الإقناع
في فقه الإمام أحمد بن حنبل كتاب النفقات
*
مدخل
...
كتاب النفقات
وهي كفاية من يمونه خبزا وأدما وكسوة ومسكنا
وتوابعها.
ويلزم ذلك الزوج لزوجته ولو ذمية بما يصلح
لمثلها بالمعروف وهي مقدرة بالكفاية وتختلف
باختلاف حال الزوجين فيعتبر ذلك الحاكم
بحالهما عند التنازع فيفرض للموسرة تحت الموسر
من أرفع خبز البلد ودهنه وأدمه الذي جرت عادة
أمثالها بأكله من الأرز واللبن وغيرهما مما لا
تكرهه عرفا وإن تبرمت بأدم نقلها إلى أدم
غيره، ولحما2 عادة الموسرين بذلك الموضع وحطبا
وملحا لطبخه وقدر اللحم رطل عراقي لكن يخالف
في إدمانه - قال في الوجيز وغيره في جمعة
مرتين - وما يلبس مثلها من حرير وخز وجيد كتان
وقطن وأقله قميص وسراويل ووقاية "وهي ما تضعه
فوق المقنعة وتمسى الطرحة" ومقنعة ومداس وجبة
للشتاء وللنوم فراش ولحاف ومخدة. محشو ذلك
بالقطن المنزوع
ـــــــ
2 ولحما معطوف على قوله من أرفع وهو مفعول
يفرض.
(4/136)
الحب إذا كان
عرف البلد وملحفة للحاف وإزار وللجلوس زلي وهو
بساط من صوف - وهو الطنفسة - أو رفيع الحصر
وتزاد من عدد الثياب ما جرت العادة بلبسه مما
لا غنى عنه دون ما للتجمل والزينة للمعسرة تحت
المعسر من أدنى خبز البلد "كخشكار1" بأدمه
الملائم له عرفا كالباقلا والخل والبقل
والكامخ وما جرت به عادة أمثالها ودهنه ولحمه
عادة - وفي الوجيز وغيره كالرعاية في اللحم كل
شهر مرة - وما يلبس مثلها أو ينام فيه من غليظ
القطن والكتان وللنوم فراش بصوف وكساء أو
عباءة للغطاء والجلوس بارية2 أو خيش، للمتوسطة
تحت المتوسط والموسرة مع المعسر والمعسرة مع
الموسر المتوسط من ذلك عرفا وعليه نفقة
البدوية من غالب قوت البادية بالناحية التي
ينزلونها ويجب ما تحتاج إليه من الدهن للسراج
أو الليل أو غيره على اختلاف أنواعه في
بلدانه: السمن في موضع والزيت في آخر والشيرج
في آخر لا لأهل الخيام والبادية3 ولا يجب لها
إزار للخروج وهو الملحفة ومثله الخف ونحوه
لأنه لم يبن أمرها على الخروج ولا بد من ماعون
الدار ويكتفي بخزف وخشب والعدل ما يليق بهما
وحكم المكاتب والعبد كالمعسر ومن نصفه حر إن
كان موسرا فكمتوسطين وإنه كان معسر فكمعسرين
ولا يجب في النفقة الحب فلو طلبت مكان الخبز
حبا أو دراهم أو دقيقا
ـــــــ
1 الخشكار هو رديء الدقيق المعروف عند العوام
بالكشكار وبالحشارة والكامخ بفتح الميم الإدام
المبتذل الغث.
2 البارية بتشديد الياء الحصير المنسوج.
3 بريد لا يجب على الزوج زيت المصباح للزوجة
إذا كانوا من أهل البادية لعدم اعتيادهم ذلك.
(4/137)
أو غير ذلك أو
مكان الكسوة دراهم أو غيرها لم يلزمه بذله ولا
يلزمها قبوله بغير رضاها لو بذله وإن تراضيا
على ذلك جاز بخلاف الطعام وليس هو معاوضة
حقيقة ولكل منهما الرجوع عنه بعد التراضي في
المستقبل ولا يملك الحاكم فرض غير الواجب
كدراهم مثلا ولا يعتاض عن الماضي بربوى1 وعليه
مؤنة نظافتها من الدهن والسدر والصابون وثمن
ماء شرب ووضوء وغسل حيض ونفاس وجنابة ونجاسة
وغسل ثياب وكذا المشط وأجرة القيمة نحوه وتبيض
الدست وقت الحاجة ولا يجب عليه الأدوية وأجرة
الطبيب والحجام والفاصد وكذا ثمن الطيب
والحناء والخضاب ونحوه إلا أن يريد منها
التزين به أو قطع رائحة كريهة منها ويلزمها
ترك حناء وزينة نهاها عنه فإن احتاجت إلى من
يخدمها لكون مثلها لا يخدم نفسها أو لموضعها2
ولا خادم لها لزمه لها خادم حر أو عبد إما
بشراء أو كراء أو عارية ولا يلزمه أن يملكها
إياه ولا إخدام لرقيقة ولو كانت جميلة فإن
طلبت منه أجر خادمها فوافقها جاز وإن أبى وقال
أنا آتيك بخادم سواه فله ذلك إذا أتى بمن يصلح
لها ولا يكون الخادم إلا ممن يجوز له النظر
إليها أما امرأة أ ذو رحم محرم فإن كان الخادم
ملكها كان تعيينه إليهما وإن كان ملكه أو
استأجره أو استعاره فتعيينه إليه ويجوز أن
تكون كتابية ويلزمها قبولها،
ـــــــ
1 لا يجوز الاعتياض بربوي لأن النفقة الواجبة
من الربوي فيؤدي ذلك إلى ربا النسيئة
2 إن كان مثلها لا يخدم نفسها. يزيد من
المتزوجات بأمثاله: أو لموضعها يعني من المجد
ومكانتها من شرف الحسب.
(4/138)
وله تبديل خادم
ألفتها ولا يلزم أجرة من يوضئ مريضة وتلزم
نفقة الخادم وكسوته بقدر نفقة الفقيرين إلا في
النظافة فلا يجب عليه لها ما يعود بنظافتها
ولا مشط ودهن وسدر لرأسها فإن احتاجت إلى خف
وملحفة لحاجة الخروج لزمه إلا إذا كانت بأجرة
أو عارية فعلى مؤجر ومعير ولا يلزمه أكثر من
نفقة خادم واحد فإن قالت أنا أخدم نفسي وآخذ
ما يلزمك لخادمي لم يلزمه وإن قال أنا أخدمك
لم يلزمها قبوله ولو أرادت من لا إخدام لها أن
تتخذ خادما وتنفق عليه من مالها فليس لها ذلك
إلا بإذن الزوج.
(4/139)
فصل: وعليه نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها
ومسكنها كالزوجة سواء إلا فيما يعود بنظافتها
...
