الأحكام الشرعية الكبرى

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد نبيك الْكَرِيم
كتاب الْحَشْر وَالْجنَّة وَالنَّار بَاب قرب السَّاعَة
وَقَول الله تَعَالَى: {وَمَا أَمر السَّاعَة إِلَّا كلمح الْبَصَر أَو هُوَ أقرب} وَقَوله عز وَجل: {يَسْأَلُونَك عَن السَّاعَة أَيَّانَ مرْسَاها قل إِنَّمَا علمهَا عِنْد رَبِّي لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ ثقلت فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض لَا تَأْتيكُمْ إِلَّا بَغْتَة} .
البُخَارِيّ: حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم، ثَنَا أَبُو غَسَّان، حَدثنِي أَبُو حَازِم، عَن سهل قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " بعثت أَنا والساعة هَكَذَا. وَيُشِير بإصبعيه فيمدهما ".
البُخَارِيّ: ثَنَا أَبُو الْيَمَان، أَنا شُعَيْب، ثَنَا أَبُو الزِّنَاد، عَن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا [تقوم] السَّاعَة حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا، فَإِذا طلعت من مغْرِبهَا فرآها النَّاس آمنُوا أَجْمَعِينَ، فَذَلِك حِين لَا ينفع نفسا إيمَانهَا، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقد انْصَرف الرجل بلين لقحته فَلَا يطعمهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَهُوَ يليط حَوْضه فَلَا يسْقِي فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقد رفع أَكلته إِلَى فِيهِ فَلَا يطْعمهَا ".
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، عَن الْعَوام قَالَ: حَدثنِي جبلة بن سحيم، عَن مُؤثر بن عفازة، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: " لما كَانَ

(3/365)


لَيْلَة أسرِي برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَقِي إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فتذاكروا السَّاعَة مَتى هِيَ، فبدءوا بإبراهيم، فَسَأَلُوهُ عَنْهَا فَلم يكن عِنْده مِنْهَا علم، فسألوا مُوسَى، فَلم يكن عِنْده مِنْهَا علم، فَردُّوا الحَدِيث إِلَى عِيسَى فَقَالَ: عهد الله إِلَى فَمَا دون وجبتها، فَأَما وجبتها فَلَا يعلمهَا إِلَّا الله، فَذكر من خُرُوج الدَّجَّال فأهبط وأقتله، فَيرجع النَّاس إِلَى بِلَادهمْ، فيستقبلهم يَأْجُوج وَمَأْجُوج، وهم من كل حدب يَنْسلونَ، لَا يَمرونَ بِمَاء إِلَّا شربوه، وَلَا بِشَيْء إِلَّا أفسدوه، فيجأرون إِلَيّ، فأدعو الله فيميتهم، فتجوى الأَرْض من ريحهم، فيجأرون إِلَيّ، فأدعو - الله تَعَالَى - فَيُرْسل السَّمَاء بِالْمَاءِ فَتحمل أجسامهم، فتلقيها فِي الْبَحْر، ثمَّ تنسف الْجبَال، وتمد الأَرْض مد الْأَدِيم، فعهد الله إِذا كَانَ ذَلِك فَإِن السَّاعَة من النَّاس كالحامل المتم، لَا يدْرِي أَهلهَا مَتى تفاجئهم [بولادتها] لَيْلًا أَو نَهَارا ".
قَالَ الْعَوام: فَوجدت تَصْدِيق ذَلِك فِي كتاب الله، وَقَرَأَ: {حَتَّى إِذا فتحت يَأْجُوج وَمَأْجُوج وهم من كل حدب يَنْسلونَ. واقترب الْوَعْد الْحق ... .} ".
مُؤثر بن [غفازة] شيباني، يكنى أَبَا الْمثنى.

بَاب أَي يَوْم تقوم السَّاعَة
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، أَنا الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " خير يَوْم طلعت فِيهِ الشَّمْس يَوْم الْجُمُعَة، فِيهِ خلق آدم، وَفِيه أَدخل الْجنَّة، وَفِيه أخرج مِنْهَا، وَلَا تقوم السَّاعَة إِلَّا فِي يَوْم الْجُمُعَة ".

(3/366)


قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيث أبي هُرَيْرَة حَدِيث حسن صَحِيح.
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا أَبُو عَامر الْعَقدي، ثَنَا زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل بن سعيد بن سعد بن عبَادَة، عَن جده، عَن سعد بن عبَادَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " سيد الْأَيَّام يَوْم الْجُمُعَة، فِيهِ خمس خلال: فِيهِ خلق الله آدم، وَفِيه أهبط، وَفِيه توفّي الله آدم، وَفِيه سَاعَة لَا يسْأَل العَبْد ربه شَيْئا فِيهَا إِلَّا آتَاهُ، مَا لم يسْأَل إِثْمًا أَو قطيعة رحم، وَفِيه تقوم السَّاعَة، وَمَا من ملك مقرب وَلَا سَمَاء وَلَا أَرض وَلَا جبال وَلَا ريَاح وَلَا بَحر إِلَّا وَهُوَ يشفق من يَوْم الْجُمُعَة أَن تقوم السَّاعَة فِيهِ ".
وَهَذَا الْكَلَام لَا نعلمهُ يرْوى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَإِسْنَاده صَالح.
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا هَارُون بن عبد الله، ثَنَا حُسَيْن بن عَليّ، عَن عبد الرَّحْمَن ابْن يزِيد بن جَابر، عَن أبي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ، عَن أَوْس بن أَوْس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن أفضل أيامكم يَوْم الْجُمُعَة، فِيهِ خلق آدم، وَفِيه قبض، وَفِيه النفخة، وَفِيه الصعقة، فَأَكْثرُوا عَليّ من الصَّلَاة فِيهِ؛ فَإِن صَلَاتكُمْ معروضة عَليّ. قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول الله، وَكَيف تعرض صَلَاتنَا عَلَيْك وَقد أرمت؟ - قَالَ: يَقُولُونَ: بليت - فَقَالَ: إِن الله حرم على الأَرْض أَن تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء ".
قَالَ أَبُو عِيسَى فِي كتاب " الْعِلَل ": سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ لَا أعرفهُ إِلَّا من حَدِيث حُسَيْن الْجعْفِيّ. قَالَ: وَرَأى هَذَا عبد الرَّحْمَن بن يزِيد ابْن تَمِيم، وَهُوَ مُنكر الحَدِيث، قَالَ: وَأَبُو أُسَامَة وَغَيره يروون عَن عبد الرَّحْمَن ابْن يزِيد بن جَابر، وَهُوَ عِنْدِي عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم. وَذكر أَبُو مُحَمَّد ابْن أبي حَاتِم عبد الرَّحْمَن بن تَمِيم، وَذكر تَضْعِيفه عَن أَحْمد بن حَنْبَل وَأبي زرْعَة وَأبي حَاتِم، وَقَالَ: يُقَال هُوَ الَّذِي روى عَنهُ أَبُو أُسَامَة وحسين الْجعْفِيّ، فَقَالَا:

(3/367)


عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر. قَالَ ابْن أبي حَاتِم: قدم الْكُوفَة عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم وَيزِيد بن يزِيد بن جَابر، ثمَّ قدم عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر بعد ذَلِك بدهر، فَالَّذِي يحدث عَنهُ أَبُو أُسَامَة لَيْسَ هُوَ ابْن جَابر.

بَاب ذكر النفخ فِي الصُّور
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُوَيْد، أَنا عبد الله، أَنا أَبُو الْعَلَاء، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَيفَ أنعم وَصَاحب الْقرن قد الْتَقم الْقرن، واستمع الْإِذْن مَتى يُؤمر بالنفخ فينفخ. فَكَأَن ذَلِك ثقل على أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَ لَهُم: قُولُوا: حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل، على الله توكلنا ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن.
الْبَزَّار: حَدثنَا أَحْمد بن سِنَان الوَاسِطِيّ، ثَنَا أَبُو أَحْمد، ثَنَا خَالِد بن طهْمَان، عَن عَطِيَّة، [عَن] أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَيفَ أنعم وَصَاحب الْقرن الْتَقم الْقرن، وحنى الْجَبْهَة واستمع الْإِذْن مَتى يُؤمر بالنفخة فينفخ. فَكَأَن ذَلِك شاق على أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَ: قُولُوا: حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل ".
قَالَ: وثنا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، ثَنَا روح بن عبَادَة، ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عمار الدهني، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَيفَ أنعم وَصَاحب الْقرن قد الْتَقم الْقرن، وحنى جَبهته ينْتَظر مَتى يُؤمر، قُلْنَا: يَا رَسُول الله، مَا تَأْمُرنَا؟ قَالَ: قُولُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل ".
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا سُفْيَان - يَعْنِي: الثَّوْريّ - عَن الْأَعْمَش، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَيفَ أنعم وَصَاحب الصُّور شاخص بَصَره محن ظَهره ينْتَظر مَتى يُؤمر فينفخ فِيهِ؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله، مَاذَا نقُول؟ قَالَ: قُولُوا: حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل ".

(3/368)


رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: عَن ابْن أبي عمرَان، عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن جَعْفَر الْوَركَانِي، كِلَاهُمَا عَن جرير، عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح، عَن أبي
سعيد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَرَوَاهُ أَيْضا عَن أبي أُميَّة، عَن أَحْمد بن عبد الله بن أبي شُعَيْب الْحَرَّانِي، عَن مُوسَى بن أعين، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُوَيْد بن نصر، حَدثنَا عبد الله بن الْمُبَارك، أَنا سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أسلم الْعجلِيّ، عَن بشر بن شغَاف، عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، قَالَ: " جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَ: مَا الصُّور؟ قَالَ: قرن ينْفخ فِيهِ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن، وَقد روى غير وَاحِد عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، وَلَا نعرفه إِلَّا من حَدِيثه، انْتهى كَلَام أبي عِيسَى. أسلم الْعجلِيّ وَبشر بن شغَاف ثقتان.

بَاب كم بَين النفختين
مُسلم: حَدثنَا أَبُو كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا بَين النفختين أَرْبَعُونَ. قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَة، أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبيت. قَالُوا: أَرْبَعُونَ شهرا؟ قَالَ: أَبيت. قَالُوا: أَرْبَعُونَ سنة؟ قَالَ: أَبيت. ثمَّ ينزل من السَّمَاء مَاء فينبتون كَمَا ينْبت البقل. قَالَ: وَلَيْسَ من الْإِنْسَان شَيْء إِلَّا يبْلى إِلَّا عظما وَاحِدًا، وَهُوَ عجب الذَّنب، وَمِنْه يركب الْخلق يَوْم الْقِيَامَة ".

