الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل

كتاب الجنايات
*
مدخل
...
كتاب الجنايات
وهي جمع جناية وهي: التعدي على الأبدان بما يوجب قصاصا أو غيره
قتل الآدمي بغير حق ذنب كبير وفاعله فاسق وأمره إلى الله: إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وتوبته مقبولة ولا يسقط حق المقتول في الآخرة بمجرد التوبة - قال الشيخ: فعلى هذا يأخذ المقتول من حسنات القاتل بقدر مظلمته فإن اقتص من القاتل أو عفا عنه: فهل يطالبه المقتول في الآخرة؟ على وجهين - قال القاضي عياض في حديث صاحب النسعة - وهو حديث صحيح مشهور - في هذا الحديث أن قتل القصاص لا يكفر ذنب القاتل بالكلية وإن كفر ما بينه وبين الله تعالى كما جاء في الحديث الآخر "فهو كفارة له ويبقى حق المقتول" ويأتي في باب المرتد له تتمة1
ـــــــ
1 النسعة بالنون المكسورة: السير العريض من الجلد، ويستخدم في حزم المتاع وسواه.
والحديث المشار إليه مروي من طريق متعددة والكلام عليه تفصيلا يخرج بنا عن الإيجاز وخلاصته أن رجلا قتل آخر، فجاء أخو القتيل يقتاد القاتل بسير في عنقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحكم له. وقد أفتاه صلى الله عليه وسلم بما يدل على أنه لو عفا ولي القتيل كان على القاتل ذنبان: ذنب القتيل لإزهاق روحه. وذنب وليه لما حقه من الضرر. ومن ذلك فهم القاضي عياض وغيره أنه لو اقتص الولي من القاتل لم يبق له حق بعد ذلك وبقي حق المقتول وحده كما نقل المصنف.

(4/162)


والقتل ثلاثة أضرب: عمد يختص القصاص به: وشبه عمد: وخطأ ويشترط في القتل العمد - القصد فالعمد: أن يقتل قصدا بما يغلب على الظن موته به عاملا بكونه آدميا معصوما - وهو تسعة أقسام: - أحدها أن يجرحه بمحدد له مور: أي دخول وتردد في البدن يقطع اللحم والجلد كسكين وسيف وسنان وقدوم و يغرزه بمسلة أو ما في معناه مما يحدد ويجرح: من حديد ونحاس ورصاص وذهب وفضة وزجاج وحجر وخشب وقصب وعظم جرحا ولو صغيرا: كشرط حجام فمات ولو طالت علته منه ولا علة به0 غيره ولو لم يداوه قادر عليه أو يغرزه بإبرة أو شوكة ونحوها في مقتل: كالعين والفؤاد والخاصرة والصدغ وأصل الأذن والخصيتين فمات أو بإبرة ونحوها في الألية والفخذ فمات في الحال أو بقى ضمنا1 حتى مات: وإن قطع أو بط سلعة خطرة من أجنبي مكلف بغير إذنه فمات فعليه القود وإن فعله حاكم من صغير أو مجنون أو وليهما لمصلحة فلا شيء عليه: - الثاني أن يضربه بمثقل فوق عمود الفسطاط الذي تتخذه العرب لبيوتها فيه رقة ورشاقة لا كهو2 وأما العمود الذي تتخذه الترك وغيرهم لخيامهم فالقتل به عمد لأنه يقتل غالبا أو يضربه بما يغلب على الظن موته كاللت: نوع من
ـــــــ
1 الضمن بفتح الضاد وكسر الميم: السقيم.
2 قوله: لاكهو: يريد به ما كان كعمود الفسطاط لا يعتبر القتل به عمدا وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيمن قتلت جاريتها به الدية على عاقلتها. ومعروف أن العاقلة لا تحمل العمد.

(4/163)


السلاح1 والدبوس وعقب الفأس والكوذين: الخشبة الثقيلة التي يدق بها الدقاق الثياب والسندان أو حجر كبير أو يلقى عليه حائط أو سقفا أو صخرة أو خشبة عظيمة أو يلقيه من شاهق أو يكرر الضرب بخشبة صغيرة أو حجر صغير أو يضربه به مرة أو يلكزه بيده في مقتل أو في حال ضعف قوة من مرض أو صغر أو كبر أو حر مفرط أو برد شديد ونحوه فمات فعليه القود وإن ادعى جهل المرض في ذلك كله لم يقبل وإن لم يكن كذلك ففيه الدية لأنه عمد الخطأ: إلا أن يصغر جدا كالضربة بالقلم أو الإصبع في غير مقتل ونحوه أو مسه بالكبير ولم يضربه فلا قود فيه ولا دية: - الثالث أن يجمع بينه وبين أسد أو نمر بمضيق كزبية ونحوها وزبية الأسد: حفرة تحفر له شبه البئر فيفعل به ما يقتل مثله - فعليه القود وإن فعل به فعلا لو فعله الآدمي لم يكن عمدا فلا قود وإن ألقاه مكتوفا بحضرة سبع فقتله أو بمضيق بحضرة حية فنهشته أو لسعته عقرب من القواتل فقتله - فعليه القود وإن نهشه كلبا أو سبعا أو حية من القواتل وهو يقتل غالبا فعمد وإن كان لا يقتل غالبا كثعبان الحجاز أو سبع صغير أو كتفه وألقاه في أرض غير مسبعة فأكله سبع أو نهشته حية فمات - فشبه عمد وكذلك إن ألقاه مشدودا في موضع لم يعهد وصول زيادة الماء إليه أو تحتمل زيادة الماء وعدمها فيه وإن كان يعلم وصول زيادة الماء إليه أو تحتمل زيادة الماء وعدمها فيه وإن كان يعلم زيادة الماء في ذلك الوقت فمات به فهو عمد: - الرابع: ألقاه في ماء يغرقه أو نار لا يمكنه التخلص منهما إما لكثرتهما أو لعجزه عن
ـــــــ
1 اللت بضم اللام وتشييد التاء.

(4/164)


التخلص لمرض أو ضعف أو صغر أو كان مربوطا أو منعه الخروج كونه في حفرة لا يقدر على الصعود منها ونحو هذا فمات أو حبسه في بيت وأوقد فيه نارا أو سد المنافذ حتى اشتد الدخان وضاق به النفس أو دفنه حيا أو ألقاه في بئر ذات نفس عالما بذلك فمات - فعمد وإن ألقاه في ماء يسير يقدر على التخلص منه فلبث فيه اختيارا حتى مات فهدر وإن كان في نار يمكنه التخلص منها فلم يخرج حتى مات فلا قود ويضمنه بالدية وإنما تعلم قدرته على التخلص بقوله: أنا قادر على التخلص أو نحو هذا: - الخامس: خنقه بحبل أو غيره أو سد فمه وأنفه أو عصر خصيتيه حتى مات في مدة يموت في مثلها غالبا - فعمد وإن كان في مدة لا يموت فيها غالبا فشبه عمد إلا أن يكون صغيرا إلى الغاية بحيث لا يتوهم الموت فيه فمات - فهدر ومتى خنقه وتركه سالما حتى مات ففيه القود وإن تنفس وصح ثم مات فلا ضمان: - السادس: حبسه ومنعه الطعام والشراب أو أحدهما أو الدفاء في الشتاء ولياليه الباردة قاله ابن عقيل حتى مات جوعا أو عطشا أو بردا في مدة يموت في مثلها غالبا بشرط أن يتعذر عليه الطلب - فعمد فإن لم يتعذر فهدر كتركه شد موضع فصاده والمدة التي يموت فيها غالبا تختلف باختلاف الناس والزمان والأحوال فإذا عطشه في الحر - مات في الزمان القليل وعكسه في البرد وإن كان في مدة لا يموت فيها غالبا فعمد الخطأ وإن شككنا فيها لم يجب القود: - السابع: سقاه سما لا يعلم به أو خالطه بطعام ثم أطعمه إياه أو خلطه بطعام وآكله فأكله وهو لا يعلم فمات - فعليه القود إن كان مثله يقتل غالبا وإن علم آكله

(4/165)


به وهو بالغ عاقل فلا ضمان وإن كان غير مكلف: بأن كان صغيرا أو مجنونا ضمنه وإن خلطه بطعام نفسه فأكله إنسان بغير إذنه فلا ضمان عليه فإن ادعى القاتل بالسم عدم علمه أنه قاتل لم يقبل كما لو جرحه وقال: لم أعلم أنه يموت إن كان سما لا يقتل غالبا فشبه عمد وإن اختلف هل يقتل غالبا أو لا؟ وثم بينة عمل بها وإن قالت: يقتل النضو الضعيف دون القوي أو غير ذلك - عمل على حسب ذلك فإن لم يكن مع أحدهما بينة فالقول قول الساقي: - الثامن: أن يقتله بسحر يقتل غالبا فهو عمد وإن قال: لا أعلمه قاتلا لم يقبل قوله فهو كتم حكما وإذا وجب قتله بالسحر وقتل كان قتله به حدا وتجب دية المقتول في تركته: والمعيان: الذي يقتل بعينه - قال ابن نصر الله في حواشي الفروع ينبغي أن يلحق بالساحر الذي يقتل بسحره غالبا فإذا كانت عينه يستطيع القتل بها ويفعله باختياره وجب به القصاص وإن فعل ذلك بغير قصد الجناية فيتوجه أنه خطأ يجب فيه ما يجب في القتل الخطأ: وكذا ما أتلفه بعينه يتوجه فيه القول بضمانه: إلا أن يقع بغير قصد فيتوجه عدم الضمان - انتهى ويأتي في التعزير -: التاسع: أن يشهد اثنان فأكثر على شخص بقتل عمد أو ردة حيث امتنعت التوبة أو أربعة فأكثر بزنا محصن ونحو ذلك مما يوجب القتل فقتل بشهادتهم ثم رجعوا واعترفوا بتعمد القتل - فعليهم القصاص وكذلك الحاكم إذا حكم على شخص بالقتل عالما بذلك متعمدا فقتل واعترف فعليه القصاص ولو أن الولي الذي باشر قتله أقر بعلمه بكذب الشهود وتعمد قتله فعليه القصاص وحده فإن أقر الشاهدان والولي

(4/166)


والحاكم جميعا بذلك فعلى الولي المباشر القصاص وحده أيضا وإن كان الولي لم يباشر وإنما باشر وكيله فإن كان الوكيل عالما فعليه القصاص وحده وإلا فعلى الولي فيختص مباشر عالم بالقود ثم ولي ثم بينة وحاكم ومتى لزمت الدية الحاكم والبينة فهي بينهم سواء: على الحاكم مثل واحد منهم ولو رجع الولي والبينة ضمنه الولي وحده ولو قال بعضهم: عمدنا قتله وقال بعضهم: أخطأنا يريد كل قائل نفسه دون البعض الآخر "قاله ابن قندس في حاشية الفروع" أو قال واحد: عمدت قتله وقال الآخر: أخطأت - فلا قود على المتعمد وعليه حصته من الدية المغلظة وعلى المخطئ حصته من الدية المخففة ولو قال كل واحد منهم: تعمدت وأخطأ شريكي أو قال واحد: عمدنا جميعا وقال الآخر: عمدت وأخطأ صاحبي أو قال واحد: عمدت ولا أدري ما فعل صاحبي - فعليهما القود ولو قال واحد: عمدنا مخبرا عنه وعمن معه وقال الآخر: أخطأنا مخبرا عنه وعمن معه - لزم المقر بالعمد القود والآخر نصف الدية مخففة إذا كانا اثنين وإن قالا: أخطأنا فعليهما الدية مخففة ولو حفر في بيته بئرا وستره ليقع فيه أحد فوقع فمات فإن كان دخل بإذنه قتل به: لا أن دخل بلا إذنه أو كانت مكشوفة بحيث يراها الداخل أو لم يقصده ولو جعل في حلق زيد خراطة1 وشدها في شيء عال وترك تحته حجرا فأزاله آخر عمدا فمات - قتل مزيله دون رابطه وإن جهل الخراطة فلا قود وعلى عاقلته في ماله الدية ولو شد على ظهره قربة منفوخة وألقاه في البحر وهو لا يحسن السباحة فجاء آخر وخرق القربة فخرج الهواء فغرق فالقاتل
ـــــــ
1 الخراطة: الحبل وما يشبهه.

(4/167)


هو الثاني واختار الشيخ أن الدال يلزمه القود إن تعمد وإلا فالدية وإن الآمر لا يرث1
ـــــــ
1 الفرع الذي نقله عن الشيخ هنا مستطرد وليس تكملة لما قبله.

(4/168)


فصل:- وشبه العمد: ويسمى خطأ العمد وعمد الخطأ: أن يقصد الجناية إما لقصد العدوان عليه أو التأديب له فيسرف فيه بما لا يقتل غالبا ولم يجرحه بها فيقتل :
قصد قتله له أو لم يقصده: نحو أن يضربه بسوط أو عصا أو حجر صغير أو يلكزه بيده أو يلقيه في ماء قليل أو يسحره بما لا يقتل غالبا أو سائر ما لا يقتل غالبا أو يصيح بصغير أو صغيرة وهما على سطح أو نحوه فيسقطان أو يتغفل غافلا فيصيح به فيسقط فيموت أو يذهب عقله وفيه الكفارة إذا مات والدية على العاقلة وإن صاح بمكلف أو مكلفة فسقطا فلا شيء عليه إمساك الحية محرم وجناية فلو قتلت ممسكها من مدعي المشيخة ونحوه فقاتل نفسه ومع الظن أنها لا تقتل فشبه العمد بمنزلة من أكل حتى بشم فإنه لم يقصد قتل نفسه.

(4/168)


فصل: - والخطأ: كرمي صيد أو غرض أو شخص ولو معصوما أو بهيمة ولو محترمة فيصيب آدميا معصوما لم يقصده أو ينقلب عليه نائم ونحوه -
فعليه الكفارة والدية على العاقلة وإن قتل في دار الحرب من يظنه حربيا فيتبين مسلما أو يرمي إلى صف الكفار فيصيب مسلما أو يتترس الكفار بمسلم ويخاف على المسلمين إن لم يرمهم فيرميهم فيقتل المسلم - فهذا فيه الكفارة بلا دية قال الشيخ: هذا في المسلم الذي هو بين الكفار معذور: كالأسير والمسلم الذي لا يمكنه الهجرة والخروج من صفهم فأما الذي يقف في صف

(4/168)


فصل: - وتقتل الجماعة بالواحد إذا كان فعل كل واحد منهم صالحا للقتل به
وإلا فلا ما لم يتواطؤا على ذلك وإن عفا عنهم الولي سقط القود ووجبت دية واجدة ويأتي حكم الاشتراك في الطريق فيما يوجب القصاص فيما دون النفس وإن جرحه واحد جرحا والآخر مائة - فهما سواء في القصاص والدية فإن قطع واحد يده وآخر رجله وأوضحه ثالث - فللولي قتل جميعهم: والعفو عنهم إلى الدية من كل واحد منهم ثلثها وله أن يعفو عن واحد فيأخذ منه ثلث الدية ويقتل الآخرين وله أن يعفو عن اثنين فيأخذ منهم ثلثيها ويقتل الثالث وإن برئت جراحة أحدهم ومات من الجرحين الآخرين فله أن يقتص من الذي برئ جرحه: مثل جرحه ويقتل الآخرين ويأخذ منهما دية كاملة أو يقتل أحدهما ويأخذ من الآخر نصف الدية وله أن يعفو عن الذي برئ جرحه ويأخذ منه دية جرحه وإن ادعى الموضح أن جرحه برئ قبل موته وكذبه شريكاه فإن صدقه الولي ثبت حكم البرء بالنسبة إليه فلا يملك قتله ولا مطالبته بثلث الدية وله أن يقتص منه موضحة أو يأخذ منه أرشها ولم يقبل قوله في حق شريكيه فإن اختار الولي القصاص فله قتلهما وإن اختار

(4/169)


الدية لم يلزمهما أكثر من ثلثيها وإن كذبه الولي حلف1 وله الاقتصاص منه أو مطالبته بثلث الدية ولم يكن له مطالبة شريكيه بأكثر من ثلثيها وإن شهد له شريكاه ببرئها لزمهما الدية كاملة للولي أخذها منهما إن صدقهما وإن لم يصدقهما أو عفا إلى الدية لم يكن له أكثر من ثلثيها ونقبل شهادتهما إن كان قد تابا وعدلا فيسقط القصاص ولا يلزمه أكثر من موضحة وإن قطع واحد يده من الكوع وآخر من المرفق ومات - فهما قاتلان ما لم يبرأ الأول فإن برئ فالثاني فإن اندمل القطعان أقيد الأول بأن يقطع من الكوع والثاني إن كانت كفه مقطوعة أقيد أيضا فتقطع يده من المرفق وإن كان له كف فحكومة وإن قتله جماعة بأفعال لا يصلح واحد منها لقتله نحو أن يضربه كل واحد سوطا في حالة أو متواليا - فلا قود وفيه عن تواطئ وجهان: الصواب القود وإن فعل واحد فعلا لا تبقى معه الحياة: كقطع حشوته أو مريئه أو ودجيه ثم ضرب عنقه آخر فالقاتل هو الأول ويعزر الثاني كما يعزر جان على ميت وإن شق الأول بطنه أو قطع يده ثم ضرب الثاني عنقه فالثاني هو القاتل وعلى الأول ضمان ما تلف بالقصاص أو الدية ولو كان جرح الأول يفضي إلى الموت لا محالة إلا أنه لا يخرج به عن علم الحياة وتبقى معه الحياة المستقرة كخرق الأمعاء أو أم الدماغ وضرب الثاني عنقه فالقاتل الثاني وإن رماه من شاهق يجوز أن يسلم منه أولا وتلقاه آخر بسيف فقده أو رماه بسهر قاتل فقطع عنقه آخر قبل وقوع السهم به أو ألقى عليه صخرة فأطار آخر رأسه بالسيف قبل وقوعها عليه -
ـــــــ
1 الذي يحلف هو الولي.

(4/170)


فالقصاص على الثاني. وإن ألقاه في لجة لا يمكنه التخلص منها فالتقمه حوت فالقود على الرامي وإن ألقاه في ماء يسير فأكله سبع أو التقمه حوت أو تمساح فإن علم الرامي بالحوت ونحوه - فالقود وإلا فالدية وإن أكره مكلفا على قتل معين فقتله فالقصاص عليهما وإن كان غير معين كقوله: أقتل زيدا أو عمرا أو اقتل أحد هذين - فليس إكراها فإن قتل أحدهما قتل وإن أكره سعد زيدا على أن يكره عمرا على قتل بكر فقتله - قتل الثلاثة جزم به في الرعاية الكبرى وإن دفع لغير مكلف آلة قتل: كسيف ونحوه ولم يأمره بقتل فقتل لم يلزم الدافع شيء وإن أمر عير مكلف أو عبده أو كبيرا عاقلا يجهلان تحريم القتل: كمن نشأ في غير بلاد الإسلام فقتل فالقصاص على الآمر ويؤدب المأمور وإن كان العبد ونحوه قد أقام في بلاد الإسلام بين أهلهل وادعى الجهل بتحريم القتل - لم يقبل والقصاص عليه ويؤدب السيد وإن أمره بزنا أو سرقة ففعل لم يجب الحد على الآمر: جهل المأمور التحريم أولا وإن أمره مكلفا عالما بالتحريم فعلى القاتل ويؤدب الآمر ولو قال مكلف غير قن لغيره: اقتلني أو اجرحني أو اقتلني وإلا قتلتك ففعل - فدمه وجرحه هدر ولو قاله قن ضمنه القاتل لسيده بمال فقط وإن قال له القادر عليه: اقتل نفسك وإلا قتلت أو اقطع يدك وإلا قطعتها فإكراه ومن أمر قن غيره بقتل قن نفسه أو أكرهه عليه - فلا شيء له وإن أمر السلطان بقتل إنسان بغير حق من يعلم ذلك فالقصاص على القاتل، ويعزر الآمر وإن لم يعلم فعل الآمر وإن كان الآمر غير السلطان فالقصاص على القاتل

(4/171)


بكل حال، وإن أكرهه السلطان على قتل أحد أو جلده بغير حق فالقصاص عليهما لكن إن كان السلطان يعتقد جواز القتل دون المأمور كمسلم قتل ذميا أو حر قتل عبدا فقتله فقال القاضي: الضمان عليه دون الإمام قال الموفق: إلا أن يكون القاتل عاميا فلا ضمان عليه وإن كان الإمام يعتقد تحريمه والقاتل يعتقد حله - فالضمان على الآمر وإن أمسك إنسانا الآخر ليقتله: لا للعب والضرب فقتله: مثل إن أمسكه له حتى ذبحه - قتل القاتل وحبس الممسك حتى يموت ولا قود عليه ولا دية وإن كان الممسك لا يعلم أن القاتل يعتله فلا شيء عليه وكذا لو فتح فمه وسقاه الآخر سما: أو تبع رجلا ليقتله فهرب فأدركه خر فقطع رجله فحبسه أو أمسكه آخر ليقطع طرفه فلو قتل الولي الممسك فقال القاضي: يجب عليه القصاص وخالفه المجد وإن كتفه وطرحه في أرض مسبعة أو ذات حيات فقتله لزمه القود وإن كانت غير مسبعة لزمته الدية وتقدم في الباب.

(4/172)


فصل: - وإن اشترك في القتل اثنان لا يجب القصاص على أحدهما لو انفرد:
كأب وأجنبي في قتل ولد وكحر وعبد في قتل عبد وكمسلم وذمي في قتل ذمي وخاطئ وعامد ومكلف وغير مكلف وشريك سبع وشريك نفسه: بأن يجرحه سبع أو إنسان ثم يجرح هو نفسه متعمدا - وجب القصاص على شريك الأب وعلى العبد وعلى الذمي كمكره أبا على قتل ولده وسقط عن غيرهم ويجب على شريك القن نصف قيمة المقتول وعلى شريك الأب وشريك الذمي وشريك

(4/172)


الخاطئ ولو أنه نفسه: بأن جرحه جرحين أحدهما خطأ والآخر عمد وشريك غير المكلف وشريك السبع في غير قتل نفسه نصف الدية في ماله لأنه عمد ولو جرحه إنسان عمدا فداوى جرحه بسم قاتل أو خاطه في اللحم الحي أو فعل ذلك وليه أو الإمام فمات - فلا قود على الجارح وعليه نصف الدية: لكن إن كان الجرح موجبا للقصاص استوفى وإلا أخذ الأرش.

(4/173)


باب شروط القصاص
مدخل
...
باب شروط القصاص
وهي خمسة: - أحدها: أن يكون الجاني مكلفا فأما الصبي والمجنون وكل زائل العقل بسبب يعذر فيه كالنائم والمغمى عليه ونحوهما - فلا قصاص عليهم فإن قال: قتلته وأنا صبي وأمكن - صدق بيمينه وتقدم في الباب قبله وإن قال: قتلته وأنا مجنون فإن عرف له حال جنون فالقول قوله مع يمينه وإلا فقول الولي وكذلك إن عرف له حال جنون ثم عرف زواله قبل القتل فإن ثبت زوال عقله فقال: كنت مجنونا وقال الولي: بل سكران فقول القاتل مع يمينه فأما إن قتله وهو عاقل ثم جن - لم يسقط عنه: سواء ثبت ذلك بينة أو إقرار ويقتص منه في حال جنونه ولو ثبت عليه حد زنا أو غيره بإقراره ثم جن لم يقم عليه حال جنونه والسكران وشبهه إذا قتل فعليه القصاص الثاني: أن يكون المقتول معصوما فلا يجب قصاص ولا دية ولا كفارة بقتل حربي ولا مرتد قبل توبة لا بعدها إن قبلت ظاهرا ولا زان محصن ولو قبل توبته عند حاكم ولا محارب تحتم قتله، في

(4/173)


نفس، ولا يقطع طرف بل ولا يجوز والمراد قبل التوبة ولو كان القاتل ذميا ويعزر فاعل ذلك والقاتل معصوم الدم لغير مستحق دمه ولو قطع مسلم أو ذمي يد مرتد فأسلم أو حربي فأسلم ثم مات أو رمى حربيا أو مرتدا فأسلم قبل أو يقع به السهم - فلا شيء عليه وإن قطع طرفا أو أكثر من مسلم فارتد المقطوع ومات من جراحه - فلا قود على القاطع وعليه الأقل من دية النفس أو المقطوع يستوفيه الإمام وإن عاد إلى الإسلام ثم مات - وجب القصاص في النفس وإن جرحه وهو مسلم ثم ارتد أو بالعكس ثم جرحه جرحا آخر ومات منهما - فلا قصاص فيه ويجب نصف الدية لذلك وسواء تساوى الجرحان أو زاد أحدهما: مثل أن قطع يديه وهو مسلم ورجليه وهو مرتد أو بالعكس ولو قطع طرفا أو أكثر من ذمي ثم صار حربيا ثم مات من الجراحة فلا شيء على القاطع: - الثالث أن يكون المجني عليه مكافئا للجاني وهو أن يساويه في الدين والحرية أو الرق فيقتل المسلم الحر والذمي الحر بمثله ويقتل العبد بالعبد: المسلم بالمسلم والذمي بالذمي ويجرى القصاص بينهما فيما دون النفس فله استيفاؤه وله العفو عنه دون السيد سواء كانا مكاتبين أو مدبرين أو أمي ولد وأحدهما كذلك أولا وسواء تساوت القيمة أولا أو كان القاتل والمقتول لواحد أولا ولو قتل عبد مسلم عبدا مسلما لذمي قتل به ولا يقتل مكاتب لعبده الأجنبي ويقتل بعبده ذي الرحم ولو قتل من بعضه حر مثله أو أكثر منه حرية - قتل به لا بأقل منه حرية وإذا قتل الكافر الحر عبدا مسلما

(4/174)


لم يقتل به قصاصا وتؤخذ منه قيمته ويقتل لنقضه العهد ويقتل الذكر بالأنثى ولا يعطى أولياؤه شيئا وتقتل الأنثى بالذكر ويقتل كل واحد منهما بالخنثي ويقتل بكل واحد منهما ويقتل الذمي بالذمي حرا أو عبدا بمثله وذمي بمستأمن وعكسه ولو مع اختلاف أديانهم ويقتل النصراني واليهودي بالمجوسي ويقتل الكافر بالمسلم إلا أن يكون قتله وهو حربي ثم أسلم فلا يقتل وإن كان القاتل ذميا قتل لنقضه العهد وعليه دية حرا وقيمة عبد إن كان المسلم المقتول عبدا ويقتل المرتد بالذمي ويقدم القصاص على القتل بالردة ونقض العهد فإن عفا عنه ولي القصاص إلى الدية فله دية المقتول وإن أسلم المرتد ففي ذمته وإن قتل بالردة أو مات تعلقت بماله ولا يقتل مسلم ولو عبدا بكافر ذمي ولو ارتد ولا حر ولو ذميا بعبد إلا أن يقتله وهو عبد أو يجرحه وهو مثله أو يكون الجارح مرتدا ثم يسلم القاتل أو الجارح أو يعتق العبد قبل موت المجروح أو بعده فإنه يقتل به نصا ولو جرح مسلم ذميا أو حر عبدا ثم أسلم المجروح أو عتق ومات فلا قود وعليه دية حر مسلم فيأخذ سيد العبد ديته إلا أن تجاوز الدية أرش الجناية فالزيادة لورثة العبد ولا يقتل السيد بعبده ويقتل به عبده وبحر غيره ولا يقطع طرف الحر بطرف العبد وإن رمى مسلم ذميا عبدا فلم يقع به السهم حتى عتق وأسلم فلا قود وعليه للورثة دية حر مسلم وإن مات من الرمية.

(4/175)


فصل: - ولو قطع أنف عبد قيمته ألف فاندمل ثم أعتق أو أعتق ثم اندمل أو مات من سراية الجرح
وجبت قيمته بكمالها للسيد وإن قطع يده فأعتق ثم عاد فقطع رجله واندمل الجرحان وجب في يده نصف قيمته والقصاص في الرجل أو نصف الدية إن عفا عن القصاص وإن اندمل قطع اليد وسرى قطع الرجل إلى نفسه ففي اليد نصف قيمته لسيده وعلى القاطع القصاص في النفس أو الدية كاملة لورثته مع العفو وإن اندمل قطع الرجل وسرى قطع اليد ففي الرجل القصاص أو نصف الدية لورثته ولا قصاص في اليد ولا في سرايتها وعلى الجاني لسيده أقل الأمرين من أرش القطع أو دية حر وإن سرى الجرحان لم يجب القصاص إلا في الرجل فإن اقتص منه وجب نصف الدية وللسيد أقل الأمرين من نصف القيمة أو نصف الدية فإن كان قاطع الرجل غير قاطع اليد واندملا فعلى قاطع اليد نصف القيمة لسيده وعلى قاطع الرجل القصاص أو نصف الدية وإن سرى الجرحان إلى نفسه فلا قصاص على الأول وعليه نصف دية حر وعلى الثاني القصاص في النفس وإن قطع عبي عبد ثم عتق ثم قطع آخر يده ثم آخر رجله فلا قود على الأول: اندمل جرحه أو سرى وعلى الآخرين القصاص في الطرفين وإن سرت الجراحات كلها فعليهما القصاص في النفس وإن عفا عن القصاص فعليهم الدية أثلاثا ويستحق السيد أقل الأمرين من نصف القيمة أو ثلث الدية وإن كان الجانيان في حال الرق والثالث في حال الحرية فمات فعليهم الدية وللسيد أقل الأمرين: من أرش الجنايتين أو ثلثي الدية وإن قطع يده ثم عتق فقطع آخر رجله ثم عاد

(4/176)


الأول فقتله بعد الاندمال فعليه القصاص للورثة ونصف القيمة للسيد وعلى الآخر القصاص في الرجل أو نصف الدية وإن كان قبل الاندمال فعلى الجاني الأول القصاص في النفس دون اليد فإن اختار الورثة القصاص في النفس سقط حق السيد وإن اختاروا العفو فعليه الدية دون أرش الطرف وللسيد أقل الأمرين من نصف القيمة أو أرش الطرف والباقي للورثة وعلى الثاني القصاص في الرجل ومع العفو نصف الدية وإن كان الثاني هو الذي قتله قبل الاندمال فعليه القصاص في النفس ومع العفو نصف دية واحدة وعلى الأول نصف القيمة للسيد ولا قصاص وإن كان القاتل ثالثا فقد استقر القطعان وعلى الأول نصف القيمة للسيد وعلى الثاني القصاص في الرجل أو نصف الدية لورثته وعلى الثالث القصاص في النفس أو الدية مع العفو وإذا قطع يد عبده ثم أعتقه ثم اندمل فلا شيء عليه وإن مات بعد العتق بسراية الجرح - فلا قصاص فيه ويضمنه بما زاد على أرش القطع من الدية لورثته فإن لم يكن له وارث سواه وجب لبيت المال ولو قتل من يعرفه ذميا عبدا فبان أنه قد أسلم وعتق - فعليه القصاص ومثله من قتل من يظنه قاتل أبيه أو قتل من يعرفه أو يظنه مرتدا فلم يكن: - الرابع: ألا يكون المقتول من ذرية القاتل فلا يقتل والد: أبا كان أو أما وإن علا بولده وإن سف من ولد البنين أو البنات وتؤخذ من حر الدية ولا تأثير لاختلاف الدين والحرية كاتفاقهما فلو قتل الكافر ولده المسلم أو العبد ولده الحر لم يجب القصاص

(4/177)


لشرف الأبوة: إلا أن يكون ولده من رضاع أو زنا فيقتل الوالد به ولو تداعى نفسان نسب صغير مجهول النسب ثم قتلاه قبل إلحاقه بواحد منهما فلا قصاص عليهما وإن ألحقته القافة بواحد منهما ثم قتلاه لم يقتل أبوه وقتل الآخر وإن رجعا عن الدعوى لم يقبل رجوعهما عن إقرارهما: كما لو ادعاه واحد فالحق به ثم جحده وإن رجع أحدهما صح رجوعه وثبت نسبه من الآخر ويسقط القصاص عن الذي لم يرجع ويجب على الراجع وإن عفا عنه فعليه نصف الدية ولو اشترك رجلان في وطء امرأة في طهر واحد وأتت بولد يمكن أن يكون منهما فقتلاه قبل إلحاقه بأحدهما لم يجب القصاص وإن نفيا نسبه لم ينتف إلا باللعان ويقتل الولد بكل واحد من الأبوين المكافئين وإن علوا ومتى ورث ولده القصاص أو شيئا منه أو ورث القاتل شيئا من دمه سقط القصاص فلو قتل أحد الزوجين الآخر ولهما ولد أو قتل رجل أخا زوجته فورثته ثم ماتت فورثها أو ولده أو قتلت أخا زوجها فصار القصاص أو جزء منه لابنها أو قتل رجل أخاه فورثه ابن القاتل أو أحد يرث ابنه منه شيئا لم يجب القصاص وإذا قتل أحد أبوي المكاتب المكاتب أو عبدا له - لم يجب القصاص وإن اشترى المكاتب أحد أبويه ثم قتله - لم يجب القصاص ولو قتل أباه أو أخاه فورثه أخواه ثم قتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عن الأول لأنه ورث بعض دم نفسه وإن قتل أحد الاثنين أباه والآخر أمه وهي زوجة الأب سقط القصاص عن الأول لذلك والقصاص

(4/178)


على القاتل الثاني لأن القتيل الثاني ورث جزءا من دم الأول فلما قتل ورثه فصار له جزء من دم نفسه فسقط القصاص عن الأول وهو قاتل الأب لإرثه ثمن أمه وعليه سبعة أثمان ديته لأخيه وله أن يقتص من أخيه ويرثه ولو كانت الزوجة بائنا فعلى كل واحد منهما القصاص لأخيه فإن بادر أحدهما أخاه سقط عنه القصاص لأنه يرث أخاه إن لم يكن للمقتول ابن أو ابن ابن فإن كان - فله قتل عمه ويرثه إن لم يكن له وارث سواه فإن تشاحا في المبتدئ منهما وأيهما قتل صاحبه أو بمبادرة أو قرعة ورثه إن لم يكن له وارث سواه وسقط عنه القصاص وإن كان محجوبا عن ميراثه كله فلوارث القتل قتل الآخر وإن عفا أحدهما عن الآخر ثم قتل المعفو عنه العافي ورثه أيضا وسقط عنه ما وجب عليه من الدية وإن تعافيا جميعا على الدية تقاصا بما استويا فيه ووجب لقاتل الأم الفضل عن قاتل الأب لأن عقلها نصف عقل الأب وإن كان لكل واحد منهما ابن يحجب عمه من ميراث أبيه فإذا قتل أحدهما صاحبه ورثه ابنه وللابن أن يقتل عمه ويرثه ابنه ويرث كل واحد من الابنين مال أبيه ومال جده الذي قتله عمه دون الذي قتله أبوه وإن كان لكل واحد منهما بنت فقتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عنه لأنه يرث نصف ميراث أخيه ونصف قصاص نفسه فورث مال أبيه الذي قتله أخوه ونصف مال أبيه الذي قتله هو وورثت البنت التي قتل أبوها نصف أبيها ونصف

(4/179)


مال جدها الذي قتله عمها ولها على عمها نصف دية قتيله وإذا كان أربع أخوة قتل الأول الثاني والثالث والرابع فالقصاص على الثالث ووجب له نصف الدية على الأول وللأول قتله فإن قتله ورثه وورث ما يرثه من أخيه الثاني فإن عفا عنه إلى الدية وجبت عليه بكمالها يقاصه بنصفها وإن كان لهما ورثة فتفصيلهما كالتي قبلها.
الخامس: أن تكون الجناية عمدا وإن قتل من لا يعرف وادعى كفره أو رقه أو ضرب ملفوفا فقده أو ألقى عليه حائطا أو ادعى أنه كمان ميتا وأنكر وليه أو قطع طرف البنان وادعى شلله أو قلع عينا وادعى عماها أو قطع ساعدا وادعى أنه لم يكن عليه كف أو ساقا وادعى أنها لم يكن لها قدم أو قتل رجلا في داره وادعى أنه دخل لقتله أو أخذ ماله أو يكابره على أهله فقتله دفعا عن نفسه وأنكر وليه أو تجارح اثنان وادعى كل واحد منهما أنه جرحه دفعا عن نفسه - وجب القصاص والقول قول المنكر مع يمينه إذا لم تكن بينة ومتى صدق المنكر فلا قود ولا دية وإن ادعى القاتل أن المقتول زنى وهو محصن لم تقبل دعواه من غير بينة وإن قام شاهدين بإحصانه قبل وإن اختصم قوم بدار فجرح وقتل بعضهم بعضا وجهل الحال فعلى عاقلة المجروحين دية القتلى يسقط منها أرش الجراح فإن كان فيهم من ليس به جرح شارك المجروحين في دية القتل ويأتي في القسامة إذا قال إنسان: ما قتل هذا المدعى عليه بل أنا قتلته وله قتل من وجده يفجر بأهله وظاهر كلام أحمد لا فرق بين كونه محصنا أو غيره وصرح به الشيخ والحر المسلم

(4/180)


يقاد به قاتله وإن كان مجدع الأطراف معدوم الحواس والقاتل صحيح سوي الخلق وبالعكس وكذلك إن تفاوتا في العلم والشرف والغنى والفقر والصحة والمرض والقوة والضعف والكبر والصغر ونحو ذلك ويجرى القصاص بين الولاة والعمال وبين رعيتهم ولا يشترط في وجوب القصاص كون القتل في دار الإسلام وقتل الفيلة وغيره سواء في القصاص والعفو وذلك للولي دون السلطان.

(4/181)


باب استيفاء القصاص
مدخل
...
باب استيفاء القصاص
وهو فعل مجني عليه أو وليه بجان عامد مثل ما فعل أو شبهه وله ثلاثة شروط: أحدها أن يكون مستحقه مكلفا فإن كان صغيرا أو مجنونا لم يجزا استيفاؤه ويجبس القاتل حتى يبلغ الصغير ويعقل المجنون وليس لأبيهما استيفاؤه كوصي وحاكم فإن كانا محتاجين إلى نفقة فلولي مجنون العفو إلى الدية دون ولي الصغير نصا وإن ماتا قبل البلوغ والعقل قام وارثهما مقامهما فيه وإن قتلا قاتل أبيهما أو قطعا قاطعهما قهرا أو اقتصا ممن لا تحمل العاقلة ديته كالعبد سقط حقهما الثاني: اتفاق المستحقين له على استيفائه وليس لبعضهم استيفاؤه دون بعض فإن فعل فلا قصاص عليه ولشركائه في تركة الجاني حقهم من الدية وترجع ورثة الجاني على المقتص بما فوق حقه فلو كان الجاني أقل دية من قاتله مثل: امرأة قتلت رجلا له ابنان قتلها أحدهما بغير إذن الآخر فللآخر نصف دية أبيه في تركة المرأة وترجع ورثتها بنصف ديتها على قاتلها وهو ربع دية الرجل وإن عفا بعضهم وكان ممن يصح عفوه

(4/181)


ولو إلى الدية سقط القصاص وإن كان العافي زوجا أو زوجة وكذا لو شهد أحدهم ولو مع فسقه بعفو بعضهم وللباقي حقهم من الدية على الجاني فإن قتله الباقون عالمين بالعفو وسقوط القصاص فعليهم القود حكم بالعفو حاكم أو لا وإن لم يكونوا عالمين بالعفو فلا قود ولو كان قد حكم بالعفو وعليهم ديته وسواء كان الجميع حاضرين أو بعضهم غائبا فإن كان القاتل هو العافي فعليه القصاص وإن كان بعضهم غائبا انتظر قدومه وجوبا ويحبس القاتل حتى يقدم وكل من ورث المال ورث القصاص على قدر ميراثه من المال حتى الزوجين وذوي الأرحام ومن لا وارث له فوليه الإمام: إن شاء اقتص وإن شاء عفا إلى دية كاملة وليس له العفو مجانا وإذا اشترك جماعة في قتل واحد فعفا عنه قسطه منها الثالث: أن يؤمن في الاستيفاء التعدي إلى غير الجاني فلو وجب القود أو الرجم على حامل أو حملت بعد وجوبه لم تقتل حتى تضع الولد وتسقيه البأ ثم إن وجحد من يرضعه مرضعة راتبة قتلت وإن وجد مرضعات غير رواتب أو لبن شاة ونحوها يسقى منه راتبا جاز قتلها ويستحب لولي القتل تأخيره إلى الفطام وإن لم يكن له من يرضعه تركت حتى ترضعه حولين ثم تفطمه ولا تجلد في الحد ولا يقتص منها في الطرف حتى تضع قال الموفق وغيره وتسقيه اللبأ فإن وضعت الولد وانقطع النفاس وكانت قوية يوم تلفها ولا يخاف على الولد الضرر من تأثر اللبن أقيم عليها الحد من

(4/182)


قطع الطرف والجلد وإن كانت في نفاسها أو ضعيفة يخاف تلفها لم يقم عليها حتى تطهر وتقوى ويأتي في كتاب الحدود وإن ادعت من وجب عليها القصاص الحمل قبل منها إن أمكن وتحبس حتى يتبين أمرها ولا تحبس لحد وإن اقتص من حامل فإن كانت لم تضعه لكن ماتت على ما بها من انتفاخ البطن وأمارة الحمل فلا ضمان في حق الجنين لأنه لا يتحقق إن الانتفاخ حمل وإن ألقته حيا فعاش فلا كلام وإن ألقته حيا وبقي خاضعا ذليلا زمانا يسيرا ثم مات ففيه دية كاملة إذا كان وضعه لوقت يعيش مثله وإن ألقته ميتا أو حيا في وقت لا يعيش مثله ففيه غرة والضمان في ذلك على المقتص من أمه مع الكفار.

