مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب

كتاب الشهادات
باب الشهادات
...
باب الشهادات
العدل: حر، مسلم، عاقل، بالغ
__________
باب
ص: (العدل حر مسلم عاقل بالغ) ش: هذا يسمى باب الشهادة قال ابن عبد السلام: ولا حاجة لتعريف حقيقتها؛ لأنها معلومة، واعترضه ابن عرفة بأنه مناف لقول القرافي: أقمت ثماني سنين أطلب الفرق بين الشهادة والرواية. قال ابن عرفة: والصواب أن الشهادة قول هو بحيث يوجب على الحاكم سماعه الحكم بمقتضاه إن عدل قائله مع تعدده أو حلف طالبه فتخرج الرواية والخبر القسيم للشهادة، وإخبار القاضي بما ثبت عنده قاضيا آخر يجب عليه الحكم بمقتضى ما كتب به إليه لعدم شرطية التعدد والحلف وتدخل الشهادة قبل الأداء وغير التامة؛ لأن الحيثية لا توجب حصول مدلول ما أضيفت إليه بالفعل حسبما ذكروه في تعريف الدلالة انتهى. وقوله: "إن عدل قائله" يريد إن ثبتت عدالته عند القاضي إما بالبينة أو بكونه يعلمها ولو قال: "قول عدل إلى آخره" وأسقط قوله: "إن عدل قائله" لكان أبين؛ لأن عدل إنما يستعمل غائبا فيما ثبت أو لو قال يوجب على الحاكم سماعه؛ لأن الحكم بمقتضاه إن علم عدالة قائله لشمل ذلك ما إذا ثبتت عدالته عنده أو كان عالما بها، والظاهر أن في حده دورا؛ لأن الحكم بافتقاره للتعدد فرع عن كونه شهادة.
تنبيه: جعل المصنف رحمه الله هذه شروطا في العدالة وهو خلاف ما يقوله أهل المذهب فإنهم إنما جعلوا هذه الأوصاف شروطا في قبول الشهادة وذكروا من جملة الشروط العدالة وهو أبين فإن العبد يوصف بالعدالة قال ابن عرفة: ولما كانت الشهادة موجبة لحكم الحاكم

(8/161)


بلا فسق وحجر وبدعة، وإن تأول كخارجي وقدري لم يباشر كبيرة
__________
أي بمقتضاها اكتسبت شرفا فاشترط فيها شروطا منها في أدائها: الإسلام اتفاقا، قال: ومنها الحرية والعقل، ثم قال: والبلوغ ثم، قال: والعدالة. قال: ولما كانت شروطا في الشهادة والرواية تكلم عليها الفقهاء والأصوليون وابن الحاجب في أصله وفقهه وأطال المازري فيها الكلام والأولى صفة مظنة تمنع موصوفها البدعة وما يشينه عرفا ومعصية غير قليل الصغائر فالصغائر الخسيسة مندرجة فيما يشين، ونادر الكذب في غير عظيم مفسدة عفو مندرج في قليل الصغائر بدليل قولها في آخر شهادتها مما يجرح به أنه كذاب في غير شيء واحد وأطول منه قول ابن الحاجب في الفقه: العدالة المحافظة الدينية على اجتناب الكذب والكبائر وتوقي الصغائر وأداء الأمانة وحسن المعاملة ليس معها بدعة أو أكثرها ابن عبد السلام والضمير في قوله: "ليس معها بدعة" راجع للعدالة وظاهره أن السلامة من البدعة أمر زائد على العدالة لكن تعليله اشتراط هذه المعية بقوله: "فإنها فسق" يوجب كونها مضادة فيستغنى بذكر العدالة عنها كما

(8/162)


أو كثير كذب، أو صغيرة خسة
__________
استغني بذكر العدالة عن سائر أضدادها وقد يجاب بأن هذا النوع من أضداد العدالة فلذا كثر النزاع فيه انتهى ويجاب بأن قوله: "الدينية" احترز به من المحافظة المذكورة إذا لم يكن القصد بها الدين وإنما فعلها لتحصيل منصب دنيوي. وقال ابن محرز في تبصرته قال أبو بكر الأبهري في صفة من تقبل شهادته: هو المجتنب الكبائر المتوقي لأكثر الصغائر إذا كان ذا مروءة وتمييز متيقظا متوسط الحال بين البغض والمحبة قلت وقد أتت هذه الصفة على جميع ما ينبغي للشاهد العدل انتهى. وقوله: "حر" لا خفاء في اشتراط الحرية وقوله: "مسلم" كذلك، وقوله: "عاقل" قال ابن عرفة: ابن عبد السلام: لا يختلف في اعتبار العقل في حالتي التحمل والأداء ولا يضر ذهاب العقل في غير هاتين الحالتين ونص عليه عبد الملك قال ابن عرفة: قلت: ما ذكره هو مقتضى المذهب، ونص عبد الملك عليه لا أعرفه بل نقل الشيخ عن المجموعة قال ابن وهب: وعن مالك في الكبير يخنق ثم يفيق إن كان يفيق إفاقة بينة يعقلها جازت شهادته وبيعه وابتياعه انتهى. ص: (أو كثير كذب) ش: قال ابن عرفة: وأما الكذب فنصها مما يجرح به الشاهد قيام بينة على أنه كذاب في غير شيء واحد ونقلها ابن الحاجب بأنه معروف بالكذب في غير شيء واحد قال ابن عبد السلام: كلامه يعني تكرار الكذب ممن يثبت عليه ذلك وأنه مشهور من قوله: "معروف" ولم يشترط هذا القيد الأخير في المدونة ويكفي تكرار الكذب قلت: قوله: "يعطي تكرار الكذب" لا وجه له لتخصيصه به دون المدونة؛ لأن فيها لفظ "كذاب" و"فعال" يدل على التكرار ضرورة وقوله: "إنه مشهور" من قوله: "معروف" يرد بمنعه؛ لأن مدلول مشهور أخص من معروف ولا يلزم من صدق الأعم صدق الأخص، وقوله: "لم يشترط هذا في المدونة" إن أراد به كونه مشهورا فلا يضر لما بينا أن لفظ معروف لا يستلزمه، وإن أراد لفظ معروف فقوله: "لم يشترط في المدونة" إن أراد نصا فمسلم وإن أراد لزوما منع؛ لأن لفظ قولها قيام البينة العادلة أنه كذاب بصيغة المبالغة يدل على أنه معروف بمطلق الكذب عادة؛ لأن الغالب في العادة أنه لا يثبت بالبينة العادلة على رجل أنه كذاب في غير شيء إلا وهو معروف بمطلق الكذب عادة؛ لأنه الغالب فتأمله منصفا انتهى. ص: (وسفاهة) ش: لعله يريد بالسفاهة المجون قال في المدونة في كتاب القطع: أو أنهم مجان قال في التوضيح: جمع ماجن الجوهري: المجون أن لا يبالي الإنسان ما صنع انتهى. وقال ابن فرحون في شرحه وفي التقريب: الماجن هو القليل المروءة الذي يكثر الدعابة والهزل في أكثر الأوقات انتهى. ص:

(8/163)


وسفاهة، ولعب نرد، ذو مروءة
__________
(ذو مروءة) ش: ابن عرفة والروايات والأقوال واضحة؛ لأن ترك المروءة جرحة، قيل: لأن تركها يدل على عدم المحافظة الدينية وهي لازم العدالة وتقرر بأنها مسببة غالبا عن اتباع الشهوات المازري؛ لأن من لا يبالي بسقوط منزلته ودناءة همته فهو ناقص العقل ونقصه يوجب عدم الثقة به قلت والمروءة هي المحافظة على فعل ما تركه من مباح بوجوب الذم عرفا كترك المليء الانتعال في بلد يستقبح فيه مشي مثله حافيا وعلى ترك ما فعله مباح يوجب ذمه عرفا كالأكل عندنا في السوق وفي حانوت الطباخ لغير الغريب انتهى. وفي التوضيح ابن محرز: ولسنا نريد بالمروءة نظافة الثوب وفراهة المركوب وجودة الآلة وحسن الشارة بل المراد التصون والسمت الحسن وحفظ اللسان وتجنب المجون والسخف والارتفاع عن كل خلق رديء يرى أن من تخلق به لا يحافظ معه على دينه وإن لم يكن في نفسه جرحة انتهى. فمن ترك اللباس المحرم أو المكروه الخارج عن السنة لا يكون جرحة في شهادته كلباس فقهاء هذا الزمان من تكبيرهم العمائم وإفراطهم في توسيع الثياب وتطويلهم الأكمام وقد صرح الشيخ أبو عبد الله بن الحاج في المدخل بأن ذلك ممنوع ونقل عن العلماء من أهل المذهب وغيرهم الكلام في ذلك فراجعه. نعم لو مشى الإنسان حافيا أو بغير عمامة بالكلية مما هو مباح لكن العادة خلافه ينظر في أموره فإن أراد بذلك كسر النفس ومجاهدتها لم يكن ذلك جرحة في حقه وإن كان على جهة المجون والاستهزاء بالناس فذلك جرحة كما قاله في التوضيح في الصنائع، وتقدم في كلام ابن عرفة في القولة التي قبل هذه، وأما حمل الإنسان متاعه من السوق فهو من السنة لقوله عليه الصلاة والسلام "صاحب الشيء أحق بشيئه" وذلك حين اشترى السراويل وأراد بعض أصحابه أن يحملها عنه وأظنه السيد أبا بكر رضي الله عنه والقضية في الشفاء. وقوله في التوضيح: "وحسن الشارة" الشارة الهيئة واللباس يقال: ما أحسن شوار الرجل وشارته أي لباسه وهيئته. قال ابن الأعرابي الشورة بالضم الجمال وبالفتح الخجل انتهى من المعلم في شرح قوله: إن رجلا أتاه وعليه شارة حسنة وقال القاضي عياض: الشوار هنا بالفتح وأما الشورة الجمال فبالفتح والضم معا وشوار البيت متاعه بالكسر وشوار الرجل مذاكيره انتهى. وقال ابن سيده في محكمه: وشوار الرجل ذكره وخصياه وإسته وفي الدعاء أبدى الله شواره

(8/164)


بترك غير لائق من حمام، وسماع غناء
__________
بالضم لغة عن ثعلب انتهى. ص: (بترك غير لائق من حمام) ش: قال في التوضيح عن ابن محرز: الإدمان على لعب الحمام والشطرنج جرحة وإن لم يقامر عليها. قال في آخر كتاب الرجم: ولا تجوز شهادة لاعب الحمام إذا كان يقامر عليها، واختلف الشيوخ هل يقيد ما قاله في غير هذا الموضع بهذا القيد أي المقامرة أو خلاف؟ انتهى. وقال في الشامل بترك غير لائق من لعب بحمام وإن دون قمار على الأصح انتهى. لكن يفهم من كلامه في التوضيح اشتراط الإدمان وظاهر كلام المصنف هنا خلاف ذلك وعزا أبو الحسن التقييد بالإدمان لكتاب الشهادات ويفهم من كلام المصنف وغيره من أهل المذهب أن اللعب بالحمام غير حرام ولكنه غير لائق والله أعلم. ص: (وسماع غناء) ش: قال في التوضيح: الغناء إن كان بغير آلة فهو مكروه ولا يقدح في الشهادة بالمرة الواحدة بل لا بد من تكرره وكذا نص عليه ابن عبد الحكم؛ لأنه حينئذ يكون قادحا في المروءة، وفي المدونة ترد شهادة المغني والمغنية والنائح والنائحة إذا عرفوا بذلك. المازري: وأما الغناء بآلة فإن كانت ذات أوتار كالعود والطنبور فممنوع وكذلك المزمار والظاهر عند بعض العلماء أن ذلك يلحق بالمحرمات وإن كان محمد أطلق في سماع العود أنه مكروه وقد يريد بذلك التحريم ونص محمد بن عبد الحكم على أن سماع العود ترد به الشهادة قال: إلا أن يكون ذلك في عرس أو صنيع ليس معه شراب يسكر

(8/165)


ودباغة وحياكة اختياراً، وإدامة شطرنج وإن أعمى في قول، أو أصم في فعل
__________
فإنه لا يمنع من قبول الشهادة قال: وإن كان ذلك مكروها على كل حال وقد يريد بالكراهة التحريم كما قدمنا انتهى ونقله ابن عرفة أيضا. ص: (وحياكة) ش: قال البرزلي: رأيت لبعضهم أن هذه الصناعات إن صنعها تصغيرا لنفسه أو ليدخل السرور بها على الفقراء أو يتصدق بما يأخذ فإنها حسنة وإلا فهي جرحة انتهى. ص: (وإدامة شطرنج) ش: قال في الشامل: وإدامة شطرنج ولو مرة في العام وقيل أكثر وهل يحرم أو يكره؟ قولان وثالثهما: أن لعبه محرم مع الأوباش على طريق حرم، وفي الخلوة مع نظائرها بلا إدمان وترك مهم ولهي عن عبادة جاز وقيل: إن ألهى عن الصلاة في وقتها حرم وإلا جاز انتهى. ص: (وإن أعمى في قول) ش: شهادة الأعمى في الأقوال المشهور فيها أنها جائزة وشهادته في غير الأقوال لا تجوز وهذا فيما تحمله بعد العمى وأما ما تحمله من الشهادة في غير الأقوال قبل العمى فظاهر كلام بعض أصحابنا كالمصنف في توضيحه وابن عبد السلام في شرحه وابن فرحون في تبصرته أنها لا تجوز؛ لأنهم ينقلون أولا المذهب ثم يقولون: وقال الشافعي: تجوز فيما تحمله قبل العمى،

(8/166)


ليس بمغفل إلا فيما لا يلبس، ولا متأكد القرب، كأب وإن علا، وزوجهما وولد وإن سفل،
__________
فتخصيصهم التفرقة بين ما تحمله قبل العمى وبين ما تحمله بعده، فالشافعي يدل على أن المذهب عدم التفصيل وقال في الجزء الأول من شهادات النوادر: وقد قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ما شهد عليه قبل أن يعمى قبلناه. قال سحنون: ولا فرق بين ذلك؛ لأنه حين قبولها أعمى انتهى. فظاهر كلام سحنون أن مذهبنا لا فرق، خلافا لقول ابن أبي ليلى وأبي يوسف فتأمل ذلك، وصرح الشيخ سليمان البحيري في شرح الإرشاد بأنه إذا تحملها قبل العمى أنها تقبل منه، ونصه عند قول صاحب الإرشاد: وتقبل من الأعمى فيما لا يشبه عليه من الأقوال، قال في شرح العمدة: معناه تجوز شهادة الأعمى على الأقوال إذا كان فطنا ولا تشتبه عليه الأصوات ويتيقن المشهود له وعليه فإن شك في شيء من ذلك لم تجز شهادته ولا تقبل في المرئيات إلا أن يكون قد تحملها بصيرا ثم عمي وهو يتيقن عين المشهود عليه أو يعرفه باسمه ونسبه انتهى. وقال ابن حجر في شرح البخاري في كتاب الشهادات: مال المصنف يعني: البخاري إلى إجازة شهادة الأعمى وهو قول الليث سواء علم ذلك قبل العمى أو بعده وفصل الجمهور فأجازوا ما تحمله قبله لا بعده وكذا ما يتنزل فيه منزلة البصير كأن يشهده شخص بشيء ويتعلق هو به إلى أن يشهد به عليه انتهى. ص: (ولا متأكدا لقرب كأب وإن علا إلخ) ش: قال ابن عرفة: المازري: لا تجوز شهادة الأب وإن علا لولده وإن سفل كان جدا من قبل الأب أو الأم ولا شهادة بني بنيهم لهم وهو مشهور مذهب مالك والشافعي وذكر بعض متأخري الشافعية عن مالك قبول شهادة الولد لأبيه دون الأب لابنه وهو حكاية مستنكرة عند المالكية وربما كانت وهما من ناقلها انتهى.

(8/167)


كبنت وزوجهما، وشهادة ابن مع أب واحدة، ككل عند الآخر، أو على شهادته، أو حكمه،
__________
فرع: قال ابن عرفة: ابن سحنون عنه: شهادة الولدين أن فلانا شج أبوهما وهما مسلمان والأب عبد أو مكاتب مسلما أو نصرانيا ساقطة وكذا لو شهدا لأبيهما وقد مات نصرانيا بدين على فلان وترك ولدا نصرانيا وكذا لو شهدا أن أباهما العبد جنى على رجل جناية وأن سيده باعه أو أعطاه أحدا ابن عبدوس عن سحنون وكذا شهادة ابن الملاعنة لمن نفاه انتهى.
فرع: قال في المدونة: ولا تجوز شهادة الأبوين أو أحدهما للولد ولا الوالد لهما ولا أحد الزوجين لصاحبه ولا الجد لابن ابنه ولا الرجل لجده ولا يجوز لأحد من هؤلاء شهادة الآخر في حق أو تزكية أو تجريح من شهد عليه انتهى. زاد ابن يونس بعد قوله: ولا الرجل لجده من قبل الرجال والنساء كان المشهود له حرا أو عبدا أو مكاتبا انتهى. وقال ابن عرفة: وفيها لا تجوز لأحد الزوجين على صاحبه. زاد ابن سحنون: كان المشهود له حرا أو عبدا أو مكاتبا انتهى. وهذه العبارة التي قالها لا معنى لها فتأملها، ولفظ المدونة ما تقدم.
فرع: ولا تجوز شهادة الرجل لزوجة أبيه ولا لزوجة ابنه ولا لابن زوجته ولا لأبيها عند ابن القاسم خلافا لسحنون قاله ابن رشد في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات وقال في رسم جاع من سماع عيسى: وأما شهادة الرجل لابن زوج ابنته وأبويه فلا يخالف ابن القاسم سحنون في جوازها لهم لبعد التهمة وإنما يخالفه فيما تقدم انتهى. وقال ابن عرفة: اللخمي لابن القاسم في العتبية: لا تجوز شهادة الرجل لزوج ابنته ولا لزوجة ولده انتهى. وفي النوادر ومن هذه الكتب كلها إلا كتاب ابن حبيب: قال ابن القاسم: ولا تجوز شهادته لزوجة أبيه ولا لزوجته ولا لابن امرأته ولا لوالدها وكذلك المرأة لابن زوجها انتهى. وإذا كانت شهادته لزوجة أبيه غير جائزة عند ابن القاسم مع بعد التهمة للعداوة التي بينهما في الغالب فشهادة الرجل لزوج أمه أحرى بعدم الجواز كما دل عليه كلام المصنف وقبله الشارح فإني لم أقف عليه الآن منصوصا بل مقتضى كلام المصنف عدم صحة شهادة الشخص لزوجة جده وزوج جدته وإن بعدا وعدم صحة شهادة الشخص لزوجة ابن ابنه وزوجة بنت ابنه وإن سفلا ولم أقف على التصريح بجميع ذلك فتأمله والله أعلم. ص: (وشهادة ابن مع أب واحدة ككل عند الآخر على شهادته أو حكمه) ش: هذا قول أصبغ وقال سحنون بجواز الجميع بشرط التبريز كما قاله ابن رشد في أول سماع ابن القاسم من الشهادات وقال

(8/168)


بخلاف أخ لأخ، إن برز ولو بتعديل
__________
ابن رشد في اللباب: وشهادة الأب مع ولده جائزة على القول المعمول به انتهى. وقال ابن فرحون: ولو شهد الأب مع ابنه عند الحاكم جازت على القول المعمول به وقال بعض الموثقين: شهادتهما بمنزلة شهادة واحدة، وفي معين الحكام والقول بأنهما بمنزلة شاهدين أعدل. ثم قال: وتعديل أحدهما الآخر لم يجزه أحد من أصحاب مالك إلا ابن الماجشون قال: إن لم يكن التعديل نزعه ولم يكن به قام وإنما نزعه وقام به إحياء شهادته فلا بأس أن يصفه بما تتم به شهادته وفيه بعد. قال ابن عرفة: وما أدركت قاضيا حفظه الله من تقديم ولده أو قريبه إلا قاضيا واحدا جعلنا الله ممن علم الحق وعمل به انتهى. ثم قال: مسألة وأما شهادة الأخوين في شيء فشهادتهما جائزة وليسا كالأب وابنه.
تنبيه: قد تلحقهم التهمة فلا تجوز شهادتهما كما لو شهد أخوان أن هذا ابن أخوهما الميت والمشهود له ذو شرف فإن النسب لا يثبت بشهادتهما ويثبت للمشهود له المال إن ادعاه والله أعلم.
فرع: تنفيذ القاضي حكم والده أو ولده لم أر فيه نصا والظاهر جواز ذلك؛ لأن للحاكم أن ينفذ حكم نفسه إذا قامت عليه بينة وإن نسيه أو أنكره فكذلك حكم ولده أو والده فتأمله والله أعلم. (بخلاف أخ لأخ إن برز ولو بتعديل) ش: ويشترط فيه أن لا يكون في عياله ويشترط ذلك أيضا في شهادة المولى لمعتقه والصديق الملاطف والأجير وقد نص على الثلاثة الأول في كتاب الشهادات من المدونة قال فيها: وتجوز شهادة الأخ لأخيه والرجل لمولاه أو لصديقه أو الملاطف إلا أن يكون من عياله أحد من هؤلاء يمونه فلا تجوز شهادته له وتجوز شهادة الرجل لشريكه المفاوض إذا شهد له في غير التجارة إذا كان لا يجر لنفسه بذلك شيئا انتهى. وقال في أول الكتاب: ولا تجوز شهادة من هو في عيال الرجل له وكذلك الأخ والأجنبي إذا كانا في عياله فإن لم يكونا في عياله جازت شهادتهما إذا كانا مبرزين في العدالة في الأقوال والتعديل. قال في التنبيهات: المبرز بكسر الراء المشددة أي ظاهر العدالة سابقا غيره متقدما، وأصله من تبريز الخيل في السبق وتقدم سابقها وهو المبرز لظهوره وبروزه أمامها انتهى. وقال ابن رشد في أول سماع ابن القاسم من الشهادات: يشترط التبريز في العدالة على مذهب ابن القاسم فيمن سئل في مرضه شهادة لتنقل عنه فقال: لا أعلمها، ثم شهد

(8/169)


وتؤولت أيضاً بخلافه كأجير ومولى، وملاطف ومفاوض في غير مفاوضة، وزائد
__________
بها واعتذر بأنه خشي في مرضه عدم تثبته فيها، ومن زاد في شهادته أو نقص بعد أدائها، وشهادة الأخ لأخيه والأجير لمن استأجره إن لم يكن في عياله وشهادة المولى لمن أعتقه وشهادة الصديق الملاطف لصديقه وشهادة الشريك المفاوض لشريكه في غير مال المفاوضة انتهى. وسيأتي لفظ السماع في القولة التي بعد هذه ونقله ابن عرفة في المانع الثالث وكأن المؤلف استغنى عن هذا الشرط بقوله بعد هذا: "ولا إن جر بها" فإنهم جعلوا من ذلك شهادة المنفق عليه للمنفق فتأمله.
تنبيهان: الأول: قال سحنون في كتاب ابنه: معنى ليس الذي في عياله هو الأجير المشترك مثل الصناع وغيرهم فأما الأجير الذي يصير جميع عمله لمن استأجره وهو في عياله أو ليس في عياله قد دفع إليه مؤنته فلا يجوز أن يشهد له وإن كان معتزلا عنه انتهى من النوادر ونقله ابن يونس وأبو الحسن وزاد: قال اللخمي: ظاهر قول ابن القاسم أن المنع إذا كان في نفقته كانت النفقة بالطوع أو من الإجارة؛ لأن المظنة تتعلق بالوجهين جميعا؛ لأنه يخشى إن لم يشهد له أن يصرفه وكذلك الأجير المشترك كالطراز والقصار؛ لأنه يتهم في شهادته له أن يخصه بأعماله انتهى. وأما شهادة السمسار فقال ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب الأقضية في شرح قولها ولا تجوز شهادة المعزول على ما حكم به: يقوم منه ومما فوقه، ومن قولها بعد ولا تجوز شهادة قسام القاضي: إن شهادة الخاطب والسمسار لا تجوز. وفي ذلك خلاف والفتوى بقبول شهادة الخاطب دون السمسار انتهى. لكن قيد في كتاب الأيمان بالطلاق عدم جواز شهادة السمسار بما إذا شهد فيما يتهم فيه ونصه عند قول المدونة وإن شهد رجلان على رجل أنه أمرهما أن ينكحاه وأن يبتاعا له بيعا وأنهما فعلا ذلك وهو ينكر لم تجز شهادتهما عليه؛ لأنهما خصمان قال ابن ناجي: مثله في النكاح الأول حيث لم تجز شهادة الأب في عقدة النكاح؛ لأنه شهد على فعل نفسه ويقوم منهما أن شهادة السمسار لا تجوز وذلك فيما يتهم فيه كما إذا شهد في عقد البيع، وأما حيث لا يتهم فجائزة كما إذا شهد في الثمن وكانت أجرته لا تختلف سواء باع بقليل أو كثير ونص عليه بذلك الشعبي وأفتى ابن الحاج بجواز شهادته ذكره فيما إذا أنكر المبتاع البيع ويقوم منها أيضا أن شهادة الخاطب لا تجوز وفيها خلاف حكاه صاحب الطراز فيترك أول الأنكحة فقال: لا تجوز شهادة الخاطبين؛ لأنهما معا كخصمين، وقيل: إنما ذلك إذا أخذا على ذلك أجرا فإن لم يأخذا أجرا جاز وكانت الفتوى تجري به وسئل عنها ابن رشد فأجاب بجوازها لعدم التهمة، وأما شهادة المشرف لمن يشرف عليه فسأل عنها عياض ابن رشد فأفتاه بالجواز وهو واضح لقول أحمد بن نصر وغيره إن تنازع

(8/170)


__________
المشرف والوصي عند من يكون المال؟ فإنه يكون عند الوصي ويقوم منها ما في سماع أصبغ من الشهادات فيمن دفع إلى رجلين مالا وأمرهما أن يدفعاه إلى رجل وأن يشهدا عليه فزعما أنهما فعلا ذلك وأنكر الرجل فقال: لا تجوز شهادتهما؛ لأنهما يتهمان في دفع اليمين عنهما انتهى. فتحصل من كلامه أن شهادة السمسار جائزة فيما لا يتهم فيه بلا خلاف، وفي شهادته فيما يتهم فيه قولان وقعت الفتوى بكل منهما فتأمله والله أعلم. وتقدم الكلام على شهادة الخاطب والقسام والعاقد في كتاب القسمة.
فائدة: وقع في نوازل البرزلي في كتاب الإجارة للسماسرة عدة أسماء فسماهم في بعض المواضع سماسرة وفي بعضها النخاسين وفي بعضها الصاحة وفي بعضها الدلالين وفي بعضها الطوافين وفي بعضها الوكلاء من السماسرة والله أعلم.
الثاني: الصديق الملاطف هو المختص بالرجل الذي يلاطف كل واحد منهما صاحبه ومعنى اللطف الإحسان والبر والتكرمة وهو أحد معاني تسميته لطيفا ولو كانت هذه الملاطفة من أحدهما للآخر كانت كمسألة الأخوين اللذين ينال أحدهما بر الآخر وصلته انتهى من كتاب الأقضية من التنبيهات، وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب في كتاب الإقرار: والصديق الملاطف هو الذي قيل فيه:

(8/171)


أو منقص وذاكر بعد شك وتزكية، وإن بحد من معروف إلا الغريب
__________
إن أخاك الحق من كان معك
...
ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك
...
شتت فيك شمله ليجمعك
ا هـ. وهذا الذي قاله بعيد وقل أن يوجد أحد بهذه الصفات فالأولى تفسيره بما في التنبيهات والله أعلم. ص: (أو منقص) ش:
مسألة: وإذا نقص الشاهد بعض الشهادة ونسي البعض فيرد الجميع. قاله ابن رشد في نوازل أصبغ من الشهادات في آخر الكلام على مسألة من أعتق عبدين فشهدا بعد عتقهما أنه غصبهما من رجل، ونصه: وإذا لم يأت الشاهد بالشهادة على وجهها أو سقط عن حفظه بعضها فإنها تسقط كلها بإجماع انتهى. ص: (وذاكر بعد شك) ش: قال في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات: إذا سئل الشخص عن شهادة في مرضه لتنقل عنه أو ليشهد على شهادته تحصينا لها أو سئل عند الحاكم ليشهد بها فأنكرها وقال: لا علم عندي منها ثم جاء يشهد فإنه يقبل إذا كان مبرزا في العدالة، وأما لو لقيه الذي عليه الحق فقال: بلغني أنك تشهد علي بكذا، فقال: لا أشهد عليك بذلك ولا عندي منه علم وإن شهدت عليك فشهادتي باطلة لم يقدح في شهادته ولا يضرها وإن أقام على قوله بينة، قال ذلك ابن حبيب في الواضحة، وهل يحمل على التفسير لقول مالك هذا؟ انتهى. وفيه: أما إذا قال الشاهد بعد شهادته للمشهود عليه: إن كنت شهدت عليك بذلك فأنا مبطل فإنه رجوع عن الشهادة وذكر فيه ابن رشد خلافا.
فرع: قال في الطراز في الذي يسأل الشهادة فيقول: هي اليوم عندي ألف سنة قال بعضهم: هو جاهل ولا تسقط شهادته؛ لأنه محمول على المبالغة وقد قال عليه الصلاة والسلام "لا يضع عصاه عن عاتقه".
فرع: قال ابن رشد في مسائل الشهادات في نوازله في رجل شهد لرجل شهادة فقال

(8/172)


بأشهد أنه عدل رضاً من فطن عارف لا يخدع معتمد على طول عشرة، لا سماع من سوقه، أو محلته إلا لتعذر، ووجبت إن تعين كجرح إن بطل حق وندب تزكية سر معها من متعدد، وإن لم يعرف الاسم أو لم يذكر السبب،
__________
المشهود عليه للمشهود له: ما بال هذا الشاهد لم يؤد لك هذه الشهادة منذ كذا وكذا؟ فقال له المشهود له: إنه لتحريه وتوسوسه توقف وتثبت حتى جاء بنص كلامك مخافة أن يزيد عليك فيه شيئا لم تقله، فزعم المشهود عليه أن قول المشهود له المنصوص فوق هذا مسقط لشهادة الشاهد لما فيه من ذكر الوسوسة فأجاب أن ذلك لا يبطل شهادة الشاهد؛ لأنه إنما وصفه بالتحري والتثبت انتهى. مختصرا. ص: (فأشهد أنه عدل رضا) ش:
فرع: ذكر الدماميني في حاشية البخاري في كتاب الشهادات في قوله: "لا نعلم إلا خيرا" أن هذا اللفظ لا يفيد التزكية وإنما يكتب في التبرئة من التهم فيقولون في عقد التبرئة: لا يعلم شهوده على فلان إلا خيرا ولا بد في هذه الشهادة من خبرته ومباطنته، وكذلك قوله: "لا أعلم له وارثا" وقوله: "لا أعلم له مالا" انتهى. ص: (كجرح إن بطل حق) ش: وعكس هذه

(8/173)


بخلاف الجرح وهو مقدم، وإن شهد ثانياً ففي الاكتفاء بالتزكية الأولى تردد، وبخلافها لأحد
__________
المسألة إن شهد الشاهد بحق وأنت تعلم جرحته فهل يجوز لك أن تجرحه؟ ذكر فيه ابن رشد في سماع ابن القاسم في رسم الشجرة وفي سماع عيسى وفي سماع سحنون قولين ورجح أنه لا يشهد بجرحته. ص: (بخلاف الجرح) ش:
مسألة: إذا قال أحد المجرحين في أحد الشاهدين: هو كذاب وقال الآخر فيه: هو آكل ربا، فليس بتجريح حتى يجتمعا على شيء واحد وإن قال أحدهما: هو خائن، وقال الآخر: يأكل أموال اليتامى فذلك تجريح؛ لأنه معنى واحد، وقال أيضا: إذا جرحه أحدهما بمعنى وجرحه الآخر بمعنى آخر فذلك تجريح؛ لأنهما قد اتفقا على أنه رجل سوء. قال ابن حبيب: وسألته قبل ذلك عن تجريحهما إياه بأنه رجل غير مقبول الشهادة، وقال: لا يسمى بالجرحة، فقال: هي جرحة ولا يكشف عن أكثر من هذا انتهى من ابن سهل. ص: (وهو المقدم) ش: قال في النوادر: قال محمد بن عبد الحكم: وإذا عدل الشهود عنده ثم أتى من يجرحهم فإنه يسمع الجرحة فيهم أبدا ما لم يحكم، فإذا حكم لم ينظر في حالهم بجرحة ولا بعدالة في ذلك الحكم انتهى من كتاب الأقضية الثاني وآخر ترجمة المحكوم عليه يجد بعد الحكم بينة أو منفعة من تجريح أو غيره. وقال في الطرر في ترجمة وثيقة بتجريح عداوة ولابن الماجشون: إن جرح رجلان عدلا ثم جاء المجرح بمن يعدله لم نقبله ولو بألف عدل وقاله أصبغ من رواية أبي زيد عنهما انتهى. والظاهر أن هذا على سبيل المبالغة. ص: (وبخلافها لأحد ولديه على الآخر

(8/174)


ولديه على الآخر أو أبويه إن لم يظهر ميل له، ولا عدو ولو على ابنه
__________
أو أبويه إن لم يظهر ميل له) ش: هذا مخرج أيضا من عدم قبول شهادة متأكد القرابة فهو معطوف على خلاف من قوله: بخلاف أخ لأخ، وأعاد العامل لطول الفصل، والضمير في: "بخلافها" عائد إلى الشهادة والمعنى: أن شهادة الوالد أو الوالدة لأحد ولديه على الآخر جائزة إن لم يظهر ميل للمشهود له وكذلك شهادة الولد ذكرا كان أو أنثى لأحد أبويه على الآخر جائزة إن لم يظهر ميل للمشهود له فقوله: "إن لم يظهر ميل" قيد في المسألتين، ومفهوم الشرط أنه إن ظهر ميل للمشهود له لم تجز الشهادة اتفاقا وأما إن لم يظهر ميل فالذي رجحه ابن محرز واللخمي ومشى عليه المصنف وهو قول ابن القاسم قبول الشهادة؛ لأن الشاهد استوت حاله فيمن شهد له وعليه فصار كمن شهد لأجنبي وقال سحنون: لا تجوز شهادة الأب لابنه على كل حال واشترط بعضهم في قبول هذه الشهادة التبريز ولم يذكره المصنف فإن ظهر الميل للمشهود عليه قال ابن الحاجب فأولى بالجواز. قال في التوضيح: يريد على القول بالجواز ولا يريد أنه يتفق على الجواز؛ لأن سحنونا يمنع وإن شهد للأكبر على الأصغر والراشد على السفيه وللعاق على البار وكأنه رآه حكما غير معلل وأن المنع في ذلك للسنة انتهى. وقال في الشامل: وإن ظهر ميل للمشهود عليه جازت على المشهور انتهى.
فرع: قال في التوضيح: قال ابن رشد: وإن شهد لأبيه على ولده أو لوالده وليس في حجره فيخرج على الخلاف في شهادته لأحد أبويه على الآخر، ولو شهد لأبيه على جده أو لوالده على ولد ولده لانبغى أن لا تجوز اتفاقا ولو كان على العكس لانبغى أن تجوز اتفاقا انتهى. ص: (ولا عدو ولو على ابنه) ش: يريد إذا كانت العداوة بينة قال في التوضيح. فإن

(8/175)


أو مسلم وكافر، وليخبر بها
__________
قلت: ما أفاد قوله يعني ابن الحاجب عكس القرابة قيل:فائدتين: الأولى: تقييد العداوة بالبينة كما قيد في القرابة تأكيد الشفقة، قال ابن كنانة في المجموعة: إن كانت الهجرة في أمر خفيف فشهادة أحدهما تقبل على الآخر وأما المهاجرة الطويلة والعداوة البينة فلا تقبل انتهى. ونقله ابن عرفة عن المازري ونصه المازري قال ابن كنانة: إن كانت العداوة خفيفة على أمر خفيف لم تبطل الشهادة.
تنبيه: والعداوة المانعة هي العداوة بسبب أمر دنيوي، قال ابن الحاجب: وشرطها أن تكون عن أمر دنيوي من مال أو جاه أو منصب أو خصام وإن كان أصله دنيا يتشوف به عادة إلى أذى يصيبه، وقوله: "ولو على ابنه" مثله أبوه كما صرح به في البيان وكذا أمه نقله ابن عرفة عن الشيخ وتجوز على عدو أخيه في المال نقله في رسم باع من سماع عيسى من كتاب الشهادات.
فرع: وتجوز على صبي أو سفيه في ولاية عدوه على الأصح.
فرع: من كان بينهما عداوة معلومة ثم اصطلحا جازت شهادة كل منهما على صاحبه إذا طال الأمر واستحق الصلح وظهرت براءتهما من دخل العداوة؛ لأنه يتهم إذا شهد بقرب صلحه أنه إنما صالحه ليشهد عليه قاله في سماع أشهب ونقله ابن عرفة وقال في المسائل الملقوطة:
مسألة: قوم بينهم فتنة أو بين آبائهم وأجدادهم ثم اصطلحوا فلا يشهد بعضهم على بعض حتى ينقضي القرن الذين شاهدوا الفتنة قاله مالك في أسئلة محمد بن سالم وفي النوادر ومثله لابن العربي في الأحكام واستدل بقوله تعالى " {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: من الآية118] من الأحكام من مسائل الحكام انتهى. ص: (وليخبر بها) ش: أي بالعداوة والمسألة في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات وفي النوادر ورجح ابن رشد القول بأنه لا يخبر بها وانظر إذا كان الشاهد يعلم من نفسه الجرحة، والظاهر أنه لا يجوز له أن يذكر ذلك وتقدم في باب الصوم أن مرجو

(8/176)


كقوله بعدها: تتهمني وتشبهني بالمجانين مخاصماً لا شاكياً، واعتمد في إعسار بصحبة وقربة صبر ضر كضرر الزوجين
__________
الشهادة له أن يشهد وإن علم من نفسه الجرحة وانظر أول رسم من سماع عيسى وسماع سحنون ونوازله والنوادر والله أعلم.
مسألة: الشاهد يشهد بما لا يرى جوازه ذكرها في الواضحة ونقلها ابن فرحون في الفصل الثامن في تنبيه القاضي على أمور عند أداء الشهادة ونصه: وفي مختصر الواضحة فيمن عنده شهادة على شيء لا يعتقد جوازه قال ابن عبدوس: سألت سحنونا عن الرجل تكون عنده الشهادة وهو ممن لا تجوز عنده والقاضي ممن يرى إجازتها أترى على الشاهد أن يؤديها إلى القاضي؟ قال: كيف هذه الشهادة؟ قلت: مثل أن يشهد على صداق معجل في نكاح ومعه مؤجل لم يضرب له أجل، فقال: ما أرى أن يشهد فإن جهل الشاهد فينبغي للقاضي أن ينبهه على أنه لا ينبغي له أن يشهد في ذلك انتهى. ص: (واعتمد في إعسار بصحبة وقرينة صبر ضر كضرر أحد الزوجين) ش: يعني أن الشاهد في الإعسار وما أشبهه كالتعديل وضرر الزوجين يجوز له أن يعتمد فيما يشهد به على الظن القوي؛ لأنه المقدور على تحصيله غالبا ولو لم يحكم بمقتضاه لزم تعطيل الحكم في التعديل والإعسار فيعتمد في الإعسار على الصحبة وصبره على الضرر كالجوع ونحوه مما لا يكون إلا مع الفقر، فالباء في قوله: "بصحبته" بمعنى "على" كقوله تعالى: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: من الآية75] بدليل قوله تعالى: {هَلْ آمَنُكُمْ

(8/177)


ولا إن حرض على إزالة نقص: فيما عد فيه لفسق
__________
عَلَيْهِ} [يوسف: من الآية64] وقوله تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين:30] بدليل: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ} [الصافات:137]
مسألة: لا يكلف الشهود من أين علموا ما شهدوا به قال ابن سهل في كتاب الأقضية: فصل: إذا شهدوا أنه كفء لليتيمة، قال ابن لبابة: الشهادة تامة وليس على القاضي أن يسألهم من أين علموا ذلك انتهى. وقال في كتاب الشهادات: قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهد شاهدان لفلان على فلان مائة دينار ولم يقولا أقر بذلك فلا تجوز شهادتهما؛ لأنهما حاكيان حتى يبينا ذلك فيقولان: أقر عندنا أو أسلفه انتهى. ونقل ابن فرحون عن معين الحكام أن ظاهر كلام ابن الحارث خلاف ذلك ونصه في معين الحكام، قال محمد بن حارث: إذا لم يبين الشهود وجه الحق الذي شهدوا فيه ولا فسروه فليس ذلك بشيء حتى يبينوا أصل الشهادة وكيف كانت، فيقولون: أسلفه بمحضرنا أو بإقراره عندنا، وفي أحكام ابن سهل قال محمد بن عبد الحكم وذكر كلامه المتقدم ثم قال بعده:
تنبيه: وفي معين الحكام قال بعض المتأخرين: ظاهر هذا أنه إذا أقر عندهما بالدين مجملا ولم يذكر المقر وجهه وشهدوا به أنه يؤخذ بذلك، وظاهر ما قاله ابن حارث في هذه المسألة خلاف هذا حتى يشهد بإقراره بالسلف أو المعاملة انتهى. ص: (فيما رد فيه لفسق) ش: وكذلك جميع موانع الشهادة قال ابن عرفة: قال المازري والشيخ لابن سحنون عن أبيه: أجمع أصحابنا على أن الشهادة إذا ردت لظنة أو تهمة أو لمانع من قبولها ثم زالت التهمة أو الوجه المانع من قبولها أنها إذا أعيدت لم تقبل انتهى. ونقله ابن عبد السلام واحترز بقوله: "فيما رد فيه" بما لو أدى الشهادة ولم ترد حتى زال المانع فإنها تقبل لكن بشرط إعادتها بعد زوال المانع، قال في التوضيح: وكذلك لو قال القائم بشهادته للقاضي: عندي فلان العبد أو الصغير أو النصراني، فقال القاضي: لا أجيز شهادة هؤلاء فإن هذا ليس ردا لشهادتهم وتقبل

(8/178)


أو صباً، أو رق، أو على التأسي كشهادة ولد الزنا فيه، أو من حد فيما حد فيه،
__________
شهادتهم بعد ذلك؛ لأن كلامه إنما هو فتوى قاله غير واحد ونقله في الشامل. ص: (أو على التأسي) ش: يعني أنه يتهم في أن يجعل غيره مثله؛ لأن المصيبة إذا عمت هانت وإذا ندرت هالت ولهذا قال عثمان رضي الله عنه: "ودت الزانية أن النساء كلهن يزنين" انتهى من التوضيح. ص: (كشهادة ولد الزنا) ش: قال ابن عبد السلام: لما كان هذا الوصف لازما له لا ينفك عنه في طاعة ولا فسق اتفق المذهب على رد شهادته في ذلك انتهى. وتبع في الاتفاق ابن الحاجب وهذه طريقة المازري قال ابن عرفة: وفي ولد الزنا طريقان، المازري: لم يختلف المذهب في رد شهادته في الزنا وقبولها فيما سوى ذلك مما لا تعلق له بالزنا ثم ذكر الطريق الثانية وعزاها لابن رشد ونصه: شهادة ولد الزنا في الزنا وفي نفي الرجل عن أبيه جارية على الخلاف فيمن حد في شيء هل تجوز شهادته فيه أم لا؟ والمشهور من قول ابن القاسم أنها مردودة انتهى. قال في التوضيح: في هذا المحل قال مطرف وابن الماجشون: وكذلك لا تقبل فيما يتعلق بالزنا كاللعان والقذف والمنبوذ انتهى. ص: (أو من حد فيما حد فيه) ش: هذا هو المشهور وصرح بمشهوريته ابن عبد السلام في الاستذكار نقله في التوضيح وابن عرفة فعزو تشهيره لابن رشد قصور، وقال ابن عرفة الشيخ عن الأخوين: المحدود في الزنا يتوب شهادته جائزة في كل شيء إلا في الزنا والقذف واللعان وكذلك المنبوذ لا تجوز شهادته في شيء من وجوه الزنا لا قذف ولا غيره وإن كان عدلا وفي نوازل سحنون: من اقتص منه في جناية لم تجز شهادته في مثل الجرح الذي اقتص منه، ابن رشد: هذا شذوذ أغرق فيه في القياس قلت للشيخ عن الواضحة: قال الأخوان: من قتل عمدا فعفي عنه ثم حسنت حالته جازت شهادته إلا في القتل وفي كتاب ابن سحنون قيل لابن كنانة: من ضربه الإمام نكالا أينتظر في قبول شهادته توبته؟ قال: ليس ما ينكل به سواء نكل ناس بالمدينة لهم حال حسنة لشيء أسرعوا فيه إلى ناس وشهادتهم في ذلك تقبل ليس لأحد فيهم مغمز ومن ليس بحسن الحال إلا أن شهادته تقبل وليس بمشهور العدالة يأتي بما فيه النكال الشديد فلينظر في هذا وإنما

(8/179)


ولا إن حرض على القبول، كمخاصمة مشهود عليه مطلقاً، أو شهد وحلف
__________
يعرف هذا عند نزوله، وأما الشتم ونحوه وهو في غير ذلك يعرف بالصلاح فلا ترد شهادته انتهى والله أعلم. ص: (كمخاصمة مشهود عليه مطلقا) ش: أي في حق الله أو في حق الآدمي أما في حق الله كما لو تعلق أربعة برجل ورفعوه للقاضي وشهدوا عليه بالزنا، وأما في حق الآدمي فقال ابن عرفة: وقول ابن الحاجب: "وفي القبول كمخاصمة المشهود عليه في حق الآدمي" إن أراد بتوكيل من المشهود له فهو، نقل الباجي عن ابن وهب الوكيل على خصومة لا تجوز شهادته فيما يخاصم فيه وإلا فهو أحرى في عدم القبول انتهى. والظاهر أنه كذلك إذا خاصم بغير وكالة بل هو أظهر.
فرع: قال في النوادر في الجزء الثاني من كتاب الشهادات في الترجمة التي قبل ترجمة الرجل يشهد لنفسه ولغيره ومن كتاب ابن المواز من وكل رجلا على طلب في حق ثم عزله وتولى الطلب بنفسه فشهادة الوكيل له جائزة انتهى.
تنبيهات: الأول: ظاهر كلامه أن المخاصمة في حق الله تعالى مبطلة مطلقا سواء كان مما يستدام فيه التحريم أو لا، وهو كذلك على ما قال بعض المتأخرين: إنه مذهب ابن القاسم خلاف مذهب مطرف وابن الماجشون، وعند ابن رشد: أن المخاصمة إنما تبطل ما لا يستدام فيه التحريم وأما ما يستدام فيه التحريم فلا تبطله المخاصمة كما يأتي في كلامه، وظاهر كلام المازري فيما حكى عنه ابن عرفة الإطلاق ككلام المؤلف.
الثاني: ظاهر كلامه أيضا أن المخاصمة مطلقا في حقه تعالى مبطلة ولو كان القائم فيها من أصحاب الشرط الموكلين بتغيير المنكر وليس كذلك بل هو مقيد بغيرهم كما سيأتي في كلام ابن رشد، ونصه: قال في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب الشهادات وقال ابن

(8/180)


__________
القاسم في صاحب السوق أخذ سكران فسجنه وشهد عليه وآخر معه فقال: لا أرى أن تجوز شهادته؛ لأنه قد صار خصما حين سجنه ولو رفعه إلى غيره قبل أن يسجنه وشهد مع الرجل جازت شهادته عليه قال محمد بن رشد: إنما جازت شهادته عليه وإن أخذه فرفعه ما لم يسجنه؛ لأن ما فعل من أخذه ورفعه لازم له من أجل أنه موكل بالمصلحة ولو لم يكن صاحب السوق موكلا بالمصلحة فأخذ سكران فرفعه إلى غيره لم تجز شهادته عليه على ما قال في المسألة بعدها وبالله التوفيق.
مسألة: وقال ابن القاسم في أربعة نفر شهدوا على رجل بالزنا فتعلقوا به فأتوا به إلى السلطان وشهدوا عليه قال: لا أرى أن تجوز شهادتهم وأراهم قذفة. ورواها أصبغ في كتاب الحدود، وقال محمد بن رشد: إنما لم تجز شهادتهم؛ لأن ما فعلوا من أخذه وتعلقهم به ورفعهم إياه إلى السلطان لا يلزمهم ولا يجب عليهم بل هو مكروه لهم؛ لأن الإنسان مأمور بالستر على نفسه وغيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله" 1 وقال لهزال: يا هزال لو سترته بردائك لكان خيرا لك . فلما فعلوا ذلك صاروا ظالمين له ومدعين الزنا عليه وقذفة له فوجب عليهم الحد له إلا أن يأتوا بأربعة شهداء سواهم على معاينة الفعل كالمرود في المكحلة، ولو كانوا أصحاب شرطة موكلين بتغيير المنكر ورفعه أو أحدهم فأخذوه أو أخذه فجاءوا به فشهدوا عليه لقبلت شهادتهم؛ لأنهم فعلوا في أخذه ورفعه ما يلزمهم على قياس قوله في المسألة التي قبلها وفي الواضحة لمطرف وابن الماجشون وأصبغ أنه إذا شهد أربعة بالزنا على رجل جازت شهادتهم وإن كانوا هم القائمين بذلك مجتمعين جاءوا أو مفترقين إذا كان افتراقهم قريب بعضه من بعض ووجه ذلك أنه لما كان ما فعلوا من قيامهم عليه مباحا لهم -وإن كان الستر أفضل- لم يكونوا خصماء إذ لم يقوموا لأنفسهم وإنما قاموا لله وقد مضى هذا الاختلاف مجردا عن التوجيه في أول رسم من هذا السماع ولو كانت الشهادة فيما يستدام فيه التحريم من حقوق الله كالطلاق والعتاق لجازت شهادتهما في ذلك وإن كانا هما القائمين بذلك؛ لأن القيام بذلك متعين عليهما، وقد قال بعض المتأخرين: إن ذلك لا يجوز على مذهب ابن القاسم وقوله: في هذه المسألة خلافا لمطرف وابن الماجشون ووجه ذلك أن كل من قام في حق يريد إتمامه فهو يتهم أن يزيد في شهادته ليتم ما قام فيه وهو عندي بعيد انتهى. وكررها في سماع أصبغ من كتاب الحدود والقذف وذكر ابن رشد كلامه عليها بالحرف وأشار إلى أنه قدمه غير أنه زاد بعد قوله في آخر الشرح وابن الماجشون لفظ وأصبغ وهو ظاهر، وقال بعده: ووجه ذلك بأن كل من قام إلى آخر ما تقدم، فجعل وجه فعلا ماضيا مسندا إلى ضمير بعض المتأخرين
ـــــــ
1 رواه الإمام مالك في الموطأ في كتاب الحدود حديث 12.

(8/181)


__________
رأيته هناك مضبوطا بالقلم ويدل عليه قوله: "بأن" بإدخال الباء على "أن" بخلاف ما في هذا المحل فإنه وجه فيه مصدر مما يظهر، ويدل عليه إدخال اللام على "أن" والظاهر ما في الحدود فلعل ما هنا تصحيف من الناسخ والله أعلم. وفي تعليله شيء فإنه في أول الكلام جعل فعلهم من الرفع وعدم الستر مكروها ثم جعله مباحا، والمباح مباين للمكروه ولعله أراد الجائز فإنه يطلق على ما يشمل المكروه والمباح والمندوب والواجب كما تقدم أول الكتاب عن القرافي قال ابن عرفة بعد أن ذكر كلام ابن رشد المتقدم في الكلام على العداوة قلت فشهادة من رفع من شهد عليه لأنه مولى على ذلك مقبولة وفي غير المولى ثالثها إن كان فيما يستدام فيه التحريم الأول للأخوين، الثاني لبعض المتأخرين على قياس قول ابن القاسم فيما لا يستدام تحريمه، الثالث لابن رشد محتجا بأن القيام به متعين انتهى. وقال ابن عرفة في هذا المحل: قال المازري: واختلف إذا قام الشهود وخاصموا في حقوق الله فأسقط ابن القاسم شهادتهم؛ لأن خصامهم علم على شدة الحرص على إنفاذ شهادتهم والحكم بها وشدة الحرص قد تحمل على تحريفها أو زيادة فيها قال مطرف: شهادتهم تلزمه؛ لأنه في أمور الآخرة وقد قدمنا أن العداوة في حق الله لا تؤثر في الشهادة وذكر الباجي في قول محمد لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين، من قام يطلب حق الله لم تقبل شهادته فيه قاله ابن القاسم في العتبية وقال مطرف: شهادته جائزة انتهى.
قلت: ونحوه لابن رشد وتقدم ذكر كلامه في ذكر الخصومة فجعل المازري المانع حرصه على القبول، خلاف كونه الخصومة انتهى. وقال ابن فرحون: في الفصل الثالث من القسم الرابع من الركن السادس من الباب الخامس من القسم الأول: من كانت عنده شهادة فلا يحل له أن يكتمها ويلزمه إذا دعي أن يقوم بها وإن لم يدع فهو على وجهين إما أن يكون حقا لله وإما أن يكون حقا لآدمي فالأول على قسمين ما لا يستدام فيه على التحريم وما يستدام فيه فالأول كالزنا والشرب وشبهه فلا يضر ترك إخباره بالشهادة لأن ذلك ستر عليه وأشار ابن رشد إلى أن هذا في حق من يندر منه وأما من كثر منه فينبغي أن يشهد عليه وإن علم الإمام بذلك فقد قال ابن القاسم في المجموعة: يكتمونه الشهادة ولا يشهدوا بذلك إلا في تجريح إن شهد على أحد.
والثاني: كالعتق والطلاق والخلع والرضاع والعفو عن القصاص وتملك الأحباس والقناطر وشبهه فيلزمه أن يخبر بشهادته ويقوم بها عند الحاكم، فإن لم يخبر بشهادته سقطت؛ لأن سكوته عن ذلك جرحة إلا أن يثبت أن لهم عذرا في عدم القيام. قال ابن عبد السلام: وظاهر كلام ابن رشد اختلف في تجريح الشاهد بذلك واختلف في بطلان شهادته بالسكوت فإن كان المنكر هو القائم عليه وهو القائم بالشهادة فاختلف هل تقبل شهادته أم لا؟ وذهب ابن

(8/182)


__________
القاسم إلى أنه لا تجوز شهادته إذا كان هو القائم بها، وذهب مطرف وابن الماجشون وأصبغ إلى أن شهادته جائزة وكذلك الحكم لو كانوا جماعة هم القائمون عليه وهم الشهود انتهى. وقال بعده:
تنبيه: يستثنى من ذلك مسألة صاحب الشرطة وذكر مسألة البيان المتقدمة وحاصل ما تقدم أن ما حكاه ابن رشد عن بعض المتأخرين الذي هو ظاهر كلام المؤلف هو ظاهر إطلاقات أهل المذهب ولا شك في ظهور الفرق بين وجوب رفع الشهادة وسقوطها بكون الشاهد هو المدعي، فرفع الشهادة عند الحاكم والإخبار بها من غير مخاصمة فيما يستدام فيه التحريم واجب غير مسقط للشهادة كما سيصرح به المصنف بقوله: "وفي محض حق الله تعالى تجب المبادرة بالإمكان إن استديم تحريمه" وأما إن كان الرافع هو المخاصم فتسقط الشهادة كما أطلقه هنا في قوله: "كمخاصمة مشهود عليه مطلقا" والله أعلم. وانظر الشفاء في الشهادة بشيء في حق الجناب العلي.
فرع: قال في الطرر في ترجمة عداوة: إذا قام أهل مسجد في حباسة مسجدهم أو حقه على رجل وشهدوا فيه وأنكر الرجل لم تجز شهادتهم عليه؛ لأنهم خصماؤه فإن قام عليه منهم قائم وشهد غيره جازت شهادتهم؛ لأنهم ليسوا خصماء انتهى.
فائدة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة" 1 رواه مسلم في كتاب البر والصلة قال في الإكمال: وهذا الستر في غير المشتهرين وأما المتكشفون المشتهرون الذين تقدم إليهم في الستر وستروا غير مرة فلم يدعوا وتمادوا فكشف أمرهم وقمع شرهم مما يجب؛ لأن كثرة الستر عليهم من المهاودة على معاصي الله ومصانعة أهلها، وهذا أيضا في ستر كشف معصية انقضت وفاتت فأما إذا عرف انفراد رجل بعمل معصية أو اجتماعهم لذلك فليس الستر ههنا السكوت على ذلك وتركهم وإياها بل يتعين على من عرف ذلك إذا أمكنه تنفيرهم عن ذلك بكل حال وتغييره وإن لم يتفق له ذلك إلا بكشفه لمن يعينه أو السلطان، وأما إيضاح حال من يضطر إلى كشفه من الشهود والأمناء والمحدثين فبيان حالهم ممن يقبل منه وينتفع به مما يجب على أهله، فأما الشاهد فعند طلب ذلك منه لتجريحه أو إذا رأى حكما يقطع بشهادته وقد علم منه ما يسقطها فيجب رفعها، وأما في أصحاب الحديث وحملة العلم
ـــــــ
1 رواه ابخاري في كتاب المظالم باب 3. مسلم في كتاب البر حديث 58،72.كتاب الذكر حديث 38. أبو داود في كتاب الأدب باب 38، 60. الترمذي في كتاب الحدود باب 3 كتاب البر باب 19. كتاب القران باب 10. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب 17. كتاب الحدود باب 5. أحمد في مسنده (2/91، 252، 296، 389، 404، 500، 514، 522) (4/62، 104) (5/375)

(8/183)


أو رفع قبل الطلب في محض حق الآدمي،
__________
المقلدين فيجب كشف أحوالهم السيئة لمن عرفها ممن يقلد في ذلك ويلتفت إلى قوله: لئلا يغتر بهم ويقلد في دين الله من لا يجب، على هذا اجتمع رأي الأئمة قديما وحديثا وليس الستر ههنا بمرغب فيه ولا مباح وليس في الحديث ما يدل على الإثم في كشفه ورفعه إلى السلطان وإنما فيه الترغيب على ستره ولا خلاف أن رفعه له وكشفه لمعصية الله مباح له غير مكروه ولا ممنوع إن كانت له نية من أجل عصيانه لله ولم يقصد كشف ستره والانتقام منه مجردا فهذا يكره له ا هـ. والظاهر أنه يحرم بهذا القصد لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: من الآية19] والظاهر أيضا أن الستر إذا خلا عن القيود التي ذكرها أولا يكون مندوبا إليه للحديث المتقدم وأنه يكره الرفع والله أعلم.
فرع: قال في النوادر: قال ابن وهب عن مالك: الجار يظهر شرب الخمر وغيره فليتقدم إليه وينهه فإن انتهى وإلا رفع أمره إلى الإمام، والشرطي يأتيه رجل يدعوه إلى ناس في بيت على شراب قال: أما البيت الذي لم يعلم ذلك منه فلا يتبعه، وإن كان بيتا معلوما بالسوء قد تقدم إليه فيه فليتبعه الشرطي انتهى. من الترجمة الثانية من كتاب الشهادات. ص: (أو شهد وحلف) ش: قال ابن عبد السلام: إلا أن يكون الشاهد من جهلة العوام فإنهم يتسامحون في مثل ذلك فينبغي عندي أن يعذروا به.
فإن قلت: هذا الوجه من الحرص لا يدل على ضعف في الشهادة ألا ترى أنه قد جاء في كتاب الله: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: من الآية106] وعلى ما جاء في حديث أبي موسى الأشعري.
قلت: قد قيل إن الحكم منسوخ وبتقدير كونه محكما فالشهود لم يبدءوا باليمين وإنما طلبت منهم فلا يضر انتهى. وقال ابن حجر في شرح البخاري في كتاب الشهادات: قال ابن بطال في قوله عليه الصلاة والسلام: "تسبق شهادة أحدهم يمينه" يستدل به على أن الحلف في الشهادة يبطلها. قال: وحكى ابن شعبان في الزاهي من قال: أشهد بالله أن لفلان على فلان كذا لم تقبل شهادته؛ لأنه حلاف وليست بشهادة قال ابن بطال: والمعروف عن مالك خلافه انتهى. ص: (أو رفع قبل الطلب في محض حق الآدمي) ش: قال في التوضيح: نعم، قال علماؤنا: يجب عليه أن يعلم صاحبه به إن كان حاضرا، فإن لم يفعل فروى عيسى عن ابن القاسم: ذلك مبطل لشهادته، قال الأخوان: إلا أن يعلم صاحب الحق بعلمهم وجعله ابن رشد تفسيرا وقال سحنون: لا يكون ذلك جرحة إلا في حق الله تعالى؛ لأن صاحب الحق إن كان حاضرا فقد ترك حقه وإن كان غائبا فليس للشاهد شهادة، ويلزم على هذا التعليل أنه إذا كان حاضرا لا يعلم أن تلك الرباع له مثل أن يكون أبوه أعارها

(8/184)


وفي محض حق الله تجب المبادرة بالإمكان، إن استديم تحريمه كعتق وطلاق، ووقف ورضاع، وإلا خير كالزنا
__________
أو أكراها لمن هي بيده فباعها الذي هي بيده والولد لا يعلم أنها لأبيه أن على الشاهد أن يعلم بذلك وإلا بطلت شهادته. الباجي: وعندي أن ذلك إنما يكون جرحة إذا علم أنه إن كتم ولم يعلم بشهادته بطل الحق أو دخل بذلك مضرة أو معرة وأما على غير ذلك فلا يلزم القيام بها؛ لأنه لا يدري لعل صاحب الحق تركه انتهى. قال ابن عبد السلام: وينبغي لهذا الشاهد أن ينكر على المتصرف في مال غيره وروي من حديث عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كانت عنده شهادة فلا يقل لا أخبر بها إلا عند الحاكم ولكن ليخبر بها لعله يرجع أو يرعوي" وقال ابن عرفة: حال الحاضر تبطل الشهادة بترك إعلام الحاضر بها لا بترك رفعها للسلطان.
قلت: إلا أن يكون ربها من هو إلى نظر السلطان كاليتيم المهمل انتهى. ص: (وفي محض حق الله تجب المبادرة إلخ) ش: قال ابن عبد السلام: إن كان هناك غيره ممن يتم الحكم بشهادته فإنه يستحب له المبادرة تحصيلا لفرض الكفاية فإن أبى غيره أو منعه من ذلك مانع تعين عليه القيام انتهى. ص: (كعتق وطلاق ووقف ورضاع) ش: نحوه لابن الحاجب قال في التوضيح قيد ابن شاس الوقف بأن يكون على غير معينين وأطلق القول فيه الباجي وابن رشد انتهى. وفي كون هذه الأشياء من محض حق الله تعالى عندي نظر والله أعلم.
تنبيه: بهذا القسم والذي قبله اندفع التعارض بين قوله صلى الله عليه وسلم في معرض الذم: "ثم يكون قوم يشهدون ولا يستشهدون" 1 وقوله: "تبدر شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته" 2 وبين قوله في معرض المدح: "ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها" فحكم الأول على الأول والثاني على الثاني والله أعلم. ص: (وإلا خير كالزنا) ش: تقدم في شرح قوله:
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الرقاق باب 7. كتاب الأيمان باب 27. كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب 1. كتاب الشهادات باب 9. مسلم في كتاب فضائل الصحابة حديث 213. أبو دطاود في كتاب السنة باب 9. النسائي في كتاب الأيمان باب 29. أحمد في مسنده (2/228، 410، 439) (4/426، 427، 440)
2 رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة 211. ابن ماجة في كتاب الأحكام باب 27.

