه فعزل ا هـ. ص: (على غير المدعي بيع) ش: قال ابن فرحون في تبصرته في الباب الثاني والخمسين: والصلح بيع من البيوع إن وقع على الإقرار، وكذا إن وقع على الإنكار عند مالك

(7/3)


__________
لاشتراطه فيه ما يشترط في البيع ا هـ. وقاله فيها أيضا ويشترط في المصالح، والمصالح أهلية المعاملة ا هـ.
تنبيه: يجوز الصلح على المجهول إذا جهل القدر المصالح عليه، ولم يقدرا على الوصول إلى معرفته، وأما إذا قدرا على الوصول إلى المعرفة فلا يجوز الصلح إلا بعد المعرفة بذلك قال في آخر كتاب الشفعة من المدونة: ومن ادعى حقا في دار بيد رجل فصالحه منه فإن جهلاه جميعا جاز ذلك، وإن عرف المدعي دعواه منها فليسمه، وإن لم يسم بطل الصلح ولا شفعة فيه، والزوجة إن صالحت الورثة على ميراثها فإن عرفت هي وجميع الورثة مبلغ التركة جاز الصلح، وإن لم يعرفوه لم يجز ا هـ. قال الشيخ أبو الحسن إثر كلام المدونة انظر قال هنا إن جهلاه جميعا جاز وتقدم في مسألة الحميل قال: لا يجوز حتى يعلما ما على المطلوب، وفي كتاب القسمة قال: من باع من رجل موروثه من هذه الدار فإن عرفا جميعا مبلغه جاز، وقال في كتاب الصلح: ومن لك عليه دراهم نسيتما مبلغها جاز إن تصالحا على ما شئتما من ذهب، أو ورق فمسألة كتاب الصلح، ومسألة من ادعى حقا في دار مخالفة لهذه النظائر، ومثل مسألة بيع الصبرة لا يعرفان كيلها، ومثله لابن القاسم في المتجاعلين على حفر بئر إن جهلا معا صفة الأرض جاز وحاصله أن كل موضع يقدران على الوصول إلى المعرفة بذلك فلا يجوز الصلح إلا بعد المعرفة به، وكل موضع لا يقدران على الوصول إلى المعرفة بذلك فالصلح جائز على معنى التحلل إذ هو أكثر المقدور. وقوله: "والزوجة إذا صالحت الورثة على ميراثها فإن عرفت هي والورثة مبلغ التركة جاز الصلح، وإن لم يعرفوه لم يجز؛ لأنهم قادرون على الوصول إلى المعرفة" ا هـ. ونحوه لابن ناجي، ونصه إثر كلام المدونة المتقدم قوله: ومن ادعى حقا في دار بيد رجل إلخ، وعرفاه جميعا. قلت: قال فضل: إنما يجوز إذا جهلاه؛ لأنه على وجه التحلل ومثله مسألة الصلح على دراهم لا يعرفان عددها ومثله بيع الصبرة لا يعرفان كيلها. ومثله لابن القاسم في المتجاعلين على حفر بئر إن جهلا جميعا الأرض جاز قيل ولا يعارض ما ذكره بقولنا أول مسألة من كتاب القسم، قال مالك: ومن باع من رجل موروثه من هذه الدار فإن عرفا مبلغه جاز، وإن جهله أحدهما، أو كلاهما لم يجز، والفرق أن بيع الميراث اختياري يقدران على رفع الغرر منها ويتوصلان إلى معرفة النصيب وما هنا مع ما نظره به لا يقدران على رفع الغرر فصارت صورة ضرورة فيتحلل منه وقوله: "والزوجة إذا صالحت الورثة إلخ" أتى بها في الأم على وجه الدليل، ووجه ذلك أنهم يقدرون على تصوره حائزا بالوصول إلى معرفة كل واحد ا هـ. وقال في التوضيح: يعتبر قيمة معرفة ما يصالح عنه فإن كان مجهولا لم يجز ولذلك شرط في المدونة في صلح الولد للزوجة عن إرثها معرفتها لجميع التركة، وحضور أصنافها وحضور من عليه الأرض وإقراره وإلا لم يجز ا هـ. ونحوه في الشامل فيقيد قولهما، فإن كان مجهولا بما إذا لم يجهلاه جميعا ليوافق كلامهما ما في المدونة وبأنهما لم يقدرا

(7/4)


أو إجارة
__________
على الوصول إلى معرفة ذلك ليوافق ما تقدم فتأمله، والله أعلم.
فرع: فإن صالح على عبد ادعى عليه أنه سرقه، ثم ظهر العبد فلا رجوع لصاحبه فيه وليس للمدعى عليه أيضا رده إن وجد معيبا إلا أن يقر المدعي أن المدعى عليه ما سرق عبده، وأنه ادعى عليه باطلا، قاله في رسم الدور والمزارع من سماع يحيى من كتاب الدعوى، والصلح قال في الكافي في الصانع تضيع عنده السلعة، ويغرم قيمتها ثم توجد: إنها للصانع، وكذا لو ادعى على رجل أنه سرق عبده فأنكره فصالحه على شيء، ثم وجد العبد قال ابن رشد في سماع يحيى: هو للمدعى عليه، ولا ينقض الصلح معيبا كان أو صحيحا إلا أن يجده عنده قد أخفاه فيكون لربه، وفي التهذيب في المكتري يتعدى في الدابة فتضل فيغرم قيمتها، ثم يوجد هي للمكتري ا هـ. من المسائل الملقوطة وما ذكره عن سماع يحيى هو في الرسم المذكور، ومسألة التهذيب في كتاب الشفعة.
تنبيه: صلح الفضولي جائز قال ابن فرحون في تبصرته: ويجوز للرجل أن يصالح عن غيره بوكالة أو بغير وكالة، وذلك مثل أن يصالح رجل رجلا على دين له على رجل ويلزم المصالح ما صالح به ا هـ. وقاله في المدونة في باب الصلح، ونصه: "ومن قال لرجل هلم أصالحك من دينك الذي على فلان بكذا ففعل، أو أتى رجل رجلا فصالحه على امرأته بشيء مسمى لزم الزوج الصلح، ولزم المصالح ما صالح به، وإن لم يقل أنا ضامن؛ لأنه إنما قضى عن الذي عليه الحق" ا هـ. ص (أو إجارة) ش: لم يتكلم الشارح على هذه القولة، وقال ابن غازي مثاله: أن يدعي على رجل شيئا معينا فيصالحه على سكنى دار، أو خدمة عبد، أو ما أشبه ذلك إلى أجل معلوم، وقد أبعد من ضبطه إجازة بالزاي المعجمة ا هـ. وقال في الذخيرة الصلح في الأموال ونحوها دائر بين خمسة أمور: البيع إن كانت المعاوضة فيه عن أعيان، والصرف إن كان أحد النقدين عن الآخر، والإجارة إن كانت عن منافع، ودفع الخصومة إن لم يتعين شيء من ذلك، والإحسان وهو ما يعطيه المصالح من غير إلحاح فمتى تعينت أحد هذه الأبواب روعيت فيه شروطه لقوله عليه السلام "الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا" 1 ا هـ. قال في التوضيح رواه الترمذي وحسنه وعزاه غيره لابن حبان. قال
ـــــــ
1 رواه الترمذي في كتاب الأحكام باب 17. أبو داود في كتاب الأقضية باب 12، ابن ماجة في كتاب الأحكام باب 23 أحمد في مسنده (2/366).

(7/5)


وعلى بعضه: هبة وجاز عن دين بما يباع به
__________
المازري: فأما تحليل الصلح للحرام فمن أمثلته: كمن صالح على دار ادعاها بخمر، أو خنزير، أو غير ذلك مما لا تجوز المعاوضة به، وأما قوله: "أو حرم حلالا"، فمن أمثلته أن يصالح عن هذه الدار التي ادعاها على أمة بشرط أن لا يطأها، أو بثوب بشرط أن لا يلبسه أو لا يبيعه إلى غير ذلك من وجوه التحجير الممنوعة مع ما يدخل في هذا المعنى من تحريم المحلل ا هـ. من أول شرح كتاب الصلح من التلقين. ص: "وجاز عن دين بما يباع به" ش: هذا إذا كان المأخوذ من غير الجنس، وأما إذا أخذ عن دين من جنسه فإنه يجوز أن يأخذ عنه أقل منه ولا يجوز بيعه بأقل

(7/6)


وعن ذهب بورق. وعكسه. إن حلا، وعجل كمائة دينار ودرهم عن مائتيهما وعلى الافتداء من
__________
من جنسه. ص: (كمائة دينار ودرهم عن مثلهما) ش: هذه مسألة المدونة قال أبو الحسن عن ابن يونس وسواء أخذ منه الدرهم نقدا، أو أخذ منه المائة دينار نقدا، أو أخره بها؛ لأنه لا مبايعة هنا، وإنما هو قضاء وحطيطة فلا تهمة في ذلك ولو كانت المائة الدينار، أو المائة الدرهم لم تحل لم يجز؛ لأنه وضع وتعجل ا هـ. ص (وعلى الافتداء من يمين) ش: يعني أن الصلح يجوز على أن يفتدي الشخص من يمين لزمته بالشيء المصالح به ليمين هو نحو قوله في كتاب النذور من المدونة، ومن لزمته يمين فافتدى منها بمال جاز ذلك ا هـ. وظاهر ذلك الإطلاق سواء كان يعلم براءته أم لا؟ وهو ظاهر كلام أبي الحسن فإنه قال في شرح كلام المدونة المتقدم لا يقال أطعمه ماله بالباطل؛ لأنه يقول: دفعت عني الظلم والأصل في هذا أن الصحابة رضي الله عنهم منهم من افتدى، ومنهم من حلف ا هـ. وجعل الشارح ما ذكره في التوضيح عن ابن شهاب من أنه إذا علم براءته، ولم يحلف وافتدى أنه آثم تقييدا، وجزم به في شامله، وهو غير ظاهر، ولم أر شيئا يعارض هذا الإطلاق بل رأيت ما يقويه. قال ابن عرفة في كتاب الاستحقاق: وحكمه الوجوب عند تيسر أسبابه في الربع على عدم يمين مستحقه، وعلى يمينه مباح كغير الربع؛ لأن الحلف مشقة ا هـ. وفي مسائل الأقضية والشهادات من البرزلي إن من قام له شاهد على حق واحتفت به قرائن يحصل له العلم بقول الشاهد فله أن يحلف ويستحق ولو ترك الحلف

(7/7)


يمين أو السكوت أو الإنكار إن جاز على دعوى كل. وعلى ظاهر الحكم،
__________
والحالة هذه فليس من إضاعة المال ا هـ. ومسائل البيوع منه الشعبي عن ابن الفخار: لا يجوز صلح الوصي عن الأيتام في يمين القضاء حتى يرى العزيمة من المصالح على أنه يحلف، وإن ظهر له على أن الغريم لا يحلف فلا يصالح لذلك لعله لا يحلف وتعرف عزيمته وعدمها بقرائن الأحوال والإشارات والكلام ونحو ذلك ا هـ. وفي مسائل الصلح والمعاوضة والرهون من نوازل ابن رشد سأله القاضي عياض عن المصالحة عن الغائب هل أجازها أحد فقال: رأيت لبعض من لا يعتد به من الموثقين إذا شهد فيها بالسداد للغائب مثل أن يثبت عليه حق فيلزم مثبته يمين الاستبراء فيدعو إلى المصالحة عنها بما يشهد به بالسداد الفرق بينه وبين المحجور الذي يتفق على جواز الصلح عنه بين، إذ المصالحة مبايعة، ومعاوضة، وذلك سائغ للمحجور دون الغائب الجواب: تصفحت سؤالك هذا أعزك الله بطاعته ووقفت عليه ولا يجوز لوكيل الغائب المصالحة عليه إذا لم يفوض ذلك إليه هذا هو المنصوص عليه في الروايات على علمك، ومن خالف ذلك برأيه من الموثقين فقد أخطأ ومصالحة الوصي على المحجور عليه بخلاف ذلك كما ذكرت وبالله التوفيق، وقال صاحب المقصد المحمود في تلخيص العقود في الكلام على بيع صاحب المواريث: وذكر إذا كان في الورثة زوجة لها كالئ أنها تأخذه بعد ثبوته وجعلها يمين القضاء، ثم قال، وإن كانت قد صالحت الزوجة على إسقاط يمين القضاء. قلت: بعد قولك وأمر بيمينها في ذلك واصطلحت فلانة مع فلان صاحب المواريث، والموصى له، والوارثين المذكورين على إسقاط يمين القضاء بإسقاطها النصف الكالئ، أو ثلثه، وكذا صلحا صحيحا ثبت عند القاضي السداد والنظر لجماعة المسلمين ا هـ. ص (أو السكوت) ش: قال

(7/8)


ولا يحل للظالم، فلو أقر بعده أو شهدت بينة لم يعلمها أو أشهد وأعلن أنه يقوم بها
__________
في التوضيح: قال ابن محرز: وإن وقع الحكم على السكوت فيعتبر فيه حكم المعاوضة في الإقرار ويعتبر فيه على مذهب مالك الوجوه الثلاثة التي بيناها في أول الإنكار ا هـ. قلت: إذا اعتبر فيه الوجوه الثلاثة التي في الإنكار فقد اعتبر فيه حكم المعاوضة فلا يحتاج إلى قوله: "يعتبر فيه حكم المعاوضة في الإقرار" كما يظهر ذلك بأدنى تأمل اللهم إلا أن يريد أن حكم المعاوضة معتبر فيه على كل قول ويزيد على مذهب مالك باعتبار الوجوه الثلاثة، والله أعلم. ص: (فلو أقر بعده) ش: يعني إذا صالح على الإنكار، ثم أقر المنكر بعد الصلح فللمدعي نقض الصلح، قال ابن الحاجب: لأنه مغلوب، قال في التوضيح؛ لأنه كالمحجور عليه ودل قوله: "فله نقضه" على أن له إمضاءه ونص سحنون على ذلك ا هـ. وفي نوازل سحنون من كتاب الكفالة مسألة مما ينقض فيه الصلح، ونصها: وسئل عن الحميل ينكر الحمالة والمتحمل عنه غائب فيصالحه المتحمل له ببعض الحق، ثم يقوم المتحمل عنه أيرجع المتحمل له ببقية الحق أو لا يكون له شيء لرضاه بالصلح؟ قال: بل يرجع فيأخذ ما نقص من حقه، ويدفع المتحمل عنه إلى الحميل ما صالح به عن نفسه. قال ابن رشد حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون أنه لا يرجع عليه ببقية حقه إلا بعد يمينه بالله أنه ما صالح الغريم رضي بالصلح من جميع حقه إلا أن يكون أشهد أنه إنما صالح الحميل لإنكاره الحمالة، وأنه على حقه على الغريم فلا يكون عليه يمين واليمين يمين تهمة فيجري الأمر في ذلك على الاختلاف في لحوق يمين التهمة إلا أن يحقق عليه الغريم الدعوى فيحلف قولا واحدا ا هـ.
فرع: إذا كان الصلح حراما أو مكروها فذكر في التوضيح عن اللخمي ثلاثة أقوال ونصه اللخمي واختلف في الصلح الحرام أو المكروه، فقال مطرف في كتاب ابن حبيب: إن كان الصلح حراما صراحا فسخ أبدا فيرد إن كان قائما، والقيمة إن كان فائتا، وإن كان من

(7/9)


أو وجد وثيقة بعده فله نقضه: كمن لم يعلن أو يقر سرا فقط على الأحسن فيهما،
__________
الأشياء المكروهة مضى، وقال ابن الماجشون: إن كان حراما فسخ أبدا، وإن كان مكروها فسخ بحدثان وقوعه، فإن طال أمده مضى، وقال أصبغ: بجوز حرامه ومكروهه، وإن كان بحدثان وقوعه خليل لعل المراد بالحرام المتفق على تحريمه وبالمكروه المختلف فيه ا هـ. وما ذكره عن أصبغ من عدم الفسخ مخالف لما ذكره فوقه عن ابن رشد من الاتفاق على فسخه، ونصه:" فلو ادعى على رجل دراهم وطعاما من بيع فاعترف البائع بالطعام وأنكر الدراهم فصالحه على طعام مؤجل أكثر من طعامه، أو اعترف له بالدراهم وصالحه على دنانير مؤجلة، أو دراهم أكثر من دراهمه فحكى ابن رشد الاتفاق على فساده وفسخه لما في ذلك من السلف بزيادة والصرف المؤخر" ا هـ. فتأمله، والله أعلم.
تنبيه: وأما إذا وقع الصلح على وجه جائز وأراد نقضه والرجوع إلى الخصومة لم يجز ذلك لما فيه من الانتقال عن المعلوم إلى مجهول ا هـ. من شرح الرسالة للقلشاني. ص: (أو وجد وثيقة بعده) ش: يريد، وقد ذكر ضياعها عند صلحه كما قاله في التوضيح. ص: (كمن لم يعلن، أو يقر سرا) ش: تصوره ظاهر.
تنبيه: إذا أشهد في عقد الصلح أنه أسقط الاسترعاء والاسترعاء في الاسترعاء وكان أشهد أنه إن فعل ذلك فإنما يفعله للضرورة إلى ذلك فنقل ابن رشد في اللباب في كتاب الصلح أن ذلك ينفعه، والذي نقله ابن عرفة عن المتيطي أنه لا ينفعه، ونقل ابن غازي كلام

(7/10)


لا إن علم ببينته ولم يشهد، أو ادعى ضياع الصك، فقيل له: حقك ثابت به فائت به فصالح ثم وجده وعن إرث زوجة من عرض وورق وذهب بذهب من التركة قدر مورثها منه فأقل أو أكثر. إن قلت الدراهم.
__________
ابن عرفة هنا ونقل عن ابن رشد في البيان نحوه، وذكر ابن فرحون في الباب الخامس والثلاثين من التبصرة في ذلك خلافا فانظره. ص (وعن إرث زوجة من عرض الخ) ش: كذا فرضها في المدونة في مصالحة الزوجة فقال أبو الحسن: هذا باب صلح أحد الورثة، وذكر هنا صلح الزوجة، وإن كان قد تصالح البنت وغيرها من الورثة، وإنما ذكر الزوجة؛ لأنها في الغالب التي

(7/11)


لا من غيرها مطلقا إلا بعرض إن عرف جميعها وحضر وأقر المدين وحضر وعن دراهم وعرض تركا بذهب: كبيع وصرف وإن كان فيها دين فكبيعه وعن العمد بما قل وكثر لا غرر
__________
تصالح، لأن رابطتها بالسبب وغيرها بالنسب، ومسألة مصالحة أحد الورثة مشكلة؛ لأنها يعتبر فيها الفساد من جهتي الربا والغرر وله طرق ا هـ. ص: (إن عرفا جميعها) ش: هذا نحو قول المدونة المتقدم فإن عرفت هي وجميع الورثة "مبلغ التركة" قال ابن ناجي في شرح المدونة: وظاهر قولها: مبلغ التركة، يتناول أنهم لو اتفقوا على أنهم اطلعوا على جميع التركة، ولم ينصوا عليها بالتسمية أنه كاف وأفتى شيخنا رحمه الله غير ما مرة بعدم الجواز إلا مع التسمية، وهو بعيد ا هـ. ص: (لا غرر) ش: لما ذكر أن دم العمد يجوز الصلح عنه بما قل، أو كثر نبه على أنه لا يجوز الصلح عنه بما فيه غرر، وهذا مذهب ابن القاسم في المدونة خلافا لابن نافع قال في كتاب الصلح منها ولا يجوز الصلح من جناية عمد على ثمرة لم يبد صلاحها فإن وقع ذلك ارتفع القصاص، ومضى بالدية كما لو وقع النكاح بذلك وفات بالبناء قضى بصداق المثل، وقال غيره: يمضي ذلك إذا وقع، وهو بالخلع أشبه؛ لأنه أرسل من يده بالغرر ما كان له أن يرسله بغير عوض، وليس كمن أخذ بضعا ودفع فيه غررا ا هـ. قال أبو الحسن الغير هنا ابن نافع وقوله:"عمدا" ليس بشرط وكذلك الخطأ وإنما ذكر العمد لئلا يتوهم أنه غير مال فيجوز فيه الغرر من الآبق والشارد والجنين وما في معناها واعترض على تعليل ابن نافع بأنه يلزمه في سائر التصرفات؛ لأنه يجوز له أن يهب متاعه بلا عوض ا هـ. بالمعنى وحمل كلام

(7/12)


كرطل من شاة ولذي دين: منعه منه وإن رد مقوم بعيب أو استحق رجع بقيمته كنكاح وخلع وإن قتل جماعة أو قطعوا جاز صلح كل والعفو عنه وإن صالح مقطوع ثم نزي فمات: فللولي لا له رده والقتل بقسامة كأخذهم الدية في الخطإ،
__________
المصنف على أنه أراد أن من ادعى دينا لا يجوز أن يصالح بغرر ليس فيه كبير فائدة؛ لأن ذلك معلوم من قوله أول الباب أن ذلك بيع. ص: (ورطل من شاة) ش: قال الشارح وظاهر كلام الشيخ سواء كانت الشاة حية، أو مذبوحة وظاهر كلام المدونة يخالفه لتقييده المنع بما إذا كانت حية ا هـ. وتبع في الشامل ما في المختصر، وهو صواب، وقد قال المشذالي في حاشية المدونة قوله يعني في المذبوحة حية لا مفهوم له لمنعه بيعها قبل السلخ في التجارة والإجارة ا هـ. وأصله للشيخ أبي الحسن ونصه: انظر قوله: "حية" مفهومه لو كانت بعد الذبح جاز، وليس كذلك قال في التجارة إلى أرض الحرب، وأما شراء لحم هذه الشاة مطلقا فلا يجوز، لأنها في ضمان البائع، وقال أيضا: لا يجوز أن يجعل بيعه رطلين من لحم شاة قبل ذبحها وسلخها، وقال في الجعل: ولا يجوز أن تبيع لحم شاة حية أو مذبوحة، أو لحم بعير كل رطل بكذا من حاضر، أو مسافر" ا هـ. ص: (ورجع بقيمته) ش: والقيمة يوم الصلح قاله أبو الحسن الصغير. ص (وإن صالح مقطوع، ثم نزي فمات إلى قوله الدية في الخطأ) ش: قال في كتاب الصلح من المدونة، ومن قطعت يده عمدا فصالح القاطع على مال أخذه، ثم نزي فيها فمات فللأولياء أن يقسموا ويقتلوا ويرد المال ويبطل الصلح، وإن أبوا أن يقسموا كان لهم المال الذي أخذوا في قطع اليد وكذلك لو كانت موضحة خطإ فلهم أن يقسموا ويستحقوا الدية على العاقلة

(7/13)


وإن وجب لمريض على رجل جرح عمدا فصالح في مرضه بأرشه أو غيره ثم مات من مرضه جاز ولزم وهل مطلقا أو إن صالح عليه لا ما يؤول إليه؟ تأويلان.
__________
ويرجع الجاني فيأخذ ماله ويكون في العقل كرجل من قومه، ولو قال قاطع اليد للأولياء حين نكلوا عن القسامة: قد عادت الجناية نفسا فاقتلوني وردوا المال فليس له ذلك ولو لم يكن صالح، وقال لهم ذلك وشاء الأولياء قطع اليد ولا يقسموا فذلك لهم، وإن شاءوا قسموا وقتلوه ا هـ. وإلى قوله: "ولو قال القاطع إلى آخره" أشار المصنف بقوله: "لا له". وقوله في المدونة: نزي، قال أبو الحسن أي تزايد وترامى إلى الهلاك، وأصله من زيادة جريان الدم، وقد أعاد المصنف هذه المسألة في باب الجنايات فقال: فإن عفا عن جرحه، أو صالح فمات فلأوليائه القسامة والقتل، ويرجع الجاني فيما أخذ منه، وهناك ذكرها ابن الحاجب وتكلم عليها في التوضيح وهذا إذا وقع الصلح على الجرح دون ما ترامى إليه، وفي المسألة ثلاثة أقوال: أحدها هذا والثاني أنه ليس لهم التمسك بالصلح لا في الخطإ ولا في العمد، والثالث: الفرق بين العمد فيخيرون فيه والخطإ فلا يخيرون وليس لهم التمسك به وذكر هذه الأقوال ابن رشد في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الديات وعزا الثالث لابن القاسم في المدونة، ونقل كلامه المصنف وابن عرفة في الجنايات
قلت: ونص المدونة المتقدم كالمقول لها خلاف ما عزا لها ابن رشد فتأمله. قال: وأما إذا صالح على الجرح وما ترامى إليه فقلل ابن رشد في الرسم المذكور فيه تفصيل أما جرح الخطإ الذي دون الثلث كالموضحة فلا خلاف أن الصلح فيها على ما ترامت إليه من موت، أو غيره لا يجوز؛ لأنه إن مات كانت الدية على العاقلة فهو لا يدري يوم صالح ما يجب عليه، وإن وقع الصلح على ذلك فسخ متى عثر عليه واتبع فيه مقتضى حكمه لو لم يكن صلح فإن برأ كانت عليه دية الموضحة، وإن مات كانت الدية على العاقلة بقسامة وإن بلغ الجرح ثلث الدية ففيه قولان: أحدهما أنه لا يجوز، وهو قوله في هذه الرواية وظاهر ما حكى ابن حبيب في

(7/14)


__________
الواضحة، والثاني أنه جائز، وأما جرح العمد فما فيه القصاص فالمصالحة فيه على وضع الموت جائزة على ظاهر ما في الصلح من المدونة وما نص عليه ابن حبيب في الواضحة خلاف ما في هذه الرواية، والجواز فيها أظهر، لأنه إذا كان للمقتول أن يعفو عن دمه قبل موته جاز أن يصالح عنه بما شاء، وأما جراح العمد التي لا قصاص فيها فلا يجوز الصلح فيها على الموت حكاه ابن حبيب في الواضحة، ولا أعرف فيها نص خلاف، وأما الصلح فيها على الجرح دون الموت فأجازه ابن حبيب فيما له دية مسماة كالمأمومة والمنقلة، والجائفة قال في موضع واحد: إن الصلح فيها جائز على ما ترامى إليه مما دون النفس. وقال في موضع آخر: لا يجوز فيه إلا بعينه لا على ما ترامى إليه من زيادة، ولم يجز الصلح فيما لا دية له مسماة إلا بعد البرء فهذا تحصيل الخلاف في هذه المسألة ا هـ. ملخصا من الرسم المذكور، ونقله في التوضيح في كتاب الجنايات برمته، ونقله أيضا ابن عرفة هناك، ونقله في الشامل هناك أيضا مختصرا وبهذا يعلم أن قول المصنف: "وإن وجب لمريض على رجل جرح عمدا فصالح في مرضه بأرشه، أو غيره، ثم مات من مرضه جاز ولزم، وهل مطلقا أو إن صالح عليه لا ما يؤول إليه تأويلان" ليس معارضا للمسألة الأولى؛ لأن المسألة الأولى وقع الصلح فيها على الجرح فقط. ثم نزي فيه ومات منه وهذه المسألة تكلم فيها على أن الصلح إذا وقع من المريض على جرحه عمدا ومات من مرضه لا من الجرح إن الصلح جائز لازم ولا يقال هذا صلح وقع من المريض فينظر فيه هل فيه محاباة أم لا، ثم نبه على أن هذا الصلح هل هو جائز مطلقا أي سواء صالح المريض على الجرح فقط دون ما يؤول إليه، أو صالح عليه وعلى ما يؤول إليه، أو إنما يجوز صلحه إذا كان على الجرح فقط، وأما إن صالح على الجرح وعلى ما يؤول إليه فلا يصح الصلح تأويلان فعلى هذا التأويل الثاني إن وقع الصلح على الجرح فقط جاز فإن مات من مرضه لزم الصلح الورثة، وإن ترامى في الجرح فمات فالحكم ما تقدم في المسألة الأولى، وإن صالح عليه وعلى ما يؤول إليه فالصلح باطل، ويعمل فيها بمقتضى الحكم لو لم يكن صلح وعلى التأويل الأول يجوز الصلح مطلقا إن وقع الصلح على الجرح فقط فالحكم فيه ما تقدم إن مات من مرضه لزم الصلح، وإن ترامى فيه فكما تقدم، وإن صالح عليه وعلى ما يؤول إليه لزم الصلح، وإن نزي فيه، ومات منه فلا كلام للأولياء وليس معنى هذا القول أنه إذا صالح على الجرح فقط، ثم نزي فيه ومات أن الصلح لازم للورثة إذ لم يقل بذلك أحد فيما علمت، والله أعلم. وهذه المسألة أيضا في كتاب الصلح من المدونة والتأويلان ذكرهما عياض في التنبيهات، ونص المدونة قبل المسألة التي ذكرناها أولا، وإذا وجب لمريض على رجل جراحة عمدا فصالح في مرضه على أقل من الدية، أو من أرش تلك الجراحة، ثم مات من مرضه فذلك جائز لازم إذ للمقتول العفو عن دم العمد في مرضه وأن يدع مالا ا هـ. قال عياض تأولها الأكثر على أن الصلح على الجراحة فقط لا على الموت وتأولها ابن العطار على مآل الموت، ونقل ابن عرفة التأويلين في

(7/15)


وإن صالح أحد وليين، فللآخر الدخول معه وسقط القتل كدعواك صلحه فأنكر، وإن صالح مقر بخطإ بماله لزمه وهل مطلقا أو ما دفع تأويلان،
__________
كتاب الجنايات بعد كلام ابن رشد المتقدم، وكلام ابن رشد المتقدم يدل على أنه تأول المدونة على ما تأولها ابن العطار، والله أعلم. ص: (وإن صالح أحد الوليين فللآخر الدخول معه وسقط القتل) ش: يعني أن من قتل عمدا وله وليان فصالح أحدهما عن حصته بالدية كلها، أو أكثر منها فللولي الآخر أن يدخل معه فيما صالح به بأن يأخذ نصيبه من القاتل على حساب دية العمد ويضمه إلى ما صالح به صاحبه ويقتسمون الجميع؛ لأنه هو المصالح به كما ذكر ذلك ابن عبد السلام في باب الديات وله أن يترك للمصالح ما صالح به ويتبع القاتل بحصته من دية عمد هذا قول ابن القاسم. وقال غيره: إن من صالح على شيء اختص به وهذا القول الثاني في المدونة أيضا قال فيها، ومن قتل رجلا عمدا له وليان فصالح أحدهما على عرض، أو قرض فللآخر الدخول معه ولا سبيل إلى القتل، وقال غيره: إن صالح بحصته على أكثر من الدية، أو على عرض قل، أو كثر فليس له غيره، وإن لم يكن لصاحبه على القاتل إلا بحساب ديته ا هـ. قال في التوضيح في كتاب الجنايات قال ابن عبد السلام ولو عفا البعض عن جميع الدية فللباقين نصيبهم على حساب دية عمد، ثم يضمون كلهم ما حصل لهم ويقتسموه كأنهم اجتمعوا على الصلح به ا هـ. ص: (وإن صالح مقر بخطإ بمال لزمه وهل مطلقا، أو ما دفع تأويلان) ش: اعلم أنه اختلف فيمن أقر بقتل خطإ على أربع روايات ذكرها في التوضيح، قال وحكاها في الجلاب الأولى منها: أنه إن اتهم أن يكون أراد غنى ولد المقتول كالأخ والصديق لم يصدق، وإن كان من الأباعد صدق، وإن كان ثقة مأمونا، ولم يخف أن يرشى على ذلك، ثم تكون الدية على العاقلة بقسامة فإن لم يقسموا فلا شيء لهم الرواية الثانية: أنه على المقر في ماله بقسامة الثالثة: لا شيء عليه وعلى عاقلته، الرابعة: تفض عليه وعلى عاقلته فما أصابه غرمه وما أصاب العاقلة سقط عنه ا هـ. كلام التوضيح: وما ذكره في الرواية الثانية أنها

(7/16)


لا إن ثبت وجهل لزومه وحلغ ورد إن طلب به مطلقا أو طلبه ووجد وإن صالح أحد ولدين وراثين وإن عن إنكار فلصاحبه الدخول كحق لهما في كتاب أو مطلق
__________
على المقر في ماله بقسامة ليس في الجلاب فيها ذكر القسامة والذي فيه إنما هو أن الدية كلها واجبة عليه في ماله هذا لفظه، ونقله ابن عرفة عنه أيضا بغير لفظ القسامة فتأمله مع نقله عنه في التوضيح، والله أعلم. إذا علم ذلك فما ذكره المؤلف أنه إذا صالح المقر بالخطإ بماله لزم الصلح هذا على القول بأن المقر بالخطإ لا تلزمه الدية وإنما تكون على العاقلة بقسامة إذا لم يتهم المقر بأنه أراد غنى ورثة المقتول وهذا القول هو الذي اقتصر عليه في ديات المدونة واقتصر عليه ابن الحاجب في كتاب الديات قال في كتاب الصلح من المدونة ولو أقر الرجل بقتل خطإ، ولم تقم بينة فصالح الأولياء على مال قبل أن تلزم الدية العاقلة بقسامة وظن أن ذلك يلزمه فالصلح جائز، وقد اختلف عن مالك في الإقرار بالقتل خطأ فقيل على المقر في ماله، وقيل: على العاقلة بقسامة في رواية ابن القاسم وأشهب ا هـ. واختلف الشيوخ في تأويل المدونة فتأولها

(7/17)


إلا الطعام ففيه تردد، إلا أن يشخص، ويعذر إليه في الخروج أو الوكالة فيمتنع، وإن لم
__________
أبو عمران على أنه يلزمه فيما قبض وفيما لم يقبض، لأنه التزمه وأوجبه على نفسه. وتأولها ابن محرز على أنه يلزمه ما قبض دون ما لم يقبض ذكرهما أبو الحسن وإليهما أشار المصنف بقوله "وهل مطلقا، أو ما دفع تأويلان". وذكر أبو الحسن قولا آخر أنه لا يلزمه شيء، وأنه رجع بما دفع على العاقلة وهذا القول يظهر أنه مخالف لما تقدم عن المدونة، والله أعلم. ص: (إلا الطعام ففيه تردد). ش: ظاهر كلامه أنه إذا صالح أحد الشريكين فللآخر الدخول معه إلا في الطعام ففي دخوله معه تردد وليس هذا مراده بل مراده أن ينبه على أنه في المدونة استثنى الطعام لما تكلم على هذه المسألة فتردد المتأخرون في وجه استثنائه، فقال ابن أبي زمنين أنه مستثنى من آخر المسألة، وخالفه عبد الحق ويتبين ذلك بجلب كلام المدونة وكلامهما قال في المدونة: وإذا كان بين رجلين خلطة فمات أحدهما، وترك ولدين فادعى أحد الولدين أن لأبيه قبل خليطه مالا فأقر له، أو أنكر فصالحه على حظه من ذلك بدنانير، أو دراهم، أو عرض جاز ولأخيه أن يدخل معه فيما أخذ وكل ذكر حق لهما بكتاب، أو بغير كتاب إلا أنه من شيء كان بينهما فباعاه في صفقة بمال، أو عرض أو بما يكال، أو يوزن غير الطعام والإدام، أو من شيء أقرضاه من عين أو طعام أو غيره مما يكال أو يوزن أو ورث هذا الذكر الحق فإن ما

(7/18)


يكن غير المقتضى، أو يكون بكتابين وفيما ليس بلهما وكتب في كتاب قولان ولا رجوع إن اختار ما على الغريم وإن هلك وإن صالح على عشرة من خمسينه فللآخر إسلامها أو أخذ خمسة من شريكه ويرجع بخمسة وأربعين ويأخذ الآخر خمسة،
__________
قبض منه أحدهما يدخل فيه الآخر. وكذلك إن كانوا جماعة، فإنه يدخل فيه بقية أشراكه إلا أن يشخص المقتضى بعد الإعذار إلى أشراكه في الخروج معه أو الوكالة فامتنعوا فإن أشهد عليهم لم يدخلوا فيما اقتضى؛ لأنه لو رفعهم إلى الإمام لأمرهم بالخروج، أو التوكيل. فإن فعلوا وإلا خلى بينه وبين اقتضاء حقه، ثم لم يدخل معه أحد منهم فيما اقتضى ا هـ. قال ابن أبي زمنين وغيره إنما استثنى الطعام هنا من قوله: "إلا أن يشخص المقتضى بعد الإعذار إلى شركائه في الخروج معه أو الوكالة فامتنعوا فإن أشهد عليهم لم يدخلوا فيما اقتضى". قال: فإذا كان الذي على الغريم طعاما من بيع لم يجز لأحدهما أن يأذن لصاحبه في الخروج لاقتضاء حقه خاصة؛ لأن إذنه في الخروج مقاسمة له، والمقاسمة له كبيعه قبل استيفائه، فلذلك قال في صدر المسألة: "غير الطعام والإدام" وقال عبد الحق: يحتمل عندي استثناؤه الإدام والطعام إنما هو لما ذكر من بيع أحدهما نصيبه، أو وصلحه منه؛ لأنه إذا كان الذي لهما طعاما، أو إذا ما لم يجز لأحدهما بيع نصيبه، أو مصالحته منه؛ لأن ذلك بيع الطعام قبل قبضه وهذا الذي يشبه أن يكون أراده، والله أعلم. ص: (أو يكون بكتابين) ش: يعني أن الحق إذا كان بكتابين فلا يجوز أن يدخل أحد الشريكين على الآخر فيما اقتضى، وإن كان ذلك ثمن شيء واحد أصله بينهما وباعه في صفقة واحدة كعبد، أو ثوب قال في المدونة والحق إذا كان بكتابين كان لكل واحد ما اقتضى، ولم يدخل عليه فيه شركاؤه وإن كان من شيء أصله بينهم أو باعه في صفقة. ص: (وفيما ليس لهما وكتب في كتاب قولان) ش: قال ابن يونس: وهذا إذا جمعا سلعتهما في البيع على قول من يجيز ذلك؛ لأنهما كالشريكين قبل البيع ألا ترى أنه لو استحقت سلعة أحدهما، وهو وجه الصفقة أن للمشتري نقض البيع كما لو كانا شريكين فيها فكذلك يكون حكمهما في الاقتضاء حكم الشريكين ا هـ. وقال أبو محمد بن أبي زيد: لا توجب الكتابة في كتاب واحد الشركة بينهما ولكل واحد ما اقتضى ا هـ. قلت: إذا كانت هذه المسألة بقرعة

(7/19)


وإن صالح بمؤخر عن مستهلك لم يجز إلا بدراهم كقيمته فأقل أو ذهب كذلك هو مما يباع به كعبد آبق وإن صالح بشقص عن موضحتى عمد نوخطأ فالشفعة بنصف قيمة الشقص وبدية الموضحة وهل كذلك إن اختلف الجرح؟ تأويلان
__________
على القول بجواز جمع الرجلين سلعتيهما في البيع فلا حاجة لذكرها؛ لأنها بقرعة على غير المشهور، والله أعلم. ص: (كعبد أبق) ش: ليس هذا مثالا لما قبله وإنما هو مشبه به في جواز الصلح نظرا إلى القيمة أي وكذلك يجوز لك أن تصالح من غصبك عبدا وأبق منه على دنانير مؤجلة أو دراهم مؤجلة إذا كانت الدنانير، أو الدراهم كالقيمة فأقل جاز وليس هذا من بيع الآبق، والله أعلم.

(7/20)


باب الحوالة
شرط الحوالة: رضا المحيل والمحال فقط،
__________
باب:
ص: (شرط الحوالة رضا المحيل والمحال فقط) ش: قال في التوضيح عياض وغيره هي مأخوذة من التحول من شيء إلى شيء؛ لأن الطالب تحول من طلبه لغريمه إلى غريم غريمه ا هـ. وقال ابن عرفة: الحوالة طرح الدين عن ذمة بمثله في أخرى لامتناع تعلق الدين بما هو له ا هـ. ويخرج من حده من تصدق على رجل أو وهبه شيئا، ثم أحاله به على من له عليه مثله فإنها حوالة كما نقله في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب فلو أحال البائع على المشتري ولفظ الدين لا يطلق عليهما عرفا، والله أعلم. ثم قال عياض قال الأكثر: لأنها مبايعة مستثناة من الدين بالدين والعين بالعين غير يد بيد؛ لأنها معروف، وأشار الباجي إلى أنها ليست كالبيع ولا هي من هذا الباب بل من باب النقد.
قلت: لفظه ليس من الدين بالدين لبراءة المحيل بنفس الإحالة فهي من باب النقد عياض في حمل الحوالة على الندب، أو الإباحة قولا الأكثر، وبعضهم الباجي هي على الإباحة ا هـ. ونحوه في التوضيح وقوله "رضا المحيل أو المحال" قال ابن عرفة: صرح ابن الحاجب وابن شاس أنهما من شروطها، ولم يعدهما اللخمي وابن رشد منها، وهو أحسن والأظهر أنهما جزءان؛ لأنهما كلما وجدا وجدت ا هـ. والظاهر أنهما شرطان كما قال لا جزءان كما قال ابن عرفة لعدم توقف تعقلها ووجودها عليهما ولذلك اختلف العلماء في اشتراط

(7/21)


__________
رضا المحال، وإنما أركانها: رضا المحيل، والمحال والمحال عليه والمحال به وقول ابن عرفة "كلما وجد، أو وجدت" ممنوع فقد يوجدان ولا توجد؛ كما إذا فقد شرط من شروطها قال في المدونة: وإذا أحالك على من ليس قبله دين فليست حوالة، وهي حمالة انتهى. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة نص شيخنا أبو مهدي على أن حدها يدل على أنهما شرطان لا جزءان إذ لم يذكرا في الحد ا هـ. وقوله: "فقط" إشارة إلى أنه لا يشترط رضا المحال عليه على المشهور قال في التوضيح وعلى المشهور فيشترط في ذلك السلامة من العداوة قاله مالك المازري: وإنما يعرض الإشكال لو استدان رجل من آخر دينا، ثم حدثت بينهما عداوة بعد الاستدانة، هل يمنع من له الدين من اقتضاء دينه ويرضى عدوه فيؤمر أن يوكل غيره أو لا يمنع؛ لأنها ضرورة؟ تردد ابن القصار في هذا وإشارته تقتضي الميل إلى أنه لا يمكن من الاقتضاء بنفسه ا هـ. وكلام المازري هذا هو في الجواب عن السؤال الثاني من أول الحوالة، وقال البساطي: لو كان المحال عدوا للمحال عليه اشترط رضاه واختلف على ذلك إذا تجددت العداوة بعد الحوالة هل يجب التوكيل أم لا كما قالوا فيمن له على شخص دين وتجددت بينهما عداوة ا هـ. والله أعلم.
فرع: قال في التوضيح وعلى المشهور هل يشترط حضور المحال عليه وإقراره كما في بيع الدين، وهو قول ابن القاسم أو لا؟ وهو قول ابن الماجشون وللموثقين الأندلسيين أيضا القولان وفي المتيطية عن مالك إجازة الحوالة مع الجهل بذمة المحال عليه، وهل الخلاف مبني على الخلاف الذي بين الشيوخ؟ هل الحوالة مستثناة من بيع الدين بالدين فنسلك بها مسلك البيوع، أو هي أصل بنفسه؟ ا هـ. كلام التوضيح وأصله لابن عبد السلام، ونقله في الشامل، وقال ابن سلمون ولا يشترط رضا المحال عليه عند جميع العلماء وكذلك لا يشترط علمه وحضوره على المشهور. وفي الاستغناء لا تجوز الحوالة على الغائب، وإن وقع ذلك فسخ حتى يحضر، وإن كانت له بينة؛ لأنه قد تكون للغائب براءة من ذلك وفي المشتمل لا تجوز الحوالة إلا على حاضر مقر ا هـ. وعلى قول ابن القاسم اقتصر الوقار في مختصره، ونصه:" ولا يجوز أن يحال أحد بحق له قد حل على غائب؛ لأنه لا يدري ما حاله في ماله ولا يجوز أن يحال به على ميت بعد موته، وهو بخلاف الحي الحاضر، لأن ذمة الميت قد فاتت، وذمة الحي موجودة" وعليه أيضا اقتصر صاحب الإرشاد وصاحب الكافي وكذلك أيضا المتيطي وابن فتوح، وقبله ابن عرفة وفي الحوالة من المدونة ولا بأس أن تكتري من رجل عبده، أو داره بدين لك حال أو مؤجل على رجل آخر "مقر حاضر" مليء وتحيله عليه إن شرعت في السكنى والخدمة قال أبو الحسن: اشترط هنا حاضرا مقرا وفي بعض المواضع لم يشترط فيها ذلك الشيخ فحيث ذكر يقيد به ما لم يذكر فيه ا هـ. وقال المشذالي في حاشيته قوله: مقر حاضر. مفهومه لو كان غائبا لم تجز الحوالة قال في الطرر عن أبي زيد القرطبي: لا تجوز الحوالة على غائب فإن وقع لم تجز وفسخ، لأنه قد يكون

(7/22)


وثبوت دين لازم فإن أعلمه بعدمه وشرط البراءة: صح، وهل إلا أن يفلس أو يموت؟ تأويلان. وصيغتها،
__________
للغائب من ذلك براءة ا هـ. ص: (وثبوت دين لازم) ش: احترز باللازم من دين غير لازم قال البساطي: كالدين المرتب على العبد من غير إذن سيده وما أشبه ذلك ا هـ. قلت: ومن ذلك الكتابة فلا تجوز الحوالة على الكتابة إلا إذا كان السيد هو المحال كما إذا أحاله مكاتبه بما حل عليه على مكاتب للمكاتب كما سيأتي، والله أعلم. ص: (وصيغتها) ش: انظر هل مراده بصيغتها أنها لا تنعقد إلا بلفظ الحوالة وعليه حمله الشارح في شروحه ولكنه أتى بعده بكلام البيان، وهو يدل على خلاف ذلك، أو مراده أنه لا بد في الحوالة من لفظ يدل على ترك المحال دينه من ذمة المحيل وهذا هو الذي نص عليه في البيان، ولم يذكر خلافه وعليه اقتصر ابن عرفة قال في أول سماع يحيى من كتاب الحوالة والكفالة قال: يحيى قال ابن القاسم في الرجل يطلب الرجل في حقه فيذهب به إلى غريم له فيقول له: خذ حقك من هذا، ويأمره بالدفع إليه فيتقاضاه إياه فيقضيه. بعض حقه، أو لا يقضيه. فيريد أن يرجع على الأول ببقية حقه أن ذلك له وليس هذا بوجه الحق اللازم لمن أحال بحقه، لأن له أن يقول لم أحتل عليه بشيء وإنما أردت أن أكفيك التقاضي، وأما وجه الحول اللازم أن يقول أحيلك على هذا بحقك وإبراء ذمتك مما تطلبني، وأن لا أرجع عليه بحقه ابن رشد هذا كما قال؛ لأن الحوالة بيع من البيوع ينتقل بها الدين عن ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه فلا يكون ذلك إلا بيقين، وهو التصريح بلفظ الحوالة أو ما ينوب منابه مثل أن يقول له: خذ من هذا حقك وأنا بريء من دينك، وما أشبه ذلك. وقد قال بعض الشيوخ: اتبع فلانا

(7/23)


وحلول المحال به وإن كتابة.
__________
بحقك في حوالة لقوله صلى الله عليه وسلم: "ومن أتبع على مليء فليتبع" قال: فلما أتى بلفظ يشبه النص كان حوالة إذا كان ذلك على المحال عليه، وليس ذلك بالبين وإنما البين في ذلك أن يقول له قد أتبعتك على فلان، وأما إذا قال اتبع فلانا فيتخرج ذلك على قولين فذكرهما في آخر أول رسم من سماع أشهب من جامع البيوع، وهو الأمر من الآمر هل يحمل على الإيجاب عليه أم لا اختلف في ذلك قول مالك ا هـ. والقولان اللذان أشار إليهما هما الروايتان في قول البائع: خذ هذا الثوب بكذا هل هو إيجاب للبيع كقوله بعتك أم لا، وقال ابن عرفة الصيغة ما دل على ترك المحال دينه من ذمة المحيل بمثله في ذمة المحال عليه ا هـ. نعم وقع في عبارة الشيخ أبي الحسن الصغير أن من شروط الحوالة أن تكون بلفظ الحوالة وأطلق، ونصه:"وللبراءة بالحوالة أربع شروط أن يكون برضا المحيل، والمحال وأن يكون بلفظ الحوالة، وأن يكون على أصل دين، وأن لا يغر من عدم بعلمه فتأمله، والأول أظهر، والله أعلم. ويؤيده ما قال ابن القاسم إذا أتى بلفظ يحتمل الحوالة ويحتمل الوكالة كما إذا قال: خذ الذي لك علي من الدين الذي على فلان فقال ابن القاسم: للمحال أن يرجع على المحيل، ويقول إنما طلبت منه نيابة عنك لا على أنها حوالة أبرأتك منها ا هـ. والله أعلم. ص: (وحلول المحال به وإن كتابة) ش: يعني أنه يشترط في الحوالة أن يكون الدين المحال به حالا ووقع في السلم الثاني من المدونة ما يوهم خلافه، ونصها:"ولو استقرض الذي عليه السلم مثل طعامك من أجنبي وسأله أن يوفيك أو أحالك به، ولم تسأل أنت الأجنبي فذلك جائز قبل الأجل وبعده فأورد بعضهم على ابن عبد السلام حين إقرائه هذا المحل أنه خلاف المذهب في اشتراط حلول المحال به فلم يحضره ولا غيره جواب، ثم قال ابن عرفة: ثم بان لي سره بأن شرط الحلول في الحوالة الحقيقية التي هي على أصل دين وهذه مجاز،

(7/24)


لا عليه،
__________
لأنها على غير أصل دين في حمالة ا هـ. من شرح الرسالة لابن ناجي، وقوله: وإن كتابة يريد أنه يشترط الحلول في الدين المحال به ولو كان من كتابة وهذا مذهب ابن القاسم وخالفه غيره في ذلك.
تنبيه: قال ابن جزي في قوانينه: الحوالة على نوعين إحالة قطع وإحالة إذن فأما إحالة القطع فلا تجوز في المذهب إلا بثلاثة شروط: الأول: أن يكون الدين المحال به قد حل. الثاني: أن يكون الدين المحال مساويا للمحال فيه في الصفة والمقدار. الثالث: أن لا يكون الدينان أو أحدهما طعاما من سلم، وأما الإذن فهو كالتوكيل على القبض والإقطاع فيجوز بما حل وبما لم يحل ولا تبرأ به ذمة المحيل حتى يقبض المحال من المحال عليه ماله ويجوز للمحيل أن يعزل المحال في الإذن عن القبض ولا يعزله في حالة القطع ا هـ. ص: (لا عليه) ش: يعني أنه لا يشترط حلول الدين المحال عليه كان كتابة، أو غيرها نعم يشترط في الحوالة على الكتابة أن يكون المحال هو السيد كما إذا أحاله مكاتبه بما حل عليه على مكاتب للمكاتب، ولا يصح أن يحيل السيد أجنبيا له عليه دين على مكاتبه، نص على ذلك التونسي، ونقله في التوضيح وعزا ابن شاس وابن الحاجب لابن القاسم اشتراط حلول الكتابة المحال عليها السيد، قال في التوضيح: واعترض عليهما ما حكياه من شرط حلولها، ثم قال: وأما الكتابة المحال عليها فلا يشترط ابن القاسم، وغيره فيها الحلول ولا يعرف من قال به ونص المدونة ابن القاسم، وإن أحالك مكاتبك بالكتابة على مكاتب له وله عليه مقدار ما على الأعلى فلا يجوز ذلك إلا أن تبت أنت عتق الأعلى فيجوز ابن القاسم يريد، وإن لم تحل كتابة الأعلى فيجوز بشرط تعجيل العتق كما لا تجوز الحمالة بالكتابة إلا على شرط تعجيل العتق، وقال في المدونة: ثم إن عجز الأسفل كان لك رقا ولا ترجع على المكاتب الأعلى بشيء؛ لأن الحوالة كالبيع، وقد تمت حريته وهذا كله بشرط أن يكون المحال السيد لا الأجنبي. التونسي: والمكاتب جائز له أن يحيل سيده بما حل من كتابته على ما لم يحل، وإن كان المحال أجنبيا لم تجز قال: وهو لو حلت لم تجز من الأجنبي؛ لأن الحوالة إنما أجيزت في الأجنبي إذا أحيل على مثل الابن وههنا قد يعجز المكاتب المحال عليه فتصير الحوالة على غير جنس الدين كما لو حل على رجل دين لأجنبي فأراد أن يحيله بذلك على مكاتبه ما جاز له ذلك؛ لأنه قد يعجز فتكون الحوالة قد خالفت ما رخص فيه منها، وهو أن يكون المحال عليه من جنس المحال به، فإن قيل: أنتم تجيزون بيع الكتابة مع إمكان أن يشتري كتابته تارة ورقبته أخرى، قيل: أصل الحوالة رخصة؛ لأنها الدين بالدين فلا يتعدى بها ما خلف منها ا هـ. كلام التوضيح برمته، ونقله في

(7/25)


وتساوي الدينين قدرا وصفة، وفي تحوله على الأدنى: تردد
__________
الشامل. ونصه:"وحلول محال به، ثم قال: لا حلول محال عليه مطلقا وللمكاتب أن يحيل سيده إلا أجنبيا فما حل من كتابته على نجوم مكاتب له، وإن لم يحل" ا هـ. ص: (وفي تحوله على الأدنى تردد) ش: يعني أن الأشياخ المتأخرين ترددوا في جواز تحوله من الدين الأعلى إلى أدنى منه يريد، أو من الكثير إلى أقل منه وأكثر الشيوخ على الجواز، وظاهر كلامه في التوضيح وكلام غيره: أن التردد جار في التحول من الكثير إلى القليل بل كلامهم صريح في ذلك فإن لفظ صاحب المقدمات القائل بالمنع شرطها تماثلهما في الصفة والقدر لا أقل ولا أكثر ولا أدنى ولا أفضل ا هـ.
قلت: هذا والله أعلم إذا كانت الحوالة مجملة كما إذا كان قال له: أحيلك بالمائة التي لك على فلان بن فلان بعشرة لي عنده أما إذا قال له: أسقط عنه التسعين، وأحتال بالعشرة الباقية على فلان فالظاهر أنه لا يتأتى فيه التردد، والله أعلم. قال في التوضيح وما ذكره المصنف يعني ابن الحاجب من جواز التحويل بالأعلى على الأدنى موافق للخمي والمازري وابن شاس ووجهه أنه أقوى في المعروف ا هـ. وقال ابن رشد وعياض: لا يجوز. وأما التحول من الأدنى إلى الأعلى فقال في التوضيح: وقع في بعض نسخ ابن الحاجب في قوله: فيجوز "بالأعلى على الأدنى" موضع"على" "عن" فتكون بمعنى "على" ولا يصح أن تكون باقية على معناها؛ لأنه يكون المعنى حينئذ: فيجوز أخذ الأعلى عن الأدنى وذلك لا يجوز، صرح بذلك غير واحد ا هـ. وقال ابن عرفة: ويشترط تماثل صنف الدينين وفي شرط تساويهما في الصفة والقدر مطلقا وجواز كون المحال عليه أقل أو أدنى، قول المقدمات: شرطها تماثلهما في الصفة والقدر لا أقل ولا أكثر ولا أدنى ولا أفضل. ونص اللخمي مع المازري والمتيطي، وقال: شروطها ستة: كونها على دين، واتحاد جنس الدينين، واتحاد قدرهما وصفتهما، أو كون المحال عليه أقل أو أدنى ا هـ. كلام ابن عرفة وفي الجواهر الشرط الثالث: أن يكون ما على المحال عليه مجانسا لما على المحيل قدرا ووصفا فإن كان بينهما تفاوت يفتقر في أدائه عنه إلى المعاوضة، أو الرضا دون المعاوضة لم يجز، وإن لم يفتقر بل كان مما يجبر على قبوله كأداء الجيد عن الرديء فيتحول عن الأعلى إلى الأدنى وعن الأكثر إلى الأقل ا هـ. يعني: وإن كان التفاوت بين الدينين لا يفتقر إلى المعاوضة ولا إلى الرضا بل كان مما يجبر على قبوله كأداء الجيد عن الرديء فيجوز فيه اختلاف الدينين لكن بشرط أن يتحول من الأعلى إلى الأدنى، أو من الأكثر إلى الأقل فتأمله.

(7/26)


وأن لا يكون طتعما من بيع: لا كشفه عن ذمة المحال عليه ويتحول حق المحال على المحال عليه وإن أفلس أو جحد،
__________
ومقتضى كلامه أنه إذا أعطى من له أدنى أعلى أنه يجبر على قبوله، وقال في السلم من التوضيح: إن ظاهر المذهب خلافه فاعلمه.
فرع: قال في التوضيح إثر الكلام المتقدم: وحيث حكم بالمنع في هذا الفصل فإنما ذلك إذا لم يقع التقابض في الحال، وأما لو قبضه لجاز ففي الموازية: إذا اختلفا في الصنف، أو في الجودة والصنف وأحدهما طعام أو عين أو عرض من بيع أو قرض، أو أحدهما من بيع والآخر من قرض فلا تصح الحوالة، وإن حلا، محمد: إلا أن يقبضه قبل أن يتفرقا فيجوز إلا في الطعام من بيع فلا يصح أن يقبضه إلا صاحبه قال: وكذلك إن كان أحدهما ذهبا، والآخر ورقا فلا يحيله به، وإن حلا إلا أن يقبضه مكانه قبل افتراق الثلاثة وطول المجلس ا هـ. ص: (لا كشفه عن ذمة المحال عليه) ش: تقدم في كلام التوضيح في القولة الأولى من هذا الباب أنه قال: وفي المتيطية عن مالك إجازة الحوالة مع الجهل بذمة المحال عليه ا هـ. ويعني بهذا أن الحوالة مخالفة لبيع الدين، وما ذكره المتيطي عن مالك جعله اللخمي وغيره المذهب، ونص اللخمي في كتاب الحوالة من تبصرته فصل: وإجازة مالك الحوالة مع الجهل بذمة المحال عليه إن كان لا يدري أموسر هو أو معسر انتهى. وإليه أشار المؤلف بقوله: "لا كشفه عن ذمة المحال عليه" والله أعلم. ص: (ويتحول حق المحال على المحال عليه، وإن أفلس أو جحد) ش: هذا نحو قوله في المدونة: وإذا أحالك غريمك على من له عليه دين فرضيت باتباعه فلا ترجع عليه بشيء في غيبة المحال عليه أو عدمه، أبو الحسن الصغير قال اللخمي: إلا أن يشترط أنه يرجع فإن أفلس أو مات فله شرطه، وهو قول المغيرة انتهى. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: نقله الباجي كأنه

(7/27)


إلا أن يعلم المحيل بإفلاسه فقط،
__________
المذهب، وقال ابن رشد: هذا صحيح ولا أعرف فيه خلافا انتهى. وقال في التوضيح: ومسألة الفلس صحيحة في المدونة وغيرها، وقيدها المغيرة فقال: إلا أن يشترط المحال الرجوع على المحيل إذا فلس المحال عليه فيكون له شرطه انتهى. وقال ابن عرفة وحدوث فلس المحال عليه لغو يوجب فيه نقضا، وسمع سحنون المغيرة أن شرط المحال على المحيل إن أفلس المحال عليه رجع على المحيل فله شرطه، ونقله الباجي كأنه المذهب، وقال ابن رشد: هذا صحيح لا أعرف فيه خلافا، قال ابن عرفة: قلت فيه نظر، لأنه شرط مناقض لعقد الحوالة وأصل المذهب في الشرط المناقض للعقد أنه يفسده وفي بعضها يسقط الشرط، ويصح العقد كالبيع على أن لا جائحة انتهى. فتأمله.
فرع: قال ابن سلمون فإن أفلس المحال عليه قبل الإحالة، ولم يعلم بذلك المحال فله الرجوع على المحيل ولا تلزمه الحوالة فإن انعقد في الوثيقة بعد معرفة المحال بملاء المحال عليه وموضعه من المال فلا رجوع له بوجه، وإن كان إفلاسه بعد الإحالة فلا كلام للمحال انتهى. ويأتي في القولة التي بعد هذه ما ينبغي أن يقيد به كلامه هذا.
فرع: فلو دفع المحال عليه الدين بعد الإحالة للمحيل لم أر فيه نصا والظاهر أنه إن علم بالحوالة لزمه غرمه للمحتال وإلا لم يلزمه كما قال في رسم العشور من سماع عيسى من كتاب الصدقات في دفع الدين الموهوب للواهب. ص: (إلا أن يعلم المحيل بإفلاسه فقط) ش: أما إذا علما جميعا بفلسه فلا رجوع له عليه قاله مالك، ونقله الشارح وغيره فأحرى إذا علم وحده فإن جهلا فلسه جميعا فالذي يفهم من كلام المصنف أنه لا رجوع عليه، وهو الذي يفهم من كلام عبد الحق الذي نقله أبو الحسن والمصنف في التوضيح وغيره بل هو صريح في ذلك فإنه نقل عن ابن عبد السلام أنه قد اعترض هذه المسألة غير واحد فإن فلس المحال عليه حين الحوالة إن كان عيبا فله الرجوع على المحيل بفلس المحال عليه، أو لم يعلم، وإن لم يكن عيبا فلا رجوع له مطلقا قال وأجيب بأنه عيب مع علم المحيل لغروره، وأجاب عبد الحق بأن الحوالة معروف فسهل على المحيل إلا أن يغر انتهى. فينبغي أن يقيد كلام

(7/28)


وحلف على نفيه إن ظن به العلم فلو أحال بائع على مشتر بالثمن ثم رد بعيب أو استحق ولم تنفسخ واختير خلافه والقول للمحيل إن ادعى عليه نفي الدين للمحال عليه،
__________
ابن سلمون السابق بهذا. ص: (فلو أحال بائع على مشتر بالثمن، ثم رد بعيب أو استحق لم ينفسخ واختير خلافه) ش: يعني إذا أحاله بثمن ما باعه، ثم رد المبيع بعيب أو استحق فإن الحوالة لا تنفسخ عند ابن القاسم وتنفسخ عند أشهب واختاره الأئمة ابن المواز وغيره وما ذكره المؤلف غير جار على قاعدته من وجهين، لأن مادة الاختيار للخمي وإذا كان بصيغة الفعل فذلك لاختياره في نفسه وليس للخمي هنا اختيار، والخلاف منصوص بين ابن القاسم وأشهب والمختار لقول أشهب ابن المواز وغيره.
تنبيه: وهذا الخلاف مقيد بما إذا كان البائع باع ما ظن أنه ملكه، وأما لو باع ما يعلم أنه لا يملكه مثل أن يبيع سلعة من رجل، ثم يبيعها من ثان ويحيل عليه بالثمن فلا خلاف أن الحوالة باطلة ويرجع المحال على المحيل، قاله ابن رشد في نوازله، ونقله في التوضيح والشامل وابن سلمون ونص كلامه: سئل ابن رشد عمن باع حصة له من كرم وأحال عليه بالثمن فأثبت رجل أنه ابتاع الحصة من المحيل قبل بيعه واستحق الحصة، وفسخ البيع، قال إذا كان الأمر على ما وصفت فتنتقض الإحالة، ويرجع المحال بدينه الذي أحاله ولا يكون له قبل المحال عليه شيء لسقوط الثمن بالاستحقاق وهذه المسألة خارجة عندي من الاختلاف لكون الاستحقاق فيها من جهة المحيل بخلاف إذا لم يكن من جهته، وقد كنت سئلت عن هذه المسألة من مدة فأجبت فيها بمثل هذا الجواب في المعنى، وإن خالفه في اللفظ. انتهى. كلام ابن رشد، والله أعلم.

(7/29)


لا في دعواه وكالة أو سلفا.

