كشاف
القناع عن متن الإقناع [بَابُ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ]
ِ الْعُرُوض جَمْعُ عَرْضٍ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ مَا عَدَا
الْأَثْمَانِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَبِفَتْحِهَا: كَثْرَةُ
الْمَالِ وَالْمَتَاعِ وَسُمِّيَ عَرَضًا لِأَنَّهُ يَعْرِضُ ثُمَّ يَزُولُ
وَيَفْنَى وَقِيلَ لِأَنَّهُ يُعْرَضُ لِيُبَاعَ وَيُشْتَرَى تَسْمِيَةً
لِلْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ كَتَسْمِيَةِ الْمَعْلُومِ عِلْمًا
وَفِي اصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ: الْعَرَضُ بِفَتْحَتَيْنِ: مَا لَا
يَبْقَى زَمَانَيْنِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ
تَبَعًا لِلْخِرَقِيِّ: بِزَكَاةٍ كَالتِّجَارَةِ وَهِيَ أَشْمَلُ
لِدُخُولِ النَّقْدَيْنِ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ عَدَلَ
الْمُؤَلِّفُ عَنْهُ لِأَنَّهُ عَبَّرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ
عِنْدَ تَعْدَادِ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ: بِالْعُرُوضِ وَلِذَلِكَ قَالَ
(وَهِيَ مَا يُعَدُّ لِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ، لِأَجْلِ رِبْحٍ غَيْرِ
النَّقْدَيْنِ غَالِبًا) فَلَا يَرِدُ أَنَّ النَّقْدَيْنِ قَدْ يَعُدَّانِ
كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ.
(تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عُرُوضِ
(2/239)
التِّجَارَةِ إذَا بَلَغْت قِيمَتُهَا
نِصَابًا) فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ وَادَّعَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
إجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ إجْمَاعٌ مُتَقَدِّمٌ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24]
وَقَوْلِهِ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَمَالُ
التِّجَارَةِ أَعَمُّ الْأَمْوَالِ فَكَانَ أَوْلَى بِالدُّخُولِ
وَلِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا «وَفِي الْبَزِّ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقَيْنِ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُمَا
وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِ
عُمَرَ لِحَمَاسٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ " أَدِّ زَكَاةَ مَالِكَ
فَقَالَ: مَا لِي إلَّا جِبَابٌ وَأُدْمٌ فَقَالَ: قَوِّمْهَا وَأَدِّ
زَكَاتَهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَسَعِيدٌ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو بَكْرِ
بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ مَشْهُورٌ لِأَنَّهُ مَالٌ نَامٍ
فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالسَّائِمَةِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ
وَالرَّقِيقِ» الْمُرَادُ بِهِ زَكَاةُ الْعَيْنِ لَا الْقِيمَةِ عَلَى
أَنَّ خَبَرَنَا خَاصٌّ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ وَقَالَ دَاوُد:
لَا زَكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ (وَيُؤْخَذُ) الْوَاجِبُ (مِنْهَا)
أَيْ مِنْ الْقِيمَةِ (لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْوُجُوبِ رُبْعُ الْعُشْرِ
وَمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ فَبِحِسَابِهِ وَيُعْتَبَرُ الْحَوْلُ كَمَا
تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَ (لَا) يُؤْخَذُ مِنْ الْعُرُوضِ)
لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلَّ الْوُجُوبِ، فَإِخْرَاجُهَا كَالْإِخْرَاجِ
مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ.
(وَلَا تَصِيرُ) الْعُرُوضِ (لِلتِّجَارَةِ إلَّا) بِشَرْطَيْنِ
أَحَدُهُمَا (أَنْ يَمْلِكَهَا بِفِعْلِهِ) بِخِلَافِ الْإِرْثِ
وَنَحْوِهِ، مِمَّا يَدْخُلُ قَهْرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِهَاتِ
التِّجَارَةِ الثَّانِي: الْمُنَبَّهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (بِنِيَّةِ
التِّجَارَةِ حَالَ التَّمَلُّكِ بِأَنْ يَقْصِدَ التَّكَسُّبَ بِهَا)
لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّةِ وَالتِّجَارَةُ عَمَلٌ فَوَجَبَ
اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِهِ، كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ، وَلِأَنَّهَا
مَخْلُوقَةٌ فِي الْأَصْلِ لِلِاسْتِعْمَالِ، فَلَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ
إلَّا بِالنِّيَّةِ، كَعَكْسِهِ وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ فِي جَمِيعِ
الْحَوْلِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ فِي جَمِيعِهِ، فَوَجَبَ
كَالنِّصَابِ ثُمَّ أَخَذَ يُفَصِّلُ مِلْكَهُ إيَّاهَا فَقَالَ (إمَّا
بِمُعَاوَنَةٍ مَحْضَةٍ) أَيْ خَالِصَةٍ (كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ
وَالصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ بِمَالٍ، وَلِلْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ،
وَالْهِبَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلثَّوَابِ) أَيْ الْمَشْرُوطِ فِيهَا عِوَضٌ
مَعْلُومٌ (أَوْ اسْتَرَدَّ مَا بَاعَهُ) بِإِقَالَةٍ أَوْ إعْسَارِ
الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَنَحْوِهِ، بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ (أَوْ)
بِمُعَاوَضَةٍ (غَيْرِ مَحْضَةٍ، كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ
عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) وَعِوَضِ الْخُلَعِ (أَوْ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ،
كَالْهِبَةِ الْمُطْلَقَةِ) الَّتِي لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا ثَوَابٌ
(وَالْغَنِيمَةُ وَالْوَصِيَّةُ، وَالِاحْتِشَاشُ وَالِاحْتِطَابُ
وَالِاصْطِيَادُ) .
لِعُمُومِ خَبَرِ سَمُرَةَ
(2/240)
قَالَ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ «رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ
نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِمَّا نَعُدُّهُ لِلْبَيْعِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَفِي إسْنَادِهِ جَعْفَرٌ وَخُبَيْبٌ مَجْهُولَانِ قَالَ الْحَافِظُ
عَبْدُ الْغَنِيِّ: إسْنَادُهُ مُقَارِبٌ (فَإِنْ مَلَكَهَا بِإِرْثٍ)
وَمِثْلِهِ: عَوْدُهَا إلَيْهِ بِطَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفَسَخَ مِنْ
قِبَلِهَا، لَا مِنْ قِبَلِهِ، وَمَضَى حَوْلَ التَّعْرِيفِ فِي
اللُّقْطَةِ، لَمْ تَصِرْ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِغَيْرِ
فِعْلِهِ، فَجَرَى مَجْرَى الِاسْتِدَامَةِ (أَوْ مِلْكًا بِفِعْلِهِ
بِغَيْرِ نِيَّةِ) التِّجَارَةِ (ثُمَّ نَوَى التِّجَارَةَ بِهَا لَمْ
تَصِرْ لِلتِّجَارَةِ) لِفَقْدِ الشَّرْطِ الثَّانِي (إلَّا أَنْ يَكُونَ
اشْتَرَاهَا بِعَرْضِ تِجَارَةٍ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ)
التِّجَارَةِ، بَلْ يَكْفِيهِ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا، بِأَنْ لَا
يَنْوِيَهَا لِلْقِنْيَةِ.
(وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عَرْضٌ لِلتِّجَارَةِ، فَنَوَاهُ لِلْقُنْيَةِ)
بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِهَا: الْإِمْسَاكُ لِلِانْتِفَاعِ دُونَ
التِّجَارَةِ (ثُمَّ نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ)
لِأَنَّ الْقِنْيَةَ هِيَ الْأَصْلُ فَيَكْفِي فِي الرَّدِّ إلَيْهِ
مُجَرَّدُ النِّيَّةِ، كَمَا لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ.
وَلِأَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ فِيهَا فَإِذَا نَوَى
الْقِنْيَةَ زَالَتْ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فَفَاتَ شَرْطُ الْوُجُوبِ
بِخِلَافِ السَّائِمَةِ إذَا نَوَى عَلْفَهَا فَإِنَّ الشَّرْطَ السَّوْمُ
دُونَ نِيَّتِهِ (إلَّا حُلِيَّ اللُّبْسِ، إذَا نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ
فَيَصِيرُ لَهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّ التِّجَارَةَ الْأَصْلُ
فِيهِ) أَيْ فِي الْحُلِيِّ فَإِذَا نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ فَقَدْ رَدَّهُ
إلَى الْأَصْلِ.
(وَتُقَوَّمُ الْعُرُوض) الَّتِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهَا (عِنْدَ
تَمَامِ) الْحَوْلِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ (بِالْأَحَظِّ لِأَهْلِ
الزَّكَاةِ وُجُوبًا مِنْ عَيْنٍ) أَيْ ذَهَبٍ (أَوْ وَرِقٍ قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ: الْوَرِقُ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ، وَفِيهِ أَرْبَعُ
لُغَاتٍ وَرَقٌ كَوَتِدٍ، وَوَرْقٌ كَفَلْسٍ، وَوَرَقٌ كَقَلَمٍ وَرِقَةٌ
كَعِدَةٍ سَوَاءٌ كَانَ) الْأَحَظُّ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ مِنْ نَقْدِ
الْبَلَدِ، وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْآخِذِ (أَوَّلًا)
أَيْ أَوْ مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ لِحَظِّ
أَهْلِ الزَّكَاةِ فَتُقَوَّمُ بِالْأَحَظِّ لَهُمْ وَسَوَاءٌ بَلَغْت
قِيمَتُهَا أَيْ الْعُرُوضِ (بِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الْعَيْنِ
وَالْوَرِقِ نِصَابًا، (أَوْ) بَلَغْت نِصَابًا (بِأَحَدِهِمَا) دُونَ
الْآخَرِ (وَلَا يُعْتَبَرُ مَا اشْتَرَيْت بِهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ وَرِقٍ،
لَا قَدْرًا وَلَا جِنْسًا) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ لِأَنَّ فِي تَقْوِيمِهَا
بِمَا اُشْتُرِيَتْ بِهِ إبْطَالًا لِلتَّقْوِيمِ بِالْأَنْفَعِ.
فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا بِالدَّرَاهِمِ فَقَطْ قُوِّمَتْ
بِهَا وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِالذَّهَبِ وَكَذَا عَكْسُهُ (وَلَا
عِبْرَةَ بِنَقْصِهِ) أَيْ مَا قُوِّمَتْ بِهِ (بَعْدَ تَقْوِيمِهِ) إذَا
كَانَ التَّقْوِيمُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ قَدْ
اسْتَقَرَّتْ كَمَا لَوْ تَلِفَ النِّصَابُ وَأَوْلَى (وَلَا) عِبْرَةَ
بِزِيَادَتِهِ أَيْ زِيَادَةِ مَا قُوِّمَتْ بِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ
بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلُ، لِتَجَدُّدِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ، بَلْ
يُعْتَمَدُ بِهِ فِي الْقَابِلِ (إلَّا الْمُغَنِّيَةَ، فَتُقَوَّمُ
سَاذَجَةً) لِأَنَّ صَنْعَةَ مَعْرِفَةِ الْغِنَاءِ لَا قِيمَةَ لَهَا
(2/241)
وَكَذَا الزَّامِرَةُ وَالضَّارِبَةُ عَلَى
آلَةِ لَهْوٍ وَكُلُّ ذِي صِنَاعَةٍ مُحَرَّمَةٍ (وَلَا عِبْرَةَ بِقِيمَةِ
آنِيَةِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) لِتَحْرِيمِهَا وَكَذَا رِكَابٌ وَسَرْجٌ
وَلِجَامٌ وَنَحْوُهُ مُحَلًّى (وَيُقَوَّمُ الْخَصِيُّ) عَبْدًا أَوْ
غَيْرَهُ (بِصِفَتِهِ) لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ الْفِعْلُ وَقَدْ انْقَطَعَ
لِاسْتِدَامَتِهِ.
(وَإِنْ اشْتَرَى) أَوْ بَاعَ (عَرْضًا) لِلتِّجَارَةِ (بِنِصَابٍ مِنْ
الْأَثْمَانِ، أَوْ مِنْ الْعُرُوضِ بُنِيَ عَلَى حَوْلِهِ) أَيْ حَوْلِ
الْأَوَّلِ وِفَاقًا لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَتَعَلَّقُ
بِالْقِيمَةِ، وَهِيَ لِلْأَثْمَانِ وَالْأَثْمَانُ يُبْنَى حَوْلَ
بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَلِأَنَّ وَضْعَ التِّجَارَةِ لِلتَّقَلُّبِ
وَالِاسْتِبْدَالِ بِثَمَنٍ وَعَرْضٍ فَلَوْ لَمْ يَبْنِ بَطَلَتْ زَكَاةُ
التِّجَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّقْدُ نِصَابًا، فَحَوَّلَهُ مِنْ
حِينِ كَمُلَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا لَا مِنْ حِينِ اشْتَرَاهُ.
(وَإِنْ اشْتَرَاهُ) أَيْ عَرْضَ التِّجَارَةِ (بِنِصَابٍ مِنْ
السَّائِمَةِ أَوْ بَاعَهُ) أَيْ عَرْضَ التِّجَارَةِ (بِنِصَابٍ مِنْهَا)
أَيْ السَّائِمَةِ (لَمْ يَبْنِ عَلَى حَوْلِهِ) لِاخْتِلَافِهِمَا فِي
النِّصَابِ وَالْوَاجِبُ (وَإِنْ اشْتَرَى نِصَابَ سَائِمَةٍ لِتِجَارَةٍ
بِنِصَابِ سَائِمَةٍ لِقِنْيَةٍ بَنَى عَلَى حَوْلِهِ لِأَنَّ السَّوْمَ
سَبَبٌ لِلزَّكَاةِ، قُدِّمَ عَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ لِقُوَّتِهِ،
فَبِزَوَالِ الْمُعَارِضِ ثَبَتَ حُكْمُ السَّوْمِ لِظُهُورِهِ (وَإِنْ
مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِتِجَارَةِ، فَحَالَ الْحَوْلُ) عَلَيْهِ
(وَالسَّوْمُ وَنِيَّةُ التِّجَارَةِ مَوْجُودَانِ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ
تِجَارَةٍ، دُونَ) زَكَاةِ سَوْمٍ) لِأَنَّ وَضْعَ التِّجَارَةِ عَلَى
التَّقْلِيبِ فَهِيَ تُزِيلُ سَبَبَ زَكَاةِ السَّوْمِ وَهُوَ
الِاقْتِنَاءُ لِطَلَبِ النَّمَاءِ مَعَهُ وَاقْتَصَرَ فِي الْمُغْنِي
وَالشَّرْحِ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْأَحَظِّ.
(وَلَوْ سَبَقَ حَوْلُ سَوْمٍ وَقْتَ وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ، مِثْلُ
أَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً قِيمَتُهَا دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، ثُمَّ
صَارَتْ قِيمَتُهَا فِي نِصْفِ الْحَوْلِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ زَكَّاهَا
زَكَاةَ تِجَارَةٍ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا لِأَنَّهُ أَنْفَعْ لِلْفُقَرَاءِ)
مِنْ زَكَاةِ السَّوْمِ (فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا نِصَابَ
التِّجَارَةِ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ السَّوْمِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِلَا
خِلَافٍ، لِوُجُودِ سَبَبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، بِلَا مُعَارِضٍ فَلَوْ
مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً لِلتِّجَارَةِ، لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصَابَ
نَقْدٍ زَكَّاهَا لِلسَّوْمِ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ.
(وَلَوْ مَلَكَ سَائِمَةً لِلتِّجَارَةِ نِصْفَ حَوْلٍ، ثُمَّ قَطَعَ
نِيَّةَ التِّجَارَةِ) فِيهَا (اسْتَأْنَفَ) بِهَا (حَوْلًا مِنْ قَطْعِ
النِّيَّةِ) لِأَنَّ حَوْلَ التِّجَارَةِ انْقَطَعَ بِقَطْعِ النِّيَّةِ
وَحَوْلُ السَّوْمِ لَا يَنْبَنِي عَلَى حَوْلِ التِّجَارَةِ.
(وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضًا لِتِجَارَةٍ يَزْرَعُهَا) وَبَلَغَتْ قِيمَتُهَا
نِصَابًا، زَكَّى الْجَمِيعَ زَكَاةَ قِيمَةٍ (أَوْ) اشْتَرَى أَرْضًا
لِتِجَارَةٍ، وَ (زَرْعًا بِبَذْرِ تِجَارَةٍ) زَكَّى لِلْجَمِيعِ زَكَاةَ
قِيمَةٍ، إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا (أَوْ اشْتَرَى شَجَرًا
لِتِجَارَةٍ، تَجِبُ فِي ثَمَرِهِ الزَّكَاةُ) كَالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ
(فَأَثْمَرَ وَاتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا، بِأَنْ يَكُونَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ
فِي الثَّمَرَةِ، وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ: عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ) أَيْ
حَوْلِ التِّجَارَةِ وَفِي تَسْمِيَةِ بُدُوِّ
(2/242)
الصَّلَاحِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ حَوْلًا:
تَسَمُّحٌ.
(وَكَانَتْ قِيمَةُ الْأَصْلِ) أَيْ الشَّجَرِ تَبْلُغُ نِصَابَ
التِّجَارَةِ زَكَّى الْجَمِيعَ زَكَاةَ قِيمَةٍ لِأَنَّهُ مَالُ تِجَارَةٍ
فَوَجَبَ زَكَاتُهَا كَالسَّائِمَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّمَرَ
وَالزَّرْعَ جُزْءُ الْخَارِجِ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يُقَوَّمَ مَعَ
الْأَصْلِ، كَالسِّخَالِ، وَالرِّبْحِ الْمُتَجَدِّدِ، إذَا كَانَتْ
الْأُصُولُ لِلتِّجَارَةِ.
(وَ) كَذَا (لَوْ سَبَقَ وُجُوبُ الْعُشْرِ) بِأَنْ كَانَ بُدُوُّ صَلَاحِ
الثَّمَرَةِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِ التِّجَارَةِ
فَيُزَكِّي زَكَاةَ قِيمَةٍ (وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ
لَاجْتَمَعَ فِي مَالٍ وَاحِدٍ زَكَاتَانِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْمَالِكِ،
وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا (مَا لَمْ تَكُنْ قِيمَتُهَا) أَيْ الْأَرْضِ
بِزَرْعِهَا أَوْ الشَّجَرِ (دُونَ نِصَابٍ كَمَا تَقَدَّمَ) فِي
السَّائِمَةِ (فَإِنْ كَانَتْ) قِيمَتُهَا (دُونَ نِصَابٍ فَعَلَيْهِ
الْعُشْرُ) لِوُجُودِ سَبَبِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ وَهُوَ أَحَظُّ
لِلْفُقَرَاءِ.
(وَلَوْ زَرَعَ بَذْرًا لِقِنْيَةٍ فِي أَرْضِ التِّجَارَةِ فَوَاجِبُ
الزَّرْعِ: الْعُشْرُ) لِأَنَّهُ لِلْقِنْيَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي
الْمُبْدِعِ (وَوَاجِبُ الْأَرْضِ: زَكَاةُ الْقِيمَةِ) لِأَنَّهَا مَالُ
تِجَارَةٍ وَمُقْتَضَى الْمُنْتَهَى: أَنَّ الْكُلَّ يُزَكَّى زَكَاةَ
قِيمَةٍ لِأَنَّ الزَّرْعَ تَابِعٌ لِلْأَرْضِ (وَإِنْ زَرَعَ بَذْرَ
التِّجَارَةِ فِي أَرْضِ الْقِنْيَةِ زَكَّى الزَّرْعَ زَكَاةَ قِيمَةٍ)
لِأَنَّهُ مَالُ تِجَارَةٍ.
(وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ، كَالسَّفَرْجَلِ
وَالتُّفَّاحِ، وَنَحْوِهِمَا) كَالْمِشْمِشِ وَالزَّيْتُونِ
وَالْكُمَّثْرَى (أَوْ كَانَ الزَّرْعُ لَا زَكَاةَ فِيهِ،
كَالْخَضْرَاوَاتِ) مِنْ بِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ وَخِيَارٍ (أَوْ كَانَ
لِعَقَارِ التِّجَارَةِ وَعَبِيدِهَا) وَدَوَابِّهَا (أُجْرَةٌ ضَمَّ
قِيمَةَ الثَّمَرَةِ وَالْخَضْرَاوَاتِ وَالْأُجْرَةِ إلَى قِيمَةِ
الْأَصْلِ فِي الْحَوْلِ كَالرِّبْحِ) لِأَنَّهُ نَمَاءٌ.
(وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ شِرَاءِ عَقَارٍ فَارًّا مِنْ الزَّكَاةِ زَكَّى
قِيمَتَهُ) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ قَالَهُ فِي
تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَهُوَ الصَّوَابُ مُعَامَلَةً لَهُ بِضِدِّ
مَقْصُودِهِ كَالْفَارِّ مِنْ الزَّكَاةِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَظَاهِرُ
كَلَامِ الْأَكْثَرِ، أَوْ صَرِيحُهُ: لَا زَكَاةَ فِيهِ قَالَهُ فِي
الْفُرُوعِ.
(وَلَا زَكَاةَ فِيمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ مِنْ عَقَارٍ وَحَيَوَانٍ
وَغَيْرِهِمَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِ تِجَارَةٍ (وَلَوْ اشْتَرَى
شِقْصًا لِلتِّجَارَةِ بِأَلْفٍ فَصَارَ عِنْدَ الْحَوْلِ بِأَلْفَيْنِ
زَكَّاهُمَا) أَيْ الْأَلْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا قِيمَتُهُ عِنْدَ تَمَامِ
الْحَوْلِ.
(وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ) لِأَنَّهُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ
الْعَقْدُ، وَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ بِهِ وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي
لِعَيْبٍ فِيهِ، رَدَّهُ بِأَلْفٍ (وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ،
فَصَارَ عِنْدَ حَوْلِهِ بِأَلْفٍ زَكَّى أَلْفًا) لِأَنَّهُ قِيمَتُهُ
عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ.
(وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِأَلْفَيْنِ) لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِمَا وَقَعَ
عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ لِعَيْبِهِ رَدَّهُ بِأَلْفَيْنِ
(وَإِنْ اشْتَرَى صَبَّاغٌ مَا يُصْبَغُ بِهِ، وَيَبْقَى) أَثَرُهُ
(كَزَعْفَرَانٍ وَنِيلٍ وَعُصْفُرٍ وَنَحْوِهِ) كَلَكٍّ وَبُقَّمٍ
وَفُوَّةٍ (فَهُوَ عَرْضُ تِجَارَةٍ، يُقَوَّمُ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ،
(2/243)
لِاعْتِيَاضِهِ) أَيْ الصَّبَّاغِ (عَنْ
صَبْغٍ قَائِمٍ بِالثَّوْبِ فَفِيهِ مَعْنَى التِّجَارَةِ وَمِثْلُهُ مَا
يَشْتَرِيهِ دَبَّاغٌ لِيَدْبُغَ، كَعَفْصٍ وَقَرَظٍ وَمَا يُدْهَنُ بِهِ،
كَسَمْنِ وَمِلْحٍ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ وَجَزَمَ فِي مُنْتَهَى
الْغَايَةِ بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ لَا يَبْقَى
لَهُ أَثَرٌ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَلَا زَكَاةَ فِيمَا لَا يَبْقَى
لَهُ أَثَرٌ كَمَا يَشْتَرِيهِ قَصَّارٌ مِنْ حَطَبٍ وَقِلْيٍ وَنُورَةٍ
وَصَابُونٍ وَأُشْنَانٍ وَنَحْوِهِ) كَنَطْرُونٍ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَاضُ
عَنْ شَيْءٍ يُقَوَّمُ بِالثَّوْبِ وَإِنَّمَا يُعْتَاضُ عَنْ عَمَلِهِ.
(وَلَا زَكَاةَ فِي آلَاتِ الصُّنَّاعِ، وَأَمْتِعَةِ التِّجَارَةِ
وَقَوَارِيرِ الْعَطَّارِ وَالسَّمَّانِ وَنَحْوِهِمْ) كَالزَّيَّاتِ
وَالْعَسَّالِ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ بَيْعَهَا) أَيْ الْقَوَارِيرَ (بِمَا
فِيهَا) فَيُزَكِّي الْكُلَّ لِأَنَّهُ مَالُ تِجَارَةٍ.
(وَكَذَا آلَاتُ الدَّوَابِّ إنْ كَانَتْ لِحِفْظِهَا) فَلَا زَكَاةَ
فِيهَا لِأَنَّهَا لِلْقِنْيَةِ (وَإِنْ كَانَ يَبِيعُهَا مَعَهَا فَهِيَ
مَالُ تِجَارَةٍ) يُزَكِّيهَا (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَا مَلَكَهُ)
لِلتِّجَارَةِ (عَيْنَ مَالٍ، بَلْ مَنْفَعَةُ عَيْنٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ)
فِي قِيمَتِهَا، إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا بِنَفْسِهَا أَوْ بِضَمِّهَا إلَى
غَيْرِهَا، كَالْأَعْيَانِ لِأَنَّهَا مَالُ تِجَارَةٍ.
(وَلَوْ قُتِلَ عَبْدُ تِجَارَةٍ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، فَصَالَحَ سَيِّدُهُ
عَلَى مَالٍ صَارَ) الْمَالُ (لِلتِّجَارَةِ) بِاسْتِصْحَابِ نِيَّةِ
التِّجَارَةِ، كَمَا لَوْ اعْتَاضَ عَنْهُ (وَلَوْ اتَّخَذَ عَصِيرًا
لِلتِّجَارَةِ فَتَخَمَّرَ) الْعَصِيرُ (ثُمَّ تَخَلَّلَ عَادَ حُكْمُ
التِّجَارَةِ) بِاسْتِصْحَابِ الْيَدِ، كَالرَّهْنِ.
(وَلَوْ اشْتَرَى عَرْضَ تِجَارَةٍ بِعَرْضِ قِنْيَةٍ فَرُدَّ عَلَيْهِ
بِعَيْبٍ) أَوْ غَيْرِهِ (انْقَطَعَ الْحَوْلُ) لِقَطْعِهِ نِيَّةَ
التِّجَارَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَرَدَّهُ هُوَ لِعَيْبِ الثَّمَرِ
وَنَحْوِهِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ، وَتَقَدَّمَ (وَإِذَا أَذِنَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ) أَيْ
الْآذِنِ (فَأَخْرَجَاهَا مَعًا، أَوْ جَهِلَ السَّبْقَ، ضَمِنَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ حُكْمًا
وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ) وَالْعَزْلُ حُكْمًا، الْعِلْمُ
فِيهِ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ
عَبْدٍ، فَبَاعَهُ الْمُوَكَّلُ، أَوْ أَعْتَقَهُ، وَحِينَئِذٍ يَقَعُ
الدَّفْعُ إلَى الْفَقِيرِ تَطَوُّعًا وَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ
بِهِ، فَيَتَحَقَّقُ التَّفْوِيتُ بِفِعْلِ الْمُخْرَجِ، وَهَذَا
التَّعْلِيلُ لِمَا إذَا أَخْرَجَ كُلٌّ مِنْهُمَا زَكَاةَ نَفْسِهِ فِي
آنٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا إذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالْإِخْرَاجِ، وَجَهِلَ،
أَوْ نَسِيَ، فَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ إخْرَاجَ الْمُخْرِجِ عَنْ
نَفْسِهِ وَقَعَ الْمَوْقِعَ بِخِلَافِ الْمُخْرِجِ عَنْ غَيْرِهِ.
وَأَيْضًا: الْأَصْلُ فِي الْقَابِضِ لِمَالِ غَيْرِهِ: الضَّمَانُ (وَإِنْ
أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ) وَعَلِمَ وَلَمْ يَنْسَ (ضَمِنَ
الثَّانِي) أَيْ الَّذِي أَخْرَجَ ثَانِيًا (نَصِيبَ) الْمُخْرِجِ
(الْأَوَّلِ، عَلِمَ) الثَّانِي إخْرَاجَ الْأَوَّلِ (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ)
بِهِ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ بِذَلِكَ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ وَالْعَزْلِ،
كَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ مَاتَ الْمَالِكُ
(2/244)
وَ (لَا) يَضْمَنْ (إنْ أَدَّى دَيْنًا بَعْدَ أَدَاءِ مُوَكَّلِهِ وَلَمْ
يَعْلَمْ) بِأَدَاءِ مُوَكَّلِهِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ.
(وَ) لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَتَحَقَّقْ التَّفْوِيتُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ
(يَرْجِعُ الْمُوَكَّلُ عَلَى الْقَابِضِ بِمَا قَبَضَ مِنْ الْوَكِيلِ)
وَنَظِيرُ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ لَوْ كَانَ الْقَابِضُ
مِنْهُمَا السَّاعِي وَالزَّكَاةُ بِيَدِهِ، فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ
يَأْخُذُهَا مِنْهُ، مَا دَامَتْ بِيَدِهِ، وَلَا يَضْمَنُ وَكِيلُهُ لَهُ
شَيْئًا لِعَدَمِ التَّفْوِيتِ (وَلَوْ أَذِنَ غَيْرُ شَرِيكَيْنِ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَذِنَ (لِلْآخَرِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ فَ) هُمَا
(كَالشَّرِيكَيْنِ فِيمَا سَبَقَ) مِنْ التَّفْصِيلِ لِلتَّسَاوِي فِي
الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلضَّمَانِ أَوْ عَدَمَهُ.
(وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ أَوْ لَا) أَيْ قَبْلَ
أَنْ يُخْرِجَ عَنْ مُوَكِّلِهِ بِخِلَافِ حَجِّ النَّائِبِ عَنْ غَيْرِهِ
قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ
بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهَا مَالِيَّةٌ، كَقَضَاءِ دَيْنِ غَيْرِهِ
قَبْلَ دَيْنِهِ (بَلْ يُسْتَحَبُّ) أَنْ يَبْدَأَ بِإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ
أَوَّلًا مُسَارَعَةً لِلْخَيْرِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَخْلُ
بِالْفَوْرِيَّةِ، مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ وَإِلَّا فَيَأْتِي أَنَّ
إخْرَاجَ الزَّكَاةِ وَاجِبٌ فَوْرًا (وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُوَكَّلِ
أَنَّهُ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ قَبْلَ دَفْعِ وَكِيلِهِ إلَى السَّاعِي)
لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ فِي أَدَاءِ مَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ.
(وَ) يُقْبَلُ (قَوْلُ مَنْ دَفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى
السَّاعِي (ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ أَخْرَجَهَا) قَبْلَ الدَّفْعِ
إلَى السَّاعِي (وَتُؤْخَذُ مِنْ السَّاعِي) فِي الصُّورَتَيْنِ (إنْ
كَانَتْ بِيَدِهِ) لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَكَاةٍ (فَإِنْ
تَلِفَتْ) بِيَدِ السَّاعِي (أَوْ كَانَ) السَّاعِي (دَفَعَهَا إلَى
الْفَقِيرِ أَوْ كَانَا) أَيْ الْوَكِيلُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَرَبُّ
الْمَالِ فِي الثَّانِيَةِ (دَفَعَا إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْفَقِيرِ (فَلَا)
رُجُوعَ لِأَنَّهَا انْقَلَبَتْ تَطَوُّعًا كَمَنْ دَفَعَ زَكَاةً
يَعْتَقِدُهَا عَلَيْهِ، فَلَمْ تَكُنْ (وَمَنْ لَزِمَهُ نَذْرُ وَزَكَاةٌ
قَدَّمَ الزَّكَاةَ) لِوُجُوبِهَا بِأَصْلِ الشَّرْعِ (فَإِنْ قَدَّمَ
النَّذْرَ لَمْ يَصِرْ زَكَاةً) لِحَدِيثِ " وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ
مَا نَوَى " وَإِنَّمَا خُولِفَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ لِدَلِيلٍ خَاصٍّ
(وَلَهُ) أَيْ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ (الصَّدَقَةِ تَطَوُّعًا
قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ) كَالصَّدَقَةِ قَبْلَ قَضَاءِ دَيْنِهِ، إنْ
لَمْ يَضُرَّ بِغَرِيمِهِ. |