مواهب
الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب كتاب العتق
باب العتق
...
كتاب العتق
__________
قال في الصحاح: العتق الكرم يقال: ما أبين
العتق في وجه فلان، يعني الكرم. والعتق:
الجمال، والعتق: الحرية، وكذلك العتاق بالفتح
والعتاقة يقال منه: عتق العبد يعتق بالكسر
عتقا وعتاقا وعتاقة فهو عتيق وعاتق وأعتقته
أنا انتهى. ثم قال: وعتق الشيء بالضم عتاقة أي
قدم وصار عتيقا وكذلك عتق يعتق مثل دخل يدخل
فهو عاتق انتهى. ثم قال: وعتاق الطير الجوارح
منها والأرحبيات العتاق النجائب منها انتهى.
يعني أنه بكسر العين والأرحبيات الإبل، قال في
الصحاح: وأرحب قبيلة من همدان ينسب إليها
الأرحبيات من الإبل انتهى. وقال القاضي عياض
في المشارق: يقال: عتق المملوك يعتق عتقا
وعتاقة بالفتح فيهما، قال الخليل: وعتاقا
بالفتح أيضا، قال غيره: والاسم منه العتق
بالكسر، والعتاق بالفتح، ولا يقال: عتق إنما
هو أعتق إذا أعتقه سيده انتهى. وقال في
التنبيهات: العتق والعتاق بالفتح فيهما وعتق
الغلام وأعتقه سيده فهو عتيق وعبيد عتقاء وأمة
عتيقة، ولا يقال: عاتق ولا عواتق، إلا أن يراد
مستقبل أمره فهو عاتق غدا، ولا يقال: عتق
الغلام بضم العين ولكن أعتق ومعنى العتق
ارتفاع الملك انتهى. وقوله في التنبيهات: "ولا
يقال عاتق" مخالف لما تقدم في الصحاح. وقال في
القاموس: العتق بالكسر الكرم والجمال والنجابة
والشرف والحرية، وبالضم: جمع عتيق وعاتق
المنكب والحرية عتق العبد يعتق عتقا ويفتح،
وبالفتح: المصدر، وبالكسر: الاسم، وعتاقا
وعتاقة بفتحها خرج عن الرق فهو عتيق وعاتق
الجمع عتائق، ثم قال: والعتق بالكسر، ويضم
للموات كالخمر والتمر وككتاب من الطير الجوارح
ومن الخيل النجائب انتهى. وقال ابن حجر في فتح
الباري في باب ما يستحب من العتاقة في الكسوف
من كتاب العتق: العتاقة بفتح العين ووهم من
كسرها يقال: عتق يعتق عتاقا وعتاقة، والمراد
الإعتاق وهو ملزوم العتاقة. ثم قال بعد ذلك:
وإلا فقد عتق ما عتق قال الداودي: هو بفتح
العين من الأول
(8/445)
__________
ويجوز الفتح والضم في الثاني وتعقبه ابن التين
بأنه لم يقله غيره وإنما يقال: عتق بالفتح
وأعتق بضم الهمزة؛ لأن الفعل لازم غير متعد
وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: قال
صاحب المحكم: العتق خلاف الرق عتق يعتق عتقا
وعتقا وعتاقا وعتاقة فهو عتيق وحلف بالعتاق أي
بالإعتاق انتهى. فتحصل من هذا أنه يقال العتق
بكسر العين وفتحها والعتاق والعتاقة بفتحها
فقط وأنه يقال: عتق يعتق كضرب يضرب ولا يقال
عتق بضم العين والله أعلم. وقال في الذخيرة:
والعتق في اللغة الخلوص، ومنه عتاق الخيل،
وعتاق الطير أي خالصوها والبيت الحرام عتيق
لخلوصه من أيدي الجبابرة وفي الشرع خلوص
الرقبة من الرق انتهى. وقيل: سمي البيت عتيقا؛
لأنه أول بيت وضع للناس وقيل لخلوصه من
الطوفان وقيل لخلوصه من أيدي الجبابرة والله
أعلم. وأما في الشرع فقال ابن عبد السلام:
استغنى ابن الحاجب عن تعريف حقيقته لشهرتها
عند العامة والخاصة فقال ابن عرفة: يرد قوله
بأن ذلك من حيث وجودها لا من حيث إدراك
حقيقتها بل كثير من المدرسين لو قيل له ما
حقيقة العتق لم يجب بشيء ومن تأمل وأنصف أدرك
ما قلناه والله أعلم. بمن اهتدى انتهى وعرفه
في التنبيهات وابن رشد كالقرافي بأنه: ارتفاع
الملك عن الرقيق وليس بمانع كما سيأتي في كلام
ابن عرفة فإنه قال: العتق رفع ملك حقيقي لا
بسباء محرم عن آدمي حي فخرج بحقيقي استحقاق
عبد بحرية وخرج بسباء محرم فداء المسلم من
حربي سباه أو ممن صار له منه وخرج بقوله: "عن
آدمي حي" رفعه عنه بموته انتهى وقوله: "ملك
يصدق" برفع ملك وانتقاله إلى ملك آخر فتأمله
فيكون غير مانع وكذلك يصدق على عبد الحربي إذا
أسلم وبقي عند سيده حتى غنمه المسلمون فإنه حر
على المشهور وليس هذا عتقا اصطلاحا وكذلك يصدق
حده على وقف الرقيق على مقابل المشهور القائل
بأن ملك الواقف ارتفع عن الموقوف فتأمل ذلك.
ولو قال: رفع الملك الحقيقي الكائن لمسلم عن
آدمي حي من غير تحجير منفعته لسلم فيما يظهر
من جميع ما يرد عليه ويكون اللام في الملك
للحقيقة والله أعلم. وقوله: "عن آدمي حي" يؤخذ
منه صحة عتق من في السياق قال في المسائل
الملقوطة: لو أعتق من في سياق الموت الظاهر
صحة العتق لأنه لو عاش لم يعد رقيقا فترتب
عليه أحكام الحرية ويصلى عليه في صف الرجال
الأحرار ويحاز ولاؤه لمعتقه، ولو قذفه أحد في
تلك الحال بعد العتق حد له على أنه حر وكذلك
لو أجهز عليه أحد فقتله وهو في السياق فحكمه
حكم الحر لا حكم العبد ففي النظر هل يحصل له
من الثواب في عتق ثواب من أعتق صحيحا ولا شك
أنه خلصه من الرق ولأنه قابل لأن يهبه لرجل
بغير ثواب فكذلك تنجيز عتقه لله تعالى من
تسهيل المهمات في قوله: "ولا يباع من في
السياق" انتهى.
وحكمه الندب وهو من أفضل الأعمال وأعظم
القربات ويدل على عظيم قدره ما في الصحيح من
حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "لن يجزي ولد والده إلا أن
(8/446)
__________
يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه" 1. قال في
التوضيح: وكأن الوالد لما كان سببا لوجود
الولد وذلك من أعظم النعم فالذي يشبه ذلك
إخراج الولد لوالده من عدم الرق إلى وجود
الحرية لأن الرقيق كالمعدوم وربما كان العدم
خيرا منه انتهى. ونحوه للقاضي أبي بكر بن
العربي في قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ
ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}
[الاسراء: من الآية24] وقال في الذخيرة: وفي
الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها
إربا من النار حتى أنه ليعتق اليد باليد
والرجل بالرجل والفرج بالفرج" 2 ثم قال: قال
اللخمي: ظاهر الحديث يقتضي أنه إذا أعتق ناقص
عضو لا تحجب النار عن الذي يقابله وهو ممكن؛
لأن الألم يخلقه الله في أي عضو شاء كما في
الصحيح: "إن الله حرم على النار أن تأكل موضع
السجود" 3 انتهى. والإرب العضو قال: في
التوضيح: روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة "من
أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا من
أعضائه حتى فرجه بفرجه" 4 وفي الترمذي وصححه
أنه عليه السلام قال: "أيما امرئ مسلم أعتق
امرأ مسلما كان فكاكه من النار يجزئ كل عضو
منه عضوا منه، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين
مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزئ كل عضو
منهما عضوا منه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت
امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار يجزئ كل عضو
منها عضوا منها" 5 قيل: ولعل هذا لأن دية
المرأة على النصف من دية الرجل انتهى. والعتق
وإن كان مندوبا فقد يجب.
قال في اللباب: ولوجوبه عشرة أسباب إصدار
الصيغة والكتابة والتدبير والإيلاد والمثلة
والسراية والقرابة ويضاف إلى ذلك اليمين
بالعتق والنذر به وقتل الخطإ والظهار وكفارة
اليمين، إن اختار العتق فتكون اثني عشر انتهى.
وذكر في التنبيهات أن أسبابه عشرة وعد ثلاثة
عشر ثم ألحق بهم وجهين آخرين قال: والعتق
مندوب إليه في الجملة ويجب أحيانا بعشرة أسباب
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب العتق حديث 25. أبو داود
في كتاب الأدب باب 120. الترمذي في كتاب البر
باب 8. ابن ماجة في كتاب الأدب باب 1.
2 رواه مسلم في كتاب العتق حديث 21. أحمد في
مسنده (2/420، 422، 429، 431).
3 رواه النسائي في كتاب التطبيق باب 81. بلفظ:
" إن النار تأكل كل شيء من ابن آدم إلا موضع
السجود".
4 رواه البخاري في كتاب الكفارات باب 6. مسلم
في كتاب العتق حديث 22، 23. الترمذي في كتاب
النذور باب 14. أحمد في مسنده (2/420، 422.)
5 رواه مسلم في كتاب العتق حديث 22-25. أبو
داود في كتاب العتق باب 14. الترمذي في كتاب
النذور باب 14، 20. النسائي في كتاب الجهاد
باب 26. ابن ماجة في كتاب العتق 4. أحمد في
مسنده (2/420، 429، 431، 447، 525) (4/113،
147، 150، 235) (5/29، 244).
(8/447)
__________
بإلزام الرجل ذلك نفسه وتبتيله عتق مملوكه
ابتداء وبنذره ذلك لأمر كان أو يكون. وبالحنث
في يمين بذلك أو بحمل مملوكته منه أو بعتقه
بعضه فيبتل عليه باقيه أو بالتمثيل به أو
بشرائه من يعتق عليه أو بقتل النفس خطأ أو
بوطء المظاهر أو بكتابة العبد أو مقاطعته على
مال أو خدمته بذلك ويلحق بذلك وجهان آخران
وهما كفارة اليمين بالله، وكفارة الفطر في
رمضان عمدا إلا أن الفرض في هذين موضوع
للتخيير بينه وبين غيره، وإنما يتعين بتعيين
المكفر انتهى. إلا أن يكون قوله: "بإلزام
الرجل ذلك نفسه وتبتيله عتق مملوكه" سببا
واحدا، وهو الظاهر وكذلك قوله: "أو بمكاتبة
العبد إلخ" فيكون حينئذ عشرة أسباب فقط، وهو
الظاهر، وقال في اللباب عقب ذكره الأسباب
المتقدمة: ويجب أن يعلم أن ما كثرت أسبابه كان
إلى الوقوع أقرب ألا ترى أنه قد وعد بالمغفرة
على أسباب كثيرة تكاد تخرج عن الحصر، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوم يوم عرفة
يكفر السنة الماضية والآتية" "وصوم يوم
عاشوراء يكفر الماضية" "ورمضان إلى رمضان يكفر
ما بينهما" "والصلوات الخمس يكفرن ما بينهن"
"وإذا توضأ خرجت الخطايا من بين أشفار عينيه".
وقد قلت لشيخنا شهاب الدين رحمه الله: إذا كان
يوم عرفة يكفر الماضية والآتية فأي شيء يكفر
يوم عاشوراء؟ وكذلك ما ذكرناه، فقال لي: ذلك
دليل على أنه تعالى مريد للمغفرة لعباده فإن
العبد إذا أخطأه سبب لا يخطئه غيره، وما كثرت
أسبابه كان إلى الوقوع أقرب فتنبه لذلك انتهى.
وحكمة مشروعيته، قال في اللباب: هي التنبيه
على شرف الآدمي وتكرمته، فإن الرق إذلال له،
والترغيب في مكارم الأخلاق وتعاطي أسباب
النجاة من النار انتهى.
فرع: قال ابن سلمون في وثائقه: سئل ابن رشد في
عتق الإماء والعبيد أيهما أفضل؟ فقال: اختلف
العلماء في ذلك فمنهم من قال: إن عتق الأكثر
ثمنا منهم أعلى في الأجر، ذكرا كان أو أنثى;
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي
الرقاب أفضل؟ فقال: "أعلاها ثمنا، وأنفسها عند
أهلها". ولم يخص ذكرا من أنثى، وأما إذا استوى
الذكر والأنثى، فعتق الذكر أفضل كما أن عتق
الأفضل في الدين من العبدين والأمتين أفضل،
وهذا لا اختلاف فيه، وإنما اختلف في الأفضل من
عتق الكافر أو المسلم إذا كان الكافر أكثر
ثمنا، فقيل: إن عتق الأكثر ثمنا أفضل، وإن كان
كافرا لعموم الحديث، وقيل: إن عتق المسلم
أفضل، وأن الحديث إنما معناه مع استواء الرقاب
وكذلك الأفضل من عتق الكفار من كان منهم أكثر
ثمنا، قال: وإن استووا في الأثمان فالذي أقول
به: أن عتق الأنثى منهم أفضل؛ لأن عتقها يحل
للمسلمين نكاحها ولا منفعة في عتق الكافر
الذكر ا هـ.
(8/448)
إنما يصح إعتاق
المكلف بلا حجر، وإحاطة دين
__________
باب
ص: (إنما يصح إعتاق مكلف) ش: أخرج به الصبي
فلا يصح عتق الصبي، ولو علقه بيمين فحنث فيها
بعد البلوغ كان بإذن وليه أو بغير إذنه، قاله
في المقدمات وغيرها. وقال في العتق الثاني من
المدونة: ولا يجوز عتق المعتوه إذا كان مطبقا
ولا الصبي، وإن قال صبي: كل مملوك لي حر إذا
احتلمت فاحتلم فلا شيء عليه، وكذا المجنون قال
في عتقها الثاني: ومن حلف بعتق عبده إن فعل
كذا فجن، ثم فعل ذلك في حال جنونه فلا شيء
عليه، قال أبو الحسن: قال أصبغ: ومن حلف
ليفعلن فعلا إلى أجل كذا، ثم جن فمضى الأجل،
وهو مجنون فإنه حانث، وقال غيره: لا يحنث؛
لأنه مضى الأجل، وهو في حال لا تنعقد اليمين
فيه انتهى. ويدخل السكران قال في عتقها
الثاني: وعتق السكران وتدبيره جائز إذا كان
غير مولى عليه قال أبو الحسن: أما الطافح
فكالبهيمة لا خلاف أنه لا يلزمه شيء ا هـ.
كلامه بالمعنى. ص: (بلا حجر) ش: هذا قيد ثان،
وهو عدم التحجير فيخرج السفيه المولى عليه قال
في كتاب المديان منها: ولا يجوز للمولى عليه
عتق ولا صدقة ولا هبة ولا بيع ولا يلزمه ذلك
بعد بلوغه، ورشده إلا أن يجيزه الآن وأستحب له
إمضاءه ولا أجبره عليه انتهى. قال في
المقدمات: كان الولي رده أم لم يرده؟ واختلف
إذا كان بيمين فحنث فيها بعد ولاية نفسه
واختلف أيضا إن لم يعلم بذلك حتى مات هل
للورثة رد ذلك على قولين حكاهما ابن حبيب في
الواضحة انتهى. والقول بلزوم الحنث لأشهب،
والقول بعدمه لابن القاسم كذا عزاه أبو الحسن
في العتق الثاني في شرح قولها: "وإن قال صبي
كل مملوك لي حر المتقدم" والله أعلم.
فرع: قال في رسم قطع الشجرة، وهو أول رسم ابن
القاسم من كتاب العتق الثاني: لو قال لمملوك
من مماليك أبيه: إن ملكتك فأنت حر فمات أبوه
وملكه فإن كان يوم قاله سفيها فلا يلزمه
العتق، وإن كان رشيدا عتق عليه، قال ابن رشد:
واختلف هل هو محمول في حياة أبيه على الرشد أو
على السفه؟ والمشهور أنه محمول على السفه
انتهى. ونقله أبو الحسن.
(8/449)
__________
تنبيهات: الأول: قوله في المدونة: "استحب إلى
آخره" قال أبو الحسن: وفي الأمهات لا يجوز له
في ماله بيع ولا عتق ولا شراء ولا هبة ولا
صدقة والهبة والصدقة لغير ثواب كالعتق واستحب
له أن يمضيها فظاهره أنه راجع إلى العتق وما
أشبهه من الهبة والصدقة لغير الثواب انتهى.
قال أبو الحسن: قال عياض: ظاهر التهذيب أنه
راجع إلى الجميع وعليه اختصرها المختصرون،
وأنه يستحب له إمضاء جميع ما فعله، وفيه نظر
والصحيح سواه، وأنه لا يستحب له أن يمضي إلا
ما كان لله قربة وأما ما بينه وبين العباد،
فأي استحباب في هذا وكذا جاء منصوصا في سماع
أشهب على ما تأولناه قال الشيخ أبو الحسن: وقد
يكون أيضا فيه قربة بإسعاف أخيه المسلم بإمضاء
صفقته لغبطته بها كأن يكون قربة في الإقالة،
والتولية انتهى. وهو ظاهر فتأمله، والله أعلم.
الثاني: ظاهر كلام المؤلف أن السفيه لا يصح
عتقه في جميع ما يصح فيه العتق، وليس على
عمومه فقد قدم في باب الحجر أنه يجوز عتقه
لمستولدته، وقال في المدونة إثر الكلام
السابق: وما ليس له فيه إلا المنفعة ففعله فيه
جائز، ويجوز طلاقه لزوجته وعتقه لأم ولده
انتهى. وهل يتبعها مالها؟ نقل في التوضيح في
باب الحجر في ذلك ثلاثة أقوال: يفرق في الثالث
بين اليسير، والكثير، ونقلها غيره، وعزا
اللخمي الثالث لابن القاسم، وقال: أنه الأشبه
ذكره في الحجر، والقول الثاني: أنه لا يتبعها
مالها، وإن لم يستثنه، قال ابن رشد في رسم
العتق من سماع أشهب: هو أظهر الأقوال وأولاها
بالصواب انتهى. من العتق وتقدم في باب الحجر
الكلام على جميع ما تقدم بأبسط من هذا.
الثالث: يؤخذ من كلام المؤلف أن السفيه المهمل
عتقه جائز؛ لأنه إلى الآن لم يحجر عليه، وأنه
إذا حجر عليه، ثم ظهر رشده ولم يطلقه الحاكم
فعتقه غير جائز؛ لأنه محجور عليه وهذا يأتي
على قول ابن القاسم، وقول مالك على العكس، قال
في اللباب هنا: ولو كان السفيه غير مولى عليه
فعتقه جائز، قال ابن القاسم: إلا البين السفه
انتهى. وكلام اللباب يفهم منه أن قول ابن
القاسم تقييد، وليس كذلك والله أعلم. ويخرج
بقول المؤلف: "بلا حجر" أيضا العبد، قال في
الولاء منها: ولا يجوز عتق المكاتب ولا العبد
بغير إذن سيده فإن أعتق أو دبر أو تصدق بغير
إذن سيده فللسيد رد ذلك، فإن رده بطل ولا يلزم
العبد والمكاتب ذلك إن عتقا، وإن لم يعلم بذلك
السيد حتى عتقا مضى ذلك وما أعتقا بإذن السيد
جاز وعتق أم الولد لعبدها كما وصفنا في عتق
العبد عبده انتهى. وقد علم أن أم الولد،
والمكاتب بمنزلة القن وكذا من بعضه حر صرح به
في أول رسم من سماع عيسى من كتاب العتق.
