كشاف
القناع عن متن الإقناع [بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]
ِ هُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ قَوْلِك: أَفْطَرَ الصَّائِمُ إفْطَارًا
وَأُضِيفَتْ إلَى الْفِطْرِ لِأَنَّهُ سَبَبُ وُجُوبِهَا فَهُوَ مِنْ
إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَقِيلَ لَهَا فِطْرَةٌ: لِأَنَّ
الْفِطْرَةَ الْخِلْقَةُ
(2/245)
قَالَ تَعَالَى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي
فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] وَهَذَا يُرَادُ بِهَا الصَّدَقَةُ
عَنْ الْبَدَنِ وَالنَّفْسِ وَهِيَ بِضَمِّ الْفَاءِ: كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ
وَقَدْ زَعْمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِمَّا يَلْحَنُ فِيهِ الْعَامَّةُ
وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ لِاسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ لَهَا قَالَهُ فِي
الْمُبْدِعِ.
(وَهِيَ صَدَقَةٌ تَجِبُ بِالْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ: طُهْرَةً لِلصَّائِمِ
مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ «فَرَضَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ:
صَاعًا مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ،
وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ»
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «فَرَضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ: طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّهْوِ
وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ
الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ
الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَابْنُ مَاجَهْ وَدَعْوَى أَنَّ " فَرَضَ " بِمَعْنَى قَدَّرَ: مَرْدُودٌ
بِأَنَّ كَلَامَ الرَّاوِي لَا يُحْمَلُ إلَّا عَلَى الْمَوْضُوعِ
بِدَلِيلِ الْأَمْرِ بِهَا فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عُمَرَ وَذَهَبَ الْأَصَمُّ وَابْنُ عُلَيَّةَ وَجَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهَا
سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَقَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] إنَّهَا
زَكَاةُ الْفِطْرِ رُدَّ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " إنَّهَا تُطَهِّرُ مِنْ
الشِّرْكِ " وَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ وَلَمْ يَكُنْ بِهَا زَكَاةٌ وَلَا
عِيدٌ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَرْضَهَا كَانَ مَعَ
رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتَقَدَّمَ فِي
أَوَّلِ الزَّكَاةِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ ذَلِكَ.
(وَمَصْرِفُهَا) أَيْ: زَكَاةِ الْفِطْرِ (كَزَكَاةِ) الْمَالِ لِعُمُومِ
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] .
(وَهِيَ وَاجِبَةٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَتُسَمَّى فَرْضًا) كَقَوْلِ
جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَأَيْضًا فَالْفَرْضُ: إنْ كَانَ بِمَعْنَى
الْوَاجِبِ، فَهِيَ وَاجِبَةٌ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْمُتَأَكِّدِ
فَهِيَ مُتَأَكِّدَةٌ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ
قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُسْلِمِينَ
(حُرٌّ، وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ خِلَافًا
لِعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ فِي قَوْلِهِمْ " لَا
تَلْزَمُ أَهْلَ الْبَوَادِي ".
(وَمُكَاتَبٌ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ فِي كَسْبِهِ، فَكَذَا فِطْرَتُهُ
(ذَكَرٍ وَأُنْثَى كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ) لِمَا سَبَقَ مِنْ الْخَبَرِ (وَلَوْ
يَتِيمًا) فَتَجِبُ فِي مَالِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، كَزَكَاةِ الْمَالِ
(وَيُخْرَجُ عَنْهُ) أَيْ الْيَتِيمِ (مِنْ مَالِ وَلِيِّهِ) كَمَا
(2/246)
يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ
نَفَقَتُهُ.
(وَ) تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى (سَيِّدٍ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِهِ
الْمُسْلِمِ، وَإِنْ كَانَ) الْعَبْدُ (لِلتِّجَارَةِ) فَلَا يَضُرُّ
اجْتِمَاعُ زَكَاتَيْنِ فِيهِ لِأَنَّهُمَا بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفِينَ
فَإِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَجِبُ عَلَى بَدَنِ الْمُسْلِمِ طُهْرَةً لَهُ،
وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ تَجِبُ مِنْ قِيمَتِهِ شُكْرًا لِنِعْمَةِ
الْغِنَى، مُوَاسَاةً لِلْفُقَرَاءِ وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ إيجَابُ
زَكَاتَيْنِ فِي حَوْلٍ وَاحِدٍ وَمَتَى كَانَ عَبِيدُ التِّجَارَةِ بِيَدِ
الْمُضَارِبِ فَفِطْرَتُهُمْ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ
مُؤْنَتَهُمْ مِنْهَا قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَ (لَا) تَجِبُ عَلَى
السَّيِّدِ (الْكَافِرِ) لَوْ هَلَّ شَوَّالٌ وَفِي مِلْكِهِ عَبْدٌ
مُسْلِمٌ، لِفَقْدِ شَرْطِ وُجُوبِهَا وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَقَالَ فِي
الْمُبْدِعِ فِي هَذِهِ: الْأَظْهَرُ وُجُوبُهَا عَلَى الْكَافِرِ.
(وَتَجِبُ فِي مَالِ صَغِيرٍ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ نَفْسِهِ) لِغِنَاهُ
بِمَالٍ أَوْ كَسْبٍ وَيُخْرِجُهَا أَبُوهُ مِنْهُ.
