مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب

كتاب الوصايا
باب في الوصية
...
باب في الوصية
صح إيصاء حر مميز مالك وإن سفيهاً
__________
باب
ص: (صح إيصاء حر) ش: الوصايا: جمع وصية ورسمها عند الفقهاء، قال في الشامل: والوصية: تمليك مضاف لما بعد الموت بطريق التبرع انتهى. ونقله في التوضيح وابن عبد السلام عن بعض الحنفية، قال ابن عبد السلام: على أنه لا يخلو عن مناقشات لا تخفى عليك انتهى. وقال في اللباب: الوصايا حقيقتها تصرف المالك في جزء من حقوقه موقوف على موته على وجه يكون له الرجوع فيه انتهى. ثم قال: الوصية حقيقتها إسناد النظر في أمر المحجور أو تنفيذ وصية لثقة مأمون انتهى. ورسمها ابن عرفة برسم شمل الإيصاء لشخص، وإسناد الوصية إليه فقال: الوصية في عرف الفقهاء لا الفراض: عقد يوجب حقا في ثلث عاقده، يلزمه بموته أو نيابته عنه بعده انتهى. ولا يخفى صدق هذا الرسم على التدبير، والله أعلم. وحكم الوصية قال ابن رشد في كتاب الوصايا: حكمها الندب على الجملة، وقال منذر بن سعيد هو فرض، وحكمة مشروعيتها تقوية الزاد إلى المعاد انتهى، وقال في كتاب الوصايا: حكمها الوجوب، وحكمة مشروعيتها الرفق بالمحجور، وحفظ ماله عليه انتهى. وقال في الشامل هي مستحقة إلا لمن عليه تعلق له بال فتجب انتهى.
ص: (وإن سفيها) ش: مولى عليه أو غير

(8/513)


أو صغيراً
__________
مولى قال في التوضيح: وإذا ادان المولى عليه، ثم مات لم يلزمه ذلك إلا أن يوصي به فيجوز في ثلثه، وقال ابن كنانة: إن سمى ذلك يقضى من رأس ماله ولم يجعله في ثلثه لم يجز على ورثته، وإن أوصى به على وجه الوصايا فهو مبدأ على وصاياه ولابن القاسم: إذا باع المولى فلم يرد بيعه حتى فات أنه ينفذ بيعه ابن زرقون فعلى هذا يلزمه الدين بعد موته فتأمله انتهى. وعلى الأول اقتصر في الشامل فقال: أو مولى عليه، وإن فيما ادان بغير إذن وليه انتهى. ص: (وصغيرا) ش: اختلف في السن الذي تجوز وصية الوصي فيه فقال في المدونة: وتجوز وصية ابن عشر سنين، وأقل مما يقاربها، وروى ابن وهب أن أبان بن عثمان أجاز وصية جارية بنت ثمان سنين أو تسع انتهى. وهذا القول هو الذي صدر به في التوضيح والشامل وعليه اقتصر صاحب اللباب، ونصه: وتصح من ابن عشر سنين فما فوقها؛ لأنه مميزا انتهى.
فرع: قال ابن عبد السلام: قال أشهب: إذا أوصى الصبي بوصية وجعل إنفاذها إلى غير الوصي فذلك إلى وصيه.
قلت: هذا مما ينظر فيه فإن نظر الوصي ينقضي بموت الصبي ألا ترى أن جرح الصبي ينظر فيه وليه، وديته إذا قتل ليس للوصي فيها نظر، وإنما هو للورثة إلا أن يقال ملك الصبي للدية بعد موته متعذر وتنفيذ الوصية بعد موته إنما يكون على تقدير ملكه، والوصي هو الناظر في أملاك الصبي وهذا منها انتهى. ونقله في التوضيح فقال: قال أشهب: ومن أوصى بوصية وجعل إنفاذها إلى غير الوصي فذلك إلى وصيه، ثم ذكر كلام ابن عبد السلام المتقدم، وانظر قوله: "من أوصى" هل يريد من الصبيان أو من المولى عليهم مطلقا فتأمله، والله أعلم. وانظر الرجراجي في المسألة السادسة من كتاب الوصايا الأول فإنه تكلم على حكم ما إذا أوصى المحجور عليه لعارض الطفولية أو لعارض السفه بوصية وجعل تنفيذها لغير وصية، وأطال في ذلك، وفي البرزلي، وسئل ابن أبي زيد عمن أسند وصيته إلى رجل، وفي الوصية بنات فماتت واحدة بعد دخول بيتها بشهر وتركت زوجا وعصبة، وأوصت بصدقة للفقراء فهل ينفذها الوصي أو الورثة فأجاب إن لم توص بذلك لأحد، فذلك لوصي أبيها إن كان مأمونا، وإن أوصت بذلك لأحد فهو أولى، قال البرزلي: قلت: هذا جار على بقاء النظر بعد موت المحجور على من له عليه ولاية، ومن يقول لا نظر له في أولاده يرجع الأمر في ذلك إلى من يقدمه القاضي انتهى.
فرع: قال في التوضيح: قال أشهب: من أوصى لبكر بمائة ولا ولي لها فدفع الورثة ذلك

(8/514)


وهل إن لم يتنا قض قوله: أو أوصى بقربة؟ تأويلان، وكافراً إلا بكخمر لمسلم
__________
إليها بغير إذن الإمام فقد برئوا واختار اللخمي إن كان لها وصي أن لا تدفع إلا إليه إلا أن يعلم أن الميت أراد دفع ذلك إليها لتتسع في مطعم، وملبس فيدفع إليها انتهى. ونقله ابن عبد السلام وابن عرفة، وظاهره أن المولى عليه إذا أوصى له بشيء فدفع الوصي ذلك إليه ولم يدفعه إلى وليه فلا ضمان عليه فتأمله، والله أعلم. ص: (وهل إن لم يتناقض أو أوصى بقربة تأويلان) ش: قال في المدونة: وتجوز وصية ابن عشر سنين، وأقل مما يقاربها إذا أصاب وجه الوصية، وذلك إذا لم يخلط انتهى. قال في التوضيح: فسر اللخمي عدم الاختلاط بأن يوصي بما فيه قربة لله تعالى أو صلة رحم فأما إن جعلها فيما لا يحل من شرب خمر أو غيره فلا تمضي انتهى. وعبارة اللخمي في تبصرته: والصبيان يختلف تمييزهم وإدراكهم فمن علم أن عنده تمييزا جازت وصيته إذا أصاب وجه الوصية فيوصي بما هو قربة لله سبحانه وتعالى أو صلة رحم وأما أن يجعلها لمن يستعين بها فيما لا يحل من شرب خمر أو غيره فلا تمضي انتهى. فعلم أن مفهوم قوله: "قربة" أعم من أن تجعل فيما لا يحل أو يوصي بها لمن يستعين بها على ما لا يحل، والله أعلم. وهذا هو التأويل الثاني في كلام المصنف والأول لأبي عمران.
تنبيه: قال المشذالي في حاشيته على المدونة في هذا المحل: سئل ابن عبد السلام عن صبي يزيد على عشر سنين أوصى بثلثه لقوم فبعد وفاته قام عصبته على الموصى لهم، وقالوا: الصبي لم يعقل القربة ولم يميز بين الحسنات والسيئات فوصيته باطلة، وقال: الموصى لهم بل يعقل ويميز فعلى من الإثبات؟ فقال: يسأل شهود الوثيقة فإن قالوا نعلم أنه مميز أو ثبت ذلك بغيرهم صحت الوصية فإن عجز الموصى لهم عن إثبات ذلك لم تنفذ الوصية قلت: فحاصل الجواب الظريف أن الموصى له مدع؛ لأن الأصل عدم التمييز، ثم شبهها بنظائر فراجعه، والله أعلم. ص: (وكافرا إلا بكخمر لمسلم) ش: يعني أن وصية الحر المميز المالك تصح، وإن كان كافرا وظاهره أن وصيته جائزة للمسلم بكل شيء يملكه الكافر إلا بكخمر أو خنزير، وصيته للكافر تصح مطلقا، أي بكل شيء حتى بالخمر والخنزير أما الأول فهو صريح كلامه وكلام ابن الحاجب، وأما الثاني فهو مفهوم كلامه، وقال في التوضيح: إنه مفهوم كلام ابن الحاجب وابن شاس، ونص ابن الحاجب: وتصح من الكافر إلا بمثل خمر لمسلم قال في التوضيح وتصح الوصية من الكافر؛ لأنه حر مالك مميز إلا أن يوصي لمسلم بما لا يصح ملكه من خمر ونحوه، ومفهوم قوله: "لمسلم" وهو كلام ابن شاس أنه لو أوصى بذلك لكافر لصحت

(8/515)


لمن يصح تملكه، كمن سيكون إن استهل ووزع لعدده
__________
وصيته، وهو ظاهر؛ لأنه أوصى بها لمن يصح ملكه لها ولم أر في ذلك نصا وقد يؤخذ ذلك مما لابن القاسم في العتبية في نصراني أوصى بجميع ماله للكنيسة ولا وارث له قال: يدفع إلى أساقفتهم ثلث ماله وثلثاه للمسلمين انتهى. ومسألة العتبية في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا وظاهر كلامهم: أن وصية الكافر تصح للكافر مطلقا ذميا أو حربيا ولم أر من صرح به وسيأتي ما في وصية المسلم للحربي، والله أعلم.
ص: (كمن سيكون إن استهل) ش: قال في الوصايا الأول: ومن أوصى لحمل امرأة فأسقطته بعد موت الموصي فلا شيء له إلا أن يستهل صارخا انتهى. قال في أواخر الوصايا الثاني: ثلثي لولد فلان، وقد علم أنه لا ولد له جاز، وينظر أيولد له أم لا؟ وسيأتي ما فيه من التفصيل بين الذكر والأنثى إن لم يعلم أنه لا ولد له فذلك باطل انتهى. وقال اللخمي في آخر الوصايا الثاني: وإن أوصى لولد فلان ولا ولد وله حمل حملت الوصية على أنها لذلك الحمل فإن ولدته كانت الوصية له، وإن أسقطته أو ولدته ميتا سقطت الوصية، ولا شيء لمن يولد بعد، وإن لم يكن حمل، والموصي يظن أن له ولدا سقطت الوصية، وإن كان عالما حملت الوصية على من يولد بعد، وإن كثروا فإن ولد ولد تجر له بذلك المال، ثم كذلك كلما ولد له ولد تجر له مع الأول، ومن بلغ التجر تجر لنفسه فإن خسر فيه أو ضاع له منه شيء في حين تجره للصغير لم يضمن؛ لأن الصغير لا تعمر ذمته بذلك وقد رضي الموصي بالوصية له على ما توجبه الأحكام في الضمان، وإن بلغ وتجر لنفسه ضمن الخسارة والتلف انتهى. ونقله أبو الحسن ونقل نحوه عن التونسي، ونصه: لو قال لولد فلان ولا ولد له يوم أوصى، وهو يعلم بذلك، ثم ولد له لا نبغ أن يحبس ذلك حتى يكبر فينتفع به ويوقف لغيره حتى ينتفعوا به؛ لأنه لما لم يكن ولد يوم أوصى فكأن الموصي أراد الإيصاء إلى جملة من يولد لفلان فلا يختص: بالانتفاع به بعضهم دون بعض حتى ينقرضوا فيكون لورثتهم كلهم، وقد حكي عن بعض الناس أن أول ولد يولد لفلان يأخذ ذلك بتا، والأول أبين انتهى. من أبي الحسن.
تنبيهان: الأول: ظاهر كلامهم أن الموصى به يوقف إلى أن يؤيس من وجود الموصى لهم ولم أر الآن من صرح بذلك، والله أعلم.

(8/516)


بلفظ أو إشارة مفهمة، وقبول المعين شرط بعد الموت، فالملك له بالموت
__________
الثاني: :إذا أوصى لولد فلان ولا ولد له فادعى فلان أن الوصي يعلم ذلك وادعى الورثة أن الموصي يظن أن له ولدا فهل القول قول الوارث أو قول فلان؟ لم أر فيه نصا أيضا والظاهر أن القول قول الورثة فانظر ذلك وانظر أيضا إذا لم يعلم الورثة، وفلان أن الموصي كان يعلم ذلك أو لا يعلمه هل يحمل على العلم أو عدمه، والله أعلم. ص: (بلفظ أو إشارة مفهمة) ش: قال ابن عرفة: الصيغة ما دل على معنى الوصية فيدخل اللفظ والكتب والإشارة، وقال مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه" ابن شاس: كل لفظ فهم منه قصد الوصية بالوضع أو بالقرينة حصل إلى اكتفائه ابن الحاجب: كل لفظ وإشارة يفهم منها قصد الوصية.
قلت: فيخرج عنها الكتب، الشيخ عن أشهب في الموازية لو قرءوها وقالوا: نشهد بأنها وصيتك فقال: نعم أو قال برأسه: نعم ولم يتكلم فذلك جائز، قال ابن عبد السلام: وتعقب على ابن الحاجب تفسير الصيغة بالإشارة فإن الإشارة من الأفعال والصيغة من العوارض الأقوال، وهو صحيح لو كان المراد بها ما يريده النحويون أما إذا كان مراده بالصيغة ما يدل على مراد الشخص، وجعل ذلك حقيقة عرفية في هذا الفن ولا يسمى على رأي المالكية في كثير من أبواب الفقه فلا مشاحة انتهى. ص: (وقبول المعين شرط بعد الموت فالملك له بالموت) ش: هذه نحو عبارة ابن الحاجب قال في التوضيح في شرحها: أي وقبول الموصى له المعين للوصية شرط في وجوبها له؛ لأنها أحد أنواع العطايا فاشترط فيها القبول كالهبة، وغيرها انتهى. وظاهره أنه إذا مات الموصى له قبل الوصية لم يكن لورثته قبولها، وهو خلاف مذهب المدونة، وقال في الجواهر: إن مات الموصى له بعد الموصي لا ينتقل حق القبول للوارث قاله الشيخ أبو بكر يعني الأبهري، وقال القاضي أبو محمد ينتقل انتهى. وما قاله هو مذهب المدونة قال في

(8/517)


وقوم بغلة حصلت بعده رق لإذن في قبوله، كإيصائه بعتقه
__________
الوصايا الأول: وإذا مات الموصى له بعد موت الموصي فالوصية لورثة الموصى له علم بها أم لا ولهم أن يقبلوها كشفعة له أو خيار في بيع ورثوه انتهى. ونحوه في الوصايا الثاني قال ابن عرفة: قال عياض: هذا بين؛ لأن مذهبه في الكتاب أنها لا تحتاج لقبول الموصى له قبل موته ولا علمه؛ لأن قبولها حق يورث عنه وذكر الأبهري أنها تحتاج لقبول الموصى له، وإنما تكون لورثته إذا قبلها، ومتى لم يقبل سقط حقهم فيها ورجعت لورثة الموصي وقيل إنها حق يثبت للميت يورث عتقه على كل حال وليس لورثته رده، ولا يحتاج إلى قبول قال ابن عرفة: قلت فهي ثلاثة أقوال: انظر بقية كلامه ومناقشة ابن عبد السلام.
فرع: ولو تراخى القبول عن الإيجاب لم يضر قال في الذخيرة: ولا يشترط فيه أي القبول الفور بعده قياسا على الهبة.
فرع: قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وإجازة الورثة في الصحة من غير سبب ما نصه: قال ابن الحاج: انظر على ما في الموطإ لو أوصى رجل لرجل بمال فلم يقبل ذلك الموصى له في صحة الموصي ورده، ثم مات الموصي، ورجع الموصى له إلى قبول المال فذلك له؛ لأنه لم تجب له الوصية إلا بعد موت الموصي انتهى.
فرع: فإن مات الموصى له قبل موت الموصي قال في الوصايا الثاني: بطلت الوصية علم الموصي بموته أم لا، ثم قال مالك: يحاص بها ورثة الموصي أهل الوصايا في ضيق الثلث، ثم يرث تلك الحصة، وأكثر الرواة أنهم يحاصون بها إن لم يعلم بموته ولا يحاصون بها إن علم، وقاله مالك أيضا انتهى.
ص: (ولم يحتج رق لإذن في قبول) ش: قال ابن الحاجب وللمأذون له أن يتصرف في الوصية والهبة ونحوهما ويقبلهما بغير إذن السيد، وكذلك غير المأذون وله نحو ذلك في الوصايا، قال في التوضيح: قوله: "ونحوهما" كالصدقة وله أن يقبل

(8/518)


وخيرت جارية الوطء، ولها الانتقال وصح لعبد وارثه إن اتحد أو بتافه، أريد به العبد ولمسجد، وصرف في مصالحه، ولميت علم بموته ففي دينه أو وارثه ولذمي
__________
ذلك بغير إذن السيد، وأقيم من المدونة أنه ليس للسيد أن يمنعه من قبول الهبة، وقوله: "وكذلك غير المأذون" التشبيه راجع إلى القبول فقط؛ لأن التصرف إنما يكون للمأذون إلا أن يكون الواهب أو الموصي شرط في هبته أو وصيته أن لا حجر عليه فيها فينبغي أن يمضي ذلك على شرطه كما قاله بعضهم في السفيه والصغير، قاله ابن عبد السلام انتهى. بالمعنى.
تنبيهان: الأول: قال في التوضيح: خليل: لو قيل للسيد أن يمنعه من قبول الهبة ونحوها كان حسنا للمنة التي تحصل على السيد انتهى. وهو ظاهر، والله أعلم.
الثاني: :قال في النوادر: قال علي عن مالك في عبد أوصى له بشيء فأبى قبوله فلسيده الذي تصدق أن يكرهه على قبوله انتهى. وقال في سماع سحنون: قال مالك في العبد يتصدق عليه فيأبى أن يقبل أن للسيد أن يأخذ ذلك وأن يأبى الذي تصدق بها إذا قال إنما أردت العبد، وأما إذا لم يقبل فلا، قال ابن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه؛ لأن العبد لو قبض الصدقة كان لسيده أن ينزعها منه فهو أحق بقبول ما تصدق به عليه وبالله التوفيق انتهى.
ص: (وصحت لعبد وارثه إن اتحد أو بتافه أريد به العبد) ش: قال في كتاب الوصايا الأول من المدونة: ولا تجوز وصية رجل لعبد وارثه إلا بالتافه كالثوب، ونحوه مما يريد به ناحية العبد لا نفع سيده كعبد كان قد خدمه، ونحوه، وإن أوصى لعبد ابنه، ولا وارث له غيره جاز ولا ينتزع ذلك الابن منه، وإن أوصى لعبد نفسه بمال كان للعبد إن حمله الثلث وليس لوارثه انتزاعه منه ويباع بما له ولمن اشتراه انتزاعه، وإن أوصى لعبد أجنبي بمال فلسيده انتزاعه انتهى. ص: (ولميت علم بموته إلى آخره) ش: نحوه في النوادر قال: وهذا إذا جهل أمر

(8/519)


وقاتل علم الموصي بالسبب وإلا فتأويلان، وبطلت بردته وإيصاء بمعصية ولوارث
__________
الوصي فأما إن علم أمرها إلا أنها زكاة فرط فيها فلا شيء لورثة الميت فيها، ولا للمدين عليه وليتصدق بها في وجه الزكاة كمن أوصى بزكاته لمن ظنهم فقراء، وهم أغنياء انتهى. وقال في باب قبله: فإن كان ورثة الموصى له فقراء فهم أحق بها انتهى.
ص: (وبطلت بردة) ش: قال في المسائل الملقوطة: وبطلت الوصية بموت الموصى له قبل موت الموصي وبالرجوع فيها بالقول والفعل وبالردة من أحدهما أو بقتل الموصى له الموصي انتهى. وانظر الشيخ أبا الحسن الصغير. ص: (ولوارث) ش: يعني أن الوصية تبطل إذا كانت للوارث يريد إلا أن يجيز ذلك الوارث، وإنما خالف قول ابن الحاجب: وتجوز للوارث وتوقف على إجازة الورثة؛ لأنه مشى على أن إجازة الوارث عطية وقد قال في توضيحه: إنه لا يحسن على هذا القول أن يقال: الوصية تصح للوارث.
تنبيه: إذا قال الموصي: اعطوا لفلان من الورثة سهمه كاملا، وثلث ما عدا ذلك لفلان فهذا من الوصية للوارث قاله في البيان في رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب الوصايا وفرضها فيمن قال: اعطوا لأمي سهمها في كتاب الله، وثلث ما عدا ذلك ما ينتقص الثلث بتوفر سهم أمي صدقة على فلان يريد أن يخرج الثلث من جميع ماله ما عدا ما لأمه، قال: يخرج الثلث للموصى له على حال ما أوصى، ثم تزاد الأم سهما يضاف إلى بقية المال ويقسم على

(8/520)


كغيره بزائد الثلث يوم التنفيذ، وإن أجيز فعطية ولو قال: إن لم يجيزوا فللمساكين بخلاف العكس، وبرجوع فيها وإن بمرض بقول
__________
الورثة على كتاب الله تعالى وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا وصية لوارث" 1.ص: (كغيره بزائد الثلث) ش: تصوره ظاهر
مسألة: قال في معين الحكام في كتاب الوصايا: وإذا قال الموصي يخرج ثلث ما خلفه فيفعل به كذا وكذا لأشياء عدها فإذا أخرج منه ما ذكر وفضلت من الثلث فضلة فقيل ينفذ ذلك في الفقراء والمساكين؛ لقوله: يخرج جميع ثلثي، وقيل إن البقية ترجع ميراثا قال بعض الموثقين وبالأول جرى العمل انتهى. وقال بعده بنحو الورقة. مسألة فإن أغفل الموثق أن يقول في الوصية وما فضل عن الثلث جعله الناظر حيث يراه إذا ذكر أولا أنه أوصى بجميع ثلثه ففي ذلك قولان: أحدهما أنه ينفق في الفقراء والمساكين، قال بعض الموثقين: وبه جرى العمل والقول الثاني: أن البقية ترجع ميراثا. ص: (وإن أجيز فعطية) ش: أي فإن كان الوارث المجيز عليه دين محيط فلغرمائه رد ذلك، وإن قلنا إن فعله ينفذ فليس لغرمائه الرد، واختلف إذا أجاز الوارث ولا دين عليه، فلم يقبض ذلك الموصى له حتى استدان الوارث أو مات فقال في كتاب محمد: غرماء الوارث ورثته أحق بها؛ لأنها هبة لم تحز، وقال أشهب: يبدأ بوصية الأب قبل دين الابن قال ابن عرفة: والأول أحسن وأظنه أنه ناقل له عن ابن القصار.
ص: (وبرجوعه فيها، وإن بمرض) ش: قال في التوضيح قال في الوثائق المجموعة: إذا قال اشهدوا أني قد
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الوصايا باب 6. أبو داود في كتاب الوصايا باب 6. كتاب البيوع باب 88. الترمذي في كتاب الوصايا باب 5. ابن ماجة في كتاب الوصايا باب 6. الدارمي في كتاب الوصايا باب 28. أحمد في مسنده (4/186، 187، 238).