والظاهر أن المدبر والمعتق إلى أجل كذلك وأظن
أن اللخمي صرح بذلك والله أعلم. وفي المقدمات
في كتاب المأذون: وأما العبد فما أعتق أو وهب
فإذا لم يعلم السيد بذلك أو علم ولم يقض برد
ولا إجازة حتى عتق العبد والمال بيده فإن ذلك
لازم له، ولا أعلم في ذلك نص خلاف، وهو دليل
على أن فعله على الإجازة فإن فوت العبد المال
من يده قبل أن يعتق
(8/450)
__________
ببيع أو هبة بطلت الصدقة والعتق قاله في
الصدقة في كتاب الاعتكاف، والعتق مقيس عليها
إلا أن يفرق بينهما مفرق لحرمة العتق، وهو
بعيد. فإن رد السيد ذلك وبقي بيده حتى عتق ولم
يفوته لم يلزمه شيء قاله في المدونة في الصدقة
والهبة والعتق مقيس على ذلك انتهى. ويخرج أيضا
بقول المؤلف: "بلا حجر" الزوجة فيما زاد على
الثلث، فإذا أعتقت عبدا فإن حمله الثلث جاز،
وإن حمل بعضه فالمشهور أن للزوج رد الجميع فإن
أعتقت ثلث عبد لا تملك غيره فهل له رده أو
يمضي؟ فيه قولان ذكرهما في التوضيح في باب
الحجر، وانظرها في رسم سن من سماع ابن القاسم
من العتق، ويخرج أيضا المريض فيما زاد على
الثلث فإذا أعتق عبدا لا يملك غيره مضى منه
الثلث، والله أعلم. وخرج أيضا المرتد، قال في
الشامل في باب الحجر: "وحجر لردة فلا يعد تصرف
مرتد حجرا عليه" وظاهره ولو أسلم بعد ذلك،
والله أعلم. وتقدم في باب الحجر الكلام على
الحجر بالردة. ويخرج أيضا المدين إذا فلسه
الإمام. وأما من أحاط الدين بماله فيخرج
بقوله: "وإحاطة دين" قال ابن عبد السلام: فإن
قلت: لا شك أن أحد أسباب الحجر إحاطة الدين
بماله فإذا انتفى الحجر عموما انتفى كون الدين
محيطا.
قلت: السبب الحقيقي هو الفلس، وهو متأخر عن
إحاطة الدين وقد علم أن من الأفعال ما يصح
فعله من الذي أحاط الدين بماله، ولا يصح من
الفلس المحجور عليه وعلى هذا فالحجر لأجل
الفلس أخص من إحاطة الدين ونفي الأخص الذي هو
الحجر للفلس نفي للأعم الذي هو إحاطة الدين
انتهى. وفيه نظر؛ لأنه قد سلم أن إحاطة الدين
مما يقع به الحجر ولو في بعض الأشياء والمقصود
في قول المؤلف وابن الحاجب: "بلا حجر" نفي
مطلق الحجر لا نفي الحجر من الوجود وإلا لخرج
حجر الزوجة، والمريض.
تنبيهات: الأول: قول المؤلف: إنما يصح هل
مراده إنما يصح ويلزم أو مراده مطلق الصحة،
وإن لم يلزم فإن أراد الأول فليس في كلامه ما
يدل عليه، ومع ذلك فيرد عليه الكافر فإنه إذا
أعتق عبده الكافر لا يلزمه عتق مع أنه يصدق
عليه أنه مكلف لا حجر عليه؛ لأن الصحيح أن
الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، قال في العتق
الثاني منها في ترجمة من أعتق من الغنيمة قبل
قسمها: وإذا أسلم عبد النصراني، ثم أعتقه قضي
عليه بعتقه؛ لأنه حكم بين مسلم وذمي، ولو دخل
إلينا حربي بأمان وكاتب عبدا له أو أعتقه أو
دبره، ثم أراد بيعه فذلك له وكذلك النصراني
إذا أعتق عبدا له نصرانيا، ثم أراد أن يرده في
الرق أو يبيعه فذلك له إلا أن يرضى أن يحكم
عليه بحكم الإسلام قوله: "فذلك له" قال ابن
يونس: "ولا يحال بينه وبين ذلك إلا أن يكون
أبانه عنه" ونحوه في الجنايات انتهى. وكذلك
ورد في رسم الدور والمزارع من سماع يحيى مطلقا
فقال ابن رشد: ظاهر الرواية أن للنصراني أن
يرجع في عتق عبده
(8/451)
__________
النصراني ما دام على النصرانية لا يمنع من
ذلك، وإن كان لما أعتقه قد خلى سبيله وخرج عن
خدمته مثل قول ابن القاسم في المكاتب منها
خلاف ما في جنايتها: إن ذلك له ما لم يخرجه من
يده؛ لأن قوله: "إذا لم يخرجه من يده" يدل على
أن له أن يرجع في عتقه بعد إسلامه إذا لم
يخرجه من يده خلاف ما في كتاب المكاتب فتحصيل
المسألة أنه إذا أعتقه وخلى سبيله وأخرجه من
خدمته، ثم أراد أن يرجع في عتقه قبل إسلامه
كان له على ظاهر هذه الرواية ولم يكن له على
ما في جنايتها، وإن أراد أن يرجع في عتقه بعد
أن أسلم ولم يكن خرج عن خدمته كان ذلك له على
ما في هذه الرواية خلاف ما في كتاب المكاتب
منها انتهى. ثم قال في المدونة: وكذلك لو
كاتبه أو دبره، ثم أراد بيعه لم يمنع إلا أن
يسلم العبد، وهو في يده فيؤاجر المدبر وتباع
كتابة المكاتب قيل له: فإن بتل النصراني عتق
عبده النصراني أو دبره أو حلف بذلك، ثم أسلم
فحنث، قال: إن حنث بيمينه في نصرانيته أو بعد
إسلامه لا شيء عليه وكذلك جميع أيمانه انتهى.
فيخرج من قوله: "وكذلك لو كاتبه إلى آخره" أنه
لو أعتقه، ثم أسلم العبد، وهو في يد سيده
وأراد الرجوع له ليس له ذلك، وقال الشيخ أبو
الحسن: قال ابن يونس: وظاهر كلام ابن القاسم
أنه خلاف بين إسلام العبد وإسلام السيد وهذا
إذا لم يبن العبد عن نفسه انتهى. وقد حصل
اللخمي جميع ذلك فقال: وإذا أعتق النصراني
عبده لزمه ذلك؛ لأنه حكم بين مسلم ونصراني
فيجري على حكم الإسلام، وإن أعتق عبده
النصراني، ثم أسلم العبد فإن أسلم بعد أن رجع
عن عتقه واسترقه لم يلزمه ذلك العتق، وإن أسلم
بعد أن حاز نفسه لم يكن ذلك للسيد، وإن أسلم
قبل أن يحوز نفسه وقبل أن يرجع عن العتق،
فقولان والقياس: أنه لا شيء عليه؛ لأنه لو رجع
قبل إسلام العبد كان ذلك له ولم يؤخذ بما عقد
وإسلام العبد لا يوجب عليه ذلك العقد انتهى.
وقد علمت من قول المدونة المتقدم: "وكذلك لو
كاتب عبده أو دبره" أن الجاري عليه أنه لا
يرجع، ثم قال اللخمي وكذلك إن أسلم السيد وحده
أو أسلم السيد، ثم العبد فإن كان الإسلام قبل
أن رجع في العتق لم يلزمه، وإن كان بعد أن حاز
نفسه لزمه، وإن كان بقرب العتق قبل أن يرجع
وقبل أن يحوز نفسه كان على الخلاف، وإن حلف
بعتق عبده، ثم حنث لم يلزمه وسواء حنث قبل
الإسلام أو بعده؛ لأن عقد الكفر غير لازم وإذا
أعتق النصراني عبده النصراني، ثم امتنع من
إنفاذ العتق لم يجبر عليه ولو حوزه نفسه لم
يكن له أن يرجع فيه انتهى. إلا أن يقال: إن
المؤلف مشى على القول بأنهم غير مخاطبين بفروع
الشريعة فقد صح فيخرج الكافر بقوله: "مكلف"
ويكون مراده إنما يصح ويلزم، وإن أراد المؤلف
بقوله: "إنما يصح" مطلق الصحة، وإن لم يلزم
فيرد عليه أن غالب ما احترز عنه صحيح ويتوقف
لزومه على إجازة الغير كعتق المريض والمرأة
والعبد والمدبر فتأمله، والله أعلم.
(8/452)
ولغريمه رده،
أو بعضه، إلا أن يعلم أو يطول، أو يفيد مالاً،
ولو قبل نفوذ البيع رقيقاً لم يتعلق حق لازم
به، وبفك الرقة والتحرير وإن في هذا اليوم
__________
الثاني: قوله: "بلا حجر" يغني عن قوله:
"مكلف"، والله أعلم. وكلام الجواهر نحو كلام
المصنف فإنه قال: المعتق كل مكلف بلا حجر
انتهى.
الثالث: قال ابن عرفة: وقول ابن شاس وابن
الحاجب وقبله شارحاه وله أركان الأول: المعتق
يقتضي أن المعتق جزء من المعتق وليس كذلك إلا
أن يريد، وأركانه الحسية المتوقف وجوده حسا
عليها كاللحم والعظم والدم للإنسان لا أركانه
المحمولة عليها كالحيوان والناطق للإنسان
انتهى. ومن المعلوم أنهم لم يريدوا إلا
الأركان الحسية المتوقف وجوده عليها حسا وانظر
لم أخر الاعتراض إلى هنا وهلا أورده من أول
الذكاة والصيد فتأمله، والله أعلم. ص:
(ولغريمه رده أو بعضه) ش: أي ولغريم المدين رد
عتقه إن أحاط الدين بماله، وإن لم يحط الدين
بماله فللغريم رد بعض العبد حتى يستوفي حقه.
تنبيهات: الأول: تقدم في باب التفليس أنه
محمول على الجواز حتى يتحقق أنه وقت العتق
عليه دين يستغرق ما بيده فانظره.
(8/453)
بلا قرينة مدح
أو خلف أو دفع نقص، ولا ملك أو سبيل لي عليك،
إلا لجواب وبكوهبت لك نفسك، وبكاسقني، أو
اذهب، او اعزب بالنية،
__________
الثاني: ظاهر قول المصنف ولغريمة رده أن ذلك
للغريم دون أمر الإمام والذي في المدونة ونقله
ابن عبد السلام وابن عرفة أن العتق لا يرده
إلا الإمام قال ابن عبد السلام واختلف في عتق
المديان هل هو موقوف على إجازة الغرماء، وهو
مذهب مالك وأكثر أهل المدينة أو هو جائز ما لم
يفلس، ويحجر عليه الحاكم، وهو مذهب جماعة خارج
المذهب، وعلى الأول لا يرد الغرماء إن أرادوا
ذلك حتى يرفعوا إلى الحاكم فهو الذي يحكم
بالرد بعد إثبات موجب ذلك عنده، فإن ردوه
وباعوه فإن الإمام يرد بيعهم، وينظر في أمرهم
فإن ثبت عنده موجب بيعه باعه وإلا تم عتقه
انتهى. وقال في المدونة في أواخر العتق الأول:
ومن رد غرماؤه عتقه فليس له ولا لغرمائه بيعهم
دون الإمام فإن فعل أو فعلوه، ثم رفع إلى
الإمام بعد أن أيسر رد البيع ونفذ العتق
انتهى. ونقله ابن عرفة في أول العتق. الثالث:
ظاهر كلامه أن للغريم رد العتق، ولو طال قال
ابن رشد في الأجوبة: وأما عتق من أحاط الدين
بماله فلا اختلاف أنه لا يجوز إلا أن يجيزه
الغرماء واختلف إن لم يعلموا حتى طال الأمر
وجازت شهادته، وورث الأحرار فقيل: لهم أن
يردوه، وقيل: ليس لهم أن يردوه؛ لاحتمال أن
يكون قد أفاد في خلال المدة مالا يعلم به، ثم
ذهب مع حرمة العتق فإن كانت الديون التي عليه
قد استغرقت من تبعات لا تعلم أربابها نفذ عتقه
على كل حال ولم يرده وكان الأجر لأرباب
التباعات والولاء للمسلمين انتهى. من مسائل
الشركة.
(8/454)
وعتق على
البائع، إن علق هو والمشتري على البيع
والشراء، وبالاشتراء الفاسد في إن
__________
الرابع: قال في المدونة: وإذا باعهم الإمام
عليه في دينه، ثم اشتراهم بعد يسره كانوا
أرقاء ولا يعتقون انتهى.
الخامس: قوله: "أو بعضه" قال في التوضيح: فإن
لم يوجد من يشتريه إلا كاملا بيع جميعه واختلف
فيما يبقى قال ابن حبيب: يصنع ما شاء وقيل
يستحب أن يجعله في عتق وإليه ذهب اللخمي، أما
لو أعتق عبدين لا مال له غيرهما وقيمتهما أكثر
من الدين ونحن إن بعنا منهما بالحصص لم يفيا
بالدين، فقال ابن عبد الحكم: يقرع بينهما على
أيهما يباع للدين، وهو ظاهر.
السادس: إذا بعض العتق وأراد مالك بعضه سفرا
وامتنع هو ففي ذلك ثلاثة أقوال، فقال مالك في
أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية:
إنه يسافر ويكتب له القاضي كتابا إن لم يكن
مأمونا واستدل بأن الحرية تبع للرق بدليل
إجماعهم أن أحكامه أحكام الرق ما بقيت فيه
شائبة، وقال أيضا في سماع أشهب من الشركة: إن
السيد إن كان مأمونا سافر به وإلا فلا،
والثالث رواه البرقي عن أشهب: أنه ليس له
السفر به مطلقا، وإن كان مأمونا والعبد
مستعربا؛ لأنه ملك من نفسه ما يملك الشريك
فصار شريكا في نفسه ابن رشد، وهو محض القياس
وحكاه أيضا عن أشهب ابن المواز وابن حبيب قال
ابن حبيب: ولو أراد الانتقال به إلى قرية
يسكنها من الحواضر كان له ذلك ولو كره العبد.
فرع: قال ابن رشد: وإذا قضى له بالخروج كانت
نفقته وكراؤه عليه في سفره حتى يقر قراره في
موضع يكون له فيه عمل ومكتسب فيكون له أيام
وللسيد أيام انتهى. من الرسم المذكور.
تنبيه: قال فيه أيضا معنى قوله: "يكتب له
كتابا" أي إلى قاضي البلد الذي يسافر لها
ويشهد له شاهدين ممن يسافر معه فيشهدهما على
الكتاب وعلى عين العبد وليس على ظاهره؛ لأن
العبد لا ينتفع به في المكان الذي يذهب إليه
بكتاب يكون بيده إلا ببينة عليه إذ لا يحكم
بكتاب القاضي دون بينة تنقله وتشهد عليه
انتهى. وانظر منتخب الأحكام قبل أبواب النكاح،
(8/455)
اشتريتك كأن
اشترى نفسه فاسداً، والشقص والمدبر وأم الولد
وولد عبده من أمته، وإن بعد يمينه والإنشاء في
من يملكه أو لي
__________
وفي آخره أيضا، وانظر اللخمي في كتاب العتق
الثاني وانظر رسم العتق من سماع أشهب ورسم شك،
ورسم نذر سنة، الجميع في سماع ابن القاسم من
كتاب العتق قال: في هذه المواضع مسائل تتعلق
بالمعتق بعضه، والله أعلم. ص: (كان اشترى نفسه
فاسدا) ش: قال في كتاب العتق الثاني من
المدونة: وإذا اشترى العبد نفسه من سيده شراء
فاسدا فقد تم بيعه ولا يرد ولا يتبعه السيد
بقيمة ولا غيرها ابن يونس يريد ويكون للسيد ما
باعه به غررا كان أو غيره وكأنه انتزعه منه
وأعتقه، ثم قال في المدونة: بخلاف شراء غيره
إياه إلا أن يبيعه نفسه بخمر أو خنزير فيكون
عليه قيمة رقبته، وقال غيره: هو حر ولا شيء
عليه، قال ابن يونس": وقال أحمد بن ميسر: إن
أعتقه على خمر في يديه فهو حر ويكسر عليه، وإن
كان يتبعه فهو بيع فاسد وعليه قيمة رقبته، ابن
يونس: وقول ابن ميسر وفاقا للمدونة ومسألة
المدونة: إنما هي على أنه اشتراه بخمر مضمون
انتهى. ص:(والشقص: إلى آخره) ش: نزلت مسألة
وهي رجل
(8/456)
أو رقيقي،
أوعبيدي، أو مماليكي، لا عبيد عبيده، كأملكه
أبداً، ووجبت بالنذر ولم يقض إلا ببت معين،
وهو في خصوصه وعمومه منع من وطء، وبيع في صيغة
حنث وعتق،
__________
له مما ليك بمكة مثلاً وله مماليك بغيرها فشكا
إليه إنسان مماليكه الذين بمكة فقال: عبيدي
أحرار، وقال: إنه أراد من بمكة فهل يقبل قوله
انظر رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من
كتاب العتق
ص: (وهو في خصوصه وعمومه إلى قوله إلا الأجل)
ش: يعني أن العتق مثل
(8/457)
عضو وتمليكه
العبد، وجوابه كالطلاق، إلا لأجل وإحداكما،
فله الاختيار، وإن حملت فأنت حرة وطؤها فيكل
طهر مرة
__________
الطلاق فيما ذكر إلا في الأجل، فإنه إذا أعتق
لأجل فإنه يلزمه.
مسألة: من أوصى في جوار له أن يحبسن سبعين
سنة، ثم يعتقن، قال مالك: هو غير جائز وينظر
السلطان فإن رأى بيعهن بعن، وإن رأى عتقهن
عتقن، قال ابن رشد: وجه نظر الإمام في ذلك: أن
من كانت تعلم أنها لا تعيش سبعين سنة مثل بنت
الأربعين فأكثر فإنها تباع؛ لأن العتق لا
يدركها فهو كمن أوصى بعتقها بعد موتها ومن
كانت يمكن أن تعيش ذلك كبنت العشرين فأقل عجل
عتقها إذ لا يجوز أن تباع، ولعل العتق يدركها
ولا أن تحبس سبعين سنة لما في ذلك من الضرر
عليها لقصد السيد إلى ذلك في ظاهر أمره فهذا
معنى قول مالك: "لا أن السلطان يعمل بهواه"
انتهى. من رسم المحرم من سماع ابن القاسم من
كتاب العتق.
(8/458)
__________
فرع: قال في كتاب الوصايا الأول من المدونة:
ومن أوصى بعتق أمته إلى أجل، والثلث يحملها
فعجل الوارث عتقها قبل الأجل جاز ولا رجوع له
عليها، وهو وضع خدمة، والولاء للميت، وإن كانا
وارثين فأعتقها أحدهما فعتقها ههنا وضع خدمة
فيوضع حق هذا من الخدمة ويكون نصيبه منها حرا
ولا يضمن لصاحبه قيمة خدمته منها، وتخدم هي
الآخر نصف
(8/459)
وإن جعل عتقه
لاثنين لم يستقل أحدهما، إن لم يكونا رسولين،
وإن قال: إن دخلتما فدخلت واحدة فلا شيء عليه
فيهما، وعتق بنفس الملك الأبوان، وإن علوا،
والولد وإن سفل، كبنت
__________
خدمتها إلى تمام الأجل، ثم تخرج حرة انتهى.
قال أبو الحسن: هذه مثل مسألة الشريكين في
العبد يكاتبانه، ثم يعتق أحدهما حصته إنما هو
وضع مال وأما العتق فبعقد الكتابة وكذلك هذه
إنما المعتق الموصي لا الورثة انتهى. ص: (وعتق
بنفس الملك الأبوان) ش: تصوره واضح.