(8/185)


__________
كمخاصمة مشهود عليه أن الستر أولى والرفع مكروه وهذا في حق من يندر منه وأما في حق من يكثر ذلك منه فليرفعه كما تقدم ذلك أيضا في كلام ابن فرحون وابن رشد والقاضي عياض بل أول كلام عياض يقتضي أن الرفع واجب وتقدم الكلام على ذلك بما فيه الكفاية

(8/186)


بخلاف الحرص على التحمل
__________
والله أعلم. ص: (بخلاف الحرص: على التحمل) ش: قال ابن الحاجب: ففي التحمل كالمختفي، فتحملها لا يضر كالمختفي على المشهور وقال محمد: إذا لم يكن المشهود عليه مخدوعا أو

(8/187)


كالمختفي ولا إن استعد كبدوي لحضري بخلاف، إن سمعه أو مر به ولا سائل في كثير، بخلاف من لم يسأل أو يسأل الأعيان
__________
خائفا قال في التوضيح: وليس قول محمد تقييدا للمشهور بل هو من تمامه ففي الموازية قال مالك في رجلين قعدا لرجل من وراء حجاب يشهدان عليه قال: إن كان ضعيفا أو مخدوعا أو خائفا لم يلزمه ويحلف ما أقر إلا بما ذكر، وإن كان على غير ذلك لزمه ولعله يقر خاليا ويأبى من البينة فهذا يلزمه ما سمع منه. قيل: فرجل لا يقر إلا خاليا أقعد له بموضع لا يعلم للشهادة عليه؟ قال: لو أعلم أنك تستوعب أمرهما، ولكني أخاف أن تسمع جوابه لسؤاله ولعله يقول له في سر: إن جئتك بكذا ما الذي لي عليك؟ فيقول له: عندي كذا. فإن قدرت أن تحيط بسرهم فجائز انتهى. وقال ابن عرفة عن ابن رشد: شهادة المختفي لا خفاء في ردها على القول بلغو الشهادة على إقرار المقر دون قوله: اشهدوا علي، وإنما اختلفوا فيها فمنهم من أجاز ذلك فمنعها سحنون مطلقا ومنهم من كره له الاختفاء لتحملها وقبولها إن شهد بها وهم الأكثر وهو ظاهر قول عيسى هنا، خلاف قول ابن القاسم في تفرقته بين من يخشى أن يخدع لضعفه وجهله وبين من يؤمن ذلك منه، ولو أنكر الضعيف الجاهل الإقرار جملة لزمته الشهادة عليه، وإنما يصدق فيه مع يمينه إذا قال: إنما أقررت لوجه كذا مما يشبه. انتهى. ودل المشهور هنا على أنه ليس من شرط صحة الشهادة قول المقر للشهادة أشهد على، ابن عبد السلام وفي

(8/188)


ولا إن جر بها
__________
ذلك قولان. وذكر ابن رشد في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب الشهادات القولين وذكر أن القول بجوازها قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وقول أشهب وسحنون وعيسى بن دينار وكافة أصحاب مالك انتهى. قال الدماميني في حاشية البخاري: فإذا صرح المقر بالإشهاد فالأحسن أن يكتب الشاهد أشهدني بذلك فشهدت عليه به حتى يخلص الخصم من الخلاف انتهى. وانظر آخر سماع أبي زيد من كتاب الشهادات.
تنبيه: قال ابن عرفة: وجعل المازري ومن تبعه علة رد شهادة المختفي الحرص على التحمل بعيد فتأمله انتهى. ص: (ولا إن جر بها) ش: يعني أن شهادة الشاهد إذا كانت تجر له نفعا فلا تجوز وهذا ظاهر.
فرع: قال في رسم القضاء من سماع أشهب من كتاب الشهادات وسئل مالك عن رجل شهد على رجل أنه حلف بطلاق امرأته في حق له عليه ليدفعنه إليه فحنث فقال: ما هو بجائز الشهادة عليه. قال ابن رشد: ليس إسقاط شهادته في هذا ببين وكان الأظهر أن تجوز شهادته عليه أنه قد حنث؛ لأن وقوع الطلاق عليه لا يدعوه إلى أن يعجل حقه وإنما يدعوه بالطلاق ليقضينه إلى أجل مخافة أن يقع عليه الطلاق إن لم يقضه قبل الأجل لما كان لو شهد عليه بذلك قبل أن يحنث والحق عليه لم يدفعه لم تجز شهادته عليه لاتهامه أن يكون إنما شهد عليه ليعجل له القضاء ولا يحنث لم تجز شهادته عليه إذا شهد عليه أنه قد حنث لاحتمال أن يكون قد ادعى ذلك عليه قبل الحنث فأراد أن يحقق دعواه عليه قبل الحنث لشهادته عليه بعد الحنث وهو ضعيف انتهى والله أعلم. ولم يذكر في ذلك خلافا وإنما ذكر ما ذكره على سبيل البحث. وقد نقل في النوادر في كتاب الشهادات في أول الجزء الثاني من الشهادات في ترجمة شهادة الأجير والشريك والمقارض والغريم عن المجموعة في ذلك قولين ونصه من المجموعة عن ابن القاسم: وإذا غرم الجميل ما تحمل به ثم قدم المطلوب فأنكر الحمالة فشهد الغريم على الحمالة فلا تجوز وكذلك من حلف لغريمه بالعتق ليقضينه إلى أجل فحنث فقام رقيقه فشهد لهم الطالب بالحنث فلا تجوز شهادته. ورواه أشهب عن مالك فيه وفي العتبية وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: إن شهادته تجوز قبض منه حقه أو لم يقبض، إذ لا يجر بها إلى نفسه شيئا وقاله أصبغ انتهى وقال قبل هذا في ترجمة ما يلزم الرجل أن يشهد به مما علمه من الجزء الأول من الشهادات: قال مالك فيمن سمع رجلا حنث في طلاق ولا يشهد عليه بذلك عليه غيره قال: فليرفعه إلى السلطان. وكذلك لو حنث بذلك في حق الشاهد عليه فليرفع ذلك حتى يكون السلطان ينظر في أمره يريد لا تجوز شهادته في حنثه في

(8/189)


__________
دينه عليه وقد ذكرها بعد هذا انتهى. وقد ذكر ابن بطال في مقنعه بلفظ لا تجوز شهادته في حنثه في دينه. وانظر كلام ابن رشد في شرح المسألة الثامنة من رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق من البيان وانظر كلام البرزلي في مسائل الأيمان في مسألة من حلف بالحلال عليه حرام لا أشتري منه غلة زيتون أبدا ثم اشتراها بعد سنين وشهد عليه البائع فإنه قال: الصواب أنه لا يحنث بشهادته؛ لأنه يتهم أنه أراد فسخ صفقته.
فرع: قال في الذخيرة في باب الشهادة عن الموازية: إذا قال: حبست على أهل الحاجة من قرابتي حبسا فشهد فيه منهم أهل الغنى فإن كان الحبس يسيرا بحيث لا ينفع هؤلاء إن احتاجوا قبلت شهادتهم وإلا ردت انتهى. من الباب الثامن في آخر المانع الثالث والله أعلم. وأصله في النوادر في أوائل الجزء الثاني من كتاب الشهادات في ترجمة الرجل يشهد لغيره ولنفسه، نقل عن ابن سحنون أنه قال: سمعت بعض أصحابنا سئل عن ذلك فأجاب بما ذكره وفي رسم الوصايا من سماع أصبغ من كتاب الشهادات نحوه وقبله ابن رشد ولم يتكلم عليه بل قال: هذه مسألة صحيحة بينة.
فرع: قال في النوادر في الترجمة المذكورة من النوادر ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن له قبل رجلين حق وأيهما شاء أخذه بحقه فأقر أنه قبضه من أحدهما، والآخر يقول: أنا دفعته إليه فشهادة القابض للدافع ههنا جائزة إذ ليس له عليهما شيء يجر به إلى نفسه شيئا انتهى. ووقعت مسألة وهي أن رجلا شهد على حاكم بثبوت وقف عنده والحالة أن الرجل المذكور ليس له الآن استحقاق في الوقف حال أداء الشهادة وإنما يئول إليه بمقتضى ما رتبه الواقف فهل تقبل شهادته في ذلك فأجاب بعضهم بأنه إن كان لا يحصل له انتفاع بهذا الشيء الموقوف إذا صار من أهله بأن يكون الوقف يسيرا قبلت شهادته وإلا ردت قياسا على الفرع المتقدم وهو ظاهر والمسألة في سماع أصبغ من الشهادات وهي المسألة الثانية وهي أيضا في النوادر والله أعلم.
مسألة: إذا شهد الشاهدان على حكم قاض عزل أو مات وقالا: كان القاضي حكم بشهادتنا فهل تبطل شهادتهما على الحكم وعلى أصل الشهادة أو تجوز على الحكم أو لا تجوز على الحكم وتجوز على أصل الشهادة؟ ثلاثة أقوال: أظهرها: رواية يحيى أن الشهادة على الحكم جائزة ولا يضرهما ما ذكراه قاله ابن رشد في رسم كراء الدور من سماع يحيى من الشهادات.
مسألة: إذا شهد شاهد بطلاق امرأة من زوجها فأثبت زوجها أنه كان يخطبها فهل تسقط بذلك شهادته ولا يلزم الزوج يمين؟ قولان حكاهما في النوادر.
فائدة: قال القرطبي في شرح مسلم: يجوز قبول أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم من الراوي لها

(8/190)


نفعاً كعلى مورثه المحصن بالزنا، أو قتل العمد إلا الفقير
__________
العدل وإن كان جر لنفسه بذلك نفعا أو ولده أو ساق بذلك مضرة لعدوه كإخباره عن الخوارج انتهى.
مسألة: من شهد شهادة تؤدي إلى رقه فقال أصبغ في نوازله: إنها لا تجوز ونصه، وسمعته أي أصبغ سئل عن رجل أعتق عبدين له فشهدا بعد عتقهما أن الذي أعتقهما غصبهما من رجل مع مائة دينار أن شهادتهما تجوز في المائة ولا تجوز في غصبه رقابهما؛ لأنهما يتهمان أن يريدا إرقاق أنفسهما ولا يجوز لحر أن يرق نفسه. قال ابن رشد: ولسحنون في كتاب ابنه: لا تجوز شهادتهما ولا في المائة وهو الأظهر؛ لأن الشهادة إذا رد بعضها للتهمة ردت كلها بخلاف إذا رد بعضها للسنة والمشهور إذ رد بعض الشهادة للتهمة أن ترد كلها وقيل إنه يرد ما لا تهمة فيه وهو قول أصبغ هذا، والمشهور إذا رد بعض الشهادة للسنة كشهادة رجل واحد أو امرأتين في وصية فيها عتق ومال أن يجوز منها ما أجازته السنة وهو الشهادة بالمال فيثبت بالشاهد مع اليمين أو بشهادة المرأتين مع يمين وقيل يبطل الجميع؛ لأنه لما رد بعضها وجب ردها كلها وذلك قائم من المدونة وحكاه البرقي عن أشهب وجميع جلسائه انتهى مختصرا. وذكر هذه المسألة في نوازل أصبغ في ثلاثة مواضع وفي مسائل الأقضية من البرزلي من ذلك مسائل، وذكر في نوازل أصبغ أيضا مسألة من شهد شهادة تؤدي إلى حده أنه تسقط شهادته ويحد كما إذا شهد شاهدان أن رجلا طلق امرأته ألبتة وأنهما رأياه بعد ذلك يزني بها كالمرود في المكحلة وقال ابن الماجشون: الحد ساقط عنهما لسقوط شهادتهما في الطلاق وقال سحنون الشهادة ساقطة ولا حد عليهما. قال ابن رشد: وقيل يلزمه الطلاق ويحدان وهو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وقول أصبغ في إيجاب الحد على الشاهدين: وإن سقطت شهادتهما في الطلاق أظهر من قول ابن الماجشون وسحنون انتهى. وانظر توجيه الأقوال فيه والله أعلم. ص: (كعلى مورثه المحصن بالزنا) ش: قال ابن رشد في أول سماع سحنون في كتاب الشهادات: وإذا سقطت شهادتهم بأي وجه سقطت وجب الحد عليهم وقد قال سحنون: إذا سقطت شهادتهم بالظنة ولا فرق بين أن تسقط بالظنة أو

(8/191)


أو بعتق من يتهم في ولائه، أو بدين لمدينه
__________
بالجرحة انتهى. ص: (أو بدين لمدينه) ش: يعني أن شهادة رب الدين للمديان بدين له على شخص آخر لا تجوز؛ لأنه يتهم أن يكون شهد له بذلك ليقضيه منه.
تنبيهات: الأول: قيد رحمه الله المسألة بكون رب الدين شهد للمديان بدين ولا خصوصية للدين، وفرضها في التوضيح فيما إذا شهد له بمال ويدخل فيه ما إذا شهد له بقضاء دين عليه فإنها شهادة بمال وهو ظاهر الرواية كما سيأتي.
الثاني: أطلق رحمه الله في رد شهادته ولم يفرق بين أن يكون المديان مليئا أو معسرا وتبع في ذلك ابن الحاجب وعلى ذلك اقتصر ابن فرحون في تبصرته وذكر في التوضيح في ذلك ثلاثة أقوال: الأول: رد شهادته مطلقا وهو مذهب ابن القاسم الثاني: إجازتها له وإن كان معدما وعزاه لأشهب
الثالث: التفرقة بين أن يكون المديان معدما فتمنع الشهادة، وبين أن يكون مليئا فتجوز وتبع المصنف في حكاية هذه الأقوال ابن عبد السلام وتبعهما صاحب الشامل فقال: ولو شهد رب دين لمديانه بطلت على الأصح، وثالثها إن كان معسرا انتهى. ونقل في البيان القول بجواز شهادته له مطلقا عن مالك من رواية ابن القاسم وذكر عن ابن القاسم أنه بلغه عن مالك القول بالتفرقة بين المليء والمعدم وجعله ابن رشد تفسيرا فقال في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات: قال مالك: شهادة الرجل لرجل

(8/192)


بخلاف المنفق للمنفق عليه، وشهادة كل للآخر وإن بالمجلس، والقافلة بعضهم لبعض في
__________
وللشاهد على المشهود له حق جائزة ابن القاسم بلغني عنه إن كان المشهود له موسرا قبلت وإلا لم تقبل؛ لأنه إنما شهد لنفسه، قال ابن رشد: ما بلغ ابن القاسم من تفرقة مالك بين كون المشهود له مليا أو معدما مفسر لما سمعه منه مجملا وهذا إن كان الدين حالا أو قرب الحلول، وإن بعد جازت شهادته كما لو كان مليا، وشهادته له فيما عدا الأموال جائزة قاله بعض أهل النظر وهو صحيح انتهى باختصار ابن عرفة وعلى كلام ابن رشد هذا اقتصر ابن عرفة ولم يحك فيه خلافا فتأمله فإنه مخالف لما نقله المصنف في التوضيح عن ابن القاسم من رد شهادته مطلقا، وأيضا فقد نقل ابن عبد السلام والمصنف القول بالتفرقة عن بعضهم وجعلوه خلافا ونقله في البيان عن مالك من رواية ابن القاسم وجعله تفسيرا وهذا هو الظاهر من المذهب ولذلك اعتمده ابن عرفة فاقتصر عليه وكذلك القرافي في الذخيرة.
الثالث: أطلق المصنف في رد الشهادة وتقدم في كلام ابن رشد تقييد المسألة بحلول الدين أو قرب حلوله والله أعلم. ص: (بخلاف المنفق للمنفق عليه) ش: تصوره ظاهر وأما عكسه وهو شهادة المنفق عليه للمنفق فإنها لا تجوز له كما نقلها الشارح عن المدونة ونقل في المسائل الملقوطة أنها جائزة إذا كان مبرزا في العدالة ونصه فيما يشترط فيه التبريز شهادة

(8/193)


حرابة لا المجلوبين، إلا كعشرين، ولا من شهد له بكثير ولغيره بوصية، وإلا قبل لهما
__________
الصناع لمن يكثر استعمالهم للتهمة في جر أعمالهم لهم وتوقيفها عليهم، وزاد أيضا الشهادة للصانع إذا كان مثله يرغب في عمله ولا عوض منه وزاد أيضا المنفق عليه للمنفق انتهى من المتيطية ومعين الحكام وابن راشد ا هـ كلامه. ولعل صوابه المنفق للمنفق عليه أعني الصورة الأولى التي في كلام المصنف وإلا فهو مشكل والله أعلم. ص: (ولا من شهد له بكثير ولغيره بوصية وإلا قبل لهما) ش: تصوره ظاهر.
مسألة: وأما شهادة الوصي على الميت أو له فقال في كتاب الشهادات من المدونة: وتجوز شهادة الوصيين أو الوارثين بدين على الميت. ابن يونس: مع يمين الطالب أنه ما قبض منه شيئا ولا سقط عنه بوجه ما ا هـ. ثم قال في المدونة: ولا تجوز شهادة الوصي بدين للميت إلا أن يكون الورثة كبارا وهم بحال الرشد يلون أنفسهم لا يتهم على قبض لهم فتجوز انتهى. وفي

(8/194)


ولا إن دفع كشهادة بعض العاقلة بفسق الشهود القتل، أو المدان المعسر لربه، ولا مفت على مستفتيه إن كان مما ينوي فيه، وإلا رفع ولا إن شهد باستحقاق وقال: أنا بعته له، ولا إن حدث فسق بعد الأداء،
__________
المقرب وشهادة الوصي على الميت جائزة وإن شهد بدين للميت على أحد لم تجز شهادته؛ لأنه يجر إلى نفسه إلا أن تكون الورثة كلهم كبارا مرضيين ولا يجر بشهادته إلى نفسه شيئا فشهادته جائزة. وقال مالك: وإن شهد أوصياء ميت أن الميت أوصى لفلان جازت شهادتهم. وقال غيره: وهذا إذا ادعى ذلك فلان ولم يكن لهما فيما شهدا به شيء يجرانه إلى أنفسهما وكذلك شهادة الوارثين في مثل هذا إذا شهدا أن الميت أوصى لفلان فشهادتهما في ذلك جائزة إذا لم يجرا بها شيئا إلى أنفسهما ا هـ من كتاب الشهادات. ص: (ولا إن شهد باستحقاق وقال: أنا بعته له) ش: قال في النوادر في أوائل الجزء الثاني من كتاب الشهادات

(8/195)


بخلاف تهمة جر، ودفع وعداوة، ولا عالم على مثله
__________
في آخر ترجمة الرجل يشهد لغيره ولنفسه ما نصه: سئلت عمن شهد لرجل استحق ثوبا أنه له بعته أنا منه فأجبت بأنه لا تجوز شهادته؛ لأن من شهد له بشيء أنه ملكه بشرائه إياه من فلان فلا تتم فيه الشهادة حتى يقولوا: إن فلانا البائع علمنا أنه يملكه أو يحوزه حيازة المالك حتى باعه من هذا، فهذا الشاهد البائع لم يثبت ملكه للثوب إلا بقوله انتهى.
فرع: قال في الترجمة المذكورة ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإن شهد رجل لرجل في سهم في شرب عين أو نهر أو حوائض وكان أصل ذلك بينه وبينه فقاسمه ثم شهد له الآن بملكه لذلك الذي صار له في القسمة من أصل عين أو أرض قال: شهادته له فيه جائزة ا هـ.
فرع: قال في الطرر في ترجمة استئجار راع لغنم بأعيانها في الراعي إذا ادعى أن بعض الغنم التي يرعاها له أو لشخص أنه لا يصدق فيما يدعيه لنفسه إلا أن يأتي بسبب يدل على صدقه فيحلف معه، قال: وأما إن أقر بشيء منها لغير الذي استأجره فهو شاهد له تقبل شهادته إن كان عدلا، وسواء كان يأوي الراعي إلى داره أو إلى دار الذي استأجره انتهى آخره باللفظ وتقدم بعضه عند قول المصنف في باب الإجارة: "وهو أمين". ص: (ولا عالم على مثله) ش: قال ابن عرفة:

(8/196)


ولا إن أخذ من العمال، أو أكل عندهم، بخلاف الخلفاء
__________
فرع: قال في الطراز في ترجمة تقييد عداوة مال بعض أهل الشورى: إن شهادة أهل المذهب جائزة على جميع المسلمين يريد أصحاب أبي حنيفة والشافعي وغيرهما وقال في الاستغناء: إن هذا إجماع. ص: (ولا إن أخذ من العمال أو أكل عندهم بخلاف الخلفاء) ش: قال في آخر سماع سحنون من كتاب الشهادات في مسألة طويلة سئل عنها سحنون: وقد يكون الرجل يقبل صلة السلطان ويأكل طعامه وسلاطين هذا الزمان من قد علمت أتراه بذلك مجرحا ساقط الشهادة.
فإن قلت: إن ذلك جرحة في شهادته فقد قبل جوائز السلطان من قد علمت من أئمة الهدى والعلم قد أخذ ابن عمر جوائز الحجاج، والحجاج من قد علمت وأخذ ابن شهاب جوائز عبد الملك بن مروان وغيره من الخلفاء وأخذ مالك جوائز أبي جعفر
فإن قلت: إنهم يأخذون ذلك على وجه الخوف فإن منهم من يأمن السلطان بترك الأخذ منه فلم نر إلا خيرا

(8/197)


__________
وقد ذكر أن أبا جعفر أمر لمالك بثلاث صرر دنانير فاتبعه الرسول بها فسقطت منه صرة في الزحام فلما أتاه بالصرتين سأله عن الثالثة فأنكر أن يكون أخذ غير الصرتين فألزمه مالك بالثالثة وألح عليه فيها حتى أتى بها بعض من وجدها فدفعها إليه، فمالك لم يفعل هذا إلا متطوعا فإن رأيت طرح شهادة من أخذ من السلطان فجميع القضاة منه يرزقون وإياه يأكلون، فقال سحنون: من قبل جوائز السلطان ساقط الشهادة عندنا وأما الأكل فمن كان ذلك منه الزلة والفلتة فغير مردود الشهادة وأما المدمن الأكل فساقط الشهادة، وأما احتجاجك بقبول ابن شهاب ومالك لجوائز السلطان فقد قست بغير قياس واحتججت بما لا يحتج به من قبل أن

(8/198)


__________
قبول مالك لها من عند من تجري على يده الدواوين وهو أمير المؤمنين وجوائز الخلفاء جائزة لا شك فيها على ما شرط مالك لإجماع الخلق على قبول العطاء من الخلفاء ممن يرضى به وممن لا يرضى به ولم نعلم أحدا من أهل العلم أنكر أخذ العطاء من زمن معاوية إلى اليوم. وأما قولك في القضاة فإنما هم أجراء المسلمين آجروا أنفسهم فلهم أجرهم من بيت مال المسلمين وأما ما ذكرت عن ابن عمر فقد سمعت علي بن زياد ينكر ذلك على ابن عمر ويدفعه قال ابن رشد: قول سحنون: إن قبول الجوائز من العمال المضروب على أيديهم جرحة تسقط الشهادة والعدالة صحيح، ومعناه عندي إذا قبضوا ذلك من العمال على الجباية؛ لأنهم إنما جعل إليهم قبض الأموال وتحصيلها دون وضعها في وجوهها ومواضعها، وأما الأمراء الذين فوض إليهم الخليفة أو خليفة الخليفة قبض الأموال وجبايتها وتصريفها باجتهادهم كالحجاج وشبهه من الأمراء على البلاد المفوض جميع الأمور فيها إليهم فقبض الجوائز منهم كقبضها من الخلفاء، فإن صح أخذ ابن عمر جوائز الحجاج فهذا وجهه، ثم تكلم على حكم أخذ القضاء والحكام الارتزاق من العمال الذين فوض إليهم النظر في ذلك وضرب على أيديهم فيما سوى ذلك وأجاز لهم أخذ ذلك منهم ثم تكلم على حكم ما إذا كان المجبى حلالا أو حراما أو مشوبا بحلال وحرام

(8/199)


ولا إن تعقب كالرشوة، وتلقين خصم، ولعب نيروز، ومطل
__________
وأطال في ذلك فراجعه إن أردته والله أعلم. ص: (ولا إن تعصب) ش: قال ابن فرحون: من موانع الشهادة العصبية وهو أن يبغض الرجل الرجل؛ لأنه من بني فلان أو من قبيلة كذا انتهى. ص: (وتلقين خصم) ش: قال ابن فرحون: ومن الموانع تلقين الخصم الخصومة فقيها كان أو غيره انتهى. وقال في المسائل الملقوطة: لا تجوز شهادته فقيها كان أو غيره ويضرب ويشهر في المجالس ويعرف به وسجل عليه وقد فعله بعض القضاة بقرطبة بكثير من الفقهاء بمشورة أهل العلم انتهى. ص: (ومطل) ش: قال في التوضيح في باب الحوالة:
فرع: وإذا مطل الغني ردت شهادته عند سحنون؛ لأنه ظالم لا عند محمد بن عبد الحكم، خليل والظاهر أن من علم من صاحب الدين الاستحياء في المطالبة أن ذلك كالمطل والله أعلم انتهى. وزاد أبو الحسن في القول الثاني ما لم تكن عادته انتهى.
فرع: قال في التوضيح: البخيل الذي ذمه الله ورسوله هو الذي لا يؤدي زكاة ماله فمن أدى زكاة ماله فليس ببخيل ولا ترد شهادته وقال بعض أصحابنا: شهادة البخيل مردودة وإن كان مرضي الحال يؤدي زكاة ماله انتهى. وقال ابن فرحون: قال ابن القاسم: وقد اختلف

(8/200)


وحلف بطلاق، وعتق، وبمجيء مجلس القاضي ثلاثا
__________
في شهادة البخيل وإن كان يؤدي زكاته، قال المازري: البخل منع الحقوق الواجبة وأما منع ما لا يجب فالقدح به في الشهادة مفتقر إلى تفصيل يعرفه من يعرف الاستدلال بحركات الناس وطبائعهم وسيرهم في دينهم وصدقهم انتهى. ص: (وبمجيء مجلس القاضي ثلاثا بلا عذر) ش: لم يبين البساطي ولا الشارح في الوسط معنى قوله: "ثلاثا" هل ثلاث مرات في اليوم؟ أو ثلاثة أيام متواليات؟ وقال الشارح في الشرح الصغير: ثلاث مرات في اليوم وربما فهم منه أن مجيئه ثلاثة أيام متواليات لا يقدح مع أنه قادح فينبغي أن يفسر به كلام المؤلف ليدخل الأول من باب أحرى. قال ابن فرحون: ومن الموانع إتيان مجلس القاضي ثلاثة أيام متواليات من غير حاجة؛ لأن في ذلك إظهار منزلته عند القاضي ويجعل ذلك مأكلة للناس

(8/201)


وتجارة لأرض حرب وسكني مغصوبة، أو مع ولد شريب، وبوطء من لا توطأ، وبالتفاتة في الصلاة، وبافتراضه حجارة من المسجد، وعدم إحكام الوضوء، والغسل والزكاة، لمن لزمته وبيع نرد وطنبور، واستخلاف أبيه وقدح في المتوسط بكل، وفي المبرز بعداوة وقرابة، وإن بدونه كغيرهما على المختار،
__________
وينبغي للقاضي أن يمنعه من ذلك انتهى. وقال في العارضة في كتاب الزكاة في كون الصحابة جلوسا حول النبي صلى الله عليه وسلم ما نصه: هذا يدل على جواز الجلوس للناس حول القاضي يسمعون قضاءه ويتعلمون أعماله، وقال الفقهاء: لا يجلس حوله وذلك منقسم أما من كان قصده التعلم ويظن ذلك فليقرب ومن كانت إرادته الدنيا ليس العلم فليباعد ومن كان قصده التعلم ويطوي في ذلك نيل معاش حلال فيمكن وذلك بحسب ما يظهر للعالم القاضي من شمائل أو فراسة انتهى. ص: (وسكنى مغصوبة) ش: قال ابن فرحون: من الموانع أن يسكن في دار يعلم

(8/202)


وزوال العداوة والفسق بما يغلب على الظن بلا حد، ومن امتنعت له، لم يزك شاهده ويجرح شاهداً عليه، ومن امتنعت عليه فالعكس إلا الصبيان، لا نساء في: كعرس في جرح، أو قتل والشاهد حر،
__________
أن أصلها مغصوبة انتهى. وقال ابنه: ومن ذلك معاملة أهل الغصوب والسلف منهم، وقال بعده: ومنه الطحن في الرحا المغصوبة إذا علم ذلك انتهى. ص: (والشاهد حر) ش: يريد

(8/203)


مميز ذكر تعدد ليس بعدو، ولا قريب، ولا خلاف بينهم وفرقة، إلا أن يشهد عليهم قبلها، ولم يحضر كبير أو يشهد عليه أو له، ولا يقدح رجوعه ولا تجريحهم،
__________
محكوما بإسلامه كما قاله في الشامل وغيره. ص: (ولم يحضر كبير) ش: أطلق رحمه الله في الكبير فظاهره سواء كان الكبير ممن تجوز شهادته أو ممن لا تجوز شهادته فيفهم منه أن علة عدم قبول شهادة الصبيان مع حضور الكبير إنما هو لأجل خوف التخبيب وذلك أنه إذا حضر بينهم كبير تجوز شهادته فشهادتهم ساقطة على المشهور خلافا لسحنون قال ابن الحاجب: ولا تقبل شهادتهم مع حضور كبير رجل أو امرأة، قال في التوضيح: لم يخالف في ذلك إلا سحنون في أحد قوليه انتهى. واختلف في علة سقوط شهادتهم هل هو خوف التخبيب أو للاستغناء بشهادة الكبير؟ ثم قال ابن الحاجب: فإن كان فاسقا أو عبدا أو كافرا فقولان، قال في التوضيح: أي الكبير الحاضر إن كان ممن لا تجوز شهادته كالكافر والفاسق والعبد، فقال مطرف وابن الماجشون وأصبغ: لا يضر حضورهم بشهادة الصبيان المازري: ولا خلاف منصوص فيه عندنا، وقاله سحنون في كتاب ابنه ثم توقف، فالقول بعدم الإجازة على هذا

(8/204)


__________
ليس بمنصوص إلا أنه لازم على التعليل بالتخبيب بل التخبيب في حق هؤلاء أشد والأول مبني على التعليل بارتفاع الضرورة بشهادة الكبير انتهى. وتبعه على هذا في الشامل فقال: ولا يضر رجوعهم بخلاف دخول كبير بينهم خلافا لسحنون إلا إن كان كافرا أو عبدا أو فاسقا على المنصوص انتهى. فتبع صاحب الشامل المازري في أن القول بسقوط شهادتهم غير منصوص وجعل الرجراجي القول الثاني منصوصا، ونصه: إذا حضر كبير فإن كان شاهدا عدلا فلا خلاف أن شهادة الصبيان ساقطة لوجود الكبير العدل، وإن كان ليس بعدل فالمذهب على قولين:
أحدهما: أن شهادتهم جائزة وهو قول ابن الماجشون وأصبغ وروى ابن سحنون عن أبيه مثله،
والثاني: أن شهادتهم لا تجوز لحضور الكبير وإن كان ليس بعدل وهو قول ابن سحنون في كتاب أبيه وإن كان مشهودا عليه فلا تجوز شهادتهم عليه باتفاق وكذا شهادتهم في الجراح أو في النفس إن كان عاش حتى يعرف ما هو فيه وإن مات من ساعته جازت شهادتهم له انتهى. وصرح ابن يونس بالقول الثاني ونصه بعد أن حكى قول مطرف وابن الماجشون وأصبغ، وهذا خلاف ما في كتاب ابن المواز؛ لأنه قال فيه: إنما يتقى من الكبير أن يعلمهم أو يخببهم فلا تراعى في ذلك الجرحة انتهى. ونقله أبو الحسن وزاد فقال: حاصله قولان فنظر مطرف ومن معه للضرورة، وإذا كان الكبير غير عدل لم ترتفع الضرورة وانظر ابن المواز للتخبيب والتعليم وهو من غير العدل أكثر انتهى.
تنبيه: قال في المدونة: وتجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في القتل والجرح ما لم يفترقوا أو يخببوا، قال الرجراجي: والتخبيب تعليم الخبث وهو أن يدخل بينهم كبير أو كبار على وجه يمكنهم أن يلقنوهم الكذب ويصدونهم عما يحصل عندهم من يقين أو يزينوا لهم الزيادة فيها والنقصان منها فإذا كان ذلك لم تقبل وبطلت انتهى. وقال ابن عرفة: شرط ابن الحاجب في شهادتهم كونها قبل تفرقهم ابن عبد السلام: هذا مراد الفقهاء بقولهم ما لم يخببوا فإن افتراقهم مظنة مخالطتهم من يلقنهم ما يبطل شهادتهم قلت مقتضى قولها تجوز شهادة الصبيان ما لم يفترقوا أو يخببوا مع اختصارها، أبو سعيد كذلك أنهما غير مترادفين، وكذا لفظ اللخمي قبل تفرقهم وتخببهم، ثم قال الباجي: التخبيب أن يدخل بينهم كبير على وجه يمكنه أن يلقنهم انتهى. وقال الجزولي في شرح قول الرسالة أو يدخل بينهم كبير قال أبو عمران: هذا تفسير لقول مالك أو يخببوا ومنهم من قال قوله: أو يدخل بينهم كبير بعد المعركة وقبل الافتراق وكان يتلقى منهم الشهادة، فقال: إنما هذا إذا دخل بينهم الكبير على وجه التخبيب وأما إذا كان على جهة سماع الشهادة فيجوز ويعرف ذلك بالقرائن مثل أن يكون هذا الداخل عدلا لا يتهم والفاسق يتهم انتهى. وقال اللخمي: واختلف إذا خالطهم رجل هل تسقط الشهادة لإمكان أن يكون خببهم، ووقف

(8/205)


وللزنا واللواط أربعة، بوقت ورؤيا اتحدا، وفرقوا فقط أنه أدخل فرجه في فرجها،
__________
الشهادة أولى وإن كان عدلا، وقال: لا أدري من رآه ثبتت شهادة الصبيان انتهى. إذا علم ذلك فالفرع الذي أشار إليه المصنف بقوله ولم يحضر كبير وأشار إليه ابن الحاجب غير الذي أشار إليه صاحب الرسالة بقوله: "ولم يدخل بينهم كبير"؛ لأن المصنف أراد الحضور وقت الجراح أو القتل وكلام الشيخ ابن أبي زيد فيما إذا حضر بعد ذلك والظاهر أنه حينئذ ينظر فإن كان يمكن منه التخبيب سقطت شهادتهم وإن كان عدلا لم تسقط كما يفهم ذلك من كلام اللخمي أيضا والله أعلم. ص: (وللزنا واللواط أربعة) ش: أي على فعل الزنا واللواط، وأما على الإقرار به فلا يحتاج إلى الشهادة به على القول الذي مشى عليه المؤلف أن المقر بالزنا يقبل رجوعه عن الإقرار ولو لم يأت بشبهة وهو قول ابن القاسم؛ لأن إنكاره كتكذيب نفسه قاله في التوضيح في باب الشهادات وفي باب الزنا والله أعلم. ص: (بوقت ورؤية اتحدا) ش: يعني بالوقت المتحد أن يأتوا بشهادتهم في وقت واحد قاله المؤلف في قول ابن الحاجب مجتمعين غير مفترقين وما ذكره من اشتراط اتحاد الرؤية هو المشهور أنه لا تلفق الشهادة في الأفعال قاله في التوضيح.
تنبيه: قال ابن عرفة: وسمع عيسى ابن القاسم في الشهادة على الشهادة في الزنا لا تجوز حتى يشهد أربعة على أربعة في موضع واحد ويوم واحد وساعة واحدة في موقف واحد على صفة واحدة. ابن رشد: ليس من شرطها تسمية الموضع ولا اليوم ولا الساعة إنما شرطها عند ابن القاسم أن لا يختلف الأربعة في ذلك فإن قالوا: رأيناه معا يزني بفلانة غائبا فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة -تمت شهادتهم، وإن قالوا: لا نذكر اليوم ولا نحد الموضع، وإن قالوا: في موضع كذا ويوم كذا أو ساعة كذا من يوم كذا- كان أتم، وإن اختلفوا في الموضع أو الأيام فقال بعضهم: كان ذلك في موضع كذا، وقال بعضهم: بل كان في موضع كذا، أو قال بعضهم: بل كان في يوم كذا، وقال بعضهم: بل كان في يوم كذا - بطلت شهادتهم عند ابن القاسم وجازت عند ابن الماجشون؛ لأنهم اختلفوا فيما لو لم يذكروه تمت شهادتهم ولم يلزم

(8/206)


ولكل النظر للعورة
__________
الحاكم أن يسألهم عنه انتهى. ومنه في الموازية إن قال أحدهم: زنا بها منكبة، وقال بعضهم: مستلقية- بطلت الشهادة وحدوا للقذف انتهى. ومنه أيضا وسمع عيسى إن شهد أربعة بزنا رجل بامرأة شهد اثنان بأنها طاوعته واثنان بأنه اغتصبها حد الأربعة. ص: (ولكل النظر للعورة) ش: ذكر ابن عرفة نص المدونة في هذه المسألة وذكر معارضتها بمسألة عدم إجازة النظر للفرج في اختلاف الزوجين في العيب وذكر جواب ابن عبد السلام ورده ثم ذكر ثلاثة أجوبة ثم قال في آخر كلامه:
قلت: وهذا كله إن عجز الشهود عن منع الفاعلين من إتمام ما قصداه أو ابتدآه من الفعل ولو قدرا على ذلك بفعل أو قول فلم يفعلا بطلت شهادتهم لعصيانهم بعدم تغيير هذا المنكر إلا أن يكون فعلهما بحيث لا يمنعه التغيير لسرعتهما انتهى. ونقله ابن غازي ولم يتعقبه وهو ببادئ الرأي ظاهر ولكن صرح ابن رشد في البيان في ثالث مسألة من سماع أصبغ بن الفرج من كتاب الحدود في السرقة بخلافه ونصه:
مسألة: قال ابن القاسم في الرجل يرى السارق يسرق متاعه فيأتي بشاهدين لينظرا إليه ويشهدا عليه بسرقته فينظران إليه ورب المتاع معهم قال: لو أراد أن يمنعه منه، قال: ليس عليه قطع، ونحن نقول: إنه قول مالك، قال أصبغ: أرى عليه القطع، قال محمد بن رشد: قول أصبغ أظهر؛ لأنه أخذ المتاع مستترا به لا يعلم أن أحدا يراه لا رب المتاع ولا غيره كمن زنى والشهود ينظرون إليه ولو شاءوا أن يمنعوه منعوه وهو لا يعلم أن الحد عليه واجب بشهادتهم، ووجه قول ابن القاسم وما حكاه أنه من قول مالك هو أنه رآه من ناحية المختلس لما أخذ المتاع من صاحبه وهو ينظر إليه وليس بمنزلة المختلس على الحقيقة إذ لم يعلم هو بنظر صاحب المتاع

(8/207)


وندب سؤالهم كالسرقة، ما هي؟ وكيف أخذت؟
__________
إليه انتهى. بلفظه فتأمله. ص: (وندب سؤالهم كالسرقة ما هي وكيف أخذت) ش: قال في أول كتاب السرقة من المدونة: وينبغي للإمام إذا شهدت بينة عنده على رجل أنه سرق ما يقطع في مثله أن يسألهم عن السرقة ما هي؟ وكيف أخذت؟ ومن أين أخذها؟ وإلى أين أخرجها؟ كما يكشفهم عن الشهادة على رجل بالزنا فإن كان في ذلك ما يدرأ به الحد درأه انتهى. قال أبو الحسن: قوله: "ما هي"؟ هذا سؤال عن جنسها؛ لأن السؤال بما إنما يكون عن الحقيقة والماهية، وقوله: "كيف هي"؟ أي كيف صفة أخذها، وقوله: "من أين أخذها"؟ هل من حرز أم لا؟ و"إلى أين أخرجها"؟ هل أخرجها من الحرز أو أخذ قبل أن يخرجها؟ ثم قال: وقوله: "ينبغي" معناه والله أعلم يجب؛ لأنه قد يكون في شهادتهم ما يسقط الحد فيؤدي ذلك إلى أن يقطع عضوا شريفا لقوله عليه السلام "ادرءوا الحدود بالشبهات" 1 انتهى. وقال في أول كتاب الزنا من المدونة: وينبغي إذا شهدت بينة عنده على رجل بالزنا أن يكشفهم عن شهادتهم وكيف رأوه وكيف صنع فإن رأى في شهادتهم ما تبطل به الشهادة أبطلها انتهى. قال أبو الحسن: انظر قوله: "ينبغي" هل معناه يجب أو هو على بابه الأقرب الوجوب كما قال في السرقة؟ أو يفرق بين البابين وأن السرقة اختلف في نصابها اختلافا كثيرا وفي الزنا لم يختلف إلا أن يقال في الزنا أيضا شديد؛ لأنه قيل: زنا العين النظر واليدان تزنيان إلى غير ذلك فيجب الكشف عن هذا لئلا يظن الشاهد أن ذلك زنا انتهى. فحاصل كلامه في الموضعين أنه يميل إلى أن ينبغي للوجوب وهو الظاهر فتأمله.
ـــــــ
1 رواه ابن ماجة في كتاب الحدود باب 5. بلفظ: "ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعا" رواه أبو داود في كتاب الصلاة باب 114. الترمذي في كتاب الحدود باب 2. بلفظ: " ادرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم"

(8/208)


وإنما ليس بمال، ولا آيل له، كعتق ورجعة وكتابة عدلان وإلا عدل، وامرأتان
__________
تفريع: قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: "وينبغي للحاكم أن يسألهم في السرقة إلى آخره" قال ابن المواز: فإن غابوا قبل أن يسألهم غيبة بعيدة أو ماتوا أنفذت الشهادة وأقيم الحد قال: وإن كان الشهود أكثر من أربعة فغاب منهم أربعة بعد أن شهدوا لم يسأل من حضر وثبت الحد؛ لأن من حضر لو رجعوا عن شهادتهم لثبت الحد بمن غاب ورأى بعض الشيوخ أن غيبة أربعة لا يمنع سؤال من حضر لاحتمال أن يذكر الحاضرون ما يوجب التوقيف عن شهادة الغائبين والحاضرين جميعا وقيد اللخمي قول محمد: "إذا غابوا" بما إذا كانوا من أهل العلم بما يوجب الحد انتهى. ص: (ولما ليس بمال ولا آيل إليه) ش: يريد وليس بزنا ولا مما يختص به النساء واكتفى الشيخ عن ذكر الزنا بما تقدم وعن ذكر ما يختص بالنساء بما سيذكره ومما لا يكفي فيه الشاهد واليمين إسقاط الحضانة نقله ابن ناجي في شرح قول الرسالة: "ومن حبس دارا" قال: ومن ذلك الوصية لغير معين قال: وكذلك الأدب بالشاهد واليمين ذكره ابن رشد ومن ذلك الطلاق والخلع كما صرح به ابن فرحون في تبصرته وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: اختلف في إلحاق ما هو آيل إلى المال بالمال والمشهور الإلحاق ثم قال: وعلى المشهور فالخلع آيل إلى المال وفيه خلاف انتهى.
قلت: إن أراد أن المرأة إذا ادعت على زوجها أنه خالعها على شيء من مالها فهذا من دعوى الطلاق ولا يثبت إلا بشاهدين وإن أراد أن الرجل ادعى على الزوجة أنها خالعته على شيء من مالها فهذه دعوى بمال؛ لأن الطلاق إنما لزمه بإقراره ويثبت المال بشاهد ويمين كما قاله في المدونة في كتاب إرخاء الستور ونصه: وإن صالحته على شيء هو فيما بينهما فلما أتى بالبينة لتشهد جحدت المرأة أن تكون أعطته على ذلك شيئا فالخلع ثابت ولا يلزمها غير اليمين فإن نكلت حلف هو واستحق، وإن أتى الزوج بشاهد على ما يدعي حلف معه واستحق انتهى. ص: (وإلا فعدل وامرأتان) ش: تصوره واضح.

(8/209)


أو أحدهما بيمين، كأجل، وخيار، وشفعة، وإجارة، وجرح خطإ، أو مال وأداء كتابة وإيصاء،
__________
فرع: قال ابن رشد في نوازله: المشهور المعلوم من مذهب مالك رضي الله عنه وأصحابه أن شهادة النساء في الأحباس عاملة؛ لأن الأحباس من الأموال ولا اختلاف أن شهادة النساء في الأموال جائزة وإنما اختلف فيما جر إلى الأموال كالوكالة وإنما يتخرج أن شهادتهن غير عاملة في ذلك على مذهب ابن الماجشون وسحنون في أن شهادة النساء لا تجوز إلا حيث يجوز اليمين مع الشاهد إذا قلنا إن الحبس لا يستحق باليمين مع الشاهد، وفي ذلك بين أهل العلم اختلاف انتهى. وقد عد ابن فرحون فيما يثبت بالشاهد والمرأتين والشاهد واليمين الحبس. ص: (وإيصاء بتصرف فيه) ش: ظاهر كلام الشيخ أن هذا مما يقبل فيه شاهد ويمين، وامرأتان ويمين، وشاهد وامرأتان، ولكن الشارح بهرام والبساطي لم يذكرا الخلاف فيه إلا في الشاهد والمرأتين، ومثل الإيصاء بالتصرف في المال الشهادة بالوكالة عليه كذا جمعهما ابن الحاجب واعلم أن ابن عبد السلام رحمه الله لما ذكر مراتب الشهادة قال ما نصه: الثالثة الأموال وما

(8/210)


أو بأنه حكم به كشراء زوجته وتقدم دين عتقاً،
__________
وما يؤل إليها كالأجل والخيار والشفعة والإجارة وقتل الخطأ وما يتنزل منزلته مطلقا وجراح المال مطلقا وفسخ العقود ونجوم الكتابة وإن عتق بها فيجوز لرجل وامرأتين وكذلك الوكالة بالمال والوصية به على المشهور ا هـ. قال في التوضيح: قوله: "وكذلك الوكالة بالمال" أي وكله في حياته ليتصرف له والوصية به أي أوصاه بأنه يتصرف في أمواله بعد وفاته انتهى. ولم يذكر المؤلف ولا ابن عبد السلام أن الشاهد واليمين يجوزان على الوكالة والوصية وإنما تكلما فيما تكلم عليه ابن الحاجب ثم إن ابن عرفة لما تكلم على هذه المسألة ذكر هذا الخلاف في الشاهد والمرأتين ولما تكلم في فصل الشاهد واليمين ذكر عن ابن رشد في أثناء كلامهما أنه قال: لا خلاف أنه لا يجوز الشاهد واليمين في الشهادة على الوكالة، ثم لما فرغ من الكلام على مسألته قال: وقول ابن رشد: لا خلاف أنه لا يجوز شاهد ويمين في الشهادة على الوكالة خلاف نقل اللخمي والمازري، قال اللخمي: اختلف إذا شهد على وكالة من غائب هل يحلف الوكيل؟ والمشهور أنه لا يحلف وهو أحسن إن كانت الوكالة بحق لغائب فقط، وإن كانت مما يتعلق بها حق للوكيل لأن له على الغائب دينا أو ليكون ذلك المال بيده قراضا أو تصدق به عليه حلف واستحق إن أقر الموكل عليه بالمال للغائب وإن وكل على قضاء دين فقضاه بشاهد فجحده القابض حلف الوكيل وبرئ الغريم فإن نكل حلف الطالب وغرم الوكيل إن كان موسرا، وإن كان معسرا حلف المطلوب وبرئ وكانت تباعة الطالب على الوكيل متى أيسر قلت فظاهر لفظ اللخمي أن الخلاف في الشاهد واليمين في الوكالة. وقال المازري: معروف المذهب أن الشاهد واليمين لا يقضى به في الوكالة لكن منع القضاء بها ليس من ناحية تصور هذه الشهادة في القضاء بها في الوكالة بل لأن اليمين مع الشاهد فيها متعذرة؛ لأن اليمين لا يحلفها إلا من له نفع والوكيل لا نفع له فيها وإن كان وقع في المذهب أن الوكيل يحلف مع شاهده بالوكالة وقبض الحق فتأول الأشياخ هذه الرواية على أن المراد بها وكالة بأجرة يأخذها الوكيل أو يقبض المال لمنفعة له فيها انتهى. وقال في النوادر ومن العتبية قال سحنون قال أشهب: لا يقضى بشاهد ويمين في وكالة في مال، قال ابن نافع عن مالك في المجموعة فيمن أقام شاهدا أنه أوصى إليه أنه لا يحلف معه ولا يثبت له ذلك إلا أن يراه الإمام أهلا لذلك فيوليه بغير يمين وقال في المدونة: قال سحنون: الوصايا والوكالة ليستا بمال

(8/211)


وقصاص في جرح، ولما لا يظهر للرجال امرأتان، كولاية، وعيب فرج، واستهلال وحيض، ونكاح بعد موت، أو سبقيته، أو موت، ولا زوجة، ولا مدبر ونحوه
__________
إذ لا يحلف وصي ولا وكيل مع شاهد رب المال، إذ المال لغيرهما انتهى. ص: (وقصاص في جرح) ش: يعني أن القصاص في الجراح يثبت بالشاهد واليمين قال في كتاب الديات من المدونة: من أقام شاهدا على جرح عمدا فيحلف ويقتص، فإن نكل قيل للجارح احلف وابرأ فإن نكل حبس حتى يحلف ثم قال: قيل لابن القاسم: لم قال مالك ذلك في جراح العمد وليست بمال؟ فقال: كلمت مالكا في ذلك فقال: إنه لشيء استحسناه وما سمعنا فيه شيئا

(8/212)


وثبت الإرث والنسب له، وعليه بلا يمين، والمال دون القطع في سرقة، كقتل عبد آخر وحيلت أمة مطلقاً كغيرها عن طلبت بعدل، أو اثنين مزكيان
__________
انتهى. وقال في كتاب الشهادات: وكل جرح فيه قصاص يقتص فيه بشاهد ويمين وكل جرح لا قصاص فيه مما هو متلف كالجائفة والمأمومة وشبههما فالشاهد واليمين فيه جائز؛ لأن العمد والخطأ فيه إنما هو مال انتهى. قال ابن يونس: أي بشاهد ويمين الطالب؛ لأن الجراحة لا قسامة

(8/213)


__________
فيها بذلك مضت السنة وإنما القسامة في النفس فلما كانت النفس تقتل بشاهد واحد مع القسامة فلذلك اقتص بشاهد مع يمين المجروح وقاله عمر بن عبد العزيز انتهى. وفي النوادر قال ابن المواز: ويقضى بالقصاص في الجراح بالشاهد واليمين صغيرها وعظيمها في العمد والخطأ ولا شك في الخطأ، وقال ابن عبد الحكم: لا أرى ذلك في العمد إلا في اليسير من الجراح، وروي عن مالك أنه يقتص بذلك رواية مبهمة لم يذكر ما صغر أو كبر، وروي عن مالك أن ذلك فيما لا خوف فيه من موضحة ودامية وجراح الجسد وأما اليد والعين وشبه ذلك فلا يقتص إلا بشاهدين وهذا قول عبد الملك قال ابن عبد الحكم: وهذه الرواية من قوله: "أحب إلي". قال محمد: وروى ابن القاسم وأشهب عنه أنه يقتص بذلك فيما عظم أو صغر منها من قطع اليد وغيرها يحلف يمينا واحدة ويقتص، قال ابن القاسم: فإن نكل حلف القاطع وبرئ فإن نكل حبس حتى يحلف وقيل يقطع انتهى.
فرع: قال في النوادر: قال مالك: وإن كان الشاهد غير عدل حلف المطلوب وليس كالقسامة وما قال أحد غير هذا إلا بعض من لا يؤخذ بقوله انتهى.
فرع: قال فيها أيضا: فإذا تعلق به وقال: أنت جرحتني فله عليه اليمين، وإن كان من أهل التهم أدب، والذي في سماع أشهب عن مالك إذا تنازعا ثم أتى أحدهما بأصبعه مجروحة تدمى يزعم أن صاحبه عضها، قال: يحلف له وإن كان من أهل التهم أدب، قال في الكتابين وقال ابن القاسم فيمن ادعى أن فلانا جرحه: فلا يستحلف في جرح ادعاه أو ضرب إلا أن يكون مشهورا بذلك فيحلف فإن نكل سجن حتى يحلف، وقال أصبغ: فإن طال حبسه ولم

(8/214)


وبيع ما يفسد، ووقف ثمنه معهما، بخلاف العدل فيحلف ويبقى بيده
__________
يحلف عوقب وأطلق إلا أن يكون متمردا فيخلد في السجن ثم ذكر مسائل تتعلق بالعبد إذا قام على جرحه شاهد واحد فراجعه إن أردته والله أعلم. ص: (وبيع ما يفسد ووقف ثمنه معهما بخلاف العدل فيحلف ويبقى بيده) ش: يعني أن من ادعى شيئا مما يفسد بالتأخير كاللحم ورطب الفواكه وأقام شاهدين واحتيج إلى تزكيتهما فإن ذلك الشيء يباع ويوقف ثمنه بخلاف ما إذا أقام عدلا واحدا فإن المدعى عليه يحلف أن المدعي لا يستحق فيه شيئا ويترك ذلك الشيء بيده هكذا قال ابن الحاجب متبرئا منه بقوله: "قاله"، وقبله في التوضيح وقال: تبرأ منه لإشكاله وذلك؛ لأن الحكم كما يتوقف على الشاهد الثاني كذلك يتوقف على عدالة الشاهدين فإما أن يباع ويوقف ثمنه فيهما أو يخلى بيده فيهما وأجاب صاحب النكت بأن مقيم العدل قادر على إثبات حقه بيمينه فلما ترك ذلك اختيارا صار كأنه مكنه منه بخلاف من أقام شاهدين أو شاهدا ووقف ذلك القاضي لينظر في تعديلهم لا حجة عليه في ذلك لعدم قدرته على إثبات حقه بغير عدالتهم، وأشار المازري إلى فرق آخر وهو أن الشاهدين المجهولين أقوى من الواحد؛ لأن الواحد يعلم الآن قطعا أنه غير مستقل، والشاهدان المجهولان إذا عدلا فإنما أفاد تعديلهما بعد الكشف عن وصف كان عليه حين الشهادة، ويحتمل أن يكون وجه الإشكال ما ذكره ابن عبد السلام مقتصرا عليه فإنه قال: إنما تبرأ منه لأنهم مكنوا من الطعام من هو بيده بعد قيام شاهد، ولم يمكنوه منه إن قام عليه شاهدان بل قالوا: يباع ويوقف ثمنه والشاهد أضعف. قال: قلت: ولأجل أن الشاهد أضعف من الشاهدين أبقي الطعام بيد المدعى عليه؛ لأنه إذا ضعفت الدعوى لضعف الحجة ضعف بسبب ذلك أثرها فإبقاء الطعام بيده ليس هو لما توهم من تقديم الأضعف على الأقوى بل هو عين ترجيح الأقوى فأجاب عن ذلك بأنه

(8/215)


__________
لو كان صحيحا للزم مثله فيما لا يخشى فساده أن يحلف من هو بيده ويترك له يفعل فيه ما أحب، قال: ويجاب عن أهل المذهب بأن ما يخشى فساده قد تعذر القضاء بعينه للمدعي لما يخشى عليه من الفساد قبل ثبوت الدعوى فلم يبق إلا النزاع في ثمنه فهو كدين على من هو بيده فمكن منه بعد أن يحلف ليسقط حق المنازع في تعجيله له ولا يلزم مثل ذلك فيما قام عليه شاهدان؛ لأن حق المدعي فيه أقوى من حق المدعى عليه انتهى كلام التوضيح.
قلت: وأصل المسألة في كتاب الشهادات من المدونة قال فيها: وإن كانت الدعوى فيما يفسد من اللحم ورطب الفواكه وقد أقام لطخا أو شاهدا على الحق وأبى أن يحلف وادعى بينة قريبة على الحق أجله القاضي بإحضار شاهدين أو شاهد إن أتى بشاهد قبله ولم يحلف ما لم يخف فساد ذلك الشيء فإن جاء بما ينتفع به وإلا أسلم ذلك الشيء إلى المطلوب ونهي المدعي عن التعرض له، وإن كان الطالب قد أقام شاهدين فأوقف القاضي ذلك الشيء إلى الكشف عنهما فإن خاف على فساده باعه وأوقف ثمنه فإن زكيت بينة المدعي وهو مبتاع أخذه وأدى الثمن الذي قالت بينته كان أقل من ذلك أو أكثر، ويقال للبائع إذا كان يأخذ أكثر من الثمن الموقوف أنت أعلم بالتحرج عن الزيادة، وإن لم يزكوا أخذ المدعى عليه الثمن الموقوف؛ لأنه عليه بيع نظرا، ولو ضاع الثمن قبل القضاء أو بعده كان لمن قضي له به انتهى. قال في النكت: إذا أقام شاهدين وأوقف القاضي الشيء المدعى فيه لينظر في تعديلهما فخاف فساده أو أقام شاهدا واحدا فكان الحاكم ينظر في تعديله. الجواب سواء يباع ذلك الشيء بخلاف إذا أقام شاهدا واحدا عدلا وأبى أن يحلف معه، وقال: آتي بآخر، فخاف الحاكم فساد ذلك الشيء ههنا يسلمه إلى المطلوب، يريد لأن هذا قادر على إثبات حقه بيمينه مع شاهده الذي ثبت له فترك ذلك اختيارا منه والذي ينظر في تعديل شاهديه أو شاهده الذي أقامه لا حجة عليه انتهى. فهو موافق لما قاله ابن الحاجب إلا أنه لم يذكر استحلاف المطلوب وكذلك قال اللخمي: ونصه: ومن ادعى مالا يبقى ويسرع إليه الفساد كاللحم ورطب الفواكه وأتى بلطخ أو بينة لا يعرفها القاضي فقال الجاحد وهو البائع أو المدعي وهو المشتري: نخاف فساده أو لم يقولاه فإن أثبت لطخا وقال: لي بينة حاضرة، أو أقام شاهدا وقال: عندي شاهد آخر ولا أحلف فإن لم يحضر ما ينتفع به وخشي عليه الفساد خلي بين البائع وبين متاعه وأما الشاهدان فينظر في عدالتهما فإن خشي الفساد بيع وأوقف الثمن انتهى. فلم يذكر استحلاف المطلوب أيضا وقال في التنبيهات: قوله في توقيف ما يسرع إليه الفساد إذا قال المدعي عندي شاهد واحد ولا أحلف معه أنه يؤجله ما لم يخف عليه الفساد وإلا خلي بين المدعى عليه وبين متاعه. معنى قوله: "لا أحلف معه" أي ألبتة ولو أراد أن لا يحلف معه الآن لأني أرجو شاهدا آخر فإن

(8/216)


__________
وجدته وإلا حلفت مع شاهدي بيع حينئذ ووقف ثمنه إن خشي عليه الفساد، وليس هذا بأضعف من شاهدين يطلب تعديلهما فقد جعله يبيعه هنا، ونحن على شك من تعديلهما، وهو إن لم يعدلهما بطل الحق، وشاهد واحد في الأول ثابت بكل حال والحلف معه ممكن إن لم يجد آخر ويثبت الحق انتهى. ونقل ابن عرفة كلام المدونة وكلام التنبيهات ثم قال بعد: فحاصلها إن لم يقم المدعي إلا لطخا قاصرا عن شاهد عدل وعن شاهدين يمكن تعديلهما وقف المدعى فيه ما لم يخش فساده فإن خشي فساده خلي بينه وبين المدعى عليه وكذا إن أقام شاهدا عدلا وقال: لا أحلف معه بوجه، وإن قال: أحلف معه، أو أتى بشاهدين ينظر في تعديلهما بيع ووقف ثمنه حسبما ذكره في الأم، ومثل ما ذكره عياض عن المذهب ذكر أبو حفص العطار وزاد: إن كان أتى الطالب بشاهد واحد وإن لم يزكه وهو قابل للتزكية فهو كقيام شاهدين ينظر في تزكيتهما يباع المدعى فيه لخوف فساده ونقل أبو إبراهيم قول عياض ولم يتعقبه، انتهى كلام ابن عرفة وليس فيه ولا في كلام التنبيهات استحلاف المطلوب لكن في كلام الشيخ أبي الحسن الصغير ما يقتضي ذلك فإنه قال في شرح قوله في المدونة: وإلا سلم ذلك الشيء إلى المطلوب: ظاهره من غير يمين الشيخ وهذا لا يصح فمعناه بيمين انظره انتهى. وقال في كتاب الأقضية من النوادر: وإذا كانت الدعوى فيما يفسد من اللحم والفاكهة الطرية وأقام لطخا أو قام له شاهد فإنه يوقف إلى مجيء شاهده الآخر أو يمينه إلى مثل ما لا يخشى فيه فساد الذي فيه الدعوى فإن خاف فساده أحلف المدعى عليه وترك له ما أوقف عليه انتهى. وفي كلام التنبيهات الذي ذكرناه وقبله ابن عرفة تقييد عدم بيع المدعى فيه مع قيام الشاهد العدل بما إذا قال المدعي: لا أحلف معه ألبتة، وأما إذا قال: لا أحلف الآن لأني أرجو شاهدا آخر فإن وجدته وإلا حلفت مع شاهدي أنه يباع ويكون بمنزلة الشاهدين، وكلام ابن عرفة يقتضي أن هذا هو المذهب فإنه قال في كلامه المتقدم: ومثل ما ذكره عياض عن المذهب ذكر أبو حفص العطار وقال بعد أن ذكر كلام ابن الحاجب وابن عبد السلام: حاصل كلامه -يعني ابن عبد السلام- أن المذهب عنده هو ما نقله ابن الحاجب وأشار إلى التبري منه، ثم قال: ومن تأمل كلام عياض وأبي حفص بن العطار مراعيا أصول المذهب علم منه أن ما فهمه الشيخ - يعني ابن عبد السلام عن المذهب وفسر به كلام ابن الحاجب وما أشار إليه من التبري غير صحيح انتهى. ولا شك أن هذا التقييد الذي ذكره القاضي في التنبيهات يزول به الإشكال فإنه ينبغي أن يقرر وجه التبري في كلام ابن الحاجب بأنه كيف قالوا: إنه مع الشاهد الواحد العدل يمكن المدعى عليه من الشيء المدعى فيه ومع الشاهدين اللذين يريد أن يزكيا لا يمكن منه ويباع ويوقف ثمنه مع أن الحق مع الشاهد الواحد العدل أقرب إلى الثبوت؛ لأنه يمكن إثباته سواء وجد شاهدا ثانيا أو لم يجده بخلاف الشاهدين اللذين يزكيان فإنه إن لم يجد

(8/217)


وإن سأل ذو العدل أو بينة سمعت، وإن تقطع وضع قيمة العبد ليذهب به إلى بلد شهد له على عينه أجيب لا إن انتفيا وطلب إيقافه ليأتي ببينة وإن بكيومين، إلا أن يدعى بينة حاضرة أو سماعاً يثبت به فيوقف ويوكل به في كيوم
__________
من يزكيهما لم يثبت الحق فقيام الشاهد الواحد أقوى في إثبات الحق من الشاهدين اللذين يزكيان، فيجاب عن ذلك بأنه إنما يمكن المدعى عليه من المدعى فيه مع الشاهد الواحد العدل إذا قال المدعي: لا أحلف معه ألبتة وإنما أطلب شاهدا ثانيا فإن وجدته أثبت حقي وإن لم أجده لم أحلف، فحينئذ يمكن المدعى عليه من المدعى فيه إذا خيف عليه الفساد؛ لأن الشاهد الواحد حينئذ أضعف من الشاهدين؛ لأن احتمال عدم ثبوت الحق معه حاصل والواحد أضعف من الاثنين، وأيضا فإن المدعي مختار لعدم إثبات حقه بامتناعه عن اليمين كما تقدم عن النكت وأما إذا قال المدعي: أنا لا أحلف الآن لأني أرجو شاهدا ثانيا فإن وجدته وإلا حلفت فهذا يباع ذلك الشيء ويوقف ثمنه؛ لأن الشاهد الواحد حينئذ أقوى من الشاهدين.
فإن قيل: لم لم يفصلوا فيما لا يخشى فساده في قيام الشاهد الواحد العدل بل قالوا: إنه يحال بين المدعى عليه والشيء المدعى فيه مع قيام الشاهد العدل من غير تفصيل؟ فالجواب: إن ما يخشى فساده لما تعذر القضاء بعينه للمدعي لما يخشى من فساده قبل ثبوت الدعوى ولم يبق إلا أن يقضي له بثمنه وقوي حق المدعى عليه بسبب وضع اليد مع ترك المدعي إثبات حقه القادر عليه اختيارا أبقي الشيء المدعى فيه بيد المدعى عليه بخلاف ما لا يخشى فساده؛ لأن القضاء بعينه للمدعي ممكن ولا كبير ضرر على المدعى عليه في إيقافه فتأمله والحاصل أن قول المصنف بخلاف العدل فيحلف معه ويبقى بيده، يقيد ذلك بما إذا قال المدعي: أنا لا أحلف ألبتة مع شاهدي العدل وإنما أطلب شاهدا ثانيا فإن وجدته وإلا تركت، وأما إذا قال: أنا لا أحلف الآن لأني أرجو شاهدا ثانيا فإن وجدته وإلا حلفت فإن المدعى فيه يباع ويوقف ثمنه كما يوقف مع الشاهدين على ما قاله عياض وأبو حفص العطار وقبله ابن عرفة فتأمله منصفا والله أعلم. ص: (وإن سأل ذو العدل إلخ) ش: يشير إلى قوله في المدونة في كتاب الشهادات: قال مالك: ومن ادعى عبدا بيد رجل فأقام شاهدا عدلا يشهد

(8/218)


والغلة له للقضاء، والنفقة على المقضي له به
__________
على القطع أنه عبده أو أقام بينة يشهدون أنهم سمعوا أن عبدا سرق له مثل ما يدعي، وإن لم تكن شهادته قاطعة وله بينة ببلد آخر فسأل وضع قيمة العبد ليذهب به إلى بينته لتشهد على عينه عند قاضي تلك البلدة فذلك له، وإن لم يقم شاهدا ولا بينة سماع على ذلك وادعى بينة قريبة بمنزلة اليومين والثلاثة فسأل وضع قيمة العبد ليذهب به إلى بينته لم يكن له ذلك وإن قال أوقفوا العبد حتى آتي ببينتي لم يكن له ذلك إلا أن يدعي ببينة حاضرة على الحق أو سماعا يثبت له به دعواه فإن القاضي يوقف العبد ويوكل به حتى يأتيه ببينة فيما قرب من يوم ونحوه، فإن جاء بشاهد أو سماع وسأل إيقاف العبد ليأتي ببينة فإن كانت بعيدة وفي إيقافه ضرر استحلف القاضي المدعى عليه وأسلمه إليه بغير كفيل، وإن ادعى شهودا حضورا على حقه أوقف له نحو الخمسة الأيام والجمعة، وهذا التحديد لغير ابن القاسم، ورأى ابن القاسم أن يوقف له؛ لأن الجائي بشاهد أو سماع له وضع القيمة عند مالك والذهاب به إلى بينته فهذا كالإيقاف انتهى. وقال أبو الحسن: قوله: "عبدا" ليس يريد خصوصية العبد وإنما نبه به على ما سواه، وقوله: "وأقام شاهدا" يريد وأبى أن يحلف معه ابن رشد: وكذا لو أقام شاهدين مجهولي الحال. قوله: "عند قاضي تلك البلد" ظاهرها كان قريبا أو بعيدا انتهى. ونبه الشيخ بقوله: "لا إن انتفيا وطلب إيقافه" إلى أنه لا يجاب إلى الذهاب به من باب أولى فتأمله ونقل الشارح في الكبير في شرح هذه المسألة مسألة كتاب الصناع في عكس المسألة وهي من استحقت من يده دابة فسأل القاضي وضع قيمتها ويذهب بها إلى بلد البائع ولم ينقل هذه المسألة فقد يشوش ذلك على فهم الطالب والله أعلم.
تنبيه: قول المصنف: "وضع قيمة العبد" هذا في المستحق بالرق وأما المستحق بالحرية ففيه تفصيل ينظر في آخر سماع عيسى من الجهاد وفي رسم القبلة من سماع ابن القاسم من الاستحقاق. ص: (والغلة له للقضاء والنفقة على المقضي له به) ش: قال في المدونة إثر الكلام السابق: ونفقة العبد في الإيقاف على من يقضي له به، ثم قال: الغلة أبدا للذي هي في يده؛

(8/219)


وجازت على خط مقر بلا يمين
__________
لأن ضمانها منه حتى يقضي بها للطالب قال أبو الحسن: في المسألة ثلاثة أقوال: النفقة والغلة لمن ذلك بيده وقيل لمن يقضي له به والتفصيل وهو ظاهر الكتاب. قال: ومذهب الكتاب مشكل فقال بعضهم: وجهه أنه لما ادعى العبد كأنه أقر بأن نفقته عليه فيؤخذ بإقراره ولا يصدق في الغلة؛ لأنه مدع فيها انظره انتهى. وقال في النكت: فإن تشاحا في النفقة كانت عليهما جميعا ثم ينظر بعد ذلك ويقضى له به، وقال بعض شيوخنا من أهل بلدنا: إن لم يتطوع أحدهما بالنفقة وتشاحا كانت على من هو بيده؛ لأنه على أصل ملكه لا يخرجه الإيقاف حتى ينظر فيه، يريد فإذا ألزم النفقة ثم ثبت للآخر رجع عليه بذلك انتهى.
فرع: قال في آخر كتاب الدعاوى من الذخيرة: قال بعض العلماء: إذا ألزم المدعى عليه بإحضار المدعى به لتشهد عليه البينة فإن ثبت الحق فالمؤنة على المدعى عليه؛ لأنه مبطل ملح وإلا فعلى المدعي؛ لأنه مبطل في ظاهر الشرع، ولا تجب أجرة تعطيل المدعى به في مدة الإحضار؛ لأنه حق للحاكم لا يتم مصالح الحكام إلا به انتهى. وقال بعده بنحو صفحة:
فرع: إذا تنازعتما حائطا مبيضا هل هو منعطف لدارك أو لداره فأمر الحاكم بكشف البياض لينظر إن جعلت الأجرة في الكشف عليه فمشكل؛ لأن الحق قد يكون لخصمك، والأجرة ينبغي أن تكون لمن له نفع العمل ولا يمكن أن تقع الأجرة على أن الإجارة على من يثبت له الملك لأنكما جزمتما بالملكية فما وقعت الإجارة إلا جازمة، وكذلك الغائب لو امتنع إلا بأجر قال: ويمكن أن يقال يلزم الحاكم كل واحد منهما باستئجاره وتلزم الأجرة في الأخير من ثبت له الملك كما يحلف في اللعان وغيره وأحدهما كاذب انتهى. وهذا الأخير هو الظاهر كما في الفرع قبله فتأمله والله أعلم. ص: (وجازت على خط مقر) ش: ظاهره سواء كانت الوثيقة بخطه أو فيها شهادته فقط على نفسه وهو كذلك. قال في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات: وسئل مالك عن رجل كتب: على رجل ذكر حق،

(8/220)


وخط شاهد مات، أو غاب ببعد، وإن بغير مال فيهما إن عرفته كالمعين
__________
وأشهد فيه رجلين فكتب الذي عليه الحق شهادته على نفسه بيده في الذكر الحق فهلك الشاهد ثم جحد فأتى رجلان فقالا: نشهد أنه كتابه بيده. قال مالك: إذا شهد عليه شاهدان أنه كتابه بيده رأيت أن يؤخذ منه الحق، ولا ينفعه إنكاره وذلك بمنزلة لو أقر ثم جحد فشهد عليه شاهدان بإقراره فأرى أن يغرم، قال ابن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن شهادة الرجل على نفسه شهادة إقرار عليها وإقراره على نفسه شهادة عليها ونقله ابن عرفة. ص: (وإن بغير مال فيهما) ش: هذا الذي اختاره رحمه الله أن الشهادة على الخط جائزة في الطلاق والعتاق وغيرهما، وكأنه رحمه الله اعتمد على ما ذكره في التوضيح عن

(8/221)


__________
أحكام ابن سهل ونصه، وفي أحكام ابن سهل عن محمد بن الفرج مولى ابن الطلاع أنه قال: الأصل في الشهادة على الخطوط من قول مالك وأكثر أصحابه أنها تجوز في الحقوق والطلاق والعتاق والأحباس وغيرها انتهى. وهو خلاف ما نقله البرزلي عن السيوري أنه قال: لا تجوز الشهادة على الخط في طلاق ولا عتاق ولا حد من الحدود على ما في الواضحة وغيرها انتهى من أوائل مسائل الأيمان ونقله في مسائل الأقضية والشهادات عن ابن رشد انظر كلامه. وقال ابن رشد في نوازله في أثناء مسائل النكاح في رجل يقيم عليه بعقد يتضمن إشهاده على نفسه أنه متى تزوج فلانة فهي طالق ثلاثا وقد تزوجها فأنكر العقد فشهد شهود أن العقد خط يده فقال: إن كان العقد الذي قيم على الرجل المذكور ثبت بشهادة الشهود الذين أشهدهم على نفسه بما تضمنه وعجز عن الدفع فالذي أراه وأتقلده أن يفرق بينهما وهو الصحيح عندي من الأقوال المشهورة في المذهب ولا يكون ذلك جرحة تسقط شهادته إلا أن يقر على نفسه أنه تزوجها بعد أن حلف بطلاقها ألبتة أن لا يتزوجها وهو يعتقد أن ذلك لا يحل له جرأة على الله عز وجل إذ لو أقر بطلاقها على ما تضمنه العقد وقال: إنما تزوجها؛ لأنه اعتقد أن ذلك يسوغ له لاختلاف أهل العلم في ذلك لعذر فيما فعله ولم يكن ذلك جرحة لا سيما إن كان ممن ينظر في العلم ويسمع الأحاديث. وأما إن لم يثبت العقد الذي قيم به إلا بالشهادة على الخط فلا يحكم به عليه إن أنكر ولا يفرق بينهما أو إن عجز عن الدفع في شهادة من شهد عليه أنه خط يده؛ لأن الشهادة على الخط لا تجوز في طلاق ولا عتاق ولا نكاح ولا حد من الحدود على ما نص عليه ابن حبيب في واضحته وغيره، ولو أقر أنه خطه كتبه بيده وزعم أنه لم يكتبه عازما على إنفاذه وإنما كتبه على أن يستشير وينظر في ذلك لصدق في ذلك على ما قاله في المدونة انتهى والله أعلم. وما ذكره عن ابن حبيب في واضحته نقله ابن حبيب فيها عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ وأنها لا تجوز في طلاق ولا عتاق ولا حد من الحدود ولا كتاب قاض وإنما تجوز في الأموال فقط، وحيث لا تجوز شهادة النساء ولا الشاهد مع اليمين فلا تجوز على الخط، وحيث يجوز هذا يجوز هذا، ووقع في رسم القضاء من سماع أشهب من كتاب الشهادات في امرأة كتب إليها زوجها بطلاقها مع من لا تجوز شهادته إن وجدت من يشهد لها على خطه نفعها ذلك قال ابن رشد: ومثله في مختصر ابن عبد الحكم، وكان يمضي لنا عند من أدركناه من الشيوخ أن ما ذكره ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ هو مذهب مالك لا خلاف فيه، وأن

(8/222)


وأنه كان يعرف مشهده
__________
معنى قوله في الرواية: "نفعها ذلك" أنه يكون لها شبهة توجب لها اليمين على الزوج أنه ما طلق، والذي أقول به أن معنى ما حكاه ابن حبيب إنما هو أن الشهادة لا تجوز على خط الشاهد في طلاق ولا عتاق ولا نكاح لا أنها لا تجوز على خط الرجل أنه طلق أو أعتق أو أنكح بل هي جائزة على خطه بذلك كما تجوز على خطه بالإقرار بالمال وهو بين من قوله. فالصواب أن يحمل قول مالك: "نفعها" على ظاهره من الحكم لها بالطلاق عليه إذا شهد على خطه شاهدان عدلان وذلك إذا كان الخط بإقراره على نفسه أنه طلق زوجته مثل أن يكتب إلى رجل يعلمه بأنه طلق زوجته أو إليها يعلمها بذلك وأما إن كان الكتاب إنما هو بطلاقه إياها ابتداء فلا يحكم عليه به إلا أن يقر أنه كتبه مجمعا على الطلاق، وفي قبول قوله أنه كتبه غير مجمع على الطلاق بعد أن أنكر أنه كتبه اختلاف انتهى. بعضه بالمعنى وأكثره باللفظ فيكون اختيار ابن رشد ثالثا يفرق بين الشهادة على خط الشاهد فلا تجوز إلا في الأموال وبين الشهادة على خط المقر فتجوز في الأموال وغيرها إذا كان الخط بإقراره على نفسه أنه طلق أو أعتق ونحو ذلك وأما إذا كان الخط إنما هو بطلاقه إياها ابتداء فلا، وذكر ابن عرفة عن ابن سهل نحو اختيار ابن رشد وعن الباجي أيضا. وظاهر ما تقدم عن ابن رشد في نوازله في النكاح أنه حمل قول مطرف وابن الماجشون على ظاهره وقال في مسائل الشهادات من نوازله: ظاهر ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ أن الشهادة على الخط لا تجوز فيما عدا الأموال لا على خط الشاهد ولا على خط المعتق أو المطلق وسائر ما ذكره مما ليس بمال. وعلى ذلك كان الشيوخ يحملونه، ومعنى ذلك إذا وجد الكتاب بالعتق عنده بعد موته أو بيده في حياته؛ لأنه لو أقر أنه خطه وقال كتبته على أني أستخير في تنفيذه ولم أنفذه بعد صدق في ذلك، وأما إذا كان دفعه إلى العبد أو كان قد نص فيه على أنه أنفذه على نفسه فالشهادة عليه عاملة كالشهادة على خطه بالإقرار بالمال وهو ظاهر رواية أشهب عن مالك في العتبية وما في مختصر ابن عبد الحكم انتهى. وقال ابن فرحون بعد نقله قول مطرف وابن الماجشون: قال ابن رشد: وهذه التفرقة لا معنى لها إلا أن يريد أن الأموال أخف والصواب الجواز في الجميع. قال ابن الهندي: ويلزم من أجازها في الأحباس القديمة أن يجيزها في غيرها؛ لأن الحقوق عند الله سواء انتهى. ص: (وأنه كان يعرف مشهده وتحملها عدلا) ش: ما ذكره من معرفة مشهده هو أحد

(8/223)


وتحملها عدلاً لا على خط نفسه، حتى يذكرها وأدى بلا نفع، ولا على من لا يعرف إلا على عينه وليسجل من زعمت أنها ابنة فلان
__________
القولين وما ذكره من قوله: "وتحملها عدلا" هو تعديل للمشهود على خطه، وظاهر كلامه أن الشاهد على الخط لا بد أن يشهد بذلك. وذكر المتيطي أنه لا يشترط ذلك بل يكفي أن يشهد بذلك غيرهما. قال في كتاب الحبس في فصل ذكر فيه أن قائما قام بالحسبة أن فلانا باع حبسا ما نصه: وإن كان الشهود الذين شهدوا على خطوط شهود موتى في كتاب الحبس.