(8/521)


أوبيع وعتق، وكتابة وإيلاد، وحصد زرع، ونسج غزل،
__________
أبطلت كل وصية تقدمت فإنها تبطل إلا وصية قال: لا رجوع لي فيها فإنها لا تبطل حتى ينص عليها انتهى. ونقله في الشامل وذكر المشذالي في حاشيته على المدونة في كتاب الوصايا الأول خلافا عن الشيوخ فيما إذا التزم عدم الرجوع عن الوصية، ونقل عن ابن عرفة أنه قال في مختصر الحوفية فلو التزم عدم الرجوع لزمه على الأصح، وفي بعض النسخ على المشهور، وفي مختصره الفقهي فلو التزم عدم الرجوع ففي لزومه خلاف بين متأخري فقهاء تونس ابن علوان ثالثها إن كانت بعتق. ص: (بقول) ش: يعني أن الدال على الرجوع إما قول أو فعل والفعل يكون بأحد وجهين: أحدهما ما ينقل الملك، ويمنع من نقله كالبيع والعتق والاستيلاد، والثاني أن يفعل فعلا يبطل رسم الموصى به انتهى. ص: (أو بيع) ش: قال في الشامل: إلا أن يشتريه ثانيا على المعروف بخلاف مثله، وهو معنى قول المصنف بعد هذا أو بثوب فباعه أو اشتراه بخلاف مثله. ص: (وكتابة) ش: قال في الشامل: ولا تعود لعجز على المنصوص، وقال في التوضيح: ينبغي إذا عجز المكاتب في حياة السيد أن تعود الوصية فيه كما يعود في البيع الموصى به على أحد القولين وههنا أولى؛ لأن الكتابة لا تنقل الملك انتهى. وقال ابن عرفة: قال ابن شاس: الكتابة رجوع ولم أجدها لغير الغزالي، وأصول المذهب توافقه؛ لأن الكتابة إما بيع أو عتق وكلاهما رجوع وهي في البيع الفاسد فوت هذا إن لم يعجز، وإن عجز فليس بفوت انتهى. من ابن غازي فجزم ابن عرفة بأنها ليست بفوت مع العجز كما بحثه الشيخ خليل فتأمله، والله أعلم. ص: (وحصد زرع) ش: ظاهره أن الحصد وحده كاف في الرجوع، وقال ابن الحاجب: وإن درس الحب وكاله، وأدخله بيته فرجوع بخلاف الحصاد، وجز الصوف، وجذاذ الثمرة قال في التوضيح: يعني أن من أوصى بزرع فحصده وزرعه وكاله وأدخله بيته

(8/522)


وصوغ فضة وحشو قطن، وذبح شاة، وتفصيل شقة، وإيصاء بمرض، أو سفر انتفيا، قال: إن مت فيهما، وإن بكتاب ولم يخرجه، أو أخرجه ثم استرده بعدهما
__________
فذلك رجوع؛ لأنه أبطل اسم الزرع، ونقله إلى اسم القمح بخلاف جز الصوف وجذاذ الثمرة فإنه لم ينقل الملك ولا أبطل اسمه فلا يعد رجوعا ولو أدخلها بيته، ومسألة درس القمح هو نص قول ابن القاسم في المجموعة: وقال الباجي: ينقل بالحصاد والدراس قال: وقوله: "أدخله بيته" تأكيدا لقصده وكذلك قوله: "اكتاله" إنما يريد بلغ حد الاكتيال انتهى، وقال في الشامل: وحصد زرع مع درسه انتهى. وقال ابن عرفة: الشيخ لابن القاسم في المجموعة: إن أوصى بزرع فحصده، أو بصوف فجزه فليس برجوع إلا أن يدرس القمح ويكتاله ويدخله بيته، ثم ذكر بقية كلام الباجي. ص: (وحشو قطن) ش: قال في التوضيح: وينبغي أن يقيد حشو القطن بما إذا حشي في الثياب، وأما إذا حشي في المخدة ونحوها فلا انتهى. قال في الشامل: وحشو قطن في ثوب، ونحوه انتهى. ص: (وتفصيل شقة) ش: احترز بقوله: "شقة" مما إذا أوصى له بثوب، ثم قطعه قميصا إذ القميص يسمى ثوبا، قال في الشامل: وتفصيل شقة لا إن قال: ثوبي هذا، ثم قطعه قميصا أو لبسه في مرضه إذ القميص يسمى ثوبا انتهى. ص: (وإيصاء بمرض أو سفر انتفيا قال: إن مت فيهما، وإن بكتاب ولم يخرجه أو أخرجه، ثم استرده بعدهما) ش: أي وكذلك تبطل الوصية إذا كانت في المرض أو عند سفر أراده، ثم زال المرض والسفر، وهذا معنى قوله: "انتفيا" والحال أنه قال في وصيته: إن مت من مرضي، أو في سفري وسواء أشهد على ذلك، ولم يكتب في كتاب أو كتبه في كتاب ولم يخرجه من يده أو أخرجه، ثم استرده أما إذا أشهد على ذلك ولم يكتبه في كتاب فلا خلاف أن الوصية تبطل إذا زال المرض أو السفر، ولا خلاف أنها تصح إذا حصل الموت فيهما وأما إذا كتبها في كتاب ولم يخرجه من

(8/523)


__________
يده، فقال المصنف: إنها تبطل بزوال المرض والسفر وظاهره سواء كان أشهد في الكتاب أو لم يشهد أما إذا أشهد عليها، فحكى في التوضيح عن الباجي في ذلك روايتين وكذلك ذكر ابن رشد في البيان لكن قال في التوضيح عن الباجي، وأن القول بعدم إنفاذها هو مشهور قول مالك من رواية ابن القاسم وغيره، وهو خلاف ظاهر كلام المصنف وابن الحاجب فإنهما حكما إذا لم يخرج الكتاب بالبطلان، وظاهر كلامهما ولو كان أشهد عليهما وأما إذا لم يشهد، فقال في التوضيح عن العتبية والمجموعة إنه لا يجوز ذلك ولو شهد عدلان أن ذلك خطه حتى يشهدهما عليه، قال: وقد يكتب ولا يغرم وتأولها عياض، وقال: معناه إذا كتبها ليشهد فيها وأما إذا كتبها بخطه، وقال: إذا مت فلينفذ ما كتبته بخطي فلينفذ ذلك إذا عرف أنه خطه كما لو أشهد انتهى. كلام العتبية الذي ذكره في رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا ويريد أن تلك الوصية لا تجوز ولو مات في مرضه ذلك أو سفره إذا لم يخرجها، ولم يشهد إلا أن يكتبها، ويقول: إذا مت فلينفذ ما كتبته بخطي فلينفذ على ما تأول عليه القاضي عياض مسألة العتبية لكنها إذا قيدها بمرضه أو سفره فإنما تنفذ إذا مات فيهما، وأما إذا لم يمت فيهما فيأتي فيها الخلاف؛ لأنه جعلها بمنزلة ما لو أشهد فيها وتقدم الخلاف في ذلك فتأمله، وأما إذا كتب وصيته في كتاب، وأخرج الكتاب من يده، ثم استرده بعد زوال المرض والسفر فلا خلاف في بطلان الوصية.

(8/524)


ولو أطلقها لا إن لم يسترده، أو قال: متى حدث الموت أو بنى العرصة واشتركا
__________
ص: ولو أطلقها لا إن لم يسترده) ش: لما ذكر أنه إذا كانت الوصية مقيدة بمرض أو سفر وكتبها في كتاب وأخرجه من يده، ثم استرده أنها تبطل ذكر ههنا أنها تبطل أيضا إذا كانت مطلقة، أي غير مقيدة بمرض أو سفر وكتبها في كتاب وأخرجها، ثم استرده من يد من جعلها عنده، وقال في التوضيح: وحكى صاحب المقدمات الاتفاق على بطلانها، وذكر عياض أن ابن شبلون وغيره تأولوا الكتاب على ذلك، وأن ظاهر تأويل أبي محمد إنما يضر استرجاع المقيدة لا المبهمة، وأن أبا عمران تردد في ذلك انتهى. واقتصر في البيان على حكاية البطلان ولم يصرح بنفي الخلاف، وظاهر كلام المصنف أنه مشى على ذلك ولكن في قول المصنف: ولو أطلقها بعض قلق؛ لأنه فرض أولا في المقيدة، ثم بالغ في الإطلاق ولو شبه المطلقة بالمقيدة فقال: كأن أطلقها لكان أبين وأحسن انتهى. وقوله: "لا إن لم يسترده" أي لا إن لم يسترد الكتاب بعد أن أخرجه فلا تبطل الوصية وسواء كانت مطلقة أو مقيدة، ونقله في التوضيح، وقاله في البيان. ص: (أو قال متى حدث الموت) ش: يعني أن الوصية تمضي ولا تبطل إذا قال: متى حدث الموت وسواء قال ذلك في مرض أو سفر أو في صحة، وسواء مات في ذلك المرض أو السفر أو بعدهما وسواء أشهد على ذلك بغير كتاب أو بكتاب أقره عند نفسه أو وضعه عند غيره، فإنها تنفذ على كل حال متى مات إلا أن يكون كتبها في كتاب، وأخرجه من يده، ثم استرده، فإنها تبطل كما تقدم.
تنبيه: قال الشارح: ومثل قوله "متى حدث الموت" قوله: "إن مت أو إذا مت ونحوه" في التوضيح قال: وسواء قالها في الصحة أو في المرض، ونصه: وإن أطلق الوصية، فقال: متى حدث الموت أو إن مت أو إذا مت فإنها ماضية وظاهره يعني كلام ابن الحاجب سواء كتبها في كتاب أم لا استرجعها أم لا أما إن لم يكتبها فقال غير واحد: إنها نافذة أبدا لا ينقضها إلا تغيرها قالها في صحته أو في مرضه، وإن كانت بكتاب، وأشهد فيه فهي ماضية بالاتفاق سواء أقرها عنده إلى الموت أو جعلها على يد غيره حتى مات وأما إن قبضها من يد من جعلها على يديه سواء قبضها في الصحة أو في المرض، فحكى صاحب المقدمات الاتفاق على بطلانها انتهى. ثم ذكر كلام عياض المتقدم عن ابن شبلون وتأويل أبي محمد فظاهره أنه

(8/525)


كإيصائه لزيد ثم لعمرو، ولا برهن وتزيج رقيق وتعليمه ووطء، ولا إن أوصى بثلث ماله فباعه
__________
إذا قال: إن مت أوإذا مت وكان مريضا أنها تنفذ ولو صح من ذلك المرض، وهكذا قال في التنبيهات ونصه: إذا كان إشهاده في غير كتاب في المبهمة فهي ماضية أبدا لا ينقضها إلا تغيرها ونسخها أشهد في مرضه أو صحته انتهى. وهو خلاف ما قاله ابن رشد في أول رسم من سماع ابن القاسم، ونصه: إن أوصى في صحته دون سفر ولا مرض فسواء قال فيها: متى مت أو إذا مت وسواء أشهد على ذلك بغير كتاب أو بكتاب أقره عند نفسه أو وضعه عند غيره تنفذ على كل حال متى مات إلا أن يسترجع الكتاب بعد أن وضعه عند غيره فتبطل بذلك وصيته وكذلك إن أوصى في مرض أصابه وعند سفر أراده، فقال في وصيته: متى مات، وأما إن أوصى في مرض أصابه أو عند سفر أراده لغزو فقال: إن مت ولم يزد أو قال من مرضي هذا، وكذلك إن أوصى في مرض أصابه أو عند سفر أراده لغزو فقال في وصيته: إن مت في سفري هذا، ولم يزد أو قال: من مرضي هذا أو قال: يخرج عني كذا وكذا ولم يذكر الموت بحال فإن كان أشهد بذلك بغير كتاب لم تنفذ الوصية إلا أن يموت من ذلك المرض أو في ذلك السفر واختلف قول مالك إن أقر الكتاب، وإن كتب بذلك كتابا وضعه عند غيره بكل حال نفذت، وإن مات من غير ذلك المرض، وفي غير ذلك السفر، واختلف قول مالك: إن أقر الكتابة عنده فمرة، قال: تنفذ على كل حال متى مات، ومرة قال: لا تنفذ إلا أن يموت من ذلك المرض أو في ذلك السفر، وجه الأول أن إبقاءه الكتاب بعد برئه وقدومه دليل على إلغائه والتنفيذ لها، ووجه الثاني اعتبار زائد ظاهر لفظه، والأول أظهر من جهة المعنى والثاني من جهة اللفظ وكذا إذا قال، وهو صحيح دون مرض أصابه، ولا سفر أراده إن مت في هذا العام فيخرج عني كذا وكذا، وهو بمنزلة ما إذا قال إن مت في مرضي هذا أو سفري هذا انتهى. والله أعلم.
ص: (كإيصائه بشيء لزيد، ثم به لعمرو) ش: يعني أن من أوصى بشيء لإنسان، ثم أوصى به لآخر فإنهما يشتركان فيه وكذلك لو أوصى لواحد بثلثه، ثم أوصى لآخر اشتركا

(8/526)


كثيابه واستخلف غيرها، أو بثوب فباعه ثم اشتراه بخلاف مثله، ولا إن جصص الدار أو صبغ الثوب، أو لت السويق، فللموصى له بزيادته، وفي نقص العرصة قولان، وإن أوصى بوصية بعد أخرى فالوصيتان كنوعين ودراهم، وسبايك وذهب وفضة وإلا فأكثرهما وإن تعدد
__________
فيه وكذلك لو أوصى لواحد بالثلث، ثم لآخر بالنصف أو بالجميع لاشتركا في الثلث على نسبة الأجزاء، والله أعلم.
ص: (وإن أوصى بوصية بعد أخرى فالوصيتان) ش: يعني أن من أوصى لشخص بوصية، ثم أوصى له بوصية أخرى فالوصيتان له يعني والوصيتان من نوع واحد، وهما متساويان يدل على ذلك قوله: "وإلا فأكثرهما" وقوله: "كنوعين" فعلم أن فرض المسألة أولا في كلامه فيما إذا كانتا من نوع واحد وهما متساويتان؛ لأن تشبيهه بالنوعين دل على أن الكلام الأول فيما كان من نوع واحد، وقوله: "فأكثرهما" دل على أن الكلام الأول فيما كان من نوع واحد مع التساوي، وقد قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: ولو أوصى لواحد بوصية بعد أخرى من صنف واحد، وإحداهما أكثر فأكثر الوصيتين، وقول المصنف:

(8/527)


__________
وإحداهما أكثر "يخرج ما إذا كانتا متساويتين، وذكر الباجي المتساويتين قولين مثل أن يوصي له بعشرة، ثم بعشرة، الأول لمالك وأصحابه له العددان جميعا، وحكي في المعونة أن له أحدهما لجواز التأكيد، ابن زرقون: وانظر قوله: هذا مع قول مالك، وأصحابه، وفي الموازية عن مالك من رواية ابن القاسم أن له أحدهما مثل قول عبد الوهاب انتهى. ص: (وإلا فأكثرهما إن تقدم) ش: تصوره ظاهر.
مسألة إذا قال: أعطوا فلانا مائة ولم يقل مائة دينار، ولا درهم فإن دل سياق كلامه على الدنانير أو الدراهم حمل عليه كأن يقول: أعطوا فلانا مائة دينار ذهبا، وفلانا مائة فتحمل على الذهب وأعطوا فلانا مائة درهم، وفلانا عشرة فتحمل على الدراهم، وإن لم يدل سياق كلامه على شيء فإنه يحمل على الغالب في البلد من الدنانير أو الدراهم فإن لم يغلب أحدهما حمل على الأقل وهو الدراهم قاله في رسم الصلاة من سماع يحيى، وفي أول رسم من سماع أصبغ من كتاب الوصايا قال وفي معين الحكام: وإن أوصى له بعين ولم يبين سكتها دفع له الأكثر جريانا فإن استوى جريهما دفع له الأقل إلا أن يتبين أنه أراد الأكثر، وكذلك لو أوصى له بعدد أمداد من الطعام ولم يبين قمحا، ولا شعيرا أجري الأمر على ما ذكر، وقال قبله بنحو الورقة:
مسألة: إذا ذكر الموصي في وصيته أن تنفذ وصيته من سكة كانت تجري من تاريخ الوصية ثم توفي الموصي وقد انقطعت تلك السكة فإنها تنفذ وصيته من تلك السكة التي كانت تجري يوم الوصية إلا أن يقول في وصيته: إنها تكون من النقد الجاري يوم تنفيذ الوصية فيكون كما عهد فإن وقعت الوصية مسجلة يعني مطلقة ولم يشترط صفة فإنها تكون مما يجري يوم التنفيذ وذلك بخلاف الكوالئ والدين انتهى.
مسألة: قال في باب الوصايا من معين الحكام إذا أوصى أن يعطيني إناء فألفي مملوءا

(8/528)


وإن أوصى لعبده بثلثه عتق إن حمله الثلث، وأخذ باقيه وإلا قوم في ماله ودخل الفقير في المسكين كعكسه، وفي الأقارب والأرحام والأهل أقاربه لأمه، إن لم يكن أقارب لأب والوارث كغيره بخلاف، أقاربه هو وأوثر المحتاج الأبعد إلا لبيان فيقدم الأخ وابنه على الجد ولا يخص
__________
دنانير أو دراهم فإن علم الناس أنه يدفع فيه ذلك أعطي بما فيه وإلا أعطي الإناء وحده وكذلك لو أوصى بزق فألفي مملوءا عسلا أو سمنا دفع له بما فيه انتهى. ص: (ودخل الفقير في المسكين كعكسه) ش: تصوره واضح.
مسألة: قال القرطبي في تفسير {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: من الآية60] المسألة الرابعة وهي فائدة الخلاف في الفقراء والمساكين هل هما صنف واحد أو أكثر؟ فيظهر فيمن أوصى بثلث ماله للفقراء وللمساكين ممن قال هما صنف واحد قال: يكون لفلان نصف الثلث وللفقراء والمساكين النصف الثاني، ومن قال هما صنفان قال: يقسم الثلث بينهم أثلاثا

(8/529)


والزوجة في جيرانه، لا عبد مع سيده، وفي ولد صغير وبكر قولان، والحمل في الجارية إن لم يستثنه، والأسفلون في الموالي، والحمل في الولد، والمسلم يوم الوصية في عبيده المسلمين،
__________
انتهى. وقال ابن عرفة: قول ابن شاس يدخل الفقراء في لفظ المسكين، والعكس ظاهره ولو على

(8/530)


لا الموالي في تميم أو بنيهم، ولا الكافر في ابن السبيل، ولم يلزم تعميم كغزاة، واجتهد كزيد معهم، ولا شيء لوارثه قبل القسم، وضرب لمجهول فأكثر بالثلث
__________
عدم الترادف، وهو صواب إن كان الموصي عاميا وإلا ففيه نظر انتهى. ص: (ولم يلزم تعميم كغزاة) ش: اعلم أن الموصى له إذا كان معينا كفلان أو أولاد فلان ويسميهم، فلا خلاف أنه

(8/531)


وهل يقسم على الحصص؟ قولان، والموصى بشرائه للعتق يزاد لثلث قيمته ثم استؤني، ثم ورث وببيع ممن أحب بعد النقص والإبانة واشتراء من فلان وأتي بخلاً بطلت، والزيادة فللموصى له وببيعه للعتق نقص ثلثه، وإلا خير الوارث في بيعه، أو عتق ثلثه أو القضاء به لفلان في: له وبعتق عبد لايخرج من ثلث الحاضر وقف إن كان لأشهر يسيرة، وإلا أجل عتق ثلث الحاضر ثم تمم منه
__________
يقسم بين الجميع بالسوية ومن مات فلوارثه حصته ومن ولد لم يدخل وإن كان الموصى

(8/532)


ولزم إجازة الوارث بمرض لم يصح بعده، إلا لبين عذر بكونه في نفقته، أو دينه أو سلطانه، إلا أن يحلف من يجهل مثله أنه جهل أن له الرد
__________
لهم مجهولين غير محصورين كالفقراء والمساكين، والغزاة وبني تميم وبني زهرة ونحوهم مما لا يمكن الإحاطة بهم فلا خلاف أنه لا يلزم تعميمهم، ولا التسوية بينهم، بل تقسم بالاجتهاد ويكون لمن حضر القسم ولا شيء لمن مات قبله، ومن ولد أو قدم قبله استحق وإن كان الموصى لهم يمكن حصرهم ولكن الميت لم يعينهم، كقوله: لأولادي ولإخوتي، وأولادهم أو لأخوالي وأولادهم ونحو ذلك، فاختلف فيه على قولين فقيل: إنهم كالمعينين يقسم بينهم بالسوية، ومن مات قبل القسم فنصيبه لوارثه ومن ولد بعد موت الموصي لم يدخل وقيل كالمجهولين من مات قبل القسم لم يستحق ومن ولد استحق ويقسم بينهم بالاجتهاد، وذكر ابن القاسم في المدونة أنه لمن حضر القسم، ولا شيء لمن مات قبله ومن ولد قبله دخل ثم ذكر أنه يقسم بينهم بالسوية، ففهم سحنون أن لابن القاسم قولين، وجعله خلافا وقال ابن يونس: ليس بخلاف بل مذهبه أنه لمن حضر القسم، وأنه يقسم بالسوية قال: وهو قول مالك، وهذا هو الظاهر انظر ابن يونس وأبا الحسن وانظر الرجراجي فإن كلامه يقتضي أن المشهور أنه لمن حضر القسم إن كان أولاد فلان فلا يمكن زيادتهم وانظر الشامل فيمن أوصى لقرابته.
فرع: فقراء الرباط، والمدرسة الظاهر أنهم من هذا القسم، والله أعلم.
ص: (ولزم إجازة الوارث بمرض) ش: يعني إذا أوصى الميت بأكثر من الثلث أو لوارث كما فرض المسألة في

(8/533)


لا بصحة، ولو بكسفر والوارث يصير غير وارث، وعكسه المعتبر مآله ولو لم يعلم، واجتهد في ثمن مشترى لظهار أو لتطوع بقدر المال، فإن سمى في تطوع يسير أو أقل الثلث شورك به
__________
التوضيح ص. (والوارث يصير غير وارث، وعكسه المعتبر مآله) ش: مثال: الصورة الأولى: إذا أوصى لأخيه ولا ولد له ثم ولد له أو أوصت المرأة لزوجها ثم أبتها، ومثال العكس أن يوصي لامرأة ثم يتزوجها أو يوصي لأخيه وله ولد، فيموت الولد، ويصير الأخ هو الوارث، وجعل الشارح في الكبير مثال الثانية ما إذا أوصت لزوجها ثم أبتها وهو سهو فإنه مثال للأولى، وغره في ذلك ما يتبادر من كلام التوضيح فإن المتبادر للفهم منه كما قال الشارح لكن يمكن رده إلى الصواب بالتأمل بخلاف كلام الشارح. ص: (ولو لم يعلم) ش: هذا الخلاف في الصورة الأولى وهي ما إذا أوصى لوارث ثم صار غير وارث وأما الثانية فلا يتصور فيها وجود الخلاف. ص: (فإن سمى في تطوع يسير أو أقل الثلث) ش: احترز بالتطوع من الظهار، قال في التوضيح: قال اللخمي: ويطعم به في الظهار فإن فضل منه عن الإطعام فضلة كان الفاضل لهم انتهى. وعبارة التبصرة أوفى مما نقله في التوضيح، ونصه: وإن لم يبلغ ذلك وكان العتق عن ظهار أطعم عنه إن وافى بالإطعام أو ما بلغ منه وإن كان فوق الإطعام، ودون العتق

(8/534)


في عبد وإلا فآخر نجم مكاتب، وإن عتق فظهر دين يرده أو بعضه رق المقابل، وإن مات بعد اشترائه، ولم يعتق اشترى غيره لمبلغ الثلث
__________
أطعموا وكان الفاضل لهم وهذا هو القياس والاستحسان يتصدق بالفاضل، وإن كان العتق عن قتل اشترى بما ينوب القتل في رقبته كالتطوع انتهى. ص: (وإلا فآخر نجم مكاتب) ش: هكذا في المدونة والظاهر أنه لا فرق بين الأول والآخر، ولفظ اللخمي: قال مالك: ويعان مكاتب ولا يقال إنما اشترط الأخير؛ لأنه إذا أدى أولا فقد يعجز فلا يحصل العتق المقصود؛ لأنا نقول: إن عجز يؤخذ ذلك من سيده؛ لأنه إنما يدفع للمكاتب لقصد العتق لا لقصد الصدقة نعم آخر نجم أولى؛ لأنه لا يشبه أنه ما عتق إلا بسببه والأمر من المخاصم بعد عجزه، والله أعلم. ص: (وإن مات بعد اشترائه ولم يعتق اشترى غيره لمبلغ الثلث) ش: قال في الوصايا الأول من المدونة: ومن أوصى بنسمة تشترى للعتق لم تكن بالشراء حرة حتى تعتق؛ لأنه لو قتله رجل أدى قيمته عبدا وأحكامه في جميع أحواله أحكام العبد حتى يعتق انتهى. قال اللخمي في تبصرته: وإن قال: فإذا اشتريتموها فهي حرة كانت حرة بنفس الشراء انتهى، ونقله أبو الحسن الصغير وقبله ثم قال في المدونة: فإن مات بعد الشراء وقبل العتق كان عليهم أن يشتروا رقبة أخرى ما بينهم وبين مبلغ الثلث انتهى. وظاهره فرطوا في تأخير العتق أو لم يفرطوا، ولم أر من نص على ذلك بالإطلاق أو التقييد، وفي سماع عيسى في رسم لم يدرك من كتاب الوصايا الثاني ما نصه: وسألته عن الرجل يوصي أن يشترى من ماله رقبة وذكر أنها واجبة عليه فابتاعوا رقبة قبل أن يقسم ماله، فمات العبد أو جنى جناية تحيط برقبته قبل أن ينفذ عتقه، قال ابن القاسم: إذا مات فإنه يرجع أيضا في المال، فيخرج مما بقي ثمن رقبة فيشتري فيعتق إن حمل الثلث ما بقي بعد موت الغلام ما يكون فيه رقبة أو ما كان من ثلثه، وكذلك لو أخرج ثمنه فسقط وأما إذا جنى خير الورثة في أن يسلموا ويبتاعوا من ثلث ما بقي عبدا وأن يفتكوه فيعتقوه وكذا يرجع أبدا في ثلث ما بقي ما لم ينفذ عتقه أو يقسم المال، فإن

(8/535)


وبشاة أو عدد من ماله يشارك بالجزء
__________
قسم وقد اشترى، وأخرج ثمنه، فذهب فلا شيء على الورثة إلا أن يكون معه في الثلث أهل وصايا قد أخذوا وصاياهم فيؤخذ مما أخذوا مما يبتاع به رقبة؛ لأنه لا تجوز، وصيته ولم ينفذ إلا أن يكون معه في الوصية من الواجب ما هو مثله فيكون في الثلث سواء، وإن بقي في أيدي الورثة من الثلث ما يبتاع به رقبة ثم أخذ ذلك من أيديهم بعد القسم وابتيع به رقبة وأنفذ لأهل الوصايا وصاياهم ولا يكون لهم من الثلث شيء وثم وصايا لم تنفذ، قال ابن رشد قوله: "إذ مات العبد قبل أن يعتق" إنه يرجع في ثلث ما بقي بعد العبد فيشتري به عبدا آخر فيعتق إن كان المال لم يقسم، وإن كان قد قسم لم يرجع على الورثة إلا إن بقي في أيديهم من الثلث بعد العبد الذي كان اشتري للعتق فمات، استحسان لا يحمله القياس؛ لأن الحقوق الطارئة على التركة لا يسقطها قسمة المال، وقد روى أصبغ عن ابن القاسم: أنه يرجع إلى ما بقي من المال فيخرج ثلثه، ويكون ذلك كشيء لم يكن لا يحتسب في ثلث، ولم يفرق بين أن يكون المال قد قسم أو لم يقسم وهو ظاهر ما في كتاب الوصايا الأول من المدونة ومن الناس من ذهب إلى أنه يفسر ما في المدونة بما وقع في هذه الرواية من الفرق بين أن يقسم المال أو لا يقسم، وهو قول أصبغ وليس ذلك بصحيح؛ لأن الأولى أن يحمل الكلام على الظاهر مما هو القياس ولا يعدل به عن ظاهره بالتأويل إلى ما ليس بقياس، وإنما هو استحسان، وكذلك قوله: "إنه يرجع في ثلث ما بقي ما لم ينفذ عتقه" يريد أنه إذا نفذ عتقه فاستحق بعد العتق لا يرجع في ثلث ما بقي من التركة بعد قيمته وإن لم يقسم المال، وإنما يرجع فيما بقي من الثلث بعد قيمته هو استحسان أيضا على غير قياس، والذي يوجبه النظر بالقياس على الأصول أن يرجع أيضا إذا استحق العبد بعد أن عتق في ثلث ما بقي من التركة بعد قيمته قسم المال أو لم يقسم انتهى.
ص: (وبشاة أو عدد من ماله يشارك بالجزء) ش: يعني أن من أوصى لشخص بشاة أو بعدد من ماله فإنه يشارك بالجزء ومعنى يشارك بالجزء أنه يكون شريكا بنسبة تلك الشاة من الغنم أو بنسبة ذلك العدد من الغنم فإن أوصى له بشاة ومات عن خمس فله الخمس وإن أوصى له بثلاثة فله ثلاثة أخماس من الغنم فتقوم ويأخذ الموصى له بذلك الجزء من الغنم سواء

(8/536)


وإن لم يبق إلا ما سمى فهو له، إن حمله الثلث لا ثلث غنمي فتموت، وإن لم يكن له غنم فله شاة وسط وإن قال: من غنمي ولا غنم له بطلت كعتق عبد من عبيده فماتوا وقدم لضيق الثلث
__________
كان عدده قدر الذي أوصى به الميت أو أكثر أو أقل بالقرعة هذا قول ابن القاسم لكنه لم يراع الجزء يوم الموت مطلقا بل راعاه بشرط أن تبقى الغنم إلى يوم التنفيذ فإن لم تبق الغنم على عددها، بل نقصت فله نسبة ذلك العدد إلى الموجود يوم التنفيذ فإن لم يبق إلا ذلك العدد أخذه الموصى له إن حمله الثلث، قال في أول الوصايا الأول: قال غير ابن القاسم: ما مات أو تلف قبل النظر في الثلث كأن الميت لم يتركه انتهى. قال أبو الحسن: ظاهره فرطوا أم لا، وقول الغير تفسير وتتميم. انتهى. فلو أوصى له بعشرة من غنمه وهي خمسون ثم تلف منها عشرون فله ثلث الثلاثين الباقية، وإن بقي عشرون فله نصفها وإن بقي خمسة عشر فله ثلثاها، فإن بقي عشرة أخذها، وإن حمل ذلك الثلث، فإن لم يبق من الغنم شيء أو استحقت كلها فلا شيء له، نص عليه ابن عرفة ونحوه في التوضيح، وفي المدونة أول الوصايا ما يدل كالصريح لمن تأمل. ص: (لا ثلث غنمي فتموت) ش: يريد فيموت غالبها وتبقى بقية، فليس للموصى له إلا ثلث الباقي، والله أعلم.
فرع: قال ابن عرفة الشيخ: من أوصى لرجل بعشرة شياه من غنمه، ومات وهي ثلاثون فولدت بعده فصارت خمسين له خمسها قاله أشهب مرة، ومرة قال له من الأولاد بقدر ما له من الأمهات إن كانت الأمهات عشرين أخذ عشرا من الأمهات ونصف الأولاد إن حمله الثلث أو ما حمل منها انتهى. ص: (وقدم لضيق الثلث) ش: قال ابن عرفة: والمخرج من

(8/537)


فك أسير، وثم مدبر صحة، ثم صدق مريض، ثم زكاة أوصى بها
__________
ثلثه الوصايا وتبرعات مرض موته، فإن ضاق، ونص على تقدم شيء على شيء له رده قدم عليه، وتقدم القول فيه وما ذكره الباجي فيه وإلا قدم الآكد انتهى، وكلام الباجي قبل هذا الكلام بنحو الأربع ورقات، وهو يحتاج إلى تأمل وهو كلام ابن رشد في المقدمات، ونصه: وإذا ضاق الثلث عن الوصايا يبدأ بالآكد فالآكد والأقدم، فالأقدم، وما كان بمنزلة واحدة في التأكيد تحاصوا في الثلث، وإن كان بعضها أقدم من بعض إلا أن ينص الموصي على تقدم بعضها على بعض فيبدأ بالذي نص على تبدئته اتباعا لوصيته، وإن كان غيرها من الوصايا آكد ما لم يكن مما لا يجوز الرجوع عنه كالمبتل في المرض، والمدبر فيه أو في الصحة انتهى.
ص: (وثم مدبر صحة) ش: قال في كتاب المدبر منها: ومن مات وترك مدبرين، فإن كان دبر واحدا بعد واحد في صحة أو في مرض أو دبر في مرض ثم صح فدبر في صحته ثم مرض فدبر في مرضه فذلك سواء ويبدأ الأول فالأول إلى مبلغ الثلث، فإن بقي أحد منهم رق ولو دبرهم في كلمة في صحة أو مرض عتق جميعهم إن حملهم الثلث، وإن لم يحملهم لم يبدأ أحدهم على صاحبه، ولكن يفض الثلث على جميعهم بالقيمة فيعتق من كل واحد حصته منه، وإن لم يدع إلا هم عتق ثلث كل واحد ولا سهم بينهم بخلاف المبتلين في المرض انتهى. قال في هذا المحل من التوضيح: هو المشهور وقيل: يقرع بينهم انتهى. ص: (ثم زكاة أوصى بها) ش: يعني ثم زكاة فرط فيها وأوصى بها في مرضه أما لو لم يفرط فيها، فهي المسألة الآتية في قوله: "إلا أن يعترف إلى آخره" وأما لو أقر في صحته وأشهد بها فإنها من رأس ماله كما سيأتي في أول باب الفرائض ولو فرط فيها ولم يوص بها في مرضه فلا تخرج من ثلثه ولا غيره، قال

(8/538)


إلا أن يعترف بحلولها، ويمسي فمن رأس المال الحرث، والماشية وإن لم يوص بها ثم
__________
في التوضيح: ولو قال في مرضه: سأخرجها انتهى. ومراد المؤلف زكاة الأموال سواء كانت عينا أو حرثا أو ماشية، قال في المنتقى: قال في كتاب ابن المواز: زكاة المال والحب والماشية سواء يحاص فيها عند ضيق الثلث انتهى. ص: (إلا أن يعترف بحلولها، ويوصي فمن رأس المال) ش: هذه هي الزكاة التي لم يفرط فيها، وفرق المؤلف بين العين، وغيرها فشرط في العين أن يعترف بحلولها ويوصي بالمال أما اشتراط الاعتراف فتبع فيه ابن الحاجب وقد اعترضه في توضيحه وكذلك ابن عبد السلام وابن عرفة، ونص ابن عرفة قول ابن الحاجب إن اعترف بحلولها حينئذ أنه لم يخرجها فمن رأس ماله خلاف اقتضاء ظاهر الروايات، شرط علم حلولها حينئذ من غيره ولصحة تعليل الصقلي ما أخر منها في الثلث لكونه لم يعلم إلا من قبله انتهى. قال في التوضيح: قال ابن عبد السلام: ظاهر كلامه أنه يكتفى في هذا اعتراف الموصي سواء عرف ذلك من غيره أم لا، وفي موافقته للرواية نظر، أي لأن في المدونة فما عرف من هذا انتهى. وأشار إلى قوله في الوصايا الأول، فأما المريض يحل حول زكاته أو مقوم عليه مال حال حلوله فما عرف من هذا فأخرجه من مرضه أو أمر بذلك ثم مات فإنها فارغة من رأس ماله، فإن لم يأمر بها لم يقض بها على الورثة وأمروا بغير قضاء انتهى. وأما اشتراط الإيصاء فهو مذهب المدونة كما علمت الآن، والله أعلم. وقوله في المدونة: "فارعة" هو بالعين المهملة أي خارجة، ولها حكاية قال المشذالي في حاشية قوله: "فارعة من رأس المال" كتب بعض الموثقين الأندلسيين وثيقة في المدبر وذكر فيها: فارغا من رأس المال يعني بالمعجمة فدخل بها على بعض القضاة، فقال له القاضي: هل عندك من غريب؟ فأخرج الوثيقة فطفق يقرؤها حتى بلغ فارغا فاستعاده القاضي فأعاد، فقال له: صحفت يا فقيه، فتأمل، فقال: كذا رويتها وضبطتها عن أشياخي وكذا هي في الأمهات، فقال له القاضي: كل كتاب وقعت فيه كذلك أو شيخ رواها كذلك فقد أخطأ، فخرج من عنده ولم يفهمه جوابها، فتحير الطالب الموثق فبعث أسئلة إلى قرطبة وضواحيها فاضطربت أجوبتهم فيها، فقال بعضهم يصح فيها الوجهان، وقال بعضهم: بالغين المعجمة، وقال بعضهم بالمهملة ثم رجعوا إلى القاضي، فقال القاضي كلهم أخطئوا، واللفظة بالمهملة، وأول من صدرت عنه مولانا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه

(8/539)


الفطر ثم كفار ة الظهار وقتل، وأقرع بينهما، ثم كفارة يمينه، ثم فطر رمضان، ثم للتفريط، ثم النذر، ثم المبتل ومدبر المرض،
__________
قلت: هذا الموثق إن كان بعد عياض فهو قاصر، وقد نص عليها عياض في العتق الأول والعارية، وإن كان قبله، فقد نص عليها صاحب الغريبين في باب الفاء. ص: (كالحرث والماشية، وإن لم يوص) ش: سيأتي الكلام عليه محررا في أول الفرائض إن شاء الله، والله أعلم. ص: (ثم عتق ظهار وقتل) ش: يعني: قتل الخطإ كما قيده في المقدمات والباجي وغيرهما قال الباجي: وأما العمد فقد روى ابن المواز عن ابن القاسم: أن كفارة الظهار مقدمة إذ ليست بواجبة في العمد انتهى. ونقله ابن عرفة، والله أعلم. ص: (وأقرع بينهما) ش: هذا أحد أربعة أقوال في المسألة نقلها في المقدمات وغيرها، قال في المقدمات: وذلك يعني الخلاف إذا لم يكن في الثلث إلا رقبة واحدة وأما إذا كان في الثلث رقبة، وإطعام فيعتق الرقبة في القتل، ويطعم عن الظهار باتفاق انتهى، والله أعلم.
ص: (ثم لفطر رمضان) ش: قال البساطي بالأكل والشرب، فإن قلت: قيدت ذلك بالأكل والشرب لماذا قلت: الكفارة بالجماع مجمع عليها وكان ذلك مقصود أهل المذهب حيث لا يقولون إلا كفارة الفطر انتهى. وهذا الذي قاله غير ظاهر؛ لأن المفطر يعم كذلك ولم أر أحدا قيده بما قال: فالصواب حمله على الإطلاق، والله أعلم. ص: (ثم المبتل ومدبر المرض) ش: يعني أنهما في مرتبة واحدة، فإن لم يحملها الثلث

(8/540)


ثم الموصى بعتقه معيناً عنده أو يشتري
__________
تحاصا، قال في التوضيح: وهذا إذا كان في فور واحد ولو بدأ بأحدهما ثم ذكر الآخر بدأ بالأول؛ لأنه ثبت له ما لا رجوع فيه أشهب والكلام المتصل لا صمات فيه كاللفظة الواحدة، وقال ابن القاسم: ما كان في كلمة واحدة وفور واحد فهما معا، وما كان في فور بعد فور، فالأول مبدأ انتهى. وقال ابن عرفة الباجي: هذا إذا كان في لفظ واحد أو في حكم اللفظ الواحد، قال في الموازية والعتبية والمجموعة: إن كانا في كلام واحد في مرضه، فقال هذا مدبر وهذا حر بتلا تحاصا، وقاله ابن القاسم: ولو بدأ بأحدهما ثم ذكر الآخر بدأ بالأول؛ لأنه ثبت له ما لا يرجع فيه ولأشهب في المجموعة الكلام المتصل لا صمات فيه كاللفظ الواحد ولابن القاسم في الواضحة ما كان في كلمة واحدة وفور واحد فهما معا، وما كان في فور بعد فور، فالأول مبدأ، قال أشهب إن قال: فلان حر بتلا ثم سكت سكوتا يعرف أنه لم يرد غيره ثم يبدأ له ببتل غيره بدئ الأول فالأول ا هـ. وكلام أشهب هذا الأخير هو الذي أشار المؤلف إليه بقوله: آخر العتق إلا أن يرتب فيتبع، والله أعلم. وكذلك إذا دبر واحدا بعد واحد في كلمة واحدة الحكم واحد، وقد تقدم في لفظ المدونة، قال في المقدمات: والنذر الذي يوجبه على نفسه في المرض ينبغي أن يكون بمنزلة المبتل في المرض، والمدبر فيه انتهى. ص: (ثم الموصى بعتقه معينا) ش: لم يتكلم المؤلف رحمه الله تعالى على صدقة المريض المبتلة، قال ابن عرفة وقال ابن دينار: صدقة المبتل مقدمة على الوصية بعتق معين إذ له أن يرجع عنه، وقاله المغيرة وعبد الوهاب، قال سحنون: كانت العطية قبل وصيته أو بعدها، وروى ابن القاسم أن مالكا توقف في تبدئة صدقة المبتل على الوصايا وكذلك في العتبية: وتبدأ أحب إلي وأما على العتق بعينه فيبدأ العتق، ابن زرقون الذي في سماع ابن القاسم من الوصايا أن الوصية يحاص بها مع صدقة المريض، وفي كتاب المرابحة من العتبية الصدقة مبدأة انتهى. وفي رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا بعد أن ذكر الرواية قال ابن رشد: ظاهر هذه الرواية أن السؤال فيها إنما هو عن الوصية بالصدقة والوصية على سبيل العطية، فقال: إنهما يتحاصان ولا خلاف أحفظه في ذلك، وقد رأيت لابن دحون أنه قال: قد قيل: إن الصدقة تقدم على الوصية؛

(8/541)


أو لكشهر أو بمال معجلة
__________
لأنها للفقراء، والوصية للأغنياء ولا أعرف هذا القول ولا وجه له إذ قد يتصدق على الغني ويعطى للفقير، ويلزم أن تبدأ الوصية للفقير على الوصية للغني وذلك خلاف الإجماع، وإنما الاختلاف المعلوم في الصدقة المبتلة في المرض والوصية هل يتحاصان أو تبدأ الصدقة المبتلة من أجل أنه إن صح لزمته فروى الحارث عن ابن وهب قال سمعت مالكا يقول في الرجل يتصدق بالصدقة في مرضه ويوصي لناس بوصايا ثم يموت فيريد أهل الوصايا أن يدخلوا على المتصدق عليه قال: لا أرى ذلك لهم؛ لأنه لو عاش ثم أراد أن يرجع في صدقته لم يكن له ذلك ومثل هذا في المختصر الكبير لابن عبد الحكم عن مالك ومثل هذا في كتاب ابن حبيب وقد اختلف قول مالك في هذا الأصل انتهى. فحاصله أن الصدقة المبتلة، ومثلها العطية المبتلة يقدمان على الوصايا على القول المروي عن مالك وعن أكثر أصحابه، وهل يقدمان على الموصى بعتقه اختار ابن القاسم تبدئة الموصى بعتقه، والله أعلم. وهل تحتاج العطية في المرض إلى حوز ففي المنتقى عدم احتياجها انظره فيه بعد يشير، والله أعلم إلى قول الباجي في المنتقى في الوصايا في ترجمة الوصية في الثلث في شرح قوله في الحديث: "إياهم وثلث مالي" قال: لا فضل إن حملنا قوله: "أنا أتصدق بثلث مالي" على بتل الصدقة في المرض، والنبي عليه السلام منع من ذلك وعلى هذا فقهاء الأمصار أنه لا يجوز للمريض أن يبتل من ماله إلا ثلثه بصدقة أو هبة أو عتق أو محاباة في بيع، فإن زاد على ذلك فالزيادة موقوفة، فإن أفاق من مرضه ذلك لزمه جميعه، وإن مات من مرضه ذلك فحكمه حكم الوصية إن أجازه الورثة، وإلا رد إلى الثلث ولا يعتبر في ذلك قبض

(8/542)


ثم الموصى بكتابته، والمعتق لأجل بعيد، والمعتق بمال
__________
الهبة؛ لأن حكمه حكم الوصية وشذ أهل الظاهر، وقالوا: يلزمه الجميع إذا قبض الهبة أو الصدقة انتهى. والمراد منه قوله: ولا يعتبر في ذلك قبض الهبة؛ لأن حكمه حكم الوصية والوصية لا يشترط فيها الحوز فتأمل ذلك، والله أعلم. وألحق صاحب المقدمات بهذه الأربعة التي ذكرها المؤلف الموصى له بكتابته إذا عجل الكتابة، والله أعلم.
فرع: جعل ابن رشد في نوازله الموصى بتحبيسه مع الموصى بالثلث في مرتبة واحدة ونقله البرزلي وانظر الحبس المبتل في المرض هل يبدأ على الوصايا بمال؟ فإن في كلام ابن رشد في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس إشارة إلى ذلك، ونصه في شرح
مسألة: من حبس في مرضه دارا له وجعلها بعد حبسه في سبيل الله، فأراد أن يغير ذلك في مرضه، أذلك له؟ قال: نعم ذلك له. ونصه قوله: "إن له أن يغير في مرضه" يريد فينفذ تغييره، ويبطل الحبس إن مات من مرضه، وأما إن صح فيلزمه الحبس، ويحكم به عليه. وإن كان قد رجع عنه، وغيره في مرضه ووجه كونه له أن يغير ذلك في مرضه أنه لما كان الحبس لا ينفذ من مات من مرضه إلا من الثلث حكم له بحكم الوصية في أن له أن يرجع فيه فعلى قياس هذا إن مات من مرضه قبل أن يغير حبسه، وقد أوصى بوصايا مال فلم يحمل ذلك ثلثه تحاصا في الثلث ولم يبدأ الحبس المبتل في المرض على الوصية بالمال، وهذا أصل اختلف فيه قول مالك فيمن بتل عتق عبد له في مرضه وأوصى بعتق عبد له آخر فروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك المبتل في المرض يبدأ على الموصى بعتقه أخذ بذلك ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم وابن دينار وإياه اختار ابن المواز فعلى هذا لا يجوز للمريض تغيير ما حبسه في مرضه ولا بتل عتقه فيه، وروى أشهب عن مالك أنهما يتحاصان المبتل في المرض والموصى بعتقه فيه قال ابن المواز وقد نقل لي بعض أصحاب مالك أن مالكا رحمه الله رجع إلى هذا القول. وعليه لقي الله عز وجل فقوله في هذه الرواية: "إن له أن يغير حبسه الذي حبسه في مرضه" يأتي على قول مالك هذا الذي رجع إليه من أنهما يتحاصان ولا يبدأ المبتل في المرض على الموصى بعتقه انتهى. فالمقصود من كلامه قوله: فعلى قياس هذا أن من مات من مرضه قبل أن يغير حبسه، إلى قوله: على الوصية بالمال. ص: (ثم الموصى بكتابته، والمعتق لأجل بعيد والمعتق بمال) ش: يعني أن العبد الموصى بكتابته ولم يعجلها، والموصى بعتقه على مال ولم يعجله، والمعتق إلى أجل بعيد كعشر سنين، وقوله: "ثم لسنة على الأكثر" يعني وأما العتق لسنة فيقدم على المعتق لأكثر منها وما معه وكانت "الواو" هنا أولى من "ثم" ويشير إلى ما نقل في التوضيح عن عبد الحق وقدم عبد الحق المعتق إلى سنة على المكاتب، وجعل

(8/543)


ثم المعتق لدينه على أكثر، ثم عتق لم يعين، ثم حج إلا لصرورة فيتحاصان كعتق لم يعين، ومعين
__________
المكاتب يتحاص مع المعتق إلى أجل بعيد كعشر سنين ومع المعتق على مال فلم يعجله انتهى. وبهذا يستقيم كلام المؤلف، والله أعلم. ص: (ثم عتق لم يعين ثم حج) ش: يعني أن العتق غير المعين يلي ما تقدم ويقدم على الحج ثم الحج بعد ذلك. ص: (إلا لصرورة فيتحاصان) ش: أي إلا أن يكون الحج عن صرورة فإنه يكون بمنزلة العتق غير المعين. ص: (كعتق لم يعين، ومعين غيره وجزئه) ش: كما أن العتق غير المعين يكون مع الحج الصرورة في رتبة واحدة، ويتحاصان كذلك يكون العتق غير المعين مع معين غير العتق، قال في التوضيح: والمراد به العدد المسمى كعشرة دنانير ونحوها انتهى. وكذلك العبد والدابة والثوب والكتاب ونحوها مع جزء أي جزء غير المعين، كربع المال وسدسه ونحو ذلك في رتبة واحدة فيتحاصان، ولا يتقدم أحدهما على الآخر فيتحصل من كلامه أن العتق غير المعين، وحج، ومعين غير العتق كعشرة دنانير ونحوها وجزء غير العتق كربع المال وثلثه في رتبة واحدة، وإن حج غير الصرورة بعد ذلك، والله أعلم.
تنبيه: ما ذكره من أن معين غير العتق كالدابة والثوب ونحوهما والعدد المسمى كالعشرة ونحوها هو، والجزء كسدس المال، وربعه وثلثه في رتبة واحدة وهو مذهب المدونة وقال ابن

(8/544)


غيره وجزئه وللمريض اشتراء من يعتق عليه بثلثه
__________
رشد في رسم الوصايا من سماع أشهب هو المشهور، وقيل إن التسمية مبدأة على الجزء وقيل الجزء مبدأ قال، وذلك إذا أبهم التسمية ولم يقل إنها من الثلث، فإن قال ذلك فلا خلاف أنها مبدأة انتهى. بالمعنى وما ذكره من نفي الخلاف فمشكل، فقد ذكر في النوادر عن المجموعة وكتاب ابن المواز فيمن قال: لفلان ثلثي، ولفلان من ثلثي عشرة أو لم يقل وبه قال ابن القاسم عن مالك يبدأ بالتسمية إذا قال من ثلثي، وإن لم يقل من ثلثي فيتحاصان ثم رجع مالك فقال: يتحاصان قال: من ثلثي أو لم يقل وبه قال ابن القاسم انتهى. من الثالث من الوصايا، والله أعلم.
تنبيه: قد تقدم أنه إذا نص الميت على تبدئة شيء مما ذكر إلا أن غيره مبدأ عليه، وهو وإياه في رتبة واحدة فإنه يبدأ ما أوصى به الميت إذا علم ذلك، فقد ذكر في نوازل أصبغ أنه إذا أوصى لفلان بثلثه، ولفلان بعدد مسمى ثم قال في صاحب الثلث أو في صاحب العدد المسمى إنه لا ينقص أنه يبدأ دون الآخر، وقبله ابن رشد ولم يذكر فيه خلافا فانظره، وأما لفظ: "جميع" فالظاهر أنها لا تفيد التبدئة، فقد قال في المدونة فيمن أوصى لإنسان بثلثه ثم أوصى لآخر بجميع ماله أن الثلث يقسم بينهما على أربعة: للموصى له بالثلث ربع، وثلاثة أرباعه للموصى له بجميع المال، والله أعلم.
فرع: لو أعتق أحد عبيده في صحته ولم يعينه حتى مرض فقال: عينت هذا صدق وعتق في جميع المال إلا أن تكون قيمته أكثر من قيمة الآخر فيكون الفضل في الثلث، قاله في العتق الأول من المدونة أبو الحسن قال بعض فقهائنا: وتكون هذه الزيادة مبدأة على الوصايا وعلى العتق والزكاة التي فرط فيها ويحتمل أن تكون مبدأة على مدبر الصحة؛ لأنه أمر عقده في الصحة، وإنما جعلت الفضلة في الثلث للتهمة، وغيره يراه من رأس المال ويحتمل أن يبدأ مدبر الصحة عليها إن كان التدبير قبل أن يقول: أحد عبيدي حر انتهى. والله أعلم. ص: (بثلثه) ش: احترز بقوله: "بثلثه" مما إذا اشترى بأكثر من الثلث ابن عرفة، وفيها من اشترى ابنه في مرضه جاز إن حمله الثلث، الصقلي قال محمد: إن اشترى بأكثر من ثلثه وعتق

(8/545)


ويرث لا إن أوصى بشراء ابنه، وعتق وقدم الابن على غيره، وإن أوصى لمنفعة معين، أو بما ليس فيها، أو بعتق عبده بعد موته بشهراً
__________
وورث باقي المال إن انفرد وحصته مع غيره، وإن عتق مع ذلك عبده بدأ بالابن وورثه إن حمله الثلث الصقلي قال محمد: إن اشتراه بأكثر من ثلثه عتق منه محمل الثلث ولم يرثه، وفي سماع ابن القاسم مثله وفيه إن لم يحمله الثلث عتق منه محمله ورق ما بقي للورثة، فإن كان الورثة ممن يعتق عليهم عتق ما بقي عليهم.
قلت: :فإن اشترى أبوه بماله كله وورثه من يعتق عليهم جاز شراؤه وعتق عليهم انتهى. في التوضيح في أول كلامه وأثنائه، وآخره، وكأنه هو المعتمد من الخلاف لتصدير ابن عرفة به ويلزم عليه جواز شراء المريض من يعتق على وارثه بماله كله، وهو ظاهر؛ لأن له التصرف في ماله بالمعاوضة فتأمله، والله أعلم. وقال في الجواهر: إذا ملك قريبه في مرض الموت بالإرث عتق عليه من رأس ماله، وإن ملكه بالشراء عتق من ثلثه، وحكم الابن في ذلك حكم غيره، وإن ملكه بقبول وصية أو هبة فهو كملكه بالبيع ثم إذا عتق من رأس المال أو من ثلثه ورث، وقال أصبغ: لا يعتق بحال انتهى. ص: (وقدم الابن على غيره) ش: هو كقول ابن الحاجب: فإن كان معه غيره قدم الابن قال في التوضيح: يحتمل أن يريد، فإن اشترى مع الابن غيره ممن يعتق عليه بدئ بالابن وعلى هذا مشاه ابن عبد السلام ويحتمل أن يريد، فإن كان مع الابن معتق غيره كما لو أعتق عبدا له في مرضه، واشترى ابنه فأعتقه، وقيمته الثلث، قال في المدونة: فالابن مبدأ أو يرثه كما لو اشتراه صحيحا وهذا الحمل الثاني أرجح؛ لأن المسألة كذلك في المدونة والجواهر وتمشية ابن عبد السلام أظهر من جهة اللفظ لكن النقل لا يساعدها على إطلاقها؛ لأنه إن كان واحدا بعد واحد فإنه يبدأ بالأول، وإن كان صفقة، فقال أشهب على قياس قول مالك: لا يتحاصون، وفي قوله: "بدئ بالابن فأعتقه إن كان أكثر من الثلث وورثه". ابن يونس: يريد على مذهبه الذي يرى أن يشتري بجميع المال إن لم يكن معه وارث انتهى. فتعين أن يحمل كلام المؤلف هنا على التمشية الموافقة للمدونة، والله أعلم. ص: (وإن أوصى بمنفعة معين إلى قوله ثلث الجميع) ش: أخذ المؤلف رحمه الله يتكلم على بعض مسائل من خلع الثلث فذكر ثلاثة مسائل: الأولى: إذا أوصى

(8/546)


ولا يحمل الثلث قيمته خير الوارث بين أن يجيز، أو يخلع
ثلث الجميع
__________
بمنفعة معين، كما لو أوصى بخدمة عبد أو سكنى دار فإن الحكم في ذلك أن ينظر إلى ذلك المعين الموصى بمنفعته، فإن حمله الثلث نفذت الوصية، وإن كان الثلث لا يحمل قيمة ذلك المعين الموصى بمنفعته فإنه يخير الورثة بين أن يجيزوا ما أوصى به الميت أو يخلع ثلث جميع ما ترك الميت من ذلك المعين وغيره، قال في المدونة في كتاب الوصايا الأول: ومن أوصى لرجل بخدمة عبده أو سكنى داره سنة جعل في الثلث قيمة الرقاب زاد في الأمهات: أنه إذا قومت الخدمة، فإن حملها الثلث نفذت الوصايا، وإن لم يحمل خير الورثة في إجازة ذلك أو القطع للموصى له بثلث الميت من كل ما ترك بتلا والوصية في العبد بالخدمة أو بالغلة سواء قال أبو الحسن: جعل في الثلث الميت قيمة الرقاب، زاد في الأمهات لأني إذا قدمت الخدمة، والسكنى حبست الدار والعبد على أربابهما وهم قد يحتاجون إلى البيع. ابن يونس: احتجاجه بالبيع لا يصح في الدار الجائز بيعها، واستثناء سكناها عنه، والمعروف من قول مالك وابن القاسم أن يجعل الثلث في الرقاب، وإن كانوا قادرين على البيع للاستثناء، وأن لهم حقا في تعجيل الانتفاع بالرقاب ابن يونس: وإنما جعلت الرقاب في الثلث مع إمكان رجوع ذلك للورثة؛ لأنه قد يموت وتهدم الدار انتهى. واحترز بقوله: "منفعة" مما إذا أوصى له بمعين كعبد أو دابة أو دار إن لم يحمله الثلث، قال في المدونة: فإن قول مالك اختلف في هذه المسألة، فقال مرة: مثل ما تقدم، وقال مرة: يخيرون بين الإجازة وبين أن يقطعوا له بمبلغ ثلث جميع التركة في ذلك الشيء بعينه، قال: وهذا أحب إلي انتهى. قال ابن عبد السلام: وهذا هو المشهور أعني التفرقة بين الوصية بالمنافع وبالمعين، والله أعلم. ص: (أو بما ليس فيها) ش: أشار به إلى المسألة الثانية ويعني بما ليس في التركة يريد سواء كان يحمله الثلث أم لا قاله ابن عبد السلام وسواء كان عينا أو عرضا على خلاف في هذا إلا أن هذا قول مالك وابن القاسم واقتصر عليه ابن الحاجب قاله ابن عبد السلام والحكم في ذلك أن الورثة يخيرون بين الإجازة فيشترون للموصى له ذلك الشيء الموصى به أو يدفعوا له ثلث جميع التركة، والله أعلم. ثم أشار إلى المسألة الثالثة بقوله: ص: (أو يعتق عبده بعد موته بشهر) ش: وتصورها ظاهر من كلام الشارح. ص: (ولا يحمل الثلث) ش: هذا شرط في المسألة الأولى والثالثة دون الثانية فاعلمه، والله أعلم. ص: (خير الوارث بين أن يجيز أو يخلع ثلث الجميع) ش: هذا ظاهر في المسألة الأولى، والثانية وأما في المسألة الثالثة فإنما يخير الوارث في إجازة الوصية أو القطع بمبلغ الثلث في العبد نفسه على المشهور كما تقدم في مسألة الوصية بمعين، والله أعلم. ومسائل هذا

(8/547)


وبنصيب ابنه، أو مثله فبالجميع
__________
الباب كثيرة، وفي الوصايا من المدونة منها جملة، والله الموفق. ص: (وبنصيب ابنه إلى قوله فزائد) ش: تصوره ظاهر.
فروع: الأول: قال ابن عبد السلام: المعتبر فيما ذكرنا من عدد الولد من كان موجودا يوم موت الموصي ولا ينظر إلى من زاد فيهم بعد الوصية ولا من مات، رواه أشهب عن مالك انتهى، ونقله في التوضيح.
الثاني: منها أيضا أن من أوصى بمثل نصيب ولده ولا ولد له وجعل يطلب الولد فمات ولم يولد فلا شيء للموصى له انتهى.
الثالث: قال في التوضيح واختلف إذا أوصى بمثل أحد نصيب بنيه وترك نساء ورجالا على أربعة أقوال: الأول: قول مالك يقسم المال على عدد رءوسهم الذكر والأنثى فيه سواء ويعطي حظ واحد منهم ثم يقسم ما بقي على فرائض الله تعالى لكن إنما فرض المسألة في المدونة فيما إذا قال له: نصيب أحد ورثتي،
الثاني: أنه رجل من ولده، الثالث أنه يزاد سهمه على السهام، ويكون له وقال ابن زياد: يكون له نصف نصيب ذكر ونصف نصيب أنثى هكذا حصل ابن زرقون انتهى. ويكون الأول هو المعتمد لكونه مذهب المدونة، الرابع إذا كان أولاده إناثا كلهم كان لهن الثلثان ثم نظر إلى عددهن، فإن كن أربعا أعطين ربع الثلثين، وإن كن ثلاثا أعطين ثلث الثلثين، وإن كن اثنتين أعطين نصف الثلثين، وإن كانت واحدة أعطيت نصف المال إن أجازه الورثة وإلا فله ثلث المال، نقله ابن عرفة عن ابن يونس عن كتاب محمد، والله أعلم. ص: (أو بنصيب أحد ورثته فبجزء من عدد رءوسهم) ش: قال ابن عبد السلام:

(8/548)


لا اجعلوه وارثاً معه، أو ألحقوه به فزائد، وبتعصيب أحد ورثته فبجزء من عدد رؤوسهم، وبجزء وسهم فبسهم من فريضته، وفي كون ضعفه مثله أو مثليه تردد،
__________
ولا يلتفت إلى قسمة هؤلاء الورثة كيف كانت بالسوية أو مختلفة فيعطى الموصى له جزءا بنسبته إلى التركة نسبة الواحد إلى عدد رءوسهم انتهى. وفيها خلاف، والله أعلم. ص: (وبجزء أو سهم فبسهم من فريضته) ش: أي إذا كانت من ستة فلهم سهم من ستة، وإن كانت من ثمانية فلهم سهم منها أو من أربعة وعشرين فبسهم منها، وإن كان ورثته أولادا رجالا، وابنة أعطي سهما من ثلاثة، وإن كان رجل وامرأتان فسهم من أربعة وعلى هذا كذا ضربه عيسى في سماعه، نقله ابن عرفة وما ذكره المؤلف هو المشهور وعليه فلو كان أصلها من ستة وتعول إلى عشرة فله سهم من عشرة انتهى. من التوضيح، وفي المسألة خلاف فقيل له الثمن؛ لأنه أقل سهم ذكره الله، وقيل له السدس؛ لأنه أقل سهم والثمن إنما يستحق بالحجب.
فرع: فإن لم يكن له وارث، فقال أشهب: سهم من ثمانية، وقال ابن القاسم: سهم من ستة، قال ابن عرفة: قال ابن رشد: الأظهر قول أشهب، وقال ابن عبد السلام: الأقرب بعد تسليم أهل المذهب قول أشهب، وقول الشافعي عندي قوي انتهى. والشافعي يقول: يدفع له الورثة ما شاءوا كذا نقل هو عنهم. ص: (وفي كون ضعفه مثله أو مثليه تردد) ش: يعني لو أوصى له بضعف نصيب ولده، فهل للموصى له مثل نصيب ولده مرة واحدة أو مثلاه؟ لا نص عن مالك وأصحابه المتقدمين، وتردد في ذلك المتأخرون، فقال بعض شيوخ ابن القصار: ومثله مرة واحدة، وإن قال ضعفيه فمثل نصيبه مرتين، وقال ابن القصار: حكي عن أبي حنيفة والشافعي أنهما يقولان: ضعف النصف مثله مرتين، وهو أقوى من جهة اللغة انتهى. قال في التوضيح: وفيه نظر، وفي الجوهري وضعف الشيء: مثله، وضعفاه: مثلاه، وأضعافه: أمثاله نعم هو

(8/549)


وبمنافع عبد ورثت عن الموصى له، وإن حددها بزمن فكالمستأجر، فإن قتل فللوارث القصاص، أو القيمة، كأن جنى إلا أن يفديه المخدم، أو الوارث فتستمر وهي ومدبر، إن كان بمرض فيما علم ودخلت فيه
__________
أقرب من جهة العرف وانظر كيف عده المصنف قولا، وإنما أشار ابن القصار إلى قوته من حيث اللغة انتهى كلام التوضيح.
قلت: ويقال مثله في كلامه بل يقال قد تبين بما نقله المصنف عن الجوهري أنه ليس أقوى من جهة اللغة، وأن الموافق للغة هو الأول، وإنما يوافق العرف فتأمله، والله أعلم. ص: (وهي ومدبر إن كان بمرض في المعلوم) ش: تصوره واضح.
فرع: فإن ادعى أهل الوصايا أن الميت علم به وأنكره في المرض حلف الورثة ما يعلمون أن الميت علم به ولم تدخل الوصايا فيه، وإن نكلوا حلف الموصى لهم ودخلت الوصايا فيه انتهى. من شرح ابن الحاجب لابن فرحون.
ص: (ودخلت فيه) ش: يعني أن الوصايا تدخل في المدبر في المرض إذا بطل بعضه هكذا قال المصنف رحمه الله في توضيحه: وحمل عليه كلام ابن الحاجب وغره في ذلك كلام صاحب الجواهر والذي يظهر أن هذا لا يتصور؛ لأن المدبر

(8/550)


وفي العمرى وفي سفينة وعبد شهر نقصهما، ثم ظهر السلامة قولان، ولا فيما أقر به في مرضه أو أوصى به لوارث، وإن ثبتت أن عقدها خطه أو قرأها ولم يشهد أو يقل أنفذوها لم
__________
في المرض يتقدم عليه أشياء مما يخرج من الثلث كفك الأسير ومدبر الصحة وصداق المريض والزكاة التي فرط فيها وأوصى بها ومتى ذكر مع ذلك، ويتقدم على أشياء كالعبد الموصى بعتقه، والوصية بالمال وما مع ذلك، ويشاركه في رتبته المبتل في المرض فإذا فرض ضيق الثلث، فإن كان ما يتقدم عليه قدم، فإن استغرق ذلك الثلث بطل التدبير الذي في المرض، وبطلت الوصايا كلها ولا إشكال في ذلك، وإن كان مع المدبر في المرض ما يتقدم هو عليه كالوصايا بالمال، وإن وسع الثلث المدبر في المرض جميعه واستغرق ذلك الثلث نفذ عتق المدبر في المرض، وبطلت الوصايا، وإن لم يسع الثلث إلا بعض المدبر نفذ منه ما وسعه الثلث ورجع الباقي رقيقا للورثة ولا يتصور دخول الوصايا فيه وكذلك إن كان معه ما هو في رتبته وهو المبتل في المرض، فإنهما يتحاصان في الثلث فيعتق من كل واحد منهما قدر ما حمله الثلث ولا يتصور دخول الوصايا في ذلك وما ذكره المصنف عن صاحب الجواهر هو كذلك في الجواهر، ونقله عن كتاب ابن المواز والمجموعة لكن الذي ذكره في الجواهر عن الكتابين المذكورين ذكره الشيخ ابن أبي زيد في النوادر عنهما وليس فيه ذكر في المرض، ولم أقف عليه إلا في كلام صاحب الجواهر وهو مشكل، فالصواب تركه، والله أعلم. ص: (وفي العمرى) ش: انظر مسائل

(8/551)


تنفذ وندب فيه تقديم التشهد ولهم الشهادة، وإن لم يقرأه وإلا فتح وتنفذ، ولو كانت الوصية عنده وإن شهد بما فيها، وما بقي فلفلان ثم مات ففتحت فإذا فيها وما بقي فللمساكين قسم بينهما، وكتبتها عند فلان فصدقوه أو أوصيته بثلثي فصدقوه يصدق إن لم
__________
الحبس من ابن سهل فإن فيه مسائل يتصور فيها دخول الوصايا في الحبس. ص: (وأوصيته بثلثي فصدقوه يصدق إن لم يقل لابني) ش: تصوره ظاهر من كلام الشارح.

(8/552)


لم يقل: لابني ووصيتي ووصيي فقط يعم
__________
مسألة: قال في معين الحكام في باب الوصايا إذا شهد شاهدان على وصية، أحدهما الذي جعل له الوصية ينظر فيها، فإن استعفى هذا الشاهد منها وامتنع من قبولها جازت شهادته ثم إن رأى القاضي بعد ذلك إعادته إلى النظر أعاده انتهى. وقوله: أحدهما الذي جعل له الوصية ينظر فيها يعني واحد الشاهدين على الوصية هو من أسند إليه النظر فيها. ص: (ووصيي فقط يعم) ش: قال في المدونة: " ومن قال: اشهدوا أن فلانا وصيي ولم يزد على هذا فهو وصيه في جميع الأشياء، وأبكار صغار بنيه ومن بلغ من أبكار بناته بإذنهن، والثيب بإذنها انتهى قال المشذالي: ظاهره دخول الإيصاء، وفي الطراز إذا قال: وصيي مسجلا يعني مطلقا، وكان إلى نظره محجور أجنبي أنه لا يدخل تحت هذا اللفظ المشذالي ذكر ابن الهندي قولين: أحدهما: ما ذكره صاحب الطراز أنه لا يكون داخلا تحت لفظه إلا إذا صرح بذلك، والثاني: أنه يتناول الجميع إلا إذا خصص ذلك بمال نفسه وولده وهذا الخلاف إنما هو إذا أتى بلفظ عام كما تقدم، وأما إن صرح بالوصيتين معا فلا إشكال ولا خلاف ثم يترتب على ذلك فرع وهو إذا قال الوصي الثاني: أنا أقبل وصيتك، ولا أقبل وصية الأول؛ لأن فيها ديونا وتخليطا، فقال ابن وهب في سماع أصبغ: له ذلك، وقال أصبغ: ليس له ذلك؛ لأن وصية الأول من وصية الثاني، فإن قبل بعضها لزمته كلها، قال ابن رشد: قول ابن وهب أظهر، قال ابن يونس: الذي أرى أن يقول له الإمام: إما أن تقبل الجميع أو تدع الجميع إلا أن يرى أن يقره على ما قبل، ويقيم من يلي وصية الأول انتهى. وذكر أبو الحسن القولين أيضا عن ابن الهندي، وقال في النوادر: وفي ترجمة الوصي يقبل بعض الوصية: ومن العتبية روى أصبغ عن ابن وهب فيمن أوصى إلى رجل بوصية وبما كان وصيا عليه فقبل وصيته في نفسه، ولم يقبل ما كان وصيا عليه فإن ذلك له ويوكل القاضي من يلي الأمر الأول، وقال أصبغ: إما قبل الجميع أو

(8/553)


وعلى كذا يخص به كوصي. حتى يقدم فلان
__________
ترك الجميع، وإن قبل البعض فهو قبول للجميع، وقال فيها أيضا عن كتاب ابن المواز: ولو أوصى إلى ميت ولم يعلم لم يكن وصيه له وصيا انتهى. وقال في مفيد الحكام: وللوصي أن يوصي إلى غيره إذا لم يمنعه الوصي من ذلك ولا مقال للورثة في ذلك ويقوم وصيه مقامه في كل ما كان إليه من وصية غيره إذا أوصى بذلك، وإن مات ولم يوص بذلك تولى الحاكم النظر في كل ما كان إليه وبيده ولم يجز له أن يهمله، وفي وثائق الجزيري: وإذا أوصى الوصي بماله وولده لم يكن وصيه وصيا على أمتاعه، وقدم القاضي عليهم إلا أن ينص على ذلك في عهده انتهى.
فروع: الأول: إذا قال: إن مت ففلان وكيلي فهذه وصية صرح بذلك في نوازل سحنون في كتاب الوصايا قال ابن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الوصي وكيل الميت فسواء قال في وصيته: فلان وصيي أو إن مت ففلان وكيلي وكل وصي وكيل، وليس كل وكيل وصيا انتهى.
الثاني: إذا قال وصيي على أولادي فلان وفلان وله أولاد صغار غيرهم فهل الإيصاء قاصر على من سمى أو يعم الجميع ؟ فيه تنازع بين الشيوخ قال ابن سهل في أحكامه الكبرى في أول كتاب الوصايا في ترجمة الوصايا بالأيتام، وفي مسائل القاضي أبي بكر بن زرب قال في رجل قال في وصيته وله أولاد صغار: قد جعلت النظر لولدي فلان وفلان إلى فلان بن فلان، وله أولاد غير الذي سمى أنهم يدخلون في الإيصاء، وإن لم يسمهم؛ لأنه لما قال: ولدي دخل جميعهم فيه فقيل له: كيف وقد سمى من أراد أن يولي عليهم؟ قال: لو أراد هذا لم يقل جعلت النظر لولدي فلان وفلان إلى فلان بن فلان، وإنما كان يقول: من ولدي قال وهذا كمن قال: عبيدي أحرار فلان، وفلان، وفلان، وسكت عن باقيهم فإنهم يعتقون أجمعون من سمى منهم ومن لم يسم، قال موسى: نزلت هذه المسألة فأفتى فيها بعض الشيوخ أنه لا يعتق إلا من سمى وغلط فيها، وأخذ بفتياه شيخه وحكم به، قال القاضي: أعرف وقت نزولها قال ابن سهل وفي سماع أصبغ في رسم القضاء المحضر من كتاب الصدقات: مسألة تشبه مسألة القاضي هذه وهي من تصدق على رجل بميراثه فقال: أشهدكم أني تصدقت على

(8/554)


أو إلى أن يتزوج زوجتي، وإن زوج موصى على بيع تركته، وقبض ديونه صح وإنما يوصي على المحجور عليه أب أو وصيه كأم، إن قل ولا ولي
__________
فلان بجميع ميراثي وهو كذا وكذا في العين، والبقر، والرموك، والرقيق والثياب، والدور، والبور إلا الأرض البيضاء فإنها لي، وفي تركة الميت جنان لم ينصها وغير ذلك، قيل له: هل يكون ما نص وما لم ينص للمتصدق عليه إلا ما استثنى أم ليس له إلا ما نص قال أصبغ: له كل شيء إلا ما استثنى إذا كان يعرفه والجنان داخلة في الصدقة إن كان يعرفها؛ لأنه إنما استثنى الأرض البيضاء ولم يستثن الجنان فتدبر هذه الجملة فلولا استثناء المتصدق الأرض البيضاء لكانت كمسألة القاضي سواء انتهى. وقال المشذالي في كتاب الوصايا الأول: وأما مسألة الشيوخ المشهورة فأشار إليها ابن سهل في أول الوصايا وذكر كلام ابن سهل المتقدم برمته بلفظه، والله أعلم.
الثالث: إذا أوصى بوصية وذكر فيها أن الوصي على أولاده فلان ثم أوصى بوصية أخرى وغير ما كان أوصى به أولا إلا أنه لم يتعرض للموصى ولم يجعل وصيا على أولاده في الوصية الثانية إلا أنه قال: إن هذه ناسخة لكل وصية قبلها قال ابن رشد: لا يكون ذلك ناسخا لإيصائه على أولاده، ذكره في نوازله.
ص: (إلا أن تتزوج زوجتي) ش: قال ابن غازي أي فهي وصيتي ما دامت انتهى. وما قاله أظهر مما حل به الشارح كلام المؤلف.
مسألة: فلو أوصى بشيء على شرط فلم يوف به الموصى فإنه يرده قاله في معين الحكام في كتاب الوصايا لو أوصى لأم ولده على أن لا تتزوج بوصية فتوفي ونفذت الوصية لها ثم تزوجت فإنها ترد ما أخذت انتهى.
ص: (وإنما يوصي على المحجور عليه أب أو وصيه كأم إن قل ولا ولي ورث عنها) ش: قال ابن عرفة: الموصي إن كان بالنظر لمحجور اختص بالأب

(8/555)


وورث عنها لمكلف مسلم عدل كاف، وإن أعمى وامرأة وعبد، وتصرف بإذن سيده، وإن أراد الأكابر بربيع موصى اشترى للأصاغر،
__________
الرشيد والوصي والحاكم فيها مع غيرها صحة وصية الأب إلى غيره بصغار بنيه وأبكار بناته وأما إن مات الوصي فأوصى إلى غيره جاز ذلك وكان وصي الوصي مكان الوصي في النكاح وغيره بخلاف مقدم القاضي، وقيل: مثله وأخذ من قولها في إرخاء الستور. وإن لم يكن لليتيم الطفل وصي فأقام له القاضي خليفة كان كالموصي في جميع أموره، وفيها لا تجوز وصية الجد بولد ولده، ولا أخ بأخ له صغير، وإن لم يكن لهم أب ولا وصي، وإن قل المال بخلاف الأم اللخمي قال ابن القاسم في كتاب القسم: من أوصى لأخيه بمال وهو في حجره لم يقاسم له ولم يبع وأجاز ذلك أشهب في مدونته فعلى قوله: تجوز وصيته بما يرث إن لم يكن له وصي وكل هذا فيما صار له من مال بميراث وما تطوع به الميت فالوصية به تجوز وأن يكون القابض ممن رضيه الميت، وإن كان للمولى عليه أب أو وصي فإذا قال يكون ذلك موقوفا على يدي فلان حتى يرشد أو قال: يدفع إلى المولى عليه يتسع به في ملبس أو مطعم لم يكن لأبيه ولا

(8/556)


وطرو الفسق يعزله، ولا يبيع الوصي عبدا يحسن القيام بهم،
__________
لوصيه قبض ذلك ولا يحجر عليه فيه؛ لأنها هبة من الموصي على صفة. وأجاز ابن القاسم لملتقط أن يقاسم له ويقبض ما أوصى له به ومنعه في الأخ. وإن كان في حجره والأخ أولى؛ لأنه جمع القيام والنسب، وفيها لا يجوز إيصاء الأم بمال ولدها الصغير إلا أن تكون وصية من قبل أبيه، وإلا لم يجز إذا كان المال كثيرا، وينظر فيه الإمام، وإن كان يسيرا نحو الستين دينارا جاز إسنادها فيه إلى العدل فيمن لا أب له ولا وصي فيما تركته له، وقال غيره: لا يجوز لها أن توصي بمال ولدها، قال ابن القاسم في كتاب القسم: وإجازة مالك ذلك استحسان ليس بقياس. وإن كان الإيصاء بغير ذلك من قضاء دين أو تفرقة ثلث جاز ذلك من كلام مالك انتهى. كلام ابن عرفة بلفظه، وقال في كتاب القسم من المدونة إثر الكلام الذي نقله ابن عرفة عنها: ولا يكون وصي العم والجد والأخ وصيا في يسير مال ولا كثيره، والأم بخلافهم إذ لها اعتصار ما وهبت لولدها كالأب وليس للأخ والجد أن يعتصرا، قيل: فما يصنع بهذا المال الذي أوصوا به، قال: ينظر فيه السلطان ويحوزه على الصغير والغائب انتهى، ونقله ابن يونس.
تنبيهات: الأول: ليس للأب أن ينصب وصيا على كبار أولاده إلا أن يكونوا محجورا عليهم، قال في النوادر في الوصايا الأول في ترجمة الوصي يبيع تركة الميت لدين ناقلا له عن أشهب في المجموعة: وليس له أن يولي على كبار ولده أحدا انتهى. يريد إذا لم يكونوا محجورا عليهم قال ابن شاس: ولا يصح نصب الوصي على ذكور أولاده البالغين إلا أن يكونوا محجورا عليهم نعم ينصب وصيا عليهم في قضاء الديون وتنفيذ الوصايا، ونص على ذلك غير واحد.

(8/557)


__________
الثاني: قول المصنف: "وإنما يوصي على المحجور عليه أب" هذا إذا كان الأب رشيدا كما تقدم في كلام ابن عرفة حيث قال: إن كان بالنظر لمحجور اختص بالأب الرشيد فأما إن كان الأب سفيها وهو في ولاية أبيه فللجد الولاية على ولد ولده ويوصي عليهم، ويكون وصيه عليهم، وقيل لا يكون وصيه وصيا عليهم، قال في العتبية في رسم المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب النذور: وسئل عن رجل حلف في رقيق لابنه أن يبيعهم بثمن سماه وللحالف أب فقال له: أنا أبيعهم ليس هم لك فقال له: أسفيه هو يريد الحالف؟ فقال: لا، فقال: لا أرى أن يبيعهم قال ابن رشد في قوله: "لا أرى أن يبيعهم إذا لم يكن سفيها" دليل على أن له أن يبيعهم إذا كان سفيها فجعله في حكم الوصي على ولد ابنه ما دام ابنه سفيها فيلزم على هذا أن يكون وصي الأب وصيا على ولد الولد الذين إلى نظره بإيصاء الأب وهو نحو ما في مختصر ابن شعبان عن مالك أن للموصى أن يزوج بنات يتيمه بعد بلوغهن، وإن رضي الأب بذلك قبل أن يبلغن لم يلتفت إلى رضاه لسقوط ولايتهن كاليتامى، قال ابن وهب في سماع أصبغ: والرفع إلى السلطان أحسن وأبين من ذلك أي مما في مختصر ابن شعبان ما في كتاب ابن المواز أن المولى عليه إذا قتل وله ولد ولد صغير أن وصي الأب أولى من عمومة الصبي بالدم، وقد كان بعض شيوخنا لا يرى وصي الأب وصيا على صغار الولد الموصى بهم وبالله التوفيق انتهى. وحكى القولين ابن رشد أيضا في سماع أصبغ من كتاب النكاح في شرح مسألة تزويج السفيه أخته أو وليته، ونقله ابن سلمون في وثائقه في ترجمة السفيه والمحجور ولا وصي من قبل الأب، ونصه: وأما نكاح الوصي بنات محجوره فالرواية بذلك منصوصة عن مالك ومعناه في الأبكار والثيبات اللائي لم يملكن أمور أنفسهن وقد كان بعض الشيوخ يقول: إنه لا يكون وصيا على ولد محجوره إلا بتقديم السلطان فعلى هذا لا يزوج واحدة من بناته، وفي مسائل ابن الحاج قال: اختلف الشيوخ في الرجل إذا كان وصيا على سفيه فولد للسفيه ولد فهل للوصي أن ينظر على ابن السفيه كما ينظر على أبيه أم لا؟ فذهب ابن زرب إلى أنه لا ينظر عليه إلا بتقديم. وخالف ابن عتاب وابن القصار في ذلك فقالا: إنه ينظر عليه كما ينظر على أبيه، قال: والقضاء عندنا بذلك انتهى. وأما مقدم القاضي فقال ابن سهل في باب الحجر في ترجمة مقدم القاضي: هل له التكلم على أولاد محجوره دون تقديم أم لا؟ الذي تقتضيه الروايات أن له ذلك، والذي جرى به عمل القضاة أنه لا يكون له ذلك إلا بتقديم، وانظر كتاب الأقضية منه في الكلام على الاستخلاف، والله أعلم.
الثالث: إذا قدم القاضي ناظرا على اليتيم ثم ظهر وصي من قبل الأب فله رد أفعاله، نقله البرزلي في الوصايا، وفيه أيضا إذا أوصى لشخص ثم ظهر شخص آخر بوصية فانظره.

(8/558)


ولا التركة إلا بحضرة الكبير
__________
ص: (ولا التركة إلا بحضرة الكبير) ش: وسواء أراد الوصي بيع التركة لقضاء الدين أو لتنفيذ الوصايا أو لغير ذلك، فإن لم يكن الأكابر حضورا رفع الأمر للحاكم فيأمره بالبيع ويأمر من يلي معه البيع للغائب أو يقسم ما ينقسم، قال في المدونة في كتاب الوصايا: ولا يبيع الوصي على الأصاغر التركة إلا بحضرة الأكابر، فإن كانوا بأرض نائية، وذلك حيوان أو عروض رفع ذلك إلى الإمام فأمر من يلي معه البيع للغائب انتهى. قال في العتبية في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب الوصايا:
مسألة: وسئل عن الوصي يبيع المتاع بغير إذن الورثة قال: فإن كانوا كبارا قد رضي حالهم ونساء ثيبات أو متزوجات قد برزن ورضي حالهن، فلا يبيع إلا بإذنهن، فإن باع رد المتاع؛ لأنه إنما أوصى بالآخرين الذين يولى عليهم، ولم يوص إليه بهؤلاء إنما هؤلاء شركاء في هذا المتاع، قيل له: فإن فات وأصاب وجه البيع فكأنه يقول: مضى، قال أصبغ: لا أرى ذلك وأرى للورثة رده إلا أن يكون له ثلثه موصى به مع ذلك يحتاج إلى تحصيل المال، وبيعه وجمعه فيكون ذلك له إلا العقار، والرباع فلا أرى ذلك له دونهم؛ لأنه مأمون، وأنه مما يقسم وقسمته غير ضرر، وإن لم يكن له ثلث على ما وصفت فهو مردود على الورثة البالغين المالكين حصصهم أو يأخذون مما بلغ كالشركاء في السلع المفترقة التي لا تجمع في القسم فهم كالشركاء الأجنبيين للميت قال ابن رشد: قول ابن القاسم فيما باع الوصي على الصغار من المال والمتاع المشترك بينهم وبين الكبار: إن البيع يرد ما لم يفت، فإن فات من يد المشتري ببيع أو هبة أو بتحويله عن حاله مثل أن يكون ثوبا فيصبغه أو غزلا فينسجه أو طعاما فيأكله وما أشبه ذلك، وقد أصاب الوصي وجه البيع مضى، وهذا استحسان والقياس أن لا ينفذ البيع على الكبار بحال فات أو لم يفت، وكذلك قال سحنون: لا يجوز بيع الوصي على الكبار بقليل ولا كثير أصاب البيع أو لم يصب؛ لأنه مالهم وهم أحق، وأولى بالنظر لأنفسهم، قال: وهم أيضا أولى بكل ما باع من مال الميت إذا كان لهم رأي في شراء شيء مما يباع من التركة في ثلثه فكيف يجوز أن يباع عليهم ما لهم أنفسهم بلا مرادهم هذا خطأ، وكذلك قول أصبغ أيضا: البيع يمضي إذا فات إن كان له ثلث موصى به إليه فيحتاج إلى تحصيل المال وجمعه وبيعه إلا في العقار استحسان أيضا والقياس لا ينفذ على الكبار البيع في حظوظهم من ذلك كله إلا بإذنهم كالشركاء الأجنبيين للميت ولأشهب في كتاب ابن المواز: للموصى أن يبيع الحيوان والرقيق والعقار لتأدية الدين،

(8/559)


__________
وتنفيذ الوصية، وإن كان في الورثة كبار لا يولى عليهم أو كانوا كبارا وقد قيل إنه ليس له بيع شيء من العقار إلا الثلث وهو أحب إلي وقد مضى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم طرف من هذا المعنى، وبالله التوفيق انتهى. ونص ما أشار إليه في رسم الشجرة: وسئل عن الوصي يريد بيع متاع الرجل مساومة ويرى أن ذلك خير له مثل ما يسومه الرجل في الدار وما أشبهه فينهيه ويرى أن بيعه غبطة قال: لا بأس بذلك باع مساومة أو ممن يزيد إذا كان ذلك منه على وجه النظر، قال ابن رشد: معناه في الوصي على الثلث إذا باع بإذن الورثة على الصغار إذا باع بإذن الكبار أو في الوصي على الصغار إذا لم يكن لأحد معهم في ذلك مشترك وأما إذا كان وصيا على الصغار وهم شركاء مع الكبار فيباع الجميع بغير إذنهم فلا يجوز ذلك عليهم وكذلك إذا كان وصيا على الثلث فباع بغير إذن الورثة، وبالله التوفيق. وقال في النوادر في كتاب الوصايا: قال أشهب في المجموعة في كتاب ابن المواز في الوصي يبيع الرقيق والحيوان وغيره يريد لإنفاذ وصاياه، وفي الورثة غائب كبير لا يولى عليه فذلك له وكذلك لو كان عليه دين ولو أوصى بوصية أو بالثلث صدقة أو غيرها والورثة كبار كلهم فله بيع العقار وغيره، وفيها قول أنه ليس له بيع شيء من العقار إلا الثلث، وهو أحب إلي وكل ما له فيه بيع العقار فله بيع ما سواه من الحيوان وغيره وإذا لم يكن عليه دين ولا أوصى بوصية، ولم يترك عقارا والورثة كلهم كبار غيب أو بعضهم غيب فله بيع ما كان من العروض والحيوان بخلاف الرباع، وإن كانوا حضورا، محمد أو قربت غيبتهم، فليس له بيع شيء ولا للسلطان وله بيع ذلك في الغيبة البعيدة، قال ابن القاسم: إذا رفع ذلك السلطان حتى يأمره أو يأمر من يبيع معه، ومن المجموعة ونحوه في كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم وأشهب: إذا كانوا أصاغر وأكابر فلا بيع حتى يحضر الأكابر قال ابن القاسم: وإن غابوا بأرض نائية وترك حيوانا ورقيقا وعروضا فله بيع ذلك ويرفع ذلك إلى الإمام حتى يأمر من يبيع على الغائب قال أشهب: إن قربت غيبتهم فليبع ما يخاف عليه ويرى أن بيعه أفضل للجميع، ويقسم الثمن إذا قدموا، وإن شاء قسمه في غيبتهم ثم من تلف حقه كان منه صغيرا كان أو كبيرا وكذلك إن كان الورثة عصبة، قال سحنون: كيف يبيع على الورثة الكبار الغيب بغير أمر السلطان وكيف يقسم بينهم ثم ذكر كلام العتبية المتقدم في سماع عيسى، وقال اللخمي في كتاب القسمة بعد أن ذكر الخلاف المتقدم: وأصل المذهب، والمعروف منه أنه لا يقسم الموصى على الغيب الكبار ولا يبيع لدين ولا لغيره ولو جاز أن يقسم الثلث من الثلثين لجاز أن يقسم بين الصغار والكبار انتهى. ونقله ابن عرفة في كتاب القسمة وقبله، فيتحصل من هذا أنه اختلف هل يجوز بيع الوصي التركة لقضاء الدين وتنفيذ الوصايا إذا كان الورثة غيبا كبارا أو فيهم غائب كبير أم لا؟ فأجاز ذلك أشهب حتى في العقار ومنع ذلك غيره وهو المعروف من المذهب حتى يرفع إلى

(8/560)


__________
السلطان فيأمره بالبيع أو يأمر من يبيع معه للغائب أو يقسم ما ينقسم، وإذا كان هذا القول هو المعروف في المذهب فأحرى أن يمنع بيعه لغير ذلك حتى إلى السلطان، ويرد إن وقع وما تقدم من الأقوال فكلها استحسان على غير قياس كما تقدم بيان ذلك، والله أعلم.
فرع: فإن مات في سفر فلأوصيائه بيع متاعه وعروضه؛ لأنه يثقل حمله قاله في النوادر بل ذكر البرزلي في كتاب السلم عن أبي عمران أن من مات في سفر بموضع لا قضاة فيه ولا عدول ولم يوص، فاجتمع المسافرون وقدموا رجلا باع هناك تركته ثم قدموا بلد الميت، فأراد الورثة نقض البيع إذا لم يبع بإذن حاكم، وبلده بعيد من موضع الموت إن ما فعلته جماعة الرفقة من بيع وغيره فجائز، قال: وقد وقع هذا لعيسى بن مسكين وصوب فعله وأمضاه، وذكر الداودي أنه مر بتركة رجل غريب يذكر أنه من أجوار فاس وورثته مجهولون، ودفع الثمن إلى ثقات من أهل المغرب وأمرهم بالبحث عن ورثته، فإن يئس منهم تصدق به على الفقراء وذكر رجل أنه تسلف من الميت دينارا فأمره بدفعه لأولئك الثقات ويبرئه ذلك إذا أشهد على الدفع انتهى.
تنبيه: علم مما تقدم أن تنفيذ الوصايا من قضاء دين أو وصية أو بالثلث أو صدقة أو غيرها لوصي الميت ويفهم ذلك أيضا من كلام المدونة في الوصايا، وفي القسمة وقال في اللباب: وتنفيذ الوصية لوصي الميت انتهى. وسيأتي في كلام المصنف أن للوصي اقتضاء ما للوصي من الديون والتأخير بالنظر ويأتي هناك حكم قضاء الوصي ما على الميت من الدين إذا لم يشهد به غيره وكذلك حكم ما عليه من الوصايا والحقوق دون غيره، ومسألة اختلاف أهل الوصايا والديون مع الوارث في البيع نقلها في اللباب وحصل ابن رشد في البيان في رسم الوصايا الثاني من سماع أشهب من كتاب الوصايا الأول خمسة أقوال وأطال الكلام في ذلك، فليراجعه من أراده، ومسألة إرسال الوصي مال الورثة ذكرها في المدونة في كتاب الوديعة، ومسألة إرسال القاضي مال الورثة ذكرها في أوائل المنتخب، وفي أواخر باب الأقضية من ابن عرفة، وفي آخر القسم الخامس من الركن السادس من تبصرة ابن فرحون، وفي باب الجهاد من حاشية المشذالي.
فرع: ذكر البرزلي عن ابن رشد مسألة وهي ما إذا باع الوصي عقارا أكثر من حصة الميت وفرقه أنه لا رجوع على الوصي، والمسألة في مسائل الوصايا من نوازل ابن رشد، ونصها: وكتب إليه القاضي عياض يسأله عن رجل أسندت إليه وصية بثلث فنظر مع الورثة في بيع التركة حتى خلصت وفرق الثلث على معينين وغير معينين حسبما في الوصية وكان في التركة شخص يشارك فيه بعض الورثة، وغيره فبيع فيما بيع واشتراه الشريك الوارث وتوزع ثمنه على قدر المواريث والوصية فلما كان بعد مدة تأملت القصة فإذا قد وقع فيها غلط ووهم وقد

(8/561)


__________
بيع من الربع من المواريث أكثر من نصيب الميت وتبين ذلك وثبت ووجب له الرجوع بالثمن في التركة إذا لم يجز سائر الأشراك بيع الزائد فأخذ من كل وارث مصابه، وبقي ما للثلث وقد فرق كما ذكر فأجاب: لا ضمان على الوصي فيما نفذه مما يجب من الثمن للحصة الزائدة على حق الميت ويرجع المبتاع بما ناب الموصى من ذلك ويرجع هو على من وجد من الموصى لهم المعينين وتكون المصيبة منه فيمن لم يجد منهم، وفيما فرق على المساكين غير المعينين على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك الذي نعتقد صحته وبالله تعالى التوفيق انتهى.
مسألة: قال ابن رشد في نوازله في باب الوصايا: إذا أوصى بوصية كفك أسير أو غير ذلك من وجوه البر، وجعل تنفيذ الوصية إلى رجل أجنبي أو وارث وشرط في تنفيذ الوصية دون مشورة قاض ولا تعقب حاكم فلا يجوز لأحد من القضاة والحكام أن يتعقب شيئا من ذلك ولا ينظر فيه والأمر في ذلك للورثة، فإن كانت الوصية مما يبقى لهم فيه منفعة كالعتق وشبهه كان لهم أن يقوموا حتى يعلموا أنها قد نفذت كان المتقدم لها وارثا أو أجنبيا، وإن كانت الوصية مما لا يبقى فيه منفعة كالصدقة فلا قيام لهم في ذلك إلا أن يكون المنفذ وارثا انتهى. قال في النوادر أيضا قبل ذلك بنحو الورقة في باب الوصايا سؤال سأله عنه القاضي عياض، ونصه: المقدم على تنفيذ ثلث الميت إذا أراد مقاربة الورثة ومسامحتهم، وقد جعل له في التقديم أنه لا اعتراض عليه من حاكم وغيره بوجه من الوجوه هل للحاكم النظر في تحصيل الثلث والحوطة عليه ثم بعد ذلك يفوض نظره إليه إذ التفويض إنما هو في التفريق وحده أم لا سبيل للحاكم إليه؟ فأجاب لا يجوز للمقدم على تنفيذ الثلث مقاربة الورثة ولا مسامحتهم في ذلك، وإن اتهمه القاضي بذلك شرك معه من يثق به في تحصيل الثلث ثم يكل تنفيذ ذلك إليه في الوجوه التي جعل تنفيذها فيه أو بما يراه باجتهاد إن كان فوض إليه النظر في ذلك، لقول الموصي ولا اعتراض عليه من حاكم ولا غيره وهذا في الوصي المأمون وأما في غير المأمون الذي يخشى عليه على الوصية ولا ينفذها فيكلفه إقامة البينة على تنفيذها على معنى ما وقع في سماع أشهب من كتاب الوصايا، فإن لم يأت بالبينة على ذلك ضمن إن كان سارقا معلنا، وإن كان متهما ولم يكن بهذه الصفة استحلف ولم يضمن إلا أن ينكل عن اليمين، وإن كان مأمونا لم تكن عليه يمين وهو محمول على أنه مأمون حتى يثبت أنه غير مأمون انتهى. وما ذكره عن سماع أشهب هو في رسم الوصايا من كتاب الوصايا الثاني، ونصه: وسمعته يسأل عمن أوصى إلى رجل بوصايا من عتق وصدقة وغير ذلك فأراد الورثة أن يكشفوه عنها وأن يطلعهم عليه فقال: أما الصدقة فليس لهم أن يكشفوه عنها إذا كان غير وارث إلا أن يكون سفيها معلنا مارقا فيكشف عن ذلك ولهم أن يكشفوه، وإن كان غير وارث ولا سفيه عن العتق؛ لأن ذلك يعقد لهم الولاء فأما إذا كان الموصى إليه سفيها معلنا فأرى أن يكشف عن ذلك كله فإن من الأوصياء من يقبض عن الوصية فلا ينفذ منها شيئا

(8/562)


__________
قال ابن رشد: هذا كما قال، أن الوصي يكشف عما جعل إليه من تنفيذ الوصية بالصدقة وغير ذلك مما لا يبقى فيه منفعة للورثة إذا كان سفيها معلنا مارقا يبين ما تقدم من قوله في سماع ابن القاسم في أنه ليس للورثة أن يقوموا معه في تنفيذ الوصية إلا أن يكون مما يبقى له فيه منفعة كالعتق وشبهه وقوله إنه يكشف عن ذلك إذا كان سفيها معلنا مارقا معناه أنه يكلف إقامة البينة على تنفيذ الوصية فأما إن لم يأت ببينة على ذلك وتبين نقيضه عليها أو استهضامه لها ضمه إياها، وإن لم يكن بهذه الصفة من الاشتهار بالسفه والمروق واتهم استحلف، فإن نكل عن اليمين ضمن، وإن كان من أهل العدل والثقة لم تلحقه يمين وهو محمول على الثقة والعدالة حتى يعرف خلاف ذلك من حاله ا هـ، وبالله التوفيق. ونص ما أشار إليه في أول سماع ابن القاسم قال سحنون أخبرني ابن القاسم قال سمعت مالكا قال في الرجل يوصي بأن يعتق عنه وأن يحمل عنه في سبيل الله ويستخلف على ذلك وارثا فيريد بعض الورثة أن ينفذ ذلك وينظر فيه معه قال: إن كان وارثا رأيت ذلك عليه، وإن لم يكن المستخلف وارثا فليس ذلك عليه إلا فيما تبقى منفعته للورثة كالعتق، وما أشبهه قال ابن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أن الرجل إذا استخلف على تنفيذ وصيته وارثا من ورثته فليس له أن يغيب على تنفيذ ذلك دون سائرهم، ولمن قام مع ذلك أن ينفذ ذلك وينظر معه مخافة أن يكون أوصى إليه، والوصية للوارث لا تجوز إلا أن يجيزها الورثة سواء سمى الميت ما ينفذها فيه من عتق أو صدقة، قال في البيان: أو بما سوى ذلك من وجوه البر أو كان قد فوض إليه حيث أراه الله، وأنه استخلف على ذلك غير وارث عليه أن ينفذ عليه شيئا من ذلك بحضرتهم ولا لهم أن يكشفوه عن ذلك، قال في الرواية: إلا فيما تبقى منفعته للورثة كالعتق وشبهه والمنفعة التي تبقى في العتق هو الولاء الذي ينجر عن المتوفى إلى من يرثه عنه فلا يختص: بذلك الورثة دون غيرهم إذ قد يرثه من لا ينجر إليه من الولاء شيء وهم البنات والأخوات والزوجات والأمهات والجدات، وقد ينجر إلى من لم يرثه ممن حجب عن ميراثه من الإخوة والعصبة فالحق في كشف الوصي الأجنبي عن العتق إنما هو ممن ينجر إليه الولاء عن الميت، وإن لم يكن وارثا ولا كلام لمن ينجر إليه الولاء عنه، وإن كان وارثا له والذي يشبه العتق في بقاء المنفعة للورثة هو الإخدام والتعمير والتحبيس، فأما الإخدام والتعمير فالحق فيه لجميع الورثة؛ لأن المرجع في ذلك إليهم وأما التحبيس فمنه ما يرجع إلى أقرب الناس بالمحبس، ومنه ما يختلف هل يرجع إلى ورثته أو إلى أقرب الناس به فالحق في بالمحبس الذي يرجع إلى أقرب الناس بالمحبس لمن رجع إليه منهم والحق في الحبس الذي يختلف هل يرجع إلى ورثته أو إلى أقرب الناس إليه لجميع ورثته وأقاربه من الرجال والنساء من قام منهم كان له كشفه عنه حتى يعلم أنه قد أنفذه لما قد يكون له فيه من المنفعة باتفاق أو على اختلاف وهذا في الوصي المأمون وأما غير المأمون فيكشف عن الوصايا من العتق والصدقة بالعين وغير ذلك على ما قاله

(8/563)


__________
في رسم الوصايا من سماع ابن القاسم أن السفيه المعلن المارق يكشف عن كل شيء من الصدقة وغيرها وهو محمول على أنه مأمون حتى يتبين أنه غير مأمون، وعلم من لفظ السماعين المذكورين أنه لا فرق في الحكم المتقدم بين أن يشترط الوصي للموصى تنفيذ الوصية دون مشورة قاض ولا تعقب حاكم، وأنه لا اعتراض عليه من حاكم وغيره بوجه من الوجوه كما ذكر ذلك في السؤال في النوادر، ولا يشترط ذلك كما في لفظ السماعين المذكورين، والله أعلم. ومن هذا المعنى مسألة كتاب الوديعة والشهادة من المدونة، ونصها على ما في كتاب الوديعة ولو أمرته بصدقة على قوم معينين، فإن صدقه بعضهم وكذبه بعضهم ضمن حصة من كذبه ولو أمرته بصدقة على غير معينين صدق مع يمينه إن لم يأت ببينة انتهى. قال أبو الحسن: هذه المسألة تبين مسألة كتاب الشهادة، قال فيه: فإن كانوا غير معينين صدق ولم يذكر هناك يمينا ابن يونس يحلف إذا كان متهما انتهى. ومن هذا المعنى كشف وارث المحجور الوصي عما بيده، فقال ابن رشد في نوازله في كتاب الصدقات: وليس للوارث المحجور، ولا لوليه أن يكشف الوصي عما بيده لمحجوره، ولا أن يأخذ منه نسخ عقوده ولكن للقاضي أن يجبر الوصي على أن يشهد لليتيم بماله بيده انتهى. ونقله ابن سلمون في الوصايا، ونصه: وسئل ابن رشد في رجل له ولي محجور، وله مال وتصدق عليه بصدقات ونحل نحلا، فطلب هذا الرجل من وصيه أو من الحاكم نسخ تلك العقود وقام في الكشف لوصيه عما في يده من مال المحجور إذا زعم أنه وارثه وأن المال لما توفي هذا المحجور صار إليه، هل له في ذلك حجة أم لا؟ فقال: ليس لوارث اليتيم أن يستكشف وصيه عما له بيده من المال أو يخاصمه في ذلك ولا أن يأخذ منه نسخ عقوده، وعلى الوصي أن يشهد ليتيمه بماله بيده، فإن أبى من ذلك أخذه الحاكم ببيانه أن يوقف فيعين مال اليتيم عنده انتهى. وقال في العتبية في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب الوصايا: وسئل يعني مالكا فقيل له: إن سيدي كاتبني وأوصى إلي فسألني بعض موالي وهو ولد سيدي عما في يدي، وعما ربحت فيه، وأنا عند الناس كما أحب أفذلك علي؟ قال: لا أرى ذلك عليك أليس ما في يدك مال معروف، قال: بلى ولكنه يريد أن يعلمه، ويعلم ما ربحت فيه، قال ابن رشد: وقوله: "وأوصى إلي" يريد أنه أو أوصى إليه بالنظر على بنيه فلم ير عليه أن يخبره بما ربح في مال اليتيم الذي هو ناظر فيه لولده؛ لأن الوصي لا يلزمه أن يكشف عما بيده إلا إذا خيف عليه أن يكون قد أتلفه وهو محمول على الأمن من ذلك حتى يثبت خلاف ذلك من حاله فإذا كان ما في يده من المال معروفا فلا يلزمه أن يكشف عنه ولا يخبر بما ربح فيه؛ لأن ذلك غضاضة عليه إذ لا يفعل ذلك إلا بمن لا يوثق به، وسيده قد استأمنه ووثق به فهو محمول على ذلك انتهى. ومن هذا المعنى كشف المرأة الموصى إليها بولدها إذا تزوجت حسبما ذكره في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا الأول، ونصه: وسئل مالك عن امرأة هلك زوجها وأوصى إليها بولدها وبما كان له من

(8/564)


ولا يقسم على غائب بلا حاكم، ولاثنين حمل على التعاون
__________
مال فتزوجت المرأة وخيف على المال أترى أن يكشف؟ قال مالك: إن كانت المرأة لا بأس بحالها فلا أرى ذلك، وإن كانت بخلاف ذلك كشف ما قبلها. قال ابن رشد: إنما قال: إنه يكشف ما قبلها إن كان يخاف على المال عندها ولا يكشف إن كان لا بأس بحالها ولم يبين ما تحمل عليه من جهل حالها والظاهر من قول مالك في رسم الوصايا من سماع أشهب بعد هذا أن المرأة إذا تزوجت غلبت على حال أمرها حتى تعمل ما ليس بصواب إنها عنده محمولة على الخوف عليها إذا تزوجت فيكشف ما قبلها إلا أن يعلم أنه لا بأس بحالها، وقال ابن المواز: قال ابن القاسم: ووجه ما سمعت هذا في المال أن ينظر إلى حالها، فإن رضي حالها وسيرتها، والمال يسير لم يؤخذ منها محمد ولم يكشف إن كان المال كثيرا، ولا هي مقلة وخيف من ناحيتها. وأرى أن ينزع المال منها، وقاله أصبغ وهي على الوصية على كل حال إلا أن تكون مبرزة إلا من إبقاء المال عندها بعد النكاح في الحزم والدين واليسير والحرز فيقر بيدها
قلت: وإذا خيف على المال عندها فنزع منها ولم تعزل هي عن الوصية فليقدم معها من يكون المال عنده ويشاورها في النظر انتهى. وبالله التوفيق.
ص: (ولا يقسم على حاكم غائب بلا حكم) ش: هذا نحو قوله في قسمة المدونة: إذا كان في الورثة كبير غائب لم تجز قسمة الوصي عليه ولا يقسم لغائب إلا الإمام ويوكل بذلك ويجعل ما صار له بيد أمين وليس للوصي أن يقول: أبقوا حق الغائب بيدي انتهى أوله بالمعنى. وقال البرزلي في مسائل القسمة: سئل أبو محمد عمن هلك وترك ورثة أحدهم غائب وترك حائطا اقتسموه بمحضر جمع لا بأمر السلطان، وعزلوا للغائب حظه ووقع البيع في بعض تلك الحظوظ، والاستغلال في بعضها، والعمارة ثم قدم الغائب هل يمضون القسم عليه أم لا؟ وهل تكون الغلة لمن اغتل أم لا؟ وهل يمضي البيع والتفويت أم لا؟ فأجاب بأن القسمة فاسدة، وترد البياعات، وما اغتله المتقاسمون فعليهم رده أو مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل ويكون بينهم وما اغتله المشترون، فإن كانوا عالمين بالغائب فعليهم رد حظه إليه من الغلة، وإن كانوا غير عالمين فلا شيء عليهم من الغلة ويكون لهم أجر قيامهم وتعبهم البرزلي هذا نحو قوله في المدونة: وذكر ما تقدم.
ص: (والاثنين حمل على التعاون) ش: قال في الوصايا الأول من المدونة، وإن أوصى إلى وصيين فليس لأحدهما بيع ولا شراء ولا نكاح ولا غيره دون صاحبه إلا أن يوكله قال غيره: لأن لكل واحد منهما ما لصاحبه، قال ابن القاسم، فإن اختلف نظر السلطان ثم ولا

(8/565)


وإن مات أحدهما أو اختلفا فالحاكم، ولا لأحدهما إيصاء
__________
يخاصم أحد الوصيين خصما للميت إلا مع صاحبه ومن ادعى على الميت دعوى وأحدهم حاضر خاصمه، ويقضى له ويكون الغائب إذا قدم على حجة الميت انتهى. زاد اللخمي إثر قول المدونة ولا يخاصم أحد الوصيين خصما للميت إلا مع صاحبه إلا أن يوكله أو يكون غائبا انتهى. وقال ابن حارث في أصول الفتوى: ولا يخاصم أحد الوصيين دون صاحبه فيما يطلبونه من مال الميت، وجائز أن يخاصم أحدهم فيما يطلب به الميت؛ لأن القضاء على الغائب جائز، ويكون الغائب على حجته انتهى. فإن أنكح أحدهم بغير إذن الآخر فقد تقدم في النكاح أنه نكاح فاسد، فإن باع أو اشترى دون صاحبه وأراد صاحبه رده رفعه للسلطان قال اللخمي: فإن فعل وأراد الآخر رد فعله، فإن رآه صوابا أمضاه وإلا رده، فإن فات المشتري بالبيع كان على الذي انفرد بالبيع الأكثر من الثمن أو القيمة، وإن اشترى وفات البائع بالثمن كانت السلعة المشتراة له وغرم الثمن، وقال أشهب: إلا في الشيء التافه الذي لا بد لليتيم منه مثل أن يغيب أحدهما فيشتري الباقي الطعام والكسوة وما يضر باليتيم استئجاره انتهى. ونقله في التوضيح، وقال في آخر كتاب الرهون من مختصر المدونة لابن أبي زيد: وللوصي أن يرهن من مال اليتيم

(8/566)


ولا لهما قسم المال وإلا ضمنا
__________
رهنا فيما يبتاع له من مصالحه كما يتداين عليه ولا يدفع أحد الوصيين رهنا من التركة إلا بإذن صاحبه، وإن اختلف نظر الإمام، وكذلك البيع والنكاح انتهى، والله أعلم.
تنبيه: قول المصنف: "حملا على التعاون" هذا إن أطلق الميت وأما إن نص على اجتماع أو انفراد فلا إشكال أنه يتبع قاله في التوضيح وغيره وقال ابن سلمون: فإن قدم على الميت وصيان فلا يجوز لأحدهما أن ينفرد بالنظر عن صاحبه إلا أن يشترط المقدم أن من عاقه منهما عائق انفرد صاحبه به فيكون له ذلك عند العائق ا هـ.
مسألة: قال ابن سهل في أحكامه في أوائل مسائل السفيه: وقالوا في رجل أوصى على ابنه إلى فلان وفلان: فمن مات منهما أو غاب فالباقي منفرد فثبت سخطة أحدهما فإن للقاضي أن يوكل مع الباقي ناظرا مأمونا ولا ينفرد؛ لأن المعزول لسخطة لم يمت ولا غاب انتهى.
فرع: قال المشذالي في حاشيته في كتاب الوصايا الأول: قال ابن عبد السلام: انظر هل يتنزل المشرف على الوصي منزلة أحد الوصيين؟ قال المشذالي: وقال ابن سهل عن ابن عتاب في بعض أجوبته ما، نصه: وسبب المشاورة كسبب الوصي أو أقوى، وانظر نوازل ابن رشد في النكاح فإنه قال: إن المشرف ليس بولي ولا وصي، وإنما له المشورة انتهى. ونحوه في اللباب في باب الوصايا، فإن كان أحدهما مشرفا فله أن يشرف على أفعال الوصي كلها، ولا يفعل شيئا إلا بمعرفته، فإن فعل شيئا بغير علمه مضى إن كان سددا وإلا رده، وشهادة المشرف للمحجور جائزة بخلاف الوصي انتهى. وفي ابن سلمون في آخر ترجمة الكلام على المحجور بعد أن ذكر الكلام على الوصيين وأما إذا كان على وصي فإنما يكون المال عند الوصي، قال أحمد بن نصر: وله أجر النفقة والكسوة على محجوره ولا يكون ذلك من المشرف، وإنما للمشرف النظر في البيع والشراء إلا أن يكون برأيه، وإن فعل بغير رأيه رده إن لم يكن نظرا، وقال غيره: للمشرف أن يشرف على أفعال الوصي كلها من إجراء النفقة وغيرها ولا ينقلب إلا بمعرفته، فإن فعل شيئا بغير علمه مضى إن كان سدادا وإلا رده المشرف، وإن أراد رد السداد لم يكن له ذلك ونظر السلطان فيه انتهى. وتقدم في النكاح عند قول المصنف: وبأبعد مع أقرب إن لم يجبر، كلام ابن رشد في النوازل على المشرف، وأنه ليس بولي، وإنما له المشورة والإجازة والرد إن عقد الوصي بغير إذنه، والله أعلم. ومن مختصر النوازل أفتى القاضي ابن رشد: أن المحجور إذا جرى بينه وبين المشرف على وصيه في أمر عداوة أو مخاصمة فإنه يعزل عن الإشراف انتهى. وهي في مسائل الدعوى والخصومات من النوازل مبسوطة، والله أعلم. ص: (ولا لهما قسم المال وإلا ضمنا) ش: قال في المدونة: ولا يقسم المال بينهما ولكن عند أعدلهما، فإن استويا في العدالة جعله الإمام عند أكفئهما، ولو اقتسما الصبية فلا يأخذ كل واحد حصة من عنده

(8/567)


وللوصي اقتضاء الدين وتأخيره بالنظر
__________
من الصبيان انتهى. قال اللخمي: ولو جعلاه عند أدناهما عدالة لم يضمنا؛ لأن كليهما عدل ثم قال: قال مالك في كتاب محمد: فإن اختلفوا طبع عليه، وجعل عند غيرهم انتهى. وقول المصنف: "وإلا ضمنا" أي، وإن اقتسماه ضمنا وهو الذي نقله اللخمي عن ابن الماجشون، وظاهره ما حكاه ابن يونس وابن الحاجب أن كل واحد إنما يضمن ما بيد صاحبه، وقال أشهب وسحنون: لا ضمان عليهما.
فرع: قال ابن عات عن المشاور: إن قسم الوصيان المال فباع أحدهما دون إذن صاحبه لم يجز بيعه ويرده الآخر، ويضمنه إن فات إلا أن يكون شرط الموصي أن من عاقه عائق فالباقي منهما منفرد بالوصية ففعل أحدهما جائز وقت مغيب الآخر أو شغله من غير وكالة ولا ضمان عليه فيما فعل حينئذ.
قلت: هذا على مذهب ابن الماجشون لا سحنون انتهى. من مسائل الوصايا من البرزلي.
ص: (وللوصي اقتضاء الدين) ش: تصوره ظاهر، وأما قضاء الوصي ما على الميت من الدين فقال في النوادر في أوائل كتاب الوصايا: قال أصبغ في الميت يشهد وصيه أن ثلثه صدقة ولا يشهد غيره قال: إن خفي له وأمن إذا أخرجه فليفعل ولا إثم عليه بل ذلك عليه واجب، وقد قال أشهب: إذا علم أن على الميت دينا، وهو لا يخاف عاقبته فعليه أن يؤديه من تركته وكذلك ما سئلت عنه من الوصايا والحقوق والديون ولو علم أن في تركته عبدا حرا يعتق من رأس ماله أو في ثلثه أن عليه أن يهمله ولا يعرض له ببيع ولا خدمة ولا بغيرها وكذلك الوارث فيما علم من هذا كله، وأشهد عليه الميت وهذا الباب كثير معناه في كتاب الشهادات انتهى. وفي الكتاب المذكور منها أيضا عن ابن المواز قال أشهب عن مالك في صغير يوصي له بدينار: فإن لم يشهد بذلك إلا الوصي، فإن خفي للوصي دفع ذلك فليفعل، وكذلك لو رفع إلى الإمام فلم يقبل شهادته فله دفعه إن خفي له، قال محمد: ولو كان كبيرا لحلف، وأخذ ولو كان كذلك يوقف للصبي حتى يكبر فيحلف لكان بينهم في بقاء ذلك بيده إلى

(8/568)


والنفقة على الطفل بالمعروف
__________
بلوغه انتهى. ثم قال في آخر الوصايا الأول في ترجمة الوصي يقضي عن الموصي الدين بغير بينة ومن المجموعة: قال أشهب: وللوصي أن يقضي الدين عن الميت بغير أمر، قال: إن من كان فيه بينة عدول، والثقة له أن لا يدفع إلا بأمر قاض؛ لأنه لو بلغ بعض الورثة فجرح شهود الدين لضمن أخذت ممن قبضها، ولو كان بأمر قاض لم يرد ولم يقبل تجريحهم؛ لأنه حكم نفذ، وإن دفع الوصي إلى الغريم ثم قام آخرون فأثبتوا دينهم وجرحوا بينة الأول فالوصي ضامن، ويرجع على الأول بما أخذ أو يغرمه القائمون أو يدعوا الوصي ثم لا يرجع الأول على الوصي بشيء ولو دفع إليه بقضية لم يضمن للقائمين بعده ورجعوا على الأول بحصتهم وكذلك قال ابن القاسم: إن كان الوصي عالما بغرماء الميت أو كان موصوفا بالدين فيضمن لمن أتى ويرجع على من أخذ وأما إن لم يعلم ولم يكن الميت موصوفا بالدين لم يرجعوا إلا على من أخذ، وقال في قضاء الورثة بعض الغرماء كما قال في الوصي، وقال في الصبي: وقال مثله عبد الملك إذا تأنوا ولم يعجلوا وبعد الصياح في الدين، وفعلوا ما كان يفعله السلطان فلا يضمنوا، وأما إن عجلوا ضمنوا، فإن لم يكن عندهم شيء رجع الطارئ على الأول قال أشهب في الوصيين يدفعان دينا بشهادتهما أو الوارثين ثم يطرأ دين آخر أو وارث ثم يقدم، فإن دفعا بأمر قاض لم يضمنوا، ويرجع على الأول، وإنما تقبل شهادتهما قبل أن يدفعا، وأما بعد الدفع، فإن كان بغير أمر قاض فيضمنان انتهى. ص: (والنفقة على الطفل بالمعروف) ش: تصوره واضح.
مسألة: قال ابن رشد في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الجامع: أجمع أهل العلم أن أكل مال اليتيم ظلما من الكبائر لا يحل ولا يجوز، وذهب مالك وأصحابه إلى أنه يجوز للفقير المحتاج أن يأكل من مال اليتيم بقدر اشتغاله به وخدمته فيه وقيامه عليه وإلا فلا يسوغ له أن يأكل منه إلا ما لا ثمن له ولا قدر لقيمته مثل اللبن في الموضع الذي لا ثمن له فيه ومثل الفاكهة من حائطه ومن أهل العلم من أجاز له أن يأكل منه على وجه السلف ومنهم من أجاز له أن يأكل منه ويكتسي بقدر حاجته وما تدعو إليه الضرورة وليس عليه رد ذلك وأما الغني، فإن لم يكن له فيه خدمة ولا عمل سوى أن يتفقده ويشرف عليه فليس له أن يأكل منه إلا ما لا قدر له ولا بال، مثل اللبن في الموضع الذي لا ثمن له فيه، والثمر يأكله من حائطه إذا دخله واختلف إن كان له فيه خدمة وعمل، فقيل: إن له أن يأكل بقدر عمله فيه وخدمته له، وقيل: ليس له ذلك؛ لقوله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: من الآية6] انتهى بالمعنى، ونقله في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا، والله أعلم. ص

(8/569)


وفي ختنه وعرسه وعيده، ودفع نفقة له قلت: وإخراج فطرته وزكاته، ورفع الحاكم إن كان حاكم حنفي ودفع ماله قراضا وبضاعة
__________
(وفي ختنه وعرسه وعيده) ش: قال في النوادر: قال مالك: وليوسع عليهم ولا يضيق وربما قال أن يشتري لهم بعض ما يلهيهم به وذلك مما يطيب نفوسهم به انتهى. ص: (وإخراج فطرته وزكاته) ش: يعني أن الوصي له أن يخرج عن الصبي فطرته وله أن يخرج زكاة ماله، قال في النوادر: قال ابن حبيب: ويشهد، فإن لم يشهد وكان مأمونا صدق انتهى. وانظر إذا لم يكن مأمونا هل يلزمه غرم المال أو يحلف؟ لم أر فيه نصا. ص: (ورجع للحاكم إن كان الحاكم حنفيا) ش: تقدم الكلام عليه في الزكاة، والله أعلم.
ص: (ودفع ماله قراضا أو بضاعة) ش: قال في المدونة في كتاب الرهون: وللوصي أن يعطي مال اليتيم مضاربة ولا يعجبني أن يعمل به الوصي لنفسه إلا أن يتجر لليتيم أو يقارض له به غيره انتهى. وسواء كان ذلك في بر أو بحر كما ذكره في النوادر والجواهر وابن عرفة وقيده ابن عرفة بالأمن، ونصه: الشيخ عن المجموعة والموازية روى ابن القاسم له أن يتجر بأموال اليتامى ولا يضمن، وروى ابن وهب في البر والبحر قلت: مع الأمن قاله غير واحد انتهى. ولفظ النوادر ومن المجموعة، وفي كتاب ابن المواز نحوه، قال ابن القاسم عن مالك: وله أن يتجر بأموال اليتامى لهم ولا ضمان عليه قاله عنه ابن وهب في البر والبحر، ويشتري لهم الرقيق للغلة والحيوان من الماشية وشبه ذلك، وذلك كله حسن، وقد فعله السلف وقد أعطت عائشة مال يتيم لمن يتجر به في البحر، وأنكر ما يفعل أهل العراق أن يقرضوا أموالهم لمن يضمنها، وأعظم كراهيته، قال أشهب: وله أن يتجر بمال يتيمه ببدنه أو يؤاجر له من يتجر أو يدفعه قراضا أو بضاعة على اجتهاده ولا يضمن وله أن يودع ماله على النظر، ولأمر يراه فإما أن يفعله على المعروف بمن يأخذه فلا يصلح ذلك

(8/570)


__________
وذكر كله ابن المواز لابن القاسم ولم يذكر أشهب ومن هذه الدواوين قال مالك: وله أن يدفع ماله قراضا إذا دفع إلى أمين ولا يضمن، قال في كتاب ابن المواز: وله أن يبضع لهم ويبعث في البر والبحر وله أن يودع مالهم ويسلفه، قال ابن المواز: يسلفه في التجارة فأما على المعروف فلا انتهى.
تنبيهات: الأول: فهم من قول المصنف: "للوصي دفع ماله قراضا وبضاعة" ومن قول المدونة: "وللوصي أن يعطي مال اليتيم مضاربة" ومن قول النوادر: "وله أن يتجر بأموال اليتامى" أنه لا يجب على الوصي التجارة بمال اليتيم وهو كذلك، وإنما يستحسن له ذلك، قال ابن عرفة: روى محمد إنما للوصي في مال اليتيم فعل ما ينميه أو ينفعه، اللخمي: وحسن أن يتجر له به وليس ذلك عليه انتهى. وكلام اللخمي المذكور هو في باب الوصايا وصرح أيضا في كتاب الزكاة بأنه لا يجب عليه ذلك وتقدم في كلام النوادر أن ذلك حسن وقد فعله السلف.
الثاني: قال في العتبية في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الأقضية: قال ابن القاسم: إن الضمان الذي يفعله أهل العراق في أموال اليتامى حرام يضمنونها أقواما يكون لهم ربحها، وعليهم ضمانها، والسنة فيها إن كان لهم وصي ثقة لم تحرك من يده، وإن كان غير ثقة أو لم يكن لهم وصي استودعها القاضي عند ثقة قال ابن رشد: الوجه في أموال اليتامى دفعها إلى من يتجر فيها تطوعا للثواب، فإن لم يوجد فعلى سبيل القراض، فإن لم يمكن أودعت عند من يوثق به، فإن تعدى عليها المودع فتسلفها ضمنها وسقط عن اليتامى زكاتها، ولم يحل أن يضمن لأحد على أن يكون له ربحها؛ لأنه سلف لغير وجه الله لم يبتغ به المقرض إلا منفعة نفسه لا منفعة المقترض ا هـ. مختصرا، وتقدم في كلام النوادر فيما نقله ابن القاسم عن مالك أنه إذا أنكر ما يفعل أهل العراق أن يقرضوا أموال اليتامى لمن يضمنها، وأعظم كراهية، فالكراهة محمولة على التحريم كما تقدم في كلامه في العتبية وقال في النوادر أيضا قال ابن الماجشون: وليس للوصي أن يسلف أموال اليتامى على وجه المعروف ولو أخذ رهنا وأما العمل به مما يحصل لهم فيه ربح على الوجه الجائز الذي لا حيلة فيه ظاهرا وباطنا فله ذلك انتهى. بالمعنى، والله أعلم.
الثالث: تقدم في كلام النوادر عن ابن المواز وابن الماجشون أنه ليس للوصي أن يسلف مالهم على وجه المعروف، ونص على ذلك اللخمي بزيادة فيه، ولفظه: ولا يسلف ماله؛ لأن ذلك معروف إلا أن يكون كثير التجر له ويسلف الشيء اليسير مما يصلح وجهه مع الناس فلا بأس انتهى. ونقله ابن عرفة عنه بلفظه وأما إسلاف الموصى ماله فقال في النوادر في كتاب الوصايا: قال في المجموعة وغيرها: ولا أحب أن يركب له دابة، ولا يتسلف ماله وقاله عنه ابن وهب في المجموعة: ومن مات في سفر وأوصى رجلا فلا يتسلف الوصي من تركته ولا أحب

(8/571)


ولا يعمل هو به
__________
أن يشتري من متاعه وقاله أشهب عن مالك في كتاب ابن المواز قال عنه ابن نافع في المجموعة: ولا أحب أن يتسلف من مال بيده لغيره، وأجاز بعض الناس فروجع فقال: إن كان له مال فيه وفاء فأرجو إذا أشهد أن لا بأس به انتهى. وقال في كتاب الزكاة منها في ترجمة زكاة مال المفقود والصبي: وقال ابن حبيب: وإن استنفق مال يتيمه وله به ملاء وخاف أن يعذر له به فلا بأس بذلك، وقاله القاسم بن محمد وكان ابن عمر يسلفه ويستسلفه وإذا لم يكن له ملاء فلا يستسلفه انتهى. وقال في مختصر الواضحة: قال عبد الملك: وإن ترك والي اليتيم أن يتجر بماله أو يبضع لما خشي من التعزير به وتجر لنفسه أو يضمنه أو استنفقه فلا بأس بذلك إذا كان عنده به وفاء إن عطب وكذلك قال مالك وأصحابه: وإذا لم يكن به وفاء فلا يحل له أن يستسلفه ولا أن يتجر فيه لنفسه؛ لأنه يعرضه للتلف ولا مال له، فإن فعل فالربح له بتعديه، وقد ذكر ابن حبيب وهو ضامن له بعد قال فضل هذا قول مالك وأصحابه إلا ابن الماجشون فإنه روي عن مالك أن الربح لليتيم، والضمان على الوصي بتعديه، وقد ذكره ابن حبيب في سماعه هذا إذا تجر به لنفسه ولا وفاء له انتهى.
ص: (ولا يعمل هو به) ش: قال الشارح: أي ليس للوصي أن يعمل هو بنفسه في مال الصغير؛ لأنه يصير كمؤاجر نفسه منه، وهو لا يجوز له ذلك انتهى. زاد في الوسط وقيل: إن عمل به على وجه يشبه قراض مثله مضى كشراء شيء لليتيم انتهى. وظاهره أن القول الأول يقول: لا يمضي مطلقا وكذا ساق القولين في الشامل وصدر بالأول، وعطف الثاني بقيل، ونصه: ولو دفع ماله قراضا وديعة ولا يعمل هو بنفسه وقيل: إن وقع على جزء يشبه قراض مثله كشراء سلعة ليتيمه لا لنفسه من التركة ونظر فيه الحاكم، وهل يوم الشراء أو يوم الدفع أو الآن؟ أقوال، وقيل: تعاد للسوق، فإن زاد فلليتيم وإلا مضى، وفيها سئل عن حمارين ثمنهما ثلاثة دنانير وتسوق بهما بدوا وحضرا فأراد الوصي أخذها بما أعطى فأجازه انتهى. وظاهر كلام ابن عرفة أنه موافق له، ونصه لأشهب في الكتابين لا يعمل الوصي بمال اليتيم قراضا كما لا يبيع منهم من نفسه ولا يشتري لهم وقال بعض أصحابنا في كتاب آخر: إن أخذه على جزء من الربح يشبه قراض مثله مضى ذلك انتهى. والمراد بالكتابين المجموعة والموازية وظاهر كلام التوضيح أن القول الثاني من كمال القول الأول ومفرع عليه، ونصه: قال ابن الحاجب:

(8/572)


__________
ولا يعمل هو به قراضا عند أشهب، قال في التوضيح:؛ لأنه كمؤاجر نفسه، وهو لا يجوز له ذلك كما لا يبيع له سلعة لنفسه بعض أصحابنا، فإن أخذه على الجزء من الربح يشبه قراض مثله أمضي كشرائه لليتيم ا هـ. وانظر عز وابن الحاجب وابن عرفة هذه المسألة لأشهب وقبول المصنف لذلك وإقراره مع أنها في المدونة، وفي كتاب الرهون وهو نصها المتقدم في أول القولة التي قبل هذه وهو قوله: "وللوصي أن يعطي مال اليتيم مضاربة" ولا يعجبني أن يعمل به الوصي لنفسه إلا أن يتجر لليتيم أو يقارض له به غيره، قال أبو الحسن: مخافة أن يحابي نفسه؛ لأنه معزول عن نفسه خوف أن يحابي نفسه، فإن عمل به بنفسه، فإن كان عمله مثل الجزء الذي سمى كان الربح بينهما على ما شرط، وإن خسر لم يضمن، وإن كان الجزء أكثر من العمل كان له قراض مثله، فإن خسر اختلف هل يضمن أم لا؟ والتضمين ضعيف انتهى. وقال ابن رشد في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا في شرح مسألة وهي وسئل عن الوصي يقارض بمال اليتيم الذي أوصي إليه به؟ قال: نعم لا بأس ولا ضمان عليه فيه، وإن هلك إن كان دفعه إلى أمين. ابن رشد هذا كما قال: إن للوصي أن يدفع مال يتيمه مضاربة؛ لأنه ينظر له بما ينظر لنفيسه، ومثل هذا في الرهون من المدونة أن للوصي أن يتجر بمال اليتيم أو يقارض به، ويكره أن يعمل هو به مضاربة، قال في الزكاة من كتاب ابن مزين: فإن عمل به بقراض مثله جاز، ولم يكن عليه ضمان إن تلف، وإن عمل فيه بأكثر من قراض مثله، فغبن اليتيم في ذلك رد إلى قراض مثله، وضمن المال إن تلف قال يحيى بن إبراهيم: قوله: "في الضمان" ضعيف انتهى. فتحصل من هذا أن المسألة في المدونة، وأن النهي فيها على الكراهة كما صرح به ابن رشد وكما هو ظاهر لفظ المدونة، وأن ما في ابن مزين من تتمة المسألة وتفسير لها كما نقله أبو الحسن وكما يظهر من كلام ابن رشد المتقدم، والله أعلم.
فروع: الأول : قال المشذالي في حاشيته في الرهون: أخذ من قوله في المدونة: "وللوصي أن يأخذ مال اليتيم مضاربة" جواز الصلح على المحجور فيما ادعي عليه، وخاف أن يثبت على المحجور أو طلب المحجور دعوى على الغير فخاف الوصي أن لا يثبت أنه يصالح على البعض بعطية أو يأخذه، ونص عليه صاحب الطراز، والجامع بينهما أنه جوز دفع المال مضاربة مع احتمال ذهابه فضلا عن حصول رأس المال فضلا عن الربح قلت قال في نوازل أصبغ: سألت ابن القاسم عن الوصي أيصالح عن الأيتام؟ قال: نعم إن رآه نظرا قال ابن رشد وقعت هذه المسألة في بعض الروايات وظاهرها أن الوصي يجوز صلحه عن الأيتام فيما يراه نظرا فيما طلب له وطلب به بأن يأخذ البعض، ويترك البعض إذا خشي أنه لا يصلح له ما ادعاه أو يعطي من ماله بعض ما يطلب إذا خشي أن يثبت عليه جميعه، وهو له في النوادر مكشوف خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون أنه يجوز فيما يطلب له لا فيما يطلب به والصواب أنه لا فرق بينهما، المشذالي انظر الطرر في ترجمة

(8/573)


__________
بيع الوصي على اليتيم داره إذا وهت أو خشي تهدمها انتهى.
تنبيه: وأما إبراء الوصي عنه الإبراء العام فقال البرزلي في آخر مسائل الوكالات: إنه لا يبرأ الوصي عنه مبارأة عامة، وإنما يبرأ في المعينات، وفيه أيضا أنه لا يجوز إقرار الوصي والأب على الصغير، وتقدم في باب الإقرار عند قول المصنف: وإن أبرأ فلانا مما له قبله كلام البرزلي في الأبراء العام عن اليتيم.
الثاني: قال الوانوغي: لو عمل الوصي أو الأب في أرض الصغير مغارسة لأنفسهما كان لهما قيمة عملهما مقلوعا انتهى.
الثالث: إذا تجر الوصي بمال اليتيم لنفسه فهل يكون الربح له أو لليتيم أو يفرق بين المليء فيكون له، والمعدم فيكون لليتيم؟ ثلاثة أقوال حكاها المتيطي، ونقلها عنه الوانوغي في الحاشية والذي اقتصر عليه أكثر أهل المذهب أن الربح للوصي وهو الذي عزاه عبد الملك لأكثر أصحاب مالك كما تقدم في كلام مختصر الواضحة في التنبيه الثالث من القولة التي قبل هذه، ونقله ابن فرحون في التبصرة، والله أعلم.
الرابع: قال المشذالي: قال الوانوغي: لو تجر الوصي في مال المحجور فربح فلما رشد اليتيم قال للوصي: إنما تجرت على أن الربح لي وأنكر الوصي فقال ابن عبد السلام: القول قول الوصي مع يمينه انتهى. وعلى هذا القول فإن الربح للوصي.
الخامس: قال المشذالي: قال الوانوغي: لو تسلف الوصي على الأيتام حتى يباع لهم فتلف ما لهم فلا ضمان عليه، المشذالي: يريد لا يلزمه أن يغرم ذلك من ماله لمن استسلفه منه، وهذا إذا قال للمسلف: إنما أستسلفه للأيتام، وأما إن لم يقل فالضمان لازم له قاله في الطرر وكان من حق الوانوغي أن لا يترك هذه الزيادة لإعطاء كلامه سقوط الضمان مطلقا انتهى.
السادس: منه أيضا لو كان للأيتام إخوة فأنفق الوصي على بعضهم من مال بعض ضمن الوصي لمن أنفق من ماله ورجع بذلك على المنفق عليه انتهى.
السابع: قال في الطرر في باب زكاة الفطر: من بيده مال الصغير من غير إيصاء فليرفع للإمام، فإن أنفقه عليه من غير إذن سلطان قال ابن القاسم: يصدق في مثل نفقة ذلك الصبي، وزكاة الفطر قال سند من غير إسراف: إذا ثبت أنهم في نفقته وحجره، فإن تصرف في المال ببيع فخسر أو ببضاعة فذهب كان ضامنا كمن تجر في مال غيره بغير إذنه، فإن تلف من غير أن يحركه فلا ضمان عليه انتهى.
الثامن: قال في النوادر في كتاب البيوع في ترجمة شراء ما وكل على بيعه أو أسنده إليه أو تسلفه منه ومن الواضحة: قال مالك: ولا أحب أن يتسلف مما أودع أو كان فيه وصيا

(8/574)


واشتراء من تركة، وتعقب بالنظر إلا كحمارين، قل ثمنهما وتسوق بهما الحضر والسفر، وله عزل نفسه في حياة الموصي ولو قبل، لا بعدهما
__________
انتهى. ص: (والاشتراء من التركة وتعقب بالنظر) ش: قال في الوصايا الأول: ولا يشتري الوصي من التركة، ولا يوكل ولا يؤمن، فإن فعل تعقب ذلك انتهى. قال القرطبي في تفسير سورة البقرة في قوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [البقرة: من الآية220] اختلف هل له أن يشتري لنفسه من مال يتيمه فقال مالك: يشتري في مشهور الأقوال، والقول الثاني: أنه لا ينبغي أن يشتري مما تحت يده شيئا لما يلحقه من التهمة إلا أن يكون البيع في ذلك بيع سلطان في ملأ من الناس، وقال ابن عبد الحكم: لا يشتري من التركة ولا بأس أن يدس من يشتري له منها إذا لم يعلم أنه من قبله انتهى. وقال ابن الفرس في أحكام القرآن في هذه الآية: واختلف في الوصي يشتري من مال يتيمه أو يبيع منه ماله فعندنا أنه جائز ما لم يحاب ويكره أولا في ابتداء، وانظر بقية كلامه، وقال ابن عرفة: وما في وصاياها خلاف ما في استبرائها انتهى، والله أعلم.
ص: (لا بعدهما) ش: يعني أنه ليس للوصي أن يعزل نفسه بعد موت الموصي وقبوله هو للوصية وظاهره سواء أقام أحدا عوضه أم لا، وهذا هو الظاهر وبه أفتى جماعة ومعنى ذلك إذا تبرأ عن الإيصاء جملة بحيث إنه لم يبق له نظر أصلا، ويجوز له أن يوكل على الأيتام من يتولى أمورهم بأمره، قال الجزيري في وثائقه: وللوصي أن يوصي بما إلى نظره إذا لم يكن معه شريك في الإيصاء وليس له أن يفوض الإيصاء إلى غيره في حياته وله أن يوكل من ينظر بأمره انتهى. وقال في المسألة الثالثة من نوازل عيسى بن دينار من كتاب البضائع والوكالات: وسئل عيسى عن الرجل يوكل وكيلا على خصومه وقيام لبنيه أو تقاضي ديون أو على وجه من الوجوه كلها فيريد الوكيل أن يوكل غيره على ما وكل عليه من ذلك في حياة الموكل أو عند موته أيجوز هذا؟ قال: لا يوكل وكيلا على ما وكل عليه أحدا غيره، وإنما يجوز ذلك للوصي أن يوكل في حياته أو عند موته فتكلم ابن رشد على مسألة توكيل الوكيل ثم قال: وقوله: "وإنما يجوز ذلك للوصي أن يوكل في حياته وعند موته" هو نص قول مالك وجميع أصحابه

(8/575)


__________
لا اختلاف بينهم فيه، وإنما اختلفوا في الوصيين أو الأوصياء هل لأحدهم أن يوصي بما إليه لشريكه ولغيره أم ليس له ذلك أو له أن يوصي به لشريكه لا إلى غيره؟ ثلاثة أقوال: قال: والأول: هو أصح الأقوال وأولاها بالصواب انتهى. فقوله: "إنما يجوز للوصي إلى آخره" معناه يجوز له أن يوكل على ما فوض إليه في حياته وعند موته، وقال ابن رشد في شرح المسألة العاشرة من رسم الوصايا من سماع أشهب من كتاب الوصايا: للوصي أن يوصي بما أوصي به إليه في حياته وبعد وفاته لا خلاف أحفظه في ذلك انتهى. وفي ابن سلمون ناقلا عن مسائل ابن الحاج قال: إذا أراد الوصي أن يتبرأ من الإيصاء إلى رجل آخر بعد أن ألزمه فليس له ذلك إلا لعذر بين وله فعل ذلك عند حضور موته؛ لأنه من أبين العذر، وحكى الباجي في وثائقه أن له أن يوكل غيره في حياته وبعد مماته ولا يجوز لوكيل القاضي على النظر لليتيم أن يوكل بما جعل إليه أحدا غيره حيي أو مات ولا أن يوصي به إلى أحد انتهى، ونقل البرزلي كلام الباجي، ونصه: ولا يجوز لمقدم القاضي توكيل أحد بما جعل إليه، والوصية به لا في حياته ولا عند موته انتهى. قال في مختصر المتيطية وللوصي أن يوصي عند الموت بما جعل إليه إلى من شاء إن كان منفردا بالنظر، ويكون وصي الوصي كالوصي، وإن أراد الوصي في حياته أن يجعل ما بيده إلى غيره لم يكن له ذلك، وإنما له أن يوكل من ينظر بأمره، قاله ابن العطار وغيره: وقال ابن زرب: له ذلك، قيل: فإن أراد أن يعود في نظره، قال: ليس له ذلك؛ لأنه قد تخلى عنه ا هـ. وفي مسائل الوصايا من البرزلي وسأل ابن دحون ابن زرب عن الوصي يتخلى عن النظر إلى رجل آخر؟ قال: ذلك جائز ويتنزل منزلته قيل له: فلو أراد العود في نظره قال: ليس له ذلك، وقد تخلى منه إلى الذي وكل انتهى. وفي المتيطية: وإذا قبلها في مرض الموت الذي توفي منه أو بعد موته وتولى النظر ثم أراد أن يتخلى فليس ذلك له أن يخليه شريكه في النظر إن كان معه شريك وكان في الوصية أن من عاقه عائق فالباقي منفرد، فإن لم يكن في الوصية هذا الشرط فإن القاضي يخليه ويقدم غيره إن كان منفردا وكان معه غيره ولم يكن في الوصية هذا الشرط إذا ظهر له عذر ووجد من يقوم مقامه، وإن لم ينعقد عليه التزام في مرض الموصي، ولا نظر بعد موته وأبى النظر فلا يجبر على النظر، قال في أحكام ابن بطال: وإن أنكر القبول حلف على ذلك وبرئ انتهى. وظاهر كلام المصنف أيضا أنه ليس له أن يعزل نفسه ولا للقاضي أن يخليه بعد الموت والقبول سواء في حياة الموصي أو بعد موته، وهو ظاهر كلام ابن الحاجب قال: وليس له رجوع بعد الموت والقبول على الأصح، قال في التوضيح: ظاهره سواء قبل في حياة الموصي أو بعد موته، ونص في المدونة على الأول وأشهب على الثاني قال: وسواء قبل لفظا أو جاء منه ما يدل على ذلك من البيع والشراء لهم ما يصلحهم والاقتضاء والقضاء أو غير ذلك، قال ابن عبد السلام: وقال بعضهم: لا فرق بين قبوله بعد الموت وقبله؛ لأن له الرجوع وأخذ من تعليل أشهب

(8/576)


وإن أتى القبول بعد الموت، فلا قبول له بعد
__________
رجوعه في الحياة فإنه لم يغيره فألزمه اللخمي أن يكون له الرجوع إن قبل بعد الموت لكونه لم يغيره انتهى. وذكر البرزلي عن ابن عات عن أبي ورد قال: إذا كان قبوله في حياة العاهد فلا يخليه القاضي إلا بعد ثبوت عذر يوجب ذلك، وإن كان قبوله بعد موته فللقاضي أن يخليه بغير عذر، وللفرق بينهما شرح يطول وهذا حقيقة الفقه في هذا الفصل.
قلت: هو ظاهر قولها: إذا قبل الوصي الوصية في حياة الموصي فلا رجوع له بعد وفاته، وعليه سئل إذا خلى القاضي الوصي لعذر ثبت له وكان معه في النظر شريك هل يعذر إلى شريكه فيما ثبت له من العذر؟ فقال: إذا كان قبوله في حياة العاهد فلا بد من الإعذار إلى شريكه ثم يعمل بحسب ذلك، وإن كان قبوله بعد موته حيث يكون للقاضي أن يعقبه دون عذر كما تقدم فإنه لا متكلم لشريكه في ذلك، فكيف يعذر إليه وله أيضا إذا كان في الوصية من عاقه منها عائق فالباقي منفرد فليس له أن يخليه من غير عذر ولو كان له أن يخليه من غير عذر لكان قوله: "إلا أن يخليه شريكه" معترضا أيضا؛ لأن شريكه لا يخليه إنما يخليه الموصي بشرطه في وصية من عاقه عائق فالباقي منفرد انتهى. ثم ذكر عن ابن ورد أن العذر لا بد أن يثبت أنه مانع له من القيام ألبتة وأما إن لم يكن إلا أنه يشق عليه فلا يخل بمثل ذلك، ويكون العذر أيضا طارئا بعد القبول، وأما إن كان حال القبول فلا إلا أن يثبت أنه لا يقدر على القيام فيما أدخل نفسه فيه انتهى. ومن هذا المعنى ما وقع في المسألة الثانية من سماع أشهب من كتاب الوصايا وهي تتضمن فرعا آخر وهو أن للوصي أن يرسل اليتيم إلى غير البلد الذي هو فيه إذا كان له فيه مصلحة، ونصه: قال وسئل يعني مالكا عمن توفي بالمدينة وأوصى إلى رجل أن امرأته أولى بولدها ما لم تنكح فأرادت امرأته الخروج إلى العراق بولدها منه وهناك أهلها فقال: ليس لها ذلك، فقيل: إن لولده ثم ديون قال: ما أرى ذلك لها، قيل: إذا يهلك ديوانهم، وهم صغار قال: هذا إن كان هكذا، فلينظر في ذلك لليتامى، فإن رأى ولي اليتيم أن لهم المقام أقاموا، وإن رأى أن السير أرفق بهم ساروا، قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه ليس للأم أن ترحل بولدها الذي في حضانتها عن بلد الموصى عليهم، وإن كان الأب أوصى أنها أولى بولدها ما لم تنكح؛ لأن ذلك من حقها، وإن لم يوص: لها به مع أنها لا تغيب به إلى بلد آخر عن الوصي إلا أن يرى ذلك الوصي أو السلطان نظرا للأيتام لئلا يزول بمغيبهم اسمهم عن الديوان الذي كان يرتزق عليه أبوهم فتدركهم الضيعة انتهى. ويؤخذ من هذه المسألة: جواز تسفير الوصي من في حجره لمصلحة وقد قال في كتاب الوصايا الثاني: وإن أوصى أن يحج عنه عبد أو صبي بمال فذلك نافذ ويدفع ذلك إليه ليحج به إذا أذن السيد

(8/577)


والقول له في قدر النفقة، لا في تاريخ الموت، ودفع ماله بعد بلوغه
__________
والوالد، وإن لم يكن للصبي أب فأذن له الولي في ذلك، فإن كان على الصبي فيه مشقة وضرر وخيف عليه في ذلك ضيعة فلا يجوز إذنه فيه، وإن كان الصبي قويا على الذهاب وكان ذلك نظرا له جاز إذنه؛ لأن الوصي لو أذن له أن يتجر وأمره بذلك جاز ولو خرج في تجارة من موضع إلى موضع بإذن الولي لم يكن به بأس فكذلك يجوز إذنه في الحج على ما وصفنا، وقال غيره: لا يجوز للوصي أن يأذن له في هذا، قال ابن القاسم: فإن لم يأذن له وليه وقف المال إلى بلوغه، فإن حج به وإلا رجع ميراثا انتهى. وظاهر كلامهم ولو كان في الطريق بحر وقد تقدم في باب الحضانة أن الأصح أن للولي أن يسافر بمن في حجره إذا كانت الطريق مأمونة ولو كان فيها بحر وتقدم هنا أن التجر بمال اليتيم في البحر والبر جائز مع الأمن، والله أعلم.
تنبيه: تقدم في باب الحج عن ابن فرحون أنه نقل أن للوصي والولي غير المحرمين أن يسافرا بالصبية إذا لم يكن لها أهل تخلف عندهم، وكانوا مأمونين ويختلف فيه إن كان للصبية أهل وهو مأمون وله أهل انتهى.
ص: (والقول له في قدر النفقة) ش: قال في الشامل: وصدق في قدر النفقة دون سرف مع يمينه إن بقي تحت حجره على الأكثر وهل يجاب إذا أراد أن يحسب أقل ما يمكن ولا يحلف أو لا بد من يمينه قولان انتهى. وأصله في التوضيح وعزا الأول لأبي عمران والثاني لعياض قائلا إذ قد يمكن أقل مما ذكر قال الشارح في الكبير وهو الظاهر عندي، قال ابن غازي: قال ابن عبد السلام: والقول للوصي في أصل الإنفاق انتهى.
فرع: قال في مختصر النوازل وإقرار الرجل في مرضه ليتيمه بمال يمنع من طلبه بما كان ينفق عليه في حياته إذ حكم ذلك حكم الإسقاط انتهى. يعني أن الورثة إذا أقر مورثهم بمال ليتيمه فطلبوا اليتيم بما كان مورثهم ينفقه عليه فليس لهم ذلك، انظر نوازل ابن رشد وتقدم لفظ النوازل في النفقات عند قول المصنف: "وعلى الصغير إن كان له مال" والمسألة في مسائل الوصايا من النوازل.
ص: (وضمن المال قبل بلوغه) ش: هذا هو المشهور ومقابله لابن عبد الحكم القول للوصي ومنشأ الخلاف قوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا} [النساء: من الآية6]:

(8/578)


__________
هل لئلا تغرموا أو لئلا تحلفوا، وعلى المشهور إذا قلنا لا يقبل قول الوصي، فقال مالك في الموازية: إلا أن يطول زمن ذلك كالثلاثين والعشرين سنة يقيمون معه ولا يطلبونه ولا يسألونه عن شيء ثم يطلبونه فإنما عليه اليمين ابن رشد وهو ظاهر قسمة العتبية، ووجهه ظاهر؛ لأن العرف يكذبهم، وقال ابن زرب: إذا قام بعد عشر سنين أو ثمان لم يكن له قبله إلا اليمين، ابن عبد السلام: ومال ابن رشد إلى القول الأول، خليل: وينبغي أن ينظر إلى قرائن الأحوال وذلك يختلف، والله أعلم.

(8/579)