(3/369)


بَاب قَول الله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يبْدَأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ}
النَّسَائِيّ: أخبرنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان، ثَنَا شُعَيْب بن اللَّيْث، ثَنَا اللَّيْث، عَن ابْن عجلَان، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " قَالَ الله - تبَارك وَتَعَالَى -: كَذبَنِي ابْن آدم، وَلم يكن يَنْبَغِي لَهُ أَن يكذبنِي، وَشَتَمَنِي ابْن آدم، وَلم يكن يَنْبَغِي لَهُ أَن يَشْتمنِي أما تَكْذِيبه إيَّايَ فَقَوله: إِنِّي لَا أُعِيدهُ كَمَا بَدأته، وَلَيْسَ آخر الْخلق أعز عَليّ من أَوله، وَأما شَتمه إيَّايَ فَقَوله: اتخذ الله ولدا، وَأَنا الله الْأَحَد الصَّمد، لم أَلد وَلم أولد، وَلم يكن لي كفوا أحد ".
أَبُو بكر بن أبي خَيْثَمَة قَالَ: ثَنَا إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة الزبيدِيّ قَالَا: ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن خَالِد بن حزَام الْقرشِي الْأَسدي، عَن عبد الرَّحْمَن بن عائش المسمعي الْأنْصَارِيّ، عَن دلهم بن الْأسود بن عبد الله بن حَاجِب بن عَامر بن المنتفق الْعقيلِيّ، قَالَ ابْن الْمُنْذر: عَن جده عبد الله، وَقَالَ ابْن حَمْزَة: عَن أَبِيه، قَالَا جَمِيعًا: عَن لَقِيط بن عَامر " خرج وافداً إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَعَهُ صَاحب لَهُ يُقَال لَهُ: نهيك بن عَاصِم بن المنتفق، قَالَ لَقِيط: فَخرجت أَنا وَصَاحب لي حَتَّى قدمنَا على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَدِينَة لانسلاخ رَجَب، فأتينا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين انْصَرف من صَلَاة الْغَدَاة، فَقَامَ فِي النَّاس خَطِيبًا، فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، أَلا إِنِّي قد خبأت لكم صوتي مُنْذُ أَرْبَعَة أَيَّام إِلَّا لأسمعنكم، أَلا فَهَل من امْرِئ بَعثه قومه، فَقَالُوا لَهُ: اعْلَم لنا مَا يَقُول رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَلا ثمَّ لَعَلَّه أَن يلهيه حَدِيث نَفسه أَو حَدِيث صَاحبه أَو يلهيه الضلال، أَلا إِنِّي مسئول هَل بلغت؟ أَلا اسمعوا تعيشوا، أَلا اجلسوا أَلا اجلسوا. فَجَلَسَ النَّاس وَقمت أَنا وصاحبي حَتَّى إِذا فرغ لنا فُؤَاده وبصره قلت: يَا رَسُول الله، مَا عنْدك من علم الْغَيْب؟ فَضَحِك لعمر الله، وهز رَأسه، وَزعم أَنِّي أَبْتَغِي سقطة، فَقَالَ: ضن رَبك بِخمْس من الْغَيْب لَا يعلمهَا إِلَّا الله. وَأَشَارَ بِيَدِهِ، قلت: وَمَا هن يَا رَسُول الله؟ قَالَ: علم

(3/370)


الْمنية، قد علم مَتى منية أحدكُم، وَلَا تعلمونه، وَعلم الْمَنِيّ مَتى يكون فِي الرَّحِم، وَقد علمه وَلَا تعلمونه، وَعلم مَا فِي غَد، قد علم مَا أَنْت طاعم غَدا وَلَا تعلمه، وَعلم يَوْم الْغَيْث يشرف عَلَيْكُم أزلين مشفقين، فيظل يضْحك قد علم أَن غوثكم قريب. قَالَ لَقِيط: لم نعدم من رب يضْحك خيرا. قَالَ: وَعلم يَوْم السَّاعَة. قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي سَائِلك عَن حَاجَتي، فَلَا تعجلني، قَالَ: سل عَمَّا شِئْت قلت: يَا رَسُول الله، علمنَا مَا تعلم النَّاس، وَمَا تعلم فَإنَّا من قبيل لَا يصدقون تصديقنا أحدا من مذْحج الَّتِي تربو علينا، وخثعم الَّتِي توالينا، وعشيرتنا الَّتِي نَحن مِنْهَا. فَقَالَ: تلبثون مَا لبثتم ثمَّ يتوفى نَبِيكُم، ثمَّ تلبثون [مَا لبثتم] ثمَّ تبْعَث الصَّيْحَة، فلعمر إلهك مَا تدع على ظهرهَا من شَيْء إِلَّا مَاتَ وَالْمَلَائِكَة الَّذين مَعَ رَبك، فَأصْبح رَبك يطوف فِي الأَرْض، وخلت عَلَيْهِ الْبِلَاد، فَأرْسل رَبك السَّمَاء بهضب من عِنْد الْعَرْش، فلعمر إلهك مَا تدع على ظهرهَا من مصرع قَتِيل، وَلَا مدفن ميت إِلَّا شقَّتْ الْقَبْر عَنهُ حَتَّى يخلقه من قبل رَأسه، حَتَّى يَسْتَوِي جَالِسا يَقُول: رَبك: مَهيم لما كَانَ فِيهِ، فَيَقُول: يَا رب، أمتني أمس، أَو الْيَوْم. لعهده بِالْحَيَاةِ يحسبه حَدِيثا بأَهْله، فَقلت: يَا رَسُول الله، كَيفَ يجمعنا بَعْدَمَا تمزقنا الرِّيَاح والبلى وَالسِّبَاع؟ قَالَ: أنبئك فِي مثل ذَلِك فِي إل الله، الأَرْض أشرفت عَلَيْهَا وَهِي مَدَرَة بالية. فَقلت: لَا تحيا أبدا، ثمَّ أرسل رَبك عَلَيْهَا السَّمَاء، فَلم تلبث عَلَيْهَا إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى أشرفت عَلَيْهَا، فَإِذا هِيَ شرية وَاحِدَة، فلعمر إلهك، لَهو أقدر على أَن يجمعكم من المَاء على أَن يجمع نَبَات الأَرْض، فتخرجون من الأصواء وَمن مصارعكم، فتنظرون إِلَيْهِ سَاعَة وَينظر إِلَيْكُم. قَالَ: قلت: كَيفَ يَا رَسُول الله، وَنحن ملْء الأَرْض وَهُوَ شخص وَاحِد ينظر إِلَيْنَا وَنَنْظُر إِلَيْهِ؟ قَالَ: أتبئكم بِمثل ذَلِك فِي إل الله، الشَّمْس وَالْقَمَر آيَة صَغِيرَة ترونها سَاعَة وَاحِدَة، ويريانكم لَا تضَامون فِي رُؤْيَتهمَا، ولعمر إلهك لَهو أقدر على أَن يراكم وترونه [من أَن ترونها] . قلت: يَا رَسُول الله، فَمَا يفعل بِنَا رَبنَا إِذا لقيناه؟ قَالَ: تعرضون عَلَيْهِ بادية لَهُ صفحاتكم لَا تخفى

(3/371)


عَلَيْهِ مِنْكُم خافية، فَيَأْخُذ رَبك بِيَدِهِ غرفَة من المَاء فينضح بهَا قبلكُمْ، فلعمر إلهك مَا تخطيء وَجه وَاحِد مِنْكُم مِنْهَا قَطْرَة، فَأَما الْمُسلم فتدع وَجهه مثل الريطة الْبَيْضَاء، وَأما الْكَافِر فتحطمه مثل الْحَمِيم الْأسود. أَلا ثمَّ ينْصَرف نَبِيكُم، وَيفرق على أَثَره الصالحون، فيسلكون جِسْرًا من النَّار يطَأ أحدكُم الجمره يَقُول: حس. يَقُول رَبك: أَو إِنَّه أَلا فتطلعون على حَوْض الرَّسُول على أظمأ وَالله ناهلة قطّ رَأَيْتهَا فلعمر إلهك مَا يبسط وَاحِد مِنْكُم يَده إِلَّا وَقع عَلَيْهِ قدح يطهره من الطوف وَالْبَوْل والأذى، وتحبس الشَّمْس وَالْقَمَر فَلَا ترَوْنَ مِنْهُمَا وَاحِدًا. فَقلت: يَا رَسُول الله، فَبِمَ نبصر؟ قَالَ: بِمثل ساعتك هَذِه. وَذَلِكَ مَعَ طُلُوع الشَّمْس فِي يَوْم أسفرته الأَرْض، وواجهته الْجبَال. قَالَ: قلت: لم رَسُول الله، فبمَا نجزى من سيئاتنا وحسناتنا؟ قَالَ: الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا والسيئة بِمِثْلِهَا إِلَّا أَن يغْفر. قلت: يَا رَسُول الله، أما الْجنَّة أما النَّار؟ قَالَ: لعمرك إلهك إِن النَّار لَهَا لسبعة أَبْوَاب مَا مِنْهَا بَابَانِ إِلَّا يسير الرَّاكِب بَينهمَا سبعين عَاما، وَإِن للجنة لثمانية أَبْوَاب مَا مِنْهَا بَابَانِ إِلَّا يسير الرَّاكِب بَينهمَا سبعين عَاما. قلت: يَا رَسُول الله، فعلى مَا نطلع من الْجنَّة؟ قَالَ: على أَنهَار من عسل مصفى، وأنهار من كأس مَا بهَا صداع وَلَا ندامة، وأنهار من لبن لم يتَغَيَّر طعمه، وَمَاء غير آسن وبفاكهة، فلعمر إلهك مَا تعلمُونَ وَخير من مثله مَعَه، وَأَزْوَاج مطهرة. قلت: يَا رَسُول الله، إِن لنا فِيهَا أَزْوَاجًا، أَو مِنْهُنَّ مصلحات؟ قَالَ: الصَّالِحَات للصالحين تلذونهن مثل لذتكم فِي الدُّنْيَا ويلذونكم، غير أَن لَا توالد. قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، أقْصَى مَا نَحن بالغون ومنتهون إِلَيْهِ؟ فَلم يجبهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، على مَا أُبَايِعك؟ قَالَ: فَبسط النَّبِي - عَلَيْهِ السَّلَام - يَده، وَقَالَ: على إقَام الصَّلَاة، وإيتاء الزَّكَاة، وزيال الشّرك، وَلَا تشرك بِاللَّه إِلَهًا غَيره. قَالَ: قلت لَهُ: وَإِن لنا مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب؟ قَالَ: فَقبض النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَده وسط أَصَابِعه، وَظن أَنِّي مشترط شَيْئا لَا يعطينيه، قل: نحل مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا، وَلَا يجني على امْرِئ إِلَّا نَفسه. قَالَ: فَبسط يَده، وَقَالَ: ذَلِك لَك، تحل حَيْثُ شِئْت، وَلَا تجني عَلَيْك إِلَّا نَفسك. قَالَ: فانصرفنا عَنهُ، وَقَالُوا: هَاء إِن ذين هَاء إِن ذين - أرَاهُ قَالَ - لمن نفر لعمر إلهك، لمن نفر إِن حدثت؟ إِلَّا أَنهم من أتقى النَّاس لله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَقَالَ لَهُ كَعْب بن الخدارية - أحد بني أبي بكر بن

(3/372)