(7/30)


باب الضمان
الضمان شغل ذمة أخرى بالحق،
__________
باب
ص: (الضمان شغل ذمة أخرى بالحق) ش: قال المازري في شرح التلقين: الحمالة في اللغة والكفالة والضمانة والزعامة كل ذلك بمعنى واحد، فتقول: العرب هذا كفيل وحميل وضمين وزعيم هذه الأسماء هي المشهورة، وتقول العرب أيضا قبيل بمعنى ضمين، ومفهوم قوله: "شغل ذمة أخرى بالحق" ومفهوم قوله: "بعد بدين لازم أو آيل" أنه لا يصح التحمل عن السفيه إلا بما يلزمه من ذلك وذلك أن ما أخذ السفيه أو اقترضه أو باع به شيئا من متاعه فلا يخلو إما أن يكون صرفه فيما لا بد منه أو فيما هو مستغنى عنه، فالأول يرجع به على الراجح من القول ويصح ضمانه منه، ويرجع عليه الضامن في ماله إذا أدى عنه، وأما ما لا يلزم المحجور فلا يرجع به عليه فإن ضمنه فيه إنسان رشيد فهل يلزم الضامن غرم أم لا؟ لا يخلو الضامن للمحجور والمضمون له المحجور بأن يعلما أنه محجور، أو لا يعلما، أو يعلم الضامن دون المضمون له، أو يعلم المضمون له دون الضامن ففي الوجه الرابع لا يلزم الضامن شيء اتفاقا، وفي الثالث يلزمه ما ضمن اتفاقا، ويختلف في الوجهين الأولين فعند ابن القاسم يلزمه، وعند ابن الماجشون لا يلزمه هذا ما حصله ابن رشد في نوازل أصبغ من كتاب الحمالة ولا شك أنه إذا ألزم الضامن غرم ما ضمن لا يرجع به على المحجور ومن هذا الباب لو ضمن المحجور

(7/30)


وصح من أهل التبرع: كمكاتب، إن أذن سيدهما، وزوجة، ومريض بثلث،
__________
شخصا لشخص آخر ثم ضمن المحجور الضامن شخص آخر رشيد فضمان المحجور لا يلزمه شيء وهل يرجع رب الحق على الرشيد الذي ضمن له المحجور أو لا؟ يأتي التفصيل المتقدم.
قلت: وهذا يشكل على قولهم إذا برئ الأصيل برئ الضامن إلا أن يقال: لما ضمن ما عليه فكأنه متبرع بذلك الحق وذكر اللخمي خلافا آخر ونقله عنه القرافي ونص كلام اللخمي في باب الحمالة من تبصرته: الكفالة على المولى عليه على ستة أوجه تلزم في ثلاثة وتسقط في اثنين ويختلف في السادس، فإن كانت الكفالة في أصل العقد والحامل والمتحمل له عالمان بأنه مولى عليه أو كان الحامل وحده عالما كانت الحمالة لازمة، وإن كان المتحمل له عالما دون الحميل كانت الحمالة ساقطة، وإن كانا يجهلان والكفالة بعد العقد كانت ساقطة أيضا، وإن كان في أصل العقد وهما لا يعلمان أنه مولى عليه جرت على قولين فقال عبد الملك في كتاب محمد: الكفالة لازمة وعلى قول مالك لا يكون للحامل شيء وعلى هذا يجري الجواب في الحمالة عن الصبي ينظر هل كانت في أصل العقد، أو بعده وهل يجهلان أن مبايعة الصبي ساقطة أم لا، أو كان أحدهما مما يعلم والآخر يجهل، وإن كانت تلك المداينة والمطالبة مما يلزم السفيه، أو الصبي؛ لأنها كانت في غير مغابنة وصرفاها فيما لا بد لهما منه من نفقة، أو كسوة، أو إصلاح متاع، أو عقار جريا على حكم البالغ، أو الرشيد انتهى مختصرا، وانظر ما في النوادر، وانظر ابن فرحون في شرح ابن الحاجب والله أعلم. ص: (كمكاتب ومأذون أذن سيدهما) ش: لا حاجة إلى تقييد المأذون بأن لا يكون عليه دين يستغرق ماله، لأن من عليه دين يستغرق ماله لا تجوز كفالته، وإن كان حرا وهو خارج بقوله من أهل التبرع ولا يقال تخصيصه المكاتب والمأذون له يقتضي أن غيرهما من المدبر وأم الولد والقن لا يجوز منهم ضمان، وإن أذن السيد مع أن ضمانهم بإذن السيد جائز كما صرح به في المدونة؛ لأنا نقول إنما قصد رفع توهم أنهما لا يحتاجان إلى إذن السيد؛ لأن المكاتب أحرز نفسه وماله والمأذون قد أذن له في المعاملة، وسيأتي كلام المدونة الموعود به عند قول المصنف: "وأتبع ذو الرق بها إن عتق". ص: (وزوجة) ش: فإذا تكفلت المرأة بشيء أكثر من ثلث فلزوجها رد الجميع قال في

(7/31)


واتبع ذو الرق به إن عتق وليس للسيد جبره عليه وعن الميت بالمفلس،
__________
كتاب الحمالة من المدونة، وإن كاتبت، أو تكفلت، أو أعتقت، أو تصرفت، أو وهبت، أو صنعت شيئا من المعروف فإن حمل ذلك ثلثها وهي لا يولى عليها جاز ذلك، وإن كره الزوج، وإن جاوز الثلث فللزوج رد الجميع وإجازته، لأن ذلك ضرر إلا أن تزيد على الثلث كالدينار وما خف فهنا يعلم أنها لم ترد فيمضي الثلث مع ما زادت ا هـ. ثم قال فيها وإذا أجاز الزوج كفالة زوجته الرشيدة في أكثر من الثلث جاز تكفلت عنه، أو عن غيره، وإن تكفلت عنه بما يستغرق جميع مالها فلم يرض لم يجز ذلك لا ثلث ولا غيره ا هـ، وقال ابن عرفة، وإن تكفلت لزوجها ففيها قال مالك: عطيتها لزوجها جميع مالها جائزة، وكذلك كفالتها عند الباجي يريد بإذنه، وانظر ما نقله عن الباجي فهو ما تقدم في نص المدونة فكيف ينقله عن الباجي؟ إذا علم ذلك فلا حاجة في كلام المصنف إلى تقييدها بكونها حرة وغير مولى عليها؛ لأنها ليست من أهل التبرع ولا إلى التقييد بكونها لم تضمنه فإن ضمنته جاز، وإن استغرق ذلك جميع ما بيدها؛ لأن ذلك لا يجوز بإذنه، وقد قال في المدونة في الكلام السابق: فإن تكفلت عنه بما يستغرق جميع مالها فلم يرض لم يجز ذلك لا ثلث ولا غيره فعلم أن الزوج وغيره في ذلك سواء نعم يقيد كلام المصنف بأن لا تكون الزيادة على الثلث يسيرة كالدينار وما خف فيمضي ذلك كله والله أعلم. ص: (وأتبع به ذو الرق إن أعتق) ش: هذا إذا لم يرد ذلك السيد وأما إذا رده فإنه يسقط عنهم، وإن لم يصرح بإسقاطه عنهم؛ لأن رد السيد رد إبطال لا رد إيقاف قال في المدونة ولا يجوز لعبد ولا مكاتب ولا مدبر ولا أم الولد كفالة ولا عتق ولا هبة ولا صدقة ولا غير ذلك مما هو معروف عند الناس إلا بإذن السيد فإن فعلوا بغير إذنه لم يجز إن رده السيد فإن رده لم يلزمهم ذلك، وإن أعتقوا، وإن لم يرده حتى عتقوا لزمهم ذلك علم به السيد قبل عتقهم، أو لم يعلم قال أبو الحسن جعل رد السيد هنا رد إبطال ومثله في العتق وجعله في كتاب الاعتكاف رد إيقاف تقدم كلام المدونة في آخر باب الحجر عند قول المصنف "كعتق العبد" والله أعلم. ص: (وليس للسيد جبره عليه) ش: قال اللخمي في تبصرته فصل وللسيد أن يجبر عبده على الكفالة إذا كان في يده مال بقدرها واختلف إذا كان فقيرا وليس في يديه مال فقال ابن القاسم إنه لا يجبر، وقال محمد يجبر ا هـ وكأنه المذهب ونقله عنه ابن عرفة ثم قال ابن عرفة ولو أشهد سيده أنه ألزمه الكفالة لم تلزمه إلا برضاه ا هـ. ص: (وعن الميت المفلس) ش: قال في المقدمات الحمالة على مذهب مالك تجوز

(7/32)


والضامن، والمؤجل حالا إن كان مما يعجل وعكسه إن أيسر غريمه أو لم يوسر في الأجل وبالموسر أو بالمعسر، لا الجميع
__________
على الحي والميت غير أنه إن تحمل عن الحي فأدى عنه كان له الرجوع عليه بما أدى عنه واتباعه به إن كان معدما كأن تحمل عنه بإذنه، أو بغير إذنه، وإن كان تحمل عن ميت لا وفاء له بما تحمل عنه لم يكن له أن يرجع بما أدى عنه في ماله إن طرأ له ا هـ وفي السؤال الثالث من كتاب الحمالة من المازري عن التلقين لم يختلف أحد من أهل العلم في جواز الحمالة عن الحي موسرا كان، أو معسرا ولا في الحمالة عن الميت إذا كان موسرا، وإنما اختلفوا في الحمالة عن الميت إذا كان معسرا فالجمهور على جواز الحمالة وانفرد أبو حنيفة والثوري فمنعا ذلك ا هـ. وقال ابن الحاجب ولو تنازعا في أنه دفعه فالقول قول الدافع إلا لقرينة قال في التوضيح يعني إذا أدى رجل عن رجل دينا ثم قام الدافع يطلب المال، وقال المدفوع عنه إنما دفعت عني على وجه المعروف احتسابا فالقول قول الدافع؛ لأن الأصل عدم خروج ملكه إلا على الوجه الذي قصده إلا أن تقوم قرينة تدل على كذب الدافع كما إذا دفع عن الميت المفلس ثم طرأ له مال لم يعلم به وطلب الرجوع ابن عبد السلام إلا أن تقوى القرينة فينبغي أن يحلف الدافع، وحينئذ يأخذ ما دفع ا هـ فيؤخذ من كلام ابن عبد السلام أنه لو لم تقم قرينة بالكلية لصدق بلا يمين وإذا قويت القرينة لا يصدق أصلا وفي كتاب المديان من المدونة ومن مات وعليه دين فتبرع رجل فضمن دينه فذلك لازم له ولا رجوع له عن ذلك فإن كان للميت مال رجع فيه بما أدى إن قال إنما أديت لأرجع في ماله، وإن لم يكن له مال والضامن عالم فإنه لا يرجع في مال إن ثاب للميت؛ لأنه بمعنى الحسبة قال أبو الحسن التبرع ما كان من غير سؤال والنظر ما كان عن سؤال. ص: (والضامن عالم) ش: جعل له الرجوع إلا أن يكون عالما بأنه لا مال له، وقال ثاب أي ظهر ا هـ ثم قال فيها ومن ضمن لرجل ماله على ميت، ثم بدا له فقد لزمه

(7/33)


بدين لازم أو آيل إليه، لا كتابة بل كجعل،
__________
ذلك قال أبو الحسن: اللخمي: وأرى إذا ضمن القضاء عن ميت وكان ظاهره اليسر ثم تبين أنه معسر أن لا يكون عليه شيء؛ لأنه يقول إنما تحملت لأرجع ولو علمت أنه معسر لم أضمن ا هـ. ص: (والضامن) ش: يعني أنه يصح الضمان عن الضامن قال في المدونة ومن أخذ من الكفيل كفيلا لزمه ما لزم الكفيل ا هـ قال في الشامل: وإن كانا معا بحال غرمه الأول إن حل وغاب غريمه فإن أعدم فالثاني فإن غاب الأول أيضا فأحضر الثاني أحدهما موسرا برئ وإلا غرم فإن غاب الكل برئ بمال غريمه إن وجد وإلا فالأول ثم الثاني، وإن كانا معا بوجه فغاب غريمه أحضره الأول وإلا غرم فإن كان عديما برئ الثاني لحضور من ضمنه، وإن غاب الأول أيضا أحضر الثاني أحدهما وإلا غرم، وإن غاب الكل أخذ من غريمه إن كان وإلا فالأول ثم الثاني إن لم يثبت فقد غريمه مع الأول، وإن كان بمال دون الثاني فغاب غريمه غرم الأول دون الثاني إن كان غريمه فقيرا فإن غاب الأول أيضا فأحضر الثاني غريمه موسرا والأول مطلقا وإلا غرم، وإن غاب الثاني ووجد له مال أخذ منه إلا أن يثبت فقر الأول، وإن كان الأول بوجه دون الثاني فغاب غريمه أحضر الأول وإلا غرم فإن أعدم غرم الثاني، وإن غاب الأول أيضا برئ الثاني إن أحضر غريمه مطلقا والأول موسر فإن مات الغريم برئ الثاني لبراءة الأول وكذا لو مات الأول على الأصح ولو مات الثاني جرى على حكم حمل المال إذا مات على الأظهر ا هـ. وأصله للخمي إلا أن كلام الشامل أخصر والله أعلم. ص: (بدين لازم، أو آيل) ش: هذا من أركان الضمان وهو المال المضمون قال ابن عرفة المضمون ما يتأتى عليه من الضامن، أو ما يستلزمه فدخل الوجه وكل كلي إلا الجزء الحقيقي كالمعين، ولذا جازت

(7/34)


وداين فلانا، ولزم فيما ثبت
__________
بعمل المساقاة، لأنه كلي حسبما دلت عليه أجوبتها مع غيرها وتوقف فيه بعض المفتين. ص: (وداين فلانا) ش: قال ابن عرفة ومن تحمل لفلان بماله قبل فلان في لزوم غرمه ما أقر به فلان بإقراره، أو وقفه على ثبوته ببينة نقل اللخمي قولي ابن القاسم في الدمياطية والمدونة قال والأول أحسن في البزاز وما العادة المداينة فيه بغير بينة وسمع عيسى رواية ابن القاسم من قال أنا حميل بما بويع به فلان لم يلزمه شيء مما بويع به إلا ببينة إلا بإقراره وكذا من شكي إليه مطل رجل فقال ما عليه علي لم يلزمه ما أقر به المطلوب إلا ما ثبت ببينة ابن رشد مثله قولها من قال لرجل بايع فلانا فما بايعته به من شيء فأنا ضامن ثمنه لزمه إذا ثبت ما بايعه به زاد غيره على وجه التفسير إنما يلزمه ما يشبه أن يداين بمثله المحمول عنه ولا خلاف عندي فيه ولا في مسألة الشكوى. وقال من أدركنا من الشيوخ: هاتان المسألتان خلاف دليل قولها فيمن قال: لي على فلان ألف درهم فقال رجل أنا بهما كفيل فأنكر فلان أنه لا شيء على الكفيل إلا ببينة على الحق؛ لأن الذي عليه قد جحده فقوله؛ لأن الذي عليه الحق قد جحده يدل على أنه لو أقر لزمته الحمالة وليس بصحيح؛ لأن المسألتين مفترقتان من قال لمن قال: لي على فلان ألف دينار أنا بها كفيل لزمت الكفالة بإقرار المطلوب اتفاقا ولو قال: لي على فلان حق فقال رجل أنا به كفيل فأنكر فلان أنه لا شيء على الكفيل لم تلزمه الكفالة بما أقر به المطلوب إلا ببينة قولا واحدا كمن قال لرجل أنا ضامن لما بايعت به فلانا، أو لما بويع به وما نقله عياض في قولها: من ادعى على رجل حقا فأنكر أنه تلزمه الحمالة بإقرار المطلوب وأخذ ذلك من دليل قولها: "لأن الذي عليه الحق يجحده". وأن عيسى سمع مثله خلافا لنقل ابن رشد الاتفاق على عدم لزومه وفي دعوى ابن رشد الفرق دون تبيينه نظر؛ لأن رد مستدل عليه بدعوى عارية عن دليل لغو ا هـ ونص كلام عياض المشار إليه من التنبيهات قوله في الكتاب فيمن ادعى قبل رجل حقا وهو منكر فقال له رجل أنا كفيل لك به إلى غد فإن لم آتك به فأنا ضامن للمال فلم يأت به في غد فلا يلزم الحميل شيء حتى يثبت الحق ببينة فيكون حميلا، ظاهر هذا اللفظ أن إقرار المنكر بعد لا يلزم الكفيل شيء إلا بثبات البينة وهو نص ما في كتاب محمد ومثله في سماع عيسى وعلى هذا حمل بعضهم مذهب الكتاب واستدل أيضا بقوله بعد هذا في مسألة بايع فلانا وقيل بإقراره كقيام البينة وهو دليل الكتاب في المسألة الأخرى في قوله إن الذي عليه الحق قد جحده فدليله أنه لو أقر لزمه ومثله في سماع عيسى أيضا ا هـ. وانظر لم لم يعارض ابن عرفة كلام ابن رشد بكلام اللخمي المتقدم،

(7/35)


وهل يقيد بما يعامل به؟ تأويلان
__________
والظاهر أيضا أنه معارض للاتفاق الذي ذكره وهذه المسألة في رسم الثمرة من سماع عيسى من الكفالة ثم قال ابن عرفة وهو بقية كلام ابن رشد ما نصه: وإنما اختلف فيمن قال أنا كفيل لفلان بألف دينار له على فلان غرمها الكفيل ولو أنكر المطلوب ثالثها إن كان عديما، وعلى الأول لا يلزم المطلوب غرم للحميل إلا ببينة لسماع يحيى بن القاسم مع كتاب ابن سحنون ورواية أشهب وما يقوم من قول ابن القاسم في أول رسم من سماعه من كتاب الشهادات
قلت: وفي الشفعة منها: من تكفل بنفس رجل ولم يذكر ما عليه جاز فإن غاب المطلوب قيل للطالب أثبت حقك ببينة وخذه من الكفيل، فإن لم تقم بينة وادعى أن له على المطلوب ألف درهم فله أن يحلف الكفيل على علمه فإن نكل حلف الطالب واستحق
قلت: انظر هذا مع ما تقدم من قول ابن رشد لم تلزم الكفالة بما أقر به المطلوب إلا ببينة قولا واحدا ا هـ. وقال في وثائق الجزيري لا مطالبة لصاحب الدين للحميل إلا بعد ثبوت الدين فإن عجز وزعم أن الحميل يعرف الدين حلف الحميل على علمه وبرئ فإن نكل، أو أقر حلف الطالب أن الحميل يعرف حقه قبل الغريم وغرم الحميل فإذا، أوجد الحميل الغريم فإن أقر له غرم وإلا حلف وبرئ وحبس الحميل ولا رجوع له على الطالب ا هـ.
فرع: قال المتيطي في عقد الوثيقة في الضمان ما نصه بعد معرفة الضامن فلان بوجوب العدة للمضمون له قبل المضمون عنه ثم قيل فإن حضر المضمون عنه ضمنته في عقد الإشهاد، وإن لم يحضر فتكتفي بما ذكرنا في النص من معرفة الضامن بوجوب العدة له قبل الغريم فلان بإقراره بذلك، أو يكون على أصل الحق بينة وحضوره أتم وأكمل ا هـ.
مسألة: إذا قال شخص عامل فلانا فهو ثقة ذكر البرزلي في مسائل الحمالة فيه خلافا هل هو ضامن؟ ويفهم من كلامه أن المشهور عدم الضمان وأنه من باب الغرور بالقول. ص: (وهل يقيد بما يعامل به؟ تأويلان) ش: التقييد بما يعامل به هو قول الغير في المدونة قال ابن عرفة: قال ابن عبد السلام: للشيوخ كلام في قول الغير هل هو تقييد، أو خلاف؟ قال ابن عرفة؟ لا أذكر من حمله على الخلاف بل نص ابن رشد والصقلي على أنه وفاق ا هـ وعمدة المصنف في ذكر التأويلين كلام ابن عبد السلام فيما يظهر فإنه نقله عنه في التوضيح وبه فسر

(7/36)


وله الرجوع قبل المعاملة بخلاف احلف وأنا ضامن به إن أمكن استيفاؤه من ضامنه وإن جهل أو من له وبغير إذنه:
__________
الشارحان التأويلين، فعلم أن جعله تقييدا هو المذهب والمعروف منه والله أعلم. ص: (بخلاف احلف وأنا ضامن) ش: قال ابن يونس: قال مالك فيمن قال لرجل احلف في أن الذي تدعي قبل أخي حق وأنا ضامن ثم رجع: إنه لا ينفعه رجوعه ويلزم ذلك إذا حلف الطالب، وإن مات كان ذلك في ماله فإن أقر المطلوب بما غرم الحميل غرم له ذلك، وإن أنكره كان للحميل أن يحلفه فإن نكل غرم وليس له أن يحلف الحميل إذ لا علم عنده ولا له أن يحلف الطالب، لأنه قد حلف أولا وأشبهت يمينه يمين التهم التي بالنكول عنها يغرم ا هـ من أبي الحسن. ص: (وإن أمكن استيفاؤه من ضامنه) ش: قال اللخمي في كتاب الشركة في شركة الأبدان فيما إذا مرض أحد الشريكين: ولو كانت الإجارة على عمل رجل لم يجز أن يضمن عنه آخر ذلك الفعل إن مرض، أو مات، أو غاب ا هـ. ص: (وإن جهل) ش: من صور هذه المسألة ما قال في المدونة ومن قال لرجل ما: ذاب لك قبل فلان الذي تخاصم فأنا لك به حميل فاستحق قبله مالا كان هذا الكفيل ضامنا له قال في التنبيهات ذاب بالذال المعجمة وألف ساكنة ومعناه ما ثبت لك وصح ا هـ قال في التوضيح إثر هذه المسألة ولا إشكال إن ثبت الدين ببينة، وإن أقر له بعد الضمان فقولان واستقرأهما عياض وغيره من المدونة وابن المواز وأما ما أقر به قبل الحمالة فيلزمه غرمه وقيد ابن سحنون القول بأنه لا يلزمه بما إذا كان

(7/37)


...........................
__________
الغريم معسرا وأما الموسر فلا تهمة فيه ا هـ. وهذا أيضا مخالف لما نقله ابن رشد من الاتفاق والله أعلم. ومن صور المسألة ما ذكر المصنف في التوضيح وابن عرفة وأصله في العتبية ونصه قال في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب المديان سئل مالك عمن هلك وعليه ثلاثة آلاف دينار ولم يترك إلا ألفا ولم يترك وارثا إلا ابنا له فيقول ابنه لغرمائه: خلوا بيني وبين الألف دينار التي ترك أبي وأنظروني بدين أبي إلى سنتين وأنا ضامن لكم جميع دين أبي قال: أرأيت لو كان معه وارث غيره وترك مالا لا يعرف أنه وفاء أم لا قلت: له قد سمعت منك قولا قال: ما هو قلت له قلت: إن كان فيه فضل بينه وبين ورثته على كتاب الله فلا بأس به، وإن كان على أنه إن كان له فضل كان له بما ضمن من النقصان فلا خير فيه قال: نعم قلت له: إنما أردت منه أنه وارث واحد ولم يترك إلا ألفا وعليه ثلاثة آلاف. وسئل أن يؤخروه على أنه ضامن فقال: أما مثل هذا فلا بأس به، وقد بلغني عن ابن هرمز مثل ذلك ابن رشد رأيت لابن دحون أنه قال هذه مسألة ردية قال لو أنه تبع فيها ابن هرمز ما أجازها؛ لأنه أخذ عينا ليعطي أكثر منها إلى أجل ولأنه ضمن ما على أبيه من دين وهو مجهول إذ لو قدم غريم لم يعلم به للزمه دينه ولو شرط أن لا يؤدي إلا لمن حضر لم يجز؛ لأن الغائب إذا قدم أخذ حصته وكله غرر وقول ابن دحون هذا غير صحيح إذ لا يصح أن يتأول على مالك ولا غيره من أهل العلم أنه أجاز هذه المسألة اتباعا لهرمز وهو يرى أنه كمن أخذ عينا ليعطي أكثر منه وليضمن ما يطرأ على المتوفى من دين وهو مجهول إذ لا يجوز عند أحد من العلماء أن يقلد العالم فيما يرى باجتهاده أنه أخطأ، وإنما اختلفوا هل له أن يترك النظر في نازلة إذا وقعت ويقلد من نظر فيها واجتهد أم لا؟ ومذهب مالك الذي تدل عليه مسائله أن ذلك لا يجوز فلم يتابع مالك ابن هرمز في هذه المسألة دون نظر بل رآها جائزة وحكى إجازة ابن هرمز استظهارا، واحتجاجا على من خالفه.
والوجه في ذلك أن الألف دينار التي ترك الميت لم تدخل بعد في ضمان الغرماء فيكونون قد دفعوها في أكثر منها إلى أجل بدليل أنها لو تلفت ثم طرأ للميت مال لكانت ديونهم فيه، وكانت مصيبة الألف من الوارث فلما كانت على ملك الميت جاز أن يحل الوارث فيها محله ويعمل مع الغرماء ما كان يجوز أن يعمله معهم لو كان حيا ألا ترى أنه لو فلس فلم يوجد له إلا الألف دينار وللغرماء ثلاثة آلاف دينار لجاز أن يتركوا له الألف، ويؤخروه بحقوقهم حتى يتجر بها، ويوفيهم ذلك ولم يكونوا إذا فعلوا ذلك أعطوا ألفا في أكثر منها إلى أجل، وإن كانوا قد ملكوا أخذ الألف إذ لم تحصل بعد في ضمانهم فلذلك خير الوارث فهذا هو الذي ذهب إليه مالك والذي يدل على ذلك من إرادته أنه لم يجز ذلك لأحد الورثة إذا كانوا جماعة إلا على أن يكون الفضل بينهم؛ لأن تجارته فيها إنما هو على ملك الميت فهذا وجه قول مالك في هذه المسألة وسيأتي في رسم البيوع من سماع أشهب مسألة

(7/38)


كأدائه رفقا لا عنتا فيرد كشرائه وهل إن علم بائعه وهو الأظهر؟ تأويلان،
__________
من هذا المعنى سنتكلم عليها إن شاء الله تعالى ا هـ. وزاد في المسألة هناك أنه إذا طرأ غريم لزم الابن ضمان ماله والله أعلم.
فرع: قال ابن يونس في كتاب الحمالة: قد تقدم أن الحمالة بالمال المجهول جائزة فكذلك الحمالة بالمال إلى أجل مجهول جائزة، ويضرب له من الأجل بقدر ما يرى قال ابن القاسم: ومن قال لرجل: إن لم يوفك فلان حقك فهو علي، ولم يضرب لذلك أجلا تلوم له السلطان بقدر ما يرى ثم لزمه المال إلا أن يكون الغريم حاضرا مليا، وإن قال إن لم يوفك فلان حقك حتى يموت فهو علي، فلا شيء على الوكيل حتى يموت الغريم يريد يموت عديما ابن يونس، ولو مات الحميل قبل موت فلان وجب أن يوقف من ماله قدر الدين فإن مات المحمول عنه عديما أخذ المحمول له ذلك المال الموقوف ا هـ. وفي المدونة ولا بأس أن يتكفل بمال إلى الغريم إلى خروج العطاء، وإن كان مجهولا إن كان في قرض، أو في تأخير بثمن بيع صحت عقدته، وإن كان في أصل بيع لم يجز إذا كان العطاء مجهولا ا هـ. وفي اللخمي نحو ذلك، وكذلك في الذخيرة وسيقول المؤلف: "أو إن مات". ص: (كأدائه رفقا) ش: ظاهره أنه يلزم رب الدين قبوله ولا كلام له ولا لمن عليه الدين، وهذا ظاهر إذا دعا أحدهما إلى القضاء فإن امتنعا معا فالظاهر أنه لا يلزمهما حينئذ ثم وقفت على كلام ابن عرفة الآتي عند قوله، أو بتسليمه نفسه إن أمره به وهو نص في المسألة. ص: (لا عنتا) ش: أي لا إن أدى عنه الدين ليعنته أي ليتعبه فإنه يرد قال اللخمي: إلا أن يغيب الطالب بالمال، فيقيم القاضي وكيلا يقتضي ذلك من الغريم ا هـ ونقله أبو الحسن في كتاب المديان. ص: (كشرائه) ش: أي لقصد الضرر قال أبو الحسن أداؤه عنه عنتا وشراؤه لقصد الضرر من أفعال القلوب، وهذا لا يعلم إلا بإقراره قبل

(7/39)


لا إن ادعي على غائب فضمن ثم أنكر أو قال لمدع على منكر أن لم آتك به لغد فأنا ضامن ولم يأت به إن لم يثبت بحقه ببينة وهل بإقراره تأويلان كقول المدعي عليه أجلني اليوم فإن لم أوافك غدا فالذي تدعيه علي حق،
__________
ذلك، أو بقرائن تدل الشهود على أنه قصد ذلك ا هـ. ص: (إن لم يثبت حقه ببينة وهل بإقراره تأويلان) ش: الشرط وما بعده راجع للمسألتين قبله انظر المدونة في الحمالة، وكلام أبي الحسن عليها منه ذلك. ص: (كقول المدعى عليه أجلني اليوم فإن لم أوفك غدا فالذي تدعيه علي حق) ش: يحتمل أن يقرأ قوله "أوفك" بألف بعد الواو وتخفيف الفاء من الموافاة وهي الملاقاة ويشير إلى ما قاله في مفيد الحكام لابن هشام ومن كتاب الجدار وسئل عيسى عن الخصمين يشترط أحدهما لصاحبه إن لم يوفه عند القاضي إلى أجل سمياه، فدعواه باطلة إن كان مدعيا، أو دعوى صاحبه حق إن كان مدعى عليه فيخلفه هل يلزمه هذا الشرط، فقال: لا يوجب هذا الشرط حقا لم يجب ولا يسقط حقا قد وجب، وهذا باطل. وسئل عن الخصمين يتواعدان إلى الموافاة عند السلطان وهو على بعد منهما ليوم يسميانه فيقول أحدهما لصاحبه إني أخاف أن تخلفني فأنقلب وأغرمك دابتي فيقول له صاحبه إن أخلفتك فعلي كراء الدابة ثم يخلفه قال لا أرى ذلك يلزمه ا هـ، ويحتمل أن يقرأ أوفك بإسقاط الألف، وتشديد الفاء من الوفاء ونحوه في الحمالة من المدونة ونصها، وإن أنكر مدعى عليه ثم قال للطالب أجلني اليوم فإن لم "أوفك" غدا فالذي تدعيه قبلي حق فهذا مخاطرة ولا شيء عليه ابن يونس أي ولا شيء عليه إن لم يأت به إلا أن يقيم عليه بذلك بينة ا هـ. وقال أبو الحسن، لأنه قد لا يقدر أن يأتي به إذ يتعذر ذلك عليه ا هـ.

(7/40)


ورجع بما أدى ولو مقوما، إن ثبت الدفع،
__________
فرع: قال أبو الحسن الصغير في كتاب الخيار في شرح قوله: ولو شرط إن لم يأت بالثوب قبل غروب الشمس الشيخ، وكذلك ما يقوله الناس اليوم من لم يحضر مجلس القاضي وقت كذا فالحق عليه لا يلزمه ما التزمه ا هـ.
فرع: قال في مفيد الحكام لو قال لغريمه إن عجلت لي من حقي كذا وكذا فبقيته موضوعة عنك إما الساعة، أو إلى أجل سماه فيعجل ذلك في الساعة، أو في الأجل إلا الدرهم، أو نصفه، أو أكثر منه هل يلزمه الوضيعة فقال عيسى في كتاب الجدار ما أرى الوضيعة تلزمه إذا لم يعجل جميع حقه ا هـ بالمعنى. ص: (ورجع بما أدى ولو مقوما) ش: قال ابن رشد في رسم الأقضية من سماع يحيى من كتاب الحمالة: أما إذا اشترى الكفيل العرض الذي تحمل به فلا اختلاف أعرفه في أنه يرجع على المطلوب بالثمن الذي اشتراه به ما لم يحاب البائع فلا رجوع له بالزيادة على القيمة ا هـ. ص: (إن ثبت الدفع) ش: والدفع إنما يثبت بالبينة المعاينة للدفع، أو بإقرار صاحب الدين وأما إقرار المطلوب فلا يثبت به الدفع فيفهم من كلام المؤلف أن الحميل لا يرجع إذا لم يكن الإقرار المضمون عنه بأنه دفع الحق للطالب إذا أنكر الطالب القبض وهو كذلك قال في التوضيح ولا أعلم في هذا خلافا إذا ادعى الضامن ذلك بغير حضرة الغريم وأما بحضرته فلابن القاسم في سماع عيسى أنه لا يرجع لتقصيره في الإشهاد. وله في سماع أبي زيد أنه يرجع؛ لأن التقصير كان من الغريم؛ لأن الحميل أداها عنه بحضرته ابن رشد والأول أظهر، لأن المال للضامن فهو بالإشهاد على دفعه أحق ا هـ يشير بذلك لقوله في سماع عيسى ولو أن الحميل دفعها من مال نفسه بحضرة الذي عليه الحق ثم جحد الذي قبضها أن يكون قبض شيئا، والذي عليه الحق يشهد أنه دفعها من مال نفسه بحضرة الذي عليه الحق أخذت من الذي عليه الحق إن كان موسرا، ولم يتبعه الحميل بشيء من العشرة التي دفع، وكان مصيبة العشرة الأولى من الحميل قال ابن رشد: إذا دفع عشرة من ماله إلى الطالب بحضرة المطلوب، ولم يشهد فجحد القابض، فقال في هذه الرواية: إن مصيبة العشرة دنانير من الحميل الدافع وتؤخذ العشرة من المطلوب فإن لم تؤخذ منه على قوله: وأخذت من الحميل ثانية رجع بها على المطلوب. وقال في سماع أبي زيد: إنه إن أخذت من الحميل ثانية بحضرة المطلوب أيضا رجع عليه بعشرين فإن لم تؤخذ منه ثانية على قوله، وأخذت من المطلوب رجع بالعشرة الأولى على المطلوب، والمعنى فيه ما ذهب إليه في رواية أبي زيد هذه أنه رأى التقصير

(7/41)


وجاز صلحه عنه بما جاز للغريم على الأصح،
__________
في ترك الإشهاد على الدافع كان من المطلوب إذا أداها الحميل عنه بحضرته إلى الطالب فجحدها؛ لأنه أتلفها عليه بتضييعه الإشهاد فوجب أن يرجع بها ورأى في رواية عيسى أن التقصير في ترك الإشهاد على الدافع كان من الحامل؛ لأن المال ماله فهو أحق بالإشهاد لا من المطلوب الحاضر فلم ير له بها عليه رجوعا من أجل أنه هو أتلفها على نفسه وهو الأظهر، لأن المال ماله فهو أحق بالإشهاد على دفعه من المطلوب، وإن كان حاضرا فهذا معنى اختلاف قول ابن القاسم في هذه المسألة. وذهب بعض الناس إلى أن معنى اختلاف قول ابن القاسم غير هذا ثم ذكره ثم قال: وليس ذلك بصحيح بل معناه ما ذكرناه وبالله التوفيق.
تنبيه: هذا إذا دفع الحامل المال من مال نفسه ولو دفعها الذي عليه الحق للحامل ليدفعها إلى صاحب الدين فدفعها له ثم أنكر فإن دفعها بحضرة الذي عليه الحق فلا ضمان على الحامل الدافع ويغرمها المطلوب ثانية بعد يمين الطالب الجاحد، فإن كان المطلوب عديما، أو غائبا، وأخذت من الحميل ثانية لعدم المطلوب، أو غيبته فإنه لا يرجع بها على المطلوب لعلمه أنه قد أداها، وإن دفعها الحميل من مال المطلوب بغير حضرة المطلوب فهذا ضامن لرب المال ويسوغ لرب المال تضمينه، وإن علم أنه جحده؛ لأنه أتلف عليه إذ لم يشهد على دفعه ا هـ من رسم، أوصى لمكاتبه من سماع عيسى من كتاب الحمالة. ص: (وجاز صلحه عنه بما جاز للغريم) ش: تعقبه البساطي بقولها في كتاب الكفالة: ولا يجوز له صلح الكفيل بعد محل أجل السلم على مثل الكيل والجنس أجود صفة، أو أدنى ويجوز أن يأخذ من الغريم بعد الأجل مثل الكيل أجود صفة، أو أردأ؛ لأن ذلك بدل وتبرأ ذمته وفي الكيل يدخله بيع الطعام قبل قبضه،

(7/42)


ورجع بالأقل منه أو قيمته. وإن برئ الأصل: برئ لا عكسه. وعجل الضامن ورجع وارثه بعد أجله أو الغريم إن تركه، ولا يطالب، إن حضر الغريم موسرا أو لم يبعد إثباته عليه
__________
لأن المطلوب مخير إن شاء أعطاه مثل ما أدى، أو ما كان عليه ا هـ. قالوا: والقياس أن ذلك جائز كما في الدنانير والدراهم. ص: (أو لم يبعد إثباته) ش: كذا في بعض النسخ وهي الصواب، لأن المراد نفي مطالبة الضامن مشروط بأحد شيئين إما حضور الغريم موسرا، أو غيبته إذا لم يبعد على الطالب إثبات حقه بأن يكون له مال يعدى فيه وعلى النظر فيه.
فرع: قال في شرح رجز ابن عاصم لولد المصنف ما نصه ومما يجب أن ينظر فيه هنا ما إذا سبق عقد لازم للكفيل على عقد الكفالة يتعارض طلب صاحبها العقد السابق مع طلب المتحمل له بالحمالة، ومقتضى المذهب إعمال العقد السابق ففي النوادر قال محمد بن عبد الحكم من تكفل بوجه رجل فغاب الرجل فأخذ به الكفيل، فأقام الآخر البينة على الكفيل أنه استأجره قبل ذلك أن يبني له داره، أو يسافر معه إلى مكة فالإجارة، أولى ولا يحبس في الدين؛ لأن الكفالة في الدين معروف تطوع به ولو كانت ظئرا استؤجرت لرضاع قبل الكفالة لم

(7/43)


والقول له في ملائه، وأفاد شرط أخذ أيهما شاء وتقديمه، أو إن مات
__________
تحبس في الكفالة أيضا والرضاع أولى، فإذا انقضت أجرة الرضاع طولبت بالحمالة ا هـ وسيأتي في باب الإجارة عن اللخمي شيء من هذا والله أعلم. ص: (والقول له في ملائه) ش: هذا خلاف ما استظهره ابن رشد في نوازل سحنون من كتاب الكفالة فإنه ذكر عن سحنون أن القول للطالب إلا أن يقيم الحميل بينة بملاء الغريم قال ابن رشد: وهو أظهر لقوله صلى الله عليه وسلم: "الزعيم غارم" فوجب أن يغرم حتى يثبت ما يسقط ذلك عنه ولكن المصنف في التوضيح استظهر القول الآخر بأن القول قول الحميل.
تنبيه: من كان القول قوله هل بيمين، أو لا لم أر من صرح بشيء من ذلك والظاهر أنه لا يمين في ذلك إلا أن يدعي عليه خصمه العلم ويفهم ذلك من كلام المقدمات قال فيها: قال سحنون: القول قول المتحمل له وعلى الكفيل إقامة البينة أن الغريم مليء فإن عجز عن ذلك وجب عليه الغرم؛ لأنه قال إذا لم يعرف للغريم مال ظاهر، فالحميل غارم. ص: (وإن مات) ش: قال في أواخر كتاب الحمالة من المدونة: وإن قال إن لم يوفك حقك حتى يموت الغريم فهو علي لا شيء عليه حتى يموت الغريم انتهى. وتقدم ذلك في كلام ابن يونس عند قول المصنف: وإن جهل وأنه قيد ذلك بقوله يريد يموت عديما ولو مات الحميل قبل موت فلان وجب أن يوقف من ماله بقدر الدين فإن مات المحمول عنه عديما أخذ المحمول له ذلك المال الموقوف انتهى. وتوقف الشيخ أبو إسحاق في هذا، ونصه انظر لو مات الحميل ههنا هل يؤخذ الحق من تركته على مذهب ابن القاسم ويجعل الذي له الدين كالحميل الذي لم يترك شيئا وورثته يقولون إنه لم يوجب على نفسه حمالة إلا بعد موت فلان فيجب أن يوقف قدر الدين؛ لأن من قال أنا حميل بفلان والدين إلى أجل معناه إن حل الأجل وهو عديم فهو إذا مات أيضا قبل

(7/44)


كشرط ذي الوجه أو رب الدين، التصديق في الإحضار، وله طلب المستحق بتخليصه عند أجله لا بتسليم المال إليه،
__________
الأجل لم يأت الوقت الذي تحمل إليه انتهى ونقله أبو الحسن. ص: (وله طلب المستحق بتخليصه قبل أجله) ش: كلامه رحمه الله صريح في طلب الضامن رب الدين بأن يتخلص دينه من الغريم إذا حل الأجل ولا حاجة إلى أن يقال فيه ظاهره سواء طلب الكفيل بما على الغريم أم لا؛ لأن الكفيل لا يتوجه عليه طلب في حضور الغريم وليسره غير أن قوله بعده: "لا بتسليم المال إليه" لا يلائمه كل الملاءمة لكن يتفرع عليه قوله بعد: "ولزمه تأخير ربه المعسر إلخ" ويشهد له كلام المدونة في هذه المسألة أعني قوله: "ولزمه تأخير ربه" وقول ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: للضامن المطالبة بتخليصه عند الطلب يعني أن رب الدين إذا توجه له الطلب على غريمه فسكت عنه، أو نص على تأخيره فللحميل أن لا يرضى بذلك، ويقول لرب الدين إما أن تطلب حقك من الغريم معجلا وإلا أسقط عني الحمالة؛ لأن في ترك المطالبة بالدين عند وجوبه ضررا بالحميل لاحتمال أن يكون الغريم موسرا الآن ويعسر فيما يستقبل، وإنما تصح المطالبة إذا كان الغريم موسرا وأما إن كان معسرا فلا مقال للحميل، لأن الطلب لم يتوجه على الغريم في هذا الحال انتهى وأما طلب الضامن المديان بأن يخلص الدين الذي عليه فلم يتعرض له المصنف، وقال في الجواهر: للكفيل إجبار الأصل على تخليصه إذا طلب وليس له ذلك قبل أن يطلب انتهى ونقله القرافي في ذخيرته والمصنف في التوضيح.
قلت: وهو مخالف لقولها في السلم الثاني: وليس للكفيل أخذ الطعام من الغريم بعد

(7/45)


وضمنه إن اقتضاه لا أرسل به
__________
الأجل ليوصله إلى ربه وله طلبه حتى يوصله إلى ربه ويبرأ من حمالته انتهى، وهذا هو الملائم لقول: "المصنف لا بتسليم المال" فلو قال المصنف: "وله طلب المديان بتخليصه عند أجله لا بتسليم المال إليه" لكان حسنا.
تنبيهات: الأول: قال في التوضيح إثر نقله كلام الجواهر: وهذا إنما يأتي على قول مالك المرجوع إليه انتهى وكذا في النسخ التي رأيت المرجوع إليه والصواب المرجوع عنه؛ لأن المعنى إنما يستقيم كذلك إذ فرض المسألة أن للكفيل أن يطلب الأصل الذي هو الغريم بالدين إذا طولب به، وليس له ذلك قبل الطلب أما كون فرض المسألة كذلك فلأن لفظ الأصل إنما يطلق في الأغلب على الغريم وأما كون الصواب أن يكون المرجوع عنه فلأن فرض المسألة أن الغريم معسر، وإذا كان موسرا فلا يطالب الحميل إلا على القول المرجوع عنه لا على القول المرجوع إليه فتأمله فلعل صاحب التوضيح فهم الأصل على أصل الدين وهو بعيد من لفظه.
الثاني: حمل المصنف في التوضيح أولا كلام ابن الحاجب المتقدم وعلى المسألة الثانية وهي طلب الضامن المديان بأن يخلص الدين الذي عليه ثم قال: وقال ابن عبد السلام، وذكر كلامه المتقدم برمته، وقال إثره وحمل كلام المصنف على هذا أحسن؛ لأنه المتبادر من الفهم انتهى والله أعلم.
الثالث: حمل الشارح كلام صاحب الجواهر على الفرع الذي ذكره المؤلف وهو طلب الضامن رب الدين أن يخلص دينه وليس كذلك بل كلامه إنما هو في طلب الضامن المدين كما تقدم والله أعلم. ص (وضمنه إن اقتضاه لا أرسل به) ش: تصوره من الشارح وضح ولرب الدين أن يطلب أيهما شاء كما صرح بذلك الرجراجي وغيره ويفهم من كلامه في التوضيح، وقد أشبع الكلام عليها الرجراجي في شرحه على مشكلات المدونة، وهذه المسألة في السلم الثاني من المدونة فيمن أسلم في طعام وأخذ كفيلا. ونص كلام الرجراجي: لا يخلو قبض الكفيل الطعام من الذي عليه السلم من خمسة، أوجه.
الأول: أن يقبضه على معنى الرسالة فلا يخلو الطعام من أن يكون قائما بيده، أو فائتا فإن كان قائما فالطالب مخير إن شاء اتبع الكفيل، وإن شاء اتبع الأصل ولا خلاف في ذلك، وإن فات الطعام فلا يخلو من أن يكون بتلف، أو إتلاف فإن كان بتلف فهو مصدق ولا ضمان

(7/46)


__________
عليه ويبقى عليه الطلب بطريق الكفالة خاصة، ثم يجري على الخلاف المعهود في الحمالة هل المطالبة على التبدئة، أو التخيير؟ وإن كان بإتلاف من الكفيل فهو ضامن للأصل مثل ذلك الطعام فإن غرم الكفيل الطعام للطالب فلا تراجع بينه وبين الأصل فإن غرمه للأصل فإنه يرجع على الكفيل بمثل طعامه وأخذ ثمنه إن باعه ولا خلاف في هذا الوجه، وإن غرم الكفيل الطعام للطالب بعد أن باع ما أخذ من الأصل غرمه للأصل فأراد الأصل أن يدفع له مثل ما غرم من الطعام ويأخذ منه الثمن فليس له ذلك.
الثاني: أن يقبضه على معنى الوكالة فإذا قبضه برئت ذمة الوكيل قولا واحدا فإن الطالب يجوز له بيعه بقبض الكفيل فإن تعدى عليه الكفيل بعد صحة قبضه فالعداء على الطالب وقع بلا إشكال.
الثالث: أن يقبضه على معنى الاقتضاء إما بحكم حاكم على وجه يصح القضاء بذلك كما إذا غاب الطالب وحل الأجل وخاف الكفيل إعدام الأصل وإحداث الفلس ليؤول ما وقع في المدونة من قوله: "قبضه بحكم قاض" أو يكون قبضه برضا الذي عليه الطعام بغير حكم فالكفيل في هذا الوجه ضامن بوضع اليد على الطعام وذمته به، أو بمثله عامرة حتى يوصله إلى الطالب، وللطالب مطالبة من شاء منهما اتفاقا مع قيام الطعام بيد الكفيل وفواته فإن غرم الأصل كان له الرجوع على الكفيل بطعامه، أو مثله إن استهلكه، أو بثمنه إن باعه إن شاء أخذ الثمن ولا يجوز للطالب أن يبيعه بذلك القبض إن كان قائما ولا أخذ ثمنه إن باعه؛ لأن ذلك بيع الطعام قبل قبضه، فإن أخذ منه الطالب مثل طعامه بعد أن باع ما اقتضاه كان الثمن سائغا له، فإن أراد الأصل أن يدفع له مثل ما غرم من الطعام ويأخذ منه الثمن فليس له ذلك.
الرابع: إذا اختلفا في صفة القبض الوكيل يدعي أنه قبضه على معنى الرسالة، والأصل يقول: بل على معنى الاقتضاء، فقد اختلف المذهب فيه على معنى قولين قائمين من المدونة أحدهما: أن القول قول الأصل وهو قول مالك في كتاب القراض حيث قال: إذا قال القابض قبضته على معنى الوديعة، وقال رب المال بل قراضا أن القول قول رب المال والثاني أن القول قول القابض، وهو قول أشهب وغيره وهو ظاهر المدونة في غير ما موضع وسبب الخلاف تعارض أصلين أحدهما: أنهما قد اتفقا على أن المال المقبوض للدافع ولا شيء فيه للقابض، وقد أقر بقبضه ثم ادعى ما يسقط الضمان عنه فكان الأصل أن لا يقبل منه إلا بدليل، والأصول موضوعة على أن وضع اليد في مال الغير بغير شبهة توجب الضمان، وبهذا القول قلنا القول قول الأصل والأصل الثاني أن الأصل في الحظر والإباحة إذا اجتمعا أن يغلب حكم الحظر، والكفيل ههنا قد ادعى قبضا صحيحا، والأصل قد ادعى قبضا فاسدا فوجب أن يكون القول قول القابض الذي هو الكفيل؛ لأن قوله قد أشبه، وقد ادعى أمرا مباحا والأصل قد ادعى

(7/47)


__________
الفساد، لأن الكفيل لا يجوز له قبض الطعام من المكفول، وإنما عليه مطالبته ليدفع إلى الطالب لكي يبرأ من الكفالة فإذا ادعى عليه أنه قبضه على الاقتضاء فقد ادعى أمرا محظورا، فيوجب أن لا يصدق
الخامس: إذا أبهم الأمر وعرا القبض عن القرائن، وقد مات الكفيل، أو الأصل هل يحمل على الرسالة حيث يثبت القبض على الاقتضاء، أو يحمل على الاقتضاء حتى تثبت الرسالة؟ فهذا مما يتخرج به قولان انتهى، ولم يذكر في الوجه الأول إذا قبضه على معنى الرسالة وادعى التلف أنه يحلف، وقال ابن رشد في شرح أول مسألة من سماع عيسى من كتاب الكفالة: وإن قبض على معنى الرسالة فالضمان من الدافع، والمصيبة منه بعد يمين القابض على ما ادعاه من التلف ويبقى الحق عليهما على ما كان قبل ا هـ. وقال الشيخ أبو الحسن عن ابن يونس: قال ابن المواز: والقول قول الحميل في ضياعه بغير يمين؛ لأنه مؤتمن، وإن اتهم أحلف ا هـ. فتأمله. وقال ابن رشد في الوجه الثاني: إذا قبضه على معنى الوكالة فهو مصدق على ما يدعي من التلف بعد يمينه إن اتهم كالمودع وإذا صدق فيما يدعي من التلف وكانت المصيبة من الطالب برئ المطلوب وسقطت الكفالة، وهذا إذا كانت له بينة على معاينة الدفع، وأما إذا لم تكن له بينة فلا يبرأ بتصديق القابض إذا ادعى التلف، ولا اختلاف في هذا إلا أن يدخله الاختلاف بالمعنى من مسألة اللؤلؤ من كتاب الوكالات من المدونة. وإنما اختلف إذا غرم الدافع هل له أن يرجع على القابض أم لا؟ فقال مطرف: ويرجع؛ لأنه فرط في دفع ذلك إلى الذي وكله حتى تلف، وقال لا يرجع حتى يتبين منه تفريط، وهذا إذا قامت بينة على الوكالة، أو أقر بها وأما إن ادعاها الوكيل فقيل: القول قوله وقيل: القول قول الموكل ا هـ. وقوله في الوجه الثالث: إذا قبضه على معنى الاقتضاء إن الكفيل ضامن سواء قبضه بحكم حاكم، أو برضا من عليه الحق في كلام الشيخ أبي الحسن خلاف؛ لأنه قال قوله بقضاء سلطان قال عبد الحق: قال ابن وضاح: إن سحنونا أنكر هذا اللفظ، وقال: ليس للسلطان هنا حكم قال: ورأيت فيما أملاه بعض مشايخنا أنه قال معناه أن يكون الذي له الحق غاب غيبة بعيدة فحل الأجل فقام الكفيل على الذي عليه الحق، وقال: أخشى أن تعدم إلى أن يقوم الذي عليه، فأغرم أنا فإن السلطان ينظر فإن كان الذي عليه الحق مليا فلا يكون للحميل عليه شيء، وإن كان يخاف عليه العدم، أو كان ملدا قضى عليه السلطان بالحق وأبرأه منه وجعل على يد رجل عدل، أو على يد الكفيل إن كان ثقة، ونقله ابن محرز عن فضل بن مسلمة قال الشيخ إلا أن في هذا إحالة للمسألة على وجهها إذ لا ضمان في هذا الفرض الذي ذكر. ومسألة الكتاب فيها الضمان فتأمل هذا ا هـ كلام الشيخ أبي الحسن الصغير وما قاله أبو الحسن صرح به في الذخيرة في الحكم السادس والعشرين من الباب الثاني من كتاب الكفالة، وإذا أراد الحميل أخذ الحق بعد محله، والطالب غائب، وقال أخاف أن يفلس وهو ممن يخاف عدمه قبل قدوم الطالب، أو لا يخاف إلا

(7/48)


ولزمه تأخير ربه المعسر،
__________
أنه كثير اللدد والمطل مكن من ذلك فإن كان الحميل أمينا أقر عنده وإلا أودع لبراءة الحميل والغريم، وضمان المال من الغائب؛ لأنه قبض له بالحاكم، وإن كان المطلوب مليا وفيها لا يؤخذ منه شيء لعدم الضرورة ا هـ.
تنبيهات: الأول: قال في المدونة في الوجه الثالث: لو قضاه الغريم متبرعا، أو باقتضاء من الكفيل قال الشيخ أبو الحسن عن ابن يونس: معنى تبرعا أنه اقتضاه فدفع ذلك إليه تبرعا ولم يكلفه أن يقضي عليه به سلطان، وأما لو لم يقبضه فتبرع للغريم بدفع ذلك فظاهر هذا أنه على الرسالة عبد الحق إن قيل إذا قبضه الكفيل بأي شيء يعلم قبضه على الاقتضاء، أو على الرسالة وهو قد قال سواء تبرع بدفعه، أو اقتضى عند الكفيل فعلى أي وجه يحمل قبضه إياه إذا وقع مجملا فالجواب أنه إذا لم تكن له قرينة تدل على الاقتضاء، أو الرسالة فههنا إن كان المطلوب قد تبرع بدفعه للكفيل حمل على الرسالة، وإن كان الكفيل اقتضاه فيه فهو على الاقتضاء فيضمنه، وإن قال له خذ علي أني بريء منه، أو نحو هذا من الكلام فهذه قرينة تدل على الاقتضاء فيضمنه قابضه، وإن لم يسأله الكفيل بدأ فيه ا هـ. وقال الشيخ أبو إسحاق التونسي بعد أن ذكر كلام المدونة وجه الاقتضاء أن يكون هو المقتضي له ليبرأ من حمالته وتبرأ ذمة الذي عليه الطعام فكأنه يقول: أنا أجير المطلوب دونك فهذا كله أبرأ ذمة الذي عليه الطعام وصار هو المطلوب ا هـ.
الثاني: قد تقدم في كلام الرجراجي أنه لا يجوز للكفيل أن يأخذ الحق على وجه الاقتضاء من الغريم فاعلمه.
الثالث: قد تقدمت الإشارة إلى بعض عبارة التهذيب فينبغي أن يذكرها بكمالها هنا وإذا قبض الكفيل الطعام من الغريم بعد الأجل ليؤديه إليك فتلف عنده فإن أخذه على الاقتضاء ضمنه قامت بهلاكه بينة، أو لا كان مما يغاب عليه، أو لا قضاه ذلك الغريم متبرعا، أو باقتضاء من الكفيل بقضاء سلطان، أو غيره وأما إن أقبضه الكفيل بمعنى الرسالة لم يضمن ا هـ. قال أبو الحسن: إنما ضمنه إذا أخذه على وجه الاقتضاء؛ لأنه تعدى فهو ضامن عداء فلذلك ضمنه ولو قامت البينة. ص: (ولزمه تأخير ربه المعسر) ش: الهاء من "لزمه" عائدة على الضامن في موضع المفعول و"تأخير" هو فاعل "لزمه" وهو مصدر مضاف إلى فاعله وهو "ربه" وهاء "ربه" عائدة على الدين "والمعسر" صفة لمحذوف أي المدين المعسر وهو مفعول المصدر،

(7/49)


أو الموسر إن سكت أولم يعلم إن حلف أنه لم يؤخره مسقطا، وإن أنكر حلف أنه لم يسقط
__________
وإنما نبه على هذا؛ لأن الكفيل يقول للغريم: لما أن حل الأجل ووجدت الغريم موسرا كان حقك أن تطلبني فتأخيرك للغريم إسقاط للكفالة عني فأفاد المصنف أن التأخير لازم له ولا تسقط عنه الكفالة وهذه المسألة في آخر سماع أشهب من كتاب الحمالة والله أعلم. ص: (أو الموسر إن سكت) ش: قال في المدونة: وإن سكت الحميل، وقد علم بالتأخير لزمته الحمالة ا هـ. قال أبو الحسن في التقاييد سكت حتى حل الأجل، وانظر ما في التقاييد في كلام ابن رشد، والمقصود أن يسكت قدر ما يرى أن سكوته رضا قال في العيوب في الجارية التي دلس البائع بحملها قال أشهب إلا أن يبادر بالطلب ولم يفرط عندما ظهر بها الطلق ا هـ. فتأمله، وانظر إذا ادعى عليه أنه علم وسكت هل يحلفه أم لا. ص: (أو لم يعلم إن حلف أنه لم يؤخره مسقطا) ش: قال اللخمي في تبصرته: وإن لم يعلم الحميل بالتأخير حتى حل الأجل حلف الطالب أنه لم يؤخره ليسقط الكفالة ويكون على حقه، وهذا قول ابن القاسم ومحمل قوله أن ذمة الغريم يوم حل الأجل الأول والثاني سواء ولو كان موسرا يوم حل الأجل ثم أعسر الآن لم يكن له على الحميل شيء؛ لأنه فرط في حقه حتى تلف مال غريمه ولم يعلم الكفيل فيعد راضيا ا هـ. فإن نكل عن اليمين سقطت الحمالة كما قاله ابن رشد وابن يونس وغيرهما، ونقله في التوضيح والشارح، وانظر لو أشهد رب الدين وقت التأخير أنه أخر المدين غير مسقط للحمالة هل لا يحتاج إلى حلفه والظاهر أنه لا يحتاج إلى حلفه مع قيام البينة والله أعلم. ص: (وإن أنكر حلف أنه لم يسقط ولزمه) ش: أي، وإن أنكر الضامن التأخير حين علم به حلف الطالب أنه لم يسقط الحمالة ولزم الضمان الضامن وسقط التأخير ويبقى الحق حالا فإن نكل لزمه التأخير وسقطت الكفالة هذا مذهب ابن القاسم في المدونة الكفالة ساقطة بكل حال أي سواء حلف، أو نكل وقيل: إنها لازمة بكل حال هكذا نقل ابن رشد في آخر سماع

(7/50)


ولزمه وتأخر غريمه بتأخيره، إلا أن يحلف
__________
أشهب من كتاب الحمالة ونقله عنه ابن عرفة ونصه: وإن أخره مليا فأنكر حميله ففي سقوط حمالته وبقائها. ثالثها إن أسقط الحمالة صح تأخيره وإلا حلف ما أخر إلا على بقائها وسقط تأخيره، وإن نكل لزمه وسقطت الكفالة للغير فيها وغيره وابن القاسم فيها ا هـ. غير أنه وقع في النسخة التي رأيت من البيان إثر قوله، وإن نكل لزمه التأخير والكفالة ساقطة بكل حال وكذا نقله عنه أبو الحسن وصاحب الذخيرة وقوله: "بكل حال" مشكل لاقتضائه سقوط الكفالة مع حلفه أيضا ولا فرق حينئذ بينه وبين القول الثاني. ونقل في التوضيح كلام ابن رشد بلفظ "والكفالة ثابتة بكل حال" إثر قوله، "وإن نكل حلف" واستشكله بأنه مثل القول الثالث. وكذا نقله الشارح في غالب نسخه وهو مشكل فإنه يقتضي أن مذهب ابن القاسم لزوم الكفالة إذا نكل وليس كذلك ونص كلام التوضيح المذكور الذي نقله عن البيان الأول أن يعلم فينكر فلا يلزمه تأخير الطالب ويقال له: إما أن تسقط الكفالة وإلا فاحلف أنك ما أخذته إلا على أن يبقى الكفيل على كفالته فإن حلف لم يلزمه التأخير، وإن نكل لزمه التأخير والكفالة ثابتة على كل حال هذا مذهب ابن القاسم في المدونة، وإن سكت فيها عن اليمين، وقال غيره في المدونة الكفالة ساقطة بكل حال وقيل: إنها لازمة بكل حال انظر هذا فإنه كالقول الأول ا هـ. هكذا في نسختين من التوضيح وكذا نقله البساطي أعني القول الأول ثابتة بكل حال، والثاني ساقطة، والثالث لازمة واستشكله البساطي من وجه آخر ونص كلامه بعد ذكره قول ابن القاسم الأول أنها ثابتة بكل حال
قلت: فيه شيء؛ لأن يمينه كانت على أنه إنما قصد بالتأخير الكفالة فإذا نكل كان القياس أن تسقط الكفالة وهو مذهب غير ابن القاسم في المدونة ا هـ. واستشكاله هذا يرتفع بما تقدم عن البيان من أن الموجود فيه ساقطة بكل حال لا ثابتة ويبقى الإشكال من الوجه الذي ذكره في التوضيح لكن ما في البيان يبقي القول الثاني كأنه الأول لا كما استشكله المصنف من كون القول الثالث كالأول ولكن يزيل الإشكال من واحدة بزوال قوله في كل حال من القول الأول على ما في البيان والظاهر أنه في النسخ الصحيحة كذلك؛ لأن ابن عرفة كذلك نقله كما تقدم وكان القول الأول الذي لابن القاسم يفرق بين أن يحلف فلا تسقط الكفالة ويسقط التأخير وبين أن ينكل فتسقط الكفالة ولا يسقط التأخير والقول الذي للغير يقول:

(7/51)


وبطل إن فسد متحمل به،
__________
الكفالة ساقطة في كلا الوجهين بمجرد التأخير والثالث يقول ثابتة في كلا الوجهين والله أعلم. ص: (وبطل إن فسد متحمل به) ش: هذا أحد الأقوال الثلاثة التي ذكرها في التوضيح وهي في البيان قال في البيان في رسم العرية من سماع عيسى من الكفالة بعد أن ذكر الخلاف: وهذا الاختلاف كله إنما هو إذا كانت الكفالة في أصل البيع الفاسد، وأما إن كانت بعد عقد البيع الفاسد فهي ساقطة قولا واحدا هذا تحصيل القول في حكم الكفالة في اللزوم إذا وقع الفساد بين المتبايعين، وأما إن وقع بين الكفيل والمطلوب بغير علم الطالب لزمته الكفالة ا هـ. وهذا الأخير مما يدخل تحت قول المصنف: "أو فسد بكجعل".
فروع: الأول: قال في الذخيرة في باب الحجر: فرع في النوادر قال عبد الملك إذا بعت مولى وأخذت حميلا بالثمن فرد ذلك السلطان وأسقطه عن المولى فإن جهلت أنت والحميل لزمت الحمالة؛ لأنه أدخلك فيما لو شئت كشفته، وإن دخلت في ذلك بعلم سقطت الحمالة علم الحميل أم لا لبطلان أصلها.
الثاني: قال في رسم باع شاة من السماع المذكور وسئل عن النصراني سلف نصرانيا خمرا، أو خنزيرا وتحمل له نصراني بالخمر والخنزير، فأسلم الحميل وأعدم الذي عليه الحق قال: فليس على الحميل الذي أسلم شيء، ويتبع النصراني غريمه النصراني قال ابن القاسم وكل حمالة كان أصل شرائها حراما فليس على المتحمل مما تحمل شيء ا هـ.
الثالث: قال ابن عرفة قبل تراجع الحملاء ابن حارث لا تجوز حمالة المكاتب اتفاقا ولو تحمل مع حر بحق على أن كل واحد حميل بالآخر ففي لزوم كل الحق، أو شرطه قولا ابن عبد الحكم ونقله ا هـ.
الرابع: قال في رسم أسلم من السماع المذكور في رجل أسلف رجلا دينارا إلى أجل وأخذ به حميلا، فلما حل الأجل جعلا الدّينار في عشرة أرادب إلى الغلة فلقي الحميل فقال قد برئت ذمتك من الدّينار الذي تحملت لي به وأشهد بالبراءة، ثم رجع فقال هذا مكروه

(7/52)


أو فسدت: كمجعل من غير ربه لمدينه، وإن ضمانه مضمونه،
__________
ولم أعلم وتعلق بالحميل. قال: ليس له أن يرجع على الحميل، وقد برئ من الحمالة ولا ينفعه ما جهل من ذلك ولا ينفعه الحرام الذي دخل فيه ويرجع على صاحبه والحميل بريء قال ابن رشد: إنما بطلت الحمالة بالدّينار من أجل أنه أبرأ منها بما ظن من جواز فسخ الدّينار في الشعير إلى أجل فلم يعذره بالجهالة وهو أصل مختلف فيه فيأتي على القول أنه يعذر بها إذا كان ممن يمكن أن يجهل ذلك بعد أن يحلف ما أبرأه إلا وهو يظنّ أن الدّينار قد بطل، وهذا نحو ما يحكي ابن حبيب عن أصبغ في الحميل بما على الغريم إذا أخذ له الحق من الغريم عبدا بالحقّ ثم استحق ذلك العبد من يده فرجع إلى الغريم بما كان عليه فلا سبيل إلى الحميل، وقد برئ الحميل حين أخذ من الغريم بالحقّ ما أخذ، وبالله التوفيق انتهى. ص: (أو فسدت بكجعل من غير ربه لمدينه) ش: هذا هو الموجود في غالب النسخ ومعناها فاسد كما يفهم من كلام ابن غازي فالنسخة الصحيحة هي النسخة الأولى التي ذكرها ابن غازي ونص كلامه

(7/53)


إلا في اشتراء شيء بينهما، أو بيعه كقرضهما على الأصح، وإن تعدد حملاه أتبع كل بحصته إلا أن يشترط حمالة بعضهم عن بعض:
__________-
كذا في كثير من النسخ "غير" بالغين المعجمة والياء والراء "وكمدينه" بالكاف التي للتشبيه فهو كقوله في توضيحه: لا يجوز للضامن أن يأخذ جعلا سواء كان من رب الدين، أو من المدين، أو غيرهما وفي بعض: "وإن من عند ربه لمدينه" بلفظ "عند" بالعين المهملة والنون والدال "ولمدينه" باللام وصوابه على هذا أن يقول: لا من عند ربه لمدينه بـ"لا" النافية حتى يكون موافقا لقوله في التوضيح اختلف إذا كان رب الدين أعطى المديان شيئا على أن يعطي حميلا فأجازه مالك وابن القاسم وأشهب، وغيرهم وعن أشهب في العتبية أنه لا يصح وعنه أيضا أنه كرهه، وقال اللخمي: وغيره الجواز أبين انتهى. وهاتان النسختان اللتان ذكرهما غير مشهورتين والنسخة المشهورة "من غير ربه لمدينه" كما ذكرته أولا بإسقاط "وإن" و"غير" بالغين المعجمة والياء والراء "ولمدينه" فاللام الجر وهذه النسخة معناها فاسد؛ لأنها تدل على أن الضمان يفسد إذا دفع غير رب الدين للمديان جعلا على أن يعطي لرب الدين حميلا، وهذا لا يصح؛ لأنه تقدم في كلام ابن غازي أن الجعل لو كان من رب الدين للمديان لصح فأحرى إذا كان من غيره ولو كان بدل اللام كاف لصحت؛ لأنها ترجع إلى الأولى غير أنه يدعي فيها أنه إذا كان

(7/54)


كترتبهم ورجع المؤدي بغير المؤدى عن نفسه بكل ما على الملقي، ثم ساواه فإن اشترى ستة بستمائة بالحمالة فلقي أحدهم: أخذ منه الجميع،
__________
الجعل من عند ربه أحرويا فأولى النسخ وأحسنها النسخة الأولى التي ذكرها ابن غازي ويدخل في قوله: "بكجعل" جميع الصور التي لا يجوز فيها الحمالة لدخول الفساد بين الكفيل والطالب، أو المطلوب كما تقدم في كلام ابن رشد.
تنبيه: ظاهر كلام المؤلف أن الضمان سقط في جميع الوجوه. ونقل ابن عرفة عن اللخمي خلافه وفصل فيه ونصه: والضمان بجعل لا يجوز ابن القطان عن صاحب الأنباء إجماعا اللخمي: من جعل لرجل دينارا ليتحمل له بثمن ما باعه لأجل بطلت الحمالة، والجعل لا البيع؛ لأن المشتري لا مدخل له فيما فعلاه، ولو كان الجعل من المشتري ولا علم للبائع صح

(7/55)


ثم إن لقي أحدهم: أخذه بمائة، ثم بمائتين، فإن لقي أحدهما ثالثا: أخذه بخمسين وبخمسة وسبعين: فإن لقي الثالث رابعا: أخذه بخمسة وعشرين وبمثلها، ثم باثني عشر ونصف وبستة وربع، وهل لا يرجع بما يخصه أيضا إذا كان الحق على غيرهم أو لا وعليه الأكثر؟ تأويلان.
__________
البيع ولزمت الحمالة؛ لأنه غره حتى أخرج سلعته ولو علم البائع ففي سقوط الحمالة قولا ابن القاسم ومحمد قائلا: إن لم يكن للبائع في ذلك سبب اللخمي: وعلى الأول يخير البائع في إمضاء البيع دون حمالة وفسخه ولو جهلا حرمته فلا صبغ: ولا شيء على الحميل، وعلى قول محمد تلزم الحمالة إن لم يكن للبائع في ذلك سبب. ويختلف على هذا إن باع سلعته من

(7/56)


وصح بالوجه،
__________
رجل على أن يزن عنه فلان ثمنها بجعل من المشتري فلا يجوز على قول ابن القاسم أن يطلب فلانا بالثمن إن علم ذلك؛ لأنه سلف بزيادة وله أخذ سلعته إن عجز المشتري عن ثمنها، وعلى قول محمد يمضي ويلزم فلانا يريد ويسقط الجعل قال: والأول أحسن ولمحمد عن مالك وابن القاسم وأشهب وغيرهم من قال: لرجل ضع من دينك عن فلان وأتحمل لك بباقيه لأجل آخر لا بأس به؛ لأن له أخذه بحقه حالا روى أشهب عنه جوازه، وكراهته.
وقال مالك في العتبية: لا يصلح كمن قال: أعطني عشرة دراهم وأتحمل لك فالحمالة على هذا حرام والأول أبين ولابن القاسم في العتبية لا بأس أن تقول: خذ هذه العشرة دنانير وأعطني بما عليك حملا ورهنا وعلى أحد أقوال مالك لا يجوز ولو قال: أتحمل لك على أن تعطي فلانا غير الغريم دينارا لم يجز ولمحمد عن أشهب: من له على رجل عشرة دنانير لأجل فأسقط عنه قبل الأجل دينارين على أن يعطيه بالباقي رهنا، أو حميلا فلا بأس به. وقال ابن القاسم: لا يجوز اللخمي، لأن أخذه الحميل خوف عسر الغريم عند الأجل فيجب تأخيره فأخذه الحميل بما وضع مثل ضع وتعجل انتهى وسيأتي لفظ اللخمي وفي شرح أول مسألة من كتاب الكفالة من البيان خلافه أيضا ونصه: إذا تحمل الرجل بجعل يأخذه من الطالب، أو من المطلوب بغير علم الطالب سقطت الحمالة ورد الجعل وأما إن تحمل بجعل يأخذه من المطلوب علم الطالب فالجعل ساقط والحمالة لازمة قاله مطرف وابن الماجشون وابن وهب وأصبغ في الواضحة وابن القاسم فيها، وفي كتاب ابن المواز، وكذا إذا التزم العهدة عن البائع للمشتري بجعل يأخذه من المشتري، أو من البائع بعلم المشتري، فالجعل مردود، والالتزام ساقط انتهى. وانظر قوله: "فالجعل لازم" والظاهر أنه سقط منه لفظة غير فقد قال اللخمي: إذا كان الجعل تصل منفعته للحميل رد الجعل قولا واحدا ويفترق الجواب في ثبوت الحمالة وسقوطها وفي صحة البيع وفساده وذلك على ثلاثة أوجه: فتارة تسقط الحمالة ويثبت البيع، وتارة تثبت الحمالة والبيع، والثالث مختلف فيه في الحمالة والبيع جميعا فإذا كان الجعل من البائع جعل لرجل دينارا ليتحمل له بما يبيع به سلعته من فلان كانت الحمالة ساقطة؛ لأن محلها محل البيع؛ لأنها حمالة بعوض فإذا لم يصح للحميل العوض لم تلزمه الحمالة، والبيع صحيح؛ لأن المشتري لا مدخل له فيما فعله البائع مع الحميل، وإن كان الجعل من المشتري فقال له: تحمل عني بما أشتري به هذه السلعة ولك

(7/57)


وللزوج، رده من زوجته، وبرئ بتسليمه له،
__________
دينار، والبائع غير عالم بما فعلاه، كان البيع جائزا والحمالة لازمة؛ لأنه غره حتى أخرج سلعته.
واختلف إذا علم البائع فقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا كان ذلك بعلم صاحب الحق سقطت الحمالة يريد: ويكون بالخيار في بيعه بين أن يجيزه بغير حميل، أو يرده، وقال محمد: الحمالة لازمة، وإن علم إذا لم يكن لصاحب الحق في ذلك سبب انتهى. وقد حمل الشارح كلام المصنف على أن الحمالة تبطل مطلقا، وعطف عليه بـ"قيل" التفصيل بين أن يعلم، أو لا يعلم مشى على ذلك في شرحه الأوسط والأصغر وفي الشامل بل كلامه في الشامل مضطرب لا يفهم؛ لأنه قال مشبها في الفساد: كجعل من غير ذي دين لغريم وقيل: إن علم رب الدين وإلا لزم والجعل مردود مطلقا، ولو دفع الطالب للغريم شيئا ليأتيه بحميل جاز على الأصح وثالثها يكره انتهى، وقد علمت أنه إذا لم يعلم صاحب الدين فلا تسقط الحمالة كما تقدم، والله أعلم.
فرع: قال في أحكام ابن سهل في ترجمة امرأة تزوجت رجلا له ولد، وفي وثائق ابن العطار إذا: انعقدت المبارأة بضمان الأب، أو غيره بالحق، أو غيره من درك فثبتت عليها ولاية، أو غيرها مما يسقط عنها الالتزام لزم ذلك الضامن وقضى عليه به وأنكر أبو عبد الله الفخار قوله هذا، وقال: إذا سقط الالتزام عن المضمون بثبوت ضرر سقط عن الضامن إذا لم يرتبط بذمتها حق، لأنه قد ثبت ما أسقط عنها، وكذلك الضامن؛ لأنه ضمن ما ظنه لازما للمضمون عنها وإذا سقط الأصل فالفرع، أولى بالسقوط انتهى وكأن ابن الفخار أنكر عموم قوله، أو غيرها فأخرج من ذلك ثبوت الضرر، وبقي ما عداه ويقيد بما في النوادر من أن المضمون له لم يعلم بموجب السقوط، والله أعلم. ص: (وللزوج رده من زوجته) ش: ظاهره ولو كان المال الذي على المضمون دون ثلثها، وهو ظاهر ما ذكره في التوضيح، والشامل وابن عرفة عن ابن عبد الحكم وقبلوه وزاد: ولو شرطت عدم الغرم قال في التوضيح: ولو تكفلت ذات زوج بوجه رجل على أن لا مال عليها فلزوجها رد ذلك؛ لأنه يقول: قد تحبس وأمتنع منها وتخرج للخصومة، وليس ذلك على هذا فيمتنع أيضا تحملها بالطلب فتأمله، والله أعلم. ص: (وإن

(7/58)


وإن بسجن، أو بتسليمه نفسه، إن أمره به، إن حل الحق، وبغير مجلس الحكم إن لم يشترط، وبغير بلده، إن كان به حاكم
__________
بسجن) ش: قال المازري: "في وعلى" أثناء كلامه ولو سلم الكفيل الغريم وهو محبوس في حبس القاضي فإن هذا التسليم يسقط الكفالة لكون المتكفل له يتمكن من طلبه، وهو في الحبس بمحاكمته عند القاضي الذي حبسه حتى يمكنه من حقه ويقضي بذلك على المحبوس، وإن وجب حبسه زاد في مقدار أمد الحبس لأجل هذا الطلب الثاني بحسب ما يقتضيه الاجتهاد ا هـ. وتقدم كلامه هذا عند قول المؤلف في باب التفليس: "وأخرج لحد بمعنى آخر". وقال ابن عرفة الباجي: ولو كان حبسه في دم، أو دين، أو غيره ويكفي قوله برئت منه إليك وهو بالسجن فشأنك به كأن سجنه في حق، أو تعديا قال ابن عرفة: قلت: في التعدي نظر؛ لأنه مظنة لإخراجه بدفع التعدي عنه ا هـ. ص: (إن أمره به) ش: مفهومه أنه إذا لم يأمره به لا يبرأ وهو كذلك قال ابن عرفة عن الموازية: فهذا إذا لم يرد الطالب قبوله حتى يسلمه له الحميل ولو قبله برئ كمن دفع دينا عن أجنبي للطالب أن لا يقبله إلا بتوكيل الغريم وله قبوله فيبرأ، زاد الصقلي عن محمد إن أنكر الطالب أن يكون الحميل أمره بدفع نفسه إليه فإن أشهد له بذلك أحدا برئ الحميل ا هـ. وفي الشامل: ولو أنكر الطالب أمره له برئ إن أشهد له أحدا ا هـ. ص: (وبغير بلده) ش: يصح أن يعود الضمير على الاشتراط المفهوم من قوله إن لم يشترط ولعل المصنف رجح هذا القول لقول المازري: إنه يلاحظ فيه مسألة الشروط التي لا

(7/59)


ولو عديما، وإلا أغرم بعد خفيف تلوم، إن قربت غيبة غريمه: كاليوم ولا يسقط الغرم بإحضاره، إن حكم به، لا إن أثبت عدمه، أو موته في غيبته ولو بغير بلده،
__________
تفيد وكونه قد يفيد في بعض الصور كما ذكر ابن عبد السلام لا يمنع ذلك؛ لأن الصورة النادرة لا تراعى، والمعنى أنه إذا اشترط الطالب على الحميل أن يحضر له المديان ببلده فأحضره في غيره؛ فإنه يبرأ إن كان الموضع الذي أحضره فيه تأخذه فيه الأحكام وإذا حمل كلام المصنف على هذا كانت مسألة المدونة مفهومة منه بالأحروية وهي ما إذا لم يشترط إحضاره في موضع معين فأحضره الحميل في غير البلد الذي وقع فيها الضمان، والله أعلم. ص: (ولا يسقط بإحضاره إن حكم) ش: أي إن حكم بالغرم ولو لم يغرم على المشهور، وأما لو دفع المال قبل إحضاره مضى اتفاقا قاله في الشامل، وأصله في التوضيح وعلى المشهور فرب الدين مخير في اتباع الغريم الحاضر، أو الحميل المحكوم عليه بالغرم قاله ابن يونس، ونقله في التوضيح. ص: (ولو بغير بلده) ش: هذا مذهب المدونة أن الحمالة تسقط بموت المديان مطلقا سواء

(7/60)


ورجع به، وبالطلب وإن في قصاص كأنا حميل بطلبه، أو اشترط نفي المال، أو قال لا أضمن إلا وجهه، وطلبه بما يقوى عليه، وحلف ما قصر،
__________
مات في بلده، أو في غير بلده من غير تفصيل. ص: (ورجع به) ش: يعني إذا غرم الحميل ثم أثبت ببينة أن الغريم قد مات في غيبته قبل القضاء رجع الحميل بما أدى على رب الدين كما

(7/61)


وغرم إن فرط أو هربه، وعوقب وحمل في مطلق: أنا حميل وزعيم، وأذين، وقبيل، وعندي وإلي وشبهه على المال على الأرجح والأظهر، لا إن اختلفا،
__________
قال: في المدونة. وانظر إذا غرم ثم أثبت أنه كان عديما قبل القضاء هل يرجع أم لا، والله أعلم. ص: (وغرم إن فرط، أو هربه وعوقب) ش: ظاهر كلام المصنف أنه يجمع بين التغريم والعقوبة، والذي في الرواية أنه يحبس إذا حصل منه تفريط في الطلب حتى يجتهد في ذلك وأما إذا ثبت تفريطه فيه بأن يكون لقيه وتركه، أو غيبه وهربه فإنه يغرم المال فقط، ولم يذكر في ذلك عقوبة ص: (وأذين) ش: هو بالذال المعجمة قال في المقدمات والأذين مأخوذ من قوله تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأعراف: 167]. ومن قوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] قال الشاعر:
فقلت قري وغضي اللوم إني ... أذين بالترحل والأفول

(7/62)


ولم يجب وكيل للخصومة، ولا كفيل بالوجه بالدعوى، إلا بشاهد، وإن ادعى بينة بكالسوق أوقفه القاضي عنده.
__________
وقال امرؤ القيس:
وإني أذين إن رجعت مملكا ... بسير ترى فيه الفرانق أزورا
وإنما كان الأذين بمعنى الحميل لأن الأذين والأذان والإذن وما تصرف من ذلك إنما هو بمعنى الإعلام، فلما كان ذلك بمعنى الإعلام الذي لا يكون إلا بمعلوم متيقن لا يصح أن يوجد بخلافه إذ هو من العلم الذي هو معرفة المعلوم على ما هو به بخلاف الإخبار الذي يصح أن يؤخذ بخلاف مخبره لما يدخله من الصدق والكذب فكان قول الرجل: أنا أذين بما لفلان على فلان إيجاب منه على نفسه أداء المال إليه إذ لا يستعمل ذلك اللفظ إلا في الواحد المتيقن ا هـ. ص: (ولم يجب وكيل لخصومة) ش: أي يخاصم عنه ويسمع البينة. ص: (إلا بشاهد) ش: الاستثناء راجع لمسألة الكفيل كما يفهم من كتاب الكفالة من المدونة، وفي كتاب الشهادات من المدونة خلاف هذا وأنه يجب الكفيل بالوجه ولو لم يأت بشاهد، وقد ذكر المصنف كلام المدونة في باب الشهادات وذكر كلام الشيوخ عليه هل هو خلاف، أو وفاق، والله أعلم.

(7/63)


باب الشركة
باب الشركة
...
باب الشركة
إذن في التصرف لهما مع أنفسهما،
__________
باب الشركة
ضبطها في التوضيح بكسر الشين وسكون الراء، وكذا الشارح، وغيره، وقال البساطي: قال بعضهم لم يثبت فيها إلا كسر الشين، وسكون الراء، وخالفه بعضهم انتهى وضبطها غير واحد بكسر الشين المعجمة وسكون الراء وبفتح الشين المعجمة وكسر الراء، وصدر الجلال الأسيوطي في حاشية البخاري بالثاني، وقال ابن حجر: والشركة بفتح المعجمة وكسر الراء وبكسر أوله وسكون الراء، وقد تحذف الهاء، وقد يحذف أوله مع ذلك فتلك أربع لغات وهي ما يحدث بالاختيار بين اثنين فصاعدا من الاختلاط لتحصيل الربح، وقد يحصل بغير قصد كالإرث انتهى. ص: (إذن في التصرف لهما مع أنفسهما) ش: يعني أن الشركة هي إذن كل واحد من المتشاركين لصاحبه في التصرف في ماله، أو ببدنه "لهما" أي له ولشريكه أي أن يتصرف له ولشريكه مع أنفسهما أي مع تصرفهما أنفسهما أيضا فمعنى الحد أن الشركة هي إذن كل واحد من المتشاركين لصاحبه في أن يتصرف في ماله، أو ببدنه له ولصاحبه مع تصرفهما أنفسهما أيضا فقوله: "إذن في التصرف" بمنزلة الجنس يشمل الوكالة والقراض وقوله: لهما فصل يخرج به الوكالة؛ لأنها ليس فيها إذن من الموكل للوكيل في أن يتصرف في الشيء الموكل فيه للموكل وحده، وقول الشارحين إن الوكالة خرجت بقول المؤلف مع أنفسهما ليس بظاهر، وبهذا يخرج أيضا قول من ملك شيئا لغيره: أذنت لك في التصرف فيه معي وقول الآخر له مثل ذلك؛ لأن كل واحد لم يأذن لصاحبه في أن يتصرف في ذلك الشيء له ولصاحبه، وإنما أذن له أن يتصرف فيه لمالكه نيابة عنه فبطل بهذا اعتراض ابن عرفة على هذا الحد بقوله: وقول ابن الحاجب أذن لهما في التصرف مع أنفسهما قبلوه فيبطل طرده

(7/64)


.............................
__________
بقول من ملك شيئا لغيره: أذنت لك في التصرف فيه معي وقول الآخر مثل ذلك وليس بشركة؛ لأنه لو هلك ملك أحدهما لم يضمنه الآخر وهو لازم الشركة ونفي اللازم ينفي الملزوم انتهى. ولو قال كل واحد لصاحبه: أذنت لك في التصرف في هذا الشيء لي ولك لكانت شركة ثم تجري على أحكام الشركة فيما يصح منها وما يفسد بسبب الخلط وعدمه وما يثبت به الضمان وما لا يثبت على ما سيأتي.
وقوله: "مع أنفسهما" فصل ثان خرج به قول كل واحد لصاحبه تصرف في هذه المائة ونحوها: أنت وحدك على أن الربح لي ولك بشرط أن لا يتصرف كل واحد في مال نفسه، فليس ذلك بشركة فقوله: "لهما" متعلق بالتصرف، وقوله: "مع أنفسهما" حال من الإذن أي حال كون ذلك الإذن في التصرف مع تصرفهما بأنفسهما. وعلق ابن عرفة قوله: "لهما" بالإذن فأورد ما، أورده ثم قال ابن عرفة: ويبطل عكسه بخروج شركة الجبر كالورثة، وشركة المتبايعين بينهم شيئا، وقد ذكرهما يعني ابن الحاجب إذ لا إذن في التصرف لهما، ولذا اختلف في كون تصرف أحدهما كغاصب أم لا ثم استبدل بما في سماع ابن القاسم في ضرب أحد الشريكين العبد بغير إذن شريكه ونظائر ذلك فقال في سماع ابن القاسم: ليس لأحد مالكي عبد ضربه بغير إذن شريكه، وإن فعل ضمنه إلا في ضرب لا يعيب مثله، أو ضرب أدب قال سحنون نضمنه مطلقا ولو ضربة واحدة كأجنبي ابن رشد رأى مالك شركته شبهة تسقط الضمان في ضرب الأدب وهو أظهر من قول سحنون؛ لأن تركه ضربه أدبا يفسده، وعليه زرع أحد الشريكين وبناؤه في أرض بينهما بغير إذن شريكه في كونه كغاصب يقلع بناؤه، أو زرعه، أو لا لشبهة الشركة فيكون له الزرع، وإن لم يفت الإبان ويكون عليه الكراء في نصف شريكه ويكون له قيمة بنائه قائما، وعليه قول ابن القاسم في إيلاد العبد أمة بينه وبين حر نصف قيمتها جناية في رقبته. وقول سحنون: هذا دين في ذمته يتبع بما نقص نصف ثمنها عن نصف قيمتها انتهى والمسألة مذكورة في أول رسم من سماع ابن القاسم في كتاب الشركة.
قلت: ويجاب عن خروج ما ذكر بأن سياق الكلام يدل على أن القصد إنما هو حد شركة في التجر إنها هي المعقود لها الترجمة، وإن ذكر غيرها معها فبطريق التبع، والله أعلم. وقال ابن عرفة: الشركة الأعمية تقرر متمول بين مالكين فأكثر ملكا والأخصية بيع ملك كل بعضه ببعض كل الآخر موجب صحة تصرفهما في الجميع فيدخل في الأول شركة الإرث، والغنيمة لا شركة التجر يريد أنها تخرج بقوله ملكا فقط؛ لأن فيها زيادة التصرف قال: وهما في الثانية على العكس، وشركة الأبدان والحرث باعتبار العمل في الثانية وفي عوضه في الأولى، وقد يتباينان في الحكم شركة الشريك فالأولى جائزة والثانية ممنوعة فيها ليس لأحدهما أن يفاوض شريكا دون إذن شريكه وله أن يشاركه في سلعة بعينها دون إذنه انتهى. وانظر ما

(7/65)


وإنما تصح من أهل التوكيل والتوكل،
__________
معنى تسمية الأولى أعمية مع خروج بعض أنواع الشركة منها كما ذكر فتأمله، والله أعلم. ص: (وإنما تصح من أهل التوكيل والتوكل) ش: يعني أنه يشترط في صحة عاقدي الشركة أن يكونا من أهل التوكيل والتوكل هكذا قال ابن شاس وابن الحاجب قال ابن عرفة: وقبله ابن عبد السلام وغيره وكلهم تبعوا الوجيز ويرد بوجوب زيادة "وأهلية البيع" لأن كلا منهما بائع لصاحبه نصف ماله ولا يستلزمها أهلية الوكالة لجواز توكيل الأعمى اتفاقا وتوكله وتقدم الخلاف في صحة كونه بائعا انتهى وذكره ابن غازي كالمنكت به على المصنف.
قلت: ولا يحتاج المصنف إلى زيادة أهلية البيع، لأن بيع الأعمى جائز على المشهور والمصنف إنما يفرع عليه نعم لو اقتصروا على أحد اللفظين فقالوا: من أهل التوكيل والتوكل، أو قالوا: من أهل الوكالة لكان أنسب بالاختصار فقد قال ابن الحاجب في باب الوكالة: من جاز أن يتصرف لنفسه جاز أن يوكل وأن يتوكل إلا لمانع وقبله ابن عرفة، وقال: وقول ابن شاس من جاز تصرفه لنفسه جاز كونه وكيلا إلا لمانع، ومسائل المذهب واضحة به انتهى.
فإن قلت: قد يجوز للشخص أن يوكل ولا يجوز له أن يتوكل كالذمي يجوز توكيله ولا يجوز أن يتوكل على مسلم وكالعدو فإنه لا يصح توكيله على عدوه كما أشار إلى ذلك ابن الحاجب وابن شاس بقولهما: "إلا لمانع" على ما قال ابن عبد السلام فلعل المصنف أراد إخراج ذلك من الشركة أيضا قلت: أما أولا فعلى تسليمه فكان يمكنهم أن يقتصروا على قولهم من أهل التوكل؛ لأنه يستلزم أن يكون من أهل التوكيل على ما قررتم وأما ثانيا فلا نسلم أن الذمي والعدو ليسا من أهل التوكل؛ لأن توكيلهما إنما يمتنع بالنسبة إلى بعض الأشخاص فقط، وأيضا فلا يحتاج إلى ذلك في هذا الباب؛ لأن الظاهر في مشاركة العدو أنها جائزة وأما مشاركة الذمي فالظاهر من كلامه في المدونة أنها صحيحة، وإن كانت لا تصح ابتداء قال فيها في كتاب الشركة: ولا يصح لمسلم أن يشارك ذميا إلا أن لا يغيب الذمي على بيع، ولا شراء، ولا قضاء، ولا اقتضاء إلا بحضرة المسلم انتهى. قال ابن عرفة بعد ذكره كلام المدونة اللخمي: فإن وقع استحب صدقته بربحه إن شك في عمله بالربا وبجميع ماله إن شك في عمله به في خمر وإلا لم يكن عليه شيء انتهى. قوله: "وإلا لم يكن عليه شيء" أي وإن علم سلامته من عمل الربا، وتجر الخمر فلا شيء عليه كذا قال اللخمي، ونقله القرافي، والظاهر أن حكم مشاركة المسلم الذي لا يحافظ على دينه في التصديق بالربح كذلك، وانظر إذا تحقق عمله بالربا، أو في الخمر ما الحكم هل يجب التصدق أو يستحب أيضا؟ والظاهر

(7/66)


.............................
__________
الوجوب لما سيأتي في الوكالة عن المازري فمقتضى هذا أن الشركة صحيحة بل وجائزة إذا لم يغب الذمي على البيع والشراء، وصرح بذلك في الشامل فقال: وكرهت مشاركة ذمي ومتهم في دينه إن تولى البيع والشراء وإلا جاز، وعلى ما ذكر في السؤال تكون مشاركة الذمي غير صحيحة، وكذلك مشاركة العدو وهو خلاف المفهوم مما تقدم فتأمله، والله أعلم.
تنبيهات: الأول: قال في التوضيح: فإن قيل: قد قالوا إن الذمي لا يوكل على مسلم فهل يأتي هنا أي في باب الشركة أنه لا يشاركه؟ قيل: لا يبعد فقد قال ابن حبيب لا ينبغي للحافظ لدينه أن يشارك إلا أهل الدين، والأمانة، والتوقي للخيانة، والربا، والتخليط في التجارة، ولا يشارك يهوديا ولا نصرانيا ولا مسلما فاجرا إلا أن يكون هو الذي يتولى البيع والشراء، وإنما للآخر فيه البطش والعمل انتهى. ونحوه لابن عبد السلام قلت: وكأنهما لم يقفا على كلام المدونة المتقدم قال ابن عرفة بعد نقله كلام المدونة المتقدم: ويستشكل بأن الشركة ملزومة للبيع فيلزم عليه أن يشترط في بيع المسلم للذمي شيئا أن لا يبيعه الذمي إلا بحضرة المسلم قال: ويجاب بأن ما ذكر في الشركة من عدم غيبته على البيع معتبر وقوعه لا أنه شرط، وإن سلم اشتراطه فإنما هو لكونه وكيلا لا لكونه مبتاعا انتهى بالمعنى.
الثاني: قال بعضهم كيف أجاز مالك شركة المسلم للذمي بشرط أن لا يغيب الذمي على بيع ولا شراء ومنع الشركة إذا شرط أحد الشريكين أن يمسك رأس المال؟ فأجاب بعضهم بأن الشرط في مسألة الذمي بعد العقد، وهذا ليس بظاهر، وقال بعضهم: الفرق بينهما ظاهر؛ لأنه في مسألة الذمي لم يخرج المال من يده بالكلية بخلاف المسألة الأخرى.
الثالث: قال في التوضيح: في قول ابن الحاجب المتقدم: "إلا لمانع" أي من الموانع المتقدمة في الحجر انتهى. وليس هذا مراده؛ لأن موانع الحجر قد دخلت في مفهوم قوله: "من جاز تصرفه لنفسه جاز أن يوكل، أو يتوكل". وإنما مراده المانع المختص بهذا الباب، وهو ما ذكره إثره من كون الوكيل ذميا، ومن كونه عدوا للموكل عليه كما قدمناه، وأما ما حمله عليه المؤلف فربما يوهم أن المانع من الحجر مستثنى من المانع في الوكالة فتأمله، ولهذا قال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب إثر الكلام المتقدم: وفيها لا يوكل الذمي إلى آخره لما استثنى المؤلف في المسألة السابقة فقال: "إلا لمانع" احتاج أن يبين المانع ما هو؟ إلخ كلامه ويوضح ذلك كلام الذخيرة فإنه قال: الركن الأول الموكل قال في الجواهر: من جاز تصرفه لنفسه جاز له الاستنابة ثم تكلم عليه نحو الخمسة أسطر ثم قال: الركن الثاني الوكيل قال في الجواهر: من جاز له أن يتصرف لنفسه جاز له أن ينوب فيه عن غيره إذا كان قابلا للاستنابة إلا أن يمنع مانع فقد منع في الكتاب توكيل الذمي إلى آخره.
الرابع: قال فيها: وتجوز الشركة بين النساء وبينهن وبين الرجال. قال اللخمي: يريد إن

(7/67)


__________
كانت متجالة، أو شابة ولا تباشره في التجارة؛ لأن كثرة محادثة الشابة للرجل يتقى منها الفتنة فإن كان بينهما واسطة فلا بأس قال ابن عرفة: يريد واسطة مأمونة المتيطي عن ابن الهندي، وإنما تجوز بين الرجل والمرأة إذا كانا صالحين مشهورين بالخير والدين والفضل وإلا فلا انتهى قال أبو الحسن: أو مع ذي محرم انتهى.
الخامس: قال فيها: وتجوز شركة العبيد إذا أذن لهم في التجارة قال ابن عرفة اللخمي إن لم يكن مأذونا له وولي البيع والشراء لم يضمن الحر وضيعة المال ولا تلفه، وكذا إن وليا معا البيع والشراء ووزن كل واحد منهما منابه، وأغلقا عليهما، ولم ينفرد الحر بها، وإن انفرد الحر بتولي ذلك ضمن رأس المال إن هلك وخسر انتهى. فإن كان عبدين فلا ضمان على من تولى ذلك منهما وهو ظاهر، والله أعلم. وكذا في المسألة الأولى لا ضمان على العبد في ضياع مال الحر، وانظر لو غره والظاهر أنه جناية في رقبته والله أعلم.
السادس: اقتضى كلام ابن شاس وابن الحاجب أن توكيل المحجور وتوكله غير جائز وهو الذي يؤخذ من كلام المصنف هنا وفي ذلك اضطراب، فإنهم أجازوا له التوكيل في بعض الصور بل أخذ بجواز توكيله مطلقا كما سيأتي وفي توكيله خلاف، وظاهر المدونة جوازه كما سيأتي قال في التوضيح في باب الوكالة في كلام ابن الحاجب المتقدم: وعلى هذا فيجوز للمحجور عليها أن توكل في لوازم عصمتها انتهى. بل ليس لوليها قيام في ذلك إلا بتوكيل منها قال ابن فرحون في تقسيم المدعى عليهم: وليس للأب ولا للوصي القيام عمن في نظرهما من ابنة، أو يتيمة إذا أضر بها زوجها في نفسها إلا بتوكيلها ثم قال: وإذا أقامت سبع سنين ثم أراد أبوها أن يطالب زوجها بالكالئ، أو غيره من حقوقها لم يكن له ذلك إلا بتوكيلها إلا أن يتصل سفهها انتهى. وفي هذا الأخير خلاف انظره في باب الصداق، وقال في اللباب ويصح التوكيل من المحجور على الخصومة، وللوصي أن يوكل في حق محجوره من يطلب حقوقه ولا يجعل له الإقرار ولا يشترط في الوكيل أن يكون رشيدا انتهى. وقال في معين الحكام في باب الوصايا وما يتعلق بها: مسألة يجوز للمحجور طلب حقوقه عند قاض، أو غيره، ولا يمنع من ذلك في حضور وصيه، أو غيبته قال أبو بكر وله أن يوكل على ذلك ليعلم ما يتوجه إليه وخالفه غيره في ذلك انتهى. وقال ابن عرفة إثر كلامه المتقدم الذي نقله عن ابن شاس وهو قوله: من جاز تصرفه لنفسه جاز توكيله، ومن جاز تصرفه لنفسه جاز كونه وكيلا إلا لمانع ومسائل المذهب واضحة به وبامتناع توكيل من ليس جائز الأمر في سماع يحيى في توكيل بكر من يخاصم لها، توكيلها غير جائز؛ لأنها لا تلي مثل هذا من أمرها إنما يليه وصيها، أو من يوكله السلطان ووقع في المدونة ما يوهم صحة وكالة المحجور عليه ففي عتقها الثاني إن دفع العبد مالا لرجل على أن يشتريه ويعتقه ففعل فالبيع لازم، فإن استثنى ماله لم يغرم الثمن ثانيا وإلا غرمه ويعتق العبد، ولا يتبع بشيء وفي سماع يحيى من العتق ما هو كالنص

(7/68)


__________
في ذلك قال فيه: إن دفع عبد إلى رجل مائة دينار، وقال له اشترني لنفسي فاشتراه لنفس العبد واستثنى ماله كان حرا، ولا رجوع لبائعه على العبد، ولا على المشتري بشيء وولاؤه لبائعه ابن رشد. مرض الأصيلي هذا الشراء بأن وكالة العبد لا تجوز إلا بإذن سيده فعلى قياس قوله إن لم يعلم السيد أنه اشتراه للعبد كان له رد ذلك، وإن علم فلا كلام له.
قلت: كان يجري لنا الجواب عن تعقب الأصيلي بأن حجر العبد إنما هو ما دام في ملك سيده وهو ببيعه خرج عن ملكه، وصح توكيله، ولزم عتقه ضربة واحدة كقولها فيمن باع عبده بعد أن تزوج بغير إذنه ولم يعلم به: مضى نكاحه وليس لسيده فسخه إلا أن يرجع لملكه برده مبتاعه بعيب في نكاحه انتهى. وما نقله ابن عرفة عن سماع يحيى في مسألة العتق لم أجدها فيه، وإنما هي في سماع عيسى. ومسألة وكالة البكر في الخصومة في كتاب البضائع والوكالات وما ذكره من أن البكر لا تلي ذلك يعني المخاصمة قبله ابن رشد، وهو خلاف ما ذكره صاحب معين الحكام كما تقدم وقول ابن عرفة في جواب الأصيلي وهو ببيعه خرج عن ملكه وصح توكيله ولزم عتقه ضربة واحدة فيه نظر؛ لأن التوكيل باطل على ما يقول الأصيلي قبل انتقال الملك، فلا ينتقل الملك بالشراء الواقع به، وأما إذا صح البيع وخرج عن ملك السيد فلا حاجة إذا إلى تصحيح التوكيل، أو عدم تصحيحه وفي قياسه، أو تشبيهه بمسألة نكاح العبد غير ظاهر وذلك بين ويمكن الجواب عما قال الأصيلي بأن يقال: سلمنا أن توكيله لا يجوز غاية ما فيه أنه شراء فضولي وهو جائز صحيح على المشهور فإذا أمضاه العبد بعد ذلك ورضيه مضى وصح العتق وفاعل استثنى من قوله: "واستثنى ماله" ضمير يعود على المشتري الذي دفع إليه العبد المائة. ثم قال ابن عرفة: وأما منع كون الوكيل محجورا عليه فقال اللخمي: لا يجوز توكيله، لأنه تضييع للمال.
قلت: وعليه عمل أهل بلدنا، وظاهر كتاب المديان جوازه فيها منه ما نصه قلت: إن دفع إلى عبد أجنبي محجور عليه مالا يتجر به، أو ليتيم محجور عليه ثم لحقهما دين أيكون في ذمتهما قال: قال مالك: يكون في المال الذي دفع إليهما وما زاد عليه فهو ساقط لا يكون في ذمتهما.
قلت: ظاهره جواز توكيلهما إلا أن يقال إنما تكلم عليه بعد الوقوع والأول أظهر وهو الأكثر من أخذ المشايخ من مفهومات المدونة الأحكام ويؤيده سماع أصبغ في العتق أن من قال: أشهدكم أن ما أعتق ابني، أو أحدث رقيقي فأمره جائز وابنه سفيه ثم باع ابنه من رقيق أبيه عشرة جاز بيعه على أبيه، وإن كره إلا أن يبيع بما لا يتغابن بمثله من محاباة بينة ووكالة السفيه كغيره ابن رشد هذا بين لا خلاف فيه، ولا إشكال، والتوكيل في الحياة بخلاف الوصية بمال ولده لا تجوز لسفيه بخلاف وصية بتنفيذ ثلثه إلى سفيه، أو غير عدل ذلك جائز؛ لأن ثلثه له حيا

(7/69)


...........................
__________
وميتا، وظاهر كلام ابن رشد في رسم أسلم من كتاب العتق جواز توكيل المحجور عليه وفي نوازل ابن الحاج: من وكل على قبض ديون له صبيا قبل بلوغه فقبضه براءة للغريم؛ لأن رب الحق رضيه وأنزله منزلته انتهى. ولفظ التهذيب في مسألة كتاب المديان المتقدمة: فما لحقهما من دين فيه كان في ذلك المال خاصة، ولا يلزم ذمتهما، ولا ذمة الدافع شيء انتهى. وما ذكره عن سماع أصبغ في العتق إنما رأيته في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب العتق، وكلام ابن رشد المذكور فيه وفيه بعد قوله هذا بين لا خلاف فيه، ولا إشكال؛ لأن للرجل أن يوكل على نفسه في حياته من رضي توكيله من رشيد، أو سفيه، فيلزمه من فعل السفيه ما يلزمه من فعل الرشيد ثم ذكر بقية الكلام المتقدم وما نقله ابن عرفة عن نوازل ابن الحاج نقله عن ابن سلمون قال في التوضيح في باب الوكالة في قول ابن الحاجب المتقدم: من جاز تصرفه لنفسه جاز توكيله لنفسه.
فإن قلت: يرد عليه ما في المدونة "ومن وكل عبدا مأذونا له في التجارة، أو غير مأذون له ليسلم له في طعام ففعل فذلك جائز؛ لأنه لا يتصرف لنفسه" فالجواب أن ذلك محمول على المأذون له باتفاق انتهى. ولفظ المدونة، "أو محجور عليه" عوض قول التوضيح، "أو غير مأذون له". وأجاب ابن عبد السلام بقوله لا شك أن معنى مسألة المدونة عند الجميع أن ذلك مشروط بإذن سيد العبد فلا إشكال؛ لأنه كما يجوز له أن يتصرف بإذن سيده فكذلك يجوز له أن يتوكل وأن يوكل على السلم بإذنه انتهى. وعبارته، أوضح من عبارة المؤلف، فلذلك ذكرتها ومسألة المدونة في السلم الثاني وما ذكره ابن عبد السلام والمؤلف من الجواب لم يذكره أحد ممن رأيت من شراح المدونة بل ذكر أبو الحسن عن ابن محرز ما يؤخذ منه خلاف ذلك ونصه قال ابن محرز: أما المأذون له فلا أجر على من وكله؛ لأنه كأنه مأذون له في هذا المقدار الخفيف من العمل ألا ترى أنه قد يودع فيحفظ الوديعة بغير إذن سيده، ولا يكون له في ذلك أجر، وأما غير المأذون فينبغي أن تكون له أجرة يدفعها من وكله إلى سيده الشيخ إلا أن يكون عمله ذلك لا خطب له لكون المسلم إليه أتى إلى منزل العبد فلا يكون له أجرة كما قال في كتاب الإجارة في مناولة القدح والنعل انتهى. ونحوه في المشذالي قال: قوله"أو محجور" لم يتكلم هنا هل لسيده أن يطالب الموكل بقيمة عمله، وفصل بعضهم فقال إن كان عمل له بال فله قيمة عمله إن كان محجورا، وإن كان مأذونا فلا انتهى. وكذلك قال اللخمي من وكل عبدا فأسلم له في طعام مضى والسلم للآمر فإن كان العبد محجورا كان لسيده إجارته في ذلك، وإن كان مأذونا وفعل ذلك ليصلح به وجهه في تجارته لم يكن لسيده شيء؛ لأن الغالب في إجارته ذلك يسيرة انتهى. من السلم الثالث من تبصرته، فتحصل من هذه النقول أن توكيل المحجور عليه في الخصام في تخليص ماله، وطلب حقوقه لا يجوز على ظاهر المذهب ويصح على ما قاله في اللباب ونقله في معين الحكام عن أبي بكر بن عبد

(7/70)


ولزمت بما يدل عرفا: كاشتركنا
__________
الرحمن، وتقدم أنه يقال إن غيره خالفه فيه، وأما توكيله على البيع والشراء في ماله فلا يجوز، ولم أر فيه خلافا بعد البحث إلا ما يؤخذ من مسألة العتق التي في المدونة، والعتبية المتقدم ذكرهما. وأما توكيل المرأة المحجور عليها في لوازم عصمتها فيجوز كما صرح به في التوضيح بل ليس لوليها القيام في ذلك إلا بتوكيل منها كما تقدم وأما كون المحجور عليه وكيلا فيجوز على ما صرح به في العتبية في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب العتق، وصرح به ابن رشد في شرحها من أنه يجوز بلا خلاف، وصرح به ابن رشيد في اللباب وأفتى به ابن الحاج، ويؤخذ من مسألة السلم الثاني من المدونة ومن مسألة كتاب المديان منها، ولا يجوز على ما قاله اللخمي، وقال ابن عرفة عليه عمل أهل بلدنا ومشى عليه صاحب الجواهر، وتابعيه كالقرافي وابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح وغيرهم فتحصل في ذلك. طريقان، وإنما أطلت الكلام في هذا؛ لأن المصنف لم يتكلم عليه في الوكالة ويؤخذ من كلامه هنا المنع من توكيله وتوكله، وهو أحد الطريقين كما علمت لكن يقيد ذلك بما عدا توكيل المحجور عليها في لوازم العصمة، والله أعلم. ص: (ولزمت بما يدل عرفا) ش: يعني أن حكم الشركة ابتداء الجواز، فإذا انعقدت لزمت قال ابن عرفة: وحكمها الجواز كجزأيها البيع، والوكالة وعروض ما يوجبها بعيد بخلاف موجب حرمتها، وكراهتها، ودليلها الإجماع في بعض صورها وحديث أبي داود بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقول أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما الآخر فإذا خانه خرجت من بينهما" 1 ذكره عبد الحق وصححه بسكوته عنه والحاكم في مستدركه انتهى. وفي التوضيح: الإجماع على جوازها من حيث الجملة انتهى. وذكر صاحب المقدمات واللخمي وشراح المدونة آيات، وأحاديث تدل على الأصل في الشركة كآية المواريث وقوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ} [الزمر: 29] وقوله: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] وحديث: "أيما دار قسمت في الجاهلية" وحديث: "الشفعة في كل ما لم يقسم"2 وغير ذلك. وقال ابن عبد السلام: الأصل فيها قوله تعالى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} [الكهف: 19] والحديث المتقدم، وحديث السفينة وهو قوله عليه الصلاة والسلام "مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب البيوع باب 26.
2 رواه البخاري في كتاب الشفعة باب 9،8. كتاب الحيل باب 14. الدرامي في كتاب البيوع باب 83.

(7/71)


__________
يصعدون فيستقون الماء فيضيقون على الذين في أعلاها فقال الذين في أعلاها لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا فقال الذين في أسفلها: فإننا ننقبها من أسفلها فنستقي فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعا، وإن تركوهم غرقوا جميعا" 1. قال الترمذي: حديث حسن صحيح انتهى. والعجب من عزوه الحديث للترمذي مع أنه في صحيح البخاري، وكأنه تبع في ذلك عبد الحق في أحكامه فتأمله، والله أعلم. وأما لزومها بعد العقد ففيه طريقان قال ابن عبد السلام في شركة الأموال: المذهب لزومها بالعقد دون الشروع، واختلف في شركة الحرث هل هي كشركة الأموال وهو قول سحنون، أو لا تلزم إلا بالعمل وهو قول ابن القاسم، وقال ابن عرفة قول ابن عبد السلام: "إن المذهب لزوم الشركة بالعقد دون الشروع" هو مقتضى قول ابن الحاجب: "يجوز التبرع بعد العقد" بخلاف قول ابن رشد في سماع ابن القاسم: "إنها من العقود الجائزة" وهو مقتضى مفهوم السماع: "أنه إن شرط ذلك بعد العقد لا يجوز"، ونحوه قوله في المقدمات: "هي من العقود الجائزة لكل منهما أن ينفصل عن شريكه متى شاء"، ولهذه العلة لم تجز إلا على التكافؤ والاعتدال؛ لأنه إن فضل أحدهما صاحبه فيما يخرجه فإنما يسمح في ذلك رجاء بقائه معه على الشركة فصار غررا انتهى. وقال في التوضيح: قال في المقدمات: هي من العقود الجائزة لكل واحد أن ينفصل متى شاء إلا الشركة في الزرع ففي لزومها خلاف ونحو ذلك اللخمي وخرج قولا بعدم لزومها لأول نصه من الشاذ في كراء المشاهرة قال: وأما إن أخرجا شيئا ليشتريا به شيئا معينا فإنه يلزم إن لم يمكن كل واحد اشتراؤه بانفراده، أو أمكنه ولكن اشترائهما أرخص، وإلا فقولان وهما على الخلاف في شرط ما لا يفيد وفي معين الحكام الشركة تنعقد بالقول على المشهور من قول مالك وأصحابه، وكذلك قال ابن يونس إنها تلزم بالعقد كالبيع، ولا رجوع لأحدهما فيها كالبيع بخلاف الجعل والقراض ولعياض نحوه والظاهر أنه لا مخالفة بينهم ومراد ابن يونس ونحوه أنها تلزم بالعقد باعتبار الضمان أي إذا هلك شيء بعد العقد يكون ضمانه منهما خلافا لمن يقول إنها لا تنعقد إلا بالخلط انتهى.
قلت: بل الظاهر أن كلام ابن يونس وعياض وصاحب المعين وابن عبد السلام مخالف لكلام ابن رشد واللخمي، وقول ابن عرفة هو مقتضى قول ابن الحاجب: "يجوز التبرع بعد العقد" ظاهره أنه لم يقف عليه لغيره، وقد نص على ذلك في كتاب الشركة من المدونة فقال بعد أن ذكر أنها تفسد: إذا عقداها على التفاوت في الربح، أو العمل، أو التساوي في ذلك مع التفاضل في رءوس الأموال ما نصه: ولو صح عقد المتفاضلين في المال ثم تطوع الذي له الأقل
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الشركة باب 6. الترمذي في كتاب الفتن باب 12. أحمد في مسنده (4 /268، 270).

(7/72)


بذهبين أو ورقين اتفق صرفهما، وبهما منهما،
__________
فعمل في الجميع جاز، ولا أجر له انتهى. قال أبو الحسن: ظاهره أن الشركة تلزم بالعقد، ولو لم تلزم بالعقد لما جاز؛ لأنه إنما تطوع رجاء البقاء معه وذلك لا يلزمه فصار ذلك غررا الشيخ، كأنه نوع رشوة ويقوم منه أنه يجوز أن يسلف أحدهما الآخر بعد صحة العقد انتهى. فما ذكره ابن الحاجب والمصنف من جواز التبرع بعد العقد موافق لما في المدونة، ومقتضاه لزوم العقد كما قال المصنف قوله: "بما يدل عرفا" أي بما يدل على إذن كل واحد لصاحبه في التصرف على الوجه المذكور عرفا، وسواء كان لفظا، أو ما يقوم مقامه فمن اللفظ الدال على الشركة قولهما اشتركنا إذا فهم منه مقصودهما عرفا قال في اللباب: الصيغة لفظ، أو ما يقوم مقامه يدل على إذن كل واحد في التصرف لصاحبه، ويكفي قولهما: اشتركنا إذا فهم المقصود عرفا انتهى. قال في التوضيح ومثل الفعل الدال لو خلطا ماليهما وباعا انتهى. واعتراض البساطي على المؤلف كونه لم يقل لغة، أو عرفا غير ظاهر، والله أعلم. ص: (بذهبين) ش: أركان الشركة أربعة العاقدان والصيغة والمحل فلما ذكر الثلاثة الأول أتبعها بالرابع وهو المحل وهو المال، أو العمل فبدأ بالمال فقال: بذهبين، أو ورقين. ص: (اتفق صرفهما) ش: يريد ووزنهما ويغتفر التفاوت اليسير قال ابن عرفة: وفيها قصر اعتبار التساوي بين النقدين في الوزن، والقيمة لا السكة ويسير اختلافهما في الصرف لغو انتهى. قال في المدونة، وإن أخرج أحدهما دنانير هاشمية وأخرج الآخر مثل وزنها دنانير دمشقية، أو أخرج هذا دراهم يزيدية والآخر وزنها محمدية وصرفهما مختلف لم يجز إلا في الاختلاف اليسير الذي لا بال له فيجوز وهما فيما كثر كتفاضل المالين، ولو جعلا الربح والعمل بينهما بقدر فضل ما بين السكتين لم يجز إذا صرفاهما إلى القيم وحكمهما الوزن في البيع والشركة انتهى. فحاصله أنه إذا اختلف الصرف لا تجوز الشركة، ولو جعلا الربح على قدر قيمة صرف كل دينار قال أبو الحسن وصورة قدر القيمة أن يقال: ما قيمة المحمدية فيقال: عشرة وما قيمة اليزيدية فيقال: خمسة فيشتركان على الثلث والثلثين فيؤدي إلى التفاضل قال ابن المواز فإن نزل أخذ كل واحد مثل رأس ماله بعينه في سكته، وكان الربح بقدر وزن رأس ماله لا على فضل ما بين السكتين، وقاله مالك قال بعض القرويين لعل محمدا يريد إذا لم يختلف سوق السكتين من يوم الشركة إلى يوم القسمة وأما إذا اختلف فيظلم الذي زاد سوق سكته صاحبه إذا أعطاه مثل رأس ماله، وقيمته أكثر مما دفع انتهى. وانظر سماع ابن القاسم من الشركة

(7/73)


وبعين وبعرض، وبعرضين مطلقا،
__________
فرع: قال في المدونة: وإن كانت السكتان متفقتي الصرف يوم الشركة جاز فإن افترقا، وقد حال الصرف لم ينظر إلى ذلك ويقتسمان ما بأيديهما عرضا كان، أو طعاما، أو عينا انتهى. ص: (وبعين وبعرض) ش: يريد: ولو كان العرض طعاما. قال في المدونة: وتجوز الشركة بطعام ودراهم، أو بعين وعرض على ما ذكرنا من القيم، وبقدر ذلك يكون الربح والعمل انتهى. ص:

(7/74)


وكل بالقيمة يوم أحضر، لا فات، إن صحت، إن خلطا ولو حكما وإلا فالتالف من ربه، وما ابتيع بغيره فبينهما، وعلى المتلف نصف الثمن، وهل إلا أو يعلم بالتلف فله وعليه؟ أو مطلقا إلا
__________
(وكل بالقيمة يوم أحضر لا فات) ش: هو راجع إلى مسألة العرضين، وإلى مسألة العين، والعرض كما تقدم عن المدونة، والمعنى وكل من أخرج عرضا فهو شريك بقيمته يوم أحضر، وقال: ابن غازي هذه العبارة توهم أن المعتبر في الفاسدة القيمة يوم الفوت وعبارة ابن الحاجب أبين منها إذ قال فلو وقعت فاسدة فرأس ماله ما بيع به عرضه، وقال الصقليان عبد الحق وابن يونس: فإن لم يعرفا ما بيعت به سلعتهما فلكل واحد قيمة عرضه يوم البيع وحمله على هذا بعيد انتهى. ومثل ذلك لو خلطا الطعامين قال في المدونة: وإذا وقعت الشركة بالطعام فاسدة فرأس مال كل واحد ما بيع به طعامه إذ هو في ضمانه حتى يبيع، ولو خلطاه قبل البيع جعلت رأس مال كل واحد قيمة طعام كل واحد يوم خلطاه انتهى. ص: (إن خلطا) ش: ظاهر كلامه أن الخلط شرط في حصول الشركة بينهما بالنسبة إلى الربح، وإلى الخسارة وليس كذلك، وإنما هو شرط في الضمان قال الرجراجي: ذهب ابن القاسم إلى أن الخلط شرط في الانعقاد في التوى أي الهلاك لا في النماء، لأنه قال: ما اشتراه أحدهما بماله قبل الخلط فهو بينهما، وما ضاع فهو من صاحبه انتهى. وقال ابن عرفة: وفي شرط ثبوت لازمها وهو ضمان

(7/75)


أن يدعي الأخذ له؟ ترد. ولو غاب نقد أحدهما إن لم يبعد ولم يتجر لحضوره
__________
المشترك منهما بالخلط الحكمي فضلا عن الحسي، أو بالحسي قولا ابن القاسم وغيره فيها والحكمي كون المالين في حوز واحد، ولو عند أحدهما انتهى، والله أعلم. ص: (وهل إلا أن يعلم بالتلف فله وعليه، أو مطلقا إلا أن يدعي الأخذ له تردد) ش: الأليق باصطلاحه أن يقول تأويلان ولم أقف عليهما على ما ذكر المصنف فإن قال في المدونة: وإن بقيت كل صرة بيد ربها حتى ابتاع بها أمة على الشركة وتلفت الصرة الأخرى والمالان متفقان فالأمة بينهما والصرة من ربها قال ابن يونس: قوله "فالأمة بينهما" يريد بعد أن يدفع لشريكه نصف ثمنها، لأنه إنما اشتراها على الشركة قال بعض أصحابنا إن اشترى الأمة بعد التلف عالما به فشريكه مخير أن يشركه فيها، أو يدعها إلا أن يقول إنما اشتريتها لنفسي فهي له، وإن لم يعلم بالتلف حتى اشترى فالأمة بينهما كما لو اشترى ثم تلفت صرة الأخير، وهذا على أصل ابن القاسم انتهى. قال أبو الحسن: ولابن رشد عكس هذا قال إن اشترى بعد التلف وهو لا يعلم فهو بالخيار بين أن يلزمه ما اشتراه، أو ينفرد به؛ لأنه يقول: لو علمت تلفه لم أشتر إلا لنفسي، وما اشترى بعد أن علم بتلف ما أخرجه صاحبه فهو له خاصة ا هـ. فالتأويل الأول في كلام المصنف الذي أشار إليه بقوله: "وهل إلا أن يعلم بالتلف فله وعليه". والذي يناسب ما ذكره

(7/76)


ولا بذهب وبورق، وبطعامين، ولو اتفقا، ثم إن أطلقا التصرف وإن بنوع فمفاوضة. ولا يفسدها:
__________
أبو الحسن عن ابن رشد والمعنى أن ما ذكره من أن من اشترى بالسالم يكون بينهما محله ما إذا لم يعلم بالتالف، وأما إذا علم بالتالف فهي له خاصة إلا أن كلام المصنف يقتضي أنه إذا لم يعلم بالتلف فالسلعة بينهما، ولا خيار لأحدهما وكلام ابن رشد يقتضي أن المشتري مخير فإن قيل: قول المصنف بعد هذا: إلا أن يدعي الأخذ فهم منه أنه بالخيار قلت: ليس كذلك؛ لأنه إذا أقر أنه اشترى للشركة ولم يدع الأخذ لنفسه فكلام ابن رشد يقتضي أن له الخيار وكلام المصنف يقتضي أنه لا خيار له، وأنه بينهما فتأمله والتأويل الثاني في كلام المصنف الذي أشار إليه بقوله: "أو مطلقا" هو الذي يناسب ما ذكره ابن يونس إلا أن كلام المصنف يقتضي أنه بينهما، ولا خيار لأحدهما سواء اشترى بعد العلم بالتلف، أو قبله، وما ذكره ابن يونس يقتضي أنه إذا اشترى بعد علمه بالتلف يخير الشريك الذي تلفت صرته في أنه يشاركه، أو يدعها له فتأمله، والله أعلم. ص: (ولا يفسدها انفراد أحدهما بشيء) ش: قال البساطي:

(7/77)


انفراد أحدهما بشيء، وله أن يتبرع إن استأنف
__________
يحتمل أن يريد أن شركة المفاوضة لا يفسدها أن يعين كل صنفا للآخر يعمل فيه، ويشتركان في غيرهما في العمل ويحتمل أن يريد إن عمل كل في مال لنفسه لا يفسدها إذا استويا في عمل الشركة، والثاني هو المنصوص، ولا يبعد الأول إذا كان المنفردان قريبين فإن قلت: ظاهر قوله: "أحدهما" غير الصورتين المذكورتين قلت: يجب حمله على أن كلا انفرد ليوافق النقل انتهى. فظاهره أنه لا بد من انفراد كل واحد بشيء وأن النقل كذلك، وهو خلاف ظاهر المدونة، أو نصها قال فيها: ويكونان متفاوضين، ولأحدهما عين، أو عرض دون صاحبه، ولا يفسد ذلك المعاوضة بينهما انتهى. وقال في التوضيح: ولا يفسدها عندنا وجود مال لأحدهما على حدته خلافا لأبي حنيفة انتهى. فتأمله، والله أعلم. ص: (وله أن يتبرع إن استألف) ش: قال في المدونة: وإن أخر أحدهما غريما بدين، أو وضع له منه نظرا، أو استئلافا في التجارة ليشتري منه في المستقبل جاز ذلك، وكذلك الوكيل على البيع إذا كان مفوضا إليه وما صنعه مفوضا إليه من شريك، أو وكيل لم يلزم ولكن يلزم الشريك في حصته ويرده صنيع الوكيل إلا أن يهلك ما صنع الوكيل من ذلك، فيضمنه انتهى. وقال اللخمي: تأخير أحد الشريكين على وجه المعروف لا يجوز ولشريكه أن يرد التأخير في نصيبه من ذلك الدين، وأما نصيب صاحبه فإن كان لا ضرر عليهما في قسمة الدين حينئذ مضى التأخير في نصيب من أخر، وإن كان عليهما في ذلك ضرر، وقال من أخر: لم أظن أن ذلك يفسد علي شيئا من الشركة رد جميع ذلك، وإن لم يعلم بتأخيره حتى حل الأجل لم يكن على من أخر في ذلك مقال فإن أعسر الغريم بعد التأخير ضمن الشريك لشريكه نصيبه منه، وإن كان تأخيره إرادة الاستئلاف جاز ذلك على شريكه، ولا ضمان على من أخر إذا أعسر الغريم بعد ذلك إلا أن يكون الغريم ممن يخشى عدمه والعجز عن الأداء فيرد التأخير ويعجل جميع الحق، وإن لم يرده حتى أعسر ضمن الشريك إذا كان عالما بذلك انتهى. ونقله أبو الحسن عن المدونة كأنه المذهب ثم قال اللخمي عقب الكلام المتقدم قيل: لا يجوز التأخير لإرادة الاستئلاف، لأنه من باب سلف بزيادة، والقول الأول أحسن وليس هذا داخلا في معنى الحديث في النهي ولأن هذا إنما يرجو به حسن المعاملة من سائر الناس، وقد يعامله هذا الغريم، أو لا يعامله انتهى. ونقله أبو الحسن نحوه

(7/78)


به أو خف، كإعارة آلة، ودفع كسرة، ويبضع ويقارض
__________
عن ابن يونس، وهذا الكلام يشهد لابن عبد السلام فيما قاله في المأذون له في التجارة إذا أخره استئلافا ونصه: ومنع سحنون من التأخير بالثمن؛ لأنه إن كان عن غير فائدة فظاهر، وإن كان لمنفعة الاستئلاف فهو سلف جر منفعة وأجيب باختيار القسم الثاني، ولا يلزم عليه ما ذكر؛ لأنها منفعة غير محققة الحصول وأيضا فإنه منقوض بالحر فإنه يجوز له التأخير بالأثمان طلبا لتحصيل محمدة الثناء انتهى. قال ابن عرفة رد ابن عبد السلام على سحنون يرد بأنه إن أراد بنفي تحقق المنفعة نفي ظنها منع، وإن أراد نفي علمها لم يضر؛ لأن الظن كاف وقوله بجوازه في الحر طلبا للثناء ممنوع انتهى. فقوله إن الظن كاف في المنع يرده كلام اللخمي، ونحوه لابن يونس عن بعض القرويين وقوله إنه في الحر ممنوع لطلب الثناء يرده أيضا قول اللخمي: "يرجو به حسن المعاملة من سائر الناس" فتأمله، والله أعلم. ثم قال اللخمي: وإن وضع أحد الشريكين كان الجواب على ما تقدم في التأخير فلا يجوز على وجه المعروف ثم ينظر هل يمضي نصيب الذي وضع من ذلك، أو يجوز إن أراد الاستئلاف إلا أن يكثر فيها حط فيرد الزائد على ما يراد به الاستئلاف؟ انتهى. فعلم من كلام اللخمي أن مقدار التبرع لأجل الاستئلاف يرجع فيه للعادة، والله أعلم. ص: (أو خف كإعارة آلة، أو دفع كسرة) ش: قال في المدونة: وليس لأحد المتفاوضين أن يعير من مال الشركة إلا أن يوسع له في ذلك شريكه، أو يكون شيئا خفيفا كعارية غلام ليسقي دابة، ونحوه فأرجو أن لا يكون بذلك بأس والعارية من المعروف الذي لا يجوز لأحدهما أن يفعله في مال الشركة إلا بإذن صاحبه إلا أن يكون أراد به استئلاف التجارة، وإن وهب أحدهما، أو أعان على المعروف ضمن حصة شريكه إلا أن يفعل ذلك للاستئلاف فلا يضمن انتهى. ص: (ويبضع ويقارض) ش: قال في المدونة: ولأحد المتفاوضين أن يبضع ويقارض دون إذن الآخر انتهى. قال اللخمي: هذا إذا كان المال واسعا يحتاج فيه إلى مثل ذلك فإن لم يكن فيه فضل عنهما لم يخرجه عن نظره إلا برضا شريكه، أو يكون ذلك في شيء بار عليهما، وبلغه عن بلد نفاق، ولا يجد إلى السفر به سبيلا، أو يبلغه عن سلع نفاق ببلد فيبعث ما يشبه أن يبعث به من مثل ما بأيديهما ومثل هذا يعرف عند النزول انتهى. ونقله أبو الحسن، وظاهره أنه وفاق للمدونة.

(7/79)


ويودع لعذر، وإلا ضمن، ويشارك في معين، ويقبل، ويولى، ويقبل المغيب وإن أتى الآخر،
__________
تفريع: قال في المدونة: وإن أبضع أحدهما مع رجل دنانير من الشركة ثم علم الرجل بموت الذي أبضعها معه، أو بموت شريكه فإن علم أنها من الشركة فلا يشتري بها شيئا وليردها على الباقي، وإن بلغه افتراقهما فله أن يشتري، لأن ذلك لهما بعد وفي الموت يقع بعضه للورثة وهم لم يأمروه انتهى. قال أبو الحسن: ولا يشتري بنصيب الباقي؛ لأن نصيبه مشاع في جميع المال وليس للمبضع معه أن يقسم ذلك انتهى. قال اللخمي: وإن علم في الموت أن المال من غير المفاوضة لم يكن له أن يشتري إن مات المبضع، وإن مات من لم يبضع كان له أن يشتري، وإن لم يعلم ذلك المال من المفاوضة، أو مما يخصه لم يشتر لأن أمره موقوف على الكشف بعد الوصول فقد يكون من مال المفاوضة انتهى. ونقل أبو الحسن هذا الأخير عن ابن يونس واللخمي، والله أعلم.
فرع: يجوز لأحد الشريكين أن يستأجر من ينوب عنه قال اللخمي في باب الشركة: فصل قال مالك في رجل أخرج مائتي دينار يشارك بها رجلا له مائة دينار وكان صاحب المائتين ضم غلامين له يعملان عنه فدخل عليهما نقصان: إن النقص على قدر المالين، ولا يكون للشريك في ذلك أجرة؛ لأنهم اعتدلوا في الأبدان قد أقام صاحب المائتين رجلين مقامه قال، وقال قبل ذلك له أجرة مثله، والأول أحسن إذا كان الغلامان يحسنان الإجارة، وإن كانا يخدمان كان للعامل أجرة مثله في المائتين، وعلى إجارة الغلامين فيما ينوبه من خدمتهما انتهى. ونقله في الذخيرة فظاهر كلامه جواز ذلك، وأنه يجوز ابتداء، وهو ظاهر كلام العتبية أيضا، ونصها في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ بن الفرج من كتاب الشركة قيل لأشهب: إن استأجر رجلان أجيرين فاشتركا فيما يكسبان وكل واحد منهما مستأجر لأجيره على حدة قال لا بأس بذلك إذا كان الأجيران يعملان جميعا عملا واحدا قال محمد بن رشد، وهذا كما قال؛ لأن يد كل واحد منهما كيد مستأجر فإذا تعاون أجراؤهما في العمل كان كتعاونهما أنفسهما فيه، فتأمله، والله أعلم انتهى. بلفظه وإذا جاز له ذلك فهل يجوز له أن يدفع الأجرة لشريكه على أن يتولى العمل جميعه؟ فتأمله، والله أعلم. ص: (ويودع لعذر وإلا ضمن) ش: قال اللخمي، ولا يجوز لأحد الشريكين أن يودع شيئا من مال الشركة إلا لعذر، وكذلك أحد المتفاوضين وله أن يقبل الوديعة اختيارا من غير عذر فإن مات المودع ولم توجد

(7/80)


ويقر بدين لمن لا يتهم عليه، ويبيع بالدين، لا الشراء به، ككتابة. وعتق على مال، وإذن لعبد في تجارة أو مفاوضة. واستبد آخذ قراض، ومستعير دابة بلا إذن، وإن للشركة، ومتجر
__________
الوديعة كانت في ذمته كان شريكا، أو مفاوضا انتهى. وقال في المدونة: وأما إيداعه فإن كان لوجه عذر لنزوله بلدا يرى أن يودع إذ منزله الفنادق، فذلك له وأما إن، أودعه لغير عذر ضمنه انتهى. قال أبو الحسن قوله: "فذلك له" أي عليه، وإنما قال ذلك له ليرفع إيهام من يتوهم أنه لا يجوز له انتهى، والله أعلم. ص: (ومستعير دابة بلا إذن، وإن للشركة) ش: يشير إلى قوله في المدونة: وإذا استعار أحدهما ما حمل عليه لنفسه، أو لمال الشركة فتلف فضمانه على المستعير، ولا شيء على شريكه؛ لأن شريكه يقول كنت استأجرت لأن لا أضمن، وقال غيره لا يضمن الدابة في العارية إلا بالتعدي قال أبو الحسن ظاهر هذا أن ابن القاسم تكلم في الدابة، وهذا خلاف أصله فيما لا يغاب عليه أنه لا يضمن في العارية إلا بالتعدي فذهب حمديس إلى أن معنى قول ابن القاسم فيما يغاب عليه أبو الحسن: فيكون قوله: "ما حمل عليه" يحتمل أن يكون إلا كاف، وقال أبو محمد: يريد بعد أن يتبين كونه في الحيوان فقول الغير تفسير.

(7/81)


بوديعة بالربح والخسر، إلا أن يعلم شريكه بتعديه في الوديعة، وكل وكيل فيرد على حاضر لم يتول، كالغائب إن بعدت غيبته، وإلا انتظر والربح والخسر بقدر المالين، وتفسد بشرط التفاوت، ولكل أجر
__________
وذكر عن القابسي أنه إنما يضمن إذا قضى به قاض يرى ذلك وهو رأي أهل الكوفة وكان القاضي بمصر يومئذ ممن يرى ذلك انتهى. فحاصله أن معنى استبداده بالخسر هنا أن الضمان عليه، والضمان إنما يكون بالتعدي، أو بأن يظهر كذبه، أو يحكم به حاكم يرى ذلك، وأما استبداده بالربح هنا فلم أر من صرح به، وانظر هل معناه أنه يطالب شريكه بما ينوبه من كرائها، ولم أقف على شيء في ذلك، فتأمله.
فرع: قال فيها: وإن استعارها أحدهما لحمل طعام من الشركة فحمله شريكه الآخر عليها بغير أمر شريكه لم يضمن إن فعل بها ما استعيرت له، وشريكه كوكيله، والله أعلم. ص: (إلا أن يعلم شريكه بتعديه في الوديعة) ش: اقتصر المصنف على العلم والذي في المدونة: فإن علم شريكه بالعداء ورضي بالتجارة بها بينهما فالربح بينهما والضمان عليهما، ولا شك أن الرضا أخص من العلم، فتأمله. ص: (وكل وكيل) ش: أي كل واحد من الشريكين وكيل عن الآخر فلذلك لا شفعة لأحدهما فيما باعه الآخر قاله في كتاب الشفعة من المدونة، وإن ادعى أحدهما بما قيمته ربع دينار فليس له تغليظ اليمين؛ لأن الذي يجب لكل نصف ذلك، وإن ادعى عليهما بربع دينار فتغلظ اليمين، لأن كل واحد عليه نصف الحق وهو كفيل بنصف الذي على صاحبه قاله في كتاب الدعاوى من الذخيرة، والله

(7/82)


عمله للآخر. وله التبرع، والسلف والهبة بعد العقد، والقول لمدعي التلف والخسر، ولآخذ لائق له ولمدعي النصف وحمل عليه في تنازعهما وللاشتراك فيما بيد أحدهما. إلا لبينة على:
__________
أعلم. وسيأتي في الشفعة في قول المؤلف وشفع لنفسه، أو ليتيم آخر" شيء من ذلك، والله أعلم. ص (وله التبرع والسلف والهبة بعد العقد) ش: ظاهر كلام ابن عرفة وابن غازي أنه لا يجوز بعد العقد، وقد صرح بجواز ذلك بعد العقد في كتاب الشركة من المدونة قال بعد أن ذكر أنهما إذا عقداها على شرط التفاوت تفسد ما نصه ولو صح عقد المتفاوضين في المال ثم تطوع الذي له الأقل فعمل في الجميع جاز، ولا أجر له انتهى. وتقدم كلامه هذا

(7/83)


كإرثه، وإن قالت لا نعلم تقدمه لها إن شهد بالمفاوضة، ولو لم يشهد بالإقرار بها على الأصح. ولمقيم بينة بأخذ مائة أنها باقية، إن أشهد بها عند الأخذ، أو قصرت المدة: كدفع صداق عنه في أنه من المفاوضة إلا أو يطول كسنة، وإلا ببينة على: كإرثه، وإن قالت: لا نعلم، وإن أقر واحد بعد تفرق أو موت: فهو شاهد في غير نصيبه،
__________
عند قول المؤلف: "ولزمت بما يدل عرفا". ص: (ولمقيم بينة بأخذ مائة أنها باقية إن شهد بها عند الأخذ أو قصرت المدة) ش: يعني أن القول لمن أقام من الشريكين بينة بأن صاحبه

(7/84)


وألغيت نفقتهما وكسوتهما، وإن ببلدين مختلفي السعر: كعيالهما، إن تقاربا، وإلا حسبا كانفراد أحدهما به،
__________
أخذ مائة أن المائة باقية إن شهد بها عند أخذه لها سواء طالت المدة، أو قصرت، وكذا إن لم يشهد بها عند الأخذ إن قصرت المدة هذا ظاهر كلامه، والمسألة في آخر كتاب الشركة من المدونة قال فيها: وإن مات أحد الشريكين فأقام صاحبه بينة أن مائة دينار من الشركة كانت عند الميت فلم توجد، ولا علم مسقطها فإن كان موته قريبا من أخذها فيما يظن أن مثله لم يشغلها في تجارة فهي في حصته وما تطاول وقته لم يلزمه أرأيت لو قالت البينة: إنه قبضها منذ سنة وهما يتجران أيلزمه أي أنه لا شيء عليه انتهى. وذكر في النوادر عن كتاب محمد نحو هذا، وأن محمد بن المواز قيده بما نصه محمد إن أشهد على نفسه بأخذ المائة شاهدين لم يبرأ منها إلا ببينة أنه ردها، وإن طال ذلك وأما إقراره بغير تعمد إشهاد، ولا كتاب فكما قال في صدر المسألة انتهى. قال ابن عرفة بعد ذكره مسألة المدونة وتقييد محمد: انظر قوله: "ولا كتاب" ظاهره إن كان بكتاب لم يبن إلا ببينة ووجهه أنه إذا أخذها فقد وثق أخذها فلا يبرأ إلا بدليل على البراءة انتهى. وقال في التوضيح بعد ذكره كلام المدونة: وتقييد محمد وحاصله أن كلامه في المدونة مقيد بما إذا لم يشهد وأما إذا أشهد على نفسه بأخذ المائة فلا يبرأ منها إلا بإشهاد أنه ردها طال ذلك، أو قصر. والظاهر أن مراد

(7/85)


وإن اشترى جارية لنفسه، فللآخر ردها،
__________
محمد بقوله: "أشهد" أن تكون البينة قصد بها التوثق كما قالوا في البينة التي لا تقبل دعوى المودع معها الرد هو أن يأتي بشهود يشهدهم على دفع الوديعة للمودع وأما لو دفع بحضرة قوم ولم يقصد التوثق بشهادتهم فلا ولأنه الذي يفهم من قول محمد وأما إن كان إقراره من غير قصد إشهاد فكما ذكر ابن القاسم انتهى. إذا علمت ذلك فيتعين أن يكون قول المصنف: "إن أشهد" بهمزة في أوله على أنه رباعي أي أشهد بها قاصدا للتوثق كمسألة المودع، وقد نبه على ذلك ابن غازي، والله أعلم.
تنبيه: علم مما تقدم أن الموجب للضمان هو الإشهاد بأخذها بقصد التوثق، وأن مما يدل على ذلك كون الإشهاد بكتاب كما قال ابن عرفة: وإذا حصل الإشهاد المقصود به التوثق فلا يسقط بطول الزمان، ولو زاد على عشرين كما في الوديعة فإنه سيأتي إن شاء الله أن قول المصنف في باب الوديعة: "إلا كعشر" إنما هو إذا كانت بغير إشهاد مقصود به التوثق وأما مع الإشهاد فلا يبرأ إلا بدفعها فإذا مات الشريك ولم يوص بشيء مما أشهد أنه عنده من مال الشركة ولم يوجد فيحمل على أنه عنده وأما إذا كانت بغير إشهاد، أو إشهاد لم يقصد به التوثق فيكفي في سقوط الضمان بها مضي سنة ونحوها بخلاف الوديعة كما سيأتي، وفرق بينهما ابن رشد بأن الشريك مأذون له في التصرف فيحمل على أنه ردها بخلاف المودع.
تنبيه: علم من هذا أن هذا إنما يفيد حيث يكون المال الذي للشركة تحت يده، وهو يتصرف فيه فيحمل على أنه رد البعض الذي أخذه، وأما لو علم أنه لم يصل إلى ذلك فلا يفيد، والظاهر أيضا أنه لا فرق بين مائة، أو جميع مال الشركة أعني إذا أشهد بأنه حبسه تحت يده فإن كان الإشهاد مقصودا منه التوثق لم يبرأ منه إلا بإشهاد وإلا فلا، والله أعلم. ص: (وإن اشترى جارية لنفسه فللآخر ردها) ش: ذكر رحمه الله لشراء الجارية ثلاثة، أوجه كما قال في التوضيح: الأول أن يشتريها لنفسه للوطء، أو للخدمة بغير إذن شريكه، وهذا هو الوجه الذي أشار إليه بقوله: "فللآخر ردها" يعني أن للشريك الآخر أن يردها للشركة وله أن يمضيها له بالثمن الذي اشتراها به، وقاله في المدونة. وهذا إذا لم يطأها المشتري فإن وطئها فحكمها حكم من وطئ أمة الشركة وسيأتي.

(7/86)


إلا للوطء بإذنه،
__________
فرع: قال في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشركة: فإن قال له اشتر سلعة كذا للشركة ففعل، ثم جحد أن يكون أمره بذلك، وزعم أنه إنما اشتراه لنفسه خالصا من ماله، فأقام عليه البينة أنه أمره قال: أراه بينهما على ما أمره قال ابن رشد: قوله في هذه المسألة "ثم جحده" دليل هو كالنص أنه لو أقر أنه أمره بذلك، وقال لم أرد أن أشتري لك شيئا فاشتريته لنفسي لم يكن ذلك له وكان معه شريكا شاء، أو أبى.
فرع: قال في السؤال المذكور: فإن قال: إني أشركتك فيه فلانا وفلانا عند الاشتراء، ولا يعلم ذلك إلا بقوله قال: "أرى ذلك بينهما على ما أمره، ولا يصدق في قوله إنه أشرك فيه" فلانا وفلانا قال ابن القاسم: ويدخل فيه اللذان يزعم أنه أشركهما بذلك على اللذين أقر لهما إن كان أقر لهما بالنصف كان لهما نصف ما في يديه، وإن كان الثلث فلهما الثلث مما بقي في يديه، أو أقل من ذلك، أو أكثر فعلى هذا يحسب، ولا يؤخذ ما في يديه كله؛ لأنه أقر لهما بهذا الذي في يديه، والذي صار لصاحبه قال ابن رشد: قوله: ولا يصدق في قوله إنه أشرك فيه فلانا وفلانا دليل على أنه لو كان لفلان وفلان بينة على أنه أشركهما في ذلك لوجب أن يكونا أحق بالنصف وفي ذلك اختلاف قيل: إنه لا يكون لهما إلا نصف النصف؛ لأنه إنما أشركهما في ماله، ومال غيره فهو يقول لهما إني أشركتكما في حقي وحق غيري فليس لكما إلا نصف ما بيدي والثاني أنه يكون لهما جميعا النصف؛ لأنهما يقولان له اشتركنا في نصف ذلك ولك نصفه وأسلمه إلينا، وهذا القول الثاني مخرج من مسألة الحانوت بين رجلين باع أحدهما نصفه على الإشاعة انتهى. مختصرا، والله أعلم. ص: (إلا للوطء بإذنه) ش: هذا هو الوجه الثاني قال في التوضيح الثاني أن يشتريها للوطء بإذن شريكه فلا شك أن شريكه أسلفه نصف ثمنها وأن ربحها له وعليه نقصها انتهى.
قلت: وقوله: "يشتريها للوطء" فيه إجمال، والأحسن أن يقول: "أن يشتريها لنفسه بإذن شريكه للوطء أو غيره" وهكذا نقله ابن يونس وأبو الحسن قال أبو الحسن: الوجه الثاني أن يشتريها لنفسه بإذن شريكه على أن يضمنها إن هلكت فله ربحها وعليه خسارتها، وهذا قد أسلف شريكه نصف ثمنها فله النماء، وعليه النقصان انتهى. وأما لو اشتراها بإذن شريكه ليطأها وعلى أنها للشركة بمعنى أن الربح والخسارة على المال فنص اللخمي على أنها كالمحللة فإن لم

(7/87)


وإن وطئ جارية للشركة بإذنه، أو بغير إذنه وحملت قومت، وإلا فللآخر إبقاؤها أو مقاواتها،
__________
يطأها ردت للشركة، وإن لم يعلم بذلك حتى وطئها لزمته قيمتها من غير خيار لواحد منهما، فهذا الوجه والذي قبله اشتركا في أنه اشتراها لنفسه، وافترقا من جهة أن الأول اشتراها بغير إذن شريكه والثاني اشتراها بإذن شريكه، ولهذا قال ابن غازي: إن ما وقع في بعض النسخ من قوله: "إلا لوطء، أو بإذنه" بجر اللفظين بالباء وعطف أحدهما على الآخر بـ"أو" قبل قوله: "إلا للوطء" أتم فائدة حسبما يظهر بالتأمل، وذلك أن هذه النسخة تفيد أنه اشتراها لنفسه في كلا الوجهين لكن في الأول بغير إذن شريكه وفي الثاني بإذنه، ويفيد أن التخيير في الوجه الأول محله ما لم يطأ. ص: (وإن وطئ جارية للشركة بإذنه، أو بغير إذنه وحملت قومت) ش: هذا هو الوجه الثالث، وهو أن يشتري الجارية للشركة ثم يطؤها، وهذا الوجه على ثلاثة أقسام أحدها أن يطأها بإذن شريكه فهذه محللة يلزم الواطئ قيمتها حملت، أو لم تحمل، وإلى هذا أشار بقوله بإذنه، وجوابها محذوف أي قومت سواء حملت، أو لم تحمل ومثله ما إذا اشتراها ليطأها على أن ربحها وخسرها على المال ووطئها كما تقدم عن اللخمي، والثاني أن يطأ جارية الشركة بغير إذن شريكه، وتحمل فيجب عليه قيمتها، وإليه أشار بقوله: "أو بغير إذنه، وحملت قومت". فقوله: "وحملت" جملة حالية قيد في الوجه الثاني.
تنبيه: هذان الوجهان، وإن اشتركا في وجوب القيمة فهما مختلفان؛ لأنه إذا أعدم في الوجه الأول وحملت الأمة لم تبع وأتبع بالقيمة في ذمته وأما إذا لم تحمل فتباع عليه لأجل القيمة قاله في كتاب القذف من المدونة في الأمة المحللة، وأما في الوجه الثاني فالذي رجع إليه مالك أن الشريك مخير فإن شاء تمسك بنصيبه وأتبعه بنصف قيمة الولد، وإن شاء أخذه بنصف قيمتها يوم حملت ويباع ذلك النصف على الواطئ بعد أن تضع فيما لزمه من نصف قيمتها فيأخذه الشريك إن كان كفافا بما لزم من نصف نصيب الواطئ، وتبعه بنصف قيمة الولد دينا، وإن نقصت ما بيعت به عن نصف قيمتها يوم حملت أتبعه بالنقصان مع نصف قيمة الولد، ولو ماتت قبل الحكم كان عليه نصف قيمتها مع نصف قيمة ولده قاله في كتاب القذف، وسيذكر المصنف ذلك في كتاب أمهات الأولاد. ص: (والأخير الآخر في إبقائها وتقويمها) ش: أي، وإن لم تحمل، وهذا هو القسم الثالث من الوجه الثالث وهو أن يطأ جارية الشركة بغير إذن شريكه ولم تحمل، واختلف فيها على أقوال المشهور منها أن الشريك الذي لم يطأ مخير في أن يقومها على الواطئ، أو يتماسك بحصته منها، وهذا القول هو الذي ذكره في كتاب أمهات الأولاد من المدونة، وفي كتاب القذف، وقال ابن رشد في نوازل سحنون

(7/88)


__________
من كتاب الاستبراء: هذا قول في المدونة وهو المشهور في المذهب انتهى. وقال عياض في التنبيهات في كتاب أمهات الأولاد: وإن لم تحمل فالمعروف من مذهب المدونة والمفسر فيها في هذا الكتاب وغيره أن سيدها بالخيار في التقويم، والتماسك، وقد جاء لفظان في كتاب الشركة ظاهرهما خلاف هذا انتهى. وصدر ابن الحاجب بهذا القول فعزاه في التوضيح لغير ابن القاسم في المدونة، واعترض على ابن الحاجب بأن مقتضى المدونة إنما هو التخيير في إبقائها على الشركة، أو إمضائها بالثمن لا بالقيمة وكأنه - رحمه الله - اعتمد ما حكى في توضيحه عن جماعة من علمائنا أن الأمة المشتراة للتجارة ثم يطؤها على ضربين: أحدهما أن يشتريها للتجارة من غير قصد وطء، ثم يطأها، والثاني أن يشتريها ليطأها وعلى أن الربح والخسارة فيها على المال وهذه الثانية هي التي ذكر في المدونة فيها الخلاف وأما الأولى فيخير شريكه بين مطالبته بالقيمة، أو تركها بينهما إن لم تحمل انتهى. فكأنه حمل ما في أمهات الأولاد والقذف على الأولى وما في الشركة على الثانية والذي في التنبيهات والبيان يدل على أن الخلاف جار في الصورتين، ومذهب المدونة فيهما التخيير بين أن يتماسك بنصيبه، أو يقومها عليه، فتأمله ومشى - رحمه الله - في هذا الكتاب على المشهور المعروف من مذهب المدونة وعلى ما وقع في بعض النسخ من قوله: "في إبقائها وتقويمها" بصيغة التفعيل من القيمة، ويقع في كثير من النسخ "ومقاومتها" بصيغة المفاعلة، ويرجع إلى الأول بتكلف وفي بعض النسخ "مقاواتها" والمقاواة المزايدة، وهذا يوافق ما في كتاب الشركة لمالك لكنه خلاف المشهور من المذهب، والله أعلم.
تنبيه: علم مما تقدم أنه لا فرق بين أن يشتريها للشركة من غير قصد وطء ثم يطأها، أو يشتريها للوطء، وعلى أن الربح والخسارة للمال، ومثله أيضا ما إذا اشترى الأمة لنفسه بغير إذن شريكه، ووطئها.
فرع: قال في البيان إثر كلامه المتقدم: وإذا تمسك الشريك بنصيبه ولم يقومها على شريكه منع الشريك من الغيبة عليها لئلا يعود إلى وطئها ويعاقب على ما فعل من ذلك، وإن كان جاهلا لم يعذر بجهله إلا أن عقوبته أخف من عقوبة العالم قاله ابن حبيب انتهى.
قلت: هو خلاف قوله في كتاب القذف: وإذا وطئ أحد الشريكين أمة بينهما وهو عالم بالتحريم لم يحد لشبهة الملك وعليه الأدب إلا أن يعذر بجهل انتهى. وفي كتاب

(7/89)


وإن اشترطا نفي الاستبداد فعنان. وجاز لذي طير وذي طيرة: أو يتفقا على الشركة في الفراخ واشتر لي ولك، فوكالة
__________
أمهات الأولاد من التوضيح: ويؤدب إلا أن يعذر بجهالة على المشهور. ص: (وإن اشترطا نفي الاستبداد فعنان) ش: قال ابن عرفة: قال عياض عنان ضبطناه بكسر العين وهو المعروف وفي بعض كتب اللغة فتحها ولم أره انتهى. وقال ابن عبد السلام: منهم من يضبطها بفتح العين، ومنهم من يضبطها بالكسر انتهى. وهي جائزة ويلزم الشرط قاله ابن شاس وابن الحاجب ونص ابن الحاجب: فإن شرطا نفي الاستبداد لزم، وتسمى شركة العنان قال ابن عبد السلام: يعني أن كل واحد من الشريكين يجوز تصرفه في مال الشركة في حضرة صاحبه ومع غيبته، فلو شرط أنه لا يتصرف واحد منهما إلا بحضرة صاحبه، وموافقته على ذلك وهو معنى نفي الاستبداد لزم الشرط وتسمى شركة عنان وظاهر كلامه أنه يكفي في تسميتها بهذا الاسم حصول الشرط المذكور سواء كانت في نوع من المتاجر، أو لا ومنهم من قال: هي الشركة في نوع مخصوص سواء حصل ذلك الشرط، أو لم يحصل، ومنهم من قال: هي الشركة في شيء بعينه يعني كثوب واحد، أو دابة واحدة واختلف في الاشتقاق مماذا هو اختلافا كثيرا قال ابن القاسم وأما شركة عنان فلا نعرفه من قول مالك، ولا رأيت أحدا من أهل الحجاز يعرفه (قيل) إنه لم يعرف استعمال هذا اللفظ ببلدهم قلت: وقد علق ابن القاسم الحكم على شركة العنان في غير موضع من المدونة لكنه لم يفسرها ا هـ. ص: (وجاز لذي طير وذي طيرة أن يتفقا على الشركة في الفراخ) ش: قال ابن سلمون: وسئل بعض فقهاء الشورى عن الرجل يجعل ديكا، ويجعل الآخر دجاجة، ويشتركان في الفلاليس فقال لا يجوز ذلك؛ لأنهما لا يتعاونان على الحضانة قال فإن جعل أحدهما حمامة أنثى والآخر ذكرا

(7/90)


وجاز: وانقد عني. إن لم يقل وأبيعها لك، وليس له حبسها، إلا أن يقول: واحبسها، فكالرهن، وإن أسلف غير المشتري جاز، إلا لكبصيرة المشتري،
__________
جازت الشركة؛ لأنهما يتعاونان على الحضانة انتهى. وانظر البرزلي في الشركة. ص: (إن لم يقل وأنا أبيعها لك) ش: فإن وقع ذلك وعثر عليه قبل النقد أمر كل واحد أن ينقد حصته ويتولى بيعها، وإن عثر على ذلك بعد النقد أمر المنقود عنه أن يدفع ما نقده عنه معجلا، ولو شرط تأجيله، ولا يلزمه بيع حظ المسلف إلا أن يستأجره بعد ذلك استئجارا صحيحا فإن كان قد باع فله جعل مثله. ص: (وإن أسلف غير المشتري جاز إلا لكبصيرة المشتري) ش: أي فلا يجوز؛ لأنه يصير سلفا بمنفعة قال في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشركة من البيان: مسألة قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك أنه قال في رجل دعا أخا له إلى أن يسلفه ذهبا ويخرج مثلها ويشاركه فيها ويتجران جميعا بها في موضعهما، أو يسافران في ذلك قال ابن القاسم: إذا كان ذلك على وجه الصلة، والمعروف منه إلى أخيه، ولا حاجة إليه في شيء إلا الرفق به فلا بأس بذلك وأما إن كان يحتاج إليه في بصر في البيع والاشتراء، أو إنفاذه في التجارة ولعمله ونحوه فلا خير فيه. قال ابن القاسم: وقال لي مالك بعد ذلك: لا خير فيه على كل حال وتفسيره الأول هو أحب إلي قال ابن رشد: قوله: "إذا كان منه على وجه الصلة، والمعروف منه إليه، ولا حاجة له في شيء من ذلك إلا الرفق" صحيح لأنه إذا فعل ذلك لارتفاقه بمشاركته إياه في وجه من الوجوه كان سلفا جر منفعة، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن سلف جر نفعا، ولا اختلاف في أنه لا بأس بذلك إذا صحت نيته في ذلك، ولا في أنه لا

(7/91)


............................
__________
يجوز إذا قصد به منفعة نفسه، وإنما الخلاف إذا لم يقصد فمرة رأى مالك النية في ذلك محتملة فسأله عنها فصدقه فيها ومرة رآها بعيدة، والأظهر منه أنه قصد منفعة نفسه بدليل سؤاله إياه الشركة فنهاه عن ذلك، وقال لا خير فيه، ولو كان الشريك هو الذي سأله أن يسلفه ويشاركه لوجب أن يسأل عن نيته في ذلك قولا واحدا، وهذا كله فيما يؤمر به ابتداء، وينهى عنه، وأما إذا وقع ذلك، وادعى أنه قصد بسلفه منفعة نفسه ليأخذ سلفه معجلا إن كان ضرب له أجلا، أو قيمته إن كان عرضا وفات، فعلى القول بأنه يسأل عن نيته ابتداء لا يصدق في ذلك، وعلى القول بأنه لا يسأل عن نيته ابتداء، وينهى عن الفعل يصدق في ذلك مع يمينه، ويأخذ سلفه معجلا انتهى. فإن لم يطلع عليه حتى فاتت الشركة، وعملا فللمقرض ربح المائة القرض، وإن كان المقترض اشترط عليه الانفراد في العمل فله ربح المائة القرض، وله أجرة عمله في مائة صاحبه، هذا الذي يقتضيه الفقه. فتأمله.
وقال إثر هذه المسألة: مسألة قال ابن القاسم: قال مالك في رجلين اشتركا في مال لهما لا يستويان فيه لأحدهما مائة، وللآخر خمسون ثم إن صاحب المائة دعا صاحب الخمسين إلى أن يسلفه نصف الخمسين التي يفضله بها حتى يستويا في الشركة قال: إذا كان ذلك على غير شرط المشاركة، ولا لحاجة من المسلف الذي أسلفه في بصر، ولا على شيء إلا الرفق به فلا بأس به قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا كان ذلك شرطا في أصل الشركة فلا يجوز من أجل أنه إذا كان ذلك شرطا في أصلها وذلك مثل أن يقول له لي مائة دينار فأنا أسلفك منها خمسة وعشرين على أن تشاركني بأن أخرج أنا بالخمسة والسبعين الباقية لي وتخرج أنت مثلها بالخمسة والعشرين التي أسلفتك فقد تبين أن المسلف قصد منفعة نفسه فكان ذلك سلفا جر منفعة، وكذلك لو قال له ذلك بعد أن عقد الشركة معه على أن يخرج هذا مائة، وهذا خمسين يشتركان فيها على الثلث والثلثين لما جاز أيضا؛ لأن الشركة من العقود الجائزة التي لا تلزم بالعقد، وإنما يفترق أن يقول له ذلك في العقد، أو بعده إذا قاله على وجه غير الشرط مثل أن يقول له تعال أسلفك خمسة وعشرين فتضيفها إلى الخمسين التي لك فأخرج أنا خمسة وسبعين مثلها فنشترك فيها، أو يقول له ذلك بعد أن عقد الشركة معه على أن يخرج هو مائته، وهذا خمسينه فيشتركان فيها على الثلث، والثلثين؛ لأنه إذا قال له ذلك في العقد ابتداء كان الأظهر منه أنه قصد منفعة نفسه فصدق في ذلك مع يمينه إن ادعاه حسبما مضى في المسألة قبلها، وإذا قال له ذلك بعد العقد كان محمولا على أنه لم يقصد منفعة نفسه إذ قد رضي بشركته فأشبه أن يكون المشترك هو الذي سأله ذلك، ولو قال له ذلك بعد أن عقد الشركة، واشتريا بها عروضا للتجارة على الثلث، والثلثين مبلغ رءوس أموالهما لكان ذلك بيعا جائزا، أو إن سمياه سلفا؛ لأنه باع منه سدس العروض بالخمسة والعشرين التي سمياه سلفا انتهى. والله أعلم. ص:

(7/92)


وأجبر عليها، إن اشترى شيئا بسوقه، لا لكسفر وقنية، وغيره حاضر لم يتكلم من تجار، وهل في الزقاق لا كبيته؟ قولان.
__________
(وغيره حاضر لم يتكلم من تجاره) ش: يريد ولم يبين المشتري أنه إنما يشتريه لنفسه فقط. فإن تبين ذلك لم يكن لأحد ممن حضره دخول معه قاله ابن الحاجب وغيره.
قلت: والمراد أن يبين ذلك لتجار تلك السلعة الذين يريدون مشاركته كما يؤخذ ذلك من كلام ابن عبد السلام وغيره بعد أن ذكر أنهم يشاركونه قال ما نصه ما لم يبين متولي الشراء أنه لا يشارك منهم أحدا ومن شاء منهم أن يزيد عليه زاد، فإذا بين لهم هكذا لم يكن لأحد ممن حضر دخول معه انتهى. وهو كلام حسن. ص: (وهل وفي الزقاق لا كبيته قولان)

(7/93)


وجازت بالعمل، إن اتحد أو تلازم، وتساويا فيه أو تقاربا، وحصل التعاون، وإن بمكانين،
__________
ش: صدر في الشامل بأنهم لا يشاركونه إذا اشترى في الزقاق وعطف القول بالشركة فيه بـ"قيل". ص: (إن اتحدا، أو تلازما) ش: يريد والله أعلم بالتلازم أن يكون صنعة أحدهما لا تنفق إلا بنفاق الأخرى
تنبيه: قال في النكت: واعلم أنه إنما لا تجوز شركة ذوي صنعتين متى كانا يعملان بأيديهما، فأما إن كانا يتجران في صنعتين بأموالهما فذلك جائز، وكذلك رأيت لأشهب في كتاب ابن المواز قال: لا بأس أن يخرجا مالا متساويا على أن يقعد هذا بزازا، وهذا قطانا انتهى.

(7/94)


وفي جواز إخراج كل آلة واستئجار من الآخر، أو لا بد من ملك أو كراء؟ تأويلان:
__________
والله أعلم. ص: (وفي جواز إخراج كل آلة واستئجاره من الآخر، أو لا بد من ملك، أو كراء تأويلان) ش: ذكر - رحمه الله – مسألتين: الأولى منهما: هل يكفي في الشركة أن يخرج كل منهما آلة مساوية لآلة الآخر وهو قول سحنون وتؤول المدونة عليه، أو لا بد أن يشتركا في الآلة بملك، أو كراء، ولو بأن يكتري من شريكه وهو ظاهر المدونة بل صريحها كما سيأتي في مسألة الرحى والبيت، والدابة لكنه قال في المدونة إن وقع مضى، وصحت الشركة، وسيأتي بيان ذلك في قوله: "كذي رحى وذي بيت وذي دابة"، وعلى كلا التأويلين فذلك لا يفسد الشركة كما تقدم عن المدونة الثانية هل يكفي في الاشتراك في الآلة أن تكون لأحدهما، ويستأجر الآخر منه نصفها قال في التوضيح قال عياض وغيره: هو ظاهر الكتاب قال ابن عبد السلام: وهو المشهور من المذهب، وعليه اقتصر ابن الحاجب، أو لا بد من التساوي في الملك والكراء من غيرهما وهو مروي عن ابن القاسم
قلت: كلامه في المدونة في مسألة تطوع أحد الشريكين بكثير الآلة وفي مسألة صاحب البيت، والرحى صريح في الأول، وسيأتيان. ففي تسوية المصنف بين التأويلين في هذه المسألة نظر، والله أعلم. وهذا فيما يحتاج فيه إلى الآلة التي لها قيمة وأما ما لا يحتاج إلى الآلة، أو يحتاج

(7/95)


كطبيبين اشتركا في الدواء، وصائدين في البازين. وهل وإن افترقا؟ رويت عليهما،
__________
إلى آلة لا قدر لها كالخياطة فلا كلام في ذلك انظر التوضيح. ص: (وصائدين في البازين وهل، وإن افترقا رويت عليهما) ش: مقتضى كلامه أنه لا بد في شركة الصائدين من اشتراكهما في البازين ثم هل تجوز، وإن افترقا، أو لا بد مع ذلك من اجتماعهما؟ في ذلك قولان رويت المدونة عليهما، وقد يتبادر هذا إلى الفهم من كلامه في التنبيهات لكن إذا تأملته وجدته يدل على أن المدونة رويت على قولين أحدهما أنه لا بد أن يشتركا في البازين، وأن لا

(7/96)


وحافرين بكركاز، ومعدن، ولم يستحق وارثه بقيته، وأقطعه الإمام وقيد بما لم يبد
__________
يفترقا بل يكون طلبهما واحدا، والثاني أن الشرط أحد شيئين إلا أن يشتركا في البازين فتجوز الشركة، وإن افترقا، أو يجتمعا في الطلب فتجوز، وإن لم يشتركا في رقاب البازين ولفظ المدونة، ولا يجوز أن يشتركا على أن يصيدا ببازيهما، أو كلبيهما إلا أن يملكا رقابهما، أو يكون البازان، أو الكلبان طلبهما واحد لا يفترقان قال في التنبيهات: كذا في روايتي عن شيوخي يعني بـ"أو" وفي بعض الروايات، "ويكون البازان" فعلى هذا لا يفترق الصائدان، وإن اشتركا فيهما كالصانعين ونحوه في كتاب محمد، وأما على رواية، "أو" فاستدل منه الأشياخ على الاشتراك إذا حصل بينهما لم يلزم اجتماعهما، وجاز الافتراق، ويستدل منه أيضا على أن التساوي في الآلة يجوز مع الاشتراك، وإن لم يشتركا فيها انتهى. بالمعنى، فآخر كلامه يدل على أن أحد الأمرين كاف، فتأمله ونص اللخمي على أن أحد الأمرين كاف فقال: إن كانت البزاة، أو الكلاب مشتركة جاز، وإن افترقا في الاصطياد، وإن لم يفترقا في البزاة والكلاب جازت الشركة إذا كان الصيد بهما معا يتعاونان، ولا يفترقان فيكون مضمون الشركة عملا بعمل، ولا يجوز إذا افترقا انتهى. فلو قال المصنف: وصائدين وهل، وإن اشتركا في البازين: ولم يفترقا، أو أحدهما كاف رويت عليهما لكان موفيا بالروايتين، وعلى رواية "أو" اختصرها ابن يونس وأبو سعيد وغيرهما ثم ذكر ابن يونس عن ابن القاسم من رواية ابن المواز قولا كالرواية الأخرى، والله أعلم.
فرع: قال التونسي: وكذلك إن كان لأحدهما باز وللآخر كلب وكانا يتعاونان في الصيد لجاز انتهى، والله أعلم. ص: (ولم يستحق وارثه بقيته، وأقطعه الإمام وقيد بما لم يبد) ش: قوله "بقيته" أي بقية المعدن، وقوله: "وقيد بما لم يبد" أي وقيد ذلك بأن هذا فيما لم يبد من النيل، وأما ما بدا فلورثته، والمقيد بذلك القابسي ولفظ المدونة على اختصار ابن يونس: ومن مات منهما بعد إدراكه النيل لم يورث حظه من المعدن وللسلطان أن يقطعه لمن رأى، وينظر في ذلك للمسلمين انتهى. قال في النكت: ذكر بعض القرويين عن الشيخ القابسي أنه قال: معنى قول ابن القاسم أدركا نيلا أنهما أخرجاه واقتسماه، فليس لورثة الميت التمادي على العمل في المعدن على سبيل المعدن إلا بقطيعة من الإمام يقطعه لهم، أو لغيرهم، ولم يتكلم ابن القاسم

(7/97)


ولزمه ما يقبله صاحبه وضمانه وإن تفاصلا، وألغي مرض كيومين وغيبتهما لا إن كثر،
__________
على أنهما لم يخرجا شيئا انتهى. فمعنى كلام المصنف أن قوله في المدونة: "ولم يستحق وارثه بقيته" يريد به الأنيال التي لم تبد وأما النيل الذي بدا، أو عمل فيه وقارب أن يبدو فلورثته، فتأمله، والله أعلم. ص: (ولزمه ما يقبله صاحبه وضمانه، وإن تفاصلا) ش: يعني أن أحد شريكي العمل إذا قبلا شيئا ليعملا فيه لزم شريكه الآخر أن يعمله معه، ولا يشترط أن يعقدا معا، ويلزم أحدهما الضمان فيما أخذه صاحبه، ولو افترقا كما لو أخذ أحدهما شيئا ليعملا فيه فتلف ثم تفرقا فجاء صاحبه يطلب به الذي دفعه له، فالضمان عليهما معا قال في المدونة: وما يقبل أحد الشريكين للصنعة لزم الآخر عمله، وضمانه يؤخذ بذلك، وإن افترقا. ص: (وألغي مرض كيومين وغيبتهما لا إن كثر) ش: يعني أن شريكي العمل إذا مرض أحدهما يوما، أو يومين، أو غاب يوما، أو يومين وعمل صاحبه في اليومين المذكورين فالعمل بينهما ويلغى مرض اليومين وغيبتهما، وأما ما كثر فلا يلغى وهو يشير إلى قوله في المدونة: وإذا مرض أحد شريكي الصنعة، أو غاب يوما، أو يومين، فعمل صاحبه فالعمل بينهما؛ لأن هذا أمر جائز بين الشركاء إلا ما تفاحش من ذلك وطال فإن للعامل إن أحب أن يعطي لصاحبه نصف ما عمل جاز ذلك، وإن لم يعقدا في أصل الشركة أن من مرض منهما، أو غاب غيبة بعيدة فما عمل الآخر بينهما انتهى. فاختصار المصنف مطابق للمدونة إلا أنه يحتاج إلى تنبيهات
الأول: أن المؤلف قال: "كيومين" فيفهم منه أن ما قارب اليومين له حكمهما، واقتصر في المدونة على ذكر اليومين وكأن المصنف اعتمد على مفهوم قوله في الشق الثاني إلا ما تفاحش من ذلك وطال، ولم يبينه وكأنه أحال على العرف، وقد تقدم عن الشيخ أبي الحسن في مسألة الرد على أحد الشريكين ما باعه صاحبه في غيبة البائع أنه يفرق في ذلك بين القرب والبعد، وأن القرب اليومان، والثلاثة والبعد العشرة قال وما بينهما من الوسائط يرد ما قارب القرب إلى القرب وما قارب البعد إلى البعد انتهى. وينبغي أن يجري مثل ذلك في ما شابه مثل ذلك من الأبواب
الثاني: الضمير في غيبتهما راجع إلى اليومين وتحير الشارح في ذلك في الكبير ورده إلى الشريكين، وتكلف له بأن فيه تجوزا وأن المراد غيبة أحدهما، وإنما قال: "غيبتهما" لئلا يتوهم أن الغيبة لو حصلت من أحدهما ثم حصلت من الآخر لم تغتفر فنبه على ذلك، وإن اغتفر ذلك مع غيبتهما فلأن يغتفر مع غيبة أحدهما من باب، أولى والصواب ما تقدم وهو شامل لما ذكره الشارح، والله أعلم.

(7/98)


__________
الثالث: لم يفهم من قول المصنف "لا إن كثر" كيف يعمل في ذلك، وإنما فهم منه أنه لا يلغى، واقتصر البساطي في شرحه على ذلك، وكلام الشارح يوهم أن العامل يختص بأجرة ذلك قال في الشرح الكبير: أي فإن كثر اختص به العامل وليس كذلك، وكذلك كلامه في المدونة ليس فيه ما يدل على ذلك، وقد صرح بذلك اللخمي، وغيره، وإن معناه أن الأجرة بينهما وللعامل على المريض أجر عمله قال اللخمي في تبصرته وإذا عقد الشريكان الإجارة على عمل ثم مرض أحدهما، أو غاب، أو مات كان على الآخر أن يوفي بجميع ذلك العمل، وسواء كانت الشركة على أن العمل مضمون في الذمة، أو على أعيانهما؛ لأنهما على ذلك يشتركان، وعليه يدخل الذي يستأجرهما؛ لأنهما متفاوضان فلزم أحدهما ما لزم الآخر، وإن كانت الإجارة في الصحة ثم مرض أحدهما مرضا خفيفا، أو طويلا، أو غاب أحدهما إلى موضع قريب، أو بعيد كان على الصحيح الحاضر القيام بجميع العمل، وكذلك إذا عقد الإجارة على شيء في أول المرض ثم برئ عن قرب، أو بعد، أو في سفر أحدهما إلى قرب من المكان ثم رجع عن قرب، أو بعد إن بعد فكل ذلك سواء فإن على الصحيح والحاضر القيام بجميع العمل هذا في حق الذي له العمل، وكذلك في المسمى الذي عقدا عليه هو بينهما نصفان في الوجهين جميعا، ويفترق الجواب في رجوع الذي عمل على صاحبه فإن كان المرض الخفيف، والسفر القريب لم يرجع؛ لأن العادة العفو عن مثل ذلك، ولولا العادة لرجع، فإن طال المرض، أو السفر رجع على صاحبه بإجارة المثل انتهى. ويكون ربح العمل بينهما، ونقله القرافي في ذخيرته وقبله، وكذلك الشيخ أبو الحسن، ونحوه للرجراجي ونصه: وأما البدنية فإن كان المرض يسيرا مما الغالب فيه التسامح فالربح بينهما، ولا شيء للمعافى على المئوف فإن كان كثيرا فهل يكون المعافى متطوعا أم لا؟ قولان أحدهما أنه متطوع له، وهو قول أشهب والثاني لا يكون متطوعا له وهو قول ابن القاسم فعلى قوله يكون الربح بينهما، ويطالبه بأجرة عمله انتهى. وأطلق الربح على الأجرة، ويعني بالمئوف المريض، والله أعلم.
الرابع: انظر هل يلغى من الكثرة يومان؟ قال البساطي: ظاهر كلامه أنه لا يلغى منه شيء انتهى. قلت: ويأتي الخلاف فيه في القولة التي بعدها.
الخامس: علم من قول اللخمي في كلامه المتقدم حيث قال: ثم مرض أحدهما، أو مات، أو غاب أن الموت كالغيبة والمرض، وعليه فينبغي أن يقال: إن عمل بعد موته يوما، أو يومين ألغي ذلك، وإن كثر لم يلغ كما تقدم.
السادس: علم أيضا من كلامه أنه لا فرق بين أن يكونا أخذا الشيء الذي يعملان فيه في الصحة، أو بعد مرض أحدهما، أو سفره وهو جار على ما تقدم من أن ما أخذ أحدهما لزم شريكه عمله، وضمانه، والله أعلم.

(7/99)


وفسدت باشتراطه ككثير الآلة، وهل يلغى اليومان كالصحيحة تردد،
__________
السابع: قال ابن يونس عن ابن حبيب: هذا في شركة الأبدان، وأما في الشركة بالمال فللذي عمل نصف أجرته على صاحبه، والفضل بينهما، لأن المال أجره انتهى. وقال الرجراجي قبل كلامه المتقدم: وإذا مرض أحد الشريكين فإن كانت مالية فالربح بين المعافى والمئوف، وله أجر عمله؛ لأن المال سبب الربح وأما البدنية وذكر ما تقدم، والله أعلم.
الثامن: قال اللخمي: ولو عقد أحدهما إجارة بعد طول المرض، أو بعد السفر كان ذلك له وحده؛ لأن الشركة حينئذ قد انقطعت، وكذلك ضمان ما هلك إذا كان العقد عليه في موضع لم تنقطع الشركة كانت القيمة عليهما، وإن كانت بعد أن انقطعت كانت عليه وحده انتهى. ونقل ابن يونس صدر هذا الكلام عن بعض القرويين وأقره.
التاسع: علم من هذا الكلام أن ما عقد عليه أحد الشريكين قبل طول الغيبة وطول المرض يكون ضمانه منهما وهو جار على ما تقدم.
العاشر: الفرق بين شريكي العمل وبين الأجيرين إذا استأجرهما أحد على عمل فمرض أحدهما فعمل الآخر جميع العمل قال في المدونة: للمريض نصيبه، ولا شيء عليه وصاحبه متطوع، وقال الرجراجي: إن الشريكين كل واحد منهما حميل عن صاحبه ضامن عنه ما يقبلاه إذا كان المتاع مما يضمن فلهذا لم يصر الصحيح متطوعا وأما الأجيران فليس أحدهما ضمينا، ولا حميلا فلهذا صار الحافر متطوعا انتهى. واعلم أن القول بأنه لا شيء للعامل في مسألة الأجيرين لا يجري على القول بالرجوع بالقيام بالواجب بل الجاري عليه أن يقال إن المريض إن كان يمكنه عمل ذلك بأجيره، أو بنفسه إذا صح فصاحبه متطوع، وإن كان لا يعمل ذلك بنفسه، ولا بد أن يستأجر فالعامل له أجره، وراجع المسألة في كتاب الإجارة، والله أعلم. ص: (وفسدت باشتراطه ككثير الآلة وهل يلغى اليومان كالصحيحة تردد) ش: يعني أن الشركة تفسد إذا شرط فيها أن مرض أحدهما الكثير وغيبته مغتفران للغرر قال في المدونة إثر قوله السابق في القولة التي قبل هذه إن لم يعقدا في أصل الشركة أن من مرض منهما، أو

(7/100)


..........................
__________
غاب غيبة بعيدة فما عمل الآخر بينهما، وإن عقدا على هذا لم تجز الشركة فإن نزل ذلك كان ما اجتمعا فيه من العمل بينهما على قدر عملهما وما انفرد به أحدهما له خاصة انتهى. زاد القرافي بعد قوله لم تجز الشركة للغرر: قال ابن يونس إثر كلام المدونة المذكور يريد قل، أو كثر ثم قال: قال بعض فقهائنا القرويين، وإن لم يعقدا على هذا لا ينبغي أن يكون القدر الذي لو صح هذا كان بينهما أن يكون بينهما ويكون الزائد على ذلك للعامل وحده، ويسمح في الشركة الصحيحة عن التفاضل اليسير، وأما إذا فسدت الشركة لم يسمح بذلك انتهى. ونقله أبو الحسن، وقال بعده: وخالفه اللخمي، وقال: لا يكون ذلك القدر له، وهذا نقل بالمعنى الشيخ، والخلاف يبنى - والله أعلم - على الجزء من الجملة هل يستقل بنفسه أم لا كمن يسجد على أنفه بدلا من الإيماء انتهى. وهذا هو الخلاف الذي أشرنا إليه في التنبيه الرابع من القولة التي قبل هذه في لغو اليومين من المدة الكثيرة في الشركة الصحيحة وعلى قول بعض القرويين ينبغي أن يلغى ذلك وعلى ما نسبه أبو الحسن للخمي لا يلغى أيضا وليس كلام اللخمي صريحا في المخالفة لما قاله بعض القرويين، وقد تقدم لفظه، ولهذا قال: - والله أعلم - وهذا نقل بالمعنى وجعل الشارحان هذا الكلام هو معنى قول المصنف: "وهل يلغى اليومان كالصحيحة تردد" قال الشارح في الكبير: ذكر عن بعض القرويين أن ذلك يلغى، وإنما يرجع بما زاد، وقال اللخمي لا يلغى، واقتصر عليه، ولهذا أشار بالتردد ونحوه في الصغير، وقال في الشامل فإن شرط عدمه في العقد، أو كثير آلة فسدت، ولا يلغى اليومان فيها على الأظهر انتهى.
قلت: وهذا الذي ذكره لم أقف عليه وتقدم كلام بعض القرويين أن الفاسدة لا يسامح فيها، وإنما يسامح باليسير في الصحيحة، فكلام بعض القرويين موافق لكلام اللخمي فإنه قال بعد أن تكلم على المدة الطويلة: ولو اشتركا على العفو عن مثل ذلك كانت شركة فاسدة، ولو فسدت الشركة بينهما من غير هذا الوجه لكان التراجع بينهما في قريب ذلك وبعيده انتهى. ولم أقف على القول بلغو اليومين في الفاسدة بعد مراجعة اللخمي وابن يونس وأبي الحسن والرجراجي والذخيرة وابن عرفة ولم يذكر هذه المسألة في التوضيح ولعل المصنف أراد أن يقول: وهل يلغى اليومان كالقصيرة تردد، ويكون مراده وهل يلغى اليومان من المدة الطويلة كما يلغيان في المدة القصيرة وهو الذي يقوله بعض القرويين، أو لا يلغيان وهو الذي نسبه أبو الحسن الصغير للخمي، والله أعلم، وأما قوله: "ككثير الآلة" فيشير به المصنف إلى أن الشركة كما تفسد بشرط إلغاء المدة الكثيرة فكذلك تفسد الشركة إذا أخرج أحدهما الآلة الكثيرة من عنده يريد: ولو كان بغير شرط واحترز بذلك من يسير الآلة فإنه إذا تفضل به أحدهما لا تفسد الشركة وما ذكرنا من فساد الشركة بالآلة الكثيرة، ولو كان بلا شرط هو الموافق لما في المدونة وبه فسر الشارح كلام المصنف وقيده البساطي بالشرط، وهو مخالف للمدونة قال فيها: وإن تطاول أحد القصارين على صاحبه بشيء تافه من الماعون لا قدر له في الكراء كالقصرية

(7/101)


وباشتراكهما بالذمم أن يشتريا بلا مال، وهو بينهما،
__________
والمدقة جاز ذلك، وأما إن تطاول أحدهما على صاحبه بأداة لا يلغى مثلها لكثرتها لم يجز حتى يشتركا في ملكها ويكتري من الآخر نصفه انتهى.
قلت: وانظر إذا تطوع بها أحدهما بعد العقد فالظاهر الجواز، والله أعلم والقصرية قال الشيخ أبو الحسن هي الصحفة التي يغسل فيها الثياب والمدقة قال في التنبيهات بضم الميم والدال وبكسر الميم وفتح الدال وهي الإرزبة بكسر الهمزة التي يكمد بها الثياب انتهى. ويقال فيها مرزبة بكسر الميم والتخفيف وتشدد مع الهمزة والأداة بفتح الهمزة الآلة قاله في التنبيهات، والله أعلم. ص: (وباشتراكهما بالذمم أن يشتريا بلا مال وهو بينهما) ش: أي وفسدت الشركة بسبب اشتراك المتشاركين بالذمم، وتسمى شركة الوجوه ثم فسرها بأن يشتريا بلا مال يعني أن يدخلا على أن يبيعا ويشتريا على ذمتهما فما اشتراه أحدهما كان في ذمتهما معا، وهذا إذا لم يكن اشتراكهما في شيء معين وأما الاشتراك في شيء معين فهو جائز قال في أول كتاب الشركة من المدونة: ولا تجوز الشركة إلا بالأموال وعلى عمل الأبدان إذا كانت صنعة واحدة فأما بالذمم بغير مال على أن يضمنا ما ابتاع كل واحد منهما فلا يجوز كانا في بلد واحد، أو بلدين يجهز كل واحد منهما على صاحبه تفاوضا كذلك في تجارة الرقيق، وفي جميع التجارات، أو بعضها، وكذلك إن اشتركا بمال قليل على أن يتداينا؛ لأن كل واحد يقول لصاحبه: تحمل عني بنصف ما اشتريت على أن أتحمل عنك بنصف ما اشتريت إلا أن يجتمعا في شراء سلعة معينة حاضرة، أو غائبة فيبتاعاها بدين فيجوز ذلك إذا كانا حاضرين؛ لأن العقدة وقعت عليهما، وإن ضمن أحدهما صاحبه فذلك جائز انتهى. وقد أشار المصنف إلى هذا في باب الضمان حيث قال: إلا في اشتراء شيء بينهما وقوله: في المدونة، وكذلك إن اشتركا بمال قليل إلخ قال أبو الحسن ليس بشرط قال فيما يأتي وأكره أن يخرجا مالا على أن يتجرا به وبالدين مفاوضة فإن فعلا فما اشترى كل واحد منهما فبينهما، وإن جاوز رأس مالهما انتهى. والمراد بالكراهة المنع وقول المصنف: "وهو بينهما" بيان

(7/102)


وكبيع وجيه مال خامل بجزء من ربحه، وكذي رحى وذي بيت، وذي دابة ليعملوا، إن لم يتساو الكراء وتساووا في الغلة، وترادوا الأكرية،
__________
للحكم بعد الوقوع كما قال ابن غازي قال في التوضيح في قول ابن الحاجب، ولو باع واشترى بنسيئة إلخ بعد ذكر كلام المدونة قال أصبغ وإذا وقعت بالذمم فما اشتريا بينهما على ما عقدا، وتفسخ الشركة من الآن أبو الحسن، والفسخ دليل على أن المراد بالكراهة المنع انتهى. فمعنى قول المصنف "وهو بينهما" أي وما اشترياه فهو بينهما على ما دخلا عليه على المشهور، وقال سحنون: من اشترى شيئا فهو له، والله أعلم.
فرع: قال في سماع عيسى من كتاب الشركة في الرجل يقول لصاحبه: اقعد في هذا الحانوت تبيع فيه وأنا آخذ المتاع بوجهي، والضمان علي، وعليك قال: الربح بينهما على ما تعاملا عليه، ويأخذ أحدهما من صاحبه أجرة ما يفضله به في العمل. ابن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الربح تابع للضمان إذا عملا بما تداينا به كما هو تابع للمال بما أخرجه كل واحد منهما من المال
فرع: قال في المدونة: وإن أقعدت صانعا في حانوت على أن تنقل عنه المتاع، ويعمل هو فما رزق الله بينكما نصفين لم يجز انتهى. قال في سماع عيسى من كتاب الشركة قبل الكلام المتقدم في رجل قال لرجل اقعد في حانوت وأنا آخذ لك متاعا تبيعه ولك نصف ما ربحت، أو ثلثه: لم يصلح ذلك فإن عملا عليه كان للذي في الحانوت أجرة مثله، ويكون الربح كله للذي أجلسه في الحانوت ابن رشد، وهذا كما قال؛ لأنها إجارة فاسدة من أجل أن الربح تابع للضمان فإذا كان ضمان السلع من الذي أجلسه وجب أن يكون له جميع الربح وللعامل أجرة مثله انتهى. ص: (وكبيع وجيه مال خامل بجزء من ربحه) ش: هذا تفسير ثان لشركة الذمم. ص: (وكذي رحى وذي بيت وذي دابة ليعملوا إن لم يتساوى الكراء وتساووا في الغلة وترادوا الأكرية) ش: أي، ومما يشبه ما تقدم في الفساد أن يشترك ثلاثة أحدهم صاحب رحى، والآخر صاحب بيت، والآخر صاحب دابة على أن يعملوا وكراء كل واحد من الرحى، والبيت، والدابة غير متساو، وشرطوا أن يتساووا في الغلة، فإن وقع ذلك فالحكم أن يتساووا في الغلة؛ لأن رأس مالهم عمل أيديهم، وقد تكافئوا فيه، ويترادون في الأكرية فمن له فضل رجع به على صاحبه وأشار بهذا إلى مسألة المدونة ونصها وإن اشترك ثلاثة: أحدهم

(7/103)


وإن اشترط عمل رب الدابة: فالغلة له، وعليه كراؤهما،
__________
برحا، والآخر بدابة، والآخر ببيت، على أن يعملوا بأيديهم والكسب بينهم أثلاثا فعملوا على ذلك وجهلوا أن ذلك لا يجوز فإن ما أصابوه يقسم بينهم أثلاثا إن كان كراء البيت، والرحى والدابة معتدلا وتصح الشركة؛ لأن كل واحد أكرى متاعه بمتاع صاحبه ألا ترى أن الرحى والبيت والدابة لو كان ذلك لأحدهم فأكرى ثلثي ذلك من صاحبيه وعملوا جازت الشركة، وإن كان كراء ما أخرجوه مختلفا قسم المال بينهم أثلاثا؛ لأن رءوس أموالهم عمل أيديهم، وقد تكافئوا فيه ويرجع من له فضل كراء على صاحبه فيترادون ذلك بينهم، وإن لم يصيبوا شيئا؛ لأن ما أخرجوه مما يكرى قد أكري كراء فاسدا ولم يتراجعوا في عمل أيديهم لتساويهم فيه انتهى. فظاهرها أن الشركة لا تجوز ابتداء حتى يكري أحدهما نصيبه بنصيب صاحبه لكنها إن وقعت صحت إذا تساوت الأكرية وعليه حملها أبو محمد وغيره وتأول سحنون المدونة على أنها إنما تمتنع إذا كان كراء هذه الأشياء مختلفا واحتج بقوله: "وتصح الشركة" لأن كل واحد أكرى متاعه بمتاع صاحبه، وقال أبو محمد: معنى قوله: "تصح" أنها تئول إلى الصحة لا أنها تجوز ابتداء وعلى تأويل سحنون مشى المصنف؛ لأن مفهوم الشرط أعني قوله إن لم يتساو الكراء يقتضي أنه إذا تساوى الكراء جازت وقول المصنف: "وتساووا في الغلة" قابل لأن يكون بيانا لفرض المسألة، أو تقريرا لحكمها بعد الوقوع كما قال ابن غازي وصفة التراد ذكرها ابن يونس عن ابن أبي زيد، ونقلها أبو الحسن ونقلها الشارح في الكبير. ص: (وإن شرط عمل رب الدابة فالغلة له وعليه كراؤها) ش: هذا قول ابن القاسم في المدونة، ولا خصوصية لرب الدابة، وإنما ذكره المصنف؛ لأنه فرضها في المدونة كذلك، وقد قال اللخمي، وكذلك إن كان العامل صاحب الرحى فعلى قول ابن القاسم يكون له ما أصاب وعليه إجارة المثل للآخرين وليس هذا بالبين وأرى أن يكون كل ما أصيب مفضوضا على قدر إجارة الرحا

(7/104)


وقضي على شريك فيما لا ينقسم أن يعمر أو يبيع:
__________
والدابة، فما ناب الرحى من العمل رجع عليه العامل فيه بإجارة مثله؛ لأن صاحب الرحى لم يبع منافعهما من العامل، وإنما قال له آجرها ولك أجر ما تؤاجرها به فإنما يؤاجرها على ملك صاحبها ثم يغرمان جميعا أجرة البيت انتهى. وكذلك إذا كان العامل رب البيت وهو ظاهر؛ لأن الغلة تابعة للعمل في هذا الباب والله أعلم. ص: (وقضي على شريك فيما لا ينقسم أن يعمر، أو يباع) ش: تصوره ظاهر من كلام الشارح وابن غازي ويستثنى من ذلك العين، أو البئر تكون مشتركة قد قسمت أراضيها ولم يكن عليها زرع، ولا شجر مثمر يخاف عليه فإنه لا خلاف أن الآبي من العمل لا يلزم به ويقال لصاحبه: اعمل ولك الماء كله وما زاد بعملك إلى أن يأتيك صاحبك الآبي بما يصيبه من النفقة قاله ابن رشد في أول كتاب السداد قال ابن يونس ظاهر كلام سحنون أنه يجبر على أن يعمل، أو يبيع ممن يعمل، وإن كان مقسوما انتهى.

(7/105)


__________
بالمعنى. وهو مخالف لما حكاه ابن رشد من الاتفاق ثم قال ابن رشد: وأما إذا كان عليها زرع، أو شجر فقال ابن القاسم ذلك كما إذا لم يكن عليها شيء، وقال ابن نافع: والمخزومي إن الشريك في العين، أو البئر يجبر على أن يعمر معه، أو يبيع نصيبه ممن يعمر كالعلو يكون لرجل والسفل لآخر فينهدم وهو تنظير غير صحيح إذ لا يقدر صاحب العلو أن يبني علوه حتى يبني صاحب السفل سفله ويقدر الذي يريد السقي بماء البئر المشتركة بينهما إذا انهدمت أن يصل إلى ما يريد من السقي بأن يصلح البئر فيكون أحق بجميع الماء إلى أن يأتيه صاحبه بما ينوبه من النفقة فقول ابن القاسم أصح من قول: ابن نافع والمخزومي والله أعلم انتهى. وقد نص في حريم البئر من المدونة على أن من عمر أحق بالماء ونصها: وإذا كانت بئر بين رجلين فانهارت، أو عين فانقطعت فعملها أحدهما وأبى الآخر أن يعمل لم يكن للذي لم يعمل من الماء قليل، ولا كثير، وإن كان فيه فضل إلا أن يعطي شريكه نصف ما أنفق، وإذا احتاجت بئر، أو قناة بين شركاء لسقي أرضهم إلى الكنس لقلة مائها فأراد بعضهم الكنس وأبى الآخرون وفي ترك الكنس ضرر على الماء وانتقاص والماء يكفي أو لا يكفي إلا الذين شاءوا الكنس خاصة فللذين شاءوا الكنس أن يكنسوا ثم يكونوا، أولى بالذي زاد في الماء كنسهم دون من لم يكنس حتى يؤدوا حصتهم من النفقة فيرجعوا إلى أخذ حصتهم من جميع الماء، وكذلك بئر الماشية إذا قل ماؤها فأراد بعضهم الكنس وأبى الآخر فهي كبئر الزرع، فإن كنسه بعضهم كان جميعهم فيما كان من الماء قبل الكنس على قدر حقوقهم فيه ثم يكون الذين كنسوا أحق بما زاد الماء بكنسهم فإذا رووا كان الناس وأباة الكنس في الفضل سواء حتى يؤدوا حصصهم من النفقة، فإذا أرادوا كان جميع الماء بينهم على قدر ما كان لهم ثم الناس في الفضل سواء انتهى. فعلم أن مذهب المدونة في البئر والعين عدم الجبر على أن يعمل، أو يبيع ممن يعمل وبهذا فارقت هذه المسألة مسألة الرحى الآتية فإن الآبي من العمل يجبر على أن يعمر، أو يبيع ممن يعمر، والله أعلم.
فروع: الأول: إذا كان أحد الشريكين غائبا فإن القاضي يحكم على الغائب بالبيع إن لم يجد له من ماله ما يعمر به نصيبه نقله البرزلي في أوائل القسم.
الثاني: إذا كان المشترك لا يقبل القسمة كالفرن ثم إنه خرب حتى صار أرضا يقبل القسمة فإنه يقسم قال البرزلي في القسمة عن بعض فقهاء الإسكندرية: إذا صارت الأرض براحا كما كانت قبل بنائها فرنا صار حكمها حكم الأرض بحيث لو طلب أحد الشريكين من شريكه بناءها فرنا لم يحكم عليه لدعائه إلى بناء عرصة تقسم فإذا قسمت فعلى كل واحد في نصيبه ما أحب فإذا رفع الأمر للقاضي بسبب القسمة على الغائب فهو الواجب فإن لم ينقسم فيجب الحكم بالبيع على الغائب إن لم يجد من ماله ما يعمر به نصيبه ثم ذكر البرزلي كلاما في القسمة هل يشترط أن يحصل لكل واحد ما ينتفع به على حد ما

(7/106)


__________
كان ينتفع به، أو لا، وأطال في ذلك، ومحله كتاب القسمة.
الثالث: قال ابن سهل في أحكامه في أوائل كتاب الدعاوى في دار بين ورثة ليسكنها بعضهم وباقيهم يسأل إخلاءها لبيعها ودعا ساكنيها إلى غرم كرائها على الإباحة للتسويق فأفتى ابن عتاب إذا لم تحصل القسمة فإنها تخلى من جميعهم لتسوق خالية إلا أن يوجد من يكتريها من غير الورثة على شرط التسويق فتكرى منه إذا أمن منه الميل إلى بعض الورثة، ولم يكن من ناحية أحدهم، ولا من سببهم وأجاب ابن القطان: بقاء الدار هكذا ضرر على من يذهب إلى الارتفاق بنصيبه إن كانت دارا يكرى مثلها فوجه العمل أن يقال لهم: إن اتفقتم الآن على التقاوم في الكراء إلى أن ينفذ البيع فيها فتقاوموها ثم يسكنها من أراد، وإن أبيتم أخليت منكم ثم شيدت للكراء كما تشيد للبيع فإذا بلغ كراؤها ثمنا ما كان لمن أراد السكنى أن يضم حصص أصحابه بما بلغت، ويسكن إلا أن يزيد عليه من يشركه فالزائد أحق والإشادة للكراء على شرط التسويق للبيع إلا أن يثبت في ذلك ضرر من الساكن فيها من الورثة يخل بالبيع فإن أثبت أكريت من غيره، وإن أثبت أن التسويق للبيع خالية أفضل وأوفر للثمن أخليت وأجاب ابن مالك: إن كانت الدار لا تحتمل القسمة فلا أجد فيما أظهر الله لي من العلم على مذهبنا إلا ما قاله ابن القطان أعرف أنه الحاصل من مذهبنا كما يعرف الناس أبناءهم قال ابن سهل: كان جواب ابن عتاب مقنعا لو كان إنصاف وائتلاف ولم يكن تنافر، ولا اختلاف، وإليه يرجع ما أطال فيه ابن القطان الكلام انتهى. وقوله: "على الإباحة" أي إباحة نظرها لمن يريد شراءها وفهم من ذلك أنهم لو لم يريدوا بيعها لكان الحكم أن يتقاوموا كراءها، فتأمله، وإن كان ذلك حبسا فقال في سماع سحنون من كتاب الحبس من العتبية: وإن كانت الدار واسعة فقال الأغنياء نحن لا نحتاج للسكنى، ولكن ينظر إلى قدر ما يصير لنا من السكنى فنسكنه من أحببنا، أو نكريه لهم قال ابن رشد فإن استووا في الفقر والغنى ولم تسعهم السكنى أكري ذلك عليهم وقسم الكراء بينهم شرعا سواء إلا أن يرضى أحدهم أن يكون عليه ما يصير لأصحابه من الكراء ويسكن فيها فيكون ذلك له قاله ابن المواز انتهى.
الرابع: قال اللخمي في أوائل كراء الدور، وإن كانت الدار شركة فأكرى أحدهما نصيبه بغير إذن شريكه فلم يجز ذلك ودعا إلى البيع كان ذلك له إذا كانت لا تنقسم، وإن لم يدع إلى البيع ورضي ببقاء الشركة وطلب الأخذ بالشفعة، وكان الكراء في نصف شائع فاختلف في ذلك فقال مالك مرة: لا شفعة فيه ومرة قال: فيه الشفعة، وهذا إذا كانت الدار تحتمل القسمة وأراد الشريك أن يأخذ بالشفعة ليسكن، وإن أراد ذلك ليكريه لم يكن ذلك له وهو بمنزلة من يأخذ الشفعة ليبيع، وكذلك الحانوت يكون بين الشريكين فيكري أحدهما نصيبه شائعا فلا شفعة للآخر إذا كان لا يحتمل القسمة وكان يأخذ بالشفعة ليكري، وإن كان يحتمل

(7/107)


__________
القسمة وأراد أن يأخذ بالشفعة ليجلس فيه للبيع جاز فإن كان يكريه ممن يجلس فيه معه لم يكن ذلك له انتهى.
الخامس: قال ابن يونس في أواخر كتاب الرواحل في الكلام على كراء السفن من العتبية: قال سحنون في رجلين لهما سفينة فأراد أحدهما أن يحمل في نصيبه متاعا وليس لصاحبه شيء يحمله فقال الذي ليس له شيء للآخر لا أدعك تحمل فيها شيئا إلا بكراء، وقال الآخر إنما أحمل في نصيبي قال: فله أن يحمل في نصيبه، ولا يقضى لشريكه عليه بكراء فإما أن يحمل مثل ما حمل صاحبه من الشحنة والمتاع وإلا بيع المركب عليهما انتهى. ونقله اللخمي وزاد بعده، ولو، أوسق أحدهما ولم يجد الآخر ما يوسق لكان لهذا أن يسافر بالمركب، ولا مقال لشريكه عليه في كراء، ولا بيع؛ لأن وسقه بحضرة صاحبه وذلك رضا بتسفيره تلك الطريق، ولو كان غائبا حين، أوسق فلما قدم أنكر، ولم يجد كراء لكان له أن يدعوه إلى البيع على أنه لا يوسق فيه فإن صار لمن، أوسقه أقر وسقه إن شاء، وإن صار للغائب، أو لأجنبي أمر أن يحط وسقه إلا أن يتراضوا على كراء فيترك، وهذا إذا كان يتوصل إلى معرفة حال المركب تحت الماء انتهى. ونقله ابن عرفة بكماله في كراء السفن، وقال ابن رشد في نوازله في مسائل الشركة، وقد سئل عن مركب بين رجلين أراد أن يسافر أحدهما في حصته إلى العدوة، وليس للآخر ما يحمل في نصفه، ولا وجد من يكريه فهل له نصف ما حمل شريكه من الكراء فأجاب: للذي لم يجد ما يحمله في نصيبه أن يأخذ شريكه بحصته من الكراء، وله منعه من السفر حتى يعامله على ذلك، أو ينفصلا من المركب ببيعه وقسمة ثمنه وذكره البرزلي في أثناء مسائل المزارعة، وقال بعده: قلت: والدواب والعبيد حكمها حكم المركب وذكر عن أبي حفص مثل كلام ابن رشد وذكر كلام ابن يونس في أواخر مسائل الإجارة، والظاهر أنه لا معارضة بين كلام ابن رشد وبين ما ذكره ابن يونس واللخمي؛ لأن حاصل كلامهم أنه لا يقضى للشريك الذي لم يجد ما يحمله بكراء على الآخر، ولا يمنعه من السفر مطلقا، ولا يقضى للآخر بأن يسافر به مطلقا بل إما أن يتراضيا على كراء، أو شيء وإلا بيع المركب عليهما، والله أعلم. وذكر البرزلي في مسائل المزارعة مسألة زرع أحد الشركاء في بعض الأرض بغير إذن شريكه وذكرها في البيان في كتاب الاستحقاق وفي كتاب الشركة، وذكر في سماع عيسى من كتاب الشركة: إذا كان الشريك حاضرا فإنه يحلف بالله ما كان تركه إياه رضا منه بذلك ونقله في النوادر

(7/108)


كذي سفل، إن وهي وعليه التعليق والسقف،
__________
فرع: قال ابن يونس في كتاب الرواحل في مركب بين رجلين نصفين خرب أسفله حتى لا ينتفع به فأصلحه أحدهما بغير إذن شريكه فطلب من شريكه نصف النفقة فأبى قال: لأنك أنفقت بغير إذني قال فالشريك بالخيار إما أن يعطيه نصف ما أنفق ويكون المركب بينهما، أو يأخذ من شريكه نصف قيمته خرابا إن شاء ذلك شريكه فإن أبيا فالمركب بينهما يكون للذي أنفق بقدر ما زادت نفقته فيه مع حصته الأولى مثل أن يكون قيمته خرابا مائة وقيمته مصلوحا مائتين فيكون للذي عمل ثلاثة أرباعه، ولشريكه ربعه ابن يونس، والذي أرى أن يكون شريكه مخيرا بين أن يعطيه الأقل من نصف ما أنفق ومن نصف ما زادت نفقته في المركب ويكونا شريكين فيه بقدر ما زادت نفقته فيه؛ لأن له أن يقول له بعه الآن وخذ ما زادت نفقتك في المركب فلما كان له ذلك كان له أن يعطيه نصف ما زادت نفقته ويكون المركب بينهما، وله أن يعطيه نصف ما أنفق إذا كان ذلك أقل انتهى. ونقل اللخمي كلام أبي محمد ولم يزد عليه شيئا، وقال بعده: ومثله إذا كانت دارا لا تنقسم وأصلحها أحدهما بغير إذن شريكه يكون شريكا بما زادت النفقة، ولو كانت تنقسم لكان الجواب على ما قال عبد الملك في الأرض يبني فيها أحد الشريكين قبل القسم إنها تقسم، فإن وقع البناء في حق من لم يبن أعطاه قيمته منقوضا، وإن وقع لمن بناه كان له مسلما انتهى. ونقل ابن عرفة كلام أبي محمد عن ابن يونس وعن اللخمي ولم يذكر ما اختاره ابن يونس من نفسه وما قاله ظاهر، والله أعلم.
فرع: قال ابن فرحون في آخر باب القسمة من الفصل التاسع من القسم الثالث: والأشياء التي لا تنقسم، أو في قسمها ضرر يجبر على البيع من أباه إذا طلب البيع أحدهما، وإنما جبر على البيع من أباه دفعا للضرر اللاحق للطالب؛ لأنه إذا باع نصيبه مفردا نقص ثمنه، وإذا قلنا يجبر من أبى البيع فإنه إذا وقف المبيع على ثمن وأراد طالب البيع أخذه بما وقف عليه لم يمكن من ذلك؛ لأن الناس قد يتحايلون بطلب البيع إلى إخراج الناس عن أملاكهم، وأما إن طلب الشراء من آبى البيع فله ذلك انتهى. وانظر هل يجري ذلك هنا فيمن امتنع من العمارة فيما لا ينقسم وقلنا إنه يجبر على بيع جميع ما يخصه أنه ليس لمن أراد العمارة أن يشتري نصيب شريكه للعلة المذكورة، أو يفرق في ذلك بين من يفهم منه إرادة ذلك وبين غيره، فتأمله، والله أعلم. ص: (كذي سفل إن وهي وعليه التعليق والسقف) ش: قال في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم من الأقضية في المنزل بين الرجلين لأحدهما العلو وللآخر السفل،

(7/109)


وكنس مرحاض
__________
فينكسر سقف البيت الأسفل: إن عليه إصلاحه، وكذلك لو انهدم جداره الأسفل كان عليه أن يبنيه حتى يسقفه ابن رشد هذه مسألة صحيحة مثل ما في المدونة وغيرها، ولا اختلاف أعلمه فيها، والدليل على صحتها قوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ} [الزخرف: 33] فلما أضاف السقف إلى البيت وجب أن يحكم بالسقف لصاحب البيت إذا اختلف فيه مع صاحب الأعلى فادعاه كل منهما لنفسه، وإن لم يحكم عليه أنه له فيلزم بناؤه إذا بناه كل منهما لنفسه، وإن لم يحكم عليه أنه

(7/110)


لا سلم، وبعدم زيادة العلو، إلا الخفيف وبالسقف للأسفل، وبالدابة للراكب، لا متعلق بلجام،
__________
له فيلزم بناؤه إذا نفاه كل واحد منهما عن نفسه، وادعى أنه لصاحبه ليوجب عليه بنيانه انتهى.
فرع: إذا كان سبب الانهدام وهاء العلو، فإن كان صاحب السفل حاضرا عالما ولم يتكلم لم يضمن صاحب العلو واختلف إذا كان صاحب السفل غائبا فإن كان وهاء العلو مما لا يخاف سقوطه هل يضمن، أو لا يضمن؟ لأنه لم يتقدم إليه اللخمي، والأول أحسن، وإن تقدم إليه، ولم يفعل ضمن اتفاقا، وكذلك إن كان سبب الانهدام وهاء السفل، وصاحب العلو حاضر ولم يتكلم ولم يتقدم إليه، أو كان غائبا انتهى. من التوضيح، ونقله ابن عرفة
تنبيه: قال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: وتعليق الغرف عليه: المراد بالتعليق حمله على خشب ونحوها، والغرف جمع غرفة وهي ما له نفع من بيوت المنزل ومعنى وهي ضعف ضعفا شديدا انتهى. ص: (وبالدابة للراكب) ش: تصوره ظاهر فإن كان عليها راكبان وتنازعا فيها فذكر الشارح في الكبير عند قول المصنف: ورب الدابة، أولى بمقدمها عن المقدمات أنه يقضى بها للمقدم من الراكبين وذكره الباجي وذكره ابن ناجي على كلام المدونة في كتاب الصلاة الأول، وقد نقلت كلامه عند قول المؤلف: "ورب الدابة أولى بمقدمها". ص

(7/111)


وإن أقام أحدهم رحى إذ أبيا، فالغلة لهم ويستوفي منها: ما أنفق،
__________
(وإن أقام أحدهم رحا إن أبيا فالغلة لهم ويستوفي منها ما أنفق) ش: هذا خلاف ما قدمه ابن الحاجب وما رجحه ابن رشد في نوازل عيسى من كتاب السداد والأنهار ونص ابن الحاجب: وإذا انهدمت الرحى المشتركة فأقامها أحدهم إذا أبى الباقي فعن ابن القاسم الغلة كلها لمقيمها وعليه أجرة نصيبهم خرابا، وعنه أيضا يكون شريكا في الغلة بما زاد بعمارته فإذا كانت قيمتها عشرة، وبعد العمارة خمسة عشر فله ثلث الغلة بعمارته، والباقي بينهم ثم من أراد أن يدخل معه فليدفع ما ينوبه من قيمة ذلك يوم يدفعه وقيل الغلة بينهم، ويستوفي منها ما أنفق انتهى. ونص كلام ابن رشد بعد ذكره المسألة وما فيها من الخلاف: فيتحصل في هذه المسألة أن فيها ثلاثة أقوال الأول أنه يحاص بالنفقة في الغلة كانت الرحى مهدومة، أو انخرق سدها، والثاني أنه لا يحاص بالنفقة في الغلة في الوجهين، والثالث الفرق بينهما، وكلها مروية عن ابن القاسم الأولان في السماع المذكور، والثالث في المبسوطة فإذا قلت: إنه لا يحاص بالنفقة في الغلة ففي حكم الغلة ثلاثة أقوال أحدها أنها كلها تكون للعامل إلا أن يريد الشريك الدخول معه فيأتيه بما يجب عليه في ذلك، ولا كراء عليه في حظ شريكه من الرحى وهو بمنزلة البئر يغور ماؤها، أو ينهدم منها ناحية، فيريد أحد الشريكين العمل، ويأبى صاحبه فيقال لمن أبى: اعمل معه، أو بع فإن أبى وخلى بينه وبين العمل وحده كان الماء كله للعامل حتى يدفع إليه نصيبه من النفقة فكذلك الرحى وهو قول ابن القاسم ووجه قوله في أنه لا كراء عليه في حظ شريكه من الرحى أن الرحى مهدومة لا كراء لها، وإنما صار لها كراء ببنائه فوجب أن لا يكون عليه في حظ شريكه كراء، والثاني أن الغلة تكون للعامل أيضا، ويكون عليه كراء حصة شريكه من الرحى وهو قول عيسى بن دينار ووجهه أن الكراء فيها موجود إذا أكريت على أن تبنى، وقد بناها العامل، وانتفع بها فوجب أن تكون عليه حصة شريكه من الكراء وهو أظهر، والله أعلم.
فليس قول عيسى بخلاف لقول ابن القاسم إلا فيما ذكر من أن يكون عليه للذي لم يبن كراء نصيبه من قاعة الرحى؛ لأن ابن القاسم لا يرى عليه في ذلك كراء، والثالث أن الغلة تكون بينهما فيكون للذي لم يعمل منهما بقدر قيمة حظه من الرحى على ما كانت عليه، وللذي عمل بقدر حظه منها أيضا، وبقدر عمله إلا أن يريد الشريك الدخول معه فيأتيه بالواجب عليه فيما عمل انتهى. كلامه بلفظه بتقديم، وتأخير. ونقل ابن عرفة كلام العتبية وابن

(7/112)


وبالإذن في دخول جاره لإصلاح جدار ونحوه،
__________
رشد برمته، وقال بعده: قلت: لا يخفى من فهم هذا التحصيل إجمال نقل ابن الحاجب، ونقل كلامه المتقدم واعتمد المؤلف هنا على ما قاله في توضيحه إثر كلام ابن الحاجب المتقدم ناقلا له عن ابن عبد السلام والقول الثالث مروي عن ابن القاسم أيضا، وهو قول ابن الماجشون، وبالقول الثاني قال ابن دينار قال ابن عبد السلام: والثالث أقوى الأقاويل عندي، وفي الثاني إلزامهم الشراء منه بغير اختيارهم، أو ينفرد بأكثر الغلة عنهم وهو أقوى من الأول لاستلزامه الأول الذي حجر عليهم ملكهم ولم يجعل لهم فيه إلا أجرة الخراب. فإن قيل: والثالث ضعيف أيضا؛ لأن متولي النفقة أخرج ما أنفق من يده دفعة واحدة ويأخذه مقطعا من الغلة. قيل: هو الذي أدخل نفسه في ذلك اختيارا، ولو شاء لرفعهم إلى القاضي فحكم عليهم بما قاله عيسى بن دينار عن مالك إما إن يصلحوا، أو يبيعوا ممن يصلح انتهى. ص: (وبالإذن في دخول جاره لإصلاح جدار ونحوه) ش: يحتمل أن يعود الضمير في "نحوه" على الجدار فيكون المعنى له الدخول لإصلاح الجدار ونحو الجدار كالخشب ونحوه وهو ظاهر كلام الشارح في الوسط ويحتمل عوده على "إصلاح" فيكون المعنى أن له الدخول لإصلاح الجدار وكنحو إصلاح الجدار كما إذا وقع ثوب في دار جاره فإن عليه أن يأذن له في الدخول لأخذه، أو يخرجه إليه وهو الظاهر من كلام البساطي إلا أن هذا ليس خاصا بالجار بل كل من وقع له شيء في دار رجل حكمه كذلك قال ابن عرفة عن النوادر: لو قلعت الريح ثوب رجل فألقته في دار آخر ليس له منعه أن يدخل فيأخذه، أو يخرجه له انتهى. وجعل البساطي مثل هذا إذا دخلت دابة دار رجل، ولا يستطيع أخذها إلا مالكها، وهو واضح وعود الضمير على "إصلاح" أحسن لشموله لما ذكر وللأول أيضا، فتأمله وظاهر قول المؤلف: "لإصلاح" أن لا يدخل إلا إذا كان هناك ما يحتاج إلى الإصلاح، ولا يدخل لتفقد جداره وهو ظاهر كلام ابن فتوح، وقال المشاور: له ذلك قال ابن عرفة وفي طرر ابن عات عن المشاور: لمن له حائط بدار رجل له الدخول إليه لافتقاده كمن له شجرة في دار رجل ابن فتوح من ذهب إلى طر حائطه من ناحية دار جاره فمنعه من ذلك نظر فإن كان الحائط يحتاج إلى الطر كان ذلك، وإن لم يحتج كان لجاره منعه
قلت: وهذا كالمخالف لقول المشاور له الدخول لافتقاده انتهى. وكلام المؤلف يقرب من كلام ابن فتوح، والظاهر أنه لا يخالف كلام المشاور؛ لأن كلامه في الجدار الذي في دار

(7/113)


وقسمته، إن طلبت لا بطوله عرضا،
__________
الرجل، ولا يمكنه أن ينظر إليه إلا من دار جاره، ويؤيده تشبيهه له بالشجرة، وكلام ابن فتوح أن للرجل أن يطر جداره من جهة جاره، وقال في التوضيح تبعا لابن عبد السلام: قال بعض أصحابنا: وليس لصاحب الجدار أن يطينه من دار جاره؛ لأن ذلك يزيد في غلظ الجدار زاد ابن عبد السلام وليس له أن يعيده أغلظ مما كان في جهة الجار انتهى. ولم يذكر غيره، وقال ابن عرفة في النوادر لابن سحنون عنه في جوابه حبيبا: من أراد أن يطين حائطه من دار جاره ليس له منعه أن يدخل داره فيطين حائطه ثم ذكر كلام ابن فتوح المتقدم ثم قال إثره ابن حارث: وقيل ليس له ذلك؛ لأن الطر يقع في هواء جاره إلا أن ينحت بحائطه ما يقع عليه الطر انتهى. فكان الراجح عند ابن حارث ما ذكره ابن فتوح، فتأمله، والله أعلم.
فرعان: الأول: قال ابن عرفة عن ابن حارث: ومن أراد أن يطين داخل داره ولجاره حائط فيها فيمنعه من ذلك لم يكن له ذلك؛ لأن له فيه نفعا، ولا مضرة على جاره انتهى.
الثاني: قال الشيخ زروق في شرح الإرشاد عند قوله: "وعليه أن يأذن له في الدخول لإصلاح جداره من جهته". يعني أن الجار يجبر على إدخال جاره لداره لإصلاح جداره من جهته؛ لأنه حق له قالوا: وكذا لإخراج ما سقط له عنده، أو يخرجه له وليس له في الإصلاح الهدم إلا بإذنه وذكر ابن حبيب عن سحنون: ليس له أن يمنع جاره الدخول ليطين جداره، وله أن يمنعه من إدخاله الجص والطين ويفتح في حائطه كوة لأخذ ذلك انتهى. بلفظه، وقال ابن فرحون في تبصرته: فإن أراد طر حائطه فذهب جاره إلى أن يمنعه من الدخول فله ذلك، وليس له أن يمنع البناء والأجراء الذين يتولون ذلك بأنفسهم، ويقال لصاحب الحائط صف لهم ما تريد وأما أنت فلا تتولى ذلك، وقد يكره جارك دخولك داره، فإن منع الطين ونحوه من الباب أمر صاحبه بفتح موضع في حائطه ليدخل منه الطين والطوب والصخر وما يحتاج إليه الحائط ويعجن الطين في داره ويدخل إلى دار جاره فإذا تم العمل أغلق ذلك الموضع وحصنه. ص (وبقسمته إن طلبت لا بطوله عرضا) ش: ما ذكره ابن غازي في شرح هذه المسألة