فرع: قال في رسم العتق من سماع أشهب من كتاب
العتق قال: وسمعته يسأل أيملك الرجل أمه أو
أخته من الرضاعة ؟ فقال: نعم في رأي، وغير ذلك
في خبر، قيل له: ولا يعتقان عليه؟ قال: نعم،
قال ابن رشد: هذا صحيح بين لا اختلاف فيه
انتهى. وقال الفاكهاني في شرح الرسالة: أما
الأب والأخ من الرضاعة فالمشهور عندنا أنه لا
يعتق انتهى. ويفهم منه أنه يعتق على القول
الشاذ فانظره مع ما حكى ابن رشد من الاتفاق.
فرع: منه أيضا الخنثى المشكل إذا كان عبدا
وولد له من ظهره وبطنه فملك أحد الأخوين أخاه
فهل يعتق عليه ؟ لم أر فيه نقلا فلينظر انتهى.
ص: (وإن سفل) ش: قال ابن
(8/460)
وأخ وأخت
مطلقاً، وإن بهبة أو صدقة أو وصية، إن علم
المعطى ولو لم يقبل وولاؤه له، ولا يكمل في
جزء لم يقبله كبير، أو قبله ولي صغير أو لم
يقبله
__________
فرحون في شرح ابن الحاجب في النكاح في تقديم
الأولياء: سفل بفتح الفاء، وقال الجزولي في
شرح الرسالة في الفرائض: زعم بعضهم أنه لا
يقال: "سفل" بالضم، وقال في القاموس: وقد سفل
ككرم وعلم، ونصر انتهى. فجعله مثلثا، والله
أعلم. ص: (وإن بهبة أو صدقة أو وصية إن علم
المعطي ولو لم يقبل) ش: يعني أن من ملك أحدا
من قرابته المذكورين يعتق عليه، وإن كان ملكه
بهبة بأن وهب له سواء كانت هبة ثواب أو غيرها
أو بصدقة بأن تصدق به عليه أو بوصية بأن أوصى
له به، وحمله الثلث فإنه يعتق عليه قبله أم لا
ولا يشترط أن يعلم المعطي بكسر الطاء أنه ممن
يعتق على المعطى بفتح الطاء، هذا معنى كلامه،
وكلام ابن الحاجب وابن عبد السلام والتوضيح
وابن عرفة، والشامل وليس في المدونة تعرض لهذا
القيد، وإنما ذكره في التوضيح وغيره فيما إذا
وهب له أبوه وعليه دين ولم يعلم الواهب أنه
أبوه فهل يباع؟ تردد في ذلك ابن رشد وجزم ابن
يونس والمازري أنه يباع في الدين؛ لأنه لم
يقصد به العتق، قاله في باب التفليس، قال في
باب الولاء منها: ومن أوصى له بمن يعتق عليه
والثلث يحمله عتق عليه قبله أم لا وله ولاؤه
ويبدأ على الوصايا، ثم إني وقفت على كلام ابن
رشد في البيان فرأيته صرح بهذا القيد في رسم
القطعان من سماع عيسى من العتق، وفي رسم
المكاتب من
(8/461)
لا بإرث أو
شراء، وعليه دين فيباع، وبالحكم إن عمد لشين
برقيقه أو رقيق رقيقه
__________
سماع عيسى من الصدقات وأما مفهوم هذا القيد
فلم أر من صرح به لا ابن رشد ولا غيره، ونص ما
في سماع عيسى قوله: إنه إذا وهب له من يعتق
عليه أو تصدق به عليه أو أوصى له به، فحمله
الثلث أن الولاء له قبله أم لم يقبله، وأنه
إذا وهب له شقص منه أو أوصى له به فلم يحمله
الثلث أنه إن قبل قوم عليه الباقي، وإن لم
يقبل عتق منه ما وهب له أو ما حمله الثلث،
وكان الولاء له على كل حال، هو قوله في
المدونة ووجهه أنه لما وهبه له أو تصدق به
عليه أو أوصى له به وقد علم أنه يعتق عليه إذا
ملكه ولم يكن على يقين من قبوله إياه حمل على
أنه أراد عتقه عنه فكان الولاء له قبله أم لا
انتهى. ونحوه في الموضع الثاني من الصدقات فمن
وقف على غير هذا فليفده، والله الموفق. ص:
(وبالحكم إن عمد لشين برقيقه) ش: هذا هو
المشهور وقيل: يعتق بنفس المثلة، قال الشيخ
يوسف بن عمر: وعلى الأول فله أن ينتزع ماله
قبل الحكم، وعلى الثاني يتبعه ماله انتهى.
وقوله: "برقيقه" دخل فيه القن ومن فيه شائبة
حرية، وهو كذلك قال في المدونة: ومن مثل بعبده
أو بأم ولده أو بعبد لعبده أو لمدبره أو لأم
ولده عتقوا عليه، ثم قال: وإن مثل بمكاتبه عتق
عليه، وينظر في جرحه لمكاتبه أو قطع جارحة منه
فيكون عليه من ذلك ما على الأجنبي، ويقاص
بالأرش في الكتابة فإن ساواها عتق عليه، وإن
نافت عليه الكتابة عتق ولا يتبع ببقيتها، وإن
ناف الأرش عليها أتبع المكاتب لسيده بالفضل،
وعتق عليه انتهى.
فرع: قال ابن أبي زيد في مختصره محمد بن
المواز قال أشهب: إذا مثل بعبده وعليه دين
يحيط بماله أنه يعتق بماله، وإن أحاط الدين
به؛ لأنه عتق جناية حدها العتق، وكذلك في
العبد يمثل بعبده، وكذلك قال في المولى عليه
يمثل بعبده، وقيل: لا يعتق بالمثلة على العبد،
والمديان والسفيه، وهو الذي رجع إليه ابن
القاسم في السفيه، وكان يقول: يعتق ولا يتبعه
ماله، وقال ابن وهب: يعتق ويتبعه ماله انتهى.
فرع: قال في المدونة: قال يحيى بن سعيد:
ويعاقب من مثل بعبده ويعتق عليه انتهى. ص: (أو
برقيق رقيقه) ش: شمل الرقيق المكاتب، وليس
كذلك قال في المدونة: وإن مثل بعبد
(8/462)
أو لولد صغير
غير سفيه، وعبد وذمي بمثله وزوجة ومريض في
زائد الثلث، ومدين كقلع
__________
مكاتبه لم يعتق عليه وكان عليه إلا أن يكون ما
نقصه مثلة مفسدة فإنه يضمنه ويعتق عليه، وكذا
في عبد زوجته مع العقوبة في تعمده انتهى. ص:
(أو لولد صغير) ش: يعني وكذا يعتق عليه رقيق
ولده الصغير إذا مثل به، ومثل الصغير المولى
عليه الكبير قال في العتق الثاني من المدونة
إثر كلامه المتقدم: وكذلك إن مثل بعبد لابنه
الصغير فإنه يعتق عليه إن كان مليا ويغرم
قيمته انتهى. قال اللخمي في كتاب العتق
الثاني: فصل ومثلته بعبد ولده الصغير كمثلته
بعبد نفسه إن كان موسرا بقيمته، وإن كان معسرا
لم يقوم عليه قال: وهو بمنزلة ما لو أعتقه
وليس بالبين؛ لأنه إنما ألزم القيمة إذا
أعتقه؛ لأنه ألزم ذلك رضي أن يأخذه لنفسه
بقيمته، وليس تعديه بالمثلة رضا بعتقه وتمثيله
بعبد ولده الكبير بمنزلة مثلته بعبد غيره من
الأجنبيين إلا أن يكون الولد سفيها في ولاية
أبيه فيعتق على قول ابن القاسم انتهى. ونقله
ابن عرفة ونقله في التوضيح وزاد بعد قوله: من
الأجنبيين ما نصه: "لا يعتق عليه إلا أن تبطل
منافعه" انتهى. وفي الفصل الرابع من القسم
الثالث من تبصرة ابن فرحون: مسألة لو جنى رجل
على عبد رجل جناية مفسدة غرم قيمته، وعتق
عليه، وإن كره سيده على الأصح وقيل إن اختار
أخذه فله ذلك انتهى. وقد تقدم للمصنف في فصل
التعدي حيث قال: وعتق عليه إن قوم ولا منع
لصاحبه في الفاحش على الأرجح انتهى. والله
أعلم
تنبيه: قال في المقرب ومن مثل بعبيد امرأته
عوقب وضمن ما نقص إلا أن تكون مثلة فاسدة
فيضمن قيمتهم، ويعتقون عليه انتهى. وتقدم لفظ
المدونة في ذلك في القولة التي قبلها. ص:
(كقطع ظفر إلى آخره) ش: هذه أمثلة المثلة،
وكذلك إذا خصاه قال في عتقها الثاني، وإن قطع
أنملة من أصبع عبده عمدا أو أحرق شيئا من
عبيده بالنار على وجه العذاب أو خصاه
(8/463)
ظفر وقطع بعض
أذن، أو جسد، أو سن، أو سحلها، أو خرم أنف، أو
حلق شعر أمة رفيعة، أو لحية تاجر أو وسم وجه
بنار لاغيره، وفي غيرها فيه قولان والقول
للسيد في نفى العمد لا في
__________
قال ربيعة: أو قطع حاجبيه قال مالك: أو سحل
أسنان أمته بالمبرد أو قلعها على وجه العذاب
فهي مثلة يعتق عليه بها انتهى. ونقله ابن أبي
زمنين في المقرب والمنتخب، ولفظه قال مالك:
"ومن خصى عبده عتق عليه" انتهى. وقال ابن أبي
زيد في مختصر المدونة: والمثلة التي يعتق بها
العبد على سيده قطع وكذلك إن قطع أنملة العبد
أو خصاه قال ربيعة: أو قطع حاجبيه قال ابن
القاسم: أو قلع أسنانه على وجه العذاب وكذلك
أفتى مالك وغيره في التي سحلت أسنان جاريتها
ولو أحرقه بالنار على وجه العذاب عتق، وإن
كواه تداويا لم يعتق انتهى. وانظر اللخمي
والزناتي وكلام التوضيح في أواخر الجهاد عند
قول ابن الحاجب ولو سرقوا في معاهدتهم نص ما
في التوضيح مالك وغيره، وإن خصاء المستأمن أو
المعاهد عبده لا يعتق عليه وكأنه خصاه ببلده
انتهى. وكلام اللخمي والزناتي هو أنهما جعلا
العتق بالمثلة على أربعة أوجه: يعتق في واحد
ولا يعتق في ثلاثة فالذي يعتق فيه أن يكون
عمدا على وجه العذاب والتي لا يعتق فيها أن
يكون خطأ أو عمدا على وجه المداواة والعلاج أو
شبيهة بالعمد، وليست بصريحة مثل أن يحذفه بسيف
أو سكين فيبين منه عند ذلك عضو قال ابن دينار
في شرح ابن مزين: لا يكون مثلة بضربة أو رمية،
وإن كان عامدا لذلك إلا أن يكون عامدا للمثلة
بضجعة فيمثل به، وفي مثل ما يستقاد للابن من
أبيه وهذا صحيح؛ لأن الغالب شفقة الإنسان على
ماله
(8/464)
عتق بمال
وبالحكم جميعه إن أعتق جزءاً، والباقي لهكأن
بقي لغيره
__________
وقد يريد تهديده ولا يريد خروجه عن ملكه
بالعتق عن المثلة وقد يريد المثلة حقيقة فإذا
احتمل فعله الوجهين حلف أنه لم يقصد ذلك وترك،
وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا ضرب رأسه فنزل
الماء في عينيه لم يعتق عليه؛ لأنه يحتمل أن
يكون قصد ضرب الرأس دون ما أحدث انتهى من
اللخمي ونقله الزناتي وغيره فانظر على هذا إذا
خصى الإنسان عبده فإن كان قاصدا لتعذيبه فإنه
يعتق عليه كما لو غار السيد منه فإن رآه يتعرض
لحريمه أو ما أشبه ذلك فقصد بخصائه تنكيله
بذلك كما ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص
رضي الله عنهما أنه قال: كان لزنباع عبد يسمى
سندر بن سندر فوجده يقبل جارية له فجبه وجدع
أنفه فعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقال: "من مثل بعبده وأحرقه بالنار فهو حر،
وهو مولى الله ورسوله" ذكره اللخمي وغيره، وإن
حصل للعبد في ذلك الموضع مرض فأدى علاجه
ومداواته إلى خصائه لم يعتق عليه وأما إذا
خصاه لا لتعذيبه ولا لقصد المداواة بل ليزيد
ثمنه فمفهوم أول كلام اللخمي أنه لا يعتق
عليه، وإن كان ذلك لا يجوز بالإجماع، كما نقله
الجزولي وغيره، وقال القرطبي في تفسير قوله
تعالى في سورة النساء: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ}
[النساء: من الآية119] ولم يختلفوا أن خصاء
بني آدم لا يحل ولا يجوز، وأنه مثلة، وتغيير
لخلق الله وكذلك قطع سائر أعضائه من غير حد
ولا قود، قاله أبو عمران انتهى. وقال في تفسير
قوله تعالى: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ
اللَّهِ} [النساء: من الآية119] واعلم أن
الوسم والإشعار مستثنى من نهيه صلى الله عليه
وسلم عن شريطة الشيطان، ومن نهيه عن تعذيب
الحيوان بالنار، والوسم الكي بالنار وأصله
العلامة، وثبت في صحيح مسلم عن أنس أنه قال
"رأيت في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الميسم، وهو يسم إبل الصدقة والفيء "وغير ذلك
حتى يعرف كل مال فيؤدى حقه ولا يتجاوز به إلى
غيره انتهى. وفي المسائل الملقوطة: مسألة ولا
يجوز بيع الخصي والمجبوب؛ لأنه بمجرد الفعل
عتق على مالكه وقيل يجوز بيعه إذا كان سيده
كافرا انتهى.
ص: (وبالحكم جميعه إن أعتق جزءا) ش: قال ابن
رشد: سألني سائل أن أوضح له معنى قول القاضي
أبي محمد في التلقين: ولا يجوز تبعيض العتق
ابتداء ومن بعض العتق باختيار له أو بسببه
لزمه تكميله كان البعض له أو لغيره بشرطين:
أحدهما وجود ثمنه، والآخر بقاء ملكه وقيل في
هذا: يلزم في ثلثه وسواء كان أحد الثلاثة
مسلما أو ذميا (فقلت) أما قوله: "ولا يجوز
تبعيض العتق" فهو كلام ليس على حقيقة ظاهره؛
لأن تبعيض العتق هو أن
(8/465)
إن دفع القيمة
يومه، وإن كان المعتق مسلماً، أو العبد وإن
أيسر بها أو ببعضها فمقابلها وفضلت عن متروك
المفلس وإن حصل عتقه باختياره لابإرث، وإن
ابتتدأ العتق لا إن كان حر البعض وقوم على
الاول
__________
يعتق الرجل بعض عبده أو شقصا له في عبد ومن
فعل ذلك لزمه العتق ومضى بلا خلاف ولزمه فيه
حكم، وهو التتميم؛ لأن النبي صلى الله عليه
وسلم إنما قال: "من أعتق شركا له في عبد قوم
عليه قيمة العدل" ولم يقل من أعتق شركا له في
عبد لم يجز ولو قال ذلك لوجب أن يرد عتق من
أعتق بعض عبده أو شقصا له ولا يصح أن يطلق في
العتق أنه غير جائز إلا فيما يجب رده كعتق عبد
غيره فمراده رضي الله عنه بقوله: "ولا يجوز"
أي: لا يجوز إقرار العتق مبعضا إلا أن يمنع من
تتميمه مانع وهذا مفهوم لا إشكال فيه، وإنما
ذكرنا وجه مراده لنبين أنه ليس على حقيقة
مقتضى كلامه، وأن فيه تجاوزا وللمخاطب أن
يجاوز في اللقطة إذا أمن إشكال المعنى انتهى.
فرع: إذا أعتق أحد الورثة نصيبه من عبد من
عبيد الميت فإنه يقوم عليه، ويعتق جميعه يفهم
ذلك من كلامهم في مسألة: من أقر أن أباه أعتق
عبده ذكرها في العتق الثاني في المدونة. ص:
(إن دفع القيمة يومه) ش: أي يوم الحكم، قال
ابن الحاجب: وعلى الأظهر يقوم
(8/466)
وإلا فعلى
حصصهما إن أيسر، وإلا فعلى الموسر، وعجل في
ثلث مريض أمن ولم يقوم على ميت لم يوص وقوم
كاملاً بماله بعد امتناع شريكه من العتق ونقض
له بيع منه
__________
يوم الحكم لا يوم العتق قال في التوضيح: هذا
إذا أعتق نصيبه خاصة وأما إن عم العتق فيوم
العتق كما ذكرناه من كلامه في الجواهر. ص:
(وعجل في ثلث مريض أمن) ش: هكذا قال في كتاب
العتق الثاني من المدونة:
فرع: قال ابن عرفة: قال ابن رشد في ثاني مسألة
من رسم العتق من سماع أشهب: من أعتق شقصا من
عبده أو عبد بينه وبين شريكه في المدونة: لا
خلاف أن ذلك من الثلث ما أعتق منه وما بقي إن
مات من ذلك المرض ولم يصح منه واختلف في تعجيل
التقويم في المرض على قولين أحدهما أنه لا
يعجل، ولا ينظر فيه إلا بعد الموت وهو نص
المدونة، والثاني أنه يعجل التقويم في المرض،
وهو قائم من المدونة وعليه فلا ينفذ العتق حتى
يصح فيكون من رأس المال أو يموت فتكون القيمة
من الثلث ينفذ فيه ما حمل منها ورق الباقي
للورثة أو الشريك وسواء كان له مال مأمون أو
لم يكن وقيل إن هذا إنما يكون إن لم يكن له
مال مأمون وأما إن كان له مال مأمون عتق في
المرض جميعه إن كان له مال، وقوم عليه فيه حظ
شريكه إن كان له شريك، وهو أحد قولي مالك في
المدونة انتهى. ص:
(8/467)
وتأجيل الثاني،
أو تدبيره، ولا ينتقل باختياره أحدهما، وإذا
حكم بمنعه لعسره مضى كقبله ثم أيسر، إن كان
بين العسر وحضر العبد
__________
(وتأجيل الثاني أو تدبيره) ش: يريد إذا كان
الأول موسرا وأما إن كان معسرا لا اعتراض على
الثاني فيما فعل نقله في التوضيح. ص: (وإذا
حكم ببيعه لعسر مضى) ش: قد تقدم أن من أعتق
حصته في عبد وكان موسرا قوم عليه نصيب شريكه،
وأنه لا يجوز لشريكه بيعه ويفسخ بيعه إن فعل
فإن كان معتق الحصة معسرا بقي سهم شريكه رقيقا
يجوز له بيعه، فقال المؤلف رحمه الله هنا:
وإذا حكم ببيعه لعسر، أي إذا حكم بجواز بيع
البعض الباقي من العبد المعتق بعضه لعسر
المعتق مضى الحكم بذلك ولا ينقض ليسره ثانية
قال في أواخر العتق الأول منها: وإذا أعتق أحد
الشريكين، وهو معسر فرفع إلى الإمام فلم يقوم
عليه لعسره، ثم أيسر بعد ذلك فاشترى حصة شريكه
لم يعتق ولو رفع ذلك إلى الإمام فلم يقوم عليه
ولا نظر في أمره حتى أيسر لقوم عليه انتهى.
وفرض المسألة في المدونة فيما إذا أعتق، وهو
معسر وكلام المؤلف وابن الحاجب شامل لذلك وأما
إذا أعتق في حال يسره ولم يرفع أمره إلا بعد
عسره فحكم القاضي بعدم التقويم عليه فالظاهر
أنهما سواء، وقد قال في المدونة قبله بيسير:
وإن أعتق في يسره، ثم قيم عليه في عسره فلا شك
أنه لا يقوم عليه انتهى. ويريد في المدونة
بقوله المتقدم " ولو رفع ذلك إلى الإمام. إلى
آخره " ما لم يكن بين العسر كما سيأتي في
المسألة الآتية فإنه ذكرها في المدونة قبلها.
ص: (كقبله ثم أيسر إن كان بين العسر) ش: يشير
إلى قوله في المدونة: وإن أعتق معسر شقصا له
في عبد فلم يقوم عليه شريكه حتى أيسر، فقال
مالك قديما: إنه يقوم عليه، ثم قال: إن كان
يوم أعتق يعلم الناس والعبد والمتمسك بالرق
أنه إنما ترك القيام؛ لأنه إن خوصم لم يقوم
عليه لعدمه فلا يعتق عليه،
(8/468)
وأحكامه قبله
كالقن ولا يلزم استسعاء العبد ولا قبول مال
الغير، ولا تخليد القيمة في ذمة العسر برضا
الشريك، ومن أعتق حصته لأجل قوم عليه ليعتق
جميعه عنده إلا أن يبت الثاني فنصيب الأول على
حاله، وإن دبر حصته تقاوياه ليرق كله أو يدبر،
وإن ادعى المعتق عيبه فله استحلافه وإن أذن
السيد أو أجاز عتق عبده جزءاً قوم في مال
السيد، وإن احتيج لبيع المعتق بيع وإن أعتق
أول ولد لم يعتق الثاني، ومات وإن أعتق جنيناً
أو دبره فحر وإن لأكثر الحمل إلا لزوج مرسل
عليها فلأقله
__________
وإن أيسر بعد ذلك، وأما لو كان العبد غائبا
فلم يقوم حتى أيسر المعتق لنصيبه لقوم عليه
بخلاف الحاضر، وإن أعتق في يسره فلم يطالب حتى
أعسر، ثم أيسر فقام شريكه حينئذ، قوم عليه
انتهى. ص: (إلا أن يثبت الثاني فنصيب الأول
على حاله) ش: ظاهر كلامه أنه لا يمنع التقويم
إلا إذا بت الثاني، وأنه لو أعتق الثاني نصيبه
إلى ذلك الأجل لم يمنع وليس
(8/469)
وبيعت إن سبق
العتق دين ورق، ولا يستثنى ببيع أو عتق، ولم
يجز اشتراء ولي من يعتق على ولد صغير بماله
ولا عبد لم يؤذن له من يعتق على سيده، وإن دفع
عبد مالاً لمن يشتريه فإن قال اشترني لنفسك
فلا شيء عليه إن استثنى ماله وإلا غرمه وبيع
فيه ولا رجوع له على العبد والولاء كلتعتقني
وإن قال لنفسي فحر وولاؤه لبائعه إن استثنى
ماله وإلا رق، وإن أعتق عبيداً في مرضه أو أو
صى بعتقهم، ولو سماهم ولم يحملهم الثلث أو
أوصى بعتق ثلثهم، أو
__________
كذلك بل الحكم كذلك إذا أعتق الثاني حصته إلى
الأجل الذي أعتق الأول إليه، قاله ابن رشد في
رسم أوصى، وفي رسم جاع من سماع عيسى من كتاب
العتق، ونقله ابن عرفة ونقله المصنف في
التوضيح عن ابن القاسم في العتبية.
ص: (وإن أعتق عبيدا في مرضه إلى
(8/470)
بعدد سماه من
أكثر أقرع، كالقسمة إلا أن يرتبفيتبع، أو يقول
ثلث كل أو أنصافهم، أو
__________
قوله أقرع) ش: انظر هذا مع قوله في التوضيح:
"قال في الوصايا": إن المدبرين في الصحة إذا
تعاقبوا قدم الأول فالأول وإلا فالمشهور أنه
يعتق منهم بالحصص، وقيل يقرع بينهم انتهى. إلا
أن يقال ما في الصحة لا قرعة فيه، وقد صرح هنا
في التوضيح بأن العتق في الصحة لا قرعة فيه
فتأمله، والله أعلم. ص: (أو أثلاثهم) ش: يعني
فيعتق من كل واحد ثلثه، قال أبو الحسن في أول
كتاب الوصايا قال عبد الحق: لو قال: أثلاث
رقيقي لفلان فإن لفلان ثلثهم بالقرعة بخلاف ما
لو قال: أثلاث رقيقي أحرار؛ لأنه في الوصية
يكون شريكا في كل واحد
(8/471)
أثلاثهم وتبع
سيد بدين إن لم يستثن ماله، ورق إن شهد شاهد
برقه أو تقدم دين وحلف واستؤني بالمال، إن شهد
شاهد بالولاء أو اثنان أنهما لم يزالا يسمعان
أنه مولاه أو وارثه وحلف، وإن شهد أحد الورثة
أو أقر أن أباه أعتق عبداً لم يجز، ولم يقوم
عليه وإن شهد على شريكه بعتق نصيبه فنصيب
الشاهد حر إن أيسر شريكه والأكثر على نفيه
كعسره
__________
ومن له شرك في رقيق جمع نصيبه في شيء بعينه
عند ابن القاسم فليس كالعتق الذي لا بد
(8/472)
أن يكون في
جميعهم إذ لا يستبد به بعضهم دون بعض، والوصية
لهم واحدة انتهى. وقال في المدونة: ومن قال
عند موته: أثلاث رقيقي أو أنصافهم أحرار أو
ثلث كل رأس أو نصف كل رأس أعتق من كل واحد
منهم ما ذكر إن حمل ذلك ثلثه ولا يبدأ بعضهم
على بعض انتهى.
فرع: وإذا قال: عبيدي أحرار فلان وفلان وسكت
عن باقيهم فهل يعتق جميعهم أو من سمى انظر
أحكام ابن سهل في الوصايا والمشذالي في
الوصايا الأول.
(8/473)
باب التدبير
التدبير تعليق مكلف رشيد، وإن زوجة في زائد
الثلث العتق بموته لا على وصية، كإن مت من
مرضي أو سفري هذا أو حر بعد موتي مالم يرده،
ولم يعلقه أو أنت حر بعد موتي
__________
باب
ص: (التدبير تعليق مكلف رشيد وإن زوجة في زائد
الثلث العتق بموته لا على وصية) ش: هذا نحو
قول ابن الحاجب: عتق معلق على الموت على غير
وصية، قال ابن عرفة: رده ابن عبد السلام بأنه
تعريف بالإضافيات وذكروا أنه يجتنب في
التعريفات لإجماله ابن عرفة ما ذكره عنهم من
اجتناب الإضافيات لا أعرفه حسبما تقرر في
موضعه وليست الإضافة ملزومة للإجمال ولذا وقعت
في تعريفاتهم كثيرا كقول القاضي: القياس حمل
معلوم بإضافة حمل إلى معلوم، وقولهم: "في
التناقض" هو اختلاف قضيتين ولو اعترضه
بالتركيب، وهو وقف معرفة المعرف على معرفة
حقيقة أجنبية عنه ليست أعم ولا أخص: كان صوابا
انتهى
(8/473)
بيوم بدبرتك،
وأنت مدبر، أو حر عن دبر مني، ونفذ تدبير
نصراني بمسلم وأوجر له
__________
(8/474)
وتناول الحمل
معها كولد لمدبر من أمته بعده، وصارت به أم
ولد إن عتق، وقدم الأب عليه في الضيق، وللسيد
نزع ماله إن لم يمرض، ورهنه وكتابته
__________
يعني بالحقيقة الأخرى الوصية. ص: (وقدم الأب
على غيره في الضيق) ش: هذا الذي مشى عليه
المؤلف هو الذي استظهره ابن عبد السلام من عند
نفسه بعد أن قال: إن المنقول خلافه واختصر
المصنف كلامه في التوضيح، ونصه: "وإذا كان
الابن بمنزلة أبيه فهل يحاص أبوه عند ضيق
الثلث على المشهور في المدبرين في كلمة واحدة
خلافا لابن ناجي الذي يقول: يعتق منهم محمل
الثلث بالقرعة أو يكون الأب مقدما في الثلث؛
لأنه تقدم تدبيره على تدبير ولده كالمدبرين
أحدهما بعد الآخر ابن عبد السلام، والثاني هو
الظاهر، والأول هو المنقول في المدونة وغيرها
انتهى. فكلامه صريح في أن الذي استظهره خلاف
المنقول ونص المدونة: ما ولدت المدبرة أو ولد
للمدبر من أمته بعد التدبير قبل موت السيد أو
بعده بمنزلتهما والمحاصة بين الآباء والأبناء
في الثلث، ويعتق محمل الثلث من جميعهم بغير
قرعة انتهى. قال الشيخ أبو الحسن قوله:
"والمحاصة إلى آخره" الشيخ: لئلا يتوهم أنه
يؤثر الآباء على الأبناء كما في الحبس، وفي
مسألة الحبس خلاف انتهى.
ص: (وفسخ بيعه إن لم يعتق) ش: أي فإن أعتقه
المشتري فإن عتقه ينفذ ولا يفسخ البيع ويكون
الولاء للمشتري
(8/475)
لا إخراجه بغير
حرية وفسخ بيعه، إن لم يعتق والولاء له
لمكاتب، وإن جنى فإن فداه وإلا أسلم خدمته
تقاضياً وحاصه مجني عليه ثانياً ورجع إن وفّى،
وإن عتق بموت سيده أتبع
__________
ويكون جميع الثمن سائغا للبائع ولا يرجع عليه
المبتاع بشيء، وقاله جميعه في المدونة:
فرع: قال أبو الحسن في كتاب التدبير من شرح
المدونة: لو غاب المدبر يعني: المبيع فعمى
خبره قال أصبغ: القياس عندي إذا استعفى أمره
فأيس منه أن ينزل منزلة الموت كما تعتد امرأة
المفقود عدة الميت دون الحي، قال ابن المواز:
هذا غلط، وقد طلب عمر رضي الله عنه رد المدبرة
التي باعت عائشة رضي الله عنها فلم يجدها فأخذ
الثمن فجعله في جارية يدبرها، وقال ابن المواز
عن ابن القاسم: بجعل ثمنه كله في مدبر قال
أصبغ: هذا استحسان انتهى. انظر البيان في أول
رسم من سماع أصبغ من كتاب المدبر. ص: (وقوم
بماله في الثلث) ش: هذا هو المشهور في المذهب.
فرع: فإن دبره السيد في صحته واستثنى ماله بعد
موته يعني بعد موت السيد جاز ذلك فإذا مات
السيد قوم المدبر ببدنه بغير ماله ويصير ماله
من أموال السيد وكذلك إذا دبره في مرضه
واستثنى ماله ومنع من ذلك ابن كنانة، وقال:
ليس مما جاءت به السنة ويتبعه ماله قاله في
أول سماع ابن القاسم من كتاب المدبر. ص: (فإن
لم يحمل إلا بعضه عتق وأقر ماله
(8/476)
بالباقي أو
بعضه بحصته وخير الوارث في إسلام ما رق، أو
فكه وقوم بماله، وإن لم يحمل الثلث إلا بعضه
عتق، وبقي ماله بيده، وإن كان لسيده دين مؤجل
على حاضر مليء بيع بالنقد، وإن قربت غيبته
استؤني قبضه وإلا بيع فإن حضر الغائب أو أيسر
المعدوم بعد بيعه عتق منه حيث كان، وأنت حر
قبل موتي بسنة إن كان السيد مليئاً لم يوقف،
فإن مات نظر فإن صح أتبع بالخدمة، وعتق من رأس
المال، وإلا فمن الثلث ولم يتبع وإن كان غير
مليء وقف خراج سنة ثم يعطى السيد مما وقف ما
خدم نظيره
__________
بيده) ش: أي أقر ماله كله بيده، وقاله في
المدونة ونقله ابن عرفة وغيره، وقوله في
التوضيح: "أقر بيده نصف ماله" سهو، والله
أعلم. ص: (وأنت حر قبل موتي بسنة إلى آخره) ش:
هذه المسألة في رسم يوصي من سماع عيسى من ابن
القاسم من كتاب العتق قال ابن رشد فيها بعد
ذكره قول ابن القاسم: قال الموثقون: وعلى قياس
هذه الرواية أن من أراد أن يستخدم عبدا طول
حياته ويكون حرا من رأس ماله بعد وفاته فيعتقه
الآن قبل السبب الذي يكون منه وفاته بأجل
يسميه وذلك لا يصح إذ ليس للرجل بعد وفاته
أكثر من ثلث ماله والواجب إذا فعل ذلك أن يعجل
عتقه باتفاق؛ لأن العتق قد حصل له بيقين، إما
بقوله، وإما بموته فلا يصح أن
(8/477)
وبطل التدبير
بقتل سيده عمداً، وباستغراق الدين له وللتركة
وبعضه بمجاوزة الثلث، وله حكم الرق وإن مات
سيده حتى يعتق فيما وجد حينئذ، وأنت حر بعد
موتي وموت فلان عتق من الثلث أيضاً، ولارجوع
__________
يمكن من اختدامه بشك إذ لا يدرى لعله حر من
الآن انتهى. ونقله ابن عرفة وقبله.
فرع: قال ابن رشد إثر كلامه المتقدم: وإذا قال
لعبده: أنت حر قبل موتك بكذا وكذا فيعجل عتقه
على مذهب ابن القاسم ولا عتق له على مذهب،
أشهب انتهى.
ص: (وبطل التدبير بقتل سيده عمدا) ش: قال ابن
عرفة: وسمع عيسى ابن القاسم أن قتل المدبر
سيده خطأ عتق في ماله ولم يعتق في ديته وكانت
الدية عليه دينا ليس على العاقلة منها شيء؛
لأنه إنما صنعه، وهو مملوك، وإن قتله عمدا قتل
به فإن استحياه الورثة بطل تدبيره وكان رقا
لهم ابن رشد: قوله: "وتكون الدية عليه دينا"
صحيح على ما في المدونة وغيرها قال أصبغ في
رسم سلف من سماع عيسى من كتاب الديات: وهذا
إذا حمله الثلث فإن لم يحمله عتق منه محمله،
وكان عليه من الدية بقدر ما عتق منه يؤخذ من
ماله إن كان له مال ويتبع به دينا إن لم يكن
له ولا يدخل فيما يؤخذ منه من الدية ولا يعتق
فيها منه شيء، وقوله: صحيح، وقوله:
(8/478)
له وإن قال بعد
موت فلان بشهر فمعتق لأجل من رأس المال
__________
"أنه يبطل إن كان قتله عمدا" هو على قياس ما
اجتمعوا عليه من أن القتل عمدا لا إرث له ممن
قتله، قال ابن عرفة: قلت: وقتل أم الولد سيدها
عمدا، قال الشيخ في الموازية عن ابن القاسم:
تعتق؛ لأنه عتق لازم من رأس المال، وتقتل به
إلا أن يعفو عنها ولا تتبع بعقل في الخطإ
بخلاف المدبر، وقال عبد الملك: تتبع بمثله
وعتقها من رأس المال انتهى.
فرع: نقل الشيخ أبو الحسن الصغير في كتاب
العتق الثاني في مسألة من أعتق عبده إن قدم
أبوه أن من قال لعبده: اعمل على هذه الدابة
فإذا ماتت فأنت حر فإنه إن قتلها عمدا فإنه
يعتق قاله سحنون قال: كأم الولد تقتل سيدها
عمدا فإنه لا يبطل ما جنت ما عقد عليها من
العتق انتهى.
(8/479)
باب المكاتبة
ندب مكاتبة التبرع وحط جزء آخر
__________
ص: (باب) (ندب مكاتبة أهل التبرع) ش: يقال:
كتابة ومكاتبة، وكتاب قال الله تعالى
(8/479)
ولم يجبر العبد
عليها، والماخوذ منها الجبر بكاتبتك ونحوه
بكذا
__________
{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور: من
الآية33] وهي مشتقة من الأجل المضروب لنجومها
فإن الكتابة هي الأجل قال عز من قائل:
{وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: من
الآية4] أي: أجل مقدر، ومنه قيل: كاتب عبده
أي: وأجله على ذلك، وحدها في الشرع قال في
التوضيح: عتق الرجل عبده على مال يؤديه منجما
انتهى. كذا قال ابن عرفة: هي عتق على مال مؤجل
من العبد موقوف على أدائه فيخرج ما على مال
معجل ولذا قال فيها: لا تجوز كتابة أم الولد،
ويجوز عتقها على مال ويخرج عتق العبد على مال
منجم على أجنبي انتهى. وقول المؤلف: "ندب"
يشير به إلى أن حكم الكتابة الندب قال في
التوضيح: وهو مذهب المدونة، قال ابن عرفة: وهو
المعروف ومقابله قول بالإباحة في المذهب، وهذا
الذي رواه ابن القصار وقاله مطرف وحكاه ابن
الجلاب عن مالك قال ابن عرفة: قال اللخمي: قال
مالك في الموطإ: سمعت بعض أهل العلم إذا سئل
عن ذلك يتلو {وَإِذَا حَلَلْتُمْ
فَاصْطَادُوا} [المائدة: من الآية2]. {فَإِذَا
قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي
الْأَرْضِ} [الجمعة: من الآية10] فجعلها على
الإباحة انتهى. وقال أهل الظاهر بوجوبها للأمر
بها في قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور: من
الآية33] قال في التوضيح: واختلف في الخير
المذكور في الآية هل هو المال أو القدرة على
الكسب أو الصلاح أو الدين أو الأمانة إلى غير
ذلك من الأقوال، والمنقول عن مالك في الموازية
أنه القوة على الأداء انتهى. وفصل اللخمي في
حكمها، فقال على ما نقل عنه ابن عرفة: إن كان
العبد لا يعرف بسوء وسعايته من المباح، وقدر
الكتابة ليس بأكثر من خراجه بكثير فهي مندوب
إليها، وإن كان قدر الكتابة أكثر منه بكثير
فمباحة، وإن عرف بالسوء والإذاية فمكروهة إن
كانت سعايته من حرام فهي محرمة انتهى. وقوله:
"أهل تبرع" هو فاعل المصدر، وهذا هو الركن
الأول من أركانها فإن لها أربعة أركان:
المكاتب، والمكاتب والصيغة، والعوض، فالأول
قال المؤلف: هم أهل التبرع فخرج الصبي،
والمجنون، والسفيه المحجور عليه ويرد عليه
العبد المكاتب فإنه ليس من أهل التبرع، وتصح
كتابته على وجه النظر كما سيأتي، والمريض
والمرأة فيما زاد على الثلث إذا لم يحابيا،
والله أعلم. ص: (بكاتبتك ونحوه بكذا) ش: هذا
هو الركن الثاني، وهو الصيغة قال في اللباب:
هو لفظ أو ما يقوم مقامه يدل على العتق على
مال منجم انتهى. وقال ابن الحاجب: الصيغة مثل
كاتبتك على كذا في نجم أو نجمين
(8/480)
وظاهرها اشتراط
التنجيم، وصحح خلافه وجاز بغرركآبق وجنين وعبد
فلان، لا لؤلؤ لم يوصف أو كخمر ورجمع لكتابة
مثله وفسخ ما عليه في مؤخر
__________
فصاعدا، قال في التوضيح: قوله: "مثل كاتبتك"
يعني، وأنت مكاتب أو معتق على نجمين، ثم قال:
وظاهر قول المصنف في نجم أو نجمين أنه لا فرق
بين ما قل من النجوم أو كثر وهكذا ذكر ابن
شعبان قال: ومن أصحابنا من يختار جعلها في
نجمين انتهى. ونحوه في الذخيرة، وابن شاس وابن
جزي ونقل الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة
قولا باشتراط كونها في نجمين انتهى.
تنبيه: قال في المقدمات مذهب الشافعي أن
المكاتب لا يعتق، وإن أدى جميع الكتابة إلا أن
يشترط ذلك لنفسه في عقد الكتابة وعند مالك
وأبي حنيفة وأصحابهما، وجمهور أهل العلم أن
المكاتب يعتق إذا أدى جميع الكتابة، وإن لم
يشترط ذلك ولا يضره أن لا يقول له مولاه إذا
أديت إلي جميع كتابتك فأنت حر؛ لأن ذلك مفهوم
من فعلهما وقصدهما، وإن لم يذكراه انتهى. وقال
ابن جزي: لأن لفظ الكتابة يتضمن الحرية انتهى.
وقال في الذخيرة: قال الشافعي: لفظ كاتبتك ليس
صريحا فلا يعتق بالأداء إلا أن يقول: نويت إن
أدى فهو حر لدوران الكتابة بين المخارجة
والكتابة بالقلم فلا ينصرف لأحدهما إلا بالنية
ووافقنا أبو حنيفة والجواب أنه مشتهر في الفرق
في الكتابة المخصوصة فينصرف إليه من غير نية
انتهى. فالحاصل من هذه النصوص المتقدمة أن
الكتابة تكون باللفظ أو ما يقوم مقامه، وأنه
لا يشترط أن يقول له مولاه: إذا أديت فأنت حر،
وأن التنجيم المشترط عند من يقول به يكفي فيه
أن يكون في نجم واحد، والله أعلم. ص: (وظاهرها
اشتراط التنجيم وصحح خلافه) ش: ظاهر كلام
المؤلف
(8/481)
أو كذهب عن
ورق، وعكسه ومكاتبة ولي ما لمحجوره بالمصلحة،
ومكاتبة أمة صغيرة، وإن بلا مال وكسب، وبيع
كتابة أو جزء لا نجم، فإن وفى فالولاء للأول،
وإلا رق للمشتري وإقرار مريض بقبضها إن ورث
غير كلالة ومكاتبته بلا محاباة وإلا ففي ثلثه،
ومكاتبة جماعة لمالك فتوزع على قوتهم على
الأداء يوم العقد وهم، وإن زمن أحدهم حملاء
مطلقاً فيؤخذ من المليء الجميع ويرجع إن لم
يعتق على الدافع ولم يكن زوجاً ولا يسقط عنهم
شيء بموت
__________
وابن الحاجب وغيرهما أن الكتابة الحالة لا تصح
على ظاهر المدونة، وقال ابن عرفة: قول
(8/482)
واحد وللسيد
عتق قوي منهم، إن رضي الجميع وقووا، فإن رد ثم
عجزوا صح عتقه، والخيار فيها ومكاتبة شريكين
بمال واحد لا أحدهما، أو بمالين وبمتحد بعقدين
فيفسخ بعقدين ورضا أحدهما بتقديم الآخر، ورجع
لعجز بحصته كإن قاطعه بإذنه من عشرين على
عشرة، فإن عجز خير المقاطع بين رد ما فضل به
شريكه وبين إسلام حصته رقاً
__________
الشيخ يعني في الرسالة وغيره لا يدل على منعها
حالة بل على عدم صدق لفظ الكتابة عليها فقط
فتأمله انتهى. وقال في المقدمات: والكتابة
جائزة على ما تراضى عليه العبد والسيد من قليل
وكثير وتجوز على مذهب مالك حالة ومؤجلة فإن
وقعت مسكوتا عليها نجمت؛ لأن
(8/483)
ولارجوع له على
الآذن، وإن قبض الأكثر فإن مات أخذ الآذن ماله
بلا نقص إن تركه وإلا فلا شيء له وعتق أحدهما،
وضع لماله إلا إن قصد العتق كإن فعلت فنصفك حر
فكاتبه، ثم فعل وضع النصف ورق كله إن عجز،
وللمكاتب بلا إذن بيع واشتراء ومشاركة ومقارضة
ومكاتبة واستحلاف عاقد لأمته وإسلامها أو
فداؤها إن جنت،
__________
العرف التنجيم هذا قول متأخري أصحابنا، وقال
ابن أبي زيد في رسالته: والكتابة جائزة على ما
رضيه العبد وسيده من المال منجما فظاهر قوله
أن الكتابة لا تكون إلا منجمة وليس ذلك بصحيح
على مذهب مالك انتهى. والكتابة الحالة تسمى
بالقطاعة، قاله ابن راشد في اللباب، ونصه: قال
الأستاذ أبو بكر وظاهر قول مالك أن التأجيل
شرط في الكتابة قال: وعلماؤنا
(8/484)
بالنظر وسفر لا
يحل فيه نجم، وإقرار في رقبته، وإسقاط شفعته
لا عتق، وإن قريباً وهبة وصدقة وتزويج، وإقرار
بجناية خطإ
__________
النظارة يجيزون الكتابة الحالة ويسمونها
القطاعة انتهى. وتطلق القطاعة أيضا على ما
يفسخ السيد فيه كتابة العبد قال في التنبيهات:
والقطاعة: بفتح القاف وكسرها أيضا هي مقاطعة
السيد عبده المكاتب على مال يتعجله من ذلك
وأخذ العوض منه معجلا أو مؤجلا وكأنه ما انقطع
طلبه عنه بما أعطاه وانقطع له بتمام حريته
بذلك أو قطع بعض ما كان له عنده من جملته وهذا
جائز عند مالك وابن القاسم بكل ما كان وبما لا
يجوز بين رب المال وغريمه عجل العتق لقبض
جميعه أو أخره لتأخير بعضه عجل قبض ما قاطع
عليه أو أخره وسحنون لا يجيزها إلا بما يجوز
بين الأجنبي وغريمه انتهى. وقال في الذخيرة:
الفعالة بالفتح للسجايا الخلقية كالشجاعة،
وبكسرها للصنائع كالتجارة، والخياطة، وبضمها
لما يطرح كالنخالة والزبالة وهذه الاستعمالات
أكثرية غير مطردة، والقطاعة: هي بيع الكتابة
بشيء آخر فهي نوع من التجارة والصناعة فالكسر
فيها أنسب انتهى.
تنبيه: وعلى القول باشتراط التنجيم، وهو
التأجيل فيكفي أن يجعل الكتابة كلها في نجم
واحد كما تقدم، وقوله: وصحح خلافه، قال الشيخ
يوسف بن عمر في شرح الرسالة، وهو المشهور
انتهى. والله أعلم.
ص: (وتزويج) ش: يعني أنه ليس للمكاتب أن يتزوج
قال في كتاب المكاتب منها: وليس للمكاتب أن
يتزوج، وإن رآه من وجه النظر أو يسافر إلا
بإذن سيده اشترط ذلك السيد عليه أم لا إلا ما
قرب من السفر مما لا ضرر فيه لحلول نجم أو
غيره فذلك له انتهى. قاله ابن الحاجب ويتزوج
بإذنه قال في التوضيح: ظاهره أنه لا يفتقر
لإذن غيره، وهو مقيد بما إذا لم يكن معه غيره.
أشهب وإن كان معه في الكتابة غيره فليس لسيده
إجازة نكاحه إلا بإجازة من معه إلا أن يكونوا
صغارا فيفسخ على كل حال ويترك لها إن دخل
ثلاثة دراهم ولا تتبعه إن عتق بما بقي انتهى.
(8/485)
وسفر بعد إلا
بإذن، وله تعجيز نفسه إن اتفقا ولم يظهر له
مال فيرق، ولو ظهر له مال كأن عجز عن شيء أو
غاب عند المحل ولا مال له، وفسخ الحاكم وتلوم
لمن يرجوه
__________
فرع: قال ابن عرفة: إن تزوج بغير إذن سيده
فأجازه جاز، وإن رده فسخ ولها ثلاثة دراهم
انتهى. وهذا في الذكر وأما الأنثى فيتخرج ذلك
على أنه هل له الجبر أم لا.
فرع: قال في المدونة: ولو شرط عليه السيد أنه
إن نكح أو سافر بغير إذنه فمحو كتابته بيده لم
يكن له محوها إن فعل المكاتب شيئا من ذلك
وليرفع ذلك إلى السلطان، قال ربيعة: للسيد فسخ
الكتابة في بعيد السفر بحكم الإمام، وإن نكح
فرق بينهما وانتزع ما أعطى انتهى.
ص: (وسفر بعد إلا بإذن) ش: قال اللخمي: اختلف
في سفر المكاتب بغير إذن سيده فمنعه مالك،
وقال: قد تحل نجومه وهو غائب وأجازه ابن
القاسم إذا كان قريبا، قال: ولم يكن فيه كبير
مؤنة فيما يغيب على سيده إذا حلت نجومه،
واختار هو المنع منه إن كان صانعا أو تاجرا
قبل الكتابة؛ لأن القصد سعايته في الحاضرة إلا
أن تبور صناعته الجارية فله السفر بحميل
بالأقل مما بقي عليه من الكتابة أو من قيمته،
وإن كان شأنه السفر ومنه سعايته لم يكن له
منعه ولا عليه أن يأتي بحميل، وإن كان النجم
يحل قبل رجوعه منع منه، وإن كان يعود قبل ذلك
وكانت هناك تهمة أنه يبعد أو يتأخر منع إلا أن
يأتي بحميل انتهى. ونقله ابن عرفة، وقال بعده
قلت الحمالة خلاف المذهب انتهى.
ص: (فإن عجز عن شيء أو غاب عند المحل ولا مال
له فسخ الحاكم) ش: أي فسخ الحاكم الكتابة وعاد
العبد لما كان عليه قبل الكتابة من رق أو
تدبير أو غير ذلك فهو أحسن من قول ابن الحاجب:
"رق"، والله أعلم. ص:
(8/486)
كانقطاعه، ولو
شرط خلافه وقبض إن غاب سيده، وإن قبل محلها
وفسخت إن مات وإن عن مال، إلا لولد أو غيره
دخل معه بشرط أو غيره فتؤدى حالة ورثه من معه
في الكتابة فقط، ممن يعتق عليه، وإن لم يترك
وفاء وقوي ولده على السعي سعوا
__________
(وفسخت إن مات، وإن عن ولد) ش: قال في
المدونة: وإذا أدى المكاتب كتابته في مرضه
جازت وصيته في ثلث ما بقي من ماله فإن مات
دفعها أو أمر بدفعها فلم تصل إلى السيد حتى
مات وأوصى بوصايا فلا وصية له انتهى. قال ابن
يونس: قيل لأبي عمران: فلو بعث كتابته في مرضه
إلى سيده فلم يقبلها السيد حين وصولها إليه هل
يكون حرا ويرثه ورثته؟ فقال: لا حتى يقضي عليه
بذلك إلا أن تكون بموضع لا حاكم فيه فليشهد
عليه، فيكون
(8/487)
وترك متروكه
للولد إن أمن كأم ولده، وإن وجد العوض معيباً
أو استحق موصوفاً كمعين وإن بشبهة إن لم يكن
له مال ومضت كتابة كافر لمسلم وبيعت، كأن أسلم
وبيع معه من في
__________
ذلك كالحكم انتهى. ص: (وإن وجد العوض معيبا أو
استحق موصوف كمعين، وإن بشبهة له إن لم يكن له
مال) ش: هكذا في كثير من النسخ وهي مشكلة؛
لأنه لا وجه لها إلا أن تكون معطوفة على "إن"
في قوله: "وفسخت إن مات" وذلك يقتضي أن
الكتابة تنفسخ إذا وجد العوض معيبا أو استحق،
ونصوص المذهب صريحة بخلاف ذلك كما بينه ابن
مرزوق فيما نقله عنه ابن غازي وأما قول ابن
غازي: أنه يتمشى على أن المعنى: وفسخت العتاقة
ولا يكون حينئذ مخالفا للمذهب لولا ما عارضه
من كلام ابن رشد في استحقاق العبد الموصوف
فليس بظاهر؛ لأنه يقتضي أنه إذا وجد العوض
معيبا تفسخ العتاقة، وهو مخالف لنص المدونة
وغيرها كما سيأتي ويوجد في بعض النسخ، وإن وجد
العوض معيبا فمثله أو استحق موصوفا
(8/488)
عقده وكفر
بالصوم، واشتراط وطء المكاتبة واستثناء حملها،
أو ما يولد لها مايولد لمكاتب من أمته بعد
الكتابة أو قليل كخدمة إن وفّى لغو
__________
فقيمته كمعين بشبهة، وإن لم يكن له مال أتبع
به دينا قال ابن مرزوق: وهذا الكلام أقرب إلى
الاستقامة، وموافقة النقل إلا أن قوله في
المستحق: إذا كان موصوفا يرجع فيه بالقيمة ليس
كذلك إنما يرجع فيه بالمثل انتهى. وقبله ابن
غازي وليس بظاهر كما سيأتي من كلام ابن رشد
الذي نقل ابن غازي بعضه ولا شك أن هذه النسخة
أقرب إلى الاستقامة وموافقة النقل فلنشرحها
ونبين موافقتها للنقل فقوله: "وإن وجد العوض
معيبا فمثله" يعني أنه إذا قبض السيد من
المكاتب العوض يعني الكتابة يريد أو بعضها
فوجد ما قبضه أو بعضه معيبا فله رده والرجوع
بمثله قال في التوضيح: وأصله لابن عبد السلام؛
لأن الكتابة إنما تكون بغير معين والأعواض غير
المعينة إذا اطلع فيها على عيب قضي بمثلها
انتهى. يريد ولا يرد العتق ولو كان عديما قال
في أول كتاب المكاتب من المدونة: وإن كاتبه
على عبد موصوف فعتق بأدائه، ثم ألفاه السيد
معيبا فله رده ويتبعه بمثله إن قدر وإلا كان
عليه دينا ولا يرد العتق قال أبو الحسن: معنى
المسألة أنه كاتبه على عبد مضمون ولو كان
معينا لرجع بقيمته كالنكاح على عبد بعينه
والخلع على عبد بعينه انتهى. وقوله: "أو استحق
موصوف فقيمته كمعين" يعني به إذا استحق ما
قبضه السيد من كتابة عبده أو قطاعته إذ لا فرق
بينهما كما قاله في التوضيح وصرح به اللخمي
كما سيأتي وكان موصوفا فإنه يرجع عليه بقيمة
ذلك الشيء الموصوف كما يرجع عليه إذا استحق
وكان معينا بقيمتها أما المعين فلا إشكال أنه
يرجع عليه بقيمته وأما الموصوف فتبع في ذلك ما
قاله ابن رشد في أول سماع أشهب، ونصه: "ولا
اختلاف إذا قاطع سيده على عبد موصوف واستحق من
يده أنه يرجع عليه بقيمته ولا يرده في
الكتابة" انتهى. وقوله: "وإن بشبهة" شرط في
مضي العقد والرجوع بالقيمة في استحقاق الموصوف
المعين ويعني به ما ذكره من أن المكاتب إذا
دفع لسيده شيئا، ثم استحق أنه يرجع عليه
بقيمته إنما هو إذا كان له فيه شبهة ومفهوم
الشرط أنه إذا لم يكن له في العوض المستحق
شبهة فإن
(8/489)
__________
عتقه لا يمضي ويعود العبد مكاتبا قال في
البيان إثر كلامه السابق: وأما إذا قاطع سيده
على شيء بعينه ولا شبهة له في ملكه غر به
مولاه كالحلي يستودعه والثياب يستودعها وما
أشبه ذلك فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز ويرجع
في الكتابة على ما كان عليه حتى يؤدي قيمة ما
قاطع به انتهى. وقوله: "وإن لم يكن له مال
اتبع به دينا" فيعني به أنه إذا لم يكن
للمكاتب الذي دفع إلا المعيب والمستحق الذي له
فيه شبهة مال فإنه يتبع بالمثل والقيمة دينا
في ذمته ولا تعود مكاتبته، قال في المدونة:
قال ابن القاسم وغيره: إن غره سيده بما لم
يتقدم له فيه شبهة ملك رد عتقه، وإن تقدمت له
فيه شبهة ملك مضى عتقه واتبع بقيمة ذلك دينا
انتهى. قوله: "رد عتقه" قال ابن يونس: يريد
ويرجع مكاتبا انتهى. وقال في البيان في السماع
المذكور: يتحصل في المكاتب يقاطع سيده من
كتابته على شيء يعينه له فيه شبهة ثلاثة
أقوال: أحدها: أنه يرجع في الكتابة حتى يؤدي
إلى سيده قيمة ذلك مليئا كان أو معدما، وهو
الذي يأتي على قول ابن القاسم في الذي يؤدي
كتابته من أموال غرمائه: والثاني أنه لا يرجع
في الكتابة إلا أن يكون معدما، وهو قول ابن
نافع في المدونة، والثالث أنه لا يرجع في
الكتابة مليئا كان أو معدما ويتبع بذلك إن كان
معدما في ذمته، وهو حر بالقطاعة، وهو قول أشهب
في المدونة انتهى.
قلت: وهو الذي يفهم من كلام ابن القاسم الذي
نقلناه عن المدونة وأما مسألة الغرماء فسيأتي
أنها بمنزلة ما لا شبهة له فيه، وقال في
المدونة: قال أشهب وابن نافع عن مالك في مكاتب
قاطع سيده فيما بقي له عليه على عبد دفعه إليه
فاعترف مسروقا: فليرجع السيد على المكاتب
بقيمة العبد، قال ابن نافع: هذا إذا كان له
مال فإن لم يكن له مال عاد مكاتبا، وقال أشهب:
لا يرد عتقه إذا تمت حريته، ويتبع بذلك قالا
عن مالك: وإن قاطعه على وديعة أودعت عنده
فاعترف رد عتقه انتهى.
تنبيه: قال في المدونة: وإن أدى كتابته وعليه
دين، فأراد غرماؤه أن يأخذوا من السيد ما قبض
منه فإن علم أن ما دفع من أموالهم فلهم أخذه،
ويرجع رقا، وإن لم يعلم ذلك مضى عتقه، قال ابن
يونس: قوله: "ويرجع رقا" يريد مكاتبا وهذا من
قوله يدل على أنه دفع إلى سيده شيئا تقدمت له
فيه شبهة ملك أنه يرد عتقه ويرجع مكاتبا خلاف
ماله بعد هذا انتهى. يشير إلى كلام المدونة
السابق، قال الشيخ أبو الحسن الصغير: فجعل ابن
يونس ما تقدم لهذا العبد من ملكه لهذا الذي
دفع إلى السيد شبهة، وإن كان أموال غرمائه،
وجعله اللخمي ليس بشبهة لتسلط الغرماء على ذلك
فحمله ابن يونس على الخلاف، وحمله اللخمي على
الوفاق انتهى. ونص ما في تبصرة اللخمي: قال
الشيخ: إذا استحق من يد السيد ما أخذه من
المكاتب أو عن المقاطعة فإن كان المكاتب موسرا
غرم مثل ما أخذ من السيد ومضى عتقه وسواء كان
له فيه شبهة أم لا، وإن كان معسرا افترق
الجواب فإن لم يكن له في ذلك شبهة،
(8/490)
__________
وإنما قضى من أموال الغرماء أو من وديعة ولا
شيء له في الكتابة إن كان يرجى له مال، وإن
كان لا يرجى رد في الرق وسقطت الكتابة، وإن
كان له في ذلك شبهة اتبع بذلك في ذمته ولم
يرده، وقاله ابن القاسم ويحمل ذلك على أن
السيد أعتقه عندما دفع ذلك إليه فلا يرد عتقه،
وإن لم يعتقه، وإنما أخذ منه المال، وتشاهدا
أنه لا ملك له عليه لدفع المال، وأنه قد استحق
الحرية بالخروج عن ملك سيده بذلك كان له أن
يرده إلى الكتابة أو في الرق إذا كان لا يرجى
له مال إلا أن يكون الاستحقاق بعد أن طال أمره
وجازت شهادته وورث الأحرار فيستحسن أن لا يرد
انتهى. وقال الرجراجي: إذا قاطعه سيده على
مال، ثم استحق فتحصيله إن كان المكاتب موسرا
غرم للسيد مثل ما أخذ منه أو قيمته إن كان مما
يرجع إلى القيمة ومضى عتقه وسواء تقدمت فيه
شبهة ملك أم لا ولا خلاف في ذلك، وإن كان
معسرا، ففي ذلك أربعة أقوال: أحدها: أن عتقه
مردود جملة، وهو قول مالك في أول الباب إذا
علم أن ذلك من أموالهم، والثاني: أن عتقه ماض
ولا يرد ويتبعه، وهو قول مالك وأشهب في
الكتاب، والثالث: التفصيل بين ما تقدمت فيه
شبهة ملك فيمضي عتقه ويتبع بقيمة ذلك وما لم
يتقدم له فيه شبهة فيرد السيد عتقه فيه، وهو
قول الرواة في المدونة، وهو ظاهر قول أشهب في
المكاتب يقاطع على وديعة، والقول الرابع
بالتفصيل بين أن يطول الزمان أو يقصر فيمضي
عتقه مع الطول ويرد مع القرب، وعلى القول برد
عتقه هل يرد إلى الرق أو إلى الحرية؟ المذهب
على ثلاثة أقوال كلها مستقرأة من المدونة
أحدها: أنه يرد إلى الرق لا إلى الكتابة، وهو
ظاهر قول ابن القاسم في الكتابة، والثاني: أنه
يرد إلى كتابته، وهو قول الرواة، والثالث:
التفصيل بين أن يرجى له مال فيرد إلى الكتابة
أو لا يرجى له مال فيرد إلى الرق، وهو اختيار
اللخمي انتهى.
تنبيه: قال ابن يونس: اختلف في معنى قوله في
المدونة: فإن علم أن ما دفعه من أموالهم هل
يريد أموالهم بعينها أو دفع وقد استغرق الدين
ما كان بيده والذي أرى أنه إن دفع، وهو مستغرق
الذمة فلهم رده، وإن لم تكن أعيان أموالهم؛
لأنها أموالهم أو ما تولد عنها وكما لهم منع
الحر من العتق والصدقة إذا كان مستغرق الذمة
فكذلك لهم منع هذا من أن يعتق نفسه بهذا، وقد
قال مالك بعد هذا: إذا كان المكاتب مديانا
فليس له أن يقاطع سيده، ويبقى لا شيء له؛ لأن
غرماءه أحق بماله من سيده فإن فعل لم يجز
وكذلك أداؤه جميع كتابته ولا فرق بين أعيان
أموالهم وأثمان ذلك وما اعتاض المكاتب منها أن
ذلك كأعيان أموالهم والغرماء أحق به انتهى.
وقوله: وإن لم يعلم أن ما دفعه إلى السيد من
أموالهم هو ما دفع مما أفاده من عمل يده أو
أرش خراجه أو دفعه مما بيده وليس بمستغرق
الذمة، وفيما بقي بيده وفاء لدينه، وإن أشكل
ذلك قال بعض علمائنا: لا سبيل إلى نقض العتق
فإن اعترف السيد بذلك فالقياس أن ينفذ العتق
ويرد على الغرماء ما قبض لإقراره أنهم أولى به
منه انتهى. فتحصل من هذا أنه إذا استحق من يد
السيد أخذه من المكاتب عن كتابته أو عن قطاعته
(8/491)
وإن عجز عن شيء
أو عن أرش جناية، وإن على سيده رق كالقن، وأدب
إن وطئ بلا مهر
__________
فإنه إن كان موسرا أخذ منه مثل الذي استحق إن
كان من ذوات الأموال، وقيمته إن كان من ذوات
القيم سواء كان موصوفا أو معينا كما صرح به
ابن رشد، وهو الذي يؤخذ من كلام الرجراجي
وغيره خلافا لما قال ابن مرزوق: والموصوف يرجع
فيه للمثل، والله أعلم. ولا يرد العتق سواء
كان له فيما دفعه شبهة أو لم يكن كما صرح به
اللخمي والرجراجي خلاف ما قال ابن رشد في
السماع المتقدم عن ابن القاسم فيما إذا كاتبه
بماله فيه شبهة، ثم استحق أنه يرجع إلى
الكتابة مليئا كان أو معدما، وهو غير ظاهر بل
ظاهر المدونة أنه إذا كانت له فيه شبهة أنه لا
يرد إلى الكتابة وأما إذا لم يكن له فيه شبهة،
فظاهر كلام ابن رشد أو صريحه أنه يرجع إلى
الكتابة بلا خلاف ولو كان موسرا، وهو ظاهر
المدونة خلاف ما يفهم من كلام الرجراجي
واللخمي وأما إن كان معسرا فلا يخلو إما أن
يكون له شبهة فيه أم لا، فإن لم تكن شبهة
فالذي عليه أكثر الرواة أنه يرجع إلى الكتابة،
وقد قال ابن رشد في السماع المذكور: لا خلاف
في ذلك لكن نقل الرجراجي في ذلك خلافا، وهو
بعيد ولا يرجع إلى الرق إلا على القول الذي
ذكره الرجراجي آخرا، وهو بعيد أيضا وأما تفصيل
اللخمي بين من يرجى له مال أو لا، فلا ينبغي
أن يعد خلافا؛ لأن من لا يرجى له مال إذا
رددناه للكتابة وعجز عنها رجع رقيقا، والله
أعلم. وأما إن كانت له فيه شبهة فاختلف في ذلك
فالذي عليه أكثر الرواة أنه يتبع بذلك في ذمته
ولا يعود إلى الكتابة، وقال ابن نافع: يعود
إلى الكتابة، وذكر الرجراجي قولا بأنه يعود
رقيقا، وهو بعيد وما دفعه من أموال الغرماء
فجعله في المدونة مما لا شبهة له فيه، وهو
ظاهر، والله أعلم.
تنبيه: إن قيل لم قلتم إذا استحق ما قاطع به
المكاتب يرجع بقيمته ولم تقولوا يرجع ببقية
الكتابة التي قاطع عليها كمن أخذ من دينه
عرضا، ثم استحق أنه يرجع بدينه، قيل الكتابة
ليست بدين ثابت؛ لأنها تارة تصح، وتارة لا تصح
فأشبهت ما لا عوض له معلوم من نكاح أو خلع
بعوض يستحق فإنه يرجع بقيمته.
ص: (وقليل كخدمة لغو) ش: تصوره واضح.
فرع: لو شرط على مكاتبه أنه إذا شرب خمرا عاد
رقيقا، ففعل فليس له رده قاله في النكت، ونقل
هذا الفرع في التوضيح وسقط من بعض نسخه لفظة
ليس ففسد الكلام وكأنه وقع في نسخة الشارح
كذلك قال في الكبير أنه إذا فعل العبد ذلك رجع
رقيقا وكذا
(8/492)
وعليه نقص
المكرهة، وإن حملت خيرت في البقاء وأمومة
الولد، إلا لضعفاء معها أو أقوياء لم يرضوا،
وحط حصتها إن اختارت الأمومة وإن قتل فالقيمة
للسيد، وهل قناً أو مكاتباً؟ تأويلان، وإن
اشترى من يعتق على سيده صح وعتق إن عجز،
والقول للسيد في الكتابة والأداء لا القدر
والجنس، والأجل وإن أعانه جماعة فإن لم يقصدوا
الصدقة رجعوا بالفضلة، وعلى السيد بما قبضه إن
عجز وإلا فلا،
__________
في الشامل وتبعه البساطي وقد نقلت لفظ النكت
في حاشية الشامل فتأمله، والله أعلم. ص: (رق
كالقن) ش: أي فيخير سيده حينئذ في فدائه بأرش
الجناية أو إسلامه. ص: (رجعوا بالفضلة) ش: قال
الجزولي: فإن دفع إليه اثنان مالا ليؤديه في
الكتابة فدفع له مال أحدهما،
(8/493)
وإن أوصى
بمكاتبته فكتابة المثل، إن حمله الثلث وإن
أوصى له بنجم، فإن حمل الثلث قيمته جازت، وإلا
فعلى الوارث الإجازة أو عتق محمل الثلث، وإن
أوصى لرجل بمكاتبة أو بما عليه أو بعتقه جازت،
إن حمل الثلث قيمة كتابته، أو قيمة الرقبة على
أنه مكاتب، وأنت حر على أن عليك ألفاً أو
وعليك ألف لزم العتق والمال
__________
وخرج حرا فإنه يرد مال الآخر إليه، وإن لم
يعلم مال من بقي فإنهما يتحاصان فيه على قدر
ما دفعا إليه.
فرع: قال الجزولي وكذلك كل من دفع إليه مال
لأمر ما، إما لكونه عالما أو صالحا أو فقيرا
ولم تكن فيه تلك الخصلة فإنه يرده ولا يأكله
فإن فعل فقد أكل حراما انتهى. وانظر حاشية
المشذالي على المدونة في هذا المحل وتقدم
الكلام على شيء من ذلك. ص: (وأنت حر على أن
عليك ألفا أو وعليك لزم العتق والمال) ش: ذكر
أهل المذهب هنا خمس صيغ، وفي
(8/494)
__________
بعضها خلاف مخرج وما ذكره المصنف في هاتين
المسألتين هو قول مالك قال في التنبيهات
الأولى: قوله: "أنت حر وعليك ألف والعبد غير
راض" فيها ثلاثة أقوال: الأول: قول مالك
وأشهب: إلزام السيد العتق المعجل والعبد المال
بكل حال معجلا إن كان موسرا أو دينا إن كان
معسرا انتهى. وهو الذي اقتصر عليه المؤلف، ثم
ذكر القولين، ثم قال الثانية: قوله: "أنت حر
على أن عليك ألفا" فيها أربعة أقوال: قول مالك
بإلزامه العتق والمال كما في الأولى انتهى. ثم
ذكر بقية الأقوال، والله أعلم.
تنبيه: قال ابن الحاجب: وأنت حر على ألف عتق
في المال والحال في ذمته، قال ابن عبد السلام:
قوله: "أنت حر على ألف" من غير أن يقول تؤدي
أو تدفع أو غير ذلك لا يفيد شيئا انتهى. وقال
في التوضيح: قوله: "عتق" يريد إذا قبل العبد،
وهذا الكلام راجع إلى قوله:"أنت حر على أن
عليك كذا" وعلى هذه الصورة حمل ابن راشد كلام
المؤلف يعني ابن الحاجب وقد ذكروا ههنا صيغا
إلى آخره، ثم قال: واختلف في الأولى وهي أنت
حر على أن عليك ألفا على أربعة أقوال: الأول
لمالك بإلزامه العتق وإلزام العبد المال وسواء
قال: أنت حر الساعة مثلا أو لم يقل، وهو الذي
اقتصر عليه المصنف انتهى. فانظر أول كلامه
وآخره كيف قال: أولا يريد إذا قبل العبد، وقال
آخرا: مراد المصنف قول مالك بإلزام السيد
العتق، والعبد المال ففي كلامه تدافع، وقال
ابن عرفة بعد ذكره كلام ابن عبد السلام
المتقدم: قلت: ظاهر كلام ابن عبد السلام أن
هذا اللفظ الذي ذكره ابن الحاجب لغو، وقال
عياض: المسألة الأولى أنت حر وعليك كذا أو على
أن عليك كذا هما سواء يعتق العبد، وإن لم يرض
قلت: فهذه المسألة والتي ذكرها ابن عبد السلام
سواء فتأمله انتهى. وهو الذي حمله ابن رشد
عليه فتحصل من كلام ابن الحاجب وفهم ابن راشد
وابن عرفة أنه لا فرق بين أن يقول أنت حر على
ألف أو على أن عليك ألفا، والله أعلم.
تنبيه: ومثل قوله: "أنت حر وعليك ألف" قوله:
"أنت حر الساعة على أن تدفع إلي ألفا" قال أبو
الحسن الصغير في كتاب العتق الثاني: قال ابن
يونس: المحصول من قول مالك أنه إن قال: أنت حر
الساعة مثلا وعليك مائة دينار أو على أن عليك
مائة دينارا وعلى أن تدفع إلي مائة دينار أنه
حر ويتبع بالمائة أحب أم كره، وإن قال: أنت حر
ولم يقل الساعة مثلا ففي قوله: "أنت حر وعليك
أو على أن عليك" يعتق أيضا ويتبع مثل الأول،
وإن قال: على أن تدفع لا يعتق حتى يدفع؛ لأنه
لم يبتل عتقه إلا بعد دفع المال انتهى. ومثله
على أن تؤدي إذ لا فرق بينهما كما صرح به ابن
رشد في المقدمات وعياض في التنبيهات وغيرهما
وكذلك لو لم يقل الساعة ولكنه أراده فإنه
بمنزلة ما لو تلفظ به قاله في العتق الثاني من
المدونة في الموضع الذي هذا شرحه وسيأتي لفظه،
والله أعلم. ص:
(8/495)
وخير العبد في
الالتزام، والرد في حر على أن تدفع، أو تؤدي،
أو إن أعطيت ونحوه
__________
(وخير العبد في الالتزام والرد في حر على أن
تدفع أو تؤدي أو إن أعطيت ونحوه) ش: هذه هي
المسائل الثلاثة الباقية، وقوله: "ونحوه"
معطوف على المجرور بفي ونحوه على أن تدفع إلي
أو تؤدي إلي أو تعطيني أو تجيئني بكذا قاله في
التنبيهات ونحوه: إن أعطيت أو أديت أو جئتني
أو إذا أو متى، وقاله في العتق الثاني من
المدونة: وإذا خير العبد في الرد والقبول فإن
رد فلا كلام، وإن قبل فلا يعتق إلا بأداء صرح
به في العتق الثاني منها.
تنبيهات: الأول: لا ينجم عليه في هذه الصورة
قاله في المدونة أيضا.
الثاني: قال فيها: ليس للعبد أن يطول بسيده
ولا للسيد أن يعجل بيعه إلا بعد تلوم السلطان
بقدر ما يرى، وسيأتي الخلاف فيه في كلام عياض.
الثالث: قال فيها أيضا: وإن دفع الألف عن
العبد أجنبي أجبر السيد على أخذها وعتق العبد
ولو دفع العبد ذلك من مال كان بيد العبد فقال
السيد: ذلك المال لي فليس له ذلك؛ لأن العبد
ههنا كالمكاتب يتبعه ماله ويمتنع السيد من
كسبه أيضا انتهى.
الرابع: قال في المدونة: ولو قال: أنت حر على
أن تدفع إلي مائة دينار إلى سنة فقبل ذلك
العبد فإن لم يقل حر الساعة أو يرد ذلك لم
يعتق العبد إلا بالأداء عند مالك ويتلوم له
بعد محله فإن عجز رق، وقوله: إن جئتني بكذا أو
إلى أجل كذا فأنت حر من القطاعة، ومن ناحية
الكتابة ويتلوم له كالمكاتب وليس له بيعه قال
أبو الحسن: قال اللخمي: ويحال بين السيد ومال
العبد وخراجه وله أن يسعى فيما لزم من المال
ويضرب له من الأجل بقدر ما يرى أنه يحضره فيه،
وإن لم يأت به تلوم له ولا يمكن العبد أن يطول
على السيد فإن لم يحضره كان رقيقا انتهى.
الخامس: قال عياض في التنبيهات بعد ذكره
الخلاف في المسألة الخامسة وهي قوله: "إن
أعطيتني" ولكن يختلف هل تفويض في "إن وإذا
ومتى" وللعبد ذاك وإن طال الزمان، وهو قول
مالك في المبسوط قال له ذلك ما دام في ملكه،
وإن طال زمانه ويلزم ذلك ورثته من بعده قال
ابن القاسم: ولا سبيل إلى بيعه في هذه الوجوه
ولا هبته حتى يوقف عند الإمام،
(8/496)
__________
ويتلوم له أو يعجزه ومثله في المدونة على قياس
قول مالك، وفي العتبية: إن طال الزمان لم يلزم
السيد ما جاء به ونحوه للمخزومي في المدونة
والمبسوط ومذهب تلقينه أنه متى قاما من المجلس
فلا حرية للعبد، وإن جاءه بالمال انتهى.
وقوله: "في هذه الوجوه" يعني به المسائل
الثلاث وهي على أن تدفع أو على أن تؤدي أو إن
أعطيت وهذا كلام عياض الموعود به واشتمل أوله
على مسألة وآخره على مسألة أخرى.
السادس: :إن قيل ما الفرق بين قوله: "أنت حر
على أن عليك ألفا" وبين قوله: "على أن تدفع"؟
قيل: الفرق أنه إذا قال: أن عليك ألفا فقد
ألزمه ذلك ولم يجعله إليه وللسيد أن يلزم عبده
ويجبره على العتق على المال وعلى التزويج،
قاله أبو الحسن وليس في هذه مصادرة؛ لأن
الكلام مع من يسلم أن للسيد أن يجبر عبده
ويلزمه ولكنه يسأل لم جعل هذا اللفظ يدل على
الإلزام، وهذا لا يدل عليه، وإذا قال: على أن
يدفع فقد جعل الدفع إليه فكأنه جعل للعبد في
ذلك اختيارا ونظرا لصرفه العمل إليه، وفي
قوله: "على أن عليك" كأنه ألزمه ولم يجعل له
في ذلك رأيا ولا اختيارا بل ظاهره الجبر على
الدفع فتأمله، وهذا مأخوذ من المقدمات ومن
الرجراجي وتقدم في كلام أبي الحسن شيء من هذا
في الكلام على القولة الأولى، والله أعلم.
السابع: إذا كانت المقول لها أمة، فكل ما ولدت
بعد ذلك فإنه يعتق إذا أدت الألف وخرجت حرة،
قال مالك: كل شرط كان في أمة فما ولدت بعد
الشرط من ولد أو كانت حاملا به يوم شرط لها
ذلك فولدها في ذلك الشرط بمنزلتها انتهى. من
عتقها الثاني.
الثامن: قال فيه: وإذا قال لعبده: إن أديت إلي
اليوم مائة دينار فأنت حر فمضى اليوم ولم يؤد
شيئا فلا بد له من التلوم انتهى. والله أعلم.
(8/497)
باب الاستبراء
إن أقر السيد بوطء، ولا يمين إن أنكر، كأن
استبرأ بحيضة
__________
باب
ص: (إن أقر السيد بوطء ولا يمين إن أنكر كأن
ادعى استبراء بحيضة) ش: هذا
(8/497)
ونفاه وولدت
لستة أشهر، وإلا لحق به ولو أتت لأكثره إن ثبت
إلقاء علقة ففوق، ولو بامرأتين كادعائها سقطاً
رأين أثره
__________
الباب يسمى باب أمهات الأولاد، والأم في
اللغة: أصل الشيء والجمع أمات، وأصل الأم أمهة
ولذلك يجمع على أمهات، وقيل: الأمهات للناس،
وأمات للنعم، وأم الولد في اللغة: عبارة عن كل
من ولد لها ولد، وهو خاص في استعمال الفقهاء
بالأمة التي ولدت من سيدها، وجرت عادة الفقهاء
بترجمة هذا الباب بالجمع ولعل سبب ذلك تنوع
الولد الذي تحصل به الحرية فقد يكون تام
الخلقة، وقد لا يكون كذلك من مضغة وغيرها.
عياض: ولأم الولد حكم الحرائر في ستة أوجه
وهي: أنه لا خلاف أنهن لا يبعن في دين ولا
غيره، ولا يرهن، ولا يوهبن ولا يؤاجرن ولا
يسلمن في جناية ولا يستسعين، وحكم العبيد في
أربعة أوجه: انتزاع ما لهن ما لم يمرض السيد
وإجبارهن على النكاح على القول به واستخدامهن
في الخفيف الذي لا يلزم الحرة، وكونهن لسيدهن
له فيهن الاستمتاع انتهى. من التوضيح.
تنبيه: قال في رسم العشور من سماع عيسى من
كتاب الجامع قال ابن القاسم: بلغني أن القاسم
بن محمد بن أبي بكر الصديق وسالم بن عبد الله
بن عمر بن الخطاب وعلي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب كانوا بني أمهات أولاد قال ابن رشد:
إنما ذكر هذا ليتبين أن هذا ليس مما يعاب به
أحد، وهو بين قال الله تعالى: {إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }
[الحجرات: من الآية13] انتهى. وقوله: "ولا
يمين إن أنكر كأن ادعى استبراء" قال في تهذيب
الطالب: وسألت الشيخ أبا بكر بن عبد الرحمن عن
الأمة تأتي بولد فينكره السيد ويدعي الاستبراء
فلا يلحق به هل تحد؟ فوقف عن الحدود وذكر أن
الشيخ أبا الحسن وقف في ذلك قال الشيخ أبو
بكر: وهي شبهة تدفع الحد، والمرأة قد تهرق
الدم على الحمل، والحد يسقط عنها
(8/498)
عتقت من رأس
المال وولدها من غيره، ولا يرده دين سبق
كاستبراء زوجته، حاملاً لا لولد سبق أو ولد من
وطء شبهة إلا أمة مكاتبه أو ولده
__________
عندي وكذلك قال غيره من شيوخنا القرويين أنها
شبهة تدفع الحد قال: ألا ترى أن عبد الملك
يحلفه على ما ادعى من الاستبراء، قال: وأما لو
أنكر أن يكون وطئها أصلا فههنا تحد إذ لا أحد
علمناه يقول أن عليه اليمين إذا كان يقول: ما
وطئها أصلا انتهى.
مسألة: قال في رسم المكاتب من سماع يحيى من
كتاب العتق في أمة أقرت بعد موت سيدها أنها
أتت بهذا الولد من فاحشة وقامت بينة أن السيد
كان أقر بوطئها فإن الولد يلحق به، وإقرارها
بالزنا لا ينفيه عن والده ولا يوجب إقرارها
ملكها، بل هي حرة من رأس المال، والله أعلم.
ص: (عتقت من رأس ماله) ش: قال الجزولي: انظر
إذا تركها حاملا هل تعتق في الحال أو تنتظر
حتى تضع إذ قد ينفش الحمل قولان: المشهور تعتق
في الحال، وعليه اختلف في نفقتها فقيل: في
التركة، وقيل: على نفسها، وعلى القول الآخر:
نفقتها في التركة انتهى. وانظر المسألة في أول
سماع أشهب من كتاب الاستبراء، وأمهات الأولاد،
وفي رسم سعد من سماع ابن القاسم من طلاق السنة
فإنه صرح فيه بأن المشهور أنها حرة بتبين
الحمل، وأنه لا نفقة لها ولا سكنى وكذلك أم
الولد إذا مات سيدها وهي حامل فلا نفقة لها
ولا سكنى على المشهور فانظره. ص: (كاشتراء
زوجته حاملا) ش: هذا هو المشهور يريد إذا لم
تكن ملكا لمن يعتق عليه ولدها كأبيه، ونحوه
فإن كانت لم تكن بذلك أم ولد بلا خلاف قاله في
التوضيح أما إن أعتق
(8/499)
ولا يدفعه عزل،
أو وطء بدبر، أو فخذين إن أنزل
__________
البائع ولدها ففي ذلك قولان، وانظر المسألة في
ابن يونس، واقتصر في التوضيح على أنها تكون به
أم ولد قال: ومن تزوج أمة والده فمات فورثها،
وهي حامل فإن كان حملا ظاهرا أو لم يكن ظاهرا
ووضعته لأقل من ستة أشهر لم تكن به أم ولد؛
لأنه عتق على حدة، وإن وضعته لستة أشهر فأكثر،
فهي به أم ولد
ص: (ولا يدفعه عزل أو وطء بدبر أو فخذين إن
أنزل) ش: يعني أن الولد لا يندفع عنه بقوله:
كنت أعزل إذا أقر أنه كان ينزل، ولا يندفع عنه
بأنه كان يأتيها في دبرها إذا أقر بالإنزال،
ولا يندفع بالوطء بين الفخذين إذ الأقرب
الإنزال أيضا، فقوله: "إن أنزل" قيد في
المسائل الثلاث قال في سماع عيسى بن معاوية من
ابن القاسم من كتاب الاستبراء: وأمهات
الأولاد، قال ابن القاسم: من زعم أنه وطئ
جاريته، وأنه يعزل فأتت بولد فإنها أم ولده
إلا أن يدعي الاستبراء، قال ابن القاسم: ومن
زعم أنه لا يطأ جاريته ولا ينزل فأتت بولد فلا
يلحقه، ولا تكون أم ولد إلا إن زعم أنه كان
يفضي وينزل ويعزل فالعزل قد يخطئ ويصيب ولذلك
ألزمه الولد، وإذا قال: كنت أطأ ولا أنزل فإنه
ليس ههنا موضع خوف في أن يكون قد أفضى فيها
بالعزل فلذلك لم يلزمه الولد، ابن رشد هذا
بين؛ لأن الولد إنما يكون من الماء الدافق،
قال الله عز وجل {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ
مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ}
[الطارق:5- 6] فإذا لم ينزل أصلا علم أنه لم
يكن ما يكون عنه الولد فوجب أن لا يلزمه، وإذا
وطئ وأنزل، فعزل الماء عن الموطوءة، وأنزل
خارجا منها احتمل أن يكون لم يعزله بجملته
وسبقه شيء كان عنه الولد فوجب أن يلزمه؛ لأنها
صارت فراشا له بوطئه إياها فوجب أن يلحق به
حتى يوقن أنه ليس منه وقوله صلى الله عليه
وسلم في حديث العزل: "ما من نسمة كائنة إلى
يوم القيامة إلا وهي كائنة" 1. إخبار أن الولد
قد يكون مع العزل إذا شاء الله أن يكون. وقال
في آخر كتاب الاستبراء من المدونة: ومن قال:
كنت أطأ أمتي ولا أنزل فيها فإن الولد
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب العتق باب 13. كتاب
المغازي باب 22. كتاب النكاح باب 96. أبو داود
في كتاب النكاح باب 48 الموطأ في كتاب الطلاق
حديث 95. أحمد في مسنده (3/68).
(8/500)
وجاز جارتها
برضاها، وعتق على مال وله قليل خدمة كثيرها في
ولدها من غيره وأرش جناية عليهما، وإن مات
فلوارثه والاستمتاع بها، وانتزاع مالها مالم
يمرض وكره له تزويجها، وإن
__________
يلحقه ولا ينفعه أن يقول: كنت أعزل، فذهب بعض
الناس إلى أن ذلك خلاف رواية موسى هذه في قوله
فيها أنه من قال: كنت أطأ، ولا أنزل أن الولد
لا يلحقه، ومنهم من قال: كنت أعزل وليس شيء من
ذلك كله بصحيح؛ لأن في قوله: "ولا أنزل" فيها
دليل على أنه كان ينزل خارجا عنها وهذا هو
العزل بعينه فعنه سأله، وعليه أجابه فلا خلاف
في رواية موسى لما في المدونة وهي مفسرة لها
انتهى. قال الشيخ أبو الحسن في شرح قوله في
المدونة في أول كتاب أمهات الأولاد: "ومن أقر
بوطء أمته ولم يدع الاستبراء لزمه ما أتت به
من ولد لأقصى ما تلد النساء له إلا أن يدعي
الاستبراء بحيضة"، قال قوله: "ومن أقر بوطء
أمته" يريد الوطء التام وأما إن قال: كنت لا
أنزل كان القول قوله ويحلف، وإن قال: كنت أعزل
لحق به انتهى. وقال في التوضيح بعد أن نقل
الكلام على العزل: قال ابن القاسم: ولو قال
كنت أطأ ولا أنزل لم ألزمه الولد انتهى. وأما
مسألة الوطء في الدبر فلا بد من اشتراط
الإنزال فيها؛ لأنه إذا اشترط في القبل فأحرى
هو، وأما مسألة الوطء بين الفخذين، فنص عليهما
في آخر كتاب الاستبراء من المدونة، ونصه: "إن
قال البائع: كنت أفخذ، ولا أنزل وولدها ليس
مني" لم يلزمه، قال أبو الحسن: قال عياض؛ لأنه
لو قدرنا هنا إنزالا بين الفخذين فهو يسير،
ولا يصل ليسارته للفرج بخلاف لو أنزل هناك
ماءه كله أو كثيرا منه فهذا يخشى أن يسري إلى
الفرج قال ابن المواز: كل وطء في موضع إن أنزل
عنه وصل إلى الفرج لحق به الولد، قال الشيخ
أبو الحسن جعلها عياض على ثلاثة أوجه إن كان
وطؤه، وإنزاله في الأعكان، وغير ذلك من جسدها
مما يتحقق أنه لا يصل إلى الفرج منه فهذا لا
يلحق به عندهم ولد انتهى. الثاني: أن يكون بين
الفخذين
(8/501)
برضا ها
ومصيبتها إن عتقت من بائعها ورد عتقها وفديت،
إن جنت بأقل القيمة يوم الحكم، والأرش وإن قال
في مرضه: ولدت مني ولا ولد لها صدق إن ورثه
ولد
__________
وقد تقدم،
الثالث: أن يكون بين الشفرين فهذا لم يختلف
فيه في لحوق الولد منه وكذلك اختلف في إلحاقه
من الوطء في الدبر انتهى. ثم قال في مسألة
العزل: "وقد نزل هذا على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال الرجل كنت أعزل فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الوكاء
ينفلت " وألحق به الولد قال عياض: الوكاء بكسر
الواو ممدود استعارة وتشبيه بخروج الماء في
الفرج قبل العزل، والوكاء الخيط الذي يشد به
فم القربة انتهى.
ص: (ومصيبتها إن عتقت من بائعها ورد عتقها) ش:
قال في التوضيح: وإذا صح رد العتق فأحرى
الكتابة والتدبير وكذلك لا يفيتها إيلاد
المشتري، وإن كان عالما أنها أم ولد للبائع
غرم قيمة الولد، واختلف إذا غره وكتمه أنها أم
ولد فقال ابن الماجشون: عليه قيمة الولد، وقال
مطرف: لا شيء عليه؛ لأنه أباحه إياها اللخمي،
وهو أحسن انتهى. وفي الشامل فإن ولدها المبتاع
لحقه الولد ولا قيمة فيه بخلاف ما لو بيعت
بغير رضا البائع، وهل يقوم عبدا أو على الترقب
قولان، ولو زوجها المبتاع لعبده ردت مع ولدها
على الأصح انتهى.
فرع: قال في التوضيح: إذا فسخ البيع فظاهر
المذهب لا شيء على البائع بما أنفقه المشتري
ولا من قيمة خدمته، وقال سحنون: يرجع عليه
بالنفقة يريد ورجع هو بالخدمة قاله اللخمي
وإذا نقض البيع تحفظ من البائع لئلا يعود ولا
يمكن من السفر بها، وإن خيف عليها، ولم يمكن
من التحفظ منه أعتقت عليه انتهى.
فرع: وإن غاب المشتري ولم يعلم مكانه تصدق
بالثمن، قاله في التوضيح.
فرع: قال في التوضيح: وهذا إذا باعها لا يشترط
الحرية والعتق فإن باعها على أنها حرة فقال
أصبغ: لا ترد وولاؤها لسيدها، ويسوغ له الثمن
كما لو أخذ مالا على أن يعتقها، ولو باعها على
أن يعتقها المبتاع لا على أنها حرة ساعتئذ
فهذه ترد ما لم تفت بالعتق فيمضي عتقها
والولاء، ويسوغ له الثمن؛ لأن المبتاع علم
أنها أم ولد، وشرط فيها العتق فكأنه فكاكه،
ولو لم يعلم أنها أم ولد لرجع بالثمن انتهى.
ص: (بأقل القيمة يوم الحكم والأرش) ش: أي
(8/502)
وإن أقر مريض
بإيلاد أو بعتق في صحته لم تعتق من ثلث ولا من
رأس مال، وإن وطئ شريك فحملت غرم نصيب الآخر
فإن أعسر خير في اتباعه بالقيمة يوم الوطء، أو
بيعها لذلك، وتبعه بما بقي ونصف قيمة الولد
وإن وطئآها بطهر فالقافة، ولو كان ذمياً
أوعبداً فإن أشركتهما فمسلم، ووالي إذا بلغ
أحدهما،
__________
قيمتها على أنها أمة قاله في المدونة في كتاب
الجنايات، ونصه: قال مالك: أحسن ما سمعت في
جناية أم الولد أن يلزم السيد الأقل من أرش
جنايتها أو من قيمتها أمة يوم الحكم زادت
قيمتها أو نقصت وذلك عوض من إسلامها لما لم
يكن سبيل إلى رقها وكذلك ما استهلكت وأفسدت
بيدها أو دابتها أو بحفر حفرة حيث لا ينبغي
لها أو اغتصبت أو اختلست؛ لأن هذه كلها
جنايات، وعلى السيد فيها الأقل كما ذكرنا
انتهى. وقاله في التوضيح. ص: (وإن وطئها بطهر
فالقافة) ش: هذا إذا وطئ الأمة بملك اليمين
فإن كان بملك اليمين وبالنكاح فلا يخلو إما أن
يكون النكاح سابقا أو ملك اليمين سابقا فإن
كان ملك اليمين سابقا كما إذا وطئ أمته، ثم
زوجها قبل أن يدعي الاستبراء فإن أتت به لأقل
من ستة أشهر من وطء الزوج فإن الولد لا يلحق
به ويلحق بالسيد إلا أن يدعي الاستبراء، أي
وينفي الولد، وإن أتت به لستة أشهر فأكثر
فاختلف في ذلك فقيل: تدعى له القافة، قال
اللخمي: وهو قول مالك وروي عن ابن القاسم،
وقال مالك: هو للزوج، وقال محمد بن مسلمة هو
للأول؛ لأن وطأه صحيح
(8/503)
كأن لم توجد
وورثاه إن مات أولاً، وحرمت على مرتد أم ولده
حتى يسلم ووقفت كمدبره إن فر لدار الحرب
__________
والثاني فاسد، وقال الرجراجي: إن الأول هو
المشهور وأما إن تقدم الوطء بالنكاح على الوطء
بالملك فالولد للزوج ولا ينفيه إلا بلعان، قال
في كتاب أمهات الأولاد: من المدونة قال
اللخمي: وكذلك لو تقدم الوطء بالملك وكان
النكاح بعد الاستبراء فالولد للزوج انظره.
فرع: قال في كتاب أمهات الأولاد من المدونة:
قال مالك في رجل زوج أمته عبده أو أجنبيا، ثم
وطئها السيد فأتت بولد فالولد للزوج إلا أن
يكون الزوج معزولا عنها مدة في مثلها براءة
للرحم فإنه يلحق بالسيد؛ لأنها أمته ولا يحد،
وكذلك الجواب إن أتت بولد لستة أشهر من يوم
زوجها فأكثر فادعاه السيد أو أتت به لأقل من
ستة أشهر وقد دخل بها زوجها فسد نكاحه ولحق
الولد بالسيد إن أقر بالوطء إلا أن يدعي
الاستبراء قال ابن يونس قوله: "معزولا عنها في
مدة في مثلها" براءة للرحم قال أصبغ: وذلك
حيضة أو قدرها قال ابن المواز ولقد نزلت فأفتى
فيها وأنا حاضر إن كان زوجها معزولا عنها قدر
الشهر ونحوه فإنه يلحق بالسيد، ولا يحد ويؤدب
إن لم يعذر بجهل وترد المرأة إلى زوجها إذا
وضعت فإذا مات سيدها عتقت انتهى. ص: (فإن
أشركتهما فمسلم ووالى إذا بلغ أحدهما كأن لم
توجد وورثاه إن مات أولا) ش: قوله: فمسلم أي:
يحكم للولد بحكم الإسلام حتى يبلغ، فيوالي
أيهما شاء، فأي من والاه لحق به ولكنه لا يكون
إلا مسلما أنظر اللخمي والمدونة وأبا الحسن
الصغير وتقدم في باب الاستلحاق عن البرزلي في
مسائل النكاح أنه إذا فرض عدم القافة فإنه إذا
كبر الولد والى أيهما شاء فمن والاه لحق به
ولا يكون إلا مسلما بمنزلة ما إذا أشكل الأمر
فإن مات قبل ذلك ورثاه، وإن ماتا ورثهما معا ا
هـ. وهو معنى قول المصنف: "كأن لم توجد وورثاه
إن مات أولا" والله أعلم. وقال ابن عرفة
الصقلي: إن لم توجد القافة بعد الاجتهاد في
طلبها ترك الولد إلى بلوغه يوالي من شاء كما
لو قالت القافة: اشتركا فيه أو ليس هو لأحد
منهما، وقال بعض علمائنا: وهو أولى من قول من
قال يبقى موقوفا حتى توجد القافة، سحنون إن
قالت القافة
(8/504)
ولا تجوز
كتابتها وعتقت إن أدت
__________
ليس لواحد منهما دعي له آخرون، ثم آخرون كذا
أبدا؛ لأن القافة إنما دعيت لتلحق لا لتنفي
انتهى.
ص: (ولا تجوز كتابتها وعتقت إن أدت) ش: يعني
أنه لا يجوز لسيد أم الولد أن يكاتبها قال في
كتاب أمهات الأولاد من المدونة: وليس للرجل أن
يكاتب أم ولده، وإنما يجوز له أن يعتقها على
مال يتعجله منها فإن كاتبها فسخت الكتابة إلا
أن تفوت بالأداء فيعتق ولا ترجع فيما أدت إذا
كان للسيد انتزاع مالها ما لم يمرض انتهى.
فظاهر المدونة أنه لا تجوز كتابتها مطلقا
برضاها أو بغير رضاها قال أبو الحسن الصغير:
وعليه حملها عبد الحق فقال: إن قيل لم لا تجوز
كتابة أم الولد برضاها وهي طائعة بمال إن أدت
في حياة سيدها عتقت، وإن لم تؤد كانت على
حالها أم ولد تعتق بالموت قال: لأنها معاوضة
بينها وبين سيدها فيها غرر انتهى. وحملها
اللخمي على أن المنع إذا لم يكن برضاها وأما
برضاها فيجوز وعلى ذلك مشى صاحب اللباب وجعله
كأنه المذهب وانظر كلام اللخمي في تبصرته،
وقال في التوضيح: ومنع في المدونة كتابتها لكن
ذلك محمول عند الأشياخ على ما إذا لم ترض أما
لو رضيت فيجوز كالإجارة انتهى.
