مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى

[بَابُ التَّيَمُّمِ]
(بَابُ التَّيَمُّمِ) لُغَةً: الْقَصْدُ، قَالَ - تَعَالَى -: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] يُقَالُ: يَمَّمَتْ فُلَانًا وَتَيَمَّمْتُهُ وَأَمَّمْتُهُ إذَا قَصَدْتُهُ، وَمِنْهُ {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2] وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَمَا أَدْرِي إذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا ... أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي
أَأَلْخَيْرُ الَّذِي أَنَا مُبْتَغِيهِ ... أَمْ الشَّرُّ الَّذِي هُوَ مُبْتَغِينِي
وَشَرْعًا: (اسْتِعْمَالُ تُرَابٍ مَخْصُوصٍ) - أَيْ: طَهُورٍ مُبَاحٍ (لِوَجْهٍ وَيَدَيْنِ) عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ يَأْتِي تَفْصِيلُهُ، وَسَنَدُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] الْآيَةَ وَحَدِيثُ عَمَّارٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ

(1/189)


خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ،؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يَجْعَلْهُ طَهُورًا لِغَيْرِهَا تَوْسِعَةً عَلَيْهَا وَإِحْسَانًا إلَيْهَا، وَالتَّيَمُّمُ (بَدَلُ طَهَارَةِ مَاءٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهَا يَجِبُ فِعْلُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَلَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ إلَّا لِعُذْرٍ، وَهَذَا شَأْنُ الْبَدَلِ (لِ) فِعْلِ (كُلِّ مَا يُفْعَلُ بِهِ) أَيْ: بِالْمَاءِ بِطَهَارَتِهِ، كَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ وَقِرَاءَةٍ وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ وَلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ (عِنْدَ عَجْزٍ) - مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِعْمَالِ، أَوْ صِفَةٌ لِبَدَلٍ - (عَنْهُ) - أَيْ: الْمَاءِ - (شَرْعًا) ، أَيْ: مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَلَوْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ حِسًّا (سِوَى نَجَاسَةٍ عَلَى غَيْرِ بَدَنٍ) كَثَوْبٍ وَبُقْعَةٍ، فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا، إذْ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا قِيَاسَ يَقْتَضِيهِ، وَسِوَى لُبْثٍ بِمَسْجِدٍ إذَا تَعَذَّرَ الْوُضُوءُ عَاجِلًا وَأَرَادَ اللُّبْثَ لِلْغُسْلِ فِيهِ، فَلَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِذَلِكَ، وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ لِكُلِّ مَا يُفْعَلُ بِهِ، لَكِنْ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، وَهُوَ الْوُجُوبُ، لَا مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ اتِّفَاقًا.

(وَيَتَّجِهُ: وَسِوَى غَسْلِ يَدَيْ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ) ، أَيْ: فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ لِذَلِكَ، (وَ) سِوَى (غَسْلِ ذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ، لِخُرُوجِ مَذْيٍ) دُونَهُ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ نَجِسٌ فَيَتَيَمَّمُ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَجَاسَةٌ عَلَى الْبَدَنِ، بِخِلَافِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ نَجَاسَةً فَيَتَيَمَّمُ لَهَا، وَلَا حَدَثًا بَلْ فِي مَعْنَاهُ، فَلَا يَجِبُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

(وَهُوَ) - أَيْ: التَّيَمُّمَ - (عَزِيمَةٌ) كَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، (وَجَوَازُهُ) - أَيْ: التَّيَمُّمَ - (مَعَ) جَوَازِ (أَكْلِ مَيْتَةٍ لِمُضْطَرٍّ) لَيْسَ خَاصًّا بِسَفَرٍ، (وَ) جَوَازُ (صَلَاةٍ) نَافِلَةٍ (عَلَى رَاحِلَةٍ لَيْسَ خَاصًّا بِسَفَرٍ) مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ عَزِيمَةٌ.
قَالَ الْقَاضِي: لَوْ خَرَجَ إلَى ضَيْعَةٍ لَهُ

(1/190)


فَقَارَبَ الْبُنْيَانَ وَالْمَنَازِلَ، وَلَوْ بِخَمْسِينَ خُطْوَةٍ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ لِضَرُورَةٍ انْتَهَى؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ عُرْفًا، (وَهُوَ) - أَيْ: التَّيَمُّمُ - (مُبِيحٌ) لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا (لَا رَافِعٌ) لِلْحَدَثِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكَ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَوْ رَفَعَ الْحَدَثَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْمَاءِ إذَا وَجَدَهُ.

(وَيَصِحُّ) التَّيَمُّمُ (بِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ) : الْأَوَّلُ: (نِيَّةٌ. وَ) الثَّانِي: (إسْلَامٌ. وَ) الثَّالِثُ: (عَقْلٌ. وَ) الرَّابِعُ: (تَمْيِيزٌ. وَ) الْخَامِسُ: (اسْتِنْجَاءٌ) بِمَاءٍ (أَوْ اسْتِجْمَارٌ) بِنَحْوِ حَجَرٍ. (وَ) السَّادِسُ: (إزَالَةُ مَا عَلَى بَدَنِ) الْمُتَيَمِّمِ (مِنْ نَجَاسَةٍ ذَاتِ جُرْمٍ. السَّابِعُ: دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ) يُرِيدُ الْمُتَيَمِّمُ لَهَا، (وَلَوْ) كَانَتْ (مَنْذُورَةً بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ) ، كَمَنْ نَذَرَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الزَّوَالِ بِعَشْرِ دُرْجٍ مَثَلًا، (فَلَا يَصِحُّ) التَّيَمُّمُ (لِ) صَلَاةٍ (حَاضِرَةٍ) - أَيْ: مُؤَدَّاةٍ - (وَ) لَا لِصَلَاةِ (عِيدٍ قَبْلَ) دُخُولِ (وَقْتِهِمَا، وَكَذَا) لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لِصَلَاةٍ (رَاتِبَةٍ) قَبْلَ وَقْتِهَا نَصًّا، (وَ) لَا لِصَلَاةٍ (مَنْذُورَةٍ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَهُ) ، أَيْ: قَبْلَ ذَلِكَ الزَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ دُخُولُهُ كَالْمَفْرُوضَةِ، (وَلَا لِ) صَلَاةٍ (فَائِتَةٍ إلَّا إنْ ذَكَرَهَا، وَأَرَادَ فِعْلَهَا، وَلَا لِ) صَلَاةِ (كُسُوفٍ قَبْلَ وُجُودِهِ) - أَيْ: الْكُسُوفِ، (وَلَا لِ) صَلَاةِ (اسْتِسْقَاءٍ مَا لَمْ يَجْتَمِعُوا) ، أَيْ: النَّاسُ لَهَا. (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ (الْمُرَادَ) مِنْ اجْتِمَاعِهِمْ: (اجْتِمَاعُ غَالِبِهِمْ) لِلصَّلَاةِ (وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّهُ يَصِحُّ) مِنْهُمْ (صَلَاةُ ذَلِكَ) الِاسْتِسْقَاءِ (بِتَيَمُّمِ) فَاعِلِهَا (لِ) أَجْلِ صَلَاةِ (فَرْضٍ) كَانَ تَيَمَّمَ لَهُ (قَبْلَ) إرَادَةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، (كَ) مَا لَوْ صَلَّى صَلَاةَ (تَرَاوِيحَ بِتَيَمُّمٍ) لِ (صَلَاةِ عِشَاءٍ) إذْ مَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ، ثُمَّ أُبِيحَتْ نَافِلَةٌ بَعْدَهَا فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا، كَمَا

(1/191)


لَوْ دَخَلَ وَقْتُ مَنْذُورَةٍ بَعْدَ أَنْ تَيَمَّمَ لِلْفَرِيضَةِ خِلَافًا لِلْمَجْدِ، وَمِثْلُهُ مَنْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ سُنَّتَهَا الْبَعْدِيَّةَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا لِ) صَلَاةِ (جِنَازَةٍ إلَّا إذَا غُسِّلَ مَيِّتٌ) إنْ أَمْكَنَ (أَوْ يُمِّمَ لِعُذْرٍ) مِنْ نَحْوِ تَقَطُّعٍ، أَوْ عَدَمِ مَاءٍ (وَيَتَّجِهُ عَدَمُ بُطْلَانِ تَيَمُّمِ مُصَلِّينَ بِوُجُودِ مَاءٍ) قَدْرَ مَا (يَكْفِيهِ) أَيْ: الْمَيِّتَ (فَقَطْ) فَيُغَسَّلُ بِذَلِكَ الْمَاءِ، ثُمَّ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ، إذْ وُجُودُ الْقَدْرِ الَّذِي غُسِّلَ بِهِ الْمَيِّتُ كَعَدَمِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ وُجِدَ قَبْلَ دُخُولِهِمْ فِي الصَّلَاةِ فَبَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَتَيَمُّمُهُمْ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْمَاءِ وَلَوْ لَمْ يَكْفِ لِجَمِيعِهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَيُغَسَّلُ الْمَيِّتُ، ثُمَّ يُجَدِّدُونَ التَّيَمُّمَ لِفَقْدِ الْمَاءِ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَعُمُومُ قَوْلِهِ: إلَّا إذَا غُسِّلَ مَيِّتٌ: يَشْمَلُ ذَلِكَ
، (وَلَا لِ) صَلَاةِ (نَفْلٍ وَقْتَ نَهْيٍ) عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورَةً تَتَقَيَّدُ بِالْوَقْتِ، كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْوَقْتِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ بِلَا عُذْرٍ (وَيَتَّجِهُ) : تَقْيِيدُهُ بِوَقْتِ نَهْيٍ عَنْهُ، أَيْ: عَنْ فِعْلِ صَلَاةٍ نَافِلَةٍ فِيهِ (بِخِلَافِ) مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ فِعْلِ

(1/192)


(نَحْوِ رَكْعَتَيْ طَوَافٍ، وَسُنَّةِ فَجْرٍ قَبْلَهَا) ، وَكَذَا سُنَّةُ عَصْرٍ مَجْمُوعَةٍ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِمَا أُبِيحَ فِعْلُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. .
الشَّرْطُ (الثَّامِنُ:) (تَعَذُّرُ) اسْتِعْمَالِ (مَاءٍ وَلَوْ) كَانَ التَّعَذُّرُ (بِحَبْسٍ) لِلْمَاءِ بِأَنْ يُوضَعَ الْمَاءُ فِي مَكَان لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهِ، أَوْ الشَّخْصِ عَلَى الْخُرُوجِ فِي طَلَبِهِ، (أَوْ غَيْرِهِ) - أَيْ: الْحَبْسِ - حَضَرًا كَقَطْعِ عَدُوٍّ مَاءَ بَلَدِهِ، (أَوْ) بِسَبَبِ (عَجْزٍ عَنْ تَنَاوُلِهِ) - أَيْ: الْمَاءِ - مِنْ بِئْرٍ وَنَحْوِهِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، وَلِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ أَشْبَهَ الْمُسَافِرَ، وَأَمَّا الْآيَةُ: فَلَعَلَّ ذِكْرَ السَّفَرِ فِيهَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَذِكْرِهِ فِي الرَّهْنِ، فَلَا يَكُونُ مَفْهُومُهُ مُعْتَبَرًا، (وَلَوْ بِفَمٍ لِفَقْدِ آلَةٍ يَتَنَاوَلُ بِهَا كَمَقْطُوعِ يَدَيْنِ) ، وَصَحِيحٍ عَدِمَ مَا يَسْتَقِي بِهِ مِنْ نَحْوِ بِئْرٍ كَحَبْلٍ وَدَلْوٍ (أَوْ) لِكَوْنِ يَدَيْهِ (نَجِسَتَيْنِ) ، وَالْمَاءُ قَلِيلٌ (فَيَأْخُذُهُ بِفِيهِ، وَيَصُبُّ عَلَى يَدَيْهِ) ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا، وَقَدَرَ عَلَى غَمْسِ أَعْضَائِهِ بِهِ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُهُ.

