مطالب
أولي النهى في شرح غاية المنتهى [بَابُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ
الْحُكْمِيَّةِ]
(بَابُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ) أَيْ: تَطْهُرُ مَوَارِدِ
الْأَنْجَاسِ، وَذَكَرَ النَّجَاسَاتِ وَمَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْهَا.
(وَهِيَ) - أَيْ: النَّجَاسَةُ الْحُكْمِيَّةُ - (الطَّارِئَةُ عَلَى
مَحَلٍّ طَاهِرٍ، وَالْعَيْنِيَّةُ لَا تَطْهُرُ بِحَالٍ) ، أَيْ: لَا
بِغُسْلٍ وَلَا بِاسْتِحَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا يُعْقَلُ
لِلنَّجَاسَةِ مَعْنًى، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ.
(يُشْتَرَطُ لِ) تَطْهِيرِ (كُلِّ مُتَنَجِّسٍ غَيْرُ مَا يَأْتِي) مِنْ
مُتَّصِلٍ بِأَرْضٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ صَخْرَةٍ كَبِيرَةٍ، (حَتَّى
أَسْفَلَ
(1/222)
خُفٍّ وَ) أَسْفَلَ (حِذَاءٍ) - بِالْمَدِّ
وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَوَّلَهُ - أَيْ نَعْلٍ، (وَ) حَتَّى (ذَيْلِ
امْرَأَةٍ سَبْعَ غَسَلَاتٍ) .
لِعُمُومِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أُمِرْنَا بِغَسْلِ الْأَنْجَاسِ سَبْعًا»
فَيَنْصَرِفُ إلَى أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَقِيَاسًا عَلَى نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ.
وَقِيسَ أَسْفَلُ الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ عَلَى الرِّجْلِ، وَذَيْلُ
الْمَرْأَةِ عَلَى بَقِيَّةِ ثَوْبِهَا، وَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ
أَنْ تَسْتَوْعِبَ الْمَحَلَّ، وَيُحْسَبُ الْعَدَدُ مِنْ أَوَّلِ
غَسْلَةٍ، فَيُجْزِئُ (إنْ أَنْقَتْ) السَّبْعُ غَسَلَاتٍ، (وَإِلَّا) ،
بِأَنْ لَمْ تُنْقِ بِهَا، فَيَزِيدُ عَلَى السَّبْعِ (حَتَّى تُنْقِيَ)
النَّجَاسَةَ (بِمَاءٍ طَهُورٍ) - مُتَعَلِّقٌ بِغَسَلَاتٍ - أَيْ:
يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ غَسْلَةٍ مِنْ السَّبْعِ بِمَاءٍ طَهُورٍ،
لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ قَالَتْ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ
دَمِ الْحَيْضَةِ، كَيْف تَصْنَعُ؟ قَالَ: تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ
بِالْمَاءِ ثُمَّ تَنْضَحُهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَ «أَمَرَ بِصَبِّ ذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ» .
وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُشْتَرَطَةٌ فَأَشْبَهَتْ طَهَارَةَ الْحَدَثِ،
(وَلَوْ) كَانَ الْمَاءُ الطَّهُورُ (غَيْرَ مُبَاحٍ) لِأَنَّ إزَالَتَهَا
مِنْ قِسْمِ التُّرُوكِ.
وَلِذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةٌ، (مَعَ حَتٍّ) - أَيْ: قِشْرٍ
وَحَكٍّ - (وَقَرْصٍ) لِمَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَهُوَ بِالصَّادِ
الْمُهْمَلَةِ: الدَّلْكُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَالْأَظْفَارِ. مَعَ
صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ.
(لِحَاجَةٍ) إلَى ذَلِكَ وَلَوْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ (إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ)
الْمَحَلُّ بِالْحَتِّ أَوْ الْقَرْصِ، فَإِنْ تَضَرَّرَ سَقَطَ.
(وَيُحْسَبُ عَدَدُهُ مِنْ أَوَّلِ غَسْلَةٍ) مِنْ الْغَسَلَاتِ السَّبْعِ،
(وَلَوْ قَبْلَ زَوَالِ عَيْنِهَا) - أَيْ: النَّجَاسَةِ - (فَلَوْ لَمْ
تَزُلْ) النَّجَاسَةُ (إلَّا فِي) الْغَسْلَةِ (الْأَخِيرَةِ أَجْزَأَ)
ذَلِكَ لِإِتْيَانِهِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ.
(إنْ وَضَعَهُ) - أَيْ: الْمُتَنَجِّسُ - (بِإِنَاءٍ وَأَوْرَدَ) - أَيْ:
صَبَّ - (عَلَيْهِ) الْمَاءَ (فَغَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ يَبْنِي عَلَيْهَا)
بَعْدَ عَصْرِ الْمُتَنَجِّسِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَدَدَ الْمُعْتَبَرَ،
(وَيَطْهُرَ) الْمَحَلُّ الْمُتَنَجِّسُ بَعْدَ ذَلِكَ (نَصًّا) لِوُرُودِ
الْمَاءِ عَلَى مَحَلِّ التَّطْهِيرِ، (وَلَا) يَطْهُرَ. (إنْ أَوْرَدَهُ)
(1/223)
أَيْ: الْمُتَنَجِّسُ - (عَلَى مَاءٍ
قَلِيلٍ) ، لِأَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ يُنَجَّسُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ
النَّجَاسَةِ، فَلَا يَحْصُلُ بِهِ تَطْهِيرٌ وَلَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ
الْغَسْلَةِ، (وَشُرِطَ عَصْرٌ مَعَ إمْكَانِ) الْعَصْرِ (فِيمَا تَشْرَبُ)
النَّجَاسَةُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ بِحَيْثُ لَا يُخَافُ فَسَادُهُ (كُلَّ
مَرَّةٍ) مِنْ السَّبْعِ (خَارِجَ الْمَاءِ) لِيَحْصُلَ انْفِصَالُ
الْمَاءِ عَنْهُ، (وَإِلَّا يَعْصِرُهُ) خَارِجَ الْمَاءِ بَلْ عَصْرُهُ
فِيهِ وَلَوْ سَبْعًا؛ (فَ) هِيَ (غَسْلَةٌ) وَاحِدَةٌ، (يَنْبَنِي
عَلَيْهَا) مَا بَقِيَ مِنْ السَّبْعِ (أَوْ دَقَّهُ) - مِنْ أَيِّ: مَا
تَشْرَبُ النَّجَاسَةُ - (وَتَقْلِيبُهُ) إنْ لَمْ يُمْكِنْ عَصْرُهُ،
(أَوْ تَثْقِيلُهُ) كُلَّ غَسْلَةٍ حَتَّى يَذْهَبَ أَكْثَرُ مَا فِيهِ
مِنْ الْمَاءِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَلَا يَكْفِي عَنْ عَصْرِهِ وَنَحْوِهِ
تَجْفِيفُهُ، وَمَا لَا يَتَشَرَّبُ يَطْهُرُ بِوُرُودِ الْمَاءِ عَلَيْهِ
وَانْفِصَالِهِ عَنْهُ.