(8/505)
فصل في الولاء
الولاء لمعتق، وإن ببيع من نفسه، أو عتق غير
عنه بلا إذن، أو لم يعلم سيده بعتقه حتى
__________
ص: (باب) (الولاء لمعتق) ش: الولاء: بفتح
الواو ممدود من الولاية بالفتح بمعنى القرب،
وأصله من الولي، وأما من الولاية والتقديم،
فبكسر الواو وقيل بالوجهين فيهما. ص: (إن لم
يعلم السيد بعتقه حتى عتق) ش: يعني أن العبد
إذا أعتق في حال رقه ولم يعلم بذلك سيده حتى
(8/505)
عتقة إلا
كافراً أعتق مسلماً ورقيقاً إن كان ينتزع ماله
__________
عتق العبد فإن الولاء للعبد يريد إذا لم يستثن
السيد ماله حين العتق؛ لأن عتق العبد حين رقه
موقوف والعبد المعتوق من جملة ماله فإذا لم
يستثن السيد ماله تبعه ولزم العتق الذي فعله
في حال رقه فإن استثنى السيد ماله فالعبد من
جملة المال، وهو رق للسيد وكذلك لو علم السيد
بعتقه قبل أن يعتقه فرده بطل عتقه وصار العبد
رقيقا فإن استثنى السيد ماله فهو له، وإن لم
يستثن ماله كان رقيقا للعبد ولا يلزمه عتقه في
حال الرق إذا أبطله السيد، وإن علم السيد
بالعتق وأجازه مضى وكان الولاء للسيد فإن علم
فلم يرد ولم يمض حتى عتق العبد، فقال ابن
المواز: مضى ذلك وكان الولاء للعبد ابن
المواز؛ لأن العبد عند مالك أفعاله على الجواز
حتى يردها السيد فلا يبطلها إلا رده إفصاحا
وليس سكوته في ذلك إذنا ولا ردا فحين أعتقه
تبعه ماله فجاز عتقه وكان الولاء له انتهى.
وقال في الشامل: ولو علم به فلم يرد حتى أعتقه
فالولاء له، وقيل: للسيد انتهى. ونقل القولين
في التوضيح وعزا الأول لابن المواز والثاني
لابن الماجشون انتهى.
فرع: قال في أول كتاب الولاء من المدونة: فإن
أعتقت عبدك عن عبد رجل فالولاء للرجل ولا يجره
عبده إن أعتق كعبد أعتق عبده بإذن سيده، ثم
أعتقه سيده بعد ذلك أنه لا يجر الولاء، وقال
أشهب: يرجع إليه الولاء؛ لأنه يوم عقد عتقه لا
إذن للسيد فيه ولا يرد. ابن يونس: وهو أحسن
انتهى. ص: (إلا كافرا أعتق مسلما) ش: أي فإنه
لا ولاء عليه ولو أسلم السيد بعد ذلك واحترز
بقوله: أعتق مسلما مما لو أعتق كافرا فإن
الولاء له عليه فإن أسلم العبد المعتق لم يرثه
سيده وكان الولاء لعصبة سيده من المسلمين إن
كان له عصبة وإلا فلبيت المال فإن أسلم سيده
بعد ذلك عاد الولاء له، وقاله في المدونة
وغيرها وهو معنى قول المصنف: "وإن أسلم العبد
عاد الولاء بإسلام السيد" أي وإن أسلم العبد
الكافر الذي أعتقه الكافر في حال كفره فإن
سيده لا يرثه؛ لأن الكافر لا يرث المسلم فإن
أسلم السيد عاد إليه الولاء. ص: (ورقيقا إن
كان ينتزع ماله) ش: يعني أن الرقيق إذا أعتق
لا يكون عتقه سببا للولاء إذا كان الرقيق ممن
ينتزع ماله كالقن والمدبر وأم الولد إذا لم
يمرض السيد، والمعتق إلى أجل إذا لم يقرب
الأجل ويريد إذا كان العتق بإذن السيد أو علم
به وأجازه وأما إذا لم يعلم بذلك حتى عتق
العبد المعتق أو علم ولم يرد ولم يمض حتى عتق
العبد المعتق فإن الولاء له كما تقدم، واحترز
بذلك من المكاتب، والمعتق بعضه، وأم الولد،
والمدبر إذا أعتقوا في مرض السيد، والمعتق إلى
أجل إذا أعتق قرب الأجل فإن هؤلاء إذا أعتقوا
بإذن السيد وعلم السيد بذلك وأجازه، ثم أعتقوا
فإن الولاء لهم فإن لم يعلم بذلك حتى أعتقوا
أو علم ولم يرد ولم يمض،
(8/506)
وعن المسلمين
الولاء لهم كسائبة، وكره وإن أسلم العبد عاد
الولاء بإسلام السيد، وجر ولد
__________
فالولاء لهم من باب أولى، ابن يونس قال ابن
المواز: أصل مالك، وابن القاسم: أن كل من
للرجل انتزاع ماله فولاء من أعتق بإذنه له،
وأما من ليس له انتزاع ماله فولاء من أعتق
بإذن السيد راجع إليه إن عتق انتهى. وحكي في
أم الولد، والمدبرة يعتقان في مرض السيد ثلاثة
أقوال: الأول لأصبغ: الولاء لهما، وإن صح
السيد؛ لأنهما أعتقا في وقت ليس للسيد انتزاع
ما لهما فيه،
والثاني: الولاء للسيد، وإن مات من مرضه ذلك،
واختاره ابن عبد الحكم قال: وكذلك المعتق بعضه
ابن المواز، وقاله أشهب في المعتق بعضه فقيل
له: ألا تراه كالمكاتب؛ لأنه ممن لا ينتزع
ماله، فقال له: للمكاتب سنة، وللعبد سنة قال
ابن المواز: فلم تبق له حجة أكثر من هذا، قال
ابن القاسم: ولاء من أعتقه المعتق بعضه للعبد،
وهو الصواب وما روي عن ابن القاسم غير هذا،
فغلط، وإنما هو عن أشهب انتهى. والقول الثالث:
في المدبر، وأم الولد إذا عتقا في مرض السيد
لابن المواز أنه يوقف فإن مات السيد كان
الولاء لهما، وإن صح فله انتهى.
ص: (وعن المسلمين الولاء لهم) ش: مسألة قال
الفاكهاني في شرح العمدة في كتاب الشروط في
البيوع: لو قال: أنت حر ولا ولاء لي عليك فقال
ابن القصار: الولاء للمسلمين ونزل منزلة قوله
أنت حر عن المسلمين، قال الإمام: وكان بعض
شيوخنا يخالفه في هذا ويرى أن بقوله: "أنت حر"
استقر الولاء له، واستئنافه بعد ذلك جملة
ثانية في قوله: "لا ولاء لي عليك" لا يغير حكم
الجملة الأولى؛ لأنه إخبار عن حكم الجملة
الأولى المستقرة بالشرع على خلاف ما حكم الله
به فيكون إخباره كذبا، وفتواه باطلة والكذب
والباطل لا يلتفت إليه ولا يعول في مثل هذه
الأحكام عليه انتهى.
ص: (وجر ولد المعتق) ش: يعني أن من أعتق عبدا
فإن ذلك العتق يجر ولاء ولد ذلك العبد
المعتوق، وللمعتق بكسر التاء وسواء كانت أمهم
حرة أو معتقة قال في كتاب الولاء من المدونة:
وكل حرة من العرب أو معتقة تزوجها حر
(8/507)
المعتق كأولاد
المعتقة إن لم يكن لهم نسب من حر، إلا لرق
أوعتق لآخر ومعتقهما
__________
عليه ولاء فإنه يجر ولاء ولده منها إلى مواليه
ويرث ولده من كان يرث الأب إن كان الأب قد مات
انتهى. من ترجمة العبد يشتري من مال الزكاة،
وذكر ابن يونس عن الموازية: أنه لا يرثه، وأن
ميراثه لبيت المال إن كانت الأم عربية،
ولمواليها إن كانت معتقة. ثم قال في الموازية:
وإذا تزوجت الحرة عبدا فولدت منه أولادا كان
الأولاد لموالي الأم ما دام الأب عبدا فإن عتق
جر ولاءهم لمعتقه. وهو كولد الملاعنة ينسب إلى
موالي أمه فهم يرثونه ويعقلون عنه، ثم إن
اعترف به أبوه حد، ولحق به وصار ولاؤه إلى
موالي أبيه وعقله عليهم، وكذلك لو كان لولد
العبد من الحرة جد أو جد جد حر قد عتق قبل
الأب لجر ولاءهم إلى معتقه انتهى. قال أبو
الحسن: فإذا أعتق العبد رجع الولاء إلى مواليه
من موالي معتق الجد انتهى. وهذا معنى قول
المصنف فيما سيأتي، وإن عتق الأب أو استلحق
رجع الولاء إلى معتقه من معتق الجد والأم،
وقوله في المدونة: وكان الولاء لموالي الأم
هذا إذا كانت الأم معتوقة فإن كانت حرة كان
ميراثه لبيت المال حتى يعتق الأب فإن مات
مملوكا كان ميراث الولد لبيت المال كما يفهم
من المدونة إذ لا ولاء عليه وانظر شرح الحوفي
للقعباني.
تنبيه: ظاهر كلام المدونة أن أولياء معتق الأب
والجد يجرون الولاء من أولياء الأم ولو كان
أولياؤهما نسوة. وهو كذلك كما نص عليه في
النوادر في ترجمة جر الولاء. ص: (ولم يكن لهم
نسب من حر) ش: بأن يكون أبوهم عبدا أو يكونوا
من زنا أو من أب لاعن أو
(8/508)
وإن أعتق العبد
أو استلحق رجع الولاء إلى معتقه من معتق الجد
والأم، والقول لمعتفق الأب لا لمعتقها، إلا أن
تضع لدون ستة أشهر من عتقها، وإن شهد واحد
بالولاء أو اثنان بأنهما لم يزالا يسمعان أنه
مولاه، أو ابن عمه لم يثبت لكنه يحلف ويأخذ
المال بعد الاستيناء
__________
يكون الأب حربيا بدار الحرب. ص: (وإن أعتق
العبد أو استلحق رجع الولاء إلى معتقه من معتق
الجد والأم) ش: قال ابن الحاجب: ومعتق الأب
أولى من معتق الأم والجد قال في التوضيح:
الأولوية بمعنى التقديم، وفي الموطإ أن الزبير
اشترى عبدا فأعتقه ولذلك العبد بنون من امرأة
حرة فلما أعتقه الزبير قال: هم موالي، وقال:
موالي أمهم هم موالينا فاختصموا إلى عثمان
فقضى للزبير بولايتهم وكان ينبغي للمصنف أن
يبين أن معتق الجد أولى من معتق الأم إلا أن
يقال: إنه اكتفى عن ذلك بقوله أولا وليس لهم
نسب من حر وعلى هذه القاعدة تتفرع هذه المسألة
التي ذكرها المصنف وكذلك فعل ابن الحاجب فإذا
كانت الأم معتقة وكان الأب والجد رقيقين
فالولاء لمعتق الأم؛ لأنه يصدق عليه أنه ليس
له نسب من حر فإن عتق الجد رجع الولاء لمعتقه
فإن عتق الأب رجع الولاء إلى مواليه وكذلك إذا
كان الأب معتوقا ولاعن الأم وهي معتوقة فإن
نسبه قد انقطع باللعان فيكون الولاء لمعتق
الأم فإن استلحق الولد عاد الولاء لمعتق الأب،
والله أعلم. ص: (لم يثبت) ش: أي لم يثبت النسب
ولا الولاء بشهادة الواحد ولا شهادة السماع
أما عدم ثبوت ذلك بشهادة الواحد فهو المذهب
وأما عدم ثبوت ذلك بشهادة السماع فقال في
التوضيح: هو مذهب المدونة وبه أخذ أصبغ ابن
المواز ولا يعجبني، وأكثر قول مالك وابن
القاسم، وأشهب أنه يقضي له بالسماع، والولاء
والنسب، ثم قال في التوضيح: فإن قيل ما ذكره
المصنف معارض لما قاله في الشهادة والمشهور
جريها في النكاح والولاء والنسب؛ لأن قوله:
"جريها" يقتضي أن الولاء يثبت به وتشبيهه هنا
بالشاهدين يدل
(8/509)
وقدم عاصب
النسب، ثم المعتق ثم عصبته
__________
على أنه لا يثبت بها ألا ترى أنه قد نص على
أنه لا يثبت بالشاهد إلا أن يقال: لا يلزم من
الجري الثبوت بل يصدق بأخذ المال أو يكون ما
قدمه يعني هنا ليس هو المشهور؛ لقول ابن
المواز: أكثر قول مالك وابن القاسم وأشهب أنه
يقضي بالسماع، والولاء، والنسب ، أو يقيد
قوله: "جريها في النكاح، والولاء، والنسب" بما
إذا مات في غير بلده كما أشار إليه بعض
القرويين أو يقال: معنى ما في الشهادات إذا
كان السماع فاشيا وليس هنا كذلك انتهى. وقال
ابن رشد في نوازله في مسائل الدعوى: وأما
شهادة السماع الفاشي بالنسب إذا لم يكن مشتهرا
عند الشاهد اشتهارا يوجب له العلم، فلا يثبت
به النسب مع حياة الأب، وإنكاره على حال،
وإنما يختلف في ذلك بعد الموت على ثلاثة
أقوال: أحدها: أن يكون له المال ولم يثبت له
النسب، وهو مذهب ابن القاسم، والثاني: يثبت له
النسب والمال، والثالث: لا يثبتان انتهى. ص:
(وقدم عاصب النسب) ش:
فرع: قال في المدونة: وللمرأة الحرة ولاء من
أعتقت، وعقل ما جره مواليها على قومها،
ومواريثهم لها فإن مات فهو لولدها الذكور فإن
لم يكن لها ولد ذكور فذاك لذكور ولد ولدها
الذكور دون الإناث، وينتمي مولاها إلى قومها
كما كانت هي تنتمي فإذا انقرض ولد ولدها رجع
ميراث مواليها لعصبتها الذين هم أعقل بها يوم
يموت الموالي دون عصبة الولد، وقاله عدة من
الصحابة والتابعين انتهى. وهذا مذهب الشافعي
وأبي حنيفة وأصح الروايتين عن أحمد وقد أطال
المارديني في شرح كشف الغوامض في ذلك، وذكر
أبو داود في سننه في آخر باب الفرائض عن
الصحابة، وقال ابن بكير: لا شيء لولدها من
مواليها، نقله العقباني في شرح الحوفي، ونقله
ابن عرفة في مختصره للحوفي. ص: (ثم عصبته) ش:
فرع: قال في المدونة: ولا يرث الأخ للأم من
الولاء شيئا فإن لم يترك الميت غيره فالعصبة
أولى إلا أن يكون من العصبة فيرث معهم، قال
ابن يونس: مثل أن يترك الهالك ابني عم وموالي،
وأحدهما أخ لأم فيكون الولاء بينهما نصفين
ببنوة العم، وتسقط الولادة للأم، ابن المواز
قال أشهب: بل يكون الأخ للأم أولى بالولاء؛
لأنه أقعد بالرحم كما لو ترك الهالك أخا
شقيقا، وأخا لأب فإن الميراث للأخ الشقيق،
وكما لو ترك ابن عم شقيق، وابن عم لأب لكان
الشقيق أولى بالولاء والميراث ابن يونس وهذا
أقيس انتهى. قال ابن عرفة ودرجات التعصيب
(8/510)
كالصلاة ثم
معتق معتقه، ولا ترثه أنثى إن لم تباشره بعتق
أو جره ولاء بولادة، أوعتق
__________
في القرب فيه كالتعصيب في الإرث إلا أن الأخ،
وابن الأخ يقدمان على الجد زاد الحوفي: وابن
العم على ابن الجد قلت: وهو مندرج في الأولى
بالمعنى اللخمي اختلف إن كانا ابني عم أحدهما
أخ لأم، فقال مالك وابن القاسم في المدونة: لا
فضل للأخ للأم، وقال أشهب عند محمد: الأخ للأم
أحق؛ لأنه أقعد للرحم كما لو ترك المعتق أخوين
أحدهما شقيق والآخر لأب.
قلت: في جريان هذا الخلاف في إرث المال نظر
ويرد قياس أشهب بأن زيادة الشرط في الأم في
المقيس عليه هي فيما به التعصب فيه ببنوة
العمومة انتهى. وقد حكى في التوضيح في باب
الفرائض الخلاف في ميراث النسب أيضا.
فرع: منه قال: والمذهب انتقاله بموت مستحقه
إلى أقرب عصبة المستحق المعتق حينئذ لا إلى
أقرب عصبة المستحق انتهى. وعلى هذا يتفرع قول
المصنف: وإن اشترى ابن وابنة أباهما. ص:
(كالصلاة) ش: يعني كالصلاة على الجنازة فيقدم
الابن، ثم ابنه، ثم الأب، ثم الأخ، ثم ابنه،
ثم الجد، ثم العم، ثم ابنه ولو قال المصنف
كالنكاح لكان أحسن، وإن كان الحكم سواء؛ لأنه
لم يبين هذا الترتيب في الجنائز وبينه في
النكاح والحاصل أن الولاء والصلاة على الميت
وولاية النكاح سواء. ص: (أو جره ولاء بولادة
أو عتق) ش: نحوه لابن الحاجب، فقال في التوضيح
حكى سحنون على هذا الإجماع أنه لا ولاء للمرأة
إلا من باشرت عتقه أو أعتقت من أعتقه أو يكون
ولدا لمن أعتقته، وإن سفل من ولد الذكور خاصة
ولم يبين المصنف يعني ابن الحاجب هنا أنه لا
يجر إلا أولاد الذكور إلا أنه قال: وعلى من
جره ولاؤها وقد بين أولا أن المرأة إنما تجر
ولاء أولادها إذا لم يكن لهم نسب من حر انتهى.
ومثله يقال عليه والتقييد بالذكور وقع في
المدونة: لكنه لا كبير فائدة فيه؛ لأن من
المعلوم أنه لا ينجر إليها بالولادة إلا ما
ينجر للذكر وقد تقدم أن المعتق إذا أعتق أمة
فإنما يكون له الولاء على أولادها الذكور إذ
لم يكن لهم نسب من حر بل التقييد به مشوش؛
لأنه يوهم أن أولاد المعتقة لا ولاء عليهم
لمعتقها مطلقا سواء كان لهم نسب من حر أم لا
وليس كذلك، ونص كلامه في المدونة: ولا يرث
النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من
أعتقن أو ولد من أعتقن من ولد
(8/511)
ولو اشترى ابن
وبنت أباهما، ثم اشترى الأب عبداً فمات العبد
بعد الأب، ورثه الابن، وإن مات الابن أولاً،
فللبنت النصف لعتقها نصف المتعق، والربع لأنها
معتق نصف أبيه وإن مات الابن ثم الأب فللبنت
النصف بالرحم، والربع بالولاء والثمن بجره
__________
الذكور ذكرا كان ولد هذا الذكر أو أنثى انتهى.
إلا أنه قال بعده: وإذا أعتقت المرأة امرأة
فولدت المعتقة من الزنا أو من الزوج، ثم نفاه
ولاعن فيه كان ميراث هذا الولد للمرأة التي
أعتقت أمه انتهى. وبهذا فسر الشيخ أبو الحسن
المدونة، وقال اللخمي: ما أعتقت المرأة يجري
مجرى ما لو كان المعتق رجلا فكل موضع يكون
الولاء فيه للمعتق إذا كان رجلا يكون لها
انتهى. ص: (وورثه الابن) ش: ولا ترث البنت منه
شيئا؛ لأن الابن عاصب المعتق من النسب، والبنت
معتقة المعتق، وعاصب المعتق مقدم على معتق
المعتق، وهذه تسمى "فريضة القضاة" لغلط
أربعمائة قاض فيها بتوريثهم البنت بالولاء. ص:
(فإن مات الابن أولا فللبنت النصف) ش: إن مات
الأب، ثم مات الابن قبل موت العبد المعتق، ثم
مات العبد فللبنت النصف؛ لأنه لما فقد المعتق
وعصبته من النسب انتقل الولاء لمعتق المعتق،
ومعتق المعتق البنت، والابن الميت فلها النصف
والنصف الثاني الذي كان لأخيها لموالي أبيه
وموالي أبيه هو وإخوته فلها نصف نصفه، وهو
الربع فيصير لها ثلاثة أرباع المال والربع
الباقي يكون لموالي أم الأخ إن كانت أمة
معتقة، وإن كانت حرة فلبيت المال، والله أعلم.
وبهذا توجه المسألة الأخرى، والله أعلم.
(8/512)
|