(8/224)


ولا على منتفية لتتعين للأداء، وإن قالوا: أشهدتنا منتفية وكذلك نعرفها قلدوا وعليهم إخراجها إن قيل لهم: عينوها وجاز الأداء إن حصل العلم وإن بامرأة، لا بشاهدين إلا نقلاً
__________
قلت: فأتى إليه بفلان وفلان شهدا عنده أن شهادة فلان وفلان الواقعة في كتاب الحبس المنتسخ في هذا الكتاب بخطوط أيديهما لا يشكان في ذلك وأنهما ميتان فقبل القاضي شهادة الشهيدين عنده، وشهادة الشهيدين المشهود على خطوطهما وإن عدلهما الشاهدان عنده على خطوطهما جاز ذلك وقلت في إثر قولك: "وأنهما ميتان" وأنهما كانا في رسم العدالة وقبول الشهادة في تاريخ شهادتهما عن الشهادة أو المذكورة وبعدها إلى أن توفيا وإن عدلهما عنده غير الشاهدين اللذين شهدوا على خطوطهما قلت في الشهيدين وقبل شهادتهما لمعرفته بهما وقبل شهادة فلان وفلان المشهود على خطوطهما بتعديل فلان وفلان لهما عنده بالعدل والرضا إلى أن توفيا على ذلك انتهى. ص: (وجاز الأداء إن حصل العلم ولو بامرأة) ش:
مسألة: قال في نوازل ابن رشد في مسائل الشهادات في رجل شهد على امرأة أنها أوصت لأخيها لأمها بثلثها وأدى الشهادة على ذلك وقطع بمعرفتها ثم شهد عليه شاهدان أنه أقر عندهما بعد أداء الشهادة: إن هذه المرأة لم يكن يعرفها قبل ذلك الإشهاد ولا رآها قط وإنما عينها له في حين ذلك الإشهاد امرأة وثق بها فهل

(8/225)


وجازت بسماع فشا عن ثقات وغيرهم
__________
ذلك مسقط لشهادته في هذه النازلة خاصة ويكون كالرجوع عن الشهادة أو يراه إقرارا منه على نفسه بتعمد الكذب فيكون جرحة وتسقط شهادته في ذلك وغيره فأجاب: شهادته عاملة إذا كان هو ابتداء سؤال المرأة؛ لأن ذلك من ناحية قبول خبر الواحد وأما إذا لم يبتدئ هو بسؤالها وإنما قالت له ذلك على سبيل الشهادة عنده، مثل أن تقول له المرأة التي أشهدته على نفسها بالوصية: هذه فلانة تعرف أني فلانة بنت فلان، وتعرفه بذلك فلا يجوز له أن يشهد عليها بتعيين المرأة له إياها على هذا الوجه وإن كانت عنده ثقة فإن جهل سقطت شهادته عليها ولم يكن ذلك جرحة تسقط شهادته فيما سوى ذلك ا هـ. ص: (وجازت بسماع فشا عن ثقات وغيرهم) ش: قال ابن عرفة: وشهادة السماع لقب لما يصرح الشاهد

(8/226)


__________
فيه باستناد شهادته لسماع من غير معين فتخرج شهادة البت والنقل انتهى. وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا بد أن يكون السماع فاشيا عن الثقات وغيرهم وهذا قول ذكره في التوضيح عن بعض ومذهب المدونة خلافه ويحتمل أن يكون مراد المصنف أنه يشترط فيها أن يكون السماع فاشيا سواء كان من الثقات أو من غيرهم وهذا هو الراجح. قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وتجوز شهادة السماع الفاشي عن الثقات: ظاهره أنه لا يقبل إذا كان من غير الثقات وهو مذهب مطرف وابن الماجشون قالا: ولا تجوز من غير أهل العدل من سامع أو مسموع منهم وظاهر المدونة نفي اشتراط العدالة في المنقول عنهم قاله المازري، وروي عن ابن القاسم اشتراط العدالة في المنقول عنهم إلا في الرضاع وقيل: لا بد من السماع من غير العدول مع العدول لأن قصر السماع على العدول يخرجه إلى نقل الشهادة عن المعينين وذلك باب آخر انتهى. وقال ابن عبد السلام: ذكر المؤلف في صفة هذا السماع الفشو وأن يكون عن الثقات فأما الفشو فمتفق عليه وأما كونه عن الثقات فمنهم من شرطه ومنهم من لم يشترطه؛ لأن المقصود أن يحصل للشاهد علم أو ظن يقاربه وربما كان خبر غير العدل في بعض الأوقات مفيدا لما يفيده خبر العدل لقرائن تحتف به ومنهم من رأى أنه لا بد من السماع من غير العدل مع العدل وإن كان السماع مقصورا على العدل يخرجه إلى نقل الشهادة عن المعينين وذلك باب آخر انتهى.
قلت: فيحمل كلام المصنف على المحمل الثاني ليكون موافقا لظاهر المدونة كما قاله المازري وعلى هذا عول العبدوسي في قصيدته حيث قال:
وليس من شروطها العدول
...
بل اللفيف فادر ما أقول
وقال ابن غازي: لو قال عوضا منه: وليس سمعها من العدول شرط بل اللفيف في

(8/227)


بملك لحائز متصرف طويلاً وقدمت بينة الملك
__________
النقول لكان أدل على المراد. ص: (بملك لحائز متصرفا طويلا) ش: أفاد بقوله: "لحائز" أن شهادة السماع في الملك إنما تفيد للحائز فقط وأنها لا تفيد في الانتزاع، قال في التوضيح: ظاهر كلام المصنف -يعني ابن الحاجب- أن شهادة السماع تكون بالملك في الانتزاع والذي نص عليه أصحابنا أنه لا يستخرج بها من يد حائز وإنما تصح للحائز، ثم قال: وحكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وابن القاسم وأصبغ ما يقتضي أنه يستخرج بها من اليد، وهل يستحق بها ما ليس في حوز واحد كعفو من الأرض؟ قولان عندنا بناهما المازري على اختلاف المذهب في بيت المال هل يعد حائزا لما لا ملك له أو لا؟ انتهى. وقال ابن سلمون في كتاب الاستحقاق: ولا يقوم بشهادة السماع إلا الذي الملك بيده ولا تجوز لغيره؛ لأن شهادة السماع لا يستخرج بها من يد حائز شيئا تحت يده إلا أن تكون اليد كلا يد مثل أن يكون غاصبا وذا سلطان غير مسقط وثبت أنه مال القائم أو ورثته على السماع أو ثبت أيضا أنه يصير إلى الذي يملكه من الوجه المذكور فيستخرج من تحت يده ما يده عليه من الأملاك ويستحق ذلك بشهادة السماع ويحكم بذلك. ذكر ذلك ابن الحاج في مسائله انتهى. وهو كلام حسن وأفاد المصنف بقوله: "لمتصرف طويلا" أنه إنما يشهد بالملك إذا طالت الحيازة وكان يتصرف تصرف الملاك من الهدم ونحوه ولا ينازعه أحد وأنه لا بد من الأمرين، وهكذا قاله في الجواهر ونقله عنه في التوضيح. وذكر الشارح كلام الجواهر بأو فقال ابن شاس: وأن يشهد بالملك إذا طالت الحيازة أو كان يتصرف تصرف الملاك من الهدم ونحوه ثم اعترض في شرحه الكبير على المصنف بأن كلامه يقتضي أنه لا بد من مجموع الأمرين وأنه خلاف نقل ابن شاس وقد علمت أن كلام ابن شاس موافق لما قاله المصنف ولعل ذلك وقع في نسخة الشارح من الجواهر والله أعلم.
تنبيه: بينة السماع في الرهن مقتضى ما في نوازل ابن رشد في كتاب الدعاوى والخصومات أنها عاملة وسيأتي كلامه في آخر الباب عند قول المصنف: وإن حاز أجنبي. ص: (وقدمت بينة الملك) ش: يعني أنه إذا شهدت بالملك بينة بالسماع وشهدت بينة أخرى

(8/228)


إلا بسماع أنه اشتراها من كأبي القائم
__________
بالملك لشخص آخر بالقطع فبينة الملك التي قطعت مقدمة على بينة السماع. ص: (إلا بكسماع أنه اشتراها من كأبي القائم) ش: تصوره من كلام الشارح واضح والمسألة مبسوطة في المدونة في كتاب الشهادات في الشهادة على السماع ومثل الشراء منه أنه تصدق بها عليه أو وهبها له كما ستقف عليه في كلام ابن رشد في شرح أول مسألة من رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق ونص مسألة السماع، وسألته عن رجل غاب عن داره أو أرضه فدخلها رجل بعد غيبته فسكنها زمانا ثم مات عنها وبقي ورثته فيها وقدم الغائب فادعى ذلك وأصله معروف له، والبينة تشهد أنه إنما دخل فيها الميت بعد مغيب هذا وإن كان يختلف إن كان سمع من الهالك يذكر أنه اشترى أو لم يسمع ذلك منه طال زمان ذلك أو لم يطل. قال ابن القاسم: القادم أولى بها إذا كان على ما ذكرت كان الرجل فيها حيا أو ميتا ولا يلتفت إلى ما كان يسمع من الداخل الهالك يذكر أنه اشترى إلا أن يكون للداخل بينة على الشراء أو هبة أو صدقة أو سماع صحيح على ما اشترى مع طول الزمان وتقادمه. قال ابن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها من أنه لا حيازة على غائب فإذا قدم والأصل معروف له وشهدت له البينة بدخول الميت فيها بعد مغيبه كما ذكرت كان على ورثة البينة على ما ادعوا من شراء أو صدقة أو هبة أو سماع على ذلك فيما طال من السنين انتهى. فقول ابن رشد: أو سماع على ذلك شامل للشراء والصدقة والهبة

(8/229)


ووقف وموت ببعد إن طال الزمان بلا ريبة
__________
والله أعلم. ص: (ووقف) ش: أي لحائز كما قاله في التوضيح وغيره ولا يشترط فيها تسمية المحبس ولا إثبات ملكه بخلاف ما لو شهدا على الحبس بالقطع فإنه لا يثبت الحبس حتى يشهدوا بالملك للمحبس قاله في التوضيح قال ابن سهل في أحكامه الصغرى والكبرى: كيفية الشهادة بالسماع في الأحباس أن يشهد الشاهد أنه يعرف الدار التي بموضع كذا، وحدها كذا وأنه لم يزل يسمع منذ أربعين سنة أو عشرين عاما متقدما لتاريخ شهادته هذه سماعا فاشيا مستفيضا من أهل العدل وغيرهم أن هذه الدار. وهذا الملك حبس على مسجد كذا أو على المرضى بحاضرة كذا وعلى فلان وعقبه أو حبس لا غير وأنها كانت محترمة بحرمة الأحباس، وتحوزهما بالوقف إليها والتبيين لها، بهذا جرى العمل في أداء هذه الشهادة، زاد في الكبرى فإذا أديت هكذا وكان الشهود بها شاهدين فصاعدا حكم بها بعد حيازة الشهود بتحبيسه والإعذار إلى من يعترض فيه ويدعيه، قال ابن القاسم في سماع عيسى في حبس العتبية: إذا شهد رجلان أنهما كانا يسمعان أن هذه الدار حبس جازت شهادتهما وكانت حبسا على المساكين إن كان لم يسم أحدا انتهى.
تنبيه: استفيد من هذه المسألة النص في أن مصارف الحبس وصروف الواقف تثبت بشهادة السماع ونص على ذلك أيضا في كتاب الشهادات من المدونة قال: وسئل مالك عن قوم شهدوا على السماع في حبس على قوم أنهم يعرفون أن من مات منهم لا يدخل في نصيبه زوجته وتهلك ابنة الميت فلا يدخل فيه ولدها ولا زوجها، فقال: أراه حبسا ثابتا وإن لم يشهدوا على أصل الحبس ولم يذكروا ذلك كله، وذكروا في السماع ما يستدل به فذلك جائز انتهى. ص: (وموت ببعد) ش: قيد البعد راجع إلى قوله: "وموت". ص: (وشهد

(8/230)


وحلف وشهد اثنان كعزل، وجرح، وكفر، وسفه، ونكاح، وضدها، وإن بخلع، وضرر زوج، وهبة، ووصية، وولادة، وحرابة، وإباق، وعدم، وأسر، وعتق، ولوث
__________
اثنان) ش: قال ابن يونس في كتاب الشهادات ومن كتاب الشهادة قال ابن القاسم: وأما إن شهد شاهد واحد على السماع لم يقض له بالمال وإن حلف؛ لأن السماع نقل شهادة ولا يجوز نقل شهادة واحد على شهادة غيره انتهى. وقال أبو الحسن: بل أضعف من نقل الشهادة وانظر الدماميني في حاشية البخاري في الشهادة على الإنسان والموت القديم والرضاع وانظر في مسائل الأقضية والشهادات من البرزلي ورود كتاب المسافرين بأن فلانا مات ونحو ذلك. ص: (وعتق) ش:

(8/231)


والتحمل إن افتقر إليه فرض كفاية وتعين الأداء
__________
مسألة: عد ابن جزي في المواضع التي تجوز فيها الشهادة بالسماع الفاشي الحرية والله أعلم. ص: (والتحمل إن افتقر إليه فرض كفاية) ش: قال ابن عرفة: التحمل عرفا علم ما يشهد به بسبب اختياري فيخرج علمه دونه كمن قرع أذنه صوت مطلق ونحوه من قول يوجب على قائله حكما فالمعروض للتكليف به الأول لا الثاني وهو فرض كفاية، ثم قال: والأداء عرفا إعلام الشاهد الحاكم بشهادته بما يحصل له العلم بما شهد به وقال ابن رشد في شرح المسألة الثالثة والعشرين من رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من الجامع من دعي أن يشهد على أمر جائز أو مستحب أو واجب فالإجابة عليه فرض من فروض الكفاية ومن دعي أن يشهد على مكروه فيكره له أن يشهد عليه ومن دعي أن يشهد على حرام فلا يحل له أن يشهد عليه انتهى. وقال الدماميني في كتاب الشهادات في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا أشهد على جور" قال المهلب في الحديث من الفقه: إن الإنسان لا يضع اسمه في وثيقة لا تجوز ومن العلماء من رأى جوازه بقصد الشهادة على الممنوع ليرد، قال ابن المنير: إنما يريد لا يضع خطه في وثيقة بظاهر الجواز مع أن الباطن باطل وأما المساطير التي تكتب لإبطال المفاسد بصيغة الاستدراك لا البناء فلا خلاف ولا خفاء في وجوب وضع الشهادة فيها، ولو وضع شهادته في وثيقة كتبت بظاهر الجواز والعقد فاسد زاد في خطه فقال: والأمر بينهما في ذلك محمول على ما يصححه الشرع من ذلك أو يبطله ومثل هذا الموضع لا يكاد يختلف فيه انتهى. وانظر الواضحة في الكلام على شهادة الشاهد بما لا يرى جوازه ونقله ابن فرحون في التبصرة في فصل تنبيه القاضي على أمور عند أداء الشهادة وتقدم كلامه عند قول المصنف: وليخبر بها، وانظر كلام الرجراجي في أجر قسام القاضي في كتاب الشهادة فإنه تكلم على أخذ الشهود الأجرة على الشهادة. ص: (وتعين الأداء) ش: تصوره ظاهر

(8/232)


من، كبريدين، وعلى ثلث إن لم يجتز بهما، وإن انتفع فجرح إلا ركوبه لعسر مشيه و عدم دابته لا كمسافة القصر، وله أن ينتفع منه بدابة ونفقة
__________
مسألة: قال في النوادر في كتاب الشهادات: من كان يشهد بدين فشهد عنده شاهدان بقضائه أو رجل وامرأتان أنه لا يشهد قيل له: فإن أخبره شاهد واحد فوقف وقال: ما تبين لي `.

(8/233)


وحلف بشاهد في طلاق، وعتق لا نكاح، فإن نكل حبس، وإن طال ديّن، وحلف عبد وسفيه مع شاهد لا صبي
__________
انتهى. ص: (وحلف بشاهد في طلاق وعتق) ش: يريد أو امرأتين قاله في التوضيح ونقل ابن عرفة عن المدونة وتكلم في شهادة النساء من قرابتها، في ذلك قولين مذهب المدونة أنها لا تجوز فانظره ونص على ذلك في أواخر العتق الثاني من المدونة وانظر في ابن عرفة أيضا إذا شهد شاهد في زنا أو قذف أو سكر ونحوه. ص: (وحلف عبد وسفيه مع شاهده) ش: فإن

(8/234)


وأبوه وإن أنفق، وحلف مطلوب ليترك بيده وأسجل ليحلف إذا بلغ كوارثه قبله إلا أن يكون نكل أولاً ففي حلفه قولان، وإن نكل اكتفى بيمين المطلوب الأولى
__________
نكل السفيه وحلف المطلوب ثم رشد السفيه فهل له أن يحلف الآن مع شاهده أم لا؟ قولان: قال ابن القاسم: لا يحلف، وأما العبد فقال ابن عرفة: قال اللخمي: إن كان بمال وهو مأذون له فهو كالحر إن نكل حلف المطلوب وبرئ ولا مقال لسيده وإن كان غير مأذون له حلف

(8/235)


وإن حلف المطلوب ثم أتى بآخر فلاضم، وفي حلفه معه وتحليف المطلوب إن لم يحلف قولان. وإن تعذر يمين بعض كشاهد بوقف على بنيه وعقبهم أو على الفقراء حلف وإلا فحبس، فإن مات ففي تعيين مستحقه من بقية الأولين أو البطن الثاني تردد.
__________

(8/236)


ولم يشهد على حاكم، قال: ثبت عندي إلا بإشهاد منه كأشهد على شهادتي، أو رآه يؤديها إن غاب الأصل وهو رجل
__________
واستحق فإن نكل حلف سيده واستحق، ثم نقل عن ابن رشد نحوه. ص: (ولم يشهد على حاكم قال: ثبت عندي إلا بإشهاده) ش:
مسألة: قال الباجي في المنتقى: اختلف قول مالك في الرجلين يتحاسبان بحضرة رجلين ويشترطان عليهما أن لا يشهدا بما يقران به فيقر أحدهما فيطلبهما الآخر بالشهادة فروى ابن القاسم عن مالك يمنعان من الشهادة ولا يعجلان فإن اصطلح المتداعيان وإلا فليؤديا الشهادة، وروى عنه ابن نافع: لا أرى بامتناعهما من الشهادة بأسا، وقال الشيخ أبو إسحاق: لا تجوز شهادة الحاكم بما سمع من الخصوم وكذلك شهادة من توسط بين اثنين ا هـ من ترجمة الشهادات، وذكر في النوادر القولين في الترجمة الثانية من كتاب الشهادات وزاد في القول الأول كنت أحب أن لا يقبلا. يعني أن لا يدخلا على الشرط المذكور، ثم قال بعد أن ذكر قول ابن نافع: قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: وإذا أدخلا بينهما رجلين على أن لا

(8/237)


بمكان لا يلزم الأداء منه، ولا يكفي في الحدود الثلاثة الأيام أو مات، أو مرض ولم يطرأ فسق أو عداوة، بخلاف جن ولم يكذبه أصله قبل الحكم، وإلا مضى بلا عزم
__________
يشهدا عليهما فذكرا نحو قول مالك إلخ وذكر ابن فرحون في الباب الحادي والخمسين قول ابن القاسم وقول ابن نافع وجعل كل واحد منهما فرعا مستقلا وليس كذلك ونقلهما عن المقنع لابن بطال، وكلام صاحب المقنع لا يقتضي ذلك وما ذكره الباجي عن الشيخ أبي إسحاق فالظاهر أنه اختيار منه لرواية ابن نافع واقتصر عليه صاحب المسائل الملقوطة أعني ما ذكره الباجي عن الشيخ أبي إسحاق ونصه: شهادة المتوسط الذي يدخل بين اثنين بالصلح لا تجوز وإن استوعب كلامهما من الكافي لابن عبد البر والمنتقى للباجي إلخ. ص: (ولم يطرأ فسق أو عداوة بخلاف جن) ش: يعني أن طرو الفسق والعداوة على الأصل قبل أداء الفرع يبطل شهادة الفرع بخلاف طرو الجنون على الأصل فإنه لا يبطل شهادة الفرع، وإذا طرأ على الأصل تهمة القرابة كأن يتزوج الشاهد المنقول عنه المرأة المشهود لها أو العكس فقال ابن عرفة: ولما كان تمام شهادة النقل بأداء ناقلها عنه كان طرو مانع شهادة الأصل قبل أداء ناقلها لطرو المانع على شاهده قبل أداء شهادته أو بعده وقبل الحكم بها، والأول واضح والثاني تقدم حكمه عن المازري وتقدمت الرواية بأن حدوث سبب العداوة بعد تقييد شهادة الشاهد لا يمنع القضاء بها؛ لأن أداء شهادته قبل صيرورته عدوا لا يوجب تهمة، ومنع بعض العلماء القضاء بما

(8/238)


ونقل عن كل اثنان ليس أحدهما أصلاً، وفي الزنا أربعة عن كل، أو عن كل اثنين اثنان، ولفق نفل بأصل وجاز تزكية ناقل أصله، ونقل امرأتين مع رجل في باب شهادتهنّ
__________
نقل عمن صار عدوا للمشهود عليه؛ لأنه رأى ظهور عداوته يشعر بمقدمات وسوابق
قلت: ظاهر كلام المازري أن المذهب عدم سقوط شهادة المنقول عنه بحدوث عداوته بعد سماع نقلها منه وقبل أداء نقلها كحدوث ذلك بعد أدائها للحاكم قبل نفوذ حكمه، ولا يخفى أن أداءه أدل على ثبوتها من سماعها للنقل عنه ولذا قال ابن شاس: إذا طرأ على الأصل فسق أو عداوة أو ردة امتنعت شهادة الفرع، قال المازري: وحدوث فسق الأصل بعد سماع النقل عنه وقبل أدائه يبطل شهادته وأشار بعض أصحابنا إلى أن الفسق إن كان مما يخفى ويكتم كالزنا أشعر بسابق متقدمات تمنع العدالة، وإن كان مما تجاهر به كالقتل لم يشعر بأنه كان قبل طرو ذلك، كذلك قال، ولو انتقل من طرأ فسقه لعدالة ففي صحة النقل عنه بالسماع منه أولا أو بسماع منه بعد انتقاله خلاف بين الناس ا هـ كلام ابن عرفة ص: (وإن

(8/239)


وإلا قالا وهمنا، بل هو هذا سقطتا ونقض إن ثبت كذبهم، كحياة من قتل أوجبّه قبل الزنا، لا رجوعهم وغرما مالاً ودية ولو تعمدا
__________
قالا: وهمنا بل هو هذا سقطتا) ش: هذا شروع منه رحمه الله في الكلام على الرجوع عن الشهادة قال ابن عرفة: الرجوع عن الشهادة هو انتقال الشاهد بعد أداء شهادته بأمر إلى عدم الجزم به دون نقيضه فيدخل انتقاله إلى شك على القول بأن الشاك حاكم أو غير حاكم والأول قول الفاكهاني شارح المحصول والثاني للقرافي، وقيد بعد أداء شهادته وهو ظاهر الروايات وظاهر لفظ المازري صدقه على ما قبل الأداء فعليه يحذف لفظ بعد أداء الشهادة إلخ. وقال في الطراز في أثناء الجزء التاسع في ترجمة وثيقة تجريح بعداوة: لو شهد الشاهد ثم قال: بالله الذي لا إله إلا هو ما شهدت إلا بالحق لكني أرجع عن شهادتي فلا يقضى بها فأفتى بها ابن خزيمة وأصبغ بن سعيد أنه يقضى بها وليس هذا برجوع والرجوع أن يكذب نفسه ويدخله الشك، وأفتى ابن زرب أنه لا يقضى بها؛ لأنه إن كان رجع عن حق علمه فقد فعل ما لا يجوز له وأسقط شهادته إلخ وينبغي أن يفصل في ذلك بين العامي الذي يجهل حرمة ذلك فلا ترد شهادته وبين غيره ممن يعلم ذلك والله أعلم. ص: (لا رجوعهم) ش: انظر

(8/240)


ولا يشاركهم شاهدا الإحصان
__________
قوله في كتاب القذف من المدونة: وإن قالت البينة بعد ما وجب الحد: ما شهدنا إلا بالزور درأت الحد إلخ والله أعلم. ص: (ولا يشاركهم شاهد الإحصان) ش: ظاهره سواء رجعا وحدهما أو مع شهود الزنا أو مع رجوع الكل وهو المشهور، وقيل: يجب على كل واحد منهما سدس الدية، وباقيها على بينة الزنا، وقيل: على كل واحد من شاهدي الإحصان ربعها، وباقيها على بينة الزنا، قال المازري: ولو رجع أحد شهيدي الإحصان فعلى الأول لا غرم عليه وعلى الثاني يغرم سدس الدية وعلى الثاني يغرم ربعها نقله ابن عرفة انتهى. وعلى هذا فلو

(8/241)


في الغرم كرجوع المزكي، وأدبا في كقذف وحد شهود الزنا مطلقاً كرجوع أحد الأربعة قبل الحكم، وإن رجع بعده حد الراجع فقط، وإن رجع اثنان من ستة فلا غرم ولا حد
__________
رجعا وحدهما فلا شيء عليهما على الأول المشهور والله أعلم. ص: (كرجوع المزكي) ش: يعني أن رجوع المزكيين عن تزكية من زكوه لا توجب عليهم غرما وظاهره سواء رجعا وحدهما أو مع شهود الأصل وهو كذلك، قال في النوادر من كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وإن شهد رجلان بحق والقاضي لا يعرفهما فزكاهما رجلان فقبلهما القاضي وحكم بالحق ثم رجع المزكيان بالبينة وقالا: زكينا غير عدلين وما لا يزكى مثله فلا ضمان عليهما؛ لأن الحق أخذ لغيرهما، ومن لو شاء لم يشهد ولو رجع الشاهدان ومن زكاهما لم يغرم إلا الشاهدان إذ لو شاءا لم يشهدا فبهما قام الحق. قاله ابن الماجشون في كتابه ا هـ من ترجمة الرجوع عن الشهادة في التعديل والله أعلم. ص: (وإن رجع اثنان من ستة فلا غرم إلخ) ش: قال في التوضيح: نحوه في كتاب محمد، وفي المدونة: إن علم بعد الرجم أو الجلد أن أحدهم عبد حد الشهود أجمع، وإن كان مسخوطا لم يحد واحد منهم؛ لأن الشهادة قد تمت باجتهاد الإمام في عدالتهم ولم تتم في العبد، وتصير من خطأ الإمام، فإن لم يعلم الشهود كانت الدية في الرجم على عاقلة الإمام وإن علموا فذلك على الشهود في أحوالهم ولا شيء

(8/242)


إلا أن تبين أن أحد الأربعة عبد فحد الراجعان والعبد وغرما فقط ربع الدية، ثم إن رجع ثالث حد هو والسابقان، وغرموا ربع الدية، ورابع فنصفها، وإن رجع سادس بعد فقء عينه وخامس بعد موضحته ورابع بعد موته فعلى الثاني خمس الموضحة مع سدس العين كالأول، وعلى الثالث ربع دية النفس فقط ومكن مدع رجوعاً من بينة كيمين إن أتى بلطخ ولا يقبل رجوعهما عن الرجوع
__________
على العبد في الوجهين، فإن قيل: هل ما في الكتابين مخالف فيتخرج في المسألتين خلاف أم

(8/243)


وإن علم الحاكم بكذبهم وحكم فالقصاص وإن رجعا عن طلاق فلا غرم كعفو القصاص إن دخل وإلا فنصفه كرجوعها عن دخول مطلقة واختص الراجعان
__________
لا؟ قيل: يحتمل أن يقال: مسألة المدونة انتقض الحكم فيها لظهور كون الراجع من الشهود عبدا وإذا انتقض وجب حد الثلاثة الباقين، وأما مسألة الموازية فإن الحكم لم ينتقض؛ لأن قصارى الأمر أنه شهد خمسة وأقيم الحد فرجع اثنان وذلك غير موجب لنقض الحكم فلهذا لم تحد الثلاثة الباقون، فإن قلت: كان ينبغي على ما في الموازية أن يسقط الحد عن العبد قلت: قذف العبد للمشهود عليه سابق على حد الزنا فلعله إنما كان مطالبا به وقد ظهرت الشبهة في زنا المشهود عليه برجوع بعض الشهود استصحب القذف ووجب حد العبد والمسألة مع ذلك مشكلة انتهى. ص: (وإلا فنصف) ش: يعني وإن رجع الشاهدان بالطلاق عن شهادتهما وكانت المرأة غير مدخول بها فعليها نصف الصداق، قال ابن عبد السلام والمصنف: نص في المدونة على أنهما يغرمان نصف الصداق وسكت عمن يستحقه. قال ابن عرفة: وفيها

(8/244)


بدخول عن الطلاق ورجع شاهدا الدخول على الزوج بميراث الزوجة إن أنكر الطلاق، ورجع الزوج عليهما بما فوتاه من إرث دون ما غرما، ورجعت عليهما بما فوتاه من إرث وصداق وإن
__________
إن رجعا بعد قضاء قاض عن شهادتهما بالطلاق قبل البناء فعليهما نصف الصداق. عياض كذا قيدنا في الأصل، قال بعض الشيوخ: لم يبين لمن هذا النصف وحمله أكثر الشيوخ على أن غرمه للزوج، وكذا جاء مفسرا في كتاب العشور من الأسمعة وحمله غير واحد على أن غرمه للمرأة ليكمل لها صداقها الذي أبطلاه عليها بالفراق قبل الدخول، وعليه اختصر المسألة القرويون قالوا: وهو مقتضى النظر والقياس؛ لأن غرمه للزوج لا وجه له إذ النصف عليه متى حصل الفراق قبل الدخول، وأشهب وسحنون لا يريان عليهما من المهر شيئا انتهى. ونحوه في التوضيح وابن عبد السلام إلا أن هذا أتم. قال في التوضيح بعد ذكر خلاف الشيخ المتقدم، وانظر كلامه في المدونة على كل من التأويلين فإنه مبني على خلاف ظاهر المذهب أن المرأة تملك بالعقد نصف الصداق، وأيضا فإنه لا يلتئم مع ما في المسألة الآتية بعد هذه وهي قوله: ولو رجعا في شهادة الدخول في مطلقة لغرما نصف الصداق، وأيضا فإنه مخالف انتهى. واعلم أن قوله: على كل من التأويلين ليس بظاهر؛ لأنه على التأويل الثاني لا مخالفة فيه لقولهم: أنها تستحق بالعقد النصف ويلتئم مع المسألة الثانية بلا كلام فتأمله، وعلى التأويل الأول فهو جار على القول بأنها لا تملك بالعقد شيئا وهذا القول أحد المشهورين في كلامه في المختصر، وذكر في التوضيح أن صاحب الجواهر وابن راشد القفصي صرحا بأنه المشهور فاعلم ذلك والله أعلم. ص: (بما فوتاها من إرث وصداق) ش: يعني نصف الصداق. ص: (وإن كان عن تجريح أو تغليظ شاهدي طلاق أمة) ش: يجوز في "تجريح" التنوين بل الغالب في

(8/245)


كان عن تخريج أو تغليط شاهدي طلاق أمة غرما للسيد ما نقص بزوجيتها ولو كان بخلع بثمرة لم تطب أو آبق فالقيمة حينئذ على الأحسن وإن كان بعتق غرما قيمته وولاؤه له،
__________
مثله الذي لا يحتاج إلى شرط ويجوز حذف التنوين للإضافة؛ لأن شروط ذلك موجودة والله أعلم.
تنبيه: قال ابن عبد السلام: وهذا الصحيح إذا كان السيد مدعيا للطلاق أو غير مكذب للشهود وإن كان مكذبا للشهود فلا يرجع على شاهدي التجريح بشيء؛ لأنه موافق لهما فيما شهدا به والله أعلم. ص: (فالقيمة حينئذ كالإتلاف) ش: يعني بقيمة الثمرة على الرجاء والخوف وقيمة الآبق والبعير الشارد على أقرب صفتهما، فإن ظهر أنه كان ميتا قبل الخلع لم يكن عليهما شيء، ولو ظهر أنه أصابه عيب قبل الخلع لم يلزمهما إلا قيمته، كذلك ويستردان ما يقابل العيب قاله ابن عبد السلام وابن عرفة وبعضه في التوضيح. ص: (بلا تأخير للحصول فيغرم القيمة حينئذ) ش: يشير بهذا إلى القول الثاني الذي يقول تؤخر الغرامة حتى تجد الثمرة ويوجد الآبق والشارد فتؤخذ القيمة حينئذ ابن عرفة قال محمد: بل قيمتها يوم جذها الزوج انتهى. وقال ابن الحاجب وقال محمد: يؤخر الجميع للحصول فيغرمان ما يحصل انتهى. ص: (وعلى الأحسن) ش: راجع إلى القول الأول ويشير إلى قول ابن راشد القفصي وقول عبد الملك أقيس انتهى. من التوضيح والله تعالى أعلم. ص: (وإن كان بعتق غرما قيمته) ش: وإن كان الرجوع عن شهادة بعتق بعد الحكم به نفذ ذلك سواء كان المعتوق عبدا أو أمة ابن عرفة عن كتاب ابن سحنون، إلا أن الأمة إن علمت أن البينة شهدت بزور فلا يحل لها أن تبيح فرجها

(8/246)


وهل إن كان بأجل يغرمان القيمة والمنفعة إليه لهما أو تسقط منها المنفعة أو يخير فيهما؟ أقوال، وإن كان بعتق تدبير فالقيمة واستوفي من خدمته فإن عتق بموت سيده فعليهما، وهما أولى إن رده دين أو بعضه كالجناية وإن كان بكتابة فالقيمة واستو في من نجومه، وإن رق فمن رقبته وإن كان بإيلاد فالقيمة وأخذا من أرش جناية عليهما، وفيما استفادته قولان
__________

(8/247)


وإن كان بعتقها فلا غرم أو بعتق مكاتب فالكتابة وإن كان ببنوة فلا غرم إلا بعد أخذ المال بإرث إلا أن يكون عبداً فقيمته أولاً، ثم إن مات وترك آخر فالقيمة للآخر وغرما له نصف
__________
وإن لم تعلم فذلك لها انتهى. وإن استمر السيد مقيما على الجحد وطلب من الشاهدين الراجعين قيمة المشهود بعتقه غرما قيمته انتهى. ص: (وإن كان ببنوة فلا غرم إلا بعد أخذ المال بإرث) ش: تصوره من شارحه ظاهر.
تنبيهان: الأول: انظر لو كان الابن صغيرا يلزم الأب نفقته فهل يرجع الأب على الشاهدين بالنفقة؟ لم أر فيه نصا والظاهر الرجوع وهو الذي يظهر من كلام البساطي والله أعلم.
الثاني: قوله: "بإرث" احترز به مما لو أخذه بدين له أو غصب أو غير ذلك فلا غرم على الشاهدين قاله البساطي. ص: (وترك آخر) ش: تصوره واضح ولم يفرع المؤلف على ما إذا تركه فقط ولم يترك ولدا آخر، وذكره ابن الحاجب فقال: ولو لم يترك غير المستلحق والمال مائتان وكانت القيمة المأخوذة مائة أخذ المستحق مائة وبيت المال مائة ثم غرم الشاهدان مائة أخرى التي فوتاها، فلو طرأ دين مائة أخذت من المستحق ورجع الشاهدان بمائة على من غرماها له انتهى. وانظر لو طرأ دين أكثر من مائة هل يؤخذ الفاضل على المائة التي بيد الولد من مائة القيمة التي بيد الورثة أو بيد نائب بيت المال؟ لم أر الآن التصريح به، والظاهر الأخذ أخذا من المسألة التي بعد هذه في كلام المؤلف بالأحروية وإنما تركوا التصريح به لوضوحه

(8/248)


الباقي وإن ظهر دين يستغرق أخذ من كل النصف وكمل بالقيمة، ورجعا على الأول بما غرمه العبد للغريم
__________
والله أعلم. ص: (أخذ من كل نصفه وكمل بالقيمة) ش: ويؤخذ منه لغز وهو أن ذكرين يأخذ أحدهما ثلث تركة والده والآخر الثلثين وإن طرأ دين على أبيهما غرماه بالسوية هي هذه المسألة إذا فرض مخلف الأب ثلاثمائة فمائة للقيمة، وللدين الطارئ مائتان فأقل، والله أعلم. قال البساطي: وإنما قدم الوفاء من المال على القيمة؛ لأنه محقق للميت بخلاف القيمة والله أعلم. ص: (ورجعا على الأول بما غرمه العبد للثاني) ش: بما غرمه العبد للغريم كقول ابن الحاجب: بما غرمه المستلحق للغريم، ولو عبر المؤلف بالملحق كما فعل ابن الحاجب لكان أوضح لكن الشارح عبر عن هذا المعنى كما عبر ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح بقولهما: ثم يرجع الشاهدان على الثابت النسب بما غرماه له؛ لأنهما إنما غرماه له بسبب إتلافهما له بشهادتهما فلما وجب الدين وجبت التركة له فلم يتلفا شيئا انتهى. وهو غير واف بشرح كلام المؤلف كما ترى، وحاول البساطي شرح هذا المعنى فقال بعد أن شرح كلام المؤلف بما شرحوه به: فإن قلت: عبارته ليس معناها ما حللتما به وهو ظاهر، قلت: إنما عدل عن ذلك إلى قوله:
"بما غرمه العبد للغريم"؛ لأن الدين قد لا يستغرق التركة فلا يخرج من يد الابن الثاني جميع ما أخذ بل يبقى شيء فلا يرجعان على الأول بما يلزم الثاني للغريم انتهى. وهو ظاهر إلا أن فرض مسألة المؤلف وابن الحاجب إنما هو طرو دين مستغرق فلا يلائم حينئذ ما قاله البساطي. ويظهر لي شيء وإن ساعده النقل كان حسنا وهو أن الابن المستلحق لما أخذ نصف المال غير القيمة قد يستهلك بعضه قبل ظهور الدين فإذا ظهر الدين فلا يوجد في يده

(8/249)


وإن برق لحر فلا غرم إلا لكل ما استعمل، ومال انتزع ولا يأخذه الشهود له وورث عنه وله عطيته لا تزوج وإن كان بمائة لزيد وعمرو ثم قالا لزيد غرما خمسين لعمرو فقط
__________
إلا بعض المال وهو معسر فيأخذ الغريم منه ما وجده في يده، فالظاهر هنا أن الشهود لا يرجعان على الأول إلا بما دفعه المستلحق للغريم؛ لأنه قد أتلف بشهادتهما بعض المال فتأمله وحرر النقل فيه والله أعلم. ص: (وإن كان برق لحر فلا غرم). ش: قال في التوضيح في الرجوع عن الشهادة فيما إذا رجعا عن الشهادة بعبودية شخص ويتخرج على ما اتفق عليه فقهاء قرطبة في أيام القاضي ابن بشير فيمن باع حرا وتعذر رجوعه وفسخ البيع أن عليه الدية أن يكون هنا عليه الدية انتهى. وقال ابن عرفة: قلت: هذا يناقض ما ذكره اللخمي وابن رشد قال في سماع عبد الملك من جامع البيان: من باع حرا وغاب فعليه طلبه حتى يرده فإن عجز عن رده فقيل: يغرم دية للورثة، وكتب بها إلى القاضي بقرطبة فجمع أهل العلم وكتب لقاضيه الذي سأله أن أغرمه دية كاملة. قلت: وحكاه اللخمي رواية لابن حبيب في ترجمة غصب ما لا يجوز بيعه، وكان يجري الجواب عن المناقضة بأن تسبب الشاهدين في رقه أهون من تسبب البائع في رقه لاستقلال بائعه برقه وعدم استقلال الشاهدين برقه لمشاركة مدعي رقه لهما في ذلك انتهى. ونحوه لابن عبد السلام ولم ينقل في التوضيح الجواب واقتصر على ما تقدم ويأتي من هذه المسألة وفروعها ألغاز كثيرة ظاهرة من لفظها والله أعلم.
فرع: قال ابن عرفة الشيخ من كتاب ابن سحنون: إن شهدا على رجل أنه عبد لمن ادعاه والمدعى عليه يجحد فحكم برقه ثم قاطعه المحكوم عليه بمال أخذه منه وأعتقه أو كاتبه عليه فأدى وعتق ثم أقر بالزور غرما للمشهود عليه ما أدى للسيد والحكم ماض والولاء قائم انتهى. ص: (وله عطيته) ش: يحتمل أن يكون المصدر مضافا للمفعول فيكون المعنى: أن ما

(8/250)


وإن رجع أحدهما غرم نصف الحق، كرجل مع نساء وهو معهن في الرضاع كاثنتين
__________
أعطي له يكون له لا للسيد. وأن يكون مضافا للفاعل وهو الظاهر يعني به وله عطيته أي المال يعني له أن يعطى من ذلك المال الذي تحت يده والله أعلم. قال ابن عرفة: وإن أعتق من هذا المال عبدا جاز عتقه وكان ولاؤه بعده لمن كان يرث عنه الولاء لو كان حرا ولا يرثه العبد إن مات ومعتقه حي قلت: كذا وجدته في نسخة عتيقة من النوادر وأنه لا يرثه العبد إن مات ومعتقه حي وهو مشكل إن أريد بالعبد المرجوع عن الشهادة برقه وقد عتق إلا أن يريد بقوله: "ومعتقه حي" أن المعتق هو من أعتقه العبد المرجوع عن شهادته فتأمل ذلك انتهى. ونقله صاحب الذخيرة على خلاف ذلك ونصه ولو أعتق العبد قبل موته من هذا المال عبدا فإن ولاءه بعد ذلك لمن كان يرث عنه الولاء لو كان حرا ويرثه العبد إن مات ومعتقه حي انتهى. وهو كذلك في الجواهر
تنبيه: وصاياه في هذا المال نافذة من الثلث قاله في الذخيرة والله أعلم. ص: (وإن رجع أحدهما غرم نصف الحق) ش: فلو ثبت الحق بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد فهل يلزمه نصف الحق أو الحق كله ؟ اختلاف في ذلك. وهو على الخلاف في القضاء بالحق هل هو مستند للشاهد فقط واليمين استظهارا؟ أو مستند للشاهد واليمين معا واليمين كالشاهد الثاني؟ قاله في التوضيح في تعارض البينتين في ترجيح الشاهدين على الشاهد واليمين وذكر الخلاف في اليمين مع الشاهد ابن فرحون في تبصرته انتهى. ص: (وهو معهن في الرضاع كاثنتين) ش: فإن قيل كيف يتصور الغرم في الرضاع والحال أنهما إن شهدا بالرضاع قبل الدخول انفسخ النكاح بلا مهر وإن شهدا به بعد الدخول فالمهر للوطء وإنما فوتا بشهادتهما العصمة وهي لا قيمة لها كما تقدم في الطلاق فالجواب أنه يتصور ذلك بعد موت الزوج أو الزوجة

(8/251)


وعن بعضه غرم نصف البعض، وإن رجع من يستقل الحكم بعدمه فلا غرم فإذا رجع غيره فالجميع وللمقضي عليه مطالبتهما بالدفع للمقضي له وللمقضي له ذلك إن تعذر من
__________
فيغرم الشاهدان للباقي من الزوجين ما فوتاه من الإرث ويغرمان للمرأة بعد موت الزوج ما فوتاها من الصداق وإن شهدا بالرضاع قبل الدخول فيتصور ذلك قبل الدخول من جهة المرأة على القول بأنهما يغرمان نصف الصداق إذا شهدا بطلاق غير المدخول بها ثم رجعا ويتلمح

(8/252)


المقضي عليه وإن أمكن جمع بين البيّنتين جمع وإلا رجع بسبب ملك، كنسج ونتاج إلا بملك من المقاسم، أو تاريخ أو تقدمه وبمزيد عدالة لاعدد
__________
ذلك من كلام ابن عبد السلام فتأمله والله أعلم. ص: (وإن أمكن جمع بين البينتين جمع) ش: هذا شروع منه -رحمه الله- في الكلام على تعارض البينتين قال ابن عرفة: وهو اشتمال كل منهما على ما ينافي الآخر فمهما أمكن الجمع بينهما جمع كالدليلين وتتقرر صورة الجمع بمثل قولها. ومن قال لرجل: أسلمت إليك هذا الثوب في مائة إردب حنطة. وقال الآخر: بل هذين الثوبين بثوبين سواه في مائة إردب وأقاما جميعا البينة لزمه أخذ الثلاثة في مائتي إردب ولو قال المسلم إليه: أسلمت إلي هذا الثوب الذي ذكرت مع العبد فيما سميت وأقاما البينة قضى

(8/253)


وبشاهدين على شاهد ويمين، أو امرأتين
__________
بالبينة الزائدة فيأخذ الثوب والعبد وتلزمه المائة إردب انتهى. ومسألة المدونة التي ذكرها في كتاب السلم الثاني في أواخر ترجمة دفع السلم قبل محل الأجل. وقال ابن يونس إثر قوله في المدونة: "لزمه أخذ الثلاثة إلى آخره" يريد سواء كانا في مجلس واحد أو في مجلسين انتهى. وقال في التوضيح: مثل عدم التعارض لو شهد واحد أنه أقر بمائة، وآخر أنه أقر بخمسين في مجلسين انتهى. والذي رأيته في نسختين لو شهد واحد. وصواب العبارة أن يقول بينة أو واحدة لأن ما ذكره ليس من باب تعارض البينتين في شيء ثم قال ابن عرفة: ولابن رشد في سماع يحيى من الشهادات إن شهدت إحدى البينتين بخلاف ما شهدت به الأخرى مثل أن تشهد إحداهما بعتق والثانية بطلاق أو إحداهما بطلاق امرأة والثانية بطلاق امرأة أخرى وشبه هذا فلم يختلف قول ابن القاسم بهما معا ورواية المصريين فإنه تهاتر من البينتين وتكاذب يحكم فيه بأعدل البينتين فإن تكافأتا سقطتا وروى المدنيون يقضى بهما معا استويتا في العدالة أو إحداهما أعدل انتهى. ثم قال: وقول ابن الحاجب "ومهما أمكن الجمع جمع" يدل على أنه إن شهدت إحداهما بأنه طلق الكبرى والأخرى بأنه إنما طلق الصغرى أنه يجمع بينهما. وتقدم من نقل ابن رشد أنه خلاف قول ابن القاسم ورواية المصريين انتهى. وفي كلامه نظر من وجهين الأول: ما لزم ابن الحاجب لزمه لأنه صدر في أول كلامه بمثل ما قال ابن الحاجب كما تقدم عنه.
الثاني: فرضه هو وما نقله ابن رشد لا يمكن الجمع فيه لأن فرض المسألتين أن البينتين في مجلس واحد، وكل واحدة تنفي أن يكون تكلم لغير ما شهدت به، يتبين ذلك بنقل المسألة

(8/254)


__________
بلفظها. قال في أثناء المسألة الخامسة من رسم الصبرة من سماع يحيى: قال ابن القاسم: لو أن أربعة نفر شهد منهم رجلان على رجل أنه طلق امرأته وشهد الآخران أنه لم يتفوه في مجلسه ذلك بشيء من الطلاق ولكنه حلف بعتق غلام له سمياه لم أر لهم شهادة أجمعين في طلاق ولا عتاق لأن بعضهم أكذب بعضا وهو الذي سمعناه. قال: وإن اختلفوا فقال بعضهم: نشهد أنه طلق امرأته فلانة أو أعتق غلامه فلانا وقال الآخر: نشهد أنه ما ذكر امرأته فلانة حتى تفرقنا وما حلف بطلاقها ولكنه حلف بطلاق امرأته فلانة يريد امرأة أخرى أو قال: نشهد ما أعتق الذي شهدتم له بالعتاقة ولكنه أعتق فلانا غلاما آخر فإن الشهادة تبطل وتسقط من قول الأولين والآخرين في العتاق والطلاق على هذا النحو لأن بعضهم أكذب بعضا انتهى. وذكر ابن رشد في شرحها ما نقله ابن عرفة عنه فتأمله منصفا والله أعلم بالصواب.
فرع: قال ابن عرفة في كتاب الشهادات في تعارض البينتين قال في نوازل سحنون في كتاب الشهادات: إن شهدت بينة بقتل زيد عمرا يوم كذا وبينة بأنه كان ذلك اليوم ببلد بعيد عن موضع القتل قضي ببينة القتل قال ابن رشد هذا مشهور المذهب وقاله أصبغ، وقال إسماعيل: القاضي يقضي ببينة البراءة إن كانت أعدل وإن كانتا في العدالة سواء طرحتا وقاله ابن عبد الحكم انتهى.
قلت: قال ابن رشد في شرح هذه المسألة: قال ابن عبد الحكم في أدب القضاء الذي كنت أسمع فيما كنا نتناظر عليه مع أصحابنا: أن شاهدين لو شهدا على رجل أنه أقر عندهم بعرفات يوم عرفة من العام الفلاني لرجل بمائة دينار وشهد آخر أنه كان عندهم بمصر في ذلك اليوم بعينه أن شهادة الذين شهدوا عليه بالمائة أحق وأولى قالوا: لأن هذين شهدوا بحق ولم يشهد الآخران بحق ولست أعرف هذا المعنى والذي أرى إن كان الشاهدان اللذان شهدا أنه كان بمصر في ذلك الوقت أعدل: أن لا يكون له شيء. ألا ترى أنه لو شهدا على رجل بحق أقر به عندهما في سنة مائتين وشهد شاهدان أعدل منهما أنه مات قبل ذلك بشهر أنه جرحة ولو كانتا في العدالة سواء لطرحتهما. وكذلك لو شهدوا أنه ولد بعد المائتين قال ابن رشد: لكلا القولين وجه وحظ من النظر. وستأتي هذه الكلمة في نوازل أصبغ فنتكلم عليها انتهى.
قلت: زاد في النوادر عن المجموعة وكتاب ابن سحنون ما نصه قال سحنون إلا أن يشهد مثل أهل الموسم في جماعتهم أنه أقام لهم الحج ذلك اليوم أو أهل مصر أنه صلى بهم العيد ذلك اليوم فيبطل القتل؛ لأن أهل الموسم لا يجتمعون على الغلط ولا يشتبه عليهم وقد يشتبه على الشاهدين وأكثر من ذلك.
قلت: ذكره لأهل الموسم وأهل مصر يقتضي أنه لا ترد شهادة الشاهدين إلا بمثل ذلك العدد والظاهر أنه ليس مقصودا لذاته فإذا شهد جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب

(8/255)


وبيد إن لم ترجح بيّنة مقابله
__________
فالظاهر بطلان شهادة الشاهدين ولا ينضبط ذلك بعدد ويشهد لذلك ما ذكره ابن عرفة في الكلام على الترجيح بالعدد ونصه. وفي لغو الترجيح بالكثرة واعتباره قوله: ورواية ابن حبيب وفيها لابن القاسم: لو شهد لهذا شاهدان ولهذا مائة وتكافئوا في العدالة لم ترجح بالكثرة اللخمي والمازري محمله على المغاياة ولو كثروا حتى يقع العلم بصدقهم لقضي بهم انتهى. قال: ونص ما أشار إليه ابن رشد في نوازل أصبغ على اختصار ابن عرفة إن شهدت بينة بزنى رجل بمصر في المحرم يوم عاشوراء وأخرى أنه كان ذلك اليوم بالعراق حد وكذا لو شهدت بينة أنه قتل فلانا بمصر وشهدت أخرى أنه قتل فلانا بالعراق قتل بهما. ابن رشد: تفرقة أصبغ هذه على قياس مشهور قول ابن القاسم أن البينتين إذا اختلفتا بالزيادة أعملت ذات الزيادة وإن اختلفت في الأنواع سقطتا إلا أن تكون إحداهما أعدل فيقضى بها. وقال أيضا إن اختلفتا بالزيادة سقطتا إلا أن تكون إحداهما أعدل فيقضى بها كاختلاف الأنواع فلزم على قياس هذا إن شهدت الأخرى أنه زنى ذلك اليوم بالعراق أن تسقط إلا أن تكون إحداهما أعدل فيقضى بها كما لو شهدت أنه سرق ذلك اليوم بالعراق وهو الذي يوجبه القياس لتكذيب كل بينة الأخرى وتعليل أصبغ لإقامة الحد والقتل فإنه يعلم أن صدق إحدى البينتين غير صحيح؛ لأنه إذا علم أن إحداهما كاذبة واحتمل أن تكون كل واحدة منهما هي الكاذبة احتمل كذبهما معا وإذا احتمل كذبهما معا أو كذب إحداهما لم يصح الحكم بأن إحداهما صادقة إلا أن تكون هي أعدل وإلى هذا نحا ابن عبد الحكم على ما ذكرنا عنه في نوازل سحنون ويأتي على قياس الأخوين عن مالك في البينتين إذا شهدت إحداهما بخلاف ما شهدت به الأخرى واستويا في العدالة أنه يقضي بشهادتهما معا أنه يحد للزنا والسرقة إذا شهدتا به معا وهو بعيد جدا انتهى.
تنبيه: قال القرافي: ولا يقضى بأعدل البينتين إلا في الأموال. قاله في كتاب الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ونقله ابن فرحون وهو مخالف لما ذكرناه من سماع يحيى ونقله ابن عرفة فتأمله والله أعلم. ص: (وبيد) ش: قال القرافي في كتاب الدعاوى:
تنبيه: اليد عبارة عن القرب والاتصال فأعظمها ثياب الإنسان التي عليه ونعله ومنطقته ويليه البساط الذي هو جالس عليه والدابة التي هو راكبها وتليه الدابة التي هو سائقها أو قائدها والدار التي هو ساكنها فهي دون الدابة لعدم الاستيلاء على جميعها. قال بعض العلماء:

(8/256)


فيحلف وبالملك على الحوز بنقل على مستصحبة
__________
فيقدم أقوى اليدين على أضعفهما فلو تنازع الساكنان الدار سوي بينهما بعد أيمانهما والراكب مع الراكب والسائق قيل يقدم الراكب مع يمينه انتهى فتأمله. والله أعلم. ص: (وبالملك على الحوز) ش:
مسألة: إذا شهد شاهدان بملك لرجل وشهدا لمن هو بيده بالحيازة فنقل ابن سهل في مسائل الأقضية عن ابن عتاب أن شهادتهم جائزة ولا يضرها اجتماعهما فيها لأنهم شهدوا في الأمرين بعلمهم ورأوا حيازة يحتمل أن تكون بإرفاق أو توكيل أو ابتياع وليس يلزمهم الكشف عن ذلك انتهى. ص: (وبنقل على مستصحبة) ش: تصوره من كلام الشارح ظاهر قال في كتاب الشهادات من المدونة: ومن أقام بينة في دار أنه ابتاعها من فلان وأنه باعه ما ملك وأقام من هي في يده بينة أنه يملكها قضي بأعدلهما وإن تكافأتا سقطتا وبقيت الدار بيد حائزها أبو الحسن لا بد من فصلين أنه ابتاعها منه وأنه باعه ما ملك وإذا لم يذكر في العقد إلا الشراء دون هذه اللفظة لم تعارض الحوز والبينة بل لا تعارض إلا الحوز وحده قال ابن أبي زمنين: قف على هذه اللفظة فإنه أصل جيد وعليه تدور أحكامهم. وفائدته إذا كان في عقد الشراء عند ذكر التاريخ ثم استحقت الدار لم يحتج المشتري إلى إثبات الملك ثانية إذ قد يطول الزمان وتموت البينتان ولو قال المشتري للبائع: أعطني عقد الشراء فذلك له، وفائدته: إذا طرأ الاستحقاق رجع المشتري بالثمن على من وجد منهما وفائدته أيضا خوف أن يدعي البائع الأول أنه لم يبع قط وله في الاستحقاق الرجوع على غريم الغريم وكذلك الرد بالعيب. الشيخ: والعمل اليوم على أخذ النسخة وهو الحزم. وفي النوادر وإذا شهدت البينة بالشراء لا ينتفع إلا أن يشهدوا له بطول الملك والحوز والتصرف وأن لا منازع. سواء أثبت ذلك بشهود الشراء أو بغيرهم سواء ذكروا الشراء أم لا انتهى. ص: (وصحة الملك بالتصرف وعدم منازع وحوز)

(8/257)


وصحة الملك بالتصرف، وعدم منازع وحوز طال كعشرة أشهر، وأنها لم تخرج عن ملكه في علمهم وتؤولت على الكمال في الآخر لا بالاشتراء، وإن شهد بإقرار استصحب، وإن تعذر ترجيح سقطتا وبقي بيد حائزه أو لمن يقر له،
__________
ش: أي وشرط صحة الشهادة بالملك أن يكون ذلك لكونه رأى المشهود له يتصرف في الشيء المشهود به تصرف الملاك في أملاكهم من غير منازع. ص: (وأنه لم يخرج عن ملكه في علمهم وتؤولت أيضا على الكمال) ش: قال ابن الحاجب: ويشترط في بينة الملك بالأمس

(8/258)


وقسم على الدعوى إن لم يكن بيد أحدهما كالعول ولم يأخذه بأنه كان بيده وإذا ادعى أخ أسلم أن أباه أسلم فالقول للنصراني، وقدمت بيّنة المسلم إلا بأنه تنصر، أو مات إن جهل أصله، فيقسم كمجهول الدين، وقسم على الجهات بالسوية
__________
مثلا أنه لم يخرج عن ملكه في علمهم. قال في التوضيح: قوله: "بالأمس" تنبيه بالأخف على الأشد لأنه إذا اشترط هذا في أقرب الأيام الماضية مع بعد خروج الملك من يد مالكه في هذا

(8/259)


وإن كان معهما طفل فهل يحلفان، وقف الثلث فمن وافقه أخذ حصته ورد على الآخر وإن مات حلفا وقسم، أو للصغير النصف ويجبر على الإسلام قولان
__________
الزمان القريب فلا يشترط في أبعد من ذلك من باب أولى. وهذا الشرط الذي ذكره هو ظاهر ما في الشهادات في المدونة وفيها من تمام شهادتهم أن يقولوا: ما علمناه باع ولا وهب ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه، قال مالك: وليس عليه أن يأتي ببينة تشهد على البت أنه ما باع ولا وهب ولو شهدت البينة بذلك كانت زورا وبهذا الظاهر قال ابن القاسم: لأنه قال: فإن أبوا أن يقولوا ما علموه باع ولا وهب ولا تصدق فشهادتهم باطلة وظاهر ما في العارية من المدونة أنه ليس بشرط. قال: وإن شهدوا أن الدار له لم يقولوا لا نعلم أنه ما باع ولا وهب فإنه يحلف ما باع ولا وهب ولا تصدق ويقضى له. ابن عبد السلام: وقد أكثر الشيوخ هل كلامه في المدونة متناقض أم لا وهل تقبل شهادة هؤلاء الذين شهدوا بالبت مع إطلاقها عليها بالزور أو يفصل فيهم بين أن يكونوا من العلماء فلا تقبل أو يكونوا من عوام الناس فتقبل وإلى هذا ذهب الشيخ أبو محمد وأبو عمران والذي قاله أبو الحسن: إن ما في الشهادة شرط كمال. أبو الحسن إلا أن تكون الشهادة على ميت فذلك شرط صحة ومراده بقوله: "كانت زورا" أنها غير مقبولة ولا يختلف أنهم لا يلزمهم ما يلزم شهود الزور.

(8/260)


وإن قدر على شيئه فله أخذه إن يكن غير عقوبة، وأمن فتنة ورذيلة، وإن قال: أبرأني موكله للغائب أنظر،
__________
فرع: من أقام بينة على شيء فقضي له به ثم أقام المدعى عليه بينة بخلاف ما شهدت به البينة الأولى فإنه من تعارض البينتين وينظر في أعدلهما. وكذلك إن أقام شخص بينة على شيء فقضي له به ثم أتى آخر فأقام بينة الأول فإنه ينظر فيهما. قال في النوادر في الذي يدعي الشيء فيقيم بينة فيحكم له به ثم يدعيه آخر فيقيم بينة على مثل ذلك: ليس على الأول إعادة بينة ولا يرد الشيء إلى المقضي عليه أولا ولكن يقضى به لأعدل البينتين انتهى بالمعنى من كتاب الدعوى والبينات في الترجمة المذكورة وما قبلها. وفي نوازل ابن رشد في المسألة الثالثة والثلاثين من مسائل الدعوى والخصومات نحو ذلك فانظره. ونقل البرزلي عنه في مسائل الضرر نحو ذلك ونصه إذا ثبت حكم القاضي بقطع جري الماء في الطريق ببينة عادلة لا مدفع فيها بطل حق أصحاب الجنات إلا أن يقدروا على قطع ضرر الطريق أو يثبتوا أنه ليس بضرر على الطريق ببينة أعدل من الأولى أو تجريح شهود العقد الذين حكم بهم الحاكم فهم حينئذ أحق بالماء انتهى. وهي المسألة التي أشرنا إليها في نوازل ابن رشد وفي المسألة الثامنة من مسائل الوصايا من نوازل ابن رشد ما يدل على ذلك في بينة شهدت برشد شخص وحكم القاضي بترشيده ثم بعد مدة شهدت بينة أعدل منها بأنه لم يزل متصل السفه أنه يحكم بسفهه، وذكر فيها فائدة أخرى وهي أن أفعاله من يوم حكم القاضي بترشيده إلى يوم الحكم بتسفيهه جائزة ماضية والله أعلم. ص: (وإن قال: أبرأني موكلك الغائب. انتظر) ش: هكذا في أكثر النسخ ويعني به إذا قال المدعى عليه لوكيل المدعي: قد أبرأني موكلك الغائب من الحق الذي تدعي به فإن المدعى عليه ينظر حتى يحلف الموكل الغائب أنه ما أبرأه. وظاهره

(8/261)


ومن استمهل لدفع بيّنة أمهل بالاجتهاد: كحساب وشبهه بكفيل بالمال:
__________
سواء كانت غيبته قريبة أو بعيدة. وهذا القول ذكره ابن الحاجب وعزاه لابن القاسم وحكاه اللخمي في آخر كتاب الشهادات بلفظ قيل ولم يعزه لابن القاسم ولا لغيره لكنه قال بعده: أنه الأصل. وذكر ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب الشهادات هذا القول عن اللخمي وقال: إنه ذكره بقيل. وذكره ابن رشد في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الأقضية وفي رسم. حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات فيمن وكل على طلب عبد بمصر وأقام البينة أنه لموكله فإنه لا يقضى له به حتى يحلف الموكل أنه ما باع ولا وهب سواء كان الموكل قريبا أو بعيدا والمنصوص لابن القاسم في سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات في مسألة دعوى المطلوب: القضاء أنه يقضى على المطلوب بالحق ولا يؤخر إلى لقي صاحب الحق ومثله دعوى الإبراء كما سيأتي بيانه ولم يفرق بين الغيبة القريبة والبعيدة، لكن نقل في النوادر في ترجمة المقضي له بالسلعة هل يحلف؟ وقال محمد بن عبد الحكم في وكيل الغائب يطلب دينا ببينة له فقال: المطلوب بقي من حقي أن يحلف لي المحكوم له أنه ما قبضه فإنه ينظر فإن كانت غيبته قريبة انتظر حتى يقدم وكتب إليه، وإن كانت بعيدة فإنه يدفع الحق الساعة ويقال للمقضي عليه: إذا اجتمعت مع الطالب فحلفه وكتب له القاضي بذلك كتابا يكون بيده فإن مات المقضي له حلف أكابر ورثته على مثل ذلك ولا يحلف الصغار وإن كبروا بعد موته انتهى وكذلك نقل ابن رشد عن ابن عبد الحكم أنه فرق بين الغيبة القريبة والبعيدة فقال: إنه يؤخر في القريبة حتى يكتب للموكل فيحلف ولا يؤخر في البعيدة ويقضي عليه بالحق. قال ابن رشد: وقوله: "عندي" تفسير لقول ابن القاسم: زاد في كتاب الأقضية في الرسم

(8/262)


كأن أراد إقامة ثان أو بإقامة بيّنة فبحميل بالوجه وفيها أيضاً نفيه، وهل خلاف أو المراد وكيل يلازمه، أو إن لم تعرف عليه تأويلات
__________
المذكور فقال: لا خلاف أنه لا يقضى له في الغيبة القريبة إلا بعد يمين الموكل. وقال ابن كنانة: إن كانت الغيبة قريبة كاليومين انتظر الموكل حتى يحلف وإن كانت الغيبة بعيدة حلف الوكيل على أنه ما يعلم موكله قبض من الحق شيئا ويقضى له. وذكر ابن فرحون في تبصرته في الباب العاشر من القسم الثاني أن صاحب معين الحكام حكى عن ابن القاسم مثل قول ابن كنانة وذكر في التوضيح عن ابن المواز: أنه يقضى على المطلوب وترجى له اليمين على الموكل فإذا لقيه حلفه فإن نكل حلف المطلوب واسترجع ما دفع وذكر هذا القول أيضا ابن عبد السلام لكنه لم يعزه لابن المواز قال: فعلى القول الذي نقلناه عن ابن القاسم في سماع عيسى ابن رشد قيده بالغيبة البعيدة كما تقدم. وأما ما ذكره في آخره من تحليفه للموكل إذا لقيه فلا يخالف فيه ابن القاسم ولابن كنانة أيضا فتحصل من هذا أنه في الغيبة القريبة ينظر المطلوب حتى يحلف الموكل بلا خلاف على ما نقله ابن رشد وأما الغيبة البعيدة فالمنصوص فيها لابن القاسم وابن عبد الحكم وابن المواز وابن كنانة: أنه يقضى على المطلوب بالحق ولا يؤخر لكن ابن كنانة يقول: لا يقضى عليه حتى يحلف الوكيل على نفي العلم ومقابل المنصوص القول الذي حكاه اللخمي بقيل وخرجه ابن رشد من يمين الاستحقاق
تنبيهات: الأول: إذا علم ذلك فقول المصنف: "انتظر" كما هو الموجود في غالب النسخ مشكل لأنه يقتضي أنه ينظر في الغيبة البعيدة وقد علمت أنه خلاف المنصوص لابن القاسم وقد اعترض ابن عرفة على ابن الحاجب في عزوه لابن القاسم وعلى ابن عبد السلام في قبوله ذلك فإنه خلاف ما قال ابن القاسم في سماع عيسى وإن كلام ابن رشد يقتضي أنه غير

(8/263)


__________
المنصوص وإنما هو مخرج على ما في نوازل عيسى لكن قد علمت أن اللخمي حكاه بقيل فكان ينبغي للمصنف أن يقول: وإن قال: أبرأني موكلك الغائب أو قضيته، لم ينتظر في البعيدة بخلاف القريبة فيؤخر كيمين القضاء. ويوجد في بعض النسخ وعليها تكلم ابن غازي ما صورته: وإن قال: أبرأني موكلك الغائب. انظر في القريبة وفي البعيدة يحلف الوكيل ما علم بقبض موكله ويقضى له فإن حلف واستمر القبض وإلا حلف المطلوب واسترجع ما أخذ منه فقال الشيخ ابن غازي أما حلف الوكيل فهو قول ابن كنانة وقال ابن عبد السلام: إنه بعيد جدا لأنه يحلف لينتفع غيره وأما ما بعده من الكلام فإنما ساقه ابن عبد السلام قولا آخر ولم يزد في توضيحه على نسبته لابن المواز وأنت تراه هنا ركب هذه الفتوى من القولين فتأمله انتهى.
قلت: أما ما ذكره من حلف الوكيل فهو قول ابن كنانة كما ذكر وهو ضعيف. وأما ما ذكره بعد فقد تقدم أن ابن كنانة وابن القاسم وابن المواز القائلين بأنه يقضى عليه، ولا يؤخر لا يخالفون في أنه إذا لقي الموكل له أن يحلفه على ما ادعاه وكيله فإن حلف مضى وإن نكل حلف المطلوب واسترجع ما كان غرمه وهذا بين فتأمله فهذه النسخة حسنة موافقة للراجح من الأقوال إلا ما ذكره في حلف الوكيل فإنه قول ابن كنانة
الثاني: لا فرق بين أن يقول المطلوب أبرأني موكلك كما فرض المصنف المسألة وابن الحاجب وغيرهما أو يقول قضيته الحق الذي تدعي به أو بعضه كما فرض المسألة في سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات.
الثالث: إذا قضى على المطلوب بالحق ثم لقي الموكل فاعترف بما ادعاه المطلوب من الإبراء أو القضاء أو نكل عن اليمين وحلف المطلوب على ذلك فله أن يرجع بالحق الذي قضى به عليه على الوكيل أو على الموكل قاله ابن رشد في كتاب البضائع والوكالات قال: فإن رجع صاحب الحق رجع صاحب الحق على الوكيل إلا أن يدعي أنه دفع ذلك إلى الموكل ويقيم على ذلك البينة.
قلت: وإن رجع على الوكيل فلا كلام إلا أن يدعي أنه دفع ذلك لموكله فله مطالبته به والله أعلم.
الرابع: أما يمين الاستحقاق فقال ابن رشد في كتاب الأقضية في الرسم المذكور من سماع عيسى: أنه إن كانت الغيبة قريبة فلا اختلاف أنه لا يقضي للوكيل إلا بعد حلف موكله وإن كانت بعيدة فالذي في نوازل عيسى من كتاب البضائع والوكالات أنه لا يقضي للوكيل إلا بعد حلف موكله وحكى ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ أنه يقضي للوكيل إذا

(8/264)


__________
كانت الغيبة بعيدة كما في مسألة دعوى القضاء والإبراء وقال ابن كنانة: يحلف الوكيل على العلم ويقضى له كما في المسألة السابقة فتحصل أنه لا يقضى للوكيل في الغيبة القريبة إلا بعد يمين موكله في المسألتين بلا خلاف وأما في الغيبة البعيدة فقيل يقضى للوكيل في المسألتين حملا لمسألة الاستحقاق على مسألة دعوى القضاء والإبراء وهو قول أصبغ وإليه ذهب ابن أبي زيد قاله ابن رشد في كتاب الأقضية وقيل لا يقضى له في المسألتين حتى يكتب إلى موكله فيحلف حملا لمسألة دعوى القضاء والإبراء على مسألة يمين الاستحقاق وقيل: يقضى للوكيل بعد حلفه على العلم في المسألتين فهذه ثلاثة أقوال والقول الرابع: لا فرق بين يمين الاستحقاق ويمين دعوى القضاء والإبراء قال ابن رشد في كتاب الأقضية وإليه ذهب بعض المتأخرين وقال في نوازل سحنون من كتاب البضائع": وهو الأظهر الذي يعزى إلى ابن القاسم لأن اليمين في الاستحقاق من تمام الشهادة لا يتم الحكم إلا بها. ويمين صاحب الدين أنه ما اقتضى من دينه شيئا إنما تجب بدعوى الغريم أنه قد قضى فيقال له: أد الدين إلى الوكيل واستحلف صاحبك إذا لقيته على دعواك.
الخامس: هذا الذي ذكرناه في هذه المسألة يقتضي أنه ليس على القاضي أن يستحلف الموكل على قبض حقه الغائب

(8/265)


ويجيب عن القصاص العبد، وعن الأرش السيد
__________
أنه ما قبض منه شيئا ولا من أحد بسببه لإمكان أن يدعي الغائب أو الميت ذلك ولو كان الدين لميت قام به ورثته على غائب أو ميت فلا بد أن يحلف أكابرهم أنهم ما يعلمون وليهم قبض من المقضي عليه ولا من أحد بسببه ولو كان المطلوب حيا لم يحلفوا حتى يدعي ذلك على الميت أو عليهم وقاله محمد بن عبد الحكم في وكيل الغائب يطلب دينا فيثبت له فقال: المطلوب بقي من حقي أن يحلف لي المحكوم له أنه ما قبضه إلى آخر كلامه المتقدم.
فرع: إذا كان الحق على الغائب أو الميت مؤجلا وقام الطالب عند حلول الأجل فلا بد من يمين القضاء كما نص عليه ابن فرحون في تبصرته وسمعت أن بعض القضاة أسقط اليمين في ذلك محتجا بكونه لم يتوجه طلبه إلى الآن وهذا باطل لأن يمين القضاء للتهمة وهي موجودة والله أعلم. ويشهد لذلك ما ذكره البرزلي في مسائل الأقضية عن المازري ونصه. وسئل المازري عمن أوصى في مرضه الذي توفي بأثره أن في ذمته من كراء دار كذا كذا ثم وصل وكيل من رب الدار في المركب يطلب تلك الدنانير فهل يلزم الموكل يمين مع أنه ببلاد المشرق ولم يمض من المدة ما يقتضي أنه قبض فيها شيئا من وقت اعترف له الميت وطلب وصي الأيتام الحكم في ذلك ما تراه فأجاب: إذا لم تطل حياة المقر من حين إقراره بل مات في زمن لا يمكن القضاء فيه وليس بينهما من الوصلة ما يقتضي أن الموكل وهبه ذلك وهو غائب غيبة بعيدة لم يوقف الحق لأجل يمينه لأنها يمين استظهار وبعد غيبته والقرائن المذكورة تدل على عدم قضاء الحق أو إسقاطه بالهبة انتهى. فلم يسقط عنه اليمين مع القرائن الدالة على عدم القضاء بل جعل القرائن مقتضية لعدم إيقاف الحق لأجل اليمين إذا كانت الغيبة بعيدة والله أعلم. ص: (ويجيب عن القصاص العبد وعن الأرش السيد) ش: قال ابن فرحون في التبصرة في الفصل الثالث في تقسيم المدعى عليهم
مسألة: ومن أنواع المدعى عليهم العبد فإذا ادعي عليه بما يوجب القصاص فيلزمه الجواب وإن ادعي عليه بما يوجب الأرش فيطلب الجواب من السيد وإن ادعي عليه بما يوجب المال فيطلب الجواب من العبد فإن أقر وكان مأذونا فهو كالحر وإن لم يكن مأذونا وقف إقراره على سيده فيرده أو يلزمه إياه فإن أعتق قبل أن يعلم ما عند السيد لزمه الدين ولا يحكم القاضي بإلزام الدين ذمته حتى يثبت عنده ما عند السيد فيه من إلزام أو إسقاط وذلك

(8/266)


واليمين في كل حق بالله الذي لا إله إلا هو، ولو كتابياً وتؤولت على أن النصراني يقول بالله
__________
بعد أن يثبت عنده حال العبد من إذن أو حجر فإن لم يثبت عنده شيء فهو على الحجر حتى يثبت عنده خلافه.
فرع: قال مطرف إذا شهد للمأذون شاهد بحق ونكل لا يحلف السيد سيده ونكوله كإقراره جائز فإن مات حلف السيد لأنه ورثه.
فرع: قال مالك: الرسول لقبض الثمن ينكر القبض من المبتاع يحلف الرسول مع الشاهد فإن تعذر لصغر ونحوه حلفت أنك ما تعلم وصوله لرسولك وتستحق.
فرع: قال في الموازية إن بعت لابنك الصغير حلفت مع الشاهد فإن رددت اليمين على المشهود عليه حلف وبرئ وغرمته وكذلك يغرم الوصي إذا ادعى غريم الميت الدفع للوصي فرد الوصي اليمين على الغريم لجنايته برد اليمين.
فرع: قال مالك: إذا استحق من يدك ما اشتراه شريكك الغائب المفاوض وشهد شاهد أن شريكك اشتراه حلفت أنت معه.
فرع: قال ابن كنانة إن وكلته وثبتت الوكالة وجحد البائع وشهد شاهد حلفت معه وإن لم تثبت الوكالة حلف الوكيل انتهى. جميع الفروع من الذخيرة من كتاب الأيمان عند الأقضية ص: (واليمين في كل حق بالله الذي لا إله إلا هو) ش: قد يتبادر أنه لا بد أن يكون في اليمين حرف القسم فيه بالباء لأن غالب من وقفت على كلامه من أهل المذهب يقول لما يتكلم على صفة اليمين: واليمين بالله الذي لا إله إلا هو. أو يقول: وصفة اليمين أن يقول بالله الذي لا إله إلا هو ونحو ذلك إلا أن الظاهر أنه لا فرق بين الباء وغيرها من حروف القسم لكنني لم أقف على نص في التاء الفوقية وأما الواو فغالب من رأيت كلامه من أهل المذهب كاللخمي وابن فرحون وابن عرفة والجزيري والشيخ زروق في شرح الإرشاد

(8/267)


فقط وغلظت في ربع دينار بجامع
__________
وغيرهم يقولون بعد كلامه المتقدم: واختلف إذا قال: والله ولم يزد أو قال: والله الذي لا إله إلا هو. وقال الشيخ أبو الحسن: قال أشهب: وإن حلف فقال: والله الذي لا إله إلا هو لم يقبل منه وكذا إذا قال: والله. فقط فلا يجزئه حتى يقول: والله الذي لا إله إلا هو. اللخمي: والذي يقتضيه قول مالك أنها أيمان انتهى. ورأيت في الجزولي الكبير في قول الرسالة واليمين بالله الذي لا إله إلا هو انظر إذا قال: والله بالواو فهل يجزئه؟ قاله أشهب أو لا يجزئه؟ قاله ابن القاسم وانظر أيضا إذا اقتصر على قوله: "والله" أو "بالله" ولم يقل: الذي لا إله إلا هو هل يجزئه أو لا؟. قولان وانظر إذا قال: بالذي لا إله إلا هو ولم يقل: بالله فهل يجزئه أم لا؟ فعلى قول ابن القاسم: لا يجزئه وعلى قول أشهب: يجزئه انتهى. وهذا الذي ذكره غريب مخالف لجميع ما رأيته لأن المنقول عن أشهب أنه لا يجزئه كما نقله اللخمي وغيره ممن تقدم ذكرهم وغيرهم ومما يدل على أن الذي ذكره الجزولي أعني الخلاف في الواو لا يعرف ما ذكره في الجواهر فإنه صدر الكلام بالواو فقال: أما الحلف فهو: والله الذي لا إله إلا هو ولا يزاد على ذلك في شيء من الحقوق ثم نقله بالباء بعد ذلك وذكر القرافي في ذخيرته لفظ الجواهر المتقدم ثم قال بعده: وقاله في الكتاب يعني: المدونة والذي فيها إنما هو بالباء فدل أنه لا فرق بين الباء والواو وقال الفاكهاني في شرح الرسالة: والصحيح من المذهب الإجزاء بقول: والله الذي لا إله إلا هو انتهى. وفي المنتقى للباجي واتفق أصحابنا على أن الذي يجزئ من التغليظ باليمين بالله الذي لا إله إلا هو فإن قال: والله الذي لا إله إلا هو أو قال: والله فقط فقال أشهب لا يجزئه حتى يقول: والله الذي لا إله إلا هو والظاهر أن التاء كذلك والله أعلم.
تنبيه: قال ابن العربي في العارضة في حديث ضمام: فيه دليل على تغليظه اليمين بالألفاظ وذلك جائز للحاكم وكرهه علماؤنا ورواه الشافعي وما أحسنه وقال: فيه دليل على تحليف الشاهد ويمينه لا تبطل شهادته وهذا نص انتهى.
مسألة: من وجب عليه يمين فحلف بالطلاق أو باللازمة انظر الكلام على ذلك في أول الظهار من المشذالي. ص: (وغلظت في ربع دينار بجامع) ش: تصوره ظاهر
فرع: قال في المسائل الملقوطة ومن التبصرة وأما التغليظ بالتحليف على المصحف

(8/268)


كالكنيسة، وبيت النار، وبالقيام لا بالاستقبال، وبمنبره عليه الصلاة والسلام، وخرجت المخدرة
__________
فقال ابن العربي: هو بدعة لم يرد عن أحد من الصحابة وقد أجازه الشافعية انظر الأحكام في سورة المائدة انتهى.
فرع: قال القرافي في كتاب الدعاوى عن بعض القرويين إذا ادعى أحد المتفاوضين على شخص بثلاثة دراهم فليس عليه أن يحلفه في الجامع لأن كل واحد إنما يجب له درهم ونصف ولو ادعى عليهما بثلاثة دراهم حلفهما في الجامع لأن كل واحد عليه درهم ونصفه وهو كفيل بالثاني فالثلاثة على كل واحد منهما انتهى بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى.
فرع: لا يحلف العليل في بيته إلا أن تشهد بينة أن به علة لا يستطيع الخروج معها لا راجلا ولا راكبا. والمسألة مطولة في البرزلي نقلها المتيطي قبل الكلام على حريم البئر وقال في المسائل الملقوطة ومن التبصرة: كان ابن لبابة يفتي في المريضة تجب عليها اليمين في مقطع الحق أنها تحلف في بيتها على الحق انتهى.
فرع: وأما التغليظ بالزمان فانظر كلامه في التوضيح فإنه يدل على أنه يتفق على تغليظ اليمين بالزمان في اللعان والقسامة وجعل التغليظ بالزمان في مختصره في باب اللعان مستحبا فتأمله وانظر ابن فرحون في تبصرته وقال ابن عرفة الباجي: وهل تغلظ بالزمان؟ روى ابن كنانة في كتاب ابن سحنون يتحرى بأيمانهم في المال العظيم والدماء واللعان وقتا يحضر الناس فيه المساجد ويجتمعون للصلاة وما سوى ذلك من مال وحق ففي كل حين ولابن حبيب عن الأخوين لا يحلف حين الصلاة إلا في الدماء واللعان وأما في الحقوق ففي أي وقت حضر الإمام استحلفه وقاله ابن القاسم وأصبغ انتهى. ص: (وبالقيام) ش: قال في الرسالة في باب الأقضية: يحلف قائما وقال في القسامة: ويحلفون في القسامة قياما قال شارحها: فإن لم يحلفوا قياما فهل يكون ذلك نكولا أو لا؟ اختلف في ذلك انتهى. ولم يذكروا خلافا في شرح قول الرسالة في باب الأقضية: "ويحلف قائما" ص: (وخرجت المخدرة) ش: ذكر البرزلي

(8/269)


فيما ادعت أو دعي عليها إلا التي لا تخرج نهاراً، وإن مستولدة قليلاً وتحلف في أقل ببيتها، وإن ادعيت قضاء على ميت لم يحلف، إلا من يظن به العلم من ورثته، وحلف في نقص بتاً وغش علماً واعتمد البات على ظن قوي بخط أبيه أو قرينه
__________
في مسائل اليمين لما تكلم على القول بأن المخدرة لا تخرج ويؤخذ من هذا أن الطالب لليمين لا يحضر معها وبعث القاضي يكفي ونزلت وحكم فيها بأنه يقف حيث يسمع يمينها ولا يرى شخصها لأنه قابض لليمين وعلى ما ذكر هنا يكون على وجه النيابة عنه انتهى. وكأنه يشير إلى ما ذكره المشذالي في آخر باب الولاء فإنه نقل عن ابن عرفة أنه قال ذكر لنا شيخنا ابن عبد السلام أنه حكم لرجل بيمين على امرأة وطلب حضوره معها لحلفها فأبت هي وزوجها خوف اطلاعه عليها قال فحكمنا بحضوره إياها متباعدا عنها أقصى ما يسمع منها لفظ اليمين انتهى. وذكر ابن عرفة المسألة في مختصره لما تكلم على اليمين وقال بعد ما تقدم وفيها يعني المدونة في الحالفة في بيتها ويبعث القاضي إليها من يحلفها لصاحب الحق يجزئه رجل واحد.
قلت: ظاهره أنه لا يقضى له بحضور يمينها في بيتها انتهى. ص: (واعتمد البات على ظن قوي) ش:

(8/270)


ويمين المطلوب ما له عندي كذا، ولا شيء منه ونفى سبباً، إن عين وغيره فإن قضى نوى سلفاً يجب رده، إن قال وقف أو لولدي لم يمنع مدع من بيّنته، وإن قال لفلان فإن حضر ادعي
__________
فرع: قال في النوادر في ترجمة جامع الأيمان من الجزء الأول من الأقضية فيمن ادعى على آخر: ورث أباه لا وارث له غيره أنه أودع أباه عبدا بعينه فقال الابن: لا ندري أصدقت أم لا فله أن يحلف الابن على علمه ويبرأ وهذا صواب انتهى. ص: (ونفى سببا إن عين) ش: تصوره من كلام شارحه ظاهر وسئلت عن شخص بيده أمتعة فادعى عليه شخص قريب له أنها مخلفة عن مورث مورثه وأنها مشتركة بين مورثه وبين المدعى عليه فأجاب المدعى عليه بأنها ملكه وليست مخلفة عن مورثه فهل تلزمه اليمين كذلك أو يحلف أنها ملكه فقط فأجبت إذا ادعى المدعي أن الأمتعة مخلفة عن مورث مورثه يلزم المدعى عليه اليمين على نفي ذلك فيحلف أنها ملكه وليست مخلفة عن مورثه والله أعلم. ص: (وإن قامت لفلان فإن حضر ادعى عليه فإن حلف فلمدع تحليف المقر وإن نكل حلف وغرم ما

(8/271)


عليه فإن حلف فللمدعي تحليف المقر، وإن نكل حلف وغرم ما فوته، أو غاب لزمه يمين، أو بيّنة، وانتقلت الحكومة له، فإن نكل أخذه بلا يمين، وإن جاء المقر له فصدق المقر أخذه،
__________
فوته أو غاب لزمه يمين أو بينة وانتقلت الحكومة له فإن نكل أخذه بلا يمين وإن جاء المقر له فصدق المقر أخذه) ش: أي وإن قال المدعى عليه: ليس هذا الشيء المدعى فيه ملكا لي بل هو لفلان فلا يخلو إما أن يكون فلان حاضرا أو غائبا فإن حضر فلان وصدقه المقر فيما أقر له به ادعى عليه فإن رجع وسلم أنه للمدعي فواضح وإن صمم على أنه له فإما أن يقيم المدعي البينة أو يحلف المقر له فإن أقام البينة فواضح وإن حلفه فلا يخلو إما أن يحلف أو ينكل فإن نكل قال ابن عرفة عن المازري حلف المدعي وثبت حقه فإن نكل المدعي فلا شيء له عليه وهل له تحليف المقر أنه ما أقر إلا بالحق كما في الصورة الآتية أم لا؟ قال ابن عبد السلام: ليس له ذلك؛ لأنها لو وجبت لكان للمقر النكول عنها وإذا نكل عنها لم يكن للمدعي أن يحلف لأنه قد توجه عليه هذا الحلف ونكل عنه.
قلت: ونحوه قول عياض في الوكالات: إذا أطلع بائع السلعة من وكل على شرائها على زائف في الثمن فأحلف الآمر فنكل فوجبت اليمين للبائع. قال: وليس له أن يحلف المأمور. عياض: لأن نكوله عن يمين الآمر نكول عن يمين المأمور انتهى. ولم يتكلم المؤلف على هذا القسم وهو نكول المقر له وإنما تكلم على قسيميه فقال: فإن حلف صح له ما ادعى ثم يكون الخصام بين المدعي والمقر كما قال المؤلف: فللمدعي تحليف المقر أنه ما أقر إلا بالحق. ابن عرفة عن المازري: وأنه ما أقر إلا لإتلاف حق المدعي إذ لو اعترف أنه أقر بالباطل وأن المقر به إنما هو

(8/272)


وإن استحلف وله بيّنة حاضرة أو كالجمعة يعلمها لم تسمع، وإن نكل في مال وحقه مستحق
__________
لمدعيه لزمه الغرم فإن حلف أنه لم يقر إلا بالصدق ولا حق فيه للمدعي سقط مقال المدعي انتهى. وإن نكل المقر عن اليمين حلف المدعي وغرم له المقر ما فوته أي ما أتلف عليه بإقراره إن كان مقوما فقيمته وإن كان مثليا فمثله قاله ابن الحاجب قال في التوضيح: قال المازري بعد أن ذكر ما ذكره المؤلف يعني ابن الحاجب: أن للمدعي بعد تحليف المقر له أن يحلف المقر أيضا قال: وعلى قول من ذهب من الناس إلى أن متلف الشيء بإقراره لغير مستحقه لا يطلب بالغرامة، لا يمين هنا على المقر لأنه لم يباشر الإتلاف وإنما قال قولا حكم الشرع فيه بإخراج ما أقر به من يده وكان سببا في إتلافه فلهذا لا يمكن من تحليفه وأشار المازري أيضا إلى أن من الناس من رأى أنه لا غرامة على المقر إذا نكل عن اليمين بعد القول بتوجهها عليه ابن عبد السلام وفيه نظر انتهى كلام التوضيح. وعلى ما ذكر ابن الحاجب والمؤلف لو نكل المدعي عن اليمين بعد نكول المقر عن الحلف فلا شيء له كما تقدم في كلام ابن عبد السلام الذي نقله عنه ابن عرفة فراجعه وهذا الكلام فيما إذا كان المقر له حاضرا وأما إذا كان غائبا فهو المشار إليه بقوله أو غاب وكان الأحسن أن يقول وإن غاب أي المقر له قال في التوضيح فإن غاب غيبة بعيدة فلا خلاف أنه لا يسلم لمدعيه بمجرد دعواه ولا خلاف أيضا أنه لا يقبل قول المدعى عليه مجردا عن يمين أو بينة انتهى. فلذلك قال المؤلف: "لزمه" أي المقر يمين أنه لفلان الغائب أو بينة على ذلك فإن أقام البينة فلا كلام في أن الخصومة تنتقل بين المدعي والغائب كما قال المؤلف وانتقلت الحكومة له أي للغائب وإن لم يقم البينة وأراد المدعي تحليف المقر فقال أشهب: أن اليمين تلزمه كما قال المؤلف وللمازري كلام خلاف هذا نقله في التوضيح فإن نكل المقر عن اليمين أخذه المدعي بلا يمين وإن جاء المقر له فصدق المقر أخذه وهو نحو قول ابن الحاجب فإن جاء المقر له فصدق المقر أخذه فإن كان مرادهم إذا أقام المقر بينة أو حلف فواضح وإن كان مرادهم إذا نكل المقر عن اليمين وأخذه المدعي بلا يمين فالظاهر أنه لا يأخذه المقر له إلا بعد يمينه فتأمله والله أعلم. ص: (وإن نكل في مال وحقه

(8/273)


به إن حقق وليبيّن الحاكم حكمه، ولا يمكن منها إن نكل بخلاف مدع التزمها، ثم رجع
__________
استحق به بيمين إن حقق) ش: أي استحق المدعي فيه به أي بالنكول المفهوم من السياق وقوله بيمين أي مع يمين إن حقق الدعوى وإن كانت يمين تهمة فإن الحق يثبت فيها بمجرد النكول على المشهور صرح به ابن رشد انتهى من التوضيح قال ابن عرفة ابن زرقون اختلف في توجيه يمين التهمة فمذهب المدونة في تضمين الصناع والسرقة أنها تتوجه وقاله غير ابن القاسم في غير المدونة وقال أشهب: لا تتوجه وعلى الأول فالمشهور لا تنقلب وفي سماع عيسى من كتاب الشركة أنها تنقلب.
قلت: هو كلام ابن رشد الباجي إن ادعى المودع تلف الوديعة وادعى المودع تعديه عليها صدق المودع إلا أن يتهم فيحلف قاله أصحاب مالك. قال ابن عبد الحكم: فإن نكل ضمن ولا ترد اليمين هنا. ابن زرقون: وفي توجيه يمين الاستحقاق على المستحق أنه ما باع ولا وهب ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه على البت كان المستحق ربعا أو غيره ثالثها إن كان المستحق غير ربع للمشهور. وابن كنانة وبعض شيوخ ابن أبي زمنين انتهى. ص: (ولا يمكن منها إن نكل) ش: وسواء كان نكوله عند حاكم أو غيره إذا شهد عليه بذلك قال في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب المديان وسئل عن الذي يدعي قبل الرجل حقا فيقول: احلف لي على أن ما ادعيت عليك ليس بحق وتبرأ. فيقول المدعى عليه: بل احلف أنت وخذ. فإذا هم المدعى أن يحلف للمدعى عليه قال: لا أرضى بيمينك ولا أظنك تجترئ على اليمين. وما أشبه ذلك عند السلطان وغيره سواء قال ابن القاسم ليس للمدعى عليه أن يرجع ولكن يحلف المدعي ويستحق حقه على

(8/274)


وإن ردت على مدع وسكت زمناً فله الحلف، وإن حاز أجنبي غير شريك وتصرف ثم ادعى حاضر ساكت بلا مانع عشر سنين لم تسمع، ولا بينته، إلا بإسكان ونحوه،
__________
ما أحب الآخر أو كره لأنه قد رد اليمين عليه فليس له الرجوع فيها وسواء كان ذلك عند السلطان أو غيره إذا شهد عليه بذلك وأقره قال ابن رشد: هذه المسألة متكررة في هذا السماع من كتاب الدعوى ومثله في الديات من المدونة ولا اختلاف أعلمه في أنه ليس له أن يرجع إلى اليمين بعد أن يردها على المدعي. واختلف هل له أن يرجع إليها بعد أن نكل عنها ما لم يردها على المدعي فقيل ليس له ذلك وهو ظاهر ما في الديات عن المدونة ورواية عيسى عن ابن نافع في المدونة وقيل: له ذلك وهو ظاهر قول ابن نافع في المدونة ا هـ. وانظر رسم الغيلة من سماع ابن القاسم في الديات ولا يعارض هذا ما وقع في كتاب ابن سحنون وقد فرق ابن عرفة بينهما في باب الإقرار ص: (وإن حاز أجنبي غير شريك وتصرف ثم ادعى حاضر ساكت بلا مانع عشر سنين لم تسمع ولا بينته إلا بإسكان ونحوه) ش: ختم رحمه الله كتاب الشهادات بالكلام على الحيازة لأنها كالشاهد على الملك قال ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق: الحيازة لا تنقل الملك عن المحوز عنه إلى الحائز باتفاق ولكنها تدل على الملك كإرخاء الستور ومعرفة العفاص: والوكاء وما أشبه

(8/275)


__________
ذلك فيكون القول معها قول الحائز مع يمينه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حاز شيئا عشر سنين فهو له" لأن المعنى عند أهل العلم في قوله: صلى الله عليه وسلم "هو له" أي أن الحكم يوجبه له بدعواه فإذا حاز الرجل مال غيره في وجهه مدة تكون فيها الحيازة عاملة وهي عشرة أعوام دون هدم ولا بنيان أو مع الهدم والبنيان على ما نذكره من الخلاف في ذلك بعد هذا وادعاه ملكا لنفسه بابتياع أو صدقة أو هبة وجب أن يكون القول قوله في ذلك مع يمينه انتهى. وسواء ادعى صيرورة ذلك من غير المدعي أو ادعى أنه صار إليه من المدعي أما في البيع فلا أعلم فيه خلافا وأما إن أقر أنه ملك المدعي وصار إليه بصدقة أو هبة ففيه خلاف ذكره في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق. وقول ابن رشد: فيكون القول قول الحائز مع يمينه هو أحد القولين قال في الشامل: وفي يمين الحائز حينئذ قولان والقول بنفي اليمين عزاه في التوضيح لظاهر نقل ابن يونس وغيره والقول باليمين عزاه لصريح كلام ابن رشد فهو أقوى وهو الظاهر والله أعلم. ثم قال ابن رشد: والحيازة تنقسم إلى ستة أقسام أضعفها حيازة الأب عن ابنه ويليها حيازة الأقارب الشركاء بالميراث أو بغيره ويليها حيازة القرابة فيما لا شرك بينهم فيه والموالي والأختان الشركاء بمنزلتهم ويليها حيازة الموالي والأختان فيما لا شرك بينهم فيه ويليها حيازة الأجنبيين الشركاء وتليها حيازة الأجانب فيما لا شرك بينهم فيه وهي أقواها. والحيازة تكون بثلاثة أشياء أضعفها والسكنى والازدراع ويليها الهدم والبنيان والغرس والاستغلال ويليها التفويت بالبيع والهبة والصدقة والنحلة والعتق والكتابة والتدبير والوطء وما أشبه ذلك مما لا يفعله الرجل إلا في ماله والاستخدام في الرقيق والركوب في الدابة كالسكنى فيما يسكن والازدراع فيما يزرع والاستغلال في ذلك كالهدم والبنيان في الدور والغرس في الأرضين انتهى. فبدأ المصنف بالكلام على القسم السادس وهي حيازة الأجنبي غير الشريك فقال: وإن حاز أجنبي غير شريك. واحترز بقوله: "أجنبي" من القريب فإنه سيأتي

(8/276)


كشريك أجنبي حاز فيها إن هدم وبنى
__________
حكمه، وبقوله: "غير شريك" من الأجنبي الشريك فإنه سيأتي أيضا حكمه ومفعول قوله: "حاز" محذوف أي حاز عقارا من دار أو أرض وأما غير العقار فلا يفتقر في الحيازة إلى عشرة أعوام كما سيأتي بيانه. وقوله: "وتصرف" بمعنى أنه يشترط في الحيازة أن يكون الحائز يتصرف في العقار المحوز وأطلق التصرف لينبه على أن حيازة الأجنبي غير الشريك يكفي فيها مطلق التصرف ولو كان ذلك السكنى والازدراع الذي هو أضعف أنواع الحيازة وهذا هو المشهور. وقال في الرسم المذكور: المشهور في المذهب أن الحيازة بينهم يعني بين الأجانب غير الشركاء تكون في العشرة الأعوام وإن لم يكن هدم ولا بنيان وعن ابن القاسم أنها لا تكون حيازة إلا مع الهدم والبنيان ولا خلاف أنها تكون حيازة مع الهدم والبنيان انتهى. وقوله: "ثم ادعى حاضر" يعني أنه يشترط في كون الحيازة مانعة من سماع دعوى المدعي أن يكون المدعي حاضرا أو احترز بذلك مما لو كان المدعي غائبا فإن له القيام وإن طالت المدة إذا كانت غيبته بعيدة كالسبعة الأيام قال في التوضيح: وإن كانت الغيبة قريبة كأربعة أيام وثبت عذره عن القدوم والتوكيل من عجز ونحوه فلا حجة عليه وإن أشكل أمره فظاهر المذهب أنه على قولين قال ابن القاسم: لا يسقط حقه؛ لأنه قد يضعف عن القدوم قيل له فإن لم يتبين عجزه عن ذلك قال قد يكون معذورا من لا يتبين عذره. وذكر ابن حبيب أنه يسقط حقه إلا أن يتبين عذره انتهى. وانظر رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق وقوله: "ساكت" يعني أنه يشترط أيضا في الحيازة أن يكون المدعي ساكتا في مدة الحيازة واحترز بذلك مما لو تكلم قبل مضي مدة الحيازة فإن حقه لا يبطل. وقوله: "بلا مانع" يعني أن سكوت المدعي في المدة المذكورة إنما يبطل حقه إذا لم يكن له مانع يمنعه من الكلام فلو كان هناك مانع يمنعه من الكلام فإن حقه لا يبطل وفسر ابن الحاجب المانع بالخوف والقرابة والصهر وقد احترز المصنف من القرابة والصهر بقوله: "أولا أجنبي" فيكون المراد بالمانع في كلامه الخوف أي خوف المدعي من الذي في يده العقار لكونه ذا سلطان أو مستندا لذي سلطان فإن كان سكوته لذلك لم يبطل حقه قال الجزولي: وكذلك إذا كان للحائز على المدعي دين ويخاف إن نازعه أن يطلبه ولا يجد من أين يعطيه انتهى. فتأمله ويدخل في المانع ما إذا كان المدعي صغيرا أو سفيها فإن سكوته لا يقطع دعواه قال ابن فرحون في تبصرته في الباب السادس والستين قال: قال ابن العطار: ولا يقطع قيام البكر غير المعنسة ولا قيام الصغير

(8/277)


__________
ولا قيام المولى عليه الاعتمار المذكور بحضرته إلا أن يبلغ الصغير ويملك نفسه المولى عليه وتعنس الجارية وتحاز عنهم عشرة أعوام من بعد ذلك وهم عالمون بحقوقهم لا يتعرضون من غير عذر انتهى. ويدخل في المانع أيضا ما إذا لم يعلم المدعي بالحيازة أو لم يعلم بأن العقار المحوز ملكه قال في الرسالة ومن حاز دارا على حاضر عشر سنين تنسب إليه وصاحبها حاضر عالم قال الشيخ أبو الحسن الصغير في أواخر كتاب الشهادات لما تكلم على الحيازة وفي الرسالة: وصاحبها حاضر عالم. الشيخ: أي عالم بالمعلومين بتصرف الحائز وبأنها ملكه قال في الوثائق المجموعة: حاضر عالم بأنها ملكه وإذا كان وارثا ويدعي أنه لم يعلم فيحلف ويقضى له انتهى. ونقله ابن فرحون في تبصرته عن الطخيخي عن أبي الحسن الصغير بلفظ لا بد هنا من العلم بشيئين وهما العلم بأنه ملكه والعلم بأنه يتصرف فيه ولا يفيد العلم بأحدهما دون الآخر لأنه إذا علم بالتصرف قد يقال ما علمت أنه ملكي كما يقول الرجل الآن وجدت الوثيقة عند فلان فيقبل قوله ويحلف والعلم بهذين الوصفين قاله في الوثائق المجموعة وابن أبي زيد انتهى.
فرع: قال ابن ناجي في شرح الرسالة: قال ابن العربي: وانظر إذا قال: علمت الملك ولم أجد ما أقوم به ووجدته الآن هل يعذر أم لا؟
قلت: اختار شيخنا أبو مهدي أنه يقبل وذلك عذر سواء كانت البينة التي وجد بينة استرعاء أم لا والصواب عندي أنه: لا يقبل منه لأنه كالمقر والمعترف بأنه لا حق له فيه مدع رفعه انتهى. زاد في شرح المدونة ثم وقعت بالقيروان بعد عشرة أعوام فكتب فيها لشيخنا أبي مهدي فأفتى بما صوبت انتهى. قال الشيخ يوسف بن عمر في شرح قول الرسالة: لا يدعي شيئا هذا إذا لم يمنعه مانع من القيام وأما إن خاف سطوة الحائز وأثبت ذلك فهو على قيامه وإن ادعى مغيب البينة وقال: ما سكت إلا لانتظار بينتي فلا يقبل قوله والدعوة التي تنفعه إذا كان يخاصمه عند القاضي وأما غير ذلك فلا ينفعه ا هـ. ونحوه للجزولي ونصه. وأما إذا قال: علمت أنها ملكي ولكن منعني من القيام عدم البينة والآن وجدت البينة فإنه لا ينفعه ذلك ويقضى بها للحائز بعد يمينه إذ لا بد من يمين القضاء. ثم قال بعد ذلك: وأما إن قال: علمت بأنها ملكي ولم أعلم بالحيازة فإنه لا يقبل قوله لأن العرف يكذبه وكذلك إن قال: منعني من القيام عدم البينة والآن وجدتهما فإنه لا ينفعه ولا قيام له انتهى. وفي أول مسألة من سماع أشهب من كتاب الاستحقاق ما يدل على أنه إذا ادعى عدم العلم بالحيازة ينفعه ذلك ويحلف وأنه محمول على عدم العلم وقال ابن ناجي في شرح قول الرسالة: وصاحبها حاضر عالم ظاهر كلام الشيخ أن الحاضر محمول على عدم العلم بالملكية حتى يثبت وعزاه بعض من لقيناه لابن سهل وهو ظاهر التهذيب وقيل: إنه محمول على العلم حتى يتبين خلافه. وهو قول ابن رشد وقيل: بالأول إن كان وارثا وبالثاني إن لم يكن قاله في الوثائق المجموعة وبه القضاء عندنا هكذا كان يتقدم لنا أنها ثلاثة أقوال والحق أن الذي في الوثائق المجموعة

(8/278)


__________
إنما هو التنبيه على فرع متفق عليه وهو إذا ادعى الوارث الجهل بملكية مورثه فإنه يقبل قوله مع يمينه. ثم قال بعده قال ابن العربي: وانظر إذا قال: علمت المالك إلى آخر الفرع المتقدم ويشير بالفرع المتفق عليه إلى ما نقله أبو الحسن وابن فرحون عن الوثائق المجموعة في كلامها المتقدم. وقوله: "عشر سنين" يعني أن مدة الحيازة الذي تبطل دعوى المدعي عشر سنين وهذا التحديد ذكره في المدونة عن ربيعة ونصه ولم يحد مالك في الحيازة في الربع عشر سنين ولا غير ذلك وقال ربيعة: حوز عشر سنين بقطع دعوى الحاضر إلا أن يقيم بينة أنه إنما أكرى أو أسكن أو أخدم أو أعار ونحوه ولا حيازة على غائب وذكر ابن المسيب وزيد بن أسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حاز شيئا عشر سنين فهو له" انتهى. قال في التوضيح: وبهذا أخذ ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ ودليله ما رواه أبو داود في مراسيله عن زيد بن أسلم وذكر الحديث ثم قال: ولابن القاسم في الموازية أن السبع والثمان وما قارب العشرة مثل العشرة انتهى. فتحصل في مدة الحيازة ثلاثة أقوال: الأول: قول مالك في المدونة: أنها لا تحدد بسنين مقدرة بل باجتهاد الإمام وهكذا نقل ابن يونس فقال: ولم يحد مالك في الرباع عشر سنين ولا غير ذلك ولكن على قدر ما يرى أن هذا قد حازها دون الآخر فيما يهدم ويبنى ويسكن ويكرى. ا هـ. وهكذا نقله ابن شاس وابن عرفة وسيأتي لفظه.
والقول الثاني: أن مدة الحيازة عشر سنين وهو القول الذي مشى عليه المصنف في كتاب الشهادات وعليه اقتصر في الرسالة قال في النواد: وبه أخذ ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ وهكذا عزاه ابن يونس وابن شاس وتقدم نحوه عن التوضيح ونقله ابن عرفة عن النوادر وقال ابن يونس: قال ابن سحنون: لما أمر الله نبيه بالقتال بعد عشر سنين كانت أبلغ شيء في الأعذار واعتمد أهل المذهب على الحديث المتقدم وعلى أن كل دعوى يكذبها العرف فإنها غير مقبولة ولا شك أن بقاء ملك الإنسان بيد الغير يتصرف فيه عشر سنين دليل على انتقاله عنه والله أعلم.
والقول الثالث: أن مدة الحيازة سبع سنين فأكثر وهو قول ابن القاسم الثاني وقد ذكر ابن عرفة هذه الثلاثة الأقوال فقال: وفي تحديد مدة الحيازة بعشر أو سبع ثالثها لا تحديد بعدة بل باجتهاد الإمام وقال في المسائل الملقوطة:
مسألة: في قناة تجري منذ سنة في أرض رجل والذي تجري عليه ساكت لا تكون السنة حيازة للتغافل عن مثلها وسكوت أربع سنين طول وحوز من كتاب الشهادات لابن يونس انتهى فتأمله مع ما تقدم وهل يكون قولا رابعا أو لا؟ والله أعلم. وقوله: "لم تسمع ولا بينة" هو جواب الشرط يعني أن الحيازة إذا وقعت على الوجه المذكور فهي مانعة من سماع دعوى المدعي والظاهر أن المراد بعدم سماعها عدم العمل بها وبمقتضاها من أنه لا يتوجه على المدعى عليه يمين إذا أنكر أنه لا تسمع ابتداء ولا يسأل المدعى عليه عن جوابها فإن ذلك غير ظاهر لاحتمال أن يقر المدعي ويعتقد أن مجرد حوزه يوجب له الملك وقد تقدم أن الحوز وحده لا

(8/279)


__________
ينقل الملك وإنما هو دليل على انتقال الملك وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم" قال ابن رشد في آخر الكلام على المسألة الرابعة من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق: وأن الحائز لا ينتفع بحيازته إلا إذا جهل أصل مدخله فيها وهذا أصل في الحكم بالحيازة انتهى. وسيأتي كلامه برمته في التنبيه الخامس في قول المصنف: وإنما تفترق الدار من غيرها، وقوله: "ولا بينته". يعني أن الحيازة المذكورة مانعة من سماع دعوى المدعي ومن سماع بينته أيضا فإن قيل: قوله: "لم تسمع دعواه" يغني عن قوله: "ولا بينته"؛ لأنه إذا لم تسمع الدعوى لم تسمع البينة فالجواب والله أعلم إنما قال: "ولا بينته" خشية أن يتوهم أن الدعوى المجردة عن البينة هي التي لا تسمع وأما إذا قامت بها البينة فتسمع كما تقول في دعوى العبد على سيده العتق، والمرأة على زوجها الطلاق. فإن دعواهما لا تسمع إذا كانت مجردة عن البينة أعني أنه لا يتوجه على السيد ولا على الزوج بسببهما يمين فإن أقاما البينة على دعواهما سمعت وأيضا فإنما قال: "ولا بينة" ليفرع عليه قوله: "إلا بإسكان ونحوه" والمعنى: أنه لا تسمع بينة المدعي إلا أن تشهد البينة للمدعي بأنه أسكن الحائز أو أعمره أو ساقاه أو زارعه أو شبه ذلك فإنه إذا أقام البينة على ذلك حلف المدعي على رد دعوى الحائز وقضي له هذا إن ادعى الحائز أن المالك باعه أو نحو ذلك وأما إن لم يدع نقل الملك وإنما تمسك بمجرد الحيازة فلا يحتاج إلى يمين قاله في التوضيح وغيره.
تنبيهات: الأول: الهدم والبناء مقيدان بما إذا لم يهدم ما يخشى سقوطه فإن ذلك لا ينقل الملك وكذا الإصلاح اليسير قاله في التوضيح.
الثاني: الحيازة على النساء عاملة إن كن في البلد. ذكره ابن بطال في المقنع.
الثالث: تقدم أنه لا حيازة على الغائب قال ابن بطال: إلا أنه يستحب له إذا علم أن يشهد أنه على حقه وقاله الرجراجي.
الرابع: قال ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق: وأما المدة فينبغي أن يستوي فيها الوارث والموروث لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حاز شيئا عشر سنين فهو له" وتضاف مدة حيازة الوارث إلى مدة حيازة الموروث مثل أن يكون الوارث قد حاز خمسة أعوام ما كان مورثه قد حازه خمسة أعوام فيكون ذلك حيازة عن الحاضر انتهى.
الخامس: اختلف هل يطالب الحائز ببيان سبب ملكه قال في التوضيح: قال ابن أبي زمنين: لا يطالب، وقال غيره: يطالب، وقيل: إن لم يثبت أصل الملك المدعى فلا يسأل الحائز عن بيان أصل ملكه وإن ثبت الأصل للمدعي ببينة أو بإقرار الحائز سئل عن سبب ذلك، وقال ابن عتاب وابن القطان: لا يطالب إلا أن يكون معروفا بالغصب والاستطالة والقدرة على ذلك انتهى باختصار، وظاهر كلام ابن رشد في رسم سلف أن الحائز يطالب ببيان سبب ملكه لأنه

(8/280)


__________
حينئذ قال إذا حاز الرجل مال غيره في وجهه مدة تكون فيها الحيازة عاملة وادعاه ملكا لنفسه بابتياع أو صدقة أو هبة وجب أن يكون القول قوله في ذلك مع يمينه واختلف إذا كان هذا الحائز وارثا فقيل: أنه بمنزلة الذي ورث ذلك عنه في أنه لا ينتفع بها دون أن يدعي الوجه الذي يصير به ذلك إلى مورثه وهو قول مطرف وأصبغ وقيل ليس عليه أن يسأل عن شيء لأنه يقول: ورثنا ذلك ولا أدري بماذا صار ذلك إليه وهو ظاهر قول ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع عيسى من هذا الكتاب وقول ابن الماجشون. وقوله: "عندي" بين فإنه ليس عليه أن يسأل عن شيء انتهى. وأفتى في نوازله بأن الحائز لا يطالب بشيء حتى يثبت القائم عليه الملك وسيأتي كلامه في التنبيه السادس وجزم في شرح آخر مسألة من نوازل عيسى من كتاب السداد والأنهار بأنه إذا ثبت أصل الملك لغيره فلا بد من بيان سبب ملكه قال: بأن يقول: اشتريته منه أو وهب لي أو تصدق به علي أو يقول: ورثته عن أبي أو عن فلان ولا أدري بأي وجه يصير إلي الذي ورثته منه قال: وأما مجرد دعوى الملك دون أن يدعي شيئا من هذا فلا ينتفع به مع الحيازة إذا ثبت أصل الملك لغيره انتهى.
فرع : قال ابن سهل في مسائل الأقضية: من ادعي عليه بأملاك فقال: عندي وثائق غائبة ثم طولب عند حاكم آخر فأنكر تلك المقالة فقال ابن العطار: ليس عليه إحضار الوثائق انتهى. انظر تمامها فيه.
الثالث: لا تسقط الحيازة ولو طالت الدعوى في الحبس بذلك أفتى ابن رشد في نوازله في جواب المسألة الخامسة من مسائل الوقف وهي مسألة تتضمن السؤال عن جماعة واضعين أيديهم على أملاكهم وموروثهم وموروث موروثهم نحوا من سبعين عاما يتصرفون فيه بالبناء والغرس والتعويض والقسمة وكثيرا من وجوه التفويت فادعى عليهم بوقفيتها شخص حاضر عالم بالتفويت المذكور والتصرف هو ومورثه من قبله ونصه: ولا يجب القضاء بالحبس إلا بعد أن يثبت التحبيس وملك المحبس لما حبسه يوم التحبيس وبعد أن تتعين الأملاك المحبسة بالحيازة لها على ما تصح فيه الحيازة فإذا ثبت ذلك كله على وجهه وأعذر إلى المقوم عليهم فلم يكن لهم حجة إلا من ترك القائم وأبيه قبله عليهم وطول سكوتهما عن طلب حقهما مع علمهما بتفويت الأملاك فالقضاء بالحبس واجب والحكم به لازم انتهى. وأفتى بذلك أيضا في المسألة السادسة من مسائل الدعوى والخصومات في مسألة ابن زهر وهي مسألة تتضمن أن رجلا في ملكه ضيعة ورثها عن سلفه منذ سبعين عاما هو وأبوه وهم يتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه فقام عليه رجل وادعى أن الضيعة رهن بيده وبذلك ملكها سلفه قبله منهم واستدعى عقد السماع بالرهن فأثبت الذي بيده الضيعة أن جده ابتاعها من جد القائم عليه فيها فأفتى أن شهادة الشراء عمل ثم قام ذلك الرجل المشتري المدعي الرهينة بعينه وادعى أنها حبس عليه وأثبت عقد التحبيس بالشهادة على خطوط شهدائه فهل ترى قيامه أولا بالرهن يبطل قيامه

(8/281)


وفي الشريك القريب معهما قولان
__________
بالحبس أم لا؟ فأجاب: كان من وجه الحكم أن لا يكلف الذي بيده الضيعة من أين صارت إليه حتى يثبت القائم ملك الراهن لها ورهنه إياها وموته وأنه وارثه أو وارث وارثه وكذلك الحكم في قيامه بالحبس سواء في مذهب مالك وجميع أصحابه غير أن قول المقوم عليه أن جده ابتاعها من جد القائم عليه إقرار منه له بملكها فإن كان هو المحبس وأثبت حفيده عقد التحبيس وأنه من عقبه لا عقب له غيره بالسماع إن عجز عن البينة القاطعة وأعذر إلى المقوم عليه فيما ثبت من ذلك فلم يكن عنده فيه مدفع فالواجب أن يسأل المقوم عليه فإن أقر أنها هي التي وقع ذكرها في كتاب التحبيس لم يجب على القائم فيها حيازة لاتفاقهما عليه وانظر إلى تاريخ كتاب صاحب التحبيس وتاريخ السماع بشراء جد المقوم عليه من جد القائم فإن وجد تاريخ الحبس أقدم قضى به وبطل الشراء ووجب الرجوع بالثمن وإن وجد تاريخ السماع بالشراء أقدم أو لم يعلم أيهما أقدم قبل صاحبه قضى بالشراء وبطل التحبيس وهكذا الرواية في ذلك ثم قال في جواب ثان على المسألة بعينها إثر الجواب الأول: وسائر ما تضمنه عقد التحبيس الثابت لا يوجب أن يسأل من بيده شيء من ذلك من أين صار له ولا يعتقل عليه ولا يكلف إثباتا ولا عقلا إلا من بعد أن يثبت القائم بالتحبيس ملك المحبس لما حبسه ويحوز ما أثبت تحبيسه حيازة صحيحة على الوجه الذي ذكرناه وهذا أصل لا اختلاف فيه أعني أن من بيده ملك لا يدعيه يكلف إثبات من أين صار له حتى يثبت المدعي ما ادعاه ويحوزه ولا يلزم المقوم عليه إذا قضى ببقاء الملك بيده وحكم بقطع الاعتراض عنه بشيء من ثمن ما ادعى شراءه إذا مضى من طول المدة ما صدق فيه المبتاع على أداء ثمن ما ابتاعه في قول مالك وجميع أصحابه ولو لم يمض لم يحكم للمدعي أيضا بالثمن حتى يرجع عما ادعاه من التحبيس إلى تصديق دعوى المشتري على اختلاف أصحابنا المتقدمين أي واستفيد من هذه المسألة فوائد منها أنه مشى على أنه لا يسأل واضع اليد عن شيء حتى يثبت القائم الملك. ومنها حكم شهادة السماع في الرهن ومنها القضاء بالتاريخ السابق ومنها إذا جهل السابق من تاريخ الشراء أو الحبس قضي بتاريخ الشراء وبطل الحبس وأفتى غيره أنه إذا جهل التاريخ قدم الحبس والله أعلم. ص: (وفي الشريك القريب معهما قولان) ش: يعني أنه اختلف في الشريك القريب إذا حاز العقار بالبناء والهدم هل تكون مدة الحيازة في حقه عشر سنين

(8/282)


__________
كالأجنبي أو لا يكفي في ذلك عشر سنين ولم يبين المصنف قدر مدة الحيازة على القول الثاني والقولان لابن القاسم ذكرهما في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق فكان أولا يقول أن العشر سنين حيازة ثم رجع إلى أن ذلك لا يكون حيازة إلا أن يطول الأمر أزيد من أربعين سنة.
تنبيهات: الأول: ظاهر كلام المصنف وغيره أن القولين متساويان وقد علمت أن القول الذي رجع إليه ابن القاسم أن ذلك لا يكون حيازة ولا شك أن العمل على القول المرجوع إليه فتأمله.
الثاني: علم من قول المصنف معهما أنه لا تحصل الحيازة بين القرابة الشركاء إذا لم يكن هدم ولا بنيان وهو كذلك كما سيأتي في كلام ابن رشد في شرح قول المصنف وإنما تفترق الدار من غيرها ويأتي أيضا هناك بيان حكم الحيازة بين القرابة الشركاء في غير العقار والله أعلم.
الثالث: لم يذكر المصنف حكم القريب الذي ليس بشريك وذكر ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم أن قول ابن القاسم اختلف في ذلك فجعله مرة كالقريب الشريك قال فيكون قد رجع عن قوله: أن الحيازة لا تكون بينهم في العشرة الأعوام مع الهدم والبنيان إلى أنه لا حيازة بينهم في ذلك إلا مع الطول الكثير وهو نص قوله في سماع يحيى المذكور ومرة رآهم بخلاف ذلك فلم يرجع عن قوله: أن الحيازة تكون بينهم في العشرة الأعوام مع الهدم والبنيان وهو دليل قوله في السماع المذكور انتهى. قلت: فعلم من كلام ابن رشد هذا أن القول بأن حكم القريب الذي ليس بشريك كحكم القريب الشريك هو الراجح لقوله أنه نص قول ابن القاسم وأن الثاني إنما هو مفهوم

(8/283)


__________
من كلام ابن القاسم فتأمله وتحصل من هذا أن الحيازة بين القرابة سواء كانوا شركاء أو غير شركاء لا تكون بالسكنى والازدراع وإنما تكون بالهدم والبناء في الأمد الطويل الذي يزيد على أربعين سنة على الأرجح من القولين والله أعلم.
الرابع: محصل كلام ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق وأن الحيازة لا تكون بين أب وابنه بالسكنى والازدراع والاستخدام والركوب اتفاقا وكذلك الأقارب الشركاء بميراث وغيره على الأظهر وكذا الشركاء الأجانب الذين الشركة بينهم فتكفي الحيازة عشرة أعوام وإن لم يكن هدم ولا بنيان على المشهور. وإن حصل هدم وبناء وغرس فتكفي العشرة الأعوام في الشريك الأجنبي وفي الشريك القريب مع ذلك قولان وفي كون ذلك القريب غير الشريك والمولى والصهر الشريكان ثالثها في الصهر والمولى دون

(8/284)


لا بين أب وابنه، إلا بكهبة إلا أن يطول معهما ما تهلك البيّنات، وينقطع العلم، وإنما تفترق الدار من غيرها بالأجنبي ففي الدابة وأمة الخدمة السنتان ويزاد في عبد وعرض
__________
القريب وفي كون السكنى والازدراع في العشرة حيازة لمولى وصهر غير شريكين أو إن هدم وبنى أو إن طال جدا أقوال والله أعلم. ص: (لا بين أب وابنه إلا بكهبة) ش: قال ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق: وتحصل الحيازة في كل شيء بالبيع والهبة والصدقة والعتق والتدبير والكتابة والولاء ولو بين أب وابنه، ولو قصرت المدة إلا أنه إن حضر مجلس البيع فسكت حتى انقضى المجلس لزمه البيع في حصته وكان له الثمن وإن سكت بعد العام ونحوه حتى استحق البائع الثمن بالحيازة مع يمينه وإن لم يعلم بالبيع إلا بعد وقوعه فقام حين علم أخذ منه وإن سكت العام ونحوه لم يكن له إلا الثمن وإن لم يقم حتى مضت مدة الحيازة لم يكن له شيء واستحقه الحائز وإن حضر مجلس الهبة والصدقة والتدبير والعتق فسكت حتى انقضى المجلس لم يكن له شيء. وإن لم يحضر ثم علم فإن قام حينئذ كان له حقه وإن سكت العام ونحوه فلا شيء له ويختلف في الكتابة هل تحمل على البيع أو على العتق؟ قولان انتهى مختصرا. ص: (وإنما تفترق الدار من غيرها في الأجنبي ففي الدابة وأمة الخدمة السنتان ويزاد في عبد وعرض) ش: يعني أنه إنما يفترق بين الدور وغيرها في مدة الحيازة إذا كانت الحيازة بين الأجانب وأما في حيازة القرابة بعضهم على بعض فلا

(8/285)


__________
يفرق بين الدور وغيرها قال ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق: أن الأقارب والشركاء بالميراث أو بغير الميراث لا خلاف أن الحيازة بينهم لا تكون بالسكنى والازدراع ولا خلاف أنها لا تكون بالتفويت بالبيع والصدقة والهبة والعتق والكتابة والتدبير والوطء وإن لم تطل المدة والاستخدام في الرقيق والركوب في الدواب كالسكنى فيما يسكن والازدراع فيما يزرع، قال: والاستغلال في ذلك كالهدم والبنيان في الدور وكالغرس في الأرضين، ثم قال: ولا فرق في مدة حيازة الوارث على وارثه بين الرباع والأصول والثياب والحيوان والعروض وإنما يفترق ذلك في حيازة الأجنبي بالاعتمار والسكنى والازدراع في الأصول والاستخدام والركوب واللباس في الرقيق والدواب والثياب فقد قال أصبغ: إن السنة والسنتين في الثياب حيازة إذا كانت تلبس وتمتهن وإن السنتين والثلاثة حيازة في الدواب إذا كانت تركب وفي الإماء إذا كن يستخدمن وفي العبيد والعروض فوق ذلك ولا يبلغ في شيء من ذلك كله بين الأجنبيين إلى العشرة الأعوام كما يصنع في الأصول انتهى.
تنبيهات: الأول: علم من كلام ابن رشد أن اللباس في الثياب كالسكنى في الدور وأنه لا تحصل حيازة بين الأقارب ولو طالت المدة وأن الاستقلال في الرقيق والدواب والثياب بمعنى قبض أجرة العبيد والدواب والثياب كالهدم والبنيان في العقار فلا تحصل الحيازة بين الأقارب في الرقيق والثياب والعروض إلا بالاستغلال ويختلف في مدتها على القولين السابقين اللذين أشار إليهما المصنف بقوله: "وفي الشريك القريب معهما قولان" أو بالأمور المفوتة كالبيع والهبة والصدقة والعتق والوطء ويعلم هذا من كلام المصنف لأنه لما جعل ذلك مفوتا بين الأب وابنه علم أنه مفوت في حق غيرهما من باب أحرى والله أعلم.
الثاني: فهم من قول المصنف في الأجنبي أن القريب لا تفترق الدار من غيرها في حقه سواء كان شريكا أو غير شريك ففيه إشارة إلى ترجيح القول بتساويهما كما تقدم ذلك.
الثالث: تقدم في كلام ابن رشد الثياب يكفي في حيازتها السنة والسنتان ولم يتعرض لها المصنف بل قد يفهم من كلامه دخولها في العروض فتنبه لذلك.
الرابع: التفصيل الذي ذكرناه عن ابن رشد لا يؤخذ من كلام المصنف ولم ينقله في التوضيح وهو أتم فائدة فتأمله والله أعلم.

(8/286)


__________
الخامس: في المدة التي يسقط بها طلب الدين قال في المسائل الملقوطة من الكتب المبسوطة المنسوب لوالد ابن فرحون: الساكت عن طلب الدين ثلاثين سنة لا قول له ويصدق الغريم في دعوى الدفع ولا يكلف الغريم ببينة لإمكان موتهم أو نسيانهم للشهادة انتهى من منتخب الحكام لابن أبي زمنين وفي كتاب محمد بن ياسين في مدعي دين سلف بعد عشرين سنة أن المدعى عليه مصدق في القضاء إذ الغالب أن لا يؤخر السلف مثل هذه المدة كالبيوعات انتهى كلام المسائل الملقوطة. وقال والده ابن فرحون في تبصرته في الباب الثاني والستين في القضاء في شهادة الوثيقة والرهن على استيفاء الحق:
فرع: وفي مختصر الواضحة في آخر باب الحيازة قال عبد الملك وقال لي مطرف وأصبغ إذا ادعى رجل على رجل حقا قديما وقام عليه بذكر حقه وذلك القيام بعد العشرين سنة ونحوها أخذه به وعلى الآخر البراءة منه وفي مفيد الحكام أن ذكر الحق المشهود فيه لا يبطل إلا بطول الزمان كالثلاثين سنة والأربعين وكذلك الدين وإن كانت معروفة في الأصل إذا طال زمانها هكذا ومن هي له وعليه حضور فلا يقوم عليه بدينه إلا بعد هذا بطول الزمان فيقول قد قضيتك وباد شهودي بذلك فلا شيء على المديان غير اليمين. قال وكذلك الوصي يقوم عليه اليتيم بعد طول الزمان وينكر قبض ماله من الوصي فإن كانت مدة يهلك في مثلها شهود الوصي فلا شيء عليه، وإلا فعليه البينة بالدفع انتهى. وقال البرزلي في أثناء مسائل البيوع: رأيت جوابا وأظنه للمازري في الديون فقال: إذا طال الزمان على الطالب وبيده وثائق وأحكام وهو حاضر مع المطلوب ولا عذر له يمنعه من الطلب من ظلم ونحوه وسكت عن الطلب فاختلف المذهب في حد السكوت القاطع لطلب الديون الثابتة في الوثائق والأحكام هل حد ذلك عشرون سنة وهو قول مطرف أو ثلاثون سنة وهو قول مالك واتفقا جميعا على أن ذلك دلالة قاطعة لطلب الطالب وقوله عليه السلام: "لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم" معلل بوجود الأسباب المانعة من الطلب بالغيبة البعيدة وعدم القدرة على الطلب مع الحضور حتى إذا ارتفعت هذه الأسباب من الطلب كان طول المدة مع السكوت والحضور دلالة يقوى بها سبب المطلوب بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "من حاز شيئا على خصمه عشر سنين فهو أحق به" فأطلق عليه السلام ذكر الحيازة فهو عام في كل ما يحاز من ربع ومال معين وغيره ومن اجتهد فحد في الرباع العشر سنين وحد في الدين العشرين والثلاثين رأى أن ذلك راجع إلى حال الطالب مع المطلوب فمن غلب على حاله كثرة المشاحة وأنه لا يمكن أن يسكت عن خصمه عشر سنين جعلها حدا قاطعا ومن جعلها عشرين سنة أو ثلاثين أي أنها أقصى ما يمكن السكوت في بيع المتحمل فجعلهما حدا قاطعا لأعذار الطالبين لأن الغالب من الحال أنه قضاء وقد قضى بتغليب الأحوال عمر بن الخطاب وقاله مالك فيمن له شيء ترك غيره يتصرف فيه ويفعل فيه ما يفعل المالك الدهر الطويل فإن ذلك مما يسقط الملك ويمنع الطالب

(8/287)


__________
من الطلب قاله مالك وابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ وإذا كان طول المدة مع حضور الطالب وسكوته مانعا له من الطلب فالطلب ممنوع في سائر المطالب دون وثائق وأحكام ورباع بدليل أن السكوت في ذلك يعد كالإقرار المنطوق به من الطالب للمطلوب بأنه لا حق له عليه ولا تباعة ولا طلب.
قلت: هذا الجواب يقتضي أن ما بعد الثلاثين مجمع عليه وإذا أجراه على مسائل الحيازة ففيها قريب القرابة والبعيد والمتوسط والمقاطع لقريبه والمواصل له فيجري عليها وفي بعضها ما يبلغ الخمسين وأكثر مع أني أحفظ لابن رشد في شرحه أنه إذا تقرر الدين وثبت لا يبطل وإن طال لعموم الحديث المتقدم واختاره التونسي إذا كان ذلك بوثيقة مكتوبة وهي في يد الطالب والطلب بسببها لأن بقاءها بيد ربها دليل على أنه لم يقبض دينه إذ العادة إذا قبض دينه أخذ عقده أو مزقه بخلاف إذا كانت الديون بغير عقود ولو وجدت بغير المطلوب وإلا ففيها قولان حكاهما ابن رشد وخرجهما على القولين في الرهن إذا وجد بيد الراهن هل هو إبراء له أم لا؟ لجواز وقوعه وسقوطه أو التسور عليه ونحو ذلك وقياسه على باب الحيازة فيه نظر لما أصل ابن رشد أن ترجيح الحيازة إنما هو فيما جهل أصله وأما إذا ثبت أصله بكراء أو إعارة أو إعمار أو غير ذلك فلا يزال الحكم كذلك وإن طال الزمان والدين إن ثبت أصله أيضا وإن كان في هذا الأصل خلاف في كتاب الولاء من المدونة لكن مذهب ابن القاسم ما ذكره خلافا لقول الغير وعليه جرى عمل القضاة في هذا الزمان بتونس ما لم تقترن قرائن تدل على دفع الدين مع طول الزمان فيعمل عليها في البراءة والله أعلم انتهى. ويشير والله أعلم بقوله: "وقياسه على باب الحيازة فيه نظر" لما أصل ابن رشد أن ترجيح الحيازة إنما هو فيما جهل أصله إلى ما قاله في شرح المسألة الرابعة من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق ولنذكر المسألة وكلامه عليها ونصها.
مسألة: قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن رجل أصدق امرأة عن ابنه منزلا فلما دخل ابنه بالمرأة أخذت المنزل إلا حقولا يسيرة تركتها في يد حموها فلم تزل في يده حتى مات بعد طول زمان ثم أرادت المرأة أخذها فمنعها ورثة الحمو وقالوا قد عاينتها زمانا من دهرك وهي في يده ولا تشهدي عليه بعارية ولا كراء ولا ندري لعلك أرضاك من حقك أترى للمرأة في ذلك حقا؟ قال: نعم لها أن تأخذ تلك الحقول التي هي مما كان أصدقها الحمو عن ابنه ولا يضرها طول ما تركت ذلك في الحمو لأنها ليست بالصدقة فتلزم حيازتها وإنما الصداق ثمن من الأثمان. وكذلك لو تركت كل ما أصدقها في يد الحمو لم يضرها ذلك قال ابن رشد هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا اختلاف لأن حقها تركته في يد حموها فلا يضرها ذلك طال الزمان أو قصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم" وليس هذا من وجه الحيازة التي ينتفع بها الحائز ويفرق بين القرابة والأجنبيين والأصهار فيها إذ قد عرف وجه كون الأحقال بيد الحمو فهي على ذلك محمولة حتى يعرف مصيرها إليه بوجه

(8/288)


باب الدماء
إن أتلف مكلف، وإن رق
__________
صحيح لأن الحائز لا ينتفع بحيازته إلا إذا جهل أصل مدخله فيها وهذا أصل في الحكم بالحيازة وبالله التوفيق.
بَابٌ
ص: (إنْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ إلَخْ) ش: هَذَا بَابٌ يَذْكُرُ فِيهِ الْمُصَنِّفُ أَحْكَامَ الدِّمَاءِ وَأَحْكَامَ الْقِصَاص قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَهُوَ بَابٌ مُتَّسِعٌ مَتْرُوكٌ يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حِفْظَ النُّفُوسِ مُجْمَعٌ عَلَيْه،ِ بَلْ هُوَ مِنْ الْخَمْسِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ مِلَّةٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَقَلَ الْأُصُولِيُّونَ إجْمَاعَ الْمِلَلِ عَلَى حِفْظِ الْأَدْيَانِ وَالنُّفُوسِ وَالْعُقُولِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْأَنْسَابَ عِوَضَ الْأَمْوَالِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ عَمْدًا عُدْوَانًا كَبِيرَةٌ لَيْسَ بَعْدَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِنْهَا، وَفِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَإِنْفَاذِ الْوَعِيدِ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَأُخِذَ لِمَالِكٍ الْقَوْلَانِ فَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: "لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ". عَدَمُ الْقَبُولِ. وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: "لِيُكْثِرَ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالصَّدَقَةِ وَالْجِهَادِ وَالْحَجِّ". الْقَبُولُ. وَاخْتُلِفَ فِي تَخْلِيدِهِ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ تَخْلِيدِهِ، وَرَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَخْذَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ التَّوْبَةَ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ وَمُوجِبُ نَصْبِ الْإِمَامَةِ أَمْرٌ ظَاهِرِيٌّ فَلَا يَلْزَمُ

(8/289)


غير حربي ولا زائد حرية أو إسلام حين القتل إلا لغيلة
__________
مِنْ مَنْعِ الْإِمَامَةِ عَدَمُ قَبُولِ التَّوْبَةِ. وَنَص كَلَامِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَتْلُ الْمُسْلِمِ عَمْدًا عُدْوَانًا كَبِيرَةٌ لَيْسَ بَعْدَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَفِي قَبُولِ التَّوْبَةِ مِنْهُ وَإِنْفَاذِ وَعِيدِهِ مَذْهَبَا الصَّحَابَةِ. وَإِلَى إنْفَاذِ وَعِيدِهِ ذَهَبَ مَالِكٌ لِقَوْلِه:ِ لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ.
قلت: لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ قَبُولِ تَوْبَتِهِ لِعَدَمِ رَفْعِ سَابِقِ حُرْمَتِهِ وَقَبُولِ التَّوْبَةِ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ وَمُوجِبُ نَصْبِ الْإِمَامَةِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ، وَقَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى: قَوْلُ مَالِكٍ لِيُكْثِرَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَالصَّدَقَةَ وَالْحَجَّ وَالْجِهَادَ وَيَلْزَمَ الثُّغُورَ مَنْ تَعَذَّرَ مِنْهُ الْقَوَدُ. دَلِيلٌ عَلَى الرَّجَاءِ عِنْدَهُ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ. خِلَافُ قَوْلِهِ: لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ، قَالَ: وَالْقَوْلُ بِتَخْلِيدِهِ خِلَافُ السُّنَّةِ وَمِنْ تَوْبَتِهِ عَرْضُ نَفْسِهِ عَلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ قَوَدًا وَدِيَةً ا هـ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا فِي التَّعْلِيلِ لِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَتِهِ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ التَّوْبَةِ رَدَّ التَّبِعَاتِ. وَرَدُّ الْحَيَاةِ عَلَى الْمَقْتُولِ مُتَعَذِّرٌ إلَّا أَنْ يُحَلِّلَهُ الْمَقْتُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِطِيبِ نَفْسِهِ وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا: وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: إذَا سُئِلَ عَنْ تَوْبَتِهِ سَأَلَ هَلْ قَتَلَ أَمْ لَا وَيُطَاوِلُهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ قَالَ: لَا تَوْبَةَ. وَإِلَّا قَالَ لَهُ: التَّوْبَةُ وَهُوَ حَسَنٌ فِي الْفَتْوَى انْتَهَى. وَانْظُرْ الْكَلَامَ عَلَى حَدِيثِ أُسَامَةَ وَالْمِقْدَادِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْأَبِيِّ وَعِيَاضٍ وَالْقُرْطُبِيِّ

(8/290)


معصوماً للتلف، والإصابة بإيمان أو أمان، كالقاتل من غير المستحق
__________
فرع: قال في الذخيرة: فإن قتل القاتل قصاصا قيل: ذلك كفارة له لقوله عليه الصلاة والسلام: "الحدود كفارات لأهلها" وقيل: ليس بكفارات؛ لأن المقتول لا منفعة له في القصاص بل منفعته للأحياء زجرا أو تشفيا والمراد بالحديث حقوق الله تعالى المحضة. فائدتان: الأولى: قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ } الآية. [المائدة: من الآية32] فيها سؤال وهو وجه تشبيه قتل النفس الواحدة بقتل جميع الناس وإحيائها بإحياء جميع الناس؟ والتشبيه في لسان العرب إنما يكون بين المتقاربين جدا وقتل جميع الناس بعيد من قتل النفس الواحدة بعدا شديدا وكذلك إحياؤها قال القرافي في الجواب: قال بعض العلماء: إن المراد بالنفس إمام مقسط أو حاكم عدل أو ولي ترتجى بركته العامة فلعموم منفعته كأنه قتل من كان ينتفع به وهم المراد بالناس وإلا فالتشبيه مشكل وقال مجاهد: لما كان قتل جميع الناس لا يزيد في العقوبة على عقوبة قاتل النفس الواحدة شبهه به. قال: وهو مشكل؛ لأن قاعدة الشرع تفاوت العقوبات بتفاوت الجنايات؛ ولذا توعد الله قاتل الواحد بعذاب عظيم وعيده، اعتقدنا مضاعفته في حق الاثنين فكيف بجميع الناس انتهى بالمعنى. الثانية: قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: من الآية179] قيل: الخطاب للورثة؛ لأنهم إذا اقتصوا فقد سلموا وحيوا بدفع شر هذا القاتل عنهم الذي صار عدوهم وقال بعضهم: الخطاب للقاتلين؛ لأنه إذا اقتص منهم فقد محي إثمه فحيي حياة معنوية. وعلى القولين

(8/291)


__________
فلا إضمار وقيل: الخطاب للناس. والتقدير: ولكم في مشروعية القصاص حياة؛ لأن الشخص إذا علم أنه يقتص منه يكف عن القتل. ويحتمل أن لا يكون في الآية تقدير أيضا ويكون القصاص نفسه فيه الحياة. أما لغير الجاني فلانكفافه وأما للجاني فلسلامته من الإثم قاله في التوضيح. وابن عبد السلام: والقصاص تارة يتعلق بالنفس وتارة يتعلق بالأطراف. وبدأ المصنف بالكلام على القصاص في النفس وله ثلاثة أركان القاتل والمقتول والقتل فبدأ المصنف بالكلام على القاتل فقال: "إن أتلف مكلف إلخ". وإنما قال: "أتلف" ولم يقل: قتل؛ لأن الإتلاف يشمل المباشرة والتسبب والقتل إنما يتبادر للمباشرة وذكر أنه يشترط في وجوب القصاص على القاتل ثلاثة شروط:
الأول: أن يكون مكلفا وهو العاقل البالغ فلا قصاص على صبي ولا مجنون وعمدهما كالخطإ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن الغلام حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق" 1 رواه أبو داود وغيره بروايات متعددة ذكرتها في حاشية الأحاديث المشتهرة.
تنبيه: المرفوع في الحديث إنما هو الإثم وهو من باب خطاب التكليف وأما الضمان فهو من باب خطاب الوضع. وخطاب التكليف هي الأحكام الخمسة الوجوب. وشرط فيه علم المكلف وقدرته وخطاب الوضع هو الخطاب بكثير الأسباب والشروط والموانع ولا يشترط فيها علم المكلف ولا قدرته ولا كونه من كسبه فيضمن النائم ما أتلفه في حال نومه من الأموال في ماله وكذلك ما أتلفه من الدماء غير أنه إن كان دون ثلث الدية فعليه الدية وإن بلغ ثلث الدية فأكثر فهو على عاقلته وليس هذا بمعارض للحديث المذكور لما قدمناه من كونه من باب خطاب الوضع الذي معناه أن الله تبارك وتعالى قال: إذا وقع هذا في الوجود فاعلموا أني حكمت بكذا والله أعلم.
فرع: فإن قتل المجنون في حال إفاقته اقتص منه قاله في المدونة وغيرها، قال في التوضيح: ويقتص منه في حال إفاقته. ابن المواز: فإن أيس من إفاقته كانت الدية عليه في ماله. وقال المغيرة: يسلم إلى أولياء المقتول يقتلونه إن شاءوا، قال: ولو ارتد ثم جن لم أقتله حتى يصح؛ لأني أدرأ الحدود بالشبهات ولا أقول هذا في حقوق الناس. ورد اللخمي أن يكون الخيار لأولياء المقتول فإن شاءوا قتلوا هذا المجنون وإن شاءوا أخذوا الدية إن كان له مال وإلا أتبعوه بها انتهى. وقال في الشامل: فإن أيس من إفاقته فهل يسلم للقتل أو تؤخذ الدية من ماله؟ قولان. وقال اللخمي: يخير الولي في أيهما شاء انتهى. فساووا بين القولين مع أن الثاني لابن المواز
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الطلاق باب 11. كتاب الحدود باب 22. أبو داود في كتاب الحدود باب 17. الترمذي في كتاب الحدود باب 1. النسائي في كتاب الطلاق باب 15. الدارمي في كتاب الحدود باب 1. أحمد في مسنده (1/116، 118، 140، 155) (6/100).

(8/292)


__________
فرع: فلو أشكل على البينة أقتل في حال عقله أو جنونه. قال ابن ناجي في شرح الرسالة: فقال بعض من لقيناه من القرويين: لا يلزمه شيء وهو الصواب وقاله شيخنا أبو مهدي معللا بأنه شك في المقضي عليه؛ لأن القاضي لا يحكم عليه إلا بعد أن تشهد عنده البينة أنه قتل في حال كونه في عقله. انتهى. ودخل في كلامه السكران وهو كذلك والرقيق ولهذا بالغ به فقال: وإن رق ثم أشار إلى الشرط الثاني بقوله: "غير حربي" يعني: أن الحربي لا يقتص منه إذا قتل في حال حرابته، ثم أشار إلى الشرط الثالث بقوله: "ولا زائد حرية أو إسلام" يعني: فلا يقتل الحر بالعبد إلا أن يكون الحر كافرا والعبد مسلما فيقتل الحر الكافر بالعبد المسلم على المشهور خلافا لسحنون وهو أحد قولي ابن القاسم. وقوله: "أو إسلام" أي: فلا يقتل المسلم بالكافر ولو كان المسلم عبدا والكافر حرا قال في البيان: اتفاقا. وقوله: "حين القتل" يعني: أن المعتبر في التكافؤ حين القتل فلو أسلم الكافر بعد أن قتل كافرا قتل به وكذلك لو عتق العبد بعد قتله عبدا فإنه يقتل به.
فرع: قال في المجموعة في نصراني قتل نصرانيا عمدا ولا ولي له إلا المسلمون ثم أسلم قال: العفو عنه أحب إلي إذا صار الأمر للإمام لأن حرمته الآن أعظم من المقتول ولو كان للمقتول ولدا كان القود لهم. وقوله: "إلا لغيلة" قال في التوضيح في باب الحرابة: الغيلة أن يخدع غيره ليدخله موضعا ويأخذ ماله انتهى. وقال ابن عرفة الباجي عن ابن القاسم: قتل الغيلة حرابة وهو قتل الرجل خفية لأخذ ماله انتهى. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة: قال أهل اللغة: قتل الغيلة هو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع خفية فإذا صار فيه قتله فهذا يقتل به ولا عفو فيه. قال: ونقل عن أصحابنا وأظنه البوني أنه اشترط في ذلك أن يكون القتل على مال. قال: وأما لنائرة بينهما وهي العداوة فيجوز العفو عنه. قال ابن ناجي: ما أظنه عن البوني مثله نقل الباجي عن العتبية والموازية وذكر لفظه المتقدم قال ابن ناجي: قال الباجي: من أصحابنا من يقول: هو القتل على وجه القصد الذي لا يجوز عليه الخطأ وقبله ابن زرقون انتهى. وقال عياض: يعني اغتاله لأخذ ماله ولو كان لنائرة ففيه القصاص والعفو فيه جائز قاله ابن أبي زمنين وهو صحيح جار على الأصول لأن هذا غير محارب وإنما يكون له حكم المحارب إذا أخذ المال أو فعل ذلك لأجل المال ا هـ. ونقله أبو الحسن الصغير وكذلك قال ابن رشد في رسم مرض وله أم ولد من سماع ابن القاسم من كتاب المحاربين أن قتل الغيلة هو القتل على مال انتهى.
فرع: والغيلة في الأطراف كالغيلة في النفس قال في أثناء كتاب الديات من المدونة: ومن قطع يد رجل أو فقأ عينه على وجه الغيلة فلا قصاص له والحكم للإمام إلا أن يتوب قبل أن يقدر عليه فيكون فيه القصاص انتهى.