(وَ) يُشْتَرَطُ (كَوْنُ إحْدَاهَا) - أَيْ: السَّبْعِ غَسَلَاتٍ -
(وَالْأُولَى) مِنْهَا (أَوْلَى) بِجَعْلِ التُّرَابِ فِيهَا (فِي
مُتَنَجِّسٍ بِكَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مُتَوَلِّدٍ) مِنْهُمَا أَوْ
(مِنْ أَحَدِهِمَا) - أَيْ: الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ - (بِتُرَابٍ
طَاهِرٍ) - أَيْ: طَهُورٍ - لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ
سَبْعًا أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَلَا يَكْفِي تُرَابٌ نَجِسٌ وَلَا
مُسْتَعْمَلٌ (يَسْتَوْعِبُ) ، أَيْ: يَعُمُّ التُّرَابُ (الْمَحَلَّ)
الْمُتَنَجِّسَ، لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعُمَّهُ لَمْ تَكُنْ غَسْلَةٌ (إلَّا
فِيمَا) - أَيْ: مَحَلٍّ - (يَضُرُّهُ) التُّرَابُ، (فَيَكْفِي مُسَمَّاهُ)
، أَيْ: مَا يُسَمَّى تُرَابًا دَفْعًا لِلضَّرَرِ.
(وَيُعْتَبَرُ مَزْجُهُ) - أَيْ: التُّرَابِ - (بِمَائِعٍ يُوصِلُهُ
إلَيْهِ) - أَيْ: الْمَحَلِّ النَّجِسِ - فَ (لَا) يَكْفِي (ذَرُّهُ)
عَلَيْهِ (وَإِتْبَاعُهُ الْمَاءَ) وَالْمُرَادُ بِالْمَائِعِ هُنَا:
الْمَاءُ الطَّهُورُ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ.
وَجَعْلُ التُّرَابِ فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَى أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ
فِيمَا بَعْدَهَا، لِمُوَافَقَةِ لَفْظِ الْخَبَرِ وَلِيَأْتِيَ بَعْدَهُ
فَيُنَظِّفَهُ، فَإِنْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِهَا جَازَ، لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي
حَدِيثٍ «إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَفِي حَدِيثٍ «أُولَاهُنَّ» وَفِي
حَدِيثٍ «فِي الثَّامِنَةِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ التُّرَابِ مِنْ
(1/224)
الْغَسَلَاتِ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ،
وَرِوَايَةُ الثَّامِنَةِ مَعْنَاهَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنْ تَكُونَ
إحْدَى السَّبْعِ بِالتُّرَابِ، لَكِنْ لَمَّا أُضِيفَ الْمَاءُ فِيهَا
إلَى التُّرَابِ، عُدَّ التُّرَابُ كَأَنَّهُ غَسْلَةٌ ثَامِنَةٌ.
(وَيَقُومُ نَحْوُ أُشْنَانٍ وَصَابُونٍ وَنُخَالَةٍ) مِنْ كُلِّ مَا لَهُ
قُوَّةُ إزَالَةٍ (مَقَامَ تُرَابٍ وَلَوْ مَعَ وُجُودِهِ) - أَيْ:
التُّرَابِ - لِأَنَّهَا أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الْإِزَالَةِ، فَنَصُّهُ
عَلَى التُّرَابِ تَنْبِيهٌ عَلَيْهَا وَلِأَنَّهُ جَامِدٌ أُمِرَ بِهِ فِي
إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، فَأُلْحِقَ بِهِ مَا يُمَاثِلُهُ كَالْحَجَرِ فِي
الِاسْتِجْمَارِ.
(وَيَضُرُّ بَقَاءُ طَعْمِ) النَّجَاسَةِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَقَاءِ
الْعَيْنِ، وَلِسُهُولَةِ إزَالَتِهِ، فَلَا يَطْهُرُ الْمَحَلُّ مَعَ
بَقَائِهِ.
وَ (لَا) يَضُرُّ بَقَاءُ (لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ) بَقَاءُ (هُمَا
عَجْزًا) عَنْ إزَالَتِهِمَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ، كَمَا لَوْ صُبِغَ ثَوْبٌ
بِنَجَاسَةٍ، ثُمَّ غُسِلَ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ
اللَّوْنِ لِأَنَّهُ عَرَضٌ، وَالنَّجَاسَةُ لَا تُخَالِطُ الْعَرَضَ،
وَالْمَاءُ لَا يُخَالَطُ، فَإِذَا زَالَتْ الْعَيْنُ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ
النَّجَاسَةِ زَالَتْ النَّجَاسَةُ بِزَوَالِهَا، جَزَمَ فِي " الْفُصُولِ
" بِمَعْنَى ذَلِكَ.
وَيَطْهُرُ الْمَحَلُّ (وَإِنْ لَمْ يَزُولَا) - أَيْ: اللَّوْنُ
وَالرِّيحُ - (إلَّا بِمِلْحٍ وَنَحْوِهِ) كَأُشْنَانٍ (مَعَ الْمَاءِ لَمْ
يَجِبْ) اسْتِعْمَالُهُ مَعَهُ، قَالَ الشِّيشْنِيُّ: لَوْ خَضَّبَ يَدَهُ
أَوْ شَعْرَهُ بِحِنَّاءٍ مُتَنَجِّسٍ بِبَوْلٍ أَوْ دَمٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ
نَحْوِهِ ثُمَّ أَزَالَ الْحِنَّاءَ وَغَسَلَ الْمَحَلَّ وَبَقِيَ لَوْنُهُ
فَإِنَّهُ يَطْهُرُ، لِأَنَّهُ إذَا وَرَدَ الْمَاءُ عَلَيْهِ عَلِمْنَا
أَنَّ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ النَّجَاسَةِ قَدْ زَالَ، وَإِنَّمَا
يَبْقَى اللَّوْنُ، انْتَهَى.
(وَحَسَنٌ) فِعْلُ ذَلِكَ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ «امْرَأَةٍ مِنْ
غِفَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَرْدَفَهَا عَلَى حَقِيبَةٍ فَحَاضَتْ، قَالَتْ: فَنَزَلَتْ فَإِذَا بِهَا
دَمٌ مِنِّي فَقَالَ: مَالَكِ لَعَلَّك نَفِسْت؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ:
فَأَصْلِحِي مِنْ نَفْسِك، ثُمَّ خُذِي إنَاءً مِنْ مَاءٍ فَاطْرَحِي فِيهِ
مِلْحًا، ثُمَّ اغْسِلِي مَا أَصَابَ الْحَقِيبَةَ مِنْ الدَّمِ» وَعُلِمَ
مِنْهُ أَنَّ الْمِلْحَ لَيْسَ بِقُوتٍ وَإِنَّمَا يُصْلِحُ الْقُوتَ.
(وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ مَطْعُومِ آدَمِيٍّ) - كَدَقِيقٍ - (فِي
إزَالَتِهَا) - أَيْ: النَّجَاسَةِ.
(1/225)
(وَيَتَّجِهُ إنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ) ،
فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ،
لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا بَأْسَ) (بِاسْتِعْمَالِ نُخَالَةٍ) خَالِصَةٍ، (وَنَحْوُ دَقِيقِ
بَاقِلَاءَ) كَدَقِيقِ حِمَّصٍ وَعَدَسٍ (فِي غَسْلِ) أَيْدٍ وَنَحْوِهَا
لِلتَّنْظِيفِ.
(وَمَا نَجِسَ) مِنْ مَحَلٍّ طَاهِرٍ (بِ) إصَابَةِ مَاءِ (غَسْلَةٍ)
(يُغْسَلُ) ذَلِكَ الْمَحَلُّ (عَدَدَ مَا بَقِيَ بَعْدَهَا) ، أَيْ:
تِلْكَ الْغَسْلَةِ، لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ تَطْهُرُ فِي مَحَلِّهَا بِمَا
بَقِيَ مِنْ الْغَسَلَاتِ فَطَهُرَتْ بِهِ فِي مِثْلِهِ، فَمَا تَنَجَّسَ
بِرَابِعَةٍ مَثَلًا غُسِلَ ثَلَاثًا إحْدَاهُنَّ (بِتُرَابٍ طَاهِرٍ
حَيْثُ شُرِطَ، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ) قَبْلَ تَنَجُّسِ الْمَحَلِّ
الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ اسْتَعْمَلَ التُّرَابَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ
يُعِدْ.