(وَ) تَجِبُ (فِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ، وَ) الْعَبْدُ (الْمُوصَى بِهِ
عَلَى مَالِكِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ) أَيْ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ
آخِرِ رَمَضَانَ (وَكَذَا) الْعَبْدُ (الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ)
تَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى مَنْ حَكَمَ لَهُ بِالْمِلْكِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي
عَلَى الْمَذْهَبِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ شَيْءٌ غَيْرُ
الْعَبْدِ) الْمَرْهُونِ (بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْفِطْرَةِ) كَأَرْشِ
جِنَايَتِهِ (إذَا فَضَلَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْمُسْلِمِ الَّذِي
تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ نَفْسِهِ (عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ
الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ صَاعٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَهَمُّ فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ
لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ابْدَأْ بِنَفْسِك
ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ لِوُجُوبِهَا
مِلْكَ نِصَابٍ وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ.
" تَتِمَّةٌ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ مَنْ عَجَزَ عَنْ صَدَقَةِ
الْفِطْرِ وَقْتَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ أَيْسَرَ فَأَدَّاهَا فَقَدْ
أَحْسَنَ (وَيَعْتَبِرُ كَوْنَ ذَلِكَ) أَيْ الصَّاعَ بَعْدَ قُوتِهِ
وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ (فَاضِلًا عَمَّا
يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ مِنْ مَسْكَنٍ
وَخَادِمٍ وَدَابَّةٍ وَثِيَابٍ بِذْلَةٍ) كَسِدْرَةٍ: مَا يُمْتَهَنُ مِنْ
الثِّيَابِ فِي الْخِدْمَةِ، وَالْفَتْحُ لُغَةٌ قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ
(وَدَارٍ يَحْتَاجُ إلَى أَجْرِهَا لِنَفَقَتِهِ) وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ
(وَسَائِمَةٍ يَحْتَاجُ إلَى نَمَائِهَا) مِنْ دَرٍّ وَنَسْلٍ
وَنَحْوِهِمَا (وَبِضَاعَةٍ يَحْتَاجُ إلَى رِبْحِهَا وَنَحْوِهِ) لِأَنَّ
هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ حَاجَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ
فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ يَوْمَ الْعِيدِ.
(وَكَذَا كُتُبُ) عِلْمٍ (يَحْتَاجُهَا لِلنَّظَرِ وَالْحِفْظِ وَحُلِيِّ
الْمَرْأَةِ لِلُبْسِهَا، أَوْ لِكِرَاءٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ) لِأَنَّ
ذَلِكَ أَهَمُّ مِنْ الْفِطْرَةِ، فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا،
(2/247)
لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْكُتُبِ
وَحُلِيِّ الْمَرْأَةِ.
ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَلَمْ أَجِدْ
هَذَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَلَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ قَالَ:
وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْوُجُوبِ، وَاقْتِصَارِهِمْ
عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْمَانِعِ أَيْ مَا يَحْتَاجُهُ مِنْ مَسْكَنٍ
وَعَبْدٍ، وَدَابَّةٍ وَثِيَابٍ بِذْلَةٍ: أَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ
وُجُوبَ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَذَكَرَ احْتِمَالًا أَنَّ الْكُتُبَ تُمْنَعُ
بِخِلَافِ الْحُلِيِّ لِلْحَاجَةِ إلَى الْعِلْمِ وَتَحْصِيلِهِ قَالَ:
وَلِهَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ، أَيْ الْمُوَفَّقُ: أَنَّ الْكُتُبَ تُمْنَعُ
فِي الْحَجِّ وَالْكَفَّارَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُلِيَّ، وَهَذَا
الِاحْتِمَالُ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُنْتَهَى وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ
الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: هَلْ يَمْنَعُ ذَلِكَ أَخْذُ الزَّكَاةِ؟ قَالَ
فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ
وَتَصْحِيحِ الْفُرُوعِ الصَّوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَخْذِ
الزَّكَاةِ.
(وَتَلْزَمُ الْمُكَاتَبَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ وَفِطْرَةُ قَرِيبِهِ
مِمَّنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ) كَوَلَدِهِ التَّابِعُ لَهُ فِي
الْكِتَابَةِ.
(وَ) فِطْرَةُ (رَقِيقِهِ) كَفِطْرَةِ نَفْسِهِ، لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ
النَّصِّ، وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ مَنْ ذَكَرَ
فَلَزِمَتْهُ فِطْرَتُهُ، كَالْحُرِّ، لَا عَلَى سَيِّدِهِ (وَإِنْ لَمْ
يَفْضُلْ) مَعَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ (إلَّا بَعْضَ
صَاعٍ، لَزِمَهُ إخْرَاجُهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا
اسْتَطَعْتُمْ» وَلِأَنَّهَا طُهْرَةٌ فَهِيَ كَالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ
وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ: أَنَّ الْكَفَّارَةَ بَدَلٌ
بِخِلَافِ هَذِهِ فَيُخْرِجُ مَا وَجَدَهُ (عَنْ نَفْسِهِ) لِحَدِيثِ "
ابْدَأْ بِنَفْسِك " وَيُكَمِّلُهُ مَنْ تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ، وَعَجَزَ
عَنْ جَمِيعِهَا (فَإِنْ فَضَلَ) عِنْدَهُ (صَاعٌ وَبَعْضُ صَاعٍ، أَخْرَجَ
الصَّاعَ عَنْ نَفْسِهِ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ.
(وَ) أَخْرَجَ بَعْضَ الصَّاعِ عَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ
زَوْجَةٍ وَنَحْوِهَا (وَيُكَمِّلُهُ الْمَخْرَجُ عَنْهُ) إنْ قَدَرَ
لِأَنَّ الْأَصِيلَ وَالْمَخْرَجُ مُتَحَمِّلٌ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ
فِيمَا عَجَزَ عَنْهُ.
(وَيَلْزَمُ الْمُسْلِمَ فِطْرَةُ مَنْ يَمُونُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ
الزَّوْجَاتِ وَالْإِمَاءِ وَالْأَقَارِبِ وَالْمَوَالِي) ، فَلَا
تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ مَنْ يَمُونُهُ مِنْ الْكُفَّارِ، لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ
لِلْمُخْرِجِ عَنْهُ وَلَا يُطَهِّرُهُ إلَّا الْإِسْلَامُ وَكَذَا عَبْدُ
عَبْدِهِ (حَتَّى زَوْجَةُ عَبْدِهِ الْحُرَّةُ) كَنَفَقَتِهَا.
(وَ) حَتَّى (مَالِكُ نَفْعِ قِنٍّ فَقَطْ) لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ وَهُوَ
الْمُوصَى لَهُ بِنَفْعِهِ فَتَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَيْهِ، كَنَفَقَتِهِ،
لَا عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ.
(وَ) حَتَّى (خَادِمُ زَوْجَتِهِ إنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ) لِأَنَّ
الْفِطْرَةَ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَكَذَا مَرِيضٌ لَا يَحْتَاجُ
نَفَقَةً لِعُمُومِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «أَمَرَنَا النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ
وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ، وَالْعَبْدِ، مِمَّنْ تَمُونُونَ» رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي
(2/248)
نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
(وَلَا تَلْزَمُ) الْفِطْرَةُ (الزَّوْجَ لِبَائِنٍ حَامِلٍ) ، لِأَنَّ
النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ لَا لَهَا مِنْ أَجَلِ الْحَمْلِ وَالْحَمْلُ لَا
تُلْزَمُ فِطْرَتُهُ (وَلَا) تَلْزَمُ الْفِطْرَةُ مَنْ اسْتَأْجَرَ
أَجِيرًا أَوْ ظِئْرًا بِطَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ كَضَيْفٍ لِأَنَّ
الْوَاجِبَ هَهُنَا أُجْرَةٌ تَعْتَمِدُ الشَّرْطَ فِي الْعَقْدِ فَلَا
يُزَادُ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ دَرَاهِمَ وَلِهَذَا تَخْتَصُّ
بِزَمَنٍ مُقَدَّرٍ، كَسَائِرِ الْأُجَرِ.
(وَلَا) تَجِبُ فِطْرَةُ مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ
كَعَبْدِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَعَبْدِ (الْفَيْءِ وَنَحْوِ
ذَلِكَ) كَاللَّقِيطِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِنْفَاقٍ وَإِنَّمَا هُوَ
إيصَالُ الْمَالِ فِي حَقِّهِ (وَلَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ
لِأَمَةٍ لَيْلًا فَقَطْ بَلْ هِيَ عَلَى سَيِّدِهَا) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَ
أَمَةً، وَتَسَلَّمَهَا لَيْلًا فَقَطْ، فَفِطْرَتُهَا عَلَى السَّيِّدِ
دُونَ الزَّوْجِ لِأَنَّهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ.
(وَتَرْتِيبُهَا) أَيْ الْفِطْرَةِ (كَالنَّفَقَةِ) لِتَبَعِيَّتِهَا لَهَا
(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَمُونُ جَمَاعَةً (مَا يُؤَدِّي عَنْ
جَمِيعِهِمْ بَدَأَ لُزُومًا بِنَفْسِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا
تَنْبَنِي عَلَى النَّفَقَةِ، وَنَفَقَةُ نَفْسِهِ مُقَدَّمَةٌ فَكَذَا
فِطْرَتُهُ (ثُمَّ بِامْرَأَتِهِ وَلَوْ أَمَةً) تَسَلَّمَهَا لَيْلًا
وَنَهَارًا، لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْأَقَارِبِ
وَقُمْت عَلَى غَيْرِهَا لِآكَدِيَّتِهَا، وَلِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ (ثُمَّ
بِرَقِيقِهِ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ مَعَ الْإِعْسَارِ وَقَالَ ابْنُ
عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الزَّوْجَةِ، لِئَلَّا تَسْقُطُ
بِالْكُلِّيَّةِ (ثُمَّ بِأُمِّهِ) لِتَقْدِيمِهَا عَلَى الْأَبِ فِي
الْبِرِّ، لِحَدِيثِ مَنْ أَبَرُّ؟ " (ثُمَّ بِأَبِيهِ) لِحَدِيثِ «أَنْتَ
وَمَالُكَ لِأَبِيك» (ثُمَّ بِوَلَدِهِ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ فِي
الْجُمْلَةِ (ثُمَّ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ: الْأَقْرَبَ
فَالْأَقْرَبَ) لِأَنَّ الْأَقْرَبَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، فَقُدِّمَ
كَالْمِيرَاثِ (وَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فَأَكْثَرُ) كَوَلَدَيْنِ أَوْ
أَوْلَادٌ، أَوْ إخْوَةٌ وَلَمْ يَفْضُلْ غَيْرُ صَاعٍ أَقْرَعَ
بَيْنَهُمْ) لِتَسَاوِيهِمْ وَعَدَمِ الْمُرَجَّحِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا
الْقُرْعَةُ.
(وَلَا تَجِبُ) الْفِطْرَةُ (عَنْ جَنِينٍ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
إجْمَاعُ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، لِأَنَّهَا
لَوْ تَعَلَّقَتْ بِهِ قَبْلَ ظُهُورِهِ لَتَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ
بِأَجِنَّةِ السَّوَائِمِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ
الدُّنْيَا إلَّا فِي الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، بِشَرْطِ خُرُوجِهِ حَيًّا
(بَلْ تُسْتَحَبُّ) الْفِطْرَةُ عَنْ الْجَنِينِ، لِفِعْلِ عُثْمَانَ،
وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ " كَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يُعْطُوا زَكَاةَ
الْفِطْرَةِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، حَتَّى عَنْ الْحَمْلِ فِي
بَطْنِ أُمِّهِ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي.
(وَمَنْ تَبَرَّعَ بِمُؤْنَةِ مُسْلِمٍ شَهْرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ،
لَزِمَتْهُ فِطْرَتُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد
وَغَيْرِهِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَمَّنْ تَمُونُونَ» وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ
بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ جَرَتْ
عَلَيْهِ نَفَقَتُك " وَهَذَا
(2/249)
يَعُمُّ مَنْ يَمُونُهُ وَيُنْفِقُ
عَلَيْهِ تَبَرُّعًا فَإِنْ تَبَرَّعَ بِمُؤْنَتِهِ بَعْضَ رَمَضَانَ
وَلَوْ آخِرَهُ، لَمْ تَلْزَمْهُ لِظَاهِرِ النَّصِّ وَ (لَا إنْ مَانَهُ
جَمَاعَةٌ) فَلَا يَلْزَمُهُمْ فِطْرَتُهُ لِعَدَمِ أَمَانَةِ أَحَدِهِمْ
لَهُ جَمِيعَ الشَّهْرِ.
(وَإِذَا كَانَ رَفِيقَ وَاحِدٍ بَيْنَ شُرَكَاءَ) فَعَلَيْهِمْ صَاعٌ
وَاحِدٌ بِحَسَبِ مِلْكِهِمْ فِيهِ، كَنَفَقَتِهِ (أَوْ بَعْضُهُ حُرٌّ)
وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ فَعَلَيْهِ وَعَلَى سَيِّدِهِ صَاعٌ، بِحَسَبِ
الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ (أَوْ) كَانَ (قَرِيبٌ، أَوْ) عَتِيقٌ (تَلْزَمُ
نَفَقَتُهُ اثْنَيْنِ) كَوَلَدَيْهِ أَوْ أَخَوَيْهِ، أَوْ مُعْتِقَيْهِ،
أَوْ ابْنَيْ مُعْتِقَيْهِ، فَأَكْثَرُ فَفِطْرَتُهُ عَلَيْهِمْ
كَنَفَقَتِهِ لَكِنْ لَوْ كَانَ أَبٌ وَأُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ انْفَرَدَ بِهَا
الْأَبُ كَالنَّفَقَةِ (أَوْ أَلْحَقَتْ الْقَافَةُ وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ
فَأَكْثَرُ) عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي اللَّقِيطِ (فَعَلَيْهِمْ
صَاعٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى الْوَاحِدِ
صَاعًا فَأَجْزَأَ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَكَالنَّفَقَةِ وَمَاءِ
طَهَارَتِهِ.
(وَلَا تَدْخُلُ الْفِطْرَةُ فِي الْمُهَايَأَةِ فِيمَنْ بَعْضُهُ حُرِّ)
لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ، كَالصَّلَاةِ وَالْمُهَايَأَةُ مُعَاوَضَةُ
كَسْبٍ بِكَسْبٍ، (فَإِنْ كَانَ يَوْمَ الْعِيدِ نَوْبَةُ الْعَبْدِ
الْمُعْتَقِ نِصْفُهُ مَثَلًا اعْتَبَرَ أَنْ يَفْضُلَ عَنْ قُوتِهِ نِصْفُ
صَاعٍ) فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْ سَيِّدُهُ سِوَى نِصْفِ
الصَّاعِ كَمَا لَوْ عَجَزَ مُكَاتَبٌ عَنْهَا.
(وَإِنْ كَانَتْ نَوْبَةُ السَّيِّدِ) يَوْمَ الْعِيدِ (لَزِمَ الْعَبْدَ
أَيْضًا نِصْفُ صَاعٍ) وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ
عَلَى غَيْرِهِ (وَمَنْ عَجَزَ مِنْهُمْ) أَيْ الشُّرَكَاءِ فِي قِنٍّ أَوْ
مِنْ وَارِثٍ لِقَرِيبٍ أَوْ عَتِيقٍ، أَوْ مَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ وَلَدٌ
(عَمَّا) وَجَبَ (عَلَيْهِ) مِنْ الْفِطْرَةِ الْمُشْتَرَكَةِ (لَمْ
يَلْزَمْ الْآخَرَ سِوَى قِسْطِهِ، كَشَرِيكٍ ذِمِّيٍّ) فَلَا يَلْزَمُ
الْمُسْلِمَ قِسْطُ الذِّمِّيِّ.
(وَإِنْ عَجَزَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ عَنْ فِطْرَتِهَا فَ) هِيَ (عَلَيْهَا
إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَعَلَى سَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً) لِأَنَّ
الزَّوْجَ كَالْمَعْدُومِ (وَلَا تَرْجِعُ) الزَّوْجَةُ (الْحُرَّةُ، وَ)
لَا (السَّيِّدُ بِهَا) أَيْ الْفِطْرَةِ (عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ)
لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ قَبْلُ، لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ
لِلتَّحَمُّلِ وَالْمُوَاسَاةِ.
(وَمَنْ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ أَوْ ضَالٌّ، أَوْ مَغْصُوبٌ، أَوْ مَحْبُوسٌ
كَأَسِيرٍ فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهُ) لِلْعُمُومِ، وَلِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ
بِدَلِيلِ رُجُوعِ مَنْ رَدَّ الْآبِقَ بِنَفَقَتِهِ عَلَى سَيِّدِهِ وَلَا
فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْجُوَ رَجْعَتَهُ أَوْ يَيْأَسَ مِنْهَا وَلَا
يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ زَادَ بَعْضُهُمْ: أَوْ
يَعْلَمُ مَكَانَ الْآبِقِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (إلَّا أَنْ يَشُكَّ)
السَّيِّدُ (فِي حَيَاتِهِ) أَيْ الْآبِقِ وَنَحْوِهِ (فَتَسْقُطُ)
فِطْرَتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ
بَقَاءَهُ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَالظَّاهِرُ مَوْتُهُ
وَكَالنَّفَقَةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ
يُجْزِئْهُ (فَإِنْ عَلِمَ سَيِّدُهُ حَيَاتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَخْرَجَ
لِمَا مَضَى) لِأَنَّهُ بَانَ لَهُ وُجُودُ سَبَبِ الْوُجُوبِ فِي
الْمَاضِي، فَوَجَبَ
(2/250)
الْإِخْرَاجُ، كَمَالٍ غَائِبٍ بَانَتْ
سَلَامَتُهُ.
(وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ زَوْجَةٍ نَاشِزٍ وَقْتَ الْوُجُوبِ)
أَيْ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ (وَلَوْ) كَانَتْ (حَامِلًا) لِأَنَّ
النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ وَلَا تَلْزَمُ فِطْرَتَهُ (وَلَا يَلْزَمُ
الزَّوْجُ) أَيْضًا فِطْرَةَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا، كَغَيْرِ
الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا لَمْ تُسَلَّمْ إلَيْهِ أَيْ تَبْذُلُ
التَّسْلِيمَ هِيَ أَوْ وَلِيُّهَا.
(وَالصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا) أَيْ بِنْتٌ
دُونَ تِسْعٍ، لِأَنَّ الْفِطْرَةَ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ، كَمَا
تَقَدَّمَ (وَتَلْزَمُهُ فِطْرَةُ مَرِيضَةٍ وَنَحْوِهَا، لَا تَحْتَاجُ
إلَى نَفَقَةٍ) لِأَنَّ عَدَمَ احْتِيَاجِهَا لِلنَّفَقَةِ لَا لِخَلَلٍ
فِي الْمُقْتَضَى لَهَا بِخِلَافِ مَا قَبْلُ.
(وَمَنْ لَزِمَ غَيْرَهُ فِطْرَتُهُ) كَالزَّوْجَةِ (فَأَخْرَجَ عَنْ
نَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ إذْنِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ (أَجْزَأَ)
إخْرَاجُهُ (كَمَا لَوْ أَخْرَجَ بِإِذْنِهِ) لِأَنَّهُ أَخْرَجَ عَنْ
نَفْسِهِ، فَأَجْزَأَهُ، كَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ (لِأَنَّ الْغَيْرَ
مُحْتَمَلٌ) لِكَوْنِهَا طُهْرَةً (لَا أَصِيلَ) وَإِنْ كَانَ مُخَاطَبًا
بِهَا (وَلَوْ لَمْ يُخْرِجْ مَنْ تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ غَيْرِهِ مَعَ
قُدْرَتِهِ) كَالزَّوْجِ الْقَادِرِ إذَا لَمْ يُخْرِجْ فِطْرَةَ
زَوْجَتِهِ (لَمْ يَلْزَمْ الْغَيْرَ) الَّذِي هُوَ الزَّوْجَةُ فِي
الْمِثَالِ (شَيْءٌ) لِعَدَمِ خِطَابِهَا بِهَا.
(وَلَهُ) أَيْ الْغَيْرِ الَّذِي وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ
(مُطَالَبَتُهُ بِالْإِخْرَاجِ) كَنَفَقَتِهِ قُلْت وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ
وَلَدًا، فَيُطَالِبُ وَالِدَهُ بِهَا، كَالنَّفَقَةِ.
(وَلَوْ أَخْرَجَ الْعَبْدُ) فِطْرَتَهُ (بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ
يُجْزِئُهُ) لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِ سَيِّدِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
(وَإِنْ أَخْرَجَ) مَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ (عَمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ
فِطْرَتُهُ) كَأَجْنَبِيٍّ (بِإِذْنِهِ، أَجْزَأَ) إخْرَاجُهُ عَنْهُ
(وَإِلَّا فَلَا) قَالَ الْآجُرِّيُّ: هَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ
الْمُسْلِمِينَ.
(وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ
مُطَالَبًا بِهِ) لِتَأَكُّدِهَا، بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا عَلَى الْفَقِيرِ،
وَشُمُولِهَا لِكُلِّ مُسْلِمٍ قَدَرَ عَلَى إخْرَاجِهَا فَجَرَى مَجْرَى
النَّفَقَةِ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ، فَإِنَّهَا تَجِبُ بِالْمِلْكِ،
وَالدَّيْنُ يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَالْفِطْرَةُ تَجِبُ عَلَى الْبَدَنِ،
وَهُوَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مُطَالَبًا بِهِ مَنَعَ
وُجُوبِهَا، لِوُجُوبِ أَدَائِهِ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ، وَتَأَكُّدِهِ
بِكَوْنِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ، لَا يَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ، أَشْبَهَ مَنْ
لَا فَضْلَ عِنْدَهُ.
(وَتَجِبُ) زَكَاةُ الْفِطْرِ (بِغُرُوبِ شَمْسِ لَيْلَةِ عِيدِ)
(الْفِطْرِ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَرَضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ
اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، فَأَضَافَ الصَّدَقَةَ
إلَى الْفِطْرِ فَكَانَتْ وَاجِبَةً بِهِ، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي
الِاخْتِصَاصَ، وَأَوَّلُ فِطْرٍ يَقَعُ مِنْ جَمِيعِ رَمَضَانَ بِمَغِيبِ
الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ (فَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ
بَعْدَ الْغُرُوبِ (أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَهُ أَوْ وُلِدَ لَهُ
وَلَدٌ) بَعْدَهُ (أَوْ مَلَكَ عَبْدًا)
(2/251)
بَعْدَهُ (أَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَقْتَ
الْوُجُوبِ ثُمَّ أَيْسَرَ بَعْدَهُ، فَلَا فِطْرَةَ) عَلَيْهِ، لِعَدَمِ
وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ (وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ) بِأَنْ أَسْلَمَ أَوْ
تَزَوَّجَ أَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ مَلَكَ عَبْدًا (أَوْ أَيْسَرَ
قَبْلَ الْغُرُوبِ وَجَبَتْ) الْفِطْرَةُ، لِوُجُودِ السَّبَبِ.
فَالِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْوُجُوبِ (وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْغُرُوبِ) هُوَ
أَوْ زَوْجَتُهُ أَوْ رَقِيقُهُ أَوْ قَرِيبُهُ وَنَحْوُهُ (أَوْ أَعْسَرَ،
أَوْ أَبَانَ الزَّوْجَةَ، أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَنَحْوَهُ) كَمَا لَوْ
بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ (لَمْ تَجِبْ) الْفِطْرَةُ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا
تَسْقُطُ) الْفِطْرَةُ (بَعْدَ وُجُوبِهَا بِمَوْتٍ وَلَا غَيْرِهِ)
كَإِبَانَةِ زَوْجَةٍ، أَوْ عِتْقِ عَبْدٍ، أَوْ بَيْعِهِ
لِاسْتِقْرَارِهَا وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا فِي عِتْقِ عَبْدٍ.
(وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا) أَيْ الْفِطْرَةِ قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ
يَوْمَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ " كَانُوا يُعْطُونَ
قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (فَقَطْ)
فَلَا تُجْزِئُ قَبْلَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ لِفَوَاتِ
الْإِغْنَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ هَذَا الْيَوْمَ» رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ وَفِيهِ كَلَامٌ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ (وَآخِرُ وَقْتِهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ يَوْمَ
الْفِطْرِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ هَذَا الْيَوْمَ» (فَإِنْ
أَخَّرَهَا عَنْهُ) أَيْ عَنْ يُومِ الْعِيدِ (أَثِمَ) لِتَأْخِيرِهِ
الْوَاجِبَ عَنْ وَقْتِهِ، وَلِمُخَالَفَتِهِ الْأَمْرَ (وَعَلَيْهِ
الْقَضَاءُ) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَمْ تَسْقُطْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ،
كَالصَّلَاةِ (وَالْأَفْضَلُ: إخْرَاجُهَا) أَيْ الْفِطْرَةِ (يَوْمَ
الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ قَدْرِهَا) فِي مَوْضِعٍ لَا يُصَلَّى
فِيهِ الْعِيدُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ
بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ " فِي
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ جَمْعٌ: الْأَفْضَلُ أَنْ يُخْرِجَهَا إذَا
خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى.
(وَيَجُوزُ) إخْرَاجُهَا (فِي سَائِرِهِ) أَيْ بَاقِي يَوْمِ الْعِيدِ
لِحُصُولِ الْإِغْنَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ (مَعَ الْكَرَاهَةِ)
لِمُخَالَفَتِهِ الْأَمْرَ بِالْإِخْرَاجِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى
الْمُصَلَّى (وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَةُ غَيْرِهِ مِنْ زَوْجَةٍ
أَوْ عَبْدٍ أَوْ قَرِيبٍ أَخْرَجَهَا مَكَانَ نَفْسِهِ) مَعَ فِطْرَتِهِ
لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ لَهُ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ (وَيَأْتِي) فِي
الْبَابِ بَعْدَهُ.
[فَصْلٌ الْوَاجِبُ فِي زَكَاة الْفِطْر]
فَصْلٌ وَالْوَاجِبُ فِيهَا أَيْ الْفِطْرَةِ صَاعٌ عِرَاقِيٌّ لِأَنَّهُ
الَّذِي أَخْرَجَ بِهِ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَعِبَارَةُ الْمُبْدِعِ
(2/252)
صَاعٌ بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِكَفَّيْ رَجُلٍ
مُعْتَدِلِ الْقَامَةِ، وَحِكْمَتُهُ: كِفَايَةُ الصَّاعِ لِلْفَقِيرِ فِي
أَيَّامِ الْعِيدِ انْتَهَى وَهُوَ قَدْ حَانَ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ
الْبُرِّ، أَوْ مِثْلِ مَكِيلِهِ مِنْ التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ قَالَ فِي
الْمُبْدِعِ إجْمَاعًا.
(وَلَوْ) كَانَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ (مَنْزُوعِي الْعَجَمِ) لِعُمُومِ
الْخَبَرِ (أَوْ الشَّعِيرِ) ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ إجْمَاعًا (وَكَذَا
الْأَقِطُ) وَيَأْتِي بَيَانُهُ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ) الْأَقِطُ (قُوتُهُ
وَ) لَوْ (لَمْ يَعْدَمْ الْأَرْبَعَةَ) أَيْ التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ
وَالْبُرَّ وَالشَّعِيرَ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ
«كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذْ كَانَ فِينَا النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ
شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا
مِنْ أَقِطٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(أَوْ) صَاعًا (مِنْ مُجْمَعٍ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ التَّمْرِ
وَالزَّبِيبِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالْأَقِطِ، فَإِذَا جَمَعَ مِنْهَا
صَاعًا وَأَخْرَجَهُ أَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ خَالِصًا مِنْ
أَحَدِهَا.
(وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَخْرَجُ قُوتًا لَهُ) أَيْ لِلْمُخْرِجِ
كَالتَّمْرِ بِمِصْرَ فَإِنَّهُ لَيْسَ قُوتًا بِهَا غَالِبًا، وَيُجْزِئُ
إخْرَاجُهُ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ (وَلَا عِبْرَةَ بِوَزْنِ تَمْرٍ
وَغَيْرِهِ، مِمَّا يُخْرِجُهُ سِوَى الْبُرِّ) الْمُخْرَجُ مِنْ غَيْرِ
الْبُرِّ (صَاعًا بِالْبُرِّ) بِأَنْ اتَّخَذَ مَا يَسَعُ صَاعًا مِنْ
جَيِّدِ الْبُرِّ، وَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ صَاعًا (أَجْزَأَ
لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ) الْمُخْرَجُ
(الْوَزْنَ) أَيْ وَزْنَ الصَّاعِ، لِخِفَّتِهِ كَالشَّعِيرِ (وَيُحْتَاطُ
فِي الثَّقِيلِ فَيَزِيدُ عَلَى الْوَزْنِ) أَيْ وَزْنِ الصَّاعِ (شَيْئًا
يُعْلَمُ أَنَّهُ) أَيْ الثَّقِيلَ (قَدْ بَلَغَ صَاعًا) كَيْلًا
(لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ) فَيَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ.
(وَلَا يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي سَعِيدٍ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ
الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ " فَفِيهِ مَقَالٌ
لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ
الْمَدِينِيِّ (وَيُجْزِئُ صَاعُ دَقِيقٍ وَسَوِيقٍ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ
الْحَبِّ) نَصَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِزِيَادَةٍ انْفَرَدَ بِهَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ " أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ لِابْنِ
عُيَيْنَةَ: أَنَّ أَحَدًا لَا يَذْكُرُهُ فِيهِ قَالَ: بَلْ هُوَ فِيهِ
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ الْمَجْدُ: بَلْ أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ
لِأَنَّهُ كَفَى مُؤْنَتَهُ، كَتَمْرٍ نُزِعَ نَوَاهُ (وَسَوِيقِ بُرٍّ
أَوْ شَعِيرٍ: يُحَمَّصُ) وَعِبَارَةُ الْمُبْدِعِ: يُقْلَى (ثُمَّ
يُطْحَنُ وَصَاعُ الدَّقِيقِ) يُعْتَبَر بِ (وَزْنِ حَبِّهِ) نَصَّ
عَلَيْهِ لِتَفَرُّقِ الْأَجْزَاءِ بِالطَّحْنِ.
وَكَذَا السُّوَيْقُ (وَيُجْزِئُ دَقِيقٌ بِلَا نَخْلٍ) كَقَمْحٍ بِلَا
تَنْقِيَةٍ (وَالْأَقِطُ لَبَنٌ جَامِدٌ يُجَفَّفُ بِالْمَصْلِ) أَيْ
بِسَبَبِ الْمَصْلِ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ (يُعْمَلُ مِنْ
(2/253)
اللَّبَنِ الْمَخِيضِ) وَقِيلَ مِنْ لَبَنِ
الْإِبِلِ خَاصَّةً.
(وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ، مَعَ قُدْرَتِهِ
عَلَى تَحْصِيلِهَا) كَالدِّبْسِ وَالْمَصْلِ، وَالْجُبْنِ لِلْأَخْبَارِ
الْمُتَقَدِّمَةِ (وَلَا) إخْرَاجُ (الْقِيمَةِ) لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ
الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي زَكَاةِ الْأَمْوَالِ
(فَإِنَّ عَدَمَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ
أَخْرَجَ مَا يُقَوَّمُ مَقَامَهُ) مِنْ حَبٍّ وَتَمْرٍ يَقْتَاتُ إذَا
كَانَ مَكِيلًا، (كَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَالْمَاشِ وَنَحْوِهِ)
كَالْأُرْزِ وَالتِّينِ وَالتُّوتُ الْيَابِسُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَشْبَهَ
بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى.
(وَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ حَبٍّ مَعِيبٍ، كَمُسَوِّسٍ وَمَبْلُولٍ
وَقَدِيمٍ، تَغَيَّرَ طَعْمُهُ وَنَحْوِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا
تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] وَلِأَنَّ
السُّوسَ يَأْكُلُ جَوْفَهُ وَالْبَلَلَ يَنْفُخُهُ (فَالْمُخْرِجُ لِصَاعٍ
مِنْهُ لَيْسَ هُوَ الْوَاجِبُ شَرْعًا) وَلَا خُبْزٍ لِأَنَّهُ خَرَجَ
عَنْ الْكَيْلِ وَالِادِّخَارِ وَفِيهِ شَبَهٌ بِإِخْرَاجِ الْقِيمَةِ
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُجْزِئُ (فَإِنْ خَالَطَ الْمُخْرَجُ) الْجَيِّدَ
(مَا لَا يُجْزِئُ وَكَثُرَ لَمْ يُجْزِئْهُ) ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ
(وَإِنْ قَلَّ الَّذِي لَا يُجْزِئُ زَادَ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ
الْمُصَفَّى صَاعًا) لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْبًا لِقِلَّةِ مَشَقَّةِ
تَنْقِيَتِهِ (وَأَحَبَّ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (تَنْقِيَةَ الطَّعَامِ)
وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ لِيَكُونَ أَكْمَلَ.
(وَأَفْضَلُ مُخْرَجٍ: تَمْرٌ) لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَقَالَ لَهُ أَبُو مِجْلَزٍ " إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْسَعَ،
وَالْبُرُّ أَفْضَلُ فَقَالَ: إنَّ أَصْحَابِي سَلَكُوا طَرِيقًا فَأَنَا
أُحِبُّ أَنْ أَسْلُكَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ، وَلِأَنَّهُ
قُوتٌ وَحَلَاوَةٌ وَأَقْرَبُ تَنَاوُلًا، وَأَقَلُّ كُلْفَةً (ثُمَّ
زَبِيبٌ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّمْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ بُرٌّ)
لِأَنَّهُ أَنْفَعُ فِي الِاقْتِيَاتِ، وَأَبْلَغُ فِي دَفْعِ حَاجَةِ
الْفَقِيرِ (ثُمَّ أَنْفَعُ) لِلْفَقِيرِ (ثُمَّ شَعِيرٌ ثُمَّ دَقِيقُ
بُرٍّ، ثُمَّ دَقِيقُ شَعِيرٍ ثُمَّ سُوَيْقُهُمَا) أَيْ سُوَيْقُ الْبُرِّ
ثُمَّ الشَّعِيرُ (ثُمَّ أَقِطٌ) .
(وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْجَمَاعَةَ) مِنْ الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ
(مَا يَلْزَمُ الْوَاحِدَ) مِنْ فِطْرَةٍ أَوْ زَكَاةِ مَالٍ قَالَ فِي
الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، فَإِذَا أَعْطَى
مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةً، جَازَ لِأَنَّهُ دَفَعَ الصَّدَقَةَ إلَى
مُسْتَحَقِّهَا (لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يُنْقِصَهُ) أَيْ كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْ الْآخِذِينَ (عَنْ مُدِّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ
غَيْرِهِ) لِيَحْصُلَ إغْنَاؤُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْمَأْمُورِ بِهِ،
كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) يَجُوزُ (أَنْ يُعْطِيَ الْوَاحِدَ مَا يَلْزَمُ
الْجَمَاعَةَ) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ،
فَجَازَ صَرْفُهَا لِوَاحِدٍ، كَالزَّكَاةِ.
(وَلِفَقِيرٍ إخْرَاجُ فِطْرَةٍ، وَزَكَاةٍ عَنْ نَفْسِهِ إلَى مَنْ
أُخِذَتَا مِنْهُ) لِأَنَّهُ رَدَّ بِسَبَبٍ مُتَجَدِّدٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ
عَادَتْ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ (مَا لَمْ
(2/254)
يَكُنْ حِيلَةً) كَأَنْ يَشْرِطُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ أَنْ
يَرُدَّهَا إلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ.
(وَكَذَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، إذَا حُصِّلَتَا) أَيْ الْفِطْرَةُ
وَزَكَاةُ الْمَالِ (عِنْدَهُ، فَقَسَمَهُمَا رَدَّهُمَا) أَيْ جَازَ
لِلْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّهُمَا (إلَى مَنْ أُخِذَتَا مِنْهُ وَتَقَدَّمَ
بَعْضُ ذَلِكَ) وَتَوْضِيحُهُ (وَكَانَ عَطَاءٌ يُعْطِي عَنْ أَبَوَيْهِ
صَدَقَةَ الْفِطْرِ، حَتَّى مَاتَ، وَهُوَ تَبَرُّعٌ اسْتَحْسَنَهُ)
الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) رَحِمِهِمَا اللَّهُ تَعَالَى. |