كلاب -: من هم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: بَنو المنتفق، بَنو المنتفق - قَالَهَا ثَلَاثًا - أهل ذَلِك مِنْهُم، أهل ذَلِك مِنْهُم. قَالَ: وانصرفنا وَأَقْبَلت عَلَيْهِ، فَقلت: يَا رَسُول الله، هَل لأحد مِمَّن مضى خير فِي جاهليتهم؟ فَقَالَ رجل من عرض قُرَيْش: وَالله إِن أَبَاك المنتفق لفي النَّار. قَالَ: فلكأنه وَقع حر بَين وَجْهي ولحمه مِمَّا قَالَ لأبي على رُءُوس النَّاس، قَالَ: فهممت أَن أَقُول: وَأَبُوك يَا رَسُول الله، ثمَّ إِذْ الْأُخْرَى أجمل، فَقلت: يَا رَسُول الله، وَأهْلك؟ قَالَ: وَأَهلي لعمر الله مَا أتيت عَلَيْهِ من قرشي أَو عامري مُشْرك، فَقل: أَرْسلنِي إِلَيْك مُحَمَّد فأبشرك بِمَا يسوءك تجر على وَجهك وبطنك فِي النَّار. فَقلت: يَا رَسُول الله، وَمَا فعل بهم ذَلِك، وَقد كَانُوا على عمل لَا يحسنون إِلَّا إِيَّاه، وَكَانُوا يحسبونهم مصلحين. قَالَ: ذَلِك بِأَن الله - جلّ ثَنَاؤُهُ - بعث فِي آخر كل سبع أُمَم نَبيا فَمن عصى نبيه كَانَ من الضَّالّين، وَمن أطَاع نبيه كَانَ من المهتدين ".
هَذَا لفظ ابْن الْمُنْذر ميزته من لفظ إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة، وَبَينهمَا اخْتِلَاف يسير، وَزَاد ابْن الْمُنْذر شَيْئا. قَالَ إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة فِي حَدِيثه: الْأنْصَارِيّ القباني من بني عَمْرو بن عَوْف، فَقَالَ: " حِين انْصَرف عَن صَلَاة الْغَدَاة " وَقَالَ: " بمفاتيح خمس من الْغَيْب لَا يعلمهُنَّ إِلَّا الله " وَلم يذكر قصَّة الْمَنِيّ، وَلَا ذكر قَول لَقِيط: " يَا رَسُول الله، إِنِّي سَائِلك عَن حَاجَتي، وَلَا تعجلني. قَالَ: سل عَمَّا شِئْت ". وَقَالَ: " ثمَّ تبْعَث الصائحة " وَقَالَ: " يخلقه من عِنْد رَأسه " وَقَالَ: " إِلَّا الله " فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَالَ: " فَلم يلبث عَلَيْهَا إِلَّا أَيَّامًا " وَقَالَ: " فتطفحه " وَقَالَ: " يفْتَرق على إثري الصالحون " وَقَالَ: " إِلَّا أَن يعفوا " وَقَالَ ابْن الخدارية: وَقَالَ: " بَنو المنتفق مرَّتَيْنِ " وَقَالَ: " أهل ذَلِك مِنْهُم " قَالَهَا مرّة وَاحِدَة، وَقَالَ: " على عمل لَا يحسبون ". بِالْبَاء، وَقَالَهَا ابْن الْمُنْذر بالنُّون.

بَاب يبْعَث كل أحد على نِيَّته وعَلى مَا مَاتَ عَلَيْهِ
مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، ثَنَا جرير، عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، عَن

(3/373)


عبيد الله بن الْقبْطِيَّة قَالَ: " دخل الْحَارِث بن أبي ربيعَة وَعبد الله بن صَفْوَان وَأَنا مَعَهُمَا على أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ، فَسَأَلَاهَا عَن الْجَيْش الَّذِي يخسف بِهِ، وَكَانَ ذَلِك فِي أَيَّام ابْن الزبير، فَقَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يعوذ عَائِذ بِالْبَيْتِ فيبعث إِلَيْهِ بعث فَإِذا كَانُوا ببيداء من الأَرْض خسف بهم. فَقلت: يَا رَسُول الله، فَكيف بِمن كَانَ كَارِهًا؟ قَالَ: يخسف بِهِ مَعَهم، وَلكنه يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة على نِيَّته ".
مُسلم: حَدثنِي حَرْمَلَة بن يحيى التجِيبِي، أَنا ابْن وهب، أَخْبرنِي يُونُس، عَن ابْن شهَاب، أَخْبرنِي حَمْزَة بن عبد الله بن عمر، أَن عبد الله بن عمر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا أَرَادَ الله بِقوم عذَابا أصَاب الْعَذَاب من كَانَ فيهم، ثمَّ بعثوا على أَعْمَالهم ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن عُثْمَان، أخبرنَا عبد الله، أَنا يُونُس بِهَذَا الْإِسْنَاد وَهَذَا الحَدِيث.
قَالَ مُسلم: وَحدثنَا قُتَيْبَة وَعُثْمَان بن أبي شيبَة، قَالَا: ثَنَا جرير، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي سُفْيَان، عَن جَابر قَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " يبْعَث كل عبد على مَا مَاتَ عَلَيْهِ ".

بَاب فِي النفخة الثَّانِيَة وَذكر أول من يفِيق مِنْهَا وَقَوله الله تَعَالَى: {وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله قُم نفخ فِيهِ أُخْرَى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ}
مُسلم: حَدثنِي زُهَيْر بن حَرْب وَأَبُو بكر بن النَّضر قَالَا: ثَنَا يَعْقُوب بن

(3/374)


إِبْرَاهِيم، أَنا أبي، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَعبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " استب رجلَانِ رجل من الْيَهُود وَرجل من الْمُسلمين، فَقَالَ الْمُسلم: وَالَّذِي اصْطفى مُحَمَّدًا على الْعَالمين. وَقَالَ الْيَهُودِيّ: وَالَّذِي اصْطفى مُوسَى على الْعَالمين. قَالَ: فَرفع الْمُسلم يَده عِنْد ذَلِك فلطم وَجه الْيَهُودِيّ، فَذهب الْيَهُودِيّ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَأخْبرهُ مَا كَانَ من أمره وَأمر الْمُسلم، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَا تخيروني على مُوسَى؛ فَإِن النَّاس يصعقون، فَأَكُون أول من يفِيق، فَإِذا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - باطش بِجَانِب الْعَرْش، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَن صعق فأفاق قبلي، أم كَانَ مِمَّن اسْتثْنى الله - عز وَجل ".
البُخَارِيّ: حَدثنِي الْحسن، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن خَلِيل، أخبرنَا عبد الرَّحِيم، عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة، عَن عَامر، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنِّي (من أول) من يرفع رَأسه بعد النفخة الْآخِرَة، فَإِذا أَنا بمُوسَى مُعَلّق بالعرش، فَلَا أَدْرِي أَكَذَلِك كَانَ أم بعد النفخة ".
وللبخاري أَيْضا فِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث: " فَإِذا أَنا بمُوسَى آخذ بقائمة من قَوَائِم الْعَرْش، فَلَا أَدْرِي أَفَاق قبلي أم جوزي بصعقة الطّور ".
رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف، عَن سُفْيَان، عَن عَمْرو بن يحيى، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

(3/375)


بَاب أَيْن يكون النَّاس يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات
مُسلم: حَدثنِي الْحسن بن عَليّ الْحلْوانِي، ثَنَا أَبُو تَوْبَة - وَهُوَ الرّبيع بن نَافِع - ثَنَا مُعَاوِيَة - يَعْنِي ابْن سَلام - عَن زيد - يَعْنِي أَخَاهُ - أَنه سمع أَبَا سَلام، قَالَ: حَدثنِي أَبُو أَسمَاء الرَّحبِي، أَن ثَوْبَان مولى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَدثهُ قَالَ: " كنت قَائِما عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فجَاء حبر من أَحْبَار الْيَهُود، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا مُحَمَّد. فَدَفَعته دفْعَة كَاد يصرع مِنْهَا، فَقَالَ: لم تدفعني. فَقلت: أَلا تَقول: يَا رَسُول الله. فَقَالَ الْيَهُودِيّ: إِنَّمَا نَدْعُوهُ باسمه الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهله. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِن اسْمِي مُحَمَّد الَّذِي سماني بِهِ أَهلِي. فَقَالَ الْيَهُودِيّ: جِئْت أَسأَلك. فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أينفعك شَيْء إِن حدثتك؟ قَالَ: أسمع بأذني. فَنكتَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِعُود مَعَه، فَقَالَ: سل. فَقَالَ الْيَهُودِيّ: أَيْن يكون النَّاس يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: هم فِي الظلمَة دون الجسر. فَقَالَ: فَمن أول النَّاس إجَازَة؟ قَالَ: فُقَرَاء الْمُهَاجِرين. قَالَ الْيَهُودِيّ: فَمَا تحفتهم حِين يدْخلُونَ الْجنَّة؟ قَالَ: زِيَادَة كبد النُّون. قَالَ: فَمَا غذاؤهم على إثْرهَا؟ قَالَ: ينْحَر لَهُم ثَوْر الْجنَّة الَّذِي كَانَ يَأْكُل من أطرافها. قَالَ: فَمَا شرابهم عَلَيْهِ؟ قَالَ: من عين فِيهَا تسمى سلسبيلا. قَالَ: صدقت. قَالَ: وَجئْت أَسأَلك عَن شَيْء لَا يُعلمهُ أحد من أهل الأَرْض إِلَّا نَبِي، أَو رجل، أَو رجلَانِ. قَالَ: ينفعك إِن حدثتك؟ قَالَ: أسمع بأذني. قَالَ: جِئْت أَسأَلك عَن الْوَلَد. قَالَ: مَاء الرجل أَبيض، وَمَاء الْمَرْأَة أصفر، فَإِذا اجْتمعَا فعلا مني الرجل مني الْمَرْأَة أذكرا بِإِذن الله، وَإِذا علا مني الْمَرْأَة مني الرجل أنثا بِإِذن الله. قَالَ الْيَهُودِيّ: لقد صدقت، وَإنَّك لنَبِيّ، ثمَّ انْصَرف، فَذهب، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لقد سَأَلَني هَذَا عَن الَّذِي سَأَلَني عَنهُ وَمَا لي علم بِشَيْء مِنْهُ حَتَّى آتَانِي الله بِهِ - عز وَجل ".

(3/376)


مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا عَليّ بن مسْهر، عَن دَاوُد، عَن الشّعبِيّ، عَن مَسْرُوق، عَن عَائِشَة قَالَت: " سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن قَوْله عز وَجل: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} فَأَيْنَ تكون النَّاس يَوْمئِذٍ يَا رَسُول الله؟ فَقَالَ على الصِّرَاط ".

بَاب أَيْن يحْشر النَّاس
الْبَزَّار: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن المستمر، ثَنَا مُحَمَّد بن بكار بن [بِلَال] الدِّمَشْقِي، ثَنَا سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة، عَن عبد الله بن الصَّامِت، عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الشَّام أَرض الْمَحْشَر والمنشر ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى عَن أبي ذَر إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا رجل حدث بِهِ لم يُتَابع عَلَيْهِ، فَرَوَاهُ عَن معَاذ بن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن قَتَادَة، عَن سعيد بن أبي الْحسن، عَن عبد الله بن الصَّامِت، عَن أبي ذَر.
سعيد بن بشير قد تقدم ذكره فِي بَاب ذكر بَيت الْمُقَدّس من آخر كتاب الْحَج.

بَاب صفة الأَرْض الَّتِي يحْشر النَّاس عَلَيْهَا
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا خَالِد بن مخلد، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير، حَدثنَا أَبُو حَازِم بن دِينَار، عَن سهل بن سعد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على أَرض بَيْضَاء عفراء كقرصة النقي لَيْسَ فِيهَا علم لأحد ".

(3/377)


بَاب مَا تكون الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة
مُسلم: حَدثنَا عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث، حَدثنِي أبي، عَن جدي قَالَ: حَدثنِي خَالِد بن يزِيد، عَن سعيد بن أبي هِلَال، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " تكون الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة خبْزَة وَاحِدَة، يكفؤها الْجَبَّار بِيَدِهِ كَمَا يكفؤ أحدكُم خبزته فِي السّفر نزلا لأهل الْجنَّة. قَالَ: فَأتى رجل من الْيَهُود، فَقَالَ: بَارك الرَّحْمَن عَلَيْك يَا أَبَا الْقَاسِم، أَلا أخْبرك بِنزل أهل الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة؟ قَالَ: بلَى. قَالَ: تكون الأَرْض خبْزَة وَاحِدَة كَمَا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: فَنظر إِلَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ثمَّ ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه، فَقَالَ: أَلا أخْبرك بِإِدَامِهِمْ؟ قَالَ: بلَى. قَالَ: إدَامهمْ بَالَام وَنون. قَالُوا: وَمَا هَذَا؟ قَالَ: ثَوْر وَنون يَأْكُل من زَائِدَة كبدهما سَبْعُونَ ألفا ".

بَاب كَيفَ يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة
مُسلم: حَدثنَا زُهَيْر بن حَرْب، ثَنَا يحيى بن سعيد، عَن حَاتِم بن أبي صَغِيرَة، حَدثنِي ابْن أبي مليكَة، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن عَائِشَة قَالَت: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة حُفَاة عُرَاة غرلًا. قلت: يَا رَسُول الله، النِّسَاء وَالرِّجَال جَمِيعًا ينظر بَعضهم إِلَى بعض؟ قَالَ: يَا عَائِشَة، الْأَمر أَشد من أَن ينظر بَعضهم إِلَى بعض ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا قيس بن حَفْص، ثَنَا خَالِد بن الْحَارِث، ثَنَا حَاتِم بِهَذَا الْإِسْنَاد مثله: " قلت: يَا رَسُول الله، الرِّجَال وَالنِّسَاء ينظر بَعضهم إِلَى بعض؟ قَالَ: الْأَمر أَشد من أَن يهمهم ذَلِك ".

(3/378)


النَّسَائِيّ: أخبرنَا عَمْرو بن عُثْمَان، ثَنَا بَقِيَّة، ثَنَا الزبيدِيّ، أَخْبرنِي الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يبْعَث النَّاس يَوْم الْقِيَامَة حُفَاة عُرَاة غرلًا. فَقَالَت لَهُ عَائِشَة: يَا رَسُول الله، فَكيف بالعورات؟ قَالَ: لكل امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه ".
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن مثنى وَابْن بشار - وَاللَّفْظ لِابْنِ مثنى - قَالَا: ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثَنَا شُعْبَة، عَن الْمُغيرَة بن النُّعْمَان، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " قَامَ فِينَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بموعظة، فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، إِنَّكُم تحشرون إِلَى الله حُفَاة عُرَاة غرلًا {كَمَا بدأنا أول خلق نعيده وَعدا علينا إِنَّا كُنَّا فاعلين} أَلا وَإِن أول الْخَلَائق يكسى يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَلا وَإنَّهُ سيجاء بِرِجَال من أمتِي فَيُؤْخَذ بهم ذَات الشمَال، فَأَقُول: يَا رب أَصْحَابِي. فَيَقُول: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك. فَأَقُول: كَمَا قَالَ العَبْد الصَّالح: {وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دمت فيهم فَلَمَّا توفيتني كنت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِم وَأَنت على كل شَيْء شَهِيد إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك وَإِن تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم} قَالَ: فَيُقَال: إِنَّهُم لم يزَالُوا مُدبرين على أَعْقَابهم مُنْذُ فَارَقْتهمْ ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، ثَنَا يزِيد بن [هَارُون] أَنا بهز بن حَكِيم، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِنَّكُم مَحْشُورُونَ رجَالًا وركباناً وَتجرونَ على وُجُوهكُم ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.

(3/379)


مُسلم: حَدثنِي زُهَيْر بن حَرْب وَعبد بن حميد - وَاللَّفْظ لزهير - قَالَا: ثَنَا يُونُس بن مُحَمَّد، ثَنَا شَيبَان، عَن قَتَادَة، ثَنَا أنس بن مَالك " أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، كَيفَ يحْشر الْكَافِر على وَجهه يَوْم الْقِيَامَة؟ قَالَ: أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ على رجلَيْهِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا على أَن يمْشِيه على وَجهه يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ قَتَادَة: بلَى وَعزة رَبنَا ".
وروى التِّرْمِذِيّ: من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَليّ بن زيد، عَن أَوْس ابْن خَالِد، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاثَة أَصْنَاف: وَصِنْفًا ركبانا، مشَاة، وَصِنْفًا على وُجُوههم. قبل: يَا رَسُول الله، كَيفَ يَمْشُونَ على وُجُوههم؟ قَالَ: إِن الَّذِي أَمْشَاهُم على أَقْدَامهم قَادر على أَن يُمشيهمْ على وُجُوههم، أما إِنَّهُم يَتَّقُونَ بِوُجُوهِهِمْ كل حدب وَشَوْك ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن.

بَاب دنو الشَّمْس من النَّاس يَوْم الْقِيَامَة وقيامهم فِي الْعرق على قدر أَعْمَالهم
مُسلم: حَدثنَا الحكم بن مُوسَى، ثَنَا يحيى بن حَمْزَة، عَن عبد الرَّحْمَن ابْن جَابر، حَدثنِي سليم بن عَامر، حَدثنِي الْمِقْدَاد بن الْأسود قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " تدنى الشَّمْس يَوْم الْقِيَامَة من الْخلق حَتَّى تكون مِنْهُم كمقدار ميل - قَالَ سليم بن عَامر: فوَاللَّه مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بالميل؟ أمسافة الأَرْض أَو الْميل الَّذِي تكحل بِهِ الْعين - قَالَ: فَيكون النَّاس على قدر أَعْمَالهم فِي الْعرق، فَمنهمْ من يكون إِلَى كعبيه، وَمِنْهُم من يكون إِلَى ركبيته، وَمِنْهُم من يكون إِلَى

(3/380)


حقْوَيْهِ، وَمِنْهُم من يلجمه الْعرق إلجاماً. وَأَشَارَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ ".
روى اللَّيْث بن سعد هَذَا الحَدِيث عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن أبي عبد الرَّحْمَن، عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِيهِ: " تدنى الشَّمْس يَوْم الْقِيَامَة على قدر ميل، وَيُزَاد فِيهَا كَذَا وَكَذَا تغلي مِنْهَا الْهَوَام، كَمَا تغلي الْقُدُور على الأثافي ".
ذكره قَاسم بن أصبغ قَالَ: ثَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة الْقرشِي، عَن جَعْفَر ابْن مُحَمَّد، عَن عبيد بن آدم، عَن أَبِيه، عَن اللَّيْث بن سعد.
مُسلم: حَدثنَا زُهَيْر بن حَرْب وَمُحَمّد بن مثنى وَعبيد الله بن سعيد، قَالُوا: ثَنَا يحيى - يعنون ابْن سعيد - عَن عبيد الله قَالَ: أَخْبرنِي نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين} قَالَ: يقوم أحدهم فِي رشحه إِلَى أَنْصَاف أُذُنَيْهِ " وَفِي رِوَايَة ابْن مثنى قَالَ: " يقوم النَّاس " وَلم يذكر يَوْم.
مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، ثَنَا عبد الْعَزِيز - يَعْنِي ابْن مُحَمَّد - عَن ثَوْر، عَن أبي الْغَيْث، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الْعرق ليذْهب يَوْم الْقِيَامَة فِي الأَرْض سبعين (عَاما) ، وَإنَّهُ ليبلغ إِلَى أَفْوَاه النَّاس - أَو إِلَى آذانهم. بشك ثَوْر أَيهمَا قَالَ.
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله، حَدثنِي سُلَيْمَان، عَن ثَوْر بن زيد، عَن أبي الْغَيْث، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يعرق النَّاس يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يذهب عرقهم فِي الأَرْض سبعين ذِرَاعا، ويلجمهم حَتَّى يبلغ آدانهم ".

(3/381)


بَاب ذكر الموازين وَقَول الله تَعَالَى: {وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة فَلَا تظلم نفس شَيْئا وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل أَتَيْنَا بهَا وَكفى بِنَا حاسبين}
مُسلم: حَدثنِي أَبُو بكر بن إِسْحَاق، ثَنَا يحيى بن بكير، حَدثنِي الْمُغيرَة - يَعْنِي: الْحزَامِي - عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنَّه ليَأْتِي الرجل الْعَظِيم السمين يَوْم الْقِيَامَة لَا يزن عِنْد الله جنَاح بعوضة اقْرَءُوا {فَلَا نُقِيم لَهُم يَوْم الْقِيَامَة وزنا} ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُوَيْد بن نصر، أَنا عبد الله، عَن لَيْث بن سعد، حَدثنِي عَامر بن يحيى، عَن أبي عبد الرَّحْمَن الْمعَافِرِي ثمَّ الحبلي قَالَ: سَمِعت عبد الله ابْن عَمْرو بن الْعَاصِ يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله سيخلص رجلا من أمتِي على رُءُوس الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة، فينشر عَلَيْهِ تِسْعَة وَتِسْعين سجلاً كل سجل مثل مد الْبَصَر، ثمَّ يَقُول: أتنكر من هَذَا شَيْئا. أظلمك كتبتي الحافظون؟ فَيَقُول: لَا يَا رب. فَيَقُول: أَفَلَك عذر؟ فَيَقُول: لَا يَا رب. فَيَقُول: بلَى، إِن لَك عندنَا حَسَنَة، فَإِنَّهُ لَا ظلم عَلَيْك الْيَوْم. فَيخرج بطاقة فِيهَا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، فَيَقُول: أحضر وزنك. فَيَقُول: يَا رب، مَا هَذِه البطاقة مَعَ هَذِه السجلات! فَقَالَ: إِنَّك لَا تظلم. قَالَ: فتوضع السجلات فِي كفة والبطاقة فِي كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، فَلَا يثقل مَعَ اسْم الله - عز وَجل - شَيْء ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.

(3/382)


قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَحدثنَا عبد الله بن الصَّباح الْهَاشِمِي، ثَنَا بدل من المحبر، ثَنَا حَرْب بن مَيْمُون أَبُو الْخطاب الْأنْصَارِيّ، ثَنَا النَّضر بن أنس بن مَالك، عَن أَبِيه قَالَ: " سَأَلت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يشفع لي يَوْم الْقِيَامَة، فَقَالَ: أَنا فَاعل. قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، فَأَيْنَ أطلبك؟ قَالَ: اطلبني أول مَا تطلبني على الصِّرَاط. قَالَ: قلت فَإِن لم ألقك؟ قَالَ: فاطلبني عِنْد الْمِيزَان. قلت: فَإِن لم ألقك؟ قَالَ: فاطلبني عِنْد الْحَوْض، فَإِنِّي لَا أخطئ هَذِه الثَّلَاث المواطن ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.

بَاب ذكر الصُّحُف وَقَول الله تَعَالَى: {وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه وَنخرج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كتابا يلقاه منشوراً
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن، أَنا عبيد الله بن مُوسَى، عَن إِسْرَائِيل، عَن السّديّ، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قَول الله - عز وَجل -: {يَوْم نَدْعُو كل أنَاس بإمامهم} قَالَ: " يدعى أحدهم فَيعْطى كِتَابه بِيَمِينِهِ، ويمد لَهُ فِي جِسْمه سِتُّونَ ذِرَاعا، ويبيض وَجهه، وَيجْعَل على رَأسه تَاج من لُؤْلُؤ يتلألأ، فَينْطَلق إِلَى أَصْحَابه فيرونه من بعيد، فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ائتنا بِهَذَا أَو بَارك لنا فِي هَذَا. حَتَّى يَأْتِيهم، فَيَقُول: أَبْشِرُوا لكل رجل مِنْكُم مثل هَذَا. قَالَ: وَأما الْكَافِر فيسود وَجهه، ويمد لَهُ فِي جِسْمه سِتُّونَ ذِرَاعا على صُورَة آدم، فيلبس تاجاً من نَار، فيراه أَصْحَابه، فَيَقُولُونَ: نَعُوذ بِاللَّه من شَرّ هَذَا، اللَّهُمَّ لَا تأتنا بِهَذَا. قَالَ: فيأتيهم، فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ أَخّرهُ. فَيَقُول: أبعدكم الله، فَإِن لكل رجل مِنْكُم مثل هَذَا ".

(3/383)


قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا همام، حَدثنِي قَتَادَة، عَن صَفْوَان بن مُحرز [الْمَازِني] قَالَ: " بَيْنَمَا أَنا أَمْشِي مَعَ ابْن عمر آخِذا بِيَدِهِ إِذْ عرض رجل، فَقَالَ: كَيفَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي النَّجْوَى؟ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: إِن الله يدني الْمُؤمن فَيَضَع عَلَيْهِ كنفه ويستره، فَيَقُول: أتعرف ذَنْب كَذَا؟ أتعرف ذَنْب كَذَا؟ فَيَقُول: نعم، أَي رب. حَتَّى قَرَّرَهُ يذنوبه، وَرَأى فِي نَفسه أَنه هلك قَالَ: سترتها عَلَيْك فِي الدُّنْيَا، وَأَنا أغفرها لَك الْيَوْم، فَيعْطى كتاب حَسَنَاته، وَأما الْكَافِر وَالْمُنَافِق فَيَقُول الأشهاد: هَؤُلَاءِ الَّذين كذبُوا على رَبهم، أَلا لعنة الله على الظَّالِمين ".

بَاب شَهَادَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأمته لنوح يَوْم الْقِيَامَة بالتبليغ وَقَول الله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا}
البُخَارِيّ: حَدثنِي يُوسُف بن رَاشد، ثَنَا جرير وَأَبُو أُسَامَة - وَاللَّفْظ لجرير - عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يدعى نوح يَوْم الْقِيَامَة، فَيَقُول: لبيْك وَسَعْديك يَا رب. فَيَقُول: هَل بلغت؟ فَيَقُول: نعم. فَيُقَال لأمته: هَل بَلغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا من نَذِير. فَيَقُول: من يشْهد لَك؟ فَيَقُول: مُحَمَّد وَأمته. فَيَشْهَدُونَ أَنه قد بلغ، وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا، فَلذَلِك قَوْله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس} ". وَالْوسط: الْعدْل.

(3/384)


وَمن طَرِيق مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ: ثَنَا أَبُو كريب، ثَنَا ابْن فُضَيْل، عَن أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ، عَن الْمُغيرَة بن عتبَة بن النهاس، أَن مكتباً لَهُم حَدثهمْ، عَن جَابر بن عبد الله، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنِّي وَأمتِي لعلى كوم يَوْم الْقِيَامَة مشرفين على الْخَلَائق، مَا أحد من الْأُمَم إِلَّا ود أَنه منا أيتها الْأمة، وَمَا من نَبِي كذبه قومه إِلَّا نَحن شهداؤه يَوْم الْقِيَامَة أَنه قد بلغ رسالات ربه، ونصح لَهُم. قَالَ: وَالرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيد ".
قَالَ أَبُو عَليّ: الْمكتب الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ يزِيد الْفَقِير.

بَاب ذكر أول من يدعى يَوْم الْقِيَامَة
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل، حَدثنِي أخي، عَن سُلَيْمَان، عَن ثَوْر، عَن أبي الْغَيْث، عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أول من يدعى يَوْم الْقِيَامَة آدم، فتراءى ذُريَّته، فَيُقَال: هَذَا أبوكم آدم. فَيَقُول: لبيْك وَسَعْديك. فَيَقُول: أخرج بعث جَهَنَّم من ذريتك. فَيَقُول: يَا رب، كم أخرج؟ فَيَقُول: أخرج من كل مائَة تِسْعَة وَتِسْعين. فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إِذا أَخذ من كل مائَة تِسْعَة وَتسْعُونَ، فَمَاذَا يبْقى منا؟ قَالَ: إِن أمتِي فِي الْأُمَم كالشعرة الْبَيْضَاء فِي الثور الْأسود ".

بَاب ذكر أول مَا يقْضى بَين النَّاس فِيهِ
البُخَارِيّ: حَدثنَا عمر بن حَفْص، ثَنَا أبي، ثَنَا الْأَعْمَش، حَدثنِي [شَقِيق] سَمِعت عبد الله قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أول مَا يقْضِي بَين النَّاس فِي الدِّمَاء ".

(3/385)


بَاب ذكر أول من يكسى يَوْم الْقِيَامَة
البُخَارِيّ: حَدثنِي مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا غنْدر، ثَنَا شُعْبَة، عَن الْمُغيرَة بن النُّعْمَان، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " قَامَ فِينَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَخَطب فَقَالَ: إِنَّكُم تحشرون حُفَاة عُرَاة غرلًا {كَمَا بدأنا أول خلق نعيده} الْآيَة، وَإِن أول الْخَلَائق يكسى يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم، وَإنَّهُ سيجاء بِرِجَال من أمتِي، فَيُؤْخَذ بهم ذَات الشمَال، فَأَقُول: يَا رب أَصْحَابِي. فَيُقَال: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك. فَأَقُول كَمَا قَالَ العَبْد الصَّالح: {وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دمت فيهم} إِلَى قَوْله: {الْحَكِيم} فَيُقَال: إِنَّهُم لم يزَالُوا مُدبرين على أَعْقَابهم ".
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا ابْن أبي بكير، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَليّ ابْن زيد، عَن أنس بن مَالك أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن أول من يكسى حلَّة من النَّار إِبْلِيس يَضَعهَا على حَاجِبه، ويسحبها من خَلفه، وَذريته من خَلفه، وَهُوَ يَقُول يَا ثبوراه. وينادون: يَا ثبوراهم. قَالَ: فَيُقَال لَهُم: لَا تدعوا الْيَوْم ثبوراً وَاحِدًا، وَادعوا ثبوراً كثيرا ".
عَليّ بن زيد قد تقدم ذكره، وَذكر من ضعفه وَوَقفه.

بَاب المساءلة وَقَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا مِنْكُم أحد إِلَّا يكلمهُ الله يَوْم الْقِيَامَة "
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا هناد، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن خَيْثَمَة، عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا مِنْكُم من رجل إِلَّا سيكلمه ربه

(3/386)


يَوْم الْقِيَامَة، وَلَيْسَ بَينه وَبَينه ترجمان، فَينْظر أَيمن مِنْهُ فَلَا يرى شَيْئا إِلَّا شَيْئا قدمه، ثمَّ ينظر أشأم مِنْهُ فَلَا يرى شَيْئا إِلَّا شَيْئا قدمه، ثمَّ ينظر تِلْقَاء وَجهه، فتستقبله النَّار. قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يقي وَجهه النَّار وَلَو بشق تَمْرَة فَلْيفْعَل ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد الله، أَنا الْأسود بن عَامر، ثَنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش، عَن الْأَعْمَش، عَن سعيد بن عبد الله بن جريج، عَن أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تَزُول قدما عبد حَتَّى يسْأَل عَن عمره فِيمَا أفناه، وَعَن [علمه] فيمَ فعل، وَعَن مَاله من أَيْن كَسبه وَفِيمَا أنفقهُ، وَعَن جِسْمه فِيمَا أبلاه ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث (صَحِيح حسن) ، سعيد بن عبد الله بن جريج هُوَ بَصرِي مولى أبي بَرزَة، وَاسم أبي بَرزَة نَضْلَة بن عبيد.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ، ثَنَا مَالك بن سعير أَبُو مُحَمَّد التَّمِيمِي الْكُوفِي، ثَنَا الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد قَالَا: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يُؤْتى بِالْعَبدِ يَوْم الْقِيَامَة، فَيُقَال لَهُ: ألم أجعَل لَك سمعا وبصراً ومالاً وَولدا، وسخرت لَك الْأَنْعَام والحرث. وتركتك ترأس [تربع] فَكنت تظن أَنَّك ملاقي فِي يَوْمك هَذَا؟ قَالَ: فَيَقُول: لَا. قَالَ: فَيَقُول: الْيَوْم أنساك كَمَا نسيتني ".

(3/387)


قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث صَحِيح غَرِيب.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد من حميد، ثَنَا شَبابَة، عَن عبد الله بن الْعَلَاء، عَن الضَّحَّاك بن عبد الرَّحْمَن بن عَرْزَم الْأَشْعَرِيّ، سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن أول مَا يسْأَل عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة - يَعْنِي: العَبْد - أَن يُقَال لَهُ ألم نصح جسمك ونرويك من المَاء الْبَارِد؟ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَيُقَال: ابْن عَرْزَب، وَابْن عَرْزَم أصح.

بَاب مجادلة العَبْد عَن نَفسه
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن النَّضر بن أبي النَّضر، حَدثنِي أَبُو النَّضر [هَاشم] بن الْقَاسِم، ثَنَا عبيد الله الْأَشْجَعِيّ، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عبيد الْمكتب، عَن فُضَيْل، عَن الشّعبِيّ، عَن أنس بن مَالك قَالَ: " كُنَّا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَضَحِك، فَقَالَ: هَل تَدْرُونَ مِم أضْحك؟ قَالَ: قُلْنَا الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: من مُخَاطبَة العَبْد ربه، فَيَقُول: يَا رب، ألم تُجِرْنِي من الظُّلم؟ قَالَ: يَقُول: بلَى. فَيَقُول: فَإِنِّي لَا أُجِيز على نَفسِي إِلَّا شَاهدا مني. قَالَ: فَيَقُول: كفى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك شَهِيدا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبين شُهُودًا. قَالَ: فيختم على فِيهِ، فَيُقَال: لاركانهً انْطِقِي. قَالَ: فَتَنْطِق بِأَعْمَالِهِ، قَالَ: ثمَّ يخلي بَينه وَبَين الْكَلَام، قَالَ: فَيَقُول: بعدا لَكِن وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كنت أُنَاضِل ".
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: عَن يزِيد بن هَارُون، عَن الْجريرِي، عَن حَكِيم بن مُعَاوِيَة، عَن أَبِيه أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يجيئون يَوْم الْقِيَامَة على أَفْوَاههم الْفِدَام، فَأول مَا يتَكَلَّم من الْإِنْسَان فَخذه وكفه ".

(3/388)


بَاب
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُوَيْد بن نصر، أَنا عبد الله بن الْمُبَارك، أَنا سعيد بن أبي أَيُّوب، ثَنَا يحيى بن أبي سُلَيْمَان، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " قَرَأَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا} قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارهَا؟ قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: فَإِن أَخْبَارهَا أَن تشهد على كل عبد أَو أمة بِمَا عمل على ظهرهَا، أَن تَقول عمل كَذَا وَكَذَا يَوْم كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَهَذِهِ أَخْبَارهَا ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.

بَاب تَقْرِير الْمُؤمن على ذنُوبه
مُسلم: حَدثنَا زُهَيْر بن حَرْب، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، عَن هِشَام الدستوَائي، عَن قَتَادَة، عَن صَفْوَان بن مُحرز قَالَ: " قَالَ رجل لِابْنِ عمر: كَيفَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[يَقُول] فِي النَّجْوَى؟ قَالَ: سمعته يَقُول: يدنى الْمُؤمن يَوْم الْقِيَامَة من ربه حَتَّى يضع عَلَيْهِ كنفه، فيقرره بذنوبه، فَيَقُول: هَل تعرف؟ فَيَقُول: رب أعرف. قَالَ: فَإِنِّي سترتها عَلَيْك فِي الدُّنْيَا، وَأَنا أغفرها لَك الْيَوْم، فَيعْطى صحيفَة حَسَنَاته، وَأما الْكَافِر وَالْمُنَافِق فينادى بهم على رُءُوس الْخَلَائق: هَؤُلَاءِ الَّذين كذبُوا على الله ".
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، ثَنَا أبي، ثَنَا الْأَعْمَش، عَن الْمَعْرُور بن سُوَيْد، عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنِّي لأعْلم آخر أهل

(3/389)


الْجنَّة دُخُولا الْجنَّة، وَآخر أهل النَّار خُرُوجًا مِنْهَا: رجل يُؤْتى بِهِ يَوْم الْقِيَامَة، فَيُقَال: اعرضوا عَلَيْهِ صغَار ذنُوبه، وَارْفَعُوا عَنهُ كِبَارهَا، فَيعرض الله عَلَيْهِ صغَار ذنُوبه. فَيُقَال: عملت يَوْم كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، وعملت يَوْم كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُول: نعم. لَا يَسْتَطِيع أَن يُنكر، وَهُوَ مُشفق من كبار ذنُوبه أَن تعرض عَلَيْهِ، فَيُقَال لَهُ: إِن لَك مَكَان كل سيئه حَسَنَة. فَيَقُول: رب قد علمت أَشْيَاء لَا أَرَاهَا هَا هُنَا. فَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه ".

بَاب فِي الْقصاص
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا ابْن أبي عمر، ثَنَا سُفْيَان، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة، عَن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب، عَن عبد الله بن الزبير، عَن أَبِيه قَالَ: " لما نزلت: {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} قَالَ الزبير: يَا رَسُول الله، أيكرر علينا الْخُصُومَة بعد الَّذِي كَانَ بَيْننَا فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: نعم. فَقَالَ: إِن الْأَمر إِذا لشديد ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا مُحَمَّد بن أبي عدي، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ: " لما نزلت هَذِه الْآيَة: {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} قَالَ الزبير: يَا رَسُول الله، أيكرر علينا مَا كَانَ بَيْننَا فِي الدُّنْيَا مَعَ خَواص الذُّنُوب؟ قَالَ: نعم، لتكررن عَلَيْكُم حَتَّى يُؤَدِّي كل ذِي حق حَقه. قَالَ: الزبير: إِن الْأَمر إِذا لشديد ".
النَّسَائِيّ: أَخْبرنِي أَحْمد بن الْمُعَلَّى بن يزِيد، ثَنَا صَفْوَان بن صَالح، ثَنَا

(3/390)


الْوَلِيد، ثَنَا مَالك، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا أسلم العَبْد فَحسن إِسْلَامه كتب الله - عز وَجل - لَهُ كل حَسَنَة كَانَ أزلفها، ومحيت عَنهُ كل سَيِّئَة كَانَ أزلفها، ثمَّ كَانَ بعد ذَلِك الْقصاص الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف، والسيئة بِمِثْلِهَا إِلَّا أَن يتَجَاوَز الله عَنْهَا ".
مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة وَابْن حجر قَالَا: ثَنَا إِسْمَاعِيل - وَهُوَ ابْن جَعْفَر - عَن الْعَلَاء، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَتَدْرُونَ مَا الْمُفلس؟ قَالُوا: الْمُفلس فِينَا من لَا دِرْهَم لَهُ وَلَا مَتَاع. قَالَ: إِن الْمُفلس من أمتِي من يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة بِصَلَاة وَصِيَام وَزَكَاة، وَيَأْتِي قد شتم هَذَا، وَقذف هَذَا، وَأكل مَال هَذَا، وَسَفك دم هَذَا، وَضرب هَذَا، فَيعْطى هَذَا من حَسَنَاته، وَهَذَا من حَسَنَاته، فَإِن فنيت حَسَنَاته قبل أَن يقْضِي مَا عَلَيْهِ؛ أَخذ من خطاياهم فطرحت عَلَيْهِ، ثمَّ طرح فِي النَّار ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، أَنا معَاذ بن هِشَام، أَخْبرنِي أبي، عَن قَتَادَة، عَن أبي المتَوَكل النَّاجِي، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[قَالَ] : " إِذا خلص الْمُؤْمِنُونَ من النَّار حبسوا بقنطرة بَين الْجنَّة وَالنَّار، فيتقاضون مظالم كَانَت بَينهم فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذا نقوا وهذبوا أذن لَهُم بِدُخُول الْجنَّة، فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لأَحَدهم بمسكنه فِي الْجنَّة أدل مِنْهُ (بمسكنه) كَانَ فِي الدُّنْيَا ".
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا عَليّ بن أبي شيبَة، ثَنَا يزِيد بن هَارُون، أَنا همام بن يحيى، عَن الْقَاسِم بن عبد الْوَاحِد الْمَكِّيّ، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن جَابر

(3/391)


ابْن عبد الله، عَن عبد الله بن أنيس قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " يَقُول الله - عز وَجل - يَوْم الْقِيَامَة: لَا يَنْبَغِي لأحد من أهل الْجنَّة أَن يدْخل الْجنَّة، ولأحد من أهل النَّار عِنْده مطلمة حَتَّى أقصه مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَة. فَقُلْنَا: وَكَيف وَإِنَّمَا نأتي الله - عز وَجل - عُرَاة غرلًا بهما؟ قَالَ: بِالْحَسَنَاتِ والسيئات ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل، حَدثنِي مَالك، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من كَانَت عِنْده مظْلمَة لِأَخِيهِ، فليتحلله مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثمَّ دِينَار وَلَا دِرْهَم، من قبل أَن يُؤْخَذ لِأَخِيهِ من حَسَنَاته، فَإِن لم تكن لَهُ حَسَنَات أَخذ من سيئات أَخِيه فطرحت عَلَيْهِ ".

بَاب قصاص الْبَهَائِم بَعْضهَا من بعض
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب وقتيبة وَابْن حجر، قَالُوا: حَدثنَا إِسْمَاعِيل - يعنون ابْن جَعْفَر - عَن الْعَلَاء، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لتؤدن الْحُقُوق إِلَى أَهلهَا يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يُقَاد للشاة الجلحاء من الشَّاة القرناء ".
أَبُو بكر الشَّافِعِي: حَدثنِي أَحْمد بن هَارُون البرديجي الْحَافِظ، ثَنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا أَبُو دَاوُد، ثَنَا شُعْبَة، عَن الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن أَبِيه، عَن أبي ذَر قَالَ: " رأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شَاتين يتناطحان، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَر، تَدْرِي فيمَ يتناطحان؟ قلت: لَا يَا رَسُول الله. فَقَالَ: لَكِن الله - جلّ وَعز - يدْرِي، وَيَقْضِي بَينهمَا يَوْم الْقِيَامَة ".

بَاب من نُوقِشَ الْحساب عذب
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَعلي بن حجر، جَمِيعًا عَن إِسْمَاعِيل، قَالَ أَبُو بكر: ثَنَا ابْن علية، عَن أَيُّوب، عَن عبد الله بن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة

(3/392)


قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من حُوسِبَ يَوْم الْقِيَامَة عذب. فَقلت: أَلَيْسَ قد قَالَ الله - تَعَالَى -: {فَسَوف يُحَاسب حسابا يَسِيرا} ؟ فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِك الْحساب، وَإِنَّمَا ذَلِك الْعرض، من نُوقِشَ الْحساب يَوْم الْقِيَامَة عذب ".
قَالَ مُسلم: وحَدثني عبد الرَّحْمَن بن بشر بن الحكم الْعَبْدي، ثَنَا يحيى بن سعيد الْقطَّان، ثَنَا أَبُو يُونُس الْقشيرِي، ثَنَا ابْن أبي مليكَة، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ أحد يُحَاسب إِلَّا هلك. قلت: يَا رَسُول الله، أَلَيْسَ الله يَقُول: {حسابا يَسِيرا} ؟ قَالَ: ذَلِك الْعرض، وَلَكِن من نُوقِشَ الْحساب هلك ".

بَاب مَا جَاءَ أَنه يَجْعَل لكل مُسلم فدَاه من النَّار
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا أَبُو أُسَامَة، عَن طَلْحَة بن يحيى، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دفع الله إِلَى كل مُسلم يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا فَيَقُول: هَذَا فكاكك من النَّار ".
وَلمُسلم فِي لفظ آخر فِي هَذَا الحَدِيث: " لَا يَمُوت رجل مُسلم إِلَّا أَدخل الله مَكَانَهُ النَّار يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا ".
رَوَاهُ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، عَن عَفَّان بن مُسلم، عَن همام، عَن قَتَادَة، عَن عون وَسَعِيد بن أبي بردة، كِلَاهُمَا عَن أبي بردة بِهَذَا الْإِسْنَاد.

بَاب ذكر الْحَوْض
مُسلم: حَدثنَا ابْن أبي عمر، ثَنَا يحيى بن سليم، عَن ابْن خَيْثَم، عَن

(3/393)


عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة، سمع عَائِشَة تَقول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يَقُول بَين ظهراني أَصْحَابه: " إِنِّي على الْحَوْض أنْتَظر من يرد عَليّ مِنْكُم، فوَاللَّه ليقتطعن دوني رجال، فلأقولن: أَي رب مني وَمن أمتِي. فَيَقُول: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا عمِلُوا بعْدك مَا زَالُوا يرجعُونَ على أَعْقَابهم ".
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَأَبُو كريب وَابْن نمير، قَالُوا: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن [شَقِيق] عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنا فَرَطكُمْ على الْحَوْض، ولأنازعن أَقْوَامًا، ثمَّ لأغلبن عَلَيْهِم، فَأَقُول: يَا رب، أَصْحَابِي أَصْحَابِي. فَيَقُول: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك ".
مُسلم: حَدثنَا دَاوُد بن عَمْرو الضَّبِّيّ، ثَنَا نَافِع بن عمر الجُمَحِي، عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: قَالَ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " حَوْضِي مسيرَة شهر، وزواياه سَوَاء، مَاؤُهُ أَبيض من الْوَرق، وريحه أطيب من الْمسك، كيزانه كنجوم السَّمَاء، فَمن شرب مِنْهُ، فَلَا يظمأ بعده أبدا ".
قَالَ: وَقَالَت أَسمَاء ابْنة أبي بكر: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنِّي على الْحَوْض حَتَّى أنظر من يرد عَليّ مِنْكُم، وسيؤخذ أنَاس دوني، فَأَقُول: يَا رب، مني وَمن أمتِي. فَيُقَال: أما شَعرت مَا عمِلُوا بعْدك، وَالله مَا برحوا بعْدك يرجعُونَ على أَعْقَابهم. قَالَ: فَكَانَ ابْن أبي مليكَة يَقُول: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك أَن نرْجِع على أعقابنا، ونفتن عَن ديننَا ".

(3/394)


مُسلم: حَدثنِي يُونُس بن عبد الْأَعْلَى الصَّدَفِي، أَنا عبد الله بن وهب، أَخْبرنِي عَمْرو - وَهُوَ ابْن الْحَارِث - أَن بكيراً حَدثهُ، عَن الْقَاسِم بن عَبَّاس الْهَاشِمِي، عَن عبد الله بن رَافع مولى أم سَلمَة، عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهَا قَالَت: " كنت أسمع النَّاس يذكرُونَ الْحَوْض، وَلم أسمع ذَلِك من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا من ذَلِك، وَالْجَارِيَة تمشطني، فَسمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: أَيهَا النَّاس. فَقلت لِلْجَارِيَةِ: استأخري عني. قَالَت: إِنَّمَا دَعَا الرِّجَال وَلم يدع النِّسَاء. فَقلت: إِنِّي من النَّاس، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِنِّي فَرَطكُمْ على الْحَوْض، فإياي لَا يَأْتِين أحدكُم فيذب عني كَمَا يذي الْبَعِير الضال، فَأَقُول: فيمَ هَذَا؟ فَيُقَال: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك. فَأَقُول: سحقاً ".
مُسلم: وحَدثني مُحَمَّد بن حَاتِم، ثَنَا عَفَّان بن مُسلم، ثَنَا وهيب، سَمِعت عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب يحدث قَالَ: ثَنَا أنس بن مَالك أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " ليردن على الْحَوْض رجال مِمَّن صاحبني، حَتَّى إِذا رَأَيْتهمْ وَرفعُوا إِلَيّ اختلجوا دوني، فلأقولن: أَي رب أصيحابي أصيحابي؟ فليقالن: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك ".
قَاسم بن أصبغ: حَدثنَا أَحْمد بن زُهَيْر وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل بن سَالم الصَّائِغ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام - وَاللَّفْظ لَهُ - قَالَا: ثَنَا مَالك بن إِسْمَاعِيل النَّهْدِيّ أَبُو غَسَّان، ثَنَا يَعْقُوب بن عبد الله القمي الْأَشْعَرِيّ، عَن حَفْص بن حميد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنِّي مُمْسك بِحُجزِكُمْ هَلُمَّ عَن النَّار، وتغلبوني، تقاحمون فِيهَا تَقَاحم الْفراش وَالْجَنَادِب، وأوشك أَن أرسل حُجُزكُمْ، وأفرط لكم على الْحَوْض،

(3/395)


و [تردون] عَليّ مَعًا وأشتاتاً، فأعرفكم بأسمائكم وسيماكم كَمَا يعرف الرجل الغريبة فِي إبِله، فَيُؤْخَذ بكم ذَات الشمَال إِلَى النَّار، وأناشيد فِيكُم رب الْعَالمين: أَي رب رهطي، أَي رب أمتِي. فَيُقَال: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك، إِنَّهُم كَانُوا يَمْشُونَ بعْدك الْقَهْقَرَى ".
يَعْقُوب وَحَفْص صالحان.
البُخَارِيّ: حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم، ثَنَا [مُحَمَّد بن] مطرف، حَدثنِي أَبُو حَازِم، عَن سهل بن سعد قَالَ: قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنِّي فَرَطكُمْ على الْحَوْض، من مر عَليّ (يشرب) ، وَمن شرب لم يظمأ أبدا، ليردن عَليّ أَقوام أعرفهم ويعرفوني، ثمَّ يُحَال بيني وَبينهمْ ".
قَالَ أَبُو حَازِم: فسمعني النُّعْمَان بن أبي عَيَّاش، فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعت من سهل؟ فَقلت: نعم. فَقَالَ: أشهد على أبي سعيد لسمعته، وَهُوَ يزِيد فِيهَا " فَأَقُول: إِنَّهُم مني. فَيُقَال: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك. فَأَقُول: سحقاً سحقاً لمن غير بعدِي ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الْحزَامِي، ثَنَا مُحَمَّد بن فليح، ثَنَا أبي، ثَنَا هِلَال، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " (بَيْنَمَا) أَنا (قَائِم) فَإِذا زمرة حَتَّى إِذا عرفتهم خرج رجل من بيني وَبينهمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ.

(3/396)


فَقلت: أَيْن؟ قَالَ: إِلَى النَّار. وَالله قلت: وَمَا شَأْنهمْ؟ قَالَ: إِنَّهُم ارْتَدُّوا بعْدك على أدبارهم الْقَهْقَرَى، فَلَا أرَاهُ يخلص فيهم إِلَّا مثل همل النعم ".
مُسلم: حَدثنَا أَبُو غَسَّان المسمعي وَمُحَمّد بن مثنى وَابْن بشار - وَأَلْفَاظهمْ مُتَقَارِبَة - قَالُوا: ثَنَا معَاذ - وَهُوَ ابْن هِشَام - حَدثنِي أبي، عَن قَتَادَة، عَن سَالم ابْن أبي الْجَعْد، عَن معدان بن أبي طَلْحَة الْيَعْمرِي، عَن ثَوْبَان، أَن نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنِّي لبعقر حَوْضِي أذود النَّاس عَنهُ لأهل الْيمن، أضْرب بعصاي حَتَّى يرفض عَلَيْهِم. فَسئلَ عَن عرضه، فَقَالَ: من مقَامي إِلَى عمان. وَسُئِلَ عَن شرابه، فَقَالَ: أَشد بَيَاضًا من اللَّبن، وَأحلى من الْعَسَل، يثعب فِيهِ مِيزَابَانِ يمدانه من الْجنَّة: أَحدهمَا من ذهب، وَالْآخر من ورق ".
قَالَ مُسلم: وثنا يحيى بن حبيب الْحَارِثِيّ وَمُحَمّد بن عبد الله [الرزي] قَالَا: حَدثنَا خَالِد بن الْحَارِث، عَن سعيد، عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ أنس بن مَالك: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نرى فِيهِ أَبَارِيق الذَّهَب وَالْفِضَّة كعدد نُجُوم السَّمَاء ".
ثَنَا زُهَيْر بن حَرْب، ثَنَا الْحسن بن مُوسَى، ثَنَا شَيبَان، عَن قَتَادَة، ثَنَا أنس ابْن مَالك، أَن نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ مثله وَزَاد: " أَو أَكثر من عدد نُجُوم السَّمَاء ".
قَالَ مُسلم: وحَدثني حَرْمَلَة بن يحيى، أَنا ابْن وهب، أَخْبرنِي يُونُس، عَن ابْن شهَاب، أَن أنس بن مَالك حَدثهُ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " قدر حَوْضِي

(3/397)


كَمَا بَين أَيْلَة وَصَنْعَاء من الْيمن، وَإِن فِيهِ من الآباريق كعدد نُجُوم السَّمَاء ".
قَالَ مُسلم: وثنا عَاصِم بن النَّضر و [هريم] بن عبد الْأَعْلَى - وَاللَّفْظ لعاصم - قَالَ: ثَنَا مُعْتَمر، سَمِعت أبي، ثَنَا قَتَادَة، عَن أنس بن مَالك، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَا بَين ناحيتي حَوْضِي كَمَا بَين صنعاء وَالْمَدينَة ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا هدبة بن خَالِد، ثَنَا همام، ثَنَا قَتَادَة، ثَنَا أنس بن مَالك عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " بَيْنَمَا [أَنا] أَسِير فِي الْجنَّة إِذا [أَنا] بنهر حافتاه قباب الدّرّ المجوف، قلت: مَا هَذَا يَا جِبْرِيل؟ قَالَ: الْكَوْثَر الَّذِي أَعْطَاك رَبك، فَإِذا طيبه - أَو طينه - مسك أذفر " شكّ هدبة.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا أَبُو عبد الصَّمد الْعمي عبد الْعَزِيز بن عبد الصَّمد، ثَنَا أَبُو عمرَان الْجونِي، عَن عبد الله بن الصَّامِت، عَن أبي ذَر قَالَ: " قلت: يَا رَسُول الله، مَا آنِية الْحَوْض؟ قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لآنيته أَكثر من عدد نُجُوم السَّمَاء وكواكبها فِي لَيْلَة مظْلمَة مصحية من آنِية الْجنَّة، من شرب مِنْهَا لم يظمأ آخر مَا عَلَيْهِ، عرضه مثل طوله مَا بَين عمان إِلَى أَيْلَة، [مَاؤُهُ] أَشد بَيَاضًا من اللَّبن، وَأحلى من الْعَسَل ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.

