الأحكام الشرعية الكبرى

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد نبيك الْكَرِيم
كتاب الزّهْد والورع والتوكل وَالرَّقَائِق

بَاب ذمّ الدُّنْيَا وَجَمعهَا والتنافس فِيهَا وَمَا يحذر من زينتها
مُسلم: حَدثنَا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، ثَنَا سُلَيْمَان - يَعْنِي ابْن بِلَال - عَن جَعْفَر، عَن أَبِيه، عَن جَابر بن عبد الله: " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مر بِالسوقِ دَاخِلا من بعض الْعَالِيَة وَالنَّاس كنفته، فَمر بجدي أسك ميت، فتناوله فَأخذ بأذنه، ثمَّ قَالَ: أَيّكُم يحب أَن هَذَا لَهُ بدرهم؟ فَقَالُوا: مَا نحب أَنه لنا بِشَيْء، وَمَا نصْنَع بِهِ؟ قَالَ: أتحبون أَنه لكم؟ قَالُوا: وَالله لَو كَانَ حَيا كَانَ عَيْبا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أسك، فَكيف وَهُوَ ميت؟ قَالَ: فوَاللَّه للدنيا أَهْون على الله من هَذَا عَلَيْكُم ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا عبد الحميد بن سُلَيْمَان، عَن أبي حَازِم، عَن سهل بن سعد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَو كَانَت الدُّنْيَا تعدل عِنْد الله جنَاح بعوضة مَا سقى مِنْهَا كَافِرًا شربة ".
وَفِي الْبَاب عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث صَحِيح غَرِيب من هَذَا الْوَجْه.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا يحيى بن سعيد، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، ثَنَا قيس بن أبي حَازِم، سَمِعت مستورداً أَخا بني فهر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا مثل مَا يَجْعَل أحدكُم أُصْبُعه فِي اليم، فَلْينْظر بِمَاذَا يرجع ".

(3/296)


قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث (صَحِيح) ، وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد يكنى أَبَا عبد الله، وَأَبُو حَازِم وَالِد قيس اسْمه عبد عَوْف، وَهُوَ من الصَّحَابَة.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن حَاتِم الْمكتب، ثَنَا عَليّ بن ثَابت، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن ثَابت بن ثَوْبَان، سَمِعت عَطاء بن قُرَّة قَالَ: سَمِعت عبد الله بن ضَمرَة قَالَ: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " أَلا إِن الدُّنْيَا ملعونة، مَلْعُون مَا فِيهَا إِلَّا ذكر الله وَمَا وَالَاهُ، وعالم أَو متعلم ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
مُسلم: حَدثنَا عَمْرو بن سَواد العامري، أَنا عبد الله بن وهب، أَخْبرنِي عَمْرو بن الْحَارِث، أَن بكر بن سوَادَة حَدثهُ، أَن يزِيد بن رَبَاح - هُوَ أَبُو فراس مولى عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ - حَدثهُ، عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " إِذا فتحت عَلَيْكُم فَارس وَالروم أَي قوم أَنْتُم؟ قَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: نقُول كَمَا أمرنَا الله. قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَو غير ذَلِك، تتنافسون، ثمَّ تتحاسدون، ثمَّ تتدابرون، ثمَّ تتباغضون - أَو نَحْو ذَلِك - ثمَّ تنطلقون فِي (مسَاكِن) الْمُهَاجِرين، فتجعلون بَعضهم على رِقَاب بعض ".
مُسلم: حَدثنَا حَرْمَلَة بن يحيى، أَنا ابْن وهب، أَخْبرنِي يُونُس، عَن ابْن شهَاب، عَن عُرْوَة بن الزبير، أَن الْمسور بن مخرمَة أخبرهُ، أَن عَمْرو بن عَوْف - وَهُوَ حَلِيف بني عَامر بن لؤَي وَكَانَ شهد بَدْرًا مَعَ رَسُول الله - أخبرهُ " أَن رَسُول

(3/297)


الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعث [أَبَا] عُبَيْدَة بن الْجراح إِلَى الْبَحْرين يَأْتِي بجزيتها، وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ صَالح أهل الْبَحْرين وَأمر عَلَيْهِم الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ، فَقدم أَبُو عُبَيْدَة بِمَال من الْبَحْرين، فَسمِعت الْأَنْصَار بقدوم أبي عُبَيْدَة فوافوا صَلَاة الْفجْر مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَلَمَّا صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انْصَرف، فتعرضوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين رَآهُمْ ثمَّ قَالَ: أظنكم سَمِعْتُمْ أَن أَبَا عُبَيْدَة قدم بِشَيْء من الْبَحْرين؟ فَقَالُوا: أجل يَا رَسُول الله. قَالَ: فأبشروا وأملوا مَا يسركم، فوَاللَّه مَا الْفقر أخْشَى عَلَيْكُم، وَلَكِنِّي أخْشَى علكم أَن تبسط الدُّنْيَا عَلَيْكُم كَمَا بسطت على من كَانَ قبلكُمْ، [فتنافسوها] كَمَا تنافسوها، وتهلككم كَمَا أهلكتهم ".
رَوَاهُ صَالح، عَن الزُّهْرِيّ وَقَالَ: " تلهكم كَمَا ألهتهم "، خرجه مُسلم - رَحمَه الله.
الْبَزَّار: حَدثنَا هِشَام، ثَنَا مُحَمَّد بن عِيسَى بن شميع، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَان الْأَفْطَس، عَن الْوَلِيد بن عبد الرَّحْمَن الجرشِي، عَن جُبَير بن نفير، عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: " خرج علينا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَنحن نذْكر الْفقر ونتخوفه، فَقَالَ: الْفقر تخافون؟ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتصبن عَلَيْكُم الدُّنْيَا صبا حَتَّى لَا ترفع، وَايْم الله، لأتركنكم على مثل الْبَيْضَاء لَيْلهَا ونهارها سَوَاء ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى عَن رَسُول الله
إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَإِسْنَاده حسن.
مُسلم: حَدثنَا أَبُو كَامِل، ثَنَا يزِيد بن زُرَيْع، ثَنَا التَّيْمِيّ، عَن أبي عُثْمَان،

(3/298)


عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قُمْت على بَاب الْجنَّة فَإِذا عَامَّة من دَخلهَا الْمَسَاكِين، وَإِذا أَصْحَاب الْجد محبوسون إِلَّا أَصْحَاب النَّار فقد أَمر بهم إِلَى النَّار، وَقمت على بَاب النَّار فَإِذا عَامَّة من دَخلهَا النِّسَاء ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد، ثَنَا هِشَام - هُوَ ابْن يُوسُف - أَنا معمر، عَن الزُّهْرِيّ، أَخْبَرتنِي هِنْد بنت الْحَارِث، عَن أم سَلمَة قَالَت: " اسْتَيْقَظَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من اللَّيْل وَهُوَ يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله، مَاذَا أنزل اللَّيْلَة من الْفِتْنَة! مَاذَا أنزل من الخزائن! من يوقظ صَوَاحِب الحجرات؟ كم من كاسية فِي الدُّنْيَا عَارِية يَوْم الْقِيَامَة ".
قَالَ الزُّهْرِيّ: وَكَانَت هِنْد لَهَا (إِزَار) فِي كميها بَين أصابعها.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا اللَّيْث، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي الْوَلِيد قَالَ: سَمِعت خَوْلَة بنت قيس - وَكَانَت تَحت حَمْزَة بن عبد الْمطلب - تَقول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن هَذَا المَال خضرَة حلوة، من أَصَابَهُ بِحقِّهِ بورك لَهُ فِيهِ، وَرب متخوض فِيمَا شَاءَت بِهِ نَفسه من مَال الله وَرَسُوله، لَيْسَ لَهُ يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا النَّار ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَأَبُو الْوَلِيد اسْمه عبيد الله سَنُوطا.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، ثَنَا الْحسن بن سوار، ثَنَا لَيْث بن سعد، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير حَدثهُ، عَن أَبِيه، عَن

(3/299)


كَعْب بن عِيَاض قَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن لكل أمة فتْنَة، وفتنة أمتِي المَال ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، إِنَّمَا نعرفه من حَدِيث مُعَاوِيَة بن صَالح.
الْبَزَّار: حَدثنَا أَحْمد بن يحيى بن الْمُنْذر، ثَنَا أبي، ثَنَا عبد الله بن الْأَجْلَح، عَن الْأَعْمَش، عَن يحيى بن وثاب، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله بن مَسْعُود " أَنه كَانَ يُعْطي النَّاس عطاياهم، فجَاء رجل، فَأعْطَاهُ ألف دِرْهَم ثمَّ قَالَ: خُذْهَا، فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: إِنَّمَا أهلك من كَانَ قبلكُمْ الدِّينَار وَالدِّرْهَم، وهما مهلكاكم ".
وثنا أَحْمد بن يحيى الصُّوفِي، ثَنَا يحيى بن الْمُنْذر بِإِسْنَادِهِ نَحوه.
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى عَن عبد الله عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.

بَاب ذمّ الرَّغْبَة فِي المَال والحض على الزّهْد فِيهِ
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى وَسَعِيد بن مَنْصُور وقتيبة بن سعيد، قَالَ يحيى: أخبرنَا، وَقَالَ الْآخرَانِ: ثَنَا أَبُو عوَانَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَو كَانَ لِابْنِ آدم واديان من مَال لابتغى وَاديا ثَالِثا، وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب، وَيَتُوب الله على من تَابَ ".
قَالَ مُسلم: وحَدثني حَرْمَلَة بن يحيى، أخبرنَا ابْن وهب، أَخْبرنِي يُونُس، عَن ابْن شهَاب، عَن أنس بن مَالك، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " لَو كَانَ لِابْنِ آدم وَاد من ذهب أحب أَن لَهُ وَاديا آخر، وَلنْ يمْلَأ فَاه إِلَّا التُّرَاب، وَالله يَتُوب على من تَابَ ".

(3/300)


قَالَ: وحَدثني زُهَيْر بن حَرْب وَهَارُون بن عبد الله قَالَا: ثَنَا حجاج بن مُحَمَّد، عَن ابْن جريج قَالَ: سَمِعت عَطاء يَقُول: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَو أَن لِابْنِ آدم ملْء وَاد مَالا لأحب أَن يكون إِلَيْهِ مثله، وَلَا يمْلَأ نفس ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب، وَالله يَتُوب على من تَابَ ".
قَالَ: وحَدثني سُوَيْد بن سعيد، ثَنَا عَليّ بن مسْهر، عَن دَاوُد، عَن أبي حَرْب بن أبي الْأسود، عَن أَبِيه قَالَ: " بعث أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ إِلَى قراء أهل الْبَصْرَة، فَدخل عَلَيْهِ ثَلَاثمِائَة رجل قد قرءوا الْقُرْآن، فَقَالَ: أَنْتُم خِيَار أهل الْبَصْرَة وقراؤهم، فاتلوه وَلَا يطولن عَلَيْكُم الأمد فتقسوا قُلُوبكُمْ كَمَا قست قُلُوب من كَانَ قبلكُمْ، وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأ سُورَة [كُنَّا] نشبهها فِي الطول والشدة بِبَرَاءَة، فأنسيتها غير أَنِّي قد حفظت مِنْهَا: لَو كَانَ لِابْنِ آدم واديان من مَال، لابتغى وَاديا ثَالِثا، وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب. وَكُنَّا نَقْرَأ سُورَة [كُنَّا] نشبهها بِإِحْدَى المسبحات، فأنسيتها غير أَنِّي حفظت مِنْهَا: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، فتكتب شَهَادَة فِي أَعْنَاقكُم، فتسألون عَنْهَا يَوْم الْقِيَامَة ".
مُسلم: حَدثنِي أَبُو الطَّاهِر وحرملة قَالَا: أَنا ابْن وهب، عَن أنس، عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قلب الشَّيْخ شَاب على حب اثْنَتَيْنِ: طول الْحَيَاة، وَحب المَال ". .
البُخَارِيّ حَدثنَا الْحسن بن الرّبيع، ثَنَا أَبُو الْأَحْوَص، عَن الْأَعْمَش،
عَن زيد بن وهب قَالَ: قَالَ أَبُو ذَر: " كنت أَمْشِي مَعَ رَسُول الله
فِي حرَّة الْمَدِينَة، فَاسْتَقْبلهَا أحدا فَقَالَ: يَا أَبَا ذَر. فَقلت: لبيْك يَا رَسُول الله. قَالَ: مَا

(3/301)


يسرني أَن عِنْدِي مثل أحد ذَهَبا تمْضِي عَليّ ثَالِثَة وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَار إِلَّا شَيْء أرصده لديني، إِلَّا أَن أَقُول بِهِ فِي عباد الله هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا. عَن يَمِينه، وَعَن وشماله، وَمن خَلفه، ثمَّ قَالَ: إِن الْأَكْثَرين هم الأقلون يَوْم الْقِيَامَة، إِلَّا من قَالَ [هَكَذَا وَهَكَذَا] وَهَكَذَا. عَن يَمِينه، وَعَن شِمَاله، وَمن خلقه، وَقَلِيل مَا هم ". وَذكر الحَدِيث.
وروى سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي مُسْنده: عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة " أَن ذَهَبا كَانَت أَتَت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فتعار من اللَّيْل، وَهِي أَكثر من السِّتَّة وَأَقل من التِّسْعَة، فَلم تصبح حَتَّى قسمهَا ثمَّ قَالَ: مَا ظن مُحَمَّد بربه لَو مَاتَ وَهِي عِنْده ".
مُسلم: حَدثنَا وَاصل بن عبد الْأَعْلَى وَأَبُو كريب وَمُحَمّد بن يزِيد الرِّفَاعِي - وَاللَّفْظ لواصل - قَالُوا: ثَنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل، عَن أَبِيه، عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تخرج الأَرْض أفلاذ كَبِدهَا أَمْثَال الأسطوان من الذَّهَب وَالْفِضَّة، فَيَجِيء الْقَاتِل فَيَقُول: فِي هَذَا قتلت. وَيَجِيء الْقَاطِع فَيَقُول: فِي هَذَا قطعت رحمي. وَيَجِيء السَّارِق فَيَقُول: فِي هَذَا قطعت يَدي. ثمَّ يَدعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئا ".

بَاب قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " تعس عبد الدِّينَار وَالدِّرْهَم
البُخَارِيّ: حَدثنَا يحيى بن يُوسُف، ثَنَا أَبُو بكر، عَن أبي حُصَيْن، عَن

(3/302)


أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " تعس عبد الدِّينَار وَالدِّرْهَم، والقطيفة والخميصة، إِن أعطي رَضِي، وَإِن لم يُعْط لم يرض ". لم يرفعهُ إِسْرَائِيل وَمُحَمّد بن جحادة [عَن أبي حُصَيْن] .
وَزَاد عَمْرو - يَعْنِي: ابْن مَرْزُوق - ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار، عَن أَبِيه، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " تعس عبد الدِّينَار، وَعبد الدِّرْهَم، وَعبد الخميصة، إِن أعطي رَضِي، وَإِن لم يُعْط سخط، تعس وانتكس، وَإِذا شيك فَلَا انتقش، طُوبَى لعبد أَخذ بعنان فرسه فِي سَبِيل الله، أَشْعَث رَأسه، مغبرة قدماه، إِن كَانَ فِي الحراسة كَانَ فِي الحراسة، وَإِن كَانَ فِي السَّاقَة كَانَ فِي السَّاقَة، إِن اسْتَأْذن لم يُؤذن لَهُ، وَإِن شفع لم يشفع لَهُ ".

بَاب المكثرون هم المقلون
البُخَارِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا جرير، عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، عَن زيد بن وهب، عَن أبي ذَر قَالَ: " خرجت لَيْلَة من اللَّيَالِي، فَإِذا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمشي وَحده لَيْسَ مَعَه إِنْسَان، قَالَ: فَظَنَنْت أَنه يكره أَن يمشي مَعَه أحد، قَالَ: فَجعلت أَمْشِي فِي ظلّ الْقَمَر، فَالْتَفت فرآني، فَقَالَ: من هَذَا؟ قلت: أَبُو ذَر، جعلني الله فدَاك. قَالَ: يَا أَبَا ذَر، (تعاله) . قَالَ: فمشيت مَعَه سَاعَة، فَقَالَ: إِن المكثرين هم المقلون يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا من أعطَاهُ الله خيرا فَنفخ فِيهِ يَمِينه وشماله وَبَين يَدَيْهِ ووراءه، وَعمل فِيهِ خيرا ... " وَذكر بَاقِي الحَدِيث.

(3/303)


بَاب مَا جَاءَ فِي المَال الْحَرَام
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: ثَنَا ابْن نمير، ثَنَا أبان بن إِسْحَاق، عَن الصَّباح بن مُحَمَّد الأحمسي، عَن مرّة الْهَمدَانِي، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله قسم بَيْنكُم أخلاقكم كَمَا قسم بَيْنكُم أرزاقكم، وَإِن الله يُعْطي الدُّنْيَا من يحب وَمن لَا يحب، وَلَا يُعْطي الدَّين إِلَّا من يحب، فَمن أعطَاهُ الله الدَّين فقد أحبه، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يسلم عبد حَتَّى يسلم قلبه وَلسَانه، وَلَا يُؤمن حَتَّى يُؤمن جَاره بوائقه. قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُول الله، وَمَا بوائقه؟ قَالَ: غشمه وظلمه. قَالَ: وَلَا يكْسب عبد مَالا حَرَامًا فيبارك لَهُ فِيهِ، وَلَا يتَصَدَّق بِهِ فَيقبل مِنْهُ، وَلَا يتْركهُ خلف ظَهره إِلَّا راده الله إِلَى النَّار، إِن الله - تبَارك وَتَعَالَى - لَا يمحو السَّيئ بالسيئ، وَلَكِن يمحو السَّيئ بالْحسنِ، إِن الْخَبيث لَا يمحو الْخَبيث ".
ذكر البُخَارِيّ فِي " تَارِيخه " صباح بن مُحَمَّد بِبَعْض هَذَا الحَدِيث وَقَالَ: قَالَ الثَّوْريّ: عَن زبيد، عَن مرّة، عَن عبد الله وَلم يرفعهُ. وزبيد حَافظ، وَقَالَ: سمع صباح مرّة، وَأَبَان سمع صباحاً. وَأَبَان هَذَا روى عَنهُ ابْن نمير ويعلى ومروان بن مُعَاوِيَة.
الْبَزَّار: حَدثنَا أَحْمد بن إِسْحَاق الْأَهْوَازِي، ثَنَا مُحَمَّد بن الصَّلْت، ثَنَا قيس، عَن أبي حُصَيْن، عَن يحيى بن وثاب، عَن مَسْرُوق، عَن عبد الله رَفعه قَالَ: " إِن الْخَبيث لَا يكفر الْخَبيث، وَلَكِن الطّيب يكفر الْخَبيث ".
وحدثناه إِبْرَاهِيم بن بسطَام، ثَنَا أَبُو دَاوُد، ثَنَا قيس بِإِسْنَادِهِ.
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى عَن عبد الله إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد.