(7/114)


وبإعادة الساتر لغيره، إن هدمه ضررا، لا لإصلاح أو هدم
__________
كاف في بيانها، وملخص النقول التي ذكرها أنه إن أريد قسمه بالتراضي قسم على ما تراضوا عليه من الطول، أو العرض، وإن أريد قسمه بالقرعة فالذي مشى عليه المصنف يقسم طولا وطوله هو امتداده بينهما، وعرضه هو سمك طره فإذا كان الجدار مثلا طوله جاريا بينهما من المشرق إلى المغرب وعرضه جهة الشمال إلى أحدهما وجهة الجنوب إلى الآخر قسم طوله نصفين نصف يلي المشرق، ونصف يلي المغرب، ولا يقسم عرضا بأن يأخذ كل واحد منهما نصف عرض الجدار كما إذا كان عرضه مثلا شبرين فلا يأخذ أحدهما شبرا مع طول الجدار، ويأخذ الآخر شبرا مع طوله أيضا؛ لأنه قد يقع لأحدهما الجهة التي تلي الآخر فيفوت المراد من القسمة قال عيسى بن دينار: ولا تصلح القرعة في مثل هذه القسمة قال أبو الحسن: إلا أن يقتسماه على أن من صار ذلك له يكون للآخر عليه الحمل انتهى.
تنبيه: قال صاحب المسائل الملقوطة وإذا كان حائط بين رجلين، فانهدم، فأراد أحدهما بناءه مع صاحبه وامتنع الآخر من ذلك فعن مالك في ذلك روايتان: إحداهما أنه لا يجبر الذي أبى منهما على البنيان، ويقال لطالب ذلك استر على نفسك، وابن إن شئت وله أن يقسم معه عرض الجدار ويبني لنفسه والرواية الأخرى أنه يؤمر بالبنيان مع شريكه ويجبر على ذلك قال ابن عبد الحكم: وهذا أحب إلينا انتهى. من الكافي انتهى. كلام صاحب المسائل الملقوطة،

(7/115)


__________
ونقل الروايتين في الجلاب في باب البنيان والمرافق ونفى الضرر وصدر المسألة بقوله: إذا كان حائط مشترك بين اثنين فليس لأحدهما أن يتصرف فيه إلا بإذن شريكه، وكذلك كل مال مشترك وإذا انهدم الحائط المشترك وكان سترة بين اثنين، وأراد أحدهما بناءه وأبى الآخر ففيها روايتان إحداهما أنه يجبر الذي أبى على بنيانه مع شريكه، والأخرى أنه لا يجبر ولكن يقسمان عرصة الحائط ونقضه ثم يبني من شاء منهما لنفسه انتهى. وقال ابن عسكر في العمدة، ولو تنازع اثنان حائطا بين دارين، ولا بينة حكم به لمن إليه وجوه الآجر واللبن والطاقات ومعاقد القمط فإن لم تدل أمارة على الاختصاص فهو مشترك وليس لأحد الشريكين أن يتصرف بهدم، أو بناء، أو فتح باب، أو كوة ونحو ذلك إلا بإذن الشريك فلو كان المشترك سترة بينهما فانهدم فأراد أحدهما إصلاحه فهل يجبر الآخر روايتان وعلى القول بعدمه تقسم العرصة ليبني من شاء منهما فلو هدمه أحدهما لغير ضرورة للزمه إعادته كما كان، وكذلك حكم البئر المشتركة تنهار انتهى. وقال في الإرشاد في فصل الاتفاق: وإذا تداعيا جدارا، ولا بينة فهو لمن إليه وجوه الآجر، والطاقات فإن استويا فهو مشترك فلا يتصرف إلا بإذن الشريك، فمن هدمه لغير ضرورة لزمه إعادته فإن انهدم فإن أمكن قسم عرصته وإلا أجبر على إعادته فإن بنى أحدهما فله منع الآخر من الانتفاع ليؤدي ما ينوبه انتهى. فكلامه في الإرشاد مخالف للروايتين اللتين حكاهما في الجلاب والعمدة فإن ظاهر ذلك أن الرواية الأولى أنه يجبر على البناء، ولا يقسم معه الحائط وهو مقتضى كلام الكافي أيضا بخلاف ما قاله في الإرشاد؛ ولذلك اعترضه شارحه الشيخ سليمان البحيري بأن القسم إنما هو مفرع على الرواية الأخرى بعدم الجبر، ونصه إثر كلام صاحب الإرشاد المتقدم، وجملة ذلك أنه إذا لم تكن لأحدهما بينة تشهد له باختصاصه حكم فيه بشهادة العوائد فإن العادة أن توجيه الجدار إنما يكون من جهة المالك، وكذلك مغارز الأخشاب ونحو ذلك والقمط هي الخشب التي تكون بين البنيان قاله ابن ناجي. ثم قال: فإن لم تدل أمارة على اختصاص أحدهما به كان مشتركا بينهما قاله في العمدة، وقال بهرام في الشامل: وحلفا عند عدم ترجيح واشتركا فلا

(7/116)


.............................
__________
يفتح فيه بابا ولا روزنة، ولا يضع عليه خشبه ونحو ذلك إلا بإذن ذلك فإن انهدم الجدار بنفسه، أو هدمه الشريكان، أو أحدهما لمصلحة اقتضت ذلك فلا يخلو من أن يمكن انقسام عرصته من غير ضرر، أو لا فإن أمكن قسمها قسمت وإلا بأن طلب أحدهما الإصلاح وأبى الآخر أجبر على أن يبني مع شريكه هذا ظاهر كلامه والذي في الجلاب: وإن انهدم الحائط وذكر كلام الجلاب المتقدم بلفظه، ثم قال: فأنت تراه إنما جعل قسمة العرصة مفرعة على القول بعدم جبره على البناء، وتبعه على ذلك المؤلف في العمدة وشرحها ولم أقف على مستند لما قاله في إرشاده في كلامه، ولا في كلام غيره، والذي اختاره ابن عبد السلام والتلمساني في شرح الجلاب الرواية الأولى القائلة بأنه يجبر على البناء من أباه منهما انتهى كلام الشيخ سليمان البحيري بلفظه
قلت: فسر التلمساني في شرح الجلاب الرواية الأولى بأنه إما بنى معه، أو قاسم إن كان مثله ينقسم، أو يبيع ممن يبني مع الشريك قال: وهذا القول أقيس فلا اعتراض على صاحب الإرشاد، وقال ابن عرفة: ولابن عبدوس عن ابن كنانة: لا يجبر أحدهما على بنائه ومن شاء منهما ستر على نفسه، وقال ابن القاسم: يقال لمن أبى إما أن تبني، أو تبيع، أو تقاسم ولابن حبيب عن ابن الماجشون يجبر الآبي منهما على البناء، وإن طلب قسم موضع الجدار فليس له ذلك انتهى. فالحاصل من كلام صاحب التوضيح وصاحب الإرشاد أنه إن أمكن قسمه قسم، وإن لم يمكن قسمه فإما بنى معه، أو باع، وهذا هو الراجح الذي رجحه صاحب الكافي وابن عبد السلام والتلمساني، واقتصر عليه في الإرشاد، وهذا داخل تحت قول المصنف: "وقضى على شريك فيما لا ينقسم أن يعمر، أو يبيع" والله أعلم. وعلى ذلك حمل التتائي كلام صاحب الإرشاد ورد على من اعترض، ونصه في قول صاحب الإرشاد المتقدم: أي، وإن انهدم الجدار بنفسه فإن أمكن قسم عرصة بينهما قسمت وإلا يمكن قسمتها أجبر الممتنع على البناء معه أي مع الشريك والطالب لذلك، ومسألة المصنف هذه داخلة تحت قول صاحب المختصر: "وقضى على شريك فيما لا ينقسم أن يعمر، أو يبيع". وما اعترض به بعضهم على المصنف من أن هذه مسألة الجلاب ذات الروايتين الأولى الجبر على البناء مع شريكه والأخرى عدم الجبر لكن يقسمان عرصة الحائط ونقضه، ثم يبني من شاء منهما لنفسه، وإن ابن الجلاب إنما جعل قسمة العرصة مفرعة على الرواية بعدم الجبر على البناء سهوا ولأن المصنف إنما ذكر الجبر مع عدم إمكان القسم وابن الجلاب مع إمكانه وأين أحدهما من الآخر، فتأمله انتهى كلامه بلفظه، والله أعلم.
فرعان: الأول: قال ابن عرفة: وفيها مع غيرها: منع أحد الشريكين بمجرد الملك في شيء تصرف فيه دون إذن شريكه لملزوميته التصرف في ملك الغير بغير إذنه الشيخ لابن حبيب عن الأخوين: ليس لأحد مالكي جدار أن يحمل عليه ما يمنع صاحبه من حمل مثله عليه إن احتاج

(7/117)


وبهدم بناء بطريق، ولو لم يضر
__________
إلا بإذنه، وإن كان لا يمنع صاحبه أن يحمل عليه مثل سقف بيت، أو غرز خشبه فذلك له، وإن لم يأذن انتهى. وقال ابن الحاجب: ولكل المنع في الجدار المشترك قال في التوضيح يعني لكل واحد من الشريكين منع شريكه من التصرف في الجدار المشترك حتى يأذن له شريكه كسائر المشتركات ونحوه لابن عبد السلام وفي المعونة الحائط المشترك ليس لأحد الشريكين أن يتصرف فيه، ولا أن يحدث فيه شيئا إلا بإذن شريكه انتهى. ونحوه في التلقين ونحوه لابن جزي في القوانين وتقدم في كلام ابن الجلاب وصاحب العمدة والتلمساني نحو ذلك فانظر ما حكاه ابن عرفة عن الشيخ لابن حبيب عن الأخوين من التفصيل المتقدم هل هو مخالف لما عزاه للمدونة وغيرها من الإطلاق، أو مقيد له، فتأمله، والله أعلم.
الثاني: قال في النوادر من كتاب ابن سحنون من سؤال ابن حبيب سحنونا عن الحائط بين الرجلين وهما مقران بذلك ولكل واحد منهما خشب، وخشب أحدهما أسفل من الآخر فأراد رفعها إلى حذاء خشب صاحبه فمنعه قال: ليس له أن يمنعه فإن أنكر الذي خشبه أعلى أن يكون لصاحب الخشب السفلي من فوق خشبه شيء قال: القول قوله يريد مع يمينه قال: لأنه حائز لما فوق خشب الأسفل، يريد ولا عقد في ذلك الزائد الأسفل انتهى. وقوله: "أنكر الذي خشبه أعلى إلى آخره" معناه أن صاحب الخشب الأعلى ادعى أن ما فوق خشب الأسفل خاص به وليس ثم ما يشهد في ذلك الزائد الأسفل من عقد جدار، أو ربط ونحو ذلك، ومراده بالزائد الأسفل ما تحت خشب الأعلى إلى خشب الأسفل، والله أعلم. ص: (وبهدم بناء بطريق، ولو لم يضر) ش: ذكر رحمه الله فيمن اقتطع سبيلا من طريق المسلمين، وتزيده وأدخله في بنيانه قولين أحدهما وهو المشهور أنه يهدم عليه ما يزيده من الطريق وأدخل في بنائه، ولو كان الطريق واسعا جدا لا يضره ما اقتطعه منه، والقول الثاني أنه إن كان ما اقتطعه يضر

(7/118)


__________
بالطريق هدم عليه وإلا فلا، وهو المشار إليه بلو في قوله، ولو لم يضر وفهم من كلام المصنف أن الخلاف المذكور إنما هو بعد الوقوع. وأما ابتداء فلا يجوز البناء بلا خلاف وهو كذلك، وكذلك فهم من كلامه أنه لو كان البناء مضرا بالطريق لهدم عليه بلا خلاف وهو كذلك أيضا كما ستقف عليه في كلامهم قال في العتبية في كتاب السلطان في سماع عبد الملك الملقب بزونان وسألته عن الرجل يتزيد في داره من طريق المسلمين ذراعا، أو ذراعين فإذا بنى جدارا وأنفق عليه وجعله بيتا قام عليه جاره الذي هو مقابله من جانب الطريق فأنكر عليه ما تزيد، ورفعه إلى السلطان وأراد أن يهدم ما تزيد من الطريق وزعم أن سعة الطريق كان رفقا به؛ لأن ذلك كان فناء له ومربطا لدابته وفي بقية الطريق ممر للناس وكان فيما بقي من سعة الطريق ثمانية أذرع، أو تسعة هل لذلك الجار إلى هدم بنيان جاره الذي بنى سبيل، أو رفع ذلك بعض من كان يسلك تلك الطريق وفي بقية سعته ما قد أعلمتك؟ فقال: يهدم ما بنى، وإن كان في سعة الطريق ثمانية أذرع، أو تسعة لا ينبغي لأحد التزيد من طريق المسلمين. وينبغي للقاضي أن يقدم في ذلك إلى الناس، وينهى إليهم أن لا يحدث أحد بنيانا في طريق المسلمين وذكر أن عثمان بن الحكم الجذامي حدثه عن عبيد الله بن عمر عن أبي حازم أن حدادا ابتنى كيرا في سوق المسلمين قال فمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرآه فقال: لقد انتقصتم السوق ثم أمر به فهدمه قال أشهب: نعم يأمر السلطان بهدمه رفع ذلك إليه من كان يسلك الطريق، أو رفع ذلك جيرانه لا ينبغي لأحد التزيد من طريق المسلمين كان في الطريق سعة، أو لم يكن، كان مضرا ما تزيد، أو لم يكن مضرا يؤمر بهدمه، وينبغي للسلطان أن يتقدم في ذلك إلى الناس أن لا يتزيد أحد من طريق المسلمين.
قال ابن رشد: اتفق مالك، وأصحابه فيما علمت أنه لا يجوز لأحد أن يقتطع من طريق المسلمين شيئا فيتزيده في داره ويدخله في بنيانه، وإن كان الطريق واسعا جدا لا يضره ما اقتطع منه، واختلفوا إن تزيد في داره من الطريق الواسعة جدا ما لا يضر بها، ولا يضيقها على المارة فيها فقال ابن وهب وأشهب: يهدم عليه ما تزيد من الطريق وتعاد إلى حالها وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه وقول مطرف وابن الماجشون في الأبرجة يبنيها الرجل في الطريق ملصقة بجداره واختيار ابن حبيب على ظاهر ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الكير الذي أنشئ في السوق فأمر به فهدم ووجه هذا القول أن الطريق حق لجميع المسلمين كالحبس فوجب أن يهدم على الرجل ما تزيده في داره منها كما يهدم عليه ما تزيد من أرض محبسة على طائفة من المسلمين، أو من ملك الرجل بعينه وقيل إنه لا يهدم عليه ما تزيده من الطريق إذا كان ذلك لا يضر بها لسعتها لما له من الحق فيه إذ هو بناؤه له الانتفاع به وكراؤه، والأصل في ذلك ما جاء من أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى بالأفنية لأرباب الدور، وأفنيتها ما أحاط بها من جميع نواحيها فلما كان أحق بالانتفاع من غيره ولم يكن لأحد أن

(7/119)


__________
ينتفع به إلا إذا استغنى هو عنه وجب أن لا يهدم عليه بنيانه فيذهب ماله هدرا وهو أعظم الناس حقا في ذلك الموضع بل لا حق لأحد معه فيه إذا احتاج إليه فكيف إذا لم يتوصل إلى أخذه منه مع حاجته إليه إلا بهدم بنيانه وتلف ماله؟ وهذا بين لا سيما ومن أهل العلم من يبيح له ذلك ابتداء في المجموعة من رواية ابن وهب عن ابن سمعان أن من أدرك من العلماء قالوا في الطريق يريد أهلها بنيان عرصتها: إن الأقربين إليها يقتطعونها على قدر ما شرع فيها من رباعهم بالحصص فيعطى صاحب الربع الواسع بقدره، وصاحب الصغير بقدره ويتركون لطريق المسلمين ثمانية أذرع قال ابن رشد: وإنما قالوا ثمانية أذرع احتياطا، والله أعلم. ليستوفي فيها السبعة الأذرع المذكورة في الحديث على زيادة الذراع ونقصانه، وهذا القول الثاني أظهر والقائلون بالأول أكثر وكل مجتهد مصيب، وقد نزلت بقرطبة قديما واختلف الفقهاء فيها فأفتى ابن لبابة وأبو صالح أيوب بن سليمان ومحمد بن الوليد بأنه لا يهدم ما تزيده من الطريق إذا كان ذلك لا يضر بها وأفتى عبد الله بن يحيى وابنه يحيى ويحيى بن عبد العزيز وسعد بن معاذ وأحمد بن بيطير بأن يهدم ما تزيد منه على كل حال وبالله التوفيق انتهى.
وما استظهره ابن رشد بأنه لا يهدم عليه ما تزيد من الطريق إذا كان ذلك لا يضر بها أفتى به أيضا في نوازله، ورجحه في سؤال كتب به إليه القاضي عياض يسأله عن شخص بنى حائطا بجنته في بطن واد، وقد كان حائطه دون ذلك فأجابه إن كان الحائط الذي بناه يضر بالطريق، أو بجاره فيهدم ما بناه، وإن كان الحائط لا يضر بالطريق، ولا بجاره لم يهدم عليه، وهذا على القول بأن من تزيد من طريق المسلمين في داره ما لا يضر بالطريق لا يهدم بنيانه، والذي يترجح عندي من القولين أنه لا يهدم عليه بنيانه إذا لم يضر بالطريق لما له من الحق في البناء وهو الذي أقول به في هذه المسألة، وأن من أهل العلم من يبيح ذلك ابتداء انتهى. وقال في العتبية أيضا في رسم الأقضية، والحبس من كتاب السلطان: قال أصبغ: سألت أشهب عن رجل يهدم داره وله الفناء الواسع فيزيد فيها من الفناء يدخله بنيانه، ثم يعلم بذلك قال: لا يتعرض له إذا كان الفناء واسعا وبراحا لا يضر الطريق، وقد كرهه مالك وأنا أكرهه، ولا آمر به، ولا أقضي عليه بهدمه إذا كان الطريق واسعا وبراحا لا يضر ذلك بشيء منه، ولا يحتاج إليه، ولا يقاربه المشي قال أصبغ: في الرجل يبني دارا له فيأخذ من طريق المسلمين شيئا يزيده فيها كان ذلك مضرا بطريق المسلمين، أو لا يضر أترى ذلك جائزا؟ وهل تجوز شهادة مثل هذا؟ قال أصبغ: إن كان اقتطعه اقتطاعا فما يضر بالطريق والمسلمين وأدخله في بنيانه وكان إدخاله فيما يرى بمعرفة لا بجهالة، أو وقف عليه فلم يبال فلا أرى أن تجوز شهادته، ويهدم بنيانه إذا أضر جدا، وإن كانت الطريق واسعة جدا كبيرة وكان الذي أخذ الشيء اليسير جدا الذي لا يضر، ولا يكون فسادا في صغير ما أخذ وسعة الطريق وكثرته فلا أرى أن يهدم بنيانه، ولا يعرض له، وقد سألت أشهب عنها بعينها ونزلت عندنا فكان هذا رأيي فيها فسألته عنها فقال لي مثله.

(7/120)


__________
قال ابن رشد: هذا من قول أصبغ وروايته عن أشهب خلاف ما مضى قبل هذا في سماع زونان، وقد مضى القول على ذلك هناك مجودا مستوفى فلا وجه لإعادته هنا، وبالله التوفيق. ويشير بذلك لكلامه المتقدم، ونقل ابن عرفة كلام ابن رشد المتقدم مختصرا فقال: قال ابن رشد: ولا يباح لذي الفناء أن يدخله في داره فإن فعل وهو يضر بالطريق هدم عليه ورد كما كان، وإن كان لا يضر ففي هدمه قولان: لسماع زونان ابن وهب مع أشهب وأصبغ مع سماعه من أشهب، والقائلون بالأول أكثر، والثاني أظهر انتهى. وقد استوفى ابن سهل في أحكامه الكبرى الكلام على هذه المسألة في مسائل الاحتساب في ترجمة الاحتساب على ابن السليم فيما اقتطعه من المحجة وضمه إلى جنته وذكر النازلة بقرطبة التي أشار إليها ابن رشد في كلامه المتقدم، وذكر فتاوى المشايخ الذين ذكرهم ابن رشد وغيرهم ولم يخرج أحد منهم في استدلاله عن مسألة العتبية، وقد نقل في أثناء جواب يحيى بن عبد الله بن يحيى عن محمد بن أصبغ أن أباه أصبغ رجع عن قوله أنه لا يهدم ما لا يضر إلى أنه يهدم. ونصه: وحدثني محمد بن أصبغ بن الفرج أن أباه أصبغ رجع عن قوله فيمن اقتطع من أفنية المسلمين شيئا، وأدخله في داره أنه إذا كان واسعا رحراحا أنه لا يهدم فرجع عن ذلك، وقال: ويهدم ويرد إلى حالته، وقال: إن الأفنية، والطريق كالأحباس للمسلمين لا يجوز لأحد أن يحدث فيها حدثا إلا من ضرورة، واضطر إلى ذلك ثم نقل عن ابن غالب في أثناء جوابه ما نصه: ورأيت بعض أصحابنا قد ذهب إلى اختيار قول أصبغ: إنه لا يهدم على المقتطع من طريق المسلمين ما اقتطع إذا كان الطريق واسعا رحراحا فاختار برأيه ما رآه صوابا. والذي نراه، والله نسأله التوفيق اتباع قول المتقدمين يعني الهدم وهو إلى التوفيق أقرب إن شاء الله، والعجب من الذي اختار قول أصبغ كيف فارق قول عمر المعروف عنه وما علمته أرخص فيها لأحد قط وما أظن به إلا أنه اجتهد، والله نسأله التوفيق ثم قال في آخر كلامه بعد ذكر أجوبتهم: وقد ذكر ابن حبيب رحمه الله هذه المسألة في كتابه بأحسن مساق وأقرب ألفاظ وأبين معان مما وقع في العتبية، ولم يذكر ذلك كل واحد، ولا خرجوا عما في العتبية فدل على مغيب ما في كتاب ابن حبيب عنهم وعزوبه عن ذكرهم ورأيت نقله إذ فيه تتميم لمسألتهم.
قال ابن حبيب: سألت مطرفا وابن الماجشون عن الرجل يبني أبرجة في الطريق ملصقة بجداره هل يمنع من ذلك ويؤمر بهدمها إذا فعل ذلك؟ فقالا لي: نعم ليس له أن يحدث في الطريق شيئا ينتقصه به، وإن كان ما أبقى من الطريق واسعا لمن سلكه قال ابن حبيب: وسألت أصبغ بن الفرج عن ذلك فقال لي: إن له ذلك إذا كان ما وراءها من الطريق واسعا قال لي أصبغ: وذلك أن عمر بن الخطاب قضى بالأفنية لأرباب الدور. وقال لي: فالأفنية دون الدور كلها مقبلها ومدبرها ينتفعون بها ما لم تضيق طريقا، أويمنع ما يضر بالمسلمين، فإذا كان لهم

(7/121)


__________
الاتساع بغير ضرورة حموه إن شاء الله، ومن أدخل منهم في بنيانه ما كان له أن يحميه ببرج يسد داره، أو حظر حظيرة وزاده في داره لم ير أن يعرض له، ولا يمنع إذا كان الطريق وراءه واسعة منبسطة لا تضر بوجه من الوجوه، ولا تضيق قال: وأكره له ابتداء أن يحظره، أو يدخله في بنيانه مخافة الإثم عليه، وإن فعل لم أعرض عليه فيه بحكم ولم أمنعه منه وقلدته منه ما تقلد. وقد بلغني أن مالكا كره له البنيان، وأنا أكره له بدءا فإذا فات على ما وصفنا لم أر أن يعرض له فيه قال أصبغ: وقد نزل مثل هذا عندنا، واستشارني فيه السلطان وسألني النظر إليه يومئذ، فنظرت فرأيت أمرا واسعا جدا فجا من الفجاج وكان له محيط محظور عن الطريق يجلس فيه الباعة فكسره، وأدخله في بنيانه فرأيت ذلك واسعا، وأشرت به على السلطان فحكم به، وسألت عنه أشهب يومئذ فذهب مذهبي، وقال مثل قولي قال ابن حبيب: وقول مطرف وابن الماجشون فيه أحب إلي وبه أقول إلا أن يكون له أن ينتقص الطريق والفناء ببناء يسد به جداره، أو يدخله في داره، وإن كانت الطريق واسعة صحراء في سعتها؛ لأنها حق لجميع المسلمين ليس لأحد أن ينتقصه كما لو كان حقا لرجل لم يكن لهذا أن ينتقصه إلا بإذنه ورضاه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أخذ شبرا من الأرض بغير حقه طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين" 1. وإنما يفسر قضاء عمر بن الخطاب بالأفنية لأرباب الدور بالانتفاع للمجالس، والمرابط والمساطب وجلوس الباعة فيه للبياعات الخفيفة، والأفنية وليس بأن تحاز للبنيان، والتحظير، وكذلك سمعت من أرضى من أهل العلم يقول في تأويل ذلك ثم ذكر ابن حبيب خبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هدم كير الحداد وأثرا عن النبي صلى الله عليه وسلم في اقتطاع الأفنية والطرق والوعيد في ذلك في المجموعة.
روى ابن وهب عن ابن سمعان أن من أدرك من العلماء قالوا في الطريق يريد أهلها بنيان عرصتها أن الأقربين يقتطعونها بالحصص على قدر ما شرع فيها من رباعهم فيعطى صاحب الربعة الواسعة بقدر ما شرع فيها من رباعهم وصاحب الصغيرة بقدرها ويتركون لطريق المسلمين قال القاضي ابن سهل: وهذا أشد ما أنكره منكرهم من قول أصبغ، لأن أصبغ كرهه ابتداء ورأى أن تركه لمن فعله إذا كان واسعا رحراحا فجا من الفجاج، وقال ابن أبي زيد في نوادره: قال لنا أبو بكر بن محمد اختلف أصحابنا فيمن يزيد في بنيانه من الفناء الواسع لا يضر فيه بأحد فروى ابن وهب عن مالك أنه ليس له ذلك، وقال عنه ابن القاسم لا يعجبني ذلك ولابن وهب عن ربيعة في المجموعة من بنى مسجدا في طائفة من داره فلا يتزيد فيه من الطريق، وقال مالك: لا بأس بذلك إن كان لا يضر بالطريق وفي كتاب ابن سحنون وسأله ابن حبيب عمن أدخل في داره من زقاق المسلمين النافذ شيئا فلم يشهد به
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب المساقاة حديث 137، 141.

(7/122)


.............................
__________
الجيران إلا بعد عشرين سنة قال إذا صحت البينة فليرد ذلك إلى الزقاق، ولا تحاز الأزقة وفي موضع آخر إن كان ضرر ذلك بينا، ولا عذر للبينة في ترك القيام فهي جرحة، وهذا كله لم يقف القوم عليه، ولا بلغهم مطالعته، ولو علموه لنقلوه وآثروا ذكره وقول محمد بن غالب: "والعجب من الذي اختار قول أصبغ كيف فارق قول عمر"، هو أعجب مما تعجب منه؛ لأنه تكلم بغير تدبر وأنكر قبل أن يفكر؛ لأن قول أصبغ قد رواه عن أشهب فصار ذلك مختارا لقولهما وقول أصبغ وروايته عن أشهب ينضاف إليها ما ذكر لابن سمعان عمن أدرك من العلماء ويوشك أن يكونوا من التابعين مع اختلاف قول مالك في هذا الأصل، ومن استظهر بهذا كله في جوابه لا يتسع عليه في مخالفة عمر رضي الله عنه؛ لأن هؤلاء كلهم لم يخالفوه إلا إلى أصل اجتمعوا على القول به إلا عن علم مع أن حديث عمر وجواب أصبغ ومن وافقه مختلف المعنى في الظاهر؛ لأن المعهود في طريق الأسواق أن فيها الضيق في ساحتها على أن ينتقص منها وهي مجتمع الناس فهم يحتاجون إلى حيث يجولون ويتصرفون، وكذلك في حديث عمر أنه قال حين أمر بهدم الكير: يضيقون على الناس والطريق في مسألة أصبغ كان واسعا ظاهر الاتساع غير مضر بالمارة، وكان الاستحسان عنده لمن تزيد من مثل هذا الطريق أن يترك لئلا يفسد عليه ما بنى ويذهب إنفاقه باطلا ولعله كان مضطرا إلى ذلك لضيق ساحة داره وتقصيرها عما يقوم به في مسكنه، فالمختار على هذا غير مخالف بل هو مجتهد في النظر واضع للاستحسان في موضعه، والله ولي التوفيق انتهى كلام ابن سهل بلفظه.
تنبيهان: الأول: تحصل من هذا ما تقدم في كلام ابن رشد أنه اتفق مالك وأصحابه أنه لا يجوز لأحد ابتداء أن يقتطع من الطريق شيئا ويدخله في بنيانه، وإن كان الطريق واسعا جدا لا يضره ما اقتطع منه فإن اقتطع منها شيئا وأدخله في بنيانه فإن كان مما يضر بها ويضيقها على المارة هدم عليه ما تزيد منها وأعيدت إلى حالها بلا خلاف، وإن كان مما لا يضر بها، ولا يضيقها على المارة فاختلف في ذلك على قولين: الأول: أنه يهدم عليه ما تزيد منها وتعاد إلى حالها وهو الذي شهره المصنف. الثاني: أنه لا يهدم عليه ما تزيد منها إذا كان ذلك لا يضر بها، ولا يضيقها على المارة لسعتها، واستظهره ابن رشد في البيان ورجحه في نوازله وهو المشار إليه بـ"لو" في قول المصنف: "ولو لم يضر" والله أعلم.
الثاني: إن قيل: قول ابن رشد في أول كلامه اتفق مالك وأصحابه فيما علمت أنه لا يجوز لأحد أن يقتطع من طريق المسلمين شيئا إلى آخر كلامه السابق يناقضه قوله في آخر كلامه في البيان بعد استظهاره للقول بعدم الهدم لا سيما من أهل العلم من يبيح

(7/123)


وبجلوس باعه بأفنية الدور للبيع إن خف ،
__________
له ذلك ابتداء، واستشهاده على الجواز ابتداء بما في المجموعة من رواية ابن وهب عن ابن سمعان عمن أدرك من العلماء بما قالوه في الطريق يريد أهلها بنيان عرصتها إذ مقتضى ذلك وجود الخلاف في البناء ابتداء، وكذا قوله في نوازله بعد ترجيحه للقول بعدم الهدم إذ من أهل العلم من يبيح له ذلك ابتداء فالجواب أن مراده بأهل العلم خارج المذهب كما دل على ذلك كلام ابن سهل المتقدم حيث قال: وقول أصبغ وروايته عن أشهب ينضاف إليها ما ذكره ابن سمعان عمن أدرك من العلماء ويوشك أن يكونوا من التابعين، والله أعلم. ص: (وبجلوس باعة بأفنية الدور للبيع إن خف) ش: قال ابن عرفة: وفناء الدار هو ما بين يدي بنائها فاضلا عن ممر الطريق المعد للمرور غالبا كان بين يدي بابها، أو غيره وكان بعض شيوخنا يشير لأنه الكائن بين يدي بابها وليس كذلك لقولها في كتاب القسم: وإن قسما دارا على أن يأخذ كل واحد طائفة فمن صارت له الأجنحة في حظه فهي له، ولا يعد من الفناء، وإن كانت في هواء الأفنية وفناء الدار لهم أجمعين الانتفاع بها انتهى. قلت: وكأنه لم يقف على نص في تفسير الفناء إلا ما أخذه من كتاب القسم، وقد صرح بذلك ابن بطال في مقنعه فقال: الأفنية دور الدور كلها مقبلها ومدبرها انتهى.
فرع: قال في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان: سئل مالك عن الأفنية التي تكون في الطريق يكريها أهلها أذلك لهم وهي طريق المسلمين؟ قال: أما كل فناء ضيق إذا وضع فيه شيء أضر ذلك بالمسلمين في طريقهم فلا أرى أن يمكن أحد من الانتفاع به وأن يمنعوا وأما كل فناء إن انتفع به أهله لم يضيق على المسلمين في ممرهم - لسعته فلا أرى به بأسا. ابن رشد: وهذا كما قال إن لأرباب الأفنية أن يكروها - ممن يصنع فيها ما لا يضر بالطريق على المارة؛ لأنهم إذا كان لهم أن ينتفعوا بها على هذه الصفة وكانوا أحق بذلك من غيرهم كان لهم أن يكروها، لأن ما كان للرجل أن ينتفع به كان له أن يكريه، وهذا مما لا أعلم فيه خلافا انتهى. وقال قبله في رسم طلق بن حبيب في السماع المذكور: وسئل مالك عن رجل له داران وهما في رحبة، وأهل الطريق ربما ارتفقوا بذلك الفناء إذا ضاق الطريق عن

(7/124)


__________
الأحمال وما أشبهه فدخلوا عليه فأراد أن يجعل عليه نجافا وبابا حتى تكون الرحبة له فناء، ولم يكن على الرحبة باب، ولا نجاف قال: ليس له ذلك قال ابن رشد هذا كما قال: إنه ليس له أن يجعل على الرحبة نجافا وبابا ليختص بمنفعتها ويقطع ما للناس من الحق في الارتفاق بها؛ لأن الأفنية لا تحجر إنما لأربابها الارتفاق بها وكراؤها فيما لا يضيقها على المارة فيه من الناس، ولا يضر بهم فيه على ما يأتي في رسم تأخير صلاة العشاء بعد هذا، وقد اختلف فيمن تحجر من الفناء الواسع الشيء اليسير الذي لا يضر تحجيره بمن يمر في الطريق هل يقر ذلك أم يهدم عليه على ما يأتي في رسم زونان وسماع أصبغ بعد هذا انتهى. ويشير برسم تأخير صلاة العشاء لكلامه الذي فوق هذا وبسماع زونان وسماع أصبغ لما تقدم في شرح قول المصنف: "ويهدم بناء بطريق، ولو لم يضر". والنجاف قال في الصحاح: العتبة وهي أسكفة الباب انتهى.
تنبيه: قال ابن عرفة في إحياء الموات والطرق إثر قول ابن رشد المتقدم "لأن ما كان للرجل أن ينتفع به كان له أن يكريه" ما نصه: قلت: وهذه الكلية غير صادقة؛ لأن بعض ما للرجل أن ينتفع به لا يجوز له أن يكريه كجلد الأضحية وبيت المدرسة للطالب ونحوه انتهى. ولم يتعقبه بنقل يرده لكن قال قبله بنحو السبعة الأوراق ابن الحاجب تابعا لابن شاس: والمحفوفة بالملك لا تختص ولكل الانتفاع بملكه وحريمه قلت: في تسوية الانتفاع بحريمه وملكه بمجرد عطفه عليه نظر؛ لأن مسمى حريمه المغاير لمسمى ملكه لعطفه عليه إنما يصدق على الفناء وليس انتفاعه به كانتفاعه بملكه لجواز كرائه ملكه مطلقا وأما فناؤه فسمع ابن القاسم ونقل كلام العتبية المتقدم وكلام ابن رشد وكلامه المتقدم ذكره ويشهد لما قاله ابن عرفة من أنه ليس انتفاعه بفنائه كانتفاعه بملكه قول ابن رشد في شرح ثاني مسألة من الأقضية: "أفنية الدور المتصلة بطريق المسلمين ليست بملك لأرباب الدور كالأملاك المحوزة التي لأربابها تحجيرها على الناس لما للمسلمين من الارتفاق بها في مرورهم إذا ضاق الطريق عنهم بالأحمال وشبهها إلا أنهم أحق بالانتفاع بها فيما يحتاجون إليه من الرحى وغيره". وسيأتي في الفرع الذي في آخر القولة عن ابن رشد وابن أبي زيد نحو هذا ورأيت في مسائل الضرر من البرزلي ما نصه لا شك أنه أي رب الفناء مقدم في الانتفاع بالفناء في ربط دابته وإلقاء كناسته وحفر بئر مرحاض ونحو ذلك ما لم يضر بالمارة حتى ادعى ابن رشد أن له كراءه؛ لأن من ملك المنفعة جاز له كراؤها والصواب أن له الانتفاع فقط فليس له فيه التصرف التام انتهى.
قلت: في قوله: "ادعى ابن رشد" نظر، لأنه يقتضي أن ابن رشد قال ذلك من نفسه، وقد علمت أنه قول مالك كما تقدم، وقال الأبي في شرح مسلم في كتاب الصلاة في حديث اتخاذ المساجد: الفناء ما يلي الجدران من الشارع المتسع النافذ فلا فناء للشارع الضيق؛ لأنه لا يفضل منه شيء عن المارة وكذا لا فناء لغير النافذة؛ ولأن للأفنية حكم الطريق وهي لا تملك، وإنما لأربابها الانتفاع بها واختلف هل لهم أن يكروها؟ انتهى. ويفهم من كلام المصنف أنه لا

(7/125)


__________
كراء لهم خصوصا من قوله بعده: "وللسابق" والله أعلم. وقوله: "إن خف" هو نحو قول ابن الحاجب: "ولا يمنع الباعة منها فيما خف، ولا غيرهم". قال في التوضيح في إحياء الموات: احترز بقوله: "فيما خف" مما يستدام. خليل وعلى هذا فلا ينبغي أن يشترى من هؤلاء الذين يغرزون الخشب في الشوارع عندنا؛ لأنهم غصاب للطريق، وقاله سيدي أبو عبد الله بن الحاج رحمه الله انتهى. قال ابن عرفة في إحياء الموات والطرق الشيخ في المجموعة والواضحة روى ابن وهب أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتطع من طريق المسلمين وأفنيتهم شبرا من الأرض طوقه الله من سبع أرضين" وقضى عمر بالأفنية لأرباب الدور ابن حبيب تفسيره يعني بالانتفاع بالمجالس والمرابط والمساطب وجلوس الباعة للبيع الخفيف ومر عمر بكير حداد في الطريق فأمر به فهدم، وقال: يضيقون على الناس السوق انتهى.
تنبيه: قوله: والمساطب لعل المراد به الدكك التي تبنى إلى جانب الأبواب ويؤيده ما ذكره في النوادر بعد هذا الكلام الذي ذكره ابن عرفة ونصه: وسأل ابن حبيب سحنونا عمن بنى على باب داره في السكة دكانا وهي لا تضر بالزقاق غير أنها قبالة دار رجل وهي تضر به؛ لأنه يقعد عليها ويقعد ناس فقال: يمنع من بنائها إذا كانت تضر بالآخر انتهى. ومفهومه أنها لو لم تضر بالآخر لم يمنع من بنائها، ونقله أبو إسحاق التونسي أيضا في كتاب القسمة وابن بطال في مقنعه
فرع: قال ابن رشد في شرح ثاني مسألة من الأقضية إثر قوله المتقدم: أفنية الدور المتصلة بطريق المسلمين ليست بملك لأرباب الدور كالأملاك المحوزة فإذا كان لقوم فناء وغابوا عنه واتخذ مقبرة فمن حقهم أن يعودوا إلى الانتفاع بها للرمي فيها إذا قدموا إلا أنه كره لهم مالك دوسها إذا كانت جديدة مسنمة لم تدس، ولا عفت لما جاء في دوس القبور فعنه صلى الله عليه وسلم "لأن يمشي أحدكم على الرضف خير له من أن يمشي على قبر أخيه" وقال: "إن الميت يؤذيه في قبره ما يؤذيه في بيته" ، وقال ابن أبي زيد : إنما كره لهم دوسها؛ لأنها من الأفنية، ولو كانت من الأملاك المحوزة لم يكن لهم ذلك وروي عن علي رضي الله عنه: واروا وانتفعوا بظهرها ابن رشد لو كانت من الأملاك المحوزة ودفن فيها بغير إذنهم كان من حقهم نبشها وتحويلهم إلى مقابر المسلمين، وقد فعل ذلك بشهداء أحد لما أراد معاوية إجراء العين انتهى.
فرع: وأما اقتطاع شيء من الأفنية والتحويز عليه ببناء، أو غيره فقال ابن عرفة: قال ابن رشد: ولا يباح لذي الفناء أن يدخله في داره فإن فعل وهو يضر بالطريق هدم عليه ويقر كما كان، وإن كان لا يضر ففي هدمه قولان: لسماع زونان ابن وهب وأشهب وأصبغ مع سماعه، والقائلون بالأول أكثر والثاني أظهر ورجحه ابن رشد في نوازله في كتاب الدعوى والخصومات في سؤال كتب به القاضي عياض يسأل عن شخص بنى حائطا بجنبه في بطن

(7/126)


وللسابق: كمسجد،
__________
واد، وقد كان حائطه دون ذلك فأجابه: إن كان الحائط الذي بناه يضر بالطريق، أو بجاره فيهدم ما بناه، وإن كان الحائط لا يضر بالطريق، ولا بجاره لا يهدم عليه، وهذا على القول بأن من تزيد من طريق المسلمين في داره ما لا يضر بالطريق لا يهدم بنيانه، والذي يترجح عندي من القولين أنه لا يهدم عليه بنيانه إذا لم يضر بالطريق لما له من الحق في البنيان، وإن من العلماء من يبيح له ذلك ابتداء وهو الذي أقول به في هذه المسألة انتهى. ص: (وللسابق كمسجد) ش: تصوره واضح، وقد ذكر ابن غازي قولين فيمن قام من الباعة من المجلس ونيته الرجوع إليه في غد فحكى الماوردي عن مالك أنه أحق به حتى يتم غرضه وقيل هو وغيره فيه سواء فمن سبق كان، أولى به قال في الشامل في إحياء الموات: وللباعة وغيرهم الجلوس فيما خف، والسابق أحق من غيره كمسجد، ويسقط حقه إن قام لا بنية عوده وإلا فقولان انتهى. وقاله في التوضيح، وذكر ابن غازي قولين فيمن قام من الباعة من المجلس ونيته الرجوع إليه في غد فحكى الماوردي عن مالك أنه أحق به حتى يتم غرضه وقيل هو وغيره فيه سواء فمن سبق كان، أولى به ثم قال، وهذا الذي اختصر المصنف حيث قضى للسابق للأفنية بها ثم شبه به السابق للمسجد انتهى. فيفهم من كلام ابن غازي أن المصنف رجح القول الثاني وذكر ابن غازي عن شيخه القوري عن العوفية أن من وضع بمحل من المسجد شيئا يحجره به حتى يأتي إليه يتخرج على مسألة هل ملك التحجير إحياء انتهى. ولم يذكر غير هذا
قلت: سيأتي في إحياء الموات أن التحجير ليس بإحياء ونص في المدخل على أنه لا يستحق السبق في المسجد بإرسال سجادته، وأنه غاصب لذلك المحل ونص كلامه في فصل اللباس في ذم الطول في ذلك، والتوسع فيه بأن أحدهم إذا كان في الصلاة وضم ثوبه حصل في النهي الوارد في ذلك، وإن لم يضمه انفرش على الأرض وأمسك به مكانا ليس له أن يمسكه؛ لأنه ليس له في المسجد إلا موضع قيامه وسجوده وجلوسه وما زاد على ذلك فلسائر المسلمين وإذا بسط شيئا يصلي عليه احتاج أن يبسط شيئا كثير السعة لثوبه فيمسك بذلك موضع رجلين، أو نحوه فإن هابه الناس لكمه وثوبه وتباعدوا منه ولم يأمرهم بالقرب فيمسك ما هو أكثر من ذلك فإن بعث سجادة إلى المسجد في أول الوقت، أو قبله ففرشت له هناك وقعد إلى أن يمتلئ المسجد بالناس ثم يأتي يتخطى رقابهم، فيقع في محذورات جملة منها:

(7/127)


وبسد كوة فتحت أريد سد خلفها،
__________
غصبه لذلك الموضع الذي عملت فيه السجادة؛ لأنه ليس له أن يحجره وليس لأحد فيه إلا موضع صلاته ومن سبق كان، أولى، ولا نعلم أحدا يقول إن السبق للسجادة، وإنما هو لبني آدم، فيقع في الغصب لكونه منع ذلك المكان ممن سبقه، ومنها تخطيه لرقاب المسلمين، وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على أن فاعل ذلك مؤذ، وقد ورد "كل مؤذ في النار" انتهى. وظاهر كلام القرطبي في تفسيره في سورة المجادلة أنه يستحق السبق بذلك فإنه قال إذا أمر إنسان إنسانا أن يبكر إلى الجامع فيأخذ له مكانا يقعد فيه، فإذا جاء الآمر يقوم له المأمور لا يكره لما روي أن ابن سيرين كان يرسل غلامه إلى مجلس له في يوم الجمعة فيجلس فيه فإذا جاء قام له منه ثم قال:
فرع: وعلى هذا من أرسل بساطا، أو سجادة فتبسط له في موضع من المسجد انتهى. ونقله الشيخ عبد الله بن فرحون في تاريخ المدينة محتجا به
قلت: وتخريجه إرسال السجادة على إرسال الغلام غير ظاهر، والصواب ما قاله في المدخل، وأن السبق لا يستحق بها، وهذا أسلم من تخطي رقاب الناس إليها وأما مع ذلك فلا يشك في المنع
فرع: قال القرطبي: إذا قعد أحد من الناس في موضع من المسجد لا يجوز لغيره أن يقيمه حتى يقعد مكانه انتهى.
فرع: قال القرطبي: إذا قام القاعد في مكان من المسجد حتى يقعد غيره فيه نظر فإن كان الموضع الذي قام إليه مثل الأول في سماع الإمام لم يكره له ذلك، وإن كان أبعد كره له ذلك؛ لأن فيه تفويت حظه انتهى.
فرع: قال ابن فرحون في تاريخ المدينة الشريفة: قال علماؤنا: يستحب للقاضي والعالم والمفتي اتخاذ موضع من المسجد حتى ينتهي إليه من أرادهم وبذلك قال علماء الحنفية. ونقل في المدارك أن مالكا - رحمه الله تعالى - كان له موضع في المسجد وهو مكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو المكان الذي كان يوضع فيه فرش النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف ثم قال: وفي إقليد التقليد لابن أبي جمرة أن اتخاذ العلماء المساطب والمنابر في المسجد جائز للتعليم والتذكير، وهم أحق بذلك وما في جوامع مصر من ذلك ولم ينكره أهل العلم دليل على ذلك وأما موضع لطلب الأجرة كالمعلمين فلا يكونون أحق بذلك بل ينبغي إزالتها، وكذلك إن وضع للعالم في موضع حصير فهو أحق بذلك، وإن تأخر حتى سبقه غيره ويراعى في ذلك حق من يقصد العلماء فيجدهم في مكانهم انتهى والله أعلم. ص: (وبسد كوة فتحت أريد سدها

(7/128)


__________
خلفها) ش: قال أبو الحسن الكوة بفتح الكاف وضمها والفتح أشهر وهي عبارة عن الطاق انتهى. ونحوه في الصحاح وعلى الفتح فجمعها كوى بكسر الكاف والقصر وكواء بالمد وعلى الضم فجمعها كوى بالضم والقصر والمعنى أن من فتح كوة على جاره فلما قام عليه أراد أن يسد خلفها بشيء فإنه لا يكتفى بذلك بل لا بد من سدها، وفهم من قوله فتحت أنها محدثة وهو كذلك أما لو كانت قديمة فإنه لا يقضى بسدها على المشهور قال في كتاب تضمين الصناع من المدونة: ومن فتح في جداره كوة، أو بابا يضر بجاره في الشرف عليه منه منع فأما كوة قديمة، أو باب قديم لا منفعة له فيه وفيه مضرة على جاره فلا يمنع منه قال ابن يونس في حريم البئر، وقد رأيت بعض فقهائنا يفتي ويستحسن أن له أن يمنعه من التكشف، وإن كانت قديمة، وإن رضيا بذلك لم يتركا؛ لأنهما رضيا بما لا يحل لهما وهو خلاف النصوص، والصواب أن يجبر المحدث أن يستر على نفسه انتهى. يعني المحدث للبنيان قال أبو الحسن: والقدم الذي أراد إنما هو طول المدة وليس أنه أقدم من بناء جاره انتهى. ومن حريم البئر، وقال في تضمين الصناع: والقدم إما سكوت هذا الثاني، أو كان متقدما على بنائه وسكوته مدة حيازة الضرر فيكون مذهبه على هذا أن الضرر يحاز انتهى. وقال القلشاني في شرح الرسالة سمعت شيخنا أبا مهدي يحكي عن ابن عرفة أنه أفتى بأن الكوة القديمة تسد قال؛ لأن المحكوم عليه كان سيئ الحال انتهى. ولعل ابن عرفة إنما أفتى بذلك لكون الجار كان سيئ الحال، وإلا فمذهب المدونة أنه لا يقضى بالسد، وإن كان فيه ضرر على الجار، وقال ابن يونس: وهو المنصوص، وقال ابن فرحون في تبصرته: إنه المشهور وقوى ابن عبد النور في الحاوي القول بسدها.
تنبيه: قال ابن فرحون في وثائق ابن الهندي إذا كان للرجل كوة قديمة يشرف منها على جاره فلا قيام للجار فيها ويجب في التحفظ بالدين أن يتطوع بغلقها من جهة الاطلاع على العورات وأن يكون التحفظ بالدين، أوكد من حكم السلطان انتهى.
تنبيه: أطلق المصنف رحمه الله القضاء بسد الكوة وهو مقيد بما إذا كانت قريبة يمكن الاطلاع منها قال في إحياء الموات من المدونة: ومن رفع بناءه ففتح كوة يشرف منها على جاره منع وكتب عمر في هذا أن يوقف على سرير فإن نظر إلى ما في دار جاره منع، وإلا لم يمنع، وقال مالك: يمنع من ذلك ما فيه ضرر وأما ما لا ينال منه النظر إليه فلا يمنع. قال في التنبيهات: المراد بالسرير السرير المعلوم ومثله الكرسي وشبهه لما قال بعضهم إنه السلم؛ لأن في وضع السلم إيذاء والصعود عليه تكلفا لا يفعل إلا لأمر مهم، وليس يسهل صعوده لكل أحد، وقال ابن أبي زمنين السرير فرش الغرفة وكذا سمعت بعض مشايخنا يفسره وما ذكرناه، أولى لقوله يوضع وراءها؛ لأن الغرفة لا تسمى غرفة إلا إذا كانت بفرش قال أبو الحسن ففهم عياض أنه أراد أرض الغرفة، وهذا بعيد ولعله أراد الفرش المعلوم عند الناس، وانظر هل يؤخذ

(7/129)


__________
من فعل عمر وكتابه إجازة رفع البنيان انتهى. ثم قال في التنبيهات: ومعنى قوله: "فإن نظر إلى ما في دار جاره منع" معناه إذا اطلع من هذه الكوة واستبان منها من دار الآخر الوجوه فإن لم تستبن الوجوه لم يكن ذلك الاطلاع ضررا انتهى. وقال أبو الحسن: قوله: "قال مالك يمنع من ذلك ما فيه ضرر" يعني الاطلاع من غير تقييد بسرير، ولا غيره انتهى.
فرع: قال ابن ناجي في شرح قول الرسالة: فلا يفعل ما يضر بجاره من فتح كوة قريبة يكشف جاره منها: ظاهر كلام الشيخ، وإن كان يشرف منها على بستان جاره فإنه يمنع وهو أحد نقل ابن الحاج في نوازله قال: ولا خلاف أن له أن يطلع على المزارع انتهى. وقال ابن عرفة في نوازل ابن الحاج: لا خلاف في منع الاطلاع على الدور وأما الفدادين والمزارع فلا خلاف في إباحة البناء الذي يطلع منه عليها والجنان مختلف فيها أخبرت به عن ابن الطلاع والكروم القريبة كالجنانات لا سيما عندنا لكثرة تكرار أهلها بعيالهم إليها انتهى. والله أعلم.
فرع: قال المشذالي: فيما سد بالحكم أزيلت شواهده فليقلع عتبة الباب؛ لأنها إن تركت وطال الزمان ونسي الأمر كانت حجة للمحدث ويقول: إنما أغلقته لأعيده متى شئت، وقال بعده وحكى ابن رشد في كيفية قطع ضرر الاطلاع قولين: أحدهما وجوب الحكم بسده وإزالة أثره خوف دعوى قدمه لسماع أشهب الثاني: عدم وجوب سده، والاكتفاء بجعل أمام ذلك ما يستره قاله ابن الماجشون انتهى. وقال المتيطي في مسائل الضرر إن الباب إذا حكم بسده أزيلت أعتابه وعضائده حتى لا يبقى له أثر كذلك روي عن سحنون.
فرع: قال ابن فرحون في تبصرته: من أحدث على غيره ضررا من اطلاع، أو خروج ماء مرحاض قرب جداره، أو غير ذلك من الإحداثات المضرة وعلم بذلك ولم ينكره، ولا عارض فيه عشرة أعوام ونحوها من غير عذر يمنعه من القيام به فلا قيام له بعد هذه المدة وهو كالاستحقاق، وهذا مذهب ابن القاسم قاله ابن الهندي وابن العطار، وقال أصبغ: لا ينقطع القيام في إحداث الضرر إلا بعد سكوت عشرين سنة ونحوها وبالأول القضاء، وقال ابن رشد في البيان في آخر نوازل أصبغ من جامع البيوع: اختلف في حيازة الضرر المحدث فقيل إنه لا يحاز أصلا وإلى هذا ذهب ابن حبيب وقيل إنه تحاز به الأملاك العشرة الأعوام ونحوها وهو قول أصبغ وروي عنه أيضا لا يحاز إلا بالعشرين سنة، ونحوها وكان ابن زرب يستحسن في ذلك خمسة عشر عاما وروى ذلك عن ابن الماجشون، وقال سحنون في كتاب ابنه: إنه يحاز بالأربع سنين والخمس؛ لأن الجار قد يتغافل عن جاره فيما هو أقل من ذلك السنة والسنتين وقيل إن كان ضرره على حد واحد فهو الذي يحاز بالسكوت عليه وما كان يتزايد كالمطمورة إلى جنب الحائط وشبه ذلك فلا حيازة فيه، وبالله التوفيق انتهى. ونقله ابن عرفة وجعل كلامه متضمنا لستة أقوال ثم قال بعده: قلت هذا يعني القول الأخير الذي

(7/130)


__________
يفصل بين ما يتزايد وما لا يتزايد عزاه ابن سهل لنقل ابن أبي زمنين عن فتوى يحيى بن إبراهيم بن مزين ومثل لما لا يزيد بفتح الأبواب والكوى وما يزيد كالكنف وسابعها أي الأقوال مطلق ما زاد على عشرة وثامنها مطلق ما زاد على عشرين لمفهوم نقل ابن سهل عن ابن لبابة قوله العشرين قليل، ونقله عنه سمعت بعض شيوخنا المفتين يقول لا يستحق الضرر بالعشرين سنة إلا بما زاد وذكر ابن سهل الفتوى بالثاني لعبد الله بن يحيى وابن لبابة وأيوب بن سليمان وابن الوليد قال: والقول الآخر لأصبغ في آخر كتاب الاستحقاق فيمن أحدث كوة، أو بابا على دار غيره، أو أندرا على جنانه، أو ميازيب على حائطه وهو ينظر، ولا ينكر لا يستحق هذا بعشرين سنة بعد أن يحلف أنه ما كان عن رضا، ولا تسليم إلا أن يطول بالدهور الكثيرة جدا فيستحقه. قلت: والأظهر عنده تاسعها انتهى.
فرع: قال ابن فرحون في آخر تبصرته في الفصل الثالث عشر في القضاء بنفي الضرر: إذا أحدث الرجل من البنيان ما يجب عليه القيام فيه بالضرر فقام جاره عليه بالقرب من الفراغ من البنيان فعليه اليمين أن سكوته حتى كمل البنيان لم يكن عن إسقاط حقه الواجب له في ذلك من القيام بقطع الضرر انتهى. ففهم من ترتب اليمين عليه إذا قام بقرب الفراغ من الأحداث ترتبها من باب، أولى إذا قام به بعد طول وقلنا: إن له القيام به، ولو طالت المدة، وقد تقدم في الفرع الذي قبل هذا في كلام ابن عرفة عن أصبغ أنه إنما يستحق القيام بالضرر بعد العشرين سنة حتى يحلف أنه ما كان سكوته عن رضا، ولا تسليم ا هـ. وما ذكره ابن فرحون في الحلف بالقيام بالقرب نص عليه في العتبية في أثناء نوازل أصبغ من جامع البيوع ونصه فإذا قام بذلك بعد سنة، أو سنتين كما ذكرت فلا أرى ذلك يلزمه أي الضرر المحدث، ولا يوجب عليه بعد أن يحلف بالله ما كان سكوته بذلك رضا للأبد، ولا تسليما ثم يصرف عنه إذا حلف إلا أن يطول زمان ذلك جدا فلا أرى له بعد ذلك دعوى، ولا تبعة انتهى.
فرع: من أحدث عليه ضرر في ملكه فباعه بعد علمه فهل ينتقل للمشتري ما كان للبائع أم لا، أو يفرق بين أن يكون باعه بعد أن خاصم فللمشتري القيام وإلا فلا ثلاثة أقوال انتهى. من بهرام الكبير في شرح قوله في النكاح "وللسيد رد نكاح عبده بطلقة فقط بائنة إن لم يبعه" وعزاه لابن الجلاب. وقال في التوضيح: ومن باع داره، وقد أحدث عليه جاره مطلعا، أو مجرى ماء، أو غيره من الضرر فقال مطرف وابن الماجشون: إن كان البائع لم يقم في ذلك حين باعها فلا قيام للمشتري، ولو كان قد قام يخاصم فلم يتم له الحكم حتى باع فللمشتري أن يقوم ويحل محله وفي أحكام ابن بطال معناه أن الحاكم قضى به وأعذر وبقي التسجيل والإشهاد، ولو بقي شيء من المدافع والحجج لم يجز البيع؛ لأنه بيع ما فيه خصومة، وهذا أصل مختلف فيه انتهى. وعلى هذا القول اقتصر في الشامل فقال: وحل مبتاع محل بائع خاصم وباع قبل الحكم لا قبل قيامه انتهى. وقال في أواخر تبصرة ابن فرحون الذي أفتى به ابن

(7/131)


__________
عتاب أنه إذا باع بعد علمه به أي بالإحداث فهو رضا منه، ولا كلام للمبتاع، ولا له وروى ذلك ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ ثم ذكر بقية ما في التوضيح ثم قال قال في معين الحكام وفي العتبية ما يدل على أن للمبتاع القيام وفي المتيطية، وقال في مسائل حبيب بن نصران إن كان البائع لم يبين للمبتاع ذلك فهو عيب يوجب الرد إن كان من العيوب الموجبة للرد وليس للبائع القيام على محدث الضرر، وإن لم يطلع البائع على الضرر حتى باع ورد عليه بالعيب وجب للبائع القيام
قال المتيطي: ويتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أن بيعه بعد العلم رضا بترك القيام. والثاني أنه ليس برضا وأن للمبتاع القيام بما كان للبائع القيام به، والثالث أنه ليس برضا من البائع، ولا قيام من المشتري إلا أن له الرد على البائع بالعيب إن لم يعلم به فإن رد عليه فللبائع القيام انتهى. وقال ابن رشد في رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب الأقضية في مسألة من ترك أرضا براحا فاقتسمها الورثة ثم باعوها من غيرهم فأقامت بيد المشتري نحوا من أربعين سنة، أو أكثر ثم إن بعضهم باع حظه من شخص وعليه في حظه مجرى ماء فأراد المشتري أن يمنع من له مرور الماء في تلك الأرض أو يمر به عليه فقال مالك أرى أن يدعوهم القاضي بأصل قسم ما قسموا عليه فإن أتوا به حملهم عليه، وإن لم يكن إلا ما هم عليه أقروا على ذلك وما أرى شيئا الآن أمثل من أن يقروا على حالهم إذا لم يكن قسمهم معروفا. قال ابن رشد: قوله: "أرى أن يدعوهم القاضي بأصل قسم ما قسموا عليه فإن أتوا به حملهم عليه" يريد إن كان في أصل ما اقتسموا عليه مرور الماء على البائع لزمه ولم يكن للمشتري في ذلك كلام إلا أن يكون لم يعلم بذلك فيكون عيبا فيما اشترى إن شاء أن يمسك، وإن شاء أن يرد به، وإن لم يكن في أصل ما اقتسموا عليه أن يمر الماء عليه لم يلزمه ذلك، وكان للمشتري أن يمنع منه فلم ير في هذه الرواية مرور الماء على البائع في أرضه أربعين سنة حيازة عليه، وهذا على القول بأن الضرر لا يحاز ولم يجعل بيعه للأرض رضا منه بترك القيام على المار بمائه فيها وذلك خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ في أن من أحدث عليه ضرر فلم يتكلم فيه حتى باع لزم المشتري ولم يكن له فيه قيام وأحل المشتري محل البائع في القيام عليه بما كان للبائع أن يقوم به عليه إذ قال: إن القاضي ينظر له بما كان ينظر به للبائع بأن يدعو بأصل القسم فيحملهم عليه. ويدخل في هذا اختلاف بالمعنى؛ لأنه إذا لم يجعل بيعه رضا بترك القيام فهو بمنزلة إذا باع ولم يعلم بما أحدث عليه، أو باع بعد أن علم في حال الخصام قبل أن يقضى له، وقد قال في كتاب النكاح الأول من المدونة في الذي يتزوج عبده بغير إذنه فيبيعه قبل أن يعلم أن المشتري بالخيار بين أن يمسك، أو يرد فلا يكون له من الخيار في التفرقة ما كان للبائع وحكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ أنه إذا باع في حال الطلب، والخصام قبل أن يتم له القضاء أن المشتري يتنزل منزلة البائع،

(7/132)


__________
ويكون له من الطلب ما كان له فما كان في كتاب النكاح الأول معارض لهذه الرواية، ولما في الواضحة
ويتحصل في هذه المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أن بيعه بعد العلم الرضا منه بترك القيام، والثاني أنه ليس برضا، ويقوم المشتري بما كان للبائع أن يقوم به، والثالث أنه ليس برضا من البائع، ولا قيام للمشتري، وإنما له الرد على البائع بالعيب إذا لم يعلم به فإن رد عليه كان للبائع القيام، وكذلك إن باع السيد العبد الذي تزوج بغير إذنه بعد أن علم بتزوجه يدخل في ذلك الثلاثة الأقوال انتهى. وقال ابن عرفة في حريم البئر: الباجي: فمن باع داره، وقد أحدث عليه مطلع، أو مجرى ماء، أو غيره من الضرر فقال الأخوان وأصبغ: إن لم يقم حتى باع فلا شيء للمشتري، ولو كان خاصم فيه فلم يتم له الحكم فباع فللمشتري القيام ويحل محله ابن زرقون في أحكام ابن بطال معناه أن الحاكم قضى به، وأعذر وبقي التسجيل والإشهاد، ولو بقي شيء من المدافع والحجج لم يجز البيع؛ لأنه بيع ما فيه خصومة، وهذا أصل فيه تنازع وفيها من أقام بينة غير قاطعة في أرض فلمن هي بيده بيعها. وقال سحنون: بيعها حينئذ غرر، وهذا إن كان البائع في المسألة الأولى قام على محدث الضرر، وإن باع قبل أن يعلم ذلك ففي صحة قيام المبتاع على المحدث وتنزله منزلة البائع ويقوم قيامه ثالثها إنما له الرد على البائع لحبيب عن سحنون، وتقدم قول الأخوين وقولها في العبد يتزوج بغير إذن سيده ثم يبيعه قبل أن يعلم أن لمشتريه رده بالعيب فإن رده فلبائعه القيام به كذا أخذته عمن أرضى من شيوخنا أنها ثلاثة أقوال وتأملت قول الأخوين، وظاهره أن البائع باع بعد علمه بإحداث الضرر ولم يقم به، وهذا لا يختلف في سقوط القيام فيه، فتأمله ابن سهل نزل أن رجلا فتح بابا في زقاق غير نافذ وسكت عنه أهل دوره نحو ثلاثة أعوام وباعوا دورهم فأراد مبتاعوها سد الباب المحدث فأجاب ابن عتاب لا كلام فيه للمبتاع إنما الكلام فيه للبائعين فإن لم يفعلوا حتى باعوا فهو رضا منهم، وقال أحمد بن رشيق فقيه المرية مثله، وقال ابن مالك روى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ لا قيام في ذلك إلا أن يكون البائعون باعوا، وقد خاصموا في ذلك وعلى أن ليس لهم ذلك يدل ما في النكاح الأول من المدونة ابن سهل يريد مسألة العبد يتزوج بغير إذن سيده وفي سماع القرينين من الأقضية ما يدل على خلافه وكذا في وثائق المعروف بالمكوى للمبتاع القيام على محدث الضرر كوكيل البائع على ذلك
قلت: وما أشار إليه في سماع القرينين فيه سكوت ذي أرض على إحداث مرور ماء على أرضه أربعين عاما ثم باع أرضه تلك لا يمنع القيام عليه فقال ابن رشد: لم يلزمه ذلك، ونقل كلام ابن رشد المتقدم ثم قال: قلت: وزعم ابن زرقون أن بيعه بعد علمه بالإحداث مع عدم قيامه به يسقط القيام اتفاقا يريد بأنه إنما يصح هذا أن لو كان ضرر الإحداث يحاز بالعلم به مع السكوت عنه اتفاقا وليس الأمر كذلك لما قاله ابن رشد هنا وفي نوازل أصبغ:

(7/133)


وبمنع دخان: كحمام، ورائحة: كدباغ وأندر قبل بيت، ومضر بجدار، وإصطبل، أو حانوت قبالة
__________
والعجب من قول ابن زرقون هذا مع كثرة اعتماده على كلام ابن رشد انتهى. ص: (وأندر قبل بيت) ش: الأندر بفتح الدال المهملة كذا ضبطه في ضياء الحلوم ولم أقف على غيره وقوله: "قبل بيت" لا مفهوم له بل، وكذلك إذا أحدث الأندر إلى جنب بيت وأضر به فإنه يمنع منه، وكذا إذا أضر بالجنان فإنه يمنع نقله ابن فرحون وغيره، والله أعلم. ص: (ومضر بجدار) ش: تصوره ظاهر.
فرع: قال ابن فرحون في الباب الثالث عشر في القضاء بنفي الضرر: قال ابن الهندي: وإن قام رجل على جاره في شيء يريد إحداثه وادعى أنه ضرر وأقام بينة تشهد بأن الذي يذهب إلى إحداثه يكون فيه ضرر على جاره من اطلاع، وغيره فليس يمنع جاره من عمل ما يريد فإذا تم عمله وثبت الضرر هدم عليه إذا اختار ذلك ولم يكن عنده فيه مدفع انتهى. فتأمله، والله أعلم. ص: (وإصطبل) ش: قال النووي هو بكسر الهمزة وهي همزة أصلية فكل حروف الكلمة أصلية وهو عجمي معرب وهو بيت الخيل ونحوها، وكلام ابن غازي عليه حسن، والله أعلم. ص: (وحانوت قبالة باب) ش: قال ابن غازي هذا في غير النافذة لقوله

(7/134)


باب، وبقطع ما أضر من شجرة بجدار، إن تجددت، وإلا فقولان،
__________
في مقابله: "وباب بسكة نافذة" على أن ما هنا مستغنى عنه بمفهوم قوله آخرا "إلا بابا أن نكب" لأنه في غير النافذة انتهى. قلت: كلام ابن غازي يقتضي التسوية بين الحانوت والباب وهو الذي حكاه ابن رشد في كتاب السلطان وأفتى به ابن عرفة قال البرزلي في أول مسائل الضرر: وقع في الرواية التسوية بين الحانوت وباب الدار، وأن الخلاف فيهما واحد وحكاه ابن رشد في كتاب السلطان من الشرح ورأيت في التعليقة المنسوبة للمازري على المدونة عن السيوري، وغيره من القرويين أن الحانوت أشد ضررا من الباب لكثرة ملازمة الجلوس فيه، وأنه يمنع بكل حال ووقعت بتونس فأفتى شيخنا الإمام يعني ابن عرفة بالتسوية، والصواب ما قال بعض القرويين انتهى. ص: (وإلا فقولان) ش: أي، وإن لم تكن الشجرة متجردة فقولان. نقل ابن عرفة في باب إحياء الموات عن ابن رشد أنه قال في سماع عبد الملك الأظهر قطع ما أضر ما طال من أغصانها يعني وإن لم تكن الشجرة متجردة قال واختاره ابن حبيب ونص كلامه: وسمع عبد الملك ابن وهب من شكا شجرة بدار جاره لإشراف من يطلعها لاجتنائها على داره وخوف أن ينظروا إليه منها لم يكن له قطعها، وله قطع ما دخل من أغصانها في أرضه ابن رشد له قطع ما طال من الحادثة فأضر حائطه، أو دخل هواء حقه وقلعها إن أضرت حائطه، وإن كانت الشجرة قديمة قبل دار الجار فليس للجار قلعها، ولو أضرت بجداره، وفي قطعه ما أضر به مما طال من أغصانها قولا أصبغ مع مطرف وابن الماجشون؛ لأنه علم أن هذا يكون من حال الشجرة فقد حاز ذلك من حريمها، والأول أظهر، واختاره ابن حبيب انتهى.

