الأحكام الشرعية الكبرى

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد نبيك الْكَرِيم
كتاب التَّوْبَة

بَاب فرض التَّوْبَة وَقَول الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا}
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج - رَحمَه الله -: ثَنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا غنْدر، ثَنَا شُعْبَة، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن أبي بردة قَالَ: سَمِعت الْأَغَر الْمُزنِيّ - وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يحدث ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا أَيهَا النَّاس، تُوبُوا إِلَى الله، فَإِنِّي أَتُوب إِلَى الله فِي الْيَوْم مائَة مرّة ".

بَاب الِاعْتِرَاف وَالتَّوْبَة
البُخَارِيّ: ثَنَا يحيى بن بكير، ثَنَا اللَّيْث، عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب، أَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير وَسَعِيد بن الْمسيب وعلقمة بن وَقاص وَعبيد الله بن عبد الله ابْن عتبَة، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن العَبْد إِذا اعْترف بِذَنبِهِ ثمَّ تَابَ إِلَى الله تَابَ الله عَلَيْهِ ".

بَاب قبُول التَّوْبَة قبل طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا
وَقَول الله تَعَالَى: {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن تأتيهم الْمَلَائِكَة أَو يَأْتِي رَبك أَو يَأْتِي بعض آيَات رَبك يَوْم يَأْتِي بعض آيَات رَبك لَا ينفع نفسا إيمَانهَا لم تكن آمَنت من قبل أَو كسبت فِي

(3/249)


إيمَانهَا خيرا} .
مُسلم: حَدثنَا أَبُو خَيْثَمَة زُهَيْر بن حَرْب، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، عَن هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من تَابَ قبل أَن تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا تَابَ الله عَلَيْهِ ".
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا مُعَاوِيَة بن هِشَام، عَن شريك، عَن عُثْمَان أبي الْمُغيرَة، عَن أبي صَادِق، عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " للجنة ثَمَانِيَة أَبْوَاب: سَبْعَة مغلقة، وَبَاب مَفْتُوح للتَّوْبَة حَتَّى تطلع الشَّمْس من نَحوه ".
أَبُو صَادِق اسْمه مُسلم بن يزِيد الْأَسدي، صَدُوق مُسْتَقِيم الحَدِيث، ذكر ذَلِك ابْن أبي حَاتِم.
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى، عَن إِسْرَائِيل، عَن عَاصِم، عَن زر، عَن صَفْوَان بن عَسَّال الْمرَادِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن قبل مغرب الشَّمْس بَابا مَفْتُوحًا للتَّوْبَة مسيرَة عرضه سَبْعُونَ سنة، فَلَا يزَال ذَلِك الْبَاب مَفْتُوحًا للتَّوْبَة حَتَّى تطلع الشَّمْس من نَحوه، فَإِذا طلعت من نَحوه لم ينفع نفسا إيمَانهَا لم تكن آمَنت من قبل أَو كسبت فِي إيمَانهَا خيرا ".
مُسلم: حَدثنَا أَبُو كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء، ثَنَا ابْن فُضَيْل، عَن أَبِيه عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ثَلَاث إِذا خرجن لم ينفع نفسا إيمَانهَا لم تكن آمَنت من قبل أَو كسبت فِي إيمَانهَا خيرا: طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا، والدجال، ودابة الأَرْض ".

(3/250)


بَاب قبُول تَوْبَة العَبْد مَا لم يُغَرْغر
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب، ثَنَا عَليّ بن عَيَّاش، ثَنَا عبد الرَّحْمَن ابْن ثَابت بن ثَوْبَان، عَن أَبِيه، عَن مَكْحُول، عَن جُبَير بن نفير الْحَضْرَمِيّ، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الله يقبل تَوْبَة العَبْد مَا لم يُغَرْغر ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.

بَاب النَّدَم تَوْبَة
الْبَزَّار: أخبرنَا أَحْمد بن عَبدة، أَنا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي، عَن زِيَاد بن أبي مَرْيَم، عَن عبد الله بن معقل قَالَ: " دخلت أَنا وَأبي على عبد الله فَقَالَ لي أبي: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، أسمعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: النَّدَم تَوْبَة؟ قَالَ: نعم ".
عبد الله الأول هُوَ ابْن معقل بن مقرن، وَالثَّانِي هُوَ عبد الله بن مَسْعُود، قَالَ يحيى بن معِين: زِيَاد الَّذِي يروي حَدِيث " النَّدَم تَوْبَة " إِنَّمَا هُوَ زِيَاد بن الْجراح وَلَيْسَ بِزِيَاد بن أبي مَرْيَم. وَتَابعه على ذَلِك أَبُو حَاتِم وَابْنه وَمصْعَب بن سعيد الْحَرَّانِي، قَالَ ابْن أبي حَاتِم: وهم ابْن عُيَيْنَة فَرَوَاهُ عَن عبد الْكَرِيم، عَن زِيَاد بن أبي مَرْيَم، وَالصَّحِيح زِيَاد بن الْجراح، قَالَ يحيى بن معِين: لَقِي زِيَاد بن أبي مَرْيَم أَبَا مُوسَى، وَزِيَاد بن الْجراح ثِقَة.
وروى أَبُو بكر الْبَزَّار أَيْضا قَالَ: ثَنَا عبد الْوَاحِد بن غياث، عَن أبي عوَانَة، عَن الْأَعْمَش، عَن عبد الله بن معقل، عَن عبد الله بن مَسْعُود، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " النَّدَم تَوْبَة ".

(3/251)


بَاب مَا جَاءَ أَن الله أَشد فَرحا بتوبة عَبده من الرجل يجد ضالته
مُسلم: حَدثنِي سُوَيْد بن سعيد، ثَنَا حَفْص بن ميسرَة، ثَنَا زيد بن أسلم، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: قَالَ الله - عز وَجل -: أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي، وَأَنا مَعَه حَيْثُ يذكرنِي، وَالله لله أفرح بتوبة عَبده من أحدكُم يجد ضالته بالفلاة، وَمن تقرب إِلَيّ شبْرًا؛ تقربت إِلَيْهِ ذِرَاعا، وَمن تقرب إِلَيّ ذِرَاعا؛ تقربت إِلَيْهِ باعاً، وَإِذا أقبل إِلَيّ يمشي؛ أَقبلت إِلَيْهِ أهرول ".
مُسلم: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم - وَاللَّفْظ لعُثْمَان - قَالَ إِسْحَاق: أخبرنَا، وَقَالَ عُثْمَان: ثَنَا جرير، عَن الْأَعْمَش، عَن عمَارَة بن عُمَيْر، عَن الْحَارِث بن سُوَيْد قَالَ: " دخلت على عبد الله أعوده وَهُوَ مَرِيض، فحدثنا بحديثين: حَدِيثا عَن نَفسه، وحديثاً عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: لله أَشد فَرحا بتوبة عَبده الْمُؤمن من رجل فِي أَرض دوية مهلكة، مَعَه رَاحِلَته عَلَيْهَا طَعَامه وَشَرَابه، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقد ذهبت، فطلبها فأدركه الْعَطش، ثمَّ قَالَ: أرجع إِلَى مَكَاني الَّذِي كنت فِيهِ فأنام حَتَّى أَمُوت. فَوضع رَأسه على ساعده ليَمُوت، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْده رَاحِلَته عَلَيْهَا زَاده طَعَامه وَشَرَابه، فَالله أَشد فَرحا بتوبة العَبْد الْمُؤمن من هَذَا براحلته وزاده ".
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى وجعفر بن حميد، قَالَ جَعْفَر: ثَنَا، وَقَالَ يحيى: أَنا عبيد الله بن إياد، عَن إياد، عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَيفَ تَقولُونَ بفرح رجل انفلتت مِنْهُ رَاحِلَته تجر زمامها بِأَرْض قفر لَيْسَ بهَا طَعَام أَو شراب، وَعَلَيْهَا طَعَام لَهُ وشراب فطلبها حَتَّى شقّ عَلَيْهِ، ثمَّ مرت

(3/252)


بجذل شَجَرَة فَتعلق زمامها، فَوَجَدَهَا مُتَعَلقَة بِهِ؟ قُلْنَا: شَدِيدا يَا رَسُول الله، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أما وَالله لله أَشد فَرحا بتوبة عَبده من الرجل براحلته ".
قَالَ جَعْفَر: ثَنَا عبيد الله بن إياد، عَن أَبِيه.
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن الصَّباح وَزُهَيْر بن حَرْب قَالَا: ثَنَا عمر بن يُونُس، ثَنَا عِكْرِمَة بن عمار، ثَنَا إِسْحَاق بن أبي طَلْحَة، ثَنَا أنس بن مَالك - وَهُوَ عَمه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لله أَشد فَرحا بتوبة عَبده حِين يَتُوب إِلَيْهِ من أحدكُم كَانَ على رَاحِلَته بِأَرْض فلاة، فانفلتت مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامه وَشَرَابه، فأيس مِنْهَا، فَأتى شَجَرَة فاضطجع فِي ظلها قد أيس من رَاحِلَته، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذا هُوَ بهَا قَائِمَة عِنْده، فَأخذ بخطامها ثمَّ قَالَ من شدَّة الْفَرح: اللَّهُمَّ أَنْت عَبدِي وَأَنا رَبك. أَخطَأ من شدَّة الْفَرح ".

بَاب قبُول تَوْبَة الْقَاتِل
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثَنَا شُعْبَة، عَن عمْرَة بن مرّة، قَالَ: سَمِعت أَبَا عُبَيْدَة يحدث، عَن أبي مُوسَى، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الله - عز وَجل - يبسط يَده بِاللَّيْلِ ليتوب مسيء النَّهَار، ويبسط يَده بِالنَّهَارِ ليتوب مسيء اللَّيْل حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا ".
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن مثنى وَمُحَمّد بن بشار - وَاللَّفْظ لِابْنِ مثنى - قَالَا: ثَنَا معَاذ بن هِشَام، حَدثنِي أبي، عَن قَتَادَة، عَن أبي الصّديق، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " كَانَ فِيمَن كَانَ قبلكُمْ رجل قتل تِسْعَة وَتِسْعين نفسا، فَسَأَلَ عَن أعلم أهل الأَرْض، فَدلَّ على رَاهِب، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّه قتل تِسْعَة وَتِسْعين نفسا، فَهَل لَهُ من تَوْبَة؟ فَقَالَ: لَا. فَقتله فكمل بِهِ مائَة، ثمَّ سَأَلَ عَن أعلم أهل الأَرْض، فَدلَّ على رجل عَالم، فَقَالَ: إِنَّه قد قتل مائَة نفس، فَهَل لَهُ

(3/253)


من تَوْبَة؟ فَقَالَ: نعم، وَمن يحول بَينه وَبَين التَّوْبَة، انْطلق إِلَى أَرض كَذَا وَكَذَا؛ فَإِن بهَا أُنَاسًا يعْبدُونَ الله، فاعبد الله مَعَهم، وَلَا ترجع إِلَى أَرْضك فَإِنَّهَا أَرض سوء. فانظلق حَتَّى إِذا نصف الطَّرِيق أَتَاهُ الْمَوْت، فاختصمت فِيهِ مَلَائِكَة الرَّحْمَة وملائكة الْعَذَاب، فَقَالَت مَلَائِكَة الرَّحْمَة: جَاءَ تَائِبًا مُقبلا بِقَلْبِه إِلَى الله. وَقَالَت مَلَائِكَة الْعَذَاب: إِنَّه لم يعْمل خيرا قطّ. فَأَتَاهُم ملك فِي صُورَة آدَمِيّ فجعلوه بَينهم، فَقَالَ: قيسوا مَا بَين الْأَرْضين فَإلَى أَيَّتهمَا كَانَ أدنى فَهُوَ لَهُ. فقاسوه فوجدوه أدنى إِلَى الأَرْض الَّتِي أَرَادَ، فقبضته مَلَائِكَة الرَّحْمَة ".
قَالَ قَتَادَة: قَالَ الْحسن: " ذكر لنا أَنه لما أَتَاهُ الْمَوْت نأى بصدره ".
مُسلم: حَدثنِي عبيد الله بن معَاذ، ثَنَا أبي، ثَنَا شُعْبَة، عَن قَتَادَة، أَنه سمع أَبَا الصّديق النَّاجِي، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن رجلا قتل تِسْعَة وَتِسْعين نفسا، فَجعل يسْأَل: هَل لَهُ من تَوْبَة؟ فَأتى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: لَيست لَك تَوْبَة. فَقتل الراهب، ثمَّ جعل يسْأَل، ثمَّ خرج من قريته إِلَى قربَة فِيهَا قوم صَالِحُونَ، فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الطَّرِيق أدْركهُ الْمَوْت، فنأى بصدره ثمَّ مَاتَ، فاختصمت فِيهِ مَلَائِكَة الرَّحْمَة وملائكة الْعَذَاب، فَكَانَ إِلَى الْقرْيَة الصَّالِحَة أقرب بشبر، فَجعل من أَهلهَا ".
حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا ابْن أبي عدي، ثَنَا شُعْبَة، عَن قَتَادَة بِهَذَا الْإِسْنَاد نَحْو حَدِيث معَاذ وَزَاد فِيهِ: " فَأوحى الله إِلَى هَذِه أَن تباعدي، وَإِلَى هَذِه أَن تقربي ".

بَاب فِي الرجل يُذنب ثمَّ يَتُوب
الْبَزَّار: حَدثنَا عبد الْأَعْلَى، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن إِسْحَاق بن عبد الله ابْن أبي طَلْحَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة، عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ - يَحْكِي عَن ربه تبَارك وَتَعَالَى -: " أذْنب عبد ذَنبا فَقَالَ: أَي رب، اغْفِر لي.

(3/254)


فَقَالَ الله - تبَارك وَتَعَالَى -: أذْنب عَبدِي ذَنبا فَعلم أَن لَهُ رَبًّا يغْفر الذَّنب وَيَأْخُذ بالذنب. ثمَّ عَاد فأذنب فَقَالَ: أَي رب، اغْفِر لي ذَنبي. فَقَالَ الله - تبَارك وَتَعَالَى - أذْنب عَبدِي ذَنبا فَعلم أَن لَهُ رَبًّا يغْفر الذَّنب وَيَأْخُذ بالذنب. ثمَّ عَاد فأذنب فَقَالَ: أَي رب، اغْفِر لي ذَنبي. فَقَالَ الله - تَعَالَى -: أذْنب عَبدِي ذَنبا فَعلم أَن لَهُ رَبًّا يغْفر الذَّنب وَيَأْخُذ بالذنب؛ اعْمَلْ مَا شِئْت فقد غفرت لَك ".
وَهَذَا الحَدِيث قد تقدم لمُسلم - رَحمَه الله - فِي بَاب كَلَام الرب - سُبْحَانَهُ - من كتاب الْإِيمَان.
وَقَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار فِي حَدِيثه هَذَا: لَا نعلمهُ يرْوى عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد.

بَاب كل بني آدم خطاء
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، ثَنَا زيد بن حباب، ثَنَا عَليّ بن مسْعدَة الْبَاهِلِيّ، ثَنَا قَتَادَة، عَن أنس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " كل ابْن آدم خطاء وَخير الْخَطَّائِينَ التوابون ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث ابْن مسْعدَة عَن قَتَادَة.

بَاب لَو لم تذنبوا لذهب الله بكم
مُسلم: حَدثنِي مُحَمَّد بن رَافع، ثَنَا عبد الرَّزَّاق، أَنا معمر، عَن جَعْفَر الْجَزرِي، عَن يزِيد بن الْأَصَم، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:

(3/255)


" وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بِقوم يذنبون فيستغفرون الله فَيغْفر لَهُم ".
مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، ثَنَا لَيْث، عَن مُحَمَّد بن قيس - قاص عمر ابْن عبد الْعَزِيز - عَن أبي صرمة، عَن أبي أَيُّوب " أَنه قَالَ حِين حَضرته الْوَفَاة: كنت كتمت عَنْكُم شَيْئا سمعته من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: لَوْلَا أَنكُمْ تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون يغْفر لَهُم ".
مُسلم: حَدثنَا هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي، ثَنَا ابْن وهب، حَدثنِي عِيَاض - وَهُوَ ابْن عبد الله الفِهري - حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن عبيد بن رِفَاعَة، عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ، عَن أبي صرمة، عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " لَو أَنكُمْ لم تكن لكم ذنُوب يغفرها الله لكم؛ لجاء الله بِقوم لَهَا ذنُوب يغفرها لَهُم ".

بَاب مَا جَاءَ من سَعَة رَحْمَة الله تَعَالَى وَأَنَّهَا تغلب غَضَبه
مُسلم: حَدثنَا حَرْمَلَة بن يحيى التجِيبِي، أَنا ابْن وهب، أَخْبرنِي يُونُس، عَن ابْن شهَاب أَن سعيد بن الْمسيب أخبرهُ، أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " جعل الله الرَّحْمَة مائَة جُزْء، فَأمْسك عِنْده تِسْعَة وَتِسْعين، وَأنزل فِي الأَرْض جُزْءا وَاحِدًا، فَمن ذَلِك الْجُزْء تتراحم الْخَلَائق، حَتَّى ترفع الدَّابَّة حافرها عَن وَلَدهَا خشيَة أَن تصيبه ".
وَلمُسلم: فِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث: " كل رَحْمَة مِنْهَا طباق مَا بَين الْمسَاء وَالْأَرْض " وَقد تقدم فِي كتاب الْأَدَب فِي بَاب رَحْمَة الْبَهَائِم بَعْضهَا بَعْضًا.

(3/256)


مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا الْمُغيرَة - يَعْنِي الْحزَامِي - عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لما خلق الله الْخلق، كتب فِي كِتَابه، فَهُوَ عِنْده فَوق الْعَرْش: إِن رَحْمَتي تغلب غَضَبي ".
مُسلم: حَدثنَا عَليّ بن خشرم، ثَنَا أَبُو ضَمرَة، عَن الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن، عَن عَطاء بن ميناء، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لما قضى الله الْخلق كتب فِي كِتَابه على نَفسه فَهُوَ مَوْضُوع عِنْده: إِن رَحْمَتي تغلب غَضَبي ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان، أَنا شُعَيْب، ثَنَا أَبُو الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الله لما قضى الْخلق كتب عِنْده فَوق عَرْشه: إِن رَحْمَتي سبقت غَضَبي ".

بَاب المباردة إِلَى التَّوْبَة وَالْعَمَل
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " بَادرُوا بِالْأَعْمَالِ فتنا كَقطع اللَّيْل المظلم، يصبح الرجل مُؤمنا ويمسي كَافِرًا، ويمسي مُؤمنا وَيُصْبِح كَافِرًا، يَبِيع دينه بِعرْض الدُّنْيَا ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو مُصعب، عَن مُحرز بن هَارُون، عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " بَادرُوا بِالْأَعْمَالِ سبعا، هَل تنتظرون إِلَّا فقرا منسياً، أَو أَو غنى مطغياً، أَو مَرضا مُفْسِدا، أَو هرماً مفنداً، أَو موتا مجهزاً، أَو الدَّجَّال فشر غَائِب ينْتَظر، أَو السَّاعَة؛ فالساعة أدهى وَأمر ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه من حَدِيث الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة إِلَّا من حَدِيث مُحرز بن هَارُون.

(3/257)


بَاب الصدْق فِي التَّوْبَة وَالْعَمَل
الْبَزَّار: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد الْأنمَاطِي، ثَنَا مُحَمَّد بن سعيد بن سَابق، ثَنَا عَمْرو بن أبي قيس، عَن سماك - يَعْنِي ابْن حَرْب - عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن مَسْعُود، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن بني إِسْرَائِيل استخلفوا خَليفَة عَلَيْهِم بعد مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَامَ لَيْلَة يُصَلِّي فِي الْقَمَر فَوق بَيت الْمُقَدّس، فَذكر أموراً كَانَ صنعها فَخرج فَتَدَلَّى بِسَبَب، فَأصْبح السَّبَب مُعَلّقا وَقد ذهب، قَالَ: فَانْطَلق حَتَّى أَتَى قوما على شط الْبَحْر فَوَجَدَهُمْ يضْربُونَ لَبَنًا أَو يصنعون لَبَنًا، فَسَأَلَهُمْ: كَيفَ تأخذون على هَذِه اللَّبن؟ قَالَ: فأخبروه، فَلبث مَعَهم فَكَانَ يَأْكُل من عمل يَده، فَإِذا كَانَ حِين الصَّلَاة قَامَ يُصَلِّي، فَرفع ذَلِك الْعمَّال إِلَى دهقانهم أَن فِينَا رجلا يفعل كَذَا وَكَذَا، فَأرْسل إِلَيْهِ فَأبى أَن يَأْتِيهِ ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ إِنَّه جَاءَهُ يسير على دَابَّته فَلَمَّا رَآهُ فر، فَاتبعهُ فسبقه، فَقَالَ: انظرني أُكَلِّمك. قَالَ: فَقَامَ حَتَّى كَلمه أخبرهُ خَبره، فَلَمَّا أخبرهُ أَنه كَانَ ملكا وفر من رهبة ربه، قَالَ: إِنِّي لأظنني لَا حَقًا بك. قَالَ: فَاتبعهُ فعبدا الله حَتَّى مَاتَا برميلة مصر. قَالَ عبد الله: لَو أَنِّي كنت ثمَّ لاهتديت إِلَى قبريهما من [صفة] رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الَّتِي وصف لنا ".

بَاب من خرج من الأَرْض الَّتِي أصَاب فِيهَا الذَّنب
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عبيد الله بن عمر، ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن كَعْب بن مَالك، عَن أَبِيه " أَنه قَالَ للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِن من تَوْبَتِي أَن أَهجر دَار قومِي الَّتِي أصبت فِيهَا الذَّنب، وَأَن أَنْخَلِع من مَالِي كُله صَدَقَة. قَالَ: يجرئ عَنْك الثُّلُث ".
حَدثنَا مُحَمَّد بن المتَوَكل، ثَنَا عبد الرَّزَّاق، أَنا معمر، عَن الزُّهْرِيّ، أَنا ابْن كَعْب بن مَالك قَالَ: كَانَ أَبُو لبَابَة ... فَذكر مثله والقصة لأبي لبَابَة.

(3/258)


الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا معَاذ بن هِشَام، حَدثنِي أبي، عَن قَتَادَة، (ثَنَا أَبُو الصّديق) النَّاجِي، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِيمَن كَانَ قبلكُمْ رجل قتل تِسْعَة وَتِسْعين نفسا، فَسَأَلَ عَن أعلم أهل الأَرْض، فَدلَّ على رَاهِب، فَأَتَاهُ فَقَالَ أَنه قتل تِسْعَة وَتِسْعين نفسا، فَهَل لَهُ من تَوْبَة؟ قَالَ: لَا. فَقتله فكمل بِهِ مائَة، ثمَّ سَأَلَ عَن أعلم أهل الأَرْض، فَدلَّ على رجل رَاهِب عَالم، فَأَتَاهُ فَقَالَ أَنه قتل مائَة نفس فَهَل لَهُ من تَوْبَة؟ قَالَ: نعم، وَمن يحول بَينه وَبَين التَّوْبَة، فَانْطَلق إِلَى أَرض كَذَا وَكَذَا، فَإِن بهَا نَاسا يعْبدُونَ الله فاعبد الله مَعَهم، وَلَا ترجع إِلَى أَرْضك فَإِنَّهَا أَرض سوء. فَانْطَلق حَتَّى إِذا انتصف الطَّرِيق أَتَاهُ الْمَوْت، فاختصمت فِيهِ مَلَائِكَة الرَّحْمَة وملائكة الْعَذَاب: فَقَالَت مَلَائِكَة الرَّحْمَة: جَاءَ تَائِبًا مُقبلا بِقَلْبِه إِلَى الله. وَقَالَت مَلَائِكَة الْعَذَاب: إِنَّه لم يعْمل خيرا قطّ. فَأَتَاهُ ملك الْمَوْت فِي صُورَة آدَمِيّ، فجعلوه بَينهم فَقَالَ: قيسوا بَين الْأَرْضين فَإلَى أَيَّتهمَا كَانَ أدنى فَهُوَ لَهُ. فقاسموا فَوجدَ أدنى إِلَى الأَرْض الَّتِي أَرَادَ، فقبضته مَلَائِكَة الرَّحْمَة " قَالَ قَتَادَة: فَقَالَ الْحسن: " ذكر لنا أَنه لما أَتَاهُ الْمَوْت نأى بصدره ".
قَالَ مُسلم بن الْحجَّاج فِي هَذَا الحَدِيث: " فَأَتَاهُم ملك فِي صُورَة آدَمِيّ ".
وَقَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار: " ملك الْمَوْت ".

بَاب فِي الِاجْتِهَاد
مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا أَبُو عوَانَة، عَن زِيَاد بن علاقَة، عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى حَتَّى انتفخت قدماه، فَقيل لَهُ: أتكلف هَذَا وَقد (غفر لَك) مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر؟ قَالَ: أَفلا أكون عبدا شكُورًا ".
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن عُثْمَان بن كَرَامَة، ثَنَا خَالِد بن مخلد، ثَنَا سُلَيْمَان

(3/259)


ابْن بِلَال، عَن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يَقُول الله - تبَارك وَتَعَالَى -: مَا تقرب إِلَيّ عَبدِي بِشَيْء أفضل من أَدَاء مَا افترضت عَلَيْهِ، وَمَا يزَال يتَقرَّب إِلَيّ عَبدِي بالنوافل حَتَّى أحبه، فَإِذا أحببته كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ، وبصره الَّذِي يبصر بِهِ، وَيَده الَّتِي يبطش بهَا، وَلَئِن سَأَلَني لأعطينه، وَلَئِن دَعَاني لأجيبنه، وَلَئِن استعاذني لأعيذنه، وَمَا ترددت عَن شَيْء أَنا فَاعله ترددي عَن نفس الْمُؤمن يكره الْمَوْت، وأكره مساءته ".
زَاد البُخَارِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث: " وَرجله الَّتِي يمشي بهَا " وَقد تقدم حَدِيثه فِي بَاب كَلَام الرب - سُبْحَانَهُ - من كتاب الْإِيمَان.

بَاب فِي المداومة وَالْقَصْد وَسَاعَة سَاعَة
البُخَارِيّ: حَدثنَا آدم، ثَنَا ابْن أبي ذِئْب، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لن يُنجي أحدا مِنْكُم عمله. قَالُوا: وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله؟ قَالَ: وَلَا أَنا إِلَّا أَن يتغمدني الله برحمته، سددوا وقربوا، واغدوا وروحوا، وَشَيْء من الدلجة وَالْقَصْد الْقَصْد تبلغوا ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عرْعرة، ثَنَا شُعْبَة، عَن سعد بن إِبْرَاهِيم، عَن [أبي] سَلمَة، عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: " سُئِلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَي الْأَعْمَال أحب إِلَى الله؟ قَالَ: (أَدْوَمه) وَإِن قل. وَقَالَ: اكلفوا من الْأَعْمَال مَا تطيقون ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، عَن مَالك، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن

(3/260)


عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: " كَانَ أحب الْعَمَل إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الَّذِي يَدُوم عَلَيْهِ صَاحبه ".
مُسلم: حَدثنَا زُهَيْر بن حَرْب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، قَالَ زُهَيْر: ثَنَا جرير، عَن مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة قَالَ: " سَأَلت أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة قلت: يَا أم الْمُؤمنِينَ، كَيفَ كَانَ عمل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، هَل كَانَ يخص شَيْئا من الْأَيَّام؟ قَالَت: لَا، كَانَ عمله دِيمَة، وَأَيكُمْ يَسْتَطِيع مَا كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَسْتَطِيع ".
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى وقطن بن نسير - وَاللَّفْظ ليحيى - قَالَ: أَنا جَعْفَر بن سُلَيْمَان، عَن سعيد بن إِيَاس الْجريرِي، عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ، عَن حَنْظَلَة الْأَسدي - وَكَانَ من كتاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَقِيَنِي أَبُو بكر - رَضِي الله عَنهُ - فَقَالَ: كَيفَ أَنْت يَا حَنْظَلَة؟ قَالَ: قلت: نَافق حَنْظَلَة. قَالَ: سُبْحَانَ الله مَا تَقول؟ ! قَالَ قلت: نَكُون عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يذكرنَا بِالْجنَّةِ وَالنَّار كأنا رَأْي عين، فَإِذا خرجنَا من عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عافسنا الْأزْوَاج وَالْأَوْلَاد والضيعات، نَسِينَا كثيرا. قَالَ أَبُو بكر: فوَاللَّه إِنَّا لنلقى مثل هَذَا. فَانْطَلَقت أَنا وَأَبُو بكر - رَضِي الله عَنهُ - حَتَّى دَخَلنَا على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قلت: نَافق حَنْظَلَة يَا رَسُول الله. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: وَمَا ذَاك؟ قلت: يَا رَسُول الله، نَكُون عنْدك تذكرنا بالنَّار وَالْجنَّة كأنا رأى عين، فَإِذا خرجنَا من عنْدك عافسنا الْأزْوَاج وَالْأَوْلَاد والضيعات نَسِينَا كثيرا. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن لَو تدومون على مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذّكر، لصافحتكم الْمَلَائِكَة على فرشكم وَفِي طرقكم، وَلَكِن يَا حَنْظَلَة سَاعَة وَسَاعَة - ثَلَاث مرار ".
قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: " فِي مجالسكم وَفِي طرقكم وعَلى

(3/261)


فرشكم " رَوَاهُ عَن بشر بن هِلَال [عَن] جَعْفَر بن سُلَيْمَان.
مُسلم: حَدثنِي إِسْحَاق بن مَنْصُور، أَنا عبد الصَّمد قَالَ: سَمِعت أبي يحدث، ثَنَا سعيد الْجريرِي، عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ، عَن حَنْظَلَة قَالَ: " كُنَّا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فوعظنا فَذكر النَّار، قَالَ: ثمَّ جِئْت إِلَى الْبَيْت فضاحكت الصّبيان ولاعبت الْمَرْأَة، [قَالَ: فَخرجت] فَلَقِيت أَبَا بكر - رَضِي الله عَنهُ - فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ: وَأَنا قد فعلت مثل مَا تذكر، فلقينا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقلت: يَا رَسُول الله، نَافق حَنْظَلَة. فَقَالَ: مَه! فَحَدَّثته بِالْحَدِيثِ. فَقَالَ أَبُو بكر: وَأَنا قد فعلت مثل مَا فعل. فَقَالَ: يَا حَنْظَلَة، سَاعَة وَسَاعَة، وَلَو كَانَت قُلُوبكُمْ كَمَا تكون عِنْد الذّكر لصافحتكم الْمَلَائِكَة حَتَّى تسلم عَلَيْكُم فِي الطّرق ".

بَاب مَا جَاءَ فِي الرهبانية وَالتَّشْدِيد على النَّفس وفترة الْمُجْتَهد وَمَا يحذر مِنْهُ
أَبُو دَاوُد: ثَنَا أَحْمد بن صَالح، ثَنَا ابْن وهب، أَخْبرنِي سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي العمياء، أَن سهل بن أبي أُمَامَة حَدثهُ " أَنه دخل هُوَ وَأَبوهُ، على أنس بن مَالك فِي زمَان عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ أَمِير الْمَدِينَة، فَإِذا هُوَ يُصَلِّي صَلَاة خَفِيفَة دقيقة كَأَنَّهَا صَلَاة مُسَافر أَو قَرِيبا مِنْهَا، فَلَمَّا سلم قَالَ: يَرْحَمك الله، أَرَأَيْت هَذِه الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة أم شَيْء تنفلته؟ قَالَ: إِنَّهَا للمكتوبة، وَإِنَّهَا لصَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، مَا أَخْطَأت إِلَّا شَيْئا سَهَوْت عَنهُ. قَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: لَا تشددوا على أَنفسكُم؛ فيشدد عَلَيْكُم، فَإِن قوما [شَدَّدُوا] على أنفسهم، [فَشدد عَلَيْهِم] ، فَتلك بقاياهم فِي الصوامع والديار، رَهْبَانِيَّة ابتدعوها مَا كتبناها عَلَيْهِم.

(3/262)


ثمَّ غَدا من الْغَد فَقَالَ: أَلا تركب لتنظر ولتعتبر؟ قَالَ: نعم. فَرَكبُوا جَمِيعًا فَإِذا هم بديار باد أَهلهَا وانقضوا وفنوا، خاوية على عروشها، قَالَ: أتعرف هَذِه الديار؟ فَقَالَ: مَا أعرفني بهَا وبأهلها، هَؤُلَاءِ أهلكهم الْبَغي والحسد، إِن [الْحَسَد] يُطْفِئ نور الْحَسَنَات، وَالْبَغي يصدق ذَلِك أَو يكذبهُ، وَالْعين تَزني والكف والقدم والجسد وَاللِّسَان، والفرج يصدق ذَلِك أَو يكذبهُ ".
حَدثنِي الْقرشِي، ثَنَا شُرَيْح بن مُحَمَّد، ثَنَا أَبُو مُحَمَّد بن حزم، ثَنَا حَمَّاد، ثَنَا ابْن مفرج، ثَنَا ابْن الْأَعرَابِي، ثَنَا الدبرِي، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة وَعمرَة، عَن عَائِشَة قَالَت: " دخلت امْرَأَة عُثْمَان بن مَظْعُون وَهِي خَوْلَة بنت حَكِيم على عَائِشَة وَهِي باذة الْهَيْئَة، فسألتها: مَا شَأْنك؟ قَالَت: زَوجي يَقُول اللَّيْل، ويصوم النَّهَار. فَدخل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكرت ذَلِك لَهُ عَائِشَة، فلقي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عُثْمَان فَقَالَ: يَا عُثْمَان، إِن الرهبانية لم تكْتب علينا، أما لَك فِي أُسْوَة، فو الله إِن أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده لأَنا ".
الْبَزَّار: حَدثنَا بشر بن خَالِد العسكري، ثَنَا مُعَاوِيَة بن هِشَام، ثَنَا سُفْيَان، عَن زيد الْعمي، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لكل أمة رَهْبَانِيَّة، ورهبانية هَذِه الْأمة الْجِهَاد فِي سَبِيل الله ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلم أحدا أسْندهُ غير مُعَاوِيَة بن هِشَام، عَن سُفْيَان، وَغير مُعَاوِيَة يُرْسِلهُ.
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا شَبابَة بن سوار، ثَنَا شُعْبَة، عَن جَعْفَر بن إِيَاس، عَن عبد الله بن شَقِيق، عَن رَجَاء بن أبي رَجَاء قَالَ: " دخل بُرَيْدَة الْمَسْجِد ومحجن على بَاب الْمَسْجِد، فَقَالَ بُرَيْدَة - وَكَانَ فِيهِ مزاح -: يَا محجن، أَلا تصلي كَمَا صلى سكبة؟ فَقَالَ محجن: إِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَخذ بيَدي فَصَعدَ على أحد، فَأَشْرَف على الْمَدِينَة فَقَالَ: ويل أمهَا يَدعهَا أَهلهَا وَهِي أخير مَا كَانَت - أَو أعمر -

(3/263)


يَأْتِيهَا الدَّجَّال فيجد على كل بَاب من أَبْوَابهَا ملكا مُصْلِتًا بجناحيه فَلَا يدخلهَا. ثمَّ نزل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ آخذ بيَدي فَدخل الْمَسْجِد فَإِذا رجل يُصَلِّي فَقَالَ لي: من هَذَا؟ فأثنيت عَلَيْهِ خيرا، فَقَالَ: اسْكُتْ لَا تسمعه فتهلكه. ثمَّ أَتَى بَاب حجرَة امْرَأَة من نِسَائِهِ فنفض يَدي من يَده ثمَّ قَالَ: إِن خير دينكُمْ أيسره، إِن خير دينكُمْ أيسره - مرَّتَيْنِ ".
قَالَ أَبُو بكر: وحَدثني يزِيد بن هَارُون وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن عُيَيْنَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن بُرَيْدَة الْأَسْلَمِيّ قَالَ: " كنت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأتى على رجل يقْرَأ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أتراه مرائياً؟ ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: [عَلَيْكُم] هَديا قَاصِدا، فَإِنَّهُ من يشاد هَذَا الدَّين يغلبه ".
الْبَزَّار: حَدثنَا أَحْمد بن إِسْحَاق الْأَهْوَازِي، ثَنَا خَلاد بن يحيى، ثَنَا أَبُو عقيل، عَن مُحَمَّد بن سوقة، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن هَذَا الدَّين متين فأوغل فِيهِ بِرِفْق، فَإِن المنبت لَا أَرضًا قطع وَلَا ظهرا أبقى ".
وَهَذَا الحَدِيث أرْسلهُ غير أبي عقيل عَن ابْن سوقة، عَن ابْن الْمُنْكَدر.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا زيد بن أخزم الطَّائِي الْبَصْرِيّ، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن أبي الْوَزير، ثَنَا عبد الله بن جَعْفَر المخرمي، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن نبيه، عَن مُحَمَّد ابْن الْمُنْكَدر، عَن جَابر قَالَ: " ذكر رجل عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِعبَادة واجتهاد، وَذكر [عِنْده] آخر برعة فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَا تعدل بالرعة ".
وَعبد الله بن جَعْفَر هُوَ من ولد الْمسور بن مخرمَة، وَهُوَ مدنِي ثِقَة عِنْد أهل الحَدِيث.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.

(3/264)


الْبَزَّار: ثَنَا يُوسُف بن مُوسَى، ثَنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل، ثَنَا حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن، عَن مُجَاهِد، عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: " كنت رجلا مُجْتَهدا فَتزوّجت، فجَاء أبي إِلَى الْمَرْأَة، فَقَالَ لَهَا: كَيفَ تجدي بعلك؟ فَقَالَت: نعم الرجل من رجل مَا ينَام وَمَا يفْطر. فَوَقع بيني وَبَين أبي فَقَالَ: زَوجتك امْرَأَة من الْمُسلمين فَفعلت بهَا مَا فعلت! فَلم أبال مَا قَالَ لما أجد من الْقُوَّة، إِلَى أَن بلغ ذَلِك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: لكني أَنَام وأصلي، وَأَصُوم وَأفْطر، فَصم وصل، ونم وقم، صم من كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام. قلت: إِنِّي أقوى من ذَلِك. قَالَ: فَصم صَوْم دَاوُد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: صم يَوْمًا وَأفْطر يَوْمًا، واقرأ الْقُرْآن فِي كل شهر. فَقلت: يَا رَسُول الله، أَنا أقوى من ذَلِك. فَمَا زَالَ حَتَّى بلغ سبعا، ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِن لكل عمل شرة، وَلكُل شرة فَتْرَة، فَمن كَانَت فترته إِلَى سنتي فقد اهْتَدَى، وَمن كَانَت فترته إِلَى غير ذَلِك فقد هلك. فَقَالَ عبد الله بن عَمْرو لما كبر وَضعف: لِأَن أكون قبلت رخصَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أحب إِلَيّ من أَهلِي وَمَالِي ".
الْبَزَّار: حَدثنَا الْحسن بن عَرَفَة، ثَنَا هشيم، عَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن والمغيرة، عَن مُجَاهِد، عَن عبد الله بن عَمْرو، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي هَذَا الحَدِيث: " إِن لكل عمل شرة، وَلكُل شرة فَتْرَة، فإمَّا إِلَى سنة وَإِمَّا إِلَى بِدعَة، فَمن كَانَت فترته إِلَى سنتي فقد اهْتَدَى، وَمن كَانَت فترته إِلَى غير ذَلِك فقد هلك ".
الْبَزَّار: حَدثنَا يُوسُف بن مُوسَى، ثَنَا يزِيد بن هَارُون، أَنا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن أبي الزبير، عَن أبي الْعَبَّاس، عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: " ذكر عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قوم يجتهدون فِي الْعِبَادَة اجْتِهَادًا شَدِيدا، فَقَالَ: تِلْكَ ضراوة الْإِسْلَام، وَلكُل شرة فَتْرَة، فَمن كَانَت فترته إِلَى اقتصاد فَلَا يلام - أَو فَلَا لوم عَلَيْهِ - وَمن كَانَت فترته إِلَى الْمعاصِي فَأُولَئِك هم الهالكون ".

(3/265)


رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة، عَن يزِيد بن هَارُون بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَقَالَ: " فَمن كَانَت فترته إِلَى الاقتصاد فلأم مَا هُوَ ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا يُوسُف بن سُلَيْمَان الْبَصْرِيّ، ثَنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، عَن ابْن عجلَان، عَن الْقَعْقَاع بن حَكِيم، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن لكل شَيْء شرة، وَلكُل شرة فَتْرَة، فَإِن صَاحبهَا سدد وقارب فارجوه، وَإِن أُشير إِلَيْهِ بالأصابع فَلَا تعدوه ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من هَذَا الْوَجْه.

بَاب فضل الشَّاب ينشأ على عبَادَة ربه
قَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: ثَنَا خلف بن الْقَاسِم وَأحمد بن فتح وَعبد الرَّحْمَن ابْن يحيى، قَالُوا: ثَنَا حَمْزَة بن مُحَمَّد الْكِنَانِي بِمصْر، أَنا الْعَبَّاس بن حَمَّاد بن فضَالة الْبَصْرِيّ وَعلي بن سعيد الرَّازِيّ، ثَنَا مُحَمَّد بن عبيد بن (حِسَاب) ، عَن جدي حَفْص بن عَاصِم، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " سَبْعَة فِي ظلّ الله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله: إِمَام مقتصد، وشاب نَشأ بِعبَادة الله حَتَّى توفّي على ذَلِك ... . ".

بَاب إِذا سرته حسنته وساءته سيئته فَهُوَ مُؤمن
النَّسَائِيّ: أَخْبرنِي إِبْرَاهِيم بن الْحسن، ثَنَا حجاج بن مُحَمَّد، ثَنَا يُونُس بن أبي إِسْحَاق، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: " قَامَ فِينَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر على بَاب الْجَابِيَة فَقَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَامَ فِينَا كمقامي فِيكُم،

(3/266)


فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، أكْرمُوا أَصْحَابِي ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ يفشو الْكَذِب حَتَّى إِن الرجل ليحلف قبل أَن يسْتَحْلف، وَيشْهد قبل أَن يستشهد، فَمن سره أَن ينَال بحبحة الْجنَّة فَعَلَيهِ بِالْجَمَاعَة؛ فَإِن يَد الله فَوق الْجَمَاعَة، لَا يخلون رجل بِامْرَأَة؛ فَإِن الشَّيْطَان ثالثهما أَلا إِن الشَّيْطَان مَعَ الْوَاحِد، وَهُوَ من الِاثْنَيْنِ أبعد، أَلا من ساءته سيئته، وسرته حسنته فَذَلِك الْمُؤمن ".

بَاب مَا جَاءَ إِن العَبْد إِذا أذْنب نكت فِي قلبه نُكْتَة
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا اللَّيْث، عَن ابْن عجلَان، عَن الْقَعْقَاع بن حَكِيم، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " [إِن] العَبْد إِذا أَخطَأ خَطِيئَة نكتت فِي قلبه نُكْتَة سَوْدَاء، فَإِذا هُوَ نزع واستغفر وَتَابَ صقل قلبه، وَإِن عَاد زيد فِيهَا حَتَّى تعلو قلبه، وَهُوَ الران الَّذِي ذكر الله {كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.

بَاب الْإِخْلَاص وَمَا يحذر من الرِّيَاء
الْبَزَّار: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن محشر الْبَغْدَادِيّ ثَنَا عُبَيْدَة بن حميد، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن رفيع، عَن تَمِيم بن طرفَة، عَن الضَّحَّاك بن قيس الفِهري قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله - تبَارك وَتَعَالَى - يَقُول: أَنا خير شريك، فَمن أشرك معي شَرِيكا فَهُوَ لشريكي، يَا أَيهَا النَّاس، أَخْلصُوا أَعمالكُم لله، فَإِن الله - تبَارك وَتَعَالَى - لَا يقبل من الْأَعْمَال إِلَّا مَا خلص، وَلَا تَقولُوا: هَذَا لله وللرحم؛ فَإِنَّهَا للرحم، وَلَيْسَ لله مِنْهَا شَيْء ".
وروى الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ: ثَنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الْبَزَّار، ثَنَا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ،

(3/267)


ثَنَا الحَجبي، ثَنَا الْحَارِث بن غَسَّان قَالَ: ثَنَا أَبُو عمرَان الْجونِي، عَن أنس بن مَالك: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يجاء يَوْم الْقِيَامَة بصحف مختمة فتنصب بَين يَدي الله - تَعَالَى - فَيَقُول تَعَالَى للْمَلَائكَة: ألقوا هَذَا واقبلوا هَذَا. فَتَقول الْمَلَائِكَة: وَعزَّتك مَا رَأينَا إِلَّا خيرا. فَيَقُول تَعَالَى - وَهُوَ أعلم -: إِن هَذَا كَانَ لغيري، وَلَا أقبل الْيَوْم من الْأَعْمَال إِلَّا مَا [كَانَ] ابْتغِي بِهِ وَجْهي ".
الْحَارِث بن غَسَّان لَا أعلم رَاوِي عَنهُ إِلَّا الحَجبي عبد الله بن عبد الْوَهَّاب وَبِهَذَا الحَدِيث ذكره البُخَارِيّ فِي تَارِيخه إِلَّا أَنه ذكر طرفا مِنْهُ.
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا يحيى بن أبي بكير، ثَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ، ثَنَا الرّبيع بن أنس قَالَ: سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من فَارق الدُّنْيَا على الْإِخْلَاص لله - تبَارك وَتَعَالَى - وعبادته لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة - فَارقهَا وَالله عَنهُ رَاض، وَهُوَ دين الله الَّذِي جَاءَت بِهِ الرُّسُل، وبلغوه من رَبهم قبل هرج الْأَحَادِيث وَاخْتِلَاف الْأَهْوَاء، وتصديق ذَلِك فِي كتاب الله: {فَإِن تَابُوا} يَقُول: فَإِن خلعوا الْأَوْثَان وعبادتها {وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة فإخوانكم فِي الدَّين} ".
جعل أَبُو بكر الْبَزَّار آخر الحَدِيث عِنْده قَوْله: " وَالله عَنهُ رَاض ".
الطَّحَاوِيّ: ثَنَا بكار بن قُتَيْبَة، ثَنَا أَبُو أَحْمد الزبيرِي، ثَنَا كثير بن زيد، أَنا ربيح بن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: " كُنَّا نتناوب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يكون لَهُ الْحَاجة أَو يرسلنا لبَعض الْأَمر فَكثر المحتسبون من أَصْحَاب النوب، فَخرج علينا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَنحن نتذاكر الدَّجَّال، فَقَالَ: مَا هَذَا النَّجْوَى؟ ألم أنهكم عَن النَّجْوَى؟ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُول الله، كُنَّا فِي ذكر الْمَسِيح فرقا مِنْهُ. فَقَالَ: غير ذَلِك أخوف عَلَيْكُم الشّرك الْخَفي؛ أَن يعْمل الرجل لمَكَان الرجل ".

(3/268)


كثير بن زيد هُوَ أَبُو مُحَمَّد مولى الأسلميين، روى عَنهُ جمَاعَة جلة مِنْهُم: وَكِيع، وَحَمَّاد بن زيد وَغَيرهمَا، وَهُوَ صَالح صَدُوق يكْتب حَدِيثه وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ.

بَاب من سمع سمع الله بِهِ
مُسلم: حَدثنَا عمر بن حَفْص بن غياث، حَدثنِي أبي، عَن إِسْمَاعِيل بن سميع، عَن مُسلم البطين، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من سمع سمع الله بِهِ، وَمن راءى راءى الله بِهِ ".

بَاب مَا يحذر من الْعجب
أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: حَدثنَا أَبُو عوَانَة، عَن أبي بشر، عَن رَجَاء، عَن محجن قَالَ: " أَخذ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بيَدي حَتَّى انتهينا إِلَى سدة الْمَسْجِد، فَإِذا رجل يرْكَع وَيسْجد ويركع وَيسْجد فَقَالَ: من هَذَا؟ فَقلت: فلَان. فَجعلت أطرية وَأَقُول هَذَا هَذَا. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَا تسمعه فتهلكه. ثمَّ انْطلق حَتَّى بلغ حجرَة، ثمَّ أرسل يَده من يَدي فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: خير دينكُمْ أيسره ".
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْملك الْقرشِي، ثَنَا سَلام أَبُو الْمُنْذر، عَن ثَابت، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَو لم تَكُونُوا تذنبون، لَخَشِيت عَلَيْكُم مَا هُوَ أَكثر مِنْهُ: الْعجب ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلم رَوَاهُ عَن ثَابت عَن أنس إِلَّا سَلام أَبُو الْمُنْذر، وَهُوَ رجل مَشْهُور، روى عَنهُ عَفَّان والمتقدمون.

بَاب فِي الْخَوْف والبكاء
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب وقتيبة وَابْن حجر، جَمِيعًا عَن إِسْمَاعِيل بن

(3/269)


جَعْفَر، قَالَ ابْن أَيُّوب: ثَنَا إِسْمَاعِيل، أَخْبرنِي الْعَلَاء، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَو يعلم الْمُؤمن مَا عِنْد الله من الْعقُوبَة مَا طمع بجنته أحد، وَلَو يعلم الْكَافِر مَا عِنْد الله من الرَّحْمَة مَا قنط من جنته أحد ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة، ثَنَا جرير، عَن مَنْصُور، عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " كَانَ رجل مِمَّن كَانَ قبلكُمْ يسيء الظَّن بِعَمَلِهِ، فَقَالَ لأَهله: إِذا أَنا مت فخذوني فذروني فِي الْبَحْر فِي يَوْم صَائِف. فَفَعَلُوا بِهِ فَجَمعه الله ثمَّ قَالَ: مَا حملك على الَّذِي صنعت؟ قَالَ: مَا حَملَنِي إِلَّا مخافتك. فغفر لَهُ ".
وللبخاري: فِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث: " أَي عَبدِي مَا حملك على مَا فعلت؟ قَالَ: مخافتك وَفرق مِنْك. فَمَا تلافاه أَن رَحمَه ".
مُسلم: حَدثنِي عبيد الله بن معَاذ الْعَنْبَري، ثَنَا أبي، ثَنَا شُعْبَة، عَن قَتَادَة، سمع عقبَة بن عبد الغافر يَقُول: سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ، يحدث عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَن رجلا فِيمَن كَانَ قبلكُمْ راشه الله مَالا وَولدا، فَقَالَ لوَلَده: لتفعلن مَا آمركُم بِهِ أَو لأولين ميراثي غَيْركُمْ؛ [إِذا أَنا مت] فأحرقوني - وَأكْثر علمي أَنه قَالَ: ثمَّ اسحقوني - واذروني فِي الرّيح فَإِنِّي لم (ابتئر) عِنْد الله خيرا، وَإِن الله يقدر عَليّ يُعَذِّبنِي. قَالَ: فَأخذ مِنْهُم ميثاقاً فَفَعَلُوا ذَلِك وذري. فَقَالَ الله: مَا

(3/270)


حملك على مَا فعلت؟ فَقَالَ: مخافتك. قَالَ: فَمَا تلافاه غَيرهَا ".
مُسلم: حَدثنِي مُحَمَّد بن مَرْزُوق - ابْن بنت مهْدي بن مَيْمُون - ثَنَا روح، ثَنَا مَالك، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " قَالَ رجل لم يعْمل حَسَنَة قطّ لأَهله: إِذا مَاتَ فحرقوه ثمَّ اذروا نصفه فِي الْبر وَنصفه فِي الْبَحْر، فوَاللَّه لَئِن قدر الله عَلَيْهِ ليعذبنه عذَابا لَا يعذبه أحدا من الْعَالمين. فَلَمَّا مَاتَ الرجل فعلوا مَا أَمرهم، فَأمر الله الْبر فَجمع مَا فِيهِ، وَأمر الْبَحْر فَجمع مَا فِيهِ، ثمَّ قَالَ: لم فعلت هَذَا؟ قَالَ: من خشيتك يَا رب، وَأَنت أعلم. فغفر لَهُ ".
وَفِي حَدِيث آخر: " فَإِذا هُوَ قَائِم ".
ذكر البُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ: " أَن هَذَا الرجل كَانَ نباشاً ".
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى بن مَيْمُون، ثَنَا عبد الْوَهَّاب بن عَطاء، عَن عَوْف، عَن الْحسن، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَفعه قَالَ: " لَا أجمع على عَبدِي خوفين وأمنين، إِن أخفته فِي الدُّنْيَا أمنته فِي الْآخِرَة ".
وحدثناه مُحَمَّد بن يحيى، ثَنَا عبد الْوَهَّاب، ثَنَا مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِنَحْوِهِ.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب، ثَنَا مُعَاوِيَة بن هِشَام، عَن شَيبَان، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " قَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله، شبت. قَالَ: شيبتي هود، والواقعة، والمرسلات، وَعم يتساءلون، وَإِذا الشَّمْس كورت ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.

(3/271)


التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا الْأنْصَارِيّ، ثَنَا معن، ثَنَا مَالك، عَن خبيب بن عبد الرَّحْمَن، عَن حَفْص بن عَاصِم، عَن أبي هُرَيْرَة أَو عَن أبي سعيد، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " سَبْعَة يظلهم الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله: إِمَام عَادل، وشاب نَشأ بِعبَادة الله، وَرجل كَانَ قلبه [مُعَلّقا] بالمساجد إِذا خرج مِنْهُ حَتَّى يعود إِلَيْهِ، ورجلان تحابا فِي الله فاجتمعا على ذَلِك وتفرقا، وَرجل ذكر الله خَالِيا فَفَاضَتْ عَيناهُ، وَرجل دَعَتْهُ [امْرَأَة] ذَات حسب وجمال فَقَالَ: إِنِّي أَخَاف الله، وَرجل تصدق بِصَدقَة فأخفاها حَتَّى لَا تعلم شِمَاله مَا تنْفق يَمِينه ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَرَوَاهُ عبيد الله بن عمر، عَن خبيب، وَقَالَ: عَن أبي هُرَيْرَة. وَلم يشك وَشك فِيهِ مَالك ".
النَّسَائِيّ: أخبرنَا سُوَيْد بن نصر، أَنا [عبد الله، عَن عبيد الله] ، عَن خبيب بن عبد الرَّحْمَن، عَن حَفْص بن عَاصِم، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " سَبْعَة يظلهم الله ... . " وَذكر الحَدِيث، قَالَ فِيهِ: " وَرجل دَعَتْهُ امْرَأَة ذَات منصب وجمال إِلَى نَفسهَا ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا هناد بن السّري، ثَنَا ابْن الْمُبَارك، عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله المَسْعُودِيّ، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن عِيسَى بن طَلْحَة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يلج النَّار رجل بَكَى من خشيَة الله حَتَّى يعود اللَّبن

(3/272)


فِي الضَّرع، وَلَا يجْتَمع غُبَار فِي سَبِيل الله ودخان جَهَنَّم ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث (صَحِيح) وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن هُوَ مولى (آل طَلْحَة) مدنِي ثِقَة، روى عَنهُ شُعْبَة وَالثَّوْري.
النَّسَائِيّ: أخبرنَا الْحَارِث بن مِسْكين قِرَاءَة عَلَيْهِ، عَن ابْن وهب، حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن شُرَيْح، عَن مُحَمَّد بن شمير، عَن أبي عَليّ الْجَنبي، عَن أبي رَيْحَانَة قَالَ: " خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غَزْوَة تَبُوك فَسَمعته يَقُول: حرمت النَّار على عين دَمَعَتْ من خشيَة الله، حرمت النَّار على عين سهرت فِي سَبِيل الله. ونسيت الثَّالِثَة، وَسمعت بعد أَنه قَالَ: حرمت النَّار على عين غضت عَن محارم الله ".
أَبُو عَليّ اسْمه عَمْرو بن مَالك، وَأَبُو رَيْحَانَة اسْمه شَمْعُون أزدي، وَيُقَال: أَنْصَارِي، وَيُقَال: دوسي، وَيُقَال: مولى للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَيُقَال: قرظي حَلِيف الْأَنْصَار لَهُ صُحْبَة، وَكَانَ من الْفُضَلَاء الزاهدين.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا زِيَاد بن أَيُّوب، ثَنَا يزِيد بن هَارُون، أَنا الْوَلِيد بن جميل الفلسطيني، عَن الْقَاسِم أبي عبد الرَّحْمَن، عَن أبي أُمَامَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ شَيْء أحب إِلَى الله من قطرتين وأثرين: قَطْرَة من دموع من خشيَة الله، وقطرة دم تهراق فِي سَبِيل الله، وَأما الأثران: فأثر فِي سَبِيل الله، وَأثر فِي فَرِيضَة من فَرَائض الله ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.

(3/273)


النَّسَائِيّ: أخبرنَا سُوَيْد بن نصر، أَنا عبد الله - هُوَ ابْن الْمُبَارك - عَن حَمَّاد ابْن سَلمَة، عَن ثَابت، عَن مطرف، عَن أَبِيه قَالَ: أتيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يُصَلِّي ولجوفه أزيز كأزيز الْمرجل - يَعْنِي: يبكي ".
مُسلم: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان وَمُحَمّد بن قدامَة الْكَلْبِيّ وَيحيى بن مُحَمَّد اللؤْلُؤِي - وَأَلْفَاظهمْ مُتَقَارِبَة - قَالَ مَحْمُود: ثَنَا النَّضر بن شُمَيْل - وَقَالَ الْآخرَانِ: أَنا النَّضر - أَنا [شُعْبَة] ، ثَنَا مُوسَى بن أنس، عَن أنس بن مَالك قَالَ: " بلغ للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن أَصْحَابه شَيْء، فَخَطب فَقَالَ: عرضت عَليّ الْجنَّة وَالنَّار فَلم أر كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْر وَالشَّر، وَلَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا. قَالَ: فَمَا أَتَى على أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم أَشد مِنْهُ. قَالَ: غطوا رُءُوسهم وَلَهُم خنين. قَالَ: فَقَامَ عمر فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّه رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دينا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا. قَالَ: فَقَامَ ذَاك الرجل فَقَالَ: من أبي؟ قَالَ: أَبوك فلَان. فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} ".
مُسلم: حَدثنَا يُوسُف بن حَمَّاد الْمَعْنى، ثَنَا عبد الْأَعْلَى، عَن سعيد، عَن قَتَادَة، عَن أنس بن مَالك " أَن النَّاس سَأَلُوا نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى أحفوه بِالْمَسْأَلَة، فَخرج ذَات يَوْم، فَصَعدَ الْمِنْبَر فَقَالَ: سلوني، لَا تَسْأَلُونِي عَن شَيْء إِلَّا بَينته لكم. فَلَمَّا سمع ذَلِك الْقَوْم أرموا ورهبوا أَن يَكُونُوا بَين يَدي أَمر قد حضر، قَالَ أنس: فَجعلت ألتفت يَمِينا وَشمَالًا، فَإِذا كل رَحل لاف رَأسه فِي ثَوْبه يبكي، فَأَنْشَأَ رجل من الْمَسْجِد كَانَ يلاحي فيدعى لغير أَبِيه فَقَالَ: يَا رَسُول الله، من أبي؟ قَالَ: أَبوك

(3/274)


حذافة. ثمَّ أنشأ عمر بن الْخطاب فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّه رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دينا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا، عائذاً بِاللَّه من سوء الْفِتَن. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لم أر كَالْيَوْمِ قطّ فِي الْخَيْر وَالشَّر، إِنِّي صورت لي الْجنَّة وَالنَّار فرأيتهما دون هَذَا الْحَائِط ".

بَاب فِي الرَّجَاء
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: عَن يزِيد بن هَارُون، أَنا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن يعلى ابْن عَطاء، عَن وَكِيع بن حدس، عَن عَمه أبي رزين قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ضحك رَبنَا من قنوط عَبده وَقرب غَيره. قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، أَو يضْحك الرب؟ قَالَ: نعم. [قلت: لن] نعدم من رب يضْحك خيرا ".
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن الصَّباح بن سُفْيَان، أَنا عَليّ بن ثَابت، عَن عِكْرِمَة بن عمار، حَدثنِي ضَمْضَم بن جوس قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " كَانَ رجلَانِ فِي بني إِسْرَائِيل متآخيين فَكَانَ أحدهمكا يُذنب، وَالْآخر مُجْتَهد فِي الْعِبَادَة، فَكَانَ لَا يزَال الْمُجْتَهد يرى الآخر على الذَّنب فَيَقُول: أقصر. فَوَجَدَهُ يَوْمًا على ذَنْب فَقَالَ لَهُ: أقصر. فَقَالَ: خَلِّنِي وربي أبعثت عَليّ رقيباً؟ فَقَالَ: وَالله لَا يغْفر الله لَك - أَو: لَا يدْخلك الله الْجنَّة - فَقبض أرواحهما، فاجتمعا عِنْد رب الْعَالمين، فَقَالَ للمجتهد: أَكنت بِي عَالما، أَو كنت على مَا فِي يَدي قَادِرًا؟ ! فَقَالَ للمذنب: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجنَّة برحمتي، وَقَالَ للْآخر: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّار. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتكلم بِكَلِمَة أَو بقت دُنْيَاهُ وآخرته ".
الْبَزَّار: حَدثنَا عمر بن معمر، ثَنَا عَفَّان، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت وَأبي عمرَان الْجونِي، عَن أنس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يخرج من النَّار أَرْبَعَة - قَالَ أَبُو عمرَان: وَقَالَ ثَابت: رجلَانِ - فيعرضون على الله، ثمَّ يُؤمر بهم إِلَى النَّار، فيلتفت أحدهم فَيَقُول: لقد كنت أرجوك إِذْ أخرجتني مِنْهَا أَلا تعيدني فِيهَا. قَالَ: فينجيه الله - تبَارك وَتَعَالَى - مِنْهَا ".

(3/275)


بَاب فِي الرَّجَاء مَعَ الْخَوْف
البُخَارِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن، عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن الله خلق الرَّحْمَة يَوْم خلقهَا مائَة رَحْمَة، فَأمْسك عِنْده تِسْعَة وَتِسْعين رَحْمَة، وَأرْسل فِي خلقه كلهم رَحْمَة وَاحِدَة، وَلَو يعلم الْكَافِر بِكُل الَّذِي عِنْد الله من الرَّحْمَة لم ييأس من الْجنَّة، وَلَو يعلم الْمُؤمن بِكُل الَّذِي عِنْد الله من الْعَذَاب لم يَأْمَن من النَّار ".
النَّسَائِيّ: أَخْبرنِي هَارُون بن عبد الله، ثَنَا سيار، ثَنَا جَعْفَر، (عَن ثَابت) ، عَن أنس قَالَ: دخل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على شَاب وَهُوَ فِي الْمَوْت فَقَالَ: كَيفَ تجدك؟ قَالَ: أَرْجُو الله يَا رَسُول الله، وأخاف ذُنُوبِي. قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قلب عبد فِي مثل هَذَا الموطن إِلَّا أعطَاهُ الله الَّذِي يَرْجُو، وأمنه مِمَّا يخَاف ".
أرْسلهُ غَيره، قَالَ أَبُو عِيسَى وَذكره: هَذَا حَدِيث غَرِيب. وَقَالَ فِي كتاب الْعِلَل: قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل: إِنَّمَا رُوِيَ هَذَا عَن ثَابت " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل على شَاب ".

بَاب مَا جَاءَ فِي الْقنُوط
الْبَزَّار: حَدثنَا عبد الله بن إِسْحَاق الْعَطَّار، ثَنَا الضَّحَّاك بن مخلد، ثَنَا شبيب بن بشر، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس أَن " رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، مَا الْكَبَائِر؟ قَالَ: الشّرك بِاللَّه، والإياس من روح الله، والقنوط من رَحْمَة الله ".

(3/276)


بَاب الخشية والمراقبة
مُسلم: حَدثنَا زُهَيْر بن حَرْب، ثَنَا جرير، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي الضُّحَى، عَن مَسْرُوق، عَن عَائِشَة قَالَت: " صنع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمرا فترخص فِيهِ، فَبلغ ذَلِك نَاسا من أَصْحَابه فكأنهم كرهوه وتنزهوا عَنهُ، فَبَلغهُ ذَلِك فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: مَا بَال رجال بَلغهُمْ عني أَمر ترخصت فِيهِ فكرهوه وتنزهوا عَنهُ! فوَاللَّه لأَنا أعلمهم بِاللَّه، وأشدهم لَهُ خشيَة ".
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن عقبَة، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن يزِيد بن عبد الله بن الْهَاد، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن أم كُلْثُوم بنت الْعَبَّاس، عَن أَبِيهَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا اقشعر جلد العَبْد من خشيَة الله؛ تحاتت عَنهُ خطاياه كَمَا تحات عَن الشَّجَرَة البالية وَرقهَا ".
وَهَذَا الْكَلَام لَا نعلمهُ يرْوى عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا من هَذَا الطَّرِيق.
مُسلم: حَدثنَا زُهَيْر بن حَرْب، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، عَن أبي حَيَّان، عَن أبي زرْعَة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَسُئِلَ: مَا الْإِحْسَان؟ فَقَالَ أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ، فَإنَّك إِلَّا تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك ".

بَاب نظر الله إِلَى الْقُلُوب
مُسلم: حَدثنِي أَبُو الطَّاهِر، أَنا ابْن وهب، عَن أُسَامَة - وَهُوَ ابْن زيد - أَنه سمع أَبَا سعيد مولى عبد الله بن عَامر بن كريز يَقُول: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله لَا ينظر إِلَى أجسادكم وَلَا إِلَى صوركُمْ، وَلَكِن ينظر إِلَى قُلُوبكُمْ. وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدره ".

(3/277)


مُسلم: حَدثنَا عَمْرو النَّاقِد، ثَنَا كثير بن هِشَام، ثَنَا جَعْفَر بن برْقَان، عَن يزِيد بن الْأَصَم، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله لَا ينظر إِلَى صوركُمْ وَأَمْوَالكُمْ، وَلَكِن ينظر إِلَى قُلُوبكُمْ وَأَعْمَالكُمْ ".

بَاب فِي الصمت
البُخَارِيّ: حَدثنِي عبد الله بن مُحَمَّد، ثَنَا ابْن مهْدي، ثَنَا سُفْيَان، عَن أبي حُصَيْن، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يؤذ جَاره، وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَليُكرم ضَيفه، وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلْيقل خيرا أَو ليصمت ".
الْبَزَّار: حَدثنَا سهل بن بَحر، ثَنَا مُعلى بن أَسد، ثَنَا بشار بن الحكم أَبُو بدر الضَّبِّيّ، ثَنَا ثَابت الْبنانِيّ، عَن أنس قَالَ: لقى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَا ذَر قَالَ: " يَا أَبَا ذَر، أَلا أدلك على خَصْلَتَيْنِ هما خفيفتان على الظّهْر وأثقل فِي الْمِيزَان من غَيرهمَا؟ قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله. قَالَ: عَلَيْك بِحسن الْخلق، وَطول الصمت، فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ مَا عمل الْخَلَائق بمثلهما ".
تفرد بِهِ بشار، عَن ثَابت، قَالَ أَبُو بكر: وَكَانَ ثِقَة ذكره فِي مَكَان آخر وَقد وَثَّقَهُ غَيره أَيْضا.
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى بن مسْهر، حَدثنِي الحكم بن هِشَام الثَّقَفِيّ، ثَنَا يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد، ثَنَا أَبُو فَرْوَة، عَن أبي خَلاد - وَكَانَت لَهُ صُحْبَة - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا رَأَيْتُمْ الرجل قد أعطي زهداً فِي الدُّنْيَا وَقلة منطق فاقتربوا مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ يلقِي الْحِكْمَة ".

(3/278)


ذكرُوا بَين أبي فَرْوَة وَأبي خَلاد رجلا، قَالَ البُخَارِيّ فِي " الكنى " الْمُجَرَّدَة: قَالَ أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي: ثَنَا يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن الْعَاصِ - أَخُو عَنْبَسَة - سمع أَبَا فَرْوَة الْجَزرِي، عَن أبي مَرْيَم، عَن أبي خَلاد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثله، وَهَذَا أصح. ذكر ذَلِك أَبُو عمر بن عبد الْبر، قَالَ أَبُو عمر: وَأَبُو خَلاد رجل من الصَّحَابَة لَا أَقف لَهُ على اسْم وَلَا نسب.
أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن ابْن مَاعِز، عَن سُفْيَان بن عبد الله الثَّقَفِيّ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، أَخْبرنِي بِأَمْر أَعْتَصِم بِهِ. قَالَ: قل آمَنت بِاللَّه ثمَّ اسْتَقِم. قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، مَا أَكثر مَا تخَاف عَليّ؟ قَالَ: فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى لِسَان نَفسه ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا عَليّ بن مُسلم، ثَنَا هشيم، أَنا غير وَاحِد، مِنْهُم: مُغيرَة، وَفُلَان، وَرجل ثَالِث أَيْضا، عَن الشّعبِيّ، عَن وراد كَاتب الْمُغيرَة بن شُعْبَة " أَن مُعَاوِيَة كتب إِلَى الْمُغيرَة أَن اكْتُبْ إِلَيّ بِحَدِيث سمعته من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قَالَ: فَكتب إِلَيْهِ الْمُغيرَة: إِنِّي سمعته يَقُول عِنْد انْصِرَافه من الصَّلَاة: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد، وَهُوَ على كل شَيْء قدير. وَكَانَ ينْهَى عَن قيل وَقَالَ، وَكَثْرَة السُّؤَال، وإضاعة المَال، وَمنع وهات، وعقوق (الوالدات) ، ووأد الْبَنَات ".
وَعَن هشيم، أخبرنَا عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ: سَمِعت وراداً يحدث هَذَا الحَدِيث، عَن الْمُغيرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا هناد، ثَنَا عَبدة، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، حَدثنِي أبي،

(3/279)


عَن جدي قَالَ: سَمِعت بِلَال بن الْحَارِث الْمُزنِيّ - صَاحب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن أحدكُم ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ من رضوَان الله مَا يظنّ أَن تبلغ مَا بلغت، فَيكْتب الله لَهُ بهَا رضوانه إِلَى يَوْم يلقاه، وَإِن أحدكُم ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ من سخط الله مَا يظنّ أَن تبلغ مَا بلغت، فَيكْتب الله بهَا سخطه إِلَى يَوْم يلقاه ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَهَكَذَا رَوَاهُ غير وَاحِد، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن بِلَال، وروى هَذَا الحَدِيث مَالك، عَن مُحَمَّد ابْن عَمْرو عَن أَبِيه، عَن بِلَال بن الْحَارِث، وَلم يذكر فِيهِ: عَن جده.
وروى التِّرْمِذِيّ قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَان بن عبد الْجَبَّار الْبَغْدَادِيّ، ثَنَا عمر بن حَفْص بن غياث، ثَنَا أبي، عَن الْأَعْمَش، عَن أنس قَالَ: " توفّي رجل من أَصْحَابه فَقَالَ - يَعْنِي رجل -: أبشر بِالْجنَّةِ؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَو لَا تَدْرِي فَلَعَلَّهُ تكلم فِيمَا لَا يُعينهُ، أَو بخل بِمَا لَا ينقصهُ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى فِي هَذَا الحَدِيث: حَدِيث غَرِيب. وَقَالَ فِي أول كِتَابه: لم يسمع الْأَعْمَش من أنس، وَقد رَآهُ وَذكر عَنهُ حِكَايَة فِي الصَّلَاة. وَقَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار: سمع الْأَعْمَش من أنس، فَلَا يُنكر مَا أرسل عَنهُ.
وَقَالَ: ثَنَا رزق الله بن مُوسَى، ثَنَا عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن الْحمانِي، عَن الْأَعْمَش قَالَ: سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول " فِي قَول الله - عز وَجل -: {وأقوم قيلا} قَالَ: وأصدق. فَقيل لَهُ: إِنَّهَا تقْرَأ {وأقوم} . فَقَالَ: أقوم وأصدق وَاحِد ".
تفرد بِهِ عبد الحميد عَن الْأَعْمَش، وَهُوَ ثِقَة. فِي تَوْثِيق الْحمانِي نظر؛ فَإِن فِيهِ كلَاما طَويلا.

(3/280)


بَاب فِي الْحزن
الْبَزَّار: حَدثنَا عمر بن الْخطاب، ثَنَا عبد الله بن صَالح، حَدثنِي مُعَاوِيَة ابْن صَالح، عَن ضَمرَة بن حبيب، عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله يحب كل قلب حَزِين ".
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد.

بَاب فِي الْعُزْلَة
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى التَّمِيمِي، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم، عَن أَبِيه، عَن بعجة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " من خير معاش النَّاس لَهُم: رجل مُمْسك عنان فرسه فِي سَبِيل الله يطير على مَتنه، كلما سمع هيعة أَو فزعة طَار عَلَيْهِ، يَبْتَغِي الْقَتْل وَالْمَوْت مظانه، أَو رجل فِي غنيمَة فِي رَأس شعفة من هَذِه الشعف أَو بطن وَاد من هَذِه الأودية يُقيم الصَّلَاة، ويؤتي الزَّكَاة، ويعبد ربه حَتَّى يَأْتِيهِ الْيَقِين لَيْسَ من النَّاس إِلَّا فِي خير ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان، أَنا شُعَيْب، عَن الزُّهْرِيّ، حَدثنِي عَطاء بن يزِيد، أَن أَبَا سعيد حَدثهُ قيل: " يَا رَسُول الله ... . ".
وَقَالَ مُحَمَّد بن يُوسُف: ثَنَا الْأَوْزَاعِيّ، ثَنَا الزُّهْرِيّ، عَن عَطاء بن يزِيد اللَّيْثِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ: " جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَي النَّاس خير؟ قَالَ: رجل جَاهد بِنَفسِهِ وَمَاله، وَرجل فِي شعب من الشعاب يعبد ربه، ويدع النَّاس من شَره ".

(3/281)


بَاب مَا يحذر من محقرات الْأَعْمَال
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: عَن خَالِد بن مخلد، ثَنَا سعيد بن مُسلم بن نائل، سَمِعت عَامر بن عبد الله بن الزبير، حَدثنِي عَوْف بن الْحَارِث، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا عَائِشَة، إياك ومحقرات الْأَعْمَال. فَإِن لَهَا من الله طَالبا ".
عَوْف بن الْحَارِث هَذَا هُوَ رَضِيع عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا.
البُخَارِيّ: حَدثنِي عبد الله بن مُنِير، سمع أَبَا النَّضر، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن عبد الله، عَن أَبِيه، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن العَبْد ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ من رضوَان الله لَا يلقِي لَهَا بَالا يرفعهُ الله بهَا دَرَجَات، وَإِن العَبْد ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ من سخط الله لَا يلقى لَهَا بَالا يهوي بهَا فِي جَهَنَّم ".

بَاب خَوَاتِيم الْأَعْمَال وَمَا يحذر مِنْهَا
البُخَارِيّ: حَدثنَا عَليّ بن عَيَّاش، ثَنَا أَبُو غَسَّان، حَدثنِي أَبُو حَازِم، عَن سهل بن سعد قَالَ: " نظر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى رجل يُقَاتل الْمُشْركين وَكَانَ من أعظم الْمُسلمين غناء عَنْهُم، فَقَالَ: من أحب أَن ينظر إِلَى رجل من أهل النَّار فَلْينْظر إِلَى هَذَا. فَتَبِعَهُ بَين ثدييه، فحامل عَلَيْهَا حَتَّى خرج من بَين كَتفيهِ، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِن العَبْد ليعْمَل فِيمَا يرى النَّاس عمل أهل الْجنَّة وَإنَّهُ لمن أهل النَّار، وَيعْمل فِيمَا يرى النَّاس عمل أهل النَّار وَهُوَ من أهل الْجنَّة، وَإِنَّمَا الْأَعْمَال بخواتيهما ".
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، عَن حميد، عَن أنس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا عَلَيْكُم أَن تعجلوا بِحَمْد أحد حَتَّى تنظروا بِمَا يخْتم لَهُ.

(3/282)


فَإِن الْعَامِل يعْمل زَمَانا من عمره أَو بُرْهَة من دهره بِعَمَل صَالح لَو مَاتَ عَلَيْهِ دخل الْجنَّة، ثمَّ يتَحَوَّل فَيعْمل عملا سَيِّئًا، وَإِن الْعَامِل ليعْمَل البرهة من دهر بِعَمَل سيئ لَو مَاتَ عَلَيْهِ دخل النَّار، ثمَّ يتَحَوَّل فَيعْمل عملا صَالحا، فَإِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا اسْتَعْملهُ قبل مَوته. قَالُوا: يَا رَسُول الله، وَكَيف يَسْتَعْمِلهُ؟ قَالَ: يوفقه لعمل صَالح ثمَّ يقبضهُ عَلَيْهِ ".

بَاب تقلب الْقلب
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن مِسْكين، حَدثنَا عبد الله بن صَالح، ثَنَا مُعَاوِيَة ابْن صَالح، عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير، عَن أَبِيه قَالَ: " جَاءَ الْمِقْدَاد بن الْأسود فِي حَاجَة فَقُلْنَا: اجْلِسْ حَتَّى نطلب لَك حَاجَتك. فَجَلَسَ فَقَالَ: عجبت لقوم مَرَرْت بهم يتمنون الْفِتَن ليبلينهم الله فِيهَا مَا أبلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه - رَحْمَة الله عَلَيْهِم - وَلَقَد سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: إِن السعيد لمن جنب الْفِتَن، إِن السعيد لمن جنب الْفِتَن - يُرَدِّدهَا ثَلَاث مَرَّات - إِلَّا من ابْتُلِيَ فَصَبر، وَايْم الله لَا أشهد لأحد أَنه من أهل الْجنَّة حَتَّى أعلم مَا يَمُوت عَلَيْهِ، بعد حَدِيث سمعته من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: لقلب ابْن آدم أَشد انقلاباً من الْقدر إِذا غليت ".
قَالَ أَبُو بكر: وَهَذَا الْكَلَام لَا نَحْفَظهُ إِلَّا عَن الْمِقْدَاد، إِلَّا رجل قبله فَجعله عَن الْمِقْدَام، وَالصَّوَاب عندنَا: الْمِقْدَاد. وَإِسْنَاده إِسْنَاد حسن.
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، عَن سعيد الْجريرِي، عَن غنيم ابْن قيس، عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مثل هَذَا الْقلب كَمثل ريشة بفلاة من الأَرْض تقلبها الرّيح ظهرا لبطن ".
قَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار - وَذكر هَذَا الحَدِيث -: لَا نعلم أسْند الْجريرِي عَن غنيم عَن أبي مُوسَى غير هَذَا الحَدِيث.

(3/283)


أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا عَفَّان، ثَنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، ثَنَا عَاصِم الْأَحول، عَن أبي كَبْشَة، عَن أبي مُوسَى قَالَ: سمعته يَقُول على الْمِنْبَر: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مثل الجليس الصَّالح مثل الْعَطَّار إِلَّا يحذك يعبق بك من رِيحه، وَمثل الجليس السوء مثل صَاحب الْكِير. قَالَ: وَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِنَّمَا سمي الْقلب من تقلبه كَمثل ريشة معلقَة فِي أصل شَجَرَة. قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِن بَين أَيْدِيكُم فتنا كَقطع اللَّيْل المظلم يصبح فِيهَا الرجل مُؤمنا ويمسي كَافِرًا، ويمسي مُؤمنا وَيُصْبِح كَافِرًا ".
أَبُو كَبْشَة هَذَا هُوَ السدُوسِي.
مُسلم: حَدثنِي زُهَيْر بن حَرْب وَابْن نمير، كِلَاهُمَا عَن الْمُقْرِئ - قَالَ زُهَيْر: ثَنَا عبد الله الْمُقْرِئ - ثَنَا حَيْوَة، أَخْبرنِي أَبُو هَانِئ، أَنه سمع أَبَا عبد الرَّحْمَن الحبلي، أَنه سمع عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ يَقُول أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن قُلُوب بني آدم كلهَا بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِع الرَّحْمَن كقلب وَاحِد، يصرفهُ حَيْثُ يَشَاء. ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: اللَّهُمَّ مصرف الْقُلُوب صرف قُلُوبنَا على طَاعَتك ".

بَاب مَا جَاءَ فِي قساوة الْقلب وجمود الْعين
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي ثلج الْبَغْدَادِيّ - صَاحب أَحْمد ابْن حَنْبَل - ثَنَا عَليّ بن حَفْص، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن حَاطِب، عَن عبد الله ابْن دِينَار، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تكثروا الْكَلَام بِغَيْر ذكر الله؛ فَإِن كَثْرَة الْكَلَام بِغَيْر ذكر الله قسوة للقلب، وَإِن أبعد النَّاس من الله الْقلب القاسي ".
ثَنَا أَبُو بكر بن أبي النَّضر، حَدثنِي أَبُو النَّضر، عَن إِبْرَاهِيم بن حَاطِب، عَن

(3/284)


عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر نَحوه.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث إِبْرَاهِيم ابْن عبد الله بن حَاطِب.
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي الْحسن الْمصْرِيّ، ثَنَا هَانِئ بن المتَوَكل، ثَنَا عبد الله بن سُلَيْمَان، (عَن إِسْحَاق وَأَبَان) ، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَرْبَعَة من الشَّقَاء: جمود الْعين، وقساء الْقلب، وَطول الأمل، والحرص على الدُّنْيَا ".

بَاب ذكر القرين
مُسلم: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم قَالَ إِسْحَاق: أَنا وَقَالَ عُثْمَان: ثَنَا جرير، عَن مَنْصُور، عَن سَالم بن أبي الْجَعْد، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَقد وكل بِهِ قرينه من الْجِنّ. قَالُوا: وَإِيَّاك يَا رَسُول الله؟ قَالَ: وإياي إِلَّا أَن الله أعانني عَلَيْهِ فَأسلم فَلَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِخَير ".
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن مثنى وَابْن بشار قَالَا: ثَنَا عبد الرَّحْمَن - هُوَ ابْن مهْدي - عَن سُفْيَان.
وثنا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا يحيى بن آدم، عَن عمار بن رُزَيْق، كِلَاهُمَا عَن مَنْصُور بِإِسْنَاد جرير مثل حَدِيثه، غير أَن فِي حَدِيث سُفْيَان " وَقد وكل بِهِ قرينه من الْجِنّ وقرينه من الْمَلَائِكَة ".
مُسلم: حَدثنِي هَارُون بن سعيد، ثَنَا ابْن وهب، أَخْبرنِي أَبُو صَخْر، عَن

(3/285)


ابْن قسيط، حَدثهُ أَن عُرْوَة حَدثهُ، أَن عَائِشَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حدثته " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خرج من عِنْدهَا لَيْلًا، قَالَت: فغرت عَلَيْهِ فجَاء فَرَأى مَا أصنع، فَقَالَ: مَا لَك يَا عَائِشَة؟ أغرت؟ فَقلت: وَمَا لي لَا يغار مثلي على مثلك. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أقد جَاءَك شَيْطَانك؟ قَالَت: يَا رَسُول الله، أَو معي شَيْطَان؟ قَالَ: نعم. قلت: وَمَعَ كل إِنْسَان؟ قَالَ: نعم. قلت: ومعك يَا رَسُول الله؟ قَالَ: نعم، وَلَكِن رَبِّي أعانني عَلَيْهِ حَتَّى أسلم ".
مُسلم: حَدثنَا شَيبَان بن فروخ، ثَنَا أَبُو عوَانَة، عَن سُهَيْل، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صياح الْمَوْلُود حِين يَقع نزغة من الشَّيْطَان ".

بَاب مَا جَاءَ أَن للشَّيْطَان لمة بِابْن آدم وللملك لمة
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا هناد بن السّري، ثَنَا أَبُو الْأَحْوَص، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن مرّة الْهَمدَانِي، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن للشَّيْطَان لمة بِابْن آدم وللملك لمة، فَأَما لمة الشَّيْطَان فإيعاد بِالشَّرِّ وَتَكْذيب بِالْحَقِّ، وَأما لمة الْملك فإيعاد بِالْخَيرِ وتصديق بِالْحَقِّ، فَمن وجد ذَلِك فَليعلم أَنه من الله، فليحمد الله، وَمن وجد الْأُخْرَى فليتعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان. ثمَّ (قَالَ) : {الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر ويأمركم بالفحشاء} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث (حسن صَحِيح غَرِيب) لَا نعلمهُ مَرْفُوعا إِلَّا

(3/286)


من حَدِيث أبي الْأَحْوَص.

بَاب الْمُجَاهِد من جَاهد نَفسه
الْبَزَّار: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن هَانِئ، ثَنَا عُثْمَان بن صَالح، أَنا ابْن وهب، عَن أبي هَانِئ الْخَولَانِيّ، عَن عَمْرو بن مَالك الْجَنبي أَن فضَالة بن عبيد الْأنْصَارِيّ حَدثهُ، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ فِي حجَّة الْوَدَاع: " هَذَا يَوْم حرَام وبلد حرَام، فَدِمَاؤُكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُم حرَام مثل هَذَا الْيَوْم وَهَذِه اللَّيْلَة إِلَى يَوْم تلقونه، وَحَتَّى دفْعَة دَفعهَا مُسلم مُسلما يُرِيد بهَا سوءا حرَام، وَسَأُخْبِرُكُمْ من الْمُسلم: من سلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه وَيَده، وَالْمُؤمن من أَمنه النَّاس على أَمْوَالهم وأنفسهم، وَالْمُهَاجِر من هجر الْخَطَايَا والذنُوب، والمجاهد من جَاهد نَفسه فِي طَاعَة الله ".
أَبُو هَانِئ اسْمه حميد بن هَانِئ.

بَاب مُخَالطَة النَّاس وَالصَّبْر على أذاهم
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: عَن مُحَمَّد بن عبيد، ثَنَا الْأَعْمَش، عَن يحيى بن وثاب وَأبي صَالح، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْمُؤمن الَّذِي يخالط النَّاس ويصبر على آذاهم أعظم أجرا من الْمُؤمن الَّذِي لَا يخالط النَّاس وَلَا يصبر على أذاهم ".
رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: عَن ابْن أبي دَاوُد، عَن عَمْرو بن عون الوَاسِطِيّ، عَن حَفْص بن غياث، عَن الْأَعْمَش، عَن يحيى بن وثاب، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وخرجه الطَّيَالِسِيّ أَبُو دَاوُد فِي مُسْند ابْن عمر.

(3/287)


وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: من طَرِيق ابْن أبي عدي، عَن شُعْبَة، عَن الْأَعْمَش، عَن يحيى بن وثاب، عَن شيخ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ - كَانَ شُعْبَة يرى أَنه ابْن عمر ذكره عَن ابْن أبي عدي وَلَفظه -: " الْمُسلم إِذا كَانَ يخالط النَّاس ويصبر على أذاهم خير من الْمُسلم الَّذِي لَا يخالط النَّاس وَلَا يصبر على أذاهم ".
النَّسَائِيّ: أخبرنَا أَحْمد بن عبد الله بن الحكم قَالَ: ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثَنَا شُعْبَة، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الله بن الْحَارِث، عَن أبي كثير، عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قَالَ رجل: " يَا رَسُول الله، أَي الْهِجْرَة أفضل. قَالَ: أَن تهجر مَا كره الله، وَالْهجْرَة هجرتان: هِجْرَة الْحَاضِر البادي، فَأَما البادي فَإِنَّهُ يُطِيع إِذا أَمر، ويجيب إِذا دعِي، وَأما الْحَاضِر أعظمهما بلية، وأفضلهما أجرا ".
أَبُو كثير اسْمه زُهَيْر بن الْأَقْمَر.

بَاب فِي التقي الْخَفي
مُسلم: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا أَبُو بكر الْحَنَفِيّ، ثَنَا بكير بن مِسْمَار، حَدثنِي عَامر بن سعد قَالَ: " كَانَ سعد بن أبي وَقاص فِي إبِله فَجَاءَهُ ابْنه عمر فَلَمَّا رَآهُ سعد، قَالَ: أعوذ بِاللَّه من شَرّ هَذَا الرَّاكِب. فَنزل فَقَالَ لَهُ: أنزلت فِي إبلك وغنمك وَتركت النَّاس يتنازعون الْملك بَينهم؟ فَضرب سعد فِي صَدره فَقَالَ: اسْكُتْ، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: إِن الله يحب العَبْد التقي الْغَنِيّ الْخَفي ".

بَاب حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب، ثَنَا وَكِيع، عَن [جَعْفَر] بن برْقَان، عَن

(3/288)


يزِيد بن الْأَصَم، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله يَقُول: أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي، وَأَنا مَعَه، إِذا دَعَاني.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: عَن شَبابَة بن سوار، ثَنَا [هِشَام] بن الْغَاز، ثَنَا أَبُو النَّضر حَيَّان، عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي فليظن بِي مَا شَاءَ ".
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا حَمَّاد.
قَالَ: وثنا نصر بن عَليّ، عَن مهنا أبي شبْل - وَلم أفهمهُ مِنْهُ جيدا - عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن مُحَمَّد بن وَاسع، عَن شُتَيْر - قَالَ نصر: شُتَيْر بن نَهَار - عَن أبي هُرَيْرَة - قَالَ نصر: عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " حسن الظَّن من حسن الْعِبَادَة ".
قَالَ أَبُو دَاوُد: ومهنا بَصرِي ثِقَة.
شُتَيْر هَذَا أَكثر الروَاة يَقُولُونَ فِيهِ: سمير - بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْمِيم - وَكَذَلِكَ ذكره البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم، وَهُوَ بَصرِي من سبي عين التَّمْر، روى عَنهُ: أَبُو نَضرة، وَمُحَمّد بن وَاسع.

بَاب فِي العَبْد يحمد على عمله الصَّالح
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى، أَنا حَمَّاد بن زيد، عَن أبي عمرَان الْجونِي، عَن عبد الله بن الصَّامِت، عَن أبي ذَر: " قيل لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَرَأَيْت الرجل يعْمل الْعَمَل من الْخَيْر وَيَحْمَدهُ النَّاس عَلَيْهِ؟ قَالَ: تِلْكَ [عَاجل] بشرى الْمُؤمن ".

(3/289)


التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا أَبُو دَاوُد، ثَنَا أَبُو سِنَان، ثَنَا حبيب ابْن أبي ثَابت، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " قيل: يَا رَسُول الله، الرجل يعْمل الْعَمَل فيسره، فَإِذا اطلع عَلَيْهِ أعجبه ذَلِك. قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَهُ أَجْرَانِ: أجر السِّرّ، وَأجر الْعَلَانِيَة ".
هَذَا حَدِيث (غَرِيب) ، أرْسلهُ الْأَعْمَش وَغَيره، عَن حبيب، عَن أبي صَالح، عَن النَّبِي - عَلَيْهِ السَّلَام - ذكر ذَلِك أَبُو عِيسَى، وَأَبُو سِنَان هُوَ مَشْهُور.
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا يُونُس، ثَنَا عبد الله بن وهب، أَخْبرنِي حَيْوَة بن شُرَيْح، عَن سَالم بن غيلَان، عَن دراج أبي السَّمْح، عَن أبي الْهَيْثَم، عَن أبي سعيد، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا رَضِي الله عَن العَبْد أثنى عَلَيْهِ سَبْعَة أَضْعَاف من الْخَيْر لم يعملها. وَقَالَ فِي السخط مثله ".
الْبَزَّار: حَدثنَا الْحسن بن عَرَفَة، ثَنَا شُجَاع بن الْوَلِيد، ثَنَا هَاشم بن هَاشم، عَن عَامر بن سعد - هُوَ سعد بن أبي وَقاص - عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالنباءة أَو بالنباوة يَقُول: " يُوشك أَن تعرفوا أهل الْجنَّة من أهل النَّار. قَالُوا: يَا رَسُول الله، بِمَ؟ قَالَ: بالثناء الْحسن، وَالثنَاء السيىء ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى عَن سعد إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد.
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، ثَنَا نَافِع بن عمر الجُمَحِي، عَن أُميَّة بن صَفْوَان، عَن أبي بكر بن أبي زُهَيْر، عَن أَبِيه قَالَ: " خَطَبنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالنباءة - أَو بالبناوة والنباوة من الطَّائِف - فَقَالَ: توشكون أَن تعرفوا أهل

(3/290)


الْجنَّة من أهل النَّار، أَو شِرَاركُمْ من خياركم. قَالُوا: بِمَ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: بالثناء الْحسن، وبالثناء السَّيئ، أَنْتُم شُهَدَاء الله بَعْضكُم على بعض ".
الْبَزَّار: حَدثنَا الْعَبَّاس بن جَعْفَر، ثَنَا أَبُو ظفر [ثَنَا] سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة، عَن ثَابت، عَن أنس قَالَ: " قيل: يَا رَسُول الله، من أهل الْجنَّة؟ قَالَ: من لَا يَمُوت حَتَّى تملأ مسامعه مِمَّا يحب. قيل: فَمن أهل النَّار؟ قَالَ: من لَا يَمُوت حَتَّى تملأ مسامعه مِمَّا يكره ".
قَالَ: أَبُو بكر الْبَزَّار: وجدته عِنْدِي عَن عَبَّاس، وَلَا نعلم روى هَذَا الحَدِيث عَن أنس إِلَّا ثَابت، وَلَا عَن ثَابت إِلَّا سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة.
قَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار: وثنا عبد الله بن أَحْمد بن شبويه الْمروزِي، ثَنَا عَليّ بن الْحسن بن شَقِيق، ثَنَا الْحُسَيْن بن وَاقد، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة " أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، دلَّنِي على عمل أَدخل بِهِ الْجنَّة. قَالَ: لَا تغْضب. قَالَ: وَأَتَاهُ آخر فَقَالَ: مَتى أعلم أَنِّي مسيء ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلم رَوَاهُ عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة إِلَّا الْحُسَيْن بن وَاقد.
وثنا زُهَيْر بن مُحَمَّد، أَنا عبد الرَّزَّاق، أَنا معمر، عَن مَنْصُور، عَن أبي وَائِل، عَن عبد الله قَالَ: " جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ... . " فَذكره.
وَمن طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة، عَن عَبَّاس بن ذريح، عَن الشّعبِيّ قَالَ: كتب مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان إِلَى عَائِشَة أَن اكتبي إِلَيّ بِشَيْء سمعته من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَكتب إِلَيْهِ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من يعْمل بِغَيْر طَاعَة الله يعود حامده ذاماً ".

(3/291)


بَاب لَا يحتقر أحد من الْمُسلمين
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبيد بن أَسْبَاط بن مُحَمَّد، حَدثنِي أبي، عَن هِشَام بن سعد، عَن زيد بن أسلم، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " [الْمُسلم] أَخُو الْمُسلم لَا يخونه وَلَا يكذبهُ وَلَا يَخْذُلهُ، كل الْمُسلم على الْمُسلم حرَام: عرضه، وَمَاله، وَدَمه، التَّقْوَى هَاهُنَا، بِحَسب امْرِئ من الشَّرّ أَن يحتقر أَخَاهُ الْمُسلم ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
مُسلم: حَدثنَا سُوَيْد بن سعيد، ثَنَا حَفْص بن ميسرَة، عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " رب أَشْعَث مَدْفُوع بالأبواب لَو أقسم على الله - تَعَالَى - لَأَبَره ".
مُسلم: حَدثنَا عبيد الله بن معَاذ الْعَنْبَري، ثَنَا أبي، ثَنَا شُعْبَة، حَدثنِي معبد ابْن خَالِد، أَنه سمع حَارِثَة بن وهب، سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَلا أخْبركُم بِأَهْل الْجنَّة؟ قَالُوا: بلَى. قَالَ: كل ضَعِيف متضعف لَو أقسم على الله لَأَبَره، أَلا أخْبركُم بِأَهْل النَّار؟ قَالُوا: بلَى. قَالَ: كل عتل جواظ مستكبر " وَفِي رِوَايَة أُخْرَى " زنيم مستكبر ".
البُخَارِيّ: حَدثنِي عبد الله بن مُنِير، سمع عبد الله بن بكر السَّهْمِي، ثَنَا حميد، عَن أنس: " أَن الرّبيع عمته كسرت ثنية جَارِيَة، فطلبوا لَهَا الْعَفو (فَأَبَوا)

(3/292)


فعرضوا الْأَرْش فَأَبَوا، فَأتوا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأبوا إِلَّا الْقصاص، فَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْقصاصِ، فَقَالَ أنس بن النَّضر: يَا رَسُول الله، أتكسر ثنية الرّبيع؟ لَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَا تكسر ثنيتها. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يَا أنس، كتاب الله الْقصاص. فَرضِي الْقَوْم فعفوا، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِن من عباد الله من لَو أقسم على الله لَأَبَره ".
مُسلم: حَدثنَا سُوَيْد بن سعيد، عَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه، ثَنَا أَبُو عمرَان الْجونِي، عَن جُنْدُب، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حدث " أَن رجلا قَالَ: [وَالله] لَا يغْفر الله لفُلَان. وَأَن الله - عز وَجل - قَالَ: من ذَا الَّذِي يتألى عَليّ أَلا أَغفر لفُلَان، فَإِنِّي قد غفرت لفُلَان وأحبطت عَمَلك. أَو كَمَا قَالَ ".

بَاب عَلامَة الْوَلِيّ
الْبَزَّار: حَدثنَا عَليّ بن حَرْب، ثَنَا مُحَمَّد بن سَابق، ثَنَا يَعْقُوب بن عبد الله الْأَشْعَرِيّ - وَهُوَ القمي - عَن جَعْفَر بن أبي الْمُغيرَة، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " قَالَ رجل: يَا رَسُول الله، من أَوْلِيَاء الله؟ قَالَ: الَّذين إِذا رُءُوا ذكر الله ".
أرْسلهُ غير ابْن سَابق عَن سعيد، عَن النَّبِي - عَلَيْهِ السَّلَام.

بَاب فراسة الْمُؤمن
قَاسم بن أصبغ قَالَ: ثَنَا أَحْمد بن زُهَيْر، ثَنَا يحيى بن معِين، ثَنَا عبد الله بن صَالح، حَدثنِي مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن رَاشد بن سعد، عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " اتَّقوا فراسة الْمُؤمن؛ فَإِنَّهُ ينظر بِنور الله - عز وَجل ".
وروى أَبُو بكر الْبَزَّار قَالَ: ثَنَا سهل بن بَحر، ثَنَا سعيد بن مُحَمَّد الْجرْمِي،

(3/293)


ثَنَا أَبُو بشر - وَكَانَ ثِقَة - عَن ثَابت، عَن أنس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله تَعَالَى عباداً يعْرفُونَ النَّاس بالتوسم ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلم رَوَاهُ بن ثَابت، عَن أنس إِلَّا أَبُو بشر.
سعيد بن مُحَمَّد هَذَا ثِقَة، وَأَبُو بشر اسْمه بكر بن الحكم المزلق التَّمِيمِي الْيَرْبُوعي، صَاحب الْبَصْرِيّ مَشْهُور.

بَاب
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا يُونُس، ثَنَا عبد الله بن وهب، أَخْبرنِي أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن عبد الله بن عمر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " النَّاس كَالْإِبِلِ الْمِائَة، هَل ترى فِيهَا رَاحِلَة؟ أَو مَتى ترى فِيهَا رَاحِلَة؟ وَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَا نعلم شَيْئا خيرا من مائَة مثله إِلَّا الْمُؤمن ".

بَاب مَا جَاءَ أَنه لَا يدْخل أحدا عمله الْجنَّة
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، ثَنَا أبي، ثَنَا الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قاربوا وسددوا وَاعْلَمُوا أَنه لم ينجو أحد مِنْكُم بِعَمَلِهِ. قَالُوا: يَا رَسُول الله، وَلَا أَنْت؟ قَالَ: وَلَا أَنا إِلَّا أَن يتغمدني الله برحمة مِنْهُ وَفضل ".
زَاد أَبُو بكر الْبَزَّار فِي هَذَا الحَدِيث: " وَلَو أَخَذَنِي أَنا وَعِيسَى بِمَا جنى هَذَانِ لأوثقنا. وَأَشَارَ بالسبابة وَالْوُسْطَى ".
حَدثهُ بِهِ مُحَمَّد بن عبد الْملك بن زَنْجوَيْه، حَدثهُ مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ، حَدثهُ سُفْيَان، عَن الْأَعْمَش بِإِسْنَاد مُسلم - رَحمَه الله.

(3/294)


قَالَ مُسلم: وحَدثني مُحَمَّد بن حَاتِم، ثَنَا بهز، ثَنَا وهيب، ثَنَا مُوسَى بن عقبَة قَالَ: سَمِعت أَبَا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن يحدث، عَن عَائِشَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهَا كَانَت تَقول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " سددوا، وقاربوا، وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لن يدْخل الْجنَّة أحدا عمله. قَالُوا: وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله؟ قَالَ: وَلَا أَنا إِلَّا أَن يتغمدني الله برحمة، وَاعْلَمُوا أَن أحب الْعَمَل إِلَى الله أَدْوَمه وَإِن قل ".
وَلمُسلم فِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث: " لَا يدْخل أحدا مِنْكُم عمله الْجنَّة، وَلَا يجيره من النَّار ". رَوَاهُ من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَرَوَاهُ أَبُو بكر الْبَزَّار من حَدِيث عمرَان الْقطَّان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا قَالَ: " وَلَا يُخرجهُ من النَّار ".
تمّ كتاب التَّوْبَة وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْعَمَل وَالْحَمْد لله. يتلوه كتاب الزّهْد والورع والتوكل وَالرَّقَائِق إِن شَاءَ الله.

(3/295)