أَوْ تَعَذَّرَ الْمَاءُ مَعَ وُجُودِهِ (لِمَرَضٍ) عَرَضَ لَهُ يَعْجِزُ مَعَهُ عَنْ الْوُضُوءِ بِنَفْسِهِ (مَعَ عَدَمِ مُوَضِّئٍ) لَهُ، أَوْ مَنْ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ مَعَ عَجْزِهِ عَنْهُ (أَوْ) غَيْبَتِهِ عَنْهُ مَعَ (خَوْفِهِ بِانْتِظَارِهِ) - أَيْ: الْمُوَضِّئِ، أَوْ الصَّابِّ - (فَوْتَ وَقْتٍ) (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَ (لِاخْتِيَارٍ) كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ

(1/193)


(أَوْ خَوْفِهِ) - أَيْ: الْمَرِيضِ الْقَادِرِ عَلَى الْوُضُوءِ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ - (بِاسْتِعْمَالِهِ) - أَيْ: الْمَاءِ - (بُطْءَ بُرْءٍ) أَيْ: طُولَ مَرَضٍ، (أَوْ) خَوْفَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ (بَقَاءَ شَيْءٍ فَاحِشٍ) - أَيْ: كَثِيرٍ - (فِي جَسَدِهِ وَلَوْ بَاطِنًا إنْ أَخْبَرَهُ بِهِ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ) .
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَكَذَا لَوْ خَافَ حُدُوثَ نَزْلَةٍ (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ، أَيْ: بُطْءَ الْبُرْءِ أَوْ بَقَاءَ الشَّيْنِ (بِنَفْسِهِ) مِنْ غَيْرِ إخْبَارِ طَبِيبٍ إذْ الْإِنْسَانُ غَالِبًا يَعْلَمُ مَا يَضُرُّهُ بِحَسَبِ مَا عَهِدَ مِنْ عَادَتِهِ، وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا خَافَ ذَهَابَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ ضَرَرًا فِي نَفْسِهِ مِنْ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ فَهُنَا أَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

(أَوْ) خَوْفُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ الْمَاءَ (ضَرَرَ بَدَنِهِ مِنْ جَرْحٍ) فِيهِ بَعْدَ غَسْلِ مَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ، (أَوْ) مِنْ (بَرْدٍ شَدِيدٍ) ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يُسَخِّنُ الْمَاءَ بِهِ.

(أَوْ) خَوْفُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ (فَوْتَ رُفْقَةٍ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " أَوْ ظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا بِفَوَاتِ الرُّفْقَةِ، لِفَوَاتِ الْإِلْفِ وَالْأُنْسِ، (أَوْ) خَوْفُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ فَوْتَ (مَالَهُ) .

(أَوْ) خَوْفُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ (عَطَشَ نَفْسِهِ حَالًا أَوْ مَآلًا، أَوْ) عَطَشَ (غَيْرِهِ) كَذَلِكَ (مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ مُحْتَرَمَيْنِ، لَا) إنْ خَافَ عَطَشَ (نَحْوِ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَكَلْبٍ عَقُورٍ) أَوْ أَسْوَدَ بَهِيمٍ (وَزَانٍ مُحْصَنٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُحْتَرَمِينَ، (وَعَلَى هَذَا) - أَيْ: عَدَمِ احْتِرَامِ مَنْ ذُكِرَ - (فَيَجِبُ سَقْيُهُ) - أَيْ: الْمَاءِ - (لِكَلْبٍ

(1/194)


مُحْتَرَمٍ) ، أَيْ: لَا عَقُورٍ، وَلَا أَسْوَدَ بَهِيمٍ، (وَتَرْكُ زَانٍ) مُحْصَنٍ (مُسْلِمٍ وَلَوْ مَاتَ) عَطَشًا، (مَا لَمْ يَتُبْ) تَوْبَةً نَصُوحًا.

(أَوْ خَوْفُهُ) بِاسْتِعْمَالِهِ (احْتِيَاجَهُ) - أَيْ: الْمَاءِ - (لِعَجْنٍ أَوْ طَبْخٍ) ، فَمَنْ خَافَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَالْحَرَجِ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَرَفِيقِهِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَخَشِيَ الْعَطَشَ أَنَّهُ يُبْقِي مَاءَهُ لِلشُّرْبِ وَيَتَيَمَّمُ.

(وَلَا يَحِلُّ) لِمَنْ عِنْدَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ وَمُتَنَجِّسٌ (اسْتِعْمَالُ) الْمَاءِ (الْمُتَنَجِّسِ إذَنْ) - أَيْ: إذَا خَافَ عَطَشًا - فَيَحْبِسُ الطَّاهِرَ، وَيُرِيقُ النَّجِسَ إنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ، وَإِلَّا حَبَسَهُ، (أَوْ) تَعَذَّرَ الْمَاءُ، (لِعَدَمِ بَذْلِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَادَةً عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ فِي مَكَانِهِ) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي دَفْعِ الزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَحَمُّلُهُ، كَضَرَرِ النَّفْسِ (فَيَتَيَمَّمُ فِي الْكُلِّ) ، أَيْ: كُلِّ مَا مَرَّ مِنْ الْمَسَائِلِ، (وَلَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ (مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ حَصَلَ مَا خَافَ مِنْهُ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ فَخَرَجَ مِنْ عُهْدَتِهِ.

(وَيَلْزَمُ) مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَاحْتَاجَهُ (شِرَاءُ مَاءٍ وَحَبْلٍ وَدَلْوٍ) احْتَاجَ إلَيْهِمَا لِيَسْتَقِيَ بِهِمَا (بِثَمَنِ مِثْلٍ أَوْ) شَيْءٍ (زَائِدٍ) عَنْهُ (يَسِيرًا) عَادَةً فِي مَكَانِهِ (فَاضِلٍ) - صِفَةٌ لِثَمَنٍ - (عَنْ حَاجَتِهِ) : كَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَنَفَقَةٍ وَمُؤْنَةِ سَفَرٍ لَهُ وَلِعِيَالِهِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى ثَمَنِ الْعَيْنِ كَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فِي عَدَمِ جَوَازِ الِانْتِقَالِ إلَى الْبَدَلِ، وَالزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ لَا أَثَرَ لَهَا، إذْ الضَّرَرُ الْيَسِيرُ قَدْ اُغْتُفِرَ فِي النَّفْسِ فَفِي الْمَالِ أَحْرَى، (وَلَا) يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ (بِدَيْنٍ) وَلَوْ قَدَرَ عَلَى وَفَاءٍ بِبَلَدِهِ، (وَ) يَلْزَمُهُ أَيْضًا (تَحْصِيلُ دَلْوٍ وَحَبْلٍ عَارِيَّةً) مِمَّنْ هُمَا مَعَهُ، (وَ) قَبُولُ (مَاءٍ قَرْضًا) لَا اسْتِقْرَاضُهُ، (وَ) يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ (هِبَةً) لَا اسْتِيهَابَهُ، (وَ) يَلْزَمُهُ قَبُولُ (ثَمَنِهِ قَرْضًا وَلَهُ وَفَاءٌ) ؛ لِأَنَّ الْمِنَّةَ فِي ذَلِكَ يَسِيرَةٌ فِي الْعَادَةِ فَلَا يَضُرُّ احْتِمَالُهَا، (وَ) لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ ثَمَنِهِ (هِبَةً) لِلْمِنَّةِ، وَلَا اسْتِقْرَاضُ

(1/195)


ثَمَنِهِ (فَإِنْ تَرَكَ مَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ أَوْ تَحْصِيلُهُ مِنْ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى) حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَ (أَعَادَ) مَا صَلَّاهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ فَاقِدٍ لِلْمَاءِ (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ (مَا لَمْ يَيْأَسْ) مَنْ قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِ أَوْ قَبُولِ مَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ (مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ التَّحْصِيلِ أَوْ الْقَبُولِ - (بَعْدَ) ذَلِكَ، كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِ مَا ذُكِرَ وَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى أَيِسَ مِنْهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ، كَمَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ - وَهُوَ مُتَّجِهٌ - (وَيَتَيَمَّمُ بَعْدَ إيَاسِهِ) مِنْ تَحْصِيلِ ذَلِكَ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ.

(وَيَجِبُ) عَلَى مَنْ مَعَهُ مَاءٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَةِ شُرْبِهِ (بَذْلُهُ لِعَطْشَانَ مُحْتَرَمٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ) ، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا؛ لِأَنَّهُ إنْقَاذٌ مِنْ هَلَكَةٍ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ، (فَإِنْ تَوَضَّأَ) بِفَاضِلٍ عَنْهُ (إذَنْ) - أَيْ: وَقْتَ عَطَشِ الْمُحْتَرَمِ الْمُحْتَاجِ (حَرُمَ) عَلَيْهِ، (وَصَحَّ) وُضُوءُهُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ عَنْ ذَاتِ الْمَاءِ.

وَ (لَا) يَلْزَمُ بَذْلُ الْمَاءِ (لِطَهَارَةِ غَيْرِهِ بِحَالٍ) ، سَوَاءٌ كَانَ يَجِدُ غَيْرَهُ أَوْ لَا، طَلَبَهُ بِثَمَنِهِ أَوْ لَا كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ لَا يَجِبُ بَذْلُهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا.

(وَيُيَمَّمُ) وُجُوبًا (رَبُّ مَاءٍ مَاتَ) بَدَلَ غُسْلِهِ (لِعَطَشِ رَفِيقِهِ) ، كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا، (وَيَغْرَمُ) رَفِيقُهُ (ثَمَنَهُ) - أَيْ: قِيمَةَ الْمَاءِ - (مَكَانَهُ وَقْتَ إتْلَافِهِ) لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ لِانْتِقَالِهِ إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ (مَعَ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْوَرَثَةِ، إذْ الْمَاءُ لَا قِيمَةَ لَهُ فِي الْحَضَرِ غَالِبًا، (وَمُقْتَضَاهُ) أَنَّ (كُلَّ مِثْلِيٍّ أُتْلِفَ حَالَ غَلَائِهِ) يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ مَكَانَهُ وَقْتَ التَّلَفِ، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْوَاجِبُ الْمِثْلُ.

(وَمَنْ) (أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِهِ) - أَيْ:

(1/196)


الْمَاءِ - (ثُمَّ يَجْمَعَهُ وَيَشْرَبَهُ) بَعْدَ وُضُوئِهِ (لَمْ يَلْزَمْهُ) ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ (وَيَتَّجِهُ) : عَدَمُ لُزُومِ مُتَطَهِّرٍ جَمْعُ مَاءٍ إلَّا إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ (لِ) عَطَشِ (بَهِيمَةٍ) مُحْتَرَمَةٍ، فَيَجْمَعُهُ وَيَسْقِيهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا (لَا تَعَافُهُ) ، وَمَعَ خَوْفِ تَلَفِهَا (يَلْزَمُهُ) جَمْعُهُ اسْتِبْقَاءً لَهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

(وَمَنْ) (قَدَرَ عَلَى) اسْتِخْرَاجِ (مَاءِ بِئْرٍ بِثَوْبٍ) يُدْلِيهِ فِيهَا (يَبُلُّهُ،) ثُمَّ يُخْرِجُهُ (فَيَعْصِرُهُ) (لَزِمَهُ) ذَلِكَ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمَاءِ (مَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ) - أَيْ: الثَّوْبِ بِذَلِكَ - (أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مَاءٍ) فَلَا يَلْزَمُهُ، كَشِرَائِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، وَحَيْثُ لَزِمَهُ فَعَلَ، (وَلَوْ خَافَ فَوْتَ وَقْتٍ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مَعَهُ آلَةُ الِاسْتِسْقَاءِ الْمُعْتَادَةُ. (وَيَتَّجِهُ: لَا إنْ كَانَ مُسَافِرًا) فَقَدِمَ، (لِمَا يَأْتِي) قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ مُسَافِرٌ إلَى مَاءٍ بِضِيقِ وَقْتٍ، أَوْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ لَكِنْ عَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَهُ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي فِي الْوَقْتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

(وَمَنْ) (بِبَدَنِهِ نَحْوُ جُرْحٍ) كَقُرُوحٍ أَوْ رَمَدٍ، وَتَضَرَّرَ بِغَسْلِ ذَلِكَ، وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ مُحْدِثٌ، (وَلَا ضَرَرَ بِمَسْحِهِ، وَلَيْسَ بِنَجِسٍ:) (وَجَبَ) عَلَيْهِ الْمَسْحُ بِالْمَاءِ.
قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " (وَأَجْزَأَ عَنْ تَيَمُّمٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ

(1/197)


بِالْمَاءِ بَعْضُ الْغُسْلِ وَقَدَرَ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ، لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَكَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ، وَقَدَرَ عَلَى الْإِيمَاءِ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَضَرَّرَ بِمَسْحِهِ أَيْضًا (تَيَمَّمَ لَهُ) - أَيْ: الْجَرِيحِ وَنَحْوِهِ - دَفْعًا لِلْحَرَجِ، (وَ) يَتَيَمَّمُ (لِمَا يَتَضَرَّرُ بِغَسْلِهِ أَوْ مَسْحِهِ مِمَّا قَرُبَ) مِنْ الْجَرِيحِ وَنَحْوِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ، (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ضَبْطِهِ) أَيْ: الْجَرِيحِ، وَمَا قَرُبَ مِنْهُ، (وَقَدَرَ أَنْ يَسْتَنِيبَ) مَنْ يَضْبِطُهُ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ عَنْ حَاجَتِهِ (لَزِمَهُ) أَنْ يَسْتَنِيبَ لِيُؤَدِّيَ الْفَرْضَ وَإِلَّا بِأَنْ عَجَزَ عَنْ الِاسْتِنَابَةِ أَيْضًا (تَيَمَّمَ) وَصَلَّى وَأَجْزَأَتْهُ.