(8/293)


وأدب كمرتد، وزان أحصن ويد سارق
__________
فرع: والمرأة كالرجل في الغيلة قال أبو الحسن هنا: فرع اختلف إذا قام بقتل الغيلة شاهد واحد هل فيه قسامة أم لا؟ انظر أبا الحسن.
فرع: قال في المدونة: ومن قتل وليه غيلة فصالح فيه على الدية فذلك مردود والحكم فيه للإمام قال أبو الحسن: إلا أن يحكم به حاكمثم أشار إلى الركن الثاني بقوله معصوما يعني أنه يشترط في وجوب القصاص أن يكون المقتول معصوما وظاهره وسواء أنفذت مقاتله أم لا. وانظر المسألة في سماع يحيى وعيسى وابن أبي زيد من الديات فإن ابن رشد ذكر فيمن أجهز على من أنفذ مقاتله شخص آخر هل يقتل به الأول أو الثاني؟ قولين وقال في الشامل: ولو أنفذ واحد مقاتله وأجهز عليه ثان قتل وعوقب الأول وقيل بالعكس. ص: (وأدب كمرتد وزان أحصن) ش: وكذا المحارب والزنديق قال ابن عرفة قال محمد لا شيء على من قتل زنديقا. اللخمي: وكذا الزاني المحصن والمحارب ولا دية لهم إن قتلوا خطأ وفي الموازية من قطع يد سارق خطأ فلا دية له وقال في موضع آخر له: ديتها فعليه تجب الدية في هذين إن قتلا خطأ وإن قطع لهما عضو فلها القصاص في العمد والدية في الخطإ لأن الحد إنما وجب في النفس لا في العضو قال عيسى: من اغتاظ من ذمي يشتم النبي صلى الله عليه وسلم فقتله فإن كان شتما يوجب قتله وثبت ذلك ببينة فلا شيء عليه وإن لم يثبت ذلك فعليه ديته وضرب مائة وسجن عاما انتهى. وقال في التوضيح ونص على نفي القصاص عن قاتل المرتد ولو كان القاتل نصرانيا ا هـ. ولا معارضة بين هذا وبين قبوله في الديات أن دية المرتد كدية المجوسي لأنه إنما نفى هنا القصاص والكلام هناك في الديات ونفي أحدهما لا يستلزم نفي الآخر وأما الزاني المحصن فليس فيه دية والفرق بينهما أن المرتد تجب استتابته على المذهب فكأن قاتله قتل كافرا محرم القتل بخلاف الزاني المحصن فتأمله. تنبيه: قال ابن عبد السلام: ينبغي أن يختلف في مقدار أدبهم فمن طلب الستر عليه كالزاني المحصن تكون الجرأة على القاضي بقتله أكثر وكفر الزندقة أشد من كفر الارتداد الظاهر انتهى. يعني فيكون الأدب في كفر الارتداد أشد والله أعلم.
تنبيه: قال أبو الحسن في كتاب الديات قالوا: وهذا إذا كان هناك من ينصفه ويمكنه من حقه قال أبو عمران: الذي يقتل وليه رجل فلا يمكن من أخذ حقه عند السلطان فيقتل الولي قاتل وليه غيلة أو باحتيال أنه

(8/294)


فالقود عيناً
__________
لا أدب عليه ولا شيء لأنه إذا لم يكن السلطان ينصفه فهو يأخذ حقه بنفسه انتهى.
فائدة: من هذا المعنى ما قاله البرزلي في كتاب الأقضية في أثناء مسألة وهي تجري عندي على قاعدة من فعل فعلا لو رفع إلى القاضي لم يفعل غيره هل يكون بمنزلة ما لو رفع أم لا؟ انتهى. ص: (فالقود عينا) ش: يعني إذا وقعت الجناية بالشروط المذكورة على النفس أو المال فالواجب في ذلك عند ابن القاسم إنما هو القود أي القصاص وليس لورثة المقتول أن يعفوا على الدية وكذلك ليس للمجني عليه في الجراح أن يعفو على الدية. وهو مذهب ابن القاسم خلافا لأشهب فإنه قال: الواجب التخيير بين القصاص وبين الدية وهو اختيار جماعة من المتأخرين لما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يؤدي الدية وإما أن يقاد" وعلى قول أشهب بتخيير الأولياء بين القصاص وبين الدية فإن طلب الأولياء منه الدية فإنه يجبر على ذلك إن كان مليا قال ابن يونس قال مالك: وقاتل العمد يطلب منه الأولياء الدية فيأبى إلا أن يقتلوه فليس لهم إلا القتل قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: من الآية178] وقال أشهب: ليس له أن يأبى ويجبر على ذلك إن كان مليا لأنه في قتل نفسه ليترك ماله لغيره مضار وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل للأولياء إن أحبوا أن يقتلوا فليقتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية وقاله ابن المسيب انتهى. قال في التوضيح: قال جماعة: والخلاف إنما هو في النفس وأما جراح العمد فيوافق أشهب المشهور ونقل عن ابن عبد الحكم التخيير في جراح العمد كالنفس وفرق الباجي بين الجرح والنفس على رواية أشهب بأن الجارح يريد استيفاء المال لنفسه والقاتل إنما يترك المال لغيره فهو مضار بامتناعه من الدية انتهى. وقد يكون بعض الناس وارثه أعز عنده من نفسه والله أعلم انتهى.
تنبيه: يستثنى من هذا ما إذا جرح العبد عبدا مثله أو قتله فإن لسيد المجروح أو المقتول أن يقتص له وله أن يختار أخذ العبد الجاني فإن اختار القصاص فلا إشكال وإن استحيا العبد الجاني خير سيده في فدائه بدية الحر أو بقيمة العبد وفي إسلامه وفي الجراح يخير بين أن يسلمه أو يفديه بأرش ذلك الجرح إن كان له أرش مسمى وإن لم يكن له أرش مسمى فإن حصل عنه عيب خير بين إسلامه وفدائه بما يوجبه ذلك العيب وإن لم يحصل عيب فليس فيه إلا القصاص إن كان المجني عليه عبدا وإن كان حرا فلا شيء فيه إلا الأدب كما سيأتي عند قول المصنف: "إلا ناقصا جرح كاملا".

(8/295)


__________
تنبيه: فإذا جرح عبد عبدا وبريء قبل أن يعلم سيده فإنه يدعى الجارح فيقال: صف الجرح واحلف على ما ذكرت فإن امتنع فانظر هل يقال للسيد صف الجرح واحلف عليه سواء أراد القصاص أو أراد أخذ الأرش أو يفصل في ذلك فإن أراد القصاص قيل للعبد صف الجرح واقتص وإن أراد الأرش قيل للسيد صف الجرح واحلف عليه لم أر فيه نصا والظاهر أنه يجري الخلاف فيما إذا قام للعبد شاهد واحد بالجرح فهل يحلف السيد معه مطلقا سواء أراد القصاص أو الأرش قال في المقدمات في كتاب جنايات العبد وهذا قول مالك: "أو يفصل في ذلك" وهو قول أصبغ والمغيرة انتهى. وسئلت عن ذلك في عبدين ضرب أحدهما صاحبه بعصا على حاجب عينه فشجه وأسال دمه بجرح العصا فضربه الآخر بجنبيه تحت ثديه فهل لكل واحد منهما القصاص من جارحه أم لا يجب في ذلك إلا الأرش أم يجب الأرش في جرح العصا والقصاص في جرح الآخر؟ وإذا اندمل الجرحان قبل القصاص ولم يجد كل واحد من سيد العبدين بينة تشهد بمقدار عرض جرح عبده فما يكون الحكم في ذلك؟ وهل يجب بالدعوى في الجراحة أن يعين عرضها وقدرها أم لا؟ فأجبت لسيد كل واحد من العبدين أن يقتص من جارح عبده وله أن يأخذ العبد الجارح لعبده إلا أن يفديه سيده بأرش ذلك الجرح إن كان له أرش مسمى فإن لم يكن له أرش مسمى فإن بريء الجرح على شين فما نقصه ذلك الشين وإن لم يكن فيه شين فليس فيه إلا القصاص وسواء كان الجرح بعصا أو بغيرها وقول أصحابنا لا قصاص في ضربة العصا إنما يريدون إذا لم يكن عنها جرح وإذا اندمل الجرحان قبل القصاص ولم يوجد من يشهد عليها فإنه يقال للجارح صف قدر الجرح الذي جرحته وغوره واحلف عليه ولا يلزمك غيره فإن أبى لم أر فيه نصا والظاهر أنه ينظر فإن أراد سيد العبد المجروح الأرش قيل له صف الجرح واحلف عليه ولا يلزمك غيره وإن أراد القصاص فيختلف فيه هل يحلف هو أو يحلف العبد على الخلاف فيما إذا قام للعبد شاهد واحد بالجرح فإن امتنعا من الحلف لم يجب من الجراح إلا ما لا يشك فيه والله أعلم.
فرع: فإن شهدت البينة على الجرح ولم تعرف قدره أو اسمه أو كتبته في ورقة وضاعت فقال في النوادر في ترجمة من يستقيد للمجروح: وكيف يقاد من الجراح ومن المجموعة؟ قال أشهب: وإذا جرحه موضحة وعليه بينة لا يدرى كم طولها فقد ثبت له موضحة وليس في العمد إلا القود فليوقف الشهود على أقل موضحة فإن وقفوا عنده لم يجاوزه وحلف المشهود عليه على ما فوق ذلك وقيد منه بذلك وإن لم يحلف حلف الآخر واستقاد ما ادعى. قال سحنون فيمن جرح رجلا عمدا ولم يؤخذ قياس الجرح حتى بريء: فليدع الجارح فيوصف قدر ضربته وأين بلغت ويحلف على ذلك ويقتص منه على ما أقر به وإن لم يصف وأبى قيل للمجروح صف ذلك واحلف فيحلف ويقتص له منه وإن أبى نظر إلى ما لا يشك فاقتص بقدر ذلك وروى محمد بن خالد عن ابن القاسم في المجروح عمدا يكتب قياس جرحه حتى

(8/296)


ولو قال: إن قتلتني أبرأتك، ولا دية لعاف مطلق، إلا أن تظهر إرادتها فيحلف ويبقى على حقه إن
__________
يبرأ فيذهب الكتاب ولا تثبت البينة طوله وغوره وقد أصابه من ذلك عيب أو شلل فليستنزل البينة من معرفة الجرح إلى ما لا يشكون فيه فإن ثبتوا على أمر اقتص منه على قدر ذلك فإن عابه أو أشله كالأول وإلا عقل له العيب والشلل قيل أتقبل شهادة الذي عقل جرحه وعرف طول غوره وإن لم يعرف غوره؟ قال نعم مع يمينه انتهى. وانظر كتاب الشهادات ففيه بعض شيء يتعلق بهذا.
ص: (ولو قال إن قتلتني أبرأتك) ش: قال ابن الحاجب: ولو قال للقاتل: إن قتلتني أبرأتك أو قد وهبت لك دمي فقولان قال ابن القاسم: وأحسنهما أن يقتل بخلاف عفوه بعد علمه أنه قتله فلو أذن في قطع يده عوقب ولا قصاص. قال في التوضيح: هذا الذي نسبه المؤلف لابن القاسم وذكر في الجواهر أن أبا زيد رواه عن ابن القاسم هو في العتبية لسحنون وذكر لفظ العتبية ثم قال وزاد في البيان ثالثا فنفى القصاص لشبهة عفو القصاص من المقتول وتكون الدية عليه في ماله قال وهو أظهر الأقوال انتهى. وقال ابن عرفة بعد ذكره لفظ العتبية: وفي النوادر عن ابن أبي زيد عن ابن القاسم مثل لفظ سحنون ثم ذكر عن الصقلي أنه نقل عن سحنون نفي القصاص خلاف اختياره في العتبية ونصه. قال الصقلي في كتاب الجعل والإجارة: وروى ابن سحنون عنه من قال لرجل: اقتلني ولك ألف درهم فقتله فلا قود عليه ويضرب مائة ويحبس عاما ولا جعل له. وقال يحيى بن عمر: للأولياء قتله. قال: ولو قال اقتل عبدي ولك كذا أو بغير شيء فقتله ضرب مائة وحبس وكذا السيد يضرب ويحبس. واختلف هل تكون على القاتل قيمة العبد أم لا؟ فالصواب لا قيمة له كما لو قال له أحرق ثوبي ففعل فلا غرم. الشيخ روى ابن عبدوس من قال لرجل: اقطع يدي أو يد عبدي عوقب المأمور ولا غرم عليه في الحر والعبد. ابن حبيب عن أصبغ يغرم قيمة العبد لحرمة القتل كما تلزمه دية الحر إذا قتله بإذن وليه انتهى. وفي سماع سحنون من كتاب الجنايات قيل لسحنون أصبغ يقول يغرم قاتل العبد بأمر سيده قيمته فقال: ليس هذا بشيء لا قيمة على القاتل لأن صاحبه عرضه للتلف والعبد مال من الأموال وليس على من أتلفها بإذن ربها شيء ويضرب القاتل مائة ويسجن ويؤدب الآمر أدبا موجعا ابن رشد لأصبغ في الواضحة مثل قوله هنا إلا أنه قال: إنما أغرمته لحرمته على قوله وقال: يضرب السيد والقاتل مائة سوط ويسجنان عاما وقول أصبغ في الواضحة: إنما أغرمه القيمة لحرمته ليس بجيد لأن إغرامه القيمة لحرمته ليس على قوله: إنما هو من باب العقوبة بالأموال وإذا عوقب القاتل بغرم ما لا يجب عليه غرمه

(8/297)


امتنع كعفوه عن العبد، واستحق ولي دم من قتل القاتل، أو يد القاطع كدية خطإ فإن أرضاه ولي الثاني فله وإن فقئت عين القاتل أو قطعت يده ولو من الولي بعد أن أسلم له فله القود، وقتل الأدنى بالأعلى كحر كتابي بعبد مسلم
__________
فالسيد أحق أن لا يعطي القيمة لحرمته بالأمر بقتل عبده ولو قال أصبغ: إنما أغرمه القيمة لإسقاط سيد العبد إياها عنه قبل وجوبها له عليه إذ لا تجب عليه إلا بعد قتل العبد لكان له وجه لأن لزوم إسقاط الحق قبل وجوبه أصل مختلف فيه انتهى.
ص: (وقتل الأدنى بالأعلى كحر كتابي بعبد مسلم) ش: لما تقرر أن الإسلام أعلى حرمة وأعظم من الحرية كان من انفرد به من القاتل والمقتول هو الأعلى ولما قدم المؤلف رحمه الله أن كون القاتل زائدا على المقتول بالحرية أو الإسلام مانعا نبه على أن كون القاتل أدنى من المقتول لا يمنع القصاص والمعنى أن الأدنى إذا قتل الأعلى فإنه يقتل به ثم مثل ذلك بفرع يتردد فيه النظر وهو إذا قتل الحر الكتابي عبدا مسلما فاختلف هل يقتل الحر الكتابي بالعبد المسلم وهو قول ابن القاسم أو لا يقتل به وعليه قيمته لأنه كسلعة وهو قول سحنون قال ابن رشد في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب الديات في شرح قوله في نصراني حر قتل عبدا مسلما عمدا قال: أرى أن يقتل به، وقال سحنون: عليه قيمته وهو كسلعة من السلع ابن رشد قوله: "وأرى أن يقتل به" معناه إن

(8/298)


والكفار بعضهم ببعض منكتابي، ومجوسي، ومأمن كذوي الرق، وذكر وصحيح وضدهما
__________ _______
أراد سيد العبد أن يستقيد من الكتابي وأما إن أراد أن يضمنه قيمة عبده ولا يقتله به فلا اختلاف في أن له ذلك وإنما الاختلاف إذا أراد أن يقتله به فقيل ليس له ذلك وهو الأظهر من جهة اتباع ما في القرآن وقيل إن ذلك له وهو أظهر من جهة المعنى ثم استظهر القول الثاني ونقله ابن عرفة وقبله وهو خلاف ما قاله في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: "ويقتل الحر الذمي بالعبد المسلم والقيمة هنا كالدية" ونصه أشار بقوله: والقيمة هنا كالدية إلى أن سيد العبد لو أراد أن يلزم الذمي قيمة العبد لجرى على الخلاف بين ابن القاسم وأشهب في الدية فعلى قول ابن القاسم ليس للسيد إلا قتل الذمي أو يعفو وليس له أن يلزمه قيمة العبد وعلى قول أشهب يكون للسيد هنا أن يلزم الحر القيمة انتهى. وأصله لابن عبد السلام والظاهر ما قاله ابن رشد؛ لأنه قد صرح في المدونة بأنه إذا جرح عبد عبدا أو قتله أن سيد المجروح أو المقتول مخير بين أن يستقيد أو يأخذ الأرش كما سيأتي والله أعلم. ولو قال المؤلف الذمي بدل الكتابي كما قال ابن الحاجب كان أحسن وفهم من كلام المؤلف حيث جعل الحر الكتابي أدنى من العبد المسلم أن العبد المسلم لا يقتل إذا قتل الحر الكتابي وهو كذلك قال في التوضيح: وحكى صاحب البيان الاتفاق على ذلك انتهى. قال ابن الحاجب: وسيد العبد مخير في افتكاكه بالدية أو إسلامه فيباع لأوليائه قال في التوضيح: وحكى صاحب البيان أنه يباع بدية الحر الذمي ويباع لأولياء الذمي لعدم جواز ملك الكافر للمسلم وظاهر كلامه أنه إذا بيع يدفع جميع الثمن لأولياء الذمي وإن كان أكثر من ديته وهو قول ابن القاسم في المدونة وقاله مالك وقال مطرف وابن الماجشون إن فضل فضل فلسيده أصبغ والأول أصوب انتهى من التوضيح.
ص: (والكفار بعضهم ببعض) ش: ابن عرفة روى على قتل اليهودي بالمجوسي ونقص الدية لغو كالرجل بالمرأة انتهى. ص: (كذوي الرق) ش: قال في كتاب جنايات: العبيد والقصاص بين الملاك بينهم كهيئته في الأحرار بنفس الأمة بنفس العبد وجرحها كجرحه يخير سيد المجروح إن شاء استقاد وإن شاء أخذ العقل إلا أن يسلم إليه الجاني سيده وإن جرح عبد عبدا عمدا. فقال سيد المجروح: لا اقتص ولكن آخذ العبد الجارح إلا

(8/299)


وإن قتل عبد عمداً ببينة أو قسامة، خير الولي، فإن استحياه فلسيده إسلامه، أو فداؤه
__________
أن يفديه سيده بالأرش. وقال سيد الجارح: إما أن تقتص أو تدع فالقول قول سيد المجروح وكذلك في القتل أبو الحسن عن ابن يونس لأن نفس القاتل قد وجبت لسيد المقتول فإن شاء قتله أو أحياه فإن أحياه صار عمده كالخطإ فيرجع الخيار إلى سيده بين أن يسلمه أو يفديه والفرق بين العبد وبين الحر يقتل حرا فيعفى عنه على الدية فيأبى أن ذلك لا يلزمه على قول ابن القاسم أن العبد سلعة تملك فلما جاز قتله وإتلافه على سيده جاز استرقاقه وخروجه عن ملكه والحر لا يملك فلا يجوز أخذ ماله إلا بطوعه وأيضا فإنه يقول: أؤدي قصاصي وأبقي مالي لورثتي والعبد لا حكم له في نفسه ولا حجة لسيده لأن قتله عليه وأخذه سواء إلا أن يدفع الأرش فلا حجة لورثة المقتول لأنهم رفعوا عنه القود فصار فعله كالخطأ ولا يستقيم ذلك في الحر لأنه تكون الدية على عاقلته وهي لا تحمل شيئا من عنده فأمرهما مفترق انتهى.
فرع: إذا كان السيد عبدا وقتل عبده ففي القصاص قولان نقلهما ابن سلمون ثم قال: وفي الزاهي لابن شعبان ومن قتل عبده لم يقتل به وإن كان عبدا انتهى.
ص: (وإن قتل عبد عمدا ببينة أو قسامة) ش: احترز بقوله ببينة أو قسامة من إقرار العبد بذلك فإن الحكم حينئذ مخالف لما ذكر نص عليه في المدونة ونصه. وإن أقر العبد أنه قتل حرا عمدا فلوليه القصاص فإن عفا على أن يستحييه لم يكن له ذلك وله معاودة القتل إن كان ممن يظن أن ذلك له انتهى. أبو الحسن قال أبو عمران: وأما إن كان عالما أنه عفا إن قتل العبد يبطل فلا قتل له انتهى. وقبله بيسير في المدونة قال ابن القاسم وما أقر العبد به مما يلزمه في جسده من قتل أو قطع أو غيره فإنه يقبل إقراره. قال ابن زياد: إذا أقر طائعا غير مسترهب وما آل إلى غرم على سيده فلا يقبل إقراره إلا ببينة على فعله مثل إقراره بغصب أمة أو حرة نفسها ولم تكن متعلقة به بجرح أو بقتل أو خطإ أو باختلاس مال أو استهلاكه أو سرقة لا قطع فيها ولا يعلم ذلك إلا بقوله فلا يصدق ولا يتبع بشيء من ذلك إذا عتق انتهى. ونبه على ذلك ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح في قول ابن الحاجب في كتاب الأقضية في جواب دعوى القصاص على العبد ودعوى الأرش على السيد ونقله ابن عرفة في أول كتاب الإقرار من مختصره وحاصله كما قال في الرسالة وإقرار العبد فيما يلزمه في بدنه من حد أو قطع يلزمه وما كان في رقبته فلا إقرار له يريد إلا المأذون فإن إقراره في ماله جائز انظر ابن عرفة أول الإقرار والشيخ أبا الحسن الصغير هنا والله أعلم.

(8/300)


__________
فرع: قال في المدونة: قال ابن القاسم: وإذا جنى العبد على سيده فلا شيء عليه. أبو الحسن: لأنه مملوك لسيده بالأصالة فلا يقال يكون له رهنا بالجناية لأنه تحصيل حاصل وهذا يقتضي أنه إن جنى على سيده وعلى أجنبي فيخير سيده في أن يفتكه كله بدية جناية الأجنبي وبين إسلامه كله في جناية الأجنبي ولا يقاصه بجنايته قاله ابن القاسم في سماع أصبغ من كتاب الديات وقاس عليه أشهب عبد المرأة ذات الزوج يضرب بطنها وهي حامل فألقت جنينا ميتا. أن المرأة مخيرة بين أن تدفع إلى زوجها ما يصيبه من دية الجنين وتحبس العبد وبين أن تدفع جميع العبد. قال: ولا شيء لها من العبد لأن جنايته على سيدته كجنايته على سيده وعلى أجنبي معه انتهى. ص: (خير الولي) ش: يعني يخير الولي بين أن يقتل العبد أو يستحييه فإن اختار العبد القتل فله ذلك وإن استحياه خير سيده في إسلامه أو فدائه فإن اختار سيده فداءه فإنه يفديه بدية الحر قاله في المدونة في كتاب جنايات العبيد منها وفي موضع آخر قال ابن عبد السلام بعد أن قرر المسألة: وهذا الكلام لا إشكال فيه على أصل أشهب في الحر يقتل الحر أن لولاة الدم أن يقتلوه أو يلزموه الدية وأما ابن القاسم الذي يقول ليس لهم على القاتل إلا القتل وليس لهم أن يلزموه الدية فقد يفرق له بأن المطلوب في مسألة الحر هو القاتل لنفسه وله في التمسك بماله غرض إرادة غنى ورثته بعده والمطلوب هنا غير القاتل وهو السيد ولا ضرر عليه في واحد من الأمرين اللذين يختارهما ولي الدم بل له إن اختار الولي الاستحياء بما ذكرناه مما هو أخف إن شاء سلم العبد وإن شاء دفع ديته انتهى. وذكره في التوضيح وقال ابن عرفة: وجعل ابن عبد السلام تخيير ولي قتيل العبد في قتله واستحيائه جاريا على أصل أشهب في جبر الحر على الدية غير جار على أصل ابن القاسم فيه وأجاب بأن جبر الحر على الدية يضر به لأن له وارثا قد يرجح مصلحته على نفسه والمطلوب في مسألة العبد غير القاتل وهو السيد ولا ضرر عليه في واحد من الأمرين اللذين يختارهما الولي انتهى.
قلت: قوله: "المطلوب في مسألة العبد" غير صحيح ضرورة إذ لا طلب عليه بحال فقد يفرق بأن الحر يجبر على أمر يتكلفه وهو الدية والعبد لا يكلف بشيء وبأن للولي حجة في العبد وهو أنفته أن يأخذ في دم وليه دم عبد وهو لا يكافئه انتهى. أما تفرقة ابن عرفة الأولى فهو معنى كلام ابن عبد السلام بعد حذفه منه أن المطلوب في المسألة الأولى القاتل وفي الثانية غير القاتل وهو السيد ورد على ابن عبد السلام في كلامه هذا إنما يصح إذا فهم أن المراد بقوله (المطلوب) المطلوب بالدم والظاهر أن ابن عبد السلام لم يرد هذا لوضوحه إذ من المعلوم أنه لو مات العبد سقط القود وإنما عنى بالمطلوب المأخوذ منه المال فهو في مسألة الحر القاتل وفي مسألة العبد السيد لأنه مطلوب بإسلام العبد أو فدائه وهو لا ضرر عليه في واحد من الأمرين لأن إسلامه لولي الدم ملكا مساو لقتله وهو معنى ما تقدم نقله عن ابن يونس عند

(8/301)


__________
قوله: "كذي الرق" فراجعه. وتفرقة ابن عرفة الثانية غير ظاهرة لأنها إنما تصح لو كان هذا الحكم أي تخيير الولي خاصا بما إذا كان المقتول حرا وقد علمت أن الحكم عام سواء كان المقتول حرا أو عبدا كما تقدم عن المدونة فتأمله والله أعلم.
فرع: قال ابن عبد السلام هنا في قتل العبد عمدا: واختلف هل تكون الدية حالة أو مؤجلة وقد تقدم أن مسألة اصطدام العبد مع الحر تدل على الحلول انتهى. قال ابن الحاجب: ولو اصطدم حر وعبد فثمن العبد في مال الحر ودية الحر في رقبة العبد قال في التوضيح: المراد بالثمن القيمة لكن تبع المؤلف لفظ المدونة يعني إن ماتا فإن كانت القيمة أكثر من دية الحر كان الزائد لسيد العبد في مال الحر وإن كانت دية الحر أكثر لم يكن على السيد من ذلك شيء محمد إلا أن يكون للعبد مال فيكون بقية العقل في ماله وأخذ ابن رشد من هنا أن مذهب المدونة في جناية العبد أنها على الحلول لأن قيمة العبد في مال الحر حالة فلما قال يتقاصان ولم يقل يأخذها ويؤدي السيد الدية التي جناها عبده منجمة دل على أنها حالة وقال أصبغ: بخلاف هذا وهو أن سيد العبد يخير في جنايته على الحر خطأ بين أن يسلمه أو يفديه بها منجمة انتهى. ونقله ابن عرفة والرجراجي والله أعلم.
مسألة: قال في رسم: إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الجنايات وسئل ابن القاسم عن عبد جرح رجلا ثم أبق فقال المجروح لسيد العبد: إما أن تدفع إلي قيمة جرحي وإما أن تخلي بيني وبين العبد أطلبه فإن وجدته فهو لي. قال: لا خير فيه هذه مخاطرة إن وجده غير صاحبه وإن دفع إليه قيمة الجرح لم يدر لعل العبد قد مات فلا خير فيه. وقد بلغني أن مالكا قاله. ابن رشد هذا بين على ما قال لأن العذر فيه بين والواجب في ذلك على قوله: أن يرجأ الأمر إلى أن يوجد العبد فيخير سيده واتفاقهم على هذه المسألة يقتضي صحة قول أصبغ في مسألة التفليس ا هـ. ومسألة التفليس تقدمت والله أعلم.
مسألة: قَالَ فِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْجِنَايَاتِ: وَسُئِلَ الْعَبْدُ يَقْتُلُ الْحُرَّ عَمْدًا فَيُسْلَمُ إلَى وَلِيِّهِ فَيَسْتَحْيِيه أَيُبَاعُ عَلَيْهِ قَالَ لَا إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يُمَثَّلَ بِهِ إنْ عَفَا عَنْهُ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ لَا إشْكَالَ فِيه.ِ
مسألة: فَإِنْ قَتَلَ وَلِيُّ الدَّمِ الْعَبْدَ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ مَالَهُ لِسَيِّدِهِ إنْ اسْتَحْيَاهُ فَإِنْ فَدَاهُ سَيِّدُهُ فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ أَسْلَمَهُ فَهَلْ يَتْبَعُهُ مَالُهُ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: فِيهِ قَوْلَانِ فِي الْعُتْبِيَّة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا إنْ جَنَى عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ أَنْ جَنَى فَأَرْشُ جِنَايَتِهِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ أَسْلَمَهُ السَّيِّدُ اُنْظُرْ مَا فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ مِنْ الْبَيَانِ وَأَظُنُّهَا فِي سَمَاعِ يَحْيَى وَأَصْبَغَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مسألة: وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَزِمَ رَقَبَتَهُ فَالْمُخَيَّرُ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْجَانِي بَيْنَ أَنْ يُسْلِمَهُ بِمَا اسْتَهْلَكَ أَوْ يَفْتِكَهُ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الْعَبِيدِ عَلَى

(8/302)


إن قصد ضرباً، وإن بقضيب
__________
الْأَمْوَالِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُؤْتَمَنُوا عَلَيْهَا أَمْ لَا فَإِنْ ائْتُمِنُوا عَلَيْهَا بِعَارِيَّةٍ أَوْ كِرَاءٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ اسْتِعْمَالٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْتَهْلِكَهُ بِالْفَسَادِ وَالْهَلَاكِ وَالثَّانِي أَنْ يَسْتَهْلِكَهُ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ بِالْفَسَادِ وَالْهَلَاكِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ فِي رَقَبَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَمَّا إنْ اسْتَهْلَكَهُ بِالِانْتِفَاعِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ ثَوْبًا فَيَتَعَدَّى عَلَيْهِ فَيَبِيعَهُ وَيَأْكُلَ ثَمَنَهُ أَوْ طَعَامًا فَيَأْكُلَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا خِلَافَ أَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ لَا فِي رَقَبَتِهِ. وَأَمَّا جِنَايَتُهُمْ عَلَى مَا لَمْ يُؤْتَمَنُوا عَلَيْهِ فَذَلِكَ فِي رِقَابِهِمْ كَانَتْ لِحُرٍّ أَوْ لِعَبْدٍ يُخَيَّرُ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْجَانِي بَيْنَ أَنْ يُسْلِمَهُ بِمَا اسْتَهْلَكَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ أَوْ يَفْتِكَهُ بِذَلِكَ كَانَ مَا اسْتَهْلَكَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ حُرًّا مَالِكًا لِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ صَبِيًّا مُوَلَّى عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِ الْعَبْدِ أَوْ وَلِيِّ الْيَتِيمِ انْتَهَى. وَقَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ وَغَيْرُهُ وَزَادَ قَالَ ابْنُ حَارِثٍ فِي بَابِ أَحْكَامِ الْعَبْدِ مِنْ كِتَابِ أُصُولِ الْفُتْيَا لَهُ وَمِنْ حُكْمِ الْعَبْدِ فِي جِنَايَتِهِ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسٍ أَوْ عَلَى مَالٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَنْ يُخَيَّرَ السَّيِّدُ بَيْنَ أَنْ يَفْتِكَهُ مِنْ الْجِنَايَةِ وَيَبْقَى كَمَا كَانَ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي قَضِيَّةِ الْمُزَنِيِّ لَمَّا سَرَقَ عَبِيدُ حَاطِبٍ نَاقَتَهُ وَنَحَرُوهَا وَأَغْرَمَ عُمَرُ رضي الله عنه حَاطِبًا قِيمَتَهَا وَأَضْعَفَهَا مَا نَصَّهُ:
مسألة: وَلَوْ كَانَ لِلْعَبِيدِ أَمْوَالٌ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ: إنَّمَا يَكُونُ غُرْمُهَا فِي أَمْوَالِ الْعَبِيدِ لَوْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي رِقَابِهِمْ مَا كَانَ مِنْ سَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا فَيُخَيَّرُ السَّيِّدُ بَيْنَ إسْلَامِهِمْ أَوْ افْتِكَاكِهِمْ بِقِيمَتِهَا وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يُتْبَعُ فِي السَّرِقَةِ الَّتِي يُقْطَعُ فِيهَا فِي رِقِّهِ وَلَا عِتْقِهِ وَلَا فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ مَالِهِ وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ إذَا لَمْ تُوجَدْ بِعَيْنِهَا لِأَنَّ مَالَهُ إنَّمَا صَارَ لَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ انْتَهَى. ص: (إن قصد ضربا) ش: يعني قصد ضرب من لا يجوز له ضربه وسواء قصد الشخص المضروب نفسه أو قصد أن يضرب شخصا عدوانا فأصاب غيره أما لو قصد ضرب من يحل له ضربه فأصاب غيره وهو خطأ قال في النوادر في ترجمة صفة العمد والخطإ: قال ابن المواز: ومن قتل رجلا عمدا يظنه غيره ممن لو قتله لم يكن فيه قصاص فهو

(8/303)


كخنق ومنع طعام، ومثقل ولا قسامة إن أنفذ مقتله بشيء، أو مات مغموراً، وكطرح غير محسن للعوم عداوة وإلا فالدية
__________
من الخطإ لا قصاص فيه وقد مضى ذلك في مسلم قتله مسلمون بعهد النبي صلى الله عليه وسلم يظنونه من المشركين فوداه عليه السلام ولم يهدره انتهى. ونقله الرجراجي في شرح المدونة قال في المقدمات: القتل على ثلاثة أوجه الأول إذا لم يعهد للقتل ولا للضرب مثل أن يرمي الشيء فيصيب به إنسانا فيقتله أو يقتل المسلم في حرب العدو وهو يرى أنه كافر وما أشبه ذلك فهذا هو قتل الخطإ بإجماع لا يجب فيه القصاص وإنما فيه الدية على العاقلة والكفارة في ماله انتهى.
تنبيه: قوله: "إن قصد ضربا" يريد على وجه الغضب لا على وجه اللعب والأدب قال في المقدمات: فإن قصد الضرب ولم يقصد القتل وكان الضرب على وجه الغضب فالمشهور عن مالك المعروف من قوله أن ذلك عمد وفيه القصاص وقال في التوضيح: وأما اللعب ففي المقدمات فيه ثلاثة أقوال أولها أنه خطأ. قال: وهو مذهب ابن القاسم ورواية عن مالك في

(8/304)


وكحفر بئر، وإن ببيته أو وضع مزلق، أو ربط دابة بطريق، أو اتخاذ كلب عقور تقدم لصاحبه قصد الضرر وهلك المقصود وإلا فالدية
__________
المدونة انتهى. وقال في الشامل: فإن كان في لعب فخطأ على الأصح وثالثها إن تلاعبا معا فكذلك وإن ضربه ولم يلاعبه الآخر فالقود انتهى.
ص: (قصد الضرر وهلك المقصود وإلا فالدية) ش: يعني أن من فعل شيئا ممن تقدم لقصد الضرر لمعين أو لغير معين أو لإهلاك سارق أو الدواب التي تأكل زرعه فإنه ينظر إن فعله لمعين وهلك المقصود ففيه القصاص وقوله: "وإلا فالدية" شامل للصورتين الأولى: أن يقصد ضرر شخص معين فيهلك غيره.
الثانية: لا يقصد شخصا معينا والحكم في الصورتين سواء كما صرح به في المدونة وغيرها وفي التوضيح ومفهوم قوله: "قصد الضرر" أنه لو لم يقصد ضرارا فلا شيء عليه وهو كذلك، قال في أول سماع أصبغ من كتاب الأقضية: قال أصبغ بن الفرج: سألت ابن القاسم عن الرجل يكون له الزرع فتغير فيه دواب الناس فتفسده فيريد صاحب الزرع أن يحفر حول زرعه حفيرا لمكان الدواب وقد تقدم إلى أصحابها وأنذرهم فيحفر فيقع بعض تلك الدواب في ذلك الحفير فتموت أترى عليه ضمانا قال: ليس عليه شيء ولو لم ينذرهم ولم يتقدم إليهم. وقاله أصبغ: وهو قول مالك إن شاء الله، قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إنما فعل ما يجوز له أن يفعله من الحفير في أرضه وضعه تحصينا على زرعه لا لإتلاف دواب الناس ولو فعل ذلك لإتلاف دواب الناس لزمه الضمان على ما قاله في المدونة في الذي يصنع في داره شيئا ليتلف فيه السارق فتلف فيه السارق أو غير السارق أنه ضامن انتهى. وقال ابن يونس في آخر كتاب الديات: قال مالك وإن جعل في حائطه حفيرا لسباع أو حبالة لم يضمن ما عطب بذلك من سارق أو غيره فإن جعل في باب جنانه قصبا يدخل في رجل من يدخله أو اتخذ تحت عتبته مسامير لمن يدخل أو رش فناء يريد زلق من يدخله من دابة أو إنسان أو اتخذ فيه كلبا

(8/305)


وكالإكراه وتقديم مسموم رميه عليه حية، وكإشارته بسيف فهرب وطلبه، وبينهما عداوة وإن سقط فبقسامة وإشارته فقط خطأ، وكالإمساك للقتل ويقتل الجمع بواحد
__________
عقورا فهو ضامن لما أصيب من ذلك ولو رش لغير ذلك لم يضمن من عطب فيه كحافر البئر في داره لحاجة أو لإرصاد سارق فهو مفترق يعني والله أعلم أنه يفرق بين أن يحفرها لحاجته فلا يضمن أو يرصد بها السارق فيضمن فتأمله والله أعلم.
ص: (ويقتل الجميع بواحد) ش: ولو كان المباشر للقتل واحدا منهم أو كان عينا لهم وهذا مذهب ابن القاسم

(8/306)


والمتمالئون وإن بسوط والمتسبب مع المباشر، كمكره ومكره، وكأب ومعلم أمر ولداً صغيراً وسيد أمر عبداً مطلقاً، فإن لم يخف المأمور اقتص منه فقط
__________
خلافا لأشهب هكذا نقل اللخمي عنه في التبصرة وانظر كتاب المحاربين من المدونة وشرحها لأبي الحسن وانظر كلام الباجي. ص: (كمكره ومكره) ش: يريد إلا الأب فإنه لو أكرهه شخص على قتل ابنه فقتله فلا قصاص على الأب للشبهة والقصاص على المكره بكسر الراء كما نص عليه ابن الحاجب وغيره وقبله في التوضيح وعلم منه أن عكس المسألة أولى بعدم

(8/307)


وعلى شريك الصبي القصاص، إن تمالآ على قتله لا شريك مخطئ ومجنون وهل يقتص من شريك سبع وجارح نفسه وحربي ومرض بعد الجرح أو عليه نصف الدية؟ قولان، وإن تصادما أو تجاذبا مطلقاً قصدا ًفماتا أو أحدهما فالقود
__________

(8/308)


وحمل عليه عكس السفينتين، إلا لعجز حقيقي لا لكخوف غرق أو ظلمة
__________
القصاص والله أعلم.
ص: (عكس السفينتين) ش: أي فإنهما يحملان على عدم القصد إذا جهل أمرهم فإذا تحقق أنهم متعمدون لإتلافهم فهم ضامنون. قال في المدونة: ولو أن سفينة صدمت أخرى فكسرتها فغرق أهلها فإن كان ذلك من ريح غلبتهم أو من شيء لا يستطيعون حبسها فلا شيء عليهم وإن كانوا قادرين على أن يصرفوها ولم يفعلوا ضمنوا. ابن يونس: يريد في أموالهم، وقيل: الدية على عواقلهم نقله عنه ابن عرفة وقال اللخمي: الدية في ذلك على العواقل إلا أن يتعمد ذلك ويعلم أن ذلك مهلك فتكون الدية في أموالهما انتهى. ونقله أبو الحسن عنه وهو مشكل فإنه يقتضي إذا تعمد أهل السفينة إغراق الأخرى فليس عليهم إلا الدية والظاهر أنه يجب في ذلك القصاص لأن ذلك بمنزلة من طرح من لا يحسن العوم وبمنزلة المثقل فتأمله وقال أبو الحسن: مسألة السفينة والفرس على ثلاثة أوجه إن علم أن ذلك من الريح في السفينة وفي الفرس من غير راكبه فهذا الإضمان عليهم. أو يعلم أن ذلك من سبب النواتية في السفينة ومن سبب الراكب في الفرس فلا إشكال أنهم ضامنون وإن أشكل الأمر حمل في السفينة على أن ذلك من الريح وفي الفرس أنه من سبب راكبه انتهى. ص: (إلا لعجز حقيقي) ش: قال ابن عرفة: قول ابن عبد السلام: إذا جمح فرسهما بهما ولم يقدرا

(8/309)


وإلا فدية كل على عاقلة الآخر، وفرسه في مال الآخر كثمن العبد وإن تعدد المباشر ففي الممالأة يقتل الجميع، وإلا قدم الأقوى، ولا يسقط القتل عند المساواة
__________
على صرفهما لم يضمنا يريد لقولها في الديات إن جمحت دابة براكبها فوطئت إنسانا فإنه يضمن وبقولها في الرواحل إن كان في رأس الفرس اعتزام فحمل بصاحبه فصدم فراكبه ضامن لأن سبب فعله جمحه من راكبه وفعله به إلا أن يكون إنما نفر من شيء مر به في الطريق من غير سبب راكبه فلا ضمان عليه وإن فعل به غيره ما جمح به فذلك على الفاعل والسفينة في الريح هي الغالبة فهذا هو الفرق بينهما.
قلت: فهذا كالنص على أن ما تلف بسبب الجموح فهو من راكبه مطلقا إلا أن يعلم أنه من غير خلاف قول ابن عبد السلام: ما تلف بالجموح ولم يقدر على صرفه لا ضمان فيه فتأمله انتهى. وهو ظاهر ص:

(8/310)


بزوالها أو إسلام، وضمن وقت الإصابة والموت
__________
(وضمن وقت الإصابة والموت) ش: يعني أنه إذا زال التكافؤ بين حصول الموجب الذي هو السبب ووصول الأثر أي السبب فقال ابن القاسم: المعتبر في الضمان أي ضمان دية الحر وقيمة العبد حال الإصابة وحال الموت أي حصول السبب هذا لفظ التوضيح ويشير بقوله حال الإصابة والموت إلى قول ابن الحاجب: فلو زال بين حصول الموجب ووصول الأثر كعتق أحدهما أو إسلامه بعد الرمي وقبل الإصابة وبعد الجرح وقبل الموت فقال ابن القاسم: المعتبر حال الإصابة وحال الموت كمن رمى صيدا ثم أحرم ثم أصابه فعليه الجزاء وقال أشهب وسحنون حال الرمي ثم رجع سحنون انتهى ففي الكلام لف ونشر لشيء مقدر فقوله: "حال الإصابة" أي في مسألة ما إذا زال التكافؤ بين الرمي والإصابة وقوله والموت أي في مسألة ما إذا زال بين الجرح والموت.
تنبيه: وهذا بالنسبة إلى ضمان الدية والقيمة أما بالنسبة إلى القصاص فيشترط دوام التكافؤ من حصول السبب إلى حصول المسبب اتفاقا، قال ابن الحاجب إثر كلامه المتقدم: فأما القصاص فبالحالين معا، قال المصنف في التوضيح: أي فيشترط دوام التكافؤ من حصول السبب إلى حصول المسبب اتفاقا انتهى. قلت: ويفهم من كلام ابن الحاجب مسألة أخرى وهي أن

(8/311)


والجرح كالنفس في الفعل والفاعل والمفعول، إلا ناقصاً جرحاً كاملاً
__________
القصاص يشترط فيه حصول التكافؤ في حال السبب والمسبب فيشترط في القصاص في الرمي أن يكون حرا من حين الرمي إلى حين الإصابة فلو كان عبدا حين الرمي أو كان كافرا ثم عتق أو أسلم قبل الإصابة فلا قصاص عليه وبذلك صرح ابن الحاجب وهو في سماع عيسى من كتاب الديات وليس في كلام المصنف ما يشير إلى هذا فتأمله.
ص: (إلا ناقص: جرح كاملا) ش: يعني أن الناقص إذا جرح الكامل فإنه لا يقتص من الناقص للكامل كما إذا جرح العبد الحر والكافر المسلم هذا هو المشهور في المذهب الذي اقتصر عليه صاحب الرسالة وروى ابن القصار عن مالك وجوب القصاص قال ابن الحاجب: وقيل: إنه الصحيح وروي

(8/312)


وإن تميزت جنايات بلا تمالؤ فمن كل كفعله، واقتص من موضحة أوضحت عظم الرأس والجبهة والخدين، وإن كإبرة وسابقها من دامية وخارصة شقت الجلد وسمحاق كشطته وباضعة شقت اللحم ومتلاحمة غاصت فيه بتعدد وملطأة قربت للعظم
__________
أنه يجتهد السلطان وروي أنه يوقف وروي أن المسلم مخير في القصاص والدية وخرجوها في العبد وعلى المشهور فإن برئ المجروح على غير شين فلا شيء فيه غير الأدب إلا الجراح المقدرة وإن برئ على شين فهو في رقبة العبد وذمة النصراني قال في النوادر في ترجمة القود بين الرجال والنساء والعبيد والإماء ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ليس له أي للمسلم إلا الدية في الجراح بينه وبين الكافر والعبد قال مالك: وإذا جرح الذمي أو العبد مسلما عمدا فبرئ بغير شين فليس عليه غير الأدب وإن برئ على شين من جرح العبد فهو في رقبته انتهى. يريد في غير الجراح المقدرة فإن ديتها المقدرة تكون في رقبته وقال في أول كتاب جنايات العبيد من النوادر عن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإن جنى حر على عبد فينظر إلى ما نقص يوم البرء أن لو كان هذا يوم الجناية لا يوم البرء مع الأدب يريد في العمد ولو برئ على غير شين فلا شيء فيه غير الأدب في الحر والعبد إذ لا قصاص بين حر وعبد وإن جنى عبد على حر نظر إلى دية ذلك بعد البرء في العمد والخطإ فيكون في رقبة العبد إلا أن يفدي بذلك وفي العمد الأدب وإن بريء الحر على غير شين فلا شيء فيه إلا الأدب وإن برئ على شين فذلك في رقبة العبد انتهى. ص: (أوضحت عظم الرأس والجبهة) ش: انظر أوائل

(8/313)


كضربة السوط وجراح الجسد، وإن منقلة بالمساحة إن اتحد المحل كطبيب زاد عمداً وإلا فالعقل كيد شلاء عدمت النفع بصحيحة وبالعكس
__________
كتاب الجراح من المدونة. ص: (بالمساحة) ش: بكسر الميم قاله في القاموس. ص: (كلطمة) ش: يعني أنه لا قصاص في اللطمة باليد وإنما فيها الأدب كما يفهم من قوله: "وعمده كالخطإ إلا في الأدب" فإنه يعود إلى جميع ما تقدم، قال في كتاب الديات من المدونة قبل ترجمة الغيلة: وإن قطع بضعة من لحمه ففيها القصاص. مالك ولا قود في اللطمة قال الشيخ أبو

(8/314)


وعين أعمى ولسان أبكم، وما بعد الموضحة من منقلة، طار فراش العظم من الدواء وعامة أفضت للدماغ، ودامغة خرقت خريطته، ولطمة وشفر عين وحاجب ولحية، وعمده كالخطإ إلا في
__________
الحسن: لأنها عنده لا تنضبط وفيها عنده تفاوت كثير وفيها الأدب انتهى. وكذلك الضربة بالعصا على المشهور وهذا إذا لم يكن عن ذلك جرح وإلا فإنه يقتص منه كما صرح بذلك في النوادر في ترجمة ذكر ما لا قود فيه من اللطمة والضربة وذكره أيضا في آخر الترجمة التي قبلها وقال في المدونة: قال ابن القاسم: وفي ضربة السوط القود قال سحنون: وروي عن مالك أنه لا قود فيه كاللطمة وفيه الأدب انتهى. قال ابن عرفة عن الشيخ عن أشهب: أنه لا قود في اللطمة ولا في الضربة بالسوط والعصا أو بشيء من الأشياء إلا أن يكون جرح انتهى. ص: (وشفر عين وحاجب ولحية) ش: قال في المدونة في كتاب الجراح: وليس في جفون العين وأشفارها إلا الاجتهاد وفي حلق الرأس إذا لم ينبت إلا الاجتهاد وكذلك اللحية وليس في عمد ذلك قصاص وكذلك الحاجبان إذا لم ينبتا إلا الاجتهاد. ص: (وعمده كالخطإ إلا في الأدب) ش: قال في كتاب الجراح من المدونة: وفي كل عمد القصاص مع الأدب. قال أبو الحسن الصغير: قال أبو عمران: إن اقتص منه فأدبه دون أدب من لم يقتص منه. وقال في العتبية في سماع ابن القاسم: سئل مالك عن الذي يقتص منه هل عليه عقوبة؟ قال: نعم قال ابن رشد: قد قيل: إنه لا عقوبة عليه مع القصاص لقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: من الآية45]

(8/315)


الأدب، وإلا أن يعظم الخطر في غيرها كعظم الصدر، وفيها أخاف في رد الأنثيين أن يتلف
__________
وهو الأظهر ووجه قول مالك في إيجاب الأدب مع القصاص وهو الردع والزجر ليتناهى الناس انتهى. فعلم من هذا أن وجوب الأدب مع القصاص هو قول مالك وأما القول الذي حكاه ابن رشد بقيل وقال إنه الأظهر فلم أقف عليه في المذهب وكلامه في المقدمات يدل على أنه ليس في المذهب قال في المقدمات: ويجب على الجارح مع القصاص الأدب على مذهب مالك لجرأته وقال عطاء بن أبي رباح: الجروح قصاص ليس للإمام أن يضربه ولا أن يسجنه وإنما هو القصاص فعلم أن القول الثاني الذي حكاه بقيل إنما هو قول عطاء بن أبي رباح واختاره ابن رشد والله أعلم.
ص: (إلا أن يعظم الخطر في غيرها كعظم الصدر) ش: لما أن أخرج الجراح التي لا قصاص فيها لأنها متألف وفهم من ذلك أن ما عداها من الجراح فيه القصاص ذكر أن شرط القصاص فيها أن لا يعظم الخطر في ذلك الجرح والكسر كعظم الصدر وجزم هنا تبعا لمن تقدمه كابن الحاجب ورد في المدونة الأمر في ذلك لأهل المعرفة وكذلك في الضلع قال في كتاب الجراح من المدونة والصلب إذا كسر خطأ وبرئ وعاد لهيئته فلا شيء فيه وكذلك كل كسر يعود لهيئته لا شيء فيه إلا أن يكون عمدا يستطاع فيه القصاص فإنه يقتص منه وإن كان عظما إلا في المأمومة والجائفة والمنقلة وما لا يستطاع أن يقتص منه فليس في عمد ذلك إلا الدية مع الأدب. قال مالك: وفي عظام الجسد القود من الهاشمة وغيرها إلا ما كان مخوفا مثل الفخذ وشبهه فلا قود فيه قال ابن القاسم: وإن كانت الهاشمة في الرأس فلا قود فيه لأني لا أجد هاشمة في الرأس إلا كانت منقلة ولا قصاص في الصلب والفخذ وعظام العنق. وفي كسر أحد الزندين وهما قصبتا اليد القصاص وإن كانت خطأ فلا شيء فيه إلا أن يبرأ على عثم فيكون فيها الاجتهاد وفي كسر الذراعين والعضدين والساقين والقدمين والكفين والأصابع القصاص وفي كسر الضلع الاجتهاد إذا بريء على عثم وإن برئ على غير عثم فلا شيء فيه وإن كسرت عمدا فهي كعظام الصدر إن كان مخوفا كالفخذ فلا شيء فيه. وإن كان مثل اليد والساق ففيه القصاص وفي الترقوة إذا كسرت عمدا القصاص لأن أمرها يسير لا يخاف منه وإن كسرت خطأ ففيه الاجتهاد وإن برئ على عثم وإلا فلا شيء فيه وكذلك اليد والرجل وجميع عظام الجسد إذا كسرت خطأ فبرئت على غير عثم فلا شيء فيه انتهى. لكن بقي على المصنف أن يعد في الجراح التي

(8/316)


وإن ذهب كبصر بجرح، واقتص منه فإن حصل، أو زاد وإلا فدية مالم يذهب
__________
لا قصاص فيها الجائفة كما نص على ذلك في المدونة وغيرها والله أعلم. قال أبو الحسن شك في عظام الصدر والضلع فرد ذلك إلى أهل المعرفة انتهى يعني به كونه رد ذلك إلى الاجتهاد. وقال في النوادر في ترجمة ما يكون فيه القصاص وما لا يكون فيه عن كتاب ابن المواز: قال: ففي الترقوة والضلع القصاص. قيل: فيسقط القود في شيء من كسر العظام قال أما في مثل عظام الصدر فلا أرى فيه القصاص وقد قال أشهب: لا قصاص فيه؛ لأنه متلف وقال أشهب يسأل عنه أهل المعرفة وعن الضلع فإن كانا غير مخوفين اقتص فيهما قال أشهب: قال مالك: وفي إحدى قصبتي اليد القصاص إن استطيع ذلك. وقال ابن القاسم: وأشهب في المجموعة فيه القصاص قال أشهب في الكتابين: وكذلك إذا كسرتا جميعا قال ابن المواز: واجتمعا أنه لا قصاص في عظام العنق والفخذ والصلب وشبه ذلك من المتألف في العظام وفيه العقل بقدر الشين إلا الصلب ففيه الدية ولا شيء في شينه إلا أن يكون انحنى وهو مع ذلك يقوم ففيه من الدية بحساب ذلك وفي كسر الفخذ حكومة بقدر الشين وقد يبلغ ذلك أكثر من الدية إلا أن يكون أشل رجله فلا يقدر أن يمشي بها على الأرض ففيه دية الرجل كاملة أو يشينه بما ينقص مشيه فله من الدية بقدر ما نقص منها وقال ابن القاسم عن مالك: وفي الظفر القصاص إن استطيع منه القود ابن المواز اختلف فيه قول مالك وهذا أحب إلينا قال ابن عبدوس: ينبغي أن يكون الظفر كسن الصبي لأنه ينبت انتهى. وقال ابن الحاجب: ولو برئ العظم الخطر على غير عثم فكالخطإ فلا شيء فيه سوى الأدب في العمد بخلاف العمد في غيره فإنه يقاد منه وإن برئ على غير عثم انتهى. قال في التوضيح: يعني أن ما لا قصاص فيه لخطره لو برئ على غير عيب فلا شيء فيه أما القصاص فلأنها مخوفة وأما العوض فلأن الشرع لم يسم، نعم يؤدب القاضي المتعمد انتهى.
فائدة: قال عياض: العثم والعثل بالميم واللام معا والعين المهملة المفتوحة والثاء المثلثة مفتوحة مع اللام وساكنة مع الميم وكلاهما بمعنى وهو الأثر والشين انتهى من التنبيهات. وقال أبو الحسن: الضلع بالضاد المعجمة مكسورة وفتح اللام والترقوة بفتح التاء وضم القاف غير مهموز أعلى الصدر المتصل بالعنق والزند بفتح الزاي وبالنون انتهى..
ص: (وإن ذهب كبصر بجرح اقتص منه فإن حصل أو زاد وإلا فدية ما لم يذهب) ش: أي وإن جرح شخص شخصا جرحا فيه القصاص وذهب بسبب ذلك الجرح شيء آخر كبصر أو سمع أو شم أو ذوق أو عقل اقتص من الجاني لذلك الجرح فإن حصل فيه مثل ما حصل في المجني عليه من ذهاب العقل أو السمع أو البصر أو غير ذلك أو زاد فقد حصل المطلوب فإن لم يحصل فيه

(8/317)


وإن ذهب والعين قائمة، فإن استطلع ذلك وإلا فالعقل، كأن شلت يده بضربة وإن قطعت يد قاطع بسماوي أو سرقة أو قصاص لغيره فلا شيء للمجني عليه، وإن قطع أقطع الكف من المرفق فللمجني عليه القصاص، أو الدية كمقطوع الحشفة وتقطع اليد الناقصة أصبعاً بالكاملة بلا غرم وخير إن نقصت أكثر فيه وفي الدية
__________
مثل ما حصل في المجني عليه فإنه يكون على الجاني دية ذلك ولم يبن المصنف هل الدية في ماله أو على عاقلته وفي ذلك قولان ذكرهما ابن الحاجب وغيره فمذهب ابن القاسم أن الدية في ماله وقال أشهب: على عاقلته. ص: (وإن ذهب والعين قائمة فإن استطيع كذلك وإلا فالعقل كأن شلت يده بضربة) ش: يعني فإن استطيع أن يقتص منه وعينه قائمة فعل.

(8/318)


وإن نقصت يد المجني عليه فالقود، ولو إبهاماً لا أكثر ولا يجوز بكوع لذي مرفق وإن رضي، وتؤخذ العين السليمة بالضعيفة خلقة أو لكبر ولجدري أو لكرمية فالقود إن تعمد، وإلا فبحسابه وإن فقأ سالم عين أعور فله القود وأخذ الدية كاملا من ماله وإن فقأ أعور من سالم مما ثلته فله القصاص أو دية ما ترك
__________
قال في مختصر الوقار: فإذا ضربت العين فأقيمت وذهب بصرها وبقي جمالها ففيها عقلها خمسمائة ولا قود فيها. وإن أتى ذلك منها عمدا لأنه لا يصل إلى القود إلا بذلك وكذلك

(8/319)


وغيرها فنصف دية فقط في ماله، وإن فقأ عيني السالم فالقود ونصف الدية، وإن قلعت سن فنبتت فالقود وفي الخطأ كالخطإ، والاستيفاء للغاصب كالولاء إلا الجد والإخوة فسيان
__________
اليد إذا شلت ولم تبن وكذلك اللسان إذا خرس ولم يقطع هذه سبيل كل ما ذهبت منفعته ولم يبن عن جسمان المجني عليه وبقي جماله وإن كان معينا ففيه عقله كاملا ولا قود فيه أو إن كان عمدا ويؤدب الجاني مع أخذ العقل منه وإذا ضرب رجل عين رجل فأدمعها أو ضرب سنه فحركها أو ضرب يده فأوهنها استؤني بجميع ذلك سنة فما آل إليه أمر العين والسن واليد بعد السنة حكم بذلك للمجني عليه بعد السنة انتهى.
ص: (والاستيفاء للعاصب) ش: قال اللخمي: إذا اجتمع في القيام بالدم نسب وولاء كان النسب المبدأ في القيام والعفو وإن لم يكن ذو نسب فالمولى الأعلى فإن لم يكن مولى أعلى فالسلطان ولا شيء للمولى الأسفل انتهى. وقال قبله: وإن لم يكن إلا رجل من الفخذ أو القبيل ولا يعرف قعدده من الميت ولا من يكون له ميراثه لم يكن له قيام بالدم انتهى وقال ابن سلمون فإن لم يكن أولياء فهل للسلطان ما للأولياء من العفو أو القصاص قال ابن الحاج في مسائله: الذي يقتضيه الواجب أنه لا نظر للسلطان في العفو عنه وكذلك ظهر لابن رشد انظرها في سماع يحيى من الديات انتهى. والذي في سماع يحيى في المسلم يقتل المسلم عمدا ولا ولي له إلا المسلمون أنه لا ينبغي للإمام أن يهدر دم المسلم ولكن يستقيد منه فإن قتل نصراني نصرانيا ثم أسلم القاتل والولي للمقتول المسلمون فإن العفو في مثل هذا أحب إلي وانظرها في أول سماع يحيى من الديات وانظر بقية كلام ابن رشد عليها وتقدم شيء من هذا عن المجموعة عند قول المصنف حين القتل

(8/320)


ويحلف الثالث، وهل إلا في العمد فكأخ تاويلان، وانتظر غائب لم تبعد غيبته
__________
فرع: قال في مختصر الوقار: وإذا أقر رجل أنه قتل عمدا ولم يعرف المقتول ولم يوجد له أولياء يقومون بدمه سجنه الحاكم ولم يقتله فلعل له وليا يعفو عن دمه انتهى. وانظر ابن سلمون.
ص: (وانتظر غائب لم تبعد غيبته) ش: يعني أنه إذا كان للمقتول وليان أحدهما غائب والآخر حاضر فليس للحاضر أن يستبد بالقتل قبل أن يعلم رأي الغائب إلا أن يكون الغائب بعيد الغيبة فإنه لا ينتظر وظاهر المدونة أن الغائب ينتظر وإن بعدت غيبته قال في كتاب الديات من المدونة. وإذا كان القتل بغير قسامة وللمقتول وليان أحدهما حاضر والآخر غائب فإنما للحاضر أن يعفو فيجوز العفو على الغائب وتكون له حصته من الدية فليس له أن يقتل حتى يحضر الغائب فحملها ابن رشد على ظاهرها كما ذكره في سماع يحيى من كتاب الديات وكذلك ذكر ابن عرفة عن تعليقة أبي عمران عن ابن أبي زيد أن ظاهر المدونة ينتظر وإن بعدت غيبته وقيد ابن يونس المدونة بما إذا لم تبعد غيبته. قال: قال سحنون فيمن بعد جدا أو أيس منه كالأسير ونحوه: قال ابن عرفة في النوادر عن المجموعة: قال ابن القاسم: ينتظر الغائب إلا أن يكون بعيد الغيبة فلمن حضر القتل ثم ذكر كلام سحنون قال ابن عرفة: فحذف الصقلي قول ابن القاسم قصور انتهى. فعلم من كلام ابن عرفة أن ابن القاسم لم يقيد الغيبة بالبعد جدا، ويفهم منه أن كلام سحنون خلاف قول ابن القاسم فلذلك لم يقيد المصنف الغيبة بالبعد جدا كقول سحنون وكما هو ظاهر كلام ابن الحاجب وعلم من كلام المصنف أنه لم ترتض حمل المدونة على ظاهرها كما قال ابن رشد. وقال في الشامل: وفيها انتظار الغائب إن قربت غيبته وهو الأصح أو مطلقا تأويلان وكتب إليه إن أمكن فإن أيس منه لم ينتظر كأسير وشبهه انتهى

(8/321)


ومغمىً ومبرسم، لا مطبق وصغير، لم يتوقف الثبوت عليه، وللنساء إن ورثن
__________
تنبيهات: الأول: إذا قلنا: ينتظر فإن القاتل يحبس قال في المدونة إثر الكلام السابق: ويحبس القاتل حتى يقدم الغائب ولا يكفل إذ لا كفالة في النفس ولا فيما دون النفس من القصاص انتهى.
الثاني: ظاهر كلام ابن عرفة والبرزلي أن مثل هذا يحبس ويقيد بالحديد انظر كلامهما
الثالث: هذا ظاهر إذا كان للقاتل مال يأكل منه أو أجري له من بيت المال ما يأكل منه أو التزم ذلك أحد وإذا لم يكن له شيء من ذلك فانظر كيف يعمل فيه هل يطلق من السجن وهو الظاهر إذ يبعد أن يقول أحد أنه يخلد في السجن حتى يموت جوعا فتأمله.
الرابع: هذا الخلاف الذي ذكرناه في انتظار الغائب البعيد الغيبة إنما هو حيث تتعدد أولياء الدم وكان بعضهم حاضرا وأما إن لم يكن الأولى واحد وهو غائب أو غاب جميع الأولياء فالظاهر أنهم ينتظرون مطلقا ولو بعدت غيبتهم ويشهد لذلك الفرع المنقول عن مختصر الوقار في القولة التي قبل هذه لكن مع وجود النفقة على القاتل هذا الذي ظهر لي ولم أر في المسألة المذكورة نصا بعد البحث عليها في المدونة وأبي الحسن والرجراجي والنوادر والبيان والتوضيح وابن عبد السلام والشامل وبهرام الكبير والمقدمات والذخيرة وغيرها والله أعلم.
ص: (لا مطبق وصغير) ش: قال ابن عرفة: وفيها إن كان أحد الوليين مجنونا مطبقا فللآخر أن يقتل وهذا يدل على أن الصغير لا ينتظر وإن كان في الأولياء مغمى عليه أو

(8/322)


ولم يساوهن غاصب، ولكل القتل ولا عفو إلا باجتماعهم، كأن حزن الميراث، وثبت بقسامة والوارث كمورثه، وللصغير إن عفي نصيبه من الدية
__________
مبرسم انتظر إفاقته لأن هذا مرض. ابن رشد: القياس قول من قال: ينتظر وأفتى فيمن له بنون صغار أو عصبة كبار بانتظار الصغار قائلا إذ هم أحق بالقيام بالدم فسئل عن فتياه بخلاف الرواية المأثورة في ذلك فقال: خفي عن السائل معنى ذلك فظن أنه لا يسوغ للمفتي العدول عن الرواية وليس كذلك بل لا يسوغ للمفتي تقليد الرواية إلا بعد علمه بصحتها لا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم وهذه الرواية مخالفة للأصول واستدل على مخالفتها بما حاصله وجوب اعتبار حق الصغير وتأخيره لبلوغه كحق له بشاهد واحد، وبأن له جبر القاتل على الدية على قول أشهب وأحد قولي ابن القاسم ورواية الأخوين ابن عرفة ولا يخفى ضعف هذا ولا يعتبر هذا في زماننا إنما ساغ ذلك لابن رشد لعلو طبقته وقال بعض من عاصره: ليس العمل على هذا إذ هو خلاف قول ابن القاسم وفي طرة بعض نوازله ما نصه ليس العمل على هذا إذ هو خلاف ابن القاسم وقال ابن الحاجب: أنه أفتى بذلك من غير رواية ولا حجة، فإن قلت: ما هي الرواية المأثورة في ذلك؟

(8/323)


ولوليه النظر في القتل والدية كاملة، كقطع يده، إلا لعسر فيجوز بأقل، بخلاف قتله فلعاصبه والأحب أخذ المال في عبده
__________
قلت: في الموازية والمجموعة روى ابن وهب وأشهب في قتيل له بنون صغار وعصبة فللعصبة القتل ولا ينتظر بلوغ الصغار قال عنه ابن وهب: ولهم العفو على الدية وتكون بينهم قال عنه أشهب: وينظر للصغار وليهم في القود والعفو على مال وله أن يقسم إن وجد معه من العصبة من يقسم معه وإن لم يكن في قرية ثم يكون لهذا الذي هو أولى بالصبي القتل أو العفو على الدية انتهى. وانظر عزوه الرواية للموازية والمجموعة وقد قال في كتاب الديات من المدونة: وإذا كان للمقتول عمدا ولد صغير وعصبة فللعصبة أن يقتلوا أو يأخذوا الدية ويعفوا، ويجوز ذلك على الصغير وقال قبل هذا في ترجمة من تجوز شهادته في قتل الخطإ: وإذا كان للمقتول أولاد صغار والقتل بقسامة فلأولياء المقتول تعجيل القتل ولا ينتظر أن يكبر ولده الصغار فيبطل الدم وإن عفوا لم يجز عفوهم إلا على الدية لا على أقل منها وإن كان أولاد المقتول كبارا وصغارا فإن كان الكبار اثنين فصاعدا فلهم أن يقسموا ويقتلوا ولا ينتظر بلوغ الصغار وإن عفا بعضهم فللباقين الأصاغر حظهم من الدية وإن لم يكن له إلا ولد كبير وصغير فإن وجد الكبير رجلا من ولاة الدم حلف معه وإن لم يكن ممن له العفو حلفا خمسين يمينا ثم للكبير أن يقتل وإن لم يجد من يحلف معه حلف خمسا وعشرين يمينا واستؤني الصغير فإذا بلغ حلف أيضا خمسا وعشرين يمينا ثم استحق الدم وإن كان القتل بغير قسامة وللمقتول ولدان أحدهما حاضر والآخر غائب فإنما للحاضر أن يعفو، أو يجوز على الغائب ويكون له حصة من الدية وليس له أن يقتل حتى يحضر الغائب، ويحبس القاتل حتى يقدم الغائب ولا يكفل إذ لا كفالة في النفس ولا فيما دون النفس من القصاص وإن كان للمقتول أولياء كبار وصغار فللكبار أن يقتلوا ولا ينتظر الصغار وليس الصغير كالغائب يكتب

(8/324)


ويقتص من يعرف يأجره المستحق وللحاكم رد القتل فقط للولي، ونهى عن العبث وأخر لبرد أوحر، كالبرد وكديته خطأ ولوكجائفة
__________
إليه فيصنع في نصيبه ما أحب والصغير يطول انتظاره فيبطل الدم وإن كان أحد الوليين مجنونا مطبقا فللآخر أن يقتل وهذا يدل على أن الصغير لا ينتظر. قال: وإن كان بعض الأولياء مغمى عليه أو مبرسما فإنه ينتظر إفاقته لأن هذا مرض من الأمراض ا هـ. ثم قال بعد ذلك: ما هو أصرح في المسألة وإذا كان للمقتول عمدا ولد صغير وعصبة فللعصبة أن يقتلوا أو يأخذوا الدية ويعفوا، ويجوز ذلك على الصغير وليس لهم أن يعفوا على غير مال انتهى. وقال أبو الحسن: قوله: "فيبطل الدم" إما بأن يموت القاتل حتف أنفه أو يهرب من السجن ا هـ.
ص: (ويقتص من يعرف بأجرة من المستحق) ش: يعني أن المجروح إذا وجب له القصاص فإنه لا يترك أن يقتص لنفسه ولكن يدعى له أهل المعرفة بالقصاص فيقتصون له وتكون أجرة الذي يقتص على

(8/325)


والحامل وإن بجرح مخيف لا بدعواها وحبست كالحد، والمرضع بوحود مرضع والموالاة في الأطراف كحدين لله لم يقدر عليهما، وبدئ باشد لم يخف عليه لا بدخول الحرم وسقط إن عفى رجل الباقي
__________
المستحق للقصاص. قاله مالك وابن القاسم وأشهب قاله في النوادر قال: ويدعى له أرفق من يقدر عليه من أهل البصر فيقتص بأرفق ما يقدر عليه قال مالك: وأحب إلي أن يولي الإمام على الجراح رجلين عدلين ينظران ذلك ويقيسانه. قال: وإن لم يجد إلا واحدا فأرى ذلك مجزئا إن كان عدلا فإن كانت موضحة شرط في رأسه مثلها وإن كانت سنا مقلوعة من أصلها نزعت من الجاني بالكلبتين أو بأرفق ما يقدر عليه وإن كسر أشرافها أو بعضها سخل بمقدار ذلك منها قيل لمالك أتجعل الموسى بيد المجروح ثم يشد الطبيب على يده حتى يبلغ ذلك قال لا أعرف هذا ا هـ.