(3/304)


بَاب مَا جَاءَ إِن العَبْد
يسْأَل يَوْم الْقِيَامَة عَن مَاله من أَيْن كَسبه
قَاسم بن أصبغ: أخبرنَا مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة، ثَنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد، ثَنَا أَبُو كريب، ثَنَا يحيى بن آدم، ثَنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش، عَن الْأَعْمَش، عَن سعيد بن عبد الله، عَن أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تَزُول قدما عبد يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يسْأَل عَن أَربع: عَن عمره فِيمَا أفناه، وَعَن جسده فِيمَا أبلاه، وَعَن علمه مَا عمل فِيهِ، وَعَن مَاله من أَيْن كَسبه وَفِيمَا أنفقهُ ".
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح.

بَاب فضل المَال لمن أَخذه بِحقِّهِ وأنفقه فِي حَقه
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل، حَدثنِي مَالك، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء ابْن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن أَكثر مَا يخَاف عَلَيْكُم مَا يخرج الله لكم من بَرَكَات الأَرْض. قيل: مَا بَرَكَات الأَرْض؟ قَالَ: زهرَة الدُّنْيَا. فَقَالَ لَهُ رجل: هَل يَأْتِي الْخَيْر بِالشَّرِّ؟ فَصمت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى ظَنَنْت أَنه ينزل عَلَيْهِ، ثمَّ جعل يمسح عَن جَبينه، فَقَالَ: أَيْن السَّائِل؟ قَالَ: أَنا. قَالَ أَبُو سعيد: لقد حمدناه حِين طلع ذَلِك. قَالَ: لَا يَأْتِي الْخَيْر إِلَّا بِالْخَيرِ، إِن هَذَا المَال خضرَة حلوة، وَإِن كل مَا أنبت الرّبيع يقتل حَبطًا أَو يلم إِلَّا آكِلَة الخضرة أكلت حَتَّى إِذا امتدت خاصرتاها، اسْتقْبلت الشَّمْس فاجترت، وثلطت، وبالت، ثمَّ عَادَتْ فَأكلت، وَإِن هَذَا المَال حلوة فَمن أَخذه بِحقِّهِ، وو ضَعْهُ فِي حَقه، فَنعم المعونة هُوَ، وَمن أَخذه بِغَيْر حَقه كَانَ كَالَّذي يَأْكُل وَلَا يشْبع ".
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا وَكِيع، عَن مُوسَى بن عَليّ، عَن أمه قَالَ:

(3/305)


سَمِعت عَمْرو بن الْعَاصِ يَقُول: قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اشْدُد عَلَيْك سِلَاحك وثيابك. فَفعلت ثمَّ أَتَيْته، فَوَجَدته يتَوَضَّأ فَرفع رَأسه، فَصَعدَ فِي الْبَصَر وَصَوَّبَهُ، ثمَّ قَالَ: يَا عَمْرو، إِنِّي أُرِيد أَن أَبْعَثك وَجها، فيسلمك الله ويغنمك، وأزعب لَك زعبة من المَال صَالِحَة. قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي لم أسلم رَغْبَة فِي المَال، إِنَّمَا أسلمت رَغْبَة فِي الْجِهَاد والكينونة مَعَك. قَالَ: يَا عَمْرو، نعما بِالْمَالِ الصَّالح للمرء الصَّالح ".

بَاب مَا جَاءَ أَن الْغنى غنى النَّفس
مُسلم: حَدثنَا زُهَيْر بن حَرْب وَابْن نمير قَالَا: ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ الْغنى عَن كَثْرَة الْعرض، وَلَكِن الْغنى غنى النَّفس ".

بَاب مَا جَاءَ فِيمَن كَانَت همته الدُّنْيَا
أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: حَدثنَا شُعْبَة، عَن عمر بن سُلَيْمَان، عَن عبد الرَّحْمَن ابْن أبان، عَن أَبِيه، عَن زيد بن ثَابت قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من كَانَت نِيَّته الدُّنْيَا فرق الله عَلَيْهِ أمره، وَجعل فقره بَين عَيْنَيْهِ، وَلم يَأْته من الدُّنْيَا إِلَّا مَا كتب لَهُ، وَمن كَانَت الْآخِرَة نِيَّته جعل الله غناهُ فِي قلبه، وَجمع لَهُ أمره، وأتته الدُّنْيَا وَهِي راغمة ".
عبد الرَّحْمَن بن أبان روى عَنهُ أَبُو بكر بن عَمْرو بن [حزم] وَعمر بن سُلَيْمَان ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَليّ بن خشرم، أَنا عِيسَى بن يُونُس، عَن عمرَان بن زَائِدَة بن نشيط، عَن أَبِيه، عَن أبي خَالِد الْوَالِبِي، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي

(3/306)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الله يَقُول: يَا ابْن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وَأسد فقرك، وَإِلَّا تفعل مَلَأت يدك شغلاً وَلم أَسد فقرك ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وَأَبُو خَالِد الْوَالِبِي اسْمه هُرْمُز.

بَاب التبلغ باليسير من الدُّنْيَا والزهد فِيهَا وَالرَّغْبَة عَنْهَا
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن حبيب، ثَنَا الْمُعْتَمِر، سَمِعت إِسْمَاعِيل، عَن قيس، عِنْد سعد
وحَدثني مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، ثَنَا أبي وَابْن بشر قَالَا: ثَنَا إِسْمَاعِيل، عَن قيس قَالَ: سَمِعت سعد بن أبي وَقاص يَقُول: " وَالله إِنِّي لأوّل رجل من الْعَرَب رمى بِسَهْم فِي سَبِيل الله، وَلَقَد كُنَّا نغزو مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، مَا لنا طَعَام نأكله إِلَّا ورق الحبلة وَهَذَا السمر، حَتَّى إِن أَحَدنَا ليضع كَمَا تضع الشَّاة، ثمَّ أَصبَحت بنوة أَسد تعزرني على الدَّين، لقد خبت إِذا وضل عَمَلي ".
مُسلم: حَدثنَا شَيبَان بن فروخ، ثَنَا سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة، ثَنَا حميد بن هِلَال، عَن خَالِد بن عُمَيْر الْعَدوي قَالَ: " خَطَبنَا عتبَة بن غَزوَان فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: أما بعد، فَإِن الدُّنْيَا قد وصلت، [آذَنت بِصرْم وَوَلَّتْ] حذاء، وَلم يبْق مِنْهَا إِلَّا صبَابَة كَصُبَابَةِ الْإِنَاء يصابها صَاحبهَا، وَإِنَّكُمْ منتقلون مِنْهَا إِلَى دَار لَا زَوَال لَهَا، فانتقلوا بِخَير مَا بحضرتكم، فَإِنَّهُ قد ذكر لنا أَن الْحجر يلقى من شَفير جَهَنَّم فَيهْوِي فِيهَا سبعين عَاما لَا يدْرك لَهَا قعراً، وَالله لتملأن، أفعجبتم، وَلَقَد

(3/307)


ذكر لنا أَن مَا بَين مصراعين من مصاريع الْجنَّة أَرْبَعِينَ سنة، وليأتين عَلَيْهَا يَوْم وَهُوَ كظيظ من الزحام، وَلَقَد رَأَيْتنِي سَابِع سَبْعَة مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا لنا طَعَام إِلَّا ورق الشّجر، [حَتَّى قرحت أشداقنا] فالتقطت بردة فشققتها بيني وَبَين سعد بن مَالك فاتزرت بِنِصْفِهَا واتزر سعد بِنِصْفِهَا فَمَا أصبح الْيَوْم منا أحد إِلَّا أصبح أَمِيرا على مصر من الْأَمْصَار، وَإِنِّي أعوذ بِاللَّه أَن أكون فِي نَفسِي عَظِيما وَعند الله صَغِيرا، وَإِنَّهَا لم تكن نبوة قطّ إِلَّا تناسخت حَتَّى يكون آخر عَاقبَتهَا ملكا، فستخبرون وتجربون الْأُمَرَاء بَعدنَا ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا الْعَبَّاس الدوري، ثَنَا عبد الله بن يزِيد، ثَنَا حَيْوَة بن شُرَيْح، أَخْبرنِي أَو هَانِئ الْخَولَانِيّ، أَن أَبَا عَليّ عَمْرو بن مَالك الْجَنبي أخبرهُ، عَن فضَالة بن عبيد " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا صلى بِالنَّاسِ يخر رجال من قاماتهم فِي الصَّلَاة من الْخَصَاصَة، وهم أَصْحَاب الصّفة حَتَّى يَقُول الْأَعْرَاب: هَؤُلَاءِ مجانين أَو مجانون، فَإِذا صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انْصَرف إِلَيْهِم فَقَالَ: لَو تعلمُونَ مَا لكم عِنْد الله لأحببتم أَن تزدادوا فاقة وحاجة. قَالَ فضَالة: وَأَنا يَوْمئِذٍ مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث صَحِيح.
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: عَن الْحسن بن مُوسَى الأشيب، ثَنَا شَيبَان بن عبد الرَّحْمَن، عَن قَتَادَة، عَن خُلَيْد بن عبد الله العصري، عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا طلعت شمس قطّ إِلَّا بعث بجنبتيها ملكان يناديان - إنَّهُمَا ليسمعان من على الأَرْض غير الثقلَيْن -: يَا أَيهَا النَّاس، هلموا إِلَى ربكُم، فَإِن مَا قل وَكفى خير مِمَّا كثر وألهى، وَلَا آبت شمس إِلَّا بعث بجنبتيها ملكان يناديان: اللَّهُمَّ أعْط منفقاً خلفا، وَأعْطِ ممسكاً تلفاً ".

(3/308)


التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث، ثَنَا حريت بن السَّائِب قَالَ: سَمِعت الْحسن يَقُول: حَدثنِي حمْرَان، عَن عُثْمَان بن عَفَّان، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ لِابْنِ آدم حق فِي سوى هَذِه الْخِصَال: بَيت يسكنهُ، وثوب يواري عَوْرَته، وجلف الْخبز وَالْمَاء ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وجلف الْخبز يَعْنِي: لَيْسَ مَعَه إدام. حَكَاهُ عَن النَّضر بن شُمَيْل.
روى هَذَا الحَدِيث أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن حُرَيْث بِإِسْنَاد أبي عِيسَى وَقَالَ: " وَالْمَاء العذب ".
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق وَابْن أبي دَاوُد قَالَا: ثَنَا أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، ثَنَا حشرج بن نباتة، ثَنَا أَبُو نصيرة، عَن أبي عسيب قَالَ: " خرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلًا فَمر بِأبي بكر - رَضِي الله عَنهُ - فَدَعَاهُ فَخرج إِلَيْهِ، ثمَّ مر بعمر - رَضِي الله عَنهُ - فَدَعَاهُ فَخرج، ثمَّ أَنطلق يمشي وَنحن مَعَه حَتَّى دخل بعض حَوَائِط الْأَنْصَار، فَقَالَ: أطعمنَا بسراً. فَأَتَاهُم بعذق فَأَكَلُوا مِنْهُ، وأتاهم بِمَاء فَشَرِبُوا، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: هَذَا من النَّعيم الَّذِي تسْأَلُون عَنهُ. فَقَالَ عمر: إِنَّا لمسئولون عَن هَذَا يَوْم الْقِيَامَة؟ قَالَ: نعم إِلَّا من ثَلَاث: كسرة يسد بهَا الرجل جوعه، وخرقة يواري بهَا عَوْرَته، وجحر يدْخل فِيهِ من الْحر وَالْبرد ".
أَبُو نصيرة اسْمه مُسلم بن عبد، وَثَّقَهُ أَحْمد بن حَنْبَل، وَقَالَ يحيى بن معِين فِيهِ: صَالح. وحشرج وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَقَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَأَبُو عسيب هُوَ مولى لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمُقْرِئ، عَن سعيد بن أبي أَيُّوب، حَدثنِي شُرَحْبِيل - وَهُوَ ابْن شريك - عَن أبي عبد الرَّحْمَن

(3/309)


الحبلي، عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " قد أَفْلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بِمَا آتَاهُ ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا الْعَبَّاس الدوري، ثَنَا عبد الله بن يزِيد، أخبرنَا حَيْوَة بن شُرَيْح، أَخْبرنِي أَبُو هَانِئ، أَن أَبَا عَليّ عَمْرو بن مَالك الْجَنبي أخبرهُ، عَن فضَالة ابْن عبيد أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " طُوبَى لمن هدي لِلْإِسْلَامِ، وَكَانَ عيشه كفافاً وقنع ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا عمر بن يُونُس - هُوَ اليمامي - ثَنَا عِكْرِمَة بن عمار، ثَنَا شَدَّاد بن عبد الله قَالَ: سَمِعت أَبَا أُمَامَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا ابْن آدم، إِنَّك إِن تبذل الْفضل خير لَك، وَإِن تمسكه شَرّ لَك، وَلَا تلام على كفاف، وأبداً بِمن تعول، وَالْيَد الْعليا خير من السُّفْلى ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث (صَحِيح) وَشَدَّاد يكنى أَبَا [عمار] .
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَمْرو بن مَالك ومحمود بن خِدَاش قَالَا: ثَنَا مَرْوَان بن مُعَاوِيَة، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي شميلة الْأنْصَارِيّ، عَن سَلمَة بن عبيد الله بن مُحصن الخطمي، عَن أَبِيه - وَكَانَت لَهُ صُحْبَة - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من اصبح مِنْكُم آمنا فِي سربه، معافى فِي جسده، عِنْده قوت يَوْمه - فَكَأَنَّمَا حيزت لَهُ الدُّنْيَا ".

(3/310)


قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث مَرْوَان ابْن مُعَاوِيَة.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُوَيْد بن نصر، أَنا عبد الله بن الْمُبَارك، أخبرنَا إِسْمَاعِيل ابْن عَيَّاش، حَدثنِي أَبُو سَلمَة الْحِمصِي وحبِيب بن صَالح، عَن يحيى بن جَابر الطَّائِي، عَن مِقْدَام بن معدي كرب قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " مَا مَلأ آدَمِيّ وعَاء شرا من بطن، بِحَسب ابْن آدم أكلات يقمن صلبه، فَإِن كَانَ لَا محَالة فثلث لطعامه، وَثلث لشرابه، وَثلث لنَفسِهِ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
الْبَزَّار: حَدثنَا أَبُو كريب، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن إِسْمَاعِيل، عَن قيس - هُوَ ابْن أبي حَازِم - قَالَ: " دَخَلنَا على خباب وَقد اكتوى، فَقَالَ: لَوْلَا أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَانَا أَن نَدْعُو بِالْمَوْتِ، لَدَعَوْت بِهِ، قَالَ: وَسمعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: إِن الْمُؤمن يُؤجر فِي كل شَيْء إِلَّا الْبناء فِي هَذَا التُّرَاب ".
تفرد بِرَفْعِهِ أَبُو مُعَاوِيَة: عَن إِسْمَاعِيل، عَن قيس.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: عَن عَليّ بن حجر، عَن شريك، عَن أبي إِسْحَاق، عَن حَارِثَة بن مضرب، عَن خباب، وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح.
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: عَن الْفضل بن دُكَيْن، عَن زُهَيْر، عَن عُثْمَان بن حَكِيم، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن حَاطِب، عَن أبي طَلْحَة الْأَسدي، عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَلا أَن كل بِنَاء يبْنى وبال على صَاحبه يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا مَا - يَعْنِي - لَا بُد مِنْهُ ".

(3/311)


أَبُو بكر بن أبي شيبَة: عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو، عَن يحيى بن جعدة قَالَ: " عَاد نَاس من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خباباً، فَقَالُوا: أبشر أَبَا عبد الله ترد على مُحَمَّد الْحَوْض. فَقَالَ: كَيفَ بِهَذَا وَهَذَا أَسْفَل الْبَيْت وَأَعلاهُ، وَقد قَالَ لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِنَّمَا يَكْفِي أحدكُم من الدُّنْيَا كَقدْر زَاد الرَّاكِب ".
النَّسَائِيّ: أَخْبرنِي مُحَمَّد بن قدامَة، عَن جرير، عَن مَنْصُور، عَن أبي وَائِل، عَن سَمُرَة بن سهم - رجل من قومه - قَالَ: " نزلت على أبي هَاشم بن عتبَة وَهُوَ طعين، فَأَتَاهُ مُعَاوِيَة يعودهُ، فَبكى أَبُو هَاشم، قَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: مَا يبكيك يَا خَالِي؟ أوجع يشئزك أَن على الدُّنْيَا فقد ذهب صفوها؟ قَالَ: كل لَا، وَلَكِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عهدا إِلَيّ عهدا وددت أَنِّي كنت تَبعته، قَالَ: إِنَّك لَعَلَّك أَن تدْرك أَمْوَالًا تقسم بَين أَقوام، فَإِنَّمَا يَكْفِيك من ذَلِك خَادِم ومركب فِي سَبِيل الله، فأدركت فَجمعت ".
النَّسَائِيّ: أخبرنَا أَبُو دَاوُد، ثَنَا عَفَّان بن مُسلم، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن سعيد الْجريرِي، عَن أبي نَضرة، عَن عبد الله بن مولة، عَن بُرَيْدَة الْأَسْلَمِيّ، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يَكْفِي أحدكُم من الدُّنْيَا خَادِم ومركب ".
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَبُو تَوْبَة، ثَنَا مُعَاوِيَة - يَعْنِي ابْن سَلام - عَن زيد، أَنه سمع أَبَا سَلام، حَدثنِي عبد الله الْهَوْزَنِي قَالَ: " لقِيت بِلَالًا مُؤذن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بحلب، فَقلت: يَا بِلَال، حَدثنِي كَيفَ كَانَت نَفَقَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ قَالَ: مَا كَانَ لَهُ شَيْء، كنت أَنا الَّذِي أَلِي ذَاك مِنْهُ مُنْذُ بَعثه الله - عز وَجل - حَتَّى توفّي، وَكَانَ إِذا أَتَاهُ الْإِنْسَان مُسلما يرَاهُ عَارِيا، يَأْمُرنِي فأنطلق فأستقرض فأشتري لَهُ الْبردَة،

(3/312)