(وَيَطْهُرُ نَحْوُ آنِيَةٍ وَسِكِّينٍ) وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَتَشَرَّبُ
النَّجَاسَةَ (بِمُرُورِ مَاءٍ عَلَيْهِ وَانْفِصَالِهِ عَنْهُ سَبْعًا) ،
وَلَا يَكْفِي مَسْحُهُ لَوْ كَانَ صَقِيلًا كَسَيْفٍ وَمِرْآةٍ، لِعُمُومِ
مَا سَبَقَ مِنْ الْأَمْرِ بِغَسْلِ الْأَنْجَاسِ، وَالْمَسْحُ لَيْسَ
غَسْلًا.
(وَيُغْسَلُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (بِخُرُوجِ مَذْيٍ) مِنْ (ذَكَرٍ
وَأُنْثَيَانِ مَرَّةً) ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ، قِيلَ لِتَبْرِيدِهِمَا،
وَقِيلَ لِتَلْوِيثِهِمَا غَالِبًا لِنُزُولِهِ مُتَسَبِّبًا.
(وَ) يُغْسَلُ (مَا أَصَابَهُ) الْمَذْيُ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ
بَلْ وَمِنْ سَائِرِ الْبَدَنِ وَالثِّيَابِ (سَبْعًا) كَسَائِرِ
النَّجَاسَاتِ.
(وَيُجْزِئُ فِي قَيْءٍ وَبَوْلِ غُلَامٍ لَمْ يَأْكُلْ طَعَامًا
لِشَهْوَةٍ نَضْحُهُ، وَهُوَ غَمْرُهُ بِمَاءٍ) وَإِنْ لَمْ يَقْطُرْ
مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَرْسٍ وَعَصْرٍ، لِحَدِيثِ أُمِّ
قَيْسِ بِنْتِ مِحْصَنٍ «أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ
يَأْكُلْ الطَّعَامَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ
فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا يُغْسَلُ
مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَبَوْلِ صَبِيٍّ أَكَلَ الطَّعَامَ»
لِشَهْوَةٍ، فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ نُضِحَ، لِأَنَّهُ قَدْ
يَلْعَقُ الْعَسَلَ سَاعَةَ يُولَدُ،
(1/226)
«وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - حَنَّكَ بِالتَّمْرَةِ» .
(وَيَتَّجِهُ الْمُرَادُ بِطَعَامٍ) : أَيَّ طَعَامٍ كَانَ جَامِدًا أَوْ
مَائِعًا (غَيْرَ لَبَنٍ مُطْلَقًا) مِنْ آدَمِيَّةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ
بِمَصٍّ مِنْ ثَدْيٍ أَوْ شُرْبٍ مِنْ إنَاءٍ وَلَوْ كَانَ تَغَذِّيهِ
بِاللَّبَنِ، لِعَدَمِ غَيْرِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) يُجْزِئُ (فِي نَحْوِ) (صَخْرَةٍ وَأَجْرِنَةٍ) صِغَارٍ مَبْنِيَّةٍ
أَوْ كَبِيرَةٍ مُطْلَقًا.
قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ " وَأَحْوَاضٍ وَحِيطَانٍ وَأَرْضٍ تَنَجَّسَتْ
بِمَائِعٍ (أَوْ) بِنَجَاسَةٍ (ذَاتِ جُرْمٍ أُزِيلَ) ذَلِكَ الْجُرْمُ
(عَنْهَا وَلَوْ مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ مُكَاثَرَتُهَا بِمَاءٍ حَتَّى
يَذْهَبَ لَوْنُ نَجَاسَةٍ وَرِيحُهَا) ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «جَاءَ
أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ،
فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا
قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَهُمْ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ»
مُتَّفَقٌ
(1/227)
عَلَيْهِ.
وَالْأَعْرَابِيُّ هُوَ خُوَيْصِرَةُ التَّيْمِيُّ وَإِنَّمَا نَهَاهُمْ
عَنْ زَجْرِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَقُومَ فَيُنَجِّسَ مَحَلًّا آخَرَ.
أَوْ لِأَنَّهُ إذَا أَقَامَ انْقَطَعَ بَوْلُهُ فَيَتَأَذَّى
بِالْحُقْنَةِ، أَوْ لِأَنَّهُمْ أَغْلَظُوا عَلَيْهِ وَحَقُّهُمْ
الرِّفْقُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ نَهْيَهُ لَهُمْ كَانَ لِأَجْلِ أَنْ
يُعَلِّمَهُمْ كَيْفِيَّةَ غَسْلِ النَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَالرِّيحُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ تَطْهُرْ
لِأَنَّهُ دَلِيلُ بَقَائِهَا، (مَا لَمْ يُعْجَزْ) عَنْ إذْهَابِهِمَا
أَوْ إذْهَابِ أَحَدِهِمَا، فَيَطْهُرُ كَغَيْرِ الْأَرْضِ.
(وَلَوْ) بَقِيَ الْمَاءُ (وَلَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهَا) ، أَيْ: الْأَرْضِ
وَنَحْوِهَا، وَعَنْ مَحَلِّ بَوْلِ الْغُلَامِ فَتَطْهُرُ مَعَ بَقَاءِ
الْمَاءِ عَلَيْهَا لِظَاهِرِ مَا تَقَدَّمَ.
وَلَا يَطْهُرُ (بِغَسْلِ دُهْنٍ تَنَجَّسَ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ السَّمْنِ تَقَعُ فِيهِ الْفَأْرَةُ،
فَقَالَ: إنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَلَوْ أَمْكَنَ تَطَهُّرُهُ لَمَا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهِ.
(وَ) لَا تَطْهُرُ (أَرْضٌ اخْتَلَطَتْ بِنَجَاسَةٍ ذَاتِ أَجْزَاءٍ)
مُتَفَرِّقَةٍ: (كَرَمِيمٍ وَدَمٍ جَافٍ وَرَوْثٍ) إذَا اخْتَلَطَ
بِأَجْزَائِهَا، فَلَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، لِأَنَّ عَيْنَهَا لَا
تَنْقَلِبُ، بَلْ بِإِزَالَةِ أَجْزَاءِ الْمَكَانِ بِحَيْثُ يُتَيَقَّنُ
زَوَالُ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ.
(وَلَا) يَطْهُرُ (بَاطِنُ حُبٍّ وَ) لَا (إنَاءٍ) تَشَرَّبَهَا، (وَ) لَا
تَطْهُرُ (سِكِّينٌ سُقِيَتْهَا) - أَيْ: النَّجَاسَة - بِأَنْ أُحْمِيَتْ
وَسُقِيَتْ بِمَاءٍ نَجِسٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
(وَلَا) يَطْهُرُ (عَجِينٌ وَلَحْمٌ تَشَرَّبَهَا) - أَيْ: النَّجَاسَةَ -
بِغَسْلٍ، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَأْصَلُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ مِمَّا
ذُكِرَ، قَالَ أَحْمَدُ فِي الْعَجِينِ: يُطْعَمُ النَّوَاضِحَ، وَلَا
يُطْعَمُ لِشَيْءٍ يُؤْكَلُ فِي الْحَالِ. وَلَا يُحْلَبُ لَبَنُهُ،
لِئَلَّا
(1/228)
يَتَنَجَّسَ بِهِ وَيَصِيرَ
كَالْجَلَّالَةِ.
(وَلَا) يَطْهُرُ (صَقِيلٌ كَسَيْفٍ) وَمِرْآةٍ وَزُجَاجٍ (بِمَسْحٍ) بَلْ
لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ كَالْأَوَانِي (فَيُنَجَّسُ نَحْوُ بِطِّيخٍ)
كَقِثَّاءٍ وَخِيَارٍ (قُطِعَ بِهِ) قَبْلَ غَسْلِهِ، وَكَذَا كُلُّ مَا
فِيهِ بَلَلٌ.
وَ (لَا) يُنَجَّسُ (رَطْبٌ بِلَا بَلَلٍ كَجُبْنٍ) كَمَا لَوْ قُطِعَ بِهِ
يَابِسًا، لِعَدَمِ تَعَدِّي النَّجَاسَةِ إلَيْهِ.
(وَلَا) تَطْهُرُ (أَرْضٌ بِشَمْسٍ وَرِيحٍ وَجَفَافٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ أَنْ يُصَبَّ عَلَى بَوْلِ
الْأَعْرَابِيِّ ذَنُوبٌ مِنْ مَاءٍ» وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ،
وَلِأَنَّهُ مَحَلٌّ نَجِسٌ فَلَمْ يَطْهُرْ بِغَيْرِ الْغَسْلِ
كَالثِّيَابِ.
(وَلَا) تَطْهُرُ (نَجَاسَةٌ بِنَارٍ فَرَمَادُهَا وَبُخَارُهَا
وَدُخَّانُهَا نَجِسٌ) إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ إلَّا هَيْئَةُ جِسْمِهَا،
كَالْمَيْتَةِ تَصِيرُ بِتَطَاوُلِ الزَّمَنِ تُرَابًا.
وَكَذَا صَابُونٌ عُمِلَ مِنْ شَيْءٍ نَجِسٍ، (وَلَا) تَطْهُرُ
(بِاسْتِحَالَةٍ فَمُتَوَلِّدٌ مِنْهَا كَدُودِ جُرْحٍ وَصَرَاصِيرَ
كُنُفٍ) ، جَمْعُ: كَنِيفٍ، وَكَالْكِلَابِ تُلْقَى فِي مَلَّاحَةٍ
فَتَصِيرَ مِلْحًا (نَجِسٌ) ، كَالدَّمِ يَسْتَحِيلُ قَيْحًا وَلِأَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ
وَأَلْبَانِهَا» لِأَكْلِ النَّجَاسَةِ، فَلَوْ كَانَتْ تَطْهُرُ
بِالِاسْتِحَالَةِ لَمْ يُؤَثِّرْ أَكْلُهَا النَّجَاسَةَ لِأَنَّهَا
تَسْتَحِيلُ، (إلَّا عَلَقَةً يُخْلَقُ مِنْهَا) حَيَوَانٌ (طَاهِرٌ)
فَتَطْهُرُ بِذَلِكَ.
(وَ) إلَّا (خَمْرَةً انْقَلَبَتْ خَلًّا بِنَفْسِهَا) فَتَطْهُرُ.
لِأَنَّ نَجَاسَتَهَا لِشِدَّتِهَا الْمُسْكِرَةِ الْحَادِثَةِ لَهَا،
وَقَدْ زَالَتْ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ خَلَّفَتْهَا، كَالْمَاءِ الْكَثِيرِ
الْمُتَغَيِّرِ يَزُولُ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ النَّجَاسَاتِ
الْعَيْنِيَّةِ، (أَوْ) انْقَلَبَتْ خَلًّا (بِنَقْلٍ) مِنْ دَنٍّ إلَى
آخَرَ، أَوْ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى غَيْرِهِ فَتَطْهُرُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَ
(لَا) تَطْهُرُ بِنَقْلِ مَا ذُكِرَ (لِقَصْدِ تَخْلِيلٍ) ، لِخَبَرِ
النَّهْيِ عَنْ تَخْلِيلِهَا فَلَا تَطْهُرُ، (وَدَنُّهَا) - أَيْ:
الْخَمْرَةِ، وَهُوَ وِعَاؤُهَا - (كُلُّهُ مِثْلُهَا) يَطْهُرُ
بِطَهَارَتِهَا، لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهَا الْحُكْمُ
بِطَهَارَتِهِ.
(وَإِنْ لَمْ يُصِبْ الْخَلَّ مَا أَصَابَهُ خَمْرٌ فِي غَلَيَانِهِ
كَمُحْتَفَرٍ) فِي أَرْضٍ فِيهِ مَاءٌ كَثِيرٌ تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ،
ثُمَّ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ فَيَطْهُرُ، وَمَحَلُّهُ تَبَعًا لَهُ.
وَكَذَا
(1/229)
مَا بُنِيَ فِي الْأَرْضِ كَالصَّهَارِيجِ
وَالْبَحَرَاتِ.
(وَلَا) يَطْهُرُ (إنَاءٌ طَهُرَ مَاؤُهُ) بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ
بِنَفْسِهِ أَوْ بِإِضَافَةٍ أَوْ نَزْحٍ، لِأَنَّ الْأَوَانِيَ، وَإِنْ
كَانَتْ كَبِيرَةً، لَا تَطْهُرُ إلَّا بِسَبْعِ غَسَلَاتٍ، فَإِنْ
انْفَصَلَ عَنْهُ الْمَاءُ حَسِبَ غَسْلَةً ثُمَّ يُكْمِلُ، وَلَا يَطْهُرُ
الْإِنَاءُ بِدُونِ إرَاقَةٍ.
[تَنْبِيهٌ طَهُرَ مَاءٌ كَثِيرٌ فِي إنَاءٍ كَبِيرٍ]
(تَنْبِيهٌ) : إذَا طَهُرَ مَاءٌ كَثِيرٌ فِي إنَاءٍ كَبِيرٍ، فَيُؤْخَذُ
مِنْهُ حَتَّى يَنْقُصَ عَنْ الْقُلَّتَيْنِ، ثُمَّ يُحْكَمَ بِنَجَاسَةِ
الْإِنَاءِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ بِمُجَرَّدِ نَقْصِهِ عَنْ
الْقُلَّتَيْنِ، بِخِلَافِ الْحَوْضِ.
(وَنَبِيذٌ) فِي الْحُكْمِ (كَخَمْرٍ) مِنْ أَنَّهُ يَطْهُرُ هُوَ
وَإِنَاؤُهُ إذَا انْقَلَبَ، خَلًّا (خِلَافًا لِلْقَاضِي) أَبِي يَعْلَى،
حَيْثُ جَزَمَ فِي " التَّعْلِيقِ " بِعَدَمِ طَهَارَتِهِ بِانْقِلَابِهِ
خَلًّا، (مُحْتَجًّا بِأَنَّ فِيهِ) مَا قَدْ (تَنَجَّسَ) فَيَتَنَجَّسُ
مَا أَصَابَهُ، وَلَوْ صَارَ خَلًّا.
(وَحَرُمَ عَلَى غَيْرِ خَلَّالٍ) - أَيْ: صَانِعِ الْخَلِّ -
(إمْسَاكُهَا) - أَيْ: الْخَمْرَةِ - لِتَتَخَلَّلَ - أَيْ: لِتَصِيرَ
خَلًّا - لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إمْسَاكِ الْخَمْرَةِ، وَهُوَ مَأْمُورٌ
بِإِرَاقَتِهَا، وَأَمَّا الْخَلَّالُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا
يَضِيعَ مَالُهُ.
وَالْخَلُّ الْمُبَاحُ: أَنْ يُصَبَّ عَلَى الْعِنَبِ أَوْ الْعَصِيرِ
خَلٌّ قَبْلَ غَلَيَانِهِ، وَقَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ
أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ حَتَّى لَا يَغْلِيَ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ
عَنْ أَحْمَدَ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ خَلٌّ مَغْلِيٌّ قَالَ
يُهْرَاقُ.
(ثُمَّ إنْ تَخَلَّلَتْ) الْخَمْرَةُ بِنَفْسِهَا بِيَدِ مُمْسِكِهَا
وَلَوْ غَيْرَ خَلَّالٍ حَلَّتْ، (أَوْ اتَّخَذَ عَصِيرًا لِيَتَخَمَّرَ
فَتَخَلَّلَ) بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ إلَيْهِ، وَلَا نُقِلَ
لِقَصْدِ تَخْلِيلٍ: (حَلَّ) ، أَيْ: طَهُرَ.
فَإِنْ ضُمَّ إلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يَطْهُرْ، لِأَنَّهُ اُسْتُعْجِلَ إلَى
مَقْصُودِهِ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ، فَعُوقِبَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، كَمَا لَوْ
قَتَلَ مُوَرِّثَهُ.
(وَمَنْ بَلَعَ نَحْوَ لَوْزٍ) كَبُنْدُقٍ (فِي قِشْرِهِ ثُمَّ قَاءَهُ)
(وَنَحْوَهُ) ، بِأَنْ خَرَجَ
(1/230)
مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ، (لَمْ يُنَجِّسْ
بَاطِنَهُ) لِصَلَابَةِ الْحَائِلِ.
(كَبَيْضٍ سُلِقَ فِي خَمْرٍ) أَوْ نَحْوِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ، فَلَا
يُنَجَّسُ بَاطِنُهُ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ
نَحْوِ لَحْمٍ وَخُبْزٍ.
(وَأَيُّ نَجَاسَةٍ خَفِيَتْ) فِي بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ (غُسِلَ) مَا
احْتَمَلَ أَنَّ النَّجَاسَةَ أَصَابَتْهُ (حَتَّى تَيَقَّنَ غَسْلَهَا
فَيَغْسِلُ كُمَّيْنِ تَنَجَّسَ أَحَدُهُمَا وَنَسِيَهُ) ، لِيَخْرُجَ مِنْ
الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ، فَإِنْ جَهِلَ جِهَتَهَا مِنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ
غَسَلَهُ كُلَّهُ، وَإِنْ عَلِمَهَا فِيمَا يُدْرِكُهُ بَصَرُهُ مِنْ
ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ غَسَلَ مَا يُدْرِكُهُ مِنْهُمَا، فَإِنْ صَلَّى
قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْمَانِعَ، كَمَا لَوْ
تَيَقَّنَ الْحَدَثَ، وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ.
وَ (لَا) يَلْزَمُهُ غَسْلٌ إنْ خَفِيَتْ النَّجَاسَةُ (فِي صَحْرَاءَ
وَنَحْوِهَا) كَالْحَوْشِ الْوَاسِعِ.
فَلَا يَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِهِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ، (وَيُصَلِّي فِيهَا
بِلَا تَحَرٍّ) دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا
كَالْبَيْتِ وَالْحَوْشِ الصَّغِيرِ، وَخَفِيَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ،
وَأَرَادَ الصَّلَاةَ فِيهِ لَزِمَهُ غَسْلُهُ كَالثَّوْبِ.
[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ النَّجَاسَاتِ وَمَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْهَا وَمَا
يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]
(النَّجِسُ مَائِعٌ) لَا جَامِدٌ: (مُحَرَّمٌ) كَخَمْرٍ، (وَلَوْ غَيْرَ
مُسْكِرٍ) كَنَبِيذِ تَمْرٍ أَوْ عَصِيرٍ أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ
أَيَّامٍ وَلَمْ يَغْلِ، أَوْ غَلَى وَلَوْ قَبْلَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى
{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] . . . إلَى قَوْله:
{رِجْسٌ} [المائدة: 90] ، وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهَا مِنْ غَيْرِ
ضَرَرٍ أَشْبَهَ الدَّمَ، وَلِأَنَّ النَّبِيذَ شَرَابٌ فِيهِ شِدَّةٌ
مُطْرِبَةٌ أَشْبَهَ الْخَمْرَةَ، (لَا حَشِيشَةَ مُسْكِرَةً) فَإِنَّهَا
طَاهِرَةٌ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " " وَحَوَاشِي صَاحِبِ
الْفُرُوعِ عَلَى الْمُقْنِعِ ".
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي " تَصْحِيحِ
الْفُرُوعِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ "
الْإِقْنَاعِ " - حَيْثُ جَزَمَ بِنَجَاسَتِهَا تَبَعًا لِمَا صَحَّحَهُ
فِي " الْإِنْصَافِ "
(1/231)
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " وَالْمُرَادُ بَعْدَ عِلَاجِهَا: أَيْ
بِالْإِمَاعَةِ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ.
(وَقِيلَ: إنْ أُمِيعَتْ) الْحَشِيشَةُ؛ (فَهِيَ نَجِسَةٌ) وَإِلَّا فَلَا
كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْغَزِّيِّ فِي مَنْظُومَتِهِ.
(وَهُوَ) أَيْ: الْقَوْلُ بِنَجَاسَتِهَا إنْ أُمِيعَتْ: (حَسَنٌ)
مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ، لِأَنَّهَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا مَائِعٌ
مُسْكِرٌ، وَهُوَ نَجِسٌ قَطْعًا.
(وَمَا لَا يُؤْكَلُ مِنْ طَيْرٍ وَبَهَائِمَ مِمَّا فَوْقَ هِرٍّ
خِلْقَةً) نَجِسٌ: (كَصَقْرٍ وَبُومٍ) وَعُقَابٍ وَحَدَأَةٍ وَنَسْرٍ
وَرَخَمٍ وَغُرَابِ الْبَيْنِ وَالْأَبْقَعِ، (وَكَبَغْلٍ وَحِمَارٍ)
وَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَفَهْدٍ، وَذِئْبٍ وَكَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَابْنِ آوَى
وَدُبٍّ وَقِرْدٍ، وَسِمْعٍ: هُوَ وَلَدُ ضَبُعٍ مِنْ ذِئْبٍ، وَعِسْبَارُ:
وَلَدُ ذِئْبَةٍ مِنْ ضِبْعَانٍ، (خِلَافًا " لِلْمُغْنِي ") ، فَإِنَّهُ
قَالَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي طَهَارَةُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ،
وَاسْتَدَلَّ عَلَى طَهَارَتِهِمَا بِرُكُوبِهِ.
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْمَذْهَبُ نَجَاسَتُهُمَا إذَا
كَانَا أَهْلِيَّيْنِ، وَأَمَّا مَا دُونَ ذَلِكَ فِي الْخِلْقَةِ فَهُوَ
طَاهِرٌ كَالنِّمْسِ وَالنَّسْنَاسِ وَابْنِ عُرْسٍ وَالْقُنْفُذِ
وَالْفَأْرِ.
(وَمَيْتَةُ) مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (كَضُفْدَعٍ وَحَيَّةٍ
وَوَزَغٍ) نَجِسَةٌ، لِأَنَّ لَهَا نَفْسًا سَائِلَةً فَتُنَجَّسُ
بِالْمَوْتِ، وَ (لَا) يُنَجَّسُ (سَمَكٌ وَجَرَادٌ وَمَا لَا دَمَ لَهُ
سَائِلٌ) بِمَوْتٍ (وَيَتَّجِهُ) طَهَارَتُهُ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ
بِقَطْعِ عُضْوِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الدَّمُ مُقَوِّمًا لِجَسَدِهِ
(أَصَالَةً) ، أَيْ: مَوْجُودًا فِيهِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، لِأَنَّهُ
يَسِيرٌ نَادِرٌ.
(لَا) إنْ كَانَ الدَّمُ وَنَحْوُهُ (كِسْبًا) كَمَا لَوْ انْغَمَسَ فِي
دَمٍ أَوْ مَائِعٍ نَجِسٍ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ، فَمَيْتَةٌ
نَجِسَةٌ بِلَا رَيْبٍ لِتَضَمُّخِهِ بِالنَّجَاسَةِ، وَمِثْلُهُ عَلَقٌ
مَصَّ دَمًا لِوُجُودِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(1/232)
وَاَلَّذِي لَا دَمَ لَهُ سَائِلَ:
(كَذُبَابٍ وَبَقٍّ وَقَمْلٍ وَبَرَاغِيثَ وَخَنَافِسَ وَعَقَارِبَ
وَصَرَاصِيرَ وَسَرَطَانٍ وَنَحْلٍ) وَعَنْكَبُوتٍ وَنَمْلٍ وَزُنْبُورٍ
وَدُودٍ مِنْ طَاهِرٍ وَنَحْوِهَا؛ فَمَيْتَتُهُ طَاهِرَةٌ، لِحَدِيثِ
«إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَمْقُلْهُ، فَإِنَّ
فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ.
وَفِي لَفْظٍ «فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لْيَطْرَحْهُ» وَهَذَا عَامٌّ
فِي كُلِّ بَارِدٍ وَحَارٍّ وَدُهْنٍ مِمَّا يَمُوتُ الذُّبَابُ بِغَمْسِهِ
فِيهِ، فَلَوْ كَانَ يُنَجِّسُهُ كَانَ آمِرًا بِإِفْسَادِهِ.
(وَ) لَا يَنْجُسُ (آدَمِيٌّ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ) كَأَطْرَافِهِ
(وَمَشِيمَتِهِ) ، وَهِيَ: كِيسُ الْوَلَدِ، (وَلَوْ كَافِرًا) بِمَوْتِهِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]
وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمُسْلِمَ لَا
يَنْجَسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ " حَيًّا
وَلَا مَيِّتًا.
(وَلَا يَنْجُسُ مَائِعٌ وَقَعَ فِيهِ) آدَمِيٌّ أَوْ شَيْءٌ مِنْ
أَجْزَائِهِ، (فَغَيْرُهُ) كَرِيقِهِ وَعَرَقِهِ وَبُصَاقِهِ وَمُخَاطِهِ،
(وَعَلَقَةٌ وَلَوْ خُلِقَ مِنْهَا حَيَوَانٌ طَاهِرٌ كَآدَمِيٍّ) نَجِسَةٌ
لِأَنَّهَا دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ.
(وَبَيْضَةٌ صَارَتْ دَمًا أَوْ مَذِرَةً) نَجِسَةٌ كَالْعَلَقَةِ،
ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي.
(وَلَبَنٌ وَمَنِيٌّ لِغَيْرِ مَأْكُولٍ) كَلَبَنِ هِرٍّ وَمَنِيِّهِ
نَجِسٌ، (أَوْ) غَيْرِ (آدَمِيٍّ) ، أَمَّا لَبَنُ الْآدَمِيِّ وَمَنِيُّهُ
فَطَاهِرٌ.
(1/233)
(وَلَوْ خَرَجَ) مَنِيُّهُ (بَعْدَ
اسْتِجْمَارٍ) بِطَاهِرٍ فَلَا يَنْجُسُ مَا أَصَابَهُ مِنْ ثَوْبٍ
وَغَيْرِهِ.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " سَوَاءٌ كَانَ مِنْ احْتِلَامٍ أَوْ جِمَاعٍ.
مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ لَا يَجِبُ فِيهِ فَرْكٌ وَلَا غَسْلٌ، وَإِنْ
كَانَ عَلَى الْمَخْرَجِ نَجَاسَةٌ فَالْمَنِيُّ نَجِسٌ لَا يُعْفَى عَنْ
شَيْءٍ مِنْهُ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ".
(قَالَ) أَبُو الْوَفَاءِ عَلِيٌّ (ابْنُ عَقِيلٍ: غَيْرُ مَنِيِّ خَصِيٍّ)
فَإِنَّهُ نَجِسٌ (لِاخْتِلَاطِهِ بِمَجْرَى بَوْلِهِ) فَيُغْسَلُ مَا
أَصَابَهُ وُجُوبًا.
(وَعَرَقٌ وَرِيقٍ لِغَيْرِ طَاهِرٍ) نَجِسٌ (وَبَيْضٌ وَقَيْءٌ وَوَدْيٌ)
لِغَيْرِ مَأْكُولٍ نَجِسٌ. وَهُوَ: مَاءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ عَقِبَ
الْبَوْلِ غَيْرُ لَزِجٍ، (وَمَذْيٌ) مِمَّا لَا يُؤْكَلُ نَجِسٌ. وَهُوَ:
مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ لَزِجٌ كَمَاءِ السَّيْسَبَانِ يَخْرُجُ عِنْدَ
مَبَادِئِ الشَّهْوَةِ وَالِانْتِشَارِ.
(وَبَوْلٌ وَغَائِطٍ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ كَخُطَّافٍ وَخُفَّاشٍ أَوْ مِنْ
آدَمِيٍّ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ) - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -،
نَجِسٌ.
وَأَمَّا مِنْهُمْ فَطَاهِرٌ.
(أَوْ) كَانَ مَا ذَكَرَ مِنْ حَيَوَانٍ (أُكِلَ) لَحْمُهُ - بِالْبِنَاءِ
لِلْمَفْعُولِ - فَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ طَاهِرٌ، لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ
فِي الْإِبِلِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي، (وَ) أَمَّا إذَا كَانَ
الْمَأْكُولُ (أَكْثَرُ عَلَفِهِ نَجَاسَةٌ) فَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ
وَقَيْؤُهُ نَجِسٌ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، صَحَّحَهُ فِي "
الْإِنْصَافِ "
(وَقَيْحٌ وَصَدِيدٌ وَمَاءُ قُرُوحٍ) نَجِسٌ (وَدَمٌ لِغَيْرِ سَمَكٍ
وَبَقٍّ وَقَمْلٍ وَبَرَاغِيثَ وَذُبَابٍ) نَجِسٌ، وَأَمَّا مِنْ السَّمَكِ
وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ (وَنَحْوِهِ) مِمَّا لَا يَسِيلُ دَمُهُ فَدَمُهُ
طَاهِرٌ.
(وَمَا) يَبْقَى (فِي خِلَالِ لَحْمٍ مَأْكُولٍ) بَعْدَ ذَبْحِهِ (وَدَمُ
عُرُوقِهِ، وَلَوْ غَلَبَتْ حُمْرَتُهُ) أَيْ حُمْرَةُ دَمٍ فِي خِلَالِ
لَحْمٍ مَأْكُولٍ أَوْ عُرُوقِهِ (فِي الْقِدْرِ) - بِكَسْرِ الْقَافِ -
فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مُبَاحٌ (وَيُؤْكَلُ) تَبَعًا لِلَحْمٍ هُوَ مِنْهُ،
وَلَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ فَظَهَرَ عَلَيْهَا، أَوْ مَسَحَهُ بِقُطْنَةٍ
لَمْ يَنْجُسْ نَصًّا.
(وَ) غَيْرُ (دَمِ شَهِيدٍ عَلَيْهِ) فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مَا دَامَ عَلَيْهِ
بَلْ يَجِبُ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ انْفَصَلَ عَنْهُ فَيَنْجُسُ.
(وَكَبِدٌ وَطِحَالٌ) مِنْ مَأْكُولٍ طَاهِرٌ، لِحَدِيثِ «أُحِلَّ لَنَا
مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» .
(وَلَا يُعْفَى فِي غَيْرِ مَا يَأْتِي عَنْ يَسِيرِ نَجَاسَةٍ، وَلَوْ
لَمْ يُدْرِكْهَا طَرَفٌ) - أَيْ: بَصَرٌ - (كَمُتَعَلِّقٍ بِرِجْلِ
ذُبَابٍ) ،
(1/234)
لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَثِيَابَكَ
فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «أُمِرْنَا أَنْ نَغْسِلَ
الْأَنْجَاسَ سَبْعًا» وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ.
(وَيُعْفَى فِي غَيْرِ مَائِعٍ وَ) غَيْرِ (مَطْعُومٍ عَنْ يَسِيرٍ لَمْ
يُنْقِضْ) الْوُضُوءَ خُرُوجُ قَدْرِهِ مِنْ الْبَدَنِ.
وَهُوَ مَا لَا يَفْحُشُ فِي النَّفْسِ (مِنْ قَيْحٍ وَصَدِيدٍ، وَمَاءِ
قُرُوحٍ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ كَهِرٍّ) ، أَيْ: يُعْفَى عَنْهُ فِي
الصَّلَاةِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ غَالِبًا لَا يَسْلَمُ مِنْهُ، وَهُوَ
قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ،
وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَعُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ كَأَثَرِ
الِاسْتِجْمَارِ، وَأَمَّا الْمَائِعُ وَالْمَطْعُومُ فَلَا يُعْفَى فِيهِ
عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ.
(وَ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ يَسِيرِ (دَمٍ، وَلَوْ حَيْضًا وَنِفَاسًا
وَاسْتِحَاضَةً) ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ " مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إلَّا
ثَوْبٌ تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْهُ دَمٌ؛ قَالَتْ
بِرِيقِهَا فَمَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا " أَيْ: حَرَّكَتْهُ وَفَرَكَتْهُ،
قَالَهُ فِي " النِّهَايَةِ "
وَ (لَا) يُعْفَى عَنْ يَسِيرٍ خَرَجَ (مِنْ سَبِيلٍ) ، لِأَنَّهُ فِي
حُكْمِ الْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ.
(وَيُضَمُّ مُتَفَرِّقٌ بِثَوْبٍ) مِنْهُ دَمٌ وَنَحْوُهُ، فَإِنْ فَحَشَ
لَمْ يُعْفَ عَنْهُ، وَإِلَّا عُفِيَ عَنْهُ، وَ (لَا) يُضَمُّ مُتَفَرِّقٌ
فِي (أَكْثَرَ) مِنْ ثَوْبٍ بَلْ يُعْتَبَرُ مَا فِي كُلِّ ثَوْبٍ عَلَى
حِدَتِهِ، لِأَنَّ أَحَدَهَا لَا يَتَّبِعُ الْآخَرَ، وَلَوْ كَانَتْ
النَّجَاسَةُ فِي شَيْءٍ صَفِيقٍ قَدْ نَفَذَتْ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ،
فَهِيَ نَجَاسَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ بَلْ كَانَ بَيْنَهُمَا
شَيْءٌ لَمْ يُصِبْهُ الدَّمُ فَهُمَا نَجَاسَتَانِ إذَا بَلَغَا لَوْ
جَمَعَا قَدْرًا لَا يُعْفَى عَنْهُ، لَمْ يُعْفَ عَنْهَا كَجَانِبَيْ
الثَّوْبِ.
(وَمَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ) كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ (عُفِيَ عَنْ أَثَرِ
كَثِيرِهِ عَلَى جِسْمٍ صَقِيلٍ بَعْدَ مَسْحٍ) ، لِأَنَّ الْبَاقِيَ
بَعْدَ الْمَسْحِ يَسِيرٌ، وَإِنْ كَثُرَ مَحَلُّهُ فَعُفِيَ عَنْهُ
كَيَسِيرِ غَيْرِهِ.
(وَ) يُعْفَى (عَنْ أَثَرِ اسْتِجْمَارٍ بِمَحَلِّهِ) بَعْدَ الْإِنْقَاءِ
وَاسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ بِلَا خِلَافٍ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ
تَعَدَّى مَحَلُّهُ إلَى الثَّوْبِ أَوْ الْبَدَنِ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ،
وَلَا يُرَدُّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَنِيَّ الْمُسْتَجْمِرِ طَاهِرٌ،
مَعَ أَنَّ أَثَرَ الِاسْتِجْمَارِ قَدْ تَعَدَّى مَحَلَّهُ بِسَبَبِ
الْمَنِيِّ، لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ
(1/235)
طِينِ الشَّارِعِ إذَا تَحَقَّقَتْ
نَجَاسَتُهُ لَا بِمَنْزِلَةِ النَّجَاسَةِ بِالْعَيْنِ إذَا تَعَدَّتْ
إلَى غَيْرِهَا.
(وَ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ (يَسِيرِ سَلَسِ بَوْلٍ مَعَ كَمَالِ تَحَفُّظٍ)
لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ.
(وَ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ (دُخَانِ نَجَاسَةٍ وَبُخَارِهَا وَغُبَارِهَا)
.
(وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ وَلَوْ) كَانَ اخْتِلَاطُ مَا ذُكِرَ مِنْ
الدُّخَّانِ وَالْبُخَارِ وَالْغُبَارِ (بِمَائِعٍ) لَمْ يُغَيِّرْهُ،
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (مَا لَمْ تَظْهَرْ لَهُ) - أَيْ:
الدُّخَانِ وَنَحْوِهِ - (صِفَةٌ) فِي الشَّيْءِ الطَّاهِرِ، لِأَنَّهُ
يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: مَا لَمْ يَتَكَاثَفْ.
(وَ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ (يَسِيرِ مَائِعٍ تَنَجَّسَ) بِشَيْءٍ
(مَعْفُوٍّ عَنْ يَسِيرِهِ) كَدَمٍ وَقَيْحٍ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي
رِعَايَتَيْهِ " وَعِبَارَتُهُ: وَعَنْ يَسِيرِ الْمَاءِ النَّجِسِ بِمَا
عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ مِنْ دَمٍ وَنَحْوِهِ، وَأَطْلَقَ الْمُنَقِّحُ
الْقَوْلَ بِالْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ الْمَاءِ النَّجِسِ، وَلَمْ
يُقَيِّدْهُ بِمَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ وَوَجْهُهُ: أَنَّ الْمَاءَ
الْمُتَنَجِّسَ، بَلْ وَكُلُّ مُتَنَجِّسٍ، حُكْمُهُ حُكْمُ نَجَاسَةٍ:
فَإِنْ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهَا كَالدَّمِ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ، وَإِلَّا
كَالْبَوْلِ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ، لِأَنَّهُ فَرْعُهَا، وَالْفَرْعُ
يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ أَصْلِهِ.
(وَ) يُعْفَى أَيْضًا (عَنْ نَجَاسَةٍ بِعَيْنٍ) فَلَا يَجِبُ غَسْلُهَا
لِلتَّضَرُّرِ بِهِ.
(1/236)
(وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَا يُعْفَى عَنْ
نَجَاسَةٍ دَاخِلَ (أُذُنٍ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّضَرُّرِ أَيْضًا،
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) يُعْفَى أَيْضًا (عَنْ حَمْلِ كَثِيرِهَا) - أَيْ: النَّجَاسَةِ -
(فِي صَلَاةِ خَوْفٍ) لِلضَّرُورَةِ.
(وَ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ (يَسِيرِ طِينِ شَارِعٍ تَحَقَّقَتْ
نَجَاسَتُهُ) لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ تُرَابٌ، قَالَ فِي
" الْفُرُوعِ ": وَإِنْ هَبَّتْ رِيحٌ فَأَصَابَ شَيْئًا رَطْبًا غُبَارٌ
نَجِسٌ مِنْ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ.
(وَعَرَقٌ وَرِيقٍ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ) مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِ
مَأْكُولٍ (طَاهِرٌ، وَبَلْغَمٌ) مِنْ صَدْرٍ أَوْ رَأْسٍ أَوْ مَعِدَةٍ
طَاهِرٌ (وَلَوْ ازْرَقَّ) - بِتَشْدِيدِ الْقَافِ - لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - رَأَى النُّخَامَةَ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلَ
عَلَيَّ فَقَالَ: مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ
فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ، أَيُحِبُّ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي
وَجْهِهِ؟ ، فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ
أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا» وَوَصَفَهُ
الْقَاسِمُ: فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ.
وَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَمَا أَمَرَ بِمَسْحِهَا فِي ثَوْبِهِ وَهُوَ فِي
الصَّلَاةِ، وَلَا تَحْتَ قَدَمِهِ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَنَجَّسَ
الْفَمَ، وَلِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ مِنْ الْأَبْخِرَةِ أَشْبَهَ الْمُخَاطَ.
(وَرُطُوبَةُ فَرْجِ آدَمِيَّةٍ) طَاهِرَةٌ، لِأَنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ
وَلَوْ عَنْ جِمَاعٍ، فَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَكَانَ نَجِسًا لِخُرُوجِهِ
مِنْهُ.
(وَسَائِلٌ مِنْ فَمِ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى كَبِيرٌ أَوْ صَغِيرٌ (وَقْتَ
نَوْمٍ) طَاهِرٌ كَالْبُصَاقِ.
(وَدُودُ قَزٍّ) وَبِزْرُهُ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ.
(وَطِينُ شَارِعٍ ظُنَّتْ نَجَاسَتُهُ) وَتُرَابُهُ طَاهِرٌ، لِأَنَّ
الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ.
(وَمِسْكٌ وَفَأْرَتُهُ) طَاهِرَانِ، وَهُوَ سُرَّةُ الْغَزَالِ
وَانْفِصَالُهُ بِطَبْعِهِ كَالْجَنِينِ.
(وَكَذَا زَبَادٌ) طَاهِرٌ، قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": (خِلَافًا
لَهُ) - أَيْ: " لِلْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ جَزَمَ بِنَجَاسَتِهِ،
وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي
(1/237)
الْفُرُوعِ " طَهَارَتُهُ، (لِأَنَّهُ
عِرْقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ) .
قَالَ الشَّرِيفُ الْإِدْرِيسِيُّ: الزَّبَادُ: نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ
يُجْمَعُ مِنْ بَيْنِ أَفْخَاذِ حَيَوَانٍ مَعْرُوفٍ يَكُونُ
بِالصَّحْرَاءِ، وَيُصَادُ وَيُطْعَمُ اللَّحْمَ، ثُمَّ يَعْرَقُ فَيَكُونُ
مِنْ عِرْقٍ بَيْنَ فَخِذَيْهِ حِينَئِذٍ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْهِرِّ
الْأَهْلِيِّ.
انْتَهَى.
وَالْعَنْبَرُ طَاهِرٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ، قَالَ
فِي الْقَامُوسِ: الْعَنْبَرُ مِنْ الطِّيبِ رَوْثُ دَابَّةٍ بَحْرِيَّةٍ
أَوْ نَبْعُ عَيْنٍ فِيهِ وَيُؤَنَّثُ.
(وَلَا يُكْرَهُ سُؤْرُ) حَيَوَانٍ (طَاهِرٍ وَلَوْ حَائِضًا وَهُوَ) -
أَيْ: السُّؤْرُ -: (فَضْلُ طَعَامِهِ) - أَيْ: الْحَيَوَانِ -
(وَشَرَابِهِ، غَيْرَ دَجَاجَةٍ مُخَلَّاةٍ) غَيْرَ مَضْبُوطَةٍ،
فَيُكْرَهُ سُؤْرُهَا احْتِيَاطًا، (قِيلَ: وَ) غَيْرُ سُؤْرِ (فَأْرٍ،
لِأَنَّهُ يُورِثُ النِّسْيَانَ) فَيُكْرَهُ تَنَاوُلُهُ لِذَلِكَ.
(وَلَا يُكْرَهُ نَحْوُ) (عَجْنٍ وَ) لَا (طَبْخٍ مِنْ حَائِضٍ)
وَنُفَسَاءَ (وَلَا وَضْعُ يَدِهَا فِي مَائِعٍ) لِطَهَارَةِ بَدَنِهَا.
(وَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ هِرٌّ وَنَحْوُهُ) كَنِمْسٍ وَفَأْرٍ
وَقُنْفُذٍ وَدَجَاجَةٍ وَبَهِيمَةٍ نَجَاسَةً فَلُعَابُهُ طَاهِرٌ، لِمَا
رَوَى مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْهِرِّ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسٍ إنَّهَا مِنْ
الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» مُشَبِّهًا بِالْخَدَمِ
أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} [النور: 58]
وَلِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهَا كَحَشَرَاتِ الْأَرْضِ
كَالْحَيَّةِ، قَالَ الْقَاضِي: فَطَهَارَتُهَا مِنْ النَّصِّ وَمِثْلُهَا
وَمَا دُونَهَا مِنْ التَّعْلِيلِ.
(أَوْ) أَكَلَ (طِفْلٌ نَجَاسَةً فَلُعَابُهُ طَاهِرٌ ثُمَّ شَرِبَ)
الْهِرُّ وَنَحْوُهُ مِمَّا دُونَهُ فِي الْخِلْقَةِ أَوْ الطِّفْلُ
(وَلَوْ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ) بَعْدَ أَكْلِ النَّجَاسَةِ (مِنْ مَائِعٍ)
أَوْ مَاءٍ (يَسِيرٍ) لَمْ يُؤَثِّرْ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ،
(أَوْ وَقَعَ فِيهِ) - أَيْ: الْمَاءِ - الْيَسِيرِ، أَوْ مَائِعٍ غَيْرِهِ
(هِرٌّ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَنْضَمُّ دُبُرُهُ إذَا وَقَعَ) فِي مَائِعٍ،
(وَخَرَجَ حَيًّا لَمْ يُؤَثِّرْ) ، لِعَدَمِ وُصُولِ نَجَاسَةٍ إلَيْهِ،
(وَكَذَا) لَوْ وَقَعَ (فِي جَامِدٍ) وَخَرَجَ حَيًّا لَمْ يُؤَثِّرْ.
(وَهُوَ) - أَيْ: الْجَامِدُ - (مَا يُمْنَعُ انْتِقَالُهَا) - أَيْ:
النَّجَاسَةِ - فِيهِ لِكَثَافَتِهِ.
(1/238)
(وَإِنْ مَاتَ) حَيَوَانٌ يَنْجُسُ بِمَوْتٍ (أَوْ وَقَعَ مَيِّتًا رَطْبًا
فِي دَقِيقٍ وَنَحْوِهِ) كَسَمْنٍ جَامِدٍ (أُلْقِيَ) الْمَيِّتُ (وَمَا
حَوْلَهُ) مِنْ دَقِيقٍ أَوْ نَحْوِهِ لِمُلَاقَاتِهِ النَّجَاسَةَ
وَاسْتُعْمِلَ الْبَاقِي.
(وَإِنْ اخْتَلَطَ) النَّجِسُ بِغَيْرِهِ (وَلَمْ يَنْضَبِطْ حَرُمَ)
الْكُلُّ تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَائِعًا لِلْخَبَرِ. |