(4/183)


فصل: - ولا يستوفى القصاص ولو في النفس إلا بحضرة السلطان أو نائبه وجوبا
فلو خالف وفعل وقع الموقع وله تعزيره ويستحب إحضار شاهدين ويجب أن تكون الآلة ماضية وعلى الإمام تفقدها فإن كانت كالة أو مسمومة منعه من الاستيفاء بها فإن عجل واستوفى بها عزر وإن كان الولي يحسن الاستيفاء ويقدر عليه بالقوة والمعرفة مكنه منه الإمام وخيره بين المباشرة والتوكيل وإلا أمره بالتوكيل فإن ادعى المعرفة فأمكنه فضرب عنقه فأبانه فقد استوفى وإن أصاب غير العنق وأقر بتعمد ذلك عزر فإن قال: أخطأت وكانت الضربة قريبة من العنق كالرأس والمنكب قبل قوله مع يمينه وإن كان بعيدا كالوسط والرجلين لم يقبل ثم إن أراد لم يمكن لأنه ظهر منه أنه لا يحسن الاستيفاء وإن احتاج الوكيل إلى أجرة فمن مال الجاني كالحد

(4/183)


وإن باشر الولي الاستيفاء فلا أجرة له ويجوز اقتصاص جان من نفسه برضا الولي ولو أقام حد زنا أو قذف أو قطع سرقة على نفسه بإذن سقط قطع السرقة فقط وإن كان الاستيفاء لجماعة لم يجز أن يتولاه جميعهم وأمروا بتوكيل واحد منهم أو من غيرهم فإن تشاحوا وكان كل واحد منهم يحسن الاستيفاء قدم أحدهم بقرعة لكن لا يجوز الاستيفاء حتى يوكله الباقون فإن لم يتفقوا على التوكيل منع الاستيفاء حتى يوكلوا.

(4/184)


فصل: - ولا يجوز استيفاء القصاص في النفس إلا بالسيف في العتق
سواء كان القتل به أو بمحرم لعينه: كسحر وتجريع خمر ولواط أو قتله بحجر أو تغريق أو تحريق أو هدم أو حبس أو خنق أو قطع يده من مفصل أو غيره أو أوضحه أو قطع يديه ورجليه ثم عاد فضرب عنقه قبل البرء أو أجافه أو أمه أو قطع يدا ناقصة الأصابع أو شراء أو زائدة أو جناية غير ذلك فمات ويدخل قود العضو في قود النفس ولا يفعل به كما فعل إذا كان القتل بغير السيف فإن فعل فقد أساء ولم يضمن فإن ضربه بالسيف فلم يمت كرر عليه حتى يموت ولا يجوز بسكين ولا في طرف إلا بها ويأتي فيما يوجب القصاص فيما دون النفس ولا تجوز الزيادة أيضا على ما أتى به ولا قطع شيء من أطرافه فن فعل فل قصاص عليه ويجب فيه ديته سواء عفا عنه أو قتله وإن زاد في الاستيفاء من الطرف مثل: أن يستحق قطع إصبع فيقطع اثنين فحكمه حكم القاطع ابتداء إن كان عمدا من مفصل أو شجة يجب في مثلها القصاص: فعليه القصاص في الزيادة وإن كان

(4/184)


خطأ أو جرحا لا يجب القصاص: مثل من يستحق موضحة فاستوفى هاشمة فعليه أرش الزيادة إلا أن يكون ذلك بسبب من الجاني كاضطرابه حال الاستيفاء فلا شيء على المقتص فإن اختلفا على فعله عمدا أو خطأ أو قال المقتص: حل هذا باضطرابك أو فعل من جهتك فالقول قول المقتص مع يمينه وإن قطع يده فقطع المجني عليه رجل الجاني لزمه دية رجله وإن سرى الاستيفاء الذي حصلت به الزيادة إلى نفس المقتص منه أو إلى بعض أعضائه: مثل أن قطع إصبعه فسرى إلى جميع يده أو اقتص منه بآلة كالة أو مسمومة أو في حال حر مفرط أو برد شديد فسرى - فعلى المقتص نصف الدية قال القاضي: كما لو جرحه جرحين في ردته وجرحا بعد إسلامه فمات منهما وإن قطع بعض أعضائه ثم قتله بعد أن برئت الجراح: مثل أن قطع يديه ورجليه فبرئت جراحته ثم قتله فقد استقر حكم القطع ولولي القتيل الخيار إن شاء عفا وأخذ ثلاث ديات وإن شاء قتله وأخذ ديتين وإن شاء قطع يديه ورجليه وأخذ دية نفسه وإن شاء قطع يديه أو رجليه وأخذ ديتين وإن شاء قطع طرفا واحدا وأخذ دية الباقي وإن اختلفا في اندمال الجرح قبل القتل وكانت المدة بينهما يسيرة لا يحتمل اندماله في مقلها فقول الجاني بغير يمين وإن اختلفا في مضيها فقوله أيضا مع يمينه وإن كانت المدة ما يحتمل البر فيها فقول الولي مع يمينه فإن كان للجاني بينة ببقاء المجني عليه ضمنا حتى قتله حكم له ببينة وإن كانت للولي ببرئه حكم له أيضا فإن تعارضتا قدمت بينة الولي لأنها مثبتة للبرء

(4/185)


وإن ظن ولي دم أنه اقتص في النفس فلم يكن ودواه حتى برئ فإن شاء الولي دفع إليه دية فعله وإلا تركه.

(4/186)


فصل: - وإن قتل واحد اثنين فأكثر:
واحدا بعد واحد أو دفعة واحدة فاتفق أولياؤهم على قتله قتل لهم ولا شيء لهم سواه وإن تشاحوا فيمن يقتله منهم على الكمال أقيد للأول إن كان قتلهم واحد بعد واحد وللباقين دية قتلاهم كما لو بادر غير الأول واقتص فإن كان ولي الأول غائبا أو صغيرا أو مجنونا انتظر وإن قتلهم دفعة واحدة وتشاحوا أقرع بينهم وإن بادر غير من وقعت له القرعة فقتله استوفى حقه وسقط حق الباقين إلى الدية وإن قتلهم متفرقا وأشكل الأول وادعى كل واحد الأولية ولا بينة فأقر القاتل لأحدهم قدم بإقراره وإلا أقرع: فإن عفا ولي الأول عن القود قدم ولي المقتول الأول بعده فإن لم تكن أولية بعده أو جهلت فبقرعة وإن عفا أولياءه الجميع إلى الديات فلهم ذلك وإن أراد أحدهم القود والآخر الدية قتل لمن اختار القود وأعطى الباقون دية قتلاهم من مال القاتل وإن قتل رجلا وقطع طرفا من آخر قطع طرفه أولا ثم قتل لولي المقتول بعد الاندمال: تقدم القتل أو تأخر وإن قطع يد رجل وقتل آخر ثم سرى القطع إلى نفس المقطوع فمات فهو قاتل لهما: فإن تشاحا في الاستيفاء قتل بالذي قتله ووجبت الدية كاملة للمقتول بالسراية ولم يقطع طرفه وإن قطع يد واحد وأصبع آخر من يد نظيرتها قدم رب اليدان كان أولا وللآخر دية أصبعه ومع أوليته تقطع أصبعه ثم يقتص رب اليد بلا أرش

(4/186)


وإن قطع أيدي جماعة فحكمه حكم القتل فيما تقدم وإن بادر بعضهم فاقتص بجنايته في النفس أو الطرف فلمن بقي الدية على الجاني ويأتي إذا قتل أو أتى حدا خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم آخر كتاب الحدود.

(4/187)


باب العفو عن القصاص
الواجب بقتل العمد أحد شيئين: القود أو الدية فيخير الولي بينهما ولو لم يرض الجاني وإن عفا مجانا فهو أفضل ثم لا عقوبة على جان لأنه إنما عليه حق واحد قد سقط وإن اختار القود أو عفا عن الدية فقط فله أخذها ولو سخط الجاني وله الصلح على أكثر منها وتقدم في الصلح ومتى اختار الدية تعينت وسقط القود ولا يملك طلبه بعد فإن قتله بعد ذلك قتل به وإن عفا مطلقا أو على غير مال أو على القود مطلقا ولو عن يده فله الدية وإن قال لمن عليه قود: عفوت عن جنايتك أو عنك برئ من الدية كالقود نصا وإذا جنى عبد على حر جناية موجبة للقصاص فاشتراه المجني عليه بأرش الجناية سقط القصاص ولم يصح الشراء لأنهما لم يعرفا قدر الأرش فالثمن مجهول وإن عرفا عدد الإبل أو أسنانها فصفتها مجهولة فإن قدر الأرش بذهب أو فضة فباعه به صح وتقدم أو الباب قبله عفو ولي المجنون والصغير ويصح عفو المفلس القصاص لم يكن لغرمائه إجباره على تركه وإن أحب العفو عنه إلى مال فله ذلك لا مجانا وكذا السفيه ووارث المفلس والمكاتب وكذا المريض فيما زاد على الثلث إن مات

(4/187)


القاتل أو قتل وجبت الدية في تركته كتعذره في طرفه وقتل غير المكافئ وإن لم يخف تركه سقط الحق وإن قطع إصبعا عمدا فعفا عنه ثم سرت إلى الكف أو إلى النفس والعفو على مال أو على غير مال فله تمام دية ما سرت إليه وإن كان الجرح لا قصاص فيه كالجائفة فعفا عن القصاص ثم سرى إلى النفس فلوليه القصاص لأنه لا يصح العفو عن قود ما لا قود فيه وله بعد السراية العفو عن القصاص وله كمال الدية وإن عفا عن دية الجرح صح وله بعد السراية دية النفس وإن عفا مطلقا أو عفا عن القود مطلقا فله الدية وإن قال الجاني: عفوت مطلقا أو عفوت عنها وعن سرايتها وقال: بلط عفوت إلى مال أو عفوت عنها دون سرايتها فالقول قول المجني عليه أو وليه وإن قتل الجاني العافي فيما إذا عفا على مال قبل البرء فالقولد أو الدية كاملة وإن وكل في قصاص ثم عفا ولم يعلم الوكيل حتى اقتص فلا شيء عليهما وإن علم الوكيل فعليه القود وإن عفا عن قاتله بعد الجرح صح سواء كان بلفظ العفو أو الوصية أو الإبراء أو غير ذلك فإن قال عفوت عن الجناية وما يحدث منها صح ولم يضمن السراية فإن كان عمدا لم يضمن شيئا وإن كان خطأ اعتبر خروجهما من الثلث وإلا سقط عنه ديتها ما احتمله الثلث وإن أبرأه من الدية أو وصى له بها فهو وصية لقاتل وتصح وتقدم في الموصي له وتعتبر من الثلث وإن أبرأ القاتل من الدية الواجبة على عاقلته أو العبد من الجناية المتعلق أرشها برقبته لم يصح وإن أبرأ العاقلة أو السيد صح وإن وجب لعبد

(4/188)


قصاص أو تعزير قذف فله طلبه والعفو عنه وليس ذلك للسيد لا أن يموت العبد ومن صح عفوه مجانا فإن أوجب الجرح مالا عينا فكوصية وإلا فمن رأس المال ويصح قول مجروح: أبرأتك وحللتك من دمي أو قتلي أو وهبتك ذلك أو نحوه معلقا بموته فلو برئ بقي حقه بخلاف عفوت عنه ونحوه.

(4/189)


باب: ما يوجب قصاصا فيما دون النفس من الأطراف والجراح
مدخل
...
باب: ما يوجب قصاصا فيما دون النفس من الأطراف والجراح
كل من أقيد بغيره في النفس أقيد به فيما دونها: من حر وعبد ومن لا يجرى القصاص بينهما في النفس لا يجرى بينهما في الطرف: كالأب مع ابنه والحر مع العبد والمسلم مع الكافر ولا يجب إلا بما يوجب القود في النفس وهو العمد المحض فلا قود في شبه العمد ولا خطأ وهو نوعان: أحدهما: الأطراف فتؤخذ العين والأنف والحاجز - وهو وتر الأنف - والأذن والسن والجفن والشفة واليد والرجل واللسان والإصبع والكتف والمرفق والذكر والخصية والإلية وشعر المرأة بمثله.

(4/189)


فصل: - ويشترط للقصاص في الأطراف ثلاثة شروط:
أحدها: إمكان الاستيفاء بلا حيف وأما الأمن من الحيف فشرط لجواز الاستيفاء بأن يكون القطع من مفصل أوله حد ينتهي إليه كمارن الأنف وهو ما لان منه - وهو الذي يجب فيه القصاص أو الدية دون القصبة فإن قطع القصبة أو قطع من نصف كل من الساعد أو الكتف أو الساق أو العضد أو الورك أو قطع يده من الكوع ثم تأكلت إلى

(4/189)


فصل: - الشرط الثاني: المماثلة في الاسم والموضع
فتؤخذ اليمين باليمين واليسار باليسار من كل ما انقسم إلى يمين ويسار من يد ورجل وأذن ومنخر وثدي وإليه وخصية وشفر: العليا بالعليا والسفلى بالسفلى من شفة وجفن وأنملة فلا تؤخذ يمين بيسار ولا يسار بيمين ولا سفلى بعليا ولا عليا بسفلى وتؤخذ الأصبع والسن والأنملة بمثلها في الاسم والموضع ولو قطع أنملة رجل عليا وقطع الوسطى من تلك الأصبع من آخر ليس له عليا فصاحب الوسطى مخير بين أخذ عقل أنملته الآن ولا قصاص له بعد وبين أن يصبر حتى تذهب علا قاطع بقود أو غيره ثم يقتص من الوسطى ولا أرش له الآن للحيلولة وإن قطع من ثالث السفلى فللأول أن يقتص من العليا ثم للثاني أن يقتص من الوسطى ثم للثالث أن يقتص من السفلى سواء جاؤا معا أو واحدا بعد واحد فإن جاء صاحب الوسطى أو السفلى يطلب القصاص قبل صاحب العليا لم يجب إليه ويخيران بين أن يرضيا بالعقل أو الصبر حتى يقتص الأول وإن عفا فلا قصاص لهما وإن اقتص فللثاني الاقتصاص وحكم الثالث مع الثاني حكم الثاني

(4/193)


مع الأول فإن قطع صاحب الوسطى الوسطى والعليا فعليه دية العليا تدفع إلى صاحب العليا وإن قطع الأصبع كلها فعليه القصاص في الأنملة الثالثة وعليه أرش العليا للأول وأرش السفلى على الجاني لصاحبها وإن عفا الجاني عن قصاصها وجب أرشها يدفعه إليه ليدفعه إلى المجني عليه و إن قطع أنملة رجل العليا ثم قطع أنملتي آخر العليا والوسطى من تلك الأصبع فللأول قطع العليا ثم يقطع الثاني الوسطى ويأخذ أرش العليا من الجاني وإن بادر الثاني فقطع الأنملتين فقد استوفى حقه وللأول الأرش على الجاني وإن كان قطع الأنملتين أولا قدم صاحبهما في القصاص ولصاحب العليا أرشها فإن بادر صاحبها فقطعها فقد استوفى حقه ثم تقطع الوسطى للأول ويأخذ أرش العليا ولو قطع أنملة رجل العليا ولم يكن للقاطع أنملة فاستوفى الجاني من الوسطى فإن عفا إلى الدية تقاصا وتساقطا وإن اختار الجاني القصاص فله ذلك ويدفع أرش العليا ولا تؤخذ أصلية بزائدة ولا زائدة بأصلية ويؤخذ زائد بمثله موضعا وخلقة ولو تفاوتا قدرا فإن اختلفا في غير القدر لم يؤخذ ولو بتراضيهما فإن لم يكن للجاني زائد يؤخذ فحكومة وتؤخذ كاملة الأصابع بزائدة إصبعا وإن ترضيا على أخذ الأصلية بالزائدة أو عكسه أو خنصر ببنصر أو أخذ شيء من ذلك بما يخالفه لم يجز لأن الدماء لا تستباح بالإباحة والبدل، فلا يحل لأحد قتل نفسه ولا قطع طرفه ولا يحل لغيره ببذله لحق الله تعالى فإن فعلا فقطع يسار جان من له قود في يمينه أو عكسه بتراضيهما

(4/194)


أو قطعها تعديا أو خنصرا ببنصر أو قال: اخرج يمينك فأخرج يساره عمدا أو غلطا أو ظنا أنها تجزي فقطعها أجزأت على كل حال ولم يبق قود ولا ضمان حي ولو كان أحدهما مجنونا لأنه لا يزيد على التعدي.

(4/195)


فصل: - الثالث: استواؤهما في الصحة والكمال
فلا تؤخذ صحيحة بشلاء ولا كاملة الأصابع بناقصة ولا ذات أظفار بما لا أظفار هلا ولا بناقصة الأظفار: رضي الجاني أو لا فلو قطع من له خمس أصابع يد من له أربع أو قطع من له أربع يد من له ثلاث أو قطع ذو اليد الكاملة يدا فيها إصبع شلاء فلا قصاص وإن كانت المقطوعة ذات أظفار إلا أنها خضراء أو مستحشفة - أخذت بها السليمة ولا يؤخذ لسان ناطق بأخرس ولا ذكر صحيح بأشل ولا ذكر فحل بذكر خصي أو عنين ويؤخذ مارن الأشم الصحيح بمارن الأخشم والمجذوم وهو المقطوع وتر أنفه والمستحشف - وهو الرديء - وأذن سميع صحيحة بأذن أصم شلاء ويؤخذ معيب من ذلك كله بصحيح وبمثله فتؤخذ الشلاء بالشلاء إذا أمن من قطع الشلاء التلف وتؤخذ الناقصة بالناقصة إذا تساوتا فيه: بأن يكون المقطوع من يد الجاني كالمقطوع من يد المجني عليه فإن اختلفا فكان المقطوع من يد أحدهما الإبهام ومن الأخرى إصبع غيرها لم يجز القصاص ولا يجب له إذا أخذ المعيب بالصحيح والناقص بالزائد مع ذلك أرش وإن اختلفا في شلل العضو وصحته فالقول قول ولي الجناية مع يمينه وظفر كسن في

(4/195)


انقلاع وعود وإن قطع بعض لسان أو شفة أو حشفة أو ذكر أو أذن قدر بالأجزاء: كنصف وثلث وربع وأخذ منه مثل ذلك لا بالمساحة.

(4/196)


فصل: - النوع الثاني: الجراح
فيقتص في كل جرح ينتهي إلى عظم: كالموضحة في الوجه والرأس1 وجرح العضد والساعد والفخذ والساق والقدم ولا يستوفى القصاص فيما دون النفس بالسيف ولا بآلة يخشى منها الزيادة2 وسواء كان الجرح بها أو بغيرها3 فإن كان الجرح موضحة أو ما أشبهها - فبالموسى أو حديدة ماضية معدة لذلك ولا يستوفى إلا من له علم بذلك: كالجرائحي ومن أشبهه فإن لم يكن للولي علم بذلك أمر بالاستنابة ولا يقتص في غير ذلك من الشجاح والجروح: كما دون الموضحة أو أعظم منها: كالهاشمة والمنقلة والمأمومة4 وله أن يقتص فيهن موضحة ويجب له ما بين
ـــــــ
1 الموضحة بضم الميم وسكون الواو: هي الشجة التي تبدي العظم.
2 إنما منع الاستيفاء بالسيف في الأطراف والجراح خوفا من الزيادة، والزيادة حيف لا تتفق مع ما شرع له القصاص من إقامة العدل والردع عن إهدار الدماء وأما القصاص في النفس فلا يكون إلا بالسيف لسرعة الإزهاق به وعدم تعذيب المقتص منه.
3 يريد: عدم جواز القصاص بآلة يخشى منها حتى لو كان اعتداء الجاني بها.
4 الهاشمة: هي الشجة التي تكسر العظم، والمنقلة بضم الميم وتشديد القاف مكسورة هي الشجة التي ينتقل بسببها العظم عن مكانه. والقاموس يخصها بالعظم الرقيق. والمأمومة الشجة التي قاربت الدماغ، فإذا وصلته سميت أم الدماغ، وإنما لم يكن في هذه الجروح قصاص خاص لها لأنها لا تنتهي إلى حد كما تنتهي الموضحة إلى العظم، وعلى هذا فالقصاص فيها لا يؤمن معه الحيف، والمشروع لها فحسب، =

(4/196)


دية الموضحة ودية تلك الشجة فيأخذ في الهاشمة خمسا من الإبل وفي المنقلة عشرا وفي المأمومة ثمانية وعشرين وثلثا ويعتبر قدر الجرح بالمساحة دون كثافة اللحم فلو أوضح إنسانا في بعض رأسه مقدار ذلك البعض جميع رأس الشاج وزيادة - كان له أن يوضحه في جميع رأسه ولا أرش له للزائد وإن أوضح كل الرأس ورأس الجاني أكبر فله قدر شجته من أي جانب شاء المقتص لا من جانبين جميعا لأنه يأخذ موضحتين بموضحة وإن كان رأس المجني عليه أكبر فأوضحه الجاني في مقدمة ومؤخرة موضحتين قدرهما قدر جميع رأس الجاني - فله الخيار بين أن يوضحه موضحة واحدة في جميع رأسه أو يوضحه موضحتين يقتص في كل واحدة منهما على قدر موضحته ولا أرش لذلك وإن كانت الشجة بقدر بعض الرأس منهما لم يعدل عن جانبها إلى غيره وإذا أراد الاستيفاء من موضحة وشبهها: فإن كان على موضعها شعر أزاله ويعمد إلى موضع الشجة من رأس المشجوج فعلم طولها وعرضها بخشبة أو خيط ثم يضعها على رأس الشاج ويعلم طرفيه بسواد أو غيره ثم يأخذ حديدة عرضها كعرض الشجة فيضعها في أول الشجة ويجرها إلى آخرها فيأخذ مثل الشجة طولا وعرضا ولا يراعى العمق.
ـــــــ
= وقد جوزوا أن يقتص لهذه الجروح بمثل قصاص الموضحة مع أخذه الأرش، فإذا كانت هاشمة فديتها عشر فإذا اقتص بموضحة سقط من الدية خمس هي دية الموضحة وبقى له خمس هي زيادة الهاشمة عنها، وبهذا يتضح لك الباقي.

(4/197)


فصل: - وإن اشترك جماعة في قطع طرف أو جرح موجب للقصاص
حتى ولو في موضحة أو تساوت أفعالهم فلم يتميز فعل أحدهم عن فعل الآخر: مثل أن يضعوا حديدة على يده ويتحاملوا عليها جميعا حتى تبين أو يشهدوا بما يوجب قطعه فيقطع ثم يرجعوا عن الشهادة أو يكرهوا إنسانا على قطع طرف فيجب قطع المكرهين والمكره أو يلقوا صخرة على طرف إنسان فتقطعه، أو يمدها1 فتبين ونحوه - فعليهم كلهم القصاص وإن تفرقت أفعالهم فقطع كل إنسان من جانب أو قطع أحدهم بعض المفصل وأتمه غيره أو ضرب كل واحد ضربة حتى انفصلت أو وضعوا منشارا على مفصل ثم مده كل واحد مرة حتى بانت اليد - فلا قصاص وسراية الجناية كهى في القود والدية في النفس ودونها2 حتى لو اندمل الجرح فاقتص ثم انتقض فسرى فلو قطع إصبعا فتآكلت أخرى إلى جانبها وسقطت من مفصل أو تآكلت اليد وسقطت من الكوع - وجب القصاص في ذلك وإن شل ففيه ديته دون القصاص وسراية القود غير مضمونة فلو قطع اليد قصاصا فمات الجاني فهدر لكن لو اقتص قهرا مع حر أو برد أو بآلة كالة أو مسمومة ونحوه لزمه بقية الدية ويحرم أن يقتص من طرف قبل برئه فإن فعل سقط حقه من سرايته فلو سرى إلى نفسه أو سرى القصاص إلى نفس الجاني فهدر وإن قطع يد رجل من الكوع ثم قطعها آخر من المرفق فمات بسرايتهما فللولي قتل القاطعين
ـــــــ
1 قوله: أو يمدها – يريد به أن يمد إنسان يده فتقع عليها الصخرة.
2 يعني أن سراية الجناية مثل الجناية في النفس وفيما دون النفس من طرف أو جرح.

(4/198)