فصل. وعليه نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها
ومسكنها كالزوجة سواء إلا فيما يعند بنظافتها
فأما البائن بفسخ أو طلاق فإن كانت حاملا فلها
النفقة تأخذها كل يوم قبل الوضع ولها السكنى
والكسوة وإن لم تكن حاملا فلا شيء لها فإن لم
ينفق عليها يظنها حائلا ثم تبين أنها حامل
فعليه نفقة ما مضى سواء قلنا النفقة للحمل أو
لها من أجله في ظاهر كلامهم وعكسها يرجع عليها
وإن ادعت أنها حامل أنفق عليها ثلاثة أشهر فإن
مضت ولم يبن رجع عليها إلا إن ظهرت براءتها
قبل ذلك بحيض أو غيره فيقطع النفقة سواء دفع
إليها بحكم حاكم أو يغبره شرط أنها نفقة أو لم
يشرط وإن ادعت الرجعية الحمل فأنفق عليها أكثر
من مدة عدتها رجع عليها بالزيادة ويرجع في مدة
العدة إليها ولا يرجع بالنفقة في النكاح
الفاسد إذا تبين فساده سواء كانت النفقة قبل
مفارقتها أو بعدها كما لو أنفق على أجنبية
وتجب للحمل لا لها من أجله وتستحق قبضها
(4/139)
والتصرف فيها
فتجب على زوج لناشر حامل ولملاعنة حامل ولو
نفاه لعدم صحة نفيه فإن نفاه بعد وضعه فلا
نفقة في المستقبل فإن استلحقه رجعت عليه الأم
بما أنفقته وبأجرة المسكن والرضاع سواء قلنا
النفقة للحمل أو لها من أجله وتجب لحامل من
وطء شبهة أو نكاح فاسد على الواطئ ولملك يمين
على السيد ولو أعتقها وعلى وارث زوج ميت ومن
مال حمل موسر فتسقط عن أبيه وإن تلفت من غير
تفريط وجب بدلها ولا تجدب على زوج رقيق ولا
معسر ولا غائب فلا تثبت في الذمة كنفقة
الأقارب وتسقط بمضي الزمان ما لم تستدن بإذن
حاكم أو تنفق بنية الرجوع إذا امتنع من
الإنفاق من وجب عليه ولا تجب على من لا يلحقه
نسب الحمل كزان ولا على وارث مع عسر زوج ولا
تجب فطرة حامل مطلقة ولا يصح جعل نفقة الحامل
عوضا في الخلع لأن النفقة ليست لها ولو وطئت
الرجعية بشبهة أو بنكاح فاسد فعليهما حتى تضع
وبعد الوضع حتى ينكشف الأب منهما ومتى ثبت
نسبه من أحدهما رجع عليه الآخر بما أنفق ولا
نفقة من التركة لمتوفى عنها زوجها ولو حاملا
ونفقة الحمل من نصيبه ولا لأم ولد حامل وينفق
من مال حملها نصا ولا سكنى لهما ولا كسوة ولا
تجب النفقة في النكاح الفاسد لغير حامل ولا
لناشز غير حامل فإن كان لها ولد أعطاها نفقة
ولدها إن كانت هي الحاضنة له أو المرضعة
ويعطيها أيضا أجرة رضاعها إن طالبت بها فمتى
امتنعت من فراشه أو الانتقال معه إلى مسكن
مثلها أو خرجت
(4/140)
أو سافرت أو
انتقلت من منزله بغير إذنه أو أبت السفر معه
إذا لم تشترط بلدها فهي ناشز.
(4/141)
فصل. ويلزمه
دفع القوت إلى الزوجة في صدر كل نهار وذلك إذا
طلعت الشمس
فإن اتفقا على تأخيره أو تعجيله لمدة قليلة أو
كثيرة جاز - واختار الشيخ لا يلزمه تمليك:
ينفق ويكسو بحسب العادة انتهى - ولو أكلت مع
زوجها عادة سقطت نفقتها وكذا إن كساها بدون
إذنها وإذن وليها ونوى أن يعتد بها وإن رضيت
بالحب لزمه أجرة طحنه وخبزه فإن طلب أحدهما
دفع القيمة عن النفقة أو الكسوة لم يلزم الآخر
وتقدم أو الباب ويلزمه كسوتها في كل عام مرة
ويلزم الدفع في أوله لأنه أول وقت الوجوب
وتملكها مع نفقة بالقبض وغطاء و وطاء ونحوهما
ككسوة ولا تملك المسكن وأوعية الطعام والماعون
والمشط ونحو ذلك لأنه إمتاع - قاله في
الرعاية1 وإن أكلت معه عادة أو كساها بلا إذن
ولم يتبرع سقطت والقول قوله في ذلك فإذا
قبضتها فسرقت أو تلفت أو بليت لم يلزمه عوضها
وإذا انقضت السنة وهي صحيحة فعليه كسوة السنة
الأخرى وإن مات أو ماتت أو بانت قبل مضي السنة
أو تسلفت النفقة أو الكسوة فحصل ذلك قبل مضيها
رجع بقسطه لكن لا يرجع ببقية يوم الفرقة إلا
على ناشز وإذا قبضت النفقة فلها التصرف فيها
على وجه لا يضر بها ولا ينهك بدنها فيجوز لها
بيعها وهبتها والصدقة بها وغير ذلك فإن عاد
عليها بضرر في بدنها أو نقص
ـــــــ
1 يريد أن ذلك إمتاع لها وتيسير للعشرة بينهما
وليس تمليكا.
(4/141)
في استمتاعها
لم تملكه فإذا دفع إليها الكسوة فأرادت بيعها
أو الصدقة بها وكان ذلك يضر بها أو يخل
بتحملها بها أو بسترتها لم تملك ذلك ولو أهدى
لها كسوة لم تسقط كسوتها ولو أهدى لها طعام
فأكلته وبقي قوتها إلى الغد لم يسقط قوتها فيه
وإن غاب مدة ولم ينفق فعليه نفقة ما مضى سواء
تركها لعذر أو غيره فرضها حاكم أو لم يفرضها
وإذا أنفقت في غيبته من ماله فبان ميتا رجع
عليها الوارث وإن فارقها في غيبته فأنفقت من
ماله رجع عليها بما بعد الفرقة وتقدم معناه في
العدد في امرأة المفقود إذا أنفقت.
(4/142)
فصل. وإذا بذلت
تسليم نفسها البذل التام وهي ممن يوطأ مثلها
أو بذله وليها أو استلم من يلزمه تسلمها
لزمته النفقة والكسوة كبيرا كان الزوج أو
صغيرا يمكنه الوطء أو لا يمكنه كالعنين
والمجبوب والمريض حتى ولو تعذر وطؤها لمرض أو
حيض أو نفاس أو رتق أو قرن1 أو لكونها نضوة
الخلق أو حدث بها شيء من ذلك عنده لكن لو
امتنعت من التسليم ثم حدث لها مرض فبذلته فلا
نفقة وتقدم أو عشرة النساء إذا ادعت عبالة
ذكره فإن كان الزوج صغير أجبر وليه على نفقتها
من مال الصبي وإن كانت صغيرة لا يمكن وطؤها
وزوجها طفل أو بالغ لم تجب نفقتها ولو مع
تسليم نفسها وإن بذلت تسليم نفسها والزوج غائب
لم يفرض لها حتى يراسله حاكم الشرع فيكتب إلى
حاكم البلد الذي هو فيه ليستدعيه ويعلمه ذلك
فإن سار إليها أو وكل من يتسلهما فوصل فتسلمها
هو أو نائبه وجبت النفقة فإن لم يفعل فرض
الحاكم عليه نفقتها من الوقت الذي
ـــــــ
1 القرن على وزن الفرح والقرنة كالتربة ما نتأ
من الفرج في مدخله والرتق بفتح الراء والتاء
انسداد الفرج.
(4/142)
كان يمكن
الوصول إليها وتسلمها وإن غاب بعد تسكينها
فالنفقة واجبة عليه في غيبته وإن منعت تسليم
نفسها ومنعها أهلها أو تساكنا بعد العقد فلم
تبذل ولم يطلب فلا نفقة لها وإن طال مقامها
على ذلك وإن بذلت تسليما غير تام كتسليمها في
منزلها دون غيره أو في المنزل الفلاني دون
غيره أو في بلدها دون غيره لم تستحق شيئا إلا
أن تكون قد اشترطت ذلك في العقد وإن منعت
نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحال فلها
ذلك ووجبت نفقتها وليس لها منع نفسها بعد
الدخول حتى تقبضه ولا قبله حتى تقبض المؤجل
ولو حل قبل الدخول فإن فعلت فلا نفقة لها وإن
سلم الأمة سيدها ليلا ونهارا فكحرة في وجوب
النفقة ولو أبى الزوج وتقدم معناه في عشرة
النساء وإن كانت عنده ليلا فقط فعليه نفقة
الليل من العشاء وتوابعه كالوطاء والغطاء ودهن
المصباح ونحوه ونفقة النهار على سيدها ولو
سلمها السيد نهارا فقط لم يكن له ذلك وعلى
المكاتب نفقة زوجته ونفقة امرأة العبد ألقن
على سيده فإن كان بعضه حرا فعليه من نفقتها
بقدر ما فيه من الحرية وباقيها على سيده.
(4/143)
فصل. وإذا نشزت
المرأة أو سافرت أو انتقلت من منزله
وإن كان في غيبته بغير إذنه أو تطوعت بحج أو
صوم منعته فيه نفسها أو أحرمت بحج منذور في
الذمة أو لم تمكنه من الوطء أو مكنته منه دون
بقية الاستمتاع أو لم تبت معه في فراشه أو
لزمتها عدة من غيره فلا نفقة لها وسواء فيه
البالغة والمراهقة والعاقلة والمجنونة قدر
الزوج
(4/143)
على ردها على
الطاعة أم لا فإن أطاعت الناشز في غيبته لم
تعد نفقتها حتى يعود التسليم بحضوره أو حضور
وكيله فإن لم يحضر و روسل فعلم بذلك ومضى زمن
يقدم في مقله لزمته وله تفطيرها في صوم التطوع
و وطؤها فيه فإن امتنعت فناشز وبمجرد إسلام
مرتدة ومختلفة عن الإسلام في غيبته لزمت
النفقة ويشطر لناشز ليلا فقط أو نهارا فقط لا
بقدر الأزمنة ويشطر لها بعض يوم ولو صامت
لكفارة أو نذر أو قضاء رمضان ووقته متسع فيهما
بلا إذنه أو سافرت لتغريب أو حبست ولو ظلما
فلا نفقة لها وله البيتوتة معها في حبسها وإن
حبسته على صداقها أو غيره من حقوقها وهو معسر
كانت ظالمة مانعة له من التمكين فلا نفقة لها
مدة حبسه وإن كان قادرا على أدائه لمنعه بعد
الطلب فلها النفقة مدة حبسه إذا كانت باذلة
للتمكين - قال الشيخ - وإن سافرت بإذنه في
حاجته أو أحرمت بحجة الإسلام أو عمرته أو
طردها وأخرجها من منزله فلها النفقة إن أحرمت
في الوقت من الميقات وإن سافرت في حاجة نفسها
ولو لنزهة أو تجارة أو زيارة أو حج تطوع ولو
بإذنه فلا نفقة لها إلا أن يكون مسافرا معها
متمكنا من استمتاعها فلا تسقط وإن أحرمت
بمنذور معين في وقته أو صامت نذرا معينا في
وقته ولو كان النذر بإذنه أو كان نذرها قبل
النكاح في وقته فلا نفقة لها وإن اختلفا في
نشوزها بعد الاعتراف بالتسليم أو في الإنفاق
عليها أو تسليم النفقة إليها فقولها وإن ادعت
يساره ليفرض لها نفقة الموسرين أو قالت كنت
موسرا فأنكر فإن عرف له مال فقولها وإلا فقوله
وإن
(4/144)
اختلفا في بذله
التسليم أو وقته أو في فرض الحاكم أو في وقتها
فقال فرضها منذ شهر وقالت بل منذ عام فقوله
وكل من قلنا القول قوله فلخصمه عليه اليمين
وإن دفع إليها نفقة وكسوة أو بعث بذلك إليها
فقالت إنما فعلته تبرعا وهبة فقال بل وفاء
للواجب فقوله كما لو قضى دينه واختلف هو
وغريمه في نيته وإن دفع إليها شيئا زائدا على
الكسوة مثل مصاغ وقلائد وما أشبه ذلك على وجه
التمليك فقد ملكته وليس له إذا طلقها أن
يطالبها به وإن كان قد أعطاها للتجمل له كما
يركبها دابته ويخدمها غلامه ونحو ذلك لأعلى
وجه التمليك المعين فهو باق على ملكه فله أن
يرجع فيه متى شاء سواء طلقها أو لم يطلقها وإن
طلقها وكانت حاملا فوضعت فقال طلقتك حاملا
فانقضت عدتك بوضع الحمل وانقضت نفقتك ورجعتك
فقالت بل بعد الوضع فلي النفقة ولك الرجعة
فقولها وعليها العدة ولا رجعة له1 وإن رجع
فصدقها فله الرجة ولو قال طلقتك بعد الوضع فلي
الرجعة ولك النفقة فقالت بل وأنا حامل فقولها2
وإن عاد فصدقها سقطت رجعته ووجبت لها النفقة
هذا في الحكم الظاهر وفيما بينه وبين الله
تعالى فيبني على ما يعلم من حقيقة الأمر دون
ما قاله.
ـــــــ
1 القول قولها في النفقة بناء على الأصل.
وعليها العدة لإقرارها بالطلاق ولا رجعة له
لاعترافه بسقوطها.
2 يعني في سقوط النفقة فقط وأما الرجعة فله.
(4/145)
فصل:- وإن أعسر
الزوج بنفقتها أو ببعضها
عن نفقة المعسر
(4/145)
لا بما زاد
عنها أو أعسر بالكسوة أو ببعضها أو بالسكنى أو
المهر بشرطه خيرت على التراخي بين الفسخ من
غير انتظار وبين المقام وتمكينه وتكون النفقة
أن نفقة الفقير والكسوة والمسكن دينا في ذمته
ما لم تمنع نفسها ولها المقام ومنعه من نفسها
فلا يلزمها تمكينه ولا الإقامة في منزله وعليه
ألا يحبسها بل يدعها تكتسب ولو كانت موسرة فإن
اختارت المقام أو رضيت بعسرته أو تزوجته عاملة
به أو شرط ألا ينفق عليها أو أسقطت النفقة
المستقبلة ثم بدا لها الفسخ فلها ذلك ومن لم
يجد إلا قوت يوم بيوم فليس بمعسر بالنفقة لأن
ذلك هو الواجب عليه وإن كان يجد في أول النهار
ما يغديها وفي آخره ما يعشيها فلا خيار لها
وإن كان صانعا يعمل في الأسبوع ما يبيعه في
يوم بقدر كفايتها في الأسبوع أو تعذر عليه
الكسب في بعض زمانه أو تعذر البيع أو مرض مرضا
يرجى برؤه في أيام يسيرة أو عجز عن الاقتراض
أياما يسيرة أو اقترض ما ينفقه عليها أو تبرع
له إنسان بما ينفقه فلا فسخ وإن كان المرض
يطول أو كان لا يجد من النفقة إلا يوما دون
يوم فلها الفسخ وإن أعسر بنفقتها فبذلها غيره
لم تجبر إلا أن ملكها الزوج أو دفعها وكيله
وكذا من أراد قضاء دين غيره فلم يقبل ربه
وتقدم في السلم وإن أتاها بنفقة حرام لم
يلزمها قبولها وتقدم في المكاتب ويجبر قادر
على التكسب وإن أعسر بنفقة الخادم أو النفقة
الماضية أو نفقة الموسر أو المتوسط أو الأدم
فلا فسخ وتبقى النفقة والأدم في ذمته ومن كان
له دين متمكن من استيفائه فكموسر وإن لم يتمكن
(4/146)
فكمعسر وإن كان
له عليها دين فأراد أن يحتسب عليها بدينه مكان
النفقة فله ذلك إن كانت موسرة وإلا فلا وإن
أعسر زوج الأمة فرضيت أو زوج الصغيرة أو
المجنونة لم يكن لوليهن الفسخ.
(4/147)
فصل: - وإن منع
زوج موسر أو سيده إن كان عبدا كسوة أو بعضها
قدرت له على مال ولو من عين جنس الواجب أخذت
منه كفايتها وكفاية ولدها الصغير عرفا ونحوه
بالمعروف بغير إذنه وإن لم تقدر أجبره الحاكم
فإن أبى حبسه فإن صبر على الحبس وقدر الحاكم
على ماله أنفق منه فإن لم يقدر له على مال
يأخذه أو لم يقدر على النفقة من مال الغائب
ولم يجد إلا عروضا أو عقارا باعه وأنفق منه
فيدفع إليها نفقة يوم بيوم فإن تعذر ذلك فلها
الفسخ ونفقة الزوجات والأقارب والرقيق
والبهائم إذا امتنع من وجبت عليه النفقة فأنفق
عليها غيره بنية الرجوع فله الرجوع - ويأتي في
الباب بعده - وإن كان الزوج غائبا ولم يترك
لها نفقة ولم يقدر على مال له ولا على استدانة
ولا الأخذ من وكيله إن كان له وكيل كتب الحاكم
إليه فإن لم يعلم خبره وتعذرت النفقة كما تقدم
فلها الفسخ ولا يصح الفسخ في ذلك كله إلا بحكم
حاكم فيفسخ بطلبها أو تفسخ بأمره وفسخ الحاكم
تفريق لا رجعة فيه ومن ترك الإنفاق الواجب
لامرأته لعذر أو غيره مدة لم تسقط ولو لم
يفرضها حاكم وكانت دينا في ذمته ويصح ضمان
النفقة ما وجب منها وما يجب في المستقبل وتقدم
في الضمان والصداق
(4/147)
باب نفقة
الأقارب والمماليك والبهائم
مدخل
...
باب نفقة الأقارب
والمماليك والبهائم
تجب عليه نفقة والديه وإن علوا وولده وإن سفل
أو بعضها: حتى ذوي الأرحام منهم ولو حجبه
معسر: بالمعروف من حلال إذا كانوا فقراء وله
ما ينفق عليهم فاضلا عن نفسه وامرأته ورقيقه
يومه وليلته وكسوتهم وسكناهم من ماله وأجرة
ملكه ونحوه أو كسبه لا من أصل البضاعة والملك
وآلة العمل ويجبر قادر على التكسب ويلزمه نفقة
كل من يرثه بفرض أو تعصيب ممن سواه1 سواء ورثه
الآخر أولا: كعمته وعتيقه وبنت أخيه ونحوه:
فأما ذوو الأرحام من غير عمودي النسب فلا نفقة
لهم ولا عليهم.
ويتلخص لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط - أحدها أن
يكون المنفق عليهم فقراء لا مال لهم ولا كسب
يستغنون به عن إنفاق غيرهم فإن كانوا موسرين
بمال أو كسب يكفيهم فلا نفقة لهم.
الثاني: أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق
عليهم فاضل عن نفقة نفسه إما من ماله وإما من
كسبه فمن لا يفضل عنه شيء لا يجب عليه شيء.
الثالث: أن يكون المنفق وارثا إن كان من غير
عمودي النسب وإن كان للفقير ولو حملا وارث غير
أب فنفته عليهم على قدر إرثهم منه فأم وجد على
الأم الثلث والباقي على الجد وجدة وأخ على
الجدة السدس والباقي على الأخ وأم وبنت بينهما
أرباعا، وابن وبنت بينها أثلاثا،
ـــــــ
1 أي سوى النسب.
(4/148)
فإن كان أحدهم
موسرا لزمه بقدر إرثه من غير زيادة ما لم يكن
من عمودي النسب وعلى هذا المعنى حساب النفقات
إلا أن يكون له أب فينفرد بالنفقة و أم أم
وأبو أم: الكل على أم الأم ومن له ابن فقير
وأخ موسر فلا نفقة له عليهما ومن له أم فقيرة
وجدة موسرة فالنفقة على الجدة وكذا أب فقير
وجد موسر وأبوان وجد والأب معسر على الأم ثلث
النفقة والباقي على الجد وإن كان معهم زوجة
فكذلك وأبوان وأخوان وجد والأب معسر فلا شيء
على الأخوين لأنهما محجوبان وليسا من عمودي
النسب ويكون على الأم الثلث والباقي على الجد
وإن لم يكن في المسئلة جد فالنفقة كلها على
الأم وتجب نفقة من لا حرفة له ولو كان صحيحا
مكلفا ولو من غير الوالدين ويلزمه خدمة قريب
بنفسه أو غيره لحاجة كزوجة1 ويبدأ بالإنفاق
على نفسه فإن فضل نفقة واحد فأكثر بدأ بامرأته
ثم برقيقة ثم بالأقرب فالأقرب ثم العصبة ثم
التساوي وإن فضل عنه ما يكفي واحدا لزمه بذله
فإن كان له أبوان قدم الأب والابن إن كان
الابن صغيرا أو مجنونا قدم وإن كان الابن
كبيرا والأب زمنا فهو أحق - وفي المستوعب يقدم
الأحوج ممن تقدم في هذه المسائل - وإن كان أب
وجد أو ابن وابن ابن قدم الأب والابن ويقدم جد
على أخ وأب على ابن ابن وأبو أب
ـــــــ
1 على المنفق أن يخدم من وجبت عليه نفقتهم كما
تجب على الزوج خدمة الزوجة تبعا لنفقتها. لأن
الخدمة من تمام الكفاية.
(4/149)
على أبي أم ومع
أبي أبي أب يستويان وظاهر كلامهم يأخذ من وجبت
له النفقة بغير إذنه إن امتنع من الإنفاق
لزوجة وتقدم في الباب قبله ولا تجب نفقة مع
اختلاف دين إلا بالولاء أو بإلحاق القافة ومن
ترك الإنفاق الواجب مدة لم يلزمه عوضه إل أن
فرضها حاكم أو استدان بإذنه لكن لو غاب زوج
فاستدانت لها ولأولدها الصغار رجعت ولو امتنع
زوج أو قريب من نفقة واجبة بأن تطلب منه
فيمتنع رجع عليه منفق عليه بنية الرجوع ويلزمه
نفقة زوجة من تلزمه مؤنته وإعفاف من وجبت له
نفقة من أب وإن علا وابن وإن نزل وغيرهم إذا
احتاج إلى النكاح لزوجة حرة أو سرية تعفه أو
يدفع إليه مالا يتزوج به حرة أو يشتري به أمة
والتحيير للملزوم بذلك وليس له أن يزوجه قبيحة
ولا أن يملكه إياها ولا كبيرة لا استمتاع بها
ولا أن يزوجه أمة ولا يملك استرجاع ما دفع
إليه من جارية ولا عوض ما زوجه به إذا أيسر
ويقدم تعيين قريب إذا استوى المهر1 ويصدق أنه
تائق بلا يمين وإن ماتت أعفه ثانيا إلا أن طلق
لغير عذر أو أعتق وإن اجتمع جدان ولم يملك إلا
إعفاف أحدهما قدم الأقرب إلا أن يكون أحدهما
من جهة الأب فيقدم وإن بعد على الذي من جهة
الأم ويلزمه إعفاف أمه كأبيه إذا طلبت ذلك
وخطبها كفؤ والواجب في نفقة القريب قدر
الكفاية من الخبز والأدم والكسوة والمسكن بقدر
العادة كما ذكرنا
ـــــــ
1 يقدم قول القريب المكلف بالنفقة على قول
قريبه في اختيار الزوجة لأن الأول هو المخاطب
بالنظر في شأن الثاني المعسر.
(4/150)
في الزوجة ويجب
على المعتق نفقة عتيقه فإن مات مولاه فالنفقة
على الوارث من عصبياته على ما ذكر في الولاء
ويجب عليه نفقة أولاد معتقه إذا كان أبوهم
عبدا فإن أعتقه أبوهم فانجر الولاء إلى معتقه
صار ولاؤهم لمعتق أبيهم ونفقتهم عليه وليس على
العتيق نفقة معتقه لأنه لا يرثه وإن كان كل
واحد منهما مولى الآخر فعلى كل واحد منهما
نفقة الآخر وليس على العبد نفقة ولده حرة كانت
الزوجة أو أمة ولا نفقة أقاربه الأحرار ونفقة
أولاد المكاتب الأحرار وأقاربه لا تجب عليه
وتجب عليه نفقة ولده من أمته وإن كانت زوجته
حرة فنفقة أولادها عليها فإن كان لهم أقارب
أحرار كجد وأخ مع أم أنفق كل واحد منهم بحسب
ميراثه والمكاتب كالمعدوم بالنسبة إلى النفقة
وإن كانت مكاتبة فسيأتي فإن أراد المكاتب
التبرع بالنفقة على ولده من أمة أو مكاتبة
لغير سيده أو حرة فليس له ذلك وإن كان من أمة
لسيده جاز لا من مكاتبة لسيده1.
ـــــــ
1 لأن المكاتب ممنوع من التصرف المطلق ما دام
رقيقا فلم يجز له أن يتبرع بالنفقة إلا لولده
من أمة سيده لأن تبرعه يكون آيلا إلى سيده وهو
جائز.
(4/151)
فصل. وتجب نفقة
ظئر الصغير في ماله.
فإن لم يكن له مال فعلى أمن تلزمه نفقته ولا
يلزمه لما فوق الحولين ولا يفطم قبلهما إلا
بإذن أبويه إلا أن يتضرر وللأب منع امرأته من
خدمة ولدها منه لا من رضاعه إذا طلبت ذلك وإن
طلبت أجرة مثلها ووجد من يتبرع برضاعه فهي أحق
سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة فإن طلبت
أكثر من أجرة مثلها ولو
(4/151)
بيسير لم تكن
أحق به إلا ألا يوجد من يرضعه إلا بمثل تلك
الزيادة ولو كانت مع زوج آخر وطلبت رضاعه
بأجرة مثلها ووجد من يتبرع برضاعه فأمه أحق
إذا رضي الزوج الثاني وإذا أرضعت الزوجة ولدها
وهي في حبال والده فاحتاجت إلى زيادة نفقة
لزمه وللسيد إجبار أم ولده على رضاعه مجانا
فإن عتقت على السيد فحكم رضاع ولدها منه حكم
المطلقة البائن وإن امتنعت الأم من إرضاع
ولدها لم تجبر إلا أن يضطر إليها أو يخشى عليه
لكن يجب عليها أن تسقيه اللبأ وللزوج منع
امرأته من إرضاع ولد غيرها ومن إرضاع ولدها من
غيره من حين العقد إلا أن يضطر إليها بألا
يوجد من يرضعه غيرها أو لا يقبل الارتضاع من
غيرها فيجب التمكين من إرضاعه أو تكون قد
شرطته عليه نصا وإن أجرت نفسها للرضاع ثم
تزوجت لم يملك الزوج فسخ الإجارة ولا منعها من
الرضاع حتى تمضي المدة: أشبه ما لو اشترى أمة
مستأجرة وتقدم في عشرة النساء.
(4/152)
فصل. ويلزم
السيد نفقة رقيقه قدر كفايتهم بالمعروف
ولو مع اختلاف الدين ولو آبقا أو نشزت الأمة
أو عمى أو زمن أو مرض أو انقطع كسبه من غالب
قوت البلد وأدم مثله وكسوتهم من غالب الكسوة
لأمثال العبيد في ذلك البلد الذي هو به وغطاء
و وطاء ومسكن وماعون وإن ماتوا فعليه تكفينهم
وتجهيزهم ودفنهم ويسن أن يلبسه مما يلبس وأن
يطعمه مما يطعم فإن وليه1 فإن سيده يجلسه يأكل
معه أو يطعمه منه ولا يأكل بلا إذنه ويستحب أن
يسوي بين عبيده وإمائه في
ـــــــ
1 يريد أن ولي العبد صنع الطعام.
(4/152)
الكسوة
والإطعام ولا بأس بزيادة من هي للاستمتاع في
الكسوة ويلزمه نفقة ولد أمته الرقيق دون زوجها
ويلزم الحرة نفقة ولدها من عبد ويلزم المكاتبة
نفقة ولدها ولو كان أبوه مكاتبا وكسبه لها
وينفق على من بعضه حر بقدر رقه وبقيتها عليه
وله وطء أمة ملكها يجزئه الحر بلا إذن ويلزم
السيد تزويجهم إذا طلبوه1 إلا أمة يستمتع بها
ولو مكاتبة بشرط وطئها فإن أبى أجبر وتصدق
الأمة أنه ما يطؤها وأن زوجها بمن عيبه غير
الرق فلها الفسخ وإذا كان للعبد زوجة فعلى
سيده تمكينه من الاستمتاع بها ليلا ومن غاب عن
أم ولده زوجت لجاجة نفقة - قال في الرعاية
زوجها الحاكم وحفظ مهرها للسيد - وكذا لحاجة
وطء وما الأمة فقال القاضي: إذا غاب سيدها
غيبة منقطعة فطلبت التزويج زوجها الحاكم وتقدم
في أركان النكاح: ويحرم أن يكلفهم من العمل ما
لا يطيقون وهو ما يشق عليه مشقة كثيرة فإن
كلفه مشقا أعانه ولا يجوز تكليف الأمة بالرعي
لأن السفر مظنة الطمع لبعدها عمن يذب عنها
ويجب أن يريحهم وقت قيلولة ونوم وصلاة مفروضة
وأن يركبهم عقبة عند الحاجة وتستحب مداراتهم
إذا مرضوا ويجب ختان من لم يكن مختونا منهم
وأباق العبد كبيرة ويحرم إفساده على سيده
وإفساد المرأة على زوجها - قال الشيخ في مسلم
نحس في بلاد التتار أبى بيع عبده وعتقه ويأمره
بترك المأمور وفعل المنهي عنه فهربه إلى بلاد
أهل بدع مضلة فإنه لا حرمة لهذا ولو كان في
طاعة المسلمين
ـــــــ
1 لقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى
مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ
وَإِمَائِكُمْ}
(4/153)
والعبد إذا
هاجر من أرض الحرب فهو حر وقال: ولو لم تلائم
أخلاق العبد أخلاق سيده لزمه إخراجه عن ملكه
ولا يعذب خلق الله - ويجب ألا يسترضع الأمة
لغير ولدها إلا بعد ريه كما لو مات ولدها وبقي
لبنها ولا يجوز له إجارتها بلا إذن زوج في مدة
حقه ويجوز في مدة حق السيد ما لم يضر بها
وتجوز المخارجة باتفاقهما إذا كان ما جعل "على
الحجم1" بقدر كسب العبد فأقل بعد نفقته والألم
يجز ولا يجبر من أباها ومعناها أن يضرب عليه
خراجا معلوما يؤديه إلى سيده كل يوم وما فضل
للعبد ويؤخذ من الغني لعبد مخارج هدية طعام
وإعارة متاع وعمل دعوة - وفي الهدي للعبد
التصرف بما زاد على خراجه - وللسيد تأديبهم
باللوم والضرب كولد وزوجة والأحاديث الصحيحة
تدل على جواز الزيادة2 ويسن العفو عنه أولا
ويكون مرة أو مرتين نصا ولا يضربه شديدا ولا
يضربه إلا في ذنب عظيم نصا ويقيده بقيد إذا
خاف عليه ويؤدب على فرائضه وعلى ما إذا كلفه
ما يطيق فامتنع وليس له لطمه في وجهه ولا
خصاؤه ولا التمثيل ولا يشتم أبويه الكافرين
ولا يعود لسانه الخنا والردا ولا يدخل الجنة
ـــــــ
1 الظاهر أن ما بين القوسين مقحم بين كلام
المصنف وانه من كلام ساقه الشارح للاستدلال
وحاصله أن عبدا كان يدعى أبا طيبة وكان حجاما
وقد حجم النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه
أجرته وأمر سادة هذا العبد أن يخففوا عنه
الضريبة المفروضة عليه. وذلك إقرار من النبي
لهم على جوازها.
2 يريد جواز الزيادة في ضرب الرقيق على ضرب
الزوجة لتعليمهم.
(4/154)
سيء الملكة وهو
الذي يسيء إلى مماليكه - قال ابن الجوزي في
كتابه السر المصون معاشرة الولد باللطف
والتأديب والتعليم وإذا احتيج إلى ضربه ضرب
ويحمل الولد على أحسن الأخلاق ويجنب سيئها
فإذا كبر فالحذر منه ولا يطلعه على كل الأسرار
ومن الغلط ترك تزويجه إذا بلغ فإنك تدري ما هو
فيه مما كنت فيه فصنه من الزلل عاجلا خصوصا
البنات وإياك أن تزوج البنت بشيخ أو شخص مكروه
وأما المملوك فلا ينبغي أن تسكن إليه بحال بل
كن منه على حذر ولا تدخل الدار منهم مراهقا
ولا خادما فإنهم رجال مع النساء ونساء مع
الرجال وربما امتدت عين امرأة إلى غلام محتقر
انتهى - وإن بعثه سيده لحاجة فوجد مسجدا يصلي
فيه قضى حاجته ثم صلى وإن صلى فلا بأس ومتى
امتنع السيد من الواجب عليه من نفقة أو كسوة
أو تزويج فطلب العبد البيع لزمه بيعه سواء كان
امتناع السيد لعجزه عنه أو مع قدرته عليه ولا
يلزمه بيعه بطلبه مع القيام بما يجب له ولا
يتسرى عبد ولو بإذن سيده لأنه لا يملك وقيل بل
بإذنه نص عليه في رواية جماعة واختاره كثير من
المحققين وصححه في الإنصاف وجعله المذهب فإذا
قال له السيد تسراها أو أذنت لك وفي وطئها أو
ما دل عليه أبيح له على هذا القول وعليه يجوز
في أكثر من واحدة ولم يملك السيد الرجوع بعد
التسري نصا.
(4/155)
فصل. ويلزمه
إطعام بهائمه ولو عطبت وسقيها حتى تنتهي إلى
أول شبعها وريها دون غايتهما
ويلزمه القيام بها والإنفاق عليها وإقامة
(4/155)
من يرعاها أو
نحوه ويحرم أن يحملها ما لا تطيق وأن يحلب من
لبنها ما يضر بولدها ويسن للحالب أن يقص
أظافره لئلا يجرح الضرع وجيفتها له ونقلها
عليه فيلزمه أن ينقلها إلى مكان يدفع فيه
ضررها عن الناس ويحرم وسم وضرب في الوجه إلا
لمداواة وفي الآدمي أشد ويكره خصي غير غنم
وديوك ويحرم في آميين لغير قصاص ولو رقيقا
ويكره تعليق جرس ووتر وجز معرفة وناصية وذنب
ويحرم لعن الدابة - قال أحمد قال الصالحون لا
تقبل شهادته - وإن امتنع من الإنفاق عليها
أجبر على ذلك فإن أبى أو عجز أجبر على بيع أو
إجارة أو ذبح مأكول فإن أبى فعل الحاكم إلا
صلح أو اقترض عليه ويجوز الانتفاع بها في غير
ما خلقت له كالمحمل أو الركوب وأبل وحمر لحرق
ونحوه ولا يجوز قتلها ولا ذبحها للإراحة
كالآدمي المتألم بالأمراض الصعبة وعلى مقتني
الكلب المباح أن يطعمه أو يرسله ولا يحل حبس
شيء من البهائم لتهلك جوعا ويحسن قتل ما يباح
قتله ويباح تجفيف دود القز بالشمس إذا استكمل
وتدخين الزنابير فإن لم يندفع ضررها إلا
بإحراقها جاز ولا تجب عيادة الملك الطلق إذا
كان مما لا روح فيه كالعقار ونحوه1 وإن كان
لمحجور عليه وجب على وليه عمارة داره وحفظ
ثمره وزرعه بالسقي وغيره
ـــــــ
1 الملك الطلق بكسر الطاء هو المختص بمالك
واحد. ومراده بقوله. ولا تجب عيادة الملك
المطلق الخ أنه لا يكلف برعايته كما كلف بملكه
ذي الروح فإن الثاني محترم النفس وإهماله
محرم.
(4/156)
باب الحضانة
مدخل
...
باب الحضانة
وهي حفظ صغير ومجنون ومعتوه وهو المختل العقل
مما يضرهم وتربيتهم بعمل مصالحهم كغسل رأس
الطفل ويديه وثيابه ودهنه وتكحيله وربطه في
المهد وتحريكه لينام ونحوه.
وهي واجبة كالإنفاق عليه ومستحقها رجل عصبة
وامرأة وارثة أو مدلية بوارث كالخالة وبنات
الأخوات أو مدلية بعصبة كبنات الأخوة والأعمام
وذوي رحم غير من تقدم وحاكم فإذا افترق
الزوجان ولهما طفل أو معتوه أو مجنون ذكر أو
أنثى فأحق الناس بحضانته أمه كما قبل الفراق
مع أهليتها وحضورها وقبولها ولو بأجرة مثلها
كرضاع فهي أحق من أبيه ولأن أباه لا يتولى
الحضانة بنفسه وإنما يدفعه إلى امرأته وأمه
أولى من امرأة أبيه ولو امتنعت لم تجبر ثم
أمهاتها ثم أب ثم أمهاته ثم جد ثم أمهاته وهلم
جرا ثم أخت لأبوين وتقدم أخت من أم على أخت من
أب وخالة على عمة وخالة أم على خالة أب وخالات
أبيه على عماته ومن يدلي بعمات وخالات بأم على
من يدلي بأب وتحريره أم ثم أمهاتها فالقربى ثم
أب ثم أمهاته كذلك ثم جد ثم أمهاته كذلك ثم
أخت لأبوين ثم لأم ثم لأب ثم خالة لأبوين ثم
لأم ثم لأب ثم عمات كذلك ثم خالات أمه ثم
خالات أبيه ثم عمات أبيه ثم بنات أخوته
وأخواته ثم بنات أعمامه وعماته ثم بنات أعمام
أبيه وبنات عمات أبيه كذلك على التفصيل
المتقدم، وتقدمت
(4/157)
حضانة لقيط ثم
لباقي العصبة الأقرب فالأقرب فإن كانت أنثى
فمن محارمها ولو برضاع ونحوه فلا حضانة عليها
لابن العم ونحوه لأنه ليس من محارمها وفي
المغني وغيره إذا بلغت سبعا لم تسلم إليه
وقبلها له الحضانة عليها وهو قوي وإن اجتمع أخ
وأخت أو عم وعمة أو ابن أخر وبنت أخ أو ابن
أخت وبنت أخت قدمت الأنثى على من في درجتها من
الذكور كما تقدم الأم على الأب وأم الأب على
أبي الأب ثم لذوي الأرحام رجالا ونساء غير من
تقدم فيقدم أبو أم ثم أمهاته ثم أخ من أم ثم
خال ثم حاكم فيسلمه إلى من يحضنه من المسلمين
ولو استؤجرت للرضاع والحضانة لزماها وإن
استؤجرت للرضاع وأطلق لزمتها الحضانة تبعا
وللحضانة وأطلق لم يلزمها الرضاع وإن امتنعت
الأم أو غيرها من الحضانة أو كانت غير أهل لها
انتقلت إلى من بعدها ومن أسقط حقه منها سقط
عنه وله العود متى شاء.
(4/158)
فصل. ولا حضانة
لرقيق ولا لمن بعضه حر
ولو كان بينه وبين سيده مهايأة فإن كان بعض
الطفل رقيقا فلسيده وقريبه بمهايأه لأن حضانة
الطفل الرقيق لسيده والأولى لسيده أن يقره مع
أمه ولا لفاسق ولا لكافر على مسلم ولا لمجنون
ولو غير مطبق ولا لمعتوه ولا لطف ولا لعاجز
عنها كأعمى ونحوه قال الشيخ وضعف البصر يمنع
من كمال ما يحتاج إليه المحضون من المصالح
انتهى وإذا كان بالأم برص أو جذام سقط حقها من
الحضانة وصرح بذلك العلائي الشافعي في قواعده
وقال لأنه يخشى على الولد من لبنها وخالطتها
انتهى - ويأتي
(4/158)
في التقرير أن
الجذمى ممنوعون من مخالطة الأصحاء ولا لامرأة
مزوجة لأجنبي من الطفل من حين العقد ولو رضي
الزوج لئلا يكون في حضانة أجنبي فإن كان الزوج
ليس أجنبيا كجده وقريه فلها الحضانة ولو اتفقا
على أن يكون في حضانتها وهي مزوجة ورضي زوجها
جاز ولم يكن لازما ولو تنازع عمان ونحوهما
واحد منهما متزوج بالأم أو الخالة فهو أحق فإن
زالت الموانع كأن عتق الرقيق وأسلم الكافر
وعدم الفاسق ولو ظاهرا وعقل المجنون وطلقت
الزوجة ولو رجعيا ولو لم تنقض العدة رجعوا إلى
حقهم ونظير هذه المسئلة لو وقف على أولاده
وشرط أن من تزوج من البنات لا حق لها فتزوجت
ثم طلقت عاد إليها حقها فإن طلقت وكان قد أراد
برها رجع حقها كالوقف وإن أراد صلتها ما دامت
حافظة لحرمة فراشه فلا حق قها ولا تثبت
الحضانة على البالغ الرشيد العاقل وإليه
الخيرة في الإقامة عند من شاء من أبويه فإن
كان رجلا فله الانفراد بنفسه إلا أن يكون أمرد
يخاف عليه الفتنة فيمنع من مفارقتهما ويستحب
ألا ينفرد عنهما ولا يقطع بره عنهما وإن كانت
جارية فليس لها الانفراد ولأبيها وأوليائها
عند عدمه منعها منه وعلى عصبة المرأة منعها من
المحرمات فإن لم تمنع إلا بالحبس حبسوها وإن
احتاجت إلى رزق وكسوة كسوها ولبس لهم إقامة
الحد عليها ومتى أراد أحد الأبوين النقلة إلى
بلد مسافة قصر فأكثر أمن هو والطريق
(4/159)
ليسكنه فالأب
أحق بالحضانة - قال في الهدى هذا كله ما لم
يرد بالنقلة مضارة الآخر وانتزاع الولد فإذا
أراد ذلك لم يجب إليه انتهى - وإن كان البلد
قريبا للسكنى فأم أحق وإن كان بعيدا ولو لحج
أو قريبا لحاجة ثم يعود أو بعيدا للسكنى لكنه
مخوف هو أو الطريق فمقيم أولى فإن اختلفا فقال
الأب سفري للإقامة وقالت الأم بل لحاجة وتعود
فقوله مع يمينه وإن انتقلا جميعا إلى بلد واحد
فالأم باقية على حضانتها وإن أخذه الأب
لافتراق البلدين ثم اجتمعا عادت إلى الأم
حضانتها.
(4/160)
فصل. وإذا بلغ
الغلام سبع سنين عاقلا واتفق أبواه أن يكون
عند أحدهما جاز وإن تنازعا فيه خيره الحاكم
بينهما فكان مع من اختار منهما -
قال ابن عقيل مع السلامة من فساد فأما إن علم
أنه يختار أحدهما ليمكنه من فساد ويكره الآخر
للأدب لم يعمل بمقتضى شهوته انتهى - ولا يخير
قبل سبع فإن اختار أباه كان عنده ليلا ونهارا
ولا يمنع من زيارة أمه وإن مرض كانت أحق
بتمريضه في بيتها وإن اختار أمه كان عندها
ليلا وعند أبيه نهارا ليعمله الصناعة والكتابة
ويؤدبه فإن عاد فاختار الآخر نقل إليه وإن عاد
فاختار الأول رد إليه هكذا أبدا فإن لم يختر
أحدهما أو اختارهما أقرع ثم إن اختار غير من
قدم بالقرعة رد إليه ولا يخير إذا كان أحد
أبويه ليس من أهل الحضانة وتعين أن يكون عند
الآخر وإن اختار أباه ثم زال عقله رد إلى الأم
وبطل اختياره والجارية إذا بلغت سبع سنين
فأكثر فعند أبيها إلى البلوغ وبعده عنده أيضا
إلى الزفاف وجوبا ولو تبرعت الأم بحضانتها،
(4/160)
ويمنعها من
الانفراد وكذلك من يقوم مقامه وإذا كانت عند
الأم أو الأب فإنها تكون عنده ليلا ونهارا فإن
تأديبها وتخريجها في جوف البيت ولا يمنع
أحدهما من زيارتها عند الآخر من غير أن يخلو
الزوج بأمها ولا يطيل والورع إذا زارت ابنتها
تحرى أوقات خروج أبيها إلى معاشه لئلا يسمع
كلامها وإن مرضت فالأم أحق بتمريضها في بيت
الأب وتمنع من الخلوة بها إن كانت البنت مزوجة
إذا خيف منها وكذلك الغلام وإن مرض أحد
الأبوين والولد عند الآخر لم يمنع الولد ذكرا
كان أو أنثى من عيادته ولا من تكرر ذلك ولا من
حضوره عند موته تولى جهازه وأما في حال الصحة
فالغلام يزور أمه والأم تزور ابنتها والغلام
يزور أمه على ما جرت به العادة كاليوم في
الأسبوع وإن مات الولد حضرته أمه وتتولى ما
تتولاه حال الحياة فتشهده في حال نزعه وتشد
لحيته وتوجهه وتشرف على من يتولى غسله وتجهيزه
ولا تمنع من جميع ذلك إذا طلبته فإن أرادت
الحضور بما ينافي الشرع: من تخريق ثوب ولطم خد
ونوح - منعت فإذا امتنعت وإلا حجبت عنه إلى أن
تترك المنكر وإن استوى اثنان فأكثر في حضانة
من له دون سبع سنين: كالأختين والأخوين
ونحوهما - قدم أحدهما بقرعة فإذا بلغ سبعا ولو
أنثى كان عند من شاء منهم وسائر العصبات:
الأقرب فالأقرب منهم - كأب عند عدمه أو عدم
أهليته في التخيير والإقامة والنقلة إذا كان
محرما للجارية كما تقدم وسائر النساء
المستحقات لها كأم في ذلك ولا يقر الطفل بيد
من لا يصونه ويصلحه والمعتوه ولو أنثى عند أمه
ولو بعد البلوغ
(4/161)
|