(وَيَلْزَمُ مِنْ جُرْحِهِ وَنَحْوِهِ بِبَعْضِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ إذَا تَوَضَّأَ لَا إنْ اغْتَسَلَ تَرْتِيبٌ) ، لِوُجُوبِهِ فِي الْوُضُوءِ (فَيَتَيَمَّمُ لَهُ) أَيْ: لِلْعُضْوِ الْجَرِيحِ وَنَحْوِهِ (عِنْدَ غُسْلِهِ لَوْ كَانَ صَحِيحًا) حَالَ كَوْنِهِ (نَاوِيًا بِتَيَمُّمِهِ عَنْ غَسْلِهِ) ، أَيْ: الْعُضْوِ الْجَرِيحِ، (وَيُخَيَّرُ) مَنْ بِهِ جُرْحٌ فِي عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ (بَيْنَ غَسْلِ صَحِيحِهِ) ، أَيْ: ذَلِكَ الْعُضْوِ، (ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لَهُ) - أَيْ: الْجُرْحِ - (أَوْ عَكْسِهِ) : بِأَنْ يَتَيَمَّمَ أَوَّلًا لِلْجَرِيحِ، ثُمَّ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ، (مَا لَمْ يَعُمَّهُ) - أَيْ: الْعُضْوَ - (جُرْحٌ فَيَتَيَمَّمُ لَهُ) فِي مَحَلِّ غَسْلِهِ، (ثُمَّ يَغْسِلَ مَا بَعْدَهُ) مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ، (وَإِنْ كَانَ) الْجُرْحُ وَنَحْوُهُ (فِي بَعْضِ كُلِّ) عُضْوٍ (مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوءٍ، لَزِمَ) مُتَوَضِّئًا (فِي كُلِّ عُضْوٍ تَيَمُّمٌ) فِي مَحَلِّ غَسْلِهِ لِئَلَّا يُخِلَّ بِالتَّرْتِيبِ (مَا لَمْ تَعُمَّهَا) - أَيْ: أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ - (جِرَاحَةٌ) أَوْ نَحْوُهَا، (فَيَكْفِي) عَنْ جَمِيعِهَا (تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ) كَفَاقِدِ الْمَاءِ.

(وَلَوْ غَسَلَ صَحِيحٌ وَجْهَهُ، ثُمَّ تَيَمَّمَ لِجَرِيحِهِ وَجَرِيحِ يَدَيْهِ تَيَمُّمًا وَاحِدًا لَمْ يُجِزْهُ) ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ نَائِبٌ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى حِدَتِهِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيمَا يَنُوبُ عَنْهُ مِنْ التَّرْتِيبِ (بَلْ) يَجِبُ (لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ (تَيَمُّمٌ) مُسْتَقِلٌّ

(1/198)


يَنْوِي بِهِ الْبَدَلَ عَنْ غَسْلِ الْجَرِيحِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ التَّيَمُّمَ فِي غَيْرِ الْجَرِيحِ يُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا يُعْتَبَرُ كُلُّ عُضْوٍ عَلَى حِدَتِهِ.

(وَتَلْزَمُ) مَجْرُوحًا بِبَعْضِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ إذَا تَوَضَّأَ (مُوَالَاةٌ) ، لِوُجُوبِهَا فِيهِ، فَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ بِرِجْلِهِ، وَتَيَمَّمَ لَهُ عِنْدَ غَسْلِهَا وَمَضَى زَمَنٌ تَفُوتُ فِيهِ الْمُوَالَاةُ، ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ؛ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، (فَيُعِيدُ غَسْلَ الصَّحِيحِ عِنْدَ كُلِّ تَيَمُّمٍ بَطَلَ بِخُرُوجِ وَقْتٍ أَوْ غَيْرِهِ) ، كَمَا لَوْ أَخَّرَ غَسْلَهُ حَتَّى فَاتَتْ الْمُوَالَاةُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ لَا تَفُوتُ فِيهِ الْمُوَالَاةُ أَنَّهُ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ فَقَطْ، وَلَمْ تَبْطُلْ طَهَارَةُ الْمَاءِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْحِ الْخُفِّ مِنْ أَنَّ الْقَدَمَ إذَا وَصَلَ إلَى سَاقِ الْخُفِّ يَسْتَأْنِفُ الطَّهَارَةَ وَلَوْ لَمْ تَفُتْ الْمُوَالَاةُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَإِذَا خَلَعَهُ عَادَ الْحَدَثُ، وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ فِي الثُّبُوتِ، وَالتَّيَمُّمُ لَا يَرْفَعُ حَدَثًا عَمَّا تَيَمَّمَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا مُبِيحٌ فَإِذَا بَطَلَ قَبْلَ فَوَاتِ الْمُوَالَاةِ أُعِيدَ فَقَطْ، قَالَهُ فِي " حَاشِيَةِ الْمُنْتَهَى ".

(وَفِي) الْحَدَثِ (الْأَكْبَرِ لَا تَبْطُلُ طَهَارَتُهُ بِمَاءٍ بِخُرُوجِ وَقْتٍ) ، فَلَوْ اغْتَسَلَ نَحْوُ جُنُبٍ بِهِ نَحْوُ جُرْحٍ فَتَيَمَّمَ لَهُ، وَخَرَجَ الْوَقْتُ، لَمْ تَبْطُلْ طَهَارَةُ الْمَاءِ (وَتَيَمَّمَ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى تَرْتِيبٌ، وَلَا مُوَالَاةٌ.

(وَإِنْ) (وَجَدَ مُحْدِثٌ مُطْلَقًا) حَدَثًا أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ (مَاءً لَا يَكْفِي لِطَهَارَتِهِ) (وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ) ذَلِكَ الْمَاءَ (ثُمَّ تَيَمَّمَ لِبَاقٍ) ، لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الشَّرْطِ فَلَزِمَهُ كَالسُّتْرَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَيَمَّمَ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]
فَاعْتُبِرَ اسْتِعْمَالُهُ أَوَّلًا لِيَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْمَاءِ، وَلِيَتَمَيَّزَ الْمَغْسُولُ عَنْ غَيْرِهِ لِيَعْلَمَ مَا تَيَمَّمَ لَهُ.

وَإِنْ تَيَمَّمَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ وَجَدَ مَاءً طَهُورًا يَكْفِي بَعْضَ بَدَنِهِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ.

(وَيَتَّجِهُ:) (أَوْلَوِيَّةُ تَقْدِيمِ) غُسْلِ (أَعْضَاءِ وُضُوءٍ فِي) حَدَثٍ (أَكْبَرَ) ،

(1/199)


فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ غَسَلَ فِيهِ مَا أَمْكَنَ غَسْلُهُ، وَتَيَمَّمَ عَنْ الْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ عَنْ وُضُوئِهِ تَيَمَّمَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ
(وَكَذَا) حُكْمُ (تُرَابٍ) يَسِيرٍ وَجَدَهُ لَا يَكْفِي اسْتَعْمَلَهُ لِلتَّيَمُّمِ وَصَلَّى، يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ، وَظَاهِرُهُ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، خِلَافًا " لِلرِّعَايَةِ " فِيهِمَا.

وَيُقَدِّمُ مُحْدِثٌ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَعِنْدَهُ مَاءٌ يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَقَطْ (غَسْلَ نَجَاسَةٍ عَلَى) التَّطَهُّرِ مِنْ (حَدَثٍ) وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بُقْعَتِهِ فَكَذَلِكَ، (وَ) إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ (فِي عُضْوِ حَدَثٍ) كَالْيَدِ مَثَلًا فَإِنَّهُ (يَسْتَعْمِلُهُ) - أَيْ: الْمَاءَ - (فِيهِ) أَيْ فِي الْعُضْوِ النَّجِسِ - (عَنْهُمَا) - أَيْ: عَنْ الْحَدَثِ وَالنَّجِسِ - قَالَ الْمَجْدُ قُلْتُ: وَهَذَا وَاضِحٌ إنْ كَانَ الْحَدَثُ أَكْبَرَ، فَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ فَعَلَى كَلَامِهِمْ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَبْقَى لِلنَّجَاسَةِ مَا يُزِيلُهَا بَعْدَ مُرَاعَاتِهِ قَدَّمَهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ بِغَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ انْتَهَى وَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ إلَّا بَعْدَ غَسْلِ النَّجَاسَةِ تَحْقِيقًا لِشَرْطِهِ.

(وَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ لَزِمَهُ إذَا خُوطِبَ بِصَلَاةٍ) بِأَنْ دَخَلَ وَقْتُهَا (طَلَبُهُ) - أَيْ: الْمَاءَ - (فِي رَحْلِهِ) ، أَيْ: مَسْكَنِهِ وَمَا يَسْتَصْحِبُهُ مِنْ أَثَاثٍ، (وَمَا قَرُبَ) مِنْهُ (عَادَةً) ، فَيُفَتِّشُ مِنْ رَحْلِهِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ، وَيَسْعَى فِي جِهَاتِهِ الْأَرْبَعِ (فَيَنْظُرُ أَمَامَهُ) وَوَرَاءَهُ وَيَمِينَهُ (وَشِمَالَهُ) إلَى مَا قَرُبَ مِنْهُ مِمَّا عَادَةُ الْقَوَافِلِ السَّعْيُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُطْلَبُ فِيهِ الْمَاءُ عَادَةً، (فَإِنْ رَأَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) - أَيْ: الْمَاءِ - مِنْ خُضْرَةٍ أَوْ رَبْوَةٍ أَوْ شَيْءٍ قَائِمٍ، (قَصَدَهُ فَاسْتَبْرَأَهُ) لِيَتَحَقَّقَ شَرْطُ التَّيَمُّمِ، وَيَلْزَمُهُ

(1/200)


أَيْضًا طَلَبُهُ (مِنْ رَفِيقِهِ بِبَيْعٍ) بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ زَائِدٍ يَسِيرًا (أَوْ بَذْلٍ) لَهُ (وَيَسْأَلُ) ذَوِي الْخِبْرَةِ بِتِلْكَ الْأَمَاكِنِ مِنْ رُفْقَتِهِ (عَنْ مَوَارِدِهِ) - أَيْ: الْمَاءِ - (مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمُهُ) - أَيْ: الْمَاءِ - (لَا إنْ ظَنَّ) عَدَمَهُ فَيَسْأَلَ عَنْهُ.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَحَيْثُ تَحَقَّقَ عَدَمُهُ (فَلَا يَلْزَمُهُ إذَنْ طَلَبٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِطَلَبِ شَيْءٍ مُتَحَقِّقِ الْعَدَمِ، (وَيَتَيَمَّمُ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ عَادِمًا لِلْمَاءِ، (وَقَبْلَ طَلَبٍ لَا يَصِحُّ) تَيَمُّمُهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ.

(وَيَلْزَمُهُ) طَلَبُ الْمَاءِ (لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِهَا وَبِشُرُوطِهَا كُلَّمَا دَخَلَ وَقْتُهَا.