فأكسوه وأطعمه حَتَّى اعترضني رجل من الْمُشْركين فَقَالَ: يَا بِلَال، إِن عِنْدِي سَعَة فَلَا تستقرض من أحد إِلَّا مني. فَفعلت، فَلَمَّا أَن كَانَ ذَات يَوْم تَوَضَّأت ثمَّ قُمْت لأؤذن بِالصَّلَاةِ، فَإِن الْمُشرك قد أقبل فِي عِصَابَة من التُّجَّار، فَلَمَّا رأني قَالَ: يَا حبشِي. قلت: يالباه. فتجهمني وَقَالَ لي قولا غليظاً، وَقَالَ لي: تَدْرِي كم بَيْنك وَبَين الشَّهْر؟ قَالَ: قلت: قريب. قَالَ: إِنَّمَا بَيْنك وَبَينه أَربع فآخذك بِالَّذِي عَلَيْك، فأردك ترعى الْغنم كَمَا كنت قبل ذَلِك. فَأخذ فِي نَفسِي مَا يَأْخُذ فِي أنفس النَّاس، حَتَّى إِذا صليت الْعَتَمَة، رَجَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى أَهله فاستأذنت عَلَيْهِ، فَأذن لي، قلت: يَا رَسُول الله، بِأبي أَنْت، إِن الْمُشرك الَّذِي كنت أتدين مِنْهُ قَالَ لي كَذَا وَكَذَا، وَلَيْسَ عنْدك مَا تقضي عني، وَلَا عِنْدِي، وَهُوَ فاضحي، فائذن لي أَن آتِي إِلَى بعض هَؤُلَاءِ الْأَحْيَاء الَّذين قد أَسْلمُوا حَتَّى يرْزق الله رَسُوله مَا تقضي عني. فَخرجت حَتَّى أتيت منزلي، فَجعلت سَيفي وجرابي ونعلي ومجني عِنْد رَأْسِي حَتَّى إِذا انْشَقَّ عَمُود الصُّبْح الأول أردْت أَن أَنطلق، فَإِذا إِنْسَان يسْعَى يَدْعُو: يَا بِلَال، أجب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فَانْطَلَقت حَتَّى أَتَيْته، فَإِذا أَربع ركائب مناخات عَلَيْهِنَّ أحمالهن، فاستأذنت فَقَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أبشر فقد جَاءَك الله بِقَضَائِك. ثمَّ قَالَ: ألم تَرَ إِلَى الركائب المناخاة الْأَرْبَع؟ فَقلت: بلَى. فَقَالَ: إِن لَك رقابهن وَمَا عَلَيْهِنَّ، فَإِن عَلَيْهِنَّ كسْوَة وَطَعَامًا أهداهن إِلَيّ عَظِيم فدك، فاقبضهن واقض دينك. فَفعلت ... ". وَذكر الحَدِيث، قَالَ: " ثمَّ انْطَلَقت إِلَى الْمَسْجِد، فَإِذا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَاعد فِي الْمَسْجِد، فَسلمت عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا فعل مَا قبلك؟ قلت: قد قضى الله كل شَيْء كَانَ على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يبْق شَيْء. قَالَ: أفضل شَيْء؟ قَالَ: قلت: نعم. قَالَ: انْظُر أَن تريحني مِنْهُ، فَإِنِّي لست بداخل على أحد من أَهلِي حَتَّى تريحني مِنْهُ. فَلَمَّا صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْعَتَمَة دَعَاني فَقَالَ: مَا فعل الَّذِي قبلك؟ قَالَ: قلت: هُوَ معي لم يأتنا أحد، فَبَاتَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمَسْجِد ... . " وقص الحَدِيث، قَالَ: حَتَّى إِذا صلى الْعَتَمَة - يَعْنِي: من الْغَد - دَعَاني فَقَالَ: مَا فعل الَّذِي قبلك؟ قَالَ: قلت: قد أراحك الله مِنْهُ يَا رَسُول الله. فَكبر وَحمد الله شفقاً من أَن يُدْرِكهُ الْمَوْت وَعِنْده ذَلِك، ثمَّ اتبعته حَتَّى جَاءَ أَزوَاجه، فَسلم على امْرَأَة امْرَأَة حَتَّى أَتَى مبيته. فَهَذَا الَّذِي سَأَلتنِي عَنهُ ".

(3/313)


أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة، ثَنَا ابْن نمير، ثَنَا فُضَيْل بن غَزوَان، عَن نَافِع، عَن عبد الله بن عمر " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَى فَاطِمَة فَوجدَ على بَابهَا سترا، فَلم يدْخل، قَالَ: وقلما كَانَ يدْخل إِلَّا بَدَأَ بهَا، قَالَ: فجَاء عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - فرآها مهتمة، فَقَالَ: مَا لَك؟ قَالَت: جَاءَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَيّ، فَسلم، فَلم يدْخل. فَأَتَاهُ عَليّ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن فَاطِمَة اشْتَدَّ عَلَيْهَا أَنَّك جِئْتهَا فَلم تدخل. قَالَ: مَا أَنا وَالدُّنْيَا، وَمَا أَنا والرقم. فَذهب إِلَى فَاطِمَة، فَأَخْبرهَا بقول رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت: قل لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا يَأْمُرنِي بِهِ. قَالَ: قل لَهَا فلترسل بِهِ إِلَى بني فلَان ".
ثَنَا: وَاصل بن عبد الْأَعْلَى، ثَنَا ابْن الفضيل، عَن أَبِيه بِهَذَا قَالَ: " وَكَانَ سترا موشى ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَبَّاس بن مُحَمَّد الدوري، ثَنَا عبد الله بن يزِيد الْمُقْرِئ، ثَنَا سعيد بن أبي أَيُّوب، عَن أبي مَرْحُوم عبد الرَّحِيم بن مَيْمُون، عَن سهل بن معَاذ بن أنس الْجُهَنِيّ، عَن أَبِيه، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من ترك اللبَاس تواضعاً لله وَهُوَ يقدر، دَعَاهُ الله يَوْم الْقِيَامَة على رُءُوس الْخَلَائق حَتَّى يُخَيّر من أَي حلل الْإِيمَان شَاءَ يلبسهَا ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم، عَن أَبِيه، عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ أَنه قَالَ: " مر رجل على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ لرجل عِنْده، جَالس: مَا رَأْيك فِي هَذَا؟ فَقَالَ: رجل من أَشْرَاف النَّاس، هَذَا وَالله حري إِن خطب أَن ينْكح، وَإِن شفع أَن يشفع. قَالَ: فَسكت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ثمَّ مر رجل فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مَا رَأْيك فِي هَذَا؟ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، هَذَا رجل من فُقَرَاء الْمُسلمين، هَذَا حري إِن خطب أَلا ينْكح، وَإِن شفع أَلا يشفع، وَإِن قَالَ أَلا يسمع

(3/314)


لقَوْله. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: هَذَا خير من ملْء الأَرْض مثل هَذَا ".
الْبَزَّار: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعيد وَزُهَيْر بن مُحَمَّد قَالَا: ثَنَا الرّبيع بن نَافِع، ثَنَا مُحَمَّد بن مهَاجر، عَن الْعَبَّاس بن سَالم، عَن أبي سَلام، عَن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ: رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " حَوْضِي من عدن إِلَى عمان البلقاء، مَاؤُهُ أحلى من الْعَسَل، وَأطيب من الْمسك، وأبيض من اللَّبن، آنيته أَكثر من عدد نُجُوم السَّمَاء، من شرب مِنْهُ شربة لم يظمأ بعْدهَا أبدا. قيل: يَا رَسُول الله، من أول النَّاس وروداً عَلَيْك أَو عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: فُقَرَاء الْمُهَاجِرين، الشعث رُءُوسًا، الدنس ثيابًا، الَّذين لَا ينْكحُونَ [المتنعمات] وَلَا تفتح لَهُم السدود ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِوَجْه من الْوُجُوه، ومتصلاً بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، عَن ثَوْبَان، وَإِسْنَاده حسن.
مُحَمَّد بن مهَاجر ثِقَة، وَالْعَبَّاس بن سَالم لَا بَأْس بِهِ، وَأَبُو سَلام مَشْهُور.
رَوَاهُ أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي " التَّمْهِيد ": ثَنَا إِبْرَاهِيم بن شَاكر، ثَنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عُثْمَان، ثَنَا سعيد بن عُثْمَان، ثَنَا أَحْمد بن صَالح، ثَنَا أَبُو مسْهر، ثَنَا صَدَقَة بن خَالِد، ثَنَا زيد بن وَاقد، ثَنَا أَبُو سَلام، عَن ثَوْبَان مولى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَزَاد فِي آخر الحَدِيث: " الَّذين يُعْطون الْحق الَّذِي عَلَيْهِم، وَلَا يُعْطون كل الَّذِي لَهُم ".

(3/315)


بَاب مَا كَانَ عَيْش النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه وَمَا كَانَ عَلَيْهِ من الصَّبْر
مُسلم: ثَنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَأَبُو كريب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، قَالَ إِسْحَاق: أخبرنَا، وَقَالَ الْآخرَانِ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود، عَن عَائِشَة قَالَت: " مَا شبع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَلَاثَة أَيَّام تباعا من خبز بر حَتَّى مضى لسبيله ".
مُسلم: حَدثنَا زُهَيْر بن حَرْب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، قَالَ إِسْحَاق: أَنا، وَقَالَ زُهَيْر: ثَنَا جرير، عَن مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود، عَن عَائِشَة قَالَت: " مَا شبع آل مُحَمَّد مُنْذُ قدم الْمَدِينَة من طَعَام بر ثَلَاث لَيَال تباعا حَتَّى قبض ".
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى وَابْن بشار قَالَا: ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثَنَا شُعْبَة، عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن يزِيد يحدث، عَن الْأسود، عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: " مَا شبع آل مُحَمَّد من خبز شعير يَوْمَيْنِ مُتَتَابعين حَتَّى قبض رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
البُخَارِيّ: حَدثنِي إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن، ثَنَا إِسْحَاق - هُوَ الْأَزْرَق - عَن مسعر بن كدام، عَن هِلَال [الْوزان، عَن عُرْوَة] ، عَن عَائِشَة قَالَت: " مَا أكل آل مُحَمَّد أكلتين فِي يَوْم إِلَّا إِحْدَاهمَا تمر ".

(3/316)


البُخَارِيّ: حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا هِشَام، عَن قَتَادَة، عَن أنس قَالَ: " وَلَقَد رهن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - درعه بشعير، ومشيت إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِخبْز شعير وإهالة [سنخة] وَلَقَد سمعته يَقُول: مَا أصبح لآل مُحَمَّد إِلَّا صَاع وَلَا أَمْسَى؛ وَإِنَّهُم لتسعة أَبْيَات ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُسلم، ثَنَا وهيب، ثَنَا مَنْصُور، عَن أمه، عَن عَائِشَة: " توفّي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين شبعنا من الأسودين: التَّمْر وَالْمَاء ".
مُسلم: حَدثنِي أَبُو الطَّاهِر وَهَارُون بن سعيد قَالَا: أَنا ابْن وهب قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو صَخْر، عَن يزِيد بن عبد الله بن قسيط، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن عَائِشَة قَالَت: " لقد مَاتَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَا شبع من خبز وزيت فِي يَوْم وَاحِد مرَّتَيْنِ ".
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى التَّمِيمِي، أَنا عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم، عَن أَبِيه، عَن يزِيد بن رُومَان، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت تَقول: " وَالله يَا ابْن أُخْتِي إِنَّا كُنَّا لنَنْظُر إِلَى الْهلَال ثمَّ الْهلَال ثمَّ الْهلَال - ثَلَاثَة أهلة - فِي شَهْرَيْن وَمَا أوقد فِي أَبْيَات رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَار. قلت: يَا خَالَة، فَمَا كَانَت يعيشكم؟ قَالَت: الأسودان: التَّمْر وَالْمَاء، إِلَّا أَنه قد كَانَ لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جيران من الْأَنْصَار وَكَانَت لَهُم منائح، فَكَانُوا يرسلون إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أَلْبَانهَا [فيسقيناه] ".

(3/317)


مُسلم: حَدثنِي مُحَمَّد بن مثنى، ثَنَا عبد الرَّحْمَن، عَن سُفْيَان، عَن مَنْصُور ابْن صَفِيَّة، عَن أمه، عَن عَائِشَة قَالَت: " توفّي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد شبعنا من الأسودين: المَاء وَالتَّمْر ".
مُسلم: وَحدثنَا أَبُو كريب، ثَنَا الْأَشْجَعِيّ، وثنا نصر بن عَليّ، ثَنَا أَبُو أَحْمد، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهَذَا الْإِسْنَاد، غير أَن فِي حَدِيثهمَا عَن سُفْيَان: " وَمَا شبعنا من الأسودين ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا هدبة بن خَالِد، ثَنَا همام بن يحيى، ثَنَا قَتَادَة قَالَ:
كُنَّا نأتي أنس بن مَالك وخبازه قَائِم، قَالَ: كلوا، فَمَا أعلم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رأى رغيفاً مرققاً حَتَّى لحق بِاللَّه، وَلَا رأى شَاة سميطاً بِعَيْنِه قطّ ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، أَنا روح بن عبَادَة، ثَنَا ابْن أبي ذِئْب، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة " أَنه مر بِقوم بَين أَيْديهم شَاة مصلية فَدَعوهُ، فَأبى أَن يَأْكُل وَقَالَ: خرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الدُّنْيَا وَلم يشْبع من خبز الشّعير ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد الله بن مُعَاوِيَة الجُمَحِي، ثَنَا ثَابت بن يزِيد، عَن هِلَال بن خباب، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يبيت اللَّيَالِي المتتابعة طاوياً وَأَهله لَا يَجدونَ عشَاء، وَكَانَ أَكثر خبزهم خبز الشّعير ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.

(3/318)


مُسلم: حَدثنِي حَرْمَلَة بن يحيى التجِيبِي، ثَنَا عبد الله بن وهب، حَدثنِي أُسَامَة، أَن يَعْقُوب بن عبد الله بن أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ حَدثهُ، أَنه سمع أنس بن مَالك يَقُول: " جِئْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمًا، فَوَجَدته جَالِسا مَعَ أَصْحَابه يُحَدِّثهُمْ وَقد عصب بَطْنه بعصابة - قَالَ أُسَامَة: وَأَنا أَشك على حجر - فَقلت لبَعض أَصْحَابه: لم عصب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَطْنه؟ فَقَالُوا: من الْجُوع ... " وَذكر الحَدِيث.
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا وَكِيع، عَن عبد الْوَاحِد بن أَيمن، عَن أَبِيه، عَن جَابر قَالَ: " مكث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه ثَلَاثًا لم يَذُوقُوا طَعَاما حِين حفروا الخَنْدَق، قَالَ جَابر: فَجَاءَت مني التفاتة، فَرَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد شدّ على بَطْنه حجرا ".
أَيمن هَذَا هُوَ الحبشي مولى [ابْن أبي عَمْرو] روى عَن عَائِشَة وَجَابِر [وتبيع] وَهُوَ ثِقَة، روى عَنهُ ابْنه عبد الْوَاحِد وَعَطَاء وَمُجاهد.
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن مثنى وَابْن بشار - وَاللَّفْظ لِابْنِ مثنى - قَالَا: ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثَنَا شُعْبَة، عَن سماك بن حَرْب قَالَ: سَمِعت النُّعْمَان يخْطب قَالَ: " ذكر عمر مَا أصَاب النَّاس من الدُّنْيَا، فَقَالَ: لقد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يظل الْيَوْم يلتوي مَا يجد دقلاً يمْلَأ بِهِ بَطْنه ".
مُسلم: حَدثنَا أَبُو كريب، ثَنَا أَبُو أُسَامَة، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: " توفّي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَا فِي رفي من شَيْء يَأْكُلهُ ذُو كبد إِلَّا

(3/319)


شطر شعير فِي رف لي، فَأكلت مِنْهُ حَتَّى طَال عَليّ، فكلته ففني ".
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، عَن هِشَام، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " قبض رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِن درعه مَرْهُونَة فِي ثَلَاثِينَ صَاعا من شعير أَخذهَا رزقا لِعِيَالِهِ ".
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: عَن وَكِيع، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لقد أوذيت فِي الله، وَمَا يُؤْذى أحد، وَلَقَد أخفت فِي الله، وَمَا يخَاف أحد، وَلَقَد أَتَت عَليّ ثَلَاثَة من بَين يَوْم وَلَيْلَة وَمَا لي ولبلال طَعَام يَأْكُلهُ ذُو كبد إِلَّا مَا واراه إبط بِلَال ".
الْبَزَّار: حَدثنَا هدبة بن خَالِد، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة بِإِسْنَاد أبي بكر وَحَدِيثه وَقَالَ: " ثَلَاثُونَ لَيْلَة ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: من طَرِيق روح بن أسلم، عَن حَمَّاد وَقَالَ: " وَلَقَد أَتَت عَليّ ثَلَاثُونَ بَين يَوْم وَلَيْلَة ... " وَطَرِيق ابْن أبي شيبَة أصح وَأَعْلَى إِسْنَادًا.
وروى التِّرْمِذِيّ قَالَ: ثَنَا عبد بن حميد، أَنا عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثَوْر قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: أَخْبرنِي عمر بن الْخطاب قَالَ: " دخلت على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِذا هُوَ متكئ على رمل حَصِير، فَرَأَيْت أَثَره فِي جنبه ".

(3/320)


قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَفِي الحَدِيث قصَّة طَوِيلَة.
البُخَارِيّ: حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم، ثَنَا أَبُو غَسَّان، حَدثنِي أَبُو حَازِم، أَنه سَأَلَ سهلاً: " هَل رَأَيْتُمْ فِي زمَان رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - النقي؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَقلت: كُنْتُم تنخلون الشّعير؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن كُنَّا ننفخه ".
النَّسَائِيّ: أخبرنَا أَبُو بكر بن نَافِع، أَنا بهز، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، ثَنَا ثَابت، عَن أنس: " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أُتِي بِخبْز شعير عَلَيْهِ عَلَيْهِ إهالة سنخة، فَجعلُوا يَأْكُلُون، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِن الْخَيْر خير الْآخِرَة ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا ابْن أبي عمر، ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو ابْن عَلْقَمَة، عَن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب، عَن عبد الله بن الزبير بن الْعَوام، عَن أَبِيه قَالَ: " لما نزلت: {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ الزبير: يَا رَسُول الله، فَأَي النَّعيم نسْأَل عَنهُ؟ ! وَإِنَّمَا هُوَ الأسودان التَّمْر وَالْمَاء. [قَالَ: أما إِنَّه سَيكون] ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ، ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثَنَا شُعْبَة، عَن عَبَّاس الْجريرِي قَالَ: سَمِعت أَبَا عُثْمَان النَّهْدِيّ يحدث، عَن أبي هُرَيْرَة " أَنه اصابهم جوع، فَأَعْطَاهُمْ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَمْرَة تَمْرَة ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن عُثْمَان الْعقيلِيّ، ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الطفَاوِي،

(3/321)


عَن دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن أبي حَرْب بن أبي الْأسود، عَن طَلْحَة الْبَصْرِيّ قَالَ: " كَانَ أَحَدنَا إِذا قدم الْمَدِينَة فَكَانَ لَهُ عريف نزل على عريفة، وَإِن لم يكن لَهُ عريف نزل الصّفة، فَقدمت الْمَدِينَة وَلم يكن لي عريف، فَنزلت الصّفة، فَوَافَقت رجلَيْنِ، فَكَانَ يجْرِي علينا من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كل يَوْم مد من تمر بَين اثْنَيْنِ، فَنَادَى رجل من أهل الصّفة حِين انْصَرف من صلَاته: أحرق التَّمْر بطوننا، وتحرقت عَنَّا الخنف - والخنف برود تشبه اليمانية - فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَو أجد لكم الْخبز وَاللَّحم، لأطعمتكموه، وَلَكِن لَعَلَّكُمْ تدركون زَمَانا أَو من أدْركهُ مِنْكُم تَغْدُو على أحدكُم وَتَروح الجفان، وتلبسون مثل أَسْتَار الْكَعْبَة ".
طَلْحَة هَذَا هُوَ ابْن عَمْرو، وَيُقَال: ابْن عبد الله، سكن الْبَصْرَة، لم يرو عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا هَذَا الحَدِيث.
البُخَارِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن أبي بكر، ثَنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن دِينَار أَبُو عبد الله الْجُهَنِيّ، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة " أَن النَّاس كَانُوا يَقُولُونَ: أَكثر أَبُو هُرَيْرَة، وَإِنِّي كنت ألزم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لشبع بَطْني حِين لَا آكل الخمير، وَلَا ألبس الْحَرِير، وَلَا يخدمني فلَان وَلَا فُلَانَة، وَكنت ألصق بَطْني بالحصباء من الْجُوع، وَإِن كنت لأستقرئ الرجل الْآيَة هِيَ معي كي يَنْقَلِب بِي فيطعمني، وَكَانَ أخير النَّاس للْمَسَاكِين جَعْفَر بن أبي طَالب، كَانَ يَنْقَلِب بِنَا فيطعمنا مَا كَانَ فِي بَيته حَتَّى إِن كَانَ ليخرج إِلَيْنَا العكة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْء، فيشقها فنلعق مَا فِيهَا ".

(3/322)


مُسلم: حَدثنَا أَبُو عَامر الْأَشْعَرِيّ، ثَنَا أَبُو أُسَامَة، عَن بريد، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى قَالَ: " خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غزَاة وَنحن سِتَّة نفر بَيْننَا بعير نتعقبه، قَالَ: فنقبت أقدامنا، فنقبت قَدَمَايَ، وَسَقَطت أظفاري، فَكُنَّا تلف على أَرْجُلنَا الْخرق، فسميت غَزْوَة ذَات الرّقاع لما كُنَّا نعصب على أَرْجُلنَا من الْخرق ".
قَالَ أَبُو بردة: فَحدث أَبُو مُوسَى بِهَذَا الحَدِيث ثمَّ كره ذَاك، قَالَ: كَأَنَّهُ كره أَن يكون شَيْئا من عمله أفشاه.

بَاب مَا كَانَ يمْتَحن بِهِ الْأَنْبِيَاء والصالحون من الْفقر وَغير ذَلِك
الْبَزَّار: حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ وَمُحَمّد بن معمر قَالَا: ثَنَا أَبُو عَامر عبد الْملك ابْن عَمْرو، ثَنَا هِشَام بن سعد، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ " أَنه دخل على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَوضع يَده عَلَيْهِ وَعَلِيهِ حمى، فَوجدَ حرهَا من فَوق اللحاف، فَقَالَ: مَا أَشدّهَا عَلَيْك يَا رَسُول الله. قَالَ: إِنَّا كَذَلِك يشدد علينا الْبلَاء، ويضاعف لنا الْأجر. قَالَ: يَا رَسُول الله، أَي النَّاس أَشد بلَاء؟ قَالَ: الْأَنْبِيَاء ثمَّ الصالحون، إِن كَانَ أحدهم ليبتلى بالقمل حَتَّى يقْتله، وَإِن كَانَ أحدهم ليفرح بالبلاء كَمَا يفرح أحدكُم بالرخاء ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى عَن أبي سعيد إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد.

بَاب سبق الْفُقَرَاء الْأَغْنِيَاء إِلَى الْجنَّة
مُسلم: حَدثنَا أَبُو الطَّاهِر أَحْمد بن عَمْرو بن سرح، أَنا ابْن وهب، حَدثنِي أَبُو هَانِئ، سمع أَبَا عبد الرَّحْمَن الحبلي يَقُول: سَمِعت عبد الله بن عَمْرو

(3/323)


ابْن الْعَاصِ وَسَأَلَهُ رجل فَقَالَ: " أَلسنا من فُقَرَاء الْمُهَاجِرين؟ فَقَالَ لَهُ عبد الله بن عَمْرو: أَلَك امْرَأَة تأوي إِلَيْهَا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أَلَك مسكن تسكنه؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَأَنت من الْأَغْنِيَاء. قَالَ: فَإِن لي خَادِمًا. قَالَ: فَأَنت من الْمُلُوك ".
قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن: " وَجَاء ثَلَاثَة نفر إِلَى عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَأَنا عِنْده، فَقَالُوا: يَا أَبَا مُحَمَّد، وَالله مَا نقدر على شَيْء لَا نَفَقَة وَلَا دَابَّة وَلَا مَتَاع. فَقَالَ لَهُم: مَا شِئْتُم، إِن شِئْتُم رجعتم إِلَيْنَا، فأعطيناكم مَا يسر الله لكم، وَإِن شِئْتُم ذكرنَا أَمركُم للسُّلْطَان، وَإِن شِئْتُم صَبَرْتُمْ، فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: إِن فُقَرَاء الْمُهَاجِرين يسبقون الْأَغْنِيَاء يَوْم الْقِيَامَة إِلَى الْجنَّة بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا. قَالُوا: فَإنَّا نصبر لَا نسْأَل شَيْئا ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، ثَنَا قبيصَة، ثَنَا سُفْيَان، عَن مُحَمَّد ابْن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يدْخل الْفُقَرَاء الْجنَّة قبل الْأَغْنِيَاء بِخَمْسِمِائَة سنة، نصف يَوْم ".
قَالَ: وَهَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب، ثَنَا الْمحَاربي، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يدْخل فُقَرَاء الْمُسلمين الْجنَّة قبل أغنيائهم بِنصْف يَوْم؛ وَهُوَ خَمْسمِائَة عَام ".
قَالَ: وَهَذَا حَدِيث صَحِيح.

بَاب من سَأَلَ الكفاف من الرزق
مُسلم: حَدثنَا أَبُو سعيد، ثَنَا أَبُو أُسَامَة قَالَ: سَمِعت الْأَعْمَش ذكر عَن عمَارَة بن الْقَعْقَاع، عَن أبي زرْعَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اللَّهُمَّ اجْعَل رزق آل مُحَمَّد كفافاً ".

(3/324)


مُسلم: ثَنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو النَّاقِد وَزُهَيْر بن حَرْب قَالُوا: ثَنَا وَكِيع، ثَنَا الْأَعْمَش، عَن عمَارَة بن الْقَعْقَاع، عَن أبي زرْعَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اللَّهُمَّ اجْعَل رزق آل مُحَمَّد [قوتاً] ".

بَاب قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا تنظروا إِلَى من فَوْقكُم "
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة ووكيع، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " انْظُرُوا إِلَى من أَسْفَل مِنْكُم، وَلَا تنظروا إِلَى من هُوَ فَوْقكُم، فَهُوَ أَجْدَر أَلا تَزْدَرُوا نعْمَة الله ".
قَالَ أَبُو مُعَاوِيَة: " عَلَيْكُم ".
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى التَّمِيمِي وقتيبة بن سعيد، قَالَ قُتَيْبَة، ثَنَا، وَقَالَ يحيى: أخبرنَا الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا نظر أحدكُم إِلَى من فضل عَلَيْهِ فِي المَال والخلق، فَلْينْظر إِلَى من هُوَ أَسْفَل مِنْهُ مِمَّن فضل عَلَيْهِ ".

بَاب مَا لِابْنِ آدم من مَاله
مُسلم: حَدثنَا هداب بن خَالِد، ثَنَا همام، ثَنَا قَتَادَة، عَن مطرف، عَن أَبِيه قَالَ: " أتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يقْرَأ: {أَلْهَاكُم التكاثر ... .} ، قَالَ: يَقُول ابْن

(3/325)


أَدَم: مَالِي مَالِي. وَهل لَك يَا ابْن آدم من مَالك إِلَّا مَا أكلت فأفنيت، أَو لبست فأبليت، أَو تَصَدَّقت فأمضيت ".
مُسلم: حَدثنِي سُوَيْد بن سعيد، حَدثنِي حَفْص بن ميسرَة، عَن الْعَلَاء، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يَقُول العَبْد: مَالِي مَالِي. إِنَّمَا لَهُ من مَاله ثَلَاث: مَا أكل فأفنى، أَو لبس فأبلى، أَو أعْطى فاقتنى، مَا سوى ذَلِك فَهُوَ ذَاهِب وتاركه للنَّاس "
البُخَارِيّ: حَدثنَا عمر بن حَفْص، ثَنَا أبي، ثَنَا الْأَعْمَش، ثَنَا إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن الْحَارِث بن سُوَيْد، قَالَ عبد الله: قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَيّكُم مَال وَارثه أحب إِلَيْهِ من مَاله؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله، مَا منا أحد إِلَّا مَاله أحب إِلَيْهِ. قَالَ: فَإِنَّهُ مَاله مَا قدم وَمَال وَارثه مَا أخر ".

بَاب يرجع عَن الْمَيِّت أَهله وَمَاله وَيبقى عمله
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى التَّمِيمِي وَزُهَيْر بن حَرْب، كِلَاهُمَا عَن ابْن عُيَيْنَة، قَالَ يحيى: أَنا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عبد الله بن أبي بكر قَالَ: سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يتبع الْمَيِّت ثَلَاثَة، فَيرجع اثْنَان وَيبقى وَاحِد، يتبعهُ أَهله وَمَاله وَعَمله، فَيرجع أَهله وَمَاله، وَيبقى عمله ".
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا أَبُو دَاوُد، حَدثنَا عمرَان الْقطَّان، عَن

(3/326)


قَتَادَة، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا من عبد إِلَّا وَله ثَلَاثَة أخلاء، فَأَما خَلِيل فَيَقُول: مَا أنفقت فلك، وَمَا أَمْسَكت فَلَيْسَ لَك، فَذَلِك مَاله، وَأما خَلِيل فَيَقُول: أَنا مَعَك، فَإِذا أتيت بَاب الْملك تركتك وَرجعت. فَذَلِك أَهله وحشمه، وخليل يَقُول: أَنا مَعَك حَيْثُ دخلت وَحَيْثُ خرجت. فَذَلِك عمله، فَيَقُول: إِن كنت لأهون الثَّلَاثَة عَليّ ".
هَذَا كَلَامه أَو مَعْنَاهُ، وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلم رَوَاهُ عَن قَتَادَة إِلَّا عمرَان.

بَاب الدُّنْيَا سجن الْمُؤمن
مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، ثَنَا عبد الْعَزِيز - يَعْنِي: الدَّرَاورْدِي - عَن الْعَلَاء - هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن - عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الدُّنْيَا سجن الْمُؤمن، وجنة الْكَافِر ".

بَاب كن فِي الدُّنْيَا كَأَنَّك غَرِيب
البُخَارِيّ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الله، ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو الْمُنْذر الطفَاوِي، عَن الْأَعْمَش، حَدثنِي مُجَاهِد، عَن ابْن عمر قَالَ: " أَخذ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بمنكبي وَقَالَ: كن فِي الدُّنْيَا كَأَنَّك غَرِيب أَو عَابِر سَبِيل. وَكَانَ ابْن عمر يَقُول: إِذا أمسيت فَلَا تنْتَظر الصَّباح، وَإِذا أَصبَحت فَلَا تنْتَظر الْمسَاء، وَخذ من صحتك لمرضك، وَمن حياتك لموتك ".

بَاب الصِّحَّة والفراغ
البُخَارِيّ: حَدثنَا الْمَكِّيّ بن إِبْرَاهِيم، أَنا عبد الله بن سعيد - هُوَ ابْن أبي هِنْد - عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نعمتان مغبون فيهمَا

(3/327)


كثير من النَّاس: الصِّحَّة والفراغ ".

بَاب من خَافَ أدْلج
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا (أَبُو بكر بن النَّضر بن أبي النَّضر) ، حَدثنِي أَبُو النَّضر، ثَنَا أَبُو عقيل الثَّقَفِيّ، ثَنَا أَبُو فَرْوَة يزِيد بن سِنَان التَّمِيمِي، حَدثنِي بكير ابْن فَيْرُوز، سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من خَافَ أدْلج، وَمن أدْلج بلغ الْمنزل، أَلا إِن سلْعَة الله غَالِيَة أَلا إِن سلْعَة الله الْجنَّة ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث أبي النَّضر.

بَاب مثل الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة
مُسلم: حَدثنِي مُحَمَّد بن حَاتِم، ثَنَا يحيى بن سعيد، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، ثَنَا قيس قَالَ: سَمِعت مستورداً أَخا بني فهر يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَالله مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا مثل مَا يَجْعَل أحدكُم أُصْبُعه هَذِه - وَأَشَارَ يحيى بالسبابة - فِي اليم فَلْينْظر بِمَ يرجع ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن مسلمة، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن أَبِيه، عَن سهل قَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " مَوضِع سَوط فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، ولغدوة فِي سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ".

(3/328)


بَاب مثل ابْن آدم وأجله وأمله
البُخَارِيّ: حَدثنَا صَدَقَة بن الْفضل، أَنا يحيى، عَن سُفْيَان، حَدثنِي أبي، عَن مُنْذر، عَن ربيع بن خَيْثَم، عَن عبد الله قَالَ: " خطّ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خطا مربعًا، وَخط خطا فِي الْوسط خَارِجا مِنْهُ، وَخط خططاً صغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوسط من جَانِبه الَّذِي فِي الْوسط، فَقَالَ: هَذَا الْإِنْسَان، وَهَذَا أَجله مُحِيط بِهِ - أوقد أحَاط بِهِ - وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارج أمله وَهَذِه الخطط الصغار الْأَعْرَاض، فَإِن (أَخطَأ هَذِه) نهشه هَذَا، وَإِن أخطأه هَذَا نهشه هَذَا ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُسلم، ثَنَا همام، عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة، عَن أنس قَالَ: " خطّ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خُطُوطًا فَقَالَ: هَذَا الأمل، وَهَذَا أَجله، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ جَاءَهُ الْخط الْأَقْرَب ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة مُحَمَّد بن فراس الْبَصْرِيّ، ثَنَا أَبُو قُتَيْبَة سلم ابْن قُتَيْبَة، ثَنَا أَبُو الْعَوام، عَن قَتَادَة، عَن مطرف، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مثل ابْن آدم وَإِلَى جنبه تسع وَتسْعُونَ منية، إِن أخطأته المنايا وَقع فِي الْهَرم ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَأَبُو الْعَوام هُوَ عمرَان الْقطَّان.

(3/329)


بَاب فِي حب الْعَيْش وَطول الأمل والحرص وَقَول الله تَعَالَى {وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغرُور} وَقَالَ تَعَالَى {ذرهم يَأْكُلُوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فَسَوف يعلمُونَ} وَقَالَ عَليّ: ارتحلت الدُّنْيَا مُدبرَة وَارْتَحَلت الْآخِرَة مقبلة فكونوا من أَبنَاء الْآخِرَة وَلَا تَكُونُوا من أَبنَاء الدُّنْيَا فَإِن الْيَوْم عمل وَلَا حِسَاب وَغدا حِسَاب وَلَا عمل
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى وَسَعِيد بن مَنْصُور وقتيبة بن سعيد، كلهم عَن أبي عوَانَة - قَالَ يحيى: أَنا أَبُو عوَانَة - عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يهرم ابْن آدم وتشب مِنْهُ اثْنَتَانِ: الْحِرْص على المَال، والحرص على الْعُمر ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الله، ثَنَا أَبُو صَفْوَان عبد الله بن سعيد، أَنا يُونُس، عَن ابْن شهَاب قَالَ: أَخْبرنِي سعيد بن الْمسيب، أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا يزَال قلب الْكَبِير شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ: فِي حب الدُّنْيَا، وَطول الأمل ".
مُسلم: حَدثنَا زُهَيْر بن حَرْب، ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة يبلغ بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " قلب الشَّيْخ شَاب على حب

(3/330)


اثْنَتَيْنِ: حب الْعَيْش وَالْمَال ".
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أَبِيه، عَن أبي يعلى، عَن ربيع بن خَيْثَم، عَن عبد الله قَالَ: " خطّ لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خطا مربعًا فَقَالَ: هَذَا الْأَجَل. وَخط فِي وَسطه خطا، فَقَالَ: هَذَا الْإِنْسَان. وَخط فِي عرضه خُطُوطًا، فَقَالَ: هَذِه الْأَعْرَاض. ثمَّ خطّ خطا خَارِجا فَقَالَ: هَذَا الأمل، فالعروض تنهشه، وعينه إِلَى الأمل ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُوَيْد بن نصر، أَنا عبد الله بن الْمُبَارك، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " هَذَا ابْن آدم، وَهَذَا أَجله. وَوضع يَده عِنْد قَفاهُ ثمَّ [بسطها] ، فَقَالَ: وَثمّ أمله، وَثمّ أمله ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُوَيْد بن نصر، أَنا عبد الله بن الْمُبَارك، عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أسعد بن زُرَارَة، عَن ابْن كَعْب بن مَالك، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا ذئبان جائعان أرسلا فِي غنم بأفسد لَهَا من حرص الْمَرْء على المَال والشرف لدينِهِ ".
وَقد تقدم فِي بَاب قساوة الْقلب مَا رُوِيَ عَنهُ من قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَرْبَعَة من الشَّقَاء: جمود الْعين، وقساء الْقلب، وَطول الأمل، والحرص على الدُّنْيَا ".

(3/331)


بَاب قصر الأمل
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا هناد بن السّري، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي السّفر، عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: " مر علينا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَنحن (نعالج) خصاً لنا، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقُلْنَا قد وَهِي، فَنحْن نصلحه. قَالَ: مَا أرى الْأَمر إِلَّا أعجل من ذَلِك ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.

بَاب فِي الصَّبْر وفضله وَقَول الله تَعَالَى {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب}
مُسلم: حَدثنَا عبيد الله بن سعيد، ثَنَا أَبُو أُسَامَة، عَن الْأَعْمَش، ثَنَا سعيد ابْن جُبَير، عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: قَالَ عبد الله بن قيس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا أحد أَصْبِر على أَذَى سَمعه من الله، أَنهم يجْعَلُونَ لَهُ ندا، ويجعلون لَهُ ولدا، وَهُوَ مَعَ ذَلِك يرزقهم ويعافيهم ويعيطيهم ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان، أَنا شُعَيْب، عَن الزُّهْرِيّ، أَخْبرنِي عَطاء بن يزِيد اللَّيْثِيّ، أَن أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ أخبرهُ " أَن نَاسا من الْأَنْصَار سَأَلُوا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَلم يسْأَله أحد مِنْهُم إِلَّا أعطَاهُ حَتَّى نفد مَا عِنْده، فَقَالَ لَهُم حِين نفد كل شَيْء

(3/332)


أنْفق بِيَدِهِ: (مَا يكن) عِنْدِي من خير لَا أدخره عَنْكُم، وَإنَّهُ من يستعف يعفه الله، وَمن يتصبر يصبره الله، وَمن يسْتَغْن يغنه الله، وَلنْ تعطوا عَطاء خيرا وأوسع من الصَّبْر ".
النَّسَائِيّ: أخبرنَا هَارُون بن مُحَمَّد بن بكار بن بِلَال، عَن مُحَمَّد - وَهُوَ ابْن عِيسَى بن الْقَاسِم بن سميع - ثَنَا زيد، عَن كثير بن مرّة، أَن أَبَا فَاطِمَة حَدثهمْ، أَنه قَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " عَلَيْك بِالْهِجْرَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا مثل لَهَا. قَالَ: يَا رَسُول الله، حَدثنِي بِعلم أستقيم عَلَيْهِ وأعلمه. قَالَ: عَلَيْك بِالصبرِ؛ فَإِنَّهُ لَا مثل لَهُ. قَالَ: يَا رَسُول الله، حَدثنِي بِعلم أستقيم عَلَيْهِ. قَالَ: عَلَيْك بِالسُّجُود؛ فَإنَّك لَا تسْجد لله سَجْدَة إِلَّا رفعك الله بهَا دَرَجَة، وَحط عَنْك بهَا خَطِيئَة ".
روى الإِمَام أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كِتَابه الْمُسَمّى بِالْفَصْلِ للوصل قَالَ: ثَنَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن عمر بن برهَان الغزال وَأَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يحيى بن عبد الْجَبَّار السكرِي قَالَا: ثَنَا أَبُو عَليّ إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الصفار، ثَنَا عَبَّاس ابْن عبد الله الترقفي، ثَنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن - يَعْنِي: عبد الله بن يزِيد الْمُقْرِئ - ثَنَا نَافِع بن يزِيد وَابْن لَهِيعَة وكهمس بن الْحسن وَهَمَّام بن حمير، عَن قيس بن الْحجَّاج الزرقي، عَن حَنش، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " كنت رَدِيف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يَا غُلَام - أَو يَا بني - أَلا أعلمك كَلِمَات ينفعك الله بِهن؟

(3/333)


قلت: بلَى. فَقَالَ: احفظ الله يحفظك، واحفظ الله تَجدهُ أمامك، تعرف إِلَى الله فِي الرخَاء يعرفك فِي الشدَّة، إِذا سَأَلت فأسال الله، وَإِذا استعنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه، فقد جف الْقَلَم بِمَا هُوَ كَائِن، فَلَو أَن الْخلق كلهم جَمِيعًا أَرَادوا أَن ينفعوك بِشَيْء لم يقضه الله لَك لم يقدروا عَلَيْهِ، وَإِن أَرَادوا أَن يضروك بِشَيْء لم يقضه الله لَك لم يقدروا عَلَيْهِ، واعمل لله بالشكر وَالْيَقِين، وَاعْلَم أَن فِي الصَّبْر على مَا تكره خيرا كثيرا، وَأَن النَّصْر مَعَ الصَّبْر، وَأَن الْفرج مَعَ الكرب، وَأَن مَعَ الْعسر يسرا ".
همام هُوَ ابْن يحيى صحف فِيهِ الترقفي، وحنش هُوَ ابْن عبد الله الصَّنْعَانِيّ، وَهَذَا حَدِيث صَحِيح.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، ثَنَا سُفْيَان، [عَن] بشير أبي إِسْمَاعِيل، عَن سيار، عَن طَارق بن شهَاب، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من نزلت بِهِ فاقة فأنزلها بِالنَّاسِ لم تسد فاقته، وَمن نزلت بِهِ فاقة فأنزلها بِاللَّه فيوشك الله لَهُ برزق عَاجل أَو آجل ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث (حسن غَرِيب) .

بَاب التَّمَسُّك بِالدّينِ وَالصَّبْر عِنْد نزُول الْبلَاء والفتن
مُسلم: حَدثنَا هداب بن خَالِد، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، ثَنَا ثَابت، [عَن] عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، عَن صُهَيْب، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " كَانَ ملك فِيمَن كَانَ قبلكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحر فَلَمَّا كبر قَالَ للْملك: إِنِّي قد كَبرت فَابْعَثْ لي غُلَاما أعلمهُ السحر. فَبعث إِلَيْهِ غُلَاما يُعلمهُ، فَكَانَ فِي طَرِيقه إِذا سلك رَاهِب

(3/334)


فَقعدَ إِلَيْهِ وَسمع كَلَامه فأعجبه، فَكَانَ إِذا أَتَى السَّاحر مر بِالرَّاهِبِ وَقعد إِلَيْهِ، فَإِذا أَتَى السَّاحر ضربه السَّاحر، فَشَكا ذَلِك إِلَى الراهب، فَقَالَ: إِذا خشيت السَّاحر فَقل: حَبَسَنِي أَهلِي، وَإِذا خشيت أهلك فَقل: حَبَسَنِي السَّاحر: فَبَيْنَمَا هُوَ على ذَلِك إِذْ أَتَى على دَابَّة عَظِيمَة وَقد حبست النَّاس، فَقَالَ: الْيَوْم أعلم السَّاحر أفضل أم الراهب أفضل. فَأخذ جحراً، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ أَمر الراهب إِلَيْك أحب من أَمر السَّاحر فَاقْتُلْ هَذِه الدَّابَّة حَتَّى يمْضِي النَّاس. فَرَمَاهَا فَقَتلهَا وَمضى النَّاس، فَأتى الراهب فَأخْبرهُ فَقَالَ لَهُ الراهب: أَي بني، أَنْت الْيَوْم أفضل مني، وَقد بلغ من أَمرك مَا أرى، فَإنَّك ستبتلى، فَإِن ابْتليت فَلَا تدل عَليّ. وَكَانَ الْغُلَام يُبرئ الأكمه والأبرص يداوي النَّاس [من] سَائِر الأدواء، فَسمع جليس للْملك كَانَ قد عمي، فَأَتَاهُ بهداياه كَثِيرَة فَقَالَ: مَا هَا هُنَا لَك أجمع إِن أَنْت شفيتني. فَقَالَ: إِنِّي لَا أشفي أحدا، إِنَّمَا يشفي الله، فَإِن آمَنت بِاللَّه دَعَوْت الله فشفاك. فَآمن بِاللَّه وشفاه، فَأتى الْملك فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يجلس فَقَالَ لَهُ الْملك: من رد عَلَيْك بَصرك؟ فَقَالَ: رَبِّي. قَالَ: وَلَك رب غَيْرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبك الله. فَأَخذه فَلم يزل يعذبه حَتَّى دلّ على الْغُلَام، فجيء بالغلام، فَقَالَ لَهُ الْملك: أَي بني، قد بلغ من سحرك مَا تبرئ الأكمه والأبرص وَتفعل وَتفعل. فَقَالَ: إِنِّي لَا أشفي أحدا، إِنَّمَا يشفي الله. فاخذه فَلم يزل يعذبه حَتَّى دلّ على الراهب، فجيء بِالرَّاهِبِ، فَقيل لَهُ: ارْجع عَن دينك. فَأبى، فَدَعَا بالمئشار فَوضع المئشار فِي مفرق رَأسه، فشقه حَتَّى وَقع شقاه ثمَّ جِيءَ بجليس الْملك فَقيل لَهُ: ارْجع عَن دينك. فَأبى، فَوضع المئشار فِي مفرق رَأسه فشقه حَتَّى وَقع شقاه، ثمَّ جِيءَ بالغلام فَقيل لَهُ: ارْجع عَن دينك. فَأبى فَدفعهُ إِلَى نفر من أَصْحَابه فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جبل كَذَا وَكَذَا فاصعدوا بِهِ الْجَبَل، فَإِذا بَلغْتُمْ ذروته فَإِن رَجَعَ عَن دينه وَإِلَّا فاطرحوه. فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَل، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكفينهم بِمَا شِئْت. فَرَجَفَ بهم الْجَبَل فسقطوا، وَجَاء يمشي إِلَى الْملك، فَقَالَ لَهُ الْملك: مَا فعل أَصْحَابك؟ قَالَ: كفانيهم الله. فَدفعهُ إِلَى نفر من أَصْحَابه،

(3/335)


فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فاحملوه فِي قرقورة فتوسطوا بِهِ الْبَحْر، فَإِن رَجَعَ عَن دينه وَإِلَّا فاقذفوه. فَذَهَبُوا بِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكفنيهم بِمَا شِئْت. فَانْكَفَأت بهم السَّفِينَة فَغَرقُوا، وَجَاء يمشي إِلَى الْملك، فَقَالَ لَهُ الْملك: مَا فعل أَصْحَابك؟ فَقَالَ: كفانيهم الله. فَقَالَ للْملك: إِنَّك لست بِقَاتِلِي حَتَّى تفعل مَا آمُرك بِهِ. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تجمع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد وَتَصْلُبنِي على جذع، ثمَّ خُذ سَهْما من كِنَانَتِي، ثمَّ ضع السهْم فِي كبد الْقوس، ثمَّ قل: بِسم الله رب الْغُلَام. ثمَّ ارمني، فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك قتلتني. فَجمع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد وصلبه على جذع ثمَّ أَخذ سَهْما من كِنَانَته ثمَّ وضع السهْم فِي كبد الْقوس ثمَّ قَالَ: بِسم الله رب الْغُلَام. ثمَّ رَمَاه، فَوضع السهْم فِي صُدْغه، فَوضع يَده فِي صُدْغه فِي مَوضِع السهْم فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاس: آمنا بِرَبّ الْغُلَام، آمنا بِرَبّ الْغُلَام، آمنا بِرَبّ الْغُلَام. فَأتى الْملك فَقيل لَهُ: أَرَأَيْت مَا كنت تحذر، قد وَالله نزل بك حذرك، قد آمن النَّاس. فَأمر بِالْأُخْدُودِ بأفواه السكَك فخدت. وأضرم النيرَان، وَقَالَ: من لم يرجع عَن دينه فأقحموه فِيهَا أَو قل لَهُ: اقتحم فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَت امْرَأَة مَعهَا صبي لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَن تقع، فِيهَا فَقَالَ لَهَا الْغُلَام: يَا أمه، اصْبِرِي فَإنَّك على الْحق ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا يحيى، عَن إِسْمَاعِيل، أَنا قيس، عَن خباب بن الْأَرَت قَالَ: " شَكَوْنَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يتوسد بردة لَهُ فِي ظلّ الْكَعْبَة، فَقُلْنَا لَهُ: أَلا تَسْتَنْصِر لنا، إِلَّا تَدْعُو الله؟ قَالَ: كَانَ الرجل فِيمَن قبلكُمْ يحْفر لَهُ فِي الأَرْض فَيجْعَل فِيهِ، فيجاء بالمئشار فَيُوضَع على رَأسه فَيشق بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يصده عَن دينه، وَيُمشط بِأَمْشَاط الْحَدِيد مَا دون لَحْمه من عظم أَو عصب، مَا يصده ذَلِك عَن دينه، وَالله لَيتِمَّن هَذَا الْأَمر حَتَّى يسير الرَّاكِب من صنعاء إِلَى حَضرمَوْت لَا يخَاف إِلَّا الله أَو الذِّئْب على غنمه، لكنكم تَسْتَعْجِلُون ".

(3/336)


بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُؤمن تصيبه الضراء
مُسلم: حَدثنَا هداب بن خَالِد وشيبان بن فروخ، جَمِيعًا عَن سُلَيْمَان بن [الْمُغيرَة]- وَاللَّفْظ لشيبان - ثَنَا سُلَيْمَان، ثَنَا ثَابت، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، عَن صُهَيْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " عجبا لِلْمُؤمنِ إِن أمره كُله لَهُ خير، وَلَيْسَ ذَلِك لأحد إِلَّا لِلْمُؤمنِ، إِن أَصَابَته سراء شكر، فَكَانَ خيرا لَهُ، وَإِن أَصَابَته ضراء صَبر وَكَانَ خيرا لَهُ ".

بَاب الِابْتِلَاء وَالِاخْتِيَار وَقَول الله تَعَالَى {آلم. أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا أَن يَقُولُوا آمنا وهم لَا يفتنون}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا اللَّيْث، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن سعد بن سِنَان، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن عظم الْجَزَاء مَعَ عظم الْبلَاء، وَإِن الله إِذا أحب قوما ابْتَلَاهُم فَمن رَضِي فَلهُ الرضى، وَمن سخط فَلهُ السخط ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب من هَذَا الْوَجْه.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو بن نَبهَان بن صَفْوَان الثَّقَفِيّ الْبَصْرِيّ، ثَنَا روح من أسلم، ثَنَا شَدَّاد بن أَبُو طَلْحَة الرَّاسِبِي، عَن أبي الْوَازِع - اسْمه: جَابر ابْن عَمْرو -[عَن عبد الله بن مُغفل] قَالَ: " قَالَ رجل للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يَا رَسُول الله، إِنِّي لَأحبك. فَقَالَ: انْظُر مَا تَقول. قَالَ: وَالله إِنِّي لَأحبك - ثَلَاث مَرَّات - قَالَ: إِن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافاً، فَإِن الْفقر أسْرع إِلَى من يحبني من السَّيْل إِلَى منتهاه ".

(3/337)


ثَنَا نصر بن عَليّ، ثَنَا أبي، عَن شَدَّاد أبي طَلْحَة نَحوه مَعْنَاهُ.
قَالَ: هَذَا حَدِيث (غَرِيب) .
مُسلم: حَدثنَا أَبُو كريب، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن [شَقِيق] ، عَن حُذَيْفَة قَالَ: " كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: أحصوا لي كم يلفظ الْإِسْلَام؟ قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، أتخاف علينا وَنحن مَا بَين الستمائة إِلَى السبعمائة؟ فَقَالَ: إِنَّكُم لَا تَدْرُونَ لَعَلَّكُمْ أَن تبتلوا. قَالَ: فابتلينا حَتَّى جعل الرجل منا لَا يُصَلِّي إِلَّا سرا ".
الْبَزَّار: حَدثنَا أَحْمد بن عَبدة، ثَنَا حَمَّاد بن زيد، عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة، عَن مُصعب بن سعد، عَن سعد قَالَ: " قلت: يَا رَسُول الله، أَي النَّاس أَشد بلَاء؟ قَالَ: الْأَنْبِيَاء ثمَّ الأمثل فالأمثل، يبتلى العَبْد على حسب دينه، فَإِن كَانَ صلباً اشْتَدَّ بلاؤه، وَإِن كَانَ فِي دينه رقة ابْتُلِيَ على قدر ذَلِك، فَمَا تَبْرَح البلايا بِالْعَبدِ حَتَّى تَدعه يمشي على الأَرْض مَا عَلَيْهِ خَطِيئَة ".
مُسلم: حَدثنَا شَيبَان بن فروخ، ثَنَا همام، ثَنَا إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة قَالَ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة، أَن أَبَا هُرَيْرَة حَدثهُ، أَنه سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن ثَلَاثَة فِي بني إِسْرَائِيل: أبرص وأقرع وأعمى، فَأَرَادَ الله أَن يبتليهم، فَبعث إِلَيْهِم ملكا فَأتى الأبرص، فَقَالَ: أَي شَيْء أحب إِلَيْك؟ قَالَ: لون

(3/338)


حسن وَجلده حسن، وَيذْهب عني الَّذِي قد قذرني النَّاس. قَالَ: فمسحه، فَذهب عَنهُ قذره، وَأعْطِي لوناً حسنا وجلداً حسنا، قَالَ: فَأَي المَال أحب إِلَيْك؟ قَالَ: الْإِبِل - أَو قَالَ الْبَقر، شكّ إِسْحَاق، إِلَّا أَن الأبرص والأقرع قَالَ أَحدهمَا: الْإِبِل، وَقَالَ الآخر: الْبَقر - فَأعْطِي نَاقَة عشراء، فَقَالَ: بَارك الله لَك فِيهَا. فَأتى الْأَقْرَع فَقَالَ: أَي شَيْء أحب إِلَيْك؟ فَقَالَ: شعر حسن وَيذْهب عني هَذَا الَّذِي قذرني النَّاس. قَالَ: فمسحه، فَذهب عَنهُ فَأعْطِي شعرًا حسنا، قَالَ: فَأَي المَال أحب إِلَيْك؟ قَالَ: الْبَقر. فَأعْطِي بقرة حَامِلا، قَالَ: بَارك الله لَك فِيهَا. قَالَ: وأتى الْأَعْمَى، فَقَالَ: أَي شَيْء أحب إِلَيْك؟ قَالَ: أَن يرد الله إِلَيّ بَصرِي فأبصر بِهِ النَّاس. قَالَ: فمسحه، فَرد الله إِلَيْهِ بَصَره، قَالَ: فَأَي المَال أحب إِلَيْك؟ قَالَ: الْغنم. فَأعْطِي شَاة والداً، فأنتج هَذَانِ وَولد هَذَا، فَكَانَ لهَذَا وَاد من الْإِبِل، وَلِهَذَا وَاد من الْبَقر، وَلِهَذَا وَاد من الْغنم، قَالَ: ثمَّ إِنَّه أَتَى الأبرص فِي صورته وهيئته، فَقَالَ: رجل مِسْكين قد انْقَطَعت بِي الحبال فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغ إِلَى الْيَوْم إِلَّا بِاللَّه ثمَّ بك، أَسأَلك بِالَّذِي أَعْطَاك اللَّوْن الْحسن وَالْجَلد الْحسن وَالْمَال - بَعِيرًا أتبلغ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي. فَقَالَ: الْحُقُوق كَثِيرَة. فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك النَّاس، فَقِيرا فأعطاك الله. فَقَالَ: إِنَّمَا ورثت هَذَا المَال كَابِرًا عَن كَابر. فَقَالَ: إِن كنت كَاذِبًا فصيرك الله إِلَى مَا كنت. قَالَ: وأتى الْأَقْرَع فِي صورته، فَقَالَ لَهُ مثل مَا قَالَ لهَذَا، فَرد عَلَيْهِ مثل مَا رد على هَذَا، فَقَالَ: إِن كنت كَاذِبًا فصيرك الله إِلَى مَا كنت فِيهِ. قَالَ: وأتى الْأَعْمَى فِي صورته وهيئته، فَقَالَ: رجل مِسْكين وَابْن سَبِيل انْقَطَعت بِي الحبال فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغ لي الْيَوْم إِلَّا بِاللَّه ثمَّ بك، أَسأَلك بِالَّذِي رد عَلَيْك بَصرك شَاة أتبلغ بهَا فِي سَفَرِي. فَقَالَ: قد كنت أعمى، فَرد الله إِلَيّ بَصرِي، فَخذ مَا شِئْت ودع مَا شِئْت، فوَاللَّه لَا أجهدك الْيَوْم شَيْئا أَخَذته لله. قَالَ: أمسك عَلَيْك مَالك، فَإِنَّمَا ابتليتم فقد رَضِي عَنْك، وَسخط على صاحبيك ".

(3/339)


بَاب الْعقُوبَة على الذَّنب
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا اللَّيْث، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن سعد ابْن سِنَان، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا أَرَادَ الله بِعَبْدِهِ الْخَيْر، عجل لَهُ الْعقُوبَة فِي الدُّنْيَا، وَإِذا أَرَادَ الله بِهِ الشَّرّ أمسك عَنهُ بِذَنبِهِ حَتَّى يوافيه بِهِ يَوْم الْقِيَامَة "
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.

بَاب ذهَاب الصَّالِحين الأول فَالْأول
البُخَارِيّ: حَدثنَا يحيى بن حَمَّاد، ثَنَا أَبُو عوَانَة، عَن بَيَان، عَن قيس بن أبي حَازِم، عَن مرداس الْأَسْلَمِيّ قَالَ: قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يذهب الصالحون الأول فَالْأول، وَتبقى حالفة حفالة الشّعير أَو التَّمْر لَا يباليهم الله باله ".
الْبَزَّار: ثَنَا يحيى بن الْمُعَلَّى بن مَنْصُور، ثَنَا جُنَادَة بن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي، ثَنَا عبد الحميد بن حبيب بن أبي الْعشْرين، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد ابْن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لتنتقن كَمَا ينتقى التَّمْر من الحثالة، وليذهبن بخياركم، وليبقين شِرَاركُمْ، فموتوا إِن اسْتَطَعْتُم ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلم رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَعبد الحميد لَيْسَ بِهِ بَأْس. انْتهى كَلَام أبي بكر الْبَزَّار - رَحمَه الله.
عبد الحميد هَذَا ثِقَة، وَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة وَأحمد بن حَنْبَل.

(3/340)


بَاب الْعُمر الَّذِي أعذر الله فِيهِ إِلَى ابْن آدم
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد السَّلَام بن مطهر، ثَنَا عمر بن عَليّ، عَن معن بن مُحَمَّد الْغِفَارِيّ، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أعذر الله إِلَى امْرِئ أخر أَجله حَتَّى بلغه سِتِّينَ سنة ".
تَابعه أَبُو حَازِم وَابْن عجلَان عَن المَقْبُري.

بَاب فضل طول الْعُمر فِي طَاعَة الله عز وَجل
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو حَفْص عَمْرو بن عَليّ، ثَنَا خَالِد بن الْحَارِث، ثَنَا شُعْبَة، عَن عَليّ بن زيد، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة، عَن أَبِيه " أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، أَي النَّاس خير؟ قَالَ: من طَال عمره، وَحسن عمله. قَالَ: فَأَي النَّاس شَرّ؟ قَالَ: من طَال عمره، وساء عمله ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير، أَنا شُعْبَة، عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ: سَمِعت عَمْرو بن مَيْمُون، عَن عبد الله بن ربيعَة، عَن عبيد بن خَالِد السّلمِيّ قَالَ: " آخى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَين رجلَيْنِ، فَقتل أَحدهمَا وَمَات الآخر بعده بجمعة أَو نَحوه، فصلينا عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مَا قُلْتُمْ؟ فَقُلْنَا: دَعونَا لَهُ وَقُلْنَا: اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وألحقه بِصَاحِبِهِ. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: فَأَيْنَ صلَاته بعد صلَاته، وصومه بعد صَوْمه - شكّ شُعْبَة فِي صَوْمه - وَعَمله بعد عمله، فَإِن بَينهمَا كَمَا من السَّمَاء وَالْأَرْض ".

(3/341)


بَاب فضل من شَاب شيبَة فِي الْإِسْلَام
التِّرْمِذِيّ: أخبرنَا هناد، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن سَالم بن أبي الْجَعْد، أَن شُرَحْبِيل بن السمط قَالَ: يَا كَعْب بن مرّة، ثَنَا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاحْذَرْ. قَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من شَاب شيبَة فِي الْإِسْلَام كَانَت لَهُ نورا يَوْم الْقِيَامَة ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: يُقَال: كَعْب بن مرّة، وَمرَّة بن كَعْب، وَالْمَعْرُوف من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مرّة بن كَعْب الْبَهْزِي، قد روى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَحَادِيث. قَالَ أَبُو عِيسَى: (وَهُوَ حَدِيث حسن) .

بَاب فِي التَّوَكُّل وَقَول الله تَعَالَى و {وعَلى الله فتوكلوا إِن كُنْتُم مُؤمنين} وَقَوله عز وَجل {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَليّ بن سعيد الْكِنْدِيّ، ثَنَا ابْن الْمُبَارك، عَن حَيْوَة بن شُرَيْح، عَن بكر بن عَمْرو، عَن عبد الله بن هُبَيْرَة، عَن أبي تَمِيم الجيشاني، عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَو أَنكُمْ كُنْتُم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كَمَا ترزق الطير تَغْدُو خماصاً، وَتَروح بطاناً ".

(3/342)


قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
الْبَزَّار: حَدثنَا أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن الْجُنَيْد، ثَنَا هِشَام بن خَالِد، ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر، عَن إِسْمَاعِيل بن عبيد الله، عَن أم الدَّرْدَاء، عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الرزق ليطلب العَبْد كَمَا يَطْلُبهُ أَجله ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلَا نعلم لَهُ طَرِيقا غير هَذَا الطَّرِيق، وَلَا نعلم رَوَاهُ عَن الْوَلِيد إِلَّا هِشَام بن خَالِد وَلم يكن بِهِ بَأْس، إِلَّا أَنه لم يُتَابع على هَذَا الحَدِيث، وَقد احتمله عَنهُ أهل الْعلم وذكروه عَنهُ، وَإِسْنَاده صَحِيح إِلَّا مَا ذكرُوا من تفرد هِشَام بن خَالِد بِهِ، وَلَا نعلم لَهُ عِلّة.
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن سَلام بن شُرَحْبِيل، عَن حَبَّة وَسَوَاء ابْني خَالِد قَالَا: " دَخَلنَا على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يعالج شَيْئا، فأعناه عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَا تيأسا من الرزق مَا تهززت رءوسكما، فَإِن الْإِنْسَان تلده أمه أَحْمَر لَيْسَ عَلَيْهِ قشر ثمَّ يرزقه الله ".
قَالَ البُخَارِيّ: يُقَال: سَلام بن شُرَحْبِيل وَسَلام أَبُو شُرَحْبِيل، سمع حَبَّة وَسَوَاء، [سمع] مِنْهُ الْأَعْمَش.
الْبَزَّار: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن هَانِئ وَعبد الله بن أبي ثُمَامَة الْأنْصَارِيّ وَمُحَمّد ابْن عمر بن هياج، ثَنَا قدامَة بن زَائِدَة بن قدامَة، حَدثنِي أبي، عَن عَاصِم، عَن زر، عَن حُذَيْفَة قَالَ: " قَامَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَدَعَا النَّاس فَقَالَ: هلموا إِلَيّ. فاقبلوا إِلَيْهِ. فجلسوا فَقَالَ: هَذَا رَسُول رب الْعَالمين جِبْرِيل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نفث فِي روعي أَنه لَا تَمُوت نفس حَتَّى تستكمل رزقها، فَاتَّقُوا الله وأجملوا فِي الطّلب، وَلَا يحملنكم استبطاء الرزق أَن تأخذوه بِمَعْصِيَة الله، فَإِن الله لَا ينَال مَا عِنْده إِلَّا بِطَاعَتِهِ ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى عَن حُذَيْفَة إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.

(3/343)


البُخَارِيّ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان، أَنا شُعَيْب، عَن الزُّهْرِيّ، أَخْبرنِي عَمْرو بن أبي سُفْيَان بن أسيد بن جَارِيَة الثَّقَفِيّ - وَهُوَ حَلِيف لبني زهرَة، وَكَانَ من أَصْحَاب أبي هُرَيْرَة - أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: " بعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عشرَة رَهْط سَرِيَّة. . " فَذكر قصَّة خبيب وَقَالَ فِيهِ: " فَأَخْبرنِي عبيد الله بن عِيَاض أَن بنت الْحَارِث أخْبرته قَالَت: وَالله مَا رَأَيْت أَسِيرًا قطّ خيرا من خبيب، وَالله لقد رَأَيْته يَوْمًا يَأْكُل من قطف عِنَب، وَإنَّهُ لموثق فِي الْحَدِيد وَمَا بِمَكَّة من ثَمَر. وَكَانَت تَقول: إِنَّه لرزق من الله رزقه خبيباً ".
البُخَارِيّ: حَدثنِي إِسْحَاق، ثَنَا روح بن عبَادَة، ثَنَا شُعْبَة، سَمِعت حُصَيْن ابْن عبد الرَّحْمَن قَالَ: كنت قَاعِدا عِنْد سعيد بن جُبَير، فَقَالَ: عَن ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يدْخل الْجنَّة من أمتِي سَبْعُونَ ألفا بِغَيْر حِسَاب، هم الَّذين لَا يسْتَرقونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت، عَن أنس بن مَالك قَالَ: " كَانَ أَخَوان على عمد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَكَانَ أَحدهمَا، يَأْتِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْآخر محترف، فَشَكا المحترف أَخَاهُ إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: لَعَلَّك ترزق بِهِ ".

بَاب فِي الْوَرع وَقَول الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كلوا من طَيّبَات مَا رزقناكم}
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير، ثَنَا سُفْيَان، عَن أبي فَرْوَة، عَن الشّعبِيّ،

(3/344)


عَن النُّعْمَان بن بشير، قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْحَلَال بَين وَالْحرَام بَين، وَبَينهمَا أُمُور مشتبهة، فَمن ترك مَا شبه عَلَيْهِ من الْإِثْم كَانَ لما استبان أترك، وَمن اجترأ على مَا يشك [فِيهِ] من الْإِثْم أَو شكّ أَن يواقع مَا استبان، والمعاصي حمى الله، وَمن يرتع حول الْحمى يُوشك أَن يواقعه ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا أَبُو نعيم، ثَنَا فُضَيْل بن مَرْزُوق عَن عدي بن ثَابت، عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا أَيهَا النَّاس، إِن الله طيب لَا يقبل إِلَّا طيبا، وَإِن الله أَمر الْمُؤمنِينَ بِمَا أَمر بِهِ الْمُرْسلين، فَقَالَ: " يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عليم} وَقَالَ: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كلوا من طَيّبَات مَا رزقناكم} قَالَ: وَذكر الرجل يُطِيل السّفر أَشْعَث أغبر يمد يَده إِلَى السَّمَاء يَا رب، يَا رب، ومطعمه حرَام، ومشربه حرَام، وملبسه حرَام، وغذي بالحرام؛ فَأنى يُسْتَجَاب لذَلِك ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث (غَرِيب) ، إِنَّمَا نعرفه من حَدِيث فُضَيْل بن مَرْزُوق.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد الله بن أبي زِيَاد الْكُوفِي، ثَنَا عبيد الله بن مُوسَى، ثَنَا غَالب أَبُو بشر، عَن أَيُّوب بن عَائِذ الطَّائِي، عَن قيس بن مُسلم، عَن طَارق بن شهَاب، عَن كَعْب بن عجْرَة قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أُعِيذك بِاللَّه يَا كَعْب بن عجْرَة من أُمَرَاء يكونُونَ بعدِي، فَمن غشي أَبْوَابهم فَصَدَّقَهُمْ فِي كذبهمْ،

(3/345)


وَأَعَانَهُمْ على ظلمهم - فَلَيْسَ مني وَلست مِنْهُ، وَلَا يرد عَليّ الْحَوْض، وَمن غشي أَبْوَابهم أَو لم يغش فَلم يُصدقهُمْ فِي كذبهمْ، وَلم يُعِنْهُمْ على ظلمهم - فَهُوَ مني وَأَنا مِنْهُ، وَسَيَرِدُ عَليّ الْحَوْض، يَا كَعْب بن عجْرَة، الصَّلَاة برهَان، وَالصَّوْم جنَّة حَصِينَة، وَالصَّدَََقَة تُطْفِئ الْخَطِيئَة كَمَا يُطْفِئ المَاء النَّار، يَا كَعْب بن عجْرَة، إِنَّه لَا يَرْبُو لحم نبت من سحت إِلَّا كَانَت النَّار أولى بِهِ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث عبيد الله ابْن مُوسَى، وَأَيوب يضعف، وَيُقَال: كَانَ يرى الإرجاء، وَسَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث، فَلم يعرفهُ إِلَّا من حَدِيث عبيد الله، وَاسْتَغْرَبَهُ جدا، وَقَالَ: ثَنَا ابْن نمير، عَن عبيد الله بن مُوسَى، عَن غَالب بِهَذَا. انْتهى كَلَام أبي عِيسَى.
أَيُّوب بن عَائِذ هَذَا وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، وَقَالَ يحيى بن معِين: أَيُّوب بن عَائِذ ثِقَة. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَاتِم: أَيُّوب بن عَائِذ ثِقَة، صَالح الحَدِيث صَدُوق.
وَقد روى هَذَا الحَدِيث أَبُو بكر الْبَزَّار: وَقَالَ: ثَنَا [عَمْرو] بن عَليّ، ثَنَا مُعلى بن أَسد، ثَنَا وهيب، ثَنَا عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم، عَن ابْن سابط - يَعْنِي: عبد الرَّحْمَن -[عَن] جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا كَعْب بن عجْرَة ... . " فَذكر نَحوه.
وروى التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي النَّضر، ثَنَا أَبُو النَّضر، ثَنَا أَبُو عقيل الثَّقَفِيّ، ثَنَا عبد الله بن يزِيد، حَدثنِي ربيعَة بن يزِيد وعطية بن قيس، عَن عطيه السَّعْدِيّ - وَكَانَ من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يبلغ العَبْد أَن يكون من الْمُتَّقِينَ حَتَّى يدع مَا لَا بَأْس بِهِ حذرا لما بِهِ بَأْس ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.

(3/346)


التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو مُوسَى، ثَنَا عبد الله بن إِدْرِيس، ثَنَا شُعْبَة [عَن] [بريد] بن أبي مَرْيَم، عَن أبي الْحَوْرَاء السَّعْدِيّ قَالَ: " قلت لِلْحسنِ بن عَليّ مَا حفظت من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ قَالَ: حفظت مِنْهُ: دع مَا يربيك إِلَى مَا لَا يربيك؛ فَإِن الصدْق [طمأنينة] ، وَإِن الْكَذِب رِيبَة ".
وَفِي الحَدِيث قصَّة، وَأَبُو الْحَوْرَاء اسْمه ربيعَة بن شَيبَان، قَالَ: وَهَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، ثَنَا بنْدَار، ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثَنَا شُعْبَة، عَن [بريد] فَذكر نَحوه.
مُسلم: حَدثنِي هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي، ثَنَا ابْن وهب، أَخْبرنِي عَمْرو، أَن أَبَا [يُونُس] مولى أبي هُرَيْرَة حَدثهُ، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " إِنِّي لأنقلب إِلَى أَهلِي فأجد التمرة سَاقِطَة على فِرَاشِي، ثمَّ أرفعها لآكلها، ثمَّ أخْشَى أَن تكون صَدَقَة فألقيها ".
مُسلم: ثَنَا أَبُو كريب، ثَنَا أَبُو أُسَامَة، عَن زَائِد، عَن مَنْصُور، عَن طَلْحَة بن مصرف، ثَنَا أنس بن مَالك " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مر بتمرة بِالطَّرِيقِ فَقَالَ: لَوْلَا أَن تكون صَدَقَة لأكلتها ".
مُسلم: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن سَلام الجُمَحِي، ثَنَا الرّبيع - يَعْنِي: ابْن مُسلم - عَن مُحَمَّد - وَهُوَ ابْن زِيَاد - عَن أبي هُرَيْرَة " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا أُتِي

(3/347)


بِطَعَام سَأَلَ عَنهُ، فَإِن قيل هَدِيَّة أكل مِنْهَا، وَإِن قيل صَدَقَة لم يَأْكُل مِنْهَا ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد، حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، أَنا معمر، عَن همام، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " خفف على دَاوُد الْقُرْآن، فَكَانَ يَأْمر بدوابه فتسرج، فَيقْرَأ الْقُرْآن قبل أَن تسرج دوابه، وَلَا يَأْكُل إِلَّا من عمل يَدَيْهِ ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى، أَنا عِيسَى - هُوَ ابْن يُونُس - عَن ثَوْر، عَن خَالِد بن معدان، عَن الْمِقْدَام، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَا أكل أحد طَعَاما قطّ خيرا من أَن يَأْكُل من عمل يَده، وَإِن نَبِي الله دَاوُد كَانَ يَأْكُل من عمل يَده ".
النَّسَائِيّ: أخبرنَا يُوسُف بن عِيسَى، أَنا الْفضل بن مُوسَى، أَنا الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه، وَولده من كَسبه ".

بَاب من الْأَمْثَال وَالْحكم والمواعظ
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء، ثَنَا حَمَّاد بن أُسَامَة، عَن [بريد] ابْن عبد الله، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مثل مَا بَعَثَنِي الله - عز وَجل - بِهِ من الْهدى وَالْعلم كَمثل الْغَيْث الْكثير، أصَاب أَرضًا فَكَانَ مِنْهَا نقية قبلت المَاء، فأنبتت الْكلأ والعشب الْكثير، وَكَانَت مِنْهَا أجادب أَمْسَكت المَاء فنفع الله بهَا النَّاس، فَشَرِبُوا وَسقوا وزرعوا، وَأصَاب مِنْهَا طَائِفَة أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قيعان لَا تمسك مَاء وَلَا تنْبت كلأ، فَلذَلِك مثل من فقه فِي دين الله - عز وَجل - ونفع بِمَا بَعَثَنِي الله بِهِ، فَعلم وَعلم، وَمثل من لم يرفع بذلك رَأْسا، وَلم يقبل هدى الله الَّذِي أرْسلت بِهِ ".

(3/348)


الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن أبي دَاوُد، ثَنَا الْخطاب بن عُثْمَان وحيوة بن شُرَيْح وَيزِيد بن عبد ربه قَالُوا: ثَنَا بَقِيَّة بن الْوَلِيد، عَن يحير بن سعد، عَن خَالِد بن معدان، عَن جُبَير بن نفير، عَن النواس بن سمْعَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله - عز وَجل - ضرب مثلا صراطاً مُسْتَقِيمًا، على كنفي الصِّرَاط سوران لَهما أَبْوَاب مفتحة، وعَلى الْأَبْوَاب ستور، وداع يَدْعُو على رَأس الصِّرَاط وداع يَدْعُو من فَوْقه {وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام وَيهْدِي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} فالأبواب الَّتِي على كنفي الصِّرَاط حُدُود الله، لَا يَقع أحد فِي حُدُود الله حَتَّى يكْشف ستر الله، وَالَّذِي يَدْعُو من فَوْقه واعظ الله - تَعَالَى ".
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: عَن عَليّ بن حجر، عَن بَقِيَّة بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَقَالَ: حَدِيث (حسن غَرِيب) .
الْبَزَّار: حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ، ثَنَا أَبُو عَاصِم، ثَنَا مُحَمَّد بن عجلَان، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مثل ابْن آدم وَمَاله وَأَهله وَعَمله كَرجل لَهُ ثَلَاثَة إخْوَة أَو ثَلَاثَة أَصْحَاب، فَقَالَ أحدهم: أَنا مَعَك حياتك، فَإِذا مت فلست مِنْك وَلست مني. وَقَالَ الآخر أَنا مَعَك، فَإِذا بلغت تِلْكَ الشَّجَرَة فلست مِنْك وَلست مني. وَقَالَ الآخر: أَنا مَعَك حَيا وَمَيتًا ".
مُسلم: حَدثنَا عبد الله بن براد وَأَبُو كريب - وَاللَّفْظ لأبي كريب - قَالَا: ثَنَا أَبُو أُسَامَة، عَن بريد [عَن] أبي بُرَيْدَة، عَن أبي مُوسَى، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

(3/349)


قَالَ: " إِن مثلي وَمثل مَا بَعَثَنِي [الله بِهِ] ، كَمثل رجل أَتَى قومه فَقَالَ: يَا قوم، إِنِّي رَأَيْت الْجَيْش بعيني، وَإِنِّي أَنا النذير الْعُرْيَان، فالنجاء. فأطاعه طَائِفَة فأدلجوا، فَانْطَلقُوا على مهلتهم، وكذبت طَائِفَة مِنْهُم فَأَصْبحُوا مكانهم، فصبحهم الْجَيْش فأهلكهم واجتاحهم، فَذَلِك مثل من أَطَاعَنِي وَاتبع مَا جِئْت بِهِ، وَمثل من عَصَانِي وَكذب مَا جِئْت بِهِ من الْحق ".
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن رَافع، ثَنَا عبد الرَّزَّاق، ثَنَا معمر، عَن همام قَالَ: وَهَذَا مَا حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر أَحَادِيث مِنْهَا: وَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مثلي كَمثل رجل استوقد نَارا، فَلَمَّا أَضَاءَت مَا حولهَا جعل الْفراش وَهَذِه الدَّوَابّ الَّتِي فِي النَّار يقعن فِيهَا، وَجعل بحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فِيهَا. قَالَ: فذلكم مثلي ومثلكم، أَنا آخذ بِحُجزِكُمْ عَن النَّار، هَلُمَّ عَن النَّار، هَلُمَّ عَن النَّار، فتغلبوني تقتحمون فِيهَا ".
أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: حَدثنَا المَسْعُودِيّ، عَن الْحسن بن سعد، عَن عَبدة النَّهْدِيّ، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله لم يحرم حُرْمَة إِلَّا وَقد علم أَنه سيطلعها مِنْكُم مطلع، أَلا وَإِنِّي مُمْسك بِحُجزِكُمْ أَن تهافتوا فِي النَّار كَمَا تهافت الذُّبَاب ".
الْحسن بن سعد مَشْهُور، روى عَنهُ: الشَّيْبَانِيّ، والمسعودي، وَأَبُو العميس عتبَة بن عبد الله، وَكَذَلِكَ [عَبدة] النَّهْدِيّ روى عَنهُ: مُسلم البطين، وَأَبُو إِسْحَاق الْهَمدَانِي، وحصين بن عبد الرَّحْمَن، وَالْحسن بن سعد.
مُسلم: حَدثنِي أَبُو كَامِل، ثَنَا يزِيد بن زُرَيْع، ثَنَا سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أبي عُثْمَان، عَن قبيصَة بن الْمخَارِق وَزُهَيْر بن عَمْرو قَالَا: " لما نزلت: {وأنذر

(3/350)


عشيرتك الْأَقْرَبين} قَالَ: انْطلق النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى رضمة من جبل فعلى أَعْلَاهَا حجرا، ثمَّ قَالَ: يَا بني عبد منافاه إِنِّي نَذِير، إِنَّمَا مثلي ومثلكم كَمثل رجل رأى الْعَدو، فَانْطَلق يربأ أَهله فخشي أَن يسبقوه، فَجعل يَهْتِف: يَا صَبَاحَاه ".
مُسلم: حَدثنَا أَبُو كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء، ثَنَا أَبُو أُسَامَة، عَن الْأَعْمَش، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " لما نزلت هَذِه الْآيَة {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} ورهطك مِنْهُم المخلصين، خرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى صعد الصَّفَا فتهف: يَا صَبَاحَاه. فَقَالُوا: من هَذَا الَّذِي يَهْتِف؟ قَالُوا: مُحَمَّد. فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا بني فلَان، يَا بني فلَان، يَا بني عبد منَاف، يَا بني عبد الْمطلب. فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ: أَرَأَيْتكُم لَو أَخْبَرتكُم أَن خيلاً تخرج بسفح هَذَا الْجَبَل أَكُنْتُم مصدقي؟ قَالُوا: مَا جزبنا عَلَيْك كذبا. قَالَ: فَإِنِّي نَذِير لكم بَين يَدي عَذَاب شَدِيد. قَالَ: فَقَالَ أَبُو لَهب: تَبًّا لَك، أما جمعتنَا إِلَّا لهَذَا! ثمَّ قَالَ: فَنزلت هَذِه السُّورَة " تبت يدا أبي لَهب وَقد تب " كَذَا قَرَأَ الْأَعْمَش إِلَى آخر السُّورَة ".
مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد وَزُهَيْر بن حَرْب قَالَا: ثَنَا جرير، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن مُوسَى بن طَلْحَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " لما نزلت هَذِه الْآيَة: {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} دَعَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَاجْتمعُوا فَعم وَخص، فَقَالَ: يَا بني كَعْب بن لؤَي، أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار، يَا بني مرّة بن كَعْب، أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار، يَا بني عبد منَاف، أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار، يَا بني هَاشم، أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار، يَا بني عبد الْمطلب، أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار، يَا فَاطِمَة، أَنْقِذِي نَفسك من النَّار، فَإِنِّي لَا أملك لكم من الله شَيْئا غير أَن لكم رحما سَأَبلُّهَا

(3/351)


بِبلَالِهَا ".
لفظ التِّرْمِذِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: " إِنِّي لَا أملك لكم ضراً وَلَا نفعا " قَالَهَا عِنْد دُعَائِهِ كل قَبيلَة، رَوَاهُ من حَدِيث عبيد الله بن عَمْرو، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، وَبَينهمَا اخْتِلَاف فِي اللَّفْظ.
مُسلم: حَدثنِي حَرْمَلَة بن يحيى، أَنا ابْن وهب، أَخْبرنِي يُونُس، عَن ابْن شهَاب، أَخْبرنِي ابْن الْمسيب وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: " قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين أنزل الله عَلَيْهِ {وأنذر عشريتك الْأَقْرَبين} : يَا معشر قُرَيْش، اشْتَروا أَنفسكُم من الله لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا، يَا بني عبد الْمطلب لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا، يَا عَبَّاس بن عبد الْمطلب، لَا أُغني عَنْك من الله شَيْئا، يَا صَفِيَّة عمَّة رَسُول الله، لَا أُغني عَنْك من الله شَيْئا، يَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد رَسُول الله، لَا أُغني عَنْك من الله شَيْئا ".
وَلمُسلم فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث من الزِّيَادَة: " سلوني من مَالِي مَا شِئْتُم ".
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثَنَا شُعْبَة، عَن سماك، عَن النُّعْمَان بن بشير، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه كَانَ يَقُول: " أَنْذَرْتُكُمْ النَّار، أَنْذَرْتُكُمْ النَّار ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا عَن النُّعْمَان، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

(3/352)


البُخَارِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سِنَان، ثَنَا فليح، ثَنَا هِلَال بن عَليّ، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " كل أمتِي يدْخلُونَ الْجنَّة إِلَّا من أَبى. قَالُوا: وَمن يَأْبَى يَا رَسُول الله؟ قَالَ: من أَطَاعَنِي دخل الْجنَّة، وَمن عَصَانِي فقد أَبى ".
مُسلم: حَدثنَا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت وَحميد، عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " حفت الْجنَّة بالمكارة، وحفت النَّار بالشهوات ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، وَمُحَمّد بن أبي جَعْفَر وَابْن أبي عدي وَيحيى بن سعيد، عَن عَوْف بن أبي جميلَة الْأَعرَابِي، عَن زُرَارَة بن أوفى، عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: " لما قدم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَدِينَة انجفل النَّاس قبله، وَقيل: قدم رَسُول الله، قدم رَسُول الله. فَجئْت فِي النَّاس لأنظر إِلَيْهِ فَلَمَّا استبنت وَجه رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عرفت أَن وَجهه لَيْسَ بِوَجْه كَذَّاب، فَكَانَ أول شَيْء تكلم بِهِ أَن قَالَ: أَيهَا النَّاس، أفشوا السَّلَام، وأطعموا الطَّعَام، وصلوا وَالنَّاس نيام، تدخلون الْجنَّة بِسَلام ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث (حسن صَحِيح) .
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَليّ بن حجر، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر، عَن حميد، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا اسْتَعْملهُ. فَقيل: كَيفَ يَسْتَعْمِلهُ؟ قَالَ: يوفقه لعمل صَالح قبل الْمَوْت ".

(3/353)


قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث صَحِيح.
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب وقتيبة بن سعيد وَعلي بن حجر، جَمِيعًا عَن إِسْمَاعِيل - قَالَ ابْن أَيُّوب: ثَنَا إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر - أَخْبرنِي عبد الله بن دِينَار، أَنه سمع عبد الله بن عمر يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأَصْحَاب الْحجر: " لَا تدْخلُوا على هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبين إِلَّا أَن تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِن لم تَكُونُوا بَاكِينَ، فَلَا تدْخلُوا عَلَيْهِم أَن يُصِيبكُم مثل مَا أَصَابَهُم ".
مُسلم: حَدثنِي حَرْمَلَة بن يحيى، أَنا ابْن وهب، أَخْبرنِي يُونُس، عَن ابْن شهَاب - وَهُوَ يذكر الْحجر مسَاكِن ثَمُود - قَالَ: ثَنَا سَالم بن عبد الله أَن عبد الله بن عمر قَالَ: " مَرَرْنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الْحجر، فَقَالَ لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَا تدْخلُوا مسَاكِن الَّذين ظلمُوا أنفسهم إِلَّا أَن تَكُونُوا بَاكِينَ؛ حذرا أَن يُصِيبكُم مثل مَا أَصَابَهُم. ثمَّ زجر فأسرع حَتَّى خلفهَا.
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ، ثَنَا عبد الرَّزَّاق، أَنا معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن ابْن عمر قَالَ: " لما مر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْحجرِ قَالَ: لَا تدْخلُوا مسَاكِن الَّذين ظلمُوا أنفسهم، أَن يُصِيبكُم مثل مَا أَصَابَهُم إِلَّا أَن تَكُونُوا بَاكِينَ. ثمَّ قنع رَأسه وأسرع السّير حَتَّى أجَاز الْوَادي ".
الْبَزَّار: حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ، ثَنَا يحيى بن سعيد، ثَنَا سُفْيَان، عَن أَبِيه،

(3/354)


عَن مُنْذر الثَّوْريّ، عَن الرّبيع بن خَيْثَم، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: " خطّ لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمًا خطا، وَعَن يَمِينه خطا وَعَن يسَاره خطا، ثمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيل الله. ثمَّ خطّ خُطُوطًا فَقَالَ: هَذِه سبل، على كل سَبِيل مِنْهَا شَيْطَان يَدْعُو إِلَيْهِ. وَقَرَأَ: {وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم ... .} .
البُخَارِيّ: حَدثنَا سعد بن حَفْص، ثَنَا شَيبَان، عَن يحيى، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْقرشِي، أَخْبرنِي معَاذ بن عبد الرَّحْمَن، أَن ابْن أبان أخبرهُ، عَن عُثْمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تغتروا " مُخْتَصر.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الْكِنْدِيّ، ثَنَا زيد بن حباب، أَخْبرنِي المَسْعُودِيّ، ثَنَا عَمْرو بن مرّة، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله قَالَ: " نَام رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على حَصِير فَقَامَ وَقد أثر فِي جنبه، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، لَو اتخذنا لَك [وطاء] . فَقَالَ: مَا لي وَمَا للدنيا، مَا أَنا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كراكب استظل تَحت شَجَرَة ثمَّ رَاح وَتركهَا ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا خلف بن خَليفَة، عَن الْعَلَاء بن الْمسيب، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَفعه قَالَ: " إِن الله يَقُول: إِن عبدا أصححت لَهُ جِسْمه، ووسعت عَلَيْهِ فِي الْمَعيشَة، يمضى عَلَيْهِ خَمْسَة أَعْوَام لَا يفد إِلَيّ لمحروم ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا صَالح بن عبد الله وسُويد بن نصر، قَالَ صَالح: ثَنَا

(3/355)


وَقَالَ سُوَيْد: أَنا عبد الله بن الْمُبَارك، عَن عبد الله بن سعيد [بن] أبي هِنْد، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نعمتان مغبون فيهمَا كثير من النَّاس: الصِّحَّة والفراغ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، ثَنَا أَبُو أَحْمد الزبير، ثَنَا إِسْرَائِيل، عَن إِبْرَاهِيم بن المُهَاجر، عَن مُجَاهِد، عَن مُورق، عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنِّي لأرى مَا لَا ترَوْنَ، وأسمع مَا لَا تَسْمَعُونَ، أطت السَّمَاء وَحقّ لَهَا أَن تئط، مَا فِيهَا مَوضِع أَربع أَصَابِع إِلَّا وَملك وَاضع جَبهته سَاجِدا لله، وَالله لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا، ولبكيتم كثيرا، وَمَا تلذذتم بِالنسَاء على الْفراش، ولخرجتم إِلَى الصعدات تجأرون إِلَى الله، لَوَدِدْت أَنِّي كنت شَجَرَة تعضد ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، ويروى من غير وَجه أَن أَبَا ذَر قَالَ: " وددت أَنِّي كنت شَجَرَة تعضد ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا سعيد بن عفير، حَدثنِي اللَّيْث، حَدثنِي عقيل، عَن ابْن شهَاب، أَخْبرنِي خَارِجَة بن زيد بن ثَابت، أَن أم الْعَلَاء - امْرَأَة من الْأَنْصَار بَايَعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أخْبرته " أَنهم اقتسموا الْمُهَاجِرين قرعَة. قَالَت: فطار لنا عُثْمَان بن مَظْعُون وأنزلناه فِي أَبْيَاتنَا، فوجع وَجَعه الَّذِي توفّي فِيهِ، فَلَمَّا توفّي غسل وكفن فِي أثوابه، دخل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَت: فَقلت: رَحْمَة الله عَلَيْك يَا أَبَا السَّائِب، فشهادتي عَلَيْك لقد أكرمك الله. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: وَمَا يدْريك أَن الله أكْرمه؟ فَقلت: بِأبي أَنْت يَا رَسُول الله، فَمن يُكرمهُ الله؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أما

(3/356)


هُوَ فوَاللَّه لقد جَاءَهُ الْيَقِين، وَالله إِنِّي لأرجو لَهُ الْخَيْر، وَوَاللَّه مَا أَدْرِي وَأَنا رَسُول الله مَاذَا يفعل بِي. فَقَالَت: وَالله لَا أزكي بعده أحدا ".
الْبَزَّار: حَدثنَا أَحْمد بن إِسْحَاق الْأَهْوَازِي، ثَنَا عُثْمَان بن عمر، ثَنَا يُونُس - يَعْنِي ابْن يزِيد - عَن الزُّهْرِيّ، عَن مُحَمَّد بن عُرْوَة بن الزبير، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: " توفيت امْرَأَة كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَضْحَكُونَ مِنْهَا ويمازحونها، فَقلت: استراحت. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِنَّمَا يستريح من غفر لَهُ ".
وَلَا نعلم أسْند مُحَمَّد بن عُرْوَة عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة إِلَّا هَذَا الحَدِيث.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُفْيَان بن وَكِيع، ثَنَا عِيسَى بن يُونُس، عَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم.
وثنا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن، أَنا عَمْرو، أَنا ابْن الْمُبَارك، عَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم، عَن ضَمرَة بن حبيب، عَن شَدَّاد بن الْأَوْس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْكيس من دَان نَفسه، وَعمل لما بعد الْمَوْت، وَالْعَاجِز من أتبع نَفسه هَواهَا، وَتمنى على الله ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن.
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا يحيى بن يعلى، عَن حميد، عَن عبد الله بن الْحَارِث، عَن عبد الله بن مَسْعُود عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " عجبا لغافل لَا يغْفل عَنهُ، عجبا لطَالب الدُّنْيَا وَالْمَوْت يَطْلُبهُ، عجبا لضاحك ملْء فِيهِ وَلَا يدْرِي أرْضى الله أم أسخطه ".
حمدي هَذَا هُوَ ابْن عَطاء، وَهُوَ ضَعِيف.

(3/357)


قَالَ ابْن أبي شيبَة: ثَنَا أسود بن عَامر، ثَنَا جرير بن حَازِم، سَمِعت الْحسن يَقُول: حَدثنِي صعصعة - عَم الفرزدق - أَنه قَالَ: " قدمت على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَمعته يقْرَأ هَذِه الْآيَة {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} قلت: وَالله مَا أُبَالِي أَلا أسمع غَيرهَا، حبسي حسبي ".

بَاب فِي ذكر الْمَوْت والقبر
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، ثَنَا الْفضل بن مُوسَى، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَكْثرُوا ذكر هَادِم اللَّذَّات. يَعْنِي الْمَوْت ".
قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن أبي سعيد. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف، ثَنَا اللَّيْث، ثَنَا سعيد، عَن أَبِيه، أَنه سمع أَنا سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: إِذا وضعت الْجِنَازَة واحتملها الرِّجَال على أَعْنَاقهم، فَإِن كَانَت صَالِحَة قَالَت: قدموني. وَإِن كَانَت غير صَالِحَة قَالَت لأَهْلهَا: يَا وَيْلَهَا أَيْن تذهبون بهَا. يسمع صَوتهَا كل شَيْء لَا الْإِنْسَان، وَلَو يسمع الْإِنْسَان لصعق ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا هناد، ثَنَا يحيى بن معِين، ثَنَا هِشَام بن يُوسُف، حَدثنِي عبد الله بن بحير، أَنه سمع هانئاً مولى عُثْمَان [قَالَ] : " كَانَ عُثْمَان إِذا وقف على قبر بَكَى حَتَّى يبل لحيته، فَقيل لَهُ: تذكر الْجنَّة وَالنَّار وَلَا تبْكي، وتبكي من هَذَا؟ ! فَقَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: إِن الْقَبْر أول منَازِل الْآخِرَة، فَإِن

(3/358)


نجا مِنْهُ فَمَا بعده أيسر مِنْهُ، وَإِن لم ينج مِنْهُ فَمَا بعده أَشد مِنْهُ. قَالَ: وَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مَا رَأَيْت منْظرًا قطّ إِلَّا الْقَبْر أفظع مِنْهُ ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث هِشَام بن يُوسُف.
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْأَنْبَارِي، ثَنَا عبد الْوَهَّاب [الْخفاف] أَبُو نصر، عَن سعيد، عَن قَتَادَة، عَن أنس بن مَالك: " أَن نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل نخلا لبني النجار، فَسمع صَوتا فَفَزعَ، فَقَالَ: من أَصْحَاب هَذِه الْقُبُور؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله، نَاس مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّة. فَقَالَ: تعوذوا بِاللَّه من عَذَاب (الْقَبْر) ، وَمن فتْنَة الدَّجَّال. قَالُوا: ومم ذَاك يَا رَسُول الله؟ قَالَ: إِن الْمُؤمن إِذا وضع فِي قَبره أَتَاهُ ملك فَيَقُول لَهُ: مَا كنت تعبد؟ فَإِن الله هداه قَالَ: كنت أعبد الله. فَيُقَال لَهُ: مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل؟ فَيَقُول: هُوَ عبد الله وَرَسُوله، فَمَا يسْأَل عَن شَيْء غَيرهمَا، فَينْطَلق بِهِ إِلَى بَيت كَانَ لَهُ فِي النَّار، فَيُقَال لَهُ: هَذَا بَيْتك كَانَ فِي النَّار، وَلَكِن الله عصمك ورحمك فأبدلك بِهِ بَيْتا فِي الْجنَّة. فَيَقُول: دَعونِي حَتَّى أذهب، فأبشر أَهلِي. فَيُقَال لَهُ: اسكن. وَإِن الْكَافِر إِذا وضع فِي قَبره أَتَاهُ ملك فينتهره، فَيَقُول لَهُ: مَا كنت تعبد؟ فَيَقُول: لَا أَدْرِي. فَيَقُول لَهُ: لَا دَريت وَلَا تليت. فَيُقَال لَهُ: مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل؟ فَيَقُول: كنت أَقُول مَا يَقُول النَّاس. فَيَضْرِبُونَهُ بمطراق من حَدِيد بَين أُذُنَيْهِ، فَيَصِيح صَيْحَة يسْمعهَا الْخلق غير الثقلَيْن ".
عبد بن حميد: أخبرنَا يزِيد بن هَارُون، أَنا ابْن أبي ذِئْب، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء، عَن ذكْوَان، عَن عَائِشَة قَالَت: " جَاءَت يَهُودِيَّة، فاستطعمت

(3/359)


على بَابي، فَقَالَت: أَطْعمُونِي أعاذكم الله من فتْنَة عَذَاب الْقَبْر وَمن فتْنَة الدَّجَّال. فَلم أزل أحبسها حَتَّى جَاءَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقلت: يَا رَسُول الله، مَا تَقول هَذِه الْيَهُودِيَّة؟ قَالَ: وَمَا تَقول؟ قلت: تَقول: أعاذكم الله من فتْنَة عَذَاب الْقَبْر وَمن فتْنَة الدَّجَّال. قَالَت عَائِشَة: فَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرفع يَدَيْهِ مدا يستعيذ بِاللَّه من فتْنَة الدَّجَّال وَمن فتْنَة عَذَاب الْقَبْر. قَالَ: ثمَّ قَالَ: أما فتْنَة الدَّجَّال فَإِنَّهُ لم يكن نَبِي إِلَّا وَقد حذره أمته، وسأحذركموه تحذيراً لم يحذرهُ نَبِي أمته، إِنَّه أَعور وَإِن الله لَيْسَ بأعور، بَين عَيْنَيْهِ مَكْتُوب كَافِر يَقْرَؤُهُ كل مُؤمن، وَأما فتْنَة الْقَبْر فِي تفتنون، وعني تسْأَلُون، فَإِذا كَانَ الرجل [الصَّالح] أَجْلِس فِي قَبره غير فزع وَلَا مشغوف، فَيُقَال لَهُ: فيمَ كنت؟ فَيَقُول: فِي الْإِسْلَام. فَيُقَال: مَا هَذَا الرجل الَّذِي كَانَ فِيكُم؟ فَيَقُول: مُحَمَّد رَسُول الله، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ من عِنْد الله فَآمَنا بِهِ وصدقناه. قَالَ: فَيُقَال لَهُ: فَهَل رَأَيْت الله؟ فَيَقُول: مَا يَنْبَغِي لأحد أَن يرى الله. فيفرج لَهُ فُرْجَة قبل النَّار. فَينْظر إِلَيْهَا يحطم بَعْضهَا بَعْضًا، فَيُقَال لَهُ: انْظُر إِلَى مَا وقاك الله. ثمَّ يفرج لَهُ فُرْجَة إِلَى الْجنَّة، فَينْظر إِلَى زهرتها وَمَا فِيهَا، فَيُقَال لَهُ: هَذَا مَقْعَدك مِنْهَا. وَيُقَال لَهُ: على الْيَقِين كنت، وَعَلِيهِ مت، وَعَلِيهِ تبْعَث إِن شَاءَ الله. وَإِذا كَانَ الرجل [السوء] أَجْلِس فِي قَبره مشغوفاً، فَيُقَال لَهُ: فيمَ كنت؟ فَيَقُول: لَا أَدْرِي. فَيُقَال لَهُ: مَا هَذَا الرجل الَّذِي كَانَ فِيكُم؟ فَيَقُول: سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ قولا فَقلت كَمَا قَالُوا. فتفرج لَهُ فُرْجَة قبل الْجنَّة، فَينْظر إِلَى زهرتها وَمَا فِيهَا، فَيُقَال لَهُ: انْظُر إِلَى مَا صرف الله عَنْك. ثمَّ تفرج لَهُ فُرْجَة قبل النَّار، فَينْظر إِلَيْهَا يحطم بَعْضهَا بَعْضًا، فَيُقَال لَهُ: هَذَا مَقْعَدك مِنْهَا، على الشَّك كنت، وَعَلِيهِ مت، وَعَلِيهِ تبْعَث إِن شَاءَ الله. ثمَّ يعذب ".
قَالَ ابْن أبي ذِئْب: قَالَ مُحَمَّد بن عَمْرو، فَحَدثني سعيد بن [يسَار] ،

(3/360)


عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الْمَيِّت تحضره الْمَلَائِكَة، فَإِذا كَانَ الرجل الصَّالح قَالَ: اخْرُجِي أيتها الرّوح الطّيبَة كَانَت فِي الْجَسَد الطّيب، أَخْرِجِي حميدة، وَأَبْشِرِي بِروح وَرَيْحَان وَرب غير غَضْبَان، فَلَا يزَال يُقَال لَهَا ذَلِك حَتَّى تخرج ويعرج بهَا إِلَى السَّمَاء، فيستفتح لَهَا فَيُقَال: من هَذَا؟ فَيُقَال: فلَان. فَيَقُولُونَ: مرْحَبًا بِالروحِ الطّيبَة كَانَت فِي الْجَسَد الطّيب، ادخلي حميدة، وَأَبْشِرِي بِروح وَرَيْحَان وَرب غير غَضْبَان. فَلَا يزَال يُقَال لَهَا ذَلِك حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى السَّمَاء الَّتِي فِيهَا الله - تبَارك وَتَعَالَى - وَإِذا كَانَ الرجل السوء قَالُوا: اخْرُجِي أيتها الرّوح الخبيثة كَانَت فِي الْجَسَد الْخَبيث، اخْرُجِي ذميمة، وَأَبْشِرِي بحميم وغساق، وَآخر من شكله أَزوَاج، فَلَا يزَال يُقَال لَهَا ذَلِك حَتَّى تخرج ويعرج بهَا إِلَى السَّمَاء، فَيُقَال: من هَذَا؟ فَيُقَال: فلَان. فَيُقَال: لَا مرْحَبًا بِالنَّفسِ الخبيثة كَانَت فِي الْجَسَد الْخَبيث، ارجعي ذميمة فَإِنَّهُ لَا يفتح لَك أَبْوَاب السَّمَاء، فَيُرْسل من السَّمَاء، ثمَّ يصيران إِلَى الْقَبْر، فيجلس الرجل الصَّالح، فَيُقَال لَهُ ... . " فَيرد مَا فِي حَدِيث عَائِشَة " وَيجْلس الرجل السوء فَيُقَال لَهُ ... . " فَيرد مَا فِي حَدِيث عَائِشَة سَوَاء.
قَالَ عبد: وَأَخْبرنِي عَمْرو بن عون، أَنا أَبُو عوَانَة، عَن الْأَعْمَش، عَن الْمنْهَال بن عَمْرو، عَن زَاذَان أبي عمر، عَن الْبَراء بن عَازِب، قَالَ: " خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي جَنَازَة رجل من الْأَنْصَار، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْر وَلما يلْحد، فَجَلَسَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَجَلَسْنَا حوله كَأَنَّمَا على رءوسنا الطير، فَجعل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يرفع بَصَره ينظر إِلَى السَّمَاء وينكت فِي الأَرْض يحدث نَفسه، ثمَّ قَالَ: أعوذ بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر - مرَارًا - ثمَّ قَالَ: إِن الرجل إِذا كَانَ فِي قبل من الْآخِرَة، وَانْقِطَاع من الدُّنْيَا، أَتَاهُ ملك الْمَوْت فَجَلَسَ عِنْد رَأسه إِن كَانَ مُسلما قَالَ: اخْرُجِي أيتها النَّفس الطّيبَة إِلَى مغْفرَة من الله ورضوان. قَالَ: فَتخرج نَفسه تسيل كَمَا تسيل قَطْرَة السقاء، وتنزل مَلَائِكَة من السَّمَاء بيض الْوُجُوه كَأَن وُجُوههم الشَّمْس، مَعَهم أكفان من أكفان الْجنَّة، وحنوط من حنوط الْجنَّة، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مد الْبَصَر، فَإِذا أَخذهَا قَامُوا إِلَيْهِ، فَلم يتركوها فِي يَده طرفَة عين فَذَلِك قَول الله - عز وَجل -: {إِذا

(3/361)


جَاءَ أحدكُم الْمَوْت توفته رسلنَا وهم لَا يفرطون} قَالَ: فَتخرج مِنْهُ مثل أطيب ريح وجدت على وَجه الأَرْض قَالَ: فيصعدون بِهِ فَلَا يَمرونَ على جند من الْمَلَائِكَة فِيمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض إِلَّا قَالُوا: مَا هَذِه الرّوح الطّيبَة؟ فَقَالُوا: هَذَا فلَان. بِأَحْسَن أَسْمَائِهِ، فَإِذا انْتَهوا بِهِ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا، قَالُوا: مَا هَذَا الرّوح الطّيب؟ فَقَالُوا: هَذَا فلَان. فَيفتح لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء، ويشيعه من كل سَمَاء مقربوها، حَتَّى ينتهى بهَا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة، قَالَ: فَيُقَال: اكتبوا كِتَابه فِي عليين، وَمَا أَدْرَاك مَا عليون، كتاب مرقوم، فارجعوه إِلَى الأَرْض، فَإِنِّي وعدتهم أَن مِنْهَا خلقتهمْ، وفيهَا أعيدهم، وَمِنْهَا أخرجهم تَارَة أُخْرَى. قَالَ: فترجع روحه فِي جسده. قَالَ: وَيبْعَث الله إِلَيْهِ ملكَيْنِ شَدِيدا الِانْتِهَار فيجلسانه وينتهرانه، فَيَقُولَانِ لَهُ: من رَبك؟ فَيَقُول: رَبِّي الله. فَيَقُولَانِ: مَا هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم؟ فَيَقُول: رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا يدْريك؟ فَيَقُول: قَرَأت كتاب الله فآمنت بِهِ وصدقت، فَذَلِك قَول الله - عز وَجل -: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} وينادي مُنَاد من السَّمَاء: أَن قد صدق، فألبسوه من الْجنَّة، وأفرشوا لَهُ من الْجنَّة، وأروه منزله من الْجنَّة. قَالَ: فيلبس من الْجنَّة، ويفرش لَهُ من الْجنَّة، وَيرى منزله من الْجنَّة، ويفسح لَهُ فِي قَبره مد بَصَره. قَالَ: ويمثل لَهُ رجل حسن الْوَجْه، حسن الثِّيَاب، طيب الرّيح، قَالَ: فَيَقُول لَهُ: أبشر بِمَا أعد الله لَك من الْكَرَامَة، هَذَا يَوْمك الَّذِي كنت توعد. قَالَ: فَيَقُول: وَمن أَنْت رَحِمك الله؟ فوَاللَّه لوجهك الْوَجْه جَاءَ بِالْخَيرِ. قَالَ: فَيَقُول: أَنا عَمَلك الصَّالح، وَالله مَا علمت إِن كنت لحريصاً على طَاعَة الله، بطيئاً عَن مَعْصِيّة الله، فجزاك الله خيرا. قَالَ: فَيَقُول: رب أقِم السَّاعَة لكَي أرجع إِلَى أَهلِي وَمَالِي ".
قَالَ الْأَعْمَش: وحَدثني أَبُو صَالح، حَدثنِي بعض أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَنه قَالَ: " يُقَال لَهُ: نم. قَالَ: فينام ألذ نومَة نامها نَائِم قطّ حَتَّى توقظه السَّاعَة ".

(3/362)


ثمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيث الْبَراء قَالَ: " وَإِن كَانَ فَاجِرًا إِذا كَانَ فِي انْقِطَاع من الدُّنْيَا وإقبال من الْآخِرَة جَاءَهُ ملك الْمَوْت فيجلس عِنْد رَأسه، فَيَقُول: اخْرُجِي أيتها النَّفس الخبيثة إِلَى غضب وَسخط من الله. قَالَ: فَتفرق روحه فِي جسده، قَالَ: يستخرجها يقطع مِنْهَا الْعُرُوق والعصب كَمَا يسْتَخْرج الصُّوف المبلول بالسفود، قَالَ: وَينزل مَلَائِكَة من السَّمَاء سود الْوُجُوه مَعَهم المسوح، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مد الْبَصَر، فَإِذا وَقعت فِي يَد ملك الْمَوْت قَامَ إِلَيْهَا مَلَائِكَة فَلم يتركوها فِي يَده طرفَة عين، قَالَ: وَتخرج مِنْهُ مثل أنتن ريح جيفة وجدت على وَجه الأَرْض، فيصعدون بِهِ، فَلَا يَمرونَ على جند من الْمَلَائِكَة فِيمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرّوح الْخَبيث؟ فَيَقُولُونَ: هَذَا فلَان بِأَسْوَأ أَسْمَائِهِ. قَالَ: فَإِذا انتهي بِهِ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا، أغلقت دونه فَلم تفتح لَهُ، وينادي مُنَاد: أَن اكتبوا كِتَابه فِي سِجِّين، فأرجعوه إِلَى الأَرْض، فَإِنِّي وعدتهم أَن مِنْهَا خلقتهمْ، وفيهَا أعيدهم، وَمِنْهَا أخرجهم تَارَة أُخْرَى، قَالَ: فَيرمى بِهِ من السَّمَاء فَذَلِك قَول الله - تبَارك وَتَعَالَى -: {وَمن يُشْرك بِاللَّه فَكَأَنَّمَا خر من السَّمَاء فتخطفه الطير أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق} قَالَ: فتعاد روحه فِي جسده، ويأتيه ملكان شَدِيدا الِانْتِهَار فيجلسانه وينتهرانه، قَالَ: فَيَقُولَانِ لَهُ: من رَبك؟ فَيَقُول: لَا أَدْرِي. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا النَّبِي الَّذِي بعث فِيكُم؟ قَالَ: فَيَقُول: لَا أَدْرِي. (يَقُولُونَ: ذَاك لَا أَدْرِي) . قَالَ: فَيَقُولَانِ لَهُ: لَا دَريت. قَالَ: وَذَلِكَ قَول الله - تبَارك وَتَعَالَى -: {ويضل الله الظَّالِمين وَيفْعل الله مَا يَشَاء} . قَالَ: وينادي مُنَاد من السَّمَاء: أَن قد كذب، فألبسوه من النَّار، وأفرشوه من النَّار، وأروه من منزله من النَّار. قَالَ: فيكسى من النَّار، ويفرش لَهُ من النَّار، وَيرى مِنْهَا منزله، قَالَ: ويضيق عَلَيْهِ قَبره حَتَّى تخْتَلف أضلاعه. قَالَ: ويمثل لَهُ رجل قَبِيح المنظر، قَبِيح الثِّيَاب، منتن الرّيح فَيَقُول: أبشر بِالَّذِي يسوءك، أبشر بغضب من الله وَسخط، هَذَا يَوْمك الَّذِي كنت توعد، هَذَا

(3/363)


يَوْمك الَّذِي كنت تكذب بِهِ، قَالَ: فيقوله لَهُ: وَيلك وَمن أَنْت؟ فو الله لوجهك الْوَجْه جَاءَ بِالشَّرِّ. قَالَ: فَيَقُول: أَنا عَمَلك الْخَبيث، وَالله مَا علمت إِن كنت لبطيئاً عَن طَاعَة الله، حَرِيصًا على مَعْصِيّة الله، فجزاك الله عني شَرّ الْجَزَاء. قَالَ: فَيَقُول: رب لَا تقم السَّاعَة. مِمَّا يرى مِمَّا أعد الله لَهُ ".
الْمنْهَال بن عَمْرو وَثَّقَهُ يحيى بن معِين، وَأَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ، تَركه شُعْبَة، قَالَ ابْن أبي حَاتِم: إِنَّمَا تَركه لِأَنَّهُ سمع من دَاره صَوت قِرَاءَة بالتطريب.
وَذكر ابْن أبي خَيْثَمَة أَنه سمع فِي دَاره صَوت غناء؛ فَلذَلِك تَركه.
تمّ كتاب الزّهْد والورع والتوكل وَالرَّقَائِق وَالْحَمْد لله.
يتلوه كتاب الْحَشْر وَالْجنَّة وَالنَّار - إِن شَاءَ الله.

(3/364)