(8/326)


والبنت أولى من الأخت في عفو وضده، وإن عفت بنت من بنات نظر الحاكم، وفي رجال ونساء لم يسقط إلا بهما أو ببعضهما ومهما أسقط البعض فلمن بقي نصيبه من الدية كإرثه ولو قسطاً من نفسه
__________
تنبيه: فعلم من هذا أن القصاص في الجراح لا يطلب فيه أن يكون بمثل ما جرح فإذا شجه موضحة مثلا بحجر أو عصا يقتص منه بالموسى ولا يقتص منه بحجر أو عصا.
ص: (ومهما أسقط البعض فلمن بقي نصيبهم من دية عمد) ش: يعني أنه إذا أسقط بعض من له العفو حقه وعفا عن القاتل فإن القود يسقط ويتعين للباقين نصيبهم من دية عمد ويدخل في ذلك بقية الورثة فإذا عفا جميع الأولياء فلا شيء للبنات قال في المدونة في آخر كتاب

(8/327)


وإرثه كالمال وجاز صلحه في عمد بأقل أو أكثر، والخطإ كبيع الدين، وإلا يمضي على عاقلته كعكسه، فإن عفى فوصية وتد خل الوصايا فيه وإن بعد سببها أو بثلثه أوبشيء إذا
__________
الديات وإذا قامت بينة بالقتل عمدا فللمقتول بنون وبنات فعفو البنين جائز على البنات ولا أثر لهن مع البنين في عفو ولا قيام وإن عفوا على الدية دخل فيها النساء وكانت على فرائض الله تعالى وقضى منها دينه وإن عفا واحد من البنين سقطت حصته من الدية وكانت بقيتها بين حق من بقي على الفرائض وتدخل في ذلك الزوجة وغيرها وكذلك إذا وجب الدم بقسامة ولو أنه عفا على الدية كانت له ولسائر الورثة على المواريث وإذا عفا جميع البنين فلا شيء للنساء من الدية وإنما لهن إذا عفا بعض البنين والإخوة والأخوات إذا استووا فهم كالبنين والبنات فيما ذكرنا ا هـ. وما ذكره في المدونة من أنه إذا عفا جميع البنين فلا شيء للنساء من الدية قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: ولا لمن لا يعتبر عفوه معه كالبنات والابن هو ظاهر المذهب وبه قال ابن القاسم وأشهب وروى أشهب عن مالك أيضا إن عفا الذكور كلهم فحق أخواتهم في الدية باق. ابن المواز وبالقول الأول قال: من أدركنا من أصحاب مالك ثم إن الأول مقيد بأن يعفو كل من له العفو في فور واحد وأما لو عفا بعض من له ذلك ثم بلغ من بقي وعفا فلا يضر ذلك من معهما من أخت وزوج وزوجة لأنه مال ثبت

(8/328)


عاش بعدها ما يمكنه التغيير فلم يغير، بخلا ف العمد إلا أن ينفذ مقتله ويقبل وارثه الدية وعلم
__________
بعفو الأول قاله محمد ا هـ.
ص: (بخلاف العمد) ش: أي فلا تدخل الوصايا فيما أخذه الورثة عنه قال في الشامل: ولا مدخل لوصية في عمد وإن ورثت كماله أو غرم الدين منه ولو قال: إن قبل أولادي الدية فوصيتي فيها أو أوصي بثلثها ولا يدخل منها في ثلثه شيء إلا إذا أنفذ مقتله وقبل أولاده الدية وعلم بها ا هـ.
فرع: ولو أوصى أن تقبل الدية من القاتل وأوصى فيها بوصايا لم تدخل الوصايا فيه على المشهور لاحتمال أن لا يرضى القاتل قاله في رسم العارية من سماع عيسى من كتاب الديات فإن رضي القاتل بذلك أيضا كانت الوصايا في الدية.
تنبيه: قال ابن الحاجب: بخلاف العمد فإنه لا مدخل للوصية فيه وإن كان يورث كماله ويغرم الدين منه قال ابن عبد السلام: معناه أنه لا يضر في سلب المالية عن عدم العمد وعدم نفوذ الوصية من ثلث ديته كون الدية فيه تورث كماله وتأخذ منها الزوجة سهمها ويؤدى منها الدين لأنها دائرة بين ما قلناه من عدم المالية وبين كونها ما لم يعلم به الوصي انتهى. وقال في التوضيح: ولا يضر في سلب المالية كونه يورث عنه ويغرم منه الدين لأنها مال لم يعلم به ربه أو ليست بمال حقيقة فتأمله ا هـ. ولا أعلم خلافا في كونه يؤدى منها دين الميت إذا قبلت قال ابن رشد في أول رسم من سماع أصبغ من كتاب الوصايا: ولو أوصى المقتول بمال فقال يخرج ثلثي مما علمت من مالي ومما لم أعلم لم تدخل في ذلك الدية التي أخذها الورثة لأنها مال لم يكن له وإنما قال: ما لم أعلم وديته لم تكن من ماله ولكن يؤدى منها ديته ويرثها عنه ورثته على كتاب الله عز وجل لأن السنة أحكمت ذلك في الدية وإن كانت

(8/329)


وإن عفى عن جرحه أو صالح فمات، فلأوليائه القسامة والقتل ورجع الجاني فيما أخذ منه وللقاتل الاستحلاف على العفو، فإن نكل حلف واحدة وبرأ وتلوم له في بينته الغائبة وقتل بما قتل ولو ناراً إلا بخمر أو لواط وسحر، وما يطول وهل والسم أو يجتهد في قدره تأويلان فيغرق ويخنق
__________
ليست بمال للمقتول الموروث قال ابن دحون: وهو صحيح ا هـ كلام ابن رشد.
ص: (وإن عفا عن جرحه أو صالح فمات) ش: نحوه في المدونة فيمن قطعت يده فعفا ثم مات قال الشيخ أبو الحسن: إن قال: عفوت عن اليد لا غير لا إشكال وإن قال عن اليد وما ترامى إليه من نفس أو غيره فلا إشكال وإن قال عفوت فقط فهو محمول على أنه عفا عما وجب له في الحال وهو قطع اليد ا هـ. وقد ذكر المصنف هذه المسألة في كتاب الصلح أيضا وتقدم الكلام عليها بما فيه الكفاية والله أعلم.
ص: (واندرج طرف) ش: يعني أن الأطراف تندرج في

(8/330)


ويحجر ويضرب بالعصا للموت، كذي عضوين ومكن مستحق من السيف مطلقاً، واندرج طرف إن تعمده وإن لغيره لم يقصد مثلة، كالأصابع في اليد ودية الخطإ على البادي مخمسة بنت مخاض، وولد لبون وحقة وجذعة وربع في عمد، بحذف ابن اللبون
__________
النفس كما إذا قطع يد واحد ورجل آخر وفقأ عين آخر وقتل آخر وهو ظاهر.
فرع: قال في المدونة في أثناء كتاب الديات: ومن فقأ أعين جماعة اليمنى وقتا بعد وقت ثم قاموا فلتفقأ عينه لجميعهم وكذلك اليد والرجل ولو أقام أحدهم وهو أولهم أو آخرهم فله القصاص ولا شيء لمن بقي وكذلك لو قتل رجلا عمدا ثم قتل بعد ذلك رجالا فقتل فلا شيء فيه لهم عليه انتهى.
ص: (ودية الخطإ على البادئ مخمسة) ش: شرع يتكلم

(8/331)


وثلثت في الأب ولو مجوسياً في عمد لم يقتل به، كجرحه بثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة بلا حد سن، وعلى الشامي والمصري و المغربي ألف دينار، وعلى العراقي اثنا عشر ألف درهم، إلا في المثلثة فيزاد بنسبة ما بين الديتين والكتابي والمعاهد نصف ديته والمجوسي والمرتد ثلث خمس
__________
رحمه الله على الدية وهي بتخفيف الياء المثناة التحتية قال ابن عرفة الدية مال يجب بقتل آدمي حر عن دمه أو بجرحه مقدرا شرعا لا باجتهاد فيخرج ما يجب بقتل غير الآدمي من

(8/332)


وأنثى كل كنصفه، وفي الرقيق قيمته، وإن زادت وفي الجنين وإن علقة عشر أمه ولو أمة نقداً أو غرة عبد أو وليدة تساويه والأمة من سيدها والنصرانية من العبد المسلم كالحرة إن زايلها كله حية إلا أن يحيا فالدية إن أقسموا، ولو مات عاجلاً وإن تعمده بضرب بطن أو ظهر
__________
قيمة فرس ونحوه وما يجب بقتل ذي رق من قيمته والحكومة انتهى.
ص: (وفي الجنين ولو علقة عشر دية أمه) ش: شمل كلامه جنين الحيوان البهيمي قال في المسائل الملقوطة: لما ذكر المسائل التي انفرد بها مالك ولم يتبعه عليها أحد من فقهاء الأمصار من ضرب بطن بهيمة

(8/333)


أو رأس ففي القصاص خلاف، وتعدد الواجب بعدده، وورث على الفرائض ففي الجراح
__________
فألقت جنينا ميتا فعليه عشر قيمة أمه ا هـ. وهذا خلاف ما يقوله المصنف إنما فيه ما نقصها وهو الذي يقوله أهل المذهب.
ص: (وأورثت على الفرائض) ش: تصوره ظاهر.
تنبيه: إذا كان الجاني هو الأب فتجب عليه الغرة ولا يرث منها قاله في الديات من المدونة ونصه: ولو ضرب الأب بطن امرأته فألقت جنينا ميتا فلا يرث الأب من دية الجنين شيئا ولا يحجب ويرثها من سواه ا هـ. وقال الجزولي في شرح الرسالة: وكذلك الأم إذا كانت هي التي أسقطت مثل أن تشرب ما يعلم أنه يسقط به الجنين فإن الغرة تجب عليها ولا ترثها وأما إن شربت دواء مما لا يعلم أنه لا يسقط به الجنين فكان ذلك سبب سقوطه فلا غرة عليها وكذلك الطبيب إذا سقاها وكانت الأدوية مما يعلم أنه يسقط به الجنين فعليه الغرة وإن كان مما يعلم أنه لا يسقط به فلا غرة عليه انتهى بلفظه. وقال في رسم العقود من سماع أشهب من كتاب الديات: وسئل مالك عن المرأة تشرب الدواء وهي حامل فيسقط ولدها أترى عليها شيئا؟ قال: ما أرى به بأسا إذا كان دواء يشبه السلامة فليس به بأس إن شاء الله قد يركب الإنسان الدابة فتصرعه وقد "كوى رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الميت يهود تقول يفتنون به ويقولون لم يغن عنه صاحبه" قال ابن رشد: هذا بين على ما قاله وهو على قياس ما تقدم في رسم البز من سماع ابن القاسم في الصبي الذي تسقيه أمه الدواء فيشربه فيموت ا هـ. وقال في المسائل الملقوطة في الحامل تشرب دواء فتلقي جنينها: ذكر ابن حبيب عن قتادة أن عليها عتق رقبة، وقال فضل بن مسلمة: قد قيل لا شيء عليها إذا كان دواء مأمونا وهو مذهب أصحابنا ا هـ. وذكرها ابن فرحون في الفصل التاسع من القسم الثالث من تبصرته وقال في مفيد الحكام: وإذا شربت المرأة دواء فألقت جنينا ميتا لم تكن للغرة ضامنة ا هـ. يريد إذا كان دواء مأمونا كما تقدم في كلام غيره والله أعلم. وسيأتي عند قول المصنف: "وعلى القاتل إلخ" وانظر كتاب الديات من المدونة في باب ما أصاب النائم والنائمة.
ص: (وفي الجراح حكومة) ش: قال في الرسالة: وما برئ على غير شين مما دون

(8/334)


حكومة بنسبة نقصان الجناية إذا برئ من قيمته عبداً فرضاً من الدية كجنين البهيمة
__________
الموضحة فلا شيء فيه، قال الجزولي: انظر أجرة الطبيب وثمن الزراريع قيل: على الجاني وقيل لا شيء عليه وهو ظاهر الكتاب، وقال الفاكهاني: ظاهر الرسالة أنه لا يعطى أجرة الأدوية ولم يقل به مالك، وقيل: يعطى ما أنفقه من الأدوية قاله الفقهاء السبعة، قال ابن ناجي: أراد الفاكهاني بقوله: "ولم يقل به مالك" أي لم يقل بأن الأجرة له بل قال مثل ظاهر كلام الرسالة: إذا قيل له: من انكسر فخذه ثم جبرت مستوية أله ما أنفق في علاجه قال: ما علمته من أمر الناس أرأيت إن برئ على شين أيكون له قيمة الشين وما أنفق في علاجه ا هـ. وقال أبو الحسن: قال ابن يونس: قال مالك: وليس أجر الطبيب بأمر معلوم معمول به ثم ذكر ما تقدم وقال بعده ابن رشد": وقال الفقهاء السبعة: فيما دون الموضحة من جراح الخطإ أجر المداوي صح من المقدمات هنا وقال ابن الحاجب: هذا قال مالك: ما علمت أجر الطبيب من أمر الناس ذكره قبل الكلام على الأعضاء المقررة وذكر المصنف في آخر باب الغصب في ذلك قولين. ص: (كجنين البهيمة) ش: قال في المسائل الملقوطة لما ذكر المسائل التي انفرد بها مالك ولم يتابعه عليها أحد من فقهاء الأمصار: من ضرب بطن بهيمة فألقت جنينا ميتا فعليه

(8/335)


إلا الجائفة والآمة فثلث والموضحة فنصف عشر، والمنقلة والهاشمة فعشر ونصفه وإن بشين
__________
عشر قيمة أمه ا هـ. وما قاله خلاف ما قاله المصنف من أنه إنما فيه قيمة ما نقصها وما قاله المصنف هو الذي يقوله أهل المذهب.
ص: (وإن بشين فيهن) ش: الضمير للجائفة والآمة والمنقلة والهاشمة والموضحة ومعناه أنه إذا حصل بسبب واحد من هذه الجراحات شين فإنه لا يزاد على المقدر فيها شيء لأجل الشين ولم يذكروا خلافا في اندراج شين غير الموضحة واختلف في اندراج شين الموضحة على ثلاثة أقوال الأول يندرج وهو ظاهر كلامه هنا وعزوه في التوضيح لأشهب وهو ظاهر إلحاقا لها ببقية أخواتها والثاني أنه يزاد لأجل الشين سواء كان قليلا أو كثيرا وعزوه في التوضيح لابن زرقون وهو مذهب المدونة قال فيها وموضحة الوجه والرأس إذا برئت على شين؛ زيد في عقله بقدر الشين ا هـ. والثالث روى ابن نافع عن مالك إن كان أمرا منكرا زيد له وإلا فلا ا هـ من التوضيح وقال الشيخ زروق في الموضحة إذا برئت على شين ثلاثة مشهورها قول مالك وابن القاسم: أنه يزاد على ديتها بقدر الشين انتهى.
ص: (وفي اليدين) ش: قال ابن ناجي: والدية كاملة في مجموع اليدين سواء قطعت الأصابع خاصة أو قطعت مع الكف أو مع الذراع أو قطعت اليدان من المنكبين وهو الذي قلناه هو قول مالك من رواية أشهب ولو قطع كف وليس فيها إلا أصبع واحدة فله دية الأصبع واستحسن ابن القاسم في الكف حكومة قال أشهب لا شيء له في الكف إذا ما بقي شيء له دية واتفقوا إذا بقي الكف خاصة ففيها حكومة وأنه إن لم يذهب له إلا أصبع واحد فلا شيء له فيما بقي من الكف واختلفوا فيما بين ذلك فجعل ابن القاسم الأصبع قليلا كما لو لم يبق فيها شيء وجعل أشهب وجودها مانعا من أخذ الحكومة ووافقه على ذلك سحنون وقاله ابن القاسم في الأصبعين وجعل عبد الملك الثلاثة من حيز القليل فله في الكف

(8/336)


فيهن إن كن برأس أو لحي أعلى والقيمة للعبد، كالدية وإلا فلا تقدير وتعدد الواجب بجائفة
__________
عنده بحساب ما ذهب من الأصابع وقال المغيرة: إذا ذهب منها أصبعان ثم قطع الكف بعد ذلك فإن أخذ في الأصبعين عقلا أو قودا فله عقل ثلاثة أصابع ولا حكومة له ا هـ. وقال في المدونة في أواخر كتاب الجراح: إذا ذهبت أصبع من الكف بأمر من الله سبحانه وبجناية وقع فيها قصاص أو عقل ثم أصيبت الكف خطأ ففيها أربعة أخماس الدية ولو ذهبت منها أنملة اقتص منها لقوصص بها في دية الكف. ومن قطع كفا خطأ وقد ذهب بعض أصابعها فإنما عليه بحساب ما بقي من الأصابع في الكف وإن لم يبق في الكف إلا أصبع واحدة فعليه في الأصبع ديتها واستحسن في الكف حكومة ومن قطع كف رجل عمدا وقد ذهب منها أصبعان أو ثلاثة بأمر من الله عز وجل أو بجناية وقطع فيها قصاص أو عقل لم يقتص منه ولكن عليه العقل في ماله ولو ذهب منها أصبع واحدة قطعت يده قصاصا سواء كانت الإبهام المقطوعة أو غيرها انتهى.
ص: (والقيمة للعبد كالدية) ش: قال في أوائل كتاب الديات من المدونة: وفي مأمومة العبد وجائفته في كل واحدة ثلث قيمته وفي منقلته عشر قيمته ونصف عشر قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته وفيما سوى ذلك من جراحاته ما نقصه بعد برئه ا هـ. فإن برئت

(8/337)


نفذت كتعدد الموضحة والمنقلة والآمة، إن لم تتصل، وإلا فلا وإن بفور في ضربات والدية في العقل، أو السمع، أو البصر، أو النطق، أو الصوت، أو الذوق، أو قوة الجماع، أو نسله، أو تجذيمه، أو تبريصه، أو تسويده، أو قيامه وجلوسه، أو الأذنين
__________
الجراحات المذكورة على شين فاختلف هل يزاد لأجل الشين أو لا يزاد ويكون الواجب فيها

(8/338)


أو الشوى، أو العينين، أو عين الأعور للسنة، بخلاف كل زوج، فإن في أحدهما نصفه وفي اليدين والرجلين، ومارن الأنف، والحشفة، وفي بعضهما بحسابها منهما لا من أصله وفي الأنثيين مطلقا،ً وفي ذكر العنين قولان، وفي شفري المرأة إن بدا العظم، وفي ثدييها أو حلمتيها إن بطل اللبن، واستؤني بالصغيرة وسن الصغير الذي لم يثغر للإياس كالقود وإلا
__________
حينئذ ما نقصه في ذلك ثلاثة أقوال ذكرها في المقدمات وانظر الشيخ أبا الحسن والله أعلم.
ص: (وسن الصغير لم يثغر للإياس كالقود وإلا انتظر سنة) ش: يعني أن سن الصغير إذا قلعت قبل الإثغار خطأ أو عمدا لم يعجل فيها القود ولا الدية حتى يؤيس من نباتها. فقوله: "كالقود" تشبيه لإفادة الحكم وقيد اللخمي وقف العقل بغير المأمون وأما الجاني المأمون فلا

(8/339)


سنة وسقطا، وإن عادت وورثا إن مات، وفي عود السن أصغر بحسابها، وجرب العقل بالخلوات والسمع بأن يصاح من أماكن مختلفة مع سد الصحيحة ونسب لسمعه الآخر وإلا فسمع وسط، وله نسبته إن حلف ولم يختلف قوله، وإلا فهدر والبصر بإغلاق الصحيحة
__________
يوقف وظاهر قوله أنه يوقف جميع عقلها وهو كذلك خلافا لسحنون وقوله: "وإلا انتظر سنة" قال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: وإلا انتظر بها سنة يعني أنه إذا جاوز السن الذي لا ينبت فيه ولم تنقض سنة انتظرت بقية السنة ووجبت الدية في الخطإ، والقصاص في العمد انتهى. وانظر ضبط يثغر والإثغار في التوضيح. ص: (وسقط إن عادت) ش: يعني أنه إذا عادت سن الصغير سقط القود والعقل وأما الكبير إذا قضي له بعقل سنه ثم عادت أو أذنه ثم عادت بعد الحكم فلا يرد شيئا اتفاقا وإن ردتا منه قبل الحكم وعادتا ففي ذلك ثلاثة أقوال ومذهب المدونة أنه يقضى بالعقل فيها وأما القود في العمد فلا خلاف في أنه يقاد منه ولو عادت السن أو الأذن قال في البيان ونقله ابن عرفة قبل الكلام على الأحق بالدم ونقله في التوضيح والله أعلم

(8/340)


كذلك والشم برائحة حادة، والنطق بالكلام اجتهاداً، والذوق بالمقر، وصدق مدع ذهاب الجميع بيمين والضعيف من عين ورجل ونحوهما خلقة كغيره، وكذا المجني عليها إن لم يأخذ لها عقلاً، وفي لسان الناطق وإن لم يمنع النطق ما قطعه
__________
فرع: فإن قلعت سن الصغير بعد الإثغار ونباتها أخذ الدية معجلة نقله ابن عرفة وغيره.

(8/341)


فحكومة كلسان الأخرس، واليد الشلاء، والساعد وأليتي المرأة وسن مضطربة جداً وعسيب ذكر بعد الحشفة وحاجب أو هدب أو ظفر، وفيه القصاص وإفضاء ولا يندرج تحت مهر بخلاف البكارة إلا بأصبعه، وفي كل أصبع عشر، والأنملة ثلثه إلا في الإبهام فنصفه
__________
ص: (بخلاف البكارة) ش: أي فإنها تندرج تحت المهر فإذا وطئ بكرا أو افتضها غصبا فعليه صداقها كما صرح به في النوادر في كتاب الزنا وهو معنى قول ابن الحاجب هنا: "والزوج وغيره سواء" وأظنه في المدونة. ص: (إلا بأصبعه) ش: يعني إلا إذا أزال البكارة بأصبعه فإنها لا تندرج في المهر، قال ابن رشد في سماع سحنون من كتاب النكاح: إذا فعل ذلك بغير زوجته

(8/342)


وفي الأصبع الزائدة القوية عشر، إن انفردت، وفي كل سن خمس
__________
فلا خلاف أن عليه ما شانها عند الأزواج مع الأدب، فأما إذا فعل ذلك بزوجته فقال ههنا لا شيء عليه. معناه أنه ليس عليه أدب إلا ما شانها به إن أمسكها ولم يطلقها ولا يجب عليه بذلك جميع صداقها إن طلقها قبل أن يمسها. يريد ويكون عليه إن فعل ذلك ما شانها فعله عند غيره من الأزواج وفي سماع أصبغ من ابن القاسم أن ذلك من الزوج كالوطء يجب به جميع الصداق. وقال أصبغ: القياس أنه في الأصبع وغيره سواء يريد أنه يجب عليه بذلك إن طلقها قبل أن يمسها ما شانها به عند غيره من الأزواج لا في وجوب الأدب فقول أصبغ في سماعه مثل قول ابن القاسم هنا ا هـ. وقال ابن شاس: لو أزال بكارة زوجته بأصبعه ثم طلقها فعليه قدر ما شانها مع نصف الصداق وينظر ما شانها عند الأزواج في مالها وجمالها ا هـ. وقال ابن الحاجب: ولو أزال البكارة بأصبعه فحكومة. قال في التوضيح: فعلى الزوج حكومة وعليه نصف الصداق إن طلق وهو القياس عند أصبغ ولابن القاسم لها الصداق كاملا ا هـ. وظاهره أن الحكومة تجب على الزوج ولو لم يطلق وهو خلاف ما تقدم عن ابن رشد فيقيد كلام التوضيح بأن ذلك بعد الطلاق وكلام ابن الحاجب بعده يقوي الإبهام لأنه قال بعده: والزوج وغيره فيهما سواء. قال في التوضيح: أي في الإفضاء والبكارة سواء أي في لزوم الدية والحكومة على القولين في الإفضاء ولزوم الحكومة في البكارة انتهى. فيقيد كلامه بكلام ابن رشد وانظر المسألة أيضا في رسم الرطب باليابس من سماع ابن القاسم من كتاب الجنايات.
ص: (وفي كل سن خمس من الإبل) ش: قال في المتيطية: في كل سن خمس من الإبل وهي خمسون دينارا على أهل الذهب وستمائة درهم على أهل الورق

(8/343)


وإن سوداء بقلع، أو اسوداد أو بهما أو بحمرة أو بصفرة إن كان عرفا، كالسواد أو باضطرابها جدا، وإن ثبتت لكبير قبل أخذ عقلها أخذه كالجراحات الأربعة، ورد في عود البصر وقوة الجماع ومنفعة اللبن،ننن وفي الأذن إن ثبت تأويلان، وتعددت الدية بتعددها
__________
فرع: إذا أخذت دية السن أو الأصابع والجراح من الإبل فتؤخذ مخمسة من الأصناف الخمسة بنات المخاض وبنات اللبون وبنو اللبون والحقات والجذعات قاله في النوادر. ص: (واسوداد) ش: أي فإن انقلعت ففيها دية أخرى قاله في التوضيح فانظره. ص: (فإن ثبتت لكبير) ش: أي فإن ثبتت سن الكبير بعد قلعها وقبل أن يأخذ عقلها فإنه يأخذ العقل وهذا إذا قلعت السن وأما لو اضطربت جدا ثم ثبتت فإنه لا شيء فيها كما يفهم ذلك من كلام التوضيح

(8/344)


إلا المنفعة بمحلها وسلوت المرأة الرجل لثلث ديته فترجع لديتها وضم متحد الفعل أو في حكمه أو المحل في الأصابع لا الأسنان
__________
في شرح قول ابن الحاجب واشتداد اضطرابها فيمن لا يرجى كقلعها فإنه قال: قال ابن

(8/345)


والمراضع والمناقل، وعمد الخطأ وإن عفت ونجمت دية الحر الخطأ بلا اعتراف على العاقلة والجاني، إن بلغ ثلث المجني عليه أو الجاني
__________
القاسم: ويستأنى بها سنة ا هـ.
ص: (على العاقلة والجاني) ش: ما ذكره من دخول الجاني هو المشهور وقيل: لا يدخل ابن عرفة وعليه إن لم تكن عاقلة تسقط الجناية وعلى الأول إن لم يجد من يعينه فيها عادت عليه. وقيل: على بيت المال فإن لم يكن أو عسر تناولها كانت عليه ا هـ. والقول الثاني من هذين القولين المفرعين على الأول وهو الجاري على كلام المؤلف والله أعلم.
فرع: لا تحمل العاقلة جناية العبد قال في التوضيح:؛ لأنه إن جنى عمدا اقتص منه وإن جنى خطأ ففي رقبته ا هـ. وكذا لا تعقل العاقلة من قتل نفسه وكذلك الصلح قال في التوضيح: لأنه إن كان عما يلزم العاقلة من دية الخطإ فمن حق العاقلة أن ترده إن شاءت وإن كان عن عمد فلا يلزمها الأصل ولا الفرع ا هـ. ص: (إن بلغ ثلث دية المجني عليه أو الجاني) ش: هذا هو المشهور قال في التوضيح: وحكى اللخمي عن أشهب أن العاقلة لا تحمل إلا

(8/346)


وما لم يبلغ فحال عليه كعمد ودية غلظت
__________
ما زاد على الثلث انتهى. وفهم من هذا الشرط أن الغرة لا تحملها العاقلة وهو المشهور قال ابن الحاجب في مال الجاني قال في التوضيح هذا مذهب المدونة وروى أبو الفرج أن العاقلة تحملها لأنها دية شخص قائم بنفسه والأول يقيد بأن لا يكون ثلث دية الجاني ففي المدونة وإن ضرب مجوسي أو مجوسية بطن مسلمة خطأ فألقت جنينا ميتا حمله عاقلة الضارب ا هـ
فرع: لو جنى عليه ما لا تحمله العاقلة فسرى إلى ما تحمله حملت الجميع قال ابن الحاجب: ولو شجه موضحة خطأ فذهب سمعه وعقله فديتان ونصف عشر على العاقلة وكذلك لو شجه موضحة ومأمومة بضربة واحدة قال في التوضيح: نحوه في المدونة هو ظاهر على مذهب مالك الذي يرى العقل في القلب وأما على قول عبد الملك فإذا كانت الموضحة في اللحم الأعلى من الوجه سقطت دية الموضحة ا هـ. لأنه يرى أن محل العقل الرأس تسقط دية الموضحة لاندراجها في دية العقل لاتحاد المحل وكلام المؤلف مخالف لكلام ابن عبد السلام إذ قال ما نصه: هذا ظاهر على قول من يرى أن محل العقل القلب أما من يراه الدماغ فينظر في الموضحة فإن كانت في الفك الأعلى من الوجه فكذلك وإن كانت في الدماغ فيستغنى بدية العقل عن دية الموضحة وليس مراد المؤلف هنا تحقيق هذا المعنى وإنما مراده أن الضربة الواحدة إذا كان عنها جرحان أو جراحات يقصر بعضها عن ثلث الدية وكان في المجموع ما يبلغ ثلث الدية فأكثر العاقلة تحمله ولهذا عقب هذا الكلام بقوله وكذا لو شجه موضحة انتهى. قال في آخر كتاب الجراح من المدونة: ومن شج رجلا ثلاث مأمومات في ضربة واحدة ففيها الدية كاملة وإن شجه ثلاث منقلات في ضربة واحدة حملته العاقلة لأن هذا يبلغ أكثر من الثلث وإن كان ذلك في ثلاث ضربات كان ضربا متتابعا لم يقلع عنه فهو كضربة واحدة تحمله العاقلة وإن كان مفرقا في غير فور واحد لم تحمله العاقلة انتهى. ثم قال في التوضيح: واحترز بقوله: "خطأ" مما لو كانت عمدا فإنه يقتص له من الموضحة فإن ذهب عقل المقتص منه وسمعه فواضح وإن لم يذهب ذلك فدية ذلك في مال الجاني وقوله: "بضربة واحدة" احتراز من ضربتين فإن العاقلة لا تحمل الموضحة حينئذ لأنها دون الثلث انتهى.
ص: (ودية الحالفين) ش: قال في المسائل الملقوطة: الدية المغلظة تكون في شبه العمد وهو

(8/347)


وساقط لعدمه إلا ما لا يقتص منه من الجرح، لإتلافه فعليها وهي العصبة، وبدئ بالديوان إن أعطوا ثم بها الأقرب فالأقرب، ثم الموالي الأعلون ثم الأسفلون، ثم بيت المال إن كان الجاني
__________
ضرب الزوج والمؤدب والأب في ولده والأم والأجداد وفعل الطبيب والخاتن وهو كل من جاز فعله شرعا وقيل: اللطمة والوكزة والرمية بالحجر والضرب بعصاة متعمدا فهذا شبه العمد لا يقتص منه وتكون فيه دية مغلظة انتهى. ص: (ثم بها الأقرب فالأقرب) ش: قال ابن الحاجب: ويبدأ بالفخذ ثم البطن ثم العمارة ثم الفصيلة ثم القبيلة ثم أقرب القبائل.
فائدة: أسماء طبقات قبائل العرب ستة: الشعب، ثم القبيلة، ثم العمارة، ثم الفخذ، ثم البطن، ثم الفصيلة، وزاد بعضهم العشيرة فالشعب بالفتح كما قاله في القاموس والقرطبي في تفسيره مأخوذ من شعب الرأس بالفتح أيضا وهو شأنه الذي يضم قبائله كما قاله في الصحاح، والشأن واحد الشئون وهو تواصل قبائل الرأس وملتقاها ومنها تجيء الدموع قاله في الصحاح، والقبيلة مأخوذة من قبائل الرأس قال في الصحاح: وهو العظام المتشعب بعضها إلى بعض يصل بها الشئون وبها سميت قبائل العرب والواحدة قبيلة وهم بنو أب واحد، والقبيل الجماعة تكون من الثلاثة فصاعدا من قوم شتى مثل الروم والزنج والعرب والجمع قبيل وقوله سبحانه: {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً} [الأنعام: من الآية111] وقال الأخفش: قبيلا قبيلا، وقال الحسن: عيانا انتهى. وقبائل الرأس أربع قطع: الشعب بالفتح من الأضداد قاله القرطبي، وقال في الصحاح: والشعب الصدع في الشيء وإصلاحه أيضا الشعب ومصلحه الشعاب والآلة

(8/348)


سلماً وإلا فالذمي ذوو دينه، وضم ككور مصر والصلحي أهل صلحته، وضرب على كل مالا يضر وعقل عن صبي ومجنون وامرأة وفقير وغارم ولا يعقلون، والمعتبر وقت الضرب لا إن قدم غائب، ولا يسقط لعسره أو موته، ولا دخول لبدوي مع حضري ولا شامي مع مصري مطلقاً، الكاملة في ثلاث سنين تحل بأواخرها من يوم الحكم والثلث والثلثان بالنسبة، ونجم في النصف والثلاثة الأرباع بالتثليث
__________
مشعب انتهى. وقيل: سميت قبائل؛ لتقابل الأنساب فيها والعمارة بالفتح وقد تكسر قاله في

(8/349)


ثم لزائد سنة، وحكم ما وجب على عواقل بجناية واحدة، كحكم لواحدة كتعدد الجنايات عليها وهل حدها سبعمائة أو الزائد على ألف؟ قولان،
__________
القاموس مأخوذة من عمارة الإنسان وهو صدره لأنه موضع القلب وهو عمارة الجسد والبطن لأن بطون الإنسان تحت صدره والفخذ كذلك والفصيلة قال في الذخيرة: وهو ما تحت الفخذ لأن به يفصل خلقه من غيره وينقطع آخره انتهى. فهذا هو الترتيب المعروف، وقال في الصحاح: الشعب ثم القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ فقدم الفصيلة، قال في الذخيرة: فخالف غيره مع أنه قدم في باب أن فصيلة الرجل رهطه الأقربون والرهط قبيلة الرجل وقومه التي تنصره قال الله تعالى: {وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ} [هود: من الآية91] انتهى. وعلى ما ذكره الجوهري تكون الفصيلة كالعنق من الإنسان؛ لأنه يفصل بين الرأس والجسد قاله في الذخيرة فخزيمة شعب، وكنانة قبيلة وقريش عمارة قصي بطن هاشم فخذ العباس فصيلة العشيرة الأخوة والله أعلم، وقد نظم ذلك بعضهم فقال:
اقصد الشعب فهو أكبر حي
...
عدا في العدا ثم القبيله
ثم يتلوها العمارة ثم
...
البطن والفخذ بعدها والفصيله
ثم من بعدها العشيرة لكن
...
هي في جنب من ذكرنا قليله
وقال آخر:
قبيلة قبلها شعب وبعدهما ... عمارة ثم بطن والفخذ تليهما
وليس يأوي الفتى إلا فصيلته ... ولا شداد له إلا عشرته
والشعب رءوس القبائل مثل عدنان وقحطان والأوس والخزرج والقبائل ما انقسمت فيها

(8/350)


وعلى القاتل الحر المسلم وإن صبياً، أومجنوناً، إذا قتل مثله معصوماً خطأً عتق رقبة، ولعجزها شهران، كالظهار لا صائلاً وقاتل نفسه
__________
أنساب الشعب مثل ربيعة ومضر والعمارة ما انقسمت فيها أنساب القبيلة مثل كنانة وقريش والبطن ما انقسمت فيها أنساب العمارة مثل عبد مناف وبني مخزوم والفخذ ما انقسمت فيها أنساب البطن مثل بني هاشم وبني أمية والفصيلة ما انقسمت فيها أنساب الفخذ مثل بني العباس وبني أبي طالب قال النووي في التهذيب عن الماوردي: فإذا تباعدت الأنساب صارت القبائل شعوبا والعمائر قبائل انتهى. والعشيرة مثل أولاد العباس وأولاد أبي طالب بالنسبة إلى أنفسهم وقيل: الشعوب عرب اليمن مثل قحطان والقبائل مثل ربيعة ومضر وقيل: الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب قال القشيري: وعلى هذا فالشعوب من لا يعرف لهم نسب كالسند والترك والقبائل من العرب وعن ابن عباس: الشعوب الموالي والقبائل العرب والله أعلم.
ص: (ثم بيت المال) ش: ابن عرفة روى محمد بن أسلم من لا قوم له فالمسلمون يعقلون عنه. اللخمي: إن كانت له عاقلة قليلة لم يكن فيها ما يحمل لقلتهم، حمل عليهم ما يحملون والباقي على بيت المال انتهى.
قلت: عزوه للشيخ ابن أبي زيد يقتضي أنه لم يقف عليه في المدونة والمسألة في كتاب الولاء والمواريث من المدونة ونصها: ومن أسلم من الذميين فعقلهم وحرائر أموالهم على بيت المال ويرثهم المسلمون إن لم يكن لهم ورثة مسلمون يعرفون، وكذلك من أسلم من الأعاجم والبربر والسودان والقبط ولا موالي لهم فعقلهم على المسلمين وميراثهم لهم انتهى. وفيها أيضا: وإذا كان عبد مسلم لقرشي وذمي فأعتقاه معا فولاء حصة الذمي للمسلمين ولو كان العبد نصرانيا فأعتقاه معا ثم جنى جناية كان نصفها على بيت المال لا على المسلم لأنه لا يرثه ونصفها على أهل خراج الذمي الذين يؤدون معه الجزية ولو أسلم العبد بعد العتق ثم جنى كانت حصة الذمي من جنايته على المسلمين دونهم لأنهم ورثوا حصته والنصف على قوم القرشي. انظر بقية كلامه في المدونة وكلام أبي الحسن عليها وغيره.
ص: (وعلى القاتل الحر) ش: قال ابن فرحون في الفصل التاسع من القسم الثالث من التبصرة

(8/351)


كديته، وندبت في جنين ورقيق وعبد، وعليه مطلقاً جلد مائة وحبس سنة، وإن بقتل مجوسي أو عبده أو نكول المدعى على ذي اللوث وحلفه
__________
فرع: لو سقت ولدها دواء فشرق فمات فلا شيء عليها، وكذا لو انقلبت على ولدها وهي نائمة فلا شيء عليها غير الكفارة انتهى.
مسألة: سقي الدواء ذكرها في العتبية في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الديات ومسألة النائمة تنقلب على ولدها وهي نائمة فيموت ذكرها في المدونة في كتاب الديات في باب ما أصاب النائم والنائمة وزاد وديته على عاقلتها ونصه: وإذا نامت امرأة على ولدها فقتلته فديته على عاقلتها وتعتق رقبة انتهى. وقال المشذالي في حاشيته عند قوله في كتاب الديات من المدونة: وإذا وجد قتيل في محلة قوم أو دارهم ولا يدرى من قتله لم يؤخذ به أحد ويبطل دمه ولا يكون من بيت المال ولا غيره. ما نصه: سئل ابن عبد السلام من نام مع زوجته في فراش واحد فأصبح الولد بينهما ميتا لا يدرى أيهما رقد عليه فقال: لم أر فيها نصا وعندي أنه هدر.
قلت: لشيخنا فما رأيكم فيها؟ قال: كرأي ابن عبد السلام ويؤخذ من قولها هنا انتهى.
ص: (أو نكول المدعي على ذي اللوث وحلفه) ش:
فرع: قال ابن رشد في نوازله: إذا كان للوث شهود غير عدول أو تعرف جرحتهم أو تتوهم فيهم الجرحة فلا اختلاف في أنه لا يجب على المشهود عليهم بشهادتهم ضرب مائة سوط وسجن عام وإنما يجب عليه بشهادتهم السجن الطويل رجاء أن يوجد عليه بينة عادلة وأما إن كانوا مجهولين لا يعرفون بجرحة ولا عدالة فيجب عليه الضرب والسجن إن عفا عنه

(8/352)


والقسامة سببها قتل الحر المسلم في محل اللوث، كأن يقول: بالغ حر مسلم قتلني فلان
__________
قبل القسامة أو بعدها على القول بوجوب القسامة في ذلك ولا يجب عليه ضرب مائة وسجن عام على القول بسقوط القسامة مع ذلك وقد اختلف في ذلك قول مالك وأما إذا شهد شاهد عدل فلا اختلاف في المذهب في وجوب القسامة بذلك ولا في وجوب ضرب مائة وسجنه عاما إن عفا عنه الأولياء قبل القسامة أو بعدها ولا يجوز أن يضرب المدعى عليه الدم بالتهمة وإنما يحبس بها إذا كان ممن يليق به التهمة الشهر ونحوه رجاء أن تقوم عليه بينة، وإن قويت عليه التهمة بما يشبه عليه مما لم يتحقق تحقيقا يوجب القسامة حبس الحبس الطويل قال ابن الحاجب: حتى يتبين براءته أو يأتي عليه السنون الكثيرة، قال مالك: ولقد كان الرجل يحبس في الدم باللطخ والتهمة حتى أن أهله ليتمنون له الموت من طول السجن فإن لم يتهم وكان مجهول الحال حبس اليوم واليومين والثلاثة وإن لم يتهم وكان معروفا بالصلاح لم يحبس ولو يوما واحدا انتهى.
فرع: قال ابن عرفة: وفي تقديم الضرب على السجن والتخيير في ذلك قولان لسماع عيسى عن ابن القاسم ونقله الباجي عن أشهب ولم يحك ابن رشد غير ما في السماع انتهى.
ص: (والقسامة) ش: قال ابن عرفة: القسامة حلف خمسين يمينا أو جزأها على إثبات الدم. وقال في التوضيح: قال في المشارق: القسامة ترديد الأيمان بين الحالفين. أشهب: القسامة سنة لا رأي لأحد فيها وكانت في الجاهلية فأقرها عليه الصلاة والسلام
ص: (قتلني فلان ولو خطأ) ش: قال الفاكهاني في شرح الرسالة وأظنه ناقلا عن ابن يونس: لو قيل للمجروح من ضربك؟ فقال: لا أعرفه ولا أدري من ضربني، ثم قال بعد ذلك: فلان فالتدمية باطلة انتهى.
فرع: قال ابن رشد في نوازله في رجل دمي على رجل ثم شهد شهود أنه قال: دمي

(8/353)


ولو خطأً أو مسخوطاً على ورع، أو ولد على والده أنه ذبحه أو زوجة على زوجها، إن كان جرح أو أطلق وبينوا لا خالفوا ولا يقبل رجوعهم ولا إن قال بعضهم: عمداً وبعض: لانعلم أو نكلو بخلاف ذي الخطإ فله الحلف وأخذ نصيبه
__________
على رجل آخر قبله، وقال لما سئل عن ذلك: إني خشيت أن يرجع إلي فيتم علي أن ذلك يبطل

(8/354)


وإن اختلفا فيهما واستووا حلف كل، وللجميع دية الخطإ، وبطل حق ذي العمد بنكول غيرهم، وكشاهدين بجرح أو ضرب مطلقاً
__________
التدمية لأن في تدميته على غيره أولا إبراء له ولا يصدق في قوله: أخاف أنه يتم علي؛ لأنه كمن أبرأ رجلا من حق ثم قام يطلبه، وقال: إنما أبرأته لوجه كذا ولأنه لا عذر له في التدمية على برء لم يحق عليه لخوفه على نفسه فلما أقر على نفسه أنه دمي أولا على بريء اتهمناه في أنه دمي ثانيا على برئ وإذا بطلت التدمية صار المدعى عليه في حكم من قويت عليه التهمة بالدم ولم يوجد عليه بينة فوجب أن يطال سجنه. وقد حكي عن مالك أن الرجل كان يحبس في اللطخ والشبهة حتى أن أهله ليتمنون له الموت من طول سجنه وإن طال سجنه

(8/355)


أو بإقرار المقتول عمداً، أو خطأً ثم يتأخر الموت يقسم لمن ضربه مات أو بشاهد بذلك مطلقاً، إن ثبت الموت أو بإقرار المقتول عمداًكإقراره مع شاهد مطلقاً أو إقرار القاتل في
__________
الدهر الطويل ولم يظهر براءة استحلف خمسين يمينا وخلي سبيله والله سائله وحسيبه انتهى.
فرع: قال ابن رشد أيضا في نوازله: دمي رجل على رجل بجرح ودمي أخو المدمى عليه على المدمي الأول وقريب له بأن القريب أمسكه وصار يقول الآخر: اضرب اقتل. فمات المدمى الثاني فأراد أخو المدمى عليه أولا أن يقوم بدم أخيه فهل يقتل المدمى عليه مع قريبه بالقسامة قبل أن تبرأ جراحه التي دمي بها أو يؤخر جراحه ويسجن؟ فأجاب: لا يقتل المدمى عليه حتى تبرأ جراحه التي دمي بها لأن في قتله إبطال ما وجب لأوليائه من القسامة على قاتله والواجب في ذلك أن يسجن الثلاثة المدمى عليهم فإن صح المدمى الأول من جراحه أقسم أخو الميت عليه مع أحد من بني عمه على قريب المدمى الأول وقتلوه بقسامتهم انتهى. وما ذكره من قتل اثنين بالقسامة غريب ونقله عنه البرزلي ونقل ابن الحاج في ذلك ثلاثة أقوال ونصه ابن الحاج فيمن دمي على رجلين فذكر أن أحدهما أمسكه والآخر قتله فيكون بمثابة ما لو أدمى على رجلين فتكون القسامة وتدخل الثلاثة الأقوال أن تقسم الولاة على واحد والقولان

(8/356)


الخطإ فقط بشاهد، وإن اختلف شاهداه بطل، وكالعدل فقط في معاينة القتل أو رآه يتشحط
__________
مشهوران ومنه الحديث في رجل أمسك رجلا وقتله آخر فقال: "اقتلوا القاتل وأحيوا الضاري" بمعنى احبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت.
قلت: تقدم لابن رشد أن هذه المسألة مما يقتل فيها اثنان بالقسامة الواحدة ويشير بذلك للمسألة المتقدمة ثم قال: وفي الوثائق المجموعة: ولو قال المجروح: جرحني فلان جرح كذا أو خنقني فلان أو ركضني أو ضربني بالعصا ومن فعلهم أموت ولم يسم أيهم أبلغ مقاتله فإنه ينظر في ذلك إلى من أثخنه جرحه فيقسم عليه الأولياء فإن كانوا اثنين أو أكثر وقد بلغت جراحهم مقاتله فغير واحد يقسمون عليه منهم ولم يكن لهم أن يقسموا إلا على واحد ويقتلوه ثم يضرب الآخرون مائة مائة ويسجنون عاما.
قلت: يحتمل أن يكون هذا خلافا لما تقدم لابن رشد في الماسك والقاتل ويحتمل الوفاق لأن هنا اجتمعوا على قتله مباشرة بخلاف الماسك فإنه سبب لقتله لا أنه ضربه انتهى كلام البرزلي.
فرع: إذا ثبتت التدمية بشهادة رجلين لكن لم يعاينا الجرح الذي في المدمى وثبت بشهادة غيرهم أنه كان مجروحا جاز ذلك قاله ابن رشد في نوازله في أثناء المسألة المذكورة فوقه.
فرع: يفهم من المسألة المذكورة أن المدمى عليه يحبس وإن كان مجروحا فتأمله والله

(8/357)


في دمه والمتهم قربه وعليه آثاره ووجبت، وإن تعدد اللوث، وليس منه وجوده بقربه قوم أو دارهم، ولو شهد اثنان أنه قتل ودخل في جماعة استحلف كل خمسين والدية عليهم، أو على من نكل بلا قسامة، وإن انفصلت بغاة عن قتلى ولم يعلم القاتل فهل لا قسامة، ولا قود مطلقاً، أو إن تجرد عن تدمية وشاهد أو عن الشاهد فقط؟ تأويلات وإن تأولوا فهدر كراجعة على ً
__________
أعلم. ص: (أو يراه يتشحط في دمه) ش: فاعل يرى ضمير يعود على العدل والمعنى أن من اللوث أن يشهد العدل على أنه رأى المجروح يتشحط في دمه قال في التوضيح: واشتراط المصنف يعني: ابن الحاجب العدل هذا ظاهر ولم أر من صرح بذلك انتهى. قلت: صرح به القاضي عبد الوهاب في المعونة والله أعلم. ص: (وليس منه وجود بقرية قوم أو دارهم) ش:

(8/358)


دامغة وهي خمسون يميناً متوالية بتاً، وإن أعمى أو غائباً يحلفها في الخطإ من يرث المقتول، وإن واحداً أو امرأة وجبرت اليمين على أكثر،
__________
نحوه في كتاب الديات من المدونة وقال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وكالعدل يرى المقتول يتشحط في دمه وليس موت الرجل عندنا في المزاحمة لوثا يوجب القسامة بل هو هدر خلافا للشافعي في قوله: تجب فيه القسامة وتجب الدية انتهى.
ص: (وهي خمسون يمينا متوالية) قال ابن رشد في نوازله في كيفية قسامة: قام بها المقتول وأخوه بأن يقسما خمسين يمينا ترد عليهما يمينا يمينا أنه هو الذي قتله يقول الأب في يمينه بمنقطع الحق قائما مستقبل القبلة إثر صلاة العصر من يوم الجمعة على ما مضى عليه عمل القضاة: بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة لقد قتل هذا ويشير إلى القاتل ابنه فلانا بالجرح الذي أصابه به ومات منه على سبيل العمد بغير حق. وكذلك يقسم الأخ إلا أنه يقول: لقد قتل أخي فإذا استكمل خمسين يمينا على هذه الصفة أسلم برمته إليهما فاستقادا منه بالسيف قتلا مجهزا على ما أحكمه الشرع في القصاص في القتل انتهى. قال البرزلي: وسئل أصبغ بن محمد هل يزيد ولي الدم في يمينه وأن ما شهد به الشهود من قول المدمى حق أم لا؟ فأجاب: لا يلزم ولي الدم أن يزيد في يمينه إحقاق ما شهد به الشهود من قول المدمى ولا علمت أحدا من أهل المذهب قاله. ص: (بتا) ش: ويعتمدون على ظن قوي كما تقدم في باب الشهادات والله أعلم. ص: (وإن أعمى أو غائبا) ش: يريد أو صغيرا ويحلف إذا بلغ ويأخذ حصته كما ذكره ابن عرفة عن الموازية. ص: (أو امرأة) ش: كما لو خلف بنتا واحدة قال في المدونة: فإن لم يدع إلا بنتا بغير عصبة حلفت خمسين يمينا فأخذت نصف الدية أبو الحسن وسكت عن النصف

(8/359)


كسرها وإلا فعلى الجميع، ولا يأخذ أحد إلا بعدها، ثم حلف من حضر حصته وإن نكلوا، أو بعض حلفت العاقلة فمن نكل فحصته على الاظهر، ولا يحلف في العمد أقل من رجلين
__________
الباقي. قال الباجي: ويسقط الباقي وتقدم مثله لابن رشد عند قوله: وإذا قال المقتول: دمي عند فلان انتهى. ونص الذي تقدم قال ابن رشد: ولو كان للمقتول وارث معلوم مع جماعة المسلمين مثل الزوجة والزوج يحلف الوارث المعلوم خمسين يمينا واستحق حقه من الدية وبطل الباقي منهما انتهى من سماع يحيى من كتاب الديات الثاني. انتهى كلام الشيخ أبي الحسن. وفي الذخيرة المقسم في الخطإ جميع المكلفين من الورثة رجالا أو نساء يحلفون بقدر مواريثهم ومن لا وارث له فلا قسامة له لتعذر قسم بيت المال ولا يقسم الأول لسبب أو ولاء ولا يقسم من القبيلة إلا من التقى معه إلى نسب ثابت ولا يقسم المولى الأسفل بل ترد الأيمان على المدعى عليهم انتهى.
ص: (وإن نكلوا أو بعض حلفت العاقلة) ش: أي فيحلف كل واحد منهم يمينا واحدة وقد تقدم أن حد العاقلة سبعمائة أو الزيادة على الألف وظاهر كلامه أنه إذا نكل بعض الورثة سقطت الدية جميعها وحلفت العاقلة وليس كذلك بل المراد أنه إذا نكل بعض الورثة فإن العاقلة تحلف ويسقط حصة الناكل فقط كما صرح بذلك ابن رشد في سماع عيسى من كتاب الديات وصرح به ابن الحاجب وصرح به الشارح في شرح قول المصنف: "ولا يأخذ أحد إلا بعدها" والله أعلم.
ص: (ولا يحلف في العمد أقل من رجلين) ش: أي فلا يحلف النساء وحكى ابن الفاكهاني قولا بأن النساء يحلفن قال القلشاني: ولم أقف عليه وأصل المذهب أنه لا مدخل للنساء في القسامة في العمد انتهى. بالمعنى من الشيخ زروق. ص: (عصبة وإلا فموال) ش: عصبة من النسب فإن لم يكن عصبة

(8/360)


عصبة وإلا فموالي، وللولي الاستعانة بعاصبه وللولي فقط حلف الأكثر، وإن لم تزد على نصفها ووزعت واجتزئ باثنين طاعا من أكثر، ونكول المعين غير معتبر بخلاف غيره ولو
__________
نسب فيحلف الموالي الأعلون لأنهم عصبة ولا يحلف الموالي الأسفلون. نقله ابن عرفة عن سماع يحيى. ص: (وللولي الاستعانة بعاصبه) ش: أي وللولي إذا كان واحدا أن يستعين بعاصبه وكذلك لو تعدد الولي كما ذكره في التوضيح عن ابن رشد لكن كلام المصنف إنما هو في الواحد بدليل قوله: "إن لم يزد على نصفها" فتأمله. والمراد عاصبه الذي يجتمع معه في أب معروف ولا يكتفى في ذلك بأن يكون معروفا أنه من القبيلة الفلانية كما نقله ابن عرفة عن سماع يحيى.
ص: (بخلاف غيره ولو بعدوا) ش: أي بخلاف نكول غير المعين فإن نكوله معتبر والمعنى أنه إذا كان ولاة الدم في التعدد سواء كالأولاد أو الإخوة أو الأعمام ولم يكن بينهم أقرب بحيث يكون غيره أقرب معينا فإن نكول أحدهم مسقط للقود أما إذا كانوا أولادا وإخوة فباتفاق واختلف في غيرهم كالأعمام وبنيهم ومن هو أبعد والمشهور سقوط

(8/361)


بعدوا فترد على المدعى عليهم فيحلف كل خمسين، ومن نكل حبس حتى يحلف ولااستعانة، وإن أكذب بعض نفسه بطل بخلا ف غيره، فللباقي نصيبه من الدية
__________
القود أيضا والشاذ أنه لا يسقط إلا باجتماعهم كذا قرر المسألة في التوضيح وكلام الشارح مشكل فتأمله. ص: (ولا استعانة) ش: قال ابن غازي: إنما عزاه في المقدمات لمطرف فقال ابن عرفة: ذكره ابن حارث رواية لمطرف وأبو محمد قولا له ورواية وإنما اقتصر عليه المصنف لأن ابن عبد السلام عزاه للمدونة واستظهره وإلا فقول ابن القاسم في المجموعة أن الأيمان ترد عليهم ويحلف معهم المتهم وهو الذي حمل أبو الحسن الصغير المدونة عليه وهو ظاهر الرسالة وعليه درج ابن الحاجب وهذا كله في التوضيح قلت: كأنه لم يقف على كلام ابن رشد في أول رسم من سماع عيسى ونصه: الثالث: أن المدعى عليه يحلف وحده ولا يكون له أن يستعين بأحد من ولاته. وهو قول مطرف في الواضحة وهو ظاهر ما في رسم أول عبد من سماع يحيى وما في المدونة من قول ابن القاسم وروايته عن مالك وهذا القول أظهر الأقوال

(8/362)


ولا ينتظر صغير بخلاف المغمى عليه والمبرسم، إلا أن لا يوجد غيره فيحلف الكبير حصته والصغير معه، ووجب بها الدية في الخطإ والقود في العمد من واحد تعين لها، ومن أقام شاهداً على جرح أو قتل كافر أو عبد أو جنين، حلف واحدة وأخذ الدية
__________
من جهة القياس لأن المدعى عليه حقيقة هو الذي يدعى عليه القتل ويطلب منه القصاص ويتعلق به حكم النكول فوجب أن يكون هو الذي يحلف وللقولين الآخرين حظ وافر من النظر وهو أنه لما كانت الدية تقع فيها الحمية والعصبية صارت عصبة المقتول هم الطالبون بدم المقتول بحق التعصيب لا بحق الوراثة انتهى. فقد استظهره ابن رشد وقال: إنه ظاهر ما في المدونة والله أعلم.
ص: (ومن أقام شاهدا على جرح أو قتل كافر أو عبد أو جنين حلف واحدة وأخذ الدية) ش: أجمل المصنف رحمه الله في قوله وأخذ الدية. أما مسألة الجرح فقال في المدونة: لا قسامة في الجراح لكن من أقام شاهدا عدلا على جرح عمد أو خطأ فليحلف معه يمينا واحدة ويقتص في العمد ويأخذ العقل في الخطإ قيل لابن القاسم لم قال مالك: ذلك في جراح العمد وليست بمال؟ فقال: كلمت مالكا في ذلك فقال: إنه لشيء

(8/363)


__________
استحسناه ما سمعت فيه شيئا. هذا لفظها على اختصار ابن عرفة ونحوه لابن الحاجب ثم قال: فإن نكل من قام بالشاهد حلف الجارح فإن نكل قال ابن القاسم حبس حتى يحلف وأما مسألة الكافر فقال في المدونة في نصراني قام على قتله شاهد واحد عدل مسلم: يحلف ولاته يمينا واحدة ويستحقون الدية على قاتله مسلما كان أو نصرانيا هذا لفظها أيضا باختصار ابن عرفة وانظر هل يحلف كل واحد من ولاته يمينا أو تجزئهم يمين واحدة؟ والظاهر من كلام المدونة المذكور أنه يحلف كل واحد من ولاته يمينا واحدة وأما مسألة العبد فكذلك يحلف سيده يمينا واحدة ويأخذ قيمة عبده سواء كان قاتله حرا أو عبدا.
فرع: فإن أقام شاهدا أن عبد فلان قتل عبده حلف معه وخير سيد القاتل بين أن يغرم قيمة المقتول أو يسلم عبده فإن أسلمه لم يقتل لأنه لا يقتل القاتل بشاهد واحد. قاله في المدونة ونقله ابن عرفة وانظر هل يضرب القاتل مائة ويحبس عاما وأما مسألة الجنين فإنه يحلف كل واحد من ورثته يمينا واحدة قاله في المدونة ونقله ابن عرفة ونصه: وفيها إن ضربت امرأة فألقت جنينا ميتا وقالت: دمي عند فلان. ففي المرأة القسامة ولا شيء في الجنين إلا ببينة ثبتت كأنه جرح من جراحها ولا قسامة في الجرح ولا يثبت إلا ببينة أو شاهد عدل فتحلف ولاته معه يمينا واحدة ويستحقون ديته. الصقلي يريد يحلف كل واحد ممن يرث الغرة يمينا أنه قتله وفيها إن قالت: دمي عند فلان. فخرج جنينها حيا فاستهل صارخا ثم مات ففي الأم القسامة ولا قسامة في الولد لأنها لو قالت: قتلني وقتل فلانا معي لم يكن في فلان قسامة انتهى. بخلاف ما إذا ثبت موتها وخروج الولد بشاهد واحد فإن ورثته يحلفون معه يمينا ويستحقون الغرة وإن استهل صارخا ففيه القسامة لأن الشاهد لوث وقول المرأة ليس لوثا في

(8/364)


وإن نكل برئ الجارح إن حلف، وإلا حبس فلو قالت: دمي وجنيني عند فلان ففيها القسامة، ولا شيء في الجنين ولو استهل.
__________
حق ولدها والله أعلم. ص: (فلو قالت دمي وجنيني) ش: ليس في هذه الصورة إلا قول المرأة فقط فليست بمعارضة لما تقدم فتأمله والله أعلم.

(8/365)


باب البغاةُ
الباغية فرقة خالفت الإمام لمنع حق أو لخلعه
__________
ص: (باب الباغية فرقة خالفت الإمام لمنع حق أو لخلعه) ش: لما فرغ رحمه الله من الكلام على القتل والجرح اللذين يكون عنهما إذهاب النفس الذي هو من أعظم الذنوب في حق الآدميين أتبع ذلك بالكلام على الجنايات التي توجب سفك الدماء أو ما دونه من العقوبات والجناية هو ما يحدثه الرجل على نفسه أو غيره مما يضر حالا أو مالا. والجنايات الموجبة للعقوبات سبع: البغي والردة والزنا والقذف والسرقة والحرابة والشرب. وبدأ المصنف بالبغي لأنه

(8/365)


__________
أعظمها مفسدة إذ فيه إذهاب الأنفس والأموال غالبا فقال: "باب" أي هذا باب أذكر فيه أحكام البغي. والبغي في اللغة قال الجوهري: هو التعدي، وقال ابن العربي في أحكام القرآن: إن مادة "ب غ ى" للطلب إلا أنه في العرف مقصور على طلب خاص وهو ابتغاء ما لا ينبغي ابتغاؤه انتهى. وفي الاصطلاح قال ابن عرفة: البغي هو الامتناع من طاعة من ثبتت إمامته في غير معصية بمغالبة ولو تأولا انتهى. وعرفها المؤلف بقوله: "الباغية" أي الفئة الباغية هي فرقة من المسلمين خالفت الإمام لشيئين إما لمنع حق وجب عليها من زكاة أو حكم من أحكام الشريعة أو لدخول في طاعته فإنه حق أو خالفته لخلعه. قال ابن عبد السلام: والمراد بالإمام هنا الإمام

(8/366)


__________
الأعظم أو نائبه انتهى. وقال في التوضيح: فخرج. الخروج عن طاعة غير الإمام فإنه لا يسمى بغيا ا هـ. يريد أو نائبه وعلم أنه لو خرجت لا لمنع حق بل لمنع ظلم كأمره بمعصية ليست بباغية كما يفهم من كلام ابن عرفة وزاد ابن عرفة وابن الحاجب قيدا آخر وهو كون الخروج مغالبة ولا بد منه قال ابن عبد السلام: ولفظة مغالبة كالفصل أو كالخاصة؛ لأن من عصى الإمام لا على سبيل المغالبة لا يكون من البغاة انتهى. ونحوه في التوضيح ونصه: وإخراج الخروج عن طاعة الإمام من غير مغالبة فإن ذلك لا يسمى بغيا ا هـ. وكأنهم يعنون بالمغالبة المقاتلة فمن خرج عن طاعة الإمام من غير مغالبة لا يكون باغيا. ومثال ذلك ما وقع لبعض الصحابة رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم وأماتنا على محبتهم وسنتهم أنه مكث أشهرا لم يبايع الخليفة ثم بايعه رضي الله عنهم أجمعين ولابن عرفة في آخر الجهاد كلام حسن في قتال أهل العصبية وقتل الخوارج وكذا للشيخ أبي الحسن الصغير كلام حسن في الجهاد والله أعلم.
فائدة: قال القرطبي في شرح مسلم: البيعة مأخوذة من البيع وذلك أن المبايع للإمام يلزمه أن يقيه بنفسه وماله فكأنه بذل نفسه وماله لله تعالى وقد وعد الله تعالى على ذلك بالجنة فكأنه حصلت معاوضة، ثم هي واجبة على كل مسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" 1 غير أنه من كان من أهل الحل والعقد والشهرة فبيعته بالقول والمباشرة باليد إن كان حاضرا وبالقول والإشهاد عليه إن كان غائبا ويكفي من لا يؤبه له ولا يعرف أن يعتقد دخوله تحت طاعة الإمام ويسمع ويطيع له في السر والجهر ولا يعتقد خلافا لذلك فإن أضمره فمات مات ميتة جاهلية لأنه لم يجعل في عنقه بيعة انتهى. وقال قبله بنحو الورقة في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الطاعة في المعروف" 2 إنما للحصر ويعني به ما ليس بمنكر ولا معصية فيدخل فيه الطاعة الواجبة والمندوب إليها والأمور الجائزة شرعا فلو أمر بجائز صارت طاعته فيه
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب الإمارة حديث 30.
2 رةاه البخاري في كتاب الأحكام باب 4. كتاب الآحاد باب 1. كتاب المغازي باب 59. مسلم في كتاب الإمارة حديث 39، 40. أبو داود في كتاب الجهاد باب 87. النسائي في كتاب البيعة باب 34. أحمد في مسنده (1/82، 94، 124).

(8/367)


فللعدل قتالهم، وإن تأولوا
__________
واجبة ولما حلت مخالفته فلو أمر بما زجر الشرع عنه زجر تنزيه لا تحريم فهذا مشكل. والأظهر

(8/368)


كالكفار ولا يسترقوا، ولا يحرق شجرهم، ولا ترفع رؤوسهم بأرماح، ولا يدعوهم بمال، واستعين بمالهم عليهم إن احتيج له، ثم رد كغيره وإن أمنوا لم يتبع منهزمهم ولم يذفف على جريحهم، وكره للرجل قتل أبيه وورثه، ولم يضمن متأول أتلف نفساً أو مالاً
__________
جواز المخالفة تمسكا بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الطاعة في المعروف". وهذا ليس بمعروف إلا أن يخاف على نفسه منه فله أن يقتتل انتهى. وتقدم في الاستسقاء شيء من هذا المعنى. ص: (وكره لرجل قتل أبيه) ش: هذا هو المشهور وروى جوازه ابن عبد السلام وهذا الخلاف مقصور على الأب ولا يتعداه إلى الجد وقد تقدم في غير هذا الموضع اختلاف الطرطوشي وعياض في الجد هل يتنزل منزلة الأب في وجوب البر انتهى.

(8/369)


ومضى حكم قاضيه وحد أقامه، ورد ذمي معه لذمته، وضمن المعاند النفس والمال والذمي معه ناقص والمرأة المقاتلة كالرجل
ـــــــ

(8/370)


باب الردة
الردة كفر المسلم
__________
ص: (باب الردة كفر المسلم) ش: نسأل الله تعالى العصمة منها ومن سائر الكبائر وأن يتوفنا مسلمين. واحترز بقوله: "كفر المسلم". مما إذا انتقل الكافر من دينه إلى دين آخر فإن المشهور أنه لا يتعرض له كما سيصرح بذلك المصنف وهو قول مالك، وقيل: إنه يقتل إلا أن يسلم. قاله الشارح وأظنه لابن الماجشون ا هـ.
قلت: وقال في الشفاء: اختلف العلماء في الذي يتزندق فقال مالك ومطرف وابن عبد الحكم وأصبغ: لا يقتل؛ لأنه خرج من كفر إلى كفر.