(وَمَنْ) (تَيَمَّمَ) لِعَدَمِ الْمَاءِ (ثُمَّ رَأَى مَا يَشُكُّ مَعَهُ وُجُودَ مَاءٍ) كَخُضْرَةٍ وَرَكْبٍ قَادِمٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَاءٌ (بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِوُجُوبِ طَلَبِهِ) عَلَيْهِ، (لَا) إنْ كَانَ (فِي صَلَاةٍ) ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَلَا تَبْطُلُ، وَلَا تَيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ إذَنْ (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (إلَّا) إنْ رَأَى مَا يَشُكُّ مَعَهُ وُجُودَ مَاءٍ (مَعَ ظَنٍّ) فَإِنْ قَارَنَ رُؤْيَتَهُ ظَنُّ وُجُودِ مَاءٍ (فَيَبْطُلُ) تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ مَبْنَاهَا عَلَى الظَّنِّ لَكِنْ فِي " الْمُغْنِي " " وَالْكَافِي " مَا يُخَالِفُهُ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ وَجَدَ رَكْبًا، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُجُودُ الْمَاءِ فِيهِ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ، نَعَمْ: إنْ تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ بَطَلَ.

(تَنْبِيهٌ) إذَا كَانَ سَائِرًا طَلَبَهُ أَمَامَهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ فِي طَلَبِهِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ ضَرَرًا بِهِ (فَإِنْ دَلَّهُ) - أَيْ: أَرْشَدَهُ - (عَلَيْهِ ثِقَةٌ) ، وَهُوَ: الْعَدْلُ الضَّابِطُ، وَلَوْ مَسْتُورَ الْحَالِ لَزِمَهُ قَصْدُهُ (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) دَلَّهُ عَلَيْهِ (مَنْ يَثِقُ

(1/201)


بِصِدْقِهِ) ، ظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

(أَوْ عَلِمَهُ قَرِيبًا عُرْفًا فَلَا اعْتِبَارَ بِمِيلٍ أَوْ أَكْثَرَ) كَمِيلَيْنِ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَقِيلَ: فَرْسَخٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، (وَلَمْ يَخَفْ بِقَصْدِهِ) الْمَاءَ (فَوْتَ وَقْتٍ وَلَوْ لِاخْتِيَارٍ، أَوْ فَوْتَ رُفْقَةٍ، أَوْ) مُوَافَاةَ (عَدُوٍّ) أَوْ فَوْتَ (مَالٍ أَوْ) لَمْ يَخَفْ (عَلَى نَفْسِهِ) نَحْوَ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ، (وَلَوْ) كَانَ خَوْفُهُ (مِنْ فُسَّاقٍ) كَكَوْنِهِ أَمْرَدَ أَوْ امْرَأَةً، (أَوْ) كَانَ خَوْفُهُ مِنْ (غَرِيمٍ يَعْجِزُ عَنْ وَفَائِهِ) ؛ (لَزِمَهُ قَصْدُهُ) ، وَلَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ إذَنْ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، (فَإِنْ خَافَ شَيْئًا مِمَّا مَرَّ لَا) إنْ كَانَ خَوْفُهُ (جَنْبًا) بِأَنْ كَانَ يَخَافُ بِلَا سَبَبٍ يَخَافُ مِنْهُ كَمَنْ يَخَافُ بِاللَّيْلِ بِلَا مُقْتَضٍ لِلْخَوْفِ، فَلَا يَلْتَفِتُ إلَى خَوْفِهِ، وَلَيْسَ لَهُ التَّيَمُّمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَصًّا، أَوْ خَافَ بِقَصْدِهِ الْمَاءَ شُرُودَ دَابَّتِهِ، أَوْ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ لِصٌّ أَوْ سَبُعٌ (تَيَمَّمَ) وَسَقَطَ عَنْهُ الطَّلَبُ، لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَقْتِ بِلَا ضَرَرٍ فَأَشْبَهَ عَادِمَهُ، (وَلَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى الْأَمْنِ.

(وَلَا تَيَمُّمَ مَعَ قُرْبِ مَاءٍ كَخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ) بِالْوُضُوءِ، (وَلَا) لِخَوْفِ فَوْتِ (وَقْتِ فَرْضٍ إلَّا هُنَا) أَيْ: (فِيمَا) إذَا عَلِمَ الْمُسَافِرُ الْمَاءَ أَوْ دَلَّهُ عَلَيْهِ ثِقَةٌ قَرِيبًا، وَخَافَ بِقَصْدِهِ فَوْتَ الْوَقْتِ (وَفِيمَا إذَا وَصَلَ مُسَافِرٌ إلَى مَاءٍ بِضِيقِ وَقْتٍ) عَنْ طَهَارَتِهِ (أَوْ) لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ عَنْهَا، لَكِنْ (عَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ) - يَسْتَعْمِلُهُ - (إلَّا بَعْدَهُ) - أَيْ: الْوَقْتِ - وَلَوْ لِلِاخْتِيَارِ فَيَتَيَمَّمُ، لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَقْتِ فَاسْتُصْحِبَ حَالُ عَدَمِهِ لَهُ بِخِلَافِ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ، وَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ، ثُمَّ أَخَّرَ حَتَّى ضَاقَ فَكَالْحَاضِرِ، لِتَحَقُّقِ قُدْرَتِهِ.

(وَمَنْ) (خَافَ لِسَبَبٍ ظَنَّهُ) يُبِيحُ لَهُ التَّيَمُّمَ (فَتَبَيَّنَ عَدَمُهُ، كَسَوَادٍ

(1/202)


ظَنَّهُ عَدُوًّا أَوْ كَلْبٍ) ظَنَّهُ (نَمِرًا، فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى) (لَمْ يُعِدْ) ، لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ فِي الْأَسْفَارِ.

(وَمَنْ خَرَجَ مِنْ وَطَنِهِ) إلَى أَرْضٍ مِنْ أَعْمَالِ بَلَدِهِ (لِنَحْوِ حَرْثٍ) ، كَاحْتِطَابٍ (أَوْ صَيْدٍ حَمَلَهُ) - أَيْ: الْمَاءَ - مَعَهُ، ظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ الْوَقْتُ (إنْ أَمْكَنَهُ) حَمْلَهُ بِلَا مَشَقَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ إذَنْ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَمَتَى حَمَلَهُ وَفَقَدَهُ، أَوْ لَمْ يَحْمِلْهُ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ (تَيَمَّمَ) (إنْ فَاتَتْ حَاجَتُهُ) الَّتِي خَرَجَ لَهَا (بِرُجُوعِهِ) إلَى الْمَاءِ (وَلَا يُعِيدُ) صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُسَافِرَ إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى، (وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَرْضِ قَرْيَتِهِ إلَى) أَرْضٍ (غَيْرَهَا) ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَعِيدِ السَّفَرِ وَقَرِيبِهِ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: 6] (وَأَعْجَبَ) الْإِمَامَ (أَحْمَدَ حَمْلُ تُرَابِ تَيَمُّمٍ) احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ (وَعِنْدَ الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ (وَغَيْرِهِ) مِنْ الْأَصْحَابِ: (لَا يَحْمِلُهُ، وَاسْتَظْهَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَصَوَّبَهُ) فِي " الْإِنْصَافِ "، (وَ) تَبِعَهُ (فِي " الْإِقْنَاعِ ") إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ السَّلَفِ فِعْلُ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ أَسْفَارِهِمْ، (وَمَا قَالَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ أَظْهَرُ وَأَصْوَبُ خَشْيَةَ) فِعْلِ (صَلَاةٍ يَرَى كَثِيرٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ لُزُومَ إعَادَتِهَا) ، فَكَانَ الْخُرُوجُ مِنْ خِلَافِهِمْ أَوْلَى.

(وَمَنْ فِي الْوَقْتِ) - أَيْ: وَقْتِ الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ - (أَرَاقَهُ) - أَيْ: الْمَاءَ - (عَمْدًا، أَوْ مَرَّ بِهِ) - أَيْ: الْمَاءَ - (وَأَمْكَنَهُ طُهْرٌ مِنْهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ، وَ) هُوَ (يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ) فِي الْوَقْتِ لِغَيْرِ مَنْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لَهُ، (حَرُمَ) عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ فِي (الْكُلِّ، وَلَمْ يَصِحَّ عَقْدٌ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَصِحَّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ كَأُضْحِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ.

(ثُمَّ إنْ) (تَيَمَّمَ) لِعَدَمِ غَيْرِهِ (عَاجِزًا عَنْ اسْتِرْدَادِ) مَاءٍ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ (وَصَلَّى) (لَمْ يُعِدْ) ؛ لِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ حَالَ التَّيَمُّمِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا إثْمَ وَلَا إعَادَةَ بِالْأَوْلَى.

(1/203)


(وَيَتَّجِهُ: بُطْلَانُ طُهْرِ مُشْتَرٍ) بِهِ (وَمُتَّهَبٍ بِهِ) ، أَيْ: بِالْمَاءِ الْمَبِيعِ أَوْ الْمَوْهُوبِ فِي الْوَقْتِ (بَعْدَ طَلَبِ) بَائِعٍ أَوْ وَاهِبٍ (اسْتِرْدَادَهُ) مِنْ مُشْتَرٍ وَمُتَّهَبٍ، فَلَا يَصِحُّ التَّطَهُّرُ بِهِ مِنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ، لِتَعَلُّقِ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - بِهِ إنْ عَلِمَ الْآخِذُ فَسَادَ الْعَقْدِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَالْمَغْصُوبِ فَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى مِلْكٍ مَأْخُوذٍ مِنْهُ (مَعَ لُزُومِ) مُشْتَبِهٍ (ثَمَنُهُ) - أَيْ: الْمَاءِ - أَيْ: ثَمَنُ مِثْلِهِ فِي مَحَلِّ بَيْعٍ إذَا تَلِفَ أَوْ تَعَذَّرَ اسْتِرْدَادُهُ، وَ (لَا) يُؤْخَذُ ثَمَنٌ مُسَمًّى فِي عَقْدٍ (لِفَسَادِهِ) - أَيْ: الْعَقْدِ - بِخِلَافِ مَاءٍ مَوْهُوبٍ تَلِفَ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

(وَمَنْ ضَلَّ عَنْ رَحْلِهِ وَبِهِ الْمَاءُ وَقَدْ طَلَبَهُ) - أَيْ: رَحْلَهُ - فَلَمْ يَجِدْهُ، فَتَيَمَّمَ أَجْزَأَهُ، (أَوْ) ضَلَّ (عَنْ مَوْضِعِ بِئْرٍ كَانَ يَعْرِفُهَا) وَكَانَتْ بِقُرْبِهِ، وَلَوْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي نَفْسِهَا لَكِنْ أَعْلَامَهَا خَفِيَّةٌ وَضَلَّ عَنْهَا، (فَتَيَمَّمَ:) (أَجْزَأَهُ، وَ) لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ (لَوْ وَجَدَ مَا ضَلَّ عَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ حَالَ تَيَمُّمِهِ عَادِمٌ الْمَاءَ فَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ.

(أَوْ بَانَ بَعْدَ) التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ (بِقُرْبِهِ بِئْرٌ خَفِيَّةٌ لَمْ يَعْرِفْهَا) فَلَا إعَادَةَ، لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، (لَا) إنْ كَانَتْ أَعْلَامُهَا (ظَاهِرَةً) ، فَيُعِيدُ (لِتَفْرِيطِهِ) ، وَكَذَا لَوْ كَانَ يَعْرِفُهَا مَعَ ظُهُورِ أَعْلَامِهَا لَكِنَّهُ ضَلَّ عَنْهَا أَوْ نَسِيَهَا أَوْ كَانَتْ أَعْلَامُهَا خَفِيَّةً وَيَعْرِفُهَا، لَكِنَّهُ نَسِيَهَا.

وَ (لَا) يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ (إنْ نَسِيَهُ)

(1/204)


أَيْ الْمَاءَ - بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ وُصُولُهُ إلَيْهِ، (أَوْ نَسِيَ مَا يُحَصِّلُهُ بِهِ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ آلَةٍ) كَحَبْلٍ أَوْ دَلْوٍ، (أَوْ جَهِلَهُ) - أَيْ الْمَاءَ - (بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ وُصُولُهُ) إلَيْهِ (كَ) كَوْنِهِ (مَعَ عَبْدِهِ، أَوْ) نَسِيَهُ (فِي رَحْلِهِ وَتَيَمَّمَ) وَصَلَّى فَلَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَجِبُ مَعَ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ فَلَا يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ (كَمُصَلٍّ) نَاسٍ حَدَثَهُ، وَكَمُصَلٍّ (عُرْيَانًا أَوْ مُكَفِّرٍ بِصَوْمٍ نَاسِيًا لِسُتْرَةٍ وَرَقَبَةٍ) فَلَا تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ صَوْمُهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ.

(وَيَصِحُّ تَيَمُّمٌ بِشَرْطِهِ لِكُلِّ حَدَثٍ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ، لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ؟ فَقَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيَكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِحَدِيثِ عَمَّارٍ وَحَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ انْقَطَعَ دَمُهُمَا كَجُنُبٍ (وَ) يَتَيَمَّمُ (لِ) كُلِّ جَنَابَةٍ بِبَدَنِ مُتَيَمِّمٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، لِعَدَمِ مَاءٍ وَلِضَرَرٍ بِبَدَنِهِ، وَلَوْ كَانَ الضَّرَرُ مِنْ بَرْدٍ حَضَرًا مَعَ عَدَمِ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ (بَعْدَ تَخْفِيفِهَا مَا أَمْكَنَ) بِحَكِّ يَابِسَةٍ، وَمَسْحِ رَطْبَةٍ لُزُومًا - أَيْ: وُجُوبًا - فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهَا فِي الْجُمْلَةِ، لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (وَلَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَحَلٍّ صَحِيحٍ أَوْ جَرِيحٍ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ» وَلِقَوْلِهِ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ فِي الْبَدَنِ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ، فَأَشْبَهَتْ طَهَارَةَ الْحَدَثِ.

(وَإِنْ) (تَعَذَّرَ) عَلَى مُرِيدِ الصَّلَاةِ (مَاءٌ وَتُرَابٌ لِعَدَمِهِمَا) كَمَنْ حُبِسَ بِمَحَلٍّ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَا تُرَابَ، (أَوْ لِقُرُوحٍ) أَوْ جِرَاحَاتٍ (لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهَا مَسَّ الْبَشَرَةِ بِمَاءٍ) وَلَا تُرَابٍ، وَكَذَا مَرِيضٌ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ، وَعَمَّنْ يُطَهِّرُهُ بِأَحَدِهِمَا (صَلَّى الْفَرْضَ فَقَطْ) دُونَ النَّوَافِلِ (وُجُوبًا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ) ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ

(1/205)


شَرْطٌ فَلَمْ تُؤَخَّرْ الصَّلَاةُ عِنْدَ عَدَمِهِ كَالسُّتْرَةِ، (وَلَا يَزِيدُ) عَادِمُ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ (عَلَى مَا يُجْزِئُ فِي صَلَاةٍ مِنْ قِرَاءَةٍ وَغَيْرِهَا) فَلَا يَقْرَأُ زَائِدًا عَلَى الْفَاتِحَةِ، وَلَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَتَعَوَّذُ وَلَا يُبَسْمِلُ وَلَا يُسَبِّحُ زَائِدًا عَلَى الْمَرَّةِ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ فِي طُمَأْنِينَةِ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ جُلُوسٍ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ رَكَعَ فِي الْحَالِ، وَإِذَا فَرَغَ مِمَّا يُجْزِئُ فِي التَّشَهُّدِ نَهَضَ أَوْ سَلَّمَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةُ ضَرُورَةٍ فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَاجِبِ، إذْ لَا ضَرُورَةَ لِلزَّائِدِ. (وَيَتَّجِهُ) مَنْعُ مُحْدِثٍ حَدَثًا أَصْغَرَ مِنْ قِرَاءَةِ زَائِدٍ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا (نَدْبًا) إذْ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَثْبُتُ مَعَ إمْكَانِ الطَّهَارَةِ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى فِعْلِ الْوَاجِبِ، (وَ) أَمَّا (فِي) قِرَاءَةِ (زَائِدٍ عَنْ الْفَاتِحَةِ لِجُنُبٍ) فَيَمْتَنِعُ (وُجُوبًا) ، لِتَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجُنُبِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، فَلَأَنْ يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ فِيهَا عَلَى مَا يُجْزِئُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَفِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " " وَالْفُرُوعِ " مَا يُؤَيِّدُ هَذَا الِاتِّجَاهَ.

(1/206)


(وَلَا يَقْرَأُ) إنْ كَانَ جُنُبًا (فِي غَيْرِ صَلَاةٍ) لِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ، (وَتَبْطُلُ) صَلَاتُهُ (بِحَدَثٍ وَنَحْوِهِ) كَنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا (فِيهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لَهَا، فَأَبْطَلَهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ.

وَلَوْ مَاتَ إنْسَانٌ وَلَا مَاءَ وَلَا تُرَابَ؛ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، ثُمَّ إنْ وُجِدَ الْمَاءُ أَوْ التُّرَابُ غُسِّلَ أَوْ يُمِّمَ وَأُعِيدَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وُجُوبًا، سَوَاءٌ كَانَ الْمُصَلِّي عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ مُتَطَهِّرًا بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ، وَيَجُوزُ نَبْشُهُ لِوُجُودِ أَحَدِهِمَا، مَعَ أَمْنِ تَفَسُّخِهِ، (وَلَا) تَبْطُلُ (بِخُرُوجِ وَقْتٍ) بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ.

(وَلَا يَؤُمُّ عَادِمُهُمَا) أَيْ: الْمَاءِ وَالتُّرَابِ (مُتَطَهِّرًا بِأَحَدِهِمَا) - أَيْ: بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ - كَالْعَاجِزِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ لَا يَؤُمُّ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي الصَّلَاةِ فَكَالْمُتَيَمِّمِ يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ (لَا عَكْسِهِ) ، فَيَؤُمُّ مُتَطَهِّرٌ بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ عَادِمَهُمَا.

(وَيَتَّجِهُ) (تَيَمُّمُهُ) - أَيْ: فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ - (عِنْدَ عَدَمِ تُرَابٍ بِكُلِّ مَا تَصَاعَدَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ نَحْوِ رَمْلٍ كَنَحِيتِ حِجَارَةٍ، وَجِصٍّ وَنَوْرَةِ) كُحْلٍ (أَوْلَى مِنْ صَلَاتِهِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ) ، كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ.

(وَإِنْ وَجَدَ) عَادِمُ مَاءٍ (ثَلْجًا) ، وَتَعَذَّرَ تَذْوِيبُهُ مَسَحَ بِهِ أَعْضَاءَهُ لُزُومًا؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ جَامِدٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إلَّا كَذَلِكَ فَوَجَبَ، لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»

(1/207)


وَظَاهِرُهُ لَا يَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ، (وَصَلَّى وَلَمْ يُعِدْ) صَلَاتَهُ (إنْ جَرَى الثَّلْجُ) - أَيْ: سَالَ - (بِمَسِّ) الْأَعْضَاءِ الْوَاجِبِ غَسْلُهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَسْلًا خَفِيفًا، وَإِلَّا يَجْرِ بِمَسٍّ أَعَادَ صَلَاتَهُ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى بِلَا تَيَمُّمٍ مَعَ وُجُودِ طِينٍ يَابِسٍ، لِعَدَمِ وُجُودِ مَا يَدُقُّهُ بِهِ كَحَجَرٍ وَنَحْوَهُ، لِيَصِيرَ لَهُ غُبَارٌ (وَيَتَّجِهُ: الْأَصَحُّ) أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ تَذْوِيبِ الثَّلْجِ، أَوْ دَقِّ الطِّينِ الْيَابِسِ، وَصَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَ (لَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ فِي الصُّورَتَيْنِ (لِتَعَذُّرِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِمَا كَ) مَا لَا إعَادَةَ عَلَى (سَائِرٍ بِطِينٍ) تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَره الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لَكِنَّ نُصُوصَهُمْ صَرِيحَةٌ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ احْتِيَاطًا وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.

الشَّرْطُ (التَّاسِعُ: تُرَابٌ) ، فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمٌ بِرَمْلٍ أَوْ نَوْرَةٍ أَوْ جِصٍّ أَوْ نَحْتِ حِجَارَةٍ وَنَحْوِهِ (طَهُورٌ) بِخِلَافِ مَا تَنَاثَرَ مِنْ الْمُتَيَمِّمِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي طَهَارَةٍ أَبَاحَتْ الصَّلَاةَ، أَشْبَهَ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي طَهَارَةٍ وَاجِبَةٍ، وَإِنْ

(1/208)


تَيَمَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ صَحَّ، كَمَا لَوْ تَوَضَّئُوا مِنْ حَوْضٍ يَغْتَرِفُونَ مِنْهُ، (مُبَاحٌ) فَلَا يَصِحُّ بِمَغْصُوبٍ كَالْوُضُوءِ بِهِ، (غَيْرُ مُحْتَرِقٍ) ، لِخُرُوجِهِ عَنْ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ التُّرَابِ، (يَعْلَقُ غُبَارُهُ) بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهَا (عَلَى أَيِّ لَوْنٍ كَانَ) مِنْ بَيَاضٍ أَوْ سَوَادٍ أَوْ غَيْرِهِ، (فَيُجْزِئُ لَوْ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى لِبْدٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ بَرْذَعَةِ حِمَارٍ بَلْ وَ) عَلَى عَدْلِ (شَعِيرٍ وَنَحْوِهِ) ، كَعَلَى بِسَاطٍ أَوْ صَخْرَةٍ (مِمَّا عَلَيْهِ غُبَارٌ) طَاهِرٌ حَتَّى مَعَ وُجُودِ تُرَابٍ لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ.

و (لَا) يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِضَرْبِهِ عَلَى (مَا لَا) غُبَارَ عَلَيْهِ (يَعْلَقُ) بِالْيَدِ كَالْأَرْضِ السَّبْخَةِ وَالرَّمْلِ، (أَوْ) كَانَ مَا تَيَمَّمَ بِهِ (مَعْدِنًا كَنَوْرَةٍ وَزِرْنِيخٍ وَسَحَاقَةِ خَزَفٍ، وَحَجَرٍ) دَقَّهُ حَتَّى صَارَ تُرَابًا، فَلَا يَصِحُّ، (أَوْ) كَانَ تَيَمُّمُهُ بِتُرَابٍ (طَاهِرٍ، وَهُوَ: مَا تَيَمَّمَ بِهِ) جَمَاعَةٌ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، (لَا) إنْ تَيَمَّمُوا (مِنْهُ) - أَيْ: التُّرَابِ - كَمَا لَوْ تَوَضَّئُوا مِنْ حَوْضٍ كَبِيرٍ.

(أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ (نَجِسٍ) يَقِينًا (فَلَوْ تَيَمَّمَ بِتُرَابٍ عَلَى ظَهْرِ كَلْبٍ لَمْ يَصِحَّ) تَيَمُّمُهُ (إنْ عَلِمَ الْتِصَاقَهُ) - أَيْ: التُّرَابِ - (بِرُطُوبَةٍ) وَإِلَّا يَعْلَمُ الْتِصَاقَهُ بِرُطُوبَةٍ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ طَهُورٌ.

(وَلَا) يَصِحُّ التَّيَمُّمُ (بِتُرَابِ مَقْبَرَةٍ تَكَرَّرَ نَبْشُهَا) ، وَإِلَّا جَازَ، وَإِنْ شَكَّ فِي تَكْرَارِهِ؛ صَحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ.

(أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ (بِ) تُرَابٍ (مَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ) كَمَسْرُوقٍ، لِاشْتِرَاطِ الْإِبَاحَةِ، (وَفِي " الْفُرُوعِ ": ظَاهِرُهُ: وَلَوْ تُرَابَ مَسْجِدٍ، وَالْمُرَادُ) مِنْ تُرَابِ الْمَسْجِدِ: التُّرَابُ (الدَّاخِلُ فِي وَقْفِهِ) ، كَتُرَابِ سَطْحِهِ وَأَرْضِهِ وَحِيطَانِهِ، (لَا مَا يَجْتَمِعُ مِنْ نَحْوِ رِيحٍ) فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ قَالَ: (وَلَعَلَّ هَذَا الظَّاهِرَ غَيْرُ مُرَادٍ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ) التَّيَمُّمُ (بِتُرَابِ زَمْزَمَ مَعَ أَنَّهُ مَسْجِدٌ) ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ.

(وَفِي " الْمُبْدِعِ " لَوْ تَيَمَّمَ بِتُرَابِ غَيْرِهِ جَازَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، لِلْإِذْنِ فِيهِ عَادَةً وَعُرْفًا) انْتَهَى.