(7/135)


لا مانع: ضوء، وشمس، وريح، إلا لأندر وعلو بناء وصوت ككمد، وباب بسكة نافذة،
__________
ص: (لا مانع ضوء شمس وريح) ش: هذا هو المشهور في الثلاثة وأما إحداث ما ينقص الغلة فلا يمنع اتفاقا كإحداث فرن قرب فرن آخر، أو إحداث حمام قرب حمام آخر. قاله في معين الحكام وفي التبصرة. ص: (وباب بسكة نفذت) ش: يعني أن من أراد أن يفتح لداره

(7/136)


__________
بابا في سكة نافذة فإن ذلك له، ولا يمنع من ذلك وظاهره، ولو كان في مقابلة باب جاره، وسواء كانت السكة واسعة، أو ضيقة، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله، والسكة بكسر السين المهملة الزقاق قاله في الصحاح والنافذة بالذال المعجمة هي التي يخرج منها من طرفيها واحترز بقوله: "نفذت عن السكة" التي ليست بنافذة وهي التي تكون منسدة من أحد الطرفين قال ابن الحاجب: والطريق المنسدة الأسفل كالملك لأرباب دورها قال ابن عبد السلام إنما جعل الجانب المنسد من أسفلها، وإن أمكن أن يكون أعلاها في المكان؛ لأنه غاية تلك الطريق فشبه أولها بالأعلى وأقصاها بالأسفل؛ لأنها كالوعاء لمن دخل فيها انتهى. فإذا كانت السكة غير نافذة فليس له أن يفتح فيها بابا بغير إذن أهل السكة إلا إذا كان منكبا عن باب جاره المقابل له كما سيصرح بذلك المصنف في قوله: "إلا بابا إن نكب"، وسيأتي الكلام عليه بعد ذكر كلام المدونة، وكلام ابن رشد إن شاء الله وما ذكره المصنف في المسألتين هو مذهب المدونة قال في آخر كتاب القسمة منها وليس لك أن تفتح في سكة غير نافذة بابا يقابل باب جارك، أو يقاربه، ولا تحول بابا لك هنالك إذا منعك؛ لأنه يقول الموضع الذي تريد أن تفتح فيه بابك لي فيه مرفق أفتح فيه بابي وأنا في سترة، ولا أدعك تفتح قبالة بابي، أو قربه فتتخذ علي فيه المجالس وشبه هذا، فإذا كان هذا ضررا فلا يجوز أن تحدث على جارك ما يضره، وأما في السكة النافذة فلك أن تفتح ما شئت، وتحول بابك حيث شئت منها انتهى. وقال ابن رشد في سماع عبد الملك الملقب بزونان من كتاب السلطان بعد أن ذكر الخلاف في المسألتين: فيتحصل في فتح الباب وتحويله عن موضعه في الزقاق الذي ليس بنافذ ثلاثة أقوال أحدها أن ذلك لا يجوز بحال إلا بإذن جميع أهل الزقاق وهو الذي ذهب إليه ابن زرب قياسا على مسألة المدونة في الدار الكبيرة وبه جرى العمل بقرطبة، والثاني أن ذلك له فيما لم يقابل باب جاره، ولا قرب منه، فقطع به مرفقا عنه وهو قول ابن القاسم في المدونة، وقول ابن وهب ههنا، والثالث أن له تحويل بابه على هذه الصفة إذا سد الباب الأول، وليس له أن يفتح فيه بابا لم يكن قبل بحال وهو دليل قول أشهب هاهنا.

(7/137)


__________
ويتحصل في فتح الرجل بابا، أو حانوتا في مقابلة باب جاره في الزقاق النافذ ثلاثة أقوال أحدها أن ذلك له جملة من غير تفصيل وهو قول ابن القاسم في المدونة، وقول أشهب ههنا، والثاني أن ذلك ليس له جملة من غير تفصيل إلا أن ينكب وهو قول سحنون ورواه عنه ابنه محمد وابن حبيب، والثالث أن ذلك له إذا كانت السكة واسعة وهو قول ابن وهب ههنا، والسكة الواسعة ما كان فيها سبعة أذرع فأكثر لما جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الطريق الميتاء سبعة أذرع" وقع ذلك في مسند ابن أبي شيبة من رواية ابن عباس فوجب أن يكون ذلك حد سعة الطريق انتهى. ونقله الشيخ أبو الحسن في شرح كلام المدونة السابق، وقال فيه: إلا بإذن جميع أهل الزنقة وهذه اللفظة يستعملها المغاربة بمعنى الزقاق وليست في كلام ابن رشد، وقال في الصحاح الزنقة السكة الضيقة انتهى. والقول الذي عزاه لابن زرب في السكة الغير النافذة عزاه أبو إسحاق لابن القاسم في كتاب البنيان لسحنون ونصه: قال في كتاب البنيان: قال ابن القاسم: ليس لك في زقاق غير نافذ أن تفتح بابا، أو تقدمه ثم قال: وقال سحنون لا تفتح في غير النافذة شيئا بحال إلا أن يرضى الجماعة.
تنبيهات: الأول: تقدم أن ظاهر كلام المصنف أن له أن يفتح الباب في السكة النافذة، ولو كان في مقابلة باب جاره وسواء كانت السكة واسعة، أو ضيقة، وهذا ظاهر كلام المدونة السابق وصرح ابن رشد بأن ذلك قول ابن القاسم في المدونة، فإنه عزا القول بالتفصيل بين الواسعة والضيقة لابن وهب كما تقدم في كلامه، وقال قبله: إن قول ابن وهب يخالف قول ابن القاسم وروايته عن مالك في آخر كتاب القسمة إذ لم يشترط في المدونة سعة السكة وعلى كلام ابن رشد اعتمد المصنف، وصاحب الشامل فقال في الأمور التي لا يمنع منها: ولا من باب بسكة نافذة، وإن ضاقت عن سبعة أذرع على الأصح، وثالثها إن نكب عن باب جاره، وإلا فلا انتهى. إلا أنه قد يتبادر من كلام صاحب الشامل أن مقابل الأصح أنه يمنع من فتح الباب في السكة النافذة، ولو كانت أكثر من سبعة أذرع وليس كذلك، فتأمله.
وأما المتيطي فجعل قول ابن وهب في العتبية مقيدا لما في المدونة فقال: وأما فتح الأبواب في المحاج النافذة فروى ابن القاسم عن مالك قولا مجملا أن ذلك مباح لمن شاء ويؤمر أن ينكب قليلا عن مقابلة باب دار جاره إلا أن تكون السكة واسعة جدا حتى لا يرى من الباب المفتوح إلا ما يرى من سلك الطريق فله أن يفتحه كيف شاء، وقال قبله: من فتح بابا في سكة نافذة فمنعه جاره وزعم أن في ذلك ضررا على جاره وشهدت البينة بأن الزقاق ضيق وأن من في أسطوان أحدهما ينظر من في أسطوان الآخر فإنه يحكم بغلق الباب المحدث، وكلام ابن رشد السابق يقتضي أن مذهب المدونة أنه لا يمنع من فتح الباب في الزقاق النافذ، ولو كان من في أسطوان إحداهما ينظر من في أسطوان الأخرى وجواب ابن رشد في نوازله يقتضي أنه راعى ما في العتبية فإنه ذكر في مسائل الدعوى والخصومات من نوازله أنه

(7/138)


__________
سئل عن رجلين متجاورين بينهما زقاق نافذ فأحدث أحدهما في داره بابا، أو حانوتين يقابل ذلك باب جاره، ولا يكاد يدخل أحد من أهل داره، ولا يخرج إلا على نظر من الذين يجلسون في الحانوتين المذكورين لعمل صناعتهم وذلك ضرر بين لصاحب الدار، وعياله فأجاب إذا كان الأمر على ما وصفت فيؤمر أن ينكب بابه، وحانوتيه عن مقابلة باب جاره فإن لم يقدر على ذلك، ولا وجد إليه سبيلا ترك ولم يحكم عليه بغلقها انتهى. فدل كلامه على أنه لو وجد سبيلا لتنكيب الباب، والحانوتين عن باب جاره حكم عليه بذلك إذا ثبت أن على جاره في ذلك ضررا فيتحصل من كلامه أنه إذا لم يكن على جاره في ذلك ضرر فله أن يفتح الباب، والحانوت قبالة باب جاره وأما إذا كان على جاره في ذلك ضرر فإن لم يمكنه التنكيب لم يحكم عليه، وإن أمكنه ذلك حكم عليه به، فتأمله والأسطوان بضم الهمزة وبعدها سين مهملة ساكنة هو الدهليز بكسر الدال المهملة، ورأيته في المتيطية بالصاد المهملة فلعل ذلك لغة فيه.
الثاني: قول المصنف في السكة التي ليست بنافذة إلا بابا إن نكب يقتضي أنه إذا كان الباب الذي يفتحه منكبا عن باب جاره الذي يقابله جاز فتحه، ولو كان ذلك بقرب باب دار جاره الملاصق له بحيث إنه يضيق عليه فيما بينه وبين بابه ويقطع ارتفاقه بذلك، وليس كذلك لما تقدم في كلام المدونة وكلام ابن رشد فلو قال المصنف: "إلا بابا إن نكب، ولم يضر بجار ملاصق" لوفى بما في المدونة، وبما في كلام ابن رشد.
الثالث: يدخل في كلام المصنف من له حائط في سكة غير نافذة وليس له فيها باب وأراد أن يفتح في حائطه بابا فله ذلك إن كان منكبا عن باب جاره المقابل ولم يقرب من باب جاره الملاصق له لكن قيد ذلك في الشامل بما إذا كان قصده الارتفاق بذلك وأما إن جعل ذلك طريقا يدخل الناس من باب داره، ويخرجون من هذا الباب المحدث فليس له ذلك وهو ظاهر ولم أر من صرح به، ولكنه يؤخذ من مسألة المدونة الآتية ونص ما في الشامل: وغير النافذة كالملك لجميعهم فبالإذن إلا بابا إن نكب على الأصح، وثالثا إن سد بابه الأول ونكب وإلا فلا، ولا من فتح بابا آخر بظهر داره ليرتفق به إلا أن يجعله طريقا انتهى.
الرابع: لم يذكر المصنف، ولا غيره قدر ما ينكب الباب عن باب جاره في السكة الغير النافذة لكن قد تقدم في كلام ابن رشد عن سحنون أنه ليس له أن يفتح بابا في السكة النافذة إلا أن ينكبه، ونقله أبو إسحاق التونسي في كتاب القسمة ثم قال: قيل له: ينكبه قدر ذراع، أو ذراعين قال: قدر ما يرى أنه يزال به الضرر عن الذي قبالته انتهى. ونقله ابن يونس وابن بطال في مقنعه ومثله يقال هنا، والله أعلم.
الخامس: قال البرزلي في مسائل الضرر ناقلا عن نوازل ابن الحاج: إن من كان له حائط

(7/139)


__________
مصمة في سكة فكان ابن العطار يقول: ليس له منع من أراد فتح باب في السكة حذاء حائطه، وكان ابن عتاب يقول: له منعه كما لو كان له باب البرزلي قلت: هذا الذي يجري على الحق في الفناء هل يختص بمنفعته، فيكون له حق في الزقاق، أو لا فلا يكون له حق انتهى. قلت: سيأتي في كلام الشيخ أبي الحسن أن لكل واحد منهما أن يمنع صاحبه من أن يفتح بقرب جداره؛ لأنه يقول أنا أريد أن أفتح أيضا في جداري فلا تقرب مني حتى لا تضيق علي، فإما أن يفتحا جميعا، أو يمنعا جميعا، والله أعلم.
السادس: قال ابن عرفة في إحياء الموات لما تكلم على السكة التي ليست بنافذة ونقل كلام ابن رشد السابق ما نصه: ولم يحك المتيطي إلا منع إحداث الباب، أو تحويل القديم لقرب باب جداره بحيث يضره ذلك ثم قال: ولو حوله على بعد لم يكن له عليه قيام؛ لأنه لم يزدهم شيئا على ما كان عليه انتهى. قلت: ما ذكره عن المتيطي هو في آخر كلامه وكرر الكلام فيه قبل ذلك وذكر أن ذلك هو الذي به القضاء ثم قال: قال الباجي وفي ذلك اختلاف ثم كتب في هامش النسخة وفي آخر كتاب القسمة من المدونة لابن القاسم أنه راعى الضرر في ذلك وكتب عليه "أصل" والله أعلم.
السابع: تقدم أن ظاهر قول المصنف: "إلا بابا إن نكب" أنه لا فرق في ذلك بين السكة الطويلة والقصيرة. وقال أبو الحسن: قوله في المدونة في السكة غير النافذة ظاهره طويلة كانت، أو قصيرة، والتفريق بين النافذة وغير النافذة إنما هو بعذر كثرة المرور فإذا كانت السكة طويلة كانت كالنافذة، سئل الشيخ يعني نفسه عمن له في أقصى هذه السكة غير النافذة قاعة هل له أن يكريها ممن يبنيها، أو لأهل السكة منعه؟ فقال: ليس لهم منعه كما له هو أن يبني فيها ويسكن معه من شاء انتهى. وما ذكره لم أر من وافقه عليه وهو مخالف لما سيأتي في التنبيه الخامس عشر عن ابن يونس وابن بطال.
الثامن: قال أبو الحسن أيضا: قوله في المدونة: "لأنه يقول الموضع الذي تفتح فيه بابك لي فيه مرفق وأفتح فيه بابي وأنا في سترة" الشيخ: معنى ذلك أن الباب كان هناك مفتوحا لا أنه أراد إنشاء الباب، وكأنه يقول أحل فيه بابي وأنا في سترة وأما لو أراد الإنشاء لكان للآخر أن يحتج عليه بهذه الحجة فلا يكون أحدهما، أولى من الآخر فإما أن يمنعا جميعا، أو يفتحا جميعا انتهى. وقوله: "أحل فيه بابي" هذا اللفظ يستعمله المغاربة بمعنى أفتح بابي المغلوق.
التاسع: قال ابن عرفة في إحياء الموات: ولما ذكر المتيطي الحديث السابق في تحديد الطريق قال: الميتاء الواسعة انتهى. قلت: ولم أقف على ما ذكره عن المتيطية بل رأيت في هامش نسخة منها: تأمل الميتاء ما هي، وتفسير الميتاء بالواسعة قول ذكره في فتح الباري، وغيره ولكنه خلاف المشهور عند أهل اللغة وأهل غريب الحديث قال في الصحاح في فصل الهمزة

(7/140)


0000000000000000000000000000
__________
من باب المعتل: والميتاء الطريق العامرة ومجتمع الطريق أيضا ميتاء وسيراء انتهى. وقال المطرزي في المقرب: وطريق ميتاء تأتيه الناس كثيرا وهو مفعال من الإتيان ونظيره دار محلال التي تحل كثيرا ا هـ. وقال في النهاية في باب الميم مع التاء وفي حديث اللقطة ما وجدت في طريق ميتاء فعرفه سنة أي طريق مسلوك وهو مفعال من الإتيان والميم زائدة وبابه الهمزة انتهى. يعني أنه إنما ذكره في باب الميم تسهيلا على الطالب على عادته، وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات في باب الميم وفي الحديث طريق ميتاء بكسر الميم وبعدها همزة وبالمد وتسهل فيقال ميتاء بياء ساكنة كما في نظائره قال صاحب المطالع معناه كثير السلوك عليه مفعال من الإتيان انتهى. وقال في فتح الباري في كتاب المظالم الميتاء بكسر الميم وسكون التحتانية بعد مثناة ومد بوزن مفعال من الإتيان، والميم زائدة قال أبو عمرو الشيباني الميتاء أعظم الطرق وهي التي يكثر مرور الناس بها، وقال غيره: هي الطريق الواسعة وقيل العامرة انتهى. وما ذكره من التشديد سهو يرده قوله بوزن مفعال ولم يذكره أحد غيره ورأيته في البيان والمتيطية ومختصر ابن عرفة بالثاء المثلثة وليس بظاهر قال في الصحاح في فصل الميم من باب التاء الميتاء الأرض السهلة والجمع ميت مثل هيفاء وهيف انتهى ونحوه في القاموس، وليس ذلك مرادا هنا.
العاشر: قال في المتيطية: قال أحمد بن سعيد الهندي، وغيره من الموثقين: وإنما يشهد على ضيق الطريق مجملا دون تحديد يذرع ما حده أهل العلم من الضيق والسعة، وأما أن يشهدوا فيه على الجملة وهو من غير أهل العلم فلا تعمل شهادتهم شيئا، ولا يجب أن يقضى بها وروي في سعة الطريق سبعة أذرع وما نقص منها فهي ضيقة، ويدل عليه ما في مسند ابن أبي شيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الطريق الميتاء سبعة أذرع" قال ابن الهندي: وقد حضرت الفتيا بذلك وذكر أبو محمد في نوادره أنه اختلف في ذلك فقيل: الواسعة ثمانية أشبار، وقيل سبعة انتهى. وقال أبو الحسن الصغير قال ابن أبي حمراء في وثائقه: الزقاق الواسعة سبعة أذرع فأكثر، والضيق ما دون ذلك انتهى. ونقل ابن عرفة كلام ابن الهندي الأخير أعني قوله: "وقد حضرت الفتيا بذلك" وذكر كلام الشيخ أبي محمد ثم قال بعده حديث سبعة أذرع إنما ذكره عبد الحق من مصنف عبد الرزاق، وقال: في سنده جابر الجعفي ولم يزد، وقال المزي في رجال الكتب الستة هو من أكبر علماء الشيعة وثقه شعبة وتركه جماعة وروى عنه شعبة، والسفيانان انتهى.
قلت: قال شيخ شيوخنا الحافظ ابن حجر في تقريبه: جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي أبو عبد الله الكوفي ضعيف رافضي من الخامسة مات سنة سبع وعشرين ومائة وقيل سنة اثنين وثلاثين أخرج له أبو داود، والترمذي وابن ماجه وفي صحيح البخاري في كتاب المظالم إذا اختلفوا في الطريق الميتاء وهي الرحبة تكون بين الطريقين ثم يريد أهلها البنيان فيترك منها للطريق سبعة أذرع قال في فتح الباري: هو مصير منه يعني من البخاري إلى اختصاص الحكم

(7/141)


__________
بالصورة التي ذكرها، وقد وافقه الطحاوي على ذلك فقال: لم نجد لهذا الحديث معنى أولى من حمله على الطريق التي يراد ابتداؤها إذا اختلف من يريد ابتداءها في قدرها كبلد يفتحه المسلمون وليس فيها طريق مسلوك، وكموات يقطعه الإمام لمن يحييه إذا أراد أن يجعل فيها طريقا للمارة، وقال غيره: مراد الحديث أن أهل الطريق إذا تراضوا على شيء كان ذلك لهم، وإن اختلفوا جعل سبعة أذرع انتهى. ثم ذكر البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه "قضى النبي صلى الله عليه وسلم إذا تشاجروا في الطريق سبعة أذرع" قال في فتح الباري: قوله "تشاجروا" تفاعلوا من المشاجرة بالمعجمة والجيم أي تنازعوا وللإسماعيلي: إذا اختلف الناس في الطريق ولمسلم إذا اختلفتم، وأخرجه أبو عوانة في صحيحه وأبو داود والترمذي وابن ماجه بلفظ "إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع". وزاد المستملي في روايته الميتاء ولم يتابع عليه وليست محفوظة في حديث أبي هريرة، وإنما ذكرها المؤلف يعني البخاري في الترجمة مشيرا بها إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كعادته، وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم "إذا اختلفتم في الطريق الميتاء فاجعلوها سبعة أذرع" . وروى عبد الله بن محمد في زيادات المسند والطبري من حديث عبادة بن الصامت: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق الميتاء" فذكر في أثناء حديث طويل، ولابن عدي من حديث أنس: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض الميتاء التي تؤتى من كل مكان" فذكره وفي كل من الأسانيد الثلاثة مقال وقوله: سبعة أذرع الذي يظهر أن المراد بالذراع قدر ذراع الآدمي فيعتبر ذلك بالمعتدل. وقيل: ذراع البنيان المتعارف انتهى. والمستملي أحد رواة البخاري.
قلت: قال ابن رشد في نوازل سحنون من كتاب الأقضية في أثناء الكلام على مسألة الساباط: وإذا اختلف البانيان المتقابلان في الفحص فيما يجعل للطريق، أو تشاحا فأراد كل واحد منهما أن يقرب جداره من جدار صاحبه جعلا الطريق سبعة أذرع بالذراع المعروفة بذراع البنيان فإذا بنى كل واحد منهما فيما بنى ميزابا للمطر على الطريق لم يمنع انتهى.
الحادي عشر: تقدم في كلام بعضهم إثبات التاء في "سبعة أذرع" وفي كلام بعضهم حذفها؛ لأن الذراع يذكر ويؤنث قال في الصحاح: ذراع اليد يذكر ويؤنث.
الثاني عشر: قال في المدونة: إذا كانت دار لرجلين، ولأحدهما دار تلاصقها فأراد أن يفتح في المشتركة بابا يدخل منه إلى داره فللشريك منعه لشركته معه في موضع الفتح فإن قسما فقال اجعلوا نصيبي إلى جنب داري حتى أفتح فيها بابا لم يقبل منه وقسمت الدار بالقيمة فحيث وقع سهمه أخذه، وإن كان في الناحية الأخرى، وإن قسما هذه الدار فاشترى أحد النصيبين رجل يلاصق داره ففتح إلى النصيب من داره بابا وجعل يمر من داره إلى طريق هذا النصيب هو ومن اكترى منه، أو سكن معه فذلك له إن أراد ارتفاقا، ولا يمنع إلا أن

(7/142)


__________
يجعل ذلك كسكة نافذة لممر الناس يدخلون من باب داره ويخرجون كالزقاق فليس ذلك له انتهى. قال أبو الحسن: قوله "فللشريك منعه لشركته معه في موضع الفتح" مفهومه لو لم يكن معه فيه شريك لكان له أن يفتح قال محمد: لو فتح في حائط نفسه ليدخل منه في دار الشركة لم أر به بأسا، وكان ذلك له انتهى. ونقل ابن يونس أيضا كلام محمد: وقبله، وقال أبو إسحاق بعد أن ذكر كلام محمد في هذا نظر؛ لأنه يحدث على دار الشركة بابا من داره فقد يطول الأمر فيظن أن فتح الباب حق على دار الشركة وذلك يحط من ثمنها إذا كان عليها حق فتح باب من دار أخرى انتهى.
قلت: ما قاله أبو إسحاق ظاهر لا شك فيه والظاهر إبقاء كلام المدونة على إطلاقه، وأنه ليس له أن يفتح بابا لشركته معه في موضع الفتح من الأرض، ولو كان الجدار له، فتأمله، والله أعلم ثم قال أبو الحسن: قوله: "وقسمت الدار بالقيمة فحيث وقع سهمه أخذه" زاد ابن يونس: فإن وقع بجنب داره فتح فيه بابا إن شاء ثم قال أبو الحسن: قوله: "فاشترى أحد النصيبين" رجل يلاصق داره فذلك له إن أراد ارتفاقا قال أبو إسحاق ما لم يغلق باب الدار الأخرى فلا يكون له ذلك انتهى.
قلت: لفظ أبي إسحاق إنما أراد به إذا أحدث بابا يخرج منه إلى باب داره فقد خفف عن صاحب النصيب الآخر بعض المرور؛ لأنه قد كان له سكنى النصيب الذي صار له بالقسمة بأهله ثم يمر منه على نصيب صاحبه فصار يمر عليه تارة وتارة يخرج من باب داره فذلك أخف على صاحبه وأما لو عطل الخروج من باب داره وجعل عياله وحشمه الذين في الدارين جميعا يمرون من هذا الباب الذي على شريكه لكان لشريكه في ذلك متكلم؛ لأن ضرر عيال دار واحدة ليس مثل ضرر دارين إذا قطع الممر من باب داره ويصير شبيها بما منع منه من السكة النافذة انتهى. وما قاله ظاهر.
الثالث عشر: فيمن في أرضه طريق فأراد أن يحولها إلى موضع منها أرفق به وبأهل الطريق فليس له ذلك قال في الواضحة في كتاب القضاء في ترجمة القضاء في الطريق يشق أرض رجل سئل ابن القاسم عن رجل يكون له الأرض البيضاء والطريق يشقها فأراد أن يحول الطريق عن موضعه إلى موضع آخر من أرضه هو أرفق به وبأهل الطريق فقال ليس ذلك له، ولا لأحد أن يحول طريقا عن موضعها إلى ما هو دونها، ولا إلى ما فوقها، وإن كان مثل الطريق الأول في السهولة وأسهل منه، وإن أضر ذلك به؛ لأنه على ذلك اشترى، أو ورث، أو وهب له، وإن رضي له بذلك من جاوره من أهل القرى إذا كان ذلك طريق عامة؛ لأن ذلك حق لجميع المسلمين فلا يجوز فيه إذن بعضهم إلا أن يكون ذلك طريق قوم بأعيانهم فيأذنون له فيجوز ذلك، وقال لي ابن الماجشون أرى أن يرفع أمر تلك الطريق إلى الإمام فيكشف عن حالها،

(7/143)


__________
فإن رأى تحويلها عن حالها منفعة للعامة ولمن جاورها وحولها في مثل سهولتها، أو أسهل وفي مثل قربها، أو أقرب فأرى أن يأذن له بذلك، وإن رأى في ذلك مضرة بأحد ممن جاورها، أو بأبناء السبيل، وعامة المسلمين منعه من ذلك، وإن هو فعل ذلك فحول الطريق دون رأي الإمام وإذنه نظر الإمام في ذلك فإن كان صوابا أمضاه، وإن كان غير ذلك رده؛ لأن الإمام هو الناظر لجميع المسلمين وهو مكانهم في ذلك، وقال ابن نافع مثله أيضا، وهذا أحب إلي وبه أقول انتهى. ونقله ابن أبي زيد في النوادر في كتاب القضاء في المرافق وابن أبي زمنين في المنتخب وابن فرحون في تبصرته.
الرابع عشر: قال ابن أبي زمنين في المنتخب: قال سحنون: قلت له: فلو أن دارا في جوف دار، الداخلة لقوم والخارجة لغيرهم وممر الداخلة على الخارجة فأراد أهل الخارجة أن يحولوا باب دارهم في موضع غير الموضع الذي كان فيه فقال: إن كانوا أرادوا أن يحولوه إلى جنب الباب القديم، ولا ضرر فيه على أهل الدار الداخلة، فمنعهم أهل الداخلة رأيت أن لا يمنعوا من ذلك، وإن أرادوا أن يحولوه في غير قرب الموضع الذي كان فيه فليس لهم ذلك قلت: فإن أراد أهل الدار الخارجة أن يضيقوا باب الدار فقال ليس لهم ذلك انتهى. وهذه المسألة في المدونة في آخر كتاب القسمة.
الخامس عشر: قال ابن ناجي في شرح المدونة: وأما الزقاق غير النافذ الذي فيه أزقة فكل زقاق مستقل بنفسه، فإن أذن أهل زقاق في فتح باب بزقاقهم المستقل بهم فليس للباقين كلام بذلك أفتى بعض شيوخنا في القديم على ما بلغني ممن يوثق به وبه أقول انتهى. وقاعدته أنه إذا قال بعض شيوخنا يشير به إلى ابن عرفة، وانظر هذا مع ما نقله ابن يونس عن سحنون في كتاب ابنه أن حبيبا سأل سحنونا عن درب كبير غير نافذ فيه زابعة في ناحية غير نافذة ولرجل في أقصاها باب فأراد أن يقدمه إلى طرف الزابعة فمنعهم أهل الدرب قال: لهم أن يمنعوه، ولا يحركه عن موضعه إلا برضا أهل الدرب، وقال نحوه يوسف بن يحيى في الدرب الذي لا ينفذ، والزوابع وكل مشترك منافعه بين ساكنيه ليس لهم أن يحدثوا في ظاهر الزقاق، ولا باطنه حدثا إلا باجتماع أهله قال ابن يونس: هذا خلاف لما في المدونة وما في المدونة أصوب وهو قول مالك وابن القاسم وأشهب وابن وهب، وهذا بخلاف الدار المشتركة المشاعة لا يتميز حظ أحدهم عن صاحبه فما يفتح به مشترك لا يجوز إلا باجتماعهم والدور في الزوابع والدروب الغير النافذة متميزة فلكل واحد أن يصنع في ملكه ما يضر بجاره لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" انتهى. وكأنه يعني بالزابعة الزقاق ولم أقف على ذلك في اللغة إلا أن كلام ابن بطال في مقنعه يرشد لذلك ونصه: قال سحنون في كتاب ابنه: الدرب الكبير غير النافذ مثل الزنقة غير النافذة فإن كان في الدرب الكبير زنقة في ناحية منه غير نافذة، ولرجل في أقصاها باب فأراد أن يقدمه إلى طرف الزنقة قال لأهل الدرب أن يمنعوه، ولا

(7/144)


وروشن وساباط لمن له الجانبان، بسكة نفذت،
__________
يحركه عن موضعه إلا برضا جميع أهل الدرب فما ذكره سحنون، وإن كان مخالفا للمشهور في منع فتح الباب إلا برضا جميع أهل السكة لكنه يدل على أن أهل الدرب لهم المنع، ولو رضي أهل الزنقة وهو خلاف ما قاله ابن ناجي، فتأمله وسيأتي في القولة التي بعد هذه عن الوقار ما يوافق ما قاله ابن ناجي عن بعض شيوخه.
السادس عشر: قال البرزلي في مسائل الضرر: سكة غير نافذة لرجل فيها دار نقضها له وقاعتها لغيره فأراد أهل السكة أن يقيموا فيها سربا فمنعهم صاحب النقض فله ذلك إذا كان ذلك يعيب الموضع، ولصاحب القاعة ذلك أيضا انتهى والله أعلم.
السابع عشر: تقدم عند قول المصنف: "وسد كوة فتحت" عن المتيطي والمشذالي أنه إذا حكم بسد باب فتح لغير وجه شرعي أن تقلع العتبات، والعضائد حتى لا يبقى هناك أثر باب ونقله عنه ابن فرحون في تبصرته ونصه: تنبيه: وفي المتيطية قال ابن زرب: وإذا سد باب للضرر فلا يكون سده بغلقه، وتسميره ولكن ينزع الباب، وعضائده وعتبته وتغير آثاره؛ لأنه إذا بقي على حاله وسد بالطوب، وبقيت العضائد، والعتبة كان في ذلك ضرر على من أحدث عليه وبهذا قال سائر الفقهاء بقرطبة، وغيرها: لأنه إذا تقادم الزمان يكون له شاهدا وحجة ولعله يقول إنما سددته لأفتحه متى شئت فلذلك ألزموه بتغير معالمه ورسومه حتى لا يبقى له أثر انتهى، والله أعلم. ص: (وروشن وساباط لمن له الجانبان بسكة نفذت) ش: قوله: "لمن

(7/145)


__________
له الجانبان" راجع إلى الساباط وحده لا إلى الروشن، وقال في الجواهر: يجوز إخراج العساكر، والرواشن، والأجنحة على الحيطان إلى طرق المسلمين ثم ذكر مسائل الساباط، وقال البساطي يعني أنه يجوز لمن له دار مجاورة لسكة نافذة أن يخرج في أعلى الحائط خشبا ويسقفها، ويبني عليها متى شاء إذا رفع ذلك عن رءوس المارة رفعا بينا وهو الذي عنى بالروشن، ويجوز لمن له داران الطريق المذكورة بينهما أن يلقي على حائطه خشبا كذلك وهو الذي عنى بالساباط فقوله: "لمن له الجانبان" متعلق بالساباط على ما لا يخفى انتهى. وقوله "نفذت" مفهومه أنها إن لم تنفذ ليس له ذلك إلا بإذن الباقين وهو كذلك، وقال ابن غازي أصل التفصيل بين النافذة، وغيرها لأبي عمر في كافيه ونقله عنه المتيطي وعليه اقتصر ابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام وابن هارون والمصنف وأما ابن عرفة فقال لا أعرفه لأقدم من أبي عمر بن عبد البر وظاهر سماع أصبغ ابن القاسم في الأقضية خلافه، ولم يقيده ابن رشد بالطريق النافذة، فتأمله انتهى. كلام ابن عرفة قال ابن غازي لم أجدها في سماع أصبغ بل في نوازل سحنون انتهى.
قلت: ذكره في النوادر في كتاب القضاء في الكلإ والآبار والأودية في آخر ترجمة إحداث العساكر والرواشن ونصه: قال يوسف بن يحيى في الدروب التي ليست بنافذة والزوابع التي لا تنفذ: ذلك كله مشترك منافعه بين ساكنيه ليس لهم أن يحدثوا في ظاهر الزقاق، ولا باطنه حدثا إلا باجتماعهم في فتح باب، أو إخراج عساكر، أو حفرة يحفرها ويردمها انتهى. ونقله ابن يونس أيضا في كتاب القسمة عن يوسف بن يحيى، وتقدم كلامه في التنبيه الخامس عشر من القولة التي قبل هذه ونقله عنه أيضا ابن بطال في مقنعه إثر كلامه السابق في التنبيه المذكور، ونصه: قال يوسف بن يحيى في الدروب التي ليست بنافذة وشبهها: إن ذلك مشترك منافعه بين ساكنيه ليس لهم أن يحدثوا في ظاهر الزقاق، ولا باطنه حدثا إلا باجتماعهم في فتح باب، أو إخراج عساكر، أو حفرة يحفرها، أو يواريها انتهى. ونحوه في مختصر أبي بكر الوقار وهو أقدم من أبي عمر فإنه تفقه بابن عبد الحكم وأصبغ ونصه: وإذا كان القوم في زقاق غير نافذ وأراد بعضهم أن يشرع في الزقاق بابا، أو سقيفة، أو عسكرا فلهم أن يمنعوه من ذلك، فإن أذن بعضهم، وأبى بعض فإن كان من أذن له هم آخر الزقاق وممرهم إلى منازلهم على الموضع الذي يريد أن يحدث فيه ما يحدث، فإذنهم جاز، ولا حق لمن ليس له عليه ممر في شيء مما يريد أن يحدثه، وإن كانت الدار بطريق مسلوكة في حظ للمارة نافذ فليس لأحد أن

(7/146)


__________
يمنعه من باب يشرعه، ولا من قناة كنيف ينشئها إذا كان بئرها مغيبة في حائطه، ولا من سقيفة يعليها إذا كانت غير مضرة بما يمر تحتها من محمل عليه قبة ونحوها، ولا من عسكر يشرعه إذا أعلاه ولم ينل المارة منه أذى، وإن كان له جار محاذيه وشاحه في العسكر قسم ما بينهما من الهواء بينهما نصفين انتهى. وذكر البرزلي عن صاحب الكافي نحو ما ذكره الوقار وما ذكره ظاهر إلا قوله في الباب إذا أراد فتحه في الزقاق غير النافذ، فإنه مخالف للقول الذي مشى عليه المصنف من أنه إذا كان منكبا فليس لهم منعه وأما ما ذكره فيما إذا أذن له بعض أهل الزقاق فيوافق ما قاله ابن ناجي في التنبيه الخامس عشر من القولة التي قبل هذه، ومخالف لما نقله ابن يونس عن سحنون، فتأمله فقد وجد النص لأقدم من أبي عمر على أن ذكر أبي عمر لذلك وقبول الجماعة المذكورين له كاف في الاعتماد عليه، والله أعلم.
فرع: لو سقط الروشن، أو الساباط على أحد فمات فلا شيء على من بناه قال في النوادر ومن المجموعة: قال ابن القاسم: قال مالك: لا بأس بإخراج العساكر، والأجنحة على الحيطان إلى طرق المسلمين قال ابن القاسم: وهي تعمل بالمدينة فلا ينكرونها، واشترى مالك دارا لها عسكر قال مالك في جناح خارج في الطريق فسقط على رجل فمات فقال مالك: لا شيء على من بناه قيل فأهل العراق يضمنونه قالوا: لأنه جعله حيث لا يجوز له فأنكر قولهم قال: ومن أخرج جناحا أسفل الجدار حيث يضر بأهل الطريق منع من ذلك انتهى.
فرع: قال ابن أبي زمنين في أواخر المنتخب في أواخر الديات ناقلا عن المدونة: قال مالك من حفر شيئا في طريق المسلمين، أو في داره مما يجوز له حفره فعطب فيه إنسان فلا ضمان عليه قلت: وما الذي يجوز أن يحفره في طريق المسلمين؟ قال: مثل بئر المطر، والمرحاض يحفره إلى جنب حائطه هذا، وما أشبهه انتهى. وذكره في التوضيح في أول باب الجراح، وفي المنتخب لابن أبي زمنين في باب ما يحدث في الطرق، والأفنية في كتاب ابن حبيب قلت لمطرف وابن الماجشون: والكنف التي تتخذ في الطريق يحفرها الرجل بلصق جداره ثم يواريها أله أن يمنع من ذلك؟ قال لا إذا واراها وغطاها وأتقن غطاءها وسواها بالطريق حتى لا يضر مكانها بأحد فلا أرى أن يمنع وما كان من ذلك ضرر بأحد منع منه انتهى. وقال في المقنع قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون من حفر بلصق جداره كنيفا فليغطه ويتقن غطاءه ويسوه بأرض الطريق حتى لا يضر فإن لم يفعل منع، وقاله أصبغ انتهى. وقال بعده: قال سحنون فيما يحدث الناس من آبار الكنف في الأفنية في الطريق: ينبغي أن تكون تحت الحيطان إلى داخل الدار، ويخرج منها إلى الطريق قدر ما يدخل فيه القلة للاستقاء ويرى غيره ذلك من الضرر البين انتهى. وقال بعده: قال سحنون في زنقة غير نافذة فيها أبواب لقوم، ودبر دار رجل إليها، ولا باب له فيها وبلصق داره في الزنقة كنيف محفور قديم مطوي وتخرج إليه من داره قناة مبنية إلا أنها لم يجر فيها شيء منذ زمان فأراد أن يجري فيها العذرة إلى هذا

(7/147)


وإلا، فكالملك لجميعهم، إلا بابا إن نكب،
__________
البئر، فمنعه أهل الزنقة أن ذلك ليس لهم إلا أن يدعوا في رقبة البئر فيكشف عن دعواهم وإلا فالبئر لصاحب الدار بهذه الرسوم الظاهرة، ولو أن هذا مشترى من غيره لكان من ذلك له ما كان لبائعه انتهى.
استطراد: سئلت عن رجلين كانت بينهما دار مشتركة فاقتسماها على أن أخذ أحدهما الجانب الأيسر، ومخزنا من الجانب الأيمن، والدهليز الذي بين الجانبين، وأخذ الآخر بقية الجانب الأيمن، وعلو المخزن الذي في الجانب الذي أخذه صاحب الجانب الأيسر ثم أراد صاحب الأيسر أن يركب على جدار المخزن الذي له في الجانب الأيمن بستلا ليبني عليه جدارا، والحال أن ذلك يضر ببناء صاحب العلو فهل له ذلك أم لا فأجبت بما صورته: الحمد لله إذا أراد صاحب المخزن الأسفل أن يركب على جدار مخزنه بستلا ليبني عليه جدارا وكان ذلك يضر ببناء صاحب العلو فله منعه من ذلك، والله أعلم، وقد نص في النوادر في ترجمة الجدار سترة بين الرجلين يدعيه كل واحد منهما من كتاب القضاء في البنيان ما نصه في جواب سحنون لحبيب إذا كان عقد الحائط إلى أحدهما، وللآخر عليه حمل خشب سقف معقودة، فالحائط لمن له العقد وللآخر حمل السقوف، وإن أراد صاحب العقد أن يبني على حائطه غرفة، أو غيرها فلينظر فإن أضر ذلك بحمل الآخر فليس له ذلك، وإن كان لا يضر فله أن يبني ما لا يضره عند أهل المعرفة انتهى. ص: (وإلا فكالملك لجميعهم إلا بابا إن نكب) ش: تصوره واضح مما تقدم في شرح قول المصنف: "وباب بسكة نفذت".
فرع: قال البرزلي في أوائل مسائل الضرر سئل ابن رشد عمن غرس في فناء رجل وردا، واستغله فقام صاحب الفناء يطلب زوال الورد وقيمة ما اغتل. فأجاب ابن رشد بأنه لا حق

(7/148)


وصعود نخلة، وأنذر بطلوعه، وندب: إعارة جداره لغرز خشبة،
__________
للقائم على غارس الورد في الفناء على ما مضى من المدة؛ لأن الأفنية ليست فيها حقية الأملاك، وإنما هو مقدم في الانتفاع بها إن احتاج، وليس له أن يمنع الجار إن استغنى عنه، وله إذا قام عليه أن يقلع الورد عن الفناء وينفرد بالانتفاع به أضر الورد بجداره، أو لم يضر إلا أن يتفق معه على ما يجوز بينهما انتهى.
ص: (وأنذر بطلوعه) ش: قال في المسائل الملقوطة عن مطرف أحب إلي أن يعلمهم لموضع حق الجوار، وإن لم يفعل فلا شيء عليه من فتاوى ابن زرب انتهى. ص: (وندب إعارة جداره) ش: قال البرزلي في مسائل الضرر: سئل شيخنا

(7/149)


__________
الإمام عمن أذن لجاره بغرز خشب في جداره فسقط جدار الآذن، وأقامه فطلب جاره أن يرد خشبه على ما كان في الإذن الأول فأبى عليه، فأجاب إن كان سقوط الجدار بتوهله لا بسبب زيد اختيارا لم يقض عليه بعود الغرز وإثبات كونه لتوهله إن تنازعا على ربه، وإلا قضى عليه بعود الغرز إن كان غير مؤجل قال البرزلي نحو هذا في الواضحة انتهى.
فرع: قال في التوضيح: وهل لجار المسجد أن يغرز خشبه في جدار المسجد؟ للشيوخ قولان انتهى. وقال ابن عرفة في كتاب العارية ابن سهل: أفتى ابن عتاب بجواز التعليق من المساجد إن اتصلت بالدور ولم يضرها وجواز غرز جارها خشبه بحائطها، ونقله عن الشيوخ قال ولم يتكلموا في المسجد الجامع، ولا يجوز ذلك فيه لعدم اتصال الدور به، ولو اتصلت به جاز عندي وأفتى ابن القطان بمنع الغرز وابن مالك بمنعه ومنع التعليق قال ابن عرفة: قلت: هو الصواب الجاري على حمله على الندب انتهى. وذكره ابن عرفة أيضا في آخر باب الشركة وابن سهل في مسائل الوقف.

(7/150)


وإرفاق بماء، وفتح باب. وله أن يرجع، وفيها: إن دفع ما أنفق أو قيمته. وفي موافقته ومخالفته: تردد.
__________
فرع: في أحكام ابن سهل في مسائل الحبس يمنع من فتح باب في المسجد للانتفاع به، والله أعلم. ص: (وله أن يرجع) ش: ظاهره مطلقا طال الزمان أم لا قصد الضرر أم لا، وهذا مذهب المدونة في العرصة المعارة لمن يبني فيها لكن جمع ابن رشد في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية وابن زرقون في مسألة الجدار والعرصة وحكيا الخلاف فيهما وتبعهما المصنف. ص: (وفيها إن دفع ما أنفق، أو قيمته) ش: إنما ذكر هذا أيضا في المدونة في مسألة العرصة المعارة لمن يبني فيها ولكن ابن رشد وابن زرقون جمعا مسألة الجدار والعرصة وحكيا الخلاف فيهما جميعا وتبعهما المصنف انظر التوضيح هنا، وفي العارية. ص: (وفي موافقته، ومخالفته تردد) ش: يأتي هذا في العارية مبينا إن شاء الله تعالى.

(7/151)


فصل المزارعة
__________
فصل المزارعة
قال ابن عرفة: المزارعة شركة في الحرث وبالثاني عبر اللخمي، وغيره وعبر بالأول كثير، سمع عيسى سئل ابن القاسم عن رجلين اشتركا على مزارعة وروى البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت" وروى مسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغرس المسلم غرسا، ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان، ولا دابة، ولا شيء إلا كانت له صدقة" 1 انتهى. قال البرزلي في حديث آخر: "لا يقولن أحدكم زرعت، وليقل حرثت فإن الزارع هو الله" أبو هريرة لقوله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 64] القرطبي في تفسير قوله تعالى: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ} [البقرة: 261] الآية دليل على أن اتخاذ الحرث من أعلى الحرف المتخذة للمكاسب ويشتغل بها العمال، ولهذا ضرب الله بها المثل قال: وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها عنه صلى الله عليه وسلم قال: "التمسوا الرزق في خبايا الأرض" يعني الزرع وفي حديث مدح النخل من الراسخات في الوحل والمطعمات في المحل قال: والمزارعة من فروض الكفايات يجب على الإمام أن يجبر الناس عليها، وما كان في معناها من غرس الأشجار وعن عبد الله بن عبد الملك أنه لقي ابن شهاب الزهري فقال: دلني على مال أعالجه فأنشأ يقول:
أقول لعبد الله يوم لقيته ... وقد شد أحلاس المطي مشرقا
تتبع خبايا الأرض وادع مليكها ... لعلك يوما أن تجاب فترزقا.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الأدب باب 27. كتاب الحرث باب 1. مسلم في كتاب المساقاة حديث 7، 10، 12. الترمذي في كتاب الأحكام باب 40. الدرامي في كتاب البيوع باب 67. أحمد في مسنده (3/ 147، 192، 239، 243) (6/ 420، 444)

(7/152)


لكل، فسخ المزارعة، إن لم يبذر، وصحت، إن سلما من كراء الأرض بممنوع،
__________
ص: (لكل فسخ المزارعة إن لم يبذر) ش: قال في التوضيح: المزارعة دائرة بين الشركة والإجارة فلهذا اختلف في لزومها بالعقد فقيل تلزم به تغليبا للإجارة، وهو قول سحنون وابن الماجشون، وقول ابن كنانة وابن القاسم في كتاب ابن سحنون، وقيل: لا تلزم تغليبا للشركة، ولكل واحد أن ينفصل عن صاحبه ما لم يبذر ابن رشد وهو معنى قول ابن القاسم في المدونة ونص رواية أصبغ عنه في العتبية، وقيل لا تلزم إلا بالشروع في العمل، وهو قول ابن كنانة في المبسوط وبه جرت الفتوى عندنا بقرطبة وهو على قياس رواية ابن زياد عن مالك أن الجاعل يلزمه الجعل بشروع المجعول له في العمل انتهى. قال ابن عبد السلام: والأقرب عندي أنها شركة حقيقة، إلا أنها مركبة من شركة الأموال، والأعمال انتهى. قال ابن

(7/153)


وقابلها مساو، وتساويا،
__________
عرفة: وفي لزومها بالعقد، أو الشروع ثالثها بالبذر لابن رشد عن سحنون مع ابن الماجشون وابن كنانة وابن القاسم في كتاب ابن سحنون وابن كنانة في المبسوط وبه جرت الفتيا بقرطبة وهو على قياس رواية على ما في لزوم الجعل بالشروع وقول ابن القاسم فيها مع سماعه أصبغ ولم يحك ابن حارث عن ابن القاسم غير الأول، وقال اتفقوا على انعقادها بابتداء العمل انتهى. ص: (وتساويا) ش: لا شك في إغنائه عما تقدم فشرطها شيئان كما قال أبو الحسن الصغير لا تصح الشركة في المزارعة إلا بشرطين: أن يسلما من كراء الأرض

(7/154)


إلا لتبرع بعد العقد، وخلط بذر إن كان، ولو بإخراجهما، فإن لم ينبت بذر أحدهما وعلم: لم
__________
بما يخرج منها وأن يعتدلا فيما بعد ذلك. ص: (وخلط بذر إن كان، ولو بإخراجهما) ش: يعني أنه يكفي في خلط البذر أن يخرجاه، ولو زرع هذا في ناحية، وهذا في ناحية وزرع أحدهما متميز عن الآخر، وهذا قول مالك وابن القاسم وعليه يتفرع قوله بعد هذا: فإن لم ينبت بذر أحدهما إلى آخره وأشار بـ"لو" إلى قول سحنون أنه لا يكفي ذلك بل لا بد من خلطهما في المزارعة حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر قال ابن الحاجب: والبذر المشترك شرطه الخلط كالمال قال في التوضيح لما كان الخلط ظاهرا في عدم تمييز أحدهما عن الآخر بين أنه ليس المراد ذلك بقوله "كالمال" فأشار إلى ما قدمه وهو إما أن يكون تحت أيديهما، أو أحدهما وهكذا قال مالك وابن القاسم. واللخمي: واختلف عن سحنون فقال مرة بقول مالك، وقال مرة إنما تصح الشركة إذا خلطا الزريعة، أو جمعاها في بيت، أو حملاها إلى فدان ونص هذا الثاني عند ابن يونس ومن كتاب ابن سحنون: وإذا صحت الشركة في المزارعة، وأخرجا البذر جميعا إلا أنهما لم يخلطا فزرع هذا في فدان، أو في بعضه وزرع الآخر في الناحية الأخرى ولم يعملا على ذلك فإن الشركة لا تنعقد ولكل واحد ما أنبت حبه، ويتراجعان في فضل الأكرية ويتقاصان، وإنما تتم الشركة إذا خلطا ما أخرجاه من الزريعة، أو جمعاها في بيت واحد، أو حملاها جميعا إلى الفدان وبذر كل واحد في طرفه فزرعا واحدة ثم زرعا الأخرى فهو جائز كما لو جمعاها في بيت بعض القرويين وعند ابن القاسم أن الشركة جائزة خلطا أو لم يخلطا. ابن عبد السلام: ولعل المصنف إنما سكت لاحتماله جواز الإقدام على ذلك ابتداء، أو أنه ممنوع، أو لا لكنه إذا وقع مضى وهو الظاهر من تفريعه انتهى. وقال اللخمي:

(7/155)


يحتسب به، إن غر. وعليه مثل نصف النابت. وإلا فعلى كل: نصف بذر الآخر، والزرع بينهما: كأن تساويا في الجميع،
__________
فصل: اختلف إذا كان البذر من عندهما هل من شرط الصحة أن يخلطاه من قبل الحرث؟ فأجاز مالك وابن القاسم الشركة إذا أخرجا قمحا، أو شعيرا، وإن لم يخلطاه وهو أيضا أصلهما في الشركة في الدراهم والدنانير واختلف عن سحنون فذكر مثل ما تقدم انتهى. فأشار المصنف إلى أن الخلط يكفي فيه إخراجهما البذر، ولو لم يخلطاها كما هو عند مالك وابن القاسم وأحد قولي سحنون وأشار إلى قول سحنون الثاني بـ"لو" كما تقدم بيانه وحمل الشارح كلام المصنف على أنه مشى على قول سحنون وهو غير ظاهر، ولا يتأتى عليه ما فرعه المؤلف، وإن لم ينبت إلى آخره، فتأمله، والله أعلم.
تنبيه: قال في التوضيح في قول ابن الحاجب المتقدم: والبذر المشترك شرطه الخلط بعد أن تكلم على فروع المسألة
تنبيه: بقي على المصنف شرط آخر في البذر وهو تماثلهما جنسا فإن أخرج أحدهما قمحا، والآخر شعيرا، أو سلتا، أو صنفين من القطنية فقال سحنون: لكل واحد ما أنبت بذره ويتراجعان في الأكرية ثم قال: يجوز إذا اعتدلت القيمة. اللخمي: يريد والمكيلة انتهى. ونقله ابن عرفة عن ابن يونس عن سحنون وزاد بعده قال بعض القرويين من لم يجز الشركة بالدنانير والدراهم لم يجز المزارعة بطعامين مختلفين، ولو اعتدلت قيمتهما لعدم حصول المناجزة لبقاء يد كل واحد على طعامه ولكل واحد ما أنبت طعامه، ولا يكون التمكين قبضا كالشركة الفاسدة بالعروض لا يضمن كل واحد سلعة صاحبه، وإنما يشتركان بأثمان السلع التي وقعت الشركة فيها فاسدة انتهى. ص: (وإن لم ينبت بذر أحدهما وعلم لم يحتسب به إن غر إلخ)

(7/156)


أو قابل بذر أحدهما: عمل أو أرضه وبذره، أو بعضه، إن لم ينقص ما للعامل عن نسبة بذره، أو لأحدهما الجميع، إلا العمل،
__________
ش: قال في الذخيرة: قال في الكتاب: إذا شرط في الحب الزراعة فلم ينبت والبائع عالم، أو شاك رجع بجميع الثمن؛ لأن البائع غره والشراء في أن الزراعة بثمن ما يزرع كالشرط، وإن اشتراه للأكل فزرعه لم يرجع بشيء إلا أن يكون ذلك ينقص من طعمه، أو فعله يرجع بقيمة النقص لو اشتراه للزراعة قال ابن يونس: فإن شارك بهذا غيره فنبتت زريعة الغير دونه فإن دلس البائع رجع عليه بنصف المكيلة ونصف كراء الأرض التي أبطل عليه، وإلا فنصف قيمة العيب وما ينبت في الوجهين بينهما قاله أصبغ: قال سحنون مثله إلا في الكراء سكت عنه وزاد إن دلس دفع نصف المكيلة زريعة صحيحة ودفع إليه شريكه نصف مكيلة لا تنبت، وهذا إذا زال الإبان وإلا أخرج زريعته صحيحة انتهى. وقال ابن عبد السلام سكت في الرواية عن رجوع المغرور على الغار بقيمة نصف العمل فيما لم ينبت إن كان العمل على المغرور وينبغي أن يكون له الرجوع بذلك؛ لأنه غرور بالفعل قال بعده في التوضيح خليل: وينبغي أن يرجع عليه بنصف قيمة كراء الأرض التي غر فيها انتهى. وكأنه لم يقف على نص، وقال ابن عرفة

(7/157)


إن عقدا بلفظ الشركة، لا الإجارة أو مطلقا، كإلغاء أرض وتساويا غيرها أو لأحدهما أرض رخيصة وعمل على الأصح.
__________
بعد ذكره كلام ابن عبد السلام: قلت: قوله سكت في الرواية هو كما قال في الرواية هنا ولكن ذكر الصقلي في الرد بالعيب ما يدل على الخلاف في ذلك قال ما نصه: قال ابن حبيب لو زرع بما لا ينبت فنبت شعير صاحبه دون شعيره فإن دلس رجع عليه صاحبه بنصف مكيلته من شعير صحيح وبنصف كراء الأرض الذي أبطل عليه، وقاله أصبغ، وقال سحنون مثله إلا الكراء لم يذكره
قلت: ظاهر قول سحنون سقوط الكراء وهو مقتضى قول ابن القاسم فيها فيمن غر في إنكاح غيره أمة أنه يغرم للزوج الصداق، ولا يغرم له ما يغرمه الزوج من قيمة الولد ونحوه قوله في كتاب الجنايات من باع عبدا سارقا دلس فيه فسرق من المبتاع فرده على سيده بالعيب فذلك في ذمته إن عتق يوما وأظن في نوازل الشعبي من باع مطمورة دلس فيها بعيب التسويس فخزن فيها المبتاع فاستاس ما فيها أنه لا رجوع له على البائع بما استاس فيها قال، ولو أكراها منه لرجع عليه انتهى. ومسألة عدم نبات البذر ذكرها ابن يونس في العيوب والبرزلي في الرد بالعيب. ص: (كإلغاء أرض وتساويا غيرها) ش: يريد إلا أن تكون تافهة لا خطب لها كما قاله في المدونة. ص: (أو لأحدهما أرض رخيصة وعمل على الأصح) ش: ليس مراده رحمه الله بهذا التنبيه على استثناء الأرض التافهة التي لا خطب لها، وإنما أشار به لما ذكره ابن يونس عن سحنون وابن عبدوس ونصه بعد أن ذكر عن المدونة جواز إلغاء الأرض التي لا خطب لها: قال سحنون إذا أخرج أحدهما الأرض والآخر البذر فلا يجوز إلا أن يكون

(7/158)


وإن فسدت وتكافآ عملا، فبينهما، وترادا غيره، وإلا فللعامل، وعليه الأجرة، كان له بذر مع عمل أو أرض، أو كل لكل.
__________
أرضا لا كراء لها، وقد تساويا فيما سواها فأخرج هذا البذر، وهذا العمل وقيمة ذلك سواء فهو جائز؛ لأن الأرض لا كراء لها وأنكر هذا ابن عبدوس،، وقال إنما أجاز مالك أن تلغى الأرض إذا تساويا في إخراج الزريعة والعمل فأما إذا كان مخرج البذر غير مخرج الأرض لم يجز، وإن كان لا كراء لها ويدخله كراء الأرض بما يخرج منها، ألا ترى لو أكريت هذه الأرض ببعض ما يخرج منها لم يجز، وهذا هو الصواب انتهى، والله أعلم. ص: (أو كل لكل) ش: يعني وكذا تفسد الشركة، ويكون الزرع كله للعامل إذا كان كل واحد من الأرض، والبذر والعمل من عند كل واحد من الشركاء الأرض لواحد والبذر من واحد والعمل على واحد فتكون المزارعة من ثلاثة أنفس قال في التوضيح عند قول ابن الحاجب: وإن كان البذر فقط من المالك، أو من أجنبي فقال ابن القاسم: "الزرع للعامل"، وقال سحنون: الزرع لرب البذر ثم يقومان بما يلزمهما من مكيلة البذر وأجرة الأرض والعمل دل كلامه على أنها تقع على وجهين الأول أن يكون البذر من المالك للأرض ومن الآخر العمل، والوجه الثاني أن يكون البذر من أجنبي فتكون الأرض لواحد، والبذر لآخر، والعمل لآخر وتكون الشركة من ثلاثة أشخاص. ولا إشكال في فساد الوجه الثاني لمقابلة جزء من الأرض بجزء من البذر وأما الوجه الأول فقد يقال فيه نظر وقوله: "فقال ابن القاسم الزرع للعامل" يعني في الوجهين، وهذا ظاهر ما لمالك وابن القاسم في الموازية ونص ما نقله ابن يونس قال ابن المواز: ومن قول مالك وابن القاسم إن الزرع كله في فساد الشركة لمن تولى القيام به كان مخرج البذر صاحب الأرض، أو غيره وعليه إن كان هو مخرج البذر كراء أرض صاحبه، وإن كان صاحبه مخرج البذر عليه له مثل بذره

(7/159)


باب الوكالة
__________
وهكذا نقل الشيخ أبو محمد هذا القول. واعترض بعض القرويين على أبي محمد ما نقله عن ابن القاسم أنه لصاحب العمل، وقال لم نجد لابن القاسم أن الزرع للعامل دون أن يضاف إليه شيء، وقوله: "وقال سحنون" ظاهره أيضا في الوجهين، ولم أر النص عن سحنون إلا في الوجه الأول وهو إذا كان البذر من عند رب الأرض فإن ابن يونس نقل عنه أن الزرع لرب الأرض وذكر عنه صورة أخرى فقال سحنون وإذا اشترك ثلاثة فأخرج أحدهم الأرض ونصف البذر والآخر نصف البذر فقط والثالث العمل على أن الزرع بينهم أثلاثا لم يجز فإن نزل فالزرع على مذهب ابن القاسم بين العامل ورب الأرض ويغرمان لمخرج نصف البذر مكيلة بذره ومذهب سحنون أن الزرع لصاحب الزريعة وعليهما كراء الأرض والعمل، وقال ابن حبيب: قد أخطئوا والزرع بينهم أثلاثا والذي ذكره ابن المواز على أصل ابن القاسم أن الزرع لمن ولي العمل إذا أسلمت الأرض إليه يؤدي مثل البذر لمخرجه وكراء الأرض لربها انتهى
باب الوكالة
قال ابن عرفة: نيابة ذي حقّ غير ذي إمرة ولا عبادة لغيره فيه غير مشروط بموته فتخرج نيابة إمام الطّاعة أميرا أو قاضيا وصاحب صلاة والوصيّة انتهى. والظّاهر أنّ قوله: "نيابة ذي حقّ" من إضافة المصدر إلى فاعله وأنّه سقط من النّسخة المنقول منها بعد قوله: "لغيره فيه" إمّا له أو التّصرّف كماله كما يظهر هذا بتأمّل الكلام الآتي من أوّله إلى آخره قال ابن عرفة: إثر ما تقدّم ولا يقال إنّ النّيابة في حقّ ذي إمرة وكالة لقول اللّخميّ تجوز الوكالة في إقامة الحدّ؛ لأنّ إقامته مجرّد فعل لا إمرة فيه هذا ظاهر استعمال الفقهاء وجعل ابن رشد ولاية الأمراء وكالة ونحوه قول عياض: استعمل لفظ الوكالة في عرف الفقهاء في النّيابة خلاف

(7/160)


صحة الوكالة في قابل النيابة من فسخ، وقبض حق وعقوبة، وحوالة،
__________
ذلك، ومن تأمّل وأنصف علم صحّة ما قلناه لأنّه المتبادر للذّهن عرفا، ويحتمل أن يقال النّيابة مساوية للوكالة في المعرفة فتعريفها بها دور، فيقال هي جعل ذي أمر غير إمرة التّصرّف فيه لغير الموجب لحوق حكمه لجاعله كأنّه فعله فتخرج نيابة إمام الطّاعة أميرا أو قاضيا أو إمام صلاة لعدم لحوق فعل النّائب في الصّلاة الجاعل والوصيّة للحوق حكم فاعلها غير الجاعل انتهى، ثمّ قال وحكمها لذاتها الجواز روى أبو داود عن جابر بن عبد اللّه قال: أردت الخروج إلى خيبر فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فسلّمت عليه وقلت: أردت الخروج إلى خيبر فقال "إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته" وصحّحه عبد الحقّ بسكوته عليه وتعقّبه ابن القطّان أنّه من رواية ابن إسحاق وقال عبد الحقّ: فيه في كتاب الصّلاة رماه مالك بالكذب وقال نحن نفيناه من المدينة ويعرض لها سائر الأحكام بحسب متعلّقها كقضاء دين تعيّن لا يوصل إليه إلّا بها والصّدقة والبيع المكروه والحرام ونحو ذلك انتهى. ص: (في قابل النيابة) ش: قال ابن عرفة: قال المازري: لا تجوز النيابة في أعمال الأبدان المحضة كالصلاة والطهارة والحج إلا أنه تنفذ الوصية به وينقض قوله "في أعمال الأبدان المحضة" بقولها مع غيرها في العاجز عن الرمي لمرضه في الحج يرمي عنه انتهى. ص: (وحوالة) ش: يعني أنه يجوز أن يوكل من يحيل غريمه على مدينه ابن عرفة قال ابن شاس: وتجوز في الكفالة كالحوالة والبيع ابن عبد السلام ولا يجوز أن يوكل من يتحمل عنه في حق وجب عليه قلت: فيه نظر؛ لأن الوكالة إنما تطلق حقيقة عرفية فيما يصح للموكل مباشرته، وكفالة الإنسان عن نفسه ممتنعة فتأمله وقال ابن هارون: هو أن يوكله على أن يتكفل لفلان بما على فلان، وهذا أقرب من الأول؛ لأن الموكل هنا يصح منه الفعل، وينبغي أن يزاد فيه: كأن التزم لرب الدين الذي على فلان أن يأتيه بكفيل به عنه بحيث يكون الإتيان بالكفيل حقا على

(7/161)


وإبراء. وإن جهله الثلاثة. وحج وواحد في خصومة،
__________
الموكل المذكور انتهى. ص: (وإبراء وإن جهله الثلاث) ش: قال ابن عرفة: وتبع ابن الحاجب ابن شاس في قوله: والتوكيل بالإبراء لا يستدعي علم الموكل بمبلغ الدين المبرإ منه ولا علم الوكيل ولا علم من عليه الحق. قلت: وهذا كضروري من المذهب؛ لأنه محض ترك والترك لا مانعية للغرر فيه ولذا قال الغير في إرخاء الستور: لأنه يرسل من يده بالغرر ولا يأخذ به انتهى. وانظر أواخر رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب بالوصايا. ص: (أو واحد في خصومة) ش: قال ابن فرحون: في تبصرته في الفصل السادس في حكم الوكالة على الدعوى: وليس لرجل ولا لامرأة أن يوكل في الخصام أكثر من وكيل واحد، ولا يجوز توكيل وكيلين، ويلزم الموكل ما أقر به عليه وكيله كان له أو عليه إذا كان في نص الإقرار والإنكار انتهى. وقال في المتيطية: ولا يجوز لرجل ولا لامرأة أن يوكل في الخصام أكثر من وكيل واحد، ولا يجوز توكيل وكيلين.
تنبيهات: الأول: هنا مسألة واقعة عمت بها البلوى وهي أن الخصمين إذا فرغا من الخصومة واتفقا على أمر وأرادا أن يثبتاه عند الحاكم فمن الناس من يمتنع من الرواح إلى مجلس الحاكم تكبرا ومنهم من يمتنع لعذر فيشهد كل واحد من الخصمين أنه وكل كل أحد من المسلمين في الدعوى والإعذار والثبوت وطلب الحكم فيأتي الشهود على الوكالة إلى رجل من الناس ويشهدون عند الحاكم أنه وكيل فلان وشخص آخر أنه وكيل فلان الآخر ويكملون أمرهم فهل هذا التوكيل صحيح أم لا؟ فاعلم أنه لا يخلو إما أن يريد الموكل بقوله: "وكلت كل أحد من المسلمين في إثبات كذا إلى آخره" أنه يوكل كل واحد من المسلمين لا بعينه، وهذا هو المتبادر فلا مرية في عدم صحة هذا الوجه للجهل بعين الوكيل قال ابن فرحون في الفصل الخامس من القسم الثالث من الركن السادس من الباب الخامس من القسم الأول من أقسام الكتاب في التنبيه على أحكام يتوقف سماع الدعوى بها على إثبات فصول مسألة من الوكالة: لا يسمع القاضي من أحد دعوى الوكالة حتى يثبت عنده ذلك بشاهدين

(7/162)


__________
أو بشاهد ويمين على قول مالك وابن القاسم، ولا بد أن يشهد الشهود على معرفة عين الموكل ويثبت عنده أيضا عين الوكيل إما بالشاهدين الأولين أو بغيرهما وإذا حضر الوكيل والخصم وتقاررا على صحة الوكالة، فلا يحكم بينهما بمجرد قولهما؛ لأنه حق لغيرهما يتهمان على التواطؤ ولو صدق الخصم الوكيل في الدعوى، واعترف بالمدعى به لم يجبره الحاكم على دفعه على المشهور حتى يثبت عنده صحة الوكالة انتهى. وإن أراد بقوله كل أحد من المسلمين أن جميع المسلمين وكلاء عنه في ذلك فيمكن هنا الشهادة على عين كل أحد من المسلمين أنه وكيله لكن الذي يظهر أنه يمنع من جهة أخرى، وهو أن توكيل أكثر من واحد على الخصام لا يجوز، ولا شك أن هذه وكالة في دعوى وإنكار وإثبات وبحث سيدي الشيخ العلامة أحمد بن عبد الغفار في كون ذلك وكالة في خصومة فتأمله وقال في آخر كتاب الوكالة من النوادر ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن شرط في ذكر حقه ومن قام به فله أن يقضيه فلا يجوز هذا ولا يقضى له إلا بوكالة انتهى. وما قاله ابن فرحون من عدم جبره الحاكم على الدفع فيما إذا صدر، والخصم الوكيل على الدعوى فاعترف بالمدعى عليه موافق لما في المعونة وتبصرة اللخمي ومخالف لما جزم به في الفصل السادس من تبصرته ونصه مسألة في المطلوب يوافق على صحة الوكالة قبل ثبوتها وإذا قام رجل على رجل في مهر امرأته أو دين رجل وادعى وكالة صاحب ذلك الحق فأقر المطلوب بالدين أو المهر واعترف بصحة الوكالة فإنه يلزمه دفع ذلك إليه، فإن كان صاحب الحق على المطلوب يطلبه بذلك قضى له به؛ لأنه إنما يقضي عليه أولا بإقراره، والمصيبة منه انتهى. وله في الباب السبعين في القضاء بالأمارات وقرائن الأحوال ما يوافق ما له في الفصل السادس وعزاه للمتيطية ونصه وفي المتيطية حكى عن ابن حبيب عن سحنون فيمن قال لرجل ما قاله لرجل وكلني فلان على قضاء دينه منك وعدده كذا فصدقه في الوكالة وأقر بالدين أنه يلزم الدفع إليه فإن قدم فلان وأنكر التوكيل غرم المقر؛ لأن الحكم كان بإقراره انتهى. وفيه ما يؤخذ منه ما يخالف هذا، ويوافق ما تقدم عن الفصل الخامس فتأمله والله أعلم انتهى.
الثاني: قال ابن عرفة: سمع عيسى ابن القاسم: إن ادعى شريكان على رجل حقا فقالا للقاضي من حضر منا خاصمه فليس لهما ذلك لقول مالك: من قاعد خصمه عند القاضي، فليس له أن يوكل إلا من علة وقال في ورثة ادعوا منزلا في يد رجل لا يخاصمه كل واحد عن نفسه بل يقدمون رجلا يخاصمه ابن رشد: وهذا كما لا يجوز للرجل يوكل وكيلين يخاصمان عنه إن غاب أحدهما خاصم له الآخر وكذا لم يجز لمن قاعد خصمه أن يوكل غيره إلا لعذر من مرض أو سفر أو إساءة خصمه له، فحلف لا خاصمه أو يظهر من وكيله ميل لخصمه ولا خلاف في هذا انتهى هذا السماع في كتاب البضائع والوكالات والله أعلم.

(7/163)


__________
الثالث: قال ابن سلمون: إذا شهد شاهدان بمعرفة الوكالة ولم يبينا في شهادتهما أن الموكل أشهدهما بها فشهادتهما ساقطة ولا يعمل بها انتهى.
الرابع: قال ابن فرحون في الفصل السادس في حكم الوكالة في الدعوى مسألة: وإذا وكله على الخصام في قضية فخاصم عنه وانقضت تلك القضية وأراد الوكيل أن يخاصم عنه في غيرها فإن كان بقرب الخصام الأول كان له ذلك إذا كانت الوكالة مبهمة لم يذكر فيها أنه وكله على مخاصمة فلان أو في أمر كذا وكذا إن اتصل بعض ذلك ببعض أو كان بينهما أيام وإن تطاول ذلك بسنين والموكل غائب لم يحتج إلى تجديد التوكيل إذا لم يقصره على مطلب سماه كما قدمنا فأما إذا قصره على مطلب معين، وكان بين المطلبين الأشهر فليس له أن يخاصم عنه إلا فيما وكله فيه ويستحسن في مثل هذا أن يجدد له التوكيل، ثم يتكلم عنه انتهى.
الخامس: قال ابن فرحون قبل كلامه المذكور: مسألة قال ابن سهل: وسئل سحنون عمن وكل رجلا على مخاصمة رجل فلم يقم الوكيل بذلك إلا بعد سنين وقد أنشبت الخصومة قبل ذلك، ثم أتى بالبينة أو لم ينشب الخصومة ولم يتعرض في شيء حتى مرت السنتان، ثم قال بعدهما: يطلب بتلك الوكالة القديمة أله ذلك أم يجدد الوكالة؟ قال سحنون: يبعث الحاكم إلى الموكل ليسأله أهو على وكالته أو خلعه عنها، وإن كان غائبا فالوكيل على وكالته قال ابن سهل: رأيت بعض شيوخنا يستكثر إمساكه الوكالة ستة أشهر أو نحوها ويرى تجديد الوكالة إن أراد الخصومة قال ابن المناصف: أما إذا خاصم واتصل خصامه، وطال سنين فهو على وكالته الأولى انتهى كلامه. وقال ابن عرفة: في الانعزال بطول مدة التوكيل ستة أشهر وبقائه قول ابن سهل رأيت بعض شيوخنا يستكثر إمساك الوكيل على الخصومة ستة أشهر ونحوها، ويرى تجديد التوكيل مع قول المتيطي في الوكالة على الإنكاح إن سقط من رسمه لفظ دائمة مستمرة وطال أمر التوكيل بستة أشهر سقطت إلا بتوكيل ثان. ونقل ابن سهل عن سحنون من قام بتوكيل على خصومة بعد سنين وقد أنشب الخصومة قبل ذلك أو لم ينشبها بعد مضي سنين سأل الحاكم موكله على بقاء توكيله أو عزله فإن كان غائبا، فهو على وكالته ابن فتوح إن خاصم واتصل خصامه سنين لم يحتج لتجديد توكيل انتهى. ونص كلام ابن سهل قال سحنون في الوكيل تم له سنتان لم ينشب خصومة، ثم يقوم بها فإن كان الموكل حاضرا سئل أهو على وكالته أم لا؟ وإن كان غائبا فهو على وكالته قال القاضي يعني نفسه ورأيت بعض شيوخنا يستكثر إمساكه عن الخصومة ستة أشهر أو نحوها، ويرى تجديد الوكالة إن أراد الخصومة انتهى ولعل بعض شيوخه هو الغرناطي فإن البرزلي نقل ذلك عنه، ولم ينقل كلام سحنون ولا غيره ونصه قال يعني الغرناطي: وإذا مضى لتاريخ الخصام ستة أشهر لم يكن للوكيل متكلم إلا أن يكون اتصل خصامه معه ولو طالت سنيه قلت: أو في

(7/164)


وإن كره خصمه،
__________
قضية معينة، فلا تنقضي إلا بتمامها قاله بعض الموثقين انتهى. ص: (وإن كره خصمه) ش: قال في الجواهر ويجوز التوكيل بالخصومة في الإقرار والإنكار برضا الخصم وبغير رضاه في حضور المستحق وفي غيبته انتهى.
فرع: قال في الجواهر أيضاً: وكما لا يفتقر إلى حضور الخصم في عقد الوكالة لا يفتقر إلى حضوره في إثباتها عند الحاكم انتهى. بل قال في الذخيرة: ولو قال وكلتك لمخاصمة خصم جاز، وإن لم يعينه؛ لأن المخاصمة لا تعلم غايتها فاعتبر جنسها خاصة انتهى وقال ابن فرحون في تبصرته مسألة: وليس في التوكيل أعذار ولا آجال وفي أحكام ابن زياد فيمن طلب أن يعذر إليه في توكيل خصمه قال: لم ير أحدا من القضاة ومن غيرهم من السلاطين ضرب لأحدهم أجلا في توكيل وإنما السيرة عند القضاة أن يثبت التوكيل عندهم، ثم يسمع من الطالب، وينظر فيما جاء به، فأما إذا دعا إلى أن يؤجل في الدفع أجله ثلاثة أيام ونحوها انتهى. ونقله ابن عرفة ونصه في أحكام ابن زياد فيمن طلب أن يعذر إليه في توكيل خصمه السيرة أن يثبت الوكالة، ثم ينظر في المطلب انتهى.
فرع: قال ابن فرحون: إثر كلام ابن زياد المتقدم وقال ابن الهندي: في وثائقه والإعذار إلى الموكل من تمام الوكالة وإن لم يعذر إليه جاز قال ابن عتاب: كان الإعذار بالشأن القديم، ثم ترك قال ابن بشير القاضي وإنما ترك الإعذار من تركه في الوكالة؛ لأنه لا بد أن يعذر إليه عند إرادة الحكم له أو عليه في آخر الأمر فاستغنى عنه أولا قال ابن سهل: وهذه نكتة حسنة انتهى. وإنما أوجبوا الإعذار إليه؛ لأنه مشهود عليه بالتوكيل، وإذا ثبتت الوكالة ثبت للوكيل التصرف في مال الموكل وغير ذلك من وجوه التصرف انتهى. ونقله ابن عرفة أيضا قبل الكلام الأول ونصه المتيطي عن ابن الهندي والإعذار إلى الموكل من تمام التوكيل وإن لم يعذر إليه جاز ابن عتاب كان الشأن في القديم الإعذار، ثم ترك قال ويعذر أيضا في الموت والوراثة ابن مالك ولا بد من الإعذار للموكل؛ لأن الوكيل يقر على موكله ويلزمه ابن بشير إنما ترك الإعذار في الموت والوكالة؛ لأنه لا بد أن يعذر إليه في آخر الأمر قال أبو الأصبغ هذه نكتة حسنة إذ لا بد للقاضي أن يقول للخصمين أبقيت لكما حجة انتهى.
تنبيه: قال ابن بطال في كتاب المقنع: ويوكل على الخصام عند القاضي إن شاء وحيثما وكل، فهو جائز إذا ثبت ذلك عند الحاكم وقال حسين بن عاصم: عن ابن القاسم في الشهود على الوكالة لا يكونون إلا عدولا، ويحتاط فيهم بما يحتاط في الشهود على غير الوكالة، وما

(7/165)


__________
سمعت أحدا أرخص في ذلك انتهى. وأما وكالة الفاسق فتصح كما يؤخذ ذلك من قول صاحب الذخيرة يحصل الإبراء بالدفع للوكيل الفاسق وسيأتي كلامه عند قول المصنف "ولو قال غير المفوض: قبضت".
فرع: قال ابن فرحون في تبصرته: قال ابن زرب: إذا وقع التوكيل عند حاكم، وصرح الموكل في التوكيل باسم الحاكم لم يكن له التكلم عند حاكم غيره وإن كان التوكيل مجملا، فله أن يخاصمه حيث شاء انتهى.
فرع: قال ابن فرحون في تبصرته: ومن عزل وكيله فأراد الوكيل أن يتوكل لخصمه فأبى الأول لما اطلع عليه من عوراته ووجوه خصوماته، فلا يقبل منه قوله، ويتوكل له من كتاب الاستغناء انتهى. زاد في شرحه على ابن الحاجب وينبغي أن لا يمكن من الوكالة؛ لأنه صار كعدوه ولا يوكل عدو على عدوه انتهى.
فرع: قال ابن فرحون في تبصرته: ولا تجوز الوكالة على المتهم يدعي الباطل ولا المجادلة عنه قال ابن العربي في أحكام القرآن: في قوله تعالى: {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً} [النساء: 5. 6] إن النيابة عن المبطل المتهم في الخصومة لا تجوز بدليل قوله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء: 106] انتهى. وفي المتيطية: وينبغي للوكيل على الخصومة أن يتحفظ بدينه وأن لا يتوكل إلا في مطلب يقبل فيه يقينه أن موكله فيه على حق فقد جاء في جامع السنن عن عبد الله بن عمر أنه قال: "من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره ومن توكل في خصومة لا علم له بها لم يزل في معصية الله حتى ينزع"1 عن علي رضي الله عنه أنه وكل عبد الله بن جعفر على الخصومة وقال إن للخصومة قحما يعني اقتحام المهالك في الاحتجاج بما لا يصلح عند شدة الخصام انتهى.
فرع: قال في المتيطية: وكره مالك لذي الهيئات الخصومات قال مالك: كان القاسم بن محمد يكره لنفسه الخصومة ويتنزه عنها وكان إذا نازعه أحد في شيء قال له: إن كان هذا الشيء لي فهو لك وإن كان لك فلا تحمدني عليه قال: وكان سعيد بن المسيب إذا كان بينه وبين رجل شيء لم يخاصمه وكان يقول الموعد يوم القيامة قال مالك: من علم أن يوم القيامة يحاسب فيه على الصغير والكبير ويعلم أن الناس يوفون حقوقهم وأن الله عز وجل لا يخفى عليه شيء فليطب بذلك نفسا فإن الأمر أسرع من ذلك وما بينك وبين الدنيا وما فيها إلا خروج روحك حتى تنسى ذلك كله حتى كأنك ما كنت فيه ولا عرفته قال ابن شعبان: وقال مالك: المخاصم رجل سوء وقال ابن مسعود: كفى بك ظالما أن لا تزال
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الأقضية باب 14. أحمد في مسنده (2/ 70).

(7/166)


لا إن قاعد خصمه: كثلاث، إلا لعذر وحلف في: كسفر،
__________
مخاصما. وقاله أبو الدرداء. وقالت عائشة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم" 1 انتهى.
فرع: قال ابن فرحون في تبصرته: قال في وثائق ابن العطار: ولا يصلح للرجل أن يوكل أباه ليطلب له حقه؛ لأن ذلك استهانة بالأب. ص: (لا إن قاعد خصمه كثلاث إلا لعذر وحلف في كسفر) ش: قال في المتيطية وإذا خاصم الرجل عن نفسه وقاعد خصمه أيضا ثلاث مجالس وانعقدت المقالات بينهما لم يكن له بعد ذلك أن يوكل خصما يتوكل عنه إذا منعه من ذلك إلا أن يمرض أو يسافر سفرا ويعرف ذلك، ولا يمنع الخصمان من السفر، ولا من أراده منهما، ويكون له أن يوكل عند ذلك. قال ابن العطار: وتلزمه حينئذ اليمين أنه ما استعمل السفر ليوكل غيره، فإن نكل عن اليمين لم يبح له توكيل غيره إلا أن يشاء خصمه ذلك وقال ابن الفخار: لا يمين عليه، ويكون له أيضا أن يوكل إذا شاتمه خصمه، وأحرجه فحلف أن لا يخاصمه بنفسه قال ابن الفخار: فإن حلف أن لا يخاصمه دون عذر يوجب اليمين لم يكن له أن يوكل انتهى كلامه بلفظه، وهو حاو لما قاله المصنف. وقال ابن عرفة: في مسألة التوكيل للسفر بعد أن ذكر القولين. قلت الأظهر أنها كأيمان التهم وقال في المسألة الثانية: قلت في عطف "شاتمه" على "أحرجه" بالواو أو بـ"أو" اختلاف نسخ انتهى. وقول المصنف "كثلاث" يعني فأكثر وانظر قوله "في كسفر" ما مثل السفر
فرع: قال ابن فرحون في تبصرته: من وكل ابتداء ضررا لخصمه لم يمكن من ذلك انتهى.
فرع: قال فيها أيضا، قال محمد بن لبابة: كل من ظهر منه عند القاضي لدد وتشغيب في خصومة فلا ينبغي له أن يقبله في وكالة ولا يحل إدخال اللدد على المسلمين قال ابن سهل: والذي ذهب إليه الناس في القديم والحديث قبول الوكلاء إلا من ظهر منه تشغيب ولدد فذلك يجب على القاضي إبعاده وأن لا يقبل له وكالة على أحد انتهى.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب تفسير سورة البقرة باب 37. كتاب الأحكام باب 34، مسلم في كتاب العلم حديث 5. الترمذي في كتاب تفسير سورة البقرة باب 23. النسائي في كتاب القضاء باب 34، أحمد في مسنده (6/ 55، 63)

(7/167)


__________
فرع: قال ابن عرفة: والوكالة على الخصام لمرض الموكل أو سفره أو كونه امرأة لا يخرج مثلها جائزة اتفاقا المتيطي: وكذا العذر يشغل الأمير أو خطة لا يستطيع مفارقتها كالحجابة وغيرها وفي جوازها لغير ذلك ثالثها للطالب لا للمطلوب للمعروف مع قول المتيطي هو الذي عليه العمل ونقله عن سحنون في رسالته إلى محمد بن زياد قاضي قرطبة وفعله وعلى المعروف في جوازها مطلقا أو بعد أن ينعقد بينهما ما يكون من دعوى إقرار نقلا ابن سهل قائلا: وذكر ابن العطار: أن له أن يوكل قبل المجاوبة وإن كان الموكل حاضرا والصحيح عندي أن لا يمكن من ذلك؛ لأن اللدد فيه ظاهر ومراده أن يحدث عنه ما فيه تشغيب انتهى. ونص كلام ابن سهل ومن المحاضر لابن حارث: وإن أراد الخصمان أو أحدهما في أول مجلس جلسا فيه التوكيل ففيه اختلاف من الفقهاء من يرى ذلك لهما أو لأحدهما ومثله لابن العطار ومنهم من لا يرى ذلك إلا بعد أن ينعقد بين المدعي والمدعى عليه ما يكون من كل واحد منهما من الإقرار والإنكار، ثم يوكل بعد من شاء منهما وهو الصحيح انتهى: وقال ابن فرحون في تبصرته: مسألة وإذا ادعى الرجل على خصمه عند الحاكم فهل للمدعى عليه أن يوكل قبل أن يجيب عن تلك الدعوى بإقرار أو إنكار؟ فقيل إنه لا يمكن من التوكيل حتى يجيب فإن لم يجب حمله الحاكم على جواب بالأدب قال ابن الهندي وقول من قال إن له أن يوكل قبل أن يجيب أصح؛ لأنه قد أجيز للحاضر أن يوكل قال ابن سهل: والصحيح عندي أن لا يمكن من ذلك؛ لأن اللدد فيه ظاهر وقال ابن العطار: له أن يوكل قبل المجاوبة إذا كان الوكيل بالحضرة فيجاوب عنه فإن لم يوكل، فإنه يقال له بعد الأدب قل الآن ما كنت تأمر به وكيلك أن يقر له عنك فإن أبى علم أنه ملد انتهى. وكلام المتيطية أتم ونصه وإذا سأل الخصمان أو أحدهما القاضي في أول مجلس تقدما إليه أن يوكل كل واحد منهما من يتكلم عنه في الدعوى والإقرار والإنكار فقال ابن حارث في محاضرة ذلك اختلاف من رأي الفقهاء وعمل القضاة فمنهم من يرى ذلك لهما أو لأحدهما ومنهم من لا يراه إلا بعد أن ينعقد بين الخصمين ما يكون من كل واحد منهما من الدعوى والإقرار والإنكار، ثم يوكل من شاء منهما. قال ابن الهندي: والذي جرى عليه العمل أن يقر أو ينكر في مجلسه إذا كان ما وقف عليه قريب المعنى يتبادر فهمه في وقته، ثم يوكل فإن أبى أن يتكلم حمل عليه القاضي الأدب حتى يتكلم قال: وقول من قال: إن له أن يوكل قبل الإقرار والإنكار أصح أنه قد أجيز للحاضر التوكيل، فإذا أجيز للحاضر التوكيل فخصمه مكانه قال القاضي أبو الأصبغ: والصحيح عندي أن لا يمكن من ذلك؛ لأن اللدد فيه ظاهر والمراد منه أن يحدث كلاما يكون فيه تشغيب على صاحبه. ثم ذكر كلام ابن العطار الذي ذكره ابن فرحون في آخر كلامه، ثم قال والظاهر أن مرادهم بهذا إذا لم يوكلا في أول الأمر حتى حضرا عند القاضي أما لو وكلا أولا، فلا كلام في ذلك والظاهر أيضا أن مرادهم ما لم يجلسا ثلاثة مجالس عند

(7/168)


وليس له حينئذ: عزله، ولا له عزل نفسه،
__________
الحاكم انتهى. ص: (وليس له حينئذ عزله) ش: يعني ليس للموكل عزل وكيله بعد مناشبته للخصام ومقاعدة خصمه ثلاثا ومفهوم ذلك أن له عزله قبل ذلك، وهو كذلك إذا أعلن بعزله، وأشهد عليه ولم يكن منه تفريط في تأخير إعلام الوكيل بذلك، وأما إن عزله سرا فلا يجوز عزله، ويلزمه ما فعله الوكيل وما أقر به عليه إن كان جعل له الإقرار قاله ابن رشد وابن الحاج في نوازلهما ونص كلام ابن رشد على ما نقله ابن فرحون في الفصل السادس في أحكام الوكالة سئل ابن رشد عن الوكيل إذا قيدت عليه مقالة بإقراره على وكيله الذي وكله فلما طلب ذلك الإقرار استظهر موكله بعزلة عزله إياها قبل الإقرار المذكور دون أن يعلم الوكيل شيئا من ذلك هل يسقط الإقرار المذكور أم لا؟ فأجاب: ما يقيد على الوكيل لازم لموكله إلا أن يكون عزله قبل مناشبة الخصام عزلا أعلن به وأشهد عليه، ولم يكن منه تفريط في تأخير إعلامه، وأما بعد مناشبة الخصام أو قبله سرا فلا يجوز عزله انتهى. فظاهره ولو أشهد في السر بعزله، وهو كذلك بل الظاهر أن فرض المسألة إنما هو مع إشهاده سرا، وأما لو لم يشهد، وإنما كان قوله فقط فلا يلتفت إليه، وهو كذلك وبقية الجواب في نوازله ما نصه: إذ لا يجوز لمن وكل وكيلا على الخصام أن يعزله بعد أن ناشب خصمه في الخصام وقاعده فيه ولا قبل ذلك سرا إذ لو جاز ذلك لم يشأ أحد أن يوكل وكيلا عن المخاصمة عنه ويشهد في السر على عزله إلا فعل ذلك فإن قضى له سكت وإن قضى عليه قال: قد كنت عزلته
قال القاضي أبو الوليد: هذا الذي أقول به ولا يصح سواه على أصولهم فلا يلتفت إلى ما يؤثر في ذلك من خلاف انتهى. وقال قبله لا يلزم اليتيم إقرار وكيل وصيه عليه إلا بما يلزمه فيه إقرار الوصي مما لا يجوز له فعله ابتداء فإن وكله على الإقرار عليه فيما سوى ذلك لم يلزمه وما يقيد على وكيل الخصام من المقالات لازم لمن وكله ما لم يعزله عند الحاكم الذي وكله عنده على الخصام انتهى. ونص كلام ابن الحاج إذا وكل رجل رجلا في مجلس القاضي على أن يبيع عليه ويفاصل في بلد آخر فذهب الوكيل بالتوكيل إلى ذلك البلد ففاصل وباع، ثم إن الموكل استظهر بأن عزله بعد أن وكله فلا يلتفت إلى هذه العزلة، وينفذ عليه ما عمله الوكيل إلا أن يعلن بعزلته أو بعزله في مجلس القاضي فلا يمضي عليه فعله؛ لأن عزله في السر من الخدعة والقصد إلى الغش فلا يلتفت إليه ولا يعمل به انتهى. من ابن سلمون وهذا كله إنما هو على أحد المشهورين أنه ينعزل قبل علمه بعزله، وأما على القول الثاني أنه لا ينعزل قبل علمه وإنما ينعزل بعد علمه بالعزل فلا

(7/169)


__________
إشكال في عدم انعزاله بعزله سرا ويبين هذا قول المصنف في التوضيح قول ابن الحاجب ومهما شرع في الخصومة فلا ينعزل ولو بحضورهما قال لما ذكر العزل وأفهم كلامه أن للموكل العزل بين هنا أنه مشروط بأن لا يتعلق بالوكالة حق للغير انتهى. ونحوه في الذخيرة أو أصرح منه وفي كتاب الرهون من الذخيرة عن الجلاب إذا وكلت وكيلا في بيع رهن ليس لك عزل الوكيل إلا برضا المرتهن؛ لأن القاعدة أن الوكالة عقد جائز من الجانبين ما لم يتعلق بها حق للغير، وفي المبسوط لك العزل كسائر الوكالات انتهى. وقال في المنتقى فإذا أراد الراهن فسخ وكالة الوكيل في بيع الرهن فحكى الشيخ أبو القاسم والقاضي أبو محمد عن المذهب ليس له عزله إلا بإذن المرتهن وقال القاضي أبو إسحاق: له ذلك ا هـ. ثم قال في التوضيح:
فرع: واختلف إذا وكله على بيع سلعة أو اشترائها أو سمى له شخصا معينا هل له أن يعزله؟ كما لو أطلق أو لا على قولين المازري وعدها الأشياخ من المشكلات والأصح عندي في ذلك إن عين له المشتري وسمى له الثمن وقال له: شاورني أن له عزله وإن لم يسم له الثمن ولا قال له: شاورني فهذا موضع الإشكال والاضطراب واختلف إذا وكله أن يملك زوجته أمرها فهل له أن يعزله؟ فرأى اللخمي وعبد الحميد وغيرهما أنه ليس له ذلك قالوا: بخلاف أن يوكله على أن يطلق زوجته فإن فيه قولين ورأى غيرهم أنه يختلف فيه كالطلاق واستشكل المازري الطريقة الأولى؛ لأنه لا منفعة للموكل في هذه الوكالة، فكان الأولى أن يكون له عزله إلا أن يقال لما جعل له تمليك زوجته صار كالملتزم لذلك التزاما لا يصح له الرجوع عنه انتهى. وما ذكره المؤلف من أنه إذا وكله على الخصام ليس له عزله بعد مناشبة الخصام ومقاعدة خصمه ثلاثا هو أحد الأقوال الخمسة قال ابن عرفة: بعد أن ذكر كلام شيوخ أهل المذهب وما في ذلك من الخلاف ففي منع العزل بمجرد انتشاب الخصام أو بمقاعدته ثلاثا ثالثها بعد مقاعدته مقاعدة يثبت فيها الحكم ورابعها ما لم يشرف على تمام الحكم وخامسها على الحكم لابن رشد مع اللخمي والمتيطي عن المذهب وله عن أحد قولي أصبغ وثانيهما محمد انتهى
تنبهات: الأول: ما ذكره من أن ليس له عزله بعد مناشبة الخصام ومقاعدة خصمه ثلاثا إنما هو إذا لم يظهر منه غش أو تدخيل في الخصومة وميل مع المخاصم له، وإن ظهر منه ذلك، فله عزله ولو بعد مناشبته للخصام قال ابن فرحون في تبصرته: للموكل عزل الوكيل ما لم يناشب الخصومة فإن كان الوكيل قد ناشب خصمه وجالسه عند الحاكم ثلاث مرات فأكثر لم يكن له عزله إلا أن يظهر منه غش أو تدخيل في خصومته وميل مع المخاصم له، فله عزله، وكذلك لو وكله بأمر فظهر غشه كان عيبا، وله أن يفسخ الوكالة انتهى. ونحوه في شرحه لابن الحاجب وقال ابن عرفة: قال المتيطي: وإن ظهر من الوكيل تفريط أو ميل مع الخصم أو مرض فلموكله عزله انتهى
الثاني: مفهوم كلام المصنف أن الوكالة لو كانت في غير الخصام لكان للموكل عزله وللوكيل عزل نفسه، وهو كذلك قال ابن عرفة: ولابن رشد للموكل عزل وكيله وللوكيل أن

(7/170)


ولا الإقرار، إن لم يفوض له، أو يجعل له ولخصمه اضطراره إليه
__________
ينخل عن الوكالة متى شاء أحدهما اتفاقا إلا في وكالة الخصام، فليس لأحدهما بعد ذلك إن انتشب الخصام والمفوض إليه والمخصوص سواء انتهى وقال ابن فرحون في تبصرته: وإن كانت الوكالة بغير عوض، فهي معروف من الوكيل يلزمه إذا قبل، وللموكل عزله متى شاء إلا أن تكون الوكالة في الخصام، ويجوز للوكيل في غير الخصام أن يعزل نفسه متى شاء من غير اعتبار رضا موكله إلا أن يتعلق به حق لأحد، ويكون في عزله نفسه إبطال لذلك الحق فلا يكون له ذلك؛ لأنه قد تبرع بمنافعه انتهى. وقال قبله وإن كانت بعوض فهي إجارة تلزمهما بالعقد ولا يكون لواحد التخلي وتكون بعوض مسمى وإلى أجل مضروب وفي عمل معروف انتهى. وأصله لابن رشد وقد صرح المصنف بهذا المفهوم في آخر هذا الباب بقوله: "وهل لا تلزم أو إن وقعت بإجارة أو جعل، فلهما وإلا لم يلزم، تردد". وانظر التوضيح في قول ابن الحاجب: "والوكالة بأجرة لازمة كالإجارة" فإنه أشبع الكلام في ذلك.
الثالث: قال في النوادر في آخر كتاب الصدقات والهبات ومن كتاب ابن المواز: ومن له على رجل غائب دينار وخمسة دراهم فآجر رجلا في تقاضيه الخمسة الدراهم، وقال له فإذا قبضت ذلك فتصدق بالدينار فلما قدم كلمه فدفع إليه بلا مؤنة ولا خصومة قال: يتصدق بالدينار ويرسل بالخمسة دراهم إلى ربها انتهى. ص: (ولا الإقرار إن لم يفوض له أو يجعل) ش: يعني أنه ليس للوكيل الإقرار على موكله ولو وكله على الخصام إلا أن يكون الوكيل مفوضا إليه أو يكون قد جعل له موكله أن يقر عنه ونص له على ذلك قال في التوضيح: المعروف من المذهب أن الوكالة على الخصام لا تستلزم الوكالة على الإقرار إذا لم يجعله إليه ولو أقر لم يلزمه وقال ابن عرفة وفي نوازل أصبغ: أن الوكالة على الخصام فقط لا تشمل صلحا ولا إقرارا ولا يصح من الوكيل أحدهما إلا بنص من موكله عليه، ولم يذكر فيه ابن رشد خلافا انتهى. ثم قال في التوضيح عن الكافي: وهذا في غير المفوض ونقله ابن عرفة أيضا عن الكافي وقال في المدونة في كتاب الشفعة: ولك أن توكل من يأخذ بالشفعة حضرت أو غبت ولا يلزمك تسليم الوكيل إلا أن تفوض إليه في الأخذ والترك ولو أقر الوكيل أنك سلمتها، فهو كشاهد يحلف معه المبتاع، فإن

(7/171)


__________
نكل حلفت أنت وأخذت فإن أقام الوكيل بينة أن فلانا الغائب وكله على طلب شفعته في هذه الدار مكن من ذلك انتهى. وفي كتاب الشفعة من النوادر وإذا وكلته على طلب شفعة فسلم الوكيل فإن المفوض إليه بذلك يلزمك وإن لم يكن مفوضا لم يلزمك قال ابن القاسم وأشهب قالا: وإن أقر بتسليمك فهو شاهد يحلف معه المبتاع، ويلزمك فإن نكل حلفت أنت وبرئت قيل لأشهب فيطلب لي شفعتي وقد شهد علي بالتسليم قال: لا ينبغي للوكيل أن يطلب لك شفعة يزعم أن طلبها لا يجوز فإن تمادى فليسمع منه الإمام ويقضي به
تنبيهان الأول: ذكر المصنف في التوضيح وابن عرفة عن الكافي أنه قال فيه عن ابن خويز منداد: اتفق العلماء فيمن قال ما أقر به فلان علي فهو لازم لي أنه لا يلزمه قال ابن عرفة: وقبله ابن عات وقال قبله وفي نوازل أصبغ تصح الوكالة على الإقرار نصا ولم يحك ابن رشد فيه خلافا، ثم قال: وظاهر قول ابن عبد السلام إثر نقله قول أصبغ هذا معروف المذهب وقال أبو عمر قال ابن خويز منداد إلى آخر كلام ابن خويز منداد المتقدم إنه خلاف والأظهر أنه ليس بخلاف؛ لأن مسألة أصبغ نص فيها على توكيله على الإقرار عليه وهو ملزوم لجعله قوله ومسألة ابن خويز منداد إنما صدر منه أن ما أقر به فهو لازم فصار ذلك كقوله ما شهد به على فلان حق، وهذا لا يلزمه حسبما يذكره في موضعه انتهى. وما قاله ظاهر والله أعلم.
الثاني: إنما يلزم الموكل إقرار الوكيل فيما كان من معنى الخصومة التي وكله عليها على الأصح قال ابن عرفة: عن المتيطي قال فقهاء طليطلة: من وكل على طلب حقوقه والمخاصمة عنه والإقرار والإنكار فإقرار موكله بأنه وهب داره لزيد أو قال لفلان على موكله مائة دينار أن ذلك لازم لموكله وأنكره ابن عتاب وغيره وقال: إنما يلزم إقراره فيما كان من معنى المخاصمة التي وكل عليها قال القاضي أبو الأصبغ بن سهل: وهذا هو الصحيح عندي واستدل بقول ابن القاسم في كتاب الشفعة من وكل على قبض شفعته فأقر الوكيل أن موكله سلمها فهو شاهد قال ابن عرفة: مضعفا لاستدلاله بمسألة الشفعة لا يلزم من لغو إقرار الوكيل على الشفعة لغو إقرار من جعل له الإقرار لعدم صدق الأخذ بالشفعة على إقراره بإسقاطها وصدق مطلق الإقرار على الإقرار بالهبة انتهى. قلت: لا شك أن ما قاله ابن عتاب هو الظاهر وأن أخذه من مسألة الشفعة ضعيف لكن يؤخذ مما سيأتي من أن الوكالة تتخصص وتتقيد بالعرف ولا شك

(7/172)


قال وإن قال أقر عني بألف، فإقرار، لا في: كيمين، ومعصية: كظهار بما يدل عرفا،
__________
أن العرف قاض بأن من وكل على المخاصمة وجعل لوكيله الإقرار والإنكار إنما أراد الإقرار فيما هو من معنى الخصومة التي وكل فيها فتأمله والله أعلم. ص: (وإن قال أقر عني بألف فإقرار) ش: هكذا نقل ابن شاس عن المازري وكلام المازري ليس صريحا في ذلك ونصه على ما نقل ابن عرفة المازري لو قال للوكيل: أقر عني لفلان بألف درهم ففي كونه إقرارا من الآمر وجهان للشافعية والظاهر أن ما نطق به الوكيل كالنطق من الموكل لقوله أقر عني فأضاف قول الوكيل لنفسه وقد قال أصبغ: من وكل رجلا وجعله في الإقرار عنه كنفسه فما أقر به الوكيل يلزم به موكله وظاهره أنه يقول كذلك في "أقر عني". وقال ابن عبد السلام: ليس فيما ذكر من قول أصبغ كبير شاهد يرد بأنه محض دعوى من غير دليل في مقابلة مستدل عليه واستشهاد المازري واضح؛ لأنه لا فرق بين أمر الموكل وكيله بفعل شيء وبين جعله ذلك الأمر بيده كقوله بع هذا الثوب أو جعلت بيعه بيدك هذا إن حملنا قول المازري على أن قول الوكيل ذلك كقول الموكل فيكون حاصله لزوم إقرار الوكيل لموكله ما وكله على الإقرار به عنه وهو ظاهر قوله، والظاهر أن ما نطق به الوكيل كالنطق من الموكل لقوله: "أقر عني" وإن حملناه على ما فهمه ابن شاس منه إن قوله: "أقر عني بكذا" إقرار منه بذلك صح قول ابن عبد السلام. "وليس فيما ذكره كبير شاهد" والله أعلم. ص: (ومعصية) ش: قال ابن الحاجب: الوكالة نيابة فيما لا يتعين فيه المباشرة ابن عرفة وأبطله ابن هارون بالنيابة في المعاصي كالسرقة والغصب وقتل العدوان وغره في ذلك قول ابن شاس: "ولا تصح في المعاصي كالسرقة وقتل العمد العدوان" ويرد بمنع صدقية النيابة على ذلك؛ لأن الاستقراء والاستعمال يدل على أن شرط النيابة استحقاق جاعلها فعل ما وقعت النيابة فيه انتهى. وانظر هذا مع قوله "إن الوكالة تعرض لها الحرمة، ومثله بالبيع الحرام" فتأمله. ص: (بما يدل عرفا) ش: اعلم أن أركان الوكالة أربعة:

(7/173)


لا بمجرد وكلتك،
__________
الموكل والوكيل، وقد تقدم الكلام على شروطهما في باب الشركة عند قول المؤلف "وإنما تصح من أهل التوكيل والتوكل" والثالث ما فيه التوكيل وقد أشار إليه المؤلف بقوله "في قابل النيابة". والرابع الصيغة وأشار إليها المصنف بقوله "بما يدل عرفا" وهو متعلق بقوله أول الباب "صحت الوكالة". والمعنى أن الوكالة تصح وتنعقد بكل ما دل عليها في العرف ولا يشترط لانعقادها لفظ مخصوص قال في اللباب: من أركان الوكالة الصيغة أو ما يقوم مقامها مما يدل على معنى التوكيل انتهى. وقال ابن الحاجب: المعتبر الصيغة أو ما يقوم مقامها قال في التوضيح: إن المعتبر في صحة الوكالة الصيغة كقوله: "وكلتك" أو "أنت وكيلي" أو ما يقوم مقامه من قول أو فعل كقوله: "تصرف عني في هذا" أو كإشارة الأخرس ونحوه انتهى.
قلت: وهذا من جانب الموكل ولا بد أن يقترن به من جانب الوكيل ما يدل على القبول ويطلب فيه أن يكون على الفور قال في اللباب: إثر كلامه المتقدم ولا بد من قبول التوكيل فإن تراخى قبوله بالتوكيل الطويل فيخرج فيه قولان من الروايتين في المملكة والمخيرة في المجلس قبل الاختيار انتهى. وأصله للمازري ونقله في الجواهر ونقله في الذخيرة وزاد فيه عن الجواهر عن المازري قال والتحقيق في هذا يرجع إلى العادة هل المقصود من هذا اللفظ جوابه على الفور أم لا؟ وقال ابن عرفة: قال ابن شاس: ولا بد في الصيغة من القبول فإن وقع بالفور فواضح وإن تأخر ففي لغوه قولان على الروايتين في لغو التخيير بانقضاء المجلس.

(7/174)


__________
المازري التحقيق الرجوع لاعتبار المقصود والعادة هل المراد من اللفظ استدعاء الجواب عاجلا؟ أو ولو كان متأخرا؟ انتهى ونحوه في التوضيح، وهذا الذي ذكرناه في تفسير كلام المصنف هو الظاهر وعليه حمله البساطي وحمله الشارح على معنى آخر، وهو أن يكون الموكل فيه معلوما بالعرف، وهذا مستغنى بقوله: "حتى يفوض" ثم قوله: "أو يعين بنص أو قرينة وتخصص وتقيد بالعرف". قال البساطي: وألجأ الشارح إلى ذلك قول المصنف: "لا بمجرد وكلتك" فإنه ظاهر فيما قال ويمكن حمل هذا على معناه مع حمل الأول على ما قلناه والتقدير: وصحت الوكالة بلفظ يدل عرفا وليس مطلق ما يدل عليها كافيا في ذلك إذ قد يصدق المطلق مع التفويض والتعيين والأعم لا يدل على الأخص انتهى. بعضه بالمعنى. ويحتمل أن يكون أراد بقوله: "بما يدل عرفا" أي بما يدل على الوكالة وعلى الموكل فيه؛ لأنه يصح أن يتعلق بالركن الثالث أعني الموكل فيه كما فعله صاحب الجواهر وصاحب الذخيرة ويصح أن يتعلق بالركن الرابع الذي هو الصيغة، ويكون المعنى: وتصح الوكالة بما يدل عرفا على الوكالة وعلى الشيء الموكل فيه، ولهذا عقبه بقوله: "لا بمجرد وكلتك" فهذا يدل على ما قلناه فتأمله والله أعلم.
تنبيهات: الأول: قال البساطي في شرح كلام المصنف: يعني ليس للوكالة صيغة خاصة بل كل ما دل لغة أو عرفا، فإنها تنعقد به فإن خالف العرف اللغة فالمعتبر العرف انتهى. وهو راجع لما قلناه من أن المعتبر العرف والله أعلم.
الثاني: من العرف في الوكالة الوكالة بالعادة كما إذا كان ربع بين أخ وأخت وكان الأخ يتولى كراءه وقبضه سنين متطاولة، فالقول قوله إنه دفعه لأخته قال ابن ناجي عن بعض شيوخه: لأنه وكيل بالعادة وسيأتي كلامه برمته عند قول المصنف: "وصدق في الرد كالمودع" وتصرف الرجل في مال امرأته محمول على الوكالة حتى يثبت التعدي قاله مالك في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات ورسم البز من سماعه من كتاب المديان.
الثالث: عد بعضهم أركان الوكالة ثلاثة، وجعل الوكيل والموكل ركنا واحدا منهم المشذالي ونصه وأركان الوكالة ثلاثة: العاقدان والمعقود عليه والصيغة فالعاقدان الوكيل والموكل، وشرط الموكل: جواز تصرفه فيما وكل عليه فيصح من الرشيد مطلقا ومن المحجور في الخصومة انتهى.
الرابع: تقدم في باب الشركة عند قول المصنف "وإنما تصح من أهل التوكيل والتوكل" أن وكالة العبد المأذون له جائزة، وفي توكيل الأجنبي غير المأذون له طريقان.
فرع: قال في النوادر في كتاب العتق الرابع في ترجمة عتق عبده على مال: وإذا وكل

(7/175)


بل حتى يفوض فيمضي النظر، إلا أن يقول وغير النظر، إلا الطلاق وإنكاح بكره، وبيع دار سكناه وعبده،
__________
السيد عبده لزمته الوكالة وإن لم يقبل انتهى. ص: (بل حتى يفوض فيمضي النظر إلا أن يقول: وغير نظر إلا الطلاق وإنكاح بكره وبيع دار سكناه وعبده) ش: قال ابن الحاجب الموكل فيه شرطه أن يكون معلوما بالنص أو بالقرينة أو بالعادة، فلو قال: وكلتك لم يفد حتى يقيد بالتفويض أو بأمر فلو قال: بما لي من قليل وكثير مضى في جميع الأشياء إذا كان نظرا إلا أن يقول: وغير نظر قد ذكر المصنف أن إطلاق التوكيل لا يفيد حتى يقيد بالتفويض أو بأمر، وهذا الفرع مثال للتفويض وشرط فيه المصنف وغيره أن يكون تصرفه على وجه النظر إلا أن يزيد في التعميم فيقول أو غير نظر، وهذه هي التي للإباحة وبها يتم تعميم الوكالة وقد جرى عمل الناس عندنا في هذه الجهات أنه يتصرف الوكيل المفوض إليه في كل شيء مع وجود هذا القيد الذي ذكره المصنف إلا في بيع دار سكنى موكله وطلاق زوجته انتهى ونقله في التوضيح ويعلم من هذا أن قول المصنف "إلا الطلاق" وما بعده مستثنى من قوله: "وغير نظر" وجعلها ابن فرحون في شرح ابن الحاجب تبعا لابن راشد وغيره مستثناة من مطلق الوكالة المفوضة، وهو صحيح؛ لأنها إذا استثنيت منها مع وجوب هذا القيد فيها، فأحرى أن تستثنى مع عدمه لكن لا يصح ذلك في كلام المصنف؛ لأنا إذا جعلناها مستثناة من قوله فيمضي النظر اقتضى قوله بعده "إلا أن يقول وغير نظر" أنه إذا ذكر هذا القيد لا تكون مستثناة وإنما تمضي وهو خلاف ما قاله ابن عبد السلام فتأمله
تنبيهات: الأول: اعترض المصنف على ابن الحاجب في قوله: "إلا أن يقول نظرا أو غير نظر" فقال: شرط المصنف في تصرف الوكيل أن يكون نظرا؛ لأنه معزول عن غيره بالعادة إلا أن يصرح له بذلك فيقول نظرا وغير نظر خليل وفيه نظر إذ لا يأذن الشرع في السفه فينبغي أن يضمن الوكيل إذ لا يحل لهما ذلك انتهى. وذكر ابن عرفة أن ابن الحاجب تبع في ذلك ابن بشير و ابن شاس، ثم اعترض عليهم فقال: مقتضى أصل المذهب منع التوكيل على غير

(7/176)


__________
وجه النظر لأنه فساد، وفي البيوع الفاسدة تقييد بيع التمر قبل بدو صلاحه إذا لم يكن فسادا، ونقل اللخمي عن المذهب منع توكيل السفيه انتهى. وفهم ابن فرحون كلام ابن الحاجب على خلاف ما فهمه المصنف وابن عرفة فقال إثره هذا مثال لوكالة التفويض، ولفظ ما يقتضي العموم فلو قال وكلتك بما إلي تعاطيه من بيع وشراء وطلاق وعتق وقليل الأشياء وكثيرها جاز فعل الوكيل في ذلك كله بشرط أن يكون على وجه النظر، وعكسه هو معزول عنه بالعادة إلا أن يقول له افعل ما رأيت كان نظرا عند أهل البصر والمعرفة أو غير نظر، وليس مراده افعل ما شئت وإن كان سفها كما فهمه صاحب التوضيح انتهى.
قلت: هذا الذي ذكره إنما يتم على القول بمنع توكيل السفيه، وهو أحد الطريقين في المسألة كما تقدم في باب الشركة، وأما على القول بجواز ذلك، فيرجع ذلك إلى ما قاله في التوضيح والحق أن النظر ههنا في مقامين أحدهما جواز التوكيل على هذا الوجه والثاني: مضي أفعال الوكيل وعدم تضمينه، فأما جواز التوكيل على هذا الوجه، فإن أريد به الإذن بما هو سفه عند الوكيل، فالظاهر أن ذلك لا يجوز، ولا ينبغي أن يتوقف في ذلك وإن أريد به الإذن فيما يراه الوكيل صوابا وإن كان عند الناس سفها فإن كان الوكيل معلوم السفه، فكذلك لا يجوز وإن كان على خلاف ذلك جاز، وأما مضي أفعال الوكيل، وعدم تضمينه فالظاهر أن أفعاله ماضية ولا ضمان عليه في شيء؛ لأن الموكل أذن له في ذلك، وقد قالوا في كتاب الجراح فيمن أذن لإنسان في قطع يده فقطعها أنه: لا قود عليه لإذنه له في ذلك، فالمال أحرى، وهذا والله أعلم. هو الذي أراده ابن بشير وابن شاس وابن الحاجب بل هو المتبادر من قولهم مضى أي وإن كان لا يجوز ذلك ابتداء، فتأمله نعم هنا وجه يمكن أن يحمل معه كلامهم على الجواز ابتداء، وذلك أنه قال في كتاب الشركة من المدونة: وما صنعه مفوض إليه من شريك أو وكيل على وجه المعروف لم يلزم، ولكن يلزم الشريك في حصته ويرد صنيع الوكيل إلا أن يهلك ما صنع الوكيل، فيضمنه الموكل انتهى. فإذا كان الوكيل ممنوعا من التبرعات فيمكن أن يقال معنى قولهم: "يمضي النظر" أي ما فيه مصلحة تعود بتنمية المال لا التبرعات كالعتق والهبة والصدقة إلا أن يقول: "وكلتك وكالة مفوضة وأذنت لك أن تفعل جميع ما تراه، وإن كان غير نظر" أي ليس فيه مصلحة تعود بتنمية المال، وإن كان فيه مصلحة في نفس الأمر فتمضي التبرعات ولا يقضى في هذه الأشياء أنها سفه أو فساد إلا ما تفاحش من ذلك وخرج عن الحد ولم يكن فاعله من أهل اليقين والتوكل فتأمله والله أعلم.
الثاني: علم من كلام المدونة المتقدم أن الوكيل المفوض ممنوع من التبرع فأحرى غيره وقال ابن عبد البر في كافيه ما نصه: وأما الوكيل المفوض إليه فله أن يقبل، وأن يؤخر وأن يهضم الشيء على وجه النظر، وينفذ فعله في المعروف والصدقة إذا كان لذلك وجه وفعله كله محمول على النظر حتى يتبين خلاف ذلك، فإذا بان تعديه أو فساده ضمن وما خالف فيه

(7/177)


__________
الوكيل المفوض إليه وغيره ما أمر به فهو متعد ولموكله تضمينه إن شاء ذلك انتهى. قلت: ينبغي أن يحمل قوله: "وينفذ فعله في المعروف والصدقة" إذا كان لذلك وجه على أن المراد إذا كان لذلك وجه يعود بتنمية المال كما قالوا في الشريك إن ذلك يمضي إذا قصد به الاستئلاف وإلا كان كلام الكافي مخالفا لما في المدونة والله أعلم.
الثالث: علم من كلام صاحب الكافي أن فعل الوكيل محمول على النظر حتى يتبين خلافه وكلامه في التوضيح لا ينافيه والله أعلم.
الرابع: قال ابن فرحون: إثر كلامه السابق: ذكر بعضهم أنه يستثنى من الوكالة المفوضة بيع دار السكنى وطلاق الزوجة وبيع العبد القائم بأمور الوكيل وزواج البكر؛ لأن العرف قاض بأن ذلك لا يندرج تحت عموم الوكالة وإنما يفعله الموكل بإذن خاص انتهى. وقال في اللباب في كتاب الطلاق: أنه إن وكله على الطلاق معينا لزمه قال وإن فوض إليه جميع أموره ولم يسم له طلاق زوجته فظاهر ما في الجواهر أن له ذلك والذي حكاه ابن أبي زيد أنه معزول عرفا عن طلاق الزوجة وبيع دار السكنى وتزويج البنت وعتق العبد انتهى
الخامس: قال في النكاح الأول من المدونة: وزوج أخته البكر بغير أمر الأب لم يجز، وإن أجازه الأب إلا أن يكون ابنا فوض إليه جميع أمره وجميع شأنه، فيجوز بإجازة الأب، وكذلك في أمة الأب، وكذلك في الأخ والجد يقيمه هذا المقام انتهى. وقال المصنف في باب النكاح: وإن أجاز مجبر في ابن وأخ وجد فوض له أموره ببينة جاز انتهى. فقول المدونة: "وقول المصنف هذا لا ينافي قولهم هنا أن الوكالة المفوضة لا تشمل تزويج البكر" بل هو موافق له؛ لأن معنى ما هنا أنه لا يمضي بل يوقف على إجازة الموكل وإن اتفقا نعم قال أبو الحسن الصغير إثر كلام المدونة المذكور: قوله فوض له يعني بالعادة. وأما لو كان بالصيغة لكان له أن يزوجها ولا يحتاج إلى إجازة الأب لأن الوكيل له أن ينكح ويطلق ويقر على موكله انتهى فهذا مخالف لما قالوه هنا إن الوكالة المفوضة لا تشمل تزويجا ولا طلاق الزوجة، وكأنه اعتمد على ظاهر كلام ابن شاس كما تقدم في كلام صاحب اللباب في التنبيه الذي قبل هذا، وأما إقراره على موكله، فهو جائز كما تقدم، وأما توكيل الوكيل المفوض إليه غيره من غير أن ينص له على ذلك موكله فسيأتي الكلام عليه.
السادس: إذا ابتدئت الوكالة بشيء معين، ثم قال في توكيله إنه وكله وكالة مفوضة أقامه مقام نفسه وأنزله منزلته، وجعل له النظر بما يراه، فإنما يرجع التفويض لما سماه ولا يتعدى الوكيل ما سمى له؛ لأن ذلك كله يحمل على ما سماه، ويعاد إليه، وأما إن لم يسم شيئا بالكلية، وإنما قال وكلته وكالة مفوضة، فهذا توكيل تام في جميع أمور الوكالة، ويجوز فعله في كل شيء من بيع أو شراء أو صلح أو غيره قاله ابن رشد في نوازل أصبغ من كتاب

(7/178)


أو يعين بنص أو قرينة، وتخصص وتقيد بالعرف،
__________
الوكالات. قال: وإن قال: وكالة مفوضة جامعة لجميع وجوه التوكيل ومعانيه كان أبين في التفويض ونقله عنه ابن عرفة وقال في المقدمات: إذا وكل الرجل الرجل وكالة مطلقة، ولم يخصه بشيء دون شيء، فهو وكيل في جميع الأشياء وإن سمى بيعا أو ابتياعا أو خصاما أو شيئا من الأشياء، فلا يكون وكيلا إلا فيما سمى وإنما قال في آخر الكلام: وكالة مفوضة لأن ذلك إنما يرجع لما سمى خاصة، وهذا قولهم في الوكالة إذا طالت قصرت، وإذا قصرت طالت ونقله في التوضيح وقال البرزلي: قال ابن الحاج: قال ابن عات الذي جرى به العمل، وأفتى به الشيوخ أنه متى انعقد في وثيقة التوكيل تسمية شيء، ثم ذكر بعد ذلك التفويض، فإنما يرجع لما سمى وإن لم يسم شيئا وذكر التفويض التام، فهو تفويض تام في جميع أمور الوكالة وكلما فعل من بيع وغيره وعليه تدل رواية مطرف وغيره عن مالك انتهى من مسائل الوكالات. ص: (وتعين بنص أو قرينة) ش: يعني أن الوكالة إما على سبيل التفويض في جميع الأمور أو يعين الموكل فيه فيتعين فليس له حينئذ أن يتعداه.
فرع: قال في كتاب الشهادات من المدونة: لو وكلت رجلا يقبض ما لك على فلان فجحده فحلفه الوكيل، ثم لقيته أنت لم يكن لك أن تحلفه قال ابن يونس: لأن يمينه لوكيلك يمين لك، وقال عياض: معناه أنه وكله على خصام أو فوض إليه الوكالة، وأما لو كان موكلا على القبض مجردا لم يكن له ذلك، وكان لرب المال بعد خصامه وتحليفه انتهى. وهذا ظاهر، ففهم منه إذا وكله على الخصام، فله أن يحلفه والله أعلم.
مسألة: قال ابن رشد في نوازله: ومن وكل رجلا على القيام بعيب في سلعة اشتراها من رجل والموكل غائب، فأنكر المدعى عليه أن يكون باع من موكله ووجبت عليه اليمين لعدم البينة، فردها على الغائب فالذي أراه إذا لم يسم المقدم عليه من باع منه السلعة أو سمى رجلا غائبا بعيد الغيبة، فتبين بذلك لدده أن يؤخذ منه حميل بالثمن إلى أن يكتب للموكل في الموضع الذي هو فيه، ويحلف وسواء كان قريب الغيبة أو بعيدها، ولا يدخل في هذا الاختلاف الذي في وكيل الغائب على قبض الدين يقر به الغريم، ويدعي أنه قضاه؛ لأن هذا مقر للغائب بشيء، وأما أخذ الثمن منه أو إيقافه، فلا أراه إذا لم يثبت عليه بعد شيء انتهى. ص: (وتخصص وتقيد بالعرف) ش: فاعل "تخصص" و "تقيد" ضمير يعود على الشيء الموكل فيه،

(7/179)


فلا يعده إلا على بيع، فله طلب الثمن وقبضه، أو اشتراء فله قبض المبيع
__________
أو على لفظ الموكل، والمعنى أنه إذا كان لفظ الوكيل عاما، فإنه يتخصص بالعرف كما إذا قال: وكلتك على بيع دوابي وكان العرف يقتضي تخصيص ذلك ببعض أنواع الدواب، فإنه يتخصص به، وكذلك إذا قال: له وكلتك على بيع هذه السلعة، فإن هذا اللفظ عام في بيعها في كل مكان وزمان، فإذا كان العرف أن تلك السلعة إنما تباع في سوق مخصوص أو في زمان مخصوص، فإن العرف يخصص ذلك العموم، وكذا إذا كان الشيء الموكل فيه مطلقا أو لفظ الموكل، فإنه يتقيد بالعرف كما لو قال اشتر لي عبدي، فإنه يتقيد بما يليق به. والعام هو اللفظ المستغرق الصالح له من غير حصر، والمطلق هو اللفظ الدال على الماهية بلا قيد. ص: (إلا على بيع فله طلب الثمن وقبضه) ش: هو نحو قول ابن الحاجب، ويملك الوكيل المطالبة بالثمن وقبضه قال في التوضيح: يعني أن التوكيل على البيع يستلزم أن يكون للوكيل المطالبة بالثمن وقبضه لذلك لو سلم المبيع، ولم يقبض الثمن ضمنه انتهى.
تنبيهات: الأول: قوله: "فله طلب الثمن" يقتضي أن له ترك ذلك، وليس كذلك كما دل عليه قوله في التوضيح ولذلك، لو سلم المبيع ولم يقبض الثمن ضمنه.
الثاني: قال في التوضيح: هذا مقيد بما إذا لم تكن العادة الترك فقد نص أبو عمران على أنها لو كانت العادة في الرباع أن وكيل البيع لا يقبض الثمن فإن المشتري لا يبرأ بالدفع إليه انتهى. وقال في الشامل: وله قبض ما وكل في بيعه إلا لعادة وقال ابن فرحون في تبصرته في الفصل الرابع في تقسيم المدعى لهم: مسألة والوكيل على بيع الدار والعقار إذا أراد قبض الثمن من المشتري وأراد أن يقيم البينة أنه وكيل على البيع لم يمكن من ذلك؛ لأن العرف والعادة أن وكيل البيع في الدار والعقار لا يقبض الثمن، فليس له ذلك إلا بتوكيل خاص على قبض الثمن إلا أن يكون أهل بلد جرت عادتهم بأن متولي البيع يتولى قبض الثمن فيجزئه إقامة البينة على الوكالة على البيع، وهذا بخلاف الوكيل على بيع السلع فإن له قبض الثمن والمطالبة به انتهى.
الثالث: لو قال المصنف: "فله قبض الثمن" لا غنى عن قوله: "فله طلب الثمن" والله أعلم. ص: (أو اشتراء فله قبض المبيع) ش: قال ابن عرفة: قال ابن شاس: والوكيل بالشراء يملك

(7/180)


ورد المغيب، إن لم يعينه موكله، وطولب بثمن ومثمن، ما لم يصرح بالبراءة كبعثني فلان، لتبيعه لا لأشتري منك،
__________
قبض المبيع وتبعه ابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام وابن هارون وفي قبوله مطلقا نظر، ومقتضى المذهب عند التفصيل، فحيث يجب عليه دفع الثمن يجب له قبض المبيع، وحيث لا يجب لا يجب للنكتة التي فرقوا بها بين وجوب قبض الوكيل ثمن ما باعه، وعدم صحة قبض ولي البنت نقد وليته دون توكيل عليه، فإنه في البيع هو مسلم المبيع لمبتاعه وليس الولي كذلك في النكاح انتهى. وما قاله ظاهر، وسيذكر المصنف الموضع الذي يجب على الوكيل فيه قبض الثمن. ص: (ورد المعيب إن لم يعينه موكله) ش: إذا عين الموكل السلعة المشتراة، فليس للوكيل أن يردها بالعيب اتفاقا لاحتمال أن يكون الموكل علم بالعيب أو يغتفره عند اطلاعه عليه لغرضه فيه، واختلف إذا لم يعينها فقال ابن القاسم: للوكيل أن يرده؛ لأنه ضامن بمخالفة الصفة وقال أشهب: ليس له أن يرده، وإن رد، فللموكل أن لا يجيز الرد ويضمنه قيمتها إن فاتت قال أبو عمران: وإذا كان يلزمه الضمان بإمساكه السلعة على قول ابن القاسم ويرده لها على قول أشهب فالحيلة في التخلص منه أن يرفع للحاكم فيحكم له بأحد المذهبين فيسقط عنه الضمان.
تنبيه: قال في التوضيح: قيد اللخمي قول ابن القاسم بما إذا كان العيب ظاهرا قال، وأما إن كان العيب مما يخفى، فلا شيء على الوكيل، وإذا لم يكن عليه ضمان لم يكن له أن يرد انتهى، ولم يذكر ابن عرفة هذا التقييد ولا صاحب الشامل. ص: (إلا المفوض) ش: كذا في بعض النسخ، وعليها شرح الشارح وهو صحيح والله أعلم. ص: (لا لأشتري منك) ش: أي

(7/181)


وبالعهدة، ما لم يعلم، وتعين في المطلق نقد البلد ولائق به، إلا أن يسمي الثمن، فتردد،
__________
فالثمن على الوكيل إلا أن يقر الموكل فليتبع أيهما شاء نقله في التوضيح زاد ابن عرفة إلا أن يدعي الآمر أنه دفع الثمن للمأمور فيحلف ويبرأ ويتبع المأمور. ص: (وبالعهدة) ش: تصوره ظاهر.
مسألة: قال ابن عبد الحكم: إذا أقررت أن وكيلا لك باع عبدك من فلان بمائة وفلان مصدق والوكيل منكر، فالعبد يلزم فلانا بمائة والعهدة على بائعه ولا عهدة على الوكيل، ولا يلزم الوكيل قول سيد العبد انتهى. ص: (وتعين في المطلق نقد البلد إلى آخره) ش: هذا كله مستفاد من قوله "وتخصص وتقيد بالعرف" وإنما ذكره ليبين الحكم بعد الوقوع بقوله: "وإلا

(7/182)


وثمن المثل وإلا خير، كفلوس، إلا ما شأنه ذلك لخفته، كصوف ذهب بفضة إلا أن يكون الشأن، وكمخالفته مشترى عين، أو سوقا، أو زمانا أو بيعه بأقل، أو اشترائه بأكثر كثيرا،
__________
خير". ص: (وثمن المثل) ش: أي وتعين أيضا ثمن المثل إذا أطلق له، ولم يسم له الثمن، وأما إن سمى له ثمنا، فيتعين، قال ابن عرفة قال المازري: وفي كون التسمية للثمن مسقطة عن الوكيل النداء والشهرة والمبالغة في الاجتهاد أم لا ابن بشير لو أمره ببيع سلعة بثمن سماه، فباعها به من غير إشهاد فقولان: أحدهما: إمضاؤه والثاني: رده؛ لأن القصد عدم نقص الثمن وطلب الزيادة، ولو ثبت أحد القصدين ما اختلف فيه انتهى. ص: (أو بيعه بأقل أو اشتراؤه بأكثر كثيرا) ش: أي، وكذا يخير الموكل إذا باع الوكيل الشيء الموكل على بيعه بأقل

(7/183)


إلا كدينارين في أربعين وصدق في دفعهما وإن سلم، من لم يطل،
__________
مما سمى له أو اشترى ما وكل على شرائه بأكثر مما سمى له بشيء كثير، وظاهر كلامه هنا أنه يخير مطلقا، وليس كذلك بل ذلك مقيد بأن لا يؤدي إلى فسخ الدين في الدين وإلى بيع الطعام قبل قبضه كما سيقوله المصنف أعني قوله: "والرضا بمخالفته في سلم" ويقيد كلامه هنا أيضا بما إذا لم يلتزم الوكيل الزائد كما سيقوله المصنف أيضا.
فرع: قال في النوادر عن أشهب: إذا وضع الوكيل من الثمن بعد البيع، فذلك باطل، والآمر مخير في أن يجيز أو يرجع بذلك على المشتري ولا رجوع له على الوكيل قال: ولو تحاكما لبعض قضاة المشرق فحكم بالوضيعة على الوكيل لأنفذت ذلك ولم أر على المبتاع شيئا ونزلت بأشهب وهو المبتاع فحكم له بالوضيعة على الوكيل فصالح أشهب البائع على نصف الوضيعة وصار له انتهى والمسألة في سماع أصبغ من كتاب الوكالات. ص: (إلا كدينارين في أربعين) ش: يعني أن الوكيل إذا خالف في الاشتراء فإنه يخير الموكل إلا أن تكون المخالفة بزيادة في الثمن زيادة يسيرة كالدينارين في الأربعين، فإنه يلزمه ذلك وفي بعض النسخ "لا كدينارين" بلا النافية بدل "إلا" الاستثنائية وهي أحسن كما قال ابن غازي وتخصيصه اغتفار المخالفة باليسير بالاشتراء هو الذي مشى عليه عبد الحق وابن يونس واللخمي والمتيطي وصاحب الجواهر وذكر صاحب النظائر اغتفار المخالفة باليسير في البيع أيضا، وهو ظاهر إطلاق ابن الحاجب ولم ينص في المدونة على اغتفار اليسير إلا في الشراء ومثله كالثلاثة في المائة، وكالاثنين في الأربعين، وما ذكره من اغتفار اليسير في الشراء ظاهره سواء كانت السلعة معينة أم لا وهو كذلك قال ابن محرز: وخالف فيه بعض المذاكرين وقال ابن عرفة المازري: واليسير في المائة الديناران والثلاثة التونسي لا تكون الزيادة في قليل الثمن مقصورة على هذا الحساب إنما ينظر إلى ما زاد في مثله عادة، ولا يجب على الوكيل أن يزيده على ذلك إنما هذا إذا زاده لزم الموكل، ولو اشترى السلعة لنفسه لما لم يبعها ربها بالمسمى كانت له إذا قلنا إنه لا يلزمه أن يسلف من وكله قال ابن عرفة: قلت: الظاهر أنه لو كان بيد المأمور للآمر ما يدفع منه الزيادة لزمه الشراء بها فلا يتم له شراؤها لنفسه، وكذا إن كان المأمور مالكا لقدر الزيادة غير محتاج إليها؛ لأن قبوله التوكيل على شرائها التزام منه للوازم شرائها ويؤيده قول أصبغ في سماع أشهب من أمر بشراء سلعة بخمسة عشر فاشتراها لنفسه بستة عشر، وقال أبى البائع بيعها بخمسة عشر فاشتريتها لنفسي بستة عشر قبل قوله وكانت له قال

(7/184)


وحيث خالف في اشتراء لزمه، إن لم يرضه موكله، كذي عيب، إلا أن يقل وهو فرصة، أو في بيع، فيخير موكله،
__________
أصبغ: أرى أن يحلف وأستحسن أن الأمر في أخذها بالخيار. ابن رشد استحسانه بعيد إذ لا يلزمه أن يسلفه الزيادة انتهى والله أعلم. ص: (وحيث خالف في اشترائه لزمه إن لم يرضه موكله) ش: تضمن هذا الكلام مسألتين: إحداهما: أن الموكل مخير في الرضا بالشيء المشترى، وعدم الرضا به، وهذه تقدمت والثانية أنه إذا لم يرض به الموكل، فإنه يلزم الوكيل، وهذه من هنا استفيدت وأتى المؤلف بهذا الكلام لأجلها.
مسألة: من أمر رجلا بشراء سلعة فاشتراها لنفسه ففيها أربعة أقوال: الأول: القول قول المأمور مع يمينه إن اتهم وإن دفع له الآمر الثمن، وهو رواية محمد بن يحيى الشيباني عن مالك والثاني السلعة للآمر وإن لم يدفع الثمن، وهو رواية غير ابن القاسم في المدونة وقول أصبغ وروايته عن ابن القاسم في المدونة وسواء أشهد المأمور أنه اشتراها لنفسه. أم لم يشهد حتى يرجع الأمر إلى الآمر فيبرأ من وعده بالشراء والثالث الفرق بين أن يكون دفع إليه الثمن أم لا والرابع أنها للآمر إلا أن يكون المأمور أشهد أنه إنما يشتريها لنفسه انتهى. مختصرا من أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشركة. وكرر المسألة في كتاب البضائع والوكالات في أول رسم من سماع ابن القاسم منه. ص: (كذي عيب إلا أن يقل وهو فرصة) ش: قال ابن عرفة: وشراؤه معيبا تعمدا عداء إلا ما يغتفر عرفا فيها إن أمرته بشراء سلعة فابتاعها معيبة فإن كان عيبا خفيفا يغتفر مثله، وقد يكون شراؤها به فرصة لزمتك وإن كان عيبا مفسدا لم تلزمك إلا أن تشاء وهي لازمة للمأمور قال ابن عرفة: قلت: لو كان العيب مغتفرا بعموم الناس وحال الآمر لا يقتضي اغتفاره هل يلزم الآمر أم لا والأظهر أنه يتخرج على القولين في أول كتاب الغصب في أثر العداء إذا كان يسيرا بالنسبة إلى عموم الناس، وغير يسير بالنسبة إلى حال المتعدى عليه هل يحكم فيه بحكم اليسير أو الكثير؟ وعبر عن هذا ابن الحاجب بقوله: "فإن علم بالعيب كان له ولا رد إلا في اليسير". قلت: استثناؤه إلا في اليسير يستحيل رده لمنطوق ما قبله، ولهما يستقيم رده لمحذوف تقديره، ولا يلزم الآمر، ومثل هذا الحذف لا ينبغي في المسائل العلمية مع يسر العبارة عنه بقوله فإن علم بالعيب لزمه لا الآمر إلا في اليسير انتهى. قلت: واقتصر المصنف في فصل التعدي على القول بأنه يحكم له بحكم الكثير. ص: (أو في بيع فيخير موكله) ش: هذا مستفاد مما تقدم لكنه أعاده ليكمله بقوله: "ولو ربويا" وبقوله "إلا

(7/185)


ولو ربويا بمثله، إن لم يلتزم الوكيل الزائد على الأحسن لا إن زاد في بيع،
__________
أن يلتزم الوكيل الزائد" فإنه راجع إلى المخالفة في الشراء والبيع كما قاله ابن الحاجب: وغيره والمعنى، وحيث خالف في بيع فيخير موكله في إجازة البيع وأخذ الثمن الذي بيعت به ورده وأخذه سلعته إن كانت قائمة، وهذا بعد أن يثبت أن السلعة ملك الموكل، ويحلف على التعدي كما سيأتي ذلك في اختلاف الوكيل والموكل، وصرح به في التوضيح في شرح قوله: "ولا بيع بعرض ولا نسيئة".
تنبيه: ولا يعد الوكيل بتعديه ملتزما لما سمى له الموكل من ثمن السلعة على المشهور قاله في التوضيح في شرح المسألة المذكورة والله أعلم. ص: (ولو ربويا يمثله) ش: هذا إذا لم يعلم المشتري بتعدي الوكيل، وأما إن علم بذلك فالعقد فاسد قاله المازري ونقله ابن عرفة. ص: (إن لم يلتزم الوكيل الزائد على الأحسن) ش: هذا راجع إلى مسألة المخالفة في البيع والشراء كما تقدم لكن معناه مختلف بالنسبة إلى مسألتين فمعناه في مسألة الشراء الزائد على الثمن الذي سمى له، وفي مسألة البيع الزائد على الثمن الذي باع به. ص: (أو اشتر

(7/186)


أو نقص في اشتراء، أو اشتر بها فاشترى في الذمة ونقدها وعكسه، أو شاة بدينار فاشترى به اثنتين لم يمكن إفرادهما وإلا خير في الثانية،
__________
بها فاشترى في الذمة ونقدها وعكسه) ش: هكذا قال ابن شاس وابن الحاجب قال في التوضيح: وينبغي أن يتخرج على القول بوجوب الوفاء بشرط ما لا يفيد أن يكون للموكل الخيار أما إن ظهر لاشتراط الموكل فائدة، فإنه يعمل على قوله بلا إشكال، وقد نص المازري عليه انتهى. وهكذا نقل عنه ابن عرفة فإنه قال ذكر المازري للشافعية فيها كلاما، ثم قال النكتة عندي غرض الموكل إن ظهر فيما رسم غرض فمخالفته عداء وإن لم يكن غرضه إلا تحصيل السلعة فليس بعداء وقال ابن عبد السلام: لو دفع له الدنانير وديعة فدفعها الوكيل في الثمن لم يبعد أن يكون متعديا إذا قيل بتعيين الدنانير والدراهم إذ قد يتعلق للآمر بعينها غرض صحيح إما لشبهة فيها، فلا يجب فوتها بالشراء بها حتى ينظر في إصلاح تلك الشبهة أو لتحقيق طيب كسبها فيجب أن يشتري بها لقوته لا لتجارة أو لغير ذلك مما يقصده الناس ابن عرفة إن أراد أنه يحكم عليه على هذا القول بحكم التعدي بقيد كون الدنانير والدراهم قائمة بعينها، فمسلم وإن أراد أنه يحكم عليه بحكم التعدي مطلقا، وهو ظاهر قوله رد بأنه لا فائدة في الحكم عليه حينئذ بالتعدي؛ لأن الواجب عليه بتعديه غرم مثل دنانير الآمر ويجب على الآمر غرم مثلها، وهذا لا فائدة فيه انتهى. ص: (وإلا خير في الثانية) ش: يعني وإن أمكن إفراد أحدهما عن الآخر فتلزم الموكل واحدة منهما ويخير في الثانية بين أن يقبلها أو يردها، ويأخذ

(7/187)


وأخذ في سلمك حميلا، أو رهنا ضمنه قبل علمك به، ورضاك وفي بذهب بدراهم، وعكسه، قولان، وحنث بفعله في لا أفعله إلا بنية ومنع ذمي في بيع أو شراء أو تقاض
__________
ما ينوبها من الثمن هذا إن اشتراهما في عقد واحد وإن اشتراهما في عقدين فالأولى للموكل ويخير في الثانية فقول المصنف "خير في الثانية" شامل للصورتين ونحوه لابن عبد السلام. ص: (وفي ذهب في بدراهم وعكسه قولان) ش: قال في تصحيح ابن الحاجب: القول بالإمضاء اختيار اللخمي وتأول المدونة عليه وأشار في الشامل لتصحيحه بذلك انتهى. ونص الشامل ومضى في بيعه بذهب فباع بورق وعكسه على المختار والمؤول ص: (وحنث بفعله في لا أفعله إلا بنية) ش: قال في المقدمات: ويد الوكيل كيد موكله فيما وكله عليه فيمن حلف أن لا يفعل فعلا، فوكل غيره على فعله حنث إلا أن يكون نوى أن لا يفعله هو بنفسه، وكذلك من حلف أن يفعل فعلا فوكل غيره على فعله، فقد برئ إلا أن يكون نوى أن يلي هو الفعل بنفسه انتهى. ونقله المتيطي وفي مسائل الطلاق من البرزلي إذا حلف أن لا يدخل داره سلعة كذا فأدخلها أخوه بغير إذنه، فلا شيء على الحالف إذا لم يقدر على إخراجها انتهى. ص: (ومنع ذمي في بيع أو شراء أو تقاض) ش: كذا في السلم الثاني من المدونة بلفظ لا يجوز قال: كذلك عبدك النصراني ابن يونس لا تأمره ببيع ولا شراء ولا اقتضاء انتهى.

(7/188)


وعدو على عدوه، والرضا بمخالفته في سلم، إن دفع له الثمن،
__________
تنبيه: مناقشة ابن عبد السلام وابن عرفة لابن الحاجب في قوله فيها لا يوكل الذمي على مسلم أو بيع أو شراء إلى آخر كلامه إنما هو في عزوه للمدونة بلفظ على مسلم لا في تقييد المسألة بذلك؛ لأن كلام ابن يونس يدل على ذلك فتأمله.
فرع: قال ابن عرفة والمازري لو وقع تفاوض الذمي بوكالته في خمر تصدق الموكل بجميع ثمنه، وفي الربا بالزيادة فقط ولو فعل ذلك، وهو يعلم حرمته وعدم إرادة المسلم ذلك غرم له ما أتلف عليه بفعله ذلك انتهى ونقله القرافي في الذخيرة فيؤخذ منه أنه إذا عمل في الخمر يجب التصدق بالجميع، وإذا عمل بالربا يجب التصدق بالزائد. ويلزم مثله في الشركة يعني إذا شارك الذمي وتحقق أنه عمل بالربا أو في الخمر، وأما إن شك في ذلك ولم يتحقق فقال اللخمي: يستحب له التصدق قاله في الشركة، ويأتي مثله في الوكالة وقال في الشركة: وأما لو تحقق أنه لم يعمل بالربا ولا في الخمر ونحوه لم يكن عليه شيء ويأتي مثله هنا أيضا والله أعلم. ص: (وعدو على عدوه) ش: قال ابن رشد: لا يباح لأحد توكيل عدو خصمه على الخصام ولا عدو المخاصم على خصمه؛ لأن الضرر في الوجهين بين ا هـ. وقال ابن سلمون:

(7/189)


وبيعه لنفسه ومحجوره بخلاف زوجته ورقيقه. إن لم يحاب. واشتراؤه من يعتق عليه إن عدم ولم يعينه موكله وعتق عليه وإلا فعلى آمره،
__________
وسئل ابن رشد فيمن وكل وكيلا على الخصام فوكل وكيله وكيلا آخر وبين أحد الموكلين والذي وكل الآخر عداوة هل يمنع من توكيله؟ فقال: الذي أراه في هذا أن لا يباح لأحد توكيل عدو خصمه على الخصام ولا عدو المخاصم عنه، لأن الضرر في الوجهين بين انتهى. وذكره البرزلي وزاد على ما ذكرت أنه لا يسلم من دعواه الباطل لأجل عداوته لخصمه. ابن الحاج: للرجل أن يخاصم عن نفسه عدوه بخلاف توكيل العدو على عدوه إلا أن يسرع لأذاه فيمنع من ذلك ويقال له وكل غيرك بدليل أنه يجوز لليهودي مخاصمة المسلم في حقه وهو أشد عداوة انتهى.
تنبيه: انظر هل المنع من توكيل العدو على عدوه لأجل حقه فإذا رضي العدو بذلك جاز له، وبه صرح مصنف الإرشاد في شرح المعتمد كما نقله الشيخ سليمان البحيري في شرح

(7/190)


وتوكيله أن لا يليق به أو يكثر،
__________
الإرشاد والمنع من ذلك لحق الله تعالى، فلا يجوز ولو رضي به العدو؛ لأن من أذن لشخص في أذاه، فلا يجوز ونص كلام الشيخ سليمان في شرح الإرشاد: قال مصنفه في شرح المعتمد: إذا أراد الرجل أن يوكل وكيلا في مخاصمة جاز ذلك كان خصمه غائبا أو حاضرا رضي أو لم يرض، وهذا إذا لم يكن بين الخصم والوكيل عداوة، فإن كان بينهما عداوة لم يجز توكيله عنه إلا برضاه انتهى. فصريح كلامه أن المنع من توكيل العدو على عدوه إنما هو لأجل حقه، فإذا رضي العدو بذلك جاز، ويحتمل أن يكون المنع من ذلك لحق الله تعالى، فلا يجوز ولو رضي به العدو؛ لأن من أذن لشخص في إذاية لا يجوز، ولم أقف على نص في ذلك غير ما لصاحب الإرشاد فتأمله والله أعلم. ص: (وتوكيله إلا أن لا يليق به أو يكثر) ش: يعني أنه يمتنع توكيل الوكيل إلا إذا كان الشيء الموكل فيه لا يليق بالوكيل تعاطيه، فيجوز له أن يوكل من يتعاطاه أو يكون الموكل فيه كثيرا يعلم بقرينة العادة أن الموكل لا يستقل بالتصرف فيه، فيجوز له أن يوكل من يعينه ابن عبد السلام وهذه القرينة تسوغ له الاستعانة بوكيل ولا تسوغ له أن يجعل وكيلا أو وكلاء ينظرون فيما كان ينظر فيه والقرينة الأولى تسوغ ذلك، ثم قال: ويكون للوكيل الأعلى النظر على من تحته ا هـ. ونحوه في التوضيح واعلم أن هذا في الوكيل المخصوص أما المفوض فله التوكيل قال ابن الحاجب:

(7/191)


__________
والوكيل بالتعيين لا يوكل إلا فيما لا يليق به ولا يستقل لكثرته. قال في التوضيح: احترز بالتعيين من المفوض فإن له أن يوكل على المعروف وحكى في البيان قولا إنه لا يوكل قال: والأظهر أن له ذلك؛ لأن الموكل أحله محل نفسه فكان كالوصي انتهى. وكلام ابن رشد الذي أشار إليه هو في نوازل عيسى من كتاب الوكالة ونصه: لا اختلاف أحفظه في أن الوكيل على شيء مخصوص لا يجوز له أن يوكل، ثم قال: وأما الوكيل المفوض إليه في جميع الأشياء، فلا أحفظ في أنه هل له أن يوكل أو لا؟ قولا منصوصا لأحد العلماء المتقدمين، وكان الشيوخ المتأخرون يختلفون فيها. والأظهر أن له أن يوكل انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن الصغير: قالوا: للوصي أن يوصي بلا خلاف، ويوكل، الوكيل المخصوص ومقدم القاضي ليس لهما أن يوكلا بلا خلاف والوكيل المفوض قال ابن رشد: فذكر كلامه المتقدم، وقوله إلا أن لا يليق به قال في التوضيح: ولا شك فيه زاد ابن عبد السلام عن الشيوخ إذا علم الموكل بجلالة الوكيل، وأما إن لم يعلم، فقطع بعضهم بأنه لا التفات إلى علمه وقال التونسي: انظر إن لم يعلم بذلك رب المال فإن كان الوكيل مشهورا بأنه لا يلي مثل ذلك فالأشبه أن لا يضمن وإن كان غير مشهور فرضاه بالوكالة يدل على أنه هو المتولي حتى يعلم رب المال أنه لا يتولى، وليس له أن يوكل على ما وكل عليه ولا أن يوصي به بعد مماته بخلاف الوصي إلا أن يجعل ذلك إليه الموكل فإن فعل وتلف المال ضمنه على مذهب ابن القاسم، وإن علم أنه لا يلي مثل ذلك إذا لم يعلم به الموكل وفي ذلك نظر. وقال أشهب إذا كان مثله في الكفاية فلا ضمان انتهى. ومشى في البيان في الكلام على المسألة الأولى على ما ذكره المصنف عن التونسي ونصه لا يجوز له أن يوكل واختلف إن فعل هل يضمن إلا أن يكون ممن لا يلي مثل ذلك لنفسه، وهذا في غير المشهور أنه ممن لا يلي ذلك؛ لأن رضاه بالوكالة يدل على أنه المتولي حتى يعلم رب المال أنه لا يتولى وهو محمول على أنه لم يعلم حتى يعلم أنه قد علم، وأما المشهور فلا ينبغي أن يضمن؛ لأن الموكل يحمل على أنه علم ولا يصدق في أنه لم يعلم انتهى. فتحصل من هذا أن الوكيل المفوض يجوز له التوكيل على ما رجحه ابن رشد وغيره، وأما الوكيل غير المفوض فإن كان ممن يلي ما وكل فيه بنفسه، فليس له أن يوكل في ذلك وإن كان ممن لا يليق به أن يلي ذلك بنفسه فإن علم الموكل بأنه لا يلي ذلك بنفسه، فليس له أن يوكل، وأما إن لم يعلم بذلك، فإن كان مشهورا قد عرف عند الناس أنه لا يلي ذلك بنفسه، فله ذلك ويحمل الوكيل على أنه علم بذلك ولا يصدق في أنه لا يعلم، وأما إن لم يكن مشهوراً بذلك فرضاه بالوكالة يدل على أنه المتولي حتى يعلم رب المال أنه لا يتولى، وهذا متعد بالوكالة وضامن للمال ورب المال محمول على أنه لم يعلم حتى يعلم أنه قد علم.
فرع: ولو تعدى الوكيل ووكل حيث لا يجوز له، فإن علم وكيله بالتعدي، فهو ضامن، وإن لم يعلم فلا ضمان عليه. قاله ابن رشد في نوازله في آخر مسائل البيع. وانظر كلام ابن

(7/192)


فلا ينعزل الثاني بعزل الأول
__________
رشد فيما إذا قال الراهن للمرتهن ضع الرهن على يد عدل فوضعه على يد غير عدل فلا ضمان على الغير، وانظر البرزلي في مسائل الوكالة.
تنبيه: حيث يجوز له التوكيل فقال ابن الحاجب وغيره: لا يوكل إلا أمينا والله أعلم. ص: (فلا ينعزل الوكيل الثاني بعزل الأول) ش: يعني فإذا أجزنا له التوكيل في الموضعين فلا ينعزل الثاني بعزل الأول؛ لأنه صار كالوكيل عن الأصل إذ أنا لا نجيز له الوكالة إلا بنص أو بحسب العادة ونحوه للمازري وابن الحاجب وغيرهما لكنهم إنما قالوا فلا ينعزل الثاني بموت الأول وكان المصنف رحمه الله رأى أنه لا فرق بين عزله وموته ورآه منصوصا ولا يفهم من كلام المصنف أن الوكيل الثاني لا ينعزل إذا عزله الأول؛ لأن الظاهر أن ذلك له كما سيأتي في كلام ابن فرحون وقال ابن عبد السلام: ولا يتخرج في هذا الفرع خلاف من وكيل القاضي على النظر لليتيم فإن فيه خلافا هل هو نائب عن القاضي أو عن والد الميت؟ وتقديم القاضي إنما هو جبران لما أهمله الميت، وأيضا فإن القاضي الذي قدم ناظرا على الميت لو مات لم يكن موته عزلا لذلك الناظر انتهى وقال ابن عرفة بعد نقله لهذا الكلام: قلت: في هذا الكلام تناف بيانه أنه نقل أولا القول بأن ناظر اليتيم نائب عن القاضي لا عن الأب ولازم هذا انعزال الناظر بموت القاضي، ثم قال على وجه الاستدلال: بأنه لو مات القاضي لم ينعزل الناظر وظاهره اتفاقا، وهو خلاف لازم، كونه نائبا عن القاضي، والقول بانعزال ناظر اليتيم بموت القاضي ثابت في المذهب حسبما يذكر في الأقضية إن شاء الله، وبعد الإعراض عن هذا التنافي، فالذي يتحصل من كلامه فرق مانع من التخريج كما زعم هو أن ناظر القاضي نائب عنه في قول ووكيل الوكيل نائب عن الموكل لا عن الوكيل، وهذا يرد بمنع انحصار نيابة وكيل الوكيل؛ لأن الوكيل له عزل وكيله واستقلاله بفعل نفسه اتفاقا ولو لم يكن نائبا عنه لما صح عزله إياه ويفرق بأن نيابة القاضي عن الأب إنما هي بأمر عام، وهو ولايته الصالحة له ولغيره، فهو بالنسبة إليه كدلالة العام على بعض أفراده، ونيابة الوكيل عن الموكل إنما هي بتوليته إياه بعينه، فهي كدلالة الخاص على نفس مدلوله، وهي أقوى من دلالة العام اتفاقا، ولا يلزم من نقص أثر الأضعف نقص أثر الأقوى ا هـ. فاستفيد من كلام ابن عرفة فرع: وهو أن للوكيل عزل وكيله اتفاقا ونقل ابن فرحون في ألغازه فرعا آخر ونصه: فإن قلت: رجل غير الحاكم يجوز له أن يعزل وكيل رجل، ولم يأذن له الموكل في عزله، ولا علق عزله على شيء. قلت: إذا وكل الرجل وكيلا وجعل له أن يوكل فوكل الوكيل رجلا فللموكل الأول عزل وكيل وكيله ا هـ. وهذا الفرع وفرع ابن عرفة فرعان عزيزان

(7/193)


وفي رضاه إن تعدى به تأويلان، ورضاه بمخالفته في سلم إن دفع الثمن بمسماه
__________
فرع: قال ابن سلمون: ولا ينعزل الوكيل الثاني بموت الذي وكله، وينعزلان معا بموت الموكل انتهى.
فرع: قال ابن رشد في نوازله: ما قبض وكيل الوكيل من مال موكل موكله فيلزمه أن يدفعه إلى من أراد قبضه منه من موكله ومن صاحب المال إذا ثبت أن المال له ببينة أو بإقرار من الوكيل، وليس له أن يمتنع من ذلك؛ لأنه يبرأ بالدفع إلى من دفع إليه منهما، يبين هذه مسألة كتاب السلم الثاني من المدونة، وهي: من وكل رجلا على أن يسلم له في طعام، ففعل، ثم أتى الآمر، وأراد قبض السلم انتهى. ومسألة المدونة المذكورة سيقول المصنف فيها: ولك قبض سلمه لك إن ثبت ببينة فتأمله والله أعلم. ص: (وفي رضاه إن تعدى به تأويلان) ش: أي، وفي جواز رضا الموكل يريد بفعل الوكيل الثاني إن كان الوكيل الأول متعديا بتوكيله تأويلان قال في التوضيح: قال في السلم الثاني من المدونة: ومن وكل رجلا يسلم له في طعام فوكل الوكيل غيره لم يجز، ثم قال: واختلف في معنى قوله في الكتاب "لم يجز" فحمله بعضهم على أن للآمر فسخه وإجازته، وحمله ابن يونس على أن المعنى لم يجز رضا الآمر بما يعمل وكيل وكيله، إذ بتعديه صار الثمن عليه دينا للآمر فلا يفسخه في سلم الوكيل الثاني إلا أن يكون قد حل وقبضه لسلامته من الدين بالدين انتهى فيقيد ذلك بالسلم كما قيده ابن غازيص (كرضاه بمخالفته في سلم إن دفع الثمن بمسماه) ش: الباء في "بمسماه" بمعنى "في" أي ومنع رضاه في السلم بمخالفته في الثمن الذي سماه، فالمخالفة هنا في المسمى، وفي المسألة الأولى في النوع أو الجنس، وقد جمعهما في المدونة، فقال في السلم الثاني وإن وقعت إليه

(7/194)


أو بدين إن فات،
__________
دراهم ليسلمها لك في ثوب هروي فأسلمها في بساط شعر أو ليشتري لك بها ثوبا فأسلمها لك في طعام أو في غير ما أمرته به أو زاد في الثمن ما لا يزاد على مثله، فليس لك أن تجيز فعله وتطالب بما أسلم فيه من عرض أو طعام أو ترفع إليه ما زاد؛ لأن الدراهم لما تعدى عليها المأمور وجبت عليه دينا ففسختها فيما لا تتعجله، وذلك دين بدين، ويدخل في أخذك للطعام الذي أسلم فيه أيضا مع ما ذكرنا بيعه قبل قبضه لا شك فيه؛ لأن الطعام قد وجب للمأمور بالتعدي، فليس له بيعه حتى يقبضه، وسلم المأمور لازم له، ولا له ولا لك فسخه، ولا شيء لك أنت على البائع، وإنما لك على المأمور ما دفعت إليه من الثمن ولو لم تدفع إليه الثمن وأمرته أن يسلم لك من عنده في قمح أو في جارية أو في ثوب ولم تصفها له فإن أسلم في غير ما أمرته به من طعام أو فيما لا يشترى لمثلك من جارية أو ثوب، فلك أن تتركه ولا يلزمك الثمن أو ترضى به ويدفع إليك الثمن؛ لأنك لم يجب لك عليه دين ففسخته وكأنه ولاك، ولا يجوز ههنا أن يؤخرك بالثمن وإن تراضيتما بذلك؛ لأنه لم يلزمك ما أسلم فيه إلا برضاك، فكأنه بيع مؤتنف لدين له وتولية فتأخير الثمن فيه دين بدين انتهى، وتفريق المصنف لذلك مشوش، فلو جمعهما كما في المدونة، واستغنى بقوله أولا: "والرضا بمخالفته في سلم إلى آخره" لكان أحسن؛ لأن المخالفة تشمل جميع ذلك والله أعلم. ص: (أو بدين إن فات) ش: هو معطوف على قوله "بمخالفته"، ويصح أن يعطف على قوله "بمسماه" والمعنى أن من وكل رجلا على بيع سلعة بالنقد أو لم يسم له نقدا ولا مؤجلا فباعها بدين فإن الوكيل متعد في بيعه بالدين وسواء سمى له الموكل قدر رأس الثمن أم لا، ثم لا يخلو الحال من أمرين إما أن يطلع على ذلك بعد فوات السلعة أو قبل فواتها، فإن فاتت السلعة، فإنه لا يجوز للموكل أن يرضى بالثمن المؤجل؛ لأنه قد وجب له على الوكيل التسمية إن كان سمى له ثمنا أو القيمة إن كان لم يسم فرضاه بعد ذلك بالدين المؤجل فسخ دين في دين، وإن كانت القيمة أو التسمية أقل من الثمن المؤجل، وهو الغالب لزم منه بيع قليل بأكثر منه إلى أجل وهو عين الربا، وقيل يجوز له الرضا بالمؤجل، وقيل للموكل أن يلزم الوكيل القيمة إن لم يسم أو التسمية إن سمى، ويبقى الثمن المؤجل لأجله والمشهور المنع من ذلك ومفهوم الشرط قوله "إن فات" أنه إذا لم تفت السلعة لم يمتنع رضاه بالثمن المؤجل، وهو كذلك؛ لأن رضاه حينئذ كإنشاء عقدة وقد تقدم

(7/195)


وبيع، فإن وفى بالتسمية، أو القيمة، وإلا غرم، وإن سأل غرم التسمية، أو القيمة، ويصبر ليقبضها، ويدفع الباقي: جاز، إن كانت قيمته مثلها فأقل،
__________
أنه إذا خالف الوكيل في البيع، فإنه يخير الموكل في رد البيع وفي إجازته، فكذلك هنا يخير الموكل في إجازة البيع بالثمن المؤجل، وفي رد المبيع وأخذ سلعته وسواء سمى له الثمن الوكيل أم لا ونص على ذلك في التوضيح. ووجهه أنه جعل الوكيل لما باع بالدين متعديا، فإذا كانت السلعة قائمة، فالموكل مخير كما تقدم، فجاز له الرضا؛ لأن ذلك كإنشاء عقدة. ص: (وبيع فإن وفى بالقيمة أو التسمية وإلا غرم) ش: لما ذكر أنه يمتنع رضا الموكل بالثمن المؤجل نبه على أنه لا يجوز له أن يلزم الوكيل القيمة أو التسمية؛ لأنه يؤدي إلى دفع قليل في كثير، وأن الحكم في ذلك أن يباع الدين المؤجل، فإذا بيع فإن وفى بقيمة السلعة إن كان الموكل لم يسم له ثمنا أو بالتسمية إن كان سمى لها ثمنا فلا كلام. وقوله: "وإلا غرم" أي وإن لم يوف ما بيع به الدين بالقيمة في الصورة الأولى أو بالتسمية في الصورة الثانية فإن الوكيل يغرم للموكل ما نقص فإن بيع بأكثر أخذ الموكل الجميع إذ لا ربح للمتعدي ص: (وإن سأل غرم التسمية ويصبر ليقبضها أو يدفع الباقي جاز إن كانت قيمته مثلها فأقل) ش: يعني فلو قال الوكيل أنا أغرم جميع التسمية يريد إذا كان الموكل سمى لها ثمنا، ومثله إذا قال أغرم جميع القيمة فيما إذا لم يسم وأصبر في الصورتين حتى يحل الدين المؤجل، فآخذ منه التسمية أو القيمة التي دفعتها وما زاد على ما دفعته أعطه للموكل فإن ذلك جائز بشرط أن تكون قيمة الدين إذا بيع الآن مثل التسمية، فأقل إذا لم يسم؛ لأن الواجب للموكل إذا بيع بالدين ما بيع به إن وفى بالقيمة أو التسمية أو تكملة ذلك إذا لم يوف، فإذا طاع الوكيل بدفع ذلك الآن من عنده، ثم بدفع ما كان من الدين من زيادة، فقد أحسن، ومفهوم الشرط في قوله: "إن كانت قيمته مثلها فأقل"

(7/196)


وإن أمره ببيع سلعة فأسلمها في طعام: أغرم التسمية أو القيمة، واستؤني بالطعام لأجله فبيع وغرم النقص والزيادة لك،
__________
أنها إن كانت قيمة الدين الآن أكثر من التسمية إن كان سمى أو القيمة إن كان لم يسم لم يجز ذلك، وهو كذلك؛ لأن الموكل كان له أن يقبض قيمة الدين التي هي أكثر من التسمية أو القيمة، فكأنه فسخ الزائد في بقية الدين المؤجل كما لو كانت قيمة الدين المؤجل اثني عشر والتسمية أو قيمة السلعة عشرة والدين الذي بيعت به خمسة عشر، وسأل الوكيل أن يدفع العشرة التي هي التسمية أو القيمة، ويصبر حتى يحل الدين المؤجل الذي هو خمسة عشر فيأخذ منه العشرة التي دفعها، ويدفع الباقي للموكل، فإن ذلك لا يجوز؛ لأن الموكل كان له أن يأخذ الآن قيمة الدين التي هي اثنا عشر، فكأنه أخذ الدينارين؛ ليأخذ عنهما خمسة، وقيمة الدين تكون أقل منه غالبا، وإن كانت قيمة الدين أقل من التسمية أو القيمة، وسأل الوكيل غرم أحدهما، ويصبر إلى آخر ما تقدم فاختلف في ذلك فأجازه ابن القاسم، ومنعه أشهب ومشى المصنف على قول ابن القاسم فقال: إن كانت قيمته أي الدين مثلها أي مثل التسمية، فأقل، وقوله "ويصبر ليقبضها" منصوب بـ"أن" مضمرة بعد الواو والعاطفة على اسم خالص من التقدير بالفعل "ويقبضها" بكسر الباء في المضارع وتفتح في الماضي والضمير في قوله "ليقبضها" راجع للتسمية التي عرفها والله أعلم. ص: (وإن أمر ببيع سلعة وأسلمها في طعام أغرم التسمية أو القيمة واستؤني في الطعام لأجله وغرم النقص والزيادة لك) ش: يشير إلى قوله في السلم الثاني من المدونة وإن أمرته أن يبيع سلعة فأسلمها في طعام أغرمته الآن التسمية أو القيمة إن لم تسم، ثم استؤني بالطعام فإذا حل أجله استوفى، ثم بيع فكانت الزيادة لك والنقص عليه قال أبو الحسن: لأن هذا لا يجوز بيعه قبل قبضه بخلاف ما تقدم. وانظر من يتولى البيع ابن يونس قال بعض أصحابنا: إنما يكون على المأمور أن يبيع من الطعام مقدار القيمة أو التسمية التي لزمته والزائد ليس عليه بيعه إلا أن يشاء؛ لأن بقية الطعام للآمر انتهى. فيفهم مما حكاه ابن يونس أن الذي يتولى البيع هو الوكيل، والذي تقدم هو قوله في المدونة قبل الكلام المذكور، وإن أمرته ببيع سلعة فأسلمها في عرض مؤجل أو باعها بدنانير مؤجلة فإن أدرك البيع فسخ، وإن لم يدرك بيع العرض بعين نقدا أو بيعت الدنانير بعرض نقدا، ثم بيع العرض بعين

(7/197)


وضمن، إن أقبض الدين ولم يشهد
__________
نقدا، فإن كان ذلك مثل القيمة أو التسمية، فأكثر كان ذلك لك، وما نقص من ذلك ضمنه المأمور، ولو أسلمها في طعام إلى آخر كلامه المتقدم هذا لفظ المدونة والله أعلم. ص: (وضمن إن أقبض الدين، ولم يشهد) ش: يقع في بعض النسخ بحذف مفعول "أقبض" فيعم الدين والمبيع كما قاله ابن غازي وظاهر كلام المصنف سواء كانت العادة جارية بترك الإشهاد أو لم تكن، وهو المشهور وقيل إذا كانت العادة جارية بذلك لم يضمن، وهذه إحدى الطريقتين في المذهب وهي طريقة الرجراجي قال في كتاب الوكالات: فإن جحده الثمن جملة هل يصدق أم لا؟ فالمذهب على قولين أحدهما أنه لا يصدق ويضمن لتفريطه في ترك الإشهاد وهو قول ابن القاسم في الكتاب، وهو مشهور المذهب والثاني أنه يصدق ولا ضمان عليه. وهو قول عبد الملك في الوكيل في المبعوث معه المال ليدفعه إلى رجل فأنكر المبعوث إليه أن يكون دفع إليه، فقال عبد الملك: لا ضمان عليهما؛ لأن العادة اليوم ترك الإشهاد على مثل هذا وابن القاسم يضمنها في الجميع انتهى. وقال ابن الحاجب: ولو سلم المبيع، ولم يشهد فجحد المشتري الثمن ضمن، ولو أقبض الدين، فكذلك وقيل إلا أن تكون العادة الترك انتهى. قال في التوضيح: قوله "وقيل إلخ" قال ابن عبد السلام: هو قول ثان ذكره بعض الشيوخ انتهى. والطريقة الأخرى أنه لا يختلف في سقوط الضمان إذا كانت العادة جارية بترك الإشهاد وإنما الخلاف إذا كانت العادة جارية بالأمرين أو لم تكن عادة، وهذه الطريقة تشبه أن تكون طريقة اللخمي والشيخ أبي الحسن قال في التوضيح: إثر كلامه المتقدم وأشار بعضهم إلى أنه لا يختلف في سقوط الضمان إن كانت العادة ترك الإشهاد وإنما يختلف إذا كانت العادة بالأمرين معا الإشهاد وعدمه أو لم تكن عادة انتهى.
تنبيه: قال في المدونة: إن الوكيل ضامن ولو صدقه الموكل على الدفع ما لم يكن ذلك بحضرته ففي كتاب القراض منها، وإذا دفع العامل ثمن سلعة بغير بينة فجحده البائع، وحبس السلعة فالعامل ضامن، وكذلك الوكيل على شراء سلعة بعينها أو بغير عينها يدفع الثمن، فجحده البائع، فهو ضامن ولرب المال أن يغرمها وإن علم رب المال بقبض البائع الثمن بإقراره عنده، ثم جحده أو بغير ذلك ويطيب له ما يقضى له به من ذلك إلا أن يدفع الوكيل الثمن بحضرة رب المال فلا يضمن انتهى. وقاله ابن الحاجب في كتاب الوديعة على ما في نسخ التوضيح ونقله هنا في التوضيح وتقدم في الحمالة عن البيان نحوه. ص: (أو

(7/198)


أو باع بكطعام. نقدا ما لا يباع به وادعى الإذن فنوزع، أو أنكر القبض، فقامت البينة، فشهدت
__________
باع بكطعام نقدا ما لا يباع به وادعى الإذن فنوزع) ش: يعني أن الوكيل إذا باع السلعة التي وكل على بيعها بطعام أو عرض أو نحوه وكانت السلعة مما لا تباع بذلك وادعى أن الموكل أذن له في ذلك ونازعه الموكل في ذلك وأنكر الإذن فإنه يضمن ولم يبين رحمه الله ما الذي يضمنه وهل ذلك مع قيام السلعة أو مع فواتها؟ والحكم في ذلك أنه إن كانت السلعة قائمة خير الموكل في إجازة البيع وأخذ ما بيعت به أو نقض البيع وأخذ سلعته وإن فاتت خير في أخذ ما بيعت به أو تضمين الوكيل قيمتها قال في كتاب الوكالات من المدونة: وإن باع المأمور سلعة بطعام أو عرض نقدا، وقال بذلك أمرتني وأنكر الآمر فإن كانت مما لا يباع بذلك ضمن، وقال غيره: إن كانت السلعة قائمة لم يضمن المأمور وخير الآمر في إجازة البيع وأخذ ما بيعت به من عرض أو طعام أو يضمن الوكيل قيمتها ويسلم ذلك إليه قال أبو الحسن: قوله "ضمن" ظاهره فاتت السلعة أم لا وليس كذلك، وإنما معنى قوله "ضمن" إذا فاتت السلعة فقول الغير وفاق قاله في التنبيهات انتهى. فقول المصنف "ضمن" أي ضمن قيمة السلعة يريد مع فواتها، وأما إذا كانت قائمة. فهو مخير في إجازة البيع، ورده وذلك بعد يمينه كما سيأتي ويؤخذ ذلك من كلام عياض الآتي هنا وقول المصنف "نقدا" احترز به مما إذا باع بذلك إلى أجل، فإنه لا يجوز الرضا به، ولا أخذ القيمة كما تقدم. ثم قال في التنبيهات: وانظر إذا كان المأمور لم يعلم المشتري أنها لغيره واحتاج إلى إثبات ذلك والخصام فيه هل هو فوت؟ والأشبه أنه فوت، وكذلك لو ثبت ولزمته اليمين وإنما الذي لا إشكال فيه إذا أعلم المأمور المشتري بتعديه انتهى، وهذا والله أعلم هو الذي أشار إليه بقوله، "وادعى الإذن فنوزع" فأراد أن ينبه على أن منازعته في الإذن ومخاصمته في ذلك وتوجيه اليمين عليه بسبب ذلك فوت يوجب الضمان، ولهذا لم يذكر هل السلعة قائمة أو فاتت ولو لم يرد التنبيه على هذا لما كان لذكره هذه المسألة فائدة فإنها: مستفادة مما تقدم.
فرع: قال في المسائل الملقوطة: للموكل رد البيع بالغبن الفاحش، ويضمن الوكيل القيمة إن تلف المبيع انتهى. من الجزيري انتهى. وفي الذخيرة فرع: قال علي البصري في تعليقه إذا باع الوكيل بما لا يتغابن به الناس رد وقاله الشافعي لعزله عن ذلك عادة وقال أبو حنيفة: يصح؛ لأن اسم البيع يتناوله؛ لأنه أعم، وجوابه عمومه مقيد بالعادة، كذلك منع مالك والشافعي بيعه بالدين، وجوزه أبو حنيفة من الإطلاق وجوابه ما تقدم انتهى. ص: (وإن أنكر القبض فقامت البينة فشهدت بالتلف كالمديان) ش: يعني أن الوكيل إذا أنكر أن يكون قبض

(7/199)


بينة بالتلف: كالمديان،
__________
ما وكل عليه أو قبض ثمن ما وكل على بيعه، فلما قامت عليه البينة قال: تلف أو رددته فإنه لا يقبل قوله ولو أقام بينة بذلك لم تسمع البينة كالمديان ينكر الدين فلما قامت عليه البينة ادعى قضاء الدين، فإنه لا تسمع بينته قال البرزلي: ومثل ذلك من ادعى عليه بحق فأنكره، ثم أقر به، وادعى القضاء هو بمثابة من أنكر حقا فقامت عليه بينة، فادعى القضاء الخلاف في المسألتين سواء انتهى. وما ذكره المصنف هو المشهور وقيل في هذا: الأصل إن البينة تقبل، وقد ذكر في التوضيح هنا أعني في باب الوكالة مسائل وجزم فيها بأنها لا تسمع بينته، ثم ذكر في كتاب الوديعة هذا الأصل وذكر فيه خلافا وذكر ابن زرقون أنه قال إن المشهور أن بينته تنفعه ولكن المصنف لم يعتمد تشهيره وقال في التوضيح في باب الوديعة وفي باب القراض: بعد أن ذكرا الخلاف فيمن أنكر ما لا يتعلق بالذمة من قراض أو وديعة أما إن أنكر شيئا يتعلق بالذمة أو أنكر الدعوى في الربع أو فيما يفضي إلى الحدود، ثم رجع عن إنكاره لأمر ادعاه أو أقام عليه البينة ففيها أربعة أقوال الأول لابن نافع يقبل منه في جميع الأشياء الثاني لغير ابن القاسم في كتاب اللعان من المدونة لا يقبل منه ما أتى به في جميع الأشياء. الثالث: لابن المواز يقبل منه في الحدود وغيرها الرابع: يقبل منه في الحدود والأموال ولا يقبل منه ذلك في الحقوق من الديون وشبهها من المتمولات وهو قول ابن القاسم في المدونة انتهى من كتاب الوديعة ونحوه في كتاب القراض. ونصه أما إن أنكر ما لا يتعلق بالذمة وما أشبه ذلك من ربع أو ما يفضي إلى حد، ثم رجع عن إنكاره لأمر ادعاه وأقام عليه بينة فاختلف فيه على أربعة أقوال قال ابن نافع ينفعه في كل شيء والثاني مقابله قاله غير ابن القاسم في الحدود التي تدرأ بالشبهات، فأحرى غيرها، الثالث لابن القاسم ولابن كنانة لا ينتفع بذلك إلا في الربع والحدود. الرابع: لابن المواز لا ينتفع بذلك إلا في الحدود ا. هـ. وما ذكره عن ابن كنانة نقله عنه في النوادر من المجموعة ونصه ومن المجموعة قال ابن كنانة فيمن ادعى عليه رجل مالا فجحده، ثم أتى ببينة أنه رده إليه قال: لا تنفعه البراءة إلا أن يأتي بوجه له فيه عذر قال: ومن ادعى على رجل أرضا في يديه قد حازها عشر سنين، فأنكر الذي هي في يديه أن يعرف أنها له فأثبت المدعي ببينة أنها له، فجاء هذا ببينة أنه ابتاعها منه أو من أبيه قال: ذلك يقبل منه؛ لأنه يقول رجوت أن حيازتي تكفيني، وليس هذا كالدين انتهى. وقد ذكر ابن رشد الأقوال الأربعة في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب القراض وفي رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات وفي رسم إن خرجت من كتاب الشركة وفي رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح ونص كلامه في كتاب الدعوى والصلح: قيل إن البينة

(7/200)


__________
تقبل منه بعد الإنكار. وقيل: إنما تقبل منه في الأصول ولا تقبل منه في الحقوق وهو قول ابن كنانة وابن القاسم في المدونة قالا: ولو أن رجلا ادعى أرضا في يد رجل فقال: ما لك عندي أرض، وما علمت لك أرضا قط فأقام البينة أنها أرضه وأثبتها، ثم أقر الذي هي في يديه فقال: نعم هي والله أرضك ولكن قد اشتريتها منك وأقام بشرائه بينة فإن اشتراءه لذلك يقبل منه، وتكون له الأرض ولا يضره إنكاره أو؛ لأنه يقول كان والله حوزي ينفعني أصنع بالأرض ما شئت فأبيت أن أقر أنها له فيكون علي العمل فكرهت أن أعنت في ذلك فإذ قد احتجت إلى شرائي بعد أن أثبتها فهذا شرائي قالا فذلك له، وليس مثل الذي ادعى عليه الحق، فجحده وأدخل ذلك ابن أبي زيد في النوادر. ومن المجموعة قال: وسواء أقام بينة بشراء من المدعي أو من أبيه؛ لأنه يقول رجوت أن حيازتي تكفيني، وليس ذلك مثل المدين، وقيل إن ذلك لا يقبل منه إلا في اللعان إن ادعى رؤية بعد إنكاره القذف، وأراد أن يلاعن، وكذلك ما أشبه اللعان من الحدود وهو قول محمد بن المواز وقيل إن ذلك لا يقبل منه في اللعان وهو قول غير ابن القاسم في المدونة إنه يحد ولا يلاعن فتحصل في المسألة أربعة أقوال أحدها: أن ذلك لا يقبل منه ما أتى به بعد الجحود في شيء من الأشياء وهو قول غير ابن القاسم هذا في اللعان؛ لأنه إذا لم يقبل منه ذلك في اللعان فأحرى أن لا يقبله فيما سواه من الديون والأصول والثاني: أن يقبل منه ما أتى به بعد الجحود في جميع الأشياء والثالث: ما ذهب إليه ابن المواز من الفرق بين الحدود، وما سواها من الأشياء والرابع: أنه يقبل منه ما أتى به في الأصول أو الحدود ولا يقبل منه ذلك في الحقوق من الديون وشبهها، وهو الذي يأتي على ما في المدونة لابن كنانة وابن القاسم؛ لأنه إذا قبل منه ما أتى به بعد الجحود في الأموال، فأحرى أن يقبل منه ذلك في الحدود انتهى. وحكى ابن عرفة كلام ابن رشد في كتاب الوديعة، وأما في باب الوكالة، فاقتصر على أنه لا تقبل بينته وقال تمامها في الوديعة وذكر في باب القراض كلام ابن رشد وقال في باب الوديعة الشيخ قال ابن حبيب عن ابن القاسم وأشهب والأخوين من أودع وديعة ببينة، ثم جحدها، ثم أقام بردها بينة أنه ضامن؛ لأنه أكذب بينته بجحدها يريد إن قال ما أودعتني شيئا ولو قال ما لك عندي من هذه الوديعة شيء نفعته بينته انتهى. ثم قال ابن عرفة في آخر كلامه عن اللخمي وإن قال أودعتني مائة درهم، ثم قال لم أقبضها لم يصدق ولو قال اشتريت منك ثوبا، ثم قال: لم أقبضه قبل قوله مع يمينه؛ لأن "أودعتني" يدل على القبض والشراء يقع على العقد انتهى.
تنبيه: ما ذكره ابن عرفة عن الشيخ ابن أبي زيد من التفرقة بين قوله "ما أودعتني شيئا، فلا تسمع بينته" وبين قوله ما لك "عندي من هذه الوديعة شيء فتسمع بينته" ظاهر، وهو جار في جميع مسائل هذا الباب فقد قال ابن فرحون في الباب السادس والخمسين من القسم الثاني من تبصرته من ادعى على رجل دينا من سلف أو قراض أو وديعة أو بضاعة أو رسالة

(7/201)


__________
أو رهن أو عارية أو هبة أو صدقة أو حق من الحقوق فجحد أن يكون عليه شيء من ذلك، فلما خاف أن تقوم عليه البينة أقر، وادعى فيه وجها من الوجوه يريد إسقاط ذلك عن نفسه لم ينفعه ذلك وإن قامت له البينة على ما زعم أخيرا؛ لأن جحوده أولا أكذب البينة فلا تسمع وإن كانوا عدولا.
تنبيه: وكذلك الحكم إن لم يقر ولكن قامت بذلك بينة فأقام هو بينة أيضا على رد السلف أو الوديعة أو القراض أو البضاعة أو الرسالة أو على هلاك ذلك فلا ينفعه؛ لأنه بإنكاره مكذب لذلك كله هذا قول الرواة أجمعين ابن القاسم وأشهب وابن وهب ومطرف وابن الماجشون.
فرع: وأما إن قال: ما لك علي سلف ولا ثمن سلعة ولا لك عندي وديعة ولا قراض ولا بضاعة فلما ثبت ذلك قبله بالبينة أقر بذلك وزعم أن الوديعة والسلعة أو غير ذلك مما يدعى عليه أو ادعى هلاكه، وأقام على ذلك بينة، فههنا تنفعه البراءة؛ لأن قوله: "ما لك شيء" يريد في وقتي هذا، وأما في الصورة الأولى إذا قال: ما أسلفتني ولا أودعتني فليس مثل قوله: هنا "ما لك علي سلف" قال ابن حبيب: وهذا مما لا أعلم فيه خلافا عند الرواة إلا أني رأيت في كتاب الأقضية من السماع شيئا يخالف هذا وأظن له وجها يصحح معناه إن شاء الله، وذلك أنه سئل مالك عن رجل بعث معه رجل بعشرين دينارا يبلغها إلى الجار والجار موضع وكتب إليه كتابا وأشهد عليه عند دفعه إليه فحمل الكتاب وبلغه إلى من أرسل إليه فلما قرأه سأله عن الذهب، فجحده إياه، ثم إنه قدم المدينة، فسأله الذي أرسل معه الذهب، وقال له إني أشهدت عليك فقال له: إن كنت دفعت إلي شيئا فقد ضاع فقال مالك ما أرى عليه إلا يمينه وأرى هذا من مالك إنما هو في الجاهل الذي لا يعرف أن الإنكار يضره، وأما العالم الذي يعلم أنه يضره، ثم يندم عليه بعد ذلك فلا يعذر من كتاب الرعيني انتهى كلام ابن فرحون. وهذا كله كلام الرعيني في كتاب الدعوى والإنكار غير أن الرعيني زاد بعده ورأيت لابن مزين لفظة أنه قبل ببينة على القضاء وإن جحده وقال ما أسلفتني قط شيئا والأول أصوب إن شاء الله وفي مسائل العيوب من البرزلي فيمن قيم عليه بعيب، فأنكر البيع فلما ثبت عليه زعم أن المشتري اعتمر، وعرض للبيع بعد اطلاعه على العيب فقال هاشم بن محمد هذا تناقض؛ لأنه كذب بينته قلت: هذه المسألة تجري على مسألة من طولب بشيء فأنكره، وأقيمت عليه البينة فأتى بحجة توجب قبول قوله وفيها خلاف مشهور في المدونة من مسألة اللعان والتخيير الوديعة وغيرها حكاه ابن رشد وغيره انتهى.
قلت: فيتحصل مما تقدم جميعه أنه إذا أنكر أصل المعاملة، ثم أقر أو قامت عليه البينة، وادعى ما يسقط ذلك فلا تسمع دعواه ولا بينته ولو كانت بينة عادلة بخلاف ما إذا قال ما لك

(7/202)


ولو قال غير المفوض: قبضت وتلف، وبرئ ولم يبرأ الغريم، إلا ببينة،
__________
علي سلف ولا وديعة أو لا قراض أو قال ما لك عندي حق، ثم أقر بعد ذلك أو قامت عليه البينة، فادعى ما يسقط ذلك، فإنه تسمع دعواه أو بينته، وقد صرح بذلك في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح وبذلك صرح المصنف في باب الأقضية، فقال وإن أنكر مطلوب المعاملة فالبينة، ثم لا تقبل بينته بالقضاء بخلاف "لا حق لك علي" انتهى. وينبغي أن يقيد ذلك أيضا بما قاله الرعيني وهو أن يكون المدعى عليه يعرف أن الإنكار يضره، وأما إن كان يجهل ذلك ولا يفرق بين قوله: "ما أسلفتني وما أودعتني" وبين قوله: "ما لك عندي سلف ولا وديعة" فيعذر بالجهل إلا إذا حقق عليه، وقدر عليه، وقيل له أنت تنكر هذا أصلا، فإذا قامت عليك البينة فلا تسمع بينتك فإذا استمر على ذلك فحينئذ لا تسمع بينته، وينبغي أن يقيد ذلك بغير الحدود والأموال؛ لأن هذا قول ابن القاسم وابن كنانة كما تقدم في كلام صاحب التوضيح وابن رشد وصاحب النوادر. وأما ما ذكره الرعيني عن ابن مزين فهو قول ابن نافع كما تقدم في كلامه في التوضيح وما ذكره من مسألة المرسل معه إلى الجار هو في سماع عيسى وجعله ابن رشد خلافا وما قاله الرعيني ظاهر فتأمله وانظر كلام ابن بطال في المقنع في باب ابتداء القضاء بالإقرار والإنكار، فقد ذكر من ذلك مسائل والله أعلم. ص: (ولو قال غير المفوض قبضت وتلف برئ ولم يبرأ الغريم إلا ببينة) ش: كرر هذه المسألة في المدونة في كتاب الشهادات من المدونة وفي كتاب المديان ولا يعارضها ما في كتاب الوكالات ولا ما في كتاب النكاح الأول والله أعلم.
فرع: قال في الذخيرة في باب كتاب الزكاة في الكلام على خروج الساعي: يحصل الإبراء بالدفع إلى الوكيل الفاسق وإن لم يوصل الحق لمستحقه انتهى. ومراده إذا دفع إليه ما وكل فيه أو كان وكيلا مفوضا والله أعلم.
فرع: قال ابن رشد في رسم البراءة من سماع عيسى من كتاب العارية: اختلف فيمن ادعى وكالة رجل فقبض له ماله وادعى تلفه، فقيل يصدق فيما ادعى من الوكالة مع يمينه؛ لأن الغريم الدافع إليه قد صدقه، ويسقط عنه الضمان، ويرجع صاحب المال به على الغريم بعد يمينه

(7/203)


ولزم الموكل: غرم الثمن إلى أن يصل لربه، إن لم يدفعه له وصدق في الرد، كالمودع فلا يؤخر
__________
إن كان للغريم بينة على معاينة الدفع، وهذا يأتي على رواية عيسى هذه، ولا يرجع الغريم على الوكيل بشيء؛ لأنه قد صدق فيما يدعي من الوكالة بيمينه، فكان ذلك كما لو ثبت بالبينة أو أقر بها صاحب المال على ما في كتاب النكاح الأول من المدونة إلا أن يكون فرط في دفع المال للموكل حتى تلف عنده قاله ابن الماجشون وهو مذهب ابن القاسم وحمله مطرف على التفريط، فأوجب للغريم الرجوع عليه، وقيل: لا يصدق وهو ضامن يحلف صاحب المال ما وكله ويرجع بماله على من شاء منهما فإن رجع على الغريم رجع الغريم على الوكيل، وإن رجع على الوكيل لم يكن للوكيل أن يرجع على أحد، وهو يأتي على ما في كتاب الوديعة من المدونة وعلى ما في سماع سحنون لابن القاسم وأشهب فعلى القول بأن الوكيل يصدق فيما ادعاه يحلف، ويسقط عنه الضمان، وهو قوله في هذه الرواية، وأما على القول بأنه لا يصدق فيما ادعاه من الوكالة، فيلزم الغريم بعد يمين صاحب المال أنه ما وكله، واختلف إن كان عبدا هل يكون ذلك في رقبته أم لا؟ على ثلاثة أقوال أحدها أن ذلك يكون في رقبته، وإن كان الغريم قد صدقه فيما ادعاه من الوكالة، ودفع إليه باختياره؛ لأنه قبله وهو قول أشهب وابن القاسم في سماع سحنون والثاني أن ذلك لا يكون إلا في ذمته؛ لأن الغريم قد صدقه فيما ادعاه من الوكالة ودفع إليه باختياره، والثالث أن ذلك لا يكون في رقبته إلا أن يقر بالعداء انتهى ص: (وصدق في الرد كالمودع فلا يؤخر للإشهاد) ش: يعني أن كل من كان

(7/204)


__________
يصدق في دعواه الرد من وكيل أو مودع، فليس له أن يؤخر الدفع إذا طولب بدفع ما عنده، ويعتذر بالإشهاد؛ لأنه مصدق في دعواه الرد من غير إشهاد انتهى. وقوله: "صدق في الرد" أي مع يمينه وسواء كان بقرب ذلك بالأيام اليسيرة أو طال سواء كان مفوضا إليه أم لا هذا قول مالك في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الوكالات ومذهب المدونة قاله في آخر كتاب الوكالات. وفي المسألة أربعة أقوال ذكرها ابن رشد في كتاب الوديعة من المقدمات في الرسم المذكور ونقله ابن عرفة وابن عبد السلام والمصنف في التوضيح ونص كلام ابن رشد اختلف في الوكيل يدعي أنه دفع إلى موكله ما قبض له من الغرماء أو ما باع به متاعه على أربعة أقوال: أحدها: أن القول قوله مع يمينه جملة من غير تفصيل، وهو قوله في هذه الرواية، وفي رسم البزي من سماع ابن القاسم من المديان والتفليس وفي آخر الوكالة من المدونة والثاني أنه إن كان بقرب ذلك بالأيام اليسيرة فالقول قول الموكل أنه ما قبض شيئا، وعلى الوكيل البينة وإن تباعد الأمر كالشهر ونحوه فالقول قول الوكيل مع يمينه وإن طال الأمر جدا لم يكن على الوكيل بينة فهو قول مطرف. والثالث: إن كان بحضرة ذلك في الأيام اليسيرة صدق الوكيل مع يمينه وإن طال الأمر جدا صدق دون يمين وهو قول ابن الماجشون وابن عبد الحكم والرابع: تفرقة أصبغ بين الوكيل على شيء بعينه غارم حتى يقيم البينة، وإن طال الأمر والوكيل المفوض يصدق في القرب مع يمينه وفي البعد دون يمين انتهى. وعلى هذا فلو قال المصنف: "والقول قوله" لكان أحسن؛ لأن لفظ صدق إنما يستعمل فيما يصدق فيه من غير يمين، وقال القاضي عبد الوهاب في شرح قول الرسالة ومن قال رددت إليك ما وكلتني عليه هذا؛ لأن الوكيل والمودع والرسول مؤتمنون فيما بينهم وبين الموكل والمودع والمرسل فإذا ذكروا أنهم ردوا ما دفع إليهم إلى أربابه قبل ذلك منهم؛ لأن أرباب الأموال قد ائتمنوهم على ذلك، فكان قولهم مقبولا فيما بينهم وبينهم، وكذلك العامل في القراض مؤتمن في رد القراض ما بينه وبين المالك إلا أن يكون واحد منهم أخذ المال ببينة فلا تبرئه دعوى رده إلا أن يكون له بينة؛ لأن رب المال حينئذ لم يأتمنه لما استوثق منه بالبينة انتهى. ونقله عنه الزناتي وهو نص كتاب الوديعة من المدونة إلا الوكيل ونص عليه أيضا الفاكهاني والمشذالي، وأما العارية فقال ابن رشد في المقدمات: إن له أن يشهد على المعير في رد العارية عليه وإن كان دفعها إليه بلا إشهاد؛ لأن

(7/205)


للإشهاد، ولأحد الوكيلين: الاستبداد، إلا لشرط،
__________
العارية تضمن، الوديعة لا تضمن ا هـ.
تنبيهات: الأول: قول المصنف "كالمودع" يشير به والله أعلم إلى أن الوكيل إنما يصدق في رد ما وكل عليه إلى ربه إذا قبضه بغير إشهاد، وأما ما قبضه بإشهاد فلا يصدق في رده كما صرح به القاضي عبد الوهاب والفاكهاني والزناتي وغيرهم
الثاني: يظهر من كلام ابن رشد المتقدم أنه لا بد من اليمين مطلقا طال الزمان أو لم يطل، ويظهر من كلام ابن عرفة أن اليمين تسقط مع طول المدة
الثالث: الوكيل مصدق في الرد إلى موكله ولو ادعى ذلك بعد موت موكلهم كما يفهم ذلك من عموم كلام ابن رشد في سماع ابن القاسم وفي سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات. وكما يصرح به البرزلي في مسائل الوكالات، وهذا والله أعلم. ليس خاصا بالوكيل والموكل بل هو عام في كل ما كان يصدق في دعواه الرد وكيل أو مودع إذا ادعى إيصال ذلك إلى اليد التي دفعت إليه سواء كان الدافع حيا أو ميتا أنه يصدق في ذلك والله أعلم. وهذا واضح وإنما نبهت عليه؛ لأن بعض أهل العصر من أهل المغرب توقف في ذلك حتى أطلعته على النص في ذلك والله أعلم.
الرابع: قال ابن ناجي في قول المدونة: "ومن ذبح أضحيتك بغير أمرك فإما ولدك أو بعض عيالك فمن فعله ليكفيك مؤنتها فذلك مجزئ". يقوم منها إذا كان ربع بين أخ وأخت وكان الأخ هو الذي يتولى عقد كرائه وقبضه سنين متطاولة فجاءت أخته تطالب بمنابها من الكراء في جميع المدة المذكورة، وزعمت أنها لم تقبض شيئا، وادعى هو دفعه لها أنه يقبل قوله مع يمينه إذ هو وكيلها بالعادة، ووقعت بالمدينة المهدية، وأفتى فيها بعض شيوخنا بما ذكرناه دون استناد لدليل أو تأخر الحكم بينهما حتى مات يعني المفتي، وهو ابن عرفة فأفتى فيها شيخنا أبو مهدي بعكسه وجيء لقاضيها بالفتوتين فتوقف حتى وصل تونس فناول شيخنا أبا مهدي ما أفتى به فقال: نعم هذا خطي، ثم ناوله ما أفتى به الشيخ المذكور فكتب تحته رأى رحمه الله أنه وكيل بالعادة فقبل قوله وبه أقول وقطع ما أفتى به وأراه أن يحكم بما أفتى الشيخ المذكور وكان يقول رحمه الله ما خالفته في حياته ولا أخالفه بعد وفاته انتهى كلام ابن ناجي وبعض شيوخه هو ابن عرفة كما تقدم أنه إذا قال بعض شيوخنا يعني ابن عرفة. ص: (ولأحد الوكيلين الاستبداد إلا لشرط) ش: ما ذكره ابن غازي هنا كاف فيما يتعلق بكلام

(7/206)


وإن بعت وباع، فالأول، إلا بقبض، ولك قبض سلمه لك، إن ثبت ببينة،
__________
المؤلف ونحو عبارته لصاحب الإرشاد في إرشاده وفي معتمده وشرحه واعترضه الشيخ سليمان بما اعترض به المصنف على ابن الحاجب والله أعلم. ص: (وإن بعت وباع فالأول إلا لقبض) ش: قال في كتاب الوكالات من المدونة.
تنبيهان: الأول: إنما يكون الثاني أحق إذا قبض السلعة، ولم يعلم ببيع الأول لا هو ولا الذي باعه أما إن باع الثاني منهما، وهو عالم ببيع الأول، وقبض المشتري الثاني السلعة، وهو يعلم ذلك في وقت قبضه فالأول أولى قاله في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات.
الثاني: إذا أكرى الوكيل والموكل، فهي للأول على كل حال قاله ابن رشد في الرسم المذكور ونقله أبو الحسن قال ابن رشد؛ لأنه لا يدخل في ضمان من قبضه والله أعلم. ص: (ولك قبض سلمه لك إن ثبت ببينة) ش: قال في كتاب السلم الثاني من المدونة: ولك قبض ما أسلم لك فيه وكيلك بغير حضرته ويبرأ إذا دفعه إليك إن كانت لك بينة أنه أسلمه لك وإن لم يكن دفع إليك ذلك ببينة فالمأمور أولى بقبضه منك قال أبو الحسن: قال ابن يونس: حكي عن القابسي أنه قال: ولو أقر الذي عليه الطعام بأن المأمور أقر عنده أن الطعام للمقر له لا يجبر على دفعها، ولا يكون شاهدا؛ لأن في شهادته منفعة له؛ لأنه يجب أن يفرغ ذمته. قال: وقد رأى بعض أصحابنا أنه يؤمر بالدفع إلى المقر له فإن جاء المأمور فصدقه برئ وإلا غرم له ثانية وقال بعض القرويين: إن ما قاله القابسي من أن من عليه الحق لا يكون شاهدا نحوه

(7/207)


__________
في كتاب ابن سحنون عن أبيه وقال بعض القرويين: شهادته في هذا جائزة إذا كان عدلا ويحلف المقر معه: ويستحق ولا تهمة في ذلك إذا حل الأجل انتهى. فحاصله أنه اختلف هل يقضى عليه بإقراره أو لا؟ على قولين وعلى القول بعدم القضاء فهل يكون شاهدا؟ قولان قال في الشامل وفي جبر مسلم إليه على الدفع لمن أقر له المسلم الغائب قولان وفي كونه كشاهد إن كان عدلا يحلف معه المستحق، ويأخذ ذلك قولان أما إن ثبت ببينة فله قبضه اتفاقا انتهى. وما ذكره عن القابسي من عدم جبره على الدفع هو الذي جزم به القاضي عبد الوهاب في المعونة فقال: إذا وكله على قبض دين له على رجل أو وديعة عنده فصدق الغريم الوكيل وليس للوكيل بينة، فلا يجبر الغريم على دفع الشيء للوكيل خلافا لأبي حنيفة؛ لأنه لا يلزم الغريم أن يدفع إلا ما يبرأ به بدليل أنه لو كان عليه حق ببينة، فطالب صاحبه به كان له أن يمنعه حتى يحضر الوثيقة، وتسقط شهادة الشهود والدفع بالإقرار لا يبرأ به بدليل أن صاحب الحق إن جحد الوكالة لزمه دفعه إليه ثانية وإن كان كذلك لم يلزمه الدفع وتحريره أن يقال كل من لا يبرأ بالدفع إليه لم يجبر على دفعه إليه كالأجنبي؛ ولأنه أقر على غيره بالتوكيل، فلم يلزمه علم ذلك الإقرار بتسليم ما في يده إلى الوكيل انتهى. وعليه اقتصر اللخمي في كتاب الوديعة وقال ابن فرحون في الفصل الخامس من القسم الثالث من الركن السادس من الباب الخامس من القسم الأول من أقسام الكتاب في التنبيه على أحكام تتوقف سماع الدعوى بها على إثبات فصول إنه المشهور ونصه، ولو صدق الخصم الوكيل في الدعوى، واعترف بالمدعى به لم يجبره الحاكم على دفعه على المشهور حتى يثبت عنده صحة الوكالة انتهى. وتقدم كلامه هذا عند قول المؤلف: "وواحد في خصومة". وقال في آخر الفصل السادس في حكم الوكالة على الدعوى: إنه إذا صدقه على الوكالة، وأقر بالدين ألزم بالدفع إليه. ونصه مسألة في المطلوب يوافق على صحة الوكالة قبل ثبوتها وإذا قام رجل على رجل في مهر امرأته أو دين رجل وادعى وكالة صاحب ذلك فأقر المطلوب بالدين أو بالمهر واعترف بصحة الوكالة، فإنه يلزمه دفع ذلك إليه، فإن قام صاحب الحق على المطلوب يطلبه بذلك قضى له به؛ لأنه إنما يقضى عليه أولا بإقراره والمصيبة منه انتهى. وله في الباب السبعين في القضاء بالأمارات وقرائن الأحوال ما يوافق ذلك وعزاه للمتيطية ونصه في المتيطية حكى ابن حبيب عن سحنون فيمن قال لرجل وكلني فلان على قبض دينه منك وعدده كذا فصدقه في الوكالة وأقر بالدين أنه يلزمه الدفع إليه. فإن قدم فلان وأنكر التوكيل غرم المقر؛ لأن الحكم كان بإقراره انتهى. وفيه ما يؤخذ منه ما يخالف هذا ويوافق ما تقدم عن الفصل الخامس وما ذكره من لزوم الدفع جار على ما ذكره ابن يونس عن بعض أصحابنا وما ذكره عن القابسي أرجح، ويكفي في ترجيحه اقتصار القاضي عبد الوهاب واللخمي عليه وتشهير ابن فرحون له والظاهر عندي من القولين في شهادته عدم قبولها والله أعلم. وهو الذي يؤخذ من مسألة السلم الثاني التي ذكرها المؤلف

(7/208)


والقول لك إن ادعى الإذن، أو صفة له، إلا أن يشتري بالثمن، فزعمت أنك أمرته بغيره،
__________
هنا وهو مفهوم قول المؤلف: "إن ثبت ببينة" بأن مفهومه لو ثبت بإقرار المسلم إليه لم يأخذه؛ لأنه لم يثبت ببينة.
تنبيه: قال في المعونة إثر كلامه المتقدم فصل إذا ثبت أنه لا يجبر على الدفع، فمتى دفع إلى من يعترف له بأنه وكيل بغير بينة على الوكالة، فإن اعترف له صاحب الحق، فقد برئ وإن أنكر الوكالة، وأقر أنه قبض الحق برئ الغريم أيضا؛ لأن ثبوت الوكالة ليس بشرط في الإبراء كما لو بعث به الغريم على يد رسول ابتداء، واعترف صاحب الحق بقبضه لبرئ الغريم فإن أقر صاحب الدين بالوكالة وأنكر أن يكون الغريم دفع الحق إلى الوكيل لم يلتفت إلى إقرار الوكيل بالقبض أو إنكاره ولزم الغريم إقامة البينة بالدفع إلى الوكيل فإن لم تقم بينة غرم ذلك لصاحب الحق؛ لأن الغريم هو الذي أتلف ماله حين دفع إلى من لا يبرأ بالدفع إليه، وكذلك لو كانت الوكالة ببينة، فدفع الغريم إلى الوكيل بغير بينة، وأنكر صاحب الحق فإن الغريم يغرم المال؛ لأن إقرار الوكيل بالقبض غير مقبول على الموكل؛ لأن الوكيل أمين فيما بينه وبين موكله لا فيما بينه وبين غيره وإذا كان كذلك فإن الغريم يغرم المال ثانية وله إحلاف صاحب الحق أنه لم يقبضه، ولم يعلم بدفعه الحق إلى وكيله، ثم ينظر فإن ادعى الوكيل أنه دفع المال إليه ببينة وأقامها فإن الغريم يبرأ بذلك. ولا يحتاج إلى إقامة بينة على الدفع إلى الوكيل؛ لأن البينة قد شهدت بقبض صاحب الحق لحقه، وإن ادعى الدفع إلى صاحب الحق بغير بينة، فلا يلزم ذلك صاحب الحق على ما بينا انتهى. بلفظه. ص: (والقول لك إن ادعى الإذن) ش: قال ابن عرفة: وفيها إن باع الوكيل السلعة وقال بذلك أمرتني وقال ربها: بل أمرتك أن ترهنها صدق ربها ولو فاتت يريد ويحلف ويأخذها إن كانت قائمة؛ لأن فرض المسألة أن الآمر ثابت ملكه لها، وحق المشتري إنما هو متعلق بدعوى الوكالة انتهى انظر تمامها.
فرع: وإذا اشترى لفلان فأنكر فلان، فالشراء لازم للوكيل كما تقدم في الكلام على بيع الفضولي. ص: (إلا أن يشتري بالثمن، فزعمت أنك أمرته بغيره وحلف) ش: هذا مذهب

(7/209)


وحلف: كقوله: أمرت ببيعه بعشرة، وأشبهت، وقلت بأكثر، وفات المبيع بزوال عينه، أو لم يفت، ولم تحلف. وإن وكلته على أخذ جارية فبعث بها فوطئت، ثم قدم بأخرى، وقال هذه لك والأولى وديعة، فإن لم يبين وحلف: أخذها، إلا أن تفوت بكولد أو تدبير، إلا لبينة،
__________
المدونة. فإن نكل المأمور عن اليمين فالقول قول الآمر والظاهر أن ذلك بعد يمينه، وهذا إذا فات الثمن أما إذا كان باقيا بيد البائع، وكان الوكيل أعلمه أنه إنما يشتري لفلان فالقول قول الموكل اتفاقا. قاله اللخمي ونحوه في الرجراجي والله أعلم. ص: (كقوله أمرت ببيعه بعشرة وأشبهت وقلت بأكثر وفات المبيع بزوال عينه) ش: أي، وكذلك يكون القول قول الوكيل مع يمينه إذا قال لموكله أمرتني ببيع الشيء الموكل على بيعه بعشرة، وكانت العشرة تشبه قيمته وقلت أنت بأكثر وفات المبيع بزوال عينه، فإن نكل الوكيل عن اليمين حلف الموكل ولزم الوكيل غرم ما قاله الموكل، فإن نكل الموكل أيضا فلا شيء له قاله أبو الحسن في كتاب السلم الثاني، وهذا إذا لم يكن للموكل بينة، فإن كانت له بينة لزم الوكيل الغرم قاله اللخمي. واحترز بقوله: "وأشبهت" مما إذا ادعى ما لا يشبه، فلا يكون القول قوله بل القول قول الآمر قاله في التوضيح واحترز بقوله: "وفات المبيع" مما إذا لم يفت فإن القول قول الموكل مع يمينه ويأخذ سلعته، وله أن يجيز البيع، ويأخذ العشرة واختلف هل له أن يجيز البيع ويلزم الوكيل الزائد أو ليس له ذلك؟ قولان ذكرهما الرجراجي والمشهور أنه ليس له ذلك كما تقدم قال الرجراجي: واختلف إذا اعترف الوكيل بالتعدي هل يسقط ذلك اليمين عن الموكل أو لا؟ على قولين فقيل إن ذلك يسقط عنه اليمين، وقيل لا يسقطها لحق المشتري؛ لأن الوكيل يتهم أن يكون قصد بتصديقه إبطال حق المشتري انتهى بالمعنى قلت: والثاني هو الظاهر.
فرع: فإن أراد المشتري أن يأخذها بما قال الموكل فهل يجبر الموكل على ذلك أم لا؟

(7/210)


ولزمتك الأخرى، وإن أمرته بمائة، فقال: أخذتها بمائة وخمسين، فإن لم تفت: خيرت في أخذها بما قال: وإلا لم يلزمك إلا المائة، وإن ردت دراهمك لزيف، فإن عرفها مأمورك لزمتك وهل وإن قبضت؟ تأويلان: وإلا فإن قبلها حلفت
__________
على قولين. فإن نكل الموكل عن اليمين كان القول قول الوكيل مع يمينه ويمضي البيع بالعشرة قاله ابن بشير: وقال ابن المواز: إذا نكل الموكل كانت له بالعشرة بغير يمين قال أبو الحسن: إن أراد دون يمين الوكيل كان خلاف المذهب، وإلى ما قاله ابن بشير أشار المصنف بقوله: "أو لم يفت" ولم يحلف فإن نكل الوكيل بعد نكول الموكل لزم غرم ما قال الموكل نقله أبو الحسن عن ابن يونس. ص: (فإن لم تفت خيرت في أخذها بما قال) ش: نحوه في المدونة قال أبو الحسن: يريد بعد يمين المأمور لقد اشتراها بمائة وخمسين والله أعلم. ص: (وهل إن قبضت تأويلان) ش: قيد الرجراجي الخلاف بغير المفوض قال: لأنه بعد فراغه مما وكل معزول قال: وأما المفوض، فلا خلاف أن قوله فيما قبله مقبول ويلزم الآمر البدل
تكميل: قال عياض ثم إذا أبدلها الآمر فلا يمين على المأمور إلا أن يدعي الآمر أنه أبدلها، فيتصور فيه ما يتصور في المودع وحكى أشهب أنه يبدلها بعد يمين البائع أنها هي؛ لأنها قد خرجت من يد أمينه وغابت عنه قال أبو الحسن: ولعل قول أشهب لاحتمال أن يكون

(7/211)


وهل مطلقا، أو لعدم المأمور ما دفعت إلا جيادا في علمك ولزمته؟ تأويلان وإلا حلف كذلك، وحلف البائع وفي المبدأ: تأويلان وانعزل بموت موكله إن علم وإلا فتأويلان،
__________
على يمينه انتهى. وقال الرجراجي: وهل ذلك لازم بعد يمين البائع، وهو قول أشهب؛ لأن البائع غاب عليها، والثاني أنه لا يمين عليه إلا أن يدعي الآمر أنه قد أبدلها انتهى. ص: (وفي المبدإ تأويلان) ش: ذكر الرجراجي في المسألة ثلاثة أقوال: تبدئة الآمر، وتبدئة المأمور وتخيير البائع قال: وتؤولت المدونة على كل واحد من هذه الثلاثة الأقوال ويظهر من كلام المصنف أنه لم يذكر إلا التأويلين الأولين بتبدئة المأمور، وهو الذي في كتاب محمد وتأول أبو محمد المدونة عليه، واختصرها عليه، وتبدئة الآمر، ولم يعزه الرجراجي لأحد وإنما ذكره. وقال: تؤولت المدونة عليه. والثالث تأويل ابن يونس.
تكميل: فإن بدئ بالآمر فنكل حلف البائع وغرم الآمر، ثم لا رجوع له على المأمور إلا أن يتهم ببدلها، فيحلفه وإن نكل البائع هنا لم يكن له أن يحلف المأمور؛ لأن نكوله عن يمين الآمر نكول عن يمين المأمور وإن بدئ بالمأمور، ونكل حلف البائع وأبدلها المأمور، ثم هل له تحليف الآمر؟ قولان. قاله الرجراجي وأبو الحسن. ص: (وانعزل بموت موكله إن علم وإلا فتأويلان) ش: جعل ابن رشد الخلاف في الموت والعزل سواء وظاهر كلامه في التوضيح ترجيح القول بعدم العزل قبل بلوغ العلم في العزل والموت وهو الظاهر، وهذا إذا أعلن بالعزل

(7/212)


وفي عزله بعزله. ولم يعلم: خلاف
__________
وأشهد عليه، ولم يكن منه تفريط في تأخير إعلامه بذلك، وأما إن عزله سرا، فإنه لا ينعزل بذلك قاله ابن رشد في نوازله كما تقدم أول الباب عند قوله: "وليس له حينئذ عزله". وهذا أيضا إذا لم يتعلق بالوكالة حق للغير، فليس للموكل عزله كما قاله في التوضيح هنا في شرح قول ابن الحاجب: "ومهما شرع في الخصومة، فلا ينعزل". وقاله في كتاب الرهون من الذخيرة والله

(7/213)


وهل لا تلزم، أو إن وقعت بأجرة أو جعل، فكهما، وإلا لم تلزم؟ تردد.
__________
أعلم. ص: (وهل لا تلزم أو إن وقعت بأجرة أو جعل فكهما وإلا لم يلزم تردد) ش: تصوره واضح.
فرع: إذا وكل عبدا على عمل وطلب سيده الأجرة فقال في كتاب السلم الثاني من المدونة: ومن وكل عبدا مأذونا له في التجارة أو محجورا عليه يسلم له في طعام ففعل فذلك جائز أبو الحسن قال ابن محرز أما المأذون له فلا أجرة له على من وكله في ذلك؛ لأنه كأنه مأذون له في هذا المقدار الخفيف ألا ترى أنه قد يودع فيحفظ الوديعة بغير إذن سيده، ولا يكون له في ذلك أجر. وأما غير المأذون له فينبغي أن يكون له الأجرة يدفعها من وكله إلى سيده الشيخ إلا أن يكون عمله ذلك لا خطب له لكون المسلم إليه أتى إلى منزل هذا العبد، فلا يكون له أجرة كما قال في كتاب الإجارة كمناولة القدح والنعل انتهى. وفي شرح المازري على التلقين في آخر السؤال الثالث من فصل الوكالة: وقد أجاز في الكتاب وكالة العبد لكن لو وكل عبدا أجنبي والعبد الوكيل محجور عليه لكان لسيده طلب إجارته فيما تولى من سعي في العقد لكون سعيه ومنافعه يملكها عليه، فليس لغيره أن يتملكها، ولا أن ينتفع بها دون

(7/214)


سيده. وأما إن كان العبد مأذونا له في التجارة والسعي في مثل هذا، والنيابة فيه من مصالح تجارته ومن جملة ما تضمنه إذن السيد له فيه، فإنه لا أجرة على من وكله. انتهى ونحوه للخمي.

(7/215)