(3/398)


التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا يحيى بن صَالح، ثَنَا مُحَمَّد بن المُهَاجر، عَن الْعَبَّاس، عَن أبي سَلام الحبشي قَالَ: " بعث إِلَيّ عمر بن عبد الْعَزِيز، فَحملت على الْبَرِيد، فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لقد شقّ عَليّ مركبي الْبَرِيد. فَقَالَ: يَا أَبَا سَلام، مَا أردْت أَن أشق عَلَيْك، وَلَكِنِّي بَلغنِي عَنْك حَدِيث تحدثه عَن ثَوْبَان، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَأَحْبَبْت أَن تشافهني بِهِ قَالَ أَبُو سَلام: حَدثنِي ثَوْبَان، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: حَوْضِي من عدن إِلَى عمان البلقاء، مَاؤُهُ أَشد بَيَاضًا من اللَّبن، وَأحلى من الْعَسَل، وأكاويبه عدد نُجُوم السَّمَاء، من شرب مِنْهُ شربة لم يظمأ بعْدهَا أبدا، أول النَّاس وروداً عَلَيْهِ فُقَرَاء الْمُهَاجِرُونَ، الشعث رُءُوسًا، الدنس ثيابًا، الَّذين لَا ينْكحُونَ المتنعمات، وَلَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السدد. قَالَ عمر: لكني نكحت المتنعمات، وَفتح لي السدد، ونكحت فَاطِمَة بنت عبد الْملك، لَا جرم لَا أغسل رَأْسِي حَتَّى يشعث، وَلَا أغسل ثوبي الَّذِي يَلِي جَسَدِي حَتَّى يتسخ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه، وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن معدان بن أبي طَلْحَة عَن ثَوْبَان.
روى الْبَزَّار قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق، ثَنَا الْحُسَيْن بن [الْحسن] بن عَطِيَّة، عَن أَبِيه، عَن عَطِيَّة، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن لي حوضاً مَا بَين بَيت الْمُقَدّس إِلَى الْكَعْبَة، أَبيض من اللَّبن، فِيهِ عدد الْكَوَاكِب آنِية، وَأَنا فَرَطكُمْ على الْحَوْض، وَلكُل نَبِي حَوْض، وكل نَبِي يَدْعُو أمته، فَمنهمْ من يرد عَلَيْهِ فِئَام من النَّاس، وَمِنْهُم من يرد عَلَيْهِ مَا هُوَ دون ذَلِك، وَمِنْهُم من يرد عَلَيْهِ الْعِصَابَة، وَمِنْهُم من يرد عَلَيْهِ الرّجلَانِ وَالرجل، وَمِنْهُم من لَا يرد عَلَيْهِ أحد، فَيَقُول: اللَّهُمَّ قد بلغت، اللَّهُمَّ قد بلغت - ثَلَاثًا - أَحْسبهُ قَالَ: وَأَنا أَكثر الْأَنْبِيَاء تبعا ".
الْحُسَيْن وَالْحسن ضعيفان.

(3/399)


بَاب ذكر الصِّرَاط ودرجات النَّاس فِي الْمُرُور عَلَيْهِ
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: ثَنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر، عَن أبي الْفضل، عَن الشّعبِيّ، عَن عَائِشَة قَالَت: " قلت: يَا رَسُول الله، أتذكرون أهاليكم يَوْم الْقِيَامَة؟ فَقَالَ: أما عِنْد ثَلَاث فَلَا: عِنْد الْكتاب، وَعند الْمِيزَان، وَعند الصِّرَاط ".
أَبُو خَالِد الْأَحْمَر اسْمه سُلَيْمَان بن حَيَّان، ثِقَة مَشْهُور، وَأَبُو الْفضل الَّذِي يروي عَن الشّعبِيّ اسْمه عبيد بن أبي أُميَّة، وَالِد يعلى بن عبيد، وَهُوَ ثِقَة، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل، إِمَام جليل أدْرك خَمْسمِائَة من الصَّحَابَة أَو أَكثر.
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن طريف بن خَليفَة البَجلِيّ، ثَنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل، ثَنَا أَبُو مَالك الْأَشْجَعِيّ، عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة. وَأَبُو مَالك، عَن ربعي عَن (أبي هُرَيْرَة وَحُذَيْفَة) قَالَا: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يجمع الله - تبَارك وَتَعَالَى - النَّاس، فَيقوم الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تزلف لَهُم الْجنَّة، فَيَأْتُونَ آدم، فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا استفتح لنا الْجنَّة. فَيَقُول: وَهل أخرجكم من الْجنَّة إِلَّا خَطِيئَة أبيكم آدم، لست بِصَاحِب ذَلِك، اذْهَبُوا إِلَى ابْني إِبْرَاهِيم خَلِيل الله. قَالَ: فَيَقُول: إِبْرَاهِيم: - عَلَيْهِ السَّلَام -: لست بِصَاحِب ذَلِك، إِنَّمَا كنت خَلِيلًا من وَرَاء وَرَاء، اعمدوا إِلَى مُوسَى الَّذِي كَلمه الله تكليماً. فَيَأْتُونَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - فَيَقُول: لست بِصَاحِب ذَلِك، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى كلمة الله وروحه. فَيَقُول عِيسَى: لست بِصَاحِب ذَلِك. فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَيقوم وَيُؤذن لَهُ، فترسل الْأَمَانَة وَالرحم، فتقومان جنبتي الصِّرَاط يَمِينا وَشمَالًا، فيمر أولكم كالبرق. قَالَ: قلت: بِأبي أَنْت وَأمي أَي شَيْء كمر الْبَرْق؟ قَالَ: ألم تروا إِلَى الْبَرْق كَيفَ يمر، وَيرجع فِي طرفَة عين، ثمَّ كمر الرّيح، ثمَّ كمر الطير وَشد الرِّجَال تجْرِي بهم أَعْمَالهم، ونبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَائِم على الصِّرَاط، فَيَقُول: رب سلم سلم. حَتَّى تعجز أَعمال الْعباد حَتَّى يَجِيء الرجل فَلَا يَسْتَطِيع السّير إِلَّا زحفاً، قَالَ: وَفِي حافتي الصِّرَاط كلاليب معلقَة مأمورة بِأخذ

(3/400)


من أمرت بِهِ، فمخدوش نَاجٍ، ومكدوس فِي النَّار. وَالَّذِي نفس أبي هُرَيْرَة بِيَدِهِ إِن قَعْر جَهَنَّم لسبعون خَرِيفًا ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا يحيى بن بكير، ثَنَا اللَّيْث بن سعد، عَن خَالِد بن يزِيد، عَن سعيد بن أبي هِلَال، عَن زيد، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: " قُلْنَا: يَا رَسُول [الله] هَل نرى رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة؟ قَالَ: هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الشَّمْس إِذا كَانَت صحواً؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: فَإِنَّكُم لَا تضَارونَ فِي رُؤْيَة ربكُم يَوْمئِذٍ إِلَّا كَمَا تضَارونَ فِي [رؤيتها] ، ثمَّ قَالَ: يُنَادي مُنَاد: ليذْهب كل قوم إِلَى مَا كَانُوا يعْبدُونَ، فَيذْهب أَصْحَاب الصَّلِيب مَعَ صليبهم، وَأَصْحَاب الْأَوْثَان مَعَ أوثانهم، وَأَصْحَاب كل آلِهَة مَعَ آلِهَتهم، حَتَّى تبقى من كَانَ يعبد الله من بر أَو فَاجر وغبرات من أهل الْكتاب، ثمَّ يُؤْتى بجهنم تعرض كَأَنَّهَا السراب، فَيُقَال للْيَهُود: مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ؟ (فَيَقُولُونَ) : كُنَّا نعْبد عُزَيْر ابْن الله. فَيُقَال: كَذبْتُمْ لم يكن لله صَاحِبَة وَلَا ولد، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيد أَن تسقينا. فَقَالَ: اشربوا. فيتساقطون فِي جَهَنَّم. ثمَّ يُقَال لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نعْبد الْمَسِيح ابْن الله. فَيَقُول: كَذبْتُمْ، لم يكن لله صَاحِبَة وَلَا ولد، فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيد أَن تسقينا. فَيُقَال: اشربوا. فيتساقطون، حَتَّى يبْقى من كَانَ يعبد الله - عز وَجل - من بر أَو فَاجر فَيُقَال لَهُم: مَا يجلسكم، وَقد ذهب النَّاس؟ فَيَقُولُونَ:

(3/401)


فارقناهم وَنحن أحْوج منا إِلَيْهِ الْيَوْم، وَإِنَّا سمعنَا منادياً يُنَادي ليلحق كل قوم بِمَا كَانُوا يعْبدُونَ، وَإِنَّا نَنْتَظِر رَبنَا - عز وَجل. قَالَ: فيأتيهم الْجَبَّار - جلّ ثَنَاؤُهُ - فِي صُورَة غير صورته الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أول مرّة، فَيَقُول: أَنا ربكُم. فَيَقُولُونَ: أَنْت رَبنَا؟ فَلَا يكلمهُ إِلَّا الْأَنْبِيَاء، فَيُقَال: هَل بَيْنكُم وَبَينه آيَة (تعرفونها) ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاق. فَيكْشف عَن سَاقه، فَيسْجد لَهُ كل مُؤمن، وَيبقى كل من كَانَ يسْجد لله رِيَاء وَسُمْعَة، فَيذْهب كَيْمَا يسْجد، فَيَعُود ظَهره طبقًا وَاحِدًا، ثمَّ يُؤْتى بالجسر فَيجْعَل بَين ظَهْري جَهَنَّم. قُلْنَا: يَا رَسُول الله، وَمَا الجسر؟ [قَالَ] : مدحضة مزلة عَلَيْهِ خطاطيف، وكلاليب، حسكة (مطلفحة) لَهَا شَوْكَة عقيفة تكون بِنَجْد يُقَال: لَهَا السعدان، الْمُؤمن عَلَيْهَا كالطرف، وكالبرق، وكالريح، وكأجاويد الْخَيل والركاب، فناج مُسلم، وناج مخدوش، ومكدوس فِي نَار جَهَنَّم، حَتَّى يمر آخِرهم يسحب سحباً، فَمَا أَنْتُم بأشد لي مناشدة فِي الْحق قد تبين لكم من الْمُؤمن يَوْمئِذٍ للجبار، وَإِذا رَأَوْا أَنهم قد نَجوا فِي إخْوَانهمْ يَقُولُونَ: رَبنَا إِخْوَاننَا كَانُوا يصلونَ، مَعنا وَيَصُومُونَ مَعنا، ويعملون مَعنا. فَيَقُول الله: اذْهَبُوا فَمن وجدْتُم فِي قلبه مِثْقَال دِينَار من إِيمَان فأخرجوه، وَيحرم صورهم على النَّار، وَبَعْضهمْ قد غَابَ فِي النَّار إِلَى قَدَمَيْهِ، وَإِلَى أَنْصَاف سَاقيه، فَيخْرجُونَ من عرفُوا، ثمَّ يعودون، فَيَقُول: اذْهَبُوا فَمن وجدْتُم فِي قلبه مِثْقَال نصف دِينَار فأخرجوه، فَيخْرجُونَ من عرفُوا، ثمَّ يعودون، فَيَقُول: اذْهَبُوا فَمن وجدْتُم فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان فاخرجوه، فَيخْرجُونَ من عرفُوا. وَقَالَ أَبُو سعيