مواهب
الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب
كتاب الأقضية
باب الأقضية
...
باب الأقضية
أهل القضاء: عدل، ذكر،
__________
باب القضاء
(أهل القضاء عدل) ش: هذا الباب يترجم بكتاب
القضاء وكتاب الأقضية. والأقضية: جمع قضاء
بالمد، قال في القاموس: ويقصر يطلق في اللغة
على الحكم ومنه قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:
من الآية23] أي: حكم ويطلق على الأمر
والإيجاب، قال النووي: قال الواحدي: قال عامة
المفسرين وأهل اللغة: قضى هنا بمعنى أمر وقال
غيره: بمعنى أوجب وقيل: وصى وبها قرأ علي وابن
مسعود وروي عن ابن عباس أنه قال: "التصقت إحدى
الواوين بالصاد فصارت قافا" انتهى. ويطلق على
الإلزام كما في قوله تعالى: {فَلَمَّا
قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} [سبأ: من
الآية14] أي: حتمناه وألزمناه به. هذه المعاني
متقاربة ويطلق القضاء على الفراغ من الشيء
كقولهم: "قضيت حاجتي" "وضربه فقضى عليه" أي:
قتله كأنه فرغ منه، وسم قاض أي: قاتل، وقضى
نحبه أي: مات وفرغ من الدنيا، وأصل النحب
النذر واستعير للموت؛ لأنه كنذر لازم في رقبة
كل حيوان، قال في الصحاح: وقد يكون القضاء
بمعنى الأداء والإنهاء تقول: قضيت ديني ومنه
قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي
إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ} [الإسراء: من
الآية4]. وقوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ
ذَلِكَ الْأَمْرَ} [الحجر: من الآية66] أي:
أنهيناه إليه وأبلغناه ذلك وقال القرافي في
قوله تعالى: {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} [يونس:
من الآية71] أي: امضوا إلي، وقد يكون القضاء
بمعنى الصنع والتقدير ومنه قوله سبحانه:
{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي
يَوْمَيْنِ} [فصلت: من الآية12] ومنه القضاء
والقدر، ويقال: استقضى فلان إذا صير قاضيا
وقضى الأمير قاضيا كما تقول: أمر أميرا وانقضى
الشيء وتقضى بمعنى، واقتضى به دينه وتقاضاه
بمعنى، انتهى. وقال الأزهري:
(8/63)
__________
القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقضاء
الشيء وتمامه، انتهى. هذا معناه من حيث اللغة.
وأما معناه عند أهل الشرع فقال ابن رشد وتبعه
ابن فرحون: حقيقة القضاء: "الإخبار عن حكم
شرعي على سبيل الإلزام". وقال ابن عرفة:
"القضاء صفة حكمية، توجب لموصوفها نفوذ حكمه
الشرعي ولو بتعديل أو تجريح لا في عموم مصالح
المسلمين" فيخرج التحكيم وولاية الشرطة
وأخواتها والإمامة. وقول بعضهم: "هو الفصل بين
الخصمين" واضح قصوره، انتهى. قلت: واعلم أن
القضاء في اصطلاح الفقهاء يطلق على الصفة
المذكورة كما في قولهم: "ولي القضاء" أي: حصلت
له الصفة المذكورة، ويطلق على الإخبار المذكور
كما في قولهم: "قضى القاضي بكذا" وقولهم:
"قضاء القاضي حق أو باطل" غير أن في تعريف ابن
رشد مسامحة من وجوه: الأول: ذكر لفظ الإخبار
فإنه يوهم أن المراد به أمر الإخبار المحتمل
للصدق والكذب المقابل للإنشاء وليس ذلك بمراد
وإنما المراد به أمر القاضي بحكم شرعي على
طريق الإلزام. الثاني: أنه يدخل فيه حكم
الحكمين في جزاء الصيد وفي شقاق الزوجين وحكم
المحكم في التحكيم ومنها أنه يدخل فيه حكم
المحتسب والوالي وغيرهما من أهل الولايات
الشرعية إذا حكموا بالوجه الشرعي وقول ابن
عرفة: إن التحكيم يخرج من تعريفه لم يظهر لي
وجه خروجه فإن المحكم لا يحكم ابتداء إلا في
الأموال وما يتعلق بها وما في معناها مما لا
يتعلق بغير الحكمين ولا يحكم في القصاص
واللعان والطلاق والعتاق لتعلق الحق في ذلك
بغيرهما قالوا: فإن حكم فيها بغير جور نفذ
حكمه والظاهر أن التعديل والتجريح كذلك
فتأمله، والله أعلم.
فائدة: قال ابن عرفة: حال الفقيه من حيث هو
فقيه كحال عالم بكبرى قياس الشكل الأول فقط،
وحال القاضي والمفتي كحال عالم بهما مع علمه
بصغراه ولا خفاء أن العلم بهما أشق وأخصر من
العلم بالكبرى فقط، وأيضا فإن فقه القضاء
والفتيا مبنيان على إعمال النظر في الصور
الجزئية وإدراك ما اشتملت عليه من الأوصاف
الكائنة فيها فيلغى طردها ويعمل معتبرها،
انتهى. وأصله لابن عبد السلام ونقله في
التوضيح. قال ابن عبد السلام: وعلم القضاء وإن
كان أحد أنواع علم الفقه ولكنه متميز بأمور لا
يحسنها كل الفقهاء وربما كان بعض الناس عارفا
بفصل القضاء وإن لم يكن له باع في غير ذلك من
أبواب الفقه كما أن علم الفرائض كذلك وكما أن
علم التصريف من علم العربية وأكثر أهل زماننا
لا يحسنونه وقد
(8/64)
__________
يحسنه من هو دونهم في بقية العربية، ولا غرابة
في امتياز علم القضاء عن غيره من أنواع الفقه،
وإنما الغرابة في استعمال كليات علم الفقه
وانطباقها على جزئيات الوقائع بين الناس، وهو
عسير على كثير من الناس فنجد الرجل يحفظ كثيرا
من العلم ويفهم ويعلم غيره فإذا سئل عن واقعة
ببعض العوام من مسائل الصلاة أو من مسائل
الإيمان لا يحسن الجواب بل لا يفهم مراد
السائل عنها إلا بعد عسر. وللشيوخ في ذلك
حكايات نبه ابن سهل في أول كتابه على بعضها،
انتهى. ومنها ما قال البساطي في شرح قول
المؤلف فطن: وبعصرنا الآن شخص يتعاطى الدقة في
العلم وينهى عن جزئية فيتجنبها بشخصها ثم يقع
في أخرى مثلها، فإذا قيل له هذه مثل تلك
تجنبها ويقع في ثالثة وعلى ذلك، انتهى. واعلم
أن صفات القاضي المطلوبة فيه على ثلاثة أقسام
الأول: شرط في صحة التولية وعدمه يوجب الفسخ
والثاني: ما يقتضي عدمه الفسخ وإن لم يكن شرطا
في صحة التولية الثالث: مستحب وليس بشرط فأشار
المؤلف إلى الأول بقوله: "أهل القضاء عدل" إلى
قوله: "وإلا فأمثل مقلد" وإلى الثاني بقوله:
"ونفذ حكم أعمى" إلى قوله: "ووجب عزله" وإلى
الثالث بقوله: "كورع إلى آخره" والله أعلم.
وشمل قوله: "عدل" الحر المسلم العاقل البالغ
بلا فسق كما سيذكره في باب الشهادة، قال
القرطبي في شرح مسلم في كتاب الإمارة: وقد نص
أصحاب مالك على أن القاضي لا بد أن يكون حرا،
وأمير الجيش والحرب في معناه فإنها مناصب
دينية يتعلق بها تنفيذ أحكام شرعية فلا يصلح
لها العبد؛ لأنه ناقص بالرق محجور عليه لا
يستقل بنفسه ومسلوب أهلية الشهادة والتنفيذ
ولا يصلح للقضاء ولا للإمارة وأظن جمهور علماء
المسلمين على ذلك، انتهى. والظاهر من كلام
المؤلف جواز ولاية المعتق، قال ابن عرفة: وهو
المعروف، وعزاه ابن عبد السلام للجمهور، قالا:
ومنعه سحنون خوفا من استحقاقه فيجب رده إلى
الرق ويفضي ذلك إلى رد أحكامه، والله أعلم.
وظاهر كلامه أيضا أن ولاية الفاسق لا تصح ولا
ينفذ حكمه وافق الحق أم لم يوافقه وهو المشهور
كما صرح به في توضيحه، وقاله في التنبيهات
ونقله ابن فرحون وغيره وقال أصبغ: الفسق موجب
للعزل ولا يجوز أن يولى الفاسق ويمضي من
أحكامه ما وافق الحق، انتهى. من التوضيح
بالمعنى. وقال في العمدة: وهل ينعزل بفسقه أم
يجب عزله قولان، انتهى. ص: (ذكر) ش: قال في
التوضيح: وروى ابن أبي مريم عن ابن القاسم
جواز ولاية المرأة، قال ابن عرفة، قال ابن
زرقون: أظنه فيما تجوز فيه شهادتها، قال ابن
عبد السلام: لا حاجة لهذا التأويل لاحتمال أن
يكون ابن القاسم قال كقول الحسن والطبري
بإجازة ولايتها القضاء مطلقا، قلت: الأظهر قول
ابن زرقون؛ لأن ابن عبد السلام، قال في الرد
على من شذ من المتكلمين، وقال: الفسق لا ينافي
القضاء ما نصه: وهذا ضعيف جدا؛ لأن العدالة
شرط في قبول الشهادة والقضاء أعظم حرمة منها.
قلت: فجعل ما هو مناف للشهادة مناف للقضاء
فكما أن النكاح والطلاق والعتق
(8/65)
فطن مجتهد، إن
وجد وإلا فأمثل مقلد،
__________
والحدود لا تقبل فيها شهادتها فكذلك لا يصح
فيها قضاؤها، انتهى. ص: (فطن) ش: قال ابن عبد
السلام: والمراد من الفطانة بحيث لا يستزل في
رأيه ولا تتمشى عليه حيل الشهود وأكثر الخصوم،
انتهى. قال في التوضيح: وهذا الشرط لم يقع في
كل نسخ ابن الحاجب، وكلام الطرطوشي يدل على
اشتراطه، انتهى. وجعل ابن رشد في المقدمات
الفطنة من الصفات المستحبة فقال: وأن يكون
فطنا غير مخدوع لعقله، انتهى. وكذا جعله ابن
فرحون من الصفات المستحبة وقال ابن عرفة: وعد
ابن الحاجب كونه فطنا من القسم الأول، وهو
ظاهر كلام الطرطوشي لا يكتفى بالعقل التكليفي
بل لا بد أن يكون بين الفطنة بعيدا من الغفلة
وعده ابن رشد وابن شاس من الصفات المستحبة غير
الواجبة، والحق أن مطلق الفطنة المانع من كثرة
التغفل من القسم الأول، والفطنة الموجبة
للشهرة بها غير النادرة ينبغي كونها من الصفات
المستحبة، فعلى هذا طريقة ابن رشد أنسب؛ لأن
فطنا من أبنية المبالغة كحذر، والمبالغة فيها
مستحبة، انتهى. فلو قال المؤلف: ذا فطنة لكان
أحسن، والله أعلم.
لطيفة: قال المشذالي في حاشية المدونة: روي أن
عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله بالبصرة عدي
بن أرطاة أن اجمع بين إياس بن معاوية والقاسم
بن ربيعة فول القضاء أنفذهما فجمع عدي بينهما
وقال لهما: ما عهد به عمر إليه فقال له إياس:
سل عني وعن القاسم فقيهي البصرة الحسن وابن
سيرين وكان القاسم يأتي الحسن وابن سيرين
وإياس لا يأتيهما فعلم القاسم أنه إن سألهما
أشارا به فقال له القاسم: لا تسأل عني ولا عنه
فوالله الذي لا إله إلا هو إن إياسا أفقه مني
وأعلم بالقضاء فإن كنت كاذبا فما عليك أن
توليني وأنا كاذب وإن كنت صادقا فينبغي لك أن
تقبل قولي فقال له إياس: إنك جئت برجل وأوقفته
على شفا جهنم فنجى نفسه منها بيمين كاذبة
فيستغفر الله منها وينجو مما يخاف فقال له
عدي: أما إنك إذ فهمتها فأنت لها فاستقضاه،
انتهى. ص: (مجتهد إن وجد وإلا فأمثل مقلد) ش:
(8/66)
وزيد للإمام
الأعظم قرشي
__________
يشير إلى أن القاضي يشترط فيه أن يكون عالما
وجعل ابن رشد العلم من الصفات المستحبة وقال
ابن عبد السلام: والمشهور أنه من القسم الأول،
انتهى. وكذا عده صاحب الجواهر والقرافي من
القسم الأول، وعليه عامة أهل المذهب وعليه فلا
تصح تولية الجاهل ويجب عزله وأحكامه مردودة ما
وافق الحق منها وما لم يوافقه. وسيصرح المؤلف
بأنها مردودة ما لم يشاور، والله أعلم. ثم إنه
إذا وجد مجتهد وجب توليته ولا يجوز لغيره أن
يتولى، قال في الذخيرة عن ابن العربي ونقله
ابن فرحون: فإن تقلد مع وجود المجتهد فهو متعد
جائر، انتهى. فظاهر كلام ابن العربي أن
الاجتهاد إذا وجد ليس بشرط لا كما تعطيه عبارة
المؤلف من أنه شرط يقتضي عدم صحة التولية بل
الشرط العلم وأما الاجتهاد إذا وجد فلا يجوز
العدول عن صاحبه فقط فتأمله وقال ابن عرفة:
وجعل ابن مرزوق كونه عالما من القسم المستحب
وكذا ابن رشد إلا أنه عبر عنه بأن يكون عالما
يسوغ له الاجتهاد وقال عياض وابن العربي
والمازري: يشترط كونه عالما مجتهدا أو مقلدا
إن فقد المجتهد كشرط كونه مسلما حرا ثم قال
ابن العربي: قبول المقلد الولاية مع وجود
المجتهد جور وتعد ومع عدم المجتهد جائز ثم
قال: ففي صحة تولية المقلد مع وجود المجتهد
قولان لابن زرقون مع ابن رشد وعياض مع ابن
العربي والمازري قائلا: هو محكى أئمتنا عن
المذهب ومع فقده جائز ومع وجود المجتهد أو لا
اتفاقا فيهما، انتهى. وانظر كيف عزا لابن
العربي عدم صحة ولاية المقلد مع وجود المجتهد
مع أنه نقل قبل هذا قوله: قبول المقلد الولاية
مع وجود المجتهد جور وتعد، إلا أن يكون فهم من
قوله: "جور وتعد" أنها لا تصح فيصح كلامه إلا
أن الذي يتبادر للفهم من قوله: "جور وتعد"
أنها تصح إلا أنه متعد فقط وعلى ما فهمه ابن
عرفة فيسقط الاعتراض السابق على المؤلف ولعل
المؤلف فهمه على ذلك
(8/67)
__________
فعلم من هذا أن كلام المؤلف ماش على ما عزاه
ابن عرفة لعياض والمازري وابن العربي، والله
أعلم. وقول المؤلف: "أمثل مقلد" يشير به إلى
قول ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: فإن لم
يوجد مجتهد فمقلد إلا أنه ينبغي أن يختار أعلم
المقلدين ممن له فقه نفيس وقدرة على الترجيح
بين أقاويل أهل مذهبه ويعلم منه ما هو أجرى
على أصل إمامه مما ليس كذلك وأما إن لم يكن
بهذه المرتبة فيظهر من كلام الشيوخ اختلاف
بينهم. هل يجوز توليته القضاء أو لا؟ وهذه
المسألة مفرعة على جواز تقليد الميت، انتهى.
قال ابن عرفة إثر نقله كلام ابن عبد السلام
هذا: قلت: قوله: "اختلاف في جواز توليته" إن
أراد مع وجود ذي الرتبة الأولى فصحيح وإن أراد
مع فقده فظاهر أقوالهم صحة توليته خوف تعطيل
الحكم بين الناس دون خلاف في ذلك، انتهى. وقال
ابن عبد السلام على جواز تقليد الميت: نقل ابن
عرفة عن أهل الأصول انعقاد الإجماع على جواز
تقليد الميت وسيأتي بعد هذا، وكلام القرافي في
أول الباب الثاني من كتاب القضاء يؤذن بصحة
ولاية هذا الذي قال ابن عبد السلام: إن فيه
اختلافا فراجعه، والله أعلم.
تنبيهات: الأول: قول المؤلف مجتهد إن وجد، قال
البساطي: يقتضي أنه ممكن فإن عنى به أنه مجتهد
في مذهب مالك فقد يدعى أنه ممكن وإن أراد
المجتهد في الأدلة فهذا غير ممكن وقول بعض
الناس أن المازري وصل إلى رتبة الاجتهاد كلام
غير محقق؛ لأن الاجتهاد مبدؤه صحة الحديث عنده
وهو غير ممكن ولا بد فيه من التقليد وقول
الشيخ محيي الدين النووي: إنه ممكن كالكلام
المتقدم، انتهى. وتأمل كلامه هذا فإنه يقتضي
أن الاجتهاد غير ممكن والخلاف بين علماء
الأصول إنما هو هل يمكن خلو الزمان عن مجتهد
أم لا؟ وكلام ابن عبد السلام يشهد لإمكانه
لقوله: وما أظنه انقطع بجهة المشرق فقد كان
منهم من ينسب إلى ذلك ممن هو في حياة أشياخنا
وأشياخ أشياخنا. ومواد الاجتهاد في زماننا
أيسر منها في زمان المتقدمين لو أراد الله بنا
الهداية، ولكن لا بد من قبض العلم بقبض
العلماء كما أخبر به الصادق صلوات الله عليه،
انتهى. ونحوه في التوضيح وزاد؛ لأن الأحاديث
والتفاسير قد دونت وكان الرجل يرحل في سماع
الحديث الواحد فإن قيل: يحتاج المجتهد إلى أن
يكون عالما بمواضع الإجماع والخلاف، وهو متعذر
في زماننا لكثرة المذاهب وتشعبها قيل: يكفيه
أن يعلم أن المسألة ليست مجمعا عليها؛ لأن
المقصود أن يحترز من مخالفة الإجماع وذلك
ممكن، انتهى. وقول البساطي لا بد في صحة
الحديث من التقليد لا يلزم منه عدم إمكان
المجتهد؛ لأن التقليد في صحة الحديث لا يقدح
في الاجتهاد فتأمله، والله أعلم. وقال ابن
عرفة: وما أشار إليه ابن عبد السلام من يسر
الاجتهاد هو ما سمعته يحكيه عن بعض الأشياخ أن
قراءة مثل هذه الجزولية والمعالم الفقهية
والاطلاع على أحاديث الأحكام الكبرى لعبد الحق
ونحو ذلك يكفي في تحصيل أدلة الاجتهاد يريد مع
يسر الاطلاع على فهم مشكل اللغة بمختصر العين
(8/68)
__________
والصحاح للجوهري، ونحو ذلك من غريب الحديث ولا
سيما مع نظر ابن القطان وتحقيقه أحاديث
الأحكام وبلوغ درجة الإمامة أو ما قاربها في
العلوم المذكورة غير مشترط الاجتهاد إجماعا
وقال الفخر في المحصول وتبعه السراج في تحصيله
والتاج في حاصله في كتاب الإجماع ما نصه: ولو
بقي من المجتهدين -والعياذ بالله- واحد كان
قوله حجة فاستعاذتهم تدل على بقاء الاجتهاد في
عصرهما، والفخر توفي سنة ست وستمائة ولكن
قالوا في كتاب الاستغناء: انعقد الإجماع في
زماننا على تقليد الميت إذ لا مجتهد فيه،
انتهى.
الثاني: بقي على المؤلف شرط آخر وهو أن يكون
القاضي واحدا، نص عليه في المقدمات ونصه: فأما
الخصال المشترطة في صحة الولاية فهي أن يكون
حرا مسلما عاقلا بالغا ذكرا واحدا. فهذه الست
الخصال لا يصلح أن يولى القضاء على مذهبنا إلا
من اجتمعت فيه، فإن ولي من لم تجتمع فيه لم
تنعقد له الولاية وإن انخرم شيء منها بعد
انعقاد الولاية سقطت الولاية، انتهى. ثم ذكر
العدالة وقال: إنه من هذا القسم على المشهور
وإنما أخرها؛ لأن فيه خلافا وأما العلم
والفطنة فعدهما من الصفات المستحبة كما تقدم
وممن نقل هذا الشرط ابن شاس والقرافي واستوفى
ابن غازي الكلام عليه عند قول المؤلف وجاز
تعدد مستقل، والله أعلم.
الثالث: قال في المقدمات: يجب أن لا يولى
القضاء من أراده وطلبه وإن اجتمعت فيه شرائط
القضاء مخافة أن يوكل إليه فلا يقوم به،
انتهى. ويريد إلا أن يتعين عليه فيجب عليه
حينئذ السؤال وهذا في السؤال بغير بذل مال
فكيف مع بذل المال نسأل الله العافية
والسلامة، والظاهر أنه إذا طلب فولي لا يجب
عزله إذا كان جامعا لشروط القضاء، والله أعلم.
فهذه المسألة مع مسألة تولية المقلد مع وجود
المجتهد قسم رابع فإنه لا تجوز التولية أولا
فإذا ولي لا ينعزل وقال القرطبي في شرح قوله
صلى الله عليه وسلم: "لا تسأل الإمارة" : هو
نهي وظاهره التحريم وعليه يدل قوله بعد: "إنا
لا نولي على عملنا من أراده" انتهى. والله
أعلم.
الرابع: قال البرزلي في مسائل الأقضية عن
السيوري: إذا تجرح الناس لعدم القضاة أو
لكونهم غير عدول فجماعتهم كافية في جميع ما
وصفته وفي جميع الأشياء فيجتمع أهل الدين
والفضل فيقومون مقام القاضي مع فقده في ضرب
الآجال والطلاق وغير ذلك قلت: تقدم أن الجماعة
تقوم مقام القاضي مع فقده إلا في مسائل تقدم
شيء منها، انتهى. انظر المشذالي في كتاب
الاجتهاد فإنه ذكر أن الجماعة تقوم مقام
القاضي في مسائل وذكر ذلك أيضا في كتاب الصلح
وذكره البرزلي في كتاب السلم وقد ذكرت كلام
المشذالي في باب النفقات في الطلاق على الغائب
بالنفقة، والله أعلم.
الخامس: قال في الذخيرة في الباب الثالث من
كتاب الأقضية في الكلام على ولاية
(8/69)
فحكم بقول
مقلده،
__________
الظالم: نص ابن أبي زيد في النوادر على أنا
إذا لم نجد في جهة إلا غير العدول أقمنا
أصلحهم وأقلهم فجورا للشهادة عليهم ويلزم مثل
ذلك في القضاة وغيرهم لئلا تضيع المصالح وما
أظنه يخالفه أحد في هذا؛ لأن التكليف مشروط
بالإمكان وإذا جاز نصب الشهود فسقة لأجل عموم
الفساد جاز التوسع في أحكام المظالم، انتهى.
ص: (فحكم بقول مقلده) ش: قال ابن فرحون:
فصل: يلزم القاضي المقلد إذا وجد المشهور أن
لا يخرج عنه وذكر عن المازري -رحمه الله- أنه
بلغ درجة الاجتهاد وما أفتى قط بغير المشهور
وعاش ثلاثا وثمانين سنة وكفى به قدوة في هذا
فإن لم يقف على المشهور من القولين أو
الروايتين فليس له التشهي والحكم بما شاء
منهما من غير نظر وترجيح فقد قال ابن الصلاح
-رحمه الله- في كتاب أدب المفتي والمستفتي:
اعلم أن من يكتفي بأن يكون في فتياه أو علمه
موافقا لقول أو وجه في المسألة أو يعمل بما
شاء من الأقوال والوجوه من غير نظر في الترجيح
فقد جهل وخرق الإجماع وسبيله سبيل الذي حكى
أبو الوليد الباجي عن فقهاء أصحابه إنه كان
يقول الذي لصديقي علي إذا وقعت له حكومة أن
أفتيه بالرواية التي توافقه وحكى الباجي عمن
يثق به أنه وقعت له واقعة فأفتى فيها وهو غائب
من فقهائهم يعني المالكية من أهل الصلاح بما
يضره فلما عاد سألهم فقالوا: ما علمنا أنها لك
وأفتوه بالرواية الأخرى التي توافقه، قال
الباجي: وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين ممن
يعتد به في الإجماع أنه لا يجوز، وقال ابن
الصلاح: فإذا وجد من ليس أهلا للتخريج
والترجيح اختلافا بين أئمة المذهب في الأصح من
القولين أو الوجهين فينبغي أن يفزع في الترجيح
إلى صفاتهم الموجبة لزيادة الثقة بآرائهم
فيعمل بقول الأكثر والأورع والأعلم فإذا اختص
أحدهم بصفة أخرى قدم الذي هو أحرى منهما
بالإصابة فالأعلم الورع مقدم على الأورع
العالم وكذا إذا وجد قولين أو وجهين لم يبلغه
عن أحد من أئمة المذهب بيان الأصح منهما اعتبر
أوصاف ناقليهما أو قائليهما، قال ابن فرحون:
وهذا الحكم جار في أصحاب المذاهب الأربعة
ومقلديهم وقال بعده بأسطر يسيرة: وهذه الأنواع
من الترجيح معتبرة أيضا بالنسبة إلى أئمة
المذهب.
قال ابن أبي زيد في أول النوادر: إن كتابه
اشتمل على كثير من اختلاف المالكيين، قال: ولا
ينبغي الاختيار من الاختلاف للمتعلم ولا
للمقصر ومن لم يكن فيه محل لاختيار
(8/70)
__________
القول فله في اختيار المفتين من أصحابنا من
نقادهم مقنع مثل سحنون وأصبغ وعيسى بن دينار
ومن بعدهم مثل ابن المواز وابن عبدوس وابن
سحنون، وابن المواز أكثرهم تكلفا للاختيارات
وابن حبيب لا يبلغ في اختياراته وقوة رواياته
مبلغ من ذكرنا، انتهى كلام ابن فرحون ثم نقل
عن القرافي في كتاب الأحكام في تمييز الفتاوى
عن الأحكام ما نصه: الحاكم إن كان مجتهدا لم
يجز له أن يحكم أو يفتي إلا بالراجح عنده وإن
كان مقلدا جاز له أن يفتي بالمشهور في مذهبه
وأن يحكم به وإن لم يكن راجحا عنده مقلدا في
رجحان القول المحكوم به أمامه، وأما اتباع
الهوى في القضاء والفتيا فحرام إجماعا نعم
اختلف العلماء إذا تعارضت الأدلة عند المجتهد
وتساوت وعجز عن الترجيح هل يتساقطان أو يختار
أحدهما يفتي به قولان للعلماء فعلى أنه يختار
للفتيا فله أن يختار أحدهما يحكم به مع أنه
ليس براجح عنده وهذا مقتضى الفقه والقواعد
وعلى هذا التقدير فيتصور الحكم بالراجح وغير
الراجح وليس اتباعا للهوى بل ذلك بعد بذل
الجهد والعجز عن الترجيح وحصول التساوي أما
الفتيا والحكم بما هو مرجوح فخلاف الإجماع
وقال أيضا في أول هذا الكتاب: إن للحاكم أن
يحكم بأحد القولين المتساويين من غير ترجيح
ولا معرفة بأدلة القولين إجماعا فتأمل هذا مع
ما سبق من كلامه في قوله: بعد بذل الجهد
والعجز عن الترجيح، انتهى كلام ابن فرحون
فتحصل منه أنه إذا تساوى القولان من كل وجه أو
عجز عن الاطلاع على أوجه الترجيح فله أن يحكم
أو يفتي بأحد القولين ومن ابن فرحون أيضا،
واعلم أنه لا يجوز للمفتي أن يتساهل في الفتوى
ومن عرف بذلك لم يجز أن يستفتى، والتساهل قد
يكون بأن لا يتثبت ويسرع بالفتوى أو الحكم قبل
استيفاء حقه من النظر والفكر وربما يحمله على
ذلك توهمه أن الإسراع براعة والإبطاء عجز ولأن
يبطئ ولا يخطئ أجمل به من أن يعجل فيضل ويضل
وقد يكون تساهله بأن تحمله الأغراض الفاسدة
على تتبع الحيل المحذورة أو المكروهة بالتمسك
بالشبه طلبا للحرص على من يروم نفعه أو
التغليط على من يروم ضرره، قال ابن الصلاح:
ومن فعل ذلك فقد هان عليه دينه، قال: وأما إذا
صح قصد المفتي واحتسب في طلب حيلة لا شبهة
فيها ولا تجر إلى مفسدة ليخلص بها المفتي من
ورطة يمين أو نحوها فذلك حسن جميل وقال
القرافي: إذا كان في المسألة قولان أحدهما فيه
تشديد والآخر فيه تسهيل فلا ينبغي للمفتي أن
يفتي العامة بالتشديد والخواص وولاة الأمور
بالتخفيف وذلك قريب من الفسوق والخيانة في
الدين والتلاعب بالمسلمين وذلك دليل فراغ
القلب من تعظيم الله تعالى وإجلاله وتقواه
وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقرب إلى الخلق
دون الخالق نعوذ بالله من صفات الغافلين،
والحاكم كالمفتي في هذا، انتهى.
فروع: الأول: ما تقدم عن القرافي إنما هو إذا
وجد في النازلة نصا فأما إن لم يجد فنقل في
التوضيح عند قول ابن الحاجب فيلزمه المصير إلى
قول مقلده عن ابن العربي
(8/71)
__________
ما نصه: ويقضي حينئذ بفتوى مقلده بنص النازلة
فإن قاس على قوله أو قال: يجيء من كذا كذا فهو
متعد. خليل: وفيه نظر والأقرب جوازه للمطلع
على مدارك إمامه، انتهى. وقال ابن عرفة إثر
نقله كلام ابن العربي،
قلت: يرد كلامه؛ لأنه يؤدي إلى تعطيل الأحكام؛
لأن الفرض عدم المجتهد لامتناع تولية المقلد
مع وجوده فإذا كان حكم النازلة غير منصوص عليه
ولم يجز للمقلد المولى القياس على قول مقلده
في نازلة أخرى تعطلت الأحكام وبأنه خلاف عمل
متقدمي أهل المذهب كابن القاسم في المدونة في
قياسه على أقوال مالك ومتأخريهم كاللخمي وابن
رشد والتونسي والباجي وغير واحد من أهل المذهب
بل من تأمل كلام ابن رشد وجده يعد اختياراته
بتخريجاته في تحصيله الأقوال أقوالا، انتهى.
وقد عد هو أعني ابن عرفة فتوى ابن عبد الرءوف
وابن السباق وابن دحون ونحوهم أقوالا ذكر ذلك
في السلم في شرط كونه يتعلق بالذمم ونقل لابن
الطلاع قولا في المذهب نقله في غسل الوجه في
الوضوء وجعله مقابلا لقول ابن القصار وكان
الشيخ خليل وابن عرفة لم يقفا على كلام
القرافي في الذخيرة وبحثه مع ابن العربي ونصه
بعد أن ذكر كلام ابن العربي.
تنبيه: قوله: "فإن قاس على قوله فهو متعد" قال
العلماء: المقلد قسمان، محيط بأصول مذهب مقلده
وقواعده بحيث تكون نسبته إلى مذهبه كنسبة
المجتهد المطلق إلى أصول الشريعة وقواعدها
فهذا يجوز له التخريج والقياس بشرائطه كما جاز
للمجتهد المطلق، وغير محيط فلا يجوز له
التخريج؛ لأنه كالعامي بالنسبة إلى حملة
الشريعة فينبغي أن يحمل قوله على القسم الثاني
فيتجه وإلا فمشكل، انتهى من الباب الثاني،
وقال في الباب الخامس: المقلد له حالان تارة
يحيط بقواعد مذهبه فيجوز له تخريج غير المنصوص
على المنصوص بشرط تعذر الفرق ومع إمكانه
يمتنع؛ لأن نسبته إلى إمامه وقواعده كنسبة
المجتهد المطلق إلى صاحب الشريعة وشريعته حكما
فكما للمجتهد المطلق التخريج عند عدم الفارق
ويمتنع عند الفارق فكذلك هذا المقلد، وتارة لا
يحيط بقواعد مذهبه فلا يجوز له التخريج وإن
بعد الفارق لاحتمال أنه لو اطلع على قواعد
مذهبه لأوجب له الاطلاع الفرق. ونسبته إلى
مذهبه كنسبة من دون المجتهد المطلق إلى حملة
الشريعة فكما يحرم على المقلد التخريج فيما
ليس مذهب العلماء ويحرم عليه اتباع الأدلة
ويجب عليه أن لا يعمل إلا بقول عالم وإن لم
يظهر له دليله لقصوره عن رتبة الاجتهاد فكذلك
هذا وهو المراد بما تقدم في شروط القضاء أنه
لا يخرج ولا يحكم إلا بالمنصوص فافهم هذا
التخريج فإنه يطرد في الفتيا أيضا، انتهى.
وقال ابن رشد في أجوبته في جواب سؤال سئل عنه:
والسؤال عن الحكم في أمر القاضي إذا كان
ملتزما للمذهب المالكي وليس في نظره من نال
درجة الفتوى ولا هو في نفسه أهل لذلك قد مضى
القول عليه فيما وصفناه من حال الطائفة التي
عرفت صحة مذهب مالك ولم تبلغ درجة التحقيق
بمعرفة قياس الفروع على الأصول؛ لأنه لا يكون
للمذهب المالكي إلا بما بان له من صحة أصوله،
فسبيل
(8/72)
__________
هذا القاضي فيما يمر به من نوازل الأحكام التي
لا نص عنده فيها من قول مالك أو قول بعض
أصحابه التي قد بانت له صحة أن لا يقضي فيها
إلا بفتوى من يسوغ له الاجتهاد ويعرف وجه
القياس إن وجده في بلده وإلا طلبه في غير بلده
فإن قضى فيه برأيه ولا رأي له أو برأي من لا
رأي له كان حكمه موقوفا على النظر ويأمر
الإمام القاضي إذا لم يكن من أهل الاجتهاد ولا
كان في بلده من يسوغ له الاجتهاد لا يقضي فيما
سبيله الاجتهاد إلا بعد مشورة من يسوغ له
الاجتهاد، انتهى. وسيأتي كلامه على الطائفة
التي أحال عليها في الكلام على المفتي.
وقال ابن الحاجب: فإن لم يوجد مجتهد فمقلد
فيلزمه المصير إلى قول مقلده وقيل لا يلزمه
وقيل لا يجوز له إلا باجتهاده، قال ابن عبد
السلام: يعني إن ولي مقلد لعدم المجتهد فهل
يلزمه الاقتصار على قول إمامه أو لا يلزمه
ذلك؟ والأصل عدم اللزوم وهو الأقرب إلى عادة
المتقدمين فإنهم ما كانوا يحجرون على العوام
اتباع عالم واحد ولا يأمرون من سأل أحدهم عن
مسألة أن لا يسأل غيره لكن الأولى عندي في حق
القاضي لزوم طريقة واحدة وأنه إذا قلد إماما
لا يعدل عنه لغيره؛ لأن ذلك يؤدي إلى اتهامه
بالميل مع أحد الخصمين ولما جاء من النهي عن
الحكم في قضية بحكمين مختلفين، انتهى. قال ابن
عرفة إثر نقله له قلت: حمله كلام المؤلف على
أن في لزوم المقلد اتباع قول إمامه وجواز
انتقاله عنه إلى قول غيره قولين فيه نظر؛ لأن
القولين على هذا الوجه ليسا بموجودين في
المذهب فيما أدركت، والصواب تفسير القولين بما
قدمناه من قول ابن العربي بنص قول مقلده فإن
قاس عليه أو قال: يجيء من كذا فهو متعد وبقول
التونسي واللخمي وابن رشد والباجي وأكثر
الشيوخ بالتخريج من قول مالك وابن القاسم
وغيرهما حسبما قدمناه عنهم، انتهى. بل في نظره
نظر ولا أرجحية لحمله؛ لأن القولين اللذين فسر
ابن عبد السلام بهما كلام ابن الحاجب موجودان،
أما الأول: فبقول ابن العربي: يحكم بفتوى مقلد
بنص النازلة، والثاني: حكاه في الجواهر عن
الطرطوشي ونصه: ولا يلزم أحدا من المسلمين أن
يقلد في النوازل والأحكام من يعتزي إلى مذهبه
فمن كان مالكيا لم يلزمه المصير في أحكامه إلى
قول مالك، وهكذا القول في سائر المذاهب بل
أينما أداه اجتهاده من الأحكام صار إليه فإن
شرط على القاضي أن يحكم بمذهب إمام معين
فالعقد صحيح والشرط باطل كان موافقا لمذهب
المشترط أو مخالفا له، انتهى. من التوضيح.
وانظر هذا مع ما نقله ابن فرحون في تبصرته في
الباب الرابع من القسم الأول فإنه نقل عن
الطرطوشي أن العقد باطل والشرط باطل، انتهى.
فتأمله ثم قال ابن عبد السلام وقوله: وقيل: لا
يجوز إلا باجتهاد يعني أنه لا يجوز تولية
المقلد ألبتة ويرى هذا القائل أن رتبة
الاجتهاد موجودة لزمن انقطاع العلم كما أخبر
به صلى الله عليه وسلم وإلا كانت الأمة مجتمعة
على الخطأ، قال ابن عرفة: حمله على عدم تولية
المقلد مطلقا هو ظاهر لفظه وقبوله إياه يقتضي
وجوده في المذهب
(8/73)
__________
ولا أعرفه في المذهب إلا ما حكاه المازري عن
الباجي في تعليله منع تولية قاضيين لا ينفذ
حكم أحدهما دون الآخر فإن ذلك يوجب التعطيل؛
لأن غالب المجتهدين الخلاف والمقلدان توليتهما
ممنوعة كذا نقل المازري عن الباجي ولم أجده له
في المنتقى ولا في كتاب ابن زرقون، انتهى.
ثم ذكر ما نقلناه عنه أولا وهو قوله وما أشار
إليه من يسر الاجتهاد إلى آخره ثم قال:
والأظهر تفسير كلام ابن الحاجب بجعل الضمير
المخفوض في قوله: "باجتهاده" عائدا على مقلده
بفتح اللام ومعناه أنه يجوز للقاضي المقلد
لمالك مثلا في المسألة التي لا نص فيها أن
يجتهد فيها باجتهاد إمامه أي: بقواعده
المعروفة له في طرق الأحكام الكلية كقاعدته في
تقديم عمل أهل المدينة على خبر الواحد العدل
وعلى القياس، وكقوله بسد الذرائع إلى غير ذلك
من قواعده المخصوصة به في أصول الفقه ولا يجوز
له أن يجتهد في القياس على قوله اجتهادا مطلقا
من غير مراعاة قواعده الخاصة به فيتحصل من نقل
ابن الحاجب في اجتهاد المقلد فيما لا نص
لمقلده فيه ثلاثة أقوال المنع مطلقا وهو نص
ابن العربي وهو ظاهر ما تقدم من نقل الباجي
ولا يفتي إلا من هذه صفته إلا أن يخبر بشيء
سمعه، والثاني: جواز القياس مطلقا من غير
مراعاة قواعده الخاصة به وهو قول اللخمي
وفعله؛ ولذا قال عياض في مداركه اختيارات له
خرج بكثير منها عن المذهب، الثالث: جواز
اجتهاده بعد مراعاة قواعد إمامه الخاصة به
وهذا هو مسلك ابن رشد والمازري والتونسي وأكثر
الإفريقيين الأندلسيين وأما الملازمة في قوله:
"وإلا كانت الأمة مجتمعة على الخطأ" ففي صدقها
نظر؛ لأن تقديرها إن خلا الزمان عن مجتهد
اجتمعت الأمة على الخطأ وهذه مصادرة؛ لأنه لا
يلزم كونها مخطئة إلا إذا ثبت عدم الاكتفاء
بالتقليد وأما إذا كان جائزا فلا، والمسألة
مشهورة في أصول الفقه، قال ابن الحاجب: يجوز
خلو الزمان عن مجتهد خلافا للحنابلة، زاد
الآمدي وغيره وجوزه آخرون وهو المختار، انتهى.
وقال المشذالي في حاشيته: ولا خلاف بين
المحققين أن القاضي في هذا الزمان مفتقر إلى
حفظ واسع واطلاع بارع وإدراك جيد نافع وخصوصا
المدونة فإن فيها أزمة وافرة فيما يرجع إلى
اقتناص الأحكام ومن كتب الأحكام المتيطية فإن
فيها جملة صالحة والتوفيق بيد الله.
الثاني وأما شرط الفتوى فقال ابن سلمون في
وثائقه: سئل ابن رشد في الفتوى وصفة المفتي
فقال: الذي أقول به في ذلك إن الجماعة التي
تنسب إلى العلوم وتتميز عن جملة العوام
بالمحفوظ والمفهوم تنقسم على ثلاث طوائف،
طائفة منهم اعتقدت صحة مذهب مالك تقليدا بغير
دليل فأخذت أنفسها بحفظ مجرد أقواله وأقوال
أصحابه في مسائل الفقه دون التفقه في معانيها
بتمييز الصحيح منها والسقيم، وطائفة اعتقدت
صحة مذهبه بما بان لها من صحة أصوله التي بناه
عليها فأخذت أنفسها بحفظ مجرد أقواله وأقوال
أصحابه في مسائل الفقه وتفقهت
(8/74)
__________
في معانيها فعلمت الصحيح منها الجاري على
أصوله من السقيم الخارج إلا أنها لم تبلغ درجة
التحقيق بمعرفة قياس الفروع على الأصول،
وطائفة اعتقدت صحة مذهب بما بان لها أيضا من
صحة أصوله لكونها عالمة بأحكام القرآن عارفة
بالناسخ والمنسوخ والمفصل والمجمل والخاص من
العام عالمة بالسنن الواردة في الأحكام مميزة
بين صحيحها من معلولها عالمة بأقوال العلماء
من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء
الأمصار وبما اتفقوا عليه واختلفوا فيه عالمة
من علم اللسان بما يفهم به معاني الكلام عالمة
بوضع الأدلة في مواضعها، فأما الطائفة الأولى
فلا يصح لها الفتوى بما علمته وحفظته من قول
مالك وقول أحد من أصحابه إذ لا علم عندها بصحة
شيء من ذلك إذ لا يصح الفتوى بمجرد التقليد من
غير علم ويصح لها في خاصتها إن لم تجد من يصح
لها أن تستفتيه أو تقلد مالكا أو غيره من
أصحابه فيما حفظته من أقوالهم وإن لم يعلم من
نزلت به نازلة من يقلده فيها من قول مالك
وأصحابه فيجوز للذي نزلت به النازلة أن يقلده
فيما حكاه له من قول مالك في نازلته ويقلد
مالكا في الأخذ بقوله فيها وذلك أيضا إذا لم
يجد في عصره من يستفتيه في نازلته فيقلده
فيها. وإن كانت النازلة قد علم فيها اختلافا
من قول مالك وغيره فأعلمه بذلك كان حكمه في
ذلك حكم العامي إذا استفتى العلماء في نازلته
فاختلفوا عليه فيها وقد اختلف في ذلك على
ثلاثة أقوال أحدها: أنه يأخذ بما شاء من ذلك،
والثاني: أنه يجتهد في ذلك فيأخذ في ذلك بقول
أعلمهم، والثالث: أنه يأخذ بأغلظ الأقوال وأما
الطائفة الثانية فيصلح لها إذا استفتيت أن
تفتي بما علمته من قول مالك وقول غيره من
أصحابه إذا كانت قد بانت لها صحته كما يجوز
لها في خاصتها الأخذ بقوله إذا بانت لها صحته
ولا يجوز لها أن تفتي بالاجتهاد فيما لا تعلم
فيه نصا من قول مالك أو قول غيره من أصحابه
وإن كانت قد بانت لها صحته إذ ليست ممن كمل
لها آلات الاجتهاد الذي يصح لها بها قياس
الفروع على الأصول وأما الطائفة الثالثة فهي
التي يصح لها الفتوى عموما بالاجتهاد والقياس
على الأصول التي هي الكتاب والسنة وإجماع
الأمة بالمعنى الجامع بينها وبين النازلة،
وعلى ما قيس عليها إن قدم القياس عليها، ومن
القياس جلي وخفي؛ لأن المعنى الذي يجمع بين
الأصل والفرع قد يعلم قطعا بدليل قاطع لا
يحتمل التأويل وقد يعلم بالاستدلال، فلا يوجب
إلا غلبة الظن ولا يرجع إلى القياس الخفي إلا
بعد القياس الجلي وهذا كله يتفاوت العلماء في
التحقيق بالمعرفة به تفاوتا بعيدا وتفترق
أحوالهم أيضا في جودة الفهم لذلك وجودة الذهن
فيه افتراقا بعيدا إذ ليس العلم الذي هو الفقه
في الدين بكثرة الرواية والحفظ وإنما هو نور
يضعه الله حيث يشاء فمن اعتقد في نفسه أنه ممن
تصح له الفتوى بما آتاه الله عز وجل من ذلك
النور المركب على المحفوظ المعلوم جاز له إن
استفتي أن يفتي وإذا اعتقد الناس فيه ذلك جاز
له أن يفتي فمن الحق للرجل أن لا يفتي حتى يرى
نفسه أهلا لذلك ويراه الناس أهلا له على ما
حكى مالك عن أن ابن هرمز أشار بذلك على من
استشاره
(8/75)
__________
السلطان فاستشاره في ذلك وقد أتى ما ذكرناه
على ما سألت عنه من بيان صفات المفتي التي
ينبغي أن يكون عليها في هذا العصر إذ لا تختلف
صفات المفتي التي تلزم أن يكون عليها باختلاف
الأعصار.
وأما السؤال عن بيان ما يلزم في مذهب مالك لمن
أراد في هذا الوقت أن يكون مفتيا على مذهب
مالك فإنه سؤال فاسد إذ ليس أحد بالخيار في أن
يفتي على مذهب مالك ولا على مذهب غيره من
العلماء بل يلزمه ذلك إذا قام عنده الدليل على
صحته ولا يصح له إن لم يقم عنده الدليل على
صحته، والسؤال عن الحكم في أمر القاضي إذا كان
ملتزما للمذهب المالكي وليس في نظره من نال
درجة الفتوى ولا هو في نفسه أهل لذلك قد مضى
القول عليه فيما وصفناه من حال الطائفة التي
عرفت صحة مذهب مالك ولم تبلغ درجة التحقيق
بمعرفة قياس الفروع على الأصول وذكر بقية
كلامه المتقدم في الفرع الذي قبل هذا. وقال
ابن عرفة: وأما شرط الفتوى ففيها لا ينبغي
لطالب العلم أن يفتي حتى يراه الناس أهلا
للفتوى وقال سحنون: الناس هنا العلماء، قال
ابن هرمز: ويرى هو نفسه أهلا لذلك قال القرافي
إثر هذا الكلام: وما أفتى مالك حتى أجازه
أربعون محنكا؛ لأن الحنك وهو اللثام تحت الحنك
من شعار العلماء حتى إن مالكا سئل عن الصلاة
بغير حنك فقال: لا بأس بذلك وهذه إشارة إلى
تأكيد التحنيك وهذا شأن الفتيا في الزمن
المتقدم، وأما اليوم فقد خرق هذا السياج وهان
على الناس أمر دينهم فتحدثوا فيه بما يصلح وما
لا يصلح وعسر عليهم اعترافهم بجهلهم وأن يقول
أحدهم: لا أدري فلا جرم آلى الحال بالناس إلى
هذه الغاية بالاقتداء بالجهال والمتجرئين على
دين الله تعالى، انتهى.
قلت: وقع هذا في رسم الشجرة من جامع العتبية
لابن هرمز فيما ذكره مالك عنه وليس فيه ويرى
نفسه أهلا لذلك فقال ابن رشد: زاد في هذه
الحكاية في كتاب الأقضية من المدونة ويرى نفسه
أهلا لذلك وهي زيادة حسنة؛ لأنه أعرف بنفسه
وذلك أن يعلم نفسه أنه كملت له آلات الاجتهاد
وذلك علمه بالقرآن وناسخه ومنسوخه ومفصله من
مجمله وعامه من خاصه وبالسنة مميزا بين صحيحها
وسقيمها عالما بأقوال العلماء وما اتفقوا عليه
وما اختلفوا فيه عالما بوجوه القياس ووضع
الأدلة مواضعها وعنده من علم اللسان ما يفهم
به معاني الكلام وفي نوازل ابن رشد أنه سئل
عمن قرأ الكتب المستعملة مثل المدونة والعتبية
دون رواية أو الكتب المتأخرة التي لا توجد
فيها رواية هل يستفتي. وإن أفتى وقد قرأها دون
رواية هل تجوز شهادته أم لا فأجاب من قرأ هذه
الكتب وتفقه فيها على الشيوخ وفهم معناها
وأصول مسائلها من الكتاب والسنة والإجماع وذكر
ما نقلناه عنه في البيان في كلامه السابق ثم
قال: فهذا يجوز له أن يفتي فيما ينزل ولا نص
فيه باجتهاده، قال: ومن لم يلحق هذه
(8/76)
__________
الدرجة لم يصلح أن يستفتى في المجتهدات التي
لا نص فيها ولا يجوز له أن يفتي في شيء منها
إلا أن يعلم برواية عن عالم فيقلده فيما يخبر
به وإن كان فيها اختلاف أخبر بالذي ترجح عنده
إن كان ممن له فهم ومعرفة بالترجيح.
قلت: وهذا حال كثير ممن أدركناه وأخبرنا عنهم
أنهم كانوا يفتون ولا قراءة لهم في العربية
فضلا عما سواها من أصول الفقه وقد ولي خطتي
قضاء الأنكحة والجماعة بتونس من قال: ما فتحت
كتابا في العربية على أحد ومثله ولي القضاء في
أوائل هذا القرن ببجاية وقد رأيت بعض هؤلاء
يقرءون التفسير وأخبرت أن بعضهم كان منعه قاضي
وقته فلما مات أقرأه وأفتى ابن عبد السلام
بوجوب منع من لم يكن له مشاركة في علم العربية
من إقراء التفسير ثم كان في حضرته من يقرأه بل
ولاه محل إقرائه وهو ممن لم يقرأ في العربية
كتابا، والله أعلم بحال ذلك كله. وفي المقدمات
ينبغي للقاضي أن يكون عالما بما لا بد منه من
العربية واختلاف معاني العبارات لاختلاف
المعاني باختلاف العبارات في الدعاوى والإقرار
والشهادات وقال القرافي: ما حاصله يجوز لمن
حفظ رواية المذهب وعلم مطلقها ومقيدها وعامها
وخاصها أن يفتي بمحفوظه منها وما ليس محفوظا
له منها لا يجوز له تخريجه على ما هو محفوظ له
منها إلا إن حصل علم أصول الفقه وكتاب القياس
وأحكامه وترجيحاته وشرائطه وموانعه وإلا حرم
عليه التخريج، قال: وكثير من الناس يقدمون على
التخريج دون هذه الشرائط بل صار يفتي من لم
يحط بالتقييدات ولا التخصيصات من منقول إمامه
وذلك فسق ولعب وشرط التخريج على قول إمامه أن
يكون القول المخرج عليه ليس مخالفا للإجماع
ولا لنص ولا لقياس جلي؛ لأن القياس عليه حينئذ
معصية، وقول إمامه ذلك غير معصية؛ لأنه
باجتهاد أخطأ فيه فلا يأثم وتحصيل حفظ القواعد
الشرعية إنما هو بالمبالغة في تحصيل مسائل
الفقه بأصولها، وأصول الفقه لا تفيد ذلك ولذا
ألفت هذا الكتاب المسمى بالقواعد قلت: قوله:
"ليس مخالفا للإجماع، ولا لنص" أما الإجماع
فمسلم وأما النص فليس كذلك لنص مالك في كتاب
الجامع من العتبية وغيره على مخالفة نص الحديث
الصحيح إذا كان العمل بخلافه، انتهى. وكلام
القرافي هذا في الفرق الثامن والتسعين، وقول
ابن عرفة في أول الكلام: وعلم مطلقها ومقيدها
وعامها وخاصها أن يفتي بمحفوظه، عبارة
القرافي: فهذا يجوز له أن يفتي بجميع ما يحفظه
وينقله من مذهبه اتباعا لمشهور ذلك المذهب
بشروط الفتيا، انتهى. واختصر ابن عرفة كلامه
فيه جدا، قال القرافي في الفرق المذكور: وكل
شيء أفتى به المجتهد فوقعت فتياه فيه على خلاف
الأصل والقواعد والإجماع والنص والقياس الجلي
السالم عن المعارض، الراجح لا يجوز لمقلده أن
ينقله للناس ولا يفتي به في دين الله تعالى؛
فإن هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه وما لا
نقره شرعا بعد تقرره بحكم الحاكم أولى أن لا
نقره إذا لم يتأكد وهذا لم يتأكد فلا نقره
والفتيا بغير شرع حرام فالفتيا بهذا حرام. وإن
كان الإمام
(8/77)
__________
المجتهد غير عاص فعلى أهل العصر تفقد مذاهبهم
فكل ما وجدوه من هذا النوع يحرم عليهم الفتيا
به ولا يعرى مذهب من المذاهب عنه لكنه قد يقل
وقد يكثر غير أنه لا يقدر أن يعرف هذا من
مذهبه إلا إن عرف القواعد والقياس الجلي والنص
الصريح وعلة المعارض لذلك وذلك يعتمد تحصيل
الفقه والتبحر في الفقه فإن القواعد ليست
مستوعبة في أصول الفقه بل للشريعة قواعد كثيرة
جدا عند أئمة الفقه والفتوى لا توجد في كتب
أصول الفقه أصلا وذلك هو الباعث لي على تصنيف
هذا الكتاب لضبط تلك القواعد بحسب طاقتي
وباعتبار هذا الشرط يحرم على أكثر الناس
الفتيا فتأمل ذلك فإنه أمر لازم ولذلك كان
السلف رضي الله عنهم يتوقفون في الفتيا توقفا
شديدا، انتهى.
قلت: والظاهر أن قول القرافي: وعلم مطلقها
ومقيدها وعامها وخاصها، يعني غلب على ظنه أن
هذه الرواية مطلقة وهذه مقيدة وأما القطع بأن
هذه الرواية ليست مقيدة فبعيد ويكفي الآن في
ذلك وجود المسألة في التوضيح أو في ابن عبد
السلام، قال ابن فرحون: قال المازري في كتاب
الأقضية: الذي يفتى به في هذا الزمان أقل
مراتبه في نقل المذهب أن يكون قد استبحر في
الاطلاع على روايات المذهب وتأويل الشيوخ لها
وتوجيههم لما وقع فيها من اختلاف ظواهر
واختلاف مذاهب وتشبيههم مسائل بمسائل قد يسبق
إلى النفس تباعدها وتفريقهم بين مسائل ومسائل
قد يقع في النفس تقاربها وتشابهها إلى غير ذلك
مما بسطه المتأخرون في كتبهم وأشار إليه
المتقدمون من أصحاب مالك في كثير من رواياتهم
فهذا لعدم النظار يقتصر على نقله عن المذهب،
انتهى. وفي آخر خطبة البيان والتحصيل لابن
رشد، قال: إذا جمع الطالب المقدمات إلى هذا
الكتاب يعني البيان والتحصيل حصل على معرفة ما
لا يسع جهله من أصول الديانات وأصول الفقه
وعرف العلم من طريقه وأخذه من بابه وسبيله
وأحكم رد الفرع إلى الأصل واستغنى بمعرفة ذلك
كله عن الشيوخ في المشكلات وحصل في درجة من
يجب تقليده في النوازل المعضلات ودخل في زمرة
العلماء الذين أثنى الله عليهم في غير ما آية
من كتابه ووعدهم فيه بترفيع الدرجات، انتهى.
وقد تقدم في أول المختصر عند قول المصنف مبينا
لما به الفتوى في الكلام على الديباجة بعض هذه
النصوص وشيء من هذا المعنى، والله أعلم.
الثالث: لم يتعرض المؤلف لما تنعقد به الولاية
وقال ابن بشير في التحرير: لانعقاد الولاية
ثلاثة شروط، العلم بشرائط الولاية في المولى
فإن لم يعلمها إلا بعد التقليد استأنفه،
الثاني: ذكر المولى له كالقضاء أو الإمارة فإن
جهل ذلك فسدت، الثالث: ذكر البلد الذي عقدت
عليه الولاية ليمتاز عن غيره، انتهى. ونقله
القرافي ونقله ابن فرحون عن ابن الأمين،
الرابع: قال ابن فرحون: قال الشيخ أبو إسحاق
إبراهيم بن يحيى بن الأمين القرطبي:
(8/78)
__________
الألفاظ التي تنعقد بها الولايات أربعة: صريح
وكناية فالصريح أربعة ألفاظ: وهي وليتك وقلدتك
واستخلفتك واستنبتك، والكناية ثمانية ألفاظ
وهي: اعتمدت عليك وعولت عليك ورددت إليك وجعلت
إليك وفوضت إليك ووكلت إليك وأسندت إليك، قال
غيره: وعهدت إليك وتحتاج الكناية إلى أن يقترن
بها ما ينفي الاحتمال مثل احكم فيما اعتمدت
عليك فيه وشبه ذلك، انتهى. ونقله ابن بشير في
التحرير
الخامس: قال ابن عرفة: وتولية الإمام قاضيه
تثبت بإشهاده بها نصا وإلا صح ثبوتها
بالاستفاضة الدالة على توليته والقرائن على
علم ذلك ومنع بعضهم ثبوتها بكتاب يقرأ على
الإمام إن لم ينظر الشهود في الكتاب المقروء
لجواز أن يقرأ القارئ ما ليس في الكتاب ولو
قرأه الإمام صحت.
قلت: سماع الإمام المقروء عليه مع سماعه
وسكوته يحصل العلم ضرورة بتوليته إياه ونقل
المتيطي وغيره عن المذهب ثبوت ولايته بشهادة
السماع، انتهى. وقوله: "يقرأ على الإمام" كذا
في النسخة التي رأيت منه وهو الذي يقتضيه بحثه
والذي في تبصرة ابن فرحون عن الإمام وهو
الظاهر، والله أعلم. وانظر نوازل ابن رشد في
مسائل الأقضية
السادس: قال ابن فرحون: إذا كان القاضي المولى
غائبا وقت الولاية فإنه يجوز أن يكون قبوله
على التراخي عند بلوغ التقليد إليه وعلامة
القبول شروعه في العمل وبهذا جرى عمل الصحابة
رضي الله عنهم ومن بعدهم إلى وقتنا هذا،
انتهى. وقال في الذخيرة: فرع، قال الشافعية:
يجوز انعقاد ولاية القاضي بالمكاتبة والمراسلة
كالوكالة، وقواعدنا تقتضيه قالوا فإن كان
التقليد باللفظ مشافهة فالقبول على الفور لفظا
كالإيجاب وفي المراسلة يجوز على التراخي
بالقبول قالوا وفي القبول بالشروع في النظر
خلاف وقواعدنا تقتضي الجواز؛ لأن المقصود هو
الدلالة على ما في النفس، انتهى.
السابع: قال في الذخيرة: قال الشافعية: إذا
انعقدت الولاية لا يجب على المتولي النظر حتى
تشيع ولايته في عمله ليذعنوا له وهو شرط أيضا
في وجوب الطاعة، وقواعد الشريعة تقتضي ما
قالوه فإن التمكن والعلم شرطان في التكليف
عندنا وعند غيرنا فالشياع يوجب له المكنة
والعلم لهم، انتهى.
الثامن: قال ابن الحاجب: وللإمام أن يستخلف من
يرى غير رأيه في الاجتهاد أو التقليد ولو شرط
الحكم بما يراه كان الشرط باطلا والتولية
صحيحة، قال الباجي كان في سجلات قرطبة ولا
يخرج عن قول ابن القاسم ما وجده، قال في
التوضيح: للإمام أن يستخلف من يرى غير رأيه
كالمالكي يولي شافعيا أو حنفيا ولو شرط أي:
الإمام على القاضي الحكم بما يراه الإمام من
مذهب معين أو اجتهاد له كان الشرط باطلا وصح
العقد، وهكذا نقله في الجواهر عن
(8/79)
__________
الطرطوشي. وقال غيره: العقد غير جائز وينبغي
فسخه ورده وهذا إنما هو إذا كان القاضي
مجتهدا، وهكذا فرض المازري المسألة فيه، قال:
وإن كان الإمام مقلدا وكان متبعا لمذهب مالك
واضطر إلى ولاية قاض مقلد لم يحرم على الإمام
أن يأمره أن يقضي بين الناس بمذهب مالك ويأمره
أن لا يتعدى في قضائه مذهب مالك لما يراه من
المصلحة في أن يقضي بين الناس بما عليه أهل
الإقليم والبلد الذي هذا القاضي منه ولي عليهم
وقد ولى سحنون رجلا سمع بعض كلام أهل العراق
وأمره أن لا يتعدى الحكم بمذهب أهل المدينة
وقوله، قال الباجي: كان في سجلات قرطبة ولا
يخرج عن قوله ابن القاسم، ما وجده. هكذا نقله
الطرطوشي عن الباجي وهو جهل عظيم منهم يريد؛
لأن الحق ليس في شيء معين، قال ابن رشد: وما
نقل عن سحنون من ولاية ذلك الشخص على أن لا
يخرج عن أقوال أهل المدينة يريد قولهم، انتهى.
وقال ابن عرفة في أثناء الكلام على استخلاف
القاضي نائبا: وشرط المستخلف على مستخلفه
الحكم بمذهب معين وإن خالف معتقد المستخلف
اجتهادا أو تقليدا فخرج على شرط ذلك الإمام في
توليته قاضيه عليه في صحته وبطلان توليته
بذلك، ثالثها يبطل الشرط فقط لظاهر نقلهم عن
سحنون أنه ولى رجلا سمع بعض كلام أهل العراق
وشرط عليه الحكم بمذهب أهل المدينة المازري مع
احتمال كون الرجل مجتهدا مع نقل الباجي كان
الولاة عندنا بقرطبة يشترطون على من ولوه
القضاء في سجله أن لا يخرج عن مذهب ابن القاسم
ما وجده والطرطوشي لقوله فيما حكاه الباجي:
هذا جهل عظيم. ونقل المازري عن بعض الناس مع
تخريجه على أحد الأقوال بإبطال فاسد الشرط في
عقد البيع مع صحة البيع، قال: وقال بعض الناس:
إن كان القاضي على مذهب مشهور عليه عمل أهل
بلده نهي عن الخروج عن ذلك المذهب وإن كان
مجتهدا أداه اجتهاده إلى الخروج عنه لتهمته أن
يكون خروجه حيفا أو هوى وهذا القول عمل بمقتضى
السياسة، ومقتضى الأصول خلافه، والمشروع اتباع
المجتهد مقتضى اجتهاده ا هـ.
التاسع: قال ابن فرحون في تبصرته: اختلف في
قبول ولاية القضاء من الأمير غير العادل ففي
رياض النفوس في طبقات علماء إفريقية لأبي محمد
عبد الله بن محمد المالكي، قال سحنون: اختلف
أبو محمد عبد الله بن فروخ وابن غانم قاضي
إفريقية وهما رواة مالك -رحمهم الله- فقال ابن
فروخ: لا ينبغي لقاض إذا ولاه أمير غير عدل أن
يلي القضاء. وقال ابن غانم: يجوز أن يلي وإن
كان الأمير غير عدل فكتب بها إلى مالك فقال
مالك: أصاب الفارسي يعني ابن فروخ وأخطأ الذي
يزعم أنه عربي يعني ابن غانم.
العاشر: قال في الذخيرة في الكلام على الولاية
الخامسة التي هي وظيفة القضاء: قال اللخمي:
إقامة الحكم للناس واجب؛ لأنه أمر بالمعروف
ونهي عن المنكر فعلى ولي الأمر أن ينظر في
أحكام المسلمين إن كان أهلا أو يقيم للناس من
ينظر فإن لم يكن للموضع ولي أمر
(8/80)
ونفذ حكم أعمى،
وأبكم، وأصم، ووجب عزله،
__________
كان ذلك لذوي الرأي والثقة فما اجتمع رأيهم
عليه أن يصلح أقاموه، انتهى. وقال المازري في
شرح التلقين: القضاء ينعقد بأحد وجهين،
أحدهما: عقد أمير المؤمنين أو أحد أمرائه
الذين جعل لهم العقد في مثل ذلك، الثاني: عقد
ذوي الرأي وأهل العلم والمعرفة والعدالة لرجل
منهم كملت فيه شروط القضاء وهذا حيث لا يمكنهم
مطالعة الإمام في ذلك ولا أن يستدعوا منه
ولايته ويكون عقدهم له نيابة عن عقد الإمام
الأعظم أو نيابة عمن جعل الإمام له ذلك
للضرورة الداعية إلى ذلك ا هـ. من تبصرة ابن
فرحون وتقدم في التنبيه الرابع عند قول
المؤلف: "مجتهد"
شيء من هذا المعنى، والله أعلم.
فائدة: قال ابن عرفة ابن سهل: قال بعض الناس:
خطة القضاء من أعظم الخطط قدرا وأجلها خطرا لا
سيما إذا اجتمعت إليها الصلاة قلت: يريد إمامة
الصلاة ومقتضاه حسن اجتماعهما والمعروف ببلدنا
قديما وحديثا منع إقامة قاضي الجماعة بها أو
الأنكحة إمامة الجامع الأعظم بها وسمعت بعض
شيوخنا يعللون ذلك بأن القاضي مظنة لعدم طيب
نفس المحكوم عليه به مع تكرر ذلك في الآحاد
فيؤدي إلى إمامة من هو له كاره وقد خرج
الترمذي عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم
آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت
وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون"
1. انتهى.
فائدة: قال في الذخيرة: قال في النوادر: قال
مالك: أول من استقضى معاوية ولم يكن لرسول
الله صلى الله عليه وسلم ولا لأبي بكر ولا
لعثمان قاض بل الولاة يقضون وأنكر قول أهل
العراق عمر استقضى شريحا وقال: كيف يستقضى
بالعراق دون الشام واليمن وغيره فليس كما
قالوا، انتهى. ص: (ونفذ حكم أعمى وأبكم وأصم
ووجب عزله) ش: هذا هو القسم الثاني وهو ما
يقتضي عدمه الفسخ وإن لم يكن شرطا في صحة
الولاية ويجب أن يكون القاضي متصفا بها، قال
في التوضيح: الصفة الثانية غير شرط في صحة
الولاية ولكنه يجب أن يكون متصفا بها وعدمها
موجب للعزل وينفذ ما مضى من أحكامه، انتهى.
فقول الشيخ بهرام: هذه الأوصاف توجب العزل
وليس عدمها من شروط الصحة بل وجودها من باب
الاستحباب مخالف لما تقدم من كلام التوضيح.
وقال ابن عبد السلام: فإن قلت: لم خصت الصفة
الأولى بالشرطية؟ قلت:؛ لأن الولاية تنعدم
بانعدامها والصفة الثانية ليست كذلك وإن وجب
العزل إذا انعدمت وهذا كما يفرقون في مسائل
الصلاة بين الواجب الذي
شرط في صحة الصلاة وبين
ـــــــ
1 رواه الترمذي في كتاب الصلاة ، باب 149.
(8/81)
ولزم المتعين
أو الخائف فتنة إن لم يتول، أو ضياع الحق
القبول والطلب،
__________
الواجب الذي ليس شرطا في صحتها، انتهى. وانظر
كلام المقدمات بعد هذا وقال ابن عبد السلام في
شرح قول ابن الحاجب: الثاني السمع والبصر،
والكلام يعني أن النوع الثاني من صفات القاضي
وهو الموجب للعزل إذا عدم أو عدم بعض أجزائه
إلا أن وحدة النوع الأول وجعل ما تحته من
القيود كالأجزاء صحيح؛ لأن كل واحد من تلك
الأجزاء إذا عدم منع الولاية ولأن جزء الشرط
ينعدم المشروط بانعدامه وأما وحدة هذا النوع
بحيث يكون كل واحد من السمع والبصر والكلام
جزءا له فغير صحيح وذلك، أن المؤلف جعل أثر
هذا النوع إنما هو في وجوب العزل لا في انعقاد
الولاية وإنما يظهر هذا إذا انعدم واحد من تلك
الأجزاء بقيد الوحدة وأما إذا انعدم اثنان
منها فأكثر فلا تنعقد الولاية أصلا، انتهى.
فتأمله.
سؤال: قال البساطي: فإن قلت: إما أن يجعل
العمى مثلا مانعا من تولية القضاء أو لا فعلى
الأول لا ينفذ حكمه وعلى الثاني لا يجب عزله
قلت: كل من الشقين ممنوع وسند الأول أن المانع
إذا كان في الابتداء ترتب عليه الحكم الذي
ذكرت، أعني أنه لا ينفذ حكمه ولا يلزم من هذا
أنه إذا طرأ وقد كان ولي على غير هذه الصفة
أنه لا تنفذ أحكامه فمن ولي صحيحا وطرأ عليه
هذا المانع هو الذي ينفذ حكمه والكلام فيه
وسند الثاني أن ما ليس بمانع من نفوذ الحكم لا
يلزم معه دوام التولية؛ لأن النفوذ مستند إلى
التولية الصحيحة ووجوب العزل مستند إلى
الطارئ، انتهى. وفي جوابه نظر لاقتضائه أن
نفوذ حكم القاضي الأعمى إنما هو إذا ولي صحيحا
ثم طرأ عليه، قال في المقدمات: وأما الخصال
التي ليست مشروطة في صحة الولاية إلا أن عدمها
يوجب فسخ الولاية فهي أن يكون سميعا بصيرا
متكلما عدلا فهذه الأربع خصال لا يجوز أن يولى
القضاء إلا من اجتمعت فيه فإن ولي من لم تجتمع
فيه وجب أن يعزل متى عثر عليه ويكون ما مضى من
أحكامه جائزا إلا الفاسق فاختلف فيما مضى من
أحكامه فقال أصبغ: إنها جائزة والمشهور في
المذهب أنها مردودة وعليه فالعدالة مشروطة في
صحة الولاية كالإسلام والحرية، انتهى. وقال في
التوضيح تنفذ أحكامه سواء ولي كذلك أو طرأ
عليه ذلك، انتهى. والجواب عن سؤاله أن يقال:
قولك: العمى مثلا مانع ما تعني به، مانع من
صحة التولية أو من جوازها؟ فالأول ليس مرادا
لنا وعليه يلزم ما ذكرت، والثاني مرادنا ولا
يلزم عليه ما ذكرت، والله أعلم.
تنبيه: ترك المؤلف الكلام على الكتابة، قال في
التوضيح، قال الباجي وابن رشد: إنه لا نص هل
يشترط في القاضي أن يكتب وعن الشافعية قولان،
انتهى. قال ابن عبد السلام: ورجح الباجي وابن
رشد صحة الولاية مع ظهور القول بالمنع وظاهر
كلام بعض الأندلسيين المنع، انتهى. ص: (ولزم
المتعين أو الخائف فتنة أو ضياع الحق إن لم
يتول القبول والطلب) ش: كأنه سقط عند الشارح
بهرام لفظ والطلب في الشرح الكبير فقال: ولم
يتعرض للطلب
(8/82)
وأجبر، وإن
بضرب، وإلا فله الهرب وإن عين
__________
وظاهر كلامه أنه لا يجب؛ لأن قوله: "يلزمه
القبول" يدل على أن اللزوم مشروط بعرض الولاية
عليه وقد ذكر بعض أصحابنا أن القضاء يجب طلبه
إذا كان من أهل الاجتهاد والعدالة ولا يكون
هناك قاض أو يكون ولكن تحرم ولايته أو يعلم
أنه إذا لم يتول تضيع الحقوق ويكثر الهرج فقد
قالوا: إنه إذا خاف ضياع الحقوق يجب عليه
الطلب، انتهى.
وأما في الوسط والصغير فظاهر كلامه ثبوتها.
وانظر إذا قيل يلزمه الطلب فطلب فمنع من
التولية إلا ببذل مال فهل يجوز له؟ الظاهر أنه
لا يجوز له بذله؛ لأنهم قالوا كما سيأتي: إنما
يلزمه القبول إذا تعين إذا كان يعان على
الحقوق، وبذل المال في القضاء من أول الباطل
الذي لم يعن على تركه فيحرم عليه حينئذ وقد
يفهم ذلك من الفرع الآتي لابن فرحون، والله
أعلم. قال ابن الحاجب: وهو أي: القضاء فرض
كفاية فإذا انفرد بشرائط تعين.
(8/83)
__________
قال ابن عبد السلام: قيل: إن علم القضاء يرجع
إلى تعيين المدعي من المدعى عليه فإذا كان هذا
علم القضاء أو لازما له فلا بد من نصب إنسان
يرفع النزاع الواقع بين الناس وينصف المظلوم
من الظالم، ولما كان هذا المعنى يحصل في البلد
من واحد ومن عدد قليل كان هذا الفرض فيه على
الكفاية إذا تعدد من فيه أهلية ذلك فإن اتحد
تعين ثم قال: وهذه مرتبة القاضي في الدين حين
كان القاضي يعان على ما وليه حتى ربما كان
بعضهم يحكم على من ولاه ولا يقبل شهادته إن
شهد عنده لعدم أهلية الشهادة منه وأما إذا صار
القاضي لا يعان بل من ولاه ربما أعان عليه من
مقصوده بلوغ هواه على أي حال كان فإن ذلك
الواجب ينقلب محرما نسأل الله السلامة
وبالجملة إن أكثر الخطط الشرعية في زماننا
أسماء شريفة على مسميات خسيسة، انتهى. ونقله
في التوضيح، قال ابن عرفة إثر نقله كلام ابن
عبد السلام هذا قلت: وحدثني من أثق به وبصحة
خبره أنه لما مات القاضي بتونس الشيخ أبو علي
بن فداح تكلم أهل مجلس السلطان في ولاية قاض
فذكر بعض أهل المجلس ابن عبد السلام فقال بعض
كبار أهل المجلس: إنه شديد الأمر ولا تطيقونه
فقال بعضهم: نستخبر أمره فدسوا عليه رجلا من
الموحدين كان جارا له يعرف بابن إبراهيم فقال
له: هؤلاء امتنعوا من توليتك؛ لأنك شديد في
الحكم فقال: أنا أعرف العوائد وأمشيها فحينئذ
ولوه من عام أربعة وثلاثين إلى أن توفي -رحمه
الله- عام تسع وأربعين وسبعمائة، انتهى.
قلت: ينبغي أن يحمل هذا من ابن عبد السلام
-رحمه الله- على أنه خاف أن يولي من لا يصلح
للولاية فتسبب في ذلك لدفع مضرة ذلك كما ذكره
ابن عرفة عن بعض شيوخه في تسببه بولايته لقضاء
الأنكحة تسببا ظاهرا علمه القريب منه والبعيد،
قال: وكان ممن يشار إليه بالصلاح، والأعمال
بالنيات وقد أشار ابن غازي إلى هذا في تكميل
التقييد فإذا كان هذا حكم القسم الواجب صار
محرما فكيف ببقية الأقسام وقال في المقدمات:
الهرب من القضاء واجب وطلب السلامة منه لا
سيما في هذا الوقت واجب لازم وقد روي أن عمر
رضي الله عنه دعا رجلا ليوليه فأبى فجعل يديره
على الرضا فأبى ثم قال له: أنشدك الله يا أمير
المؤمنين أي ذلك تعلم خيرا لي، قال: أن لا
تلي، قال: فأعفني، قال: قد فعلت ثم قال: وطلب
القضاء والحرص عليه حسرة وندامة يوم القيامة
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"ستحرصون على الإمارة وتكون حسرة وندامة يوم
القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة" 1 فمن
طلب القضاء وأراده وحرص عليه وكل إليه وخيف
عليه فيه الهلاك ومن لم يسأله وامتحن به وهو
كاره له خائف على نفسه فيه أعانه الله عليه
"روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
":من طلب القضاء واستعان
ـــــــ
1 رواه البخارري في كتاب الأحكام ، باب 7 ،
النسائي في كتاب البيعة ، باب 39 ، كتاب
القضاة ، باب 565، أحمد في مسنده ( 2 / 448. )
(8/84)
__________
عليه وكل إليه ومن لم يطلبه ولا استعان عليه
أنزل الله ملكا يسدده" وقال صلى الله عليه
وسلم: "لا تسأل الإمارة فإنك إن تؤتها من غير
مسألة تعن عليها وإن تؤتها عن مسألة توكل
إليها" 1 انتهى. وقال الجزيري في وثائقه:
القضاء محنة وبلية ومن دخل فيه فقد عرض نفسه
للهلاك؛ لأن التخلص منه عسر فالهروب منه واجب
لا سيما في هذا الوقت وطلبه نوك وإن كان حسبة،
قاله الشعبي ورخص فيه بعض الشافعية إذا خلصت
نيته للحسبة بأن يكون قد وليه من لا يرضى حاله
والأول أصح لقوله عليه السلام: "إنا لا نستعمل
على عملنا من أراده" 2 انتهى. والنوك بالضم
الحمق، قاله في الصحاح. قال قيس بن الخطيم:
وداء النوك ليس له دواء ...
والنواكة: الحماقة. قال ابن عرفة إثر نقله
كلام المقدمات المذكور: قلت: ظاهره مطلقا وزعم
بعضهم أنه إن خاف من فيه أهلية أن يولى من لا
أهلية فيه أن له طلبه وقد تحققت بالخبر الصادق
أن بعض شيوخنا وكان ممن يشار إليه بالصلاح لما
وقع النظر بتونس في ولاية قاضي الأنكحة تسبب
في ولايتها تسببا ظاهرا علمه القريب منه
والبعيد وما أظنه فعل ذلك إلا لما نقل المازري
والأعمال بالنيات، قال المازري: يجب على من هو
من أهل الاجتهاد والعدالة السعي في طلبه إن
علم أنه إن لم يله ضاعت الحقوق أو وليه من لا
يحل أن يولى، وكذلك إن وليه من لا تحل ولايته
توليته ولا سبيل لعزله إلا بطلبه، انتهى.
فرع: قال ابن فرحون: وأما تحصيل القضاء
بالرشوة فهو أشد كراهة وقال أبو العباس من
تلامذة ابن شريح الشافعي في كتابه أدب القضاء:
من تقبل القضاء بقبالة وأعطى عليه الرشوة
فولايته باطلة وقضاؤه مردود وإن كان قد حكم
بحق، قال: وإن أعطى رشوة على عزل قاض ليولى هو
مكانه فكذلك أيضا وإن أعطاها على عزله دون
ولاية فعزل الأول برشوة ثم استقضى هو مكانه
بغير رشوة نظر في المعزول فإن كان عدلا فإعطاء
الرشوة على عزله حرام والمعزول باق على ولايته
إلا أن يكون من عزله تاب فرد الرشوة قبل عزله
وقضاء المستخلف أيضا باطل إلا أن يكون تاب قبل
الولاية فيصح قضاؤه فإن كان المعزول جائرا لم
يبطل قضاء المستخلف، قال المؤلف أبو العباس:
قلت: هذا تخريجا على مذهب الشافعي والحنفي،
انتهى.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الأحكام ، باب 5 ، 6 .
كتاب الإيمان ، باب 1. كتاب الكفارات ، باب
10. مسلم في كتاب الإمارة ، حديث 13. كتاب
الإيمان حديث 19. أبو داود في كتاب الإمارة ،
باب 92. الترمذي في كتاب النذور ، با 5.
النسائي في كتاب القضاة باب باب 5. الدارمي في
كتاب النذور باب 9. أحمد في مسنده (5/62،63).
2 رواه البخاري في كتاب الإجارة ، باب 1 .
كتاب المرتدين باب 2. مسلم في كتاب الإمارة
حديث 15. أبو داود في كتاب الأقضية باب 3.
كتاب الحدود باب 1. أحمد في مسنده (4/409)
(8/85)
وحرم لجاهل
وطالب دنيا، وندب ليشهر علمه كورع،
__________
ص: (وحرم لجاهل وطالب دنيا) ش: لو قال عوض
قوله: "لجاهل" "لغير أهله" كما قال ابن عرفة
"ويحرم طلبه على فاقد أهليته" انتهى. لكان أتم
فائدة: ويحرم السعي على من قصد بالسعي
الانتقام من أعدائه، قاله ابن فرحون. ص: (وندب
ليشهر علمه) ش: نقله ابن عرفة عن المازري عن
بعض العلماء وزاد معه أو أن يكون فقيرا وله
عيال ويسعى في تحصيله لسد خلته ونصه: قال بعض
العلماء: يستحب طلبه لمجتهد خفي علمه وأراد
إظهاره بولايته القضاء أو لعاجز عن قوته وقوت
عياله إلا برزق القضاء المازري ولا يقتصر
بالاستحباب على هذين بل يستحب للأولى به من
غيره؛ لأنه أعلم منه، انتهى. وعبر ابن فرحون
عن هذا الأخير بقوله: قال المازري: وقد يستحب
لمن لم يتعين عليه ولكن يرى أنه أنهض به وأنفع
للمسلمين من آخر يولاه وهو ممن يستحق التولية
ولكنه مقصر عن هذا، انتهى. وإن كان يقصد به
دفع ضرر عن نفسه فعده ابن فرحون في القسم
المباح، قال: ونقله المازري في الوجه المستحب،
وكذلك عد ابن فرحون في القسم المباح ما نقل
المازري عن بعضهم من أنه إذا كان فقيرا وطلبه
لسد خلته أنه مستحب وعكس ما ذكره المؤلف وهو
ما إذا كان عدلا مشهورا ينفع الناس بعلمه وخاف
إن تولى القضاء أن لا يقدر على ذلك يكره له
السعي، قاله في التوضيح وقال ابن عرفة عن
المازري: وفي كونه في حق المشهور علمه الغني
مكروها أو مباحا نظر، قال: وأصول الشرع تدل
على الإبعاد منه، انتهى. قال ابن فرحون: ومن
المكروه أن يكون سعيه في طلب القضاء لتحصيل
الجاه والاستعلاء على الناس فهذا يكره له
السعي ولو قيل: إنه يحرم لكان وجهه ظاهرا
لقوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ
نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ
عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83]
انتهى. وأما إباحة السعي فقال في التوضيح: قال
المازري: ويبعد عندي تصور الإباحة إلا عند
تقابل أدلة الأحكام وقرائن الأحوال ولا يقدر
على ترجيح بعضها على بعض للفهم وقد تقدم أن
ابن فرحون جعل منه مسألة من سعى فيه لسد خلته
وتقدم كلام ابن عرفة أيضا، والله أعلم.
قال ابن عرفة بعد ذكره هذه الأقسام: قلت: هذا
كله ما لم تكن توليته ملزومة لما لا يحل من
تكليفه تقديمه من لا يحل تقديمه للشهادة وقد
شاهدنا من ذلك ما الله أعلم به ولا فائدة في
كتبه هنا، انتهى، والله أعلم. ص: (كورع نزه)
ش: الفرق بين الورع والنزه أن الورع هو التارك
للشبهات، قاله في التوضيح، قال ابن عبد
السلام: وفائدة كونه ورعا ظاهرة وهو أولى
الناس بذلك والنزه هو الذي لا يطمع فيما عند
الناس، قال في المقدمات: روي عن عمر بن عبد
(8/86)
غني حليم نزه
نسيب مستشير بلا دين، وحد وزائد في الدهاء
__________
العزيز رضي الله عنه في صفات القاضي: أن يكون
عالما بالكتاب والسنة ذا نزاهة عن الطمع،
انتهى. وفي الذخيرة، قال ابن محرز: لا يأتي
بما نصب له حتى يكون ذا نزاهة ونصيحة ورحمة
وصلابة ليفارق بالنزاهة التشوف لما في أيدي
الناس وبالنصيحة ليفارق حال من يريد الظلم ولا
يبالي بوقوع الغش والغلط والخطإ وبالرحمة حال
القاسي الذي لا يرحم الصغير واليتيم والمظلوم
وبالصلابة حال من يضعف عن استخراج الحقوق،
انتهى. ص: (غني) ش: قال ابن عبد السلام الظاهر
الاكتفاء بالغني عن عدم الدين فإن وجود الدين
مع الغنى ربما يزيد على مقدار الدين لا أثر
له، انتهى. قال في التوضيح خليل وفيه نظر
والظاهر خلافه ولا يخفى عليك، انتهى. وقال
سحنون في كتاب ابنه: وإذا كان الرجل فقيرا وهو
أعلم من في البلد وأرضاهم استحق القضاء ولكن
ينبغي أن لا يجلس حتى يغنى ويقضي دينه، قال
المازري: وهذا من المصلحة؛ لأنه ربما دعاه
فقره إلى استمالة الأغنياء والضراعة لهم
وتمييزهم على الفقراء بالإكبار إذا تخاصموا مع
الفقراء فإذا كان غنيا بعد عن ذلك، انتهى. من
تبصرة ابن فرحون ونقله غيره، والله أعلم.
تنبيه: زاد ابن الحاجب أن يكون بلديا ولا يخاف
في الله لومة لائم والمصنف إنما ترك الأول؛
لأن ابن رشد وابن عبد السلام، قالا: إن الولاة
اليوم يرجحون غير البلدي على البلدي وترك
الثاني؛ لأنه، قال في التوضيح تبعا لابن عبد
السلام: الظاهر أنه راجع إلى النوع الأول؛ لأن
الخوف من لومة اللائم راجع إلى الفسق، انتهى.
ص: (نسيب) ش: قال ابن عرفة، قال سحنون: ولا
بأس بولاية ولد الزنا ولا يحكم في حد، قال
الباجي: الأظهر منعه؛ لأن القضاء موضع رفعة
فلا يليها ولد الزنا كالإمامة الصقلي عن أصبغ:
لا بأس أن يستفتى من حد في الزنا إذا تاب
ورضيت حاله أو كان عالما ويجوز حكمه في الزنا
وإن لم تجز شهادته فيه؛ لأن المستحوط يجوز
حكمه ما لم يحكم بجور أو خطإ ولا تجوز شهادته
وعزاه الباجي لأصبغ، انتهى. ص: (بلا دين وحد)
ش: قال في التوضيح: وجوز أصبغ حكمه فيما حد
فيه ومنعه سحنون قياسا على الشهادة، انتهى. ص:
(وزائد في الدهاء) الدهاء: بفتح الدال والمد
كذا ضبطه ابن قتيبة في أدب الكتاب كالذكاء
والعطاء وكذا في ضياء الحلوم، والله أعلم. ص:
(8/87)
وبطانة سوء
ومنع الراكبين معه والمصاحبين له، وتخفيف
الأعوان، واتخاذ من يخبره بما يقال في سيرته
وحكمه وشهوده وتأديب من أساء عليه إلا في مثل:
اتق الله في أمري فليرفق به
__________
(وتخفيف الأعوان) ش: قال في التوضيح مطرف وابن
الماجشون: ولو استغنى عن الأعوان أصلا لكان
أحب إلينا انتهى. ص: (وتأديب من أساء عليه إلا
في مثل اتق الله في أمري فليرفق به) ش: قال
ابن الحاجب: ويجب عليه أن يؤدب أحد الخصمين
إذا أساء على الآخر وينبغي ذلك أيضا إذا أساء
على الحاكم ابن عبد السلام ظاهر مغايرة المؤلف
اللفظين في هذه المسألة والتي فوقها أن إساءة
أحد الخصمين للآخر في مجلس القاضي أشد من
إساءته على القاضي.، وظاهر كلام مالك أن هذه
المسألة مثل التي قبلها في الوجوب، قال عنه
ابن القاسم: وأما إن قال له: ظلمتني فذلك
يختلف، ووجه ذلك إن أراد أذى القاضي وكان
القاضي من أهل الفضل فليعاقبه وقد أشار مطرف
وابن الماجشون إلى الفرق بين المسألتين كما
قال المؤلف وذلك أنهما، قالا: إذا شتم أحد
الخصمين صاحبه بقوله: يا فاجر يا ظالم فليزجره
وليضربه على مثل هذا ما لم يكن قائله ذا مروءة
فليتجاف عن ضربه وقال: إن لمز أحد الخصمين
القاضي بما يكره أدبه، والأدب في مثل هذا أمثل
من العفو ويمكن أن يقال: إنما جعل الأدب في
مثل هذا أمثل من العفو؛ لأن الخصم لم يصرح
بإيذاء القاضي وشتمه وإنما لمزه بذلك فلذلك
سوغ له حكم العفو ورجح عدمه وصرح لخصمه بالشتم
فألزمه العقوبة ولم يسوغ العفو فيها وهذا الذي
قلناه في لفظة "ينبغي" هو مصطلح الفقهاء وقد
أنكر بعض الناس عليهم، وقال: إن قول القائل:
"ينبغي لك أن تفعل" مثل قوله: "يجب عليك أن
تفعل" انتهى. ففي كلامه ميل إلى أن تأديبه
(8/88)
ولم يستخلف إلا
لوسع عمله في جهة بعدت
__________
يجب وفي كلام المصنف في التوضيح ميل إلى عدم
الوجوب فمن راعى أن في ذلك انتصارا للشرع، قال
بالوجوب، ومن رأى أنه كالمنتقم لنفسه، قال
بعدمه فتأمله، والله أعلم. وقال ابن عرفة:
وسمع ابن القاسم أرأيت من يقول للقاضي:
ظلمتني، قال مالك: يختلف ولم يجد فيه تفسيرا
إلا أن وجه ما قاله إن أراد أذاه والقاضي من
أهل الفضل عاقبه وما ترك ذلك حتى خاصم أهل
الشرف في العقوبة في الإلداد. ابن رشد: للقاضي
الفاضل العدل أن يحكم لنفسه بالعقوبة على من
تناوله بالقول وآذاه بأن ينسب إليه الظلم
والجور مواجهة بحضرة أهل مجلسه بخلاف ما شهد
به عليه أنه آذاه به وهو غائب عنه؛ لأن
مواجهته بذلك من قبيل الإقرار وله الحكم
بالإقرار على من انتهك ماله وإذا كان له الحكم
بالإقرار على من انتهك ماله كالحكم به لغيره
كان أحرى أن يحكم بالإقرار في عرضه كما يحكم
به في عرض غيره لما في ذلك من الحق لله؛ لأن
الاجتراء على الحاكم بمثل هذا توهين لهم
فالمعاقبة فيه أولى من التجافي، انتهى. وهذه
المسألة في رسم تأخير صلاة العشاء من كتاب
الأقضية، وقال فيه بعد قوله: "وله الحكم
بالإقرار على من انتهك ماله" فيعاقبه به أي:
بالإقرار ويتمول المال بإقراره ولا يحكم في
شيء من ذلك بالبينة والأصل فيه قطع الصديق رضي
الله عنه يد الأقطع الذي سرق عقد زوجته،
انتهى. فراجعه فإنه مفيد، وقوله في السماع:
"وما ترك ذلك، إلى آخره" هو كذلك في البيان
ولم أفهم معناه، والله أعلم. وسيأتي لفظه عند
قوله: "ولا يحكم لمن يشهد له" وسيأتي أيضا شيء
يتعلق بهذا المعنى عند قوله: "ومن أساء على
خصمه" وقوله: "إلا في مثل اتق الله في أمري"
مثل اذكر وقوفك للحساب والذي عملته معي مكتوب
عليك ونحوه مما هو وعظ وفيه إشارة فيعرض
القاضي عن الإشارة ويرفق به وقوله: "فليرفق
به" الرفق به مثل أن يقول له: رزقني الله
تقواه أو يقول: ما أمرت إلا بخير وعلينا وعليك
أن نتقي الله أو ذكرني وإياك الوقوف للحساب
والأعمال كلها مكتوبة، والله أعلم. ص: (ولم
يستخلف إلا لوسع عمله في جهة بعدت) ش: قال في
التوضيح: إن أذن له في الاستخلاف أو نص له على
عدمه عمل
(8/89)
__________
على ذلك ا هـ. وقال ابن عبد السلام: إذا نهى
عن الاستخلاف فيتفق على منع الاستخلاف ويتفق
أيضا على جواز الاستخلاف إذا أذن له في ذلك من
ولاه، انتهى. وقال ابن فرحون إذا أذن له في
الاستخلاف استخلف على مقتضى الإذن، انتهى.
وقال في المتيطية: وإذا كان الاستخلاف بإذن
الخليفة فلا تبالي كان القاضي حاضرا أو غائبا
وكان الإمام ولى قاضيين، أحدهما فوق صاحبه،
انتهى. وأصله في النوادر، انتهى. وإن تجرد
العقد عن الإذن وعدمه فقال سحنون: ليس له
الاستخلاف وإن مرض أو سافر، وقال مطرف وابن
الماجشون: له ذلك إذا مرض أو سافر، قال في
التوضيح: ومقتضى كلام ابن الحاجب أن الأول هو
المذهب عنده، انتهى. لكونه صدر به وهو ظاهر
إطلاق المصنف، والله أعلم. وظاهره أنه يتفق مع
عدم المرض والسفر على منع الاستخلاف، ثم قال
في التوضيح عن ابن راشد: إن هذا إذا استخلف في
البلد الذي هو فيه أما إن كان عمل القاضي
الجواز وقال ابن عبد الحكم: لا يجوز إلا بإذن
الخليفة، انتهى.
فرع: قال المازري: وعلى قول سحنون بأنه لا
يستخلف وإن مرض أو سافر، قالا: فإن فعل فقضاء
المستخلف لا ينفذ إلا إذا أنفذه القاضي الذي
استخلفه، انتهى. من التبصرة لابن فرحون.
فرع: منها، قال في وثائق ابن العطار ولا يسجل
نائب القاضي بما ثبت عنده فإن فعل فلا يجوز
تسجيله ويبطل ولا يقوم به القائم حجة إلا أن
يجيزه القاضي الذي استخلفه قبل أن يعزل أو
يموت وإن كان استنابة القاضي لنائبه عن إذن
الإمام ورأيه وكان ذلك مستفيضا معروفا مشهورا
كاشتهار ولاية القاضي فللنائب على هذا الوجه
أن يسجل وينفذ تسجيله دون إجازة القاضي وليس
لأحد رده ولا الاعتراض فيه بوجه من الوجوه
وإذا قلنا النائب لا يسجل فله أن يسمع البينة
ويشهد عنده الشهود فيما فيه التنازع وله قبول
من عرف منهم بعدالة ويعدل عنده المقالات ثم
يرفع ذلك كله إلى القاضي الذي استخلفه ويخبره
به بحضرة شاهدين ليثبت به ما عند القاضي
إخباره له ويلزم القاضي أن يجيز حينئذ فعل
نائبه وينفذ ما ثبت عنده ويسجل به للمحكوم له،
انتهى. وانظر قوله: "عن إذن الإمام" هل مراده
الإذن العام في التولية أو إذن خاص في عين
المستخلف؟ والظاهر أن مراده الأول إلا أن
المتيطي ذكر هذه المسألة إثر ذكره صفة
الوثيقة، والوثيقة فيها استئذان الأمير
فتأمله، والله أعلم.
فرع: فإن رفع هذا المستخلف إلى وظيفة القضاء
فهل يستأنف ما كان بين يديه من الأحكام ثم
يكملها بعد بالتسجيل فيها أم يصل نظره فيها
بما تقدم منه في ذلك إلى تمام الحكم فاختلف في
ذلك فقال ابن عات: بل يبني على ما قد مضى من
الحكومة ولا يبتدئها من أولها، قال: وبذلك
أفتيت أبا علي حسن بن ذكوان حين ارتفع من
أحكام الشرطة والسوق
(8/90)
__________
إلى أحكام القضاء ووافقني أبو المطرف بن فرج
وغيره على جوابي وقال غيره: بل يبتدئ النظر
فيما كان جرى بعضه بين يديه ولم يكن كمل نظره
فيه، انتهى. من المتيطية.
فرع: قال ابن بطال في مقنعه: قال محمد القاضي
من روايته: إذا عزل القاضي ثم ولي بعد ما عزل
فهو كالمحدث لا يقبل شهادة من شهد عنده قبل أن
يعزل فيما لم يتم الحكم فيه حتى يشهدوا به
عنده وقال ابن سحنون: وكان شجرة ولي قضاء بلدة
قبل ولاية سحنون ثم عزل ثم ولاه سحنون فكتب
إليه ما ترى فيما وقع عندي من البينات في
المرة الأولى وما كنت عقلته يومئذ فكتب إليه:
طال الزمان جدا وأخاف حوالة البينات فما لم
تخف من هذا وصح عندك ما كنت عقلته ولم تسترب
منه أمرا فامضه، انتهى. وقول سحنون جار على
مذهب المدونة خلاف القول الذي قدمه، قال في
أوائل كتاب الأقضية من المدونة: وإذا مات
القاضي أو عزل وفي ديوانه شهادة البينات
وعدالتها لم ينظر فيه من ولي بعده ولم يجزه
إلا أن تقوم بينة عليه وإن قال المعزول: ما في
ديواني قد شهدت عليه البينة عندي لم يقبل قوله
ولا أراه شاهدا فإن لم تقم بينة على ذلك أمرهم
القاضي المحدث بإعادة البينة وللطالب أن يحلف
المطلوب بالله أن هذه الشهادة التي في ديوان
القاضي ما شهد بها أحد عليه فإن نكل حلف
الطالب وثبتت له الشهادة ثم نظر فيها الذي ولي
بما كان ينظر المعزول، قال أبو الحسن عياض:
أفادت هذه المسألة بناء القاضي على حكم من
قبله وأنه لا يلزمه الاستئناف والابتداء
النظر، وكذلك إذا انتقل من خطة حكم إلى خطة
حكم وقد كان نظر في صدر الخصومة في الخطة
الأولى وبهذا أفتى ابن عتاب وغيره من
القرطبيين ورأى غيرهم استئناف النظر ولا وجه
(8/91)
__________
له، انتهى. وقاله ابن رشد في أول مسألة من
كتاب الأقضية ولم يذكر فيه خلافا ونصه إثر قول
العتبية: سئل مالك عن الرجل يأتي بكتاب من
والي مكة إلى والي المدينة مثل القاضي والأمير
وما أشبهه فلا يصل إلى المدينة حتى يموت الذي
كتب له الكتاب وقضى له بالحق، قال مالك: فأرى
لصاحب المدينة أن ينفذ ذلك الكتاب ويقضي له
بما فيه أرأيت لو أن قاضيا قضى لرجل ثم هلك
فجاء آخر بعده أكان ينقض ما قضى ذلك؟ قال ابن
رشد: هذه مسألة صحيحة بينة جارية على الأصول
مثل ما في المدونة والواضحة وغيرهما لا اختلاف
فيها ولا إشكال في معناها.؛ لأنه لما كان
الأصل أن للقاضي أن ينفذ ما ثبت عنده من قضاء
حكام البلد وإن قد كانوا ماتوا أو عزلوا كما
يعتقد ما ثبت عنده من قضاء الحاكم قبله ببلد
الميت أو المعزول وجب أن تنفذ كتبهم وإن كانوا
قد ماتوا أو عزلوا قبل وصول كتبهم إليه وقبل
انفصالها عن ذلك البلد فيصل حكمه بحكمهم
ويبينه عليه كما ينفذ ما ثبت عنده أنه مضى من
عمل الحاكم قبله المعزول أو الميت فيصل حكمه
بحكمه ويبنيه عليه ولا يأمر الخصمين باستئناف
الخصام عنده إن كان الشهود قد شهدوا عند الميت
أو المعزول بما شهد على ذلك أو كتب به إلى
حاكم بلد آخر ثم مات أو عزل نظر الذي ولي بعده
أو المكتوب إليه بما شهدوا به كما ينظر في ذلك
الميت أو المعزول ولم يأمر بإعادة الشهادة
عنده وإن كانوا قد شهدوا عنده فقبلهم أعذر إلى
المشهود عليه فيما شهدوا به دون أن ينظر إلى
شهادتهم وإن كانوا قد شهدوا عنده فأعذر في
شهادتهم إلى المشهود عليه فعجز عن الدفع فيها
أمضى الحكم عليه دون أن يستأنف الإعذار عليه
مرة أخرى وهذا بين، انتهى. وعلى ذلك اقتصر
المؤلف في آخر الباب حيث قال: فينفذه الثاني
وبنى كأن نقل لخطة أخرى، والله أعلم.
فرع: يتضمن الكلام على حكم قضاة الكور، قال
ابن رشد في نوازله في مسائل الأقضية ما نصه:
وأما السؤال العاشر فهو في قضاة الكور كغدة
وجيان ووادي آش وأشباهها يغيبون عنها أو
يمرضون أو يشتغلون هل يستنيبون من يحكم بين
الناس بغير إذن من ولاهم من قضاة القواعد وكيف
إن فعلوا ذلك من غير مرض ولا مغيب إلا تخفيفا
عن شعوب الناس فهل تجوز أحكامهم ومخاطبتهم
غيرهم من قضاة البلد وهل يجوز لهم ضرب الآجال
أو التعجيز في المطالب وهل يقيمون الحد في
الخمر وفي الزنا على البكر أم لا؟ وكيف إن كان
ذلك بإذن قضاة القواعد فإن كان ذلك جائزا فكيف
يعرف الإذن في ذلك بإذن قاضي الكورة أم بإعلام
الذي ولاه؟ وهذا قد تتعذر معرفته بين لنا ذلك
كله بيانا شافيا، الجواب عليه: لا يجوز أن
يستنيب غيره على شيء من الأحكام وهو حاضر غير
مريض وأما إن غاب أو مرض فيجوز له ذلك إن كان
الذي قدمه قد فوض إليه ذلك وجعله له في تقديمه
إياه وذلك معلوم من سيرة أحكامه في الكور
وينزل مستخلفه في مرضه أو غيبته منزلته في
جميع الأمور وإن لم يتضمن ذلك كتاب تقديمه
إياه ولا كان ذلك معروفا من سيرة أحكامه في
الكور فلا
(8/92)
__________
يصح له الاستخلاف فإن استخلف في مرضه أو سفره،
وقال: إنه أذن له في ذلك صدق في قوله وجازت
أحكام مستخلفه إذ قد قيل إنه يستخلف في مرضه
وسفره دون إذن الذي قدمه ما لم يحجر عليه ذلك
وبالله التوفيق، انتهى كلام ابن رشد بلفظه
ونقله البرزلي في مسائل الأقضية وقبله قلت:
قضاة الكور هم النواب الذين يستخلفهم قضاة
القواعد في القرى وقوله في الجواب: "لا يجوز
له أن يستنيب غيره وهو حاضر غير مريض" يريد ما
لم يأذن له القاضي الذي قدمه في الاستنابة
مطلقا فإن أذن له في الاستنابة مطلقا ولم
يسافر جازت له الاستنابة مطلقا بدليل أنه عول
في جواز الاستنابة ومنعها على إذن القاضي الذي
قدمه دون ضرورة المرض والسفر فأجاز له أن
يستنيب مع المرض أو السفر إذا أذن له في ذلك
من ولاه، ومنع من الاستنابة إذا لم يأذن له،
ولو مرض أو سافر على القول الراجح، فدل على أن
المعول في ذلك على الإذن وعلى هذا فيكون حكم
النواب مع من استنابهم حكم القضاة مع السلطان
فإن منعهم الذي قدمهم من الاستنابة فلا يجوز
لهم الاستنابة اتفاقا، وإن أجاز لهم الاستنابة
جاز أن يستنيبوا على مقتضى الإذن فإن كان
الإذن مطلقا جازت الاستنابة مطلقا وإن كان
مقيدا بمرض أو سفر جازت الاستنابة في المرض
والسفر وإن عري عقد التولية عن الإذن وعدمه
فالأصح أنه لا يجوز لهم الاستنابة مطلقا وقيل
تجوز الاستنابة عند المرض والسفر هذا ما ظهر
لي، والله أعلم.
مسألة: قال البرزلي في مسائل الأقضية: لفظ
الاستنابة والاستخلاف يقتضي النظر في جميع
الأشياء إلا ما نص العلماء عليه في الوصايا
والأحباس والطلاق والتحجير والقسم والمواريث
إلا أن يقصره القاضي على نوع فلا يعدوه إلى
غيره، انتهى. ووقعت مسألة وهي شخص ولاه
السلطان بلدا وأعمالها وصرح له بالإذن في
الاستخلاف فعرض للقاضي المشاور إليه سفر إلى
بلد السلطان ففوض جميع ما فوضه له السلطان
لإنسان وأسند إليه جميع ما هو داخل في ولايته
ومشمول بعمومها وصرح له بالتفويض ونصب النواب
والعزل فأقام ذلك الإنسان المفوض إليه قاضيا
بمقتضى الإذن المشروح، فهل استنابة الإنسان
المذكور المفوض له لهذا القاضي صحيحة أم لا؟
وإذا كانت صحيحة فهل يجوز التعرض لنقض أحكام
هذا القاضي المشار إليه أم لا؟ فأجاب الشيخ
العلامة ناصر الدين اللقاني بما نصه: قد نص
علماؤنا على أن القاضي إذا فوض إليه الإمام
الأعظم القضاء وأذن له في الاستخلاف جاز ذلك
وعمل به وقد أشار إلى ذلك ابن الحاجب بقوله:
"ولو تجرد عقد التولية عن إذن الاستخلاف لم
يكن له استخلاف" فقال شارحه الشيخ خليل في
توضيحه: إن أذن له في الاستخلاف أو نص له على
عدمه عمل على ذلك. وقال ابن عرفة والقاضي: إن
أذن له في استخلافه جاز استخلافه،
(8/93)
__________
ومن المعلوم أن الاستخلاف في هذه النصوص لفظ
عام يتناول كل استخلاف سواء كان استخلافا على
نفس القضاء والحكم أو استخلافا على تولية
وظيفة القضاء والحكم وإن كان الأول هو الغالب
في الفعل عرفا وكونه هو الغالب في الفعل عرفا
لا يخصص العام؛ لأن المخصص للعام هو القول لا
الفعل كما تقرر في محله من أصول الفقه وإذا
تقرر عمومه فحيث فوض الإمام إلى القاضي القضاء
وأذن له في الاستخلاف كان الإذن المذكور إذنا
له في استخلاف من يباشر القضاء والحكم لمن
يصلح شرعا فإذا فوض القاضي المذكور لإنسان ما
فوضه له السلطان من القضاء ومن الاستخلاف
المذكور كان هذا التفويض من القاضي المذكور
لذلك الإنسان في القضاء والاستخلاف صحيحا
مأذونا له فيه من السلطان فإذا استخلف هذا
الإنسان في وظيفة القضاء من هو أهل لذلك شرعا
كان هذا الاستخلاف صحيحا معتبرا معمولا به
لاستناده إلى إذن السلطان فأقضية هذا المستخلف
الأخير الذي استخلفه ذلك الإنسان صحيحة
وأحكامه نافذة لا يجوز التعرض لها بنقض ولا
تعقب، والله سبحانه أعلم بالصواب، انتهى
جوابه، وما قاله ظاهر.
فرع: في استنابة القاضي بغير عمله، قال
البرزلي: سألت شيخنا الإمام عن مسألة نصها
جوابكم في قاضي عمالة سافر إلى غيرها وقد كان
المقام العالي -أسماه الله- أذن له في النيابة
عنه في عمالته بخلال ما يرجع إليها فسافر
القاضي المذكور ولم يستنب وقد كان بدأ الحكم
في قضية تدمية بشهادة عدول ولم يكملها فرغبه
بعد سفره المذكور أهل القضية المذكورة في
الاستنابة فيها حتى يكمل فهل يسوغ له ذلك في
القضية المذكورة وهو بغير عمالته لاستناده إلى
ما سبق له فيها من إذن الإمام أم لا يسوغ له
ذلك لكونه كحكمه في غير عمله؟ وكيف إن سوغتم
له الإذن فهل يكفي خطه لمن استنابه وعينه لذلك
أم لا بد من الإشهاد عليه في الاستنابة
المذكورة بغير عمالته؟ فإن استناب على أحد
الوجهين وقد كان شهد عنده العدول في التدمية
المذكورة ومن فصولها أنهم لا يعلمون الميت
المذكور برئ من الجرح المذكور إلى أن مات فشهد
عند النائب عنه شهود استرعاء زكاهم عدول بأن
الميت المذكور مات عن صحة بينة ليس من جرح
بحال فهل يعمل على هذه الثانية لكونها أثبتت
غير ما ذكرته الأولى وإن كانت الأولى أعدل أم
لا فإن عمل على الثانية فهل يلزم المدعى عليه
أدب أو يسرح وإن حكم بأدبه فهل يكفي ما مضى من
سجنه وله اليوم قريب من ثلاثة أشهر مسجون مصفد
في الحديد أم لا أفتنا بالجواب في ذلك. فأجاب:
الاستنابة المذكورة صحيحة عاملة ولا يدخلها
الخلاف الحاصل من نقل ابن سهل؛ لأن سماع
البينة أقرب للحكم من مجرد الاستنابة ويقوم
جوازها من مسألة العريش من المدونة وثبوت
البينة للحكم بالصحة المذكورة ويسقط حد الضرب
والسجن وتقدم حبسه المذكور يسقط استئناف أدبه
ويكفي فيه، والله أعلم، انتهى جوابه، وما ذكره
من أن الاستنابة أخف من سماع البينة يشهد له
ما تقدم لابن رشد أنه يكفي
(8/94)
__________
فيها خط القاضي وقبول قوله إن وقع وما ذكره من
أنه يقوم جوازها من مسألة العريش هي من اكترى
دابة من رجل ليحمل عليها دهنا من مصر إلى
فلسطين فغره منها فعثرت بالعريش ضمن قيمة
الدهن بالعريش وقال غيره: قيمته بمصر إن أراد؛
لأنه منها تعدى
قلت: فإذا اعتبر على قول الغير محل الإذن فهل
محل القاضي هنا فلا يستنيبها؛ لأنه في غير
محله ومن اعتبر ما آل إليه الأمر وهو وقوع
العثور فينظر تحصيله فمتى ما حصل رتب الحكم
عليه فيتخرج على هذا خلافا في هذه المسألة وما
ذكره من إعمال شهادة الصحة هو أحد الأقوال من
مسائل، منها شهادة الصحة والمرض ويليها الحكم
للأعدل وما ذكره من أن ما مضى يكفي في أدبه هو
اختيار ابن الحاج على ما يأتي إذا سقط الدم
بأي وجه سقط فيؤدب بحسب الاجتهاد ولا يبلغ به
السنة خلاف اختيار ابن رشد إذا قوي طلب الدم
ثم سقط الموجب فلا بد من استئناف ضرب مائة
وحبس سنة، انتهى كلام البرزلي وما ذكره من أنه
تقدم لابن رشد هو ما نصه وسئل عمن يستنيبه
القاضي في المسألة هل يكتفي المستناب بخطه إلى
أمير المصر أو جماعته كما يكتفي بخط السلطان
في التقليدات كلها حسبما نص عليه أهل العلم إذ
هي استنابة أم لا بد من إثبات ذلك بشاهدين
كسائر الأحكام فأجاب بأنه يكتفي فيه بأيسر
الأشياء من معرفة الخط وشبهه إذ لم يقتض حكما
يلزم ثبوته ولو نهض المستناب لما أمر به من
غير كتاب لمضى الأمر كما لو كان الكتاب.
قلت: شبه ما لو حكما رجلين بينهما، انتهى.
ويقع في نسخ البرزلي كما يكتفي بخط السلطان في
الشهادات والذي في كتاب الأقضية من نوازل ابن
رشد في التقليدات كما تقدم وهو الصواب، ومسألة
العريش في كتاب كراء الدواب والرواحل من
المدونة في أواخره. وفلسطين بكسر الفاء،
والعريش بفتح العين المهملة موضع، قاله في
التنبيهات، والله أعلم.
فرع: قال في الإرشاد: وله الاستعانة بمن يخفف
عنه النظر في الأحباس والوصايا وأموال
اليتامى، قال الشيخ زروق في شرحه: قال في
الجواهر: ينبغي له أن يستبطن أهل الخير
والأمانة والعدالة ليستعين بهم على ما هو
بسبيله ويقوى بهم على التوصل إلى ما ينوبه
ويخففوا عنه ما يحتاج فيه إلى الاستنابة فيه
كالنظر في الأحباس والوصايا والقسمة وأموال
الأيتام وغير ذلك، قال: والأقرب عندي أنه إن
كان عاجزا عن ذلك إلا بهم فهو واجب وإلا
فمستحب، انتهى. وقال المتيطي: للقاضي أن يقدم
على المناكح ناظرا ينظر فيها ويتولى عقد
فصولها ومعانيها ويجوز للمقدم النظر فيما قدم
من ذلك عليه دون مطالعة من ولاه ومشاورته
ونقله عنه ابن عرفة، ثم قال المتيطي: قال بعض
الموثقين: ولا مدخل لهذا المقدم عندي في العقد
على من لها ولي حاضر يعضلها عن النكاح؛ لأن
ذلك يحتاج إلى ثبوت عضلها والحكم بالنكاح عليه
إلا أن يكون لعضله وجه يعرف وليس ذلك لصاحب
هذه الخطة إلا أن ينص على ذلك في تقديمه
(8/95)
__________
نصا ومنه، وللقاضي أن يقدم على الحسبة ناظرا
ينظر فيها وللقاضي تقديم صاحب الأحباس لينظر
في حبسات جامع حضرته ومساجدها وإصلاح ما هي
منها وكرائها وقبض غلاتها ويصرفه في مصالحها
وذلك من الأمور التي لا بد منها ولا غنى عنها
وهي من أهم ما ينظر فيه ويقدم له وتجوز أفعال
المقدم بذلك ما وافق السداد ولم يخرج عن طريق
الاجتهاد، انتهى.
فرع: قال في التوضيح ابن محرز: ولم يختلفوا أن
القاضي ليس له أن يوصي بالقضاء عند موته لغيره
بخلاف الوصي والإمام الأكبر، وضابط ذلك أن كل
من ملك حقا على وجه لا يملك معه عزله فله أن
يوصي به ويستخلف عليه كالخليفة والوصي والمجبر
يعني في النكاح على ما ذهب إليه ابن القاسم
وإمام الصلاة، وكل من ملك حقا على وجه يملك
معه عزله عنه فليس له أن يوصي به كالقاضي
والوكيل ولو كان مفوضا إليه أو خليفة القاضي
للأيتام وشبه ذلك، انتهى. وقال ابن عرفة: وفي
النوادر عن الواضحة: وظاهره أنه لابن الماجشون
ليس للقاضي أن يستخلف بعد موته، انتهى. وانظر
قوله في التوضيح عن ابن محرز: "وإمام الصلاة"
ظاهره أنه لا يملك الإمام عزله وقال في
الذخيرة في الباب العاشر في العزل ما نصه:
الفرع السابع: قال بعض العلماء: من التصرفات
ما تتوقف صحته على الولاية كالقضاء والوكالة
والخلافة ومنها ما يصح بغير ولاية كالخطابة
والإمامة، فالقسم الأول يقبل العزل من جهة
المولي والمتولي، والقسم الثاني لا يقبل العزل
لا من جهة المتولي بل من جهة المولي؛ لأن
الخطابة لا تنفك عن المتصف بها حتى تذهب
أهليته فلا يتمكن من عزل نفسه؛ لأن صحة تصرفه
لا تكفي فيه الأهلية فلعزله نفسه أثر فكان
متمكنا وأما ما يطلق للخطيب فتركه إياه ليس
عزلا وعلى هذا ليس للخليفة في نصب الخطيب إلا
تسويغه المطلق للخطابة لا أنه يفيده أهلية
التصرف ومنع المزاحمة للخطيب والإمام بعد
الولاية فليس ذلك ولاية إنما هو من صون الأئمة
عن أسباب الفتن والفساد ويظهر لهذا البحث أن
صحة التصرف في الخطيب سبب الولاية وفي القاضي
ونحوه الولاية سببه فبين البابين فرق عظيم
فلذلك يقبل أحدهما العزل مطلقا دون الآخر،
انتهى. وفي أسئلة الشيخ عز الدين بن عبد
السلام ما تقول في الائتمام بالمستخلف في
الإمامة إذا لم يأذن الناظر في ذلك، هل يجوز؟
فأجاب: الائتمام بالمستخلف صحيح؛ لأن الائتمام
لا يتوقف إلا على صحة الصلاة، وصلاته صحيحة
مسقطة للقضاء فجاز الائتمام به، انتهى.
فرع: علم من قوله في التوضيح: "بخلاف الوصي"
أن للموصي أن يوصي بما إليه وأن يوكل غيره في
حياته، قال في المتيطية: ولا يجوز لمقدم
القاضي على النظر لليتيم أن يوكل -ما جعل
إليه- أحدا غيره حي أو مات ولا أن يوصي به إلى
أحد وهو خلاف وصي الأب، وقاله ابن أبي زمنين
وابن الهندي وغيرهما من الموثقين وحكى بعض
الموثقين أن الذي مضى عليه الحكم إن حكم مقدم
القاضي على من قدم عليه كحكم الوصي من قبل
الأب في جميع
(8/96)
من علم ما
استخلف فيه، والعزل بموته لا هو بموت الأمير،
ولو الخليفة ولا تقبل شهادته بعده أنه قضى
بكذا
__________
أموره؛ لأن القاضي أقامه مقام الوصي، قاله بعض
الشيوخ فعلى هذا يكون لمقدم القاضي أن يوكل في
حياته من يقوم على المحجور مقامه، انتهى. ص:
(وانعزل بموته) ش: قال ابن الحاجب: وإذا مات
المستخلف لم ينعزل مستخلفه ولو كان الخليفة،
قال في التوضيح: المستخلف بكسر اللام ومستخلف
بفتحها وظاهره الإطلاق فيتناول الإمام والأمير
والقاضي وهو
(8/97)
وجاز تعدد
مستقل أو خاص بناحية، أو نوع، والقول للطالب،
ثم من سبق رسوله وإلا أقرع.
__________
مقيد بما عدا القاضي ونائبه فإن نائب القاضي
ينعزل بموت القاضي نص عليه مطرف وأصبغ وابن
حبيب. ابن رشد: ولا أعلمهم اختلفوا فيه قيل:
ولعله أراد المتقدمين وإلا فقد نقل ابن العطار
الخلاف عن فقهاء زمانه في موت الإمام وجعلوا
مثله مقدم القاضي للنظر على الأيتام، انتهى.
وانظر هذا الذي ذكره المؤلف مع ما نقله ابن
عرفة عن المتيطي ونصه المتيطي: ولا ينعزل مقدم
القاضي عن يتيم بموته أو عزله ولا خلاف فيه.
ابن العطار: اختلف فيها فقهاؤنا ولذا استحسنوا
ذكر إمضاء الثاني تقديمه، انتهى. ونص
المتيطية: لما أن تكلم على تقديم القاضي ناظر
الأحباس وإذا مات القاضي المقدم له أو عزل
فتقديمه تام حتى ينقضه الوالي الذي بعده لعلة
ما إما لاستغناء أو لريبة تظهر من المقدم وليس
يحتاج أن يقول فيما يدفعه من النفقات وغيرها
قبل أن يعزل الوالي الثاني أن الوالي أمضاه إذ
ليس ينفسخ تقديم قاض بموته ولا عزله حتى ينقضه
الوالي بعده وبه صرح عن فسخه وعزله؛ لأن
القاضي المفتي أو المعزول قدمه في وقت يجوز له
فيه التقديم فذلك على التمام حتى ينقضه الوالي
بعده لعلة ما كما قدمناه وتقديمه من نظر
أحكامه التي لا تنقض بموته ولا بعزله، وكذلك
إذا مات الإمام الذي تؤدى إليه الطاعة وقد قدم
قضاة وحكاما، فأقضيتهم نافذة وأحكامهم جائزة
فيما بين موت الأول وقيام الثاني وكذا بعد
قيامه وقبل أن ينفذ لهم الولاية وهم بمنزلة
ولاة الأيتام يقدمهم القاضي ثم يموت أو يعزل،
فتقديمه لهم ماض وفعلهم جائز ولا يحتاج أن
يمضيه القاضي الذي ولي بعده. قال ابن
(8/98)
كالادعاء
وتحكيم غير خصم
__________
العطار: ونزلت عندنا واختلف فيها فقهاؤنا
وفيها اختلاف، قد قيل إن أحكامهم في الفترة
غير نافذة وينقض ما حكموا به قبل أن يمضي
الإمام القائم تقديمهم وولايتهم، قال: وتنعقد
عنده على هذا المذهب في أمر المقدمين للأيتام
أن يذكر إمضاء القاضي الثاني للتقديم للخروج
من الخلاف ويوجد هذا العقد في الوثائق القديمة
ولم يلتزم الشيوخ قديما عقده إلا للاختلاف
الواقع فيه فيخرج بذكره من الخلاف، قال:
والقول الأول في أن أحكام الحكام نافذة قبل
إمضاء الإمام الوالي لولايتهم أحسن، انتهى.
فتأمله، والله أعلم. قال ابن عبد السلام:
وعندي أن ما قالوه من انعزال نائب القاضي بموت
القاضي صحيح إن كان القاضي استنابه بمقتضى
الولاية على القول بأن له ذلك وأما إن استناب
رجلا معينا بإذن الإمام الأمير أو الخليفة
فينبغي أن لا ينعزل ذلك النائب بموت القاضي
ولو أذن له في النيابة إذنا مطلقا فاختار
القاضي رجلا ففي انعزاله بموت القاضي نظر،
انتهى. قال في التوضيح: وانظر ما الفرق بين
نائب القاضي في انعزاله وبين نائب الأمير في
عدم انعزاله وقد استشكله فضل وغيره، انتهى.
وقال البرزلي في أوائل النكاح: وسئل ابن رشد
عن أمير مدينة كتب إلى الأمير الأعلى في تقديم
قاض وعين رجلا فكتب إليه بتوليته ففعل وكتب له
صكا بتقديمه على أمر الأمير الأعلى فحكم بذلك
ثم ولى صاحب مناكح فحكم بطول حياة القاضي وهو
يعلم الأمير فمات القاضي وبقي صاحب المناكح
على خطته وطريقته من شهادة الفقهاء عنده
والإعلام بذلك فيما يرجع للنكاح والطلاق فهل
تحترم أحكامه بعد موت القاضي أو تفسخ فأجاب لا
تنقض أحكامه بموت القاضي وهو على خطته حتى
يعزله من ولي بعد الأول، وفعله جائز صحيح
قلت: لأن من ولى القاضي الأول مطلع على تقديم
هذا فكأنه قدمه، ومثله مقدم القاضي على محجوره
إذا عزل القاضي فالمقدم على حاله لا يغير؛ لأن
ما فعله القاضي في غيره وتقرر حكمه فيه فإنه
ماض لا يغيره عزله ولا موته، انتهى. وفي مسائل
الأقضية من نوازل ابن رشد ومن حق الوصي إذا
عزله غير الذي قدمه أن يبين له القاضي الذي
عزله الوجه الذي من أجله عزله وأن يعذر إليه
فيمن شهد عليه بالمعنى الذي أوجب عزله إذ ليس
له أن يعزله إلا بأمر يثبت عليه عنده وأما إن
عزله الذي ولاه فإن كان عزله بأمر رآه
باجتهاده فليس عليه أن يعلمه به وإن كان عزله
لجرحة ثبتت عنده عليه فمن حقه أن يعتذر إليه
في ذلك وإن عزل الوصي نفسه عن النظر لليتيم
فليس له ذلك إلا من عذر؛ لأنه حق لليتيم أوجبه
على نفسه، انتهى. وذكر فيه في أوائل الأقضية
عزل القاضي من قدمه غيره من قاض أو وصي أو
غيره وعزل نفسه. ص: (وتحكيم غير خصم) ش: قال
ابن الحاجب: فلو حكم خصمه فثالثها
(8/99)
وجاهل، وكافر،
وغير مميز في مال، وجرح. لا حد ولعان،
__________
يمضي ما لم يكن المحكم القاضي، قال ابن عبد
السلام: هذه الأقوال صحيحة حكاها غير واحد
وأشار بعضهم أو صرح بنفي الخلاف في أن حكمه
غير ماض وحكى بعضهم إنه يمضي لكنه لم يتعرض
إلى نفي الخلاف، انتهى. ونقله في التوضيح وجزم
ابن فرحون في تبصرته بالجواز فقال: مسألة:
وإذا حكم أحد الخصمين صاحبه فحكم لنفسه أو
عليها جاز ومضى ما لم يكن جورا بينا وليس
تحكيم الشخص خصمه كتحكيم خصم القاضي، قال
أصبغ: لا أحب ذلك فإن وقع مضى وليذكر في حكمه
رضاه بالتحاكم إليه وقيل: لا يجوز حكمه لنفسه
وقيل: يجوز، انتهى. فتأمله وظاهر كلامهم أن
هذا بعد الوقوع وانظر هل يجوز ابتداء وانظر
قول ابن فرحون جاز ومضى هل معناه جاز ابتداء
أو بعد الوقوع والنزول فتأمله ص: (وجاهل) ش:
قال في التوضيح: قال ابن راشد: وأشار المازري
واللخمي إلى أن الجاهل يتفق على بطلان حكمه؛
لأن تحكيمه خطر وغرر، ثم قال في التوضيح: ونص
اللخمي على أنه لا يلزم حكم المحكم إذا كان
مالكيا والخصمان كذلك إذا خرج عن قول مالك
(8/100)
وقتل، وولاء،
ونسب، وطلاق، وعتق. ومضى إن حكم صواباً، وأدب،
وصبي، وعبد،
__________
وأصحابه وإن لم يخرج باجتهاده عن ذلك لزم،
انتهى. وفي التبصرة لابن فرحون إذا حكم الحاكم
فليس لأحد أن ينقض حكمه وإن خالف مذهبه إلا أن
يكون جورا بينا لم يختلف فيه أهل العلم وقال
اللخمي: إنما يجوز التحكيم إذا كان المحكم
عدلا من أهل الاجتهاد أو عاميا واسترشد
العلماء فإن حكم ولم يسترشد رد وإن وافق قول
قائل؛ لأن ذلك تخاطر منهما وقال المازري: لا
يحكم إلا من يصح أن يولى القضاء، قال: فإذا
كان المحكم من أهل الاجتهاد مالكيا ولم يخرج
باجتهاده عن مذهب مالك لزم حكمه وإن خرج لم
يلزم إذا كان الخصمان مالكيين؛ لأنهما لم
يحكماه على أن يخرج عن قول مالك وأصحابه،
وكذلك إذا كانا شافعيين أو حنفيين وحكماه على
مثل ذلك لم يلزم حكمه إن حكم بينهما بغير ذلك،
انتهى. فتأمل آخر كلامه مع أوله، والظاهر أن
الأخير مقيد للأول وظاهره قوله إذا كان مالكيا
ولم يخرج عن مذهب مالك لزم حكمه سواء كان
الخصمان كذلك أم لا ومفهوم قوله إذا كان
الخصمان مالكيين أنهما لو كانا شافعيين وحكم
بينهما بمذهبهما وترك مذهبه لزم حكمه فتأمله،
والله أعلم. وقال في الذخيرة بعد ما نقل كلام
اللخمي: وهذا الكلام يقتضي أن مراده بالاجتهاد
الاجتهاد في مذهب معين لا الاجتهاد على
الإطلاق، انتهى. وفي العمدة: وإذا حكما رجلا
ورضيا بحكمه لزمهما حكمه إذا كان جائزا شرعا
وإن خالف حكم البلد بخلاف التحكيم في الشهادة
فله الرجوع عنه، انتهى. يعني -والله أعلم- إذا
قال: ما شهد به على فلان فهو حق. ص: (ومضى إن
حكم صوابا وأدب) ش: ظاهر كلام المؤلف أنه يؤدب
سواء أنفذ الحكم أم لم ينفذه بنفسه ولكنه حكم
به ورفعه إلى القاضي ينفذه والذي حكم به نقله
في التوضيح وابن عبد السلام وابن عرفة وفي
الذخيرة وابن يونس وابن فرحون: أن الأدب إنما
يكون إذا أنفذ الحكم بنفسه أما إذا حكم ولم
ينفذ فإن القاضي يمضي حكمه وينهاه عن العودة
ونص ما في التوضيح: قال أصبغ: إذا حكم فيما
ذكرنا أنه لا يحكم فيه فإن القاضي يمضي حكمه
وينهاه عن العودة زاد ابن عبد السلام: ويقيم
الحد وغيره، انتهى. ثم قال في التوضيح: وإن
فعل المحكم ذلك بنفسه فقتل أو اقتص أو حد ثم
رفع ذلك إلى الإمام أدبه السلطان وزجره وأمضى
ما كان صوابا من حكمه، انتهى. ونقله القرافي
وغيره عن سحنون وزاد القرافي وابن فرحون بعد
هذا الكلام الأخير: وبقي المحدود محدودا
والتداعي ماضيا ا هـ. فتأمل ذلك فإنه ينبغي أن
يقيد به كلام المؤلف، والله أعلم. ص: (وفي صبي
وعبد إلخ) ش: تصوره واضح وأدخل معهم ابن رشد
المولى عليه نقله عنه الشيخ أبو الحسن في كتاب
(8/101)
وامرأة وفاسق
وثالثها إلا الصبي ورابعها إلا وفاسق، وضرب
خصم لدّ، وعزله لمصلحة ولم
__________
الأقضية عند قوله: "ولو أن رجلين حكما رجلا"
والمستثنى في القول الثالث والرابع هو ما ذكره
المصنف على حاله فتأمله، والله أعلم. ص: (وضرب
خصم لد) ش: قال في أول كتاب الأقضية من
المدونة: ولا بأس أن يضرب الخصم إذا تبين
لدده. أبو الحسن: قوله: إذا تبين لدده معناه:
إذا ثبت ببينة إذ لا يقضي بعلمه إلا في
التعديل والتجريح، انتهى. وفي رسم تأخير صلاة
العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية
سئل مالك عن الرجلين إذا اختصما ولد أحدهما
فعرف ذلك منه القاضي أترى أن يعاقبه فقال: نعم
إذا تبين ذلك منه ونهاه فأرى أن يعاقبه، قال
ابن رشد: هذا كما قال؛ لأن لدد أحد الخصمين
بصاحبه إذاية له وإضرار به وواجب على الإمام
أن يكف أذى بعض الناس عن بعض ويعاقب عليه بما
يؤدي إليه اجتهاده، انتهى. ومثله في سماع
أصبغ، فتأمل كلام ابن رشد فإنه يدل على أنه
واجب وقال ابن فرحون في الأمور التي ينبغي
للقاضي منع الخصوم منها: إن الغريم إذا دعا
غريمه فلم يجبه أدبه وجرحه إن كان عدلا فإن
تغيب شدد القاضي عليه في الطلب، وأجرة الرسول
على الطالب فإن تغيب المطلوب وتبين لدده
فالأجرة عليه ونحو ذلك. اللخمي: وقال ابن
الفخار: ولا يلزم المدعى عليه شيء والمرجح
عندهم الأول وانظر أحكام ابن سهل والمسألة
مبسوطة في باب القضاء بالنكول عن مجلس القاضي
وفي مفيد الحكام لابن هشام من استهان بدعوة
القاضي أو الحاكم ولم يجب ضرب أربعين، ثم قال:
ومنها أنه ينبغي له أن يمنع من رفع الصوت عنده
فإن ذلك مما يبرمه ويضجره ويحيره، انتهى. ص:
(وعزله لمصلحة) ش: ابن عرفة ويجب تفقد الإمام
حال قضاته فيعزل من في بقائه مفسدة وجوبا فورا
ومن يخشى مفسدته استحبابا ومن غيره أولى منه
عزله راجح، انتهى. ثم قال المازري: إذا كان في
العزل مصلحة للعامة أمر الإمام بالمناداة إليه
وإن وجد الإمام أفضل ممن ولي فله عزله لتولية
الأفضل وإن لم يجد إلا من هو دونه فلا يعزله
فإن عزله فلا ينفذ عزله
(8/102)
يبتغ إن شهر
عدلاً بمجرد شكية وليبرأ عن غير سخط، وخفيف
تعزير بمسجد لا حد، وجلس به
__________
قلت: في عدم نفوذ عزله نظر؛ لأنه يؤدي إلى لغو
توليته غيره فيؤدي ذلك إلى تعطيل أحكام
المسلمين، انتهى. ص: (ولم ينبغ إن شهر عدلا
بمجرد شكية) ش: مفهوم قوله: "إن شهر عدلا" أن
غير المشهور عدالته يعزل بمجرد الشكية. وحكى
ابن عرفة فيه ثلاثة أقوال ونصه: وعزله
بالشكاية به إن لم يكن مشهورا بالعدالة في
وجوبه بها أو الكتب إلى صالحي بلده ليكشفوا عن
حاله فإن كان على ما يجب وإلا عزل ثالثها: إن
وجد بدله وإلا فالثاني للشيخ عن أصبغ وغيره
ومطرف، انتهى. ص: (وخفيف تعزير بمسجد) ش: قال
في التوضيح: قال مالك: كالخمسة الأسواط
والعشرة، انتهى. ص: (لا حد) ش: قال في
المدونة: ولا يقيم في المسجد الحدود وشبهها.
أبو الحسن:؛ لأن في ذلك إهانة له والله يقول:
{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}
[النور: من الآية36] وقوله: "وشبهها" يعني
التعزيرات الكثيرة، انتهى. وقال ابن الحاجب:
ولا تقام الحدود في المسجد، قال في التوضيح:
هو محتمل للمنع؛ لأنه ذريعة إلى أن يخرج منه
ما ينجس المسجد والكراهة تنزيها له، انتهى..
ص: (وجلوس به) ش: قال ابن عبد السلام: الأقرب
في زماننا اليوم الكراهة وتبعه في التوضيح
وقال في الذخيرة: قال اللخمي: الرحاب أحسن؛
لأن المسجد ينزه عن الخصومات، قال صاحب
المنتقى: المستحب الرحاب الخارجة عن المسجد ثم
ذكر الخلاف، ثم قال: قال صاحب المقدمات: يستحب
جلوسه في الرحاب الخارجة عنه فوافق الباجي
واللخمي ولم يحك خلافا وكلام الباجي وابن رشد
هذا يدل على أنهم فهموا أن المشهور ما قالوه
ويعضده قوله: "كل من أدركته من القضاة لا
يجلسون إلا في الرحاب" فدل على أن العمل على
ذلك، والعمل عنده مقدم، انتهى.
(8/103)
بغير عيد،
وقدوم حاج وخروجه، ومطر ونحوه، واتخاذ حاجب
وبواب، وبدأ بمحبوس ثم وصي، ومال طفل، ومقام
ثم ضال
__________
فرع: يستحب للقاضي أن يستقبل القبلة في جلوسه،
قاله ابن عرفة في كلامه على مجلس القاضي، ثم
قال بعده بنحو الورقتين: وينبغي له أن لا
يتضاحك مع الناس، انتهى. ص: (بغير عيد إلى
آخره) ش: عدم جلوسه على جهة الأولى، قال ابن
الحاجب وغيره: لا ينبغي وقال ابن فرحون: وكذلك
يوم شهود المهرجان وحدوث ما يعم من سرور أو
ضرر وقال في المتيطية: ولا بأس أن يترك النظر
يوم الجمعة، انتهى. ونقله ابن فرحون، والله
أعلم. ص: (وبدئ بمحبوس إلخ) ش: كذا ذكره في
التوضيح وقال ابن فرحون في تبصرته: ويلزمه أن
يكون أول ما يبتدئ به الكشف عن الشهود
والموثقين فيعرف حال من لا يعرف منهم ويفحص عن
عدالتهم فمن كان عدلا أثبته ومن كان فيه جرحة
أسقطه وأراح المسلمين من إذايته ولا يحل له أن
يترك غير المرضي ينصبه للناس فإنها خديعة
للمسلمين ووصمة في شعائر الدين وعليه أن يصرح
بعزل هؤلاء ويسجل على شاهد الزور كتابا مخلدا
بعد عقوبته، وكذلك يجب عليه الكشف عن
المحبوسين، انتهى. فتأمل كيف جعل أول ما يبدأ
به الشهود وهو الظاهر؛ لأن مدار الأمر كله
عليهم وإذا ولي قضاء غير بلده فنقل في التوضيح
عن المازري أنه يسأل عن عدول البلد قبل خروجه،
قال: وينادي مناد يشعر الناس باجتماعهم لقراءة
سجله المكتوب بولايته فإذا فرغ نظر في مكانه
الذي يجلس فيه والعدل أن يكون في وسط البلد،
انتهى. وقال ابن عرفة المازري: إذا ولي قضاء
غير بلده ينبغي له قبل خروجه بحثه عن عدول
البلد الذي يقدم عليه إن كان بمكانه من يعرف
حالهم ليكون على بصيرة من حالهم وقد يفتقر في
حالة قدومه للاستعانة بأحدهم.
قلت: ولهذا المعنى كنت أفهم من بعض من لقيت
ممن يقتدى به أنه، قال: ينبغي لمن هو
(8/104)
و ناد ى بمنع
معاملة يتيم وسفيه ورفع أمرهما إليه ثم في
الخصوم، ورتب كاتباً عدلاً شرطاً ً
__________
بحيثية ولاية القضاء أو الشورى فيما يعرض من
الولايات الشرعية أن يسمع ما يذكر في بعض
أبناء الزمان ممن يعتبر قوله وحده أو مع غيره
بنية البناء عليه أحكام التعديل والتجريح لا
بنية التفكه وليس ذلك من سماع الغيبة ومنع ذلك
يوجب تعطيل الأحكام أو تولية من لا تحل توليته
ولولا هذا ما صح ثبوت تجريح في راو ولا شاهد
ولا غيره، انتهى. ص: (ونادى بمنع معاملة يتيم
إلخ) ش: حقه أن يذكر مع قوله ثم وصي وما معه
وكذا ذكره ابن فرحون وأبو الحسن وغيرهما، قال
في التبصرة لابن فرحون:
تنبيه: وهذا النداء في حق السفيه إنما يكون
على مذهب من يرى أن أفعال السفيه جائزة ما لم
يول عليه أو يضرب على يديه وهو مروي عن مالك
وعليه أكثر أصحابه وأما على مذهب من يرى أن
أفعاله مردودة وهو قول ابن القاسم ومطرف فلا
يحتاج إليه، انتهى. ص: (ورتب كاتبا عدلا شرطا)
ش: اعلم أن ترتيبه للكاتب وللمزكي والمترجم
على جهة الأولوية هذا ظاهر عباراتهم فإن أبا
الحسن الصغير والقرافي جعلاه من آداب القضاء،
وقوله: "عدلا" قال ابن فرحون: ذكر بعضهم في
صفاته أربعة: العدل، والعقل، والرأي، والعفة.
وقوله: "شرطا" كذا في بعض النسخ وفي بعضها
مرضيا وهي الأولى؛ لأن العدالة ليست شرطا، قال
ابن فرحون في تبصرته: قال ابن شاس: ولا تشترط
العدالة في الكاتب ولعله يريد أن القاضي يقف
على ما يكتب، انتهى. إلا أني لم أر في الجواهر
ما عزاه لابن شاس، قال ابن عبد السلام: وظاهر
نصوصهم أنه لا يستعين مع القدرة إلا بالعدول
فإن لم يجدهم جاز الاستعانة بغيرهم، ثم قال:
وقول ابن القاسم في المدونة ولا يستكتب القاضي
أهل الذمة في شيء من أمور المسلمين ولا يتخذ
قاسما من أهل الذمة ولا عبدا ولا مكاتبا ولا
يستكتب من المسلمين إلا العدول المرضيين فلعل
هذا مع الاختيار، انتهى. وقال أبو الحسن إثر
كلام المدونة: هذا إذا وجد وإلا الأمثل
فالأمثل، انتهى. وقال في التوضيح: ظاهر ما
حكاه المتيطي عن ابن المواز إن عدالة الكاتب
من باب الأولى لكن، قال اللخمي: لا يبعد حمل
قول محمد على الوجوب، انتهى. هذا كلامه
فتأمله. وأما نظر القاضي فيما يكتبه فنقل في
التوضيح عن المازري ما نصه: إن كان غير ثقة
فلا
(8/105)
__________
بد من اطلاع القاضي على ما يكتبه فيجلس قريبا
منه بحيث يشاهد ما يكتبه عنه وإن كان عدلا
فالمذهب أنه مأمور بالنظر إلى ما يكتب وقد رجح
بعض أشياخي وجوب ذلك على القاضي إذا كان عدلا؛
لأنه إذا شاهد ما يكتب أشهد على نفسه بأمر
تيقنه وإذا عول على الكاتب العدل اقتصر على
أمر مظنون مع القدرة على المحقق، انتهى كلام
التوضيح، فظاهر قول المازري فالمذهب أنه مأمور
على جهة الاستحباب لقوله: ورجح بعض أشياخي
وجوب ذلك وكذا في ابن عبد السلام إن كان غير
عدل فلا بد من نظره وإن كان عدلا نظر أيضا
وظاهر كلام المتقدمين أن ذلك على الاستحباب
وتردد بعض الشيوخ في ذلك ومال إلى الوجوب،
انتهى كلام ابن عبد السلام ووظيفة الكاتب أن
يكتب ما وقع في مجلسه من الخصوم.
مسألة: قال في المسائل الملقوطة: وللحاكم إذا
وجد عقد الوثيقة خطأ أن يقطعه ويؤدب الكاتب
على ذلك، انتهى من فوائد الشيخ جمال الدين
الأقفهسي، انتهى كلام المسائل الملقوطة.
فائدة: ما يكتب فيه يسمى القمطر، قال الشيخ
زروق في شرح الإرشاد: والقمطر بكسر القاف وفتح
الميم وسكون الطاء ثم الراء المهملتين الزمام
الذي يكتب فيه التذكار وقد يسمى زمام القاضي،
انتهى، والله أعلم. ص: (كمزك) ش: أي: وكذا
يرتب مزكيا عدلا ولا كلام في اشتراط العدالة
هنا و قول ابن غازي -رحمه الله- أي: في كونه
عدلا رضا فهو كقول الرسالة: "ولا يقبل في
التزكية إلا من يقول عدل رضا". أول كلامه واضح
وآخر كلامه بعيد من لفظ المؤلف ومن أول كلامه
هو فتأمله. وقال البساطي: فإن قلت: إن حملت
كلامه في المكاتب والمزكى على الجنس حتى يدخل
فيه العدد خلاف الأكثر في اشتراط العدد في
(8/106)
كمزك،
واختارهما والمترجم مخبر كالمحلف، وأحضر
العلماء، أو شاورهم،
__________
الكاتب فإن الأكثر على أنه يكفي الواحد وإن
حملت كلامه على الإفراد خالفت الأكثر في
المزكى فإنه لا بد من العدد عندهم فيه، انتهى.
قلت: يحمل كلامه على الأول، والجنس يحتمل
الإفراد كما يحتمل غيره ويلزمه الإيهام وهو
قريب، انتهى. وحمله على هذا عبارة ابن شاس؛
لأن فيها ويشترط العدد في المزكي والمترجم دون
الكاتب وفي التوضيح في قول ابن الحاجب واختار
الكاتب والمزكي قوله: "والمزكي" ظاهره
الاكتفاء بالواحد. أشهب: ينبغي للقاضي أن يتخذ
رجلا صالحا مأمونا منتبها أو رجلين بهذه الصفة
يسألان له عن الناس إلى آخر كلام أشهب، ثم قال
ابن الماجشون: وكلما يبتدئ القاضي السؤال عنه
والكشف يقبل فيه قول الواحد ما لم يبتدئه هو
وإنما يبتدأ به في ظاهر أو باطن فلا بد من
شاهدين فيه ثم ذكر كلام الجواهر، انتهى. فصدر
بما تقدم وقال الشيخ أبو الحسن في التقييد
الكبير في أول كتاب القضاء ابن رشد: وتعديل
السر يفترق من تعديل العلانية من وجهين:
أحدهما: لا إعذار في تعديل السر، والثاني: أنه
يجتزئ فيه بالواحد وإن كان الاختيار الاثنين
بخلاف تعديل العلانية في الوجهين لا يجوز فيه
إلا شاهدان ويلزم الإعذار فيه إلى المشهود
عليه هذا معنى ما في المدونة صح من البيان،
انتهى كلام الشيخ أبي الحسن فإذا حمل كلام
المصنف على هذا فلا يرد ما قاله أصلا فتأمله،
والله الموفق ص: (والمترجم مخبر) ش: فيقبل
الواحد والاثنان أحسن، انظر قواعد القرافي في
أول فرق منها فإنه ذكر فيه الفرق بين الشهادة
والخبر، فتأمله، والله أعلم. وقال في العمدة:
وإذا لم يعرف لغة الخصم فإن كان الحكم لا
يتضمن ما لو لم يقبل في الترجمة إلا الرجال،
والمذهب أنه لا يجزئ واحد وإن تضمن مالا فهل
يقبل رجل وامرأتان قولان، انتهى، والله أعلم.
ص: (وأحضر العلماء وشاورهم) ش: عطف -رحمه
الله- أحد
(8/107)
__________
القولين على الآخر فإن أشهب ومحمدا يقولان:
يحضرهم ومطرف وابن الماجشون يقولان: لا ينبغي
أن يحضرهم ولكن يشاورهم، كذا قال ابن الحاجب
فقال في التوضيح: قيد اللخمي قول مطرف وابن
الماجشون أن يكون مقلدا فلا يسعه القضاء إلا
بمحضرهم، قال المازري: وقول مطرف وغيره إنما
هو إذا كان فكر القاضي في حال حضورهم كحاله في
عدم حضورهم وأما لو كان حضورهم يكسبه حجرا حتى
لا يمكنه التأمل لما هو فيه فإنه يرتفع
الخلاف، وكذلك إذا كان القاضي من البلادة على
حال لا يمكنه ضبط قول الخصمين ويتصور مقاصدهما
حتى يستفتي عنه فإنه يرتفع أيضا الخلاف ولا
يختلف في وجوب حضورهم، انتهى. وقال في تبصرة
ابن فرحون:
تنبيه: إطلاقهم المشاورة ظاهره عالما كان
بالحكم أو جاهلا وفي الطرر لابن عات لا يجوز
للحاكم أن يشاور فيما يحكم فيه إذا كان جاهلا
لا يميز الحق من الباطل؛ لأنه إذا أشير عليه
وهو جاهل لم يعلم أحكم بحق أم بباطل ولا يجوز
له أن يحكم بما لا يعلم أنه الحق ولا يحكم
بقول من أشار عليه تقليدا حتى يتبين له الحق
من حيث تبين للذي أشار عليه، انتهى. وهذا
الأخير -والله أعلم- في المجتهد وفي التبصرة
أيضا. قال المازري في شرح التلقين: القاضي
مأمور بالاستشارة ولو كان عالما؛ لأن ما ذكر
فيه الفقهاء وبحثوا فيه تثق به النفس ما لا
تثق بواحد إذا استبد برأيه ولا يمنع من ذلك
كونهم مقلدين لاختلافهم في الفتوى فيما ليس
بمسطور بحسب ما يظن كل واحد منهم أنه يقتضي
أصول المذهب، انتهى. وفي التوضيح: قال ابن
عطية في تفسيره: ومن لم يستشر أهل العلم
والدين فعزله واجب هذا مما لا خلاف فيه،
انتهى. ونقله القرطبي في تفسير سورة آل عمران
وفي ابن عبد السلام وبالجملة فإن أحوال
الخلفاء دلت على اتفاقهم على المشاورة لا سيما
في المشكلات، انتهى.
(8/108)
__________
تنبيه: قول المؤلف: "وأحضر العلماء أو شاورهم"
هل على الوجوب أو على الاستحباب؟ ظاهر قوله في
التوضيح: ولا يختلف في وجوب حضورهم وما نقله
عن ابن عطية وظاهر ما تقدم للمازري: أن حضورهم
واجب وكذا ابن فرحون في تبصرته فإنه عده في
الأمور التي تلزم القاضي في سيرته في الأحكام،
واللزوم إنما يستعمل في الوجوب وظاهر قول ابن
الحاجب: ولا ينبغي للقاضي أن يثق برأيه ويترك
المشاورة أن المشاورة مستحبة أو أولى فتأمله
فإني لم أر نصا يشفي الغليل.
فرع: قال سحنون: لا يستشير من شهد عنده فيما
شهد فيه حكاه ابن يونس وقال غير سحنون: لا بأس
بذلك حكاه ابن رشد، انتهى مختصرا من التبصرة
واقتصر في التوضيح على قول سحنون.
فرع: قال في رسم سلف من سماع ابن القاسم من
الأقضية: رأيت مالكا كتب إلى عامل في قضاء كان
أمضاه عاملان قبله فينظر فيه فجاء رجل يستعين
بالكتب إليه فيه فكتب إليه إن كان من قبلك
أمضاه بحق فأنفذه لصاحبه. ابن رشد: هذا يدل
على أن للفقيه المقبول القول أن يكتب للحكام
بالفتوى ويعلمهم ما يصنع وإن لم يسأله الحاكم
وهذا في غير القضاة وأما القضاة فلا ينبغي أن
يكتب إليهم بما يفعلون إلا أن يسألوه؛ لأن ذلك
قد يؤدي إلى أنفة تؤذي، انتهى.
مسألة: إذا دعا القاضي العدول إلى قضية ينظرون
فيها من فرض نفقة أو إقامة حدود ونحوه وجب
عليهم انظر البرزلي في مسائل القضاء ص:
(وشهودا) ش: قال في التوضيح: وإذا كان المشهور
أن القاضي إذا سمع إقرار الخصم لا يحكم عليه
حتى يشهد عنده بإقراره شاهدان فيكون إحضار
الشهود واجبا وإلا فلا فائدة في جلوسه، انتهى.
وفي المدونة ولو أقر أحد الخصمين عنده بشيء
وليس عنده أحد ثم يعود إليه المقر فيجحد ذلك
الإقرار فإنه لا يقضي عليه به إلا ببينة سواه
فإن لم يكن عنده بينة شهد هو بذلك إلى من
فوقه، انتهى. وقال في النوادر ومن المجموعة:
قال مالك وابن القاسم وأشهب: الإقرار عند
القاضي في سلطانه وقبل سلطانه سواء، وكذلك في
إقرار الخصمين عنده لا يحكم بشيء من ذلك، قال
أشهب: ولا بما وجد في ديوانه مكتوبا من إقرار
الخصم عنده فإن قامت على ذلك بينة أنفذها فإن
لم
(8/109)
وشهوداً و لم
يفت في خصومة
__________
يكن إلا هو وكاتبه شهدا بذلك عند من هو فوقه
فأجازه وإن كان وحده قضى بشهادته مع يمين
الطالب، انتهى. ومقابل المشهور أنه إذا سمع
إقرار الخصم حكم عليه بما سمع منه وإن لم
يحضره شاهدان وهو قول ابن الماجشون، قال في
النوادر إثر كلامه المتقدم: أما ما أقر به
الخصوم عنده في خصومتهم فليقض به، وقاله سحنون
وهو أحب إلي من قول ابن القاسم وأشهب ولو كان
غير هذا لاحتاج أن يحضر معه شاهدين أبدا
يشهدان على الناس، انتهى. وقال في التوضيح قبل
كلامه المتقدم: مذهب مالك وابن القاسم أن
القاضي إذا سمع إقرار الخصم لا يحكم عليه حتى
يشهد عنده بإقراره شاهدان ثم يرفعان شهادتهما
إليه وذهب مطرف وابن الماجشون وأصبغ وسحنون
إلى أنه يحكم بما سمع وإن لم يشهد عنده بذلك.
ابن الماجشون: والذي عليه قضاة المدينة ولا
أعلم مالكا قال غيره إنه يقضي بما سمع منه
وأقر به عنده وكأنهم رأوا أن الخصمين لما جلسا
للخصومة رضيا أن يحكم بينهما بما أقرا به
ولذلك قعدا، و الأول المشهور، انتهى.
تنبيه: قولهم: "رفع إلى من فوقه" قال أبو
الحسن في أواخر كتاب الأقضية:
مسألة: إذا رأى القاضي حدا رفع إلى من فوقه
وهل يرفع إلى من دونه قولان، قال عياض: مذهب
الكتاب أن أحدا لا يرفع إلى من دونه وتحت يده
إلا السلطان الأعظم للضرورة إلى ذلك وقال في
السلطان الأعظم: لا يرفع إلى من دونه ويكون
هدرا، انتهى مختصرا، وفي النوادر في ترجمة
القاضي: يحكم لنفسه أو لولده وقد يحكم للخليفة
وهو فوقه وهو يتهم فيه لتوليته إياه وحكمه له
جائز، انتهى. ونقل الخلاف في الذخيرة. ص: (ولم
يفت في خصومة) ش: انظر هل على الكراهة أو على
المنع، قال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب:
ولا يفتي الحاكم في الخصومات، وقال ابن عبد
الحكم: لا بأس به كالخلفاء الأربعة يريد أنه
يجوز له الفتيا فيما
(8/110)
ولم يشتر بمجلس
قضائه
__________
عدا مسائل الخصام وهل له الفتيا في مسائل
الخصام قولان، أحدهما: ليس له ذلك؛ لأنه من
إعانة الخصوم على الفجور، والثاني: إجازة
فتياه في مسائل الخصام وأما تعليم القاضي
العلم وتعليمه له فجائز، انتهى. فقوة عبارته
تعطي أنه لا يجوز له الفتيا على القول الأول
فتأمله، وعده ابن فرحون في الأمور اللازمة له
في سيرته في الأحكام وفي أوائل مسائل الأقضية
من البرزلي ما نصه ابن الحاج عن ابن المنذر:
يكره للقاضي الفتوى في الأحكام وكان شريح يقول
أنا أقضي ولا أفتي.
قلت: يريد إذا كانت الفتوى ممن يمكن أن تعرض
بين يديه ولو جاءته من خارج بلده أو من بعض
الكور أو على يد عماله فليجبهم عنها ثم ذكر
كلام ابن الحاجب وذكر عن ابن المناصف أنه ذكر
القولين ثم قال: الكلام الأول: النهي فيه عن
فتوى القاضي في الخصومات لأحد الخصمين
والثاني: فتواه في جملة الأشياء لا في خصومة
بعينها، انتهى. ص: (ولم يشتر بمجلس قضائه) ش:
مفهوم، وقوله: "مجلس قضائه" أنه لا ينهى عنه
في غير مجلس قضائه وهو الذي حصله في التوضيح
إلا أنه ينبغي له التنزه عنه مطلقا وانظر قول
المؤلف: "ولم يشتر" هل على المنع أو على
الكراهة؟ قال في التوضيح في قول ابن الحاجب:
"ولا يشتري بنفسه ولا بوكيل معروف" ظاهره في
مجلس قضائه وغيره ونحوه ذكره ابن شاس ومعناه
عن محمد بن عبد الحكم بن عبد السلام ولا تبعد
صحته إلا أن المازري وغيره ذكروا عن المذهب ما
يدل على جواز بيعه ابتداء وحكى المازري عن
الشافعي مثل ما حكاه المؤلف هنا، انتهى. أي:
لأن المازري نقل عن أصحاب مالك أنهم أجازوا
للقاضي الشراء إذا لم يكن في مجلس قضائه ولم
يجوزوا له ذلك في مجلس قضائه لما فيه من شغل
باله مطرف وابن
(8/111)
كسلف وقراض،
وإبضاع، وحضور وليمة إلا لنكاح،
__________
الماجشون: ولا يشتغل في مجلس قضائه بالبيع
والابتياع لنفسه. أشهب: أو لغيره على وجه
العناية منه إلا ما خف شأنه وقل شغله والكلام
فيه. سحنون: وتركه أفضل، قال: ولا بأس بذلك في
غير مجلس قضائه فنافذ إلا أن يكون أكره غيره
أو هضمه فليس هذا بعدل وهو مردود كان في مجلس
قضائه أو غيره والذي ذكره المازري هو الذي في
النوادر وغيرها مطرف وابن الماجشون ويتنزه عن
المبايعة في غير مجلس قضائه، انتهى كلام
التوضيح وفي ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب
بعد هذه المسألة ويتورع عن العارية إلى آخره
قد يقال تغيير المؤلف العبارة بين هذه المسألة
والتي فوقها يؤذن بأن المنع في الأولى أشد منه
في هذه؛ لأنه أطلق المنع في الأولى وجعله في
هذه من باب الورع فيقال العكس أولى فكلام
التوضيح يؤذن بالمنع على التحريم وأما كلام
ابن عبد السلام فلا دلالة فيه على أن المنع
على التحريم؛ لأنه أطلق المنع على المسألة
الثانية مع أنه لا شك أنه على سبيل التورع وفي
تبصرة ابن فرحون من الأمور التي تلزم القاضي
أنه يكره له البيع والابتياع بمجلس حكمه
وبداره ولا يرد منه شيء إلا أن يكون على وجه
الإكراه أو فيه نقيصة على البائع فيرد البيع
والابتياع كان بمجلس قضائه أو غيره، قال أشهب:
إن عزل والبائع والمبتاع مقيم بالبلد لا
يخاصمه ولا يذكر مخاصمته لأحد فلا حجة له
والبيع ماض ولا ينبغي أن يكون له وكيل معروف
على البيع والشراء؛ لأنه يفعل مع وكيله من
المسامحة ما يفعل معه، انتهى. فصرح -رحمه
الله- بالكراهة وأن حكم البيع والابتياع واحد
وهو الظاهر وينبغي أن ينظر فيه مع ما في
التوضيح ويرد أحدهما للآخر، والله أعلم. ص:
(كسلف وقراض وإبضاع وحضور وليمة إلا لنكاح) ش:
تصوره واضح ولا شك أن النهي عن هذه على سبيل
التورع، قال ابن الحاجب: ويتنزه عن العارية
والسلف والقراض والإبضاع وقال ابن فرحون في
الأمور التي تلزم القاضي: منها أن يتجنب
العارية والسلف والقراض والإبضاع إلا أن يكون
لا يجد بدا من ذلك فهو خفيف إلا من عند الخصوم
أو ممن هو في جهتهم فلا يفعل، انتهى. وقوله:
"إلا لنكاح" قال في التوضيح: ثم إن شاء أكل أو
ترك، قال في التبصرة: والأولى له اليوم ترك
الأكل، انتهى.
(8/112)
وقبول هدية ولو
كافأ عليها، إلا من قريب، وهدية من اعتادها
قبل الولاية، وكراهة حكمه في مشيه، أو متكئاً،
وإلزام يهودي حكماً بسبيه وتحديثه بمجلسه
لضجر، ودام الرضا في التحكيم للحكم قولان،
__________
فرعان: الأول: في التوضيح كره مالك لأهل الفضل
أن يجيبوا كل من دعاهم. الثاني: ولا بأس
للقاضي بحضور الجنائز وعيادة المرضى وتسليمه
على أهل المجالس ورده على من سلم عليه لا
ينبغي إلا ذلك، انتهى. ص: (وقبول هدية ولو
كافأ عليها إلا من قريب) ش: قال في التوضيح:
ظاهر قول ابن الحاجب المنع وعليه ينبغي أن
يحمل قول ابن حبيب لم يختلف العلماء في كراهة
قبول الإمام الأكبر وقضاته وجباته الهدايا،
قال: وهو مذهب مالك وأهل السنة، انتهى. ويمنع
من قبول الهدية سواء كانت في حال الخصام أو
قبله، قاله ابن الحاجب وقوله: "إلا من قريب"
يريد الخاص من الولد والوالد والخالة والعمة
وبنت الأخت، قاله ابن فرحون ونحوه في التوضيح.
فروع: الأول: قال ابن فرحون في تبصرته: قال
المازري: أما الارتزاق من بيت المال فإن من
تعين عليه القضاء وهو غني عن الارتزاق فإنه
ينهى عن أخذ العوض على القضاء؛ لأن ذلك أبلغ
في المهابة وأدعى للنفوس على اعتقاد التعظيم
والجلالة وإن كان القضاء لم يتعين عليه وهو
محتاج إلى طلب الرزق من بيت المال ساغ له أخذ
ذلك
الثاني: قال في معين الحكام: قال أصبغ: ولا
ينبغي له أن يأخذ رزقه إلا من الخمس والجزية
وعشور أهل الذمة، انتهى من ابن فرحون. وقال
ابن رشد في آخر سماع سحنون من كتاب الشهادات:
وأما القضاة والحكام والأجناد فلهم أن يأخذوا
أرزاقهم من العمال المضروب على أيديهم، أعني
العمال الذين فوض إليهم النظر في ذلك وضرب على
أيديهم فيما سوى ذلك من إعطاء مال الله لمن
يرونه بوجه اجتهادهم وأطال الكلام في ذلك
فراجعه، وسيأتي من كلامه في باب الشهادات عند
قول المصنف ولا إن أخذ من العمال، والله أعلم.
(8/113)
__________
الثالث: قال في التوضيح: قال ابن حبيب: ويأخذ
الإمام من قضاته وعماله ما وجده في أيديهم
زائدا على ما ارتزقوه من بيت المال ويحصي ما
عند القاضي حين ولايته ويأخذ ما اكتسبه زائدا
على رزقه وقدر أن هذا المكتسب إنما اكتسبه
بجاه القضاء وتأول أن مقاسمة عمر رضي الله عنه
ومشاطرته لعماله كأبي موسى وأبي هريرة وغيرهما
إنما فعل ذلك لما أشكل عليه مقدار ما اكتسبوه
من القضاء والعمالة، انتهى. ونقله ابن عبد
السلام وابن عرفة ونصه ابن حبيب: للإمام أخذ
ما أفاده العمال ويضمه إلى ما جبوه، قال: وكل
ما أفاده الوالي من مال سوى رزقه في عمله أو
قاض في قضائه أو متول أمر المسلمين فللإمام
أخذه للمسلمين، وكان عمر إذا ولى أحدا أحصى
ماله لينظر ما يزيد ولذا شاطر العمال أموالهم
حيث كثرت وعجز عن تمييز ما زادوه بعد الولاية،
قاله مالك وشاطر أبا هريرة وأبا موسى وغيرهما،
انتهى. ونقله في الذخيرة، ثم قال إثره: تمهيد
الزائد قد يكون من التجارة والزراعة لا من
الهدية ولا تظن الهدايا بأبي هريرة وغيره من
الصحابة إلا ما لا يقتضي أخذا ومع ذلك
فالتشطير حسن؛ لأن التجارة لا بد أن ينميها
جاه العمل فيصير جاه المسلمين كالعامل والقاضي
وغيره رب المال فأعطى العامل النصف عدلا بين
الفريقين ولذلك لما انتفع عبد الله وعبيد الله
بالمال الذي أخذاه من الكوفة سلفا في القصة
المشهورة، قال عبد الرحمن بن عوف لعمر رضي
الله عنهما: "اجعله قراضا يا أمير المؤمنين"
فجعله قراضا ولولا هذه القاعدة كيف يصير القرض
قراضا، انتهى. فتأمل ذلك وتقدم الكلام على
قصتهما في أول باب القراض فراجعه، والله أعلم.
الرابع: قال ابن فرحون: قال في معين الحكام:
وكذلك الشهود لا يجوز لهم قبول الهدية من أحد
الخصمين ما دامت الحكومة بينهما
الخامس: قال ابن فرحون: قال ابن عبد الغفور:
ما أهدي إلى الفقيه من غير حاجة
(8/114)
__________
فجائز له قبوله وما أهدي إليه رجاء العون على
خصمه أو في مسألة تعرض عنده رجاء قضاء حاجته
على خلاف المعمول به فلا يحل قبولها وهي رشوة
يأخذها، وكذلك إذا تنازع عنده خصمان فأهديا
إليه جميعا أو أحدهما يرجو كل واحد منهما أن
يعينه في حجته أو عند حاكم إذا كان ممن يسمع
منه ويوقف عنده فلا يحل له الأخذ منهما ولا من
أحدهما، انتهى. وقال ابن عرفة، قال بعض
المتأخرين: ما أهدي للمفتي إن كان ينشط للفتيا
أهدي له أم لا فلا بأس وإن كان إنما ينشط إذا
أهدي له فلا يأخذها وهذا ما لم تكن خصومة
والأحسن أن لا يقبل من صاحب الفتيا وهو قول
ابن عيشون وكان يجعل ذلك رشوة.
قلت: قد يخف قبولها لمن كان محتاجا ولا سيما
إن كان اشتغاله بأصولها يقطعه عن التسبب ولا
رزق له عليها من بيت المال وعليه يحمل ما
أخبرني به غير واحد عن الشيخ الفقيه أبي علي
بن علوان أنه كان يقبل الهدية ويطلبها ممن
يفتيه وفي الطراز وظاهره لابن عيشون ومن هذا
انقطاع الرغبة للعلماء والمتعلقين بالسلطنة
لدفع الظلم عنهم فيما يهدونه لهم ويخدمونهم هو
باب من أبواب الرشوة؛ لأن دفع الظلم واجب على
كل من قدر على دفعه عن أخيه المسلم وعن الذمي،
انتهى.
السادس: قال القرافي في آخر كتاب الدعاوى من
الذخيرة:
فرع: قال بعض العلماء: إذا عجزت عن إقامة
الحجة الشرعية فإن استعنت على ذلك بوال يحكم
بغير الحجة الشرعية أثم دونك إن كان الحق
جارية يستباح فرجها بل يجب ذلك عليك؛ لأن
مفسدة الوالي أخف من مفسدة الزنا والغصب،
وكذلك الزوجة، وكذلك استعانتك بالأجناد يأثمون
ولا تأثم، وكذلك في غصب الدابة وغيرها، وحجة
ذلك؛ لأن الصادر من المعين عصيان لا مفسدة
فيه، والجحد والغصب عصيان مفسدة وقد جوز
الشارع الاستعانة بالمفسدة لا من جهة أنها
مفسدة على درء مفسدة أعظم منها كفداء الأسير
فإن أخذ الكفار لمالنا حرام عليهم وفيه مفسدة
إضاعة المال فما لا مفسدة فيه أولى أن يجوز
فإن كان الحق يسيرا نحو كسرة أو تمرة حرمت
الاستعانة على تحصيله بغير حجة شرعية؛ لأن
الحكم بغير ما أمر الله عظيم لا يباح باليسير،
انتهى كلامه بلفظه ولم يذكر غيره فتوجيهه إياه
واقتصاره عليه يقتضي أنه ارتضاه، والله أعلم.
السابع: قال ابن فرحون: أجاز بعضهم إعطاء
الرشوة إذا خاف الظلم على نفسه وكان الظلم
محققا، انتهى. وقال ابن عرفة إثر نقله كلام
بعضهم ويقوم هذا من قولها "وإن طلب السلابة
طعاما أو ثوبا أو شيئا خفيفا رأيت أن يعطوه"
انتهى. وقال البرزلي قبل مسائل الطهارة بنحو
صفحة وفي الطرر: قال ابن عيشون: أجاز بعضهم
إعطاء الرشوة إذا خاف الظلم على نفسه وكان
محقا. وقال قبله: قال أبو بكر بن أويس: يحرم
على القاضي أخذ الرشوة في
(8/115)
يحكم مع ما
يدهش عن الفكر، ومضى وعزر شاهد زور في الملأ
بنداء، ولا يحلق رأسه أو لحيته، ولا يسخمه، ثم
في قبوله تردد
__________
الأحكام يدفع بها حقا أو يشهد بها باطلا وأما
أن يدفع بها عن مالك فلا بأس. ابن عيشون: وإن
تبين له الحق فيمتنع من إنفاذه رجاء أن يعطيه
صاحبه شيئا ثم ينفذه له فإن حكمه مردود غير
جائز ويتخرج على أحكام القاضي الفاسدة إذا
صادف الحق هل يمضي أم لا؟ انتهى. ص: (ولا يحكم
مع ما يدهش عن الفكر ومضى) ش: قال الشيخ زروق
في شرح الإرشاد: كالغضب والهم والجوع والعطش
والضجر والحنق، وكذلك إذا أخذ من الطعام فوق
ما يكفيه فإن حكم وهو بحال ما ذكر مضى، انتهى.
والنهي على المنع انظر أبا الحسن الصغير في
أول كتاب الأقضية والبساطي، والله أعلم. ص:
(وعزر شاهدا بزور في الملأ) ش: قال ابن عرفة:
شاهد الزور: هو الشاهد بغير ما يعلم عمدا ولو
طابق الواقع كمن شهد بأن زيدا قتل عمرا وهو لا
يعلم قتله إياه وقد كان قتله ولو كان لشبهة لم
يكنه وقول الباجي: "من ثبت عليه أنه شهد
(8/116)
وإن أدب التائب
فأهل، ومن أساء على خصمه أو مفت، أو شاهد، لا
بشهدت بباطل كلخصمه كذبت،
__________
بزور فإن كان لنسيان أو غفلة فلا شيء عليه ومن
كثر ذلك منه ردت شهادته ولم يحكم بفسقه" يقتضي
أن غير العامد شاهد زور ويرد بما في استحقاقها
إن شهدوا بموت رجل ثم قدم حيا فإن ذكروا عذرا
كرؤيتهم إياه صريعا في قتلى أو قد طعن فظنوا
أنه قد مات فليس شهادتهم زورا وإلا فهم شهداء
الزور ا هـ. وسئلت عن رجل شهد عند القاضي أن
هذه المرأة ليس لها ولي فزوجها القاضي ثم ظهر
أن لها ولدا ولم يكن الشاهد علم أن لها ولدا
فهل تكون شهادته هذه شهادة زور ويقال فيه إنه
شاهد زور فيكون ذلك قادحا في شهادته أو لا
يقدح ذلك في شهادته ولا يجوز أن ينسب إلى
الزور؛ وإذا نسبه أحد إلى الزور فهل يحرم عليه
ويستحق التعزير وهل يجب على الزوج أن يطلق
المرأة أم لا؟ فأجبت: إذا كان الشاهد لا يعلم
أن للمرأة ولدا فليس بشاهد زور ولا يقدح ذلك
في شهادته بعد ذلك ولا يجوز لأحد أن يقول إنه
شاهد زور ومن قال: إنه شاهد زور فإن القاضي
يزجره على ذلك بحسب ما يراه والنكاح الذي عقده
القاضي مع وجود ولد المرأة صحيح وليس بفاسد
ولا يجب على الزوج أن يطلق الزوجة، نعم لا
يجوز الإقدام عليه إذا علم أن لها ولدا فإذا
وقع ونزل صح النكاح، والله أعلم. ص: (كلخصمه
كذبت) ش: انظر رسم الأقضية من سماع أشهب من
كتاب القذف وفيه: إذا قال رجل لرجل من سراة
الناس: كذبت وأثمت فإنه يعزر بالسوط إذا كان
في
(8/117)
وليسوّ بين
الخصمين، وإن مسلماً وكافراً، وقدم المسافر
وما يخشى فوته، ثم السابق قال: وإن بحقين بلا
طول ثم أقرع
__________
مشاتمة؛ لأنه بمنزلة قوله: "كذاب" وأما إن
نازعه في شيء فقال له: أنت في هذا كاذب آثم
فلا يجب عليه في ذلك أدب وينهى عنه ويزجر إن
كان لا يتعلق به حق فيما نازعه فيه ويجري قول
الرجل للرجل: يا كذاب على التفصيل الذي في
قوله: يا كلب، انتهى. ونقله في النوادر وصاحب
التبصرة في الفصل الحادي عشر في التعزيرات
الشرعية من القسم الثالث وتقدم له شيء من ذلك
في الفصل السادس في سيرته مع الخصوم ومسألة
قول الرجل للرجل: يا كلب ذكرها قبل هذه
المسألة بمسألتين، وكذلك في النوادر، وكذلك في
التبصرة قبل مسألة كذبت وأثمت بيسير وفي
التبصرة في هذا الفصل وفي البيان في مسألة يا
كلب معنى دنيء الهيئة ورفيع القدر، والله
أعلم. وقال القاضي عياض في الإكمال في شرح
حديث الحضري والكندي من كتاب الأيمان في قوله:
"يا رسول الله إن الرجل فاجر لا يبالي ما حلف
عليه ولا يتورع عن شيء" فيه أن الرجل إذا رمى
خصمه حال الخصومة بجرحة أو خلة سوء بمنفعة
يستخرجها في خصامه وإن كان في ذلك أذى خصمه لم
يعاقب إذا عرف صدقه في ذلك بخلاف لو قاله على
سبيل المشاتمة والأذى المجرد، وذلك إذا كان ما
رماه به من نوع دعواه ولينبه بها على حال
المدعى عليه لقول الحضري: "إنه فاجر إلى آخره"
ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ولا زجره
ولو رمى خصمه بالغصب وهو ممن لا يليق به أدب
عندنا ولم تعلق به الدعوى ا هـ. ونقله الأبي
ثم نقل عن القرطبي ما نصه: الجمهور على أدب من
صدر منه شيء من ذلك بعموم تحريم السباب
وأجابوا عن الحديث بأن الكندي علم منه ذلك
وأنه لم يقم بحقه وأنه لم يقصد إذايته وإنما
(8/118)
وينبغي أن يفرد
وقتا أو يوما للنساْ:كالمفتي, والمدرس, وأمر
مدع تجرد قوله عن مصدق
__________
قصد استخراج حقه، انتهى. وقال في المدونة في
كتاب القذف: ومن آذى مسلما أدب، قال ابن ناجي:
ظاهره وإن لم يحضر المؤذى فإن القاضي يؤدبه
إذا كان ذلك بحضرته وهو كذلك وكون القاضي لا
يحكم بعلمه فيما كان بمجلسه إنما هو في
الأموال وأما هذا فيحكم، انتهى. ص: (وإن
بيقين) ش: قال ابن عرفة بعد ذكره ما عزاه
المؤلف للمازري.
قلت: ظاهره إن هذا غير منصوص لأصحابنا وفي
النوادر لأصبغ: إذا قضى بين الخصمين في أمر
اختصما فيه ثم أخذا في حجة أخرى فإن كان بين
يديه غيرهما لم يسمع منهما حتى يفرغ ممن بين
يديه إلا أن يكون شيء لا ضرر فيه لمن حضره فلا
بأس أن يسمع منهما، انتهى. ص: (وينبغي أن يفرد
وقتا أو يوما للنساء) ش: قال القرطبي في شرح
قوله عليه الصلاة والسلام للنساء: "اجتمعن يوم
كذا ". يدل على أن الإمام ينبغي له أن يعلم
النساء ما يحتجن إليه من أمر أديانهن وأن
يخصهن بيوم مخصوص لذلك لكن في المسجد أو ما
كان في معناه لتؤمن الخلوة بهن فإن تمكن من
ذلك بنفسه فعل وإلا استنهض الإمام شيخا يوثق
بعلمه ودينه لذلك حتى يقوم بهذه الوظيفة،
انتهى. ص: (وأمر مدع تجرد قوله عن مصدق
بالكلام) ش: قال ابن عرفة: المدعي من عريت
دعواه عن مرجح غير شهادة والمدعى عليه من
اقترنت دعواه به أي: بالمرجح فقول ابن الحاجب:
"المدعي من تجرد قوله عن مصدق" يبطل عكسه
بالمدعى ومعه بينة، ونحوه لابن شاس،
(8/119)
الكلام وإلا
فالجالب وإلا أقرع فيدعي بمعلوم محقق قال:
وكذا شيء وإلا لم تسمع،
__________
انتهى. ولا يرد ما قاله؛ لأن الكلام في معرفة
المدعي، والبينة إنما يأتي بها بعد معرفة كونه
مدعيا فتأمله، والله أعلم. ص: (فيدعي بمعلوم
محقق، قال وكذا شيء) ش: قال ابن فرحون في
تبصرته: الشرط الأول أن تكون معلومة فلو قال:
لي عليه شيء لم تسمع دعواه؛ لأنها مجهولة،
قاله ابن شاس ولعله يريد إذا كان يعلم قدر حقه
وامتنع من بيانه وقد قال المازري في هذه
الدعوى: وعندي أن هذا الطالب لو أيقن بعمارة
ذمة المطلوب بشيء وجهل مبلغه وأراد من خصمه أن
يجاوبه عن ذلك بإقرار بما ادعى على وجه
التفصيل وذكر المبلغ والجنس لزم المدعى عليه
الجواب أما لو قال: لي عليه شيء من فضلة حساب
لا أعلم قدره وقامت له بينة أنهما تحاسبا
وبقيت له عنده بقية لا علم لهم بقدرها فدعواه
في هذه الصورة مسموعة. وكذلك لو ادعى حقا له
في هذه الدار أو الأرض وقامت له بينة أن له
فيها حقا لا يعلمون قدره فهي دعوى مسموعة
وسيأتي كثير من هذا المعنى في باب القضاء
بالشهادة الناقصة، انتهى. فقوله: "أما إلى
آخره" يدل على أن هذا يسمع بلا خلاف فهو مخصوص
لقول المؤلف: "معلوم" وقوله: "بمعلوم محقق"
نحوه لابن الحاجب فأورد عليه ابن عرفة توجيه
يمين التهمة على القول بها فتأمله، والله
أعلم.
(8/120)
كأظن، وكفاه
بعت وتزوجت، وحمل على الصحيح، وإلا فليسأله
الحاكم عن السبب،
__________
قلت: ومسائل المدونة وغيرها صريحة في أنه تسمع
الدعوى بالمجهول إذا كان لا يعلم قدره، قال في
آخر كتاب الشفعة من المدونة: ومن ادعى حقا في
دار بيد رجل فصالحه منه فإن جهلاه جميعا جاز
ذلك وإن عرف المدعي دعواه منها فليسمه فإن لم
يسمه بطل الصلح ولا شفعة فيه، انتهى. وقال
المتيطي في كتاب الصلح: لو شهد الشهود للقائم
في الدار المقوم فيها بحصة لا يعرفون مبلغها
ففي كتاب ابن حبيب في رواية مطرف عن مالك أنه
يقال للمشهود عليه: أقر بما شئت منها واحلف
عليه فإن أبى، قيل للمشهود له: سم ما شئت منها
واحلف عليه وخذه، فإن أبى، أخرجت الدار من
المطلوب ووقفت حتى يقر بشيء، قال مطرف: وقد
كنا نقول وأكثر أصحابنا: إنه إذا لم يعرف
الشهود الحصة فلا شهادة لهم ولا يلزم المطلوب
شيء حتى، قال ذلك مالك فرجعنا إلى قوله
واستمرت الأحكام به، انتهى.
مسألة: ليس من تمام صحة الدعوى أن يذكر السبب
يؤخذ ذلك من قول المصنف بعد هذا والمدعي عليه
السؤال عن السبب وإذا لم يلزم ذلك فأحرى أن
يكون من شرط صحتها ذكر تسليم المبيع إذا كان
مثليا وهو واضح وهذا بخلاف الشهادة على ما
ذكره ابن فرحون في الفصل الثامن فيما ينبغي
للقاضي أن يتنبه له في أداء الشهادة، والله
أعلم. ثم قال ابن فرحون: الشرط الثاني من شروط
الدعوى: أن تكون مما لو أقر بها المدعى عليه
لزمته كمن ادعى على رجل هبة وقلنا الهبة تلزم
بالقول فيلزم المدعى عليه الجواب بإقرار أو
إنكار وإن قلت بقول المخالف والقول الشاذ
عندنا أن الهبة لا تلزم بالقول فذهب بعض الناس
إلى أن الجواب فيه لا يلزم، وكذلك العدة على
القول بعدم اللزوم وكذا الوصية وذكر شروطا
أخرى، فانظرها فيه وانظر أيضا الباب الثامن
والعشرين من القسم الثاني في القضاء بالاتهام
وأيمان التهم، قال فيه أبو الحسن الصغير:
المشهور أن اليمين تجب بمجرد الاتهام ولم يحقق
الدعوى والظاهر أنه يريد بعد إثبات أن المدعى
عليه ممن تلحقه التهمة فيما ادعي عليه به انظر
بقيته.
فرع: قال ابن فرحون في تبصرته: فصل في تصحيح
الدعوى، والمدعى به أنواع فإن كانت الدعوى في
شيء من الأعيان وهو بيد المدعى عليه فتصحيح
الدعوى أن يبين ما يدعي به ويذكر أنه في يد
المذكور يعني المطلوب بطريق الغصب أو العداء
أو الوديعة أو العارية أو الرهن أو الإجارة أو
المساقاة أو غير ذلك ولا يشترط في الدعوى أن
يسأل الحاكم النظر بينهما
(8/121)
ثم مدعى عليه
ترجح قوله بمعهود أو أصل
__________
بما يوجب الشرع، انتهى. قوله: "أو غير ذلك"
يدخل فيه أن يقول: ضاع مني أو سرق مني ولا
أدري بماذا وصل إلى هذا الذي هو في يديه وهذا
مستفاد من نصوص أهل المذهب، قال اللخمي في
كتاب الشهادات: فصل: وإن ادعى عبدا في يد رجل،
وقال: ادعى عبدا في يد رجل، وقال: أبق مني فإن
كانا من بلد واحد كلف أن يأتي بلطخ أنه ملكه؛
لأن ملك ذلك لا يخفى على جيرانه وأهل سوقه وإن
كان أحدهما طارئا لم يحلف أحدهما الآخر كأنه
إن ادعى الطارئ على المقيم، قال المدعى عليه:
أنت لا تدعي علي معرفة ذلك؛ لأني لست من بلدك
ولا يجوز أن يكون صادقا، وكذلك إن ادعى المقيم
عبدا أتى به الطارئ لم يحلفه؛ لأنه لا علم
عنده هل هو ملكه أم لا فإن أقام شاهدا أنه
عبده حلف معه وإن نكل لم يرد اليمين؛ لأن
الآخر لا علم عنده فلا يحلف على تكذيب الشاهد،
انتهى. انظر بقية كلامه وكلام المدونة وشروحها
وانظر ابن فرحون في فصل توقيف الشيء المدعى
فيه فإن كلامه أصرح من هذا، والله أعلم. ص:
(ثم مدعى عليه ترجح قوله بمعهود أو أصل) ش:
المعهود هو شهادة العرف ونحوه، والأصل استصحاب
الحال، قاله ابن عبد السلام، والله أعلم.
مسألة: قال ابن فرحون في الكلام على القسم
الثالث من أقسام الجواب عن الدعوى ما نصه:
مسألة: إذا ادعى رجل قبل رجل حقوقا وكشفه عن
بعضها وسأله الجواب عما كشفه عنه، فقال له
المطلوب: اجمع مطالبتك حتى أجيبك لم يكن له
ذلك وله أن يطلب من حقوقه ما شاء ويترك ما شاء
وإن كان إنما قال له: هل لك في هذه القرية شيء
غير الابتياع الذي قمت به علي، فقال له خصمه:
جاوبني عن الابتياع أولا فليس له ذلك حتى يقول
له ليس لي دعوى غير الابتياع وحينئذ يلزم
المطلوب الجواب بالإقرار أو الإنكار، قال
المتيطي: وهذا خلاف ما حكاه ابن أبي زمنين في
التفرقة بين المواريث وغيرها؛ لأن المواريث لا
يحاط بها فيلزم المدعى عليه الجواب على ما
ادعي عليه فيها بخلاف غير المواريث لا يلزم
المدعى عليه الجواب حتى يجمع المدعي دعاويه
كلها، انتهى. وذكرها بعد هذا في فصل مسائل
تتعلق بحكم اليمين ونصه: مسألة: قال ابن أبي
زمنين في المقرب: ومن وجبت له على رجل يمين
لبعض ما جرى بينهما من المعاملات في الأخذ
والإعطاء، فقال المدعى عليه للمدعي: اجمع
مطالبك إن كنت تزعم أن لك عندي مطلبا غير هذا
الذي تريد إحلافي عليه لأحلف في جميع ذلك
يمينا واحدة فهو من حق المدعى عليه بخلاف من
وجبت له يمين على صاحبه بسبب ميراث، فقال
المدعى عليه للمدعي: اجمع مطالبك قبلي في هذا
الميراث لأحلف لك على
(8/122)
__________
هذا كله يمينا واحدة لم يكن له ذلك؛ لأن
الميراث لا يحاط بالحقوق فيه وقد تقدم في فصل
الجواب عن الدعوى حكم هذه المسألة وفيها من
الخلاف غير هذا، انتهى. وفي الفصل الثاني من
مفيد الحكام ابن أبي زمنين: ومن لزمتك له يمين
بلا بينة إلا بمجرد الدعوى في قول من يرى ذلك
فلك أن تقول له: اجمع دعاويك كلها قبلي
لأدخلها في يمين ولو لزمتك له بسبب ميراث لم
يكن لك أن تقول: اجمع دعاويك كلها لأدخلها في
يميني؛ لأن الميراث لا يحاط بالحقوق فيه وهذا
الذي أخذناه عن مشيختنا، انتهى. ولم يحك فيه
خلافا وبهذا جرى العمل في هذا الزمان وذكر في
التبصرة بعد هذه المسألة في الموضع الثاني
مسألة من الوثائق المجموعة تشهد لهذا وهي من
ادعى بحقوق وزعم أنه لا بينة له على بعضها وله
بينة على بعضها وأراد استحلافه فيما لا بينة
له فيه بينة ويبقى على إقامة البينة فيما له
فيه فإنه إن التزم أنه إن لم تقم له بينة فيما
زعم أن له فيه بينة لم تكن له يمين على المدعى
عليه فإنه يحلفه الآن فإن أقام البينة وإلا
فلا يمين له عليه وإن لم يلتزم ذلك لم يستعمل
يمينه حتى يقيم البينة فإن أقامها وإلا جمع
دعاويه وحلف له على الجميع، انتهى.
فرع: وإذا قلنا إن الدعاوى تجتمع في يمين
واحدة فإذا كان بعضها مما تغلظ فيه اليمين
وبعضها لا تغلظ فيه اليمين فإن من وجبت عليه
اليمين يخير بين أن يحلف يمينا واحدة في
المسجد وبين أن يحلف على ما لا تغلظ فيه في
غير المسجد ثم يحلف أخرى في المسجد ذكره ابن
سهل في ترجمة جمع الدعاوى في يمين واحدة.
تنبيه: قوله: "ثم مدعى عليه" هذا إذا كان
المدعى عليه ممن يصح إقراره فإن كان ممن لا
يصح إقراره، فقال ابن فرحون في تبصرته: ليس
للحاكم أن يسمع الدعوى على من لا يصح إقراره،
قاله في الفصل الثالث في تقسيم المدعى عليهم،
واعلم أن الدعوى على المحجور على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يدعي عليه بما لا يلزمه ولو
قامت به البينة كالبيع والشراء والسلف
والإبراء فهذا لا يسمع القاضي الدعوى به ولا
البينة،
والقسم الثاني: ما يلزمه في ماله إذا قامت به
البينة ولا يلزمه بإقراره كالغصب والاستهلاك
والإتلاف واستحقاق شيء من ماله ونحو ذلك من
الجراح التي لا توجب القصاص وإنما توجب المال
فهذا يسمع القاضي الدعوى به ويكلف المدعي
إثبات ما ادعاه ويحكم به في مال المحجور ولا
يكلف المحجور إقرارا ولا إنكارا، القسم
الثالث: ما يلزم المحجور إذا أقر به كالطلاق
والجراح التي توجب القصاص إذا كان المحجور
بالغا فهذا تسمع الدعوى فيه ويكلف الإقرار
والإنكار وهذا التقسيم مأخوذ من كلام ابن
فرحون المشار إليه وما ذكره في باب الحجر من
أنه يلزمه الطلاق والحدود ونحو ذلك فتأمله،
والله أعلم. وأما عكس هذا وهو دعوى المحجور
على غيره، فقال في معين الحكام: يجوز للمحجور
طلب حقوقه كلها عند قاض أو غيره ولا يمنع من
ذلك في حضور وصيه أو غيبته، قال ابن بكير: وله
أن يوكل على ذلك ليعلم ما يتوجه إليه وخالفه
غيره في ذلك، انتهى.
(8/123)
بجوابه إن
خالطه بدين أو تكرر بيع وإن بشهادة امرأة لا
بينة جرحت
__________
وقال في المتيطية في الوصايا في فصل تقديم
الوصي، قال غير واحد من الموثقين: وللسفيه طلب
حقوقه بمحضر وصيه وفي مغيبه والخصام فيها وليس
له أن يوكل على طلبها وقال ابن بقي وغيره: له
أن يوكل كما له أن يطلب وعلى هذا مضى العمل،
انتهى. وقال ابن رشد في نوازله: للمحجور أن
يطلب وصيه وغيره بما له قبله من حق ليظهره
وليبينه فإن ظهر من وصيه إنكار لحقه وجحد عزل
عنه، انتهى. وانظر القلشاني عند قول الرسالة
ومن قال: رددت إليك ما وكلتني عليه.
فرع: قال في معين الحكام: ولو طلب يتيم لا وصي
له ولا مقدم حقا له فسأل المطلوب أن يقدم عليه
لأجل الخصام فلا يمكن من ذلك وإذا استحق
اليتيم حقه قدم القاضي من يقبضه له ويجوز
الاحتساب للأيتام إن لم يكن لهم ولي إلا أن
يخاف ضعفه، انتهى. ص: (إن خالطه بدين أو تكرر
بيع وإن بشهادة امرأة) ش: ما قاله الشارح وابن
غازي كاف في ذلك وظاهره أن المرة الواحدة في
الدين تكفي وهو كذلك كما سيأتي في الفرع الآتي
ونصه: فرع: قال في التوضيح وفي سماع يحيى عن
ابن القاسم من كتاب الشهادات فيمن يأتي قوما
بذكر حق كتبه على نفسه لرجل غائب فيشهد بما
فيه لا أرى أن يكتب فيه إذا
(8/124)
إلا الصانع
والمتهم والضيف، وفي معين والوديعة على أهلها
والمسافر على
__________
خاف على نفسه لرجل غائب ليستوجب بذلك مخالطته
فيحلفه إن ادعى عليه بعض الشيوخ فظاهره أن
المرة الواحدة مخالطة، انتهى. كلام التوضيح في
كلامه على الخلطة وقال الشيخ أبو الحسن في
كلامه على نفقة الزوجة من كتاب النكاح الثاني
عن أبي محمد صالح: ينبغي لمن أتاه رجل بكتاب
فيه دين، فقال له: اشهد علي بما فيه أن لا
يشهد إلا بحضور من له الدين خوفا من هذا، قال
الشيخ وذكر الشيخ ابن رشد في سماع يحيى: إن
الموثق إذا أراد أن يتحرز من هذا يكتب أقر
فلان لفلان بدين من غير محضر من المقر له، قال
الشيخ: وهذا أبين مما قاله أبو محمد صالح
فيكتب إقراره كما ذكر ثم لا يحكم له بذلك حتى
سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق
وتحصل الحيازة في كل شيء بالبيع والهبة
والصدقة والعتق والتدبير والكتابة والولاء ولو
بين أب وابنه ولو قصرت المدة إلا أنه إن حضر
مجلس البيع فسكت حتى انقضى المجلس لزمه البيع
في حصته وكان له الثمن وإن سكت بعد العام
ونحوه حتى استحق البائع الثمن بالحيازة مع
يمينه وإن لم يعلم بالبيع إلا بعد وقوعه فقام
حين علم أخذ منه وإن سكت العام ونحوه لم يكن
له إلا الثمن وإن لم يقم حتى مضت مدة الحيازة
لم يكن له شيء واستحقه الحائز وإن حضر مجلس
الهبة والصدقة والتدبير والعتق فسكت حتى انقضى
المجلس لم يكن له شيء وإن لم يحضر ثم علم فإن
قام حينئذ كان له حقه وإن سكت العام ونحوه فلا
شيء له، ويختلف في الكتابة هل تحمل على البيع
أو على العتق قولان، انتهى مختصرا. ص: (وإنما
تفترق الدار من غيرها في الأجنبي ففي الدابة
وأمة الخدمة السنتان ويزاد في عبد وعرض) ش:
يعني أنه إنما يفترق بين الدور وغيرها في مدة
(8/125)
رفقته ودعوى
مريض أو بائع على حاضر المزايدة، فإن أقرّ فله
الإشهاد عليه وللحاكم تنبيهه
__________
الحيازة إذا كانت الحيازة بين الأجانب وأما في
حيازة القرابة بعضهم على بعض فلا يفرق بين
الدور وغيرها، قال ابن رشد في رسم سلف من سماع
ابن القاسم من كتاب الاستحقاق: إن الأقارب
والشركاء بالميراث أو بغير الميراث لا خلاف أن
الحيازة بينهم لا تكون بالسكنى والازدراع ولا
خلاف أنها تكون بالتفويت بالبيع والصدقة
والهبة والعتق والكتابة والتدبير والوطء وإن
لم تطل المدة والاستخدام في الرقيق والركوب في
الدواب كالسكنى فيما يسكن والازدراع فيما
يزرع، قال: والاستغلال في ذلك كالهدم والبنيان
في الدور وكالغرس في الأرضين، ثم قال: ولا فرق
في مدة حيازة الوارث على وارثه بين الرباع
والأصول والثياب والحيوان والعروض وإنما يفترق
ذلك في حيازة الأجنبي بالاعتمار والسكنى
والازدراع في الأصول والاستخدام والركوب
واللباس في الرقيق والدواب والثياب فقد قال
أصبغ: إن السنة والسنتين في الثياب حيازة إذا
كانت تلبس وتمتهن وإن السنتين والثلاثة حيازة
في الدواب إذا كانت تركب وفي الإماء إذا كن
يستخدمن وفي العبيد والعروض فوق ذلك ولا يبلغ
في شيء من ذلك كله بين الأجنبيين إلى العشرة
الأعوام كما يصنع في الأصول، انتهى.
تنبيهات: الأول: علم من كلام ابن رشد أن
اللباس في الثياب كالسكنى في الدور وأنه لا
تحصل حيازة بين الأقارب ولو طالت المدة وأن
الاستقلال في الرقيق والدواب والثياب بمعنى
قبض أجرة العبيد والدواب والثياب كالهدم
والبنيان في العقار فلا تحصل الحيازة بين
الأقارب في الرقيق والثياب والعروض إلا
بالاستغلال ويختلف في مدتها على القولين
السابقين اللذين أشار إليهما المصنف بقوله وفي
الشريك القريب معهما قولان أو بالأمور المفوتة
كالبيع والهبة والصدقة والعتق والوطء ويعلم
هذا من كلام المصنف؛ لأنه لما جعل ذلك مفوتا
بين الأب وابنه علم أنه مفوت في حق غيرهما من
باب أحرى، والله أعلم.
الثاني: فهم من قول المصنف في الأجنبي أن
القريب لا تفترق الدار من غيرها في حقه سواء
كان شريكا أو غير شريك ففيه إشارة إلى ترجيح
القول بتساويهما كما تقدم ذلك.
الثالث: تقدم في كلام ابن رشد الثياب يكفى في
حيازتها السنة والسنتان ولم يتعرض لها المصنف
بل قد يفهم من كلامه دخولها في العروض فتنبه
لذلك.
الرابع: التفصيل الذي ذكرناه عن ابن رشد لا
يؤخذ من كلام المصنف ولم ينقله في التوضيح وهو
أتم فائدة فتأمله، والله أعلم.
الخامس: في المدة التي يسقط بها طلب الدين،
قال في المسائل الملقوطة من الكتب المبسوطة
المنسوب لولد ابن فرحون: الساكت عن طلب الدين
ثلاثين سنة لا قول له ويصدق
(8/126)
عليه وإن أنكر
قال: ألك بينة،
__________
الغريم في دعوى الدفع ولا يكلف الغريم ببينة
لا مكان بينهما حججا لا ينتقلان منها ولا بأس
به من ذلك ثم ذكر هذه المسألة التي ذكرها ابن
فرحون وذكر قوله: وتضفيزهما بلفظ "ولا يضفزهم
حججا لا ينتقلان منها إلى غيرها" انتهى.
فتأمله، والله أعلم. وفي عبارة بعضهم: "ولا
يصفرهما" بصاد مهملة ثم فاء ثم راء مهملة
مضارع صفر وفي بعضها: "يصرفها" بتقديم الراء
على الفاء من الصرف وذلك كله غير صحيح بل
الكلمة بضاد معجمة ثم فاء ثم زاي معجمة مضارع
ضفز، قال في القاموس في فصل الضاد المعجمة من
باب الزاي: الضفز: لقم البعير أو مع كراهته
ذلك والدفع والجماع والعدد والوثب والعقد
والضرب باليد والرجل وإدخال اللجام في الفرس
والضفيز الغليظ ومنها اللقمة الغليظة وأضفزه
التقمه كارها انتهى. وفي المحكم الضفز والضفيز
شعير يحش ثم يبل ويعلفه البعير وقد ضفزت
البعير أضفزه فاضطفز وقيل الضفز أن تلقمه لقما
كبارا وقيل هو أن يكرهه على اللقم وضفزت الفرس
اللجام إذا أدخلته في فيه وضفزه بيده ورجله
ضربه وضفزها أكثر لها من الجماع، قاله ابن
الأعرابي، انتهى. والمعنى لا يدخلها عليهم أو
لا يلزمهم إياها حججا، والله أعلم. وقال في
مختصر الواضحة في الترجمة المذكورة: وإذا
تواضع الخصمان عند القاضي الحجج معنى قوله:
"تواضع الخصمان" والله أعلم. وضع كل واحد حجته
وكتبها وقيدها، والله أعلم. ص: (وإن أنكر،
قال: ألك بينة) ش: ظاهر هذا أن القاضي لا يسمع
من بينة المدعي حتى يسأل المدعى عليه ولا شك
أن هذا هو الأكمل فإن سمع البينة قبل ذلك لم
يكن خطأ، قال في المتيطية في آخر كتاب حريم
البئر: واستحسن أهل العلم أن لا يسمع القاضي
من البينة إلا بعد ثبوت المقالة وعلى ذلك بنيت
الأحكام ومن حجتهم في ذلك أنه قد يمكن أن يقر
المدعى عليه بدعوى فيستغني عن الإثبات ولكنه
إن سمع البينة قبل انعقاد المقالة لم يكن ذلك
من الخطإ الذي يوجب نقض الحكم، انتهى.
تنبيه: للقاضي أن يسمع البينة قبل الخصومة على
مذهب ابن القاسم خلافا لعبد الملك، قال في
المدونة في باب المفقود من كتاب طلاق السنة:
وإن أقام رجل البينة أنه أي: المفقود أوصى له
بشيء أو أسند إليه الوصية سمعت بينته فإذا قضى
بموته بحقيقة أو بتعمير جعلت الوصي وصيا
وأعطيت الموصى له وصيته إن كان حيا وحملها
الثلث ولا أعيد البينة، وكذلك إن أقامت امرأة
بينة أنه زوجها قضيت لها كقضيتي على الغائب،
انتهى. وقال ابن فرحون في
(8/127)
__________
التبصرة في الفصل السادس من الركن الأول من
الباب الخامس من القسم الأول:
مسألة: قال ابن الماجشون العمل عندنا أن يسمع
القاضي من بينة الخصم ويوقع شهادتهم حضر الخصم
أم لم يحضر فإذا حضر الخصم قرأ عليه الشهادة
وفيها أسماء الشهود وأنسابهم ومساكنهم فإن كان
عنده في شهادتهم مدفع أو في عدالتهم مجرح كلفه
إثباته وإلا لزمه القضاء وإن سأله أن يعيد
عليه البينة حتى يشهدوا بمحضره فليس له ذلك
وقال بعض العراقيين: لا يكون إيقاع الشهود إلا
بمحضر الخصم المشهود عليه، قال ابن حبيب: وقال
لي مطرف وأصبغ مثله. وقال فضل وسحنون مثله.
إلا أن يكون الخصم غائبا غيبة بعيدة، انتهى.
وقال في العتبية في أول مسألة من سماع عيسى من
كتاب الأقضية، قال عيسى: وسئل ابن القاسم عن
رجل ادعى وكالة ولم يثبتها بعد وشهود الحق
الذي وكل فيه حضور أيقبل القاضي شهادتهم، قال:
إن خاف أن يخرجوا إلى موضع وكان لذلك وجه قبل
القاضي شهادتهم ثم يثبت الوكالة بعد وإلا فلا
حتى تثبت الوكالة، قال ابن رشد: هذا صحيح على
معنى ما في المدونة وغيرها من قول ابن القاسم
وروايته عن مالك أن القاضي يسمع من البينة قبل
وقت دخول الحكم بها من ذلك قوله في كتاب طلاق
السنة منها: أن القاضي يسمع البينة على
المفقود بأنه أوصى بوصية أو أوصى إلى رجل قبل
الحكم بتمويته ويأتي على قول مطرف وابن
الماجشون أن القاضي لا يقبل من أحد بينة ولا
يسمعها إلا في حال يحكم بها للطالب أو يدفع
بها عن المطلوب أنه لا يسمع من بينته حتى تثبت
وكالته وإن خشي مغيب بينته أشهد على شهادتهم،
انتهى. وقال في النوادر في كتاب أدب القضاء في
إنصاف الخصمين والعدل بينهما: قال مطرف وابن
الماجشون: ولا يسمع من أحد الخصمين إلا بمحضر
صاحبه إلا أن يعرف من المتخلف لددا في تخلفه
فيشكو إليه فيسمع منه ثم ذكر عن المجموعة عن
أشهب كلاما، ثم قال: ومن العدل بين الخصمين أن
لا يجيب أحدهما في غيبة الآخر إلا أن يعرف
لددا من المتخلف أو لم يعرف وجه خصومة المدعي
فلا بأس أن يسمع منه حتى يعلم أمره وإذا جاء
أحدهما ولم يحضر الآخر فلا يسمع منه حجته
وليأمره بإحضار خصمه أو يعطيه طينه أو يكتب
بجلبه إلا أن يكون لم يعلم ما خصومتهما فلا
بأس أن يسمع منه، انتهى. ونقله ابن بطال في
أوائل مقنعه وقال في الباب الذي قبله، قال
محمد بن عبد الحكم: وإذا استعدى رجل على رجل
بدعوى عند الحاكم فإن كان في المصر أو قريبا
منه أعطاه طابعا في جلبه أو رسولا وإن كان
بعيدا من المصر لم يجلبه إلا أن يشهد عليه
شاهدان أو شاهد فإذا ثبت عنده كتب إلى من يثق
به من أمنائه إما أنصفه وإلا فليرتفع معه وأما
القريب من المدينة مثل أن يأتي ثم يرجع ويبيت
في منزله والطريق مأمونة فهذا يرجع بالدعوى
كالذي في المصر، انتهى. ونقله ابن فرحون في
الفصل المتقدم ذكره وأطال الكلام فيه فراجعه،
والله أعلم. ص: (فإن
(8/128)
فإن نفاها
واستخلفه فلا بينة إلا لعذر كنسيان،
__________
نفاها واستحلفه إلى آخره) ش: قوله: "واستحلفه"
يشير إلى أن القاضي لا يستحلف الخصم حتى يطلب
ذلك خصمه، قال ابن فرحون في الفصل السادس في
سيرته مع الخصوم: ومنها أن القاضي لا يستحلف
المدعى عليه إذا أنكر إلا بإذن المدعي إلا أن
يكون من شاهد ذلك ما يدل على أنه أراد ذلك من
القاضي وقد ذكر عن بعض القضاة أن رجلا ادعى
على آخر ثلاثين دينارا فأنكر المدعى عليه
فاستحلفه القاضي، فقال الطالب: لم آخذ في هذه
اليمين ولم أرض بها ولا بد أن تعاد اليمين
فأمر القاضي غلامه أن يدفع عن المطلوب من ماله
ثلاثين دينارا كراهة أن يكلفه إعادة اليمين
التي قضى عليه بها وإذا استحلفه له فلا بد من
حضور المحلوف له أو وكيله فإن تغيب وثبت تغيبه
عند القاضي أقام القاضي من يقضيها، انتهى. وما
ذكره فيما إذا تغيب عن اليمين ذكره البرزلي في
مسائل التفليس، ونصه: من وجبت له يمين على رجل
فتغيب عن قبضها فالقاضي يوكل من يتقاضى عنه
اليمين إذا ثبت مغيب من وجبت له اليمين وشهد
على ذلك من نظره وقال في أوائل الفصل الذي ذكر
فيه مسائل تتعلق بحكم اليمين مسألة: وإذا حلف
الخصم دون حضور خصمه لم تجزه اليمين، وكذلك
إذا بادر باليمين بحضور خصمه قبل أن يسأله ذلك
فإن لم يرض بها قبل أن يسأله لم تجزه انظر
المنتقى للباجي وأحكام ابن سهل انتهى. وعكس
هذا أن يطلب الطالب اليمين من المطلوب بغير
محضر الحاكم وأمره فيحلف له فإن ذلك يكفيه كما
سيأتي عند الكلام على النكول ويحمل قول المؤلف
وله يمينه أنه لم يحلفه عند حاكم أو دون حاكم،
والله أعلم.
فرع: قال ابن فرحون في آخر الفصل الذي ذكر فيه
مسائل تتعلق بحكم اليمين: مسألة: وإذا وجبت
يمين على رجل فأراد الطالب تأخيرها وأراد
المطلوب تعجيلها أو بالعكس فتعجيلها أوجب لمن
طلب ذلك منهما ولا تؤخر، نقله ابن عبد السلام
في بعض تعاليقه عن أبي الفرج، انتهى كلام ابن
فرحون.
فرع: فإذا كانت الدعوى على امرأة وطلب الخصم
أن تحلف بمحضره، فقال البرزلي في كتاب
الشهادات، قال عبد الوهاب: إذا كانت المرأة من
أهل الشرف والقدر جاز للحاكم أن يبعث إليها من
يحلفها؛ لأنه صيانة ولا مقال للخصم؛ لأن من له
إحلافها فليس له ابتذالها، قال البرزلي: يؤخذ
من هذه المسألة أن الطالب لليمين لا يحضر معها
وبعث القاضي يكفي ونزلت وحكم بأنه يقف بحيث
يسمع يمينها ولا يرى شخصها؛ لأنه قابض لليمين
وعلى ما ذكر هنا يكون على وجه النيابة، انتهى.
ص: (فلا بينة إلا لعذر كنسيان) ش: قال ابن
فرحون في الباب الثالث عشر من التبصرة:
تنبيه: قال في المتيطية: ومن الحزم للمدعى
عليه إذا طلب المدعي يمينه أن يلزم المدعي أنه
(8/129)
أو وجد ثانياً
أو مع يمين لم يره الأول، وله يمينه أنه لم
يحلفه أولاً، قال: وكذا أنه عالم بفسق
__________
قد أسقط بينة ما علم منها وما لم يعلم فإذا
عقد على نفسه مثل هذا لم يكن له أن يقدم عليه
بعد يمينه بالبينة، انتهى.
فرع: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة: ولو حلفه
على أنه متى وجد بينة قام بها ففي إعمال شرطه
قولان فانظره، انتهى. ص: (قال: وكذا أنه عالم
بفسق شهوده) ش: انظر إذا ادعى المشهود عليه أن
بينه وبين الشهود عداوة وادعى أن خصمه يعلم
بذلك فهل له أن يحلفه على ذلك أم لا لم أر
الآن فيها نصا وقد سئلت عنه مرارا فأجبت:
الظاهر أن اليمين تلزمه قياسا على هذه المسألة
فتأمله، والله أعلم. ص: (وأعذر بأبقيت لك حجة)
ش: تصوره واضح.
(8/130)
شهوده وأعذر
إليه بأبقيت لك حجة، وندب توجيه متعدد فيه
__________
تنبيهان: الأول: كان المصنف هرب بإفراد الضمير
في قوله: "لك" مما في المدونة من تثنيته؛ لأن
فيها وجه الحكم في القضاء إذا أدلى الخصمان
بحجتهما ففهم القاضي عنهما وأراد أن يحكم
بينهما أن يقول لهما أبقيت لكما حجة فإن قالا:
لا حكم بينهما ثم لا تقبل منه حجة بعد إنفاذه،
انتهى. فقيل الحجة إنما تطلب ممن يتوجه عليه
الحكم وهو المدعى عليه ولهذا اختصرها أبو محمد
بإفراد الضمير لكن أجيب عنها: بأن الحكم تارة
يتوجه على الطالب وتارة على المطلوب؛ لأنه قد
تقوى حجة المدعى عليه فتضعف حجة المدعي فيتوجه
الحكم عليه بالإبراء وغيره فلا بد من الإعذار
فلما كان يعذر تارة إلى هذا وتارة إلى هذا
اختصر وأتى بذلك في لفظ واحد كذا قال عياض
وغيره، انتهى من التوضيح
الثاني: اختلف في وقت الإعذار إلى المحكوم
عليه فقيل قبل الحكم وبه جرى العمل وقيل بعده
ذكره في مفيد الحكام ونقله ابن فرحون في
تبصرته وفي مسائل ابن زرب ولا تتم قضية القاضي
إلا بعد الإعذار، انتهى. وفي آخر وثائق
الجزيري في تسجيل بنقض حكم قضاء قاض فنظر فيه
فتبين له من خطئه وجهله بالسنة ما أوجب فسخ
قضائه عند فلان إذا كان لم يعذر إليه أو لم
يصرح بأسماء الشهود الذين حكم بهم إذ ليس ذلك
جائزا إذ ليس بمشهور بالعدل في الحكم، انتهى.
فعلم منه أن الحكم قبل الإعذار لا يجوز وفي
البرزلي في مسائل الأقضية وحكى ابن فرحون
مسألة طول فيها من ابتياع وخصومة فيها فذكر
فيها أن حكما وقع بغير إعذار فاختلف فيه فذهب
منذر بن إسحاق إلى أن الحكم بغير إعذار غير
صواب ولا هو من وجه الحق؛ لأنه من قبيل من لا
يجب قبوله وليس نظره بحجة، قال: وفيه ضعف وقال
مطرف وابن الماجشون: إذا لم يكتب الإعذار في
الحكم وزعم المكتوب عليه بعد موت الحاكم أو
عزله أنه لم يمكنه من جرح الشاهد فلا يسمع منه
والحكم ماض عليه وقال غيرهما: إن دعي إلى
الإعذار فإنه يعذر إليه وذلك من حقه فإن أتى
بمدفع نظر له وإن لم يأت بمدفع مضى الحكم
بالإعذار إليه ولا يستأنف النظر فيما تقدم من
الحكم لغفلة من غفل عن تتبع حقه، انتهى. ويؤخذ
من المسألة الثانية من سماع عبد الملك بن
الحسن من الاستحقاق أن الغائب على حجته وله
نقض الحكم إذا ظهر ما ينقضه ولو لم ترج له
الحجة؛ لأنه في المسألة المذكورة لم ترج له
الحجة وفي أثناء شرح المسألة الأخيرة من رسم
طلق من سماع ابن القاسم من طلاق السنة في
تعليل المسألة؛ لأن الشهادة لا يجب الحكم بها
إلا بعد الإعذار إلى المشهود عليه، انتهى.
وانظر مختصر الواضحة في باب ما يفسخ فيه حكم
القاضي، والله أعلم. ص: (وندب توجيه متعدد
فيه) ش: الضمير المجرور بفي يعود على الإعذار
المدلول عليه بقوله وأعذر
(8/131)
إلا الشاهد بما
في المجلس وموجهه، ومزكي السر، والمبرز بغير
عداوة، ومن يخشى منه، وأنظره لها باجتهاده ثم
حكم كنفيها وليجب عن المجرح
__________
يعني أنه يستحب للقاضي إذا وجه من يعذر إلى
أحد فليوجه إليه متعددا، قال في معين الحكام:
ينبغي للقاضي أن لا يحكم على أحد حتى يعذر
برجل أو رجلين وإذا أعذر بواحد أجزأه، انتهى.
ص: (وموجهه) ش: وكذا لا إعذار فيمن يوجهه
القاضي في الإعذار إلى شخص أو غيره، قال في
تبصرة ابن فرحون: مسألة: قال أبو إبراهيم ولا
يعذر القاضي فيمن أعذر به إلى مشهود عليه من
امرأة أو مريض لا يخرجان
مسألة: ولا يعذر في الشاهدين اللذين يوجههما
لحضور حيازة الشهود لما شهدوا فيه من دار أو
عقار وقال ابن سرى: سألت ابن عتاب عن ذلك،
فقال: لا إعذار فيمن وجه للإعذار وأما
الموجهان للحيازة فيعذر فيهما وقد اختلف
فيهما.
مسألة: وكذلك الشاهدان الموجهان لحضور اليمين
لا يحتاج إلى تسميتهما؛ لأنه لا إعذار فيهما
على المشهور من القول؛ لأن القاضي أقامهما
مقام نفسه وقيل لا بد من الإعذار فيهما.
(8/132)
ويعجزه إلا في
دم وحبس وعتق ونسب وطلاق، وكتبه، وإن لم يجب
حبس وأدب، ثم حكم بلا يمين، وللمدعى عليه
السؤال عن السبب وقبل نسيانه بلا يمين، وإن
أنكر مطلوب المعاملة فالبينة، ثم لا تقبل بينة
بالقضاء بخلاف لاحق لك عليّ
__________
مسألة: وكذلك الشهود الذين يحضرون تطليق
المرأة وأخذها بشرطها في مسائل الشروط في
النكاح لا يحتاج إلى تسميتهم؛ لأنه لا إعذار
فيهم، انتهى. قال والدي -حفظه الله-: ولعل
المؤلف أشار إلى جميع ذلك وما أشبهه بقوله:
"وموجهه" والله أعلم. ص: (وإن أنكر مطلوب
المعاملة إلى قوله لا حق لك علي) ش: تقدم
الكلام على هذه المسألة في باب الوكالات عند
قول المصنف أو أنكر القبض فقامت البينة فشهدت
بينة بالتلف وانظر الباب السادس والخمسين في
القضاء بموجب الجحود من القسم الثاني من
التبصرة وانظر رسم إن خرجت من سماع عيسى من
كتاب الدعوى والصلح
فرع: قال في أول رسم من سماع عيسى من كتاب
المديان فيمن ادعى على رجل بحق، فقال المدعى
عليه: لا أعرفك ولا كانت بيني وبينك خلطة قط،
ثم ادعى بعد ذلك المدعى عليه قبل المدعي بحق
وأتى عليه ببينة، قال: أرى أن تنفعه بينته إلا
أن تكون بعد ذلك خلطة ابن رشد. إن أقام بينة
عليه من معاملة قائمة قبل إنكاره لم ينتفع بها
وأما إن أقام
(8/133)
وكل دعوى لا
تثبت إلا بعدلين، فلا يمين بمجردها، ولا ترد،
كنكاح وأمر بالصلح ذوي الفضل والرحم كأن خشي
تفاقم الأمر،
__________
البينة بحق له من معاملة حديثة بعد إنكاره قضى
له بها وإن لم تكن بينهما خلطة وإن قالت
البينة: لا ندري هل كانت المعاملة قبل الإقرار
أو بعده فالقول قول الطالب مع يمينه إنها بعد
الإقرار، انتهى. ص: (وكل دعوى لا تثبت إلا
بعدلين فلا يمين بمجردها) ش: قال في المسائل
الملقوطة وفي أحكام ابن سهل: وإن ادعى عليه
أنه قذفه لم تجب عليه اليمين إلا إن شهدت بينة
بمنازعة وتشاجر كان بينهما فتجب اليمين حينئذ،
انتهى. وقال الرعيني في كتاب الدعوى والإنكار:
وإذا ادعى رجل على رجل أنه عبده وأنكر الآخر
ذلك. فلا قول للمدعي إلا ببينة ولا يمين على
المدعى عليه وهو حر وإذا كان عبد بيد رجل مقر
له بالملك ثم ادعى بعد ذلك
(8/134)
ولا يحكم لمن
لا يشهد على المختار
__________
الحرية فعليه البينة، انتهى. وانظر بقية فروع
المسألة فيها، والله أعلم. ص: (ولا يحكم لمن
لا يشهد له على المختار) ش:
تنبيه: قال ابن فرحون في تبصرته في الركن
الثالث المقضى له:
مسألة: وفي ابن يونس: لا ينبغي للقاضي أن يحكم
بين أحد من عشيرته وبين خصمه وإن رضي الخصم
بخلاف رجلين رضيا بحكم رجل، انتهى.
فرع: قال ابن الحاجب: ولا يحكم على عدوه، قال
في التوضيح: هو متفق عليه واتفاقهم هنا
واختلافهم في الأولى يعني الحكم للقرابة يدل
على أن مانع العداوة أقوى من مانع المحبة،
انتهى. وسيقول المصنف إن مما ينتقض فيه حكم
القاضي حكمه على عدوه وهو كذلك وصرح به في
النوادر وقال فيها أيضا، قال سحنون: أصله أن
من لا تجوز شهادته عليه فلا يجوز أن يقضي عليه
ولا أن يحكم برد شهادته ولينفذ شهادته غيره
إذا ولي في ذلك الشيء وفي غيره، وقاله ابن
المواز إذا ثبت أن بينه وبين القاضي الذي رد
شهادته عداوة، انتهى. وممن تجوز شهادته عليه
يتيم عدوه على الأصح فيصح حكمه عليه، والله
أعلم.
فرع: قال ابن عرفة الشيخ لأشهب في المجموعة
وكتاب ابن سحنون: لا يجوز أن يقضي القاضي
لنفسه. ولابن رشد في رسم تأخير صلاة العشاء من
سماع ابن القاسم: له الحكم بالإقرار على من
انتهك ماله فيعاقبه ويتمول المال بإقراره ولا
يحكم بشيء من ذلك بالبينة ودليله قطع الصديق
رضي الله عنه يد الأقطع الذي سرق عقد زوجته
أسماء لما اعترف بسرقته هذه الرواية الصحيحة،
انتهى. يعني بقوله: "هذه الرواية الصحيحة"
قطعه باعترافه فإنه روي أنه قطعه بالبينة،
والأول أصح، قاله ابن رشد في الرسم المذكور من
كتاب الأقضية ولم يذكر ابن رشد ما تقدم إلا
على أنه المذهب ونصه: قيل لمالك: أرأيت الذي
يتناول القاضي بالكلام فيقول: قد ظلمتني، قال:
إن ذلك ليختلف ولم يجد فيه تفسيرا إلا أن وجه
ما قاله إذا أراد بذلك أذاه وكان القاضي من
أهل الفضل أن يعاقبه ابن رشد: وهذا كما قال؛
لأن للقاضي الفاضل أن يحكم لنفسه بالعقوبة على
من تناوله بالقول وأذاه بأن نسب إليه الظلم
والجور مواجهة بحضرة أهل مجلسه بخلاف ما يشهد
به عليه أنه أذاه به وهو غائب؛ لأن
(8/135)
__________
ما واجهه به من ذلك هو من قبيل الإقرار وله أن
يحكم بالإقرار على من انتهك ماله فيعاقبه به
أي: بإقراره ويتمول المال بإقراره ولا يحكم في
شيء من ذلك بالبينة والأصل في ذلك قطع أبي بكر
رضي الله عنه يد الأقطع الذي سرق عقد زوجته
أسماء لما اعترف بسرقته وإن كان في حديث
الموطإ فاعترف به لأقطع أو شهد عليه على الشك،
فالصواب ما في غير الموطإ أنه اعترف به من غير
شك إذ لو لم يعترف لما قطعه بالبينة كما لو
كان المسروق له إذ لا فرق بين كونه له أو
لزوجته في هذا؛ لأن متاعها كمتاعه والدليل على
ذلك قول عمر رضي الله عنه لعبد الله بن
الحضرمي لما جاءه بغلامه فقال: إن هذا سرق مرة
لامرأتي لا قطع عليه هذا خادمكم سرق متاعكم
ألا ترى أن الرجل لا يجوز أن يشهد لنفسه فإن
كان يحكم بالإقرار في مال كما يحكم به في مال
غيره كان أحرى أن يحكم بالإقرار في عرضه كما
يحكم به في عرض غيره لما يتعلق في ذلك من الحق
لله؛ لأن الجرأة على القضاة والحكام بمثل هذا
توهين لأمرهم وداعية إلى الضعف عن استيفاء
الحقائق في الأحكام فالمعاقبة في مثل هذا أولى
من التجاوز والعفو، وقاله في الواضحة، انتهى.
فرع: قال ابن عرفة: قال اللخمي: وما اجتمع فيه
حق له ولله في جواز حكمه فيما هو لله كمن شهد
عنده عدلان بأنه سرق من ماله ما يقطع فيه في
حكمه بقطعه قولا ابن المواز وابن عبد الحكم
قلت: هذا يوهم أن قول محمد إنما هو فيما شهد
به عدلان وفي النوادر ما نصه: قال أشهب في
المجموعة: إن أخذ القاضي فله قطعه ولا يحكم
عليه بالمال وكذا في الموازية وفي المجموعة
وكذا في محارب قطع عليه الطريق فليحكم عليه
بحكم المحارب ولو جاء تائبا.
فرع: مما يجري مجرى القاضي في المنع من الحكم
لمن يتهم عليه المفتي يعني لمن يتهم عليه ممن
لا تجوز شهادته له وينبغي للمفتي الهروب من
مثل هذا، انتهى من الركن الثالث المقضى له.
فرع: قال الأقفهسي في شرح المختصر في آخر باب
الأقضية: وسئل ابن أبي زيد هل يجوز الحكم
للمغترقي الذمم بالمغصوب الممتنعين باليد
القاهرة على أحد ولا يجوز الحكم لا لهم ولا
عليهم وما لم يعلم له مالك ولا هو عين المغصوب
مما بأيديهم فهل يحكم له بحكم الفيء أم لا؟
فأجاب من كان مغترق الذمة فلا يحكم له بما ليس
له ولو كان عين الغصب وما بأيديهم إذا لم يعلم
له مالك معروف ولا يعرف وارث مالكه ولا من
يستحقه على حال من الأحوال ولا يمكن أن يتحاصص
في ماله بتجر ولا غيره إذ لا يحصل ما غصب ولا
أقر به ولا يمكن تحريه فإن كان ممن غصبه فقراء
فيفرق فيهم ويعطى منهم من كان صغيرا قدر ما
يرى وإن كان لا يوجد فيمن غصبه مستحق للصدقة
كان حكمه حكم الفيء وذلك حكم
(8/136)
ونبذ حكم جائر،
وجاهل لم يشاور، وإلا تعقب ومضى غير الجور،
ولا يتعقب حكم العدل العالم ونقض، وبيّن السبب
مطلقاً ما خالف قاطعاً،
__________
ما في بيت المال ينظر ما هو أنفع يعمل به أما
الصدقة أو بناء القناطر أو جميع ما يصرف فيه
متاع بيت المال وقد وقع في هذا قولان: أحدهما:
يوضع ذلك في بيت المال، والآخر: في الفقراء
وهي ترجع إلى قول واحد، انتهى. ص: (ونبذ حكم
جائر إلخ) ش: هذا كما قال: القضاة ثلاثة:
الأول: الجائر فتنبذ أحكامه كلها أي: تطرح
وترد سواء كان عالما أو جاهلا
(8/137)
أو جلي قياس
كاستسعاء معتق، وشفعة جار، وحكم على عدو، أو
بشهادة كافر، أو ميراث ذي رحم، أو مولى أسفل
أو بعلم سبق مجلسه، أو جعل بتة واحدة أو أنه
قصد كذا فأخطأ ببينة، أو ظهر أنه قضى بعبدين
أو كافرين أو صبيين أو فاسقين كأحدهما
__________
وظاهره ولو علم أن ما حكم به حق، والثاني:
الجاهل فإن كان لم يشاور العلماء نبذ حكمه
(8/138)
إلا بمال فلا
يرد إن حلف وإلا أخذ منه إن حلف، وحلف في
القصاص خمسين مع عاصبه، وإن نكل ردت وغرم شهود
علموا، وإلا فعلى عاقلة الإمام،
__________
مطلقا أيضاً؛ لأن أحكامه كلها باطلة؛ لأنها
بالتخمين وإن كان يشاور العلماء تعقبت أحكامه
وأمضي منها ما ليس فيه جور ونبذ الآخر،
والثالث: العدل العالم فلا تتعقب أحكامه ولا
ينظر فيها إلا أن يرفع أحد قضيته ويذكر أنه
حكم فيها بغير الصواب فينظر في تلك القضية
وتنقض إن خالفت نصا قاطعا أو جلي قياس، قال في
العمدة: وإذا حكم بحكم لم يكن له ولا لغيره
نقضه إلا أن يحكم بجهل أو يخالف قاطعا أو يكون
جورا بينا، انتهى. وقال في المسائل الملقوطة
وفي مختصر الواضحة: وعلى القاضي إذا أقر
بالجور أو ثبت عليه ذلك بالبينة العقوبة
الموجعة ويعزل ويشهر ويفضح ولا تجوز ولايته
أبدا ولا شهادته وإن أحدث توبة وصلحت حالته
بما اجترم في حكم الله تعالى، انتهى.
(8/139)
__________
فرع: اختلف في أحكام العمال فظاهر قول مالك في
رسم سلف من سماع ابن القاسم من الأقضية أنها
محمولة على الرد حتى يتبين أنها كانت أمضيت
بحق فتجوز وهو خلاف ما وقع من قوله في المدونة
فيما قضت فيه ولاة المياه أن ذلك جائز إلا أن
يكون جورا بينا؛ لأن هذا يقتضي أنها على
الإجازة فلا ينظر فيها ولا تتعقب ما لم يتبين
فيها الجور البين وهذا الاختلاف إنما يصح في
غير العدل من الولاة، فمرة رآها جائزة ما لم
يتبين الجور وهو مذهب أصبغ ومرة رآها مردودة
ما لم يتبين فيها الحق وهذا هو اختيار ابن
حبيب وأما العدول منهم فلا اختلاف أن أحكامهم
محمولة على الجواز وأنها لا يرد منها إلا ما
تبين فيه الجور ويحتمل أن يحمل ما في المدونة
على العدل وما في سماع ابن القاسم على غيره
فلا يكون اختلاف من قول مالك.
فرع: قال ابن رشد: وإن جهل حاله فالذي أقول به
إنه ينظر إلى الذي ولاه فإن كان عدلا فهو
محمول على العدالة وإن كان جائرا يولي غير
العدول فهو محمول على غير العدالة وإن كان غير
عدل إلا أنه لا يعرف بالجور في أحكامه وتوليته
غير العدول جرى ذلك على الاختلاف في جواز
أحكامه، انتهى. وفي شرح مسلم للقرطبي في كتاب
الإمارة في بعث معاذ وأبي موسى رضي الله عنهما
إلى اليمن وقتل المرتد، قال: وفيه يعني الحديث
حجة على أن لولاة الأمصار إقامة الحدود في
القتل والزنا وغير ذلك وهو مذهب كافة العلماء
مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم واختلف في
إقامة ولاة المياه وأشباههم لذلك فرأى ذلك
أشهب لهم إذا جعل ذلك الإمام لهم وقال ابن
القاسم نحوه وقال الكوفيون: لا يقيمه إلا
فقهاء الأمصار ولا يقيمه عامل السواد واختلف
في القضاة إذا كانت ولايتهم مطلقة غير مقيدة
بنوع من الأحكام فالجمهور على أن جميع ذلك لهم
من إقامة الحدود وإثبات الحقوق وتغيير المنكر
والنظر في المصالح قام بذلك قائم أو اختص بحق
الله وحكمه عندهم حكم الوصي المطلق في كل شيء
إلا ما يختص بضبطه بيضة الإسلام من إعداد
الجيوش وجباية الخراج، انتهى. ونحوه لعياض في
الإكمال.
فرع: قال ابن رشد أيضا: واختلف الشيوخ عندنا
في أحكام ولاة الكور فأمضاها أبو إبراهيم ولم
يجزها اللؤلئي حتى يجعل إليه مع القيادة
والنظر في أمور الكورة النظر في الأحكام
واستحسن ابن أبي زمنين إذا كان للكورة قاض قد
أفرد للنظر في الأحكام أن لا يجوز حكم الولاة
وإن لم يكن لها قاض أن يجوز حكمهم لما للناس
في ذلك من الرفق وهذا أحسن الأقوال وأولاها
بالصواب؛ لأنه إذا ولي مع القائد حاكم فقد بان
أنه حجر عليه الحكم في الأحكام وإذا لم يول
معه وجب أن يجوز حكمه كما قال مالك في ولاة
المياه، انتهى من الرسم المذكور وولاة المياه،
قال في التنبيهات: وولاة المياه البوادي الذين
يسكنون
(8/140)
و في القطع حلف
المقطوع أنها باطلة ونقضه هو فقط، إن ظهر أن
غيره أصوب أو خرج عن
__________
على المياه خلاف أهل الأمصار، انتهى. ص: (وفي
القطع حلف المقطوع أنها باطلة) ش: يعني فإن
كانت الشهادة في قطع فإن شهدا أن هذا قطع يد
هذا عمدا ثم تبين أن أحدهما عبد أو كافر أو
صبي أو فاسق فإنه يحلف المحكوم له بالقصاص فإن
نكل حلف المقطوع يده على رد شهادة الشاهد
واستحق دية يده، قال ابن عبد السلام: وحكمها
حكم الدية في المسألة الأولى يعني مسألة
القصاص فيكون الحكم على ما قال المصنف إن
الغرم على الشهود إن علموا وإلا فعلى عاقلة
الإمام وفي كتاب الحدود من المدونة وإن شهدا
عليه بقطع يد رجل عمدا فاقتص منه ثم تبين أن
أحدهما عبد أو من لا تجوز شهادته لم يكن على
متولي القطع شيء، قال: وهذا من خطأ الإمام،
قال أبو الحسن في المهمات: قلت: فهل للمقتص
منه على الذي اقتص له شيء؟ انتهى. قال: لم
أسمع عن مالك فيه شيئا، قلت: فهل على الذي
اقتص شيء؟ قال: وهذا من خطأ الإمام اللخمي:
يريد إذا لم يعلم الحر أن الذي معه عبد،
انتهى. ص: (ونقضه هو فقط إن ظهر أن غيره أصوب
إلخ) ش: هذا ما دام على ولايته التي حكم فيها
بذلك الحكم، قال في وثائق الجزيري: وللقاضي
الرجوع عن حكمه فيما فيه الاختلاف ما دام على
خطته وليس لمن ولي بعده نقض ذلك الحكم إذا
وافق منه قول قائل وإن كان ضعيفا، وكذلك ليس
له هو نقضه إن عاد إلى الحكم بعد العزل
وللقاضي فسخ حكم قاض حكم على من بينه وبينه
عداوة أو بين أبويهما أو بين الحاكم وأبي
المحكوم عليه ولا ينفذ حكمه عليه، وكذلك حكم
الشهادة عليه وإن كان أعدل خلق الله وقد قال
ابن القاسم: لا تجوز شهادته عليه ولو كان مثل
سليمان بن القاسم وكان سليمان هذا في غاية من
الزهد والورع ولو كانت العداوة في الله لجازت
أحكامه وشهادته، انتهى. وقال في المتيطية في
كتاب الأقضية:
(8/141)
رأيه أو رأي
مقلده ورفع الخلاف لا أحل حراماً
__________
للقاضي الرجوع عما حكم به وقضى فيه مما فيه
اختلاف بين أهل العلم وفيما تبين له فيه الوهم
ما دام على قضائه فإن عزل أو مات نفذ حكمه ولم
يكن لغيره فسخه ما لم يتبين فيه جور أو يكون
قد قضى بخطأ لا اختلاف فيه بين أهل العلم وما
حكم فيه مما فيه اختلاف وإن كان وجها ضعيفا
فلا يحل لأحد سواه فسخه، قال ابن القاسم:
وكذلك إن عزل القاضي ثم صرف إلى خطة فليس له
أن ينقض ما حكم به إلا ما يكون له من نقض قضاء
غيره، وعزله وتوليته كعزله وتوليته غيره ثم
نقل عن ابن عبد الحكم أنه ليس له رجوع عما حكم
به ثم ذكر أن الخلاف إنما هو إذا حكم بذلك وهو
يراه باجتهاده وأما إن قضى بذلك وهلا أو
نسيانا أو جهلا فلا ينبغي الخلاف في أنه يجب
عليه أن يرجع عنه إلى ما رأى إذ قد تبين له
الخطأ، انتهى. وقال البرزلي في أوائل مسائل
القضاء: ابن يونس في المجموعة عن أشهب: إذا
اشتكى رجل القاضي أنه جار عليه وحكم عليه بغير
الحق فيكشف عن ذلك فإن أخطأ في رأيه وتبين
للعلماء نهاه عن إنفاذه وإن خف على الإمام
جمعهم عنده فعل وإلا أقعد معه رجالا من أهل
العلم والصلاح ويأمرهم بالنظر فيه ولا ينفرد
دونهم ولا ينفعه قوله: "كنت حكمت قبل قعودهم"؛
لأنه مدع إلا أن يقيم بينة أنه كان حكم فينظر
في ذلك الإمام فإن كان صوابا أو فيه خلاف مضى
وإلا فسخ، انتهى. ص: (ورفع الخلاف لا أحل
حراما) ش: قال في النوادر في كتاب الأقضية في
ترجمة ما يحل بحكم الحاكم: ولو طلق امرأته
ألبتة فخاصمته إلى من يراها واحدة والزوجة
مذهبها أنها ثلاث والزوج أيضا ممن يرى أن
ألبتة ثلاث فلا يحل للزوج أن يقربها حتى تنكح
زوجا غيره ولا يبيح له الحاكم أن تمكنه من
نفسها حتى تنكح زوجا غيره من قبل أن الحكم لا
يحل لهما ما هو عليهما حرام، وكذلك لو قال
لعبده: اسقني الماء يريد بذلك عتقه والسيد يرى
أنه لا يلزمه في مثل هذا عتق وإن نواه والعبد
يراه عتقا فللعبد في هذا أن يذهب حيث شاء بما
حكم له ولو قال لزوجته: اختاري، فقالت: قد
اخترت نفسي وهي
(8/142)
ونقل ملك وفسخ
عقد، وتقرر نكاح بلا ولي حكم،
__________
تذهب إلى أن الخيار ثلاث والزوج يراه واحدة
فإن الحكم لا يبيح للمرأة أن تمكن الزوج منها
ولتمنعه جهدها ولو رفعها إلى قاض يرى الخيار
طلقة فارتجعها الزوج فلا يبيح لها الحكم ما هو
عندها حرام ولا يحل لها أن يأتيها الزوج إلا
وهي كارهة، انتهى. ص: (ونقل ملك وفسخ عقد
وتقرر نكاح بلا ولي حكم) ش: تصوره واضح، قال
في تبصرة ابن فرحون في الفصل الثاني من القسم
الأول من الركن السادس في كيفية القضاء ما
نصه: اعلم أن القاضي إذا حكم بفسخ نكاح أو بيع
أو إجارة وشبه ذلك لموجب من موجبات الفسخ وذلك
في مسألة مختلف فيها ومثار الخلاف فيهما
اجتهادي أي: ليس فيها نص جلي يمنع من الاجتهاد
فإن حكم الحاكم لا يتعدى ذلك الفسخ وأما ما
يتبع ذلك من الأحكام والعوارض فذلك القاضي
بالنسبة إليها كالمفتي، وكذلك لو حدثت قضية
أخرى مثل القضية التي حكم فيها بالفسخ في
ولاية ذلك القاضي ولم ترفع إليه أو رفعت إليه
ولم ينظر فيها حتى عزل أو مات فإنها تحتاج إلى
إنشاء نظر آخر من القاضي الأول أو من القاضي
الثاني وسبب ذلك أن حكم القاضي لا يتعلق إلا
بالجزئيات لا بالكليات، انتهى.
فرع: إذا باع الحاكم على مفلس أو يتيم أو فعل
عقدا من العقود فهل ذلك حكم منه بذلك الفعل أم
لا؟ الظاهر أنه ليس بحكم وقد نقل في التوضيح
في بيع البراءة عن المازري
(8/143)
لا أجيزه أو
أفتي
__________
ما يقتضي ذلك، والله أعلم. وانظر تبصرة ابن
فرحون فإنه نقل عن القرافي أن ما تولاه من
العقود من بيع أو نكاح من في ولايته ليس بحكم.
فرع: قال ابن رشد في نوازله: إشهاد القاضي على
نفسه بثبوت العقد عنده حكم بعدالة البينة عنده
فلا يلزم أن يعيد الشهود شهادتهم عند غيره؛
لأن ذلك يوجب أن لا يحكم بشهادتهم إلا بعد
علمه بعدالتهم أو بعد تزكيتهم عنده وإذا ثبت
عنده أن القاضي الأول أشهد بثبوت العقد عنده
قضى بشهادتهم بعد الإعذار دون تزكية وإن لم
يعرف عدالة، انتهى. ووقع في كلامه بعد ذكره
مسألة تخالف ما ذكره في هذه المسألة.
مسألة: سئلت عن مسألة وهي ما إذا أسند شخص
وصيته على أولاده إلى شخص وأثبت ذلك حاكم
مالكي وحكم به فهل للحاكم الحنفي أو غيره أن
يثبت رشد ذلك المحجور ويفك عنه الحجر؟ فأجبت:
بأنه إذا حكم المالكي بصحة الوصية فلا ينافي
ذلك حكم الحنفي أو غيره بفك الحجر عنده بما
يوجب ذلك وأما إذا حكم المالكي بموجب الوصية
فللحنفي إذا أنس منه الرشد وثبت ذلك عنده أن
يحكم بفك الحجر لثبوت الرشد عنده وأما إذا
أراد أن يفك الحجر بغير ذلك كما يذكر عن
الحنفية أن الشخص إذا بلغ خمسا وعشرين سنة
انفك عنه الحجر وإن لم يؤنس رشده فليس له ذلك؛
لأن ذلك مناف لحكم المالكي بموجب الوصية؛ لأن
من موجبها أنه لا ينفك عنه الحجر إلا بإيناس
الرشد فتأمله، والله أعلم.
فرع: قال القرافي في الفرق الثالث بعد
المائتين: الإقطاع حكم من أحكام الأئمة لا
(8/144)
ولم يبعد
لمماثل بل إن تجدد فالاجتهاد كفسخ برضع كبير،
وتأبيد منكوحة عدة وهي كغيرها في المستقبل،
ولا يدعوا لصلح إن ظهر وجهه لا يستند لعلمه،
إلا في التعديل والجرح كالشهرة بذلك
__________
ينقض وذكره في الذخيرة في باب إحياء الموات،
والله أعلم. ص: (كفسخ برضاع كبير وتأبيد
منكوحة عدة) ش: ما ذكره ابن عرفة من البحث مع
ابن شاس وتفريقه بين المثالين ظاهر؛ لأن حكم
القاضي في رضاع الكبير بفسخ النكاح مستلزم
لحكمه لتحريم رضاع الكبير إذ لا موجب للفسخ
سواه فحكم الثاني بصحة النكاح الثاني رافع
لحكم الأول بتحريم رضاع الكبير فلا يصح حكمه
بذلك بخلاف حكمه بفسخ نكاح المعتدة فإنه لا
يستلزم الحكم بتأبيد حرمتها؛ لأن الفسخ لكون
النكاح في العدة فاسدا، وتأبيد التحريم أمر
وراء ذلك اختلف فيه العلماء هل يستلزمه النكاح
في العدة أم لا؟ وأما الفسخ فلا تعلق له به
نعم وقع في عبارة ابن شاس التي نقلها الجماعة
عنه منهم ابن عرفة أن للقاضي فسخ نكاح المعتدة
وحرمتها فإن كان مرادهم بقولهم: "حرمتها" أنه
حكم بحرمتها عليه للفسخ فما قالوه ظاهر وإن
كان مرادهم أن القاضي حكم بتأبيد تحريمها فكيف
يصح حكم القاضي الثاني بصحة النكاح الثاني
ولعلهم فهموا المعنى الأول وأما على المعنى
الثاني فلا يجوز للقاضي الثاني أن يحكم بصحة
النكاح الثاني
(8/145)
أو إقرار الخصم
بالعدالة، وإن أنكر محكوم عليه إقراره بعده لم
يعده، وإن شهد بحكم نسيه أو
__________
تنبيه: لو رفع نكاح الناكح في العدة لقاض ففسخ
ثم تزوجها ذلك الزوج بعد انقضاء العدة
والاستبراء من وطئه فرفع ذلك لقاض يرى تأبيد
تحريمها ففسخ النكاح حينئذ ولا يصح لقاض آخر
أن يحكم بصحة نكاحها بعد ذلك؛ لأن فسخ هذا
النكاح الثاني مستلزم للحكم بتأبيد تحريمها
على النكاح في العدة إذ لا مقتضى للفسخ سواه
فتأمله، والله أعلم. ص: (أو أقر الخصم
بالعدالة) ش: انظر ابن عرفة ورسم الشجرة يطعم
بطنين من سماع ابن القاسم من الشهادات وتقدم
كلام ابن رشد على مسألة الرسم المذكور وما
حصله في ذلك في باب الإقرار عند قول المصنف لو
شهد فلان غير العدل ص: (وإن أنكر محكوم عليه
إقراره بعده لم يفده) ش: تقدم كلام التوضيح
عند قول المصنف: "وشهودا" أن الخصم إذا أقر
عند الحاكم فالمشهور أنه لا يحكم عليه ابتداء
بما أقر به عنده في مجلسه حتى يشهد عنده
بإقراره شاهدان ومقابله أن له ذلك، وكلام
المصنف هذا بعد الوقوع والنزول وهو فيما إذا
أقر عنده وحكم عليه قبل أن يشهد على إقراره
فأنكر الخصم الإقرار والمعنى أن الحاكم إذا
حكم مستندا لإقرار المحكوم عليه في مجلسه من
غير أن يشهد على إقراره مقلدا للقول بجواز ذلك
فإن حكمه بذلك لا ينقض كما تقدم فإذا قال
الحاكم: حكمت عليه بمقتضى إقراره عندي، فقال
المحكوم عليه: لم أقر عنده فلا يفيده ذلك
والقول قول الحاكم، هكذا فرض المسألة في
التوضيح
(8/146)
أنكره أمضاه
وأنهى لغيره بمشافهة إن كان كل بولايته،
__________
وغيره، قال في النوادر: فإن جهل وأنفذ عليه هو
حكمه بما أقر به عنده في مجلس الحكم ولم يشهد
عليه بذلك غيره فلينقض هو ذلك ما لم يعزل فأما
غيره من القضاة فلا أحب له نقضه في الإقرار
خاصة في مجلس القضاء وأما ما كان قبل أن
يستقضي أو رآه وهو قاض أو سمعه من طلاق أو زنا
أو غصب أو أخذ مال فلا ينفذ منه شيء فإن نفذ
منه شيء فلا ينفذه أحد غيره من الحكام
ولينقضه، انتهى.
فرع: فإذا أنكرت البينة أن تكون شهدت عند
القاضي بما حكم به وهو يقول شهدتم وحكمت
بشهادتكم فاختلف في ذلك، قال في النوادر في
كتاب أدب القضاة في ترجمة القاضي يقول حكمت
لفلان ما نصه: قال ابن القاسم في المجموعة في
القاضي يقول لرجل قضيت عليك بكذا بشهادة عدول
فأنكر وقال: ما شهدوا علي وسأل الشهود
فأنكروا، فقال القاضي: قد نزعوا، قال: يرفع
ذلك إلى سلطان غيره فإن كان القاضي ممن يعرف
بالعدل لم ينقض قضاؤه أنكر الشهود أو ماتوا
وإن لم يعرف بالعدالة لم ينفذ ذلك وابتدأ
السلطان النظر في ذلك، وقاله سحنون، قال
سحنون: ولا يرجع على الشهود بشيء، انتهى. وقال
اللخمي: إن أنكرت البينة أن تكون شهدت عليه
بتلك الشهادة كان فيها قولان هل يقبل قولهما
وينقض الحكم أو يمضي ويعد ذلك منهما رجوعا
وقال ابن القاسم: يرفع ذلك الأمر إلى السلطان
فإن كان القاضي عدلا لم ينقض قضاؤه، قال
سحنون: ولا يرجع على الشهود بشيء، وقال ابن
المواز في كتاب الرجوع عن الشهادة إذا حكم
القاضي بشهادة رجلين على رجل بمائة دينار ثم
أنكر الشاهدان، وقالا: إنما شهدنا بالمائة
للآخر المحكوم عليه والقاضي على يقين أن
الشهادة كانت على ما حكم، قال: فعلى القاضي أن
يغرم المائة للمحكوم عليه؛ لأن الشهود شهدوا
بخلاف قوله، ولا يجوز للقاضي أن يرجع على
المشهود له؛ لأنه يقول حكمت بحق وهذا خلاف قول
ابن القاسم؛ لأنه نقض الحكم فيما بين الحاكم
والمحكوم عليه وأغرم المال برجوع البينة
وينبغي على أصله إذا كان الحاكم فقيرا أن
ينتزع المال من المحكوم له ويرد إلى المحكوم
عليه إذا رفع ذلك إلى حاكم غير الأول، انتهى.
قلت: وهذا القول غير ظاهر، والله أعلم. ثم قال
اللخمي وإن قال القاضي: أنا أشك أو وهمت نقض
الحكم فيما بين المحكوم له والمحكوم عليه
ويرجع الأمر إلى ما تقوله البينة الآن
(8/147)
وبشاهدين
مطلقاً واعتمد عليهما، وإن خالفا كتابه وندب
ختمه، ولم يفد وحده وأديا وإن
__________
ويكون على المحكوم له أن يغرم مائتين، المائة
التي قبض والمائة التي شهدت بها البينة،
انتهى. ص: (وشاهدين مطلقا) ش: قال ابن رشد في
شرح أول مسألة من الأقضية: والأصل في هذا أن
قول القاضي مقبول فيما أخبر أنه ثبت عنده أو
قضى به ينفذ ما أشهد به من ذلك على نفسه ما
دام قاضيا لم يعزل، انتهى.
تنبيه: قوله: "مطلقا" يقتضي أنه لا يثبت حكم
الحاكم إلا بشاهدين ولو كان المحكوم به مالا
وهو مخالف لما سيقوله في الشهادة فينبغي أن
يقيد بذلك ونقل الشيخ أبو الحسن الصغير في
أواخر النكاح الثاني عن ابن رشد أنه قال:
المشهور أن حكم الحاكم في المال يثبت بالشاهد
واليمين، والله أعلم. ص: (ولم يفده وحده) ش:
يعني أن كتاب القاضي لا يفيد وحده دون إشهاده
أن ما فيه حكمه أو أنه خطه، قال ابن رشد في
شرح أول مسألة من الأقضية: ولا
(8/148)
عند غيره وأفاد
إن أشهدهما أن ما فيه حكمه أو خطه كالإقراري،
وميز فيه ما يتميز به من اسم وحرفة وغيرهما
ينفذ الثاني، وبنى كأن نقل لخطة أخرى
__________
يكتفى في ذلك بالشاهد الواحد ولا بالشهادة على
أن الكتاب بخط القاضي ولا أن الختم ختمه وهذا
في الكتب التي تأتي من كورة إلى كورة ومن مثل
مكة إلى المدينة وأما إذا جاء من أعراض
المدينة إلى قاضيها كتاب بغير بينة فإنه يقبله
بمعرفة الخط والختم وبالشاهد الواحد إذا لم
يكن هو صاحب القضية لقرب المسافة واستدراك ما
يخشى من التعدي، قاله ابن حبيب، وقال ابن
كنانة وابن نافع في الحقوق اليسيرة خلاف، ظاهر
قول ابن حبيب وقد كان يعمل فيما مضى بمعرفة
الخط والختم دون بينة حتى حدث اتهام الناس،
قال في رسم الأقضية من سماع أشهب من الوصايا:
أول من أحدثه أمير المؤمنين وأهل بيته وفي
البخاري أول من سأل البينة على كتاب القاضي
ابن أبي ليلى وسوار بن عبد الله العبدي ذكره
في الكلام على فرض القاضي للزوجة نفقتها ثم
يموت في كتاب النفقات من المدونة، والمسألة
تكلم عليها ابن رشد في أول مسألة من رسم جاع
فباع من كتاب عيسى من سماع الشهادة، والله
أعلم، انتهى.
(8/149)
وإن حداً إن
كان أهلاً أو قاضي مصر، وإلا فلا ،كأن شاركه
غيره وإن ميتاً وإن لم يميز ففي إعدائه أو لا
حتى يثبت أحديته قولان:
__________
ثم قال: وإذا كتب إليه يسأله عن الشاهد الذي
شهد عنده اكتفى في جوابه بمعرفة الخلط دون
الشهادة على الكتاب، قاله ابن حبيب ما لم يكن
فيما سأله عنه فكتب إليه فيه قضية قاطعة
والقياس أنه لا يكتفى بشيء من ذلك إلا بمعرفة
الخط إلا فيما قرب من أعراض المدينة على ما
تقدم، انتهى. ص: (كأن شاركه غيره) ش: قال
البرزلي في مسائل النكاح: من شهد عليه بحق
فأنكر أن يكون هو المشهود عليه فذكر ابن رشد
أن الأصل أنه هو إذا كان موافقا لما في
الوثيقة حتى يثبت أن ثم غيره على صفته ونسبه
فيكون حينئذ الإثبات على الطالب في تعيينه دون
غيره وأحفظ في بعض نوازل ابن الحاج أن الحق
يلزم جميع من كان على تلك الصفة اتحد أو تعدد،
انتهى. وقوله: "فيكون حينئذ الإثبات على
الطالب" يعني: فإذا أثبت أن ثم غيره
(8/150)
والقريب
كالحاضر، والبعيد كإفريقية يقضى عليه
__________
على الصفة المذكورة فيكون الإثبات حينئذ على
الطالب ص: (والبعيد جدا إلخ) ش: هذه تسمى يمين
الاستبراء ويمين القضاء وهي تتوجه في الحكم
على الغائب والميت وقد عقد لها في التبصرة
فصلا وذكر ابن سهل في أحكامه أنها إنما تتوجه
فيما إذا كان الحق في ذمة الميت وأما إذا شهدت
بينة بأن الميت أقر بهذا الشيء لشخص فإنه
يأخذه ولا يمين وسيأتي مزيد كلام لذلك في باب
الشهادة عند قول المصنف: وإن قال: أبرأني
موكلك الغائب.
مسألة: قال ابن حجر في شرح البخاري في كتاب
المناقب في شرح قوله: "من ادعى قوما ليس له
فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار" 1 وفي رواية
مسلم والإسماعيلي: "من ادعى ما ليس له فليس
منا وليتبوأ مقعده من النار" 2 وهو أعم مما
تدل عليه رواية البخاري ويؤخذ من رواية مسلم
تحريم الدعوى بشيء ليس هو للمدعي فيدخل فيه
الدعوى الباطلة كلها واستدل به ابن دقيق العيد
للمالكية في تصحيح الدعوى على الغائب بغير
مسخر لدخول المسخر في دعوى ما ليس له وهو يعلم
أنه ليس له والقاضي الذي يقيمه أيضا يعلم أن
دعواه باطلة، قال: وليس هذا القانون منصوصا في
الشرع حتى يخص به عموم هذا الوعيد وإنما
المقصود إيصال
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب المناقب باب 5.
2 رواه مسلم قي كتاب الإيمان حديث 112.
(8/151)
بيمين القضاء
وسمى الشهود وإلا نقض، والعشرة أو اليومان مع
الخوف يقضى عليه معها في غير استحقاق العقار،
وحكم بما يتميز غالباً بالصفة، كدين وجلب
الخصم بخاتم أو رسول
__________
الحق لمستحقه، فترك مراعاة هذا القدر وتحصيل
المقصود من إيصال الحق لمستحقه أولى من الدخول
تحت هذا الوعيد العظيم، انتهى. وكلام ابن دقيق
العيد المذكور رأيته في شرح العمدة له في كتاب
اللعان فلينظر فيه، والله أعلم. ص: (وجلب
الخصم بخاتم أو رسول إن كان على
(8/152)
إن كان على
مسافة العدوى لا أكثر، كستين ميلاً إلا بشاهد
__________
مسافة العدوى) ش: قال القرافي في الفرق الخامس
والثلاثين والمائتين بين قاعدة ما تجب فيه
إجابة الحاكم فيه إذا دعاه إليه وبين قاعدة ما
لا تجب إجابته فيه إن دعي من مسافة العدوى فما
دونها: وجبت الإجابة؛ لأنه لا تتم مصالح
الأحكام وإنصاف المظلومين من الظالمين إلا
بذلك ومن بعد من المسافة لا تجب الإجابة وإن
لم يكن له عليه حق لم تجب الإجابة أو له عليه
حق ولكن لا يتوقف على الحاكم لا تجب الإجابة
فإن كان قادرا على أدائه لزمه أداؤه ولا يذهب
إليه ومتى علم خصمه إعساره حرم عليه طلبه
ودعواه إلى الحاكم وإن دعاه وعلم أنه يحكم
عليه بجبر لم تجب الإجابة وتحرم في الدماء
والفروج والحدود وسائر العقوبات الشرعية وإن
كان الحق موقوفا على الحاكم كتأجيل العنين
يخير الزوج بين الطلاق فلا تجب الإجابة وبين
الإجابة فليس له الامتناع منها، وكذلك القسمة
المتوقفة على الحكم يخير بين تمليك صحته
لغريمه وبين الإجابة فليس له الامتناع، وكذلك
الفسوخ الموقوفة على الحكام وإن دعي إلى حق
يختلف في ثبوته، وخصمه يعتقد ثبوته وجب؛ لأنها
دعوى حق أو يعتقد عدم ثبوته لم تجب؛ لأنه مبطل
وإن دعاه الحاكم وجبت له؛ لأن المحل قابل
للحكم والتصرف والاجتهاد ومتى
(8/153)
ولا يزوج امرأة
ليست بولايته، وهل يدعى حيث المدعى عليه وبه
عمل أو المدعي وأقيم منها
__________
طولب بحق وجب عليه على الفور كرد المغصوب وجب
أداؤه في الحال ولا يحل له أن يقول: لا أدفعه
إلا بالحكم؛ لأن المطل ظلم ووقوف الناس عند
الحاكم صعب وأما النفقات فيجب الحضور فيها عند
الحاكم لتقديرها إن كانت للأقارب وإن كانت
للزوجة أو الرقيق يخير بين إبانة الزوجة وعتق
الرقيق وبين الإجابة، انتهى. ونقله في الذخيرة
في أول كتاب الدعاوى وصدره بقوله: "إذا دعي
خصم من مسافة العدوى فما دونها وجبت الإجابة"
إلى آخره وذكر ما تقدم فدل على أن مسافة
العدوى هي مسافة القصر وفي المسائل الملقوطة
اختلف العلماء هل يحضر الحاكم الخصم المطلوب
بمجرد الدعوى أو لا بد أن يسأله عن وجه الدعوى
ويذكر للحاكم السبب، والذي ذهب إليه جماعة من
أصحابنا أنه لا يحضر حتى يبين للمدعي أن
للدعوى أصلا وهي رواية عن أحمد ونقل عن
الشافعي وأبي حنيفة وعن أحمد في رواية أنه
يحضر بمجرد الدعوى والأول أولى؛ لأن الدعوى قد
لا تتوجه فيبعث إليه من مسافة العدوى ويحضره
لما لا يجب عليه فيه شيء ويفوت عليه كثير من
مصالحه، وربما كان حضور بعض الناس والدعوى
عليه بمجلس الحكام مزر به فيقصد من له غرض
فاسد أذى من يريد بذلك، من التبصرة، انتهى. ص:
(ولا يزوج امرأة ليست بولايته) ش:
مسألة: وقعت وهي امرأة في بلاد الشحر من اليمن
تزوجها رجل مغربي ثم سافر عنها إلى جهة مصر
ولم يترك لها نفقة ولا ما تنفق عليه وكتب إليه
فلم يطلق ولم يرسل بنفقة وليس ببلدها من يطلق
عليه لكونها بنت قاضي ذلك البلد فهل لقاضي مكة
أن يطلق عليه فأجاب القاضي أبو القاسم بن أبي
السعادات الأنصاري المالكي بأن لم ير الحكم
على الغائب أن يحكم بالفسخ وتمكن المرأة من
إيقاع طلقة بعد إثبات الفصول المعتبرة في ذلك
شرعا إذا حضرت المرأة المذكورة أو وكيلها
ويكتب الحاكم لعدول بلدها بما ثبت عنده
ويأمرهم بتحليفها وتمكينها من إيقاع طلقة
عليها، والله أعلم. ص: (وهل يراعى حيث المدعى
عليه وبه عمل أو المدعي وأقيم منها) ش: هذا
نحو ما ذكره في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب
في الحكم على الغائب وقال ابن عبد الحكم: إن
كان له بالبلد مال أو حميل إلى آخره، وعليه
شرحه الشراح والذي في تبصرة ابن فرحون إنما هو
إذا كان الشيء المدعى فيه في غير بلد
(8/154)
وفي تمكين
الدعوى لغائب بلا وكالة تردد.
__________
المدعى عليه، فقال ابن الماجشون: إنما الخصومة
حيث المدعى فيه، وقال مطرف وأصبغ: حيث المدعى
عليه، والله أعلم. وقال أبو الحسن لما ذكر بعض
الكلام في هذه المسألة في أوائل كتاب الشفعة
في مسألة ما إذا كانت الدار غائبة والشفيع
والمشتري حاضران، قال: وهذا كله في الأصول
وأما ما يتعلق بالذمم فحيث لقي الطالب
المطلوب، انظر نوازل سحنون، انتهى. وانظر
أحكام ابن سهل في الجزء الثاني من الأقضية،
والله أعلم. ص: (وفي تمكين الدعوى لغائب بلا
وكالة تردد) ش: أشار بالتردد إلى الخلاف في
الطرق التي ذكرها في التوضيح وذكرها ابن عرفة
وغيره ا هـ.
تنبيه: هذا الخلاف في الدعوى ممن لا تعلق له
بالشيء المدعى فيه بإذن من صاحبه أو بغير إذنه
أو من له فيه تعليق لاستيفاء حقه منه فهل له
المطالبة بذلك أم لا؟ لم أر في ذلك كلاما
شافيا والذي تقتضيه نصوص المذهب الآتي ذكرها
أن تلخص قاعدة من ذلك وتجعل المسألة على ثلاثة
أوجه وهي أن هذا المدعي إن تعلق به الشيء
المدعى فيه ودخل في ضمانه وهو مطالب به فله
المخاصمة فيه والدعوى وإثبات ملك الغائب
وتسلمه وإن لم يكن في ضمانه فإما أن يريد أن
يستوفي من ذلك المدعى فيه شيئا له في ذمة
المالك الغائب أم لا فإن كان الأول جاز له أن
يدعي ويثبت ملك الغائب أيضا وإلا لم يمكن من
الدعوى فمن القسم الأول الغاصب إذا غصبه غاصب
آخر والمستعير إذا كان الشيء مما يغاب عليه
والمرتهن كذلك والحميل كذلك قال في نوازل
سحنون من كتاب الغصب: سئل سحنون عن رجل من
العمال أكره رجلا أن يدخل بيت رجل يخرج منه
متاعه يدفعه إليه فأخرج له ما أمره به فدفعه
إليه ثم عزل ذلك العامل الغاصب ثم أتى المغصوب
منه المتاع فطلب ما غصب فهل
(8/155)
__________
يكون له أن يأخذ بماله من شاء منهما إن شاء من
الآمر وإن شاء من المأمور؟ فقال: نعم له أن
يأخذ بماله من شاء منهما قيل له: فإن أخذ ماله
من الذي أكره على الدخول هل يرجع هذا الذي غرم
على العامل الذي أكرهه على الدخول؟ فقال: نعم.
قيل له: فإن عزل الأمير الغاصب وغاب المغصوب
منه المتاع فقام هذا المكروه على الدخول في
بيت الرجل على الأمير الغاصب لهذا المتاع
ليغرمه إياه ويقول أنا المأخوذ به إذا جاء
صاحبه هل يعدى عليه، قال: نعم، قال محمد بن
رشد: هذا كما قال؛ لأن الإكراه على الأفعال
التي يتعلق بها حق لمخلوق كالقتل والغصب لا
يصح بإجماع، وإنما يصح فيما لا يتعلق به حق
لمخلوق من الأقوال باتفاق ومن الأفعال على
اختلاف وقد مضى تحصيل القول في هذا في رسم حمل
صبيا من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق
وأما قوله: بأنه يقضي للمكره على الدخول في
بيت الرجل العامل بالمال؛ لأنه هو المأخوذ به
ففيه نظر والذي يوجبه النظر أن يقضي له
بتغريمه إياه ولا يمكن منه ويوقف لصاحبه،
انتهى. ونقله في التوضيح وقبله، وكذلك ابن
عرفة لكن قال إثره:
قلت: الأظهر تمكينه منه؛ لأنه لو هلك في الوقت
لضمنه؛ لأنه على حكم الغصب باق، انتهى. وأما
قوله: "إن الإكراه على الأفعال التي يتعلق بها
حق لمخلوق كالغصب والقتل لا يصح بإجماع" فليس
كذلك بل فيه الخلاف حسبما نقله في التوضيح
وابن عرفة وغيره وقالوا أيضا في باب الحمالة
إذا أراد الحميل أخذ الحق بعد محله والطالب
غائب وقال: أخاف أن يفلس وهو ممن يخاف عدمه
قبل قدوم الطالب أو لا يخاف إلا أنه كثير
اللدد والمطل مكن من ذلك فإن كان الحميل أمينا
أقر عنده وإلا أردع لبراءة الحميل والغريم،
انتهى. من الذخيرة وذكره أبو الحسن عن عبد
الحق وغيره. ومن القسم الثاني المرتهن يثبت
ملك الراهن ليبيعه ويستوفي منه حقه، وزوجة
الغائب وغرماؤه يثبتون ماله ليباع لهم
ويستوفون حقهم، قال ابن رشد: الذي جرى به
العمل أن القاضي لا يحكم للمرتهن ببيع الرهن
حتى يثبت عنده الدين والرهن وملك الراهن له
ويحلفه مع ذلك أنه ما وهب دينه ولا قبضه ولا
أحال به وأنه لباق عليه إلى حين قيامه، انتهى.
وقال
(8/156)
__________
في التوضيح في باب النفقات: وإن كان للزوج
ودائع وديون فرض للزوجة نفقتها في ذلك ولها أن
تقيم البينة على من جحد من غرمائه أن لزوجها
عليهم دينا ويقضى عليهم بنفقتها، ثم قال:
واعلم أن الحاكم لا يبيع الدار حتى يكلف
المرأة إثبات ملكية الزوج لها وتشهد البينة
بأن الدار لم تخرج عن ملكه في علمهم، انتهى.
وقال في التوضيح في شرح مسألة: من ادعي عليه
في شيء بيده، فقال: هو لفلان الغائب عن
المازري ما نصه: فإن زعم المدعى عليه أن الدار
رهن في يديه فالتحقيق يقتضي أن يمكن من إقامة
البينة أنها للغائب حينئذ، انتهى. وقال في
كتاب الرهون من المدونة: وأما ما يغاب عليه
فالمرتهن يضمنه إلا أن يقيم بينة على هلاكه من
غير سببه وإنما هو بأمر من الله أو بتعدي
أجنبي فذلك من الراهن وله طلب الجاني، وقال
أبو الحسن: وإنما لم يقل لهما؛ لأن الراهن
أرجح؛ لأن الملك له وأما المرتهن فليس له إلا
الوثيقة فإذا لم يطلبه الراهن كان للمرتهن
طلبه بحق وثيقة، انتهى. وقال في أواخر باب
الإجارة من الجواهر فيما إذا غصبت الدار
المستأجرة: ولو أقر المكري للغاصب بالرقبة قبل
إقراره في الرقبة ولا يفوت حق المنفعة تبعا
على المستأجر بل له مخاصمة الغاصب لأجل حقه في
المنفعة، انتهى. ومن القسم الثالث المودع
والوكيل على شيء مخصوص ونحو ذلك، قال في
الذخيرة في كتاب الوديعة الفرع الثامن: قال
صاحب الإشراق: إذا سرقت الوديعة ليس للمودع
مخاصمة السارق إلا بتوكيل منك وقال أبو حنيفة:
له ذلك بناء على أن الخصومة في الأملاك للملاك
ومن ليس مالكا فلا خصومة له انتهى. وفي نوازل
عيسى من كتاب البضائع والوكالات في شرح
المسألة الثانية، قال محمد بن رشد: إذا وكل
الوكيل على طلب آبق فأدركه في يد مشتر أنه لا
يمكن من إيقاع البينة على أنه للذي وكله حتى
يقيم البينة أنه وكله على الخصومة فيه وهو
صحيح على ما تقدم في المسألة التي قبلها أنه
ليس للوكيل أن يتعدى ما وكل عليه ويتجاوزه إلى
غيره، انتهى. وقال في التوضيح في شرح المسألة
المتقدمة وهي مسألة من ادعى عليه رجل في شيء
بيده، فقال: هو لفلان الغائب فنقل الكلام
المتقدم عن المازري ونصه: ولو أراد من بيده
الدار أن يقيم بينة بملك الغائب يعارض بها
بينة المدعي ولم تثبت له وكالة تبيح المدافعة
ففي تمكينه من ذلك خلاف للعلماء، انتهى. وقال
في كتاب الغصب من المدونة: ومن بيده وديعة أو
عارية أو إجارة وربها غائب فادعاها رجل وأقام
البينة أنها له فليقض له بها؛ لأن الغائب يقضى
عليه بعد الاستيناء إلا أن يكون ربها بموضع
قريب فيتلوم له القاضي ويأمر أن يكتب إليه حتى
يقدم، انتهى. فلم يجعل لمن بيده الوديعة
والعارية ولا المستأجر المخاصمة بل قضى بذلك
على الغائب الذي أقام البينة أن ذلك له، وقال
في أكرية الدور من تبصرة اللخمي: وإن هدم
الدار أجنبي سقط مقال المكتري في ذلك الكراء؛
لأن المنافع في ضمان المكري حتى يقبضها
المكتري ويكون صاحب الدار
(8/157)
__________
بالخيار بين أن يغرم الهادم قيمتها على أن لا
كراء فيها أو يغرمه قيمتها مستثناة المنافع
سنة ويأخذه بالمسمى الذي أكرى به؛ لأنه دين
كان له على المكتري أبطله له بهدمه لتلك
الدار، انتهى. فجعل المتكلم في ذلك لمالك
الدار ولم يجعله لمالك المنافع وهو المكتري؛
لأنه ليس له شيء في ذمة المكري يستوفيه منها
لسقوط ذلك عنه بالهدم لكون المنافع في ضمان
المكري حتى يستوفيها المكتري.
وقال في نوازل ابن رشد في مسائل البيع: سئل عن
أصحاب المواريث إذا باعوا شيئا على أنه لبيت
المال فقام من أثبت عند القاضي أن هذا المبيع
لقريب منه غائب وهو حي وحازه عند القاضي هل
يفسخ القاضي البيع ويوقفه للغائب أو يبقى بيد
المبتاع حتى يقدم الغائب فأجاب لا يمكن القاضي
القريب من المخاصمة عن قريبه الغائب فيما باعه
صاحب المواريث دون وكالة وإنما يمكنه من إثبات
حقه في ذلك والتحصين له بالإشهاد عليه مخافة
أن تغيب البينة أو تتغير، وقال في رسم الأقضية
من سماع أشهب. وسألته عن عشيرة رجل ذكروا أن
رجلا منهم بالأندلس وفي يد رجل منهم له دار
وأنه ادعاها لنفسه وأنكر أن يكون لصاحبهم في
يديه حق وسألوه أن يأذن لهم في المخاصمة
وإثبات البينة عليه بحق الغائب قبل هلاك من
يعلم ذلك ويشهد عليه هل ترى أن يأذن لهم في
ذلك، قال: لا أرى ذلك إلا بوكالة أو أمر
يعرفه، قال ابن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب في
الواضحة من رواية ابن غانم عن مالك ومن رواية
أصبغ عن ابن القاسم عن مالك وزاد عن ابن
القاسم أنه قال: فإن جهل القاضي فأمره
بالمخاصمة فحكم عليه أوله لم يجز ذلك عليه ولا
له وقال ابن نافع مثله وقد مضى القول على هذه
المسألة محصلا مستوفى في الرسم الذي قبل هذا.
ويشير بذلك إلى ما في رسم الأقضية الثالث من
السماع المذكور ونصه: وسألته عن الرجل يموت
ويترك زوجة وبيدها ماله ورباعه ودوابه وكل
كثير له وقليل وللهالك أخ غائب فيقوم ابن الأخ
الغائب فيقول أنا أثبت أن هذا المال الذي
بيدها كله لعمي وليس لها منه شيء وأبي وارثه،
فإذا قضي به لعمي فضعوه بيد عدل ولا تدفعوه
إلي أو يقوم في ذلك رجل غير ابنه فيقول مثل
مقالته، فقال: أما الابن فأرى أن يمكن من ذلك
فإذا ثبت ما قال وضع على يد عدل فأما الرجل
غير ذلك فلا أدري ما هذا، قال ابن رشد: أجاز
في هذه الرواية للابن أن يخاصم عن أبيه الغائب
في رباعه وحيوانه وجميع ماله دون توكيل، وكذلك
الأب فيما ادعاه لابنه وقع ذلك في الجدار وقال
في الواضحة: إن ذلك في الأب أبين منه في الابن
ولم يجز ذلك لمن سوى الأب والابن من القرابة
والعشيرة على ما سيأتي له في الرسم الذي بعد
هذا وفي رسم الكبش من سماع يحيى، غير أنه في
هذه الرواية أراد المالك أن يمكن من إيقاع
البينة وإثبات الحق لا أكثر، وليس ما في رسم
الكبش بمخالف لما في هذه الرواية. وقد حملها
بعض أهل النظر على الخلاف وليس ذاك بصحيح وقد
اختلف في هذا على أربعة أقوال:
(8/158)
__________
الأول: ما حملت عليه هذه الرواية وما في رسم
الكبش من سماع يحيى من التفرقة بين الأب
والابن وبين سائر القرابة والأجنبيين
والثاني: أنه يمكن من قام عن غائب يطلب حقا له
من المخاصمة عنه في ذلك دون توكيل وإن كان
أجنبيا ذهب إلى هذا سحنون وإلى أن القاضي يوكل
من يقوم بحقه، تأويل ما روي عن مالك من أنه لا
يمكن أحد إلا بوكالة، فقال: معناه فيما طال من
الزمان ودرس فيه العلم وهو أحد قولي ابن
الماجشون وروي ذلك عن أصبغ
والثالث: يمكن من إقامة البينة ولا يمكن من
الخصومة.
والرابع: أنه لا يمكن من إقامة البينة ولا من
الخصومة وهو قول ابن الماجشون في الواضحة
ومطرف. وقد قيل: إن القريب والأجنبي يمكن من
المخاصمة في العبد والدابة والثوب دون توكيل؛
لأن هذه الأشياء تفوت وتحول وتغيب ولا يمكن من
المخاصمة فيما سوى ذلك من الدين وغيره إلا
الأب والابن حكى هذا ابن حبيب في الواضحة عن
مطرف وابن الماجشون وهو قول خامس في المسألة،
واختلف إذا مكن القائم عن الغائب في المخاصمة
عنه فيما يدعيه له دون توكيل على القول به
فقيل: ذلك في قريب الغيبة وبعيدها سواء، وهو
الظاهر من رواية أشهب هذه إذ لم يفرق فيها بين
قريب الغيبة من بعيدها، وكذلك حكاه أبو زيد عن
ابن الماجشون في الحيوان يدعيه ابن الغائب أو
أجنبي وقيل إن ذلك في القريب الغيبة دون
البعيد وإلى هذا ذهب سحنون وابن حبيب فيما حكى
عن مطرف ثم ذكر مسائل استدل بها لهذا القول
وأطال في ذلك، والله أعلم.
تنبيهات: الأول: إذا كان للمدعي حصة في الشيء
المدعى به وباقيه للغائب فله الدعوى في ذلك
ويأخذ حصته ويترك الباقي في يد من هو في يده
حتى يأتي من يدعيه، قال في أواخر الشهادات من
المدونة: وإن شهدوا أن هذا وارث أبيه أو جده
مع ورثة آخرين لم يعط هذا منها إلا مقدار حصته
ويترك القاضي باقيها في يد المدعى عليه حتى
يأتي من يستحقه وقد كان يقول غير هذا يعني
بالمقول ما روي عن مالك بعده وهو أنه ينزع من
يد المطلوب ويوقف وفي كتاب الولاء أتم مما
هنا، قال بعض القرويين: ينبغي على قول ابن
القاسم إذا قامت غرماء بدين على الغائب أن
يباع لهم الحظ الموقوف بيد المدعى عليه؛ لأن
الغائب لو كان حاضرا ونكل عن اليمين لكان
للغرماء أخذها وبيعها في دينهم. ابن يونس:
يريد بعد يمينهم التي كان يحلفها الغائب انظر
تمامها، انتهى. وانظر التبصرة لابن فرحون في
تقسيم المدعى لهم
(8/159)
__________
الثاني: إذا ثبت حق لغائب فهل يوقف حتى يحلف
يمين الاستظهار أو يسلم لوكيله وتؤخر اليمين
حتى يقدم فيحلف أو يموت فتحلف ورثته وإن نكل
أو نكلوا رجع عليه، ذكر البرزلي في ذلك قولين
في مسائل الغصب والاستحقاق وسيأتي الكلام على
ذلك مستوفى في باب الشهادات عند قول المصنف:
وإن قال: أبرأني موكلك الغائب
الثالث: إذا ردت اليمين على الموكل وهو غائب،
فقال ابن رشد في آخر مسائل الوكالات من نوازله
في رجل غائب: وكل وكيلا على القيام بعيب في
سلعة اشتراها من رجل فأنكر الرجل أن يكون باع
من موكله وإنما باعها من رجل آخر فلزمه اليمين
لعدم البينة فرد اليمين على الغائب، الجواب
الذي أرى في هذا إذا لم يسم المقوم عليه من
باع السلعة منه أو سمى رجلا بعيد الغيبة فتبين
بذلك لدده أن يؤخذ منه حميل بالثمن إلى أن
يكتب للغائب في الموضع الذي هو به فيحلف وسواء
كان قريب الغيبة أو بعيدها ولا يدخل في هذا
الاختلاف الذي في وكيل الغائب على قبض الدين
يقر به ويدعي أنه قضاه؛ لأن هذا مقر للغائب
بشيء وأما أخذ الثمن منه وإيقافه فلا أراه إذ
لم يثبت عليه بعد شيء، انتهى.
الرابع: قال الشيخ أبو الحسن الصغير في كتاب
الرد بالعيب في الكلام على الرد على الغائب:
والقاعدة أن الإمام لا يتعرض لديون الغائب
يقبضها إلا أن يكون مفقودا أو مولى عليه أو
حاضرا يريد أن تبرأ ذمته ورب الدين غائب أو
حاضر ملد وهذا بخلاف من تعدى على مال غائب
فأفسده فإن الإمام يأخذ منه القيمة ويحبسها
للغائب، انتهى. ونحوه في النكت فانظره، قال
ابن رشد: وإنما لا يعرض السلطان لمن غاب وترك
مالا له بيد رجل أو دينا له قبله إذا سافر كما
يسافر الناس وأما إذا طالت غيبته وانقطع خبره
فالسلطان ينتظر له ويحوز ماله على ما وقع في
طلاق السنة، انتهى. من رسم الأقضية الثالث من
سماع أشهب من كتاب الأقضية.
الخامس: قال في نوازل ابن رشد من مسائل الدعوى
والخصومات: سئل عن أصحاب المواريث هل يجوز لهم
الخصام في شيء لبيت المال وهو بيد رجل يدعيه
لنفسه أم لا يجوز لهم خصامه ويقيمون البينة
على انفراد بيت المال به دون الذي هو في يده،
الجواب لا يمكن أصحاب المواريث من الخصام في
ذلك دون أن يجعل إليه الطلب في ذلك والمخاصمة
وإن أراد ليثبت ذلك لبيت المال ويحصنه
بالإشهاد دون مخاصمة من هو في يده كان ذلك له،
وبالله التوفيق، انتهى.
(8/160)
|