(8/370)


بصريح أو لفظ يقتضيه، أو فعل يتضمنه، كإلقاء المصحف بقذر، وشد الزنار وسحر، وقول بقدم العالم أو بقائه، أو شك في ذلك، أو بتناسخ الأرواح، أو في كل جنس نذير
__________
وقال ابن الماجشون: يقتل لأنه دين لا يقر عليه أحد ولا تؤخذ عليه جزية. ص: (وسحر) ش: ظاهر كلامه أن السحر ردة وأنه يستتاب الساحر إذا أظهر ذلك فإن تاب وإلا قتل والقول الراجح فيه أن حكمه حكم الزنديق يقتل ولا تقبل توبته إلا أن يجيء تائبا بنفسه. انظر ابن الحاجب والتوضيح. ص: (وقول بقدم العالم أو ببقائه) ش: قال في الشفاء: وكذلك يقطع بكفر من قال: بقدم العالم أو ببقائه أو شك في ذلك انتهى. فقول الشارح هذا على القول بتكفير هؤلاء ولمالك وغيره فيهم قولان يوهم أن في كفر من قال: بقدم العالم أو ببقائه خلافا وليس كذلك. والله أعلم. ص: (أو شك في ذلك) ش: تقدم النص عليه في كلام الشفاء وقول الشارح أن هذا ليس من الأمور الثلاثة يعني قول المصنف: "بصريح أو لفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه" وعليه فالحد الذي ذكره ليس بجامع لخروج هذا النوع منه، غير ظاهر لأن التلفظ بالشك في ذلك داخل في اللفظ الذي يقتضي الكفر وأما الشك من غير أن يتلفظ بذلك فهو وإن كان كفرا لا شك فيه لكنه لا يوجب الحكم بكفره ظاهرا إلا بعد التلفظ بذلك كما أن اعتقاد الكفر من غير تلفظ به كفر ولكن لا يحكم على صاحبه بالكفر إلا بعد التلفظ بما يقتضيه فتأمله. والله أعلم. ص. (أو بتناسخ الأرواح) ش: أي انتقالها في الأشخاص الآدمية

(8/371)


أو ادعى شركاً مع نبوته عليه الصلاة والسلام، أو بمحاربة نبي، أو جوز اكتساب النبوة، أو ادعى أنه يصعد للسماء، أو يعانق الحور، واستحل كالشرب لا بأماته الله كافراً على الأصح وفصلت
__________
وغيرها وأن تعذيبها وتنعيمها بحسب زكاتها وخبثها، فإذا كانت النفس شريرة أخرجت من قالبها التي هي فيه وألبست قالبا يناسب شرها من كلب أو خنزير أو سبع ونحو ذلك فإن أخذت جزاء شرها بقيت في ذلك القالب تنتقل من فرد إلى فرد وإن لم تأخذ انقلبت إلى قالب أشر منه وكذلك حتى تستوفي جزاء الشر وفي الخير تنتقل إلى أعلى ولذلك يعتقدون أن لا خير ولا شر ولا جنة ولا نار - نسأل الله السلامة. فأدى اعتقاد التناسخ إلى إنكار ما أجمع المسلمون عليه والله أعلم. ص: (أو ادعى أنه يصعد إلى السماء أو يعانق الحور) ش:
فرع: قال الأبي في شرح مسلم في كتاب الحج في شرح قول عمران بن حصين ما نصه: كلام الملائكة مع غير الأنبياء يصح. وكان الشيخ ابن عبد السلام يحكي عن بعض الطلاب من شيوخ زمانه أن من قال: اليوم كلمتني الملائكة. يستتاب والحديث يرد عليه والصواب أن ذلك يختلف بحسب حال من زعمه فإن كان متصفا بالصلاح تجوز عنه، وإلا زجر عن قول ذلك بحسب ما يراه الحاكم، ومن هذا المعنى ما يتفق لبعضهم أن يقول: قيل لي، وخوطبت، وكان الشيخ أبو عبد الله يعني ابن عرفة يشدد القول فيه وفي إنكاره على من زعمه ا هـ.
وفي الشفاء: وكذلك من ادعى مجالسة الله والعروج إليه ومكالمته يعني أنه كافر بإجماع المسلمين انتهى.
وقال ابن عبد السلام الشافعي في أماليه إذا قال: ولي من أولياء الله تعالى أنا

(8/372)


واستتيب ثلاثة أيام بلا جوع، وعطش، ومعاقبة وإن لم يتب، فإن تاب وإلا قتل،
__________
الله عزر التعزير الشرعي وهذا لا ينافي الولاية إذ الأولياء غير معصومين انتهى.
قلت: وانظر ما مراده بالتعزير الشرعي هل هو الاستتابة أو غيرها؟ والظاهر أنه الاستتابة لأن هذا القول فيه دعوى الألوهية أو حلول الباري سبحانه وتعالى فيه فتأمله. ص: (واستتيب ثلاثة أيام) ش: ظاهر كلامه أن تأخيره ثلاثة أيام واجب هكذا قال في التوضيح أنه ظاهر المذهب وقال ابن العربي في أول كتاب التوسط في أصول الدين: ألا ترى أن المرتد استحب العلماء له الإمهال؟، لعله إنما ارتد لريب فيتربص به مدة لعله أن يراجع الشك باليقين والجهل بالعلم ولا يجب ذلك لحصول العلم بالنظر الصحيح أولا ا هـ. وقال القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة: وعرض التوبة واجب على الظاهر من المذهب إلا أنه إن قتله قاتل قبل استتابته فبئس ما صنع ولا يكون فيه قود ولا دية انتهى. وانظر نوازل سحنون من كتاب الديات. ص: (فإن تاب وإلا قتل) ش: فإن تاب فلا عقوبة عليه نص عليه في التوضيح وابن عرفة وصاحب اللباب والذخيرة وأصله في البيان في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب المحاربين والمرتدين وفي أواخر القسم الثالث من تبصرة ابن فرحون.
مسألة: وفي عيون المجالس للقاضي عبد الوهاب: إذا ارتد ثم تاب ثم اتد ثم تاب لم يعزر في المرة الأولى ويجوز أن يعزر في المرة الثانية والثالثة والرابعة إذا رجع إلى الإسلام. ولست أعرفه منصوصا ولكن يجوز عندي والفرق بين الأولى وغيرها أنه في الأولى يجوز أن يكون حصلت له شبهة فارتد ثم رجع بسبب زوالها فإذا عاود الردة بعد زوال الشبهة ثم تاب ضرب لأنه لم يبق له شبهة ولا يزاد على التعزير ولا يحبس ولا يقتل انتهى.
تنبيه: صرح في الشفاء بأن من سب النبي صلى الله عليه وسلم إذا قلنا أن ذلك ردة وأنه يستتاب فإنه

(8/373)


واستبرئت بحيضة، ومال العبد لسيده وإلا ففيء، وبقي ولده مسلماً كأن ترك وأخذ منه ما جنى عمداً على عبد أو ذمي لا حر مسلم، كأن هرب لدار الحرب إلا حد الفرية
__________
إن تاب نكل. وكذلك من كانت ردته بسبب كلام ساقط في حق الباري أو سب له فإنه

(8/374)


والخطأ على بيت المال، كأخذه جناية عليه، وإن تاب فماله له وقدر كالمسلم فيهما، وقتل المستسر بلا استتابة، إلا أن يجيء تائباً، وماله لوارثه، وقبل عذر من أسلم وقال أسلمت عن ضيق إن ظهر كأن توضأ وصلى وأعاد مأمومه، وأدب من تشهد ولم يوقف على الدعائم
__________
يؤدب وقاله في الشفاء أيضا والله أعلم.
ص: (وماله لوارثه) ش: يعني أن مال المرتد لوارثه، وهذا إذا تاب، وأما إذا لم يتب فلا، قاله ابن بكير في أحكام القرآن، وانظر أواخر الشفاء وابن

(8/375)


كساحر ذمي إن لم يدخل ضرراً على مسلم، وأسقطت صلاة وصياماً وزكاة وحجاً تقدم ونذراًً وكفارة ويميناً بالله أو بعتق، أو ظهار، وإحصاناً
__________
عرفة. ص: (وأسقطت صلاة وصياما إلى قوله وإحصانا) ش: أي وأسقطت الردة عن المرتد صلاة وصياما وزكاة أي أبطلت الصلاة والصيام والزكاة التي تعلقت بالمرتد من حين تعلق ذلك به إلى حين رجوعه إلى الإسلام سواء كان فعل ذلك، أو لم يفعله، فإن كان فعل ذلك فالإسقاط بمعنى إبطال ثوابه المرتب عليه، وإن كان لم يفعل ذلك فالإسقاط بمعنى إبطال تعلقه بذمته. وسواء وجب ذلك قبل الردة أو أدركه وقت وجوبه وهو في حال الردة فرع: فلو صلى صلاة ثم ارتد في وقتها ثم رجع إلى الإسلام ووقتها باق بحيث يدرك منها ركعة لزمته. نقله أبو الحسن في كتاب النكاح الثالث.
وأسقطت الردة حجا تقدم من المرتد في حال إسلامه والإسقاط هنا بمعنى إبطال ثوابه ويجب عليه استئناف الحج على المشهور؛ لأن وقته متسع إلى آخر العمر فيجب عليه بخطاب مبتدأ كما يجب عليه الصلاة والصيام والزكاة للأوقات المستقبلة قاله أبو الحسن الصغير: وقيل: لا يجب عليه استئناف الحج.
فرع: فلو ارتد وهو محرم بطل إحرامه قاله في النوادر فإن كان تطوعا لم يلزمه قضاؤه وإن كان فرضا أو قد كان حج الفرض قبل ذلك فإنه لا بد له من استئناف حج الفريضة انتهى.
تنبيه: يفهم من كلامه أنه لا يلزمه قضاء ما أفسده من الحج والعمرة قبل ردته لأن ذلك قد بطل وسقط من ذمته فتأمله والله أعلم.
وأسقطت الردة عن المرتد نذرا نذره في حال إسلامه أو في حال ردته وأسقطت الردة عن المرتد أيمانا بالله حلفها في حال إسلامه أو في حال ردته أو يمينا بعتق وظاهر كلام المصنف سواء كانت اليمين بعتق معين أو بعتق غير معين وهذا ظاهر المدونة وقال ابن الكاتب: وهذا في غير المعين وأما المعين فيلزمه لأنه تعلق به حق إنسان معين قبل ردته فلا يسقط عنه كما يلزمه تدبيره قال ابن يونس: يظهر لي أن تدبيره كعتقه وطلاقه وذلك بخلاف أيمانه ألا ترى أن النصراني يلزمه تدبيره إذا أسلم ولا يلزمه يمينه وكذلك المرتد

(8/376)


__________
قال أبو الحسن: فكان ابن يونس يقول: سواء كانت يمينه بعتق عبد بعينه أو بغير عينه أنها تسقط وقد تقدم الخلاف في ذلك انتهى يشير إلى ما نقله عياض ونصه: اختلفوا في يمينه بالعتق التي أسقطها هل ذلك في غير المعين؟ وأما المعين فيلزم كالمدبر وقيل المعين وغيره سواء ا هـ. أو يمينا بظهار وكذا الظهار المجرد عن اليمين قال أبو الحسن: يتحصل في الظهار المجرد واليمين بالظهار ثلاثة أقوال:
أحدهما: أن ذلك لا يسقط فيهما وهو عند محمد في اليمين بالظهار فأحرى في المجرد، والثاني: أن ذلك يسقط فيهما وهو الذي حكى عياض عن بعض الشيوخ،
والثالث: يلزم في المجرد ولا يلزم في اليمين وهو الذي اقتصر عليه أبو محمد في المدونة فإذا حنث في الظهار المجرد بالوطء وتخلدت الكفارة في ذمته حكمه حكم المعلق بصفة أي فيسقط وسبب الخلاف في الظهار هل النظر إلى ما فيه من التحريم فيشبه الطلاق أو إلى ما فيه من الكفارة فلا يلحق بالطلاق ا هـ. وقال اللخمي: وليس الظهار كالطلاق لأن الخطاب في الطلاق موجه إلى الزوجين وفي الظهار يتوجه إلى الزوج خاصة ا هـ. فتأمله وظاهر الأم أن الظهار المجرد يسقط بالردة ونصها قال ابن القاسم: والمرتد إذا ارتد وعليه أيمان بالعتق وعليه ظهار وعليه أيمان بالله قد حلف بها أن الردة تسقط ذلك عنه ا هـ.
فرع: وأما أيمانه بالطلاق فلم ينص ابن القاسم عليها في المدونة لكن كلامه يقتضي أن مذهب ابن القاسم فيها السقوط لأنه قال فيها: وإذا ارتد وعليه أيمان بالله أو بعتق أو ظهار فالردة تسقط ذلك عنه، وقال غيره: لا تطرح ردته إحصانه في الإسلام ولا أيمانه بالطلاق انتهى. وأسقطت الردة إحصانا تقدم من الزوجين في حال إسلامهما فمن ارتد منهما زال إحصانه، ولا يزول إحصان الآخر الذي لم يرتد كما يظهر من لفظ المدونة. قال في كتاب النكاح الثالث: والردة تزيل إحصان المرتد من الرجل أو المرأة وبانتفاء الإحصان إذا أحصنا ومن زنى منهما بعد رجوعه إلى الإسلام وقبل تزوجه لم يرجم ا هـ.
فرع: قال المشذالي في حاشيته: قال ابن عرفة: لو ارتد قاصدا لإزالة الإحصان ثم أسلم فزنى فإنه يرجم معاملة له بنقيض مقصوده انتهى. وانظر هل يحكم له بالإحصان الآن أو لا يكون محصنا ولكن يعامل بنقيض مقصوده والله أعلم؟ وقد ذكر في التوضيح أن من ارتد ليسقط عنه حد الزنا أنه لا يسقط قاله ابن يونس ونصه سحنون، ولا تسقط الردة حد الزنا لأنه لا يشاء من وجب عليه حد أن يسقط بالردة إلا أسقطه بالردة. ابن يونس: وظاهر هذا خلاف المدونة قال: وإنما استحب إن علم منه أنه إنما ارتد ليسقط الحد قاصدا لذلك فإنه لا يسقط ذلك عنه وإن ارتد بغير ذلك سقط عنه انتهى. ص: (ووصية) ش: أي وأسقطت الردة وصية صدرت من المرتد في حال ردته أو قبل ذلك بخلاف تدبيره فإنه لا يبطله سواء رجع إلى الإسلام أم قتل على ردته بل يخرج من ثلثه وإن كان له أم ولد فتخرج من رأس ماله وما أعتقه أو أعطاه لغيره قبل ردته فإنه لا يبطل وانظر ما حكم وقفه والظاهر أنه لا يبطل

(8/377)


ووصية لا طلاقاً وردة محلل، بخلاف ردة المرأة، وأقر كافر انتقل بكفر آخر وحكم بإسلامه من لم يميز لصغر، أو جنون، بإسلام أبيه فقط، كأن ميز
__________
قياسا على العتق والله أعلم.
ص: (لا طلاقا) ش: هو معطوف على قوله: "صلاة" ويريد إذا أوقع ذلك قبل الردة والمعنى أن الردة لا تسقط ما تقدم من الطلاق قاله في النوادر. وقال مالك: وما طلق في ارتداده أو أعتق فلا يلزمه وما طلق أو أعتق قبل الردة فإنه يلزمه انتهى. فلو طلق ثلاثا ثم أسلم لم تحل له إلا بعد زوج نعم لو طلقها ثلاثا ثم ارتدا جميعا عن الإسلام ثم أسلما فإنه يسقط عنهما الطلاق الثلاث قاله ابن القاسم ونقله عنه اللخمي ونقله المصنف في

(8/378)


إلا المراهق والمتروك لها فلا يجبر بقتل، إن امتنع ووقف إرثه، ولإسلام سابيه إن لم يكن معه أبوه والمتنصر من كأسير على الطوع، إن لم يكن يثبت إكراهه، وإن سب نبياً، أو ملكاً، أو عرض، أو لعنه أو عابه أو قذفه أو استخف بحقه، أو غيّر صفته، أو ألحق به نقصاً، وإن في بدنه أو خصلته أو غض من مرتبته، أو وفور علمه أو زهده أو أضاف له مالا يجوز عليه، أو نسب إليه مالا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو قيل له بحق رسول الله فلعن وقال: أردت العقرب، قتل ولم يستتب حداً
__________
التوضيح ونص عليه في الشامل. ص: (إلا المراهق والمتروك لها) ش: انظر النكاح الثالث من المدونة.
ص: (وإن سب نبيا إلى قوله ولم يستتب حد) ش: قال في الشفاء: ولا تقبل توبته سواء ظهر عليه أو جاء تائبا، وقول المصنف: "حرا" يعني به أن السب ليس بردة قال في الشفاء:

(8/379)


__________
وهذا إنما هو مع إنكاره لما شهد عليه به أو مع إظهاره التوبة والإقلاع عنه. قال: وأما من علم أنه سبه مستحلا له فلا شك في كفره وكذلك إن كان سبه في نفسه كفرا كتكذيبه أو تكفيره وكذلك من لم يظهر التوبة واعترف بما شهد به عليه وصمم فهذا كافر بقوله. وباستحلاله هتك حرمة الله وحرمة نبيه قتل كفرا بلا خلاف. انتهى. ثم قال: لما قرر أن ميراث الساب لورثته أن ذلك فيمن أنكر ما شهد عليه به أو اعترف به وأظهر التوبة. قال: وأما لو أقر به وتمادى على السب كان كافرا وميراثه للمسلمين ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يكفن وتستر عورته ويوارى كما يفعل بالكفار انتهى.
فرع: قال المشذالي في آخر النكاح الثالث عند قوله: "وإذا ارتد ثم راجع الإسلام وضع عنه كل حق": سئل ابن عرفة عمن وقع في الجناب العلي بما يوجب قتله فلم يقتل حتى ارتد ثم راجع الإسلام هل يسقط قتله؟ فقال: الذي عندي أنه يسقط وهو ظاهر الكتاب لأنه لم يستثن إلا القذف ولو كان ثم غيره لذكره. قال المشذالي: قلت: قال عياض عن ابن القاسم ومحمد عن مالك: أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم قتل إلا أن يسلم الكافر فظاهر تخصيصه بالكافر يدل على أن المسلم لا يسقط وذكر بعده هل الحق لله أو للآدمي؟ فهذا مناط الحكم انتهى.
مسألة: قال القرطبي في شرح مسلم: لا خلاف في وجوب احترام الصحابة وتحريم سبهم ولا يختلف في أن من قال كانوا على كفر وضلال كافر يقتل لأنه أنكر معلوما من الشرع فقد كذب الله ورسوله. وكذلك الحكم فيمن كفر أحد الخلفاء الأربعة أو ضللهم. وهل حكمه حكم المرتد فيستتاب؟ أو الزنديق فلا يستتاب ويقتل على كل حال؟ هذا مما يختلف فيه فأما من سبهم بغير ذلك فإن كان سبا يوجب حدا كالقذف حد حده ثم ينكل التنكيل الشديد من الحبس والتخليد فيه والإهانة ما خلا عائشة فإن قاذفها يقتل لأنه مكذب للكتاب

(8/380)


__________
والسنة من براءتها. قاله مالك وغيره، واختلف في غيرها من أزواجه صلى الله عليه وسلم فقيل: يقتل قاذفها لأن ذلك أذى للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: يحد وينكل على قولين، وأما من سبهم بغير القذف فإنه يجلد الجلد الموجع وينكل التنكيل الشديد قال ابن حبيب: ويخلد في السجن إلى أن يموت. وقد روي عن مالك فيمن سب عائشة أنه يقتل مطلقا ويمكن حمله على السب بالقذف انتهى. وقال في الإكمال في حديث الإفك: وأما اليوم فمن قال ذلك في عائشة قتل لتكذيب القرآن وكفره بذلك وأما غيرها من أزواجه فالمشهور أنه يحد لما فيه من ذلك ويعاقب لغيره وحكى ابن شعبان قولا آخر أنه يقتل على كل حال وكأن هذا التفت إلى أذى النبي صلى الله عليه وسلم حيا وميتا انتهى. وقال في الإكمال أيضا: وسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتنقصهم أو واحد منهم من الكبائر المحرمات. وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك وذكر أن من آذاه وآذى الله تعالى فإنه لا يقبل منه صرف ولا عدل واختلف العلماء فيما يجب عليه فعبد الملك. ومشهور مذهبه إنما فيه الاجتهاد بقدر قوله والمقول فيه وليس له في الفيء حق وأما من قال فيهم: إنهم كانوا على ضلالة وكفر فيقتل وحكي عن سحنون مثل هذا فيمن قاله في الأئمة الأربعة قال: وينكل في غيرهم وحكي عنه يقتل في الجميع كقول مالك انتهى. فيفهم منه أن قول مالك: أن من قال في أحد من الصحابة: ولو كان غير الأئمة الأربعة أنه على ضلالة وكفر أنه يقتل وانظر الشفاء وقد حكي فيه الخلاف حتى فيمن كفر عليا وعثمان والذي جزم به ابن عبد السلام الشافعي في أماليه أنه لا يكفر بذلك.
مسألة. قال الشيخ جلال الدين السيوطي في مسالك الحنفا في والدي المصطفى قال: نقلت من مجموع بخط الشيخ كمال الدين الشيمي والد شيخنا الشيخ تقي الدين ما نصه: سئل القاضي أبو بكر بن العربي عن رجل قال: إن أبا النبي صلى الله عليه وسلم في النار فأجاب بأنه ملعون

(8/381)


إلا أن يسلم الكافر، وإن ظهر أنه لم يرد ذمه، لجهل أو سكر أو تهور، وفي من قال لا صلى الله على من صلى عليه جواباً لصل، أو قال: الأنبياء متهمون جواباً لتتهمني أو جميع البشر
__________
لأن الله تعالى قال: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} [الأحزاب: من الآية57] قال: ولا أذى أعظم من أن يقال في أبيه أنه في النار انتهى بلفظه والله أعلم.
غريبة: ذكرها صاحب كنز الراغبين العفاة في الرمز إلى المولد والوفاة ولم أقف على اسم المصنف قال: ذكر صاحبنا الشيخ شمس الدين الملقب بالرائق خطيب مدينة بيروت وإمامها عن السيد عمر الحضرمي من أهل بيروت أنه اجتمع برافض من أهل جبل عاملة فقال له الرافضي: نحن نبغض أبا بكر لتقدمه في الخلافة على علي ونبغض جبريل لأنه نزل بالرسالة على محمد ولم ينزل على علي ونبغض محمدا صلى الله عليه وسلم لأنه قدم أبا بكر في النيابة عنه في الصلاة ولم يقدم عليا ونبغض عليا لسكوته عن طلب حقه من أبي بكر وهو قادر عليه، ونبغض الله لأنه أرسل محمدا ولم يرسل عليا. وهذا أقبح ما يكون من الكفر الذي ما سمع بمثله والعياذ بالله. قال: وذكر ابن بشكوال بسنده إلى محمد بن عمر بن يونس قال: كنت بصنعاء فرأيت رجلا والناس حوله مجتمعون عليه فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذا رجل كان يؤم بنا في شهر رمضان وكان حسن الصوت بالقرآن فلما بلغ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: من الآية56] قال: إن الله وملائكته يصلون على علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. فحرص وجذم وبرص وعمي وأقعد مكانه انتهى. ص: (إلا أن يسلم الكافر) ش: انظر ما نقله الأبي عن ابن عرفة وأظنه في كتاب الأيمان في حديث

(8/382)


يلحقهم النقص حتى النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قولان، واستتيب في هزم، أو أعلن بتكذيبه، أو تنبأ إلا أن يسر على الأظهر، وأدب اجتهاداًَ في أدّ، واشك للنبيّ أو لو سبني ملك لسببته،
__________
أسامة. ص: (واستتيب في هزم) ش: وقال القرطبي في شرح مسلم: ومن قال: أنه فر أو هزم قتل ولم يستتب؛ لأنه صار بمنزلة من قال: أنه كان أسود أو ضخما فأنكر ما علم من وصفه وذلك كفر؛ لأنه قد أضاف إليه نقصا وعيبا، وقيل: يستتاب فإن تاب وإلا قتل انتهى. ص: (وأدب اجتهادا في أد واشك للنبي صلى الله عليه وسلم) ش: تصوره ظاهر من كلام الشارح.
مسائل: من فتاوى الشيخ سراج الدين البلقيني، والشيخ عز الدين بن عبد السلام الشافعي تتعلق بشيء من معنى هذا الباب، سئل البلقيني عن رجل أمسك غريما له وقال: لو وقف عزرائيل قابض الأرواح ما سيبته إلا بحكم الشرع فأجاب إذا كان مراده لو وقف لقبض روحي ما سيبته فلا يجب عليه لأنه إنما صدر ذلك بالنسبة إلى ما يتعلق بذلك ومعنى لا أسيبه ولو في ذلك ذهاب الروح وهذا لا يتعلق بالملك صلى الله عليه وسلم قلت: وأما لو قصد الاستخفاف بذلك فالظاهر أنه يؤدب كما ذكره في الشفاء وأشار إليه الشيخ بقوله: "لو سبني ملك لسببته".
وسئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام الشافعي ما تقول في رجل قال في ملأ من الناس وقد تكلم في حقيقة الفقير. فقال الفقير: الذي لا حاجة له إلى الله فهل في إطلاق هذا القول شيء أم لا؟ وهل إذا ذكر لذلك تأويلا محتملا ولو على بعد أيقبل ذلك منه أو لا؟ فأجاب: يعزر على ذلك تعزيرا بليغا رادعا، ويجدد إسلامه ولا يقبل تأويله في هذا القول لما فيه من سوء الأدب والرد على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ } [فاطر: من الآية15] وهذا القول إن لم يكن كفرا فهو قريب من الكفر. فلا أكثر الله من هذه الشياطين المضلين ويجب على ولي

(8/383)


أو يا ابن ألف كلب، أو خنزير أو عير بالفقر فقال: تعيرني به والنبي قد رعى الغنم أو قال لغضبان: كأنه وجه منكر أو مالك أو استشهد ببعض جائر عليه في الدنيا حجة له، أو لغيره، أو شبه لنقص لحقه لا على التاسي، كإن كذبت فقد كذبوا،
__________
الأمر أن يبالغ في ردع هذا الخبيث المجترئ على رب العالمين ا هـ.
قلت: لعله تردد في كون هذا اللفظ كفرا لكون قائله ذكر له تأويلا وأما من اعتقد معنى هذا اللفظ فلا شك أنه كافر مرتد مكذب للقرآن والله أعلم.
وسئل البلقيني عن رجل ظلمه مكاس ظلما كثيرا فقال الرجل: الذي يكتبه فلان المكاس ما يمحيه ربنا. ما يلزمه؟ فأجاب: إذا لم يقصد بذلك عدم تعلق قدرة الرب فإنه لا يكفر سواء قصد أن المكاس شديد البأس يصمم على ما يكتب أو لم يقصد ذلك فإن قصد أن ربنا لا يقدر على محوه فإنه يكفر ويستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه.
وسئل عن مسلم قال لذمي في عيد من أعيادهم: عيد مبارك عليك. هل يكفر أم لا؟ فأجاب: إن قاله المسلم للذمي على قصد تعظيم دينهم وعيدهم فإنه يكفر، وإن لم يقصد ذلك وإنما جرى ذلك على لسانه

(8/384)


أو لعن العرب، أو بني هاشم، وقال: أردت الظالمين وشدد عليه في كل صاحب فند قرنان ولو كان نبياً، وفي قبيح لأحد ذريته عليه الصلاة والسلام مع العلم به كأن انتسب له، أو احتمل قوله، أو شهد عليه عدل أو لفيف فعاق عن القتل أو سب من لم يجمع على نبوته أو
__________
فلا يكفر لما قاله من غير قصد.
وسئل عن رجل يدعي أنه إذا غضب على أحد أصيب في بدنه أو منصبه لأجل غضبه. فقال له رجل: لو سمع الله منك لأخرب السموات والأرض يعني لو

(8/385)


صحابيا،ً وسب الله كذلك وفي استتابة المسلم خلاف، كمن قال: لقيت في مرضي ما لو قتلت أبا بكر وعمر لم استوجبه،
__________
قبل دعاءك. فهل يجب على قائل هذا الكلام شيء؟ وماذا يجب على من قال له: كفرت بهذا الكلام؟ فأجاب: لا يجب على قائل ذلك شيء، ومن رماه بكفر أو غيره بالتأويل زجر عن ذلك. ويعرف أن معنى ذلك موجود في كتاب الله في قوله: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [المؤمنون: من الآية71] ويجب عليه أن يتوب عما صدر منه وسئل عن رجل يصبح كل يوم يشتغل بالناس ويجعلهم في غير الإسلام. ويقول بعد ذلك: إذا أكلت العلماء الرشا أكلت الناس الحرام وإذا أكلت العلماء الحرام كفرت الناس. ويذكر أنه وقتنا هذا. فعوتب في ذلك فقال: ما قلته من عندي قاله الفقيه حسين المغربي فأجاب: قد ارتكب المذكور كبائر بجعل المسلمين في غير الإسلام. وبما ذكره عن العلماء وعن كفر الناس وبذكره أنه وقتنا وقد كذب في ذلك كله وافترى. فدين الإسلام بحمد الله قائم والأمة المحمدية لا تزال طائفة منهم قائمة على الحق حتى يأتي أمر الله وأن الله تعالى يبعث للأمة المحمدية على رأس كل مائة عام من يجدد لها أمر دينها ويجب على هذا الرجل التعزير البليغ الزاجر له ولأمثاله عن هذه الأمور الباطلة، ويبادر إلى التوبة فإذا ظهر من حسين المغربي شيء من ذلك فإنه يعزر انتهى.
قلت: وما ذكره كلام لا معنى له؛ فإنه يقتضي أن الرشا أخف من الحرام. وقد قال العلماء: إن الرشا أخبث من الحرام وإنها السحت

(8/386)


باب الزنا
الزنا: وطء مكلف، مسلم
__________
وسئل عن الرجل قال في ميعاده: إن الله تعالى يقول: "إن من عبادي من لا يوافقه إلا الفقر ولو أغنيته لفسد" الحديث وفي آخره ومراد الحق من الخلق ما هم عليه. فأنكر عليه رجل صحة هذا الحديث فهل الحديث مروي؟ وما معنى قوله: "ومراد الحق من الخلق ما هم عليه"؟ فأجاب: هذا أثر مروي ومعناه صحيح ولا يترتب على قائله شيء ومعناه أن كل ما يفعله الخلق وما اشتملوا عليه من هدى وغي من خلق الله وإرادته. وهذا اعتقاد أهل السنة وسئل الشيخ عز الدين عن الرجل يذكر فيقول: الله الله ويقتصر على ذلك هل هو مثل قوله: سبحان الله والحمد لله والله أكبر وما أشبه ذلك أم لا؟ وإذا لم يكن بمثابته فهل هو بدعة لم تنقل عن السلف أم لا؟ فأجاب: هذه بدعة لم تنقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من السلف وإنما يفعله الجهلة، والذكر المشروع كله لا بد أن يكون جملة فعلية أو اسمية وهو مأخوذ من الكتاب والسنة وأذكار الأنبياء، والخير كله في اتباع الرسول واتباع السلف الصالحين دون الأغبياء من الجاهلين انتهى. وسئل البلقيني عن جماعة يذكرون وفي أثناء ذكرهم يقولون: "محمد محمد" ويكررون الاسم الشريف ويقولون آخر ذلك: "محمد مكرم معظم". هل يكون ذلك ذكرا يؤجرون عليه؟ وهل فيه إساءة؟ وهل ورد في ذلك شيء من كتاب أو سنة؟ فأجاب: لم يرد بذلك آية ولا خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أثر عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن الفقهاء بعدهم ولا ذلك من الأذكار المشروعة ولا يؤجرون على ذلك وهم مبتدعون شيئا قد يقعون به في إساءة الأدب وأما قوله: "محمد محمد مكرم معظم". فهذا ليس كالذي قبله وهو إخبار بالواقع ولم يرد فيه ما يقتضي أن يكون مطلوبا، والقياس على ما نهى الله عنه في قوله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور: من الآية63] وقوله تعالى: {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: من الآية2] وما طلب من الأدب منهم في حق النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي النهي عن ذلك انتهى.
قلت: قوله: وأما قولهم: "محمد محمد مكرم معظم" يعني: من غير تكرير للاسم الشريف وما قاله ظاهر ومثل هذا قول كثير من العامة: "صلوا على محمد".
باب
ص: (الزنا وطء مسلم مكلف إلخ) ش: قال أبو الحسن: قال القاضي عياض: الزنا يمد

(8/387)


فرج آدمي لا ملك له فيه
__________
ويقصر فمن مده ذهب إلى أنه فعل من اثنين كالمقاتلة والمضاربة فمصدره قتالا ومن قصره جعله اسم الشيء بنفسه. وأصل اشتقاق الكلمة من الضيق والشيء الضيق ا هـ. وانظر هذا الكلام فإني لم أجده في التنبيهات؛ لأني لم أجده في نسختي من كتاب الحدود وفي الزنا المترجم له في بعض النسخ باب الرجم كما قاله أبو الحسن فما أدري سقط هذا الكلام من نسختي أو من جميع النسخ ولعل هذا الكلام من الإكمال أو من المشارق. قال النووي: وإذا مد كتب بالألف وإذا قصر كتب بالياء قاله في كتاب بيان لغات المهذب. والقصر لغة الحجاز وبها جاء القرآن والمد لغة تميم قاله في المحكم وغيره قال الجزولي في شرح الرسالة بعد ذكر الكلام السابق عن عياض وهل ضيق المحل أو ضيق الحكم فيه يحتمل؟ قال الجزولي: وحضرت خصمين تحاكما قال أحدهما: قال لي: يا ابن المقصور والممدود فجلده القاضي لأن هذا تعريض انتهى. وقال الزناتي: وأصل اشتقاق الكلمة من الضيق والشيء الضيق؛ لأن الزاني ضيق على نفسه من حيث أخرج نطفته إخراجا لا ينسب إليه ولأنه ضيق على نفسه في الفصل إذ لا يتصور في كل موضع فلا بد من التماس خلوة وتحفظ وضيق على نفسه فيما اكتسبه من إثم تلك الفعلة. قال ابن القوطية: زنى الرجل على غيره زنوا أو زناء ضيق عليه وزنا الشيء ضاق أو قصر وزنى الجبل ضعف وزنى إلى الشيء نحا وزنى الرجل بوله زنوا أحقنه وزنى البول احتقن. وفي الحديث: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة والمصلي زناء" انتهى.
تنبيهات: الأول: لا يرد على المصنف أنه لا يصدق ما ذكره من الحد إلا على الرجل فقط فلا يشمل الزانية بل هو شامل لها لأنه قال وطء والوطء مصدر لا يمكن وقوعه إلا بين اثنين فيدل على أن كل واحد منهما يشتق له من الوصف فيقال: زان وزانية والله أعلم.
الثاني: الذي يظهر أن مراد المؤلف أن يحد للزنا الموجب للحد في الشرع، لا كل ما يصدق عليه زنا في اللغة، وإن كان كذلك فيرد عليه أنه ليس بجامع لخروج تمكين المرأة من نفسها مجنونا فإنها زانية كما سيأتي ولا يصدق عليها التعريف المذكور وكذا تمكينها كافرا من نفسها وانظر البساطي فإنه قد أشار إلى ذلك ويرد عليه أنه غير مانع أيضا لدخول وطء الرجل الصغيرة التي لا يمكن وطؤها فتأمله والله أعلم.
الثالث: قال مطرف: كان مالك يرى فيمن اشترى جارية وغلاما من دار والناس ينظرون حتى تغيب عليها أو عليه فلا يدري ما فعل أن يضرب الثلاثمائة والأربعمائة بكرا كان أو ثيبا وكان الحكام يحكمون بذلك عندنا بمشورة مالك.
ص: (لا ملك له فيه) ش: هو نحو عبارة ابن الحاجب فقال في التوضيح: المراد بالملك التملك الشرعي أو شبهه ا هـ. فيدخل فرج مملوكه

(8/388)


باتفاق تعمداً، وإن لواطاً أو إتيان أجنبية بدبر، أو إتيان ميتة غير زوج أو صغيرة يمكن وطؤها، أو مسأجرة لوطء أو غيره، أو مملوكة تعتق أو يعلم حريتها أو محرمة بصهر مؤبد
__________
الذكر لأنه لا تسلط له على فرجه في الشرع، ويخرج منه وطء الرجل جارية ابنه؛ لأن له شبهة الملك ونحوه. قول ابن عرفة: "الزنا الشامل للواط مغيب حشفة آدمي في فرج آخر دون شبهة حلية عمدا" فتخرج المحللة ووطء الأب أمة ابنه لا زوجته. ا هـ. ص: (تعمدا) ش: تصوره من كلام الشارح ظاهر.
فرع: قال ابن الفرس في سورة النور: واختلفوا في المرأة إذا استدخلت ذكر نائم فقال مالك: عليها الحد. وقال أبو حنيفة: لا حد عليها. وحجة مالك أن هذا زنى فهو داخل تحت العموم انتهى. ص: (باتفاق) ش: مخرج للأنكحة الفاسدة، ولوطئه زوجته أو أمته في دبرها فإنه ليس بزنى ولا حد عليه في ذلك، لأنه قد قيل بإباحته وإن كان القول بذلك شاذا أو ضعيفا ويجب عليه الأدب على المعروف.
ص: (أو محرمة بصهر) ش: ظاهر كلامه أنه إذا وطئ مملوكته المحرمة عليه بالصهر يحد، وليس كذلك فيحمل كلامه على ما إذا تزوج المحرمة عليه بالصهر. قال ابن الحاجب: لا ملك له فيه يخرج الحلال والحائض والمحرمة والصائمة والمملوكة المحرمة بنسب لا بعتق أو صهر أو رضاع أو شركة أو عدة أو تزويج ولمتزوجها هو في عدتها على الأصح. ثم قال: أما لو وطئ بالملك من يعتق عليه أو نكح محرمة بنسب أو رضاع أو صهر مؤبد وطئها فإنه يحد قال في التوضيح: وهذه المسائل كلها مقيدة بما إذا كان عالما بالتحريم ا هـ.
وقال في التوضيح فيما إذا وطئ مملوكته المحرمة بنسب لا بعتق أو بصهر أو

(8/389)


أو خامسة، أو مرهونة أو ذات مغنم، أو حربية، أو مبتوتة، وإن بعدة، وهل وإن أبتّ في مرة
__________
رضاع أنه لا يحد ولو كان عالما بالتحريم، نعم يؤدب. وإذا حملت منه من هي محرمة عليه عتقت عليه. وفي سماع عيسى: لا تعتق وأما إن لم تحمل فروي عن ابن القاسم أنها تباع خوفا من أن يعاود زاد في المدونة في كتاب القذف ويلحق به الولد.
ص: (أو مرهونة) ش: أطلق هنا في وجوب الحد ومراده إن وطئ بغير إذن الراهن اعتمادا على ما قدمه في الرهن وعلى ما ذكره هنا في الأمة المحللة لأنه إذا أذن الراهن في ذلك صارت محللة والله أعلم.
ص: (أو مبتوتة وإن بعدة، وهل وإن بت في مرة ؟ تأويلان) ش: يعني أن الإنسان إذا طلق زوجته ألبتة أو طلقها ثلاثا، ثم وطئها دون عقد أو عقد عليها قبل أن تتزوج زوجا غيره ووطئها فإنه يحد سواء وقع ذلك وهي في عدة أو بعد فراغ العدة. يريد إذا كان عالما بالتحريم وأما إن كان يجهل التحريم فإنه لا حد عليه إذا كان مثله يجهل ذلك، كما سيقوله المصنف بعد في قوله، أو الحكم إن جهل مثله فإنه راجع إلى جميع ما ذكر أنه يحد فيه كما صرح به المصنف في التوضيح وغيره أعني رجوعه لجميع ما تقدم وأما قول المصنف بعد هذا: "بلا عقد" فإنما هو راجع إلى قوله: "أو مطلقة قبل البناء أو معتقة" كما صرح به الشارح ولا يرجع لمسألة المبتوتة.
قال ابن الحاجب: أما لو وطئ بالملك من يعتق عليه أو نكح المحرمة بنسب أو رضاع أو صهر مؤبد وطئها أو طلق امرأته ثلاثا ثم وطئها في العدة أو تزوجها قبل زوج

(8/390)


__________
ووطئها أو طلقها قبل البناء واحدة، ثم وطئها بغير تزويج أو أعتق أمة ثم وطئها فإنه يحد. قال في التوضيح: قوله: "أو طلق امرأته ثلاثا". ظاهره سواء كان بلفظ الثلاث أو البتة وسواء كان الثلاث مجتمعات أو متفرقات وهو ظاهر المدونة وقال أصبغ في البتة: لا يحد؛ عالما كان أو جاهلا؛ لقوة الخلاف في البتة هل هي واحدة أم لا؟ وقال في المطلقة ثلاثا مثل ما في المدونة. إلا أنه قال في الجاهل: لا يحد استحسانا وتأول صاحب تهذيب الطالب قوله في الثلاث على أنها متفرقات قال: وأما إن كانت في لفظ واحد فلا حد؛ عالما كان أو جاهلا للاختلاف فيها وقال غيره: إن هذا التأويل على أصبغ، ظاهر المدونة خلافه وأنه لا فرق في الثلاث بين أن تكون مفترقات أو مجتمعات لضعف قول من قال بإلزامه الواحدة في الثلاث وهذه المسائل كلها مقيدة بما إذا كان عالما بالتحريم. وأما الجاهل بالحكم فلا كما سيأتي من كلام المصنف ا هـ. كلام التوضيح وتحصل منه أنه إذا طلقها ثلاثا متفرقات ثم وطئها دون عقد أو عقد عليها قبل زوج ووطئها فإنه يحد. وأما إن كانت التطليقات مجتمعات في كلمة واحدة فتأويل عبد الحق على قول أصبغ أنه لا يحد وأن قوله مثل ما في المدونة مراعاة لقول من يقول إنها واحدة إذا كانت في كلمة فتكون كالمطلقة الواحدة الرجعية فلا يحد كما لو طلق الرجل طلقة رجعية ثم وطئها في العدة فإنه لا يحد وهو أحد التأويلين اللذين أشار إليهما المؤلف وتأويل غيره أنه يحد وهو ظاهر المدونة كما سيأتي. فكان ينبغي للمؤلف أن يقتصر عليه هذا إذا تلفظ بالثلاث. وأما إن تلفظ بالبتة فظاهر المدونة لزوم الحد كما تقدم وقال أصبغ لا يحد ووجهه ما تقدم في توجيه الثلاث في كلمة واحدة.
قال في أوائل كتاب القذف من المدونة: ومن تزوج خامسة أو امرأة طلقها ثلاثا أو ألبتة قبل أن تنكح زوجا غيره أو أخته من الرضاع أو النسب أو من ذوات محارمه عامدا عارفا بالتحريم أقيم عليه الحد ولم يلحق به الولد إذ لا يجتمع الحد وثبوت النسب انتهى.
ثم قال بعده: ومن طلق امرأته قبل البناء طلقة واحدة ثم وطئها بعد الطلقة وقال: ظننت أنه لا يبتها منه إلا الثلاث فلها صداق واحد ولا حد عليه إذا عذر بجهل
ولو طلقها بعد البناء ثلاثا ثم وطئها في العدة وقال ظننت ذلك يحل لي فإن عذر بالجهالة لم يحد. وكذلك من تزوج خامسة أو أخته من الرضاعة وعذر بالجهالة في التحريم لم يحد انتهى.
تنبيهات: الأول: علم من هذا أن قول المصنف في النكاح (أو مبتوتة) قبل زوج إنما تكلم فيه على تأبيد التحريم وعدمه فذكر أنه لا يتأبد تحريمها. وأما الحد وعدمه فلم يتعرض له فيفصل فيه بين العالم والجاهل.
الثاني: قوله في المدونة البتة بعد الثلاث زائد قاله أبو الحسن.
الثالث: تقدم في باب الاستلحاق المسائل التي يجتمع فيها الحد ولحوق الولد والله أعلم.

(8/391)


تأويلان، أو مطلقة قبل البناء أو معتقة بلا عقد، كأن يطأها مملوكها أو مجنون بخلاف الصبي إلا ان يجهل العين أو الحكم إن جهل مثله إلا الواضح لامستحقة وأدب اجتهاداً كبهيمة، وهي كغيرها في الذبح والأكل ومن حرم لعارض كحائض، أو مشتركة، أو مملوكة، لاتعتق أو
__________
ص: (أو مطلقة قبل البناء أو معتقة بلا عقد) ش: يعني أن من طلق زوجته قبل البناء ثم وطئها دون تجديد عقد فإنه يحد إلا أن يعذر بجهل ويكون مثله يجهل ذلك. وكذلك من أعتق أمة ثم وطئها دون عقد عليها فإنه يحد إلا أن يعذر بجهل. وقد تقدم نص المدونة في ذلك ونصها أيضا في اختصار ابن أبي زيد ومن تزوج خامسة أو أخته من الرضاعة قال ابن حبيب عن أصبغ: أو أخته من النسب قال ابن القاسم: أو غير الأخت من ذوات المحارم أو طلق امرأته ثلاثا ثم تزوجها قبل زوج أو طلقها قبل البناء واحدة ثم وطئها في العدة أو أعتق أم

(8/392)


معتدة أو بنت على أم لم يدخل بها، أو أختاً على أختها، وهل إلا أخت النسب لتحريمها بالكتاب؟ تأويلان، وكأمة محللة وقومت وإن أتيا أو مكرهة
__________
ولده ثم وطئها في العدة منه فإن ادعى في جميع هؤلاء الجهالة بالتحريم ومثله يجهل ذلك قال أشهب مثل الأعجمي وشبهه فلا حد عليه. وإن كان عالما ولم يعذر بجهل حد ولم يلحق به الولد. قال ابن القاسم: وما درأت فيه الحد ألحقت فيه الولد وليس عليه للتي وطئ بعد الطلاق البائن أو العتق المبتل صداق مؤتنف. وذلك داخل في الملك الأول كمن وطئ بعد حنثه منها ناسيا ليمينه أو لم يعلم بحنثه انتهى من كتاب الرجم. وانظر النوادر في ترجمة من تخالع على أنها إن طلبت ما أعطته عادت زوجة والله أعلم
ص: (أو معتدة) ش: سواء وطئها بالملك أو بالنكاح على المشهور ص: (أو مكرهة) ش: تصوره ظاهر.
فرع: قال في الطراز في أواخر الجزء الثالث في ترجمة تفسير الطلاق وما يلزم من ألفاظه: قال ابن عبد الغفور: ويقال: إن عبد الله بن عيسى سئل عن جارية بكر زوجها فابتنى بها زوجها فأتت بولد لأربعة أشهر، فذكر ذلك لها فقالت: إني كنت نائمة فانتبهت لبلل بين فخذي وذكر الزوج أنه وجدها عذراء فأجاب فيها أنه لا حد عليها إذا كانت معروفة بالعفاف وحسن الحال. ويفسخ النكاح ولها المهر كاملا إلا أن تكون علمت بالحمل، وغرت فلها

(8/393)


أو مبيعة بغلاء، والأظهر والأصح كأن دعى شراء أمة ونكل البائع وحلف الواطئ والمختار أن المكره كذلك، والأكثر على خلافه ويثبت بإقرار مرة إلا أن يرجع مطلقاً أو يهرب وإن في الحد وبالبينة فلا يسقط بشهادة أربع نسوة ببكارتها، وبحمل في غير متزوجة وذات سيد مقر به ولم يقبل دعواها الغصب بلا قرينة
__________
قدر ما استحل منها انتهى من الاستغناء ا هـ. كلام الطراز.
ص: (وثبت بإقراره مرة إلا أن يرجع مطلقا) ش: أي سواء رجع إلى ما يعذر به أو أكذب نفسه من غير أن يبدي عذرا قال

(8/394)


يرجم المكلف الحر المسلم، إن ضاب بعدهن بنكاح لازم صح بحجارة معدلة، ولم يعرف بداءة البينة ثم الإمام
__________
الشارح: وإليه أشار بالإطلاق فإن أنكر الإقرار فإن إنكاره كتكذيب نفسه على قول ابن القاسم الذي مشى عليه المؤلف أنه يقبل رجوعه ولو كان لغير شبهة قاله في التوضيح في باب الزنى وفي باب الشهادات والله أعلم. ص: (ويرجم المكلف الحر المسلم إن أصاب بعدهن بنكاح لازم صحيح) ش: هذه شروط الرجم ويعني أن الرجم إنما يكون بشرط كون الزاني مكلفا أي عاقلا بالغا حرا مسلما أصاب أي وطئ بعدهن أي بعد حصول هذه الصفات له بنكاح أي في نكاح لازم صحيح يريد إصابة صحيحة فلا رجم على مجنون ولا على غير بالغ ولا على عبد ولا على كافر ولا على من لم يتزوج أو تزوج ووطئ في نكاح غير لازم كالنكاح الذي فيه خيار كنكاح العبد ذي العيب أو تزوج ووطئ في نكاح فاسد يفسخ قبل البناء وبعده أو تزوج ووطئ وطئا غير صحيح وهو الوطء الممنوع كالوطء في الحيض والنفاس والإحرام والاعتكاف والله أعلم.
تنبيه: قال في النوادر: قال محمد: وإن تأيمت المرأة بعد إحصانها أو الرجل أو كانا على نكاحهما فقد وجب عليهما الإحصان وصرح بذلك أيضا في مختصر الوقار. ص: (ولم يعرف بداءة البينة ثم الإمام) ش: انظر لم لم يتعرض المصنف إلى حضور جماعة للحد وقد

(8/395)


__________
قال الله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: من الآية2] وقال ابن عرفة في باب اللعان وفيها بمحضر من الناس. ابن محرز: لأنه حكم إمام بما فيه حقوق كثيرة فوجب أن يحضر من يشهد عليه لقوله تعالى في الزانيين: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: من الآية2] وأقلها عند مالك أربعة انتهى. وقال ابن العربي في آية النور: المراد بالآية توبيخ الزناة والتغليظ عليهم ليرتدعوا لأنه كلما كثرت الطائفة في خصومهم كان أغلظ واختلف في أقل ما يجزئ فقال الحسن: عشرة وقال ربيعة: ما زاد على الأربعة وقيل: أربعة ذكره جماعة عن المذهب وهو قول أبي زيد، ورأى أن هذا كشهادة الزنا، وقال عطاء والزهري: ثلاثة، وقيل: اثنان. وحكى بعضهم ذلك عن عطاء وهذا قول مالك المشهور وقيل يجزئ الواحد ا هـ وقال ابن بكير في أحكامه التي رواها عن مالك: قال مالك: الطائفة ههنا أربعة يحضرون جلد الزاني البكر ليعلم أنه محدود في الزنى فإن قذفه قاذف لم يحد لأنه ثبت أنه محدود في زنى ولا يجزئ في ذلك دون أربعة شهداء وقال في الجواهر في باب اللعان: يحضر أربعة فأكثر؛ لقوله تعالى في الزنى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: من الآية2] فيحضرون هنا بجامع التغليظ ولأن قطع الأنساب وفساد الأعراض أمر عظيم فيغلظ في سببه انتهى. ونقله في الذخيرة وقال القاضي عبد الوهاب في المعونة: وينبغي للإمام أن يحضر الحد طائفة من المؤمنين الأحرار العدول؛ لقوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: من الآية2] وكذلك السيد في إقامة الحد على عبده وأمته والطائفة أربعة فصاعدا والفائدة في ذلك أنه إن قذفه قاذفه وطالبه بحد قاذفه أمكن قاذفه التخلصمن ذلك وبإحضار من شهد حده انتهى. وقال في التلقين: وينبغي للإمام إحضار طائفة من المؤمنين للحد. وأقلهم أربعة ممن تقبل شهادتهم. ا هـ ونحوه في الجلاب وقال في مختصر عيون المجالس: يستحب للإمام أن يحضر في إقامة الحد في الزنى طائفة من المؤمنين كما قال تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: من الآية2] والطائفة عندنا وعند أبي حنيفة والشافعي أربعة فصاعدا وروي عن ابن عباس واحد فما فوقه وذهب عطاء وأحمد بن حنبل إلى أن الطائفتين هنا اثنان فصاعدا وذهب الزهري إلى أنها ثلاثة. وذهب الحسن إلى أنها عشرة انتهى. وقال القرطبي في قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: من الآية2] قيل: لا يشهد التعذيب إلا من لا يستحق التأديب. قال مجاهد: رجل فما فوقه إلى الألف. وقال ابن أبي زيد: لا بد من حضور أربعة قياسا على الشهادة على الزنا، وإن هذا باب منه وهو قول مالك والليث والشافعي وقال عكرمة وعطاء: لا بد من اثنين وهذا مشهور قول مالك فرآها موضع شهادة وقال الزهري: ثلاثة؛ لأنه أقل الجمع ثم قال: واختلف في المراد بحضور الجماعة هل المقصود بها الإغلاظ على الزناة والتوبيخ والردع أو الدعاء لهما بالتوبة والرحمة؟ قولان للعلماء انتهى. ويفهم من كلام القرطبي هذا ومن كلام ابن بكير أن الجماعة إنما يطلب حضورها في الجلد لا في الرجم والله

(8/396)


كلائط مطلقا، وإن عبدين كافرين، وحد البكر الحر مائة وتشطر بالرق، وإن قل وتحصن كل دون صاحبه بالعتق والوطء بعده، وغرب الحر الذكر فقط عاماً، وأجزأه عليه وإن لم يكن له مال فمن بيت المال كفدك، وخيبر من المدينة فيسجن سنة وإن عاد أخرج ثانية وتؤخر المتزوجة
__________
أعلم ص: (كلائط مطلقا) ش: يعني أن اللائط حكمه الرجم مطلقا سواء كان محصنا أو غير محصن فإن كانا بالغين رجما معا، وإن كانا غير بالغين فلا رجم عليهما. وإن كان الفاعل بالغا والمفعول به غير بالغ فليرجم الفاعل، وإن كان الفاعل غير بالغ والمفعول به بالغا فلا يرجم الفاعل وانظر حكم المفعول به فلم أر فيه نصا صريحا. وقال الجزولي: انظر ذلك والظاهر أنه لا يرجم لأن وطء غير البالغ كلا وطء. ألا ترى أن الكبيرة إذا وطئها صغير لا تحد؟، كما صرح به المصنف في باب الزنا في التوضيح فكذلك هنا والله أعلم.
فرع: يحد اللائط مطلقا سواء فعل ذلك بملكه أو بغير ملكه قاله الجزولي وهو ظاهر.
فرع: قال ابن الفرس في سورة الأعراف: وأما إن لاط الرجل بنفسه فأولج في دبره فعندنا أنه لا حد فيه وأنه يعزر، وقيل: يقتل كما لو لاط بغيره وهو أحد أقوال الشافعي. وقيل: هو كالزاني في الإحصان وهو أيضا أحد أقوال الشافعي والحجة لمالك أن الآية نزلت في قوم يفعل بعضهم ببعض فينبغي أن يقتصر في العقوبة. والنازلة في ذلك على موضعها ولا يتعدى إلى غيرها إلا أن يدل دليل انتهى
ص: (وتؤخر المتزوجة لحيضة) ش: قال ابن الحاجب

(8/397)


لحيضة، وبالجلد اعتدال الهواء، وأقامه الحاكم والسيد، إن لم يتزوج بغير ملكه
__________
وينتظر وضع حملها والاستبراء في ذات الزوج. قال في التوضيح: قال ابن عبد السلام: وانظر هل هو حيضة؟ وهو الأقرب أو ثلاث حيض؟. خليل: بل القاعدة أن الحرة لا تستبرأ إلا بثلاث حيض انتهى.
قلت: قد تقدم في باب الردة أن مالكا نص في الموازية على أنها تستبرأ بحيضة وحكم البابين واحد ولعل المصنف إنما جزم بذلك لما ذكرناه والله أعلم.
ص: (وإقامة الحاكم والسيد) ش: قال ابن الحاجب: والسيد في رقيقه في حد الزنا والخمر والقذف. قال في التوضيح: احترز من السرقة وغيرها فلا يقيمها إلا الوالي قال في المدونة: لأن ذلك ذريعة إلى أن يمثل بعبده ويدعي أنه سرق انتهى. وقال في المدونة: ولا بأس أن يقيم السيد على مملوكه حد الزنا والقذف وحد الخمر. أبو الحسن: في الحديث: "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم"1 وهو محمول على الوجوب. وقال أبو محمد: ويقيم الرجل على عبده وأمته حد الزنا. وهذه العبارة
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب الحدود حديث 34. أبو داود في كتاب الحدود باب 33. الترمذي في كتاب الحدود باب 13.

(8/398)


بغير علمه، وإن أنكرت الوطء بعد عشرين سنة وخالفها الزوج فالحد، وعنه فالرجل يسقط مالم يقر به، أو يولد له وأولا على الخلاف، أو لخلاف الزوج في الأولى فقط، أو لأنه يسكت، أو لأن الثانية لم تبلغ عشرين، تأويلات وإن قالت زنيت معه
__________
أصرح؛ لأنه وإن كان لفظها لفظ الخبر فمعناها الأمر. وقوله في الكتاب: "لا بأس" لما يتوهم أن به إلباسا وأن الحدود لا يقيمها إلا الإمام وقد قال فيمن اشترى جارية وقد زنت عند البائع ليس بواجب على المبتاع أن يحدها. مفهومه لو زنت عنده عليه كان عليه واجبا أن يحدها انتهى. وقوله: "السيد" سواء كان رجلا أو امرأة قاله الجزولي في شرح الرسالة وغيره، وذكر البرزلي عن التونسي فيمن زنت أمته أن عليه أن يقيم عليها الحد قال البرزلي وظاهر المدونة والرسالة: جواز إقامة السيد الحد على عبده لا وجوبه والله أعلم.
فرع: وإذا أقام الحد فيحضر في الزنا أربعة نفر وفي الخمر والقذف رجلين. قال مالك: لأنه عسى أن يعتق ويشهد بين الناس فيحد من يشهد عليه بما ترد به شهادته. نقله أبو الحسن وغيره.
فرع: قال أبو الحسن: قوله: والقذف ظاهره. ولا مقال للمقذوف إن قال السيد: لا أرضى إلا بإقامة الإمام الحد. وترجم فيه الشيخ انتهى. وقال ابن عسكر في العمدة: ولا يقيم الحد على الأحرار إلا السلطان وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين انتهى. ص: (وإن قالت

(8/399)


فادعى الوطء والزوجية، أو وجدا ببيت وأقر به، وادعيا النكاح أو ادعاه فصدقته هي ووليها وقالا لم نشهد حدا
__________
زنيت معه وادعى الوطء والزوجية أو وجدا ببيت وأقرا به وادعيا النكاح أو ادعاه فصدقته ووليها وقالا لم نشهد حدا) ش: جواب الشرط قوله: "حدا" وهذا راجع إلى المسائل الثلاث. والمسألتان الأوليان في كتاب الحدود من المدونة ونصه: وإذا قالت المرأة زنيت مع هذا الرجل وقال الرجل: هي زوجتي قد وطئتها أو وجدا ببيت فأقرا بالوطء وادعيا النكاح فإن لم يأتيا ببينة حدا انتهى أبو الحسن معنى المسألة الثانية إذا لم يكونا طارئين وأما الأولى فسواء كانا طارئين أم لا انتهى. وقال أشهب في الأولى: لا حد عليه؛ لأنه لم يعترف بوطء إلا في نكاح وتحد هي بخلاف المسألة الثانية إذا وجد مع امرأة وادعى نكاحها، لا أقر فهو يدفع عن نفسه وسوى بينهما ابن القاسم. قاله في الذخيرة وقاله أيضا أبو الحسن، وأما الثانية فهي في كتاب القذف ونصها: ومن وطئ امرأة وادعى نكاحها وصدقته هي ووليها وقالوا عقدنا النكاح ولم نشهد ونحن نريد أن نشهد الآن فعلى الرجل والمرأة الحد إلا أن يقيما بينة غير الولي وإن حددتهما وهما بكران فأراد أن يحدثا إشهادا على ذلك النكاح ويقيما عليه لم يجز حتى تستبرأ من ذلك الماء انتهى. ويريد المؤلف ويجددا نكاحا فإن النكاح يفسخ بطلاق كما تقدم في النكاح ويريد المؤلف إذا لم يحصل فشو أما إذا حصل فإنه يسقط الحد كما قال في باب النكاح. وقال

(8/400)


__________
الشارح هنا في المسألة الثالثة بعد قوله: "إلا أن يقيما بينة غير الولي للتهمة" وإن جلدا انتفى النكاح بلا استبراء انتهى. ولا أدري ما معنى هذا الكلام مع قوله بعده ابن القاسم ويأتنفا نكاحا جديدا بعد الاستبراء والله أعلم.

(8/401)


باب القذف
قذف المكلف حراًً مسلماً بنفي نسب عن أب أو جد لا أم
__________
باب
(قذف المكلف حرا مسلما بنفي نسب عن أب أو جد) ش: قال ابن عرفة: القذف الأعم نسبة آدمي غيره لزنا أو قطع نسب مسلم والأخص بإيجاب الحد نسبة آدمي مكلف غيره حرا عفيفا مسلما بالغا أو صغيرة تطيق الوطء لزنا أو قطع نسب مسلم فيخرج قذف الرجل نفسه انتهى.
قلت: حده الأخص غير مانع لدخول قذف المجنون فيه وقال في التوضيح: لا حد على من قذف مجنونا إذا كان جنونه من حين بلوغه إلى حين قذفه ولا يتخلله إفاقة. اللخمي: لأنه لا معرة عليه لو صح فعل ذلك منه وأما إن بلغ صحيحا ثم جن أو كان يجن ويفيق فإن قاذفه يحد وكذلك المجبوب إذا كان جبه قبل بلوغه لا يعلم كذب قاذفه فلم تلحقه معرة وإن كان جبه بعد بلوغه حد وكذلك الحصور الذي ليس معه آلة النساء انتهى. وقال ابن عرفة: وفيها في أوائل الرجم ويحد قاذف المجنون وكان يجري لنا مناقضتها بقولها في القذف كل ما لا يقام فيه الحد ليس على من رمى به رجلا حد الفرية ويجاب بحمل قولها في الرجم على المجنون الذي يفيق أحيانا انتهى. وقال أبو الحسن: قوله في المدونة: ويحد قاذف المجنون معناه أنه بلغ صحيحا ثم جن انظر بقية كلامه.
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله يقتضي أن من نفى عبدا عن نفسه لا حد عليه ولو كان أبواه حرين وليس كذلك، قال فيها: ومن قال لعبده وأبواه حران مسلمان لست لأباك ضرب سيده الحد فإن كان أبوا العبد ماتا ولا وارث لهما أو لهما فللعبد أن يحد سيده وفي الاكتفاء بإسلام أبيه دون أمه خلاف فيها

(8/401)


ولا إن نبذ أو زنا
__________
أن من قال لعبده: لست لأبيك وأبوه مسلم وأمه كافرة أو أمة فتوقف فيها مالك قال ابن القاسم وأنا أرى أن يحد لأنه حمل أبوه على غير أمه.
فرع: قال في المسائل الملقوطة: إذا قذف حران عبدا أو نصرانيا فطلب العبد تعزير قاذفه فليس للعبد في مثل هذا تعزير وينهى قاذفه أن لا يؤذيه فإن كان رجلا فاحشا معروفا بالأذى عزر وأدب عن أذى العبد وغيره انتهى. وقال في النوادر: يؤدب قاذف العبد والكافر لإذايته له
مسألة: إذا قال الشخص لولده لست بولدي فإن أراد أنه في قلة طاعته له ليس كالأولاد حلف على ذلك وأنه لم يرد النفي عن النسب ولا شيء عليه وإن نكل وأراد نفي نسبه كان في كلامه قطع نسب الولد وقذف لأمه فأما قطع نسب الولد فالراجح أنه لا يحد لولده ويظهر ذلك من مسألة كتاب القذف من المدونة فيمن قال لبنيه: ليسوا بولد له ويدل له أيضا أنه لم يجعل على الأب حدا فيما إذا انتفى من حمل أمته ثم استلحقه وسيأتي في الكلام على قول المصنف في آخر الباب وله حد أبيه وفسق أنه مشى على القول الضعيف وعلى القول بأنه يحد لقذف ولده ويفسق بأنه يجوز عفوه عنه وإن بلغ الإمام قال اللخمي: ولا خلاف في ذلك كما سيأتي بيانه وأما قذف الأم فإن كانت حية كان لها القيام بذلك وإن كانت ميتة كان لولدها القيام به فإذا قام به الولد لم يجز عفوه بعد بلوغ الإمام.
وتأمل كلام اللخمي وغيره فيمن نفى عبدا عن نسبه وأبواه حران أو أحدهما أو أبواه عبدان أو أحدهما
فرع: فإذا كانت الأم حية لم يكن للولد القيام إلا بطلب من الأم وكذلك كل من وجب له حد من قذف وهذا بخلاف الأب انظر كلام ابن ناجي في شرح قول المدونة. ومن آذى مسلما أدب. ص: (ولا إن نبذ) ش: قال في أواخر كتاب العتق الثاني من التنبيهات": اللقيط هو الملتقط حيث وجد وعلى أي صفة وجد في صغره والمنبوذ الذي وجد منبوذا لأول ما يولد، وقيل: اللقيط هو ما التقط من الصغار في الشدائد والغلاء ولا يعلم له أب وعلى هذا قول ابن القاسم فيمن قذف اللقيط بأبيه حد ومن قذف بذلك المنبوذ لم يحد، وقال مالك: ما نعلم منبوذا إلا ولد الزنى وعلى قائلها لغيره الحد وأراد بعض المشايخ أن يخرج من المدونة خلاف هذا من قوله في الذي استلحق لقيطا أنه لا يلحق به إلا أن يعلم أنه ممن لا يعيش له ولد وسمع الناس يقولون إذا طرح عاش وهذا لا حجة فيه لأن هذا في النادر وإنما تكلم على ما جرت به العادة أولا في هذه على نازلة وقعت شهدت لها دلائل وإلا فالغالب ما قاله أولا انتهى. وقوله: "وعلى قائلها لغيره الحد" يعني أن من قال لغيره يا منبوذ فعليه الحد ولعل بعض المشايخ الذي أشار إليه هو اللخمي فإنه قال في كتاب العتق الثاني لما

(8/402)


__________
تكلم على اللقيط: وأما نسبه فإن محمله على أنه ذو نسب وإنه لرشدة إلا أنه غير معروف فإن قال له رجل: لا أب لك أو يا ولد الزنى حد له واختلف إذا استلحقه رجل فقال في كتاب أمهات الأولاد: لا يقبل قوله ولا يصدق إلا أن يكون لذلك وجه ثم ذكر الخلاف في ذلك ثم قال: حكم المنبوذ حكم الملقوط اللقيط في الحرية والدين واختلف في النسب فجعله ابن حبيب للزنية لا نسب له، وقال: من قذف المنبوذ بأبيه وأمه لم يحد، وقد قيل: المنبوذ من نبذ عندما ولد والشأن إنما يفعل ذلك بمن ولد عن زنى واللقيط ما طرح عند الشدائد والجدب وليس عندما يولد ولمالك في المبسوط مثل ذلك فيمن قال لرجل: يا منبوذ، قال: ما نعلم منبوذا إلا ولد الزنى وأرى على من قال ذلك الحد وكل هذا خلاف لقول ابن القاسم لأنه قال فيمن استلحق لقيطا لا يقبل قوله إلا أن يعلم أنه ممن لا يعيش له ولد وسمع الناس يقولون أنه إذا طرح عاش وهذا إنما يفعل عند الولادة انتهى. وقال ابن عرفة في آخر باب اللقطة لما تكلم على اللقيط: وأطلق عليه ابن شعبان لفظ منبوذ وترجم على أحكامه في الموطإ بالقضاء في المنبوذ وفي صحاح الجوهري المنبوذ: اللقيط. ثم ذكر كلام اللخمي فتحصل من هذا أن المنبوذ هو من طرح عند ولادته وأن اللقيط من طرح بعد ذلك وأنه قد يطلق على اللقيط أنه منبوذ إذا علم ذلك فقول المصنف: "ولا إن نبذ" الذي يظهر من معناه أن من بقي منبوذا عن أب أو جد لا حد عليه ولا إشكال في ذلك لأنه لا أب له ولا جد إذ لا نسب له هذا إن كان معناه أنه قال: لست ابن فلان وأما إن كان معناه أنه قال لا أب لك أو يا ولد زنى فهذا يأتي على ما ذكره اللخمي عن مالك في المبسوط وعن ابن حبيب وما حكاه عياض عن ابن القاسم وإن كان خلاف ما ذكره ابن رشد في البيان وحكاه عنه ابن غازي وأما ما ذكره الشارح والمحشي في تفسير كلام المصنف وأن معناه إذا قال للمنبوذ يا ابن الزاني أو يا ابن الزانية فبعيد لأن كلام المصنف في النفي عن النسب لا في قذف أبي المنبوذ أو أمه فتأمله ولا شك أنه إذا قلنا: لا حد على من قال: للمنبوذ ليس لك أب أو يا ولد الزنى فلا حد على من قال له: يا ابن الزاني أو يا ابن الزانية والعلة في ذلك كونه ولد زانية لأن أباه وأمه غير معروفين لأن هذه العلة موجودة في اللقيط وقد نص ابن رشد على أن من قال له: يا ابن الزاني ويا ابن الزانية أن عليه الحد فتأمله.
تنبيه: ما نقله ابن غازي عن ابن عرفة في المحمولين: لم أقف عليه في كلام ابن عرفة في كتاب القذف ولا في اللقيط ولا غيره فانظره. ص: (أو زنى) ش: تصوره ظاهر من كلام الشارح.
فرع: لو قذفه بالزنى ثم أثبت عليه أنه زنى في حال الصبا أو في حال الكفر لم ينفعه ذلك لأن هذا ثبت عليه اسم زنى بخلاف ما إذا ثبت عليه أنه زنى في حال رقه فإن اسم الزاني لازم له. نقله ابن عرفة وهذا مستفاد من قول المصنف: "وعف عن وطء" يوجب الحد ويخرج به ما إذا ثبت عليه أنه وطئ بهيمة.

