مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل ط عالم الكتب

كتاب الفرائض
باب الفرائض
...
باب الفرائض
يخرج من تركة الميت حق تعلق بعين كالمرهون، وعبد جنى، ثم مؤن تجهيزه بالمعروف، ثم تقضى ديونه، ثم وصاياه من ثلث الباقي،
__________
باب
ص: (يخرج من تركة الميت حق تعلق بعين كالمرهون وعبد جنى ثم مؤن تجهيزه

(8/579)


ثم الباقي لوارثه
__________
بالمعروف ثم تقضى ديونه ثم وصاياه من ثلث الباقي ثم الباقي لوارثه) ش: هذا الباب يسمى باب الفرائض، فقوله: "باب" أي هذا باب يذكر فيه الفرائض وهو الفقه المتعلق بالإرث، وعلم ما يوصل لمعرفة قدر ما يجب لكل ذي حق في التركة فحقيقته مركبة من الفقه المتعلق بالإرث، ومن الحساب الذي يتوصل به إلى معرفة قدر ما يجب لكل وارث وبدأ أولا ببيان الحقوق المتعلقة بالتركة ونهايتها خمسة كما ذكره وطريق حصرها إما بالاستقراء وهو الظاهر أو بغيره، وفي ذلك طريقان أحدهما أن يقال الحق المتعلق بالتركة إما ثابت قبل الموت أو بالموت، والثابت قبله إما أن يتعلق بالعين أو لا، الأول هو الحقوق المعينة وإليه أشار بقوله: "حق تعلق بعين". والثاني: الدين المطلق وإليه أشار بقوله: "ثم تقضى ديونه". والثابت بالموت إما للميت وهو مؤن تجهيزه أو لغيره وهو الوصية وإليه أشار بقوله: "وصاياه" أو هو الميراث وإليه أشار بقوله: "ثم الباقي لوارثه" والطريق الثاني أن يقال: الحق إما للميت أو عليه أو لا له ولا عليه، الأول: مؤن التجهيز، والثاني: إما أن يتعلق بالذمة فقط وهو الدين المطلق أو لا وهو المتعلق بعين التركة، والثالث: إما اختياري وهو الوصية أو اضطراري وهو الميراث. وذكر المصنف هذه الحقوق مرتبة فكل واحد مقدم على ما بعده، وقوله: يخرج من تركة الميت حق تعلق بعين أي بعين من التركة أو بهما جميعا والتركة: بفتح التاء وكسر الراء ويجوز تسكين الراء مع فتح التاء وكسرها، وهو بمعنى المتروك، كالطلبة بمعنى: المطلوب وتركة الميت تراثه وهو الميراث وضبطه بعضهم: بأنه حق قابل للتجزيء ثبت لمستحق بعد موت من كان له لوجود قرابة بينهما أو ما في معناها. والمراد بالعين الذات ثم مثل للحق المتعلق بالعين بقوله: "كالمرهون" يعني إذا حيز قبل موت الراهن الحوز الشرعي المتقدم في باب الرهن وبقوله: "وعبد جنى جناية" أي: جناية توجب مالا كالخطإ والعمد إذا عفا الولي على مال واستهلك مالا لشخص لم يأتمنه عليه فلو اجتمع في الجاني رهن وجناية، قدم المجني عليه لانحصار حقه في عين الجاني فيخير الورثة بين أن يفدوه أو يسلموه، فإن فدوه بقي رهنا، وإن أسلموه خير المرتهن بين أن يسلمه للمجني عليه، ويبقى دينه بلا رهن أو يفديه بأرش الجناية ثم إذا حل الدين بيع. ويبدأ بما فداه به المرتهن، فإن لم تف قيمته بما فداه لم يتبع الورثة بشيء، وإن فضل منها شيء أخذ من دينه، وما فضل بعد ذلك فللورثة، واعلم أن الذي يخرج من التركة قبل وقوع المواريث فيها ينقسم على قسمين: أحدهما ما يجب إخراجه من رأس المال، والثاني ما يجب إخراجه من الثلث وما يجب إخراجه من

(8/580)


__________
رأس المال مقدم على ما يجب إخراجه من الثلث وما يجب إخراجه من رأس المال على وجهين: أحدهما: حقوق معينة، والثاني: حقوق ليست بمعينة فأشار المؤلف إلى الوجه الأول بقوله: "يخرج من تركة الميت حق تعلق بعين كالمرهون وعبد جنى" قال في المقدمات بعد أن ذكر التقسيم المتقدم: فأما الحقوق المعينة فتخرج كلها، وإن أتت على جميع التركة. وذلك مثل أم الولد والمرتهن والزكاة ثم الحائط الذي يموت عنه صاحبه وقد أزهت ثمرته وزكاة الماشية إذا مات عند حلولها عليه، وفيها السن الذي تجب فيها وما أقر به المتوفى من الأصول، والعروض بأعيانها لرجل أو قامت على ذلك بينة انتهى. فهذا ونحوه هو الذي أشار إليه المؤلف بالكاف في قوله: كالمرهون. والعبد الجاني مرهون في جنايته، وزاد أبو الحسن والصبرة المبيعة على الكيل انتهى. وزاد ابن عرفة وسكنى الزوجة مدة عدتها مسكنها حين موته بملكه أو بنقد كرائه انتهى. وزاد الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة المعتق إلى أجل انتهى. وهو ظاهر، والله أعلم. وكذلك الهدي إذا قلده سواء كان تطوعا أو واجبا كما صرح به في كتاب الحج من المدونة وذكر أنه لا يرجع ميراثا. قال سند: ولا يباع في دين استحدثه بعد التقليد، وقال في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الأضحية: أنه يباع في الدين المتقدم، وتقدم في الحج أن السوق في الغنم يتنزل منزلة التقليد في غيرها، وكذلك الأضحية إذا تعينت إما بالنذر أو بالذبح قاله ابن الحاجب وما ذكره ابن رشد في زكاة الحرث ذكره أيضا ابن عرفة وأبو الحسن الصغير واللخمي والمؤلف في التوضيح في كتاب الوصايا. وتقدم في هذا الكتاب في باب الوصايا أنها تنفذ من رأس المال ولو لم يوص بها ولكن قيده في التوضيح فقال إلا أن تيبس الثمرة أو تطيب أو يجذها ويجعلها في الجريب ببلد لا ساعي فيها فالظاهر على قول ابن القاسم أنه لا يلزم الورثة إخراجها؛ لأنه لو أخرجها أجزأته؛ لأن ذلك كالعين المفرط فيها وأما إن لم تيبس فيجب على الورثة إخراجها؛ لأنه لو أخرج الزكاة قبل الجذاذ لم تجزه، ذكره عبد الحق عن ابن مسلمة في المبسوط قال: وما رأيت خلافه انتهى.
وقد تقدم في الزكاة خلافه وما ذكره ابن رشد في المقدمات في زكاة الماشية جعله ابن عرفة أحد الطريقين، ونصه: أول ما يخرج من كل التركة معينا أم الولد، والمحوز المرهون، وزكاة حب وتمر حين وجوبها. وفي كون وجوب زكاة ماشية في مرضه، كذلك طريقان اللخمي كذلك إن لم يكن ساع ابن رشد كذلك إن كان فيها سنها انتهى. وفي جعله كلام ابن رشد واللخمي خلافا نظرا للخمي إنما أطلق؛ لأنه إنما ذكر ما يخرج من رأس المال ولم يفصل فيه معينا من غيره وابن رشد لما أن ذكر المعينات ذكر منها الماشية التي حل حولها. وليس فيها السن الواجب كما سيأتي إن شاء الله، وأما تقييد اللخمي ذلك بعدم الساعي فلا يخالف فيه ابن رشد أيضا؛ لأن الساعي إذا كان موجودا وحل حول الماشية، ومات ربها قبل مجيء الساعي سقطت زكاتها ويستقبل بها الوارث حولا كما تقدم في باب الزكاة ففي عده كلام اللخمي

(8/581)


__________
وابن رشد طريقين نظر لا يخفى، والله أعلم. ثم أشار المؤلف إلى الوجه الثاني وهو الحقوق التي تخرج من رأس المال وليست بمعينة بقوله: "ثم مؤنة تجهيزه بالمعروف ثم تقضى ديونه" قال ابن رشد في المقدمات: وأما الحقوق التي ليست بمعينات، فإن كان في التركة وفاء بها أخرجت كلها. وإن لم يكن فيها وفاء بدئ بالأوكد فالأوكد منها وما كان بمنزلة واحدة تحاصوا في ذلك فآكد الحقوق وأولاها بالتبدئة من رأس المال عند ضيقه الكفن، وتجهيز الميت إلى قبره انتهى. قال أبو الحسن الصغير: لأن الغرماء على ذلك عاملوه في حياته يأكل ويكتسي، والكفن وتجهيزه إلى قبره من توابع الحياة انتهى. وقال في الرسالة: ويبدأ بالكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث، قال الشيخ يوسف بن عمر: يريد آلة الدفن من أجرة الغسال والحمال والحفار والحنوط وغير ذلك، والكفن ثلاثة أثواب ولا كلام للورثة في ذلك ولا للغرماء؛ لأن الدفن في ثوب واحد مكروه انتهى. وهذا خلاف المشهور، وقد قدم المؤلف أنه لا يقضى بالزائد على الواحد إن شح الوارث إلا أن يوصي في ثلثه وقال ابن ناجي: أراد الشيخ أن مؤنة الدفن كالكفن وخشونة الكفن ورقته على قدر حاله انتهى. وهذا الذي قاله المؤلف في باب الجنائز وكفن بملبوسه لجمعته. وهذا معنى قول المصنف هنا ثم مؤنة تجهيزه بالمعروف ثم قال ابن رشد: ثم حقوق الآدميين من الديون الثابتة على المتوفى بالبينة العادلة أو بإقراره بها في صحته أو في مرضه لمن لا يتهم عليه انتهى. وقوله: "لمن لا يتهم عليه" مفهومه أنها إذا كانت لمن يتهم عليه لا تنفذ من رأس المال وهو كذلك بمعنى أنها لا تدفع للمقر له وإلا فهي تحسب من رأس المال، ولا يكون ما يخرج من الثلث إلا بعدها ثم ترجع ميراثا قاله في أول الوصايا من المدونة، ونصه: وإذا أقر المريض بدين وأوصى بزكاة مال فرط فيها وبتل في المرض ودبر فيه وأوصى بعتق عبد له بعينه وشراء عبد بعينه ليعتق وأوصى بكتابة عبد له وأوصى بحجة الإسلام وبعتق نسمة بغير عينها فالديون تخرج من رأس ماله، وإن كانت لمن يتهم فيه وهذا الذي ذكرناه في ثلث ما بقي، فإن كان الدين لمن يجوز إقراره أخذه. وإن كان لمن لا يجوز إقراره له رجع ميراثا انتهى. وانظر فك الأسير، ومدبر الصحة ونكاح المريضة هل يدخلون فيما ذكر من الدين المقر به لمن يتهم، وهو الذي يظهر من التوضيح في شرح قول ابن الحاجب في الوصايا: لا مدخل للوصية فيما لم يعلم به أو لا يدخلون وهو الظاهر من هذا المحل من المدونة ثم رأينا في ابن يونس في كتاب المدبر أن المدبر في الصحة يدخل في ذلك فيكون فك الأسير المقدم عليه من باب أولى فتأمله، والله أعلم. قال ابن رشد: ثم حقوق الله المفروضات من الزكاة والكفارات على مراتبها والنذور. إذا أشهد على نفسه في صحته بوجوب ذلك عليه في ذمته ويبدأ من ذلك في رأس ماله الأوكد فالأوكد كما يبدأ الآكد فالآكد في ذلك إذا فرط فيه في حياته وأوصى به أن يؤدى عنه بعد وفاته، وزكاة الماشية إذا مات عند حلولها عليه وليس فيه السن الواجبة فيها تجري في التبدئة مجرى ما لم يخرجه عند حلوله وأشهد به على نفسه في صحته انتهى.

(8/582)


__________
قلت: قوله: "ثم حقوق الله المفروضات من الزكاة والكفارات على مراتبها والنذور إذا أشهد على نفسه في صحته بوجوب ذلك عليه في ذمته" مشكل؛ لأنه يقتضي أن من فرط في زكاة ماله مدة من الزمان ثم أشهد أنها في ذمته ثم مات أنها تؤخذ من رأس المال. وكذلك من أشهد أن في ذمته كفارات، وأنه قد نذر أن يعطي فلانا كذا وكذا الشيء سماه وعينه ثم مات وهو في يده أنه يؤخذ من رأس ماله بل لو أشهد أنه نذر أن يتصدق على المساكين بكذا وكذا، وأنه باق في ذمته أنه يؤخذ من رأس ماله وقد نص في المدونة وغيرها على أنه إذا نذر أن يتصدق على المساكين بجميع ماله يؤمر بإخراج ثلث ماله ولا يجبر على ذلك. فإن كان لا يجبر عليه في حياته فكيف يؤمر الورثة بإخراجه من رأس المال، وقال البرزلي في أوائل مسائل الهبة: من قال: لله علي صدقة مالي، وثلثه لفلان، فيلزمه ما دام حيا. فإذا مات بطل؛ لأن صدقته وجبت باقتراب فمن شرطها الحوز قبل الوفاة انتهى. وقال في باب الزكاة من النوادر: وإن مات بعد الحوز فما حل ولم يفرط أو قدم عليه فأمر بإخراجه في مرضه أو أوصى بذلك فهو من رأس ماله، قاله مالك، وإن لم يوص لم يجبر ورثته وأمروا بذلك، وقال أشهب: هي من رأس ماله، وإن لم يوص أو لم يفرط، وقال أشهب في زكاة الفطر: أن من مات يوم الفطر وليلته، ولم يوص: فهي من رأس ماله وقال ابن القاسم: لا تجبر ورثته إلا أن يوصي فتكون من رأس ماله انتهى. ونقل ابن عرفة كلام ابن رشد وزاد فيه، ونصه إثر كلامه المتقدم في الموضعين، وأوله كليا مؤنة إقباره ثم دين لآدمي ثم ما أشهد به في صحته فواجب عليه في صحته لله تعالى من زكاة أو كفارات. ابن رشد أو نذر.
قلت: للباجي عن عبد الحق عن بعض شيوخه: نذر الصحة في الثلث، فلعل الأول في الملتزم والثاني في الموصى به، وإلا تناقضا ويقدم منها في ضيق التركة المقدم منها ضيق الثلث، وفي كون زكاة عين حلت في مرضه من رأس ماله مطلقا أو إن أوصى بها، وإلا أمر الوارث بها ولم يجبر، قولا اللخمي مع أشهب وابن القاسم انتهى. والثاني مذهب المدونة وهو المشهور كما تقدم ومفهوم قول ابن رشد إذا أشهد في صحته أنه لو لم يشهد لم يخرج من رأس المال بل من الثلث وهو كذلك إلا المتمتع إذا مات بعد رمي جمرة العقبة فالهدي عند ابن القاسم وهو المشهور من رأس ماله، وإن لم يوص بها فينبغي أن يجعل رتبته بين حقوق الآدميين وحقوق الله تعالى التي أوصى بها قال في رسم حلف أن لا يبيع سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الحج: وسئل عن المتمتع يموت بعرفة وما أشبه ذلك أترى عليه هديا قال: من مات قبل رمي الجمرة فلا شيء عليه، ومن رمى فأرى أن قد وجب عليه الهدي. قال عيسى: سألت ابن القاسم عن هديه هل من رأس المال أو في ثلثه قال: بل في رأس المال وذلك أنه لم يفرط، وقال سحنون: لا يعجبني ما قال، ولا يخرج من رأس ماله ولا من ثلثه إلا أن يشاء الورثة ألا ترى أن من تجب عليه الزكاة قد عرف ذلك ثم يموت ولم

(8/583)


من ذي النصف الزوج وبنت، وبنت ابن إن لم تكن بنت، وأخت شقيقة، أو لأب، إن لم تكن
__________
يفرط في إخراجها أنه إن أوصى بها كانت من رأس المال، وإن لم يوص لم تكن في ثلث ولا من رأس مال إلا أن يشاء الورثة، ابن رشد إنما قال ابن القاسم: إنه يكون في رأس المال إن لم يوص به إذا لم يفرط بخلاف الزكاة التي لم يفرط فيها؛ لأن الهدي لا يخفى وليس مما يفعل سرا كالزكاة التي يمكن أن يكون لم يوص بها من أجل أنه أداها سرا فتفرقة ابن القاسم بين المسألتين أظهر من مساواة سحنون بينهما ألا ترى أنهم لا يختلفون في وجوب إخراج الزكاة من الزرع الذي يموت عنه صاحبه وقد بدا صلاحه، وإن لم يوص بإخراجها منه للعلم بأنه لم يؤد زكاتها وأشهب يرى إخراج زكاة المال الناض واجبا، وإن لم يوص: بإخراجها إذا مات عند وجوبها، ولم يفرط انتهى. وعزا اللخمي قول ابن القاسم لمحمد قال: وعلى هذا من وجب عليه عتق رقبة من ظهار، فإن لم يفرط أعتق عنه من رأس ماله، وإن فرط لم يعتق عنها انتهى. وهو كلام ظاهر ومثله عتق كفارة القتل، وكل ما كان ظاهرا لا يخفى ولم يفرط فيه، والله أعلم. وإلى جميع ما تقدم أشار المؤلف بقوله ثم تقضى ديونه؛ لأن حقوق الآدميين وحقوق الله يصدق عليها كلها ديون وكذلك عبارة الرسالة: ويبدأ بالكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث. ولهذا قال شارحه الشيخ يوسف بن عمر: ثم الدين الذي بعوض والذي يثبت بالبينة أو بإقرار الميت في صحته أو بإقراره في مرضه لمن لا يتهم عليه ثم الدين الذي بغير عوض مثل الزكاة التي فرط فيها وأقر بها في صحته والكفارات ثم بعد هذا الوصية انتهى. ولكنه ليس في كلام المؤلف ولا في كلام صاحب الرسالة ما يدل على أن حقوق الآدميين مقدمة على حقوق الله تعالى، وقوله: "ثم وصاياه من ثلث الباقي" يريد وما يخرج مع الوصايا مما هو مقدم عليها كما تقدم ثم الباقي لورثته، وإنما قدمت الوصية على الميراث لاحتمال أن يبقى من الثلث شيء لهم.
تنبيه: قال البرزلي: وكان شيخنا الإمام رحمه الله يقول: من أراد أن يتحيل بإخراج ماله بعد موته فليفعل مثل ما ذكر في هذا القسم انتهى. يعني أنه يشهد في صحته بشيء من حقوق الله تعالى، والله أعلم. ص: (من ذي النصف) ش: من الفرضيين من لم يتعرض لعد الوارث، وإنما يقول: الفروض ستة ثم يقول: أصحاب النصف كذا وأصحاب كذا كذا إلى آخره، ومنهم المصنف لكنه لشدة الاختصار لم يعد أولا الفروض بل كلما ذكر فرضا أتبعه بأصحابه ومن الفرضيين من يعد الورثة أولا ثم يذكر الفروض كابن الحاجب والله أعلم. ص: (وعصب كلا أخ يساويها) ش: أي عصب كل واحدة من البنت، وبنت الابن والأخت الشقيقة،

(8/584)


شقيقة وعصب، كلا أخ يساويها، والجد الأوليان والأخريين
__________
والأخت للأب أخ يساويها، أي في الوصف الذي ترث به فيعصب الشقيقة أخ يساويها، أي شقيق فتأخذ الثلث ويأخذ الثلث ولا يعصبها الأخ للأب، بل تأخذ من فرضها النصف، ثم يكون له ما بقي بعد الفروض ويعصب الأخت للأب أخ يساويها، أي للأب فتأخذ هي وهو المال للذكر مثل حظ الأنثيين كما تقدم في الشقيقة، ولو كان شقيقا لم يعصب التي للأب، بل يسقطها، ويعصب البنت أخ لها يساويها في الوصف الذي ترث به وهو البنوة ولا يلتفت لكونه شقيقا لها أو لأب ويعصب بنت الابن أخ يساويها في كونه ابن ابن سواء كان شقيقا لها أو لأب ويعصبها غيره كما سيأتي، فصح قول المؤلف أخ يساويها، وكون بنت الابن يعصبها غيره أيضا لا يرد عليه؛ لأن المصنف لم يحصر فسقط قول من قال: أما الشقيقة والأخت للأب فيعصب كل واحدة منهما أخوها المساوي لها في كونهما شقيقين أو لأب وأما بنت الصلب فيعصبها أخوها كيف كان، وأما بنت الابن فيعصبها أخوها، وابن عمها وقد يعصبها ابن أخيها أو حفيد عمها كما يشير إليه بعد فلا يخفاك ما في كلامه هذا انتهى. وقد ظهر لك بيانه، والله أعلم.
تنبيه: الفرضيون يقولون: العصبة ثلاثة أقسام: عصبة بنفسه فهم كل ذكر إلا الزوج والأخ للأم، والمعتقة من الإناث فقط، وعصبة بغيره وهي أربع: البنت فأكثر، وبنت الابن فأكثر، والأخت الشقيقة فأكثر، والأخت للأب فأكثر يعصب كلا من تقدم ذكره، ومن يأتي في بنت الابن. وعصبة مع غيره وهي الأخت فأكثر شقيقة أو لأب مع البنت وبنت الابن، فأشار المؤلف إلى العصبة بنفسه بقوله فيما يأتي: "ولعاصب ورث المال إلى آخره" وأشار إلى العصبة بغيره بقوله: "وعصب كلا أخ يساويها"، وأشار إلى العصبة مع غيره بقوله: "والأخريين الأوليان".
ومعنى عصبة بغيره: أن سبب تعصيبه كونه مع عصبة غيره، ومعنى عصبة مع غيره، أي مع كون غيره ليس بعصبة فظهر الفرق بينهما، والله أعلم. ص: (والجد والأوليان الأخريين) ش: كذا هو في بعض النسخ قال ابن غازي: وهو الصواب، والمعنى أن الجد والأوليين، وهما البنت وبنت الابن يعصب كل واحد منهم الأخريين وهما الأخت الشقيقة، والأخت لأب فقط، ولا

(8/585)


ولتعددهن الثلثان، وللثانية مع الأولى السدس، وإن كثرن وحجبها ابن فوقها وبنتان فوقها، إلا الابن في درجتها مطلقا، أو أسفل فمعصب وأخت لأب وأكثر مع الشقيقة فأكثر كذلك، إلا أنه إنما يعصب الأخ والربع الزوج
__________
يعصب الجد البنت ولا بنت الابن، والله أعلم. ص: (ولتعددهن الثلثان) ش: يرد على ظاهر هذه العبارة، وعلى قوله بعد: "والثلثان لذي النصف إن تعدد" أن البنت، والأخت يرثان الثلثين وهذه العبارة سبقه إليها الحوفي، والقاضي، والله أعلم. ص: (إلا أنه يعصب الأخ أخته لا من فوقه) ش: بهذا الاستثناء خلص من الاعتراض الوارد على عبارة الحوفي حيث أطلق وترك هذا الاستثناء، فقال ابن عرفة قوله: "وكذلك الأخوات للأب" يؤذن بأنهن مع الشقيقات في كل ما تقدم، كبنات الابن مع البنات وليس كذلك فإن الأخوات للأب لا يعصبهن ابن أخيهن كما يعصب بنات الابن ابن أخيهن انتهى. ص: (والربع الزوج بفرع) ش: لا بد من تقييده بكونه وارثا فلو كان الفرع غير وارث إما لمانع به كالرق، والقتل أو لكونه من ولد البنات لم يحجب الزوج إلى الربع، ولا يقال بأن هذا مستغنى عنه بما هو مقرر بأن كل من لا يرث

(8/586)


بفرع وزوجة فأكثر، والثمن لها أو لهن بفرع لاحق، والثلثين لذي النصف إن تعددا، والثلث لأم وولديها فأكثر، وحجبها من الثلث للسدس ولد وإن سفل، وأخوان أو أختان مطلقا، ولها ثلث الباقي في زوج وأبوين وزوجة وأبوين، والسدس للواحد من ولد الأم مطلقا
__________
بحال فلا يحجب وارثا؛ لأنا نقول لم يذكر المصنف: أن الولد يحجب الزوج إلى الربع حتى يكتفي بما ذكر، بل كلامه في الحال التي يرث الزوج فيها الربع فذكر أن ذلك إذا لم يكن هناك فرع فلا بد من تقييده بما ذكر، والله أعلم. ص: (والثمن لها أو لهن بفرع لاحق) ش: لو قال: "وارث" لكان أحسن، وأشمل لما تقدم فرقه، والله أعلم. ص: (والثلثين لذي النصف إن تعدد) ش: هذا تكرار مع ما تقدم، والله أعلم. ص: (والثلث للأم وولديها فأكثر) ش:
فرع: قال الباجي في المنتقى في كتاب الفرائض وفي كتاب ابن عجلان الفرضي في الصبي يموت وله أم متزوجة فإنه لا ينبغي لزوجها أن يطأها حتى يتبين أنها حامل أو حائل لمكان الميراث؛ لأنها إن كانت حاملا ورث ذلك الحمل أخاه لأمه، وقال أشهب: لا يعزل عنها وله وطؤها فإن وضعت بعد موته لأقل من ستة أشهر ورث أخاه، وإن وضعته لتمام ستة أشهر لم يرثه؛ لأنه وإن عزل عنها لم يؤمن أن يطرقها ويتسور عليها وهذا إذا لم يكن حملها ظاهرا يوم مات الميت، ولو كان حملها ظاهرا لورث أخاه، وإن وضعته لأكثر من ستة أشهر أو تسع أو أكثر من ذلك، وكذلك إن كان زوجها غائبا غيبة بعيدة لا يتهيأ له الوصول إليها فإنه يرث أخاه، وإن ولد لأكثر من تسعة أشهر انتهى. ونقله القرافي في الذخيرة مختصرا فأجحف فيه

(8/587)


وسقط بابن وابنه وبنت، وإن سفلت، وأب وجد، والأب أو الأم مع ولد وإن سفل، والجدة فأكثر، وأسقطها الأم مطلقا، والأب الجدة من قبله، والقربى من جهة الأم البعدى من جهة الأب، وإلا اشتركتا وأحد فروض الجد غير المدلى بأثنى، وله مع الإخوة أو الأخوات الأشقاء أو الأب الخير من الثلث، أو المقاسمة
__________
وقال ابن يونس: روي عن علي وعمر بن عبد العزيز إن مات ولأمه زوج غير أبيه إن زوجها يعتزل عنها حتى يستبرئها بحيضة ليعلم أنها حامل أم لا احتياطا للميراث فإن لم يعتزلها أو قال اعتزلتها فلم تصدقه الورثة فاتفق العلماء أنها إن ولدت لأقل من ستة أشهر ورثه أخوه للأم إلا أن يكون للميت من يحجبه فإن ولدت لستة أشهر فأكثر لم يرثه إلا أن تصدقها الورثة أنها كانت حاملا يوم مات ابنها أو يشهد بذلك امرأتان فصاعدا انتهى.
ص: (والأب أو الأم مع ولد، وإن سفل) ش: يعني: أن السدس فرض كل واحد من الأب، والأم مع الولد أو ولد

(8/588)


وعاد الشقيق بغيره، ثم رجع كالشقيقة بمالها، لو لم يكن جد وله مع ذي فرض معها السدس أو ثلث الباقي أو المقاسمة، ولا يفرض لأخت معه إلا في الأكدرية والغراء زوج وجد وأم وأخت شقيقة، أو لأب فيفرض لها وله ثم يقاسمها، وإن كان محلها أخ لأب ومعه إخوة لأم
__________
الابن، وإن سفل سواء كان ذكرا أو أنثى، أما الأم فحالها معلوم مما تقدم، وأما الأب فله ثلاث حالات: حالة يرث فيها بالفرض فقط، وحالة بالتعصيب فقط، وحالة يجمع بينهما. فالأولى: إذا كان معه ابن أو ابن ابن أو بنت أو بنات ومع البنت والبنات أصحاب فروض يستغرقون التركة أو يفضل منها قدر السدس أو أقل من السدس. والحالة الثانية: إذا لم يكن معه ولد ولا ولد ابن لا ذكر أو لا أنثى فيرث المال جميعه بالتعصيب إن انفرد أو الباقي بعد أصحاب الفروض.
والحالة الثالثة: إذا كان معه بنت أو بنت ابن أو بنتان فأكثر أو بنتا ابن فأكثر وضابطها أن يكون معه من البنات أو بنات الابن أو منهما ما يأخذ الثلثين أو النصف فيأخذ السدس فرضا عملا بقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: من الآية11] والباقي عصوبة لحديث: "فما بقي فلأولى رجل ذكر"1 انظر شرح الشيخ زكريا الكبير على الفصول والجزولي الكبير، والضابط المذكور مأخوذ من كلام ابن الهائم في الفصول وينبغي أن يزداد فيه فيقال: وضابطه أن يكون معه من البنات أو بنات الابن أو منهما أو من أحدهما، وصاحب فرض ما يفضل عنهم أكثر من السدس ليشمل نحو بنت وأبوين فتأمله، والله أعلم. ص: (وإن كان محلها أخ لأب ومعه إخوة لأم سقط) ش: أي لو كان موضع الأخت الشقيقة أو الأب أخ لأب ومعه إخوة لأم فليست بأكدرية وذلك أن الأم قد حجبت للسدس بتعدد الإخوة فللزوج النصف، وللأم السدس، وللجد السدس، واختلف في السدس الباقي، فقيل: يأخذه الأخ للأب والمشهور أن الجد يأخذ الجميع ويسقط الأخ للأب؛ لأن الجد يقول: للأخ للأب أرأيت لو
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الفرائض باب 5، 7، 9، 10ز ومسلم في كتاب الفرائض حديث 2-4. الترمذي في كتاب الفرائض باب 10. الدارمي في كتاب الفرائض 8،28.

(8/589)


سقط ولعاصب ورث المال، أو الباقي بعد الفرض وهو الابن ثم ابنه
__________
لم أكن معكم أكان يكون لك شيء فيقول: لا، وذلك؛ لأن الإخوة للأم إنما يسقطون بوجوده ولو لم يوجد لكانوا أصحاب فروض يعال لهم إن تعددوا ويأخذون السدس إن لم يتعددوا، ويسقط معهم الإخوة للأب فيقول الجد للإخوة للأب: ليس وجودي بالذي يوجب لكم شيئا

(8/590)


وعصب كل أخته، ثم الأب ثم الجد والإخوة، كما تقدم الشقيق ثم للأب، وهو كالشقيق عند عدمه، إلا في حمارية والمشتركة زوج وأم أو جدة وأخوان لأم وشقيق وحده، أو مع غيره فيشاركون الإخوة للأم الذكر كالأنثى، وأسقطه أيضا الشقيقة التي كالعاصب لبنت أو بنت ابن فأكثر ثم بنوهما
__________
لم يكن لكم، وتسمى هذه بالمالكية. ص: (والمشتركة) ش: يقال فيها مشتركة بتاء فوقية بعد الشين كما ذكره القرافي فتكون من الاشتراك، ويقال لها المشركة بلا تاء بفتح الراء المشددة، أي المشرك فيها بحذف الجار والمجرور، ويقال أيضا بكسر الراء انتهى. بالمعنى من شرح الفصول

(8/591)


ثم العم الشقيق، ثم لأب ثم عم الجد الأقرب، فالأقرب وإن غير شقيق، وقدم مع التساوي الشقيق مطلقا، ثم المعتق كما تقدم، ثم بيت المال، ولا يرد ولا يدفع لذوي الأرحام
__________
لشيخنا زكرياء وقريب منه في القاموس فليحرر، والله أعلم.
ص: (ثم بيت المال ولا يرد ولا يدفع لذوي الأرحام) ش: يعني أنه إذا لم يكن للميت من يرثه من النسب ولا من يرثه بالولاء فماله لبيت مال المسلمين وقد أطلق رحمه الله في بيت المال ولم يقيده بما إذا كان الوالي يصرفه في مصارفه، وكأنه رحمه الله تبع ظاهر كلام ابن الحاجب حيث قال: وإن لم يكن وارث فبيت المال على المشهور وقيل: لذوي الأرحام، وعن ابن القاسم يتصدق به إلا أن يكون الوالي كعمر بن عبد العزيز فأطلق في القول الأول الذي جعله المشهور: أن بيت المال وارث ولم يقيده بما إذا كان الوالي يصرفه في مصارفه بل ظاهر كلامه أن التقييد بذلك خلاف المشهور، وقبل ابن عبد السلام كلامه، وكذلك الشيخ خليل في التوضيح وتبعه على ذلك في مختصره، فأطلق أن بيت المال وارث والذي ذكره غير واحد من أهل المذهب: أن

(8/592)


ويرث بفرض وعصوبة الأب، ثم الجد مع بنت، وإن سفلت
__________
بيت المال وارث إذا كان يصرفه في وجوهه قال الباجي في المنتقى في الكلام على الوصايا: مسألة من مات ولا وارث له فقد روى محمد عن أبي زيد عن ابن القاسم يتصدق بما ترك إلا أن يكون الوالي يخرجه في وجهه مثل عمر بن عبد العزيز فليدفع إليه وكذلك من أعتق نصرانيا فمات النصراني ولا وارث له فليتصدق بماله ولا يجعل في بيت المال ووجه ذلك أن الوالي ليس له أن يستبد به ولا يصرفه في غير وجوه البر، فإذا كان ممن لا يصرفه في وجوه البر ساغ لمن كان بيده أن يصرفه في وجوه البر انتهى. ولم يحك في ذلك خلافا، ثم قال:
مسألة: ومن أوصى له من لا وارث له بجميع ما له فقد قال مالك: يجزئه أن يتصدق بثلثه، فقال ابن المواز: يتصدق بجميع ذلك على المسلمين لا عن الميت، ووجه ذلك أن ملك الموصي قد زال عن ثلثي ماله بالموت إلى وارث معين فإن كان معينا دفع إليه، وإن كان غير معين تصدق به عمن صار إليه ا هـ. وذكر ابن يونس في أواخر كتاب الوصايا الأول كلام ابن القاسم المتقدم واقتصر عليه، وكذلك ابن رشد في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا ولم يذكر في ذلك خلافا،
وقال ابن عرفة بعد ذكر كلام ابن الحاجب: قال أبو عمر في كافيه: من لم يكن له عصبة ولا ولاء فبيت مال المسلمين إذا كان موضوعا في وجهه ولا يرد إلى ذوي الأرحام ولا إلى ذوي السهام، قال ابن عرفة: قلت: وقال الطرطوشي في تعليقته: إنما يكون لبيت المال في وقت يكون الإمام فيه عادلا وإلا فليرد إلى ذوي الأرحام. الباجي في كتاب الوصايا لمحمد عن أبي زيد عن ابن القاسم: من مات ولا وارث له يتصدق بما ترك إلا أن يكون الوالي يخرجه في وجهه مثل عمر بن عبد العزيز فليدفع إليه وكذا من أعتق نصرانيا ومات النصراني ولا وارث له تصدق بماله ولا يجعل في بيت المال، وحكاه الصقلي، وقاله ابن رشد في سماع أبي زيد، وقال اللخمي: من أوصى بكل ماله ولا وارث له قيل: ليس له ذلك وقيل: وصيته ماضية هذا إن أوصى به للأغنياء أو فيما لا يصرفه فيه الإمام أو وليه ولو جعله في الفقراء وفيما لو رفعه إلى الإمام لقضى فيه بمثل ذلك لم تغير وصيته؛ لأنه فعل صوابا ولا اختلاف في ذلك، واختلف إن مات عن غير وصية هل هو كالفيء يحل للأغنياء أو يقصر على الفقراء انتهى.

(8/593)


__________
وقال ابن عسكر في عمدته: المذهب أن ما أبقت الفروض يكون عند عدم العصبة لبيت المال، وأنه وارث من لا وارث له فإن لم يكن فللمسلمين ولا يرد على ذوي السهام ولا يرثه ذوو الأرحام وقيل: بل يرث بالرد والرحم انتهى. وقال في الإرشاد: والمذهب أن ما أبقت الفروض فلأولى عصبة فإن لم يكن فللموالي فإن لم يكن، فلبيت المال فإن عدم فللفقراء والمساكين لا بالرد ولا بالرحم وورثهما المتأخرون انتهى. وذكر الشيخ سليمان البحيري في شرح الإرشاد عن المعتمد نحو عبارة العمدة، ثم قال: وحكى صاحب عيون المسائل اتفق شيوخ المذهب بعد المائتين على توريث ذوي الأرحام والرد على ذوي السهام انتهى.، وقوله في الإرشاد: "فإن عدم" أشار التتائي في شرحه أن المراد بذلك أن لا يصرف في وجوهه فتأمله.
وقال ابن يونس في كتاب الفرائض في باب الرد: أجمع المسلمون أنه لا يرد على الزوج والزوجة، وأن الباقي بعد فرضهما على مذهب من لا يورث ذوي الأرحام لبيت مال المسلمين أو للفقراء والمساكين، وعلى مذهب من يورث ذوي الأرحام يكون الباقي بعد فرض الزوجين لذوي الأرحام انتهى. وقال في باب الإقرار بوارث: وإنه لا يرد بذلك الإقرار، بل إن كان له وارث معروف فالمال له، وإن لم يكن فالمال لبيت المال، وإنما استحب في زماننا هذا إذا لم يكن له وارث معروف، فإن المقر له أولى من بيت المال إذ ليس ثم بيت المال للمسلمين يصرف ماله في مواضعه انتهى. وقال في باب توريث ذوي الأرحام: قال إسماعيل القاضي: متى كان للميت عصبة من ذوي الأرحام فهم أولى فإن لم يكونوا فالولاء فإن لم يكن ولاء فبيت مال المسلمين، قال ابن يونس: فإن لم يكن بيت مال فأولوا الأرحام لما في ذلك من الآثار المتقدمة لا سيما إذا كانوا ذوي حاجة فيجب اليوم أن يتفق على توريثهم، وإنما تكلم مالك وأصحابه إذا كان للمسلمين بيت مال؛ لأن بيت المال يقوم مقام العصبة إذا لم يكن عصبة ألا ترى أن الرجل لو قتل قتيلا خطأ ولم يكن له عصبة ولا موالي وجب أن يعقل عنه من بيت المال، فكذلك يكون ميراثه لبيت المال وإذا لم يكن بيت مال أو كان بيت مال لا يوصل إليه شيء منه، وإنما يصرف في غير وجهه فيجب أن يكون ميراثه لذوي رحمه الذين ليسوا بعصبة إذا لم يكن له عصبة ولا موالي وإلى هذا رأيت كثيرا من فقهائنا، ومشايخنا يذهبون في زماننا هذا ولو أدرك مالك وأصحابه مثل زماننا هذا لجعل الميراث لذوي الأرحام إذا انفردوا والرد على من يجب له الرد من أهل السهام انتهى. وقال الشيخ مرزوق في شرح الإرشاد: قال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد: من لم يكن له عصبة ولا ولاء فبيت مال المسلمين إذا كان موضوعا في وجهه ولا يرثه ذوو الأرحام ولا يرد على ذوي السهام انتهى. وقال ابن الفرس في أحكام القرآن في سورة النساء في قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: من الآية11] أن ما فضل عن الورثة يكون لبيت المال فإن لم يكن بيت مال المسلمين فإلى الفقراء انتهى. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة في آخر باب زكاة العين والحرث في شرح قوله: "وفي الركاز

(8/594)


كابن عم أخ لأم
__________
الخمس" وهو دفن الجاهلية الخمس على من أصابه ما نصه: فإن كان الإمام عدلا دفع الواجد الخمس له يصرفه في محله، وإن كان غير عدل، فقال مالك يتصدق به الواجد ولا يرفعه إلى من يغيب به، وكذلك العشر وما فضل من المال على الورثة ولا أعرف اليوم بيت مال، وإنما هو بيت ظلم. انتهى.، فكلامهم في هذه المواضع كلها يبين أن بيت المال في زماننا هذا معدوم، والله أعلم.
فرع: إذا كان الوارث هو بيت مال المسلمين، فمات شخص في بلد، وخلف فيه مالا وخلف في بلد آخر مالا وليس له وارث إلا جماعة المسلمين، فقال في الفصل السادس من مفيد الحكام في الوصايا ومن الخمسة لأصبغ وهي أيضا في السليمانية: وإذا مات الرجل في بلد وخلف فيه مالا وخلف أيضا في بلد أخرى، وفي بلد سواه مالا غيره ولم يكن له وارث إلا جماعة المسلمين فإن عامل البلد الذي مات فيه وكان مستوطنا به أحق بميراثه مات فيه أو في غيره كان ماله فيه أو فيما سواه من البلاد انتهى. والظاهر أن قوله: "وفي بلد سواه" تكرار، وأن قوله: "مات فيه" زائد، والله أعلم. وفي أجوبة ابن رشد: وسئل عمن مات في بلد وخلف فيه مالا وفي بلد آخر مالا وليس له وارث إلا جماعة المسلمين وليس أحد البلدين له وطنا وأراد صاحب البلد الذي مات فيه أخذ المال الذي خلفه في البلد الثاني ومنعه صاحبه هل له ذلك أم لا، وكيف إن كان البلد الذي مات فيه وطنا أو الذي لم يمت فيه؟ فأجاب عامل البلد الذي فيه استيطان المتوفى أحق بقبض ميراثه مات فيه أو في غيره كان ماله فيه أو فيما سواه من البلاد ذكره في مسائل المواريث.
ص: (كابن عم أخ لأم) ش: يعني إذا اجتمع في شخص سهمان أحدهما بالفرض، والآخر بالتعصيب فإنه يرث بهما كابن العم يكون لأم أخا

(8/595)


وورث ذو فرضين بالأقوى، وإن اتفقا في المسلمين كأم أو بنت أخت، ومال الكتابي الحر المؤدي للجزية لأهل دينه من كورته، والأصول اثنان وأربعة وثمانية وثلاثة وستة واثنا عشر وأربعة وعشرون،فالنصف من اثنين، والربع من أربعة، والثمن من ثمانية، والثلث من ثلاثة، والسدس من ستة، والربع والثلث أو السدس من اثني عشر، والثمن والثلث أو السدس من أربعة وعشرين،
__________
فيأخذ السدس بالإخوة للأم، والباقي بالعصوبة وكذلك إذا كان ابن العم زوجا وكذلك إذا

(8/596)


وما لا فرض فيها فأصلها عدد عصبتها، وضعف للذكر على الأنثى، وإن زادت الفروض أعيلت، فالعائل الستة، لسبعة، ولثمانية، ولتسعة، ولعشرة، والاثنى عشر، لثلاثة عشر، وخمسة عشر، وسبعة عشر، والأربعة والعشرون لسبعة وعشرين زوجة، وأبوان وابنتان، وهي المنبرية يقول علي: صار ثمنها تسعا
__________
كان المولى زوجا ولا خلاف في هذا أعني أنه يأخذ فرضه والباقي بالتعصيب إذا لم يكن معه من يشاركه في التعصيب فأما إن كان معه من يشاركه في التعصيب وفي منزلته كابني عم أحدهما أخ لأم فقال ابن القاسم: للأخ السدس للأم ويقسم مع ابن عمه ما بقي بالسواء، وقال أشهب: يترجح الأخ للأم؛ لأنه زاد فولادة الأم كالأخ الشقيق مع الأخ للأب وأجيب للأول بأن زيادة ولادة الأم ليست في محل التعارض فلا توجب الترجيح بخلاف مسألة الأخ الشقيق، والأخ للأب ونحوهما انتهى من التوضيح وكذلك لو ترك المعتق ابني عم وأحدهما أخ لأم فالولاء بينهما نصفين عند ابن القاسم، وقال أشهب: الولاء للأخ للأم قاله في كتاب الولاء من المدونة وابن يونس. ص: (والاثنا عشر لثلاثة عشر) ش: مثل الشارح في الشرح الصغير لقوله: "ثلاثة عشر" بزوجة، وأبوين، وأخت شقيقة أو لأب وهذا سهو منه رحمه الله فإن الأخوات لا يرثن مع الأب، ومثل لذلك في الوسط والكبير بزوجة وأخوين لأم وأخت شقيقة أو

(8/597)


ورد كل صنف انكسرت عليه سهامه إلى وفقه، وإلا ترك وقابل بين اثنين، فأخذ أحد المثلين أو أكثر المتداخلين، وحاصل ضرب أحدهما في وفق الآخر إن توافقا، وإلا ففي كله إن تباينا،
__________
لأب، وهو الظاهر؛ لأن للشقيقة أو التي للأب النصف ستة وللزوجة الربع ثلاثة وللأخوين للأم الثلث أربعة، الجملة: ثلاثة عشر ومن أمثلة عولها لثلاثة عشر زوجة، وأم، وأختان شقيقتان أو

(8/598)


ثم بين الحاصل، والثالث، ثم كذلك وضرب في العول أيضا، وفي الصنفين اثنتا عشرة صورة لأن كل صنف إما أن يوافق سهامه أو يباينها أو يوافق أحدهما ويباين الآخر، ثم كل إما أن يتداخلا أو يتوافقا أو يتباينا أو يتماثلا، فالتداخل: أن يفني أحدهما الآخر أولا، ًوإلا فإن بقي واحد فمتباين، وإلا فالموافقة، بنسبة مفرد للعدد المفنى آخراً ولكل من التركة بنسبةحظه من
__________

(8/599)


المسألة،أو تقسم التركة على ما صحت منه المسألة كزوج وأم وأخت للزوج ثلاثة والتركة عشرون فالثلاثة من الثمانية ربع وثمن فيأخذ سبعة ونصفا وإن أخذ أحدهم أرضا فأخذه بسهمه وأردت معرفة قيمته فاجعل المسألة سهام غير الآخذ ثم اجعل لسهامه من تلك النسبة فإن زاد خمسة ليأخذ فزدها على العشرين ثم اقسم
ـــــــ

(8/600)


وإن مات بعض قبل القسمة ورثه الباقون، كثلاثة بنين مات أحدهم أو بعض كزوج معهم وليس أباهم فكالعدم، وإلا صحح الأولى ثم الثانية، فإن انقسم نصيب الثاني على ورثته كابن وبنت مات وترك أختا وعاصبا صحتا، وإلا وفق بين نصيبه وما صحت منه مسألته، واضرب الثانية في الأولى، كابنين وابنتين مات أحدهما وترك زوجة وبنتا وثلاثة بني ابن، فمن له شيء من الأولى ضرب له في وفق الثانية، ومن له شيء من الثانية ففي وفق سهام الثاني، وإن لم يتوافقا ضرب ما صحت منه مسألته فيما صحت منه الأولى كموت أحدهما عن ابن
__________
لأب أو إحداهما شقيقة، والأخرى لأب، والله أعلم. ص: (وترك زوجا) ش: أي زوجة ويعين

(8/601)


وبنت، وإن أقر أحد الورثة فقط بوارث فله ما نقصه الإقرار تعمل فريضة الإنكار، ثم فريضة الإقرار، ثم انظر ما بينهما من تداخل وتباين وتوافق الأول، والثاني كشقيقتين وعاصب، أقرت واحدة بشقيقة أو بشقيق والثالث، كابنتين وابن أقر بابن وإن أقر ابن
__________
ذلك أن الكلام فيما إذا وافق سهام الميت الثاني مسألته، وإنما يتصور حيث يكون الميت أحد

(8/602)


ببنت وبنت بابن فالإنكار من ثلاثة، والإقرار من أربعة، وهي من خمسة فتضرب أربعة في خمسة بعشرين ثم في ثلاثة، يرد الابن عشرة وهي ثمانية، وإن أقرت زوجة حامل وأحد إخوته أنها ولدت حيا، فالإنكار من ثمانية كالإقرار، وفريضة الابن من ثلاثة تضرب في ثمانية وإن أوصى
__________
الابنين، وأما البنتان فسهام كل واحدة واحد والواحد بيان كل عدد، وإن كان الميت أحد

(8/603)


بشائع كربع، أو جزء من أحد عشرة، أخذ مخرج الوصية، ثم إن انقسم الباقي على الفريضة، كابنين وأو صى بالثلث فواضح
__________

(8/604)


وإلا وفق بين الباقي والمسألة، واضرب الوفق في مخرج الوصية، كأربعة أو لاد وإلا فكاملها كثلاثة، وإن أو صى بسدس وسبع ضربت ستة في سبعة ثم في أصل المسألة أو في وفقها
__________

(8/605)


ولا يرث ملاعن وملاعنة وتوأماها شقيقان، ولا رقيق والسيد المعتق بعضه جميع إرثه،
__________
الابنين تعين أن يكون المراد زوجة، والله أعلم. ص: (وتوأماها شقيقان) ش: هذا هو المشهور، وقال المغيرة: إنهما يتوارثان لأم كالمشهور في توأمي الزانية والمغصوبة، وقال ابن نافع: إنهما شقيقان أيضا، وأما توأما المستأمنة والمسبية فقال في أول كتاب اللعان من البيان: إنهما شقيقان ولم يحك في ذلك خلافا، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة في اللعان.
ص: (ولا رقيق) ش: وفي المدونة إذا أعتق المديان ولم يعلم الغرماء حتى مات بعض قرابة المعتق لم يرثه؛ لأنه عبد حتى يجيز الغرماء العتق، فهو متردد بين الحرية والرق وقريبه حر صرف وإذا بتل عتق عبده في مرضه وله أموال متفرقة إذا جمعت خرج العبد من ثلثها فلا يرث قبل جمعها؛ لأن المال قد يهلك فلم تتحقق الحرية، قاله في العتق الأول، وقال ابن يونس: إذا اشتريت عبدا فأعتقته وورث وشهد، ثم استحق فإن أجاز المستحق البيع نفذ العتق والميراث وإلا بطل الجميع

(8/606)


ولا يورث إلا المكاتب، ولا قاتل عمد عدوانا، وإن أتى بشبهة كمخطئ من الدية
ـــــــ
والفرق أن المديان متعد على الغرماء بخلاف المشتري فلو علم المشتري بملك المستحق استوت المسألتان عند العتق، قال ابن يونس: وإن لم يعلم الغرماء حتى ورث ثم أجازوا نفذت الأحكام انتهى. ص: (ولا قاتل عمدا عدوانا) ش: ولو عفا عنه قال في كتاب الوصايا من النوادر في ترجمة المدبر وأم الولد يقتلان السيد عن كتاب ابن المواز: وإذا قامت بينة على وارث أنه قتل مورثه عمدا فأبرأه المقتول فإنه يتهم في إبرائه؛ لأن ولده يرى أنه يوجب له ميراثا زال عنه بالقتل، وهو عفو جائز لا يقتل به ولكن لا يرثه بذلك ولا يكون مصابه وصية له من ثلثه؛ لأنه يتهم ولكن لو لم يبرئه، وقال: نصيبه من الميراث هو له وصية فذلك له جائز؛ لأنه وصية لغير وارث ومن كتاب ابن المواز والمجموعة قال أشهب: إذا قامت بينة على وارث بالقتل عمدا فكذبهم بعض الورثة، وصدقهم البعض فإن ما صار للمكذبين من ميراثهم يريد من الدية فهو للقاتل وكذلك الموصى له بالوصية كما لو أقر الميت بدين لوارثه وصدقه بعض ورثته انتهى.
تنبيه: احترز المؤلف بقوله: "عمدا عدوانا" مما لو كان عمدا غير عدوان قال الفاكهاني نحو أن يقتل الحاكم ولده قصاصا، ونحوه فهذا يورث عندنا بلا خلاف أعلمه، وفي مذهب الشافعي ثلاثة أقوال انتهى.
ص: (وإن بشبهة) ش: يشير إلى ما قاله في النوادر إذا قتل الأبوان ابناهما على وجه الشبهة، وسقط عنهما القتل فالدية عليهما ولا يرثان منها ولا من المال؛ لأنه عدوان من الأجنبي نقله في الذخيرة.
فرع: قال الفاكهاني: إذا جرح إنسان وريثه فمات الجارح قبل المجروح هل يرثه لم أقف عليه على نص، وفي الروضة أنه يرث انتهى.
قلت: ولا ينبغي أن يختلف في أنه يرث وهو

(8/607)


ولا مخالف في دين كمسلم مع مرتد أو غيره وكيهودي مع نصراني وسواهما ملة وحكم بين الكفار بحكم المسلم إن لم يأب بعض، إلا أن يسلم بعض فكذلك إن لم يكونوا كتابيين، وإلا فبحكمهم ولا من جهل تأخر موته
ـــــــ
ظاهر، والله أعلم. ص: (ولا من جهل تأخر موته) ش: فرع: من أنفذت مقاتله، ومات له قريب حكى ابن رشد في رسم سماع ابن القاسم من كتاب الديات الخلاف في ذلك، وذكر ابن

(8/608)


ووقف القسم للحمل ومال المفقود للحكم بموته، وإن مات مورثه قدر حيا وميتا ووقف المشكوك فيه، فإن مضت مدة التعمير فكالمجهول فذات زوج وأم وأخت وأب مفقود فعلى حياته من ستة وموته كذلك، وتعول لثمانية وتضرب الوفق في الكل بأربعة وعشرين للزوج تسعة وللأم أربعة ووقف الباقي فإن ظهر أنه حي فللزوج ثلاثة وللأب ثمانية أو موته أو مضي مدة التعمير فللأخت تسعة وللأم اثنان
ـــــــ
ناجي في شرح الرسالة عن ابن يونس أنه صوب قول من قال أنه لا يرث انتهى.

(8/609)


وللخنثى المشكل نصف نصيبي ذكر وأنثى
ـــــــ
ص: (وللخنثى المشكل نصف نصيبي ذكر وأنثى) ش: تقدم أن من موانع الإرث الشك وهو أقسام الأول: في تأخر موت أحدهما عن الآخر الثاني: في الوجود والكلام على الخنثى من وجوه: الأول: في ضبطه وهو بضم الخاء المعجمة، وسكون النون وبالثاء المثلثة وبعدها ألف تأنيب مقصورة، والضمائر الراجعة إلى الخنثى مذكرة، وإن بانت أنوثته؛ لأن مدلولة شخص صفته كذا وكذا، وجمعه خناثى وخناث. الثاني: في اشتقاقه وهو مأخوذ من قولهم: "خنث الطعام" إذا اشتبه أمره فلم يخلص طعمه المقصود. الثالث: في بيان معناه قال في الصحاح: الخنثى الذي له ما للرجال، والنساء جميعا انتهى. وقال الفقهاء: هو من له ذكر الرجال، وفرج النساء وهذا هو الأشهر فيه، وقيل: إنه يوجد منه نوع آخر ليس له واحد منهما، وإنما له ثقب بين فخذيه يبول منه لا يشبه واحدا من الفرجين. الرابع: في أقسامه، والخنثى على قسمين: مشكل، وواضح فأما من ليس له واحد من فرجي الرجال والنساء، فقال الشافعية: هو مشكل أبدا، وأما على مذهبنا فيمكن أن يكون واضحا بأن تنبت له لحية أو ثدي، وأما من له الآلتان فإن ظهرت فيه علامات الرجال حكم بذكوريته، وإن ظهرت فيه علامات النساء حكم بأنوثته ويسمى من ظهرت فيه إحدى العلامتين واضحا، وإن وجدت فيه العلامات واستوت فيه فهو مشكل فتحصل من هذا أن المشكل نوعان: نوع له الآلتان واستوت فيه العلامات، ونوع ليس له واحدة من الآلتين، وإنما

(8/610)


__________
له ثقب كما تقدم. الخامس: في وجود الخنثى أما الواضح فموجود بلا خلاف واختلف في وجود الخنثى المشكل، فالجمهور على إمكان وجوده ووقوعه وعلى ذلك بنى أهل الفرائض، والفقهاء مسائل هذا الباب وذهب الحسن البصري من التابعين، والقاضي إسماعيل من المالكية إلى أنه لا يوجد خنثى مشكل قال الحسن: لم يكن الله عز وجل يضيق على عبد من عبيده حتى لا يدري أذكر هو أم أنثى، وقال القاضي إسماعيل: لا بد له من علامة تزيل إشكاله. السادس: في أن الخنثى المشكل خلق ثالث مغاير للذكر والأنثى أو هو أحدهما لكن أشكل علينا واستدل على ذلك بقوله: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [لنجم:45] فلو كان هناك ثالث لذكره؛ لأن الآية سيقت للامتنان، قال العقباني ولقائل أن يقول: إن الآية إنما سيقت للرد على الزاعمين أن لله تعالى ولدا فمنهم من زعم أن له ولدا ذكرا، ومنهم من زعم أن له بنات فرد الله عليهم بأنه خلق النوعين فكيف يكون له منهما ولد، وهو الخالق لهما ولم يزعم أحد أن له ولدا خنثى فلم يحتج في الرد عليهم إلى ذكر الخنثى، واستدل أيضا بقوله: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} [النساء: من الآية1} وبقوله: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: من الآية49] قالوا: فلو كان هناك خلق ثالث لذكره انتهى. والجواب الواضح هو ما يأتي في السابع من أن الجمهور على أن الخنثى من أحد الصنفين ولكن خفيت علينا علامته فتأمله وخرج العقباني في شرح الحوفي من القول بأنه لا ميراث له إنه صنف ثالث، قال: إذ لو كان لا يخلو عن أن يكون ذكرا أو أنثى لما حرمه الميراث ولو لم يكن إلا أقل الميراثين؛ لأنه مقطوع باستحقاقه غير أن هذا القول نقل ابن حزم الإجماع على خلافه وظاهر كلام الأئمة أنه ليس خلقا ثالثا انتهى. السابع: في ذكر أول من حكم فيه في الجاهلية والإسلام قال عبد الحق في تهذيب الطالب عن بعض شيوخه في النكاح الثاني منه، ونقله ابن عرفة: أن أول من حكم فيه عامر بن الظرب في الجاهلية نزلت به قضيته فسهر ليلته، فقالت له خادمته سخيلة راعية غنمهك ما أسهرك يا سيدي؟ قال: لا تسألي عما لا علم لك به ليس هذا من رعي الغنم فذهبت، ثم عادت، وأعادت السؤال فأعاد جوابه فراجعته، وقالت: لعل عندي مخرجا فأخبرها بما نزل به من أمر الخنثى فقالت: "أتبع الحكم المبال" ففرح وزال غمه زاد المتيطي: وكان الحكم إليه في الجاهلية واحتكموا إليه في ميراث خنثى فلما أخبرته بذلك حكم به الجوهري، والظرب بالظاء المعجمة، وكسر الراء واحد الظراب وهي الروابض الصغار منه عامر بن الظرب العدواني أحد فرسان العرب عبد الحق وغيره، ثم حكم به في الإسلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه انتهى. باختصار ابن عرفة ويريد بما ذكر عن الجوهري أن الظرب بالظاء لا بالضاد كما يقوله ويكتبه كثير من الناس، وقوله: "أحد فرسان العرب" كذا في بعض نسخ الصحاح وفي بعض النسخ الصحيحة المقروءة على أئمة اللغة أحد حكام العرب ولفظ عبد الحق في التهذيب بعد ذكر

(8/611)


__________
قصة عامر، ثم حكم فيه علي بن أبي طالب في الإسلام بهذا الحكم بأن جعل الحكم للمبال، وهو أول من حكم بها في الإسلام انتهى. وقال في التنبيهات: كان عامر حاكم العرب فأتوه في ميراث خنثى فأقاموا عنده أربعين يوما، وهو يذبح لهم كل يوم وكانت له أمة يقال لها سخيلة فقالت: إن مقام هؤلاء أسرع في غنمك فقال: ويحك لم تشكل علي حكومة قط غير هذه، فقالت له: أتبع الحكم المبال، قال: فرجتها يا سخيلة فصارت مثلا، قال: الأذرعي وفي ذلك عبرة ومزدجر لجهلة قضاة الزمان ومفتييه فإن هذا مشرك توقف في حكم حادثة أربعين يوما، ولا قوة إلا بالله انتهى. من شرح شيخنا زكرياء للفصول.
قلت: وفيه عبرة من جهة أخرى وهي أن الحكمة قد يخلقها العلي ويجريها على لسان من لا يظن به معرفتها، وأنه، وإن عجز عن إدراكها أصحاب الفطنة والعقول المستعدة لذلك فقد يجريها الله على لسان من لم يستعد لها، والله الموفق. وذكر ابن إسحاق القصة في السيرة قبل الكلام على استيلاء قصي على أمر مكة، فقال أمر عامر بن الظرب بن عمر بن شكير بن عدوان العدواني كانت العرب لا يكون بينها ثائرة ولا عضلة في قضاء إلا أسندوا ذلك إليه، ثم رضوا بما قضى فيه فاختصموا إليه في خنثى له ما للرجل وما للمرأة، فقال حتى أنظر في أمركم فوالله ما نزل بي مثل هذه منكم يا معشر العرب فبات ليلته ساهرا يقلب في أمره، وينظر في شأنه لا يتوجه له فيه وجه وكانت له جارية يقال لها سخيلة ترعى عليه غنمه فكان يعاتبها إذا سرحت فيقول: أصبحت والله يا سخيل وإذا أراحت عليه، قال: أمسيت والله يا سخيل وذلك أنها كانت تؤخر حتى يسبقها بعض الناس وتؤخر الإراحة حتى يسبقها بعض الناس فلما رأت سهره وقلة قراره على فراشه قالت له: ما لك لا أبا لك ما عراك في ليلتك هذه، فقال: ويلك دعيني أمر ليس من شأنك، ثم عادت له بمثل قولها، فقال في نفسه: عسى أن تأتي بفرج، فقال: ويحك اختصم إلي في ميراث خنثى فوالله ما أدري ما أصنع، فقالت: سبحان الله لا أبا لك أتبع القضاء المبال أقعده فإن بال من حيث يبول الرجل فرجل، وإن بال من حيث تبول المرأة فهو امرأة، فقال: أمسي سخيل بعدها أو صبحي فرجتها والله، ثم خرج على الناس حين أصبح فقضى بالذي أشارت عليه انتهى. قال أبو القاسم السهيلي المالكي في الروض الأنف، وذكر يعني ابن إسحاق عامر بن الظرب وحكمه في الخنثى وما أفتت به جاريته سخيلة وهو حكم معمول به في الشرع وهو من باب الاستدلال بالأمارات، والعلامات وله أصل في الشريعة قال الله تعالى: {وجاءوا على قميصه بدم كذب } وجه الدلالة أن القميص المدمى لم يكن فيه خرق ولا أثر أنياب ذئب، وكذا قوله: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} [يوسف: من الآية26] والله أعلم.
الثامن: في ميراثه اختلف العلماء في ذلك على أحد عشر قولا

(8/612)


__________
الأول: وهو المشهور أنه يجب له نصف الميراثين على طريقة ذكر الأحوال أو ما يساويها من الأعمال على أن يضعف لكل مشكل بعدد أحوال من معه من المشكلين
الثاني: لابن حبيب إن كان وارث من الخنثى وغيره يضرب في المال بأكثر مما يستحق فيقتسمونه على طريقة عول الفرائض فإذا كان ولدان ذكر وخنثى ضرب الذكر بالثلثين؛ لأنه أكثر ما يدعي وضرب الخنثى بالنصف؛ لأنه أكثر ما يدعي.
الثالث: لابن حبيب أيضا أنه يأخذ ثلاثة أرباع المال فأقل فإن كان معه غيره ممن ليس بمشكل فإنه يضرب بثلاثة أرباع ما يضرب الذكر فإن كان وحده ليس معه إلا من يحجبه لو كان ذكرا أخذ ثلاثة أرباع المال وأخذ العاصب.
الربع: وإن كان معه ابن ضرب الخنثى بثلاثة أرباع النصف إذ النصف أكثر ميراثه فإن كان معه اثنان ضرب بثلاثة أرباع الثلث، وإن كان معه بنت ضرب بثلاثة أرباع الثلثين. الرابع: ما حكي عن مالك أنه قال هو ذكر زاده الله فرجا تغليبا لجانب الذكورية قال: وقد غلب جانب الذكورية مع الانفصال يعني في الخطاب لو كان المخاطب رجلا واحدا وألف امرأة لخوطب الجميع خطاب الذكور، فكيف وهو هنا متصل والصحيح أنه لم يصح عن مالك فيه شيء قال الحوفي قال ابن القاسم: لم يكن أحد يجترئ أن يسأل مالكا عن الخنثى المشكل قال العقباني: انظر ما الذي هابوه من سؤال مالك عن الخنثى انتهى. ولفظ المدونة ما اجترأت على سؤال مالك عنه انتهى. الخامس: كالمشهور في غير مسائل العول، وأما مسائل العول فينظر كم التقادير في المسألة وكم تقادير العول فيها ويؤخذ بتلك النسبة من العول فيجعل عول المسألة. مثال ذلك عول الغراء ثلاثة فلو فرضنا الأخت فيها خنثى فإنما يحصل العول في حالة التأنيث فقط فللعول تعديل واحد ونسبته إلى حال الخنثى النصف فيؤخذ نصف العول ويجعل ذلك عول المسألة فتكون مسألة التأنيث فيها عائلة إلى سبعة ونصف، وسيأتي كيفية حسابه، مثاله الغراء المتقدمة زوج وأم وجد وأخت خنثى مشكل فتقدير الذكورة المسألة من ستة بلا عول ويسقط الأخ، وبتقدير الأنوثة المسألة من ستة، وتعول لتسعة وتصح من سبعة وعشرين والستة والسبعة والعشرون متوافقان بالثلث، فتضرب اثنين في سبعة وعشرين فتصح المسألتان من أربعة وخمسين فتضربها في حالي الخنثى تبلغ مائة وثمانية فعلى تقدير التذكير: للزوج النصف: [أربعة وخمسون]، وللأم الثلث: [ستة وثلاثون]، وللجد السدس: [ثمانية عشر]. وعلى التأنيث للزوج [ستة وثلاثون]، وللأم [أربعة وعشرون]، وللجد [اثنان وثلاثون]، وللخنثى [ستة عشر] فيجتمع للزوج تسعون له نصفها وللأم ستون لها نصفها وللجد خمسون له

(8/613)


__________
نصفها وللخنثى ستة عشر له نصفها وعلى هذا القول تعول مسألة التذكير من ستة ومسألة التأنيث من سبعة ونصف؛ لأن العول ثلاثة يؤخذ نصفها وذلك نسبة حالة العول إلى حالتي المسألة.
السادس: مثل الخامس إلا أنه يقول في الغراء: إنما يضم الجد إلى سهام الأخت نصف سهامه؛ لأنه يقول: إنما أضم جملة سهامي إلى جملة سهامك وأنت لم تستوفي جملة سهامك.
السابع: أن المال يقسم على أقل ما يدعيه كل واحد إلا أنه مختص: بما إذا لم يؤد إلى سقوط أحد من الطالبين.
الثامن: مذهب الشافعي أنه يعطي كل واحد من الورثة الخنثى وغيره أقل ما يستحقه ومن سقط في بعض التقادير لم يعط شيئا ويوقف في المشكوك فيه كما في المفقود حتى يتبين أمره أو يصطلحوا على شيء.
التاسع: مذهب أبي حنيفة أنه يعطي الخنثى أقل ما يجب له، ويعطي غيره أكثر ما يجب له ولا إيقاف.
العاشر: مثل الأول إلا أن الأحوال لا تتعدد بتعدد المشكلين، بل يقتصر على حالين فقط، وهو قول الثوري وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وعن أبي يوسف مثل قول أبي حنيفة وعن محمد مثل القول الأول.
الحادي عشر: أنه لا شيء له، وأنه لا يرث شيئا وهذا القول نقله الغزالي وحكى ابن حزم الإجماع على خلافه، والله أعلم.
التاسع: من أوجه الكلام على الخنثى، هل هذا الميراث المجعول له ميراثا ثالثا مشروع مغاير لميراث الذكر والأنثى أم لا ميراث في الشرع سوى أحد الميراثين لكن لما تعذر علينا معرفة حاله توسطنا في ذلك قال العقباني هذا ينبني أنه خلق ثالث وليس هو أحد النوعين وقد تقدم أن جماهيرهم على أنه ليس خلقا ثالثا فليس له ميراث ثالث، وبهذا يعلم الجواب عما اعترض به بعضهم على الفرضيين بأنهم بينوا في أول كتبهم مقادير المواريث من فرض أو تعصيب للذكور والإناث ولم يبينوا مقدار ميراث الخنثى إلا في آخر كتبهم، والجواب: أنه ليس له ميراث ثالث فيبين.
العاشر: في السبب الذي يتصور أن يرث به الخنثى فإن أسباب الإرث ثلاثة: نسب ونكاح، وولاء، فأما ميراثه بالنسب فسيأتي في الأولاد وأولاد الولد، والإخوة والعصبات ولا يتأتى في الآباء والأمهات لمنع نكاحه، قال في المقدمات: ولا يكون الخنثى المشكل زوجا لا زوجة ولا أبا ولا أما، وقد قيل: إنه قد وجد من ولد له من بطنه وظهره فإن صح ذلك ورث من

(8/614)


__________
ابنه لصلبه ميراث الأب كاملا، ومن ابنه لبطنه ميراث الأم كاملا وهو بعيد انتهى. غير أن الإخوة إن كانت من الأم فلا يتأتى فيها اختلاف في التقدير؛ لأن ميراث الإخوة لأم لا يختلف بالذكورية والأنوثة وكذلك الأخوات مع البنات فإنهن عصبات، وسيأتي في أثناء شرح قول المصنف فإن بال من واحد أو كان أكثر أو أسبق مزيد بيان فيما إذا ولد للخنثى من ظهره وبطنه، وأما ميراثه بالنكاح فلا يتأتى إلا عند من يجيز نكاحه، وسيأتي الكلام على حكم نكاحه في الوجه الرابع عشر، وإذا ورث به فلا يتغير ميراثه، وأما ميراثه بالولاء فيرث من الولاء ما يرثه النساء، ولا يختلف ميراثه في ذلك بالذكورة والأنوثة، قال العقباني قالوا: ولا يرث غير ذلك؛ لأن الولاء إنما يورث بالتعصيب المستكمل، ولا يستكمل الخنثى تعصيبا قال:
قلت: :ويلزم أن لا يرث بالبنوة؛ لأن الولد إذا كان وحده لا يرث إلا استكمالا أو نصفا، وهكذا نقول في كل مسألة وفي هذا البحث نشأ القول الذي ذكره الغزالي وهو أن الخنثى لا يرث.
فرع: قال العقباني: وانظر لو كان لإنسان عم خنثى، فولد من ظهره ذكرا، ثم مات الخنثى، ثم ابن أخيه فهل يرث منه ابن الخنثى جميع المال؛ لأنه ابن عم أم لا يرث أكثر مما كان يرث أبوه الذي يدلي به أو يقال: إن أباه لما ولد من ظهره تعين للذكورة، فزال عنه الإشكال اللهم إلا أن يكون له ولد أيضا من بطنه انتهى. وذكر ابن عرفة واللخمي والمتيطي الكلام على الخنثى في كتاب النكاح فاعلمه، والله أعلم.
الحادي عشر: في كيفية العمل في مسائل الخنثى ولنذكر هنا كلام المصنف قال رحمه الله: "وللخنثى المشكل نصف نصيبي ذكر، وأنثى" يعني أن الخنثى إذا كان واضحا فميراثه كميراث الصنف الذي التحق به، وإن كان مشكلا فله نصف نصيب ذكر ونصف نصيب أنثى، ثم ذكر كيفية العمل في ذلك فقال: تصحح المسألة على التقديرات يعني أنه إن كان في المسألة خنثى واحد فتصحح المسألة على تقدير أنه ذكر، ثم تصححها على تقدير أنه أنثى، وليس في هذا إلا تقديران، وإن كان فيها خنثيان فتصحيحها على تقدير كونهما ذكرين، وعلى تقدير كونهما أنثيين، وعلى تقدير كون أحدهما ذكرا، والآخر أنثى، وعلى عكسه فتجيء أربع تقديرات، ولا يلزم أن الثالث والرابع سواء، بل قد يكون كذلك، وقد يختلف كما لو كان أحدهما أخا والآخر ابنا، وإن كان في المسألة ثلاثة خناثى فيأتي فيها ثمان تقديرات، وإن كانوا أربعة فستة عشر تقديرا، وهكذا فتصحح على كل تقدير مسألته قال المصنف، ثم تضرب الوفق أو الكل يعني، ثم تضرب وفق أحدهما في الآخر إن توافقا أو تضرب أحدهما في الآخر إن تباينا وسكت عن التماثل والتداخل لوضوح ذلك والمعنى أنك تحصل أقل عدد ينقسم على كل من المسائل المذكورة وقد علمت أن في ذلك طريقين أسهلهما أن تنظر بين اثنين منهما فتكتفي بأحدهما إن تماثلا وبأكثرهما إن تداخلا،

(8/615)


تصحح المسألة على التقديرات، ثم تضرب الوفق أو الكل في حالتي الخنثى، تأخذ بكل نصيب من الاثنين النصف وأربعة الربع، فما اجتمع فنصيب كل كذكر وخنثى فالتذكير من اثنين والتأنيث من ثلاثة تضرب الاثنين فيها، ثم في حالتي الخنثى له في الذكورة ستة وفي الأنوثة أربعة فنصفها خمسة وكذلك غيره
__________
وبالحاصل من ضرب وفق أحدهما في الآخر إن توافقا أو ضرب كله في كل الآخر إن تباينا، ثم تنظر بين الحاصل، والثالث وهكذا، ثم قال: ثم في حالي الخنثى يعني إذا حصلت أقل عدد ينقسم على مسألة الخنثى أو على مسائله فاضرب ذلك العدد في حالتي الخنثى يريد إذا كان واحدا، وإن كان اثنين ففي أحوالهما وذلك أربعة، وإن كانوا ثلاثة ففي أحوالهم وذلك ثمانية، ثم تقسم العدد الحاصل على كل مسألة من مسائل الخنثى والخناثى، ويجمع لكل وارث ما يخرج له في كل قسمة فما اجتمع بيد كل وارث من المسائل كلها أخذت منه جزءا بنسبة الواحد إلى حالة الخنثى أو الخناثى فإن كان الخنثى واحدا فليس إلا حالان ونسبة الواحد إليهما النصف فيأخذ نصف ما اجتمع لكل واحد من الورثة، وإن كان الخنثى اثنين فالأحوال أربعة، ونسبة الواحد إليها ربع فيأخذ لكل وارث ربع ما اجتمع له، وإن كان الخنثى ثلاثة، فالأحوال ثمانية ونسبة الواحد إليها الثمن فيعطي لكل واحد ثمن ما اجتمع له، وهذا معنى قول. ص: (وتأخذ من كل نصيب من الاثنين النصف) ش: فقوله: "من الاثنين" بدل من قوله: "من كل نصيب" ونصيب: مجرور بإضافة "كل" إليه وفي الكلام حذف يبينه ما بعده تقديره كل من كل نصيب بنسبة الواحد إلى عدد أحوال الخنثى فمن الاثنين النصف وهكذا، والله أعلم فيحتمل أن يريد المصنف بقوله: "فيأخذ من كل نصيب" إلى آخره ما ذكرنا ويحتمل أن يريد أنه إذا قسمت العدد الحاصل من ضرب الجامعة في

(8/616)


وكخنثيين وعاصب فأربعة أقوال، تنتهي بأربعة وعشرين لكل أحد عشر، وللعاصب اثنان
__________
أحوال الخنثى على كل مسألة فما خرج لكل وارث في تلك المسألة تأخذ منه بنسبة الواحد إلى أحوال الخنثى، ثم مثل رحمه الله لذلك بمثالين أحدهما فيه خنثى واحد، والآخر فيه خنثيان، ففي المثال الأول: إذا كان في المسألة ابن ذكر سوي، وخنثى فتقدير كون الخنثى ذكرا تكون المسألة من اثنين وبتقديره أنثى تكون من ثلاثة، وأقل عدد ينقسم عليهما ستة لتباينهما فتضرب الاثنين فيها، أي في الثلاثة لتباينهما تحصل ستة والخنثى متحد فله حالتان فقط فتضرب الستة في اثنين يحصل اثنا عشر تقسمها على مسألة التذكير يحصل لكل واحد ستة، وعلى مسألة التأنيث يحصل للذكر السوي ثمانية، وللخنثى أربعة فتجمع ما حصل لكل واحد منهما في المسألتين فيجتمع لابن البنت أربعة عشر وللخنثى عشرة ونسبة الواحد إلى أحوال الخنثى النصف؛ لأنه ليس له في مسألتنا إلا حالتان فيعطي لكل واحد نصف ما اجتمع له، فيكون لابن البنت سبعة وللخنثى خمسة ومجموعهما اثنا عشر، وإن شئت فخذ من النسبة الخارجة من قسمة الاثني عشر على مسألة التذكير نصفها وهو ثلاثة لكل واحد من الاثنين البنت، والخنثى ومن الثمانية الحاصلة للابن السوي الخارجة من قسمة الاثني عشر على مسألة التأنيث نصفها، وهو أربعة، وضمه للثلاثة التي حصلت له في مسألة التذكير يكون المجموع سبعة وخذ نصف الأربعة الحاصلة للخنثى في مسألة التأنيث، وهو اثنان، وضمه للثلاثة الحاصلة له في مسألة التذكير يكون المجموع خمسة كما تقدم. والمثال الثاني: إذا ترك الميت ولدين خنثيين وعاصبا فلا بد من أربعة مسائل: مسألة تذكيرهما من اثنين ولا شيء للعاصب، ومسألة تأنيثهما من ثلاثة، وكذلك مسألة تذكير أحدهما وتأنيث الآخر، وعكسه فالثلاث المسائل الأخيرة متفقة فتكتفي بأحدهما وتضربه في

(8/617)


__________
مسألة التذكير لتباينهما يحصل ستة تضربها في أحوال الخناثى وهي أربعة يحصل أربعة وعشرون تقسمها على مسألة التذكير يحصل لكل خنثى اثنا عشر ولا شيء للعاصب، وعلى مسألة التأنيث يحصل لكل من الخنثيين والعاصب ثمانية وعلى تقدير تذكير أحدهما وتأنيث الآخر يحصل للذكر ستة عشر وللأنثى ثمانية ولا شيء للعاصب، وكذا على تقدير عكسه فيحصل لكل واحد من الخنثيين في المسائل الأربع أربعة وأربعون وللعاصب ثمانية فقط ونسبة الواحد إلى أحوال الخناثى أربعة، فيؤخذ لكل وارث ربع ما حصل له، ولكل من الخنثيين ربع ما بيده وهو أحد عشر، ربع الأربعة والأربعين، وللعاصب "اثنان"ربع الثمانية، وإن شئت فخذ لكل واحد ربع ما يخرج له في كل مسألة واجمع ذلك يحصل أيضا أحد عشر لكل واحد من الخنثيين واثنان للعاصب، والله أعلم. هذا أحد طرق العمل على القول المشهور، وذكر ابن عرفة في شرح الحوفي للعمل على المشهور أربع طرق وللعمل على القول الآخر طرقا أخرى، وقد ذكر الشارح هنا عن ابن خروف أنه اعترض على هذه الطريق، وأنها خطأ وذكر طريقا أخرى مخالفة لما تقدم وناقشه في ذلك العقباني، وقال: إنما ذكره يتفرع على القول بأن التركة تقسم على الدعاوى، وهو مخالف لهذا القول، وأطال في ذلك فتأمله، والله أعلم.
الثاني عشر: من أوجه الكلام على الخنثى في العلامات التي يستدل بها على ذكوريته وأنوثيته، وكان ينبغي تقديم هذا الوجه كما فعل غالب الفرضيين لكن تبعنا المصنف في تأخير الكلام عليه، فأول العلامات التي يستدل بها على ذلك البول قال العقباني: ففي النسائي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "يورث من حيث يبول" لكنه ضعيف السند، قال العقباني: نعم وضعيف المتن؛ لأن الكلام في الاستدلال على توريثه لا في الإرث عنه إلا أن يكون لفظ يورث بفتح الواو وتشديد الراء لا بسكون الواو، وتخفيف الراء فيستقيم حينئذ المتن انتهى.
قلت: والظاهر أن لفظ الحديث كذلك، والله أعلم قال في المدونة: ويحكم في الخنثى بمخرج البول في نكاحه وميراثه، وشهادته وغير ذلك وما اجترأنا على سؤال مالك عنه انتهى. وقال ابن يونس: ومن المدونة قال ابن القاسم: الحكم في الخنثى بمخرج البول فإن كان يبول من ذكره فهو رجل، وإن كان يبول من فرجه فهو جارية؛ لأن النسل من المبال، وفيه الوطء فيكون ميراثه، وشهادته وكل أمره على ذلك وما اجترأنا على سؤال مالك عنه انتهى. ونقل اللخمي عن ابن القاسم نحوه، ثم قال: قوله: "المراعى ما يكون منه الولد" صحيح، وقوله: "إنه يخرج من مخرج البول" غير صحيح؛ لأن مخرجه غير مخرج الحيض الذي هو مخرج الولد ومحل الوطء انتهى. ونقله ابن عرفة وقبله، وقال العقباني: عندي أنه لا تلزمه هذه المضايقة، وإنما

(8/618)


فإن بال من واحد، أو كان أكبر، أو أسبق، أو نبتت له لحية، أو ثدي، أو حصل حيض أو مني، فلا إشكال
__________
قصد أن البول إذا خرج من الذكر دل على أن المني يخرج من الذكر، وأن الفرج الآخر لا يخرج منه مني ولا ولد، وأن البول إذا خرج من الفرج دل على أن ذلك هو محل الوطء، وأنه لا يكون بالذكر فعلى هذا يحمل كلامه انتهى. فإن بال من أحد الفرجين فقط حكم بأنه من أهل ذلك الفرج، قال العقباني: ويستدل بالبول قبل غيره لعموم الاستدلال به في الصغير والكبير ولدوام وجوده فإن كان صغيرا لا يحرم النظر إلى عورته نظر إليه، وإن كان كبيرا فقيل: ينظر في المرآة، وقيل: يبول على حائط أو متوجها إلى حائط قريب فيستدل باندفاع البول على الحائط أو إلى الحائط على الذكورة، وبخلاف ذلك على الأنوثة فلو بال من المحلين اعتبر الأكثر، والأسبق، وأنكر الشافعي اعتبار الأكثر، ورآه متعذرا، وقال: أيكال البول أو يوزن؟، واختلف إذا كان أحدهما الأكثر، والآخر الأسبق انتهى. وإلى هذا أشار المصنف بقوله: ص: (فإن بال من واحد وكان أكثر أو أسبق) ش: أي فلا إشكال وظاهر كلام المصنف وكلام العقباني تقديم اعتبار الكثرة على السبق، وهو صريح كلام الجواهر الآتي وهو خلاف ما قاله اللخمي وابن يونس وقبله أبو الحسن قال اللخمي: قال ابن حبيب: فإن بال منهما فمن حيث سبق فإن لم يسبق أحدهما فمن حيث يخرج الأكثر فإن لم يكن أحدهما أسبق، ولا أكثر، وكانت له لحية كان على حكم الغلام، وإن لم تكن له لحية، وكان له ثدي فعلى حكم المرأة فإن لم يكونا أو كانا كان له نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى، ولا يجوز له نكاح انتهى. وقال ابن يونس: فإن بال منهما جميعا فمن أيهما سبق قال أيوب: فإن خرج منهما معا، فقال أبو يوسف وبعض أصحاب أبي حنيفة: ينظر من أيهما خرج أكثر فيكون الحكم، قال شيخنا عتيق: وأنكر ذلك الشعبي، وقال: أيكال البول أو يوزن؟، والأولى ما قالته الجماعة؛ لأن الأقل تبع للأكثر في أكثر الأحكام، ونقل شيخنا زكرياء في

(8/619)


__________
شرح الفصول عن القاضي أظنه الماوردي أنه قال: أسكت أبو حنيفة أبا يوسف في الخنثى فإنه سأل أبا حنيفة بم تحكم في الخنثى؟ فقال: بالبول، فقال: أرأيت لو كان يبول بهما، فقال: لا أدري، فقال أبو يوسف: لكني أدري أحكم بأسبقهما فقال: أرأيت لو استويا في الخروج فقال: أحكم بالكثرة، فقال أبو حنيفة: أيكال أم يوزن؟ فسكت أبو يوسف انتهى. وقد صرح الشافعية بأنه يحكم بالمتأخر إذا استويا في الخروج، وأما إذا سبق أحدهما، فالحكم له ولو تأخر الآخر، ولو بال من أحدهما مرة، ومن الآخر أخرى أو سبق أحدهما تارة، والآخر أخرى فالعبرة بالأكثر فإن استويا فمشكل، والله أعلم. فإن لم يتبين في البول أمر أمهل إلى البلوغ فإن أمنى من أحد الفرجين فواضح أو حصل حيض أو حمل أو نبتت له لحية أو ثدي حكم له بما يقتضيه قال العقباني: ولا شك أن أقوى ذلك الولادة فإن حصل ولادة من البطن قطع بالأنوثة أو من الظهر قطع بالذكورة إلا أنها لا يكاد يقطع بها وقيل إنها نزلت بعلي رضي الله عنه وهي أن رجلا تزوج بابنة عمه، وكانت خنثى فوقعت على جارية لها فأحبلتها فقال له علي: هل أصبتها بعد إحبال الجارية؟ قال: نعم، قال: علي: إنك لأجرأ من خاصي الأسد فأمر علي بعد أضلاع الخنثى فإذا هو رجل فزياه بزي الرجال. وانظر لو وقع مثل هذا فإن وقعت الولادة من الظهر والبطن فالظاهر عندي أن الحكم لولادة البطن؛ لأنها قطعية، وقد روي عن قاسم بن أصبغ أنه رأى بالعراق خنثى ولد له من صلبه، وبطنه قال العقباني: وانظر أي نسب بين المولودين وهل بينهما توارث، والظاهر لا نسب بينهما ولا ميراث، وفي جواز النكاح بينهما إن كان ذكرا أو أنثى نظر انتهى.
قلت: ما ذكره من أنه إذا وقعت الولادة من الظهر والبطن فالظاهر عنده أن الحكم لولادة البطن فكأنه لم يطلع على كلام المقدمات المتقدم ذكره في الوجه العاشر من أنه يرث من ابنه لصلبه ميراث الأب كاملا، ومن ابنه لبطنه ميراث الأم كاملا، وأما ما ذكره من الحكم بين المولودين فقال في التوضيح: قال أبو عبد الله بن قاسم: ورأيت لمالك في بعض التعاليق أن مثل هذين لا يتوارثان؛ لأنهما لم يجتمعا في ظهر ولا بطن فليسا أخوين لأب ولا أم انتهى.

(8/620)


__________
قلت: وأطلق الفاكهاني عليهما لفظ الإخوة ونظر فيما إذا ملك أحدهما الآخر هل يعتق عليه أم لا؟ ونصه في شرح قول الرسالة: "ومن مالك أبويه الخنثى المشكل إذا ولد له من ظهره وبطنه فملك أحد الأخوين أخاه فهل يعتق عليه؟ لم أر فيه نقلا فلينظر" انتهى. فعلى ما تقدم من أنه لا نسب بينهما ولا توارث ولا أخوة لأب، ولا لأم فلا يعتق أحدهما على الآخر، والله أعلم. وفي الجواهر إذا كان ذا فرجين فيعطي الحكم لما بال منه فإن بال منهما اعتبرت الكثرة من أيهما فإن استويا اعتبر السبق فإن كان ذلك منهما معا اعتبرنا اللحية وكبر الثديين، ومشابهتهما لثدي النساء فإن اجتمع الأمران اعتبر الحال عند البلوغ فإن وجد الحيض حكم به، وإن وجد الاحتلام حكم به، وإن اجتمعا فمشكل، وإن لم يكن له فرج النساء ولا الرجال، وإنما له مكان يبول منه انتظر بلوغه فإن ظهرت علامة تمييز وإلا فمشكل انتهى. ونقله في الذخيرة، ثم قال بعد: وإذا انتهى الإشكال عدت الأضلاع فللرجال ثمانية عشر ضلعا من الجانب الأيمن، ومن الأيسر سبعة عشر، وللمرأة ثمانية عشر من كل جانب؛ لأن حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم الأيسر فبقي الذكر ناقصا ضلعا من الجانب الأيسر قضى به علي رضي الله عنه انتهى. وقال ابن يونس إثر كلامه المتقدم في الأسبق والأكثر: فإن بال منهما جميعا متكافئا فمشكل في حد الصغر، ثم ينظر في كبره وبلوغه فإن نبتت له لحية ولم ينبت له ثدي فهو رجل؛ لأن اللحية علامة التذكير، وإن لم تنبت لحية وخرج ثدي فهو امرأة؛ لأن الثدي يدل على الرحم وتربية الولد فإن لم ينبتا أو نبتا جميعا نظر فإن حاضت فهي امرأة، وإن احتلم فهو ذكر فإن حاض واحتلم أو لم يكن شيء من ذلك فمشكل عند من تكلم على الخنثى إلا على قولة شاذة ذهب إليها بعض الناس أنه ينظر إلى عدد أضلاعه، ثم ذكر ما ذكره القرافي وزاد: إن الله سبحانه وتعالى لما خلق آدم ألقى عليه النوم فاستل من جانبه الأيسر ضلعا خلق منه حواء، ثم قال: وعند هذا القائل لا يكون مشكلا في صغر أو كبر، قال أيوب: وإليه ذهب الحسن البصري وتبعه عمرو بن عبيد، قال: والجماعة على خلافهما انتهى. وذكر العقباني قول من يعد الأضلاع، وقال: إن منهم من يقول: أضلاع الرجل ستة عشر، وأضلاع المرأة سبعة عشر، ومنهم من يقول: أضلاع الرجل سبعة عشر وأضلاع المرأة ثمانية عشر واتفقوا على أن أضلاع الرجل تساوي أضلاع المرأة من أحد الجانبين واختلفوا من أي جانب الزيادة والذين قالوا: إن المرأة تزيد بضلع اعتمدوا في ذلك ما رواه الطبراني عن بعض التابعين ورواه ابن عباس أن حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم وهي القصرى استلت منه، وهو نائم وأيد هذا بما في الصحيحين من قوله عليه السلام: "إن المرأة خلقت من ضلع أعوج" 1 الحديث، وفي إثبات الأحكام يمثل هذا ضعف
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب 1. كتاب النكاح باب 80. مسلم في كتاب الرضاع حديث 62.