(وَلَا) يَصِحُّ التَّيَمُّمُ (بِ) تُرَابٍ (مُحْتَرِقٍ) لِسَحِيقِ

(1/209)


خَزَفٍ، (وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ (أَخْرَجَهُ الِاحْتِرَاقُ عَنْ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ التُّرَابِ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

(أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ (بِطِينٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا غُبَارَ لَهُ، (لَكِنْ إنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ وَتَيَمَّمَ بِهِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتٍ) وَلَوْ لِاخْتِيَارٍ (لَزِمَ ذَلِكَ) ، وَإِنْ دَقَّ الطِّينَ الْيَابِسَ، كَالْأَرْمَنِيِّ وَالْخُرَاسَانِيّ، جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ (وَإِنْ خَالَطَ مَا يَصِحُّ تَيَمُّمٌ بِهِ) ، وَهُوَ التُّرَابُ الطَّهُورُ، (ذُو غُبَارٍ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يَصِحُّ) التَّيَمُّمُ بِهِ (كَجِصٍّ وَنَوْرَةٍ) وَسَحِيقِ كَدَانٍ وَمَرْمَرٍ (فَكَمَاءٍ طَهُورٍ خَالَطَهُ) مَاءٌ (طَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِتُرَابٍ: جَازَ، وَ) إنْ كَانَتْ (لِمُخَالِطٍ لَا) يَجُوزُ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ: الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا، وَجُزِمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " " وَالْمُسْتَوْعِبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " " وَالتَّلْخِيصِ " " وَالْوَجِيزِ " وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " " وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَغَيْرِهِمْ، (وَابْنُ عَقِيلٍ مَنَعَ) التَّيَمُّمَ بِتُرَابٍ خَالَطَهُ غَيْرُهُ، (وَإِنْ كَانَ) التُّرَابُ الطَّهُورُ كَثِيرًا، وَالْمُخَالِطُ لَهُ (قَلِيلًا) حَيْثُ كَانَ الْمُخَالِطُ ذَا غُبَارٍ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُخَالِطُ لَهُ نَجَاسَةً، وَإِنْ قَلَّتْ، (وَلَا يَضُرُّ مُخَالِطٌ لَا غُبَارَ لَهُ) يَعْلَقُ بِالْيَدِ (مُطْلَقًا) ، كَثِيرًا كَانَ الْمُخَالِطُ أَوْ قَلِيلًا (لِجَوَازِ تَيَمُّمٍ مِنْ شَعِيرٍ نَصًّا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ عَلَى الْيَدِ مِنْهُ مَا يَحُولُ بَيْنَ غُبَارِ التُّرَابِ وَبَيْنَهَا.

[فَصْلٌ فَرَائِضُ التَّيَمُّم]
(فَصْلٌ) (وَفَرَائِضُ تَيَمُّمٍ خَمْسَةٌ) الْأَوَّلُ: (مَسْحُ جَمِيعِ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ حَتَّى

(1/210)


مُسْتَرْسِلِهَا) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [المائدة: 6] وَ (لَا) يَجِبُ مَسْحُ (مَا تَحْتَ شَعْرٍ وَلَوْ) كَانَ الشَّعْرُ (خَفِيفًا أَوْ دَاخِلَ فَمٍ وَأَنْفٍ، وَيُكْرَهُ) إدْخَالُ التُّرَابِ فَمَهُ وَأَنْفَهُ لِتَقْذِيرِهِ.

(وَ) الثَّانِي: (مَسْحُ يَدَيْهِ إلَى كُوعَيْهِ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:. {وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43] وَإِذَا عُلِّقَ حُكْمٌ بِمُطْلَقِ الْيَدَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الذِّرَاعُ، كَقَطْعِ السَّارِقِ، وَمَسِّ الْفَرْجِ، وَلِحَدِيثِ عَمَّارٍ قَالَ: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا: ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(وَلَوْ أَمَرَّ مَحَلَّ تَيَمُّمٍ عَلَى تُرَابٍ) وَمَسَحَ بِهِ صَحَّ، (أَوْ صَمَّدَهُ) - أَيْ: نَصَبَ الْمَحَلَّ الَّذِي يُمْسَحُ فِي التَّيَمُّمِ - (لِرِيحٍ أَثَارَهُ) - أَيْ: التُّرَابَ - (فَعَمَّهُ) التُّرَابُ (وَمَسَحَهُ بِهِ صَحَّ) تَيَمَّمَ إنْ نَوَاهُ، كَمَا لَوْ صَمَّدَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ لِمَاءٍ فَجَرَى عَلَيْهَا، (لَا إنْ سَفَتْهُ) ، أَيْ: سَفَتْ رِيحٌ التُّرَابَ عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَجِبُ مَسْحُهُ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ غَيْرِ تَصْمِيدٍ (قَبْلَ نِيَّةٍ) أَيْ: قَصْدٍ (فَمَسَحَهُ بِهِ) فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِقَصْدِ الصَّعِيدِ، وَلَمْ يُوجَدْ.

(وَإِنْ) (تَيَمَّمَ بِبَعْضِ يَدِهِ، أَوْ) تَيَمَّمَ (بِحَائِلٍ) كَخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا فَكَوُضُوءٍ يَصِحُّ حَيْثُ مَسَحَ مَا يَجِبُ مَسْحُهُ لِوُجُودِ الْمَأْمُورِ بِهِ، (أَوْ يَمَّمَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ وَنِيَّتُهُ فَكَوُضُوءٍ) ، يَعْنِي: أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا لَوْ وَضَّأَهُ غَيْرُهُ بِاخْتِيَارِ مُوَضَّإٍ.

(وَ) الثَّالِثُ، وَالرَّابِعُ: (تَرْتِيبٌ وَمُوَالَاةٌ لِحَدَثٍ أَصْغَرَ لَا) لِحَدَثٍ (أَكْبَرَ، وَ) لَا (نَجَاسَةِ) بَدَنٍ، لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ، وَهُمَا فَرْضَانِ فِي الْوُضُوءِ دُونَ مَا سِوَاهُ، (وَهِيَ) - أَيْ: الْمُوَالَاةُ - (هُنَا)

(1/211)


أَيْ: فِي التَّيَمُّمِ - (بِقَدْرِهَا) زَمَنًا فِي وُضُوءٍ.
وَهِيَ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ مَسْحَ عُضْوٍ حَتَّى يَجِفَّ مَا قَبْلَهُ لَوْ كَانَ مَغْسُولًا بِزَمَنٍ مُعْتَدِلٍ.

(وَ) الْخَامِسُ: (تَعْيِينُ نِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ) مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ.
كَصَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا أَوْ غَيْرَهُمَا (لَا رَفْعَ مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ مِنْ حَدَثٍ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ، جَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، (أَوْ نَجَاسَةٍ) بِبَدَنٍ فَإِنْ نَوَى رَفْعَ حَدَثٍ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ، لِأَنَّهُ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ، لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورَةً، (فَلَا يَكْفِي) مَنْ هُوَ مُحْدِثٌ وَبِبَدَنِهِ نَجَاسَةٌ التَّيَمُّمُ (لِأَحَدِهِمَا) عَنْ الْأُخْرَى، (أَوْ) ، أَيْ: وَلَا يَكْفِي مَنْ هُوَ مُحْدِثٌ جُنُبٌ التَّيَمُّمُ (لِأَحَدِ الْحَدَثَيْنِ عَنْ) الْحَدَثِ (الْآخَرِ) ، وَكَذَا الْجَرِيحُ فِي عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ غُسْلِهِ، لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَإِذَا تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ أُبِيحَ لَهُ مَا يُبَاحُ لِلْمُحْدِثِ مِنْ قِرَاءَةٍ وَلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ دُونَ صَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ، وَإِنْ أَحْدَثَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي هَذَا التَّيَمُّمُ.

(وَإِنْ نَوَاهُمَا) أَيْ: الْحَدَثَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَوْ نَوَى الْحَدَثَ وَنَجَاسَةً بِبَدَنٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ عَنْهُمَا، (أَوْ) نَوَى (أَحَدَ أَسْبَابِ أَحَدِهِمَا) - أَيْ: الْحَدَثَيْنِ - بِأَنْ بَالَ وَتَغَوَّطَ وَخَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ وَنَحْوُهُ وَنَوَى وَاحِدًا مِنْهَا وَتَيَمَّمَ (أَجْزَأَ) تَيَمُّمُهُ (عَنْ الْجَمِيعِ) ، وَكَذَا لَوْ وُجِدَ مِنْهُ مُوجِبَاتُ الْغُسْلِ، وَنَوَى أَحَدَهَا، لَكِنَّ قِيَاسَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ لَا إنْ نَوَى أَنْ لَا يَسْتَبِيحَ مِنْ غَيْرِهِ.
(وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (يُجْزِئُ عَنْ حَدَثٍ وَنَجَاسَةٍ) عَلَى بَدَنٍ (نِيَّةُ) مُتَيَمِّمِ (اسْتِبَاحَةٍ نَحْوَ صَلَاةٍ) ، كَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ، (لِأَنَّهَا) - أَيْ: الصَّلَاةَ - (لَا تُسْتَبَاحُ مَعَهُمَا) ، أَيْ: مَعَ الْحَدَثِ وَالنَّجَاسَةِ، لِاشْتِرَاطِ إزَالَتِهِمَا بِالْمَاءِ، وَنِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ قَامَتْ مَقَامَ الْمَاءِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

(1/212)


(وَلَوْ) (تَيَمَّمَ لِجَنَابَةٍ) وَنَحْوِهَا (دُونَ حَدَثٍ) أَصْغَرَ (أُبِيحَ لَهُ مَا يُبَاحُ لِمُحْدِثٍ مِنْ قِرَاءَةٍ وَلُبْثٍ) فِي مَسْجِدٍ، وَ (لَا) يُبَاحُ لَهُ (طَوَافٌ) وَلَا صَلَاةٌ (وَ) لَا (مَسُّ مُصْحَفٍ) ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الِاسْتِبَاحَةَ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ.

(وَإِنْ أَحْدَثَ) مَنْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ، وَنَحْوُهُ (لَمْ يُؤَثِّرْ) ذَلِكَ (فِي تَيَمُّمِهِ) لِحَدَثٍ، لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مُبْدَلِهِ وَهُوَ الْغُسْلُ.

(وَإِنْ تَيَمَّمَ لِجَنَابَةٍ وَحَدَثٍ، ثُمَّ أَحْدَثَ؛ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِحَدَثٍ لَا جَنَابَةٍ) فَلَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لَهَا حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، أَوْ يُوجَدَ مُوجِبُ الْغُسْلِ، وَكَذَا لَوْ تَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ وَالْخُبُثِ بِبَدَنِهِ وَأَحْدَثَ؛ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِلْحَدَثِ، وَبَقِيَ تَيَمُّمُهُ لِلْخُبُثِ.

(وَ) لَوْ تَيَمَّمَتْ (لِحَيْضٍ) بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْهُ، ثُمَّ أَجْنَبَتْ أَوْ أَحْدَثَتْ، (لَمْ يَبْطُلْ) تَيَمُّمُهَا لِحَدَثِ الْحَيْضِ (بِجَنَابَةٍ) ، وَلَا حَدَثٍ، وَلَمْ يَحْرُمْ وَطْؤُهَا (بَلْ) يَبْطُلُ (بِنِفَاسٍ) ، فَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ لَهُ.

(وَمَنْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ شَيْئًا) ، أَيْ: اسْتِبَاحَةَ شَيْءٍ تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ (اسْتَبَاحَهُ) ، لِأَنَّهُ مَنْوِيٌّ، (وَ) اسْتَبَاحَ فَرْضًا (مِثْلَهُ) ، فَمَنْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ صَلَاةَ الظُّهْرِ مَثَلًا فَلَهُ فِعْلُهَا وَفِعْلُ مِثْلِهَا (كَفَائِتِهِ) ، لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، (وَ) اسْتَبَاحَ (دُونَهُ) أَيْ: دُونَ مَا نَوَاهُ كَالنَّفْلِ فِي الْمِثَالِ، لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَنِيَّةُ الْفَرْضِ تَتَضَمَّنُهُ.