(8/403)


إن كلف وعف عن وطء يوجب الحد بآلة، وبلغ كأن بلغت الوطء او مجهولاً
__________
فرع: فلو قذف رجلا فارتد المقذوف لم يحد قاذفه ولو رجع إلى الإسلام كمن قذف رجلا بالزنى فلم يحد له حتى زنى المقذوف فلا يحد قاذفه نقله ابن عرفة عن المدونة ومنه يعلم أنه إذا ثبت على المقذوف زنى فلا حد على قاذفه ولو قذفه بزنى غير الزنى الذي ثبت عليه.
ص: (وعف) ش: أي يشترط في وجوب حد القذف أن يكون المقذوف عفيفا ولم يفسر الشارح العفاف وقال ابن الحاجب: العفاف أن لا يكون معروفا بالقيان ومواضع الفساد والزنى، بخلاف السارق والشارب قال في التوضيح: هكذا نقل في الجواهر عن الأستاذ فقال: ومعنى العفاف أن لا يكون معروفا بالقيان ومواضع الفساد والزنى، فلو قذف معروفا بالظلم والغصب والسرقة وشرب الخمر وأكل الربا والقذف يحد له إذا كان غير معروف بما ذكرنا ولم يثبت عليه ما رمى به فإن ثبت أو كان معروفا بذلك لم يحد قاذفه. قال ابن عبد السلام وغيره: ومقتضى مسائل المذهب خلافه وأنه لا يخرجه من الحد إلا أن يكون ممن حد في الزنى أو ثبت عليه وإن لم يحد له واختلف إذا أقام شاهدين على إقراره بالزنى بناء على أنه هل يثبت الإقرار بشاهدين أم لا انتهى كلام التوضيح. وقال ابن عرفة: وعفاف المقذوف الموجب حد قاذفه في مسائل المدونة وغيرها واضحة بأن السلامة من فعل الزنى قبل قذفه وبعده ومن ثبوت حده لاستلزامه إياه ثم قال: قال ابن شاس": قال الأستاذ أبو بكر ثم ذكر كلامه المتقدم ثم قال: قلت: وظاهر نصوص المذهب خلافه انتهى. وما قاله ابن عرفة والشيخ خليل وابن عبد السلام هو الظاهر. وقد قال ابن الحاجب: ويسقط الإحصان بثبوت كل وطء يوجب الحد قبل القذف وبعده ولو كان عدلا قال في التوضيح: قوله: "ويسقط الإحصان" المشترط هنا لا في الرجم بثبوت كل وطء يوجب الحد فيخرج وطء البهيمة ووطء الشبهة قبل القذف وبعده أي قبل الحد أو بعده ولا يعود إليه الإحصان، ثم قال: ولا يعود العفاف أبدا ولو تاب وحسنت

(8/404)


وإن ملاعنة وابنها، أو عرض غير أب إن أفهم، يو جب ثمانين جلدة، وإن كرر لواحد أو جماعة إلا بعده ونصفه على العبد كلست بزان أو زنت عينك
__________
حاله، وقوله: "بثبوت" يقتضي أنه لا يسقط إلا بذلك وهو خلاف ما فسر به العفاف فانظره انتهى. وعليه فلا شك أن الشخص محمول على العفاف حتى يثبت عليه القاذف أنه غير عفيف والله أعلم.
تنبيه: يفهم من الكلام السابق في تعريف العفاف ما تقدم التنبيه عليه من أن المقذوف إذا حد في زنى أو ثبت عليه زنى لا حد على قاذفه ولو قذفه بغير الزنى الذي ثبت عليه والله أعلم. قال في النوادر في باب المقذوف: يرد الجواب على القاذف، وقال مالك: ومن قذف من جلد في زنى لم يحد قاله ابن القاسم ويؤدب بإذاية المسلمين انتهى. وقال أيضا: من قذف إنسانا ثم أثبت أنه حد فسقط الحد عن القاذف فلا بد من أدبه لإذايته للمقذوف انتهى.ص: (وإن ملاعنة) ش: قال في مختصر الوقار: ومن قال لابن ملاعنة: لست لأبيك الذي لاعن

(8/405)


أو مكرهة، أو عفيف الفرج، أو لعربي ما أنت بحر، أو يارومي كأن نسبه لعمه، بخلا ف جده، وكأن قال: أنا نغل أو ولد زنا أو كياقحية أو قرنان أو يا ابن منزلة الركبان، أو ذات الراية، أو فعلت بها في عكنها لا إن نسب جنساً لغيره، ولو أبيض لأسود إن لم يكن من العرب، أو قال: مولى لغيره أنا خير
__________
أمك. فعليه الحد وإن قال يا منفي يا ابن ملاعنة يا ابن من لوعنت فلا حد عليه في جميع ذلك انتهى. وقاله في كتاب اللعان من النوادر، وقال: إنه يعزر. والله أعلم.
ص: (أو كيا قحبة) ش: قال في القاموس: القحب المسن والعجوز قحبة، والذي يأخذه السعال وقد قحب يقحب كنصر قحبا أو قحابا وقحب تقحيبا وسعال قاحب شديد والقحبة الفاسدة الجوف من داء والفاجرة لأنها تسعل وتتنحنح أي ترمز به وبه قحبة أي سعال انتهى. وفي الصحاح: القحاب سعال الخيل والإبل وربما جعل للناس والقحبة كلمة مولدة انتهى وفي كتاب الأفعال لأبي

(8/406)


أو ما لك أصل، ولا فصل، أو قال لجماعة: أحدكم زان، وحد في مأبون إن كان لا يتأنث
__________
مروان عبد الملك عن طريف القرطبي المشهور: قحب الشيء قحابا سعل ومنه سعال قاحب وقحب الكلب والبعير سعلا وأصل القحاب فساد الجوف فقد يكون اشتقاق القحبة من القحاب الذي هو فساد الجوف وقد يكون أيضا من القحاب الذي هو السعال كأنها تستعمل السعال علامة بينها وبين الذي يسافحها، وأهل اليمن يسمون المرأة المسنة قحبة انتهى. ص: (أو ما لك أصل ولا فصل) ش: تصوره ظاهر.
فرع: قال في سماع أبي زيد من كتاب القذف: وقال يعني ابن القاسم: من قال لرجل في مشاتمة: ما أعرف أباك وهو يعرفه ضرب الحد ثمانين. قال ابن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه قد يكون أبوه هو الذي يعرفه فقد قطع نسبه ونفاه عنه انتهى. وذكره في النوادر، وقال بعده: ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن قال لرجل: ما أعرف أباك فما أنكر ما قال: فليرفعه إلى السلطان، قال محمد: ولو قال: ما يعرف أبوك لحد انتهى. وانظر ما معنى قوله: "فما أنكر ما قال" ولعله يعني أنه قال ما أردت بذلك قذفا ولكني لا أعرف أباه حقيقة. سئلت عن رجل قال لشريف ما أنت شريف وأنا سمعت جدك يقول ما أنا شريف فأظهر المدعي مثبوتا بالشرف فأجبت بأني لا أعرف فيها نصا والذي يظهر أنه إذا لم يكن الرجل معروفا بالشرف ولم يكن علم بثبوت شرفه. وقال ما قال معتمدا على ما سمع من جده فإنه لا حد عليه ويحلف بالله أنه لم يعلم بذلك وكان الجواب في مجلس القاضي باللسان ووافق على ذلك من حضر وأسقط المدعي حقه من اليمين واصطلحوا. والله الموفق. وهذا يشبه ما ذكر ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب القذف في رجل تزوج شريفة مشهورة بالشرف فوقع بينهما منازعة فقيل له على وجه النصح: تفعل هذا بشريفة من أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال الزوج: هي شريفة بالنسب وأنا شريف بالحسب وأنا أحسن منها وأبي أحسن من أبيها وجدي أحسن من جدها وبلدي أحسن من بلدها. وقامت البينة عليه بمقالته، واعترف في مجلس الحكم بذلك فسئل عما أراد بقوله: "فقال إن أبي كان خطيبا وجدي كان خطيبا وأبوها وجدها ليسا كذلك أنه لا يقتل ويؤدب وموجب القياس أن قوله جدي أحسن من جدك" يوجب ظاهره قتل قائله لاشتماله على التنقيص: الموجب لذلك لكن يوجب إلغاء إيجابه لذلك لاحتمال صدق لفظه على جد لا يوجب صدقه عليه مثله والاحتمال في النازلة المذكورة فيما بينه من

(8/407)


وفي يا ابن النصراني، أو الأزرق إن لم يكن في آبائه كذلمك، وفي مخنث إن لم يحلف، وأدب
__________
خطابة جده دون جدها إن كان في قوله ذلك صادقا فدليل أدبه واضح فلا يحتاج إلى بيان انتهى.
فائدة: أول ما حدث تمييز الأشراف بالشطبة الخضراء في سنة ثلاث وسبعين وستمائة أمر بذلك السلطان الأشرف شعبان ذكر ذلك ابن حجر في الأنباء ونقله عنه السخاوي في مسألة الأشراف له، قال: وأنشد في ذلك أبو عبد الله بن جابر:
جعلوا لأبناء الرسول علامة ... إن العلامة شأن من لم يشهر
نور النبوة في كريم وجوههم ... يغني الشريف عن الطراز الأخضر
وقال غيره:
أطراف تيجان أتت من سندس ... خضر بأعلام على الأشراف
والأشرف السلطان خصهم بها ... شرفا لتعرفهم من الأطراف
وذكر ابن حجر أنها كانت علامة بني العباس شطبة سوداء ثم تركت والله أعلم.
ص: (وفي: يا ابن النصراني، أو الأزرق. إن لم يكن في آبائه كذلك) ش: يعني أن من قال لرجل مسلم: يا ابن النصراني أو يا ابن اليهودي أو يا ابن المجوسي فإنه يحد إلا أن يكون في آبائه أحد كذلك فإنه لا حد عليه ولكن ينكل. قاله في المدونة في آخر كتاب القذف ولم يذكر الشارح ولا المصنف في التوضيح أنه ينكل إذا كان في آبائه أحد كذلك وذلك لوضوحه ولكن يتعين ذكره لئلا يتوهم أنه لا أدب عليه.
وقد قال في المدونة: ومن قذف عبدا أو أم ولد أدب ومن قذف ذميا زجر عن أذى الناس كلهم ومن قذف نصرانية ولها بنون مسلمون أو زوج مسلم نكل بإذاية المسلمين قال أبو الحسن: انظر هل راعى حق النصرانية؟ أو إنما راعى إذاية المسلمين؟ فيزاد في النكال لحق المسلمين انتهى. وانظر كلامه في باب اللعان فإنه جزم بأنه إذا كان لها ولد مسلم ينكل نكالا أشد من نكال من لا ولد لها ولا زوجة ثم قال في المدونة: والنكال قدر ما يرى الإمام وحالات الناس في ذلك مختلفة وتقدم عن النوادر في باب المقذوف يرد الجواب على قاذفه قول مالك فيمن قذف من جلد في زنى لم يحد قال ابن القاسم: ويؤدب بإذاية المسلمين انتهى. وقال في المدونة: ومن آذى مسلما أدب قاله بعد قوله ومن قال لرجل: يا ابن الأقطع. ص: (وأدب في: يا ابن الفاسقة

(8/408)


في يا ابن الفاسقة، أو الفاجرة، أو حمار، يا ابن الحمار، أو أنا عفيف، أو إنك عفيفة، أو يا فاسق،
__________
إلى آخره) ش: ومثل ذلك يا خائن يا ثور يا آكل الربا يا شارب الخمر يا يهودي يا نصراني يا مجوسي أو يا سارق يا مرائي قاله في المسائل الملقوطة وقال في النوادر: إذا قال له: يا آكل الربا أو يا شارب الخمر ونحوه فإنه يؤدب وإن كان صادقا ولا حد عليه في ذلك وإن كان كاذبا انتهى.
فائدة: تتضمن بيان مقدار الأدب في ألفاظ وأفعال موجبة للأدب قال في المسائل الملقوطة: قال في المفيد: ومن قال لرجل: يا مجرم. ضرب خمسة وعشرين ومن تكلم في عالم بما لا يجب فيه حد ضرب أربعين سوطا ومن تكلم في أحد بما لا يمكن فيه ولم يأت ببينة. وكل من آذى مسلما بلفظ يضره ويقصد به أذاه فعليه في ذلك الأدب البالغ الرادع له ولمثله يقنع رأسه بالسوط أو يضرب بالدرة ظهره. وذلك على قدر القائل أو سفاهته وقدر المقول فيه ومن لم ينصف الناس في أعراضهم لم ينصفهم في أموالهم انتهى. ثم قال: وإذا قال الرجل لصاحبه: الله أكبر عليك. فإنه يعزر. إلا أن يعفو عنه خصمه قاله في الدرر الملتقطة للدميري، وهذا من الشافعية ثم قال: وإذا شتم الأخ أخاه فإن كان الأخ كبيرا وكان شتمه لأخيه على وجه الأدب لم يحد من الطرر قال: ورأيت في بعض الكتب سئل بعضهم عن شاتم عمه أو

(8/409)


وله حد أبيه، وفسق، والقيام به، وإن علمه من نفسه
__________
فرع: قال في المدونة: ومن قال عند الإمام أو عند غيره: زنيت بفلانة. فإن أقام على قوله: "حد للزنا والقذف وإن رجع عن ذلك" حد للقذف وسقط عنه حد الزنا وسيأتي عند قول المصنف: والعفو من قبل الإمام في حد الإمام له للقذف هل هو إذا طلبه المقذوف أو ولو لم يطلبه؟
مسألة: قال القرطبي في سورة النور: قال ابن القصار: إذا قالت امرأة لزوجها أو لأجنبي يا زانيه بالهاء وكذلك الأجنبي للأجنبي فلست أعرف فيه نصا لأصحابنا ولكنه عندي يكون قذفا وعلى قائله الحد وقد زاد حرفا وبه قال الشافعي ومحمد بن الحسن، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يكون قذفا واتفقوا على أنه إذا قال لامرأة: يا زان أنه قذف والدليل على أنه يكون في الرجل هو أن الخطاب إذا فهم منه معناه ثبت حكمه سواء كان بلفظ أعجمي أو عربي. ألا ترى أنه لو قال لامرأة: زنيت بفتح التاء كان قذفا؟، لأن معناه يفهم منه ولأبي حنيفة وأبي يوسف أنه لما جاز أن يخاطب المؤنث بخطاب المذكر كقوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ } [يوسف: من الآية30] صلح أن يكون قوله: "يا زان: للمؤنث قذفا ولما لم يجز أن يؤنث فعل المذكر إذا تقدم عليه لم يكن لخطابه بالمؤنث حكم والله أعلم. انتهى وهي المسألة الثامنة عشر من تفسير {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: من الآية4] ص: (وله حد أبيه وفسق) ش: هذا القول عزاه ابن رشد في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم من الأقضية لرواية أصبغ عن ابن القاسم في الشهادات ونصه وقد روى أصبغ عن ابن القاسم في الشهادات أنه يقضي له وأن يحلفه وأن يحده ويكون عاقا بذلك ولا يعذر بجهل وهو بعيد لأن العقوق من الكبائر ولا ينبغي أن يمكن أحد من ذلك. وقال قبل هذا الكلام: قال مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وسحنون: أنه لا يقضي له بتحليفه أيضا ولا يمكن من ذلك ولا من أن يحده في حد يقع له عليه لأنه من العقوق وهو مذهب مالك في المدونة وفي اليمين في كتاب الديات وفي الحد في كتاب القذف وهو أظهر الأقوال وقال في هذا الرسم: إن مالكا كره لمن بينه وبين أبيه خصومة أن يحلفه فقال ابن رشد: هذا بدل من قوله: "على أن له أن يكون له عاقا بتحليفه" إذ لا مأثم في فعل المكروه وإنما يستحب تركه وهو قول ابن الماجشون في اليمانية، وظاهر قول أصبغ في المبسوط انتهى. فتحصل في المسألة ثلاثة أقوال وقد ذكر في باب التفليس أنه ليس له أن يحلف أباه إلا المنقلبة والمتعلقة بها حق لغيره فمشى هناك على مذهب المدونة ومشى هنا على القول الضعيف وقد استثنى ابن رشد أيضا المنقلبة والمتعلقة بها حق للغير وإخراجها من الخلاف والله أعلم. ص: (والقيام به وإن علمه من نفسه)

(8/411)


كوارثه وإن بعد موته، من ولد وولده وأبيه، ولكل القيام وإن حصل من هو أقرب والعفو قبل الإمام، أو بعده إن أراد ستراً وإن حصل في الحد ابتدئ لهما إلا أن يبقى يسير فيكمل الأول
ـــــــ
ش يعني أن الإنسان يجوز له أن يقوم بالقذف على من قذفه وإن علم من نفسه أن ما قذفه به صحيح وأنه فعله صونا لعرضه وسترا على نفسه قال في المدونة في كتاب القذف: وإن علم المقذوف من نفسه أنه قد زنى فحلال له أن يحده انتهى.
فرع: قال في المدونة قبل الكلام السابق: ومن قذف رجلا بالزنا فعليه الحد وليس له أن يحلف المقذوف أنه ليس بزان انتهى. وخالف في ذلك الشافعية وقالوا: له أن يحلفه فإن نكل سقط الحد عن القاذف ولم يلزم المقذوف شيء ووافقونا على أنه لا تلزمه اليمين إذا ادعي عليه بالزنا والله أعلم.
ص: (كوارثه) ش: فرع: لو لم يعلم المقذوف بقاذفه حتى مات قام بذلك وارثه إلا أن يمضي من الزمان ما يرى أنه تارك فلا قيام للوارث فيه قاله في كتاب الرجم من المدونة. ص: (والعفو قبل الإمام) ش: وهذا بخلاف التعازير فإنه يجوز فيها الشفاعة والعفو وإن بلغ الإمام كما تقدم في كلام صاحب الإكمال والله أعلم.

(8/412)


__________
فروع: الأول: لا خلاف في جواز عفو الابن عن أبيه بعد بلوغ الإمام وكذلك عن جده لأبيه انظر اللخمي والتوضيح
الثاني: قال في كتاب الرجم من المدونة: ومن عفا عن قاذفه لم يكن لغيره أن يقوم بحده وإن رفع القاذف إلى الإمام أجنبيا غير المقذوف لم يمكن من ذلك ولا يحد به لأن هذا لا يقوم به عند الإمام إلا صاحبه انتهى. وقال في كتاب القذف: ولا يقوم بالحد إلا المقذوف.
وإن شهد قوم على رجل أنه قذف فلانا وفلان يكذبهم ويقول ما قذفني لم تجز شهادتهم إلا أن يكون المقذوف هو الذي أتى بهم وادعى ذلك ثم أكذبهم بعد أن شهدوا عند السلطان وقال: ما قذفني فإنه حد وجب لا يزيله هذا بمنزلة عفوه عنه ويضرب القاذف الحد انتهى.
ثم قال في المدونة: وإن قالت البينة بعد ما وجب الحد: ما شهدنا إلا بزور درأ الحد انتهى.
الثالث: إن قذف رجل رجلا غائبا بحضرة الإمام ومعه شهود قال في كتاب القطع من المدونة أقام الإمام عليه الحد. فتأوله ابن المواز على أنه يقيمه بعد طلب المقذوف وتأوله ابن حبيب على أنه يقيمه في غيبته انظر المقدمات وابن عرفة وأبا الحسن الصغير في كتاب القذف في مسألة سماع الإمام القذف. قال وتأويل ابن المواز: أحسن والله أعلم.
الرابع: قال في المدونة: ومن صالح من قذف على شقص أو مال لم يجز ورد ولا شفعة فيه بلغ الإمام أم لا انظر أبا الحسن وجعله من باب الأخذ على العرض مالا.

(8/413)


باب السرقة
تقطع اليمنى وتحسم بالنار
__________
باب:
ص: (تقطع اليمنى وتحسم بالنار) ش: هذا يسمى باب السرقة قال في التوضيح: والسرقة أخذ المال خفية من غير أن يؤتمن عليه ولا خفاء في أنه غير جامع لخروج سرقة غير المال وقال ابن عرفة: السرقة أخذ مكلف حر لا يعقل لصغره أو مالا محترما لغيره نصابا أخرجه من حرز بقصد وأخذ خفية لا شبهة له فيه. فيخرج أخذ غير الأسير مال حربي وما اجتمع بتعدد إخراج وقصد، والأب مال ولده والمضطر في المجاعة انتهى. وقوله: "وتحسم

(8/413)


إلا لشلل، أو نقص أكثر الأصابع، فرجله اليسرى، ومحا ليده اليسرى ثم يده، ثم رجله ثم عزر وحبس، وإن تعمد إمام أو غيره يسراه أولاً فالقود والحد باق، وخطأً أجزأ فرجله اليمنى بسرقة طفل من حرز مثله، أو ربع دينار أو ثلاثة دراهم
__________
بالنار" انظر هل الحسم بالنار واجب على الإمام أو المقطوعة يده والظاهر أنه يجب عليهما وقد صرح الآبي عن ابن عرفة أنه يجب على المقطوعة يده بحق المداواة ونصه في شرح مسلم في شرح حديث من قتل نفسه من كتاب الأيمان قال ابن عرفة: من قطعت يده بحق لا يجوز له ترك المداواة وإن تركها حتى مات فهو من معنى قتل النفس بخلاف من قطعت يده ظلما فله ترك المداواة حتى يموت وإثمه على قاطعه انتهى. وانظر لو ترك الإمام الحسم حيث يجب عليه والظاهر أنه آثم إن تعمد والله أعلم. ص. (إلا لشلل) ش: ظاهره ولو كان ينتفع بها وهو كذلك لابن وهب كما نقله في التوضيح لكن ينبغي أن يقيد ذلك بأن يكون شللا بينا وأما لو كان شللا خفيفا فإنه لا يمنع القطع قال ابن عرفة الباجي إن كانت يمناه شلاء ففي الموازية إن كان الشلل بينا لا يقتص منه لم يقطع. اللخمي: قال ابن وهب في مختصر ما ليس في المختصر: تقطع إن كان ينتفع بها انتهى.

(8/414)


خالصة أو مايساويها بالبلد شرعاً، وإن كماء أو ربح لتعليمه، أو جلده بعد ذبحه أو جلد ميتة إن زاد دبغه نصاباً أو ظنا فلوساً أو الثوب فارغاً
__________
تنبيه: انظر قول اللخمي: ولو كان أعسر قطعت يده اليسرى مع وجود اليمنى لأنها التي سرقت فإنه غريب ولم أقف عليه لغيره ونقله ابن غازي ولم يتعقبه ابن عرفة ولا المصنف في التوضيح
ص: (أو جارحا لتعليمه) ش: يريد غير الكلب لأن الكلب لا يقطع سارقه ولو كان

(8/415)


أو شركة صبي، لا أب ولا طير لإجابته، ولا إن تكمل بمرار في ليلة أو اشتركا في حمل إن استقل كل ولم ينبه نصاب ملك غير، ولو كذبه ربه أو أخذ ليلاً وادعى الإرسال وصدق إن أشبه، لاملكه من مرتهن ومستأجر كملكه قبل خروجه
__________
مأذونا في اتخاذه كما سيصرح بذلك المصنف. ص: (لا أن تكمل بمرار في ليلة) ش: هذا قول ابن القاسم في سماع أبي زيد في السارق يدخل البيت في ليلة عشر مرات يخرج في كل مرة بقيمة درهم أو درهمين أنه لا قطع عليه حتى يخرج في مرة واحدة بقيمة ثلاثة دراهم خلافا لسحنون فإنه قال: يقطع إذا اجتمع مما خرج به ما يجب فيه القطع إذا كان ذلك في فور واحد قال ابن رشد: فلم يصدقه سحنون في أنها سرقات مفترقات إذا كانت في فور واحد وصدقه ابن القاسم وقوله: "أولى" لأن الحدود تدرأ بالشبهات قال: وهذا فيما يحتمل أن يكون عاد فيه لسرقة أخرى وأما مثل القمح وشبهه من المتاع الذي يجده مجتمعا ولا يقدر أن يخرجه في مرة واحدة فينقله شيئا فشيئا فهذه سرقة واحدة لأنه إنما خرج بنية العود فلا

(8/416)


محترم لاخمر وطنبور، إلا أن يساوي بعد كسره نصاباً، ولا كلب مطلقاً وأضحية بعد ذبحها بخلاف لحمها من فقير تام الملك لاشبهة له فيه، ولا من بيت المال أو الغنيمة أو مال شركة إن حجب عنه وسرق فوق حقه نصاباً لاالجد، ولو لأم ولا من جاحد، أو مما طل
__________
يصدق أنها سرقة أخرى بنية كما قاله في سماع أشهب فلا ينبغي أن يختلف فيه انتهى بالمعنى.

(8/417)


لحقه مخرج من حرز بأن لايعد الواضع فيه مضيعاً، وإن لم يخرج هو أو ابتلع دراً أو ادّهن بما يحصل منه نصاب، أو أشار إلى شاة بالعلف فخرجت أو اللحد أو الخباء أو ما فيه، أو حانوت أو فنائهما، أومحمل أو ظهر دابة وإن غيب عنهن
__________
فرع: من سرق نصابا من مال مشترك بين جماعة، وحصة كل واحد منهم دون النصاب فإنه يقطع قال في المقدمات يجب القطع في النصاب بإخراجه من الحرز؛ سرقه واحد من واحد أو جماعة من جماعة أو جماعة من واحد أو واحد من جماعة إذا تعاونوا في إخراجه لحاجتهم إلى التعاون في ذلك وأطال في ذلك إلى أن قال ولا اختلاف أحفظه في سرقة الواحد ما يجب فيه القطع من الجماعة المشتركين أنه يقطع انتهى. قلت: وهذا فيما يكون مشتركا وأما إذا سرق من حرزين قدر نصاب فلا قطع عليه قال في النوادر ومن كتاب ابن المواز: ومن سرق من حرزين قدر ربع دينار قال عبد الملك: لا يقطع حتى يسرق من حرز واحد وإن كان ذلك لرجلين انتهى.
ثم قال: وروي عن مالك في غرائر بالسوق مجتمعة للبيع فسرق رجل من كل غرارة شيئا حتى اجتمع له ما يقطع فيه. في مثله أنه لا يقطع

(8/418)


أو بجرين أو ساحة دار الأجنبي إن حجر عليه، كالسفينة أو خان للأثقال أو زوج فيما حجر عنه، أو موقف دابة ببيع، أو غيره أو قبر أو بحر أو لمن رمي به لكفن أو سفينة بمرساة
__________
حتى يسرق من كل غرارة ما يجب فيه القطع؛ لأن كل غرارة حرز لما فيها، وشاور الأمير فيها من حضر من العلماء فأفتوا أن عليه القطع. وأفتى مالك بما ذكرنا فرجعوا إليه وكان أول من رجع إليه ربيعة انتهى. وذكر القصة في المدارك وقال هذه المسألة مما يعرف بها فضل مالك

(8/419)


أو كل شيء بحضرة صاحبه أو من مطمر قرب أو قطار ونحوه، أو أزال باب المسجد أو سقفه، أو أخرج قناديله أو حصره أو بسطه إن تركت به أو حمام إن دخل للسرقة
__________
ص: (أو أزال باب المسجد أو سقفه وأخرج قناديله أو حصره أو بسطه إن تركت فيه) ش: يعني أن من أزال باب المسجد عن موضعه خفية على وجه السرقة فإنه يقطع وسواء خرج بها من المسجد أم لا وكذلك إذا أزال خشبة من سقفه عن موضعها خفية على وجه السرقة فإنه يقطع سواء خرج بها من المسجد أم لا وكذلك كل شيء ثابت في المسجد ومثبت به ومسمر فيه كحصره المستترة فيه المخيط بعضها إلى بعض وكذلك بلاطه المبنية وسلاسل قناديله المسمرة فيه فإنه يقطع إذا أزال شيئا من ذلك عن موضعه ولا خلاف في ذلك. وأما ما ليس بمتشبث به ولا مسمر فيه كقناديله المعلقة فيه وحصره التي لم تسمر فيه ولم يخط بعضها إلى

(8/420)


أو نقب أو تسور، أو بحارس لم يأذن له في تقليب وصدق مدعي الخطإ أ حمل عبداً لم يسير، أو خدعه أو أخرجه في ذي الإذن العام لمحله لا إذن خاص كضيف مما حجر عليه، ولو خرج به من جميعه ولا إن نقله ولم يخرجه ولا فيما على صبي أومعه، ولا على دار تناول منه الخارج، ولا إن اختلس أو كابر، أو هرب بعد أخذه في الحرز
__________
بعض فاختلف فيمن سرق شيئا من ذلك هل يقطع أم لا؟ فالذي مشى عليه المصنف وهو قول مالك أنه يقطع. وإن أخذ قبل أن يخرج به من المسجد. وأما بسط المسجد فإنها إن كانت

(8/421)


ولو ليأتي بمن يشهد عليه، أو أخذ دابة بباب مسجد، أو سوق أو ثوباً بعضه بالطريق أو ثمراً معقلة لابغلق، فقولان، وإلا بعد حصده فثالثها إن كدس
__________
متروكة فيه ليلا ونهارا فهي كالحصر، وأما إن كانت تحمل وترد فلا قطع فيها. قال في أول كتاب السرقة من البيان: من سرق من المسجد الحرام أو غيره من المساجد شيئا مما هو متشبث به كجائزة من جوائزه أو باب من أبوابه أو ترية من تريانه المعلقة به المتشبثة أو حصير قد سمر في حائط من حيطانه، أو خيط إلى ما سواه من الحصر على ما روي عن سحنون، فلا اختلاف في وجوب القطع على من سرق شيئا من ذلك من موضعه وهو متشبث به وأما ما سرقه من ذلك وهو غير متشبث به كقناديل موضوعة في ترياتها أو حصر موضوعة في مواضعها فقيل إن موضعها حرز لها يقطع وإن أخذ قبل أن يخرج بها من المسجد، وقيل: أنه لا قطع في شيء من ذلك كله وإن خرج به من المسجد اختلف في ذلك قول ابن القاسم على ما يأتي في رسم نقدها من سماع عيسى انتهى. ثم قال في رسم نقدها من سماع عيسى: قال ابن القاسم: من سرق حصر المسجد قطع وإن كان من المسجد الحرام الذي لا أبواب له وليست الأبواب بالتي تحرز ومن سرق الأبواب أيضا قطع ومن سرق القناديل فإني أرى أن يقطع سرق ذلك ليلا أو نهارا، وقد قال ابن القاسم في كتاب السلم: وله بنون صغار في الذي يسرق من حصر المسجد إن كانت سرقته نهارا لم أر عليه قطعا. وإن كان تسور عليها ليلا بعد أن أغلق فأخرج منها ما يكون فيه القطع قطع، وقال فيه أيضا في الذي يسرق من المسجد الحرام أو مسجد لا يغلق عليه: أنه لا يقطع انتهى. وقال في التوضيح: القول بأنه

(8/422)


__________
يقطع في القناديل وفي الحصر كان على المسجد غلق أم لا لمالك وسوى بين الليل والنهار، قال: وقاله ابن الماجشون وأصبغ ولذلك اقتصر عليه المصنف.
تنبيهات: الأول: إذا قلنا: يقطع إذا سرق قناديل المسجد أو حصره أو بسطه ولو لم تكن مسمرة ولا مخيطة فلا يشترط أن يخرج بذلك من المسجد كما يتبادر ذلك من لفظ المصنف أعني قوله: "أو أخرج قناديله أو حصره" وقد تقدم التصريح بذلك في كلام ابن رشد، وقال في التوضيح لما اعترض على ابن الحاجب في أن عبارته توهم أنه لا يقطع في سقف المسجد وبابه حتى يخرج به من المسجد قال: وليس كذلك، والصواب لو قال: وموضع الباب والسقف حرز؛ لأنه يجب القطع وإن لم يخرج به من المسجد نص عليه صاحب البيان وغيره، ونص عليه مالك في الواضحة في البلاط والحصر والقناديل انتهى، وقال في الجواهر بعد أن ذكر الخلاف في القطع في قناديله وحصره: ويقطع في القناديل والحصر والبلاط وإن أخذ في المسجد كان في ليل أو نهار وحرزها مواضعها وكذلك الطنفسة يبسطها الرجل في المسجد لجلوسه إذا كانت تترك فيه ليلا ونهارا كالحصير. وقاله مالك وأما الطنافس تحمل وترد فربما نسيها صاحبها وتركها فلا يقطع فيها وإن كان على المسجد غلق لأن الغلق لم يجعل من أجلها. وقال ابن القاسم في العتبية فيمن سرق من بسط المسجد التي تطرح فيه في رمضان: فإن كان عنده صاحبه قطع وإلا فلا انتهى. وقوله: "أنه لا يقطع إذا سرق البسط التي لا تترك في المسجد ولو كان عليه غلق" يريد إذا لم يسرقها بعد أن أغلق عليها وأما إذا سرقها بعد أن أغلق عليها فإنه يقطع إذا أخرجها من المسجد إلا على قول أشهب السابق فيحمل قول المصنف: "أو أخرج قناديله أو حصره" على أن المراد إذا أخرجها من موضعها لا على أن المراد أنه أخرجها من المسجد وحمل البساطي كلام المصنف على ظاهره وأنه لا يقطع حتى يخرج القناديل والحصر والبسط من المسجد وهذا مخالف لما تقدم من نصوص المذهب وليس ثم قول يفرق بين سقف المسجد وحصره وقناديله إذا قلنا بوجوب القطع في ذلك فتأمله.
الثاني: ما ذكره المصنف عن صاحب البيان في سقف المسجد وبابه وأنه لا يشترط أن يخرج به من المسجد هو ظاهر من كلامه السابق لأنه لما صرح بذلك فيما ليس متشبثا بالمسجد ولا مسمرا فيه فالمتشبث به والمسمر فيه أحرى بذلك وكلامه في المتشبث لا يقتضي أنه لا يقطع حتى يخرجه بل فيه أيضا ما يفهم منه أنه يقطع بمجرد سرقته من موضعه فتأمله وإنما نبهت على هذا لأن بعض الناس توقف فيما ذكره المصنف في التوضيح عن صاحب البيان وذلك مما لا ينبغي أن يتوقف فيه والله أعلم.
الثالث: هذا الكلام كله إنما هو فيما سرق من المسجد وأما ما سرق من بيت مغلق في المسجد كبيت للقناديل ونحوه فإنه لا يقطع حتى يخرج بالشيء المسروق من البيت المغلق فيقطع حينئذ ولو أخذ في المسجد وهذا إذا لم يؤذن له في دخول ذلك البيت وأما إن أذن

(8/423)


ولا إن نقب فقط، وإن إلتقيا وسط النقب أو ربطه فجذبه الخارج قطعا
__________
له في دخوله فلا قطع عليه. وكذلك من سرق من على الكعبة الداخل فيها المغلق عليه بابها فإنه إن كان سرق في الوقت الذي أذن له في دخولها فلا قطع عليه وإن سرق في غير الوقت الذي أذن له في دخولها فإنه لا قطع عليه حتى يخرج به من الكعبة إلى محل الطواف قطع وإن لم يخرج به من المسجد قاله في أول كتاب السرقة من البيان قال: لأن حكم البيت الحرام الذي لا يدخل إلا بإذن فيما سرق منه حكم البيت يكون في المسجد يختزن فيه ما يحتاج إليه في المسجد من زيته وقناديله وحصره لا قطع على من دخله بإذن فسرق منه ما يجب فيه القطع.
الرابع: أما حلي الكعبة الذي في بابها وفي جدارها من خارج كالحلي الذي على الحجر الأسود فحكمه حكم ما كان مسمرا في المسجد قال في التوضيح: نقل ابن الماجشون عن مالك القطع في حلي باب الكعبة انتهى. وكذلك حكم الرصاص الذي في أرض المطاف والذي في أساطين المسجد وكذلك حكم كسوة الكعبة الظاهرة حكم ما هو مسمر في المسجد ومتشبث به وأما الكسوة الداخلة فحكمها حكم حليها المغلق عليه بابها وكذلك حكم كسوة المقام والقناديل المعلقة فيه في الموضع الذي يعلق عليه، وهذا كله ظاهر ولم أره منصوصا والله أعلم.
الخامس: علم من كلام الجواهر المتقدم أنه لا يشترط في البسط أن تكون للمسجد موقوفة عليه وأنها لو كانت ملكا لشخص ولكنها متروكة في المسجد ليلا ونهارا كان ذلك حكمها والظاهر أن الحصر كذلك وكذلك القناديل بالإضافة للمسجد في ذلك كله إنما هي لكون المسجد ظرفا لها والإضافة يكتفى فيها بأدنى ملابسة فتأمله والله أعلم.
ص: (ولا إن نقب) ش: ما ذكره ابن غازي ظاهر وقد أشار في التوضيح إلى بعضه ومسائل المذهب تدل على أن المساعدة في الحرز لا توجب القطع نعم قد يؤخذ ذلك من مسألة ما إذا التقيا وسط النقب، ومسألة ما إذا ربطه الداخل وجذبه الخارج لكنه في الحقيقة عند التأمل لا يدل على

(8/424)


وشروطه التكليف، فيقطع الحر والعبد والمعاهد، وإن لمثلهم إلا الرقيق لسيده، وتثبت بإقرار إن طاع وإلا فلا ولو أخرج السرقة أو عين القتيل وقبل رجوعه، ولو بلا شبهة وإن رد اليمين فحلف الطالب، أو شهد رجل وامرأتان، أو واحد وحلف أو أقر السيد، فالغرم بلا قطع وإن أقر العبد فالعكس ووجب رد المال، إن لم يقطع
__________
ذلك فأشبه ما إذا حملا شيئا لا يقدر كل واحد على حمله فإنهما يقطعان. ص: (إلا الرقيق لسيده) ش: فإنه لا يقطع لأنه لا يجتمع عليه غرامتان ذهاب ملكه وإتلاف عبده ولو رضي السيد بذلك لم يقطع لأنه لا يوافق على إتلاف المال إلا حيث أمر الشرع به.
ص: (وإن رد اليمين) ش: حيث تتوجه اليمين على المدعى عليه بالسرقة بأن يكون متهما وفي المتوسط على

(8/425)


مطلقاً أو قطع إن أيسر إليه من الأخذ، وسقط الحد إن سقط العضو بسماوي، لا بتوبة وعدالة، وإن طال زمانهما وتداخلت، إن اتحد الموجب كقذف وشرب، أو تكررت
__________
القول بتوجهها عليه. ص: (وسقط الحد إن سقط العضو بسماوي) ش: قال الشارح في الوسط ابن شاس: ولو سرق ولا يمين له سقط الحد انتهى. وما ذكره عن ابن شاس ليس هو كذلك والذي في الجواهر ولو سرق فسقطت يمناه بآفة سقط الحد انتهى. وأما مسألة من لا يمين له فقال فيها: ولو كان لا يمين له فسرق وقطعت يده اليسرى في الرواية الأخيرة وفي الأولى تقطع رجله اليسرى انتهى. وإلى ذلك أشار المؤلف في أول الباب بقوله: "فرجله اليسرى" ومحى ليده اليسرى وفي الشرح الصغير نحو ما في الوسط وأما في الشرح الكبير فذكر عبارة عن ابن شاس التي ذكرناها والله أعلم.
ص: (وتداخلت إن اتحد الموجب كقذف وشرب وإلا تكررت) ش: قال في المدونة: ومن قذف وشرب خمرا، سكر منها أو لم يسكر جلد حدا واحدا، قال أبو الحسن: انظر لو جلد في أحدهما ثم علم أن الآخر قبله فذكر ابن يونس عن ابن المواز أن شرب الخمر وضرب الحد له ثم ثبت بعد ذلك أنه افترى على رجل

(8/426)


__________
قبل شربه فإن ضربه للخمر يجزئ وكذلك لو افترى على رجل فضرب له الحد ثم ثبت أنه قد شرب الخمر قبل ذلك فإنه لا يضرب له ثانية وقاله أصبغ، وقال: هو الصواب والسنة والمجمع عليه. انتهى كلام المدونة من كتاب الشرب وكلام ابن يونس الذي نقله أبو الحسن من القذف.
فرع: قال في كتاب القذف من المدونة وكل حد لله أو قصاص اجتمع مع القتل فالقتل يأتي على ذلك كله إلا حد القذف. قال أبو الحسن: ظاهره وإن كان المقذوف هو المقتول وأنه يحد ثم يقتل كغيره وقال أبو عمران: قال: وللورثة أن يقوموا بحد المقذوف فيحد ثم يقتل للقصاص. ا هـ. فعلم منه أن القتل يدخل فيه حد غير القذف ولو كان قصاصا وهذا هو الظاهر من نصوصهم وقال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: من لزمته حدود وقتل فالقتل يجزئ عن ذلك إلا في القذف فليحد قبل أن يقتل ما نصه ظاهره ولو كان القتل قودا ولم أقف عليه انتهى فتأمله مع ما تقدم والله أعلم. ص: (وإلا تكررت) ش: كالزنى والشرب وكالزنى والقذف وقيل يكتفى بالأكثر والله أعلم.

(8/427)


باب قاطع الطريق
المحارب قاطع الطريق لمنع سلوك، أو آخذ مال مسلم، أو غيره على وجه يتعذر معه
__________
باب
ص: (المحارب قاطع الطريق لمنع سلوك أو أخذ مال مسلم أو غيره على وجه يتعذر معه الغوث) ش: قال ابن عرفة: الحرابة الخروج لإخافة سبيل بأخذ مال محترم بمكابرة قتال أو خوفه أو ذهاب عقل، أو قتل خفية، أو لمجرد قطع الطريق، لا لإمرة ولا لنائرة ولا عداوة، فيدخل

(8/427)


الغوث وإن انفرد بمدينة كمستقي السيكران لذلك، ومخادع الصبي أو غيره ليأخذ ما معه، والداخل في ليل أو نهار في زقاق أو دار، قاتل ليأخذ المال، فيقاتل بعد المناشدة
__________
قولها والخناقون والذين يسقون الناس السيكران ليأخذوا أموالهم محاربون انتهى. ومعنى كلام المصنف أن المحارب هو من قطع الطريق على الناس ومنعهم من السلوك فيها وإن لم يقصد أخذ المال على وجه يتعذر معه الغوث فينبغي أن يقرأ قوله أو آخذ المال بمد الهمزة وكسر الخاء على أنه اسم فاعل وأما إذا قرئ بسكون من غير مد بصيغة المصدر فلا يكون جامعا لأنه يكون معطوفا على قوله لمنع سلوك فيقتضي أن المحارب هو من قطع الطريق لمنع السلوك أو من قطعها لأخذ المال ويخرج منه من قاتل لأخذ المال من غير قطع الطريق ويخرج من ذلك من دخل دارا أو زقاقا أو قاتل ليأخذ المال ومسقي السيكران ومخادع الصبي أو غيره ليأخذ ما معه، ولهذا قال ابن الحاجب: الحرابة كل فعل يقصد به أخذ المال على وجه يتعذر معه الاستغاثة عادة من رجل أو امرأة أو حر أو عبد أو مسلم أو ذمي أو مستأمن. إلا أن قوله: "على وجه يتعذر معه الغوث" أحسن من قول ابن الحاجب: "تتعذر معه الاستغاثة". فإن المسلوب يستغيث وجد مغيثا أم لا فهو لا تتعذر عليه الاستغاثة.
تنبيهان: الأول: ينبغي أن يؤتى في حد الحرابة بما يشعر بخروج قطع الطريق على الحربي وأخذ ماله. فيقال مثلا: المحارب قاطع الطريق لمنع سلوك غير حربي أو أخذ مال محترم أو معصوم كما أشار إلى ذلك ابن عرفة وصاحب الشامل وكأنهم سكتوا عن ذلك لوضوحه والله أعلم.
الثاني: انظر هل يشترط في المحارب التكليف؟ لم يتعرض له المصنف وقال ابن عرفة: الصبي إن حارب ولم يحتلم ولا أنبت عوقب ولم يقم عليه حد الحرابة. قال: والمجنون يعاقب لينزجر إلا أن يكون الذي به الأمر الخفيف فيقام عليه الحد انتهى وذكر مسألة الصبيان في المدونة ونصها: وأما الصبيان فلا يكونون محاربين حتى يحتلموا. وقال أبو الحسن: حتى يبلغوا ثم قال في المدونة عقب كلامه السابق: وإن قطعوا الطريق إلى مدينتهم التي خرجوا منها فهم محاربون، وقال أبو الحسن: هذا راجع إلى أهل الذمة لا إلى الصبيان انتهى.
ص: (فيقاتل بعد

(8/428)


إن أمكن، ثم يصلب فيقتل، أو ينفى الحر كالزنا، والقتل، أو تقطع يمينه ورجله اليسرى ولاء
__________
المناشدة) ش: أي على وجه الاستحباب قال ابن رشد في رسم نذر من سماع عيسى من كتاب المحاربين: واستحب مالك أن يدعوا إلى التقوى والكف فإن أبوا قوتلوا وإن عاجلوا قوتلوا، وأن يعطوا الشيء اليسير إن طلبوه كالثوب والطعام وما خف ولم يقاتلوا. ولم ير سحنون أن يعطوا شيئا ولو قل ولا أن يدعوا وقال: هذا وهن، يدخل عليهم وليظهر لهم الصبر والجلد والقتال بالسيف فهو أكسر لهم وأقطع لطمعهم. ذهب في ذلك مذهب ابن الماجشون وقول مالك أحسن والله أعلم. ص: (ثم يصلب) ش: هذا خاص بالرجل، قال اللخمي: وأما المرأة فحدها صنفان: القطع من خلاف، والقتل. ويسقط عنها ثالث وهو الصلب ويختلف في رابع وهو النفي انظر بقية كلامه ونقله في الشامل وغيره. ص: (أو ينفي الحر) ش: لم يذكر هنا مع النفي ضربا وذكره بعد ذلك. ذكر المصنف في التوضيح تبعا لابن عبد السلام أن مذهب المدونة أنه لا بد مع النفي من الضرب. ونصه في شرح قول ابن الحاجب ولغيرهما: ولمن وقعت منه فلتة ويضربهما إن شاء. قوله: "إن شاء" ظاهر المدونة أنه لا بد من ضربه؛ لقوله: "والذي يؤخذ بحضرة الخروج ولم يخف السبيل ولم يأخذ المال فهذا يؤاخذ فيه بأيسر الحكم لم أر به بأسا". وذلك الضرب والنفي ما ذكره أنسب بمذهب أشهب فإنه قال: إن جلده مع النفي لضعيف. وإنما استحسن لما خفف عنه من غيره ولو قاله قائل: لم أعبه. وقوله: "وإنما استحسن". أي لأنه زيادة على النص. انتهى وذكر ابن عرفة كلام ابن الحاجب ثم قال بعده: تقدم الخلاف في لزوم الضرب والنفي، ثم قال اللخمي: ضربه قبل النفي استحسان كما قال أشهب، ثم ذكر كلام ابن عبد السلام، ثم قال في الرجم منها: ولا ينفى الرجل ومنها لا ينفى الرجل الحر إلا في الزنى وفي حرابة فيسجنان جميعا في الموضع الذي ينفى إليه يسجن الزاني سنة والمحارب حتى تعرف توبته. قال ابن عرفة: فظاهره عدم الضرب وفي كتاب المحاربين

(8/429)


وبالقتل يجب قتله
__________
وليس للإمام أن يعفو عن أحد من المحاربين ولكن يجتهد في نفيه وضربه فظاهره أو نصه ثبوت الضرب انتهى.
تنبيهات: الأول: قدر الضرب موكول إلى اجتهاد الإمام كما في نص المدونة الذي ذكره ابن عرفة وقال أبو الحسن في شرح قوله: ولكن يجتهد الإمام في ضربه ونفيه أما في ضربه فعلى قدر جرمه وكثرة مقامه في فساده وأما في نفيه فإن كان كثير الفساد نفاه إلى بلد بعيد وإن كان قليل الفساد فإلى بلد قريب وأقله ما تقصر فيه الصلاة وهو يوم وليلة انتهى. وقال في التوضيح: قال ابن القاسم في الموازية: وليس لجلده حد إلا الاجتهاد من الإمام انتهى.
الثاني: نصوص المذهب صريحة في أن المحارب إذا نفي سجن في البلد الذي ينتفي إليه سواء كان يخشى هروبه أم لا. وما حكاه الشيخ عبد الرحمن الثعالبي في تفسيره لما تكلم على آية المائدة من التفصيل بين من يخاف هروبه أو لا يخاف هروبه خلاف المعروف من المذهب والله أعلم.
الثالث: وهل يجعل في عنقه الحديد؟ انظر تبصرة ابن فرحون. ص: (وبالقتل يجب قتله) ش: يريد أو الصلب قال في المقدمات وأما إن قتل فلا بد من قتله ولا تخيير للإمام في قطعه ولا في نفيه وإنما له التخيير في قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف. ا هـ. انظر آخر كلامه فإنه يناقض أوله ونقله أبو الحسن ولم ينبه عليه وله نحو ذلك في سماع عيسى من كتاب المحاربين وقد قال في كتاب المحاربين من المدونة: وإذا أخذه الإمام وقد قتل وأخذ المال وأخاف السبيل فليقتله ولا يقطع يده ورجله والقتل يأتي على ذلك كله فأما الصلب مع القتل فذلك إلى الإمام بأشنع ما يراه انتهى. قال أبو الحسن: قوله: "ولا يقطع يده ورجله" خلافا لأبي مصعب والقتل يأتي على ذلك كله كما إذا كان حدان أحدهما القتل فيكون الآخر داخلا في القتل فلعله أشار إلى أبي حنيفة في قوله: إن قتل وأخذ المال فالإمام مخير إن شاء قطع يده ورجله من خلاف ثم قتله وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف ثم صلبه وإن شاء قتله من غير صلب ولا قطع انتهى. ووقع في عبارة الرجراجي نحو ما وقع في عبارة ابن رشد فقال: إن قتل فلا بد من قتله وليس للإمام في ذلك تخيير لا في قطعه ولا في نفيه وإنما التخيير في قتله أو صلبه أو نفيه انتهى. فأول كلامه يناقض آخره فتأمله ولا شك أنه سهو وتصحيف وأما كلام ابن رشد فإن حمل على أنه أراد أن الإمام مخير في قتله وفي قطع يده ورجله من خلاف من غير قتل فلا شك أنه سهو لأنه قد نفى ذلك وإن حمل على أنه أراد أن الإمام مخير بين قتله من غير صلب ولا قطع وبين صلبه مع قتله وبين قطع يده ورجله ثم قتله فهو

(8/430)


ولو بكافر أو بإعانة، ولو جاء تائباً، وليس للولي العفو وندب لذي التدبير القتل والبطش القطع ولغيرهما، ولمن وقعت منه فلتة النفي والضرب، والتعيين للإمام لا لمن قطعت يده ونحوها،
__________
خلاف ما تقدم عن المدونة ولا يقال قوله في المدونة: ولا يقطع يده ورجله يعني به من غير قتل؛ لأن قوله بعد: "والقتل". يأتي على ذلك يرد به. وكذلك قوله: "فأما الصلب مع القتل إلخ" وكلام الشيخ أبي الحسن الصغير يدل على أن مراده في المدونة وأنه لا يقطع يده ورجله مع قتله ونقل ابن يونس كلام المدونة بما هو كالصريح في ذلك فإنه قال: ولا تقطع يده ولا رجله. فهذا صريح في أن مراده أنه لا يجمع مع القتل قطع يد ولا رجل إذ لم يقل أحد أن قطع اليد الواحدة أو الرجل الواحدة حد للمحارب فتأمله.
فرع: من اعترف أنه قتل غيلة ثم رجع فإنه يقبل رجوعه انظر ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب السرقة وكذلك إذا اعترف بالحرابة قاله في المدونة. ص: (ولو جاء تائبا وليس للولي العفو) ش: ظاهره أنه إذا جاء تائبا يتعين قتله، وليس لوليه العفو وليس كذلك قال في المدونة وإذا أتى المحارب تائبا قبل أن يقدر عليه سقط عنه ما يجب عليه من حدود الحرابة وثبت للناس ما عليه من نفس أو جرح أو مال ثم للأولياء العفو فيمن قتل وكذلك المجروح في القصاص وإن كانوا جماعة قتلوا رجلا؛ ولي أحدهم قتله وباقيهم عون له فيؤخذون على تلك الحال قتلوا كلهم وإن تابوا قبل أن يؤخذوا دفعوا إلى أولياء المقتول فيقتلون من شاءوا منهم ويعفون عمن شاءوا وأخذوا الدية ممن شاءوا انتهى. ونقله ابن عرفة وابن الحاجب وغيرهما.

(8/431)


وغرم كل عن الجميع مطلقاً، وأتبع كالسارق ودفع ما بأيديهم لمن طلبه بعد الاستيناء، واليمين أو بشهادة رجلين من الرفقة لا لأنفسهما، ولو شهد اثنان أنه المشتهر بها ثبتت وإن لم يعايناها وسقط حدها بإتيان الإمام طائعاً، أو ترك ما هو عليه.
ص: (وغرم كل عن الجميع مطلقا) ش: قال ابن رشد في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الغصب: إذا اجتمع القوم في الغصب أو السرقة أو الحرابة فكل واحد منهم ضامن لجميع ما أخذوه لأن بعضهم قوي ببعض كالقوم يجتمعون على قتل رجل فيقتل جميعهم به وإن ولي القتل أحدهم. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا انتهى.
قال الدماميني في حاشية البخاري في قوله: لتجشمت لقاءه وحكم الرد في جميع أحوال الإسلام حكم المقاتل وكذلك رد المحاربين عند مالك والكوفيين. ص: (وسقط حدها بإتيان الإمام طائعا) ش: تصوره واضح.
وإذا سقط حد الحرابة بالتوبة لم يسقط حد الآدميين من قتل أو جرح أو مال على المعروف كما تقدم والله أعلم.

(8/432)


باب حد المسكر
بشرب المسلم المكلف ما يسكر جنسه طوعاً بلا عذر وضرورة، وظنه غيراً، وإن قل أو جهل وجوب الحد، أو الحرمة لقرب عهد ولو حنفياً يشرب النبيذ، وصحح نفيه ثمانون بعد صحوه، وتشطر بالرق وإن قل إن أقر أو شهدا بشرب أو شم
ـــــــ
باب
ص: (بشرب المسلم المكلف إلى قوله: ثمانون بعد صحوه) ش: تصوره واضح فرع: قال في المسائل الملقوطة: قال مطرف: وكان مالك يرى إذا أخذ السكران في الأسواق والجماعات قد سكر وتسلط بسكره وآذى الناس أو روعهم بسيف شهره أو حجارة رماها وإن لم يضرب أحدا أن تعظم عقوبته بضرب حد السكر ثم يضرب الخمسين وأكثر منها على قدر جرمه وقد حكي عن مطرف عن مالك في الواضحة أنه يضرب الخمسين ومائة والمائتين ونحو ذلك ويكون الحد منهما وفيهما انتهى.
ص: (أو شم) ش: انظر قول من قال: لا

(8/433)


وإن خولفا وجاز لإكراه، وإساغة لا دواء، ولو طلاء والحدود بسوط، وضرب معتدلين
__________
بد أن يكون الشاهد بالشم ممن شربها في حال كفره أو حال عصيانه وقد قالوا: إن من حد في حد لا تجوز فيه شهادته.
ص: (أو إساغة) ش: يعني أنه يجوز شربها لإساغة غصة وقد تقدم للمصنف نحو هذا في فصل المباح طعام طاهر وهذا هو الظاهر وجزم ابن عرفة بحرمتها للإساغة غير ظاهر ونصه. أشهب: الموجب للحد شرب مسلم مكلف ما يسكر كثيره مختارا لا لضرورة ولا عذر فلا حد على مكره ولا ذي غصة وإن حرمت ولا غالط، ثم قال: والمكره لا يحد لوضوح الشبهة أو عدم تكليفه وهو الأظهر لعموم اعتباره في الطلاق ونحوه ولا المضطر للإساغة لوضوح الشبهة. الشيخ: قال مالك في المختصر: لا يشرب المضطر الخمر. الباجي في النوادر عن ابن حبيب: من غص بطعام وخاف على نفسه أن له أن يحوزه بالخمر. قاله أبو الفرج.
ص: (والحدود بسوط وضرب معتدلين) ش: قال ابن عرفة: ولا يجوز الضرب في الحدود بقضيب ولا شراك ولا درة ولكن السوط. وإنما كانت درة عمر للأدب فإذا وقعت الحدود قرب السوط. ثم قال بعد كلام لا يتعلق بالسوط: ولأبي زيد عن ابن القاسم أو ضرب

(8/434)


قاعداً بلا ربط وشد يد بظهره وكتفيه
__________
على ظهره بالدرة أجزأه وما هو بالبين انتهى. ونص سماع أبي زيد المذكور. وقال ابن القاسم في رجل ضرب عبده الحد في الزنى بالدرة: أجزأه. قال: إن كان ضربه في الظهر أجزأه وما هو بالبين. قال ابن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة في رسم العتق من سماع عيسى انتهى. ونص ما في سماع عيسى المشار إليه. وسألت ابن القاسم عن رجل زنى عبده فضربه خمسين ضربة بغير سوط هل يجزئه ذلك من الحد؟ قال: قال مالك: لا يضرب الحد إلا بالسوط. قال ابن رشد: سأله في هذه الرواية هل يجزئه ذلك من الحد؟ فلم يجب على ذلك وحكى له ما قال مالك من أن الحدود لا تضرب إلا بالسوط وقال في سماع أبي زيد بعد هذا: إنه إن ضربه في الزنى بالدرة في ظهره أجزأه. قال: وما هو بالبين فيحمل قوله في سماع أبي زيد على التفسير لقوله في هذه الرواية لأنه وإن كان الواجب أن يضرب الحدود بالسياط كما قاله مالك فلا يجب أن يعاد عليه الضرب بالسياط إذا ضرب بالدرة إذ قد يكون من الدرر ما هو أوجع من كثير من السياط فلا يجمع عليه حدين إلا أن تكون الدرة التي ضرب بها لطيفة لا تؤلم ولا توجع فلا بد من إعادة الحد بالسوط انتهى. من كتاب الحدود في القذف وقوله: "معتدلين" قال في الموطإ: إنه عليه السلام أوتي بسوط مكسور فقال فوق هذا: فأتي بسوط حديد فقال دون هذا: فأتي بسوط قد ركب به ولان فأمر به أي بالشخص المحدود فحد. قال الباجي في شرحه: قال عيسى بن دينار: التمرة الطرف يريد أن طرفه محدود لم تنكسر حدته فقال دون هذا: فأتي بسوط قد ركب به ولا يريد أنه قد انكسرت حدته ولم يخلق ولم يبلغ مبلغا لا يألم من ضرب به فاقتضى ذلك أنه يحد بسوط بين سوطين والضرب في الحدود كلها سواء انتهى. وقال الجزولي: وإنما يضرب بالسوط وصفته أن يكون من جلد واحد ولا يكون له رأسان وأن يكون رأسه لينا ويقبض عليه بالخنصر والبنصر والوسطى ولا يقبض عليه بالسبابة والإبهام ويعقد عليه عقدة التسعين ويقدم رجله اليمنى ويؤخر اليسرى انتهى. ص: (بظهره وكتفيه) ش: قال في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب من كتاب المحاربين والمرتدين وسئل مالك عن عذاب اللصوص بالرهن وبهذه الخنافس التي تحمل على بطونهم فقال: لا يحل هذا إنما هو السوط أو السجن إن لم يجد في ظهره مضربا فالسجن، قيل له: أرأيت إن لم يجد في ظهره مضربا أترى أن يسطح فيضرب في أليتيه؟ قال: لا والله

(8/435)


وجرد الرجل مما يقي الضرب، وندب جعلها في فقة، وعزر الإمام لمعصية الله
__________
لا أرى ذلك إنما عليك ما عليك إنما هو الضرب بالسوط والسجن. قال: فقيل: أرأيت إن مات أيضا بالسوط؟ قال: إنما عليك ما عليك. قال ابن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه لا يصح أن يعاقب أحد فيما تلزمه فيه العقوبة إلا بالجلد أو السجن الذي جاء به القرآن وأما تعذيب أحد بما سوى ذلك من العذاب فلا يحل ولا يجوز وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله ليعذب في الآخرة الذين يعذبون الناس في الدنيا"1 انتهى بلفظه والحديث رواه مسلم. وفي مختصر الوقار: والأدب أن يقنع بالسوط على رأسه أو يضرب بالدرة على ظهره أو على قدميه ولا يسطح أحد على بطنه في أدب ولا غيره انتهى من باب القذف.
ص: (وجرد الرجل والمرأة مما يقي الضرب) ش: ينبغي أن يكون قوله: "مما يقي الضرب" راجعا إلى المرأة فقط وهو ظاهر فتأمله والله أعلم. قال ابن عرفة: وسمع أبو زيد ابن القاسم في المرأة يكون عليها ثوبان في الحد قال: لا بأس بهما، وينزع ما سوى ذلك انتهى.
ص: (وعزر الإمام لمعصية الله) ش: قال ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب القذف: الأدب يتغلظ بالزمان والمكان فمن عصى الله في الكعبة أخص ممن عصاه في الحرم، ومن عصاه في الحرم أخص ممن عصاه في مكة، ومن عصاه في مكة أخص ممن عصاه خارجها انتهى.
وقال في المسائل الملقوطة: يلزم التعزير لمن سرق مالا قطع فيه، والخلوة بالأجنبية ووطء المكاتبة ونحو ذلك، من الاستمناء، وإتيان البهيمة، ولليمين الغموس، والغش في الأسواق، والعمل بالربا، وشهادة الزور، والتحليل، والشهادة على نكاح السر، وكذلك الزوجان والولي، إلا أن يعذروا بجهل، فيجب على هؤلاء التعزير فقط، وتلزم العقوبة
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب البر حديث 117، 189، 119. أبو داود في كتاب الإمارة باب 32. أحمد في مسنده (3/403، 404، 468).

(8/436)


أو لحق آدمي حبساً ولوماً وبالإقامة، ونزع العمامة، وضرب بسوط أو غيره، وإن زاد على الحد، أو أتى على النفس
__________
على من حمى الظلمة وذب عنهم ومن دفع على شخص وجب عليه حق، ومن يحمي قاطع الطريق أو سارقا ونحو ذلك، فإن من يحميه ويمنعه عاص لله وتجب عقوبته حتى يحضره إن كان عنده وينزجر عن ذلك، إلا أن يكون إحضاره إلى من يظلمه، ويأخذ ماله، أو يتجاوز فيه ما أمر به شرعا، فهذا لا يحضره ولكن يتخلى عنه ويرتدع عن حمايته والدفع عنه انتهى.
ومنه ويؤدب من حلق شاربه ومن طلق ثلاثا في كلمة واحدة ومن نكح بين الفخذين، ومن قام

(8/437)


__________
بشكية باطل فينبغي أن يؤدب، وأقل ذلك الحبس ليندفع بذلك أهل الباطل واللدد من أحكام ابن سهل قاله في شهادة السماع والأحباس والله أعلم.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن المكروه لا أدب فيه وصرح بذلك في باب الأيمان من التوضيح قال في الحلف بغير أسماء الله تعالى: ويدخل في كلام ابن الحاجب الحلف بالطلاق والعتاق وقد نصوا على تأديب الحالف بهما ولا يكون الأدب في المكروه انتهى. وقال في المدخل في فصل اللباس: وقد قال علماؤنا في تارك شيء من السنن والأدب: إن الواجب أن يقبح له فعله وأن يذم على ذلك فإن أبى أن يرجع وإلا هجر من أجل ما أتى به من خلاف السنة انتهى. وقد نقل في رسم الجنائز والصيد من سماع أشهب من كتاب الذبائح عن سيدنا عمر التأديب في المكروه. ا هـ. وذلك أنه مر بشخص أضجع شاة يذبحها وجعل يحد الشفرة فعلاه بالدرة وقال: هلا حددتها أولا أو كما قال. وقد قال أصبغ: من ترك الوتر يؤدب. وقال سحنون: يجرح والظاهر أنه لا يعارضه وأن من واظب على ترك المسنون أو على فعل المكروه فهو الذي يؤدب ويجرح ومن كان منه ذلك مرة لم يؤدب والله أعلم
مسألة: قال في المسائل الملقوطة: قال القرافي: الحدود واجبة الإقامة على الأئمة واختلفوا في التعزير فقال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله: إن كان الحق لله وجب كالحدود إلا أن يغلب على ظن الإمام أن غير الضرب مصلحة من الملامة والكلام. وقال الشافعي: غير واجب على الإمام انتهى.
ثم قال: مسألة: ويجوز العفو عن التعزير والشفاعة فيها إذا كان الحق لآدمي فإن تجرد عن حق الآدمي وانفرد به حق السلطنة كان لولي الأمر مراعاة حكم الأصلح في العفو والتعزير وله التشفيع فيه انتهى. وقال القاضي عياض في الإكمال في شرح قوله "لتشفعوا ولتؤجروا": والشفاعة لأصحاب الحوائج والرغبات عند السلطان وغيره مشروعة محمودة مأجور عليها صاحبها بشهادة هذا الحديث وشهادة كتاب الله بقوله: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} الآية [النساء: من الآية85] على أحد التأويلين وفيه أن معونة المسلم في كل حال لفعل أو قول فيها أجر وفي عمومه الشفاعة للمذنبين وهي جائزة فيما لا حد فيه عند السلطان وغيره، وله قبول الشفاعة فيه والعفو إذا رأى ذلك، كما له العفو عنه ابتداء، وهذا فيمن كانت منه الفلتة والزلة، وفي أهل الستر والعفاف أو من طمع بوقوعه عند السلطان، والعفو عنه من العقوبة أن تكون له توبة، وأما المصرون على فسادهم المشتهرون في باطلهم فلا تجوز الشفاعة

(8/438)


وضمن ما سرى كطبيب جهل، أو قصر أو بلا إذن معتبر، ولو إذن عبد بفصد أو حجامة، أو ختان، وكتأجيج نار في يوم عاصف، وكسقوط جدار مال وأنذر صاحبه وأمكن تداركه
__________
لأمثالهم ولا ترك السلطان عقوبتهم لينزجروا عن ذلك وليرتدع غيرهم بما يفعل بهم وقد جاء الوعيد في الشفاعة في الحدود انتهى. ص: (وضمن ما سرى) ش: قال في الجواهر: والتعزير جائز بشرط سلامة العاقبة فإن سرى ضمنت عاقلة المعزر بخلاف الحد انتهى.
ص: (وكسقوط جدار؛ مال وأنذر صاحبه وأمكن تداركه) ش: قال في كتاب الديات من المدونة والحائط المخوف إذا أشهد على ربه ثم عطب به أحد فربه ضامن وإن لم يشهد به عليه لم يضمن، وإن كان مخوفا ا هـ. ولم يبين عند

(8/439)


__________
من يكون الإشهاد قال في التوضيح: قال ابن عبد السلام: ومعناه عند القاضي أو من له النظر في ذلك ولا ينفع الإشهاد إذا لم يكن كذلك إذا كان رب الحائط منكرا لميلانه بحيث يخشى عليه السقوط وأما إن كان مقرا فإنه يكتفي بالإشهاد وإن لم يكن عند حاكم قاله بعض القرويين. وقال ابن الماجشون: لا يضمن إلا إذا قضى عليه السلطان بالهدم فلم يفعل وقال أشهب: إذا بلغ الحائط ما لا يجوز لصاحبه تركه لشدة ميلانه فهو متعد ضامن أشهد عليه أم لا انتهى. وقال في العتبية في أول مسألة من سماع يحيى من كتاب السلطان: قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن جدار رجل بين داره ودار جاره مال ميلا شديدا حتى خيف انهدامه أترى السلطان إذا شكا ذلك جاره ومن يخاف من إذايته وضرره أن يأمر صاحبه بهدمه؟ فقال: نعم ذلك واجب عليه أن يأمره بهدمه قلت له فإن شكا إليه ما يخاف انهدام الجدار فلم يهدمه حتى انهدم على إنسان أو دابة أو بيت لصق به فقتل أو هدم ما سقط عليه أيضمن ذلك صاحب الجدار؟ قال: نعم يضمن كل ما أصاب الجدار بعد الشكية إليه والبيان له قال يحيى: وإن لم يكن ذلك بسلطان فإنه ضامن إذا انهدم وأشهد عليه قال ابن رشد: قول يحيى إنه ضامن لما أفسد الحائط إذا انهدم بعد التقدم إليه والإشهاد عليه وإن لم يكن ذلك بسلطان مفسر لقول ابن القاسم: ومثل ما في المدونة ا هـ. وقد قيل: إنه لا ضمان عليه إلا فيما أفسد بانهدامه بعد أن قضى عليه السلطان بهدمه ففرط في ذلك وهو قول عبد الملك وقول ابن وهب في سماع زونان: وقد قيل: إنه ضامن لما أصاب إذا تركه بعد أن بلغ حدا كان يجب عليه هدمه وإن لم يتقدم إليه ولا أشهد عليه وهو قول أشهب وسحنون انتهى.
فرع: قال في المدونة: وإذا كانت الدار مرهونة أو مكتراة لم ينفعهم الإشهاد إلا على ربها فإن غاب رفع أمره إلى الإمام ولا ينفعهم الإشهاد على الساكن إذ ليس لهم هدم الدار انتهى. وقال في النوادر في ترجمة الكلب العقور والجمل الصئول من كتاب الديات الثاني عن سماع أشهب: إنه لا ضمان على ربها ولا على من هي بأيديهم ولو أمرهم السلطان بالهدم والبناء فلا شيء عليهم، قال محمد بن عبد الحكم: وينبغي للقاضي إذا كان الحائط مخوفا لا يمهل أصحابه أن يحضروا حتى يهدم أعلا المكان فإن لم يحضروا أمر بهدمه وأنفق على ذلك من نقضه إن لم يجد لهم مالا فإن كان الصبي في ولاية أب أو وصي فإليهما يتقدم السلطان فإن لم يفعل من قدم ذلك إليه حتى سقط فما أفسد أو قتل كان ذلك في ماله من أب أو وصي دون مال الصبي إذا أمكن الهدم وتركاه انتهى.
تنبيه: إذا كان رب الحائط غائبا وكان له وكيل وتقدم إليه فلم يفعل حتى سقط الحائط فهل يضمن ذلك في ماله لم أر فيه نصا صريحا والظاهر أنه يضمن قياسا على الأب والوصي فتأمله والله أعلم.

(8/440)


أو عضه فسل يده فقلع أسنانه
__________
تنبيه: قال ابن رشد في أول سماع يحيى من كتاب السلطان إثر كلامه المتقدم: والضمان في ذلك لا يتعدى المال إلى العاقلة عند ابن القاسم كذا روى عيسى عنه في رسم لم يدرك من كتاب الديات وهو ظاهر قوله في هذه الرواية، وروى زونان في سماعه عن ابن وهب أن العاقلة تحمل من ذلك الثلث فصاعدا وهو قول مالك رواه عنه أشهب وابن عبد الحكم انتهى.
ص: (أو عضه فسل يده فقلع أسنانه) ش: هذا معطوف على ما فيه الضمان ولم يعين ما الذي يضمنه هل دية الأسنان أو القود وقال في التوضيح في قول ابن الحاجب: ولو عضه فسل يده ضمن أسنانه على الأصح يعني دية الأسنان والأصح عبر عنه المازري وغيره بالمشهور ونقل مقابله عن بعض الأصحاب. وهو أظهر لما في الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن "رجلا عض يد رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثناياه فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك" زاد أبو داود: "إن شئت أن تمكنه من يدك فيعضها ثم تنزعها من فيه" وقال ابن المواز: الحديث لم يروه مالك ولو ثبت عنده لم يخالفه وتأوله بعض شيوخ المازري على أن المعضوض لا يمكنه النزع إلا بذلك وحمل تضمين بعض الأصحاب على أنه يمكنه النزع برفق بحيث لا تنقلع أسنان العاض فصار متعديا بالزيادة فلذلك ضمنوه ا هـ. وقال القرطبي في شرح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا دية لك" وفي رواية: "فأبطله" وقوله: "فأبطله" هذا نص صريح في إسقاط القصاص والدية في ذلك ولم يقل أحد بالقصاص فيما علمت انتهى. وإنما الخلاف في الضمان فأسقطه أبو حنيفة وبعض أصحابنا وضمنه الشافعي وهو مشهور مذهب مالك ونزل بعض أصحابنا القول بالضمان على ما إذا أمكنه النزع برفق فنزعها بعنف وحمل بعض أصحابنا الحديث على أنه كان متحرك الثنايا وهذا يحتاج إلى حطم وأزمة ولا ينبغي أن يعدل عن صريح الحديث انتهى. وما ذكره عن مذهب الشافعي خلاف ما ذكره النووي من موافقة أبي حنيفة وهو أعرف بمذهبه وفي مسلم "ادفع يدك حتى يعضها ثم انتزعها" قال القرطبي: هو أمر على جهة الإنكار كما قال صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى: "بم تأمرني؟ تأمرني أن آمره أن يدع يده في فيك كما يقضم الفحل" . فمعناه أنك لا تدع يدك في فيه يقضمها ولا يمكن أن يؤمر بذلك انتهى زاد النووي: فكيف تنكر عليه أن ينزع يده من فيك وتطلبه بما جنى في جذبه كذلك قاله القاضي انتهى. ويقضمها بفتح الضاد مضارع قضم بكسرها يقال قضمت الدابة شعيرها إذا أكلته بأطراف أسنانها وخضمت بالخاء المعجمة إذا أكلت بفيها كله. ويقال الخضم أكل الرطب والقضم أكل

(8/441)


أو نظر له من كوة فقصد عينه، وإلا فلا كسقوط ميزاب، أو بعث ريح لنار كحرقها قائماًً لطفيها، وجاز دفع صائل،
__________
اليابس ومنه قول الحسن تخضمون ويقضم والموعد القيامة انتهى من القرطبي والفحل ذكر الإبل ص: (أو نظر له من كوة فقصد عينه وإلا فلا) ش: هذا أيضا معطوف على ما فيه الضمان ولم يبين المضمون أيضا هل هو القود أو الدية؟ واعلم أن الذي يقتضيه كلام المازري وغيره من الأشياخ أن هذه المسألة كالتي قبلها قال المازري في المعلم في شرح الحديث الأول: ومن هذا المعنى لو رمى إنسان أحدا ينظر إليه في بيته فأصاب عينه، فاختلف أصحابنا أيضا في ذلك فالأكثر منهم على إثبات الضمان، والأقل منهم على نفي الضمان، وبالأول قال أبو حنيفة، وبالثاني قال الشافعي، فأما في الضمان فلقوله صلى الله عليه وسلم: "لو أن أحدا اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح" وأما إثبات الضمان؛ فلأنه لو نظر إنسان إلى عورة إنسان بغير إذنه لم يستبح فقء عينه فالنظر إلى الإنسان في بيته أولى أن لا يستباح به، ومحمل الحديث عندهم على أنه رماه لينبهه على أنه فطن به، أو ليدافعه عن ذلك غير قاصد فقء عينه فانفقأت عينه خطأ فالجناح منتف وهو الذي نفي في الحديث وأما الدية فلا ذكر لها انتهى. وذكر القرطبي في شرح مسلم نحوه، فدل هذا الكلام على أن القائلين بالضمان يقولون به سواء قصد فقء عينه أو لا إلا أنه إن لم يقصد فقء عينه ففعله جائز وإنما يضمن الدية وإن قصد فقء عينه فلا يجوز فعله ويضمن والظاهر أن المراد حينئذ بالضمان القود وصرح به ابن شاس والقرافي وابن الحاجب
قال في الجواهر: ولو نظر إلى حريم إنسان من كوة أو صر باب، لم يجز أن يقصد عينه بإبرة أو غيرها وفيه القود إن فعل ويجب تقدم الإنذار في كل دفع وإن كان الباب مفتوحا فأولى أن لا يجوز قصد عينه انتهى. ونحوه في الذخيرة وعلى هذا فيكون الضمان الذي أثبته المصنف بقوله: "أو نظر من كوة فقصد عينه" هو القود والذي نفاه بقوله: "وإلا فلا" هو القود أيضا دون الدية والله أعلم. قال في التوضيح: والصر بكسر الصاد شق الباب. قاله الجوهري انتهى.
ص: (وجاز دفع صائل) ش: انظر هل

(8/442)


بعد الإنذار للفاهم، وإن عن مال وقصد قتله، إن علم أن لايندفع إلا به لاجرح، إن قبل على الهرب منه بلا مشقة، وما أتلفته البهائم ليلاً فعلى ربها وإن زاد على قيمتها بقيمته على الرجاء والخوف لا نهاراً إن لم يكن معها راع، وصرحت بعد المزارع وإلا فعلى الراعي
مراده بالجواز المستوي الطرفين كما هو اصطلاحه هو وغيره من المتأخرين؟ أو مراده بالجواز جواز الإقدام حتى يشمل الوجوب؟ وظاهر كلام ابن العربي فيما نقل عنه في الذخيرة في هذا المحل وفي الفروق في الفرق السابع والأربعين بعد المائتين أن الحكم في دفع الصائل الجواز المستوي الطرفين، وذكر القرطبي وابن الفرس في الوجوب قولين قالا: والأصح الوجوب فانظر

(8/443)


ذلك وانظر الأبي في شرح قوله عليه السلام: "من مات دون ماله فهو شهيد"1 وفي منع فضل الماء حتى مات الممنوع في كتاب الأيمان من مسلم، وانظر مسألة من وجد مع امرأته رجلا فقتله في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب القذف، وفي الجزء الرابع من كتاب الديات من النوادر، وفي كتاب الحدود في الزنا منها، وفي الفصل السابع من القسم الثالث من التبصرة.
ـــــــ
1 رواه الترمذي في كتاب الديات باب 21. أبو داود في كتاب السنة باب 29.

(8/444)