(8/621)


__________
والعيان يدل على خلافه، فقد أطبق خلق كثير من أهل التشريح على أنهم عاينوا أضلاع الصنفين متساوية العدد انتهى. والضلع: بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام، وتسكين اللام جائز قاله في الصحاح، وقول علي رضي الله عنه: "أجرأ من خاصي الأسد" فأجرأ بالهمز من الجرأة وهي الشجاعة، و"خاصي الأسد" بلا همز من خصى يخصي، والله أعلم. ولم يعتبر الشافعية الأضلاع ولا اللحية ولا الثدي ولا نزول اللبن على الأصح عندهم وذكروا له علامة أخرى، وهي ميله إلى أحد الصنفين، وقالوا إنه يصدق في ذلك.
الثالث عشر: إذا حكم له بأحد الأمرين بعلامة، ثم حدثت علامة أخرى قال العقباني: لم أقف فيه على شيء إلا ما رأيته لبعض أشياخي، ونصه: "إن حكم له بأنه ذكر بعلامات، ثم جاءت علامات أخرى تدل على أنه أنثى أو بالعكس لم ينتقل عما حكم به أولا كأن يكون يبول من الذكر، ثم جاء الحيض أو كان يبول من الفرج، ثم جاءت اللحية قال الشيخ: كذا كان الشيخ يقول" انتهى. وللشافعية قريب من ذلك وهو أنه إذا ظهرت علامة ميله إلى جهة الرجال وقبل قوله في ذلك، ثم ظهرت علامة أخرى غير الولادة لم يبطل قوله وتقييدهم بغير الولادة ظاهر، والله أعلم.
الرابع عشر: في حكم نكاحه يمتنع النكاح في حقه من الجهتين قال ابن عرفة في باب النكاح عبد الحق: لا يطأ ولا يوطأ، وقيل: يطأ أمته انتهى. وفي التوضيح هنا ابن القاسم: يمتنع النكاح من الجهتين انتهى. وفي كلام اللخمي إثر ما تقدم له عن ابن حبيب: ولا يجوز له نكاح يريد لا ينكح ولا ينكح انتهى. وقال الشافعية: أنه يخير في أن ينكح بأحد الجهتين، وقال ابن عرفة في أول كلامه: لا ينكح ولا ينكح ابن المنذر عن الشافعي ينكح بأيهما شاء، ثم لا ينتقل عما اختاره انتهى. قال العقباني بعد نقله قول الشافعي: ولعله يريد إذا اختار واحدا وفعله أما مجرد الاختيار دون فعل فلا ينبغي أن يمنعه من اختيار العرف الآخر، ثم إنه بحث في إباحة النكاح فانظره ونحوه في ابن يونس.
الخامس عشر: في حكم شهادته قال ابن عرفة: اللخمي عن ابن حبيب: ويحكم فيه بالأحوط في صلاته واستتاره وشهادته قال العقباني: سلوك الأحوط في شهادته أن لا تقبل إلا في الأموال ويعد في شهادته امرأة.
السادس عشر: في سهمه في الجهاد إذا غزا قال ابن عرفة في مختصر الحوفي: وسهمه في الجهاد ربع سهم واستشكل، وقال: نصف، وقال في مختصره الفقهي: وفي كون الواجب له إن غزا ربع سهم أو نصف سهم، نقل الصقلي عن المذهب مع قول عبد الحق وابن عبد الحكم مع نقل الشعبي عن بعض أهل العلم.

(8/622)


__________
السابع عشر: في حده إذا زنى بذكره أو فرجه أو زني به قال ابن عرفة: قال يعني أبا عمران قيل: إن زنى بذكره لم يحد؛ لأنه كأصبع وبفرجه يحد. المتيطي في حده: إن ولد من فرجه قولا بعضهم وأكثرهم لحديث "ادرءوا الحدود بالشبهات" 1 واختاره بعض الموثقين، ونزلت بجيان فاختلف فيها فقهاؤنا فأفتى ابن أيمن وغيره بنفي الحد ووضع الخنثى ابنا ومات من نفاسه قال ابن عرفة فيتحصل في حده، ثالثها إن ولد وينبغي أن يتفق عليه؛ لأن ولادته من فرجه دليل على أنوثته ومفهوم أقوالهم أنه إن زنى بذكره لم يحد ورأيت في بعض التعاليق مثله لابن عبد الحكم قال: ويؤدب، ومثله في نوازل الشعبي عن بعض أهل العلم وفي بعض التعاليق عن ابن عبد الحكم من وطئ خنثى غصبا حد زاد الشعبي عن أهل العلم وعليه نصف المهر.
قلت: :هذا على قول الأقل وعلى قول الأكثر وابن أيمن لا يحد إلا أن يقال إشكاله كصغر الأنثى يحد واطئها ولا تحد، وفيه نظر.
قلت: الأظهر أنه إن زنى بفرجه وذكره حد اتفاقا انتهى. واقتصر ابن يونس وعبد الحق أنه إن زنى بذكره لا يحد، وإن وطئ في فرجه كان عليه الحد، ونقله أبو الحسن ولم يحك غيره.
الثامن عشر: في الكلام على قذفه قال ابن عرفة: حد قاذفه يجري على حده.
التاسع عشر: في سجنه إذا سجن، ويسجن وحده لا مع الرجال ولا مع النساء نقله ابن عرفة عن بعض التعاليق.
العشرون: في إمامته تقدم في فصل الجماعة أن إمامته لا تجوز وتبطل صلاة من اقتدى به.
الحادي والعشرون: في محله في صلاة الجماعة قال ابن عرفة عن اللخمي: ويتأخر عن صفوف الرجال ويتقدم على صفوف النساء وسيأتي في الثاني والعشرين كلام ابن عبد الحق وابن يونس.
الثاني والعشرون: في استتاره في الصلاة تقدم في كلام ابن عرفة عن اللخمي أنه يحتاط، قال العقباني: فليستتر ستر النساء، وقال في تهذيب عبد الحق: ولا يصلي إلا مستترا في آخر صفوف الرجال، وأول صفوف النساء انتهى. وقال ابن يونس: قال بعض فقهائنا: ولا يصلي إلا مستترا في آخر الرجال وأول صفوف النساء.
الثالث والعشرون: قال العقباني: انظر هل يقرأ في الصلاة الجهرية سرا ويسجد أو يقال إنما السجود للسهو ألا ترى أن من عجز عن الجهر وقدر على السر لا يسجد انتهى.
ـــــــ
1 رواه ابن ماجة في كتاب الحدود باب 5. بلفظ " ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعا"

(8/623)


ـــــــ
الرابع والعشرون: في مس فرجه هل ينقض وضوءه تقدم للمصنف في فصل نواقض الوضوء أنه ينقض، وقال الشارح: إنه مخرج على من أيقن بالوضوء، وشك في الحدث والمذهب ذلك وجوب الوضوء.
الخامس والعشرون: في حكمه في اللبس في الحج قال ابن عرفة عن بعض التعاليق: إنه يلبس ما تلبس المرأة ويفتدي، ابن عرفة: ظاهره يلبس ما تلبسه المرأة ابتداء والأظهر أن ذلك فيما يجب على المرأة ستره، وفي غيره لا يفعله ابتداء فلا يلبس إلا لحاجة انتهى. وهذا هو الظاهر، وقال سند: وإذا لم يجد يوم عرفة مركوبا يقف عليه للدعاء دعا جالسا كالمرأة ولا يقف كالرجل انتهى. قاله في باب الحج.
السادس والعشرون: يحتاط في الحج فلا يحج إلا مع ذي محرم لا مع جماعة رجال فقط، ولا مع نساء فقط. ابن عرفة إلا أن يكون جواريه أو ذوات محارمه انتهى.
السابع والعشرون: فيمن يغسله إذا مات قال ابن عرفة في النكاح في بعض تعاليق أبي عمران عن ابن أخي هشام: إن مات اشتري له خادم تغسله انتهى. ووجهه واضح؛ لأنه إن كان ذكرا فهي أمته، وإن كان أنثى فهو امرأة إلا أنها تؤمر بستره، وهذا مما يدل على أنه أحد الصنفين في نفس الأمر ولكنا لم نطلع عليه وهذا إذا كان له مال فإن لم يكن له مال وأمكن أن تشترى من بيت المال فالظاهر أنه يشترى له منه جارية فإن لم يكن ذلك فالظاهر أنه ييمم انتهى. وقد صرح بذلك الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة عند قوله: "وإن كان مع الميتة ذو محرم منها" ونصه: وإن مات المشكل فإنه يشترى له جارية من ماله تغسله إن كان له مال فإن لم يكن له اشتريت له من بيت المال إن كان هناك، وإن لم يكن يمم ودفن.
الثامن والعشرون: في موضع نعشه في صلاة الجنائز وقد تقدم ذلك في صلاة الجنائز في كلام المصنف.
التاسع والعشرون: في محل وقوف الإمام في الصلاة عليه لم أر فيه نصا والظاهر أنه يقف عند منكبيه احتياطا وهذا على جهة الأولى، والله أعلم.
الثلاثون: في ديته قال السهيلي: ديته كإرثه، أي نصف دية ذكر ونصف دية أنثى، وكذا قال القلشاني في جوابه المنظوم في مسائل الخنثى، وقال ابن عرفة: وفي نوازل الشعبي عن بعض أهل العلم في قطع ذكره نصف ديته ونصف حكومته.
الحادي والثلاثون: إذا ادعى مشتر واحد من الرقيق أنه خنثى غطى فرجه ونظر الرجال ذكره وغطى ذكره ونظر النساء فرجه.

(8/624)


__________
الثاني والثلاثون: إذا ادعى أحد الزوجين بعد النكاح أنه خنثى قال ابن عرفة: إنه مثل مسألة الرقيق، قال: ونزلت بتونس وفسخ نكاحها وفي نظر الرجال لذكره، والنساء لفرجه على القول بالنظر للفرج في عيب الزوجين احتمال للفرق بتحقق ذكورة الرجل.
الثالث والثلاثون: هل يوجد الخنثى في غير الآدميين قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: قال صاحب التنبيه في أول كتاب الزكاة: يقال ليس في شيء من الحيوانات خنثى إلا في الآدميين، والإبل، قال النووي: قلت: وقد يكون في البقر وقد جاءني جماعة أثق بهم يوم عرفة سنة أربع وسبعين وستمائة قال إن عندهم بقرة خنثى ليس لها فرج الأنثى ولا ذكر الثور، وإنما لها خرق عند ضرعها يجري منه البول وسألوا عن جواز التضحية بها فقلت لهم تجزئ؛ لأنها ذكر أو أنثى وكلاهما يجزئ ليس فيه ما ينقص اللحم وأفتيتهم فيه انتهى.
قلت: ومما يدل على ما تقدم أن الخنثى ليس خلقا ثالثا، وفي إجزاء التضحية به بحث ثالث من جهة أخرى وهو أنه ناقص الخلقة إلا أن يقال إن هذا النقص لا يضر بمنزلة الخصاء، وهذا هو الظاهر، والله أعلم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما. يقول الراجي عفو ربه الكريم ابن الشيخ حسن الفيومي إبراهيم: نحمدك اللهم على نعم أسديتها ومنن أوليتها وواليتها فما سالت كمائم المحابر لأفضل من حمد مولى النعم فلقد اصطفيت وأيدت بتوفيقك لتأييد شريعتك الغراء ودينك القويم أناسا ثابروا العمل في مرضاتك، وأنت مولى الإحسان العميم ونصلي، ونسلم على المفرد العلم المخصوص بجوامع الكلم سيدنا محمد القائل: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" 1 وعلى آله الكملة المطهرين وأصحابه المرشدين إلى أوضح مسالك الفقه والدين آمين. وبعد: فقد تم بمعونة منزل التنزيل طبع شرح العلامة الخطاب لمصنف الإمام خليل شرح من بين الشراح تنثلج بفوائده الصدور وتزدري فرائده بقلائد النحور وتخضع لتدقيقاته رقاب ذوي الآداب ويسحر بتحقيقاته عقول أولي الألباب مذيلة هاتيك القلائد بدرر من الفرائد ألا وهو شرح مفتي الأنام على الوفاق سيدي محمد بن يوسف الشهير بالمواق على المتن المذكور ضاعف الله للجميع الأجور فلله دره لقد أبرز من مخدرات مسائله العرائس وأحرز من محجباتها النفائس وقد أبرز هذين الكتابين للوجود بعد أن كانا في زوايا النسيان
__________
1 رواه البخاري في كتاب العلم باب 10. مسلم في كتاب الإمارة حديث 175. الترمذي في كتاب العلم باب 4. ابن ماجة في كتاب المقدمة باب 17. الدارمي في كتاب المقدمة باب 24. الموطأ في كتاب القدر حديث 8. أحمد في مسنده (1/306) (2/234) (4/92، 93، 95، 96، 97، 98، 99، 101).

(8/625)


__________
والجحود المولى الأعلم والسلطان الأفخم سلالة سيد العرب، والعجم سيد المتكلمين ورئيس المحققين أمير المؤمنين وحامي حوزة الدين جلالة سلطان المغرب الأقصى مولانا (عبد الحفيظ) ابن مولانا الحسن حرسه الله وأعلى في الخافقين ذكر علاه ومتع بوجوده الأنام وكلأه وذويه بعين رعايته التي لا تنام آمين وقد انتقى حفظه الله لهذا العمل الميمون الأبر الحاج عبد السلام نجل الأمين الأجل الحاج محمد بن العباس بن شقرون فدأب حفظه الله وراء مرضاته حرصا على رضا رب الأنام وقام بذلك أحسن قيام وصرف أوقاته السعيدة في إنجاز ما إلى همته السامية وكل وفقنا الله وإياه إلى ما به لرضا المولى الكريم نصل. وذلك بمطبعة السعادة الثابت محل إدارتها درب سعادة بجوار محافظة مصر المعزية إدارة مديرها المتوكل على العزيز الجليل (حضرة محمد أفندي إسماعيل) وقد فاح مسك الختام وشذا عرف التمام أوائل شهر شوال من عام من هجرة منبع الكمال عليه الصلاة والسلام وآله الكرام وصحابته الأعلام ما جاءت الليالي تتلوها الأيام آمين.

(8/626)