وَ (لَا) يَسْتَبِيحُ مَنْ نَوَى شَيْئًا (أَعْلَى مِنْهُ) ؛ فَمَنْ نَوَى النَّفَلَ لَا يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْوِيًّا صَرِيحًا وَلَا ضِمْنًا، (فَأَعْلَاهُ) - أَيْ: أَعْلَى مَا يُسْتَبَاحُ بِالتَّيَمُّمِ - (فَرْضُ عَيْنٍ) كَوَاحِدَةٍ مِنْ الْخَمْسِ، (فَنَذْرٌ، فَ) فَرْضُ (كِفَايَةٍ) كَصَلَاةِ عِيدٍ، (فَنَافِلَةٌ) كَرَاتِبَةٍ وَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ، (فَطَوَافُ) فَرْضٍ فَطَوَافُ (نَفْلٍ فَمَسُّ مُصْحَفٍ) .
قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَإِنْ نَوَى نَافِلَةً أُبِيحَ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافُ، لِأَنَّ النَّافِلَةَ آكَدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ لِكَوْنِ الطَّهَارَةِ مُشْتَرَطَةً لَهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَقَالَ وَإِنْ نَوَى فَرْضَ الطَّوَافِ اسْتَبَاحَ نَفْلَهُ، وَلَا يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ مِنْهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ كَالصَّلَاةِ وَقَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَيُبَاحُ الطَّوَافُ

(1/213)


بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ فِي الْأَشْهَرِ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَلَوْ كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا.
خِلَافًا لِأَبِي الْمَعَالِي.
(فَقِرَاءَةُ) قُرْآنٍ.
(فَلُبْثٌ) بِمَسْجِدٍ.
(وَيَتَّجِهُ فَوَطْءُ) حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ.
قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " لَوْ كَانَ تَيَمَّمَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ كَالْمُتَيَمِّمِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَطَلَ بِزَوَالِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

(وَإِنْ أَطْلَقَهَا) ، أَيْ: نِيَّةَ الِاسْتِبَاحَةِ، (لِصَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ) بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ فَرْضَهُمَا، وَلَا نَفْلَهُمَا وَتَيَمَّمَ (لَمْ يَفْعَلْ إلَّا نَفْلَهُمَا) ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ، وَفَارَقَ طَهَارَةَ الْمَاءِ لِأَنَّهَا تَدْفَعُ الْحَدَثَ فَيُبَاحُ لَهُ جَمِيعُ مَا يَمْنَعُهُ (وَتَسْمِيَتُهُ فِيهِ) - أَيْ: التَّيَمُّمِ - كَتَسْمِيَةِ وُضُوءٍ.
فَتَجِبُ قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ التَّيَمُّمُ عَنْ نَجَاسَةٍ بِبَدَنٍ كَالنِّيَّةِ، وَتَسْقُطُ سَهْوًا.

[فَصْلٌ فِي مُبْطِلَاتِ التَّيَمُّمِ]
(فَصْلٌ) فِي مُبْطِلَاتِ التَّيَمُّمِ (وَيَبْطُلُ كُلُّ تَيَمُّمٍ) بِخُرُوجِ وَقْتٍ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ: التَّيَمُّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، (حَتَّى تَيَمُّمُ جُنُبٍ لِقِرَاءَةٍ وَلُبْثٍ فِي مَسْجِدٍ وَ) حَتَّى تَيَمُّمُ (حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ لِوَطْءٍ وَ) حَتَّى تَيَمُّمٌ (لِطَوَافٍ وَنَجَاسَةٍ) بِبَدَنٍ، وَلِصَلَاةِ جِنَازَةٍ وَنَافِلَةٍ، فَيَبْطُلُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا (بِخُرُوجِ وَقْتٍ تَيَمَّمَ فِيهِ) كَالتَّيَمُّمِ لِلْمَكْتُوبَةِ.
(وَيَتَّجِهُ احْتِمَالُ لَوْ تَيَمَّمَ عِنْدَ طُلُوعِ شَمْسٍ بُطْلَانُهُ) ، أَيْ: بُطْلَانُ تَيَمُّمِهِ، (بِخُرُوجِ وَقْتِ نَهْيٍ) وَهُوَ: ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ قَيْدَ رُمْحٍ، وَهَذَا لَا تَأْبَاهُ الْقَوَاعِدُ.
(وَ) قَوْلُهُ: لَوْ تَيَمَّمَ (بَعْدَهُ) - أَيْ: بَعْدَ ارْتِفَاعِهَا - تَوَجَّهَ بُطْلَانُ تَيَمُّمٍ (بِزَوَالِ شَمْسٍ) بَعِيدٍ، إذْ خُرُوجُ وَقْتِ الضُّحَى بِوُقُوفِ الشَّمْسِ لَا بِزَوَالِهَا.
قَالَ الْقَاضِي: أَطْلَقَ أَحْمَدُ الْقَوْلَ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ أَبِي طَالِبٍ وَالْمَرُّوذِيِّ وَأَبِي دَاوُد وَيُوسُفَ بْنِ مُوسَى: أَنَّهُ يُتَيَمَّمُ لِكُلِّ

(1/214)


صَلَاةٍ، وَمَعْنَاهُ: لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ.
انْتَهَى.
(مَا لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةِ جُمُعَةٍ) فَلَا يَبْطُلُ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا، لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى، (أَوْ) مَا لَمْ (يَنْوِ الْجَمْعَ بِوَقْتِ ثَانِيَةٍ) مَنْ يُبَاحُ لَهُ، (فَلَا يَبْطُلُ) التَّيَمُّمُ (بِخُرُوجِ وَقْتِ) صَلَاةٍ (أَوْلَى) ، فَإِنْ نَوَاهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ فِي وَقْتِ الْأُولَى لَهَا أَوْ لِفَائِتَةٍ لَمْ تَبْطُلْ بِخُرُوجِهِ، لِأَنَّ نِيَّةَ الْجَمْعِ صَيَّرَتْ الْوَقْتَيْنِ كَالْوَقْتِ الْوَاحِدِ، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَمْعُ تَقْدِيمًا أَنَّهُ يَبْطُلُ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْأُولَى.
(وَيَتَّجِهُ) : لَوْ تَيَمَّمَ (فِي) وَقْتِ صَلَاةِ (جُمُعَةٍ) لَهَا وَصَلَّاهَا (بَقَاؤُهُ) ، أَيْ: ذَلِكَ التَّيَمُّمُ (بَعْدَهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - فَيُصَلِّي فِيهِ مَا شَاءَ مِنْ الْفَوَائِتِ وَالنَّوَافِلِ مَا دَامَ الْوَقْتُ، وَيَأْتِي أَنَّ أَوَّلَهُ ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ قَيْدَ رُمْحٍ، (وَ) بِمُجَرَّدِ خُرُوجِ وَقْتِهَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ (فَيَتَيَمَّمُ لِ) صَلَاةِ

(1/215)


(عَصْرٍ) تَيَمُّمًا مُسْتَقِلًّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا، (إذْ لَا يَصِحُّ) التَّيَمُّمُ (لِصَلَاةٍ قَبْلَ) دُخُولِ (وَقْتِهَا) ، لِأَنَّ دُخُولَهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ فِي حَاشِيَةِ الْإِقْنَاعِ.

(1/216)


(وَ) يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا (بِزَوَالِ عُذْرٍ مُبِيحٍ لَهُ) - أَيْ: لِلتَّيَمُّمِ - (مِنْ نَحْوِ بَرْدٍ) زَالَ (أَوْ مَرَضٍ) عُوفِيَ مِنْهُ، لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ ضَرُورَةً فَيَزُولُ بِزَوَالِهَا، (وَ) يَبْطُلُ أَيْضًا (بِمُبْطِلِ مَا تَيَمَّمَ لَهُ) مِنْ الطَّهَارَتَيْنِ، (فَ) يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ (لِوُضُوءٍ بِمَا يُبْطِلُهُ مِنْ نَحْوِ بَوْلٍ) كَنَوْمٍ، (وَلِجَنَابَةٍ بِمَا يُبْطِلُ غُسْلَهَا مِنْ نَحْوِ مَنِيٍّ) خَرَجَ بِلَذَّةٍ (وَتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ، وَ) يَبْطُلُ تَيَمُّمٌ (لِ) حِلِّ (وَطْءٍ مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ أَوْ النِّفَاسِ عَوْدُهُمَا ثَانِيًا) ، فَلَوْ تَيَمَّمَتْ بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ ثُمَّ أَجْنَبَتْ؛ فَلَهُ الْوَطْءُ لِبَقَاءِ حُكْمِ تَيَمُّمِ الْحَيْضِ وَنَحْوِهِ، الْوَطْءُ إنَّمَا يُوجِبُ حَدَثَ جَنَابَةٍ.

(وَ) يَبْطُلُ أَيْضًا (بِخَلْعِ مَا مَسَحَ) مِنْ نَحْوِ خُفٍّ وَعِمَامَةٍ وَجَبِيرَةٍ لُبِسَتْ عَلَى طَهَارَةِ مَاءٍ (إنْ تَيَمَّمَ) بَعْدَ حَدَثِهِ (وَهُوَ عَلَيْهِ) ، وَكَذَا فِي " الدَّلِيلِ " وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي " الْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: بِخَلْعِ مَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي " الْمُنْتَهَى ": بِخَلْعِ مَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْمَسْحُ بِالْفِعْلِ كَمَا اعْتَبَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَمْ يُشِرْ إلَى خِلَافِهِمَا، لِأَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا فِي " الْكَافِي " وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَاهُ.

(وَبِظُهُورِ قَدَمٍ إلَى سَاقٍ خُفٍّ، أَوْ انْتِقَاضِ بَعْضِ عِمَامَةٍ) ، سَوَاءٌ

(1/217)


مَسَحَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَا، لِقِيَامِ تَيَمُّمِهِ مَقَامَ وُضُوئِهِ، وَهُوَ يَبْطُلُ بِخَلْعِ ذَلِكَ فَكَذَا مَا قَامَ مَقَامَهُ، وَالتَّيَمُّمُ وَإِنْ اخْتَصَّ بِعُضْوَيْنِ صُورَةً فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَرْبَعَةِ حُكْمًا، وَكَذَا لَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحٍ.

(وَ) يَبْطُلُ أَيْضًا (بِرُؤْيَةِ مَا يَشُكُّ مَعَهُ وُجُودَ مَاءٍ كَسَرَابٍ ظَنَّهُ مَاءً) ، لِزَوَالِ يَقِينِ عَدَمِ الْمَاءِ بِطُرُوِّ الشَّكِّ، (وَ) يَبْطُلُ أَيْضًا (بِوُجُودِهِ) - أَيْ: الْمَاءِ - (غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِمَانِعٍ) مِنْ اسْتِعْمَالِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، (فَلَوْ وَجَدَهُ) - أَيْ: الْمَاءَ - بَعْدَ شُرُوعِهِ (فِي صَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ بَطَلَا) - أَيْ: الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ - قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ

(وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي وَجَدَ فِيهَا الْمَاءَ (جُمُعَةً خِيفَ فَوْتُهَا أَوْ انْدَفَقَ مَاءٌ وَهُوَ) مُتَلَبِّسٌ (فِيهِمَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ - فَإِنَّهُمَا يَبْطُلَانِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

(وَإِنْ انْقَضَيَا) - أَيْ: الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ - قَبْلَ وُجُودِ الْمَاءِ (لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهُمَا) ، لِوُقُوعِهِمَا الْمَوْقِعَ، وَلَكِنَّهَا تُسَنُّ، لِمَا رَوَى عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ

(1/218)


قَالَ «خَرَجَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ، فَتَيَمَّمَا صَعِيدًا طَيِّبًا فَصَلَّيَا، ثُمَّ وَجَدَا الْمَاءَ فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدْ الْآخَرُ، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: أَجْزَأَتْك صَلَاتُك، وَقَالَ لِلَّذِي أَعَادَ: لَك الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

(وَ) إنْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ لِعَدَمِ الْمَاءِ، ثُمَّ وَجَدَهُ (فِي نَحْوِ قِرَاءَةٍ وَوَطْءٍ) كَلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ (يَجِبُ تَرْكُهُ) لِبُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَك» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

(وَيُغَسَّلُ مَيِّتٌ) يُمِّمَ لِعَدَمِ مَاءٍ (وَلَوْ صُلِّيَ عَلَيْهِ) وَلَمْ يُدْفَنْ حَتَّى وُجِدَ الْمَاءُ، (وَتُعَادُ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَوْ تُيُمِّمَ وَالْأُولَى بِوُضُوءٍ (وَيَتَّجِهُ كَتَفْضِيلِ هَذَا) ، أَيْ: عَادِمِ الْمَاءِ إذَا وَجَدَهُ (عَادِمُ تُرَابٍ وَجَدَهُ) ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

(وَسُنَّ لِعَادِمٍ) وُجُودِ مَاءٍ (وَرَاجٍ وُجُودَ مَاءٍ أَوْ مُسْتَوٍ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ) - أَيْ: وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ - (تَأْخِيرُ تَيَمُّمٍ لِآخِرِ وَقْتِ اخْتِيَارٍ) ، لِأَنَّ كُلَّ كَمَالٍ اقْتَرَنَ بِالتَّأْخِيرِ وَخَلَا عَنْهُ التَّقْدِيمُ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ وَلِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي الْجُنُبِ: يَتَلَوَّمُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخِرِ الْوَقْتِ، فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ، وَإِلَّا تَيَمَّمَ فَإِنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ، وَلَوْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدُ، كَمَنْ صَلَّى عُرْيَانَا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى السُّتْرَةِ، أَوْ لِمَرَضٍ جَالِسًا، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ.

(وَصِفَتُهُ) - أَيْ: التَّيَمُّمِ - (أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ) مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ أَوْ نَحْوِهِ، مِنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ نَحْوِهِ، (ثُمَّ يُسَمِّي) وُجُوبًا فَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ.
لَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا إنْ كَانَ (ذَاكِرًا) ، وَتَسْقُطُ سَهْوًا وَجَهْلًا، (وَيَضْرِبُ التُّرَابَ بِيَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ) لِيَصِلَ التُّرَابُ

(1/219)


إلَى مَا بَيْنَهَا (ضَرْبَةً بَعْدَ نَزْعِ نَحْوِ خَاتَمٍ) ، لِيَصِلَ التُّرَابُ إلَى مَا تَحْتَهُ، (فَإِنْ عَلِقَ) بِيَدَيْهِ (غُبَارٌ كَثِيرٌ نَفَخَهُ إنْ شَاءَ، وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ خَفِيفًا كُرِهَ نَفْخُهُ لِئَلَّا يَذْهَبَ فَيَحْتَاجَ إلَى إعَادَةِ الضَّرْبِ، (فَإِنْ ذَهَبَ) مَا عَلَى الْيَدَيْنِ بِنَفْخٍ (أَعَادَ الضَّرْبَ) ، لِيَحْصُلَ الْمَسْحُ بِتُرَابٍ، (وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ نَاعِمًا فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ فَعَلِقَ) فِيهِمَا (أَجْزَأَهُ) ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، (ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِهِ وَكَفَّيْهِ بِرَاحَتَيْهِ) ، لِحَدِيثِ عَمَّارٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي التَّيَمُّمِ «ضَرْبَةً وَاحِدَةً لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مَعْنَاهُ أَيْضًا.
فَيَمْسَحُ يَدَيْهِ (إلَى كُوعَيْهِ فَقَطْ) ، لِأَنَّ الْيَدَ إذَا أُطْلِقَتْ لَا يَدْخُلُ فِيهَا الذِّرَاعُ، بِدَلِيلِ السَّرِقَةِ وَالْمَسِّ، لَا يُقَالُ هِيَ مُطْلَقَةٌ فِي التَّيَمُّمِ مُقَيَّدَةٌ فِي الْوُضُوءِ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الطَّهَارَةِ، لِأَنَّ الْحَمْلَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَالْعِتْقِ فِي الظِّهَارِ عَلَى الْعِتْقِ فِي الْخَطَأِ، وَالتُّرَابُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ وَهُوَ يُشْرَعُ فِيهِ التَّثْلِيثُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ هُنَا، وَالْوُضُوءُ يَغْسِلُ فِيهِ بَاطِنَ الْفَمِ وَالْأَنْفَ بِخِلَافِهِ هُنَا.

(وَسُنَنُ تَيَمُّمٍ: تَرْتِيبٌ وَمُوَالَاةٌ فِي غَيْرِ حَدَثٍ أَصْغَرَ) ، وَأَمَّا فِيهِ، فَيَجِبَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [المائدة: 6] .
(وَتَفْرِيجُ أَصَابِعِهِ وَقْتَ ضَرْبٍ) لِيَدْخُلَ بَيْنَهَا التُّرَابُ، (وَتَقْدِيمُ) يَدٍ (يُمْنَى عَلَى يَدٍ يُسْرَى فِي مَسْحٍ) لَا فِي ضَرْبٍ، (وَ) تَقْدِيمُ مَسْحِ (أَعْلَى وَجْهٍ عَلَى أَسْفَلِهِ كَمَا فِي وُضُوءٍ، وَنَزْعِ نَحْوِ خَاتَمٍ عِنْدَ مَسْحِ وَجْهٍ لِيَمْسَحَ جَمِيعَهُ بِجَمِيعِ يَدٍ) تَحْصِيلًا لِلْكَمَالِ، (وَفِي مَسْحِ يَدٍ يَجِبُ نَزْعُهُ) - أَيْ: الْخَاتَمِ (لِيَصِلَ تُرَابٌ إلَى مَحَلِّهِ) مِنْ الْيَدِ، (وَلَا يَكْفِي تَحْرِيكُهُ) - أَيْ: الْخَاتَمِ - (بِخِلَافِ مَاءٍ، لِ) قُوَّةِ (سَرَيَانِهِ، وَإِدَامَةُ يَدٍ عَلَى عُضْوٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ مَسْحِهِ) ، فَإِنْ رَفَعَ يَدَهُ عَنْ الْعُضْوِ مَعَ بَقَاءِ الْغُبَارِ عَلَيْهَا جَازَ

(1/220)


إعَادَتُهَا وَتَكْمِيلُ الْمَسْحِ بِهَا، وَإِلَّا ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى، (وَالْإِتْيَانُ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ مَا بَعْدَهُمَا كَمَا فِي وُضُوءٍ، وَعِنْدَ الْقَاضِي وَالشِّيرَازِيِّ وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ وَأَبِي الْبَرَكَاتِ: وَتَجْدِيدُ ضَرْبَةٍ لِيَدَيْهِ وَمَسْحُهُمَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَهُوَ) - أَيْ: مَا قَالُوهُ - (حَسَنٌ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَنْصُوصِ) عَنْ الْإِمَامِ، (خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ) .

وَإِنْ مَسَحَ بِبَعْضِ يَدِهِ أَوْ بِخِرْقَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ جَازَ، لِأَنَّ الْقَصْدَ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَكَيْفَ مَا حَصَلَ جَازَ كَالْوُضُوءِ.

(وَإِنْ مَسَحَ بِأَكْثَرَ مِنْ ضَرْبَتَيْنِ مَعَ اكْتِفَاءٍ بِدُونِهِ كُرِهَ) ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا تُسَنُّ الزِّيَادَةُ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ إذَا حَصَلَ الِاسْتِيعَابُ بِهِمَا.

(وَإِنْ بُذِلَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ - مَاءٌ لِأَوْلَى جَمَاعَةٍ (أَوْ نُذِرَ) مَاءٌ لِأَوْلَى جَمَاعَةٍ (أَوْ وُقِفَ) مَاءٌ (أَوْ وُصِّيَ مَاءٌ لِأَوْلَى جَمَاعَةٍ) (قُدِّمَ بِهِ) مِنْهُمْ (غُسْلُ طِيبِ مُحْرِمٍ) ، لِأَنَّ تَأْخِيرَ غُسْلِهِ بِلَا عُذْرٍ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ، (فَ) إنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ قُدِّمَ غَسْلُ (نَجَاسَةِ ثَوْبٍ) ، لِوُجُوبِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى عَادِمِ غَيْرِهِ، فَ (إنْ) فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ قُدِّمَ غَسْلُ نَجَاسَةِ (بُقْعَةٍ) تَعَذَّرَتْ الصَّلَاةُ فِي غَيْرِهَا، لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ فَلَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ لَهَا، فَ (إنْ) فَضَلَ شَيْءٌ قُدِّمَ غَسْلُ نَجَاسَةِ (بَدَنٍ) لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لَهَا بِخِلَافِ حَدَثٍ (فَ) إنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُدِّمَ (مَيِّتٌ) فَيُغَسَّلُ بِهِ، لِأَنَّ غُسْلَهُ خَاتِمَةُ طَهَارَتِهِ وَالْأَحْيَاءُ يَرْجِعُونَ إلَى الْمَاءِ فَيَغْتَسِلُونَ، (فَ) إنْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ قُدِّمَتْ بِهِ (حَائِضٌ وَنُفَسَاءُ) انْقَطَعَ دَمُهُمَا، لِأَنَّ ذَلِكَ أَغْلَظُ مِنْ الْجَنَابَةِ، (فَ) إنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُدِّمَ بِهِ (جُنُبٌ) ، لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ مَا لَا يَسْتَفِيدُهُ الْمُحْدِثُ بِهِ، (فَ) إنْ فَضَلَ شَيْءٌ تَوَضَّأَ بِهِ (مُحْدِثٌ إلَّا إنْ كَفَاهُ) - أَيْ: الْمُحْدِثَ - الْمَاءُ لِلْوُضُوءِ (وَحْدَهُ) - أَيْ: دُونَ الْجُنُبِ - بِأَنْ كَانَ لَا يَكْفِيه لِغُسْلِهِ: (فَيُقَدَّمُ) الْمُحْدِثُ (عَلَى جُنُبٍ) ، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ أَوْلَى مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي بَعْضِ طَهَارَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكْفِ كُلًّا مِنْهُمَا قُدِّمَ جُنُبٌ، لِأَنَّهُ

(1/221)


يَسْتَفِيدُ بِهِ تَطْهُرُ بَعْضُ أَعْضَائِهِ، (وَيُقْرَعُ مَعَ تَسَاوٍ، كَمُحْدِثَيْنِ) فَأَكْثَرَ وَحَائِضَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَالْمَاءُ لَا يَكْفِي إلَّا وَاحِدًا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ قُدِّمَ بِهِ لِأَوْلَوِيَّتِهِ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ لَهُ، (أَوْ) وُجِدَ طِيبٌ عَلَى (مُحْرِمَيْنِ) وَالْمَاءُ لَا يَكْفِي إلَّا غُسْلَ مَا عَلَى أَحَدِهِمَا فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ اسْتَعْمَلَهُ إذْ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا، (فَإِنْ تَطَهَّرَ بِهِ) - أَيْ: الْمَاءِ الْمَذْكُورِ - (غَيْرُ الْأَوْلَى) بِهِ كَمُحْدِثٍ مَعَ ذِي نَجَسٍ: (أَسَاءَ) ، لِفِعْلِهِ مَا لَيْسَ لَهُ، (وَصَحَّتْ) طَهَارَتُهُ، لِأَنَّ الْأَوْلَى لَمْ يَمْلِكْهُ لِكَوْنِهِ أَوْلَى وَإِنَّمَا رَجَحَ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ.
(وَيَتَّجِهُ: وَيَأْثَمُ) غَيْرُ الْأَوْلَى (بِتَعَدِّيهِ) عَلَى مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " غَايَةِ الْمَطْلَبِ " وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِأَحَدِ الْمُحْتَاجِينَ إلَيْهِ تَعَيَّنَ لَهُ، لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْهُ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُؤْثِرَ بِهِ غَيْرَهُ، وَلَوْ أَحَدَ أَبَوَيْهِ، لِتَعَيُّنِهِ لِأَدَاءِ فَرْضِهِ وَتَعَلَّقَ حَقُّ اللَّهِ بِهِ، (وَالثَّوْبُ) الْمَبْذُولُ لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ يَحْتَاجَانِهِ (يُصَلِّي فِيهِ) الْحَيُّ (عَلَى مَيِّتٍ ثُمَّ يُكَفَّنُ بِهِ) الْمَيِّتُ، جَمْعًا بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ، (وَمَعَ) احْتِيَاجِ حَيٍّ لِكَفَنِ مَيِّتٍ لِشِدَّةِ (بَرْدٍ يُخْشَى مِنْهُ تَلَفٌ يُقَدَّمُ حَيٌّ) عَلَى مَيِّتٍ (وَلَا تَكْفِينَ) ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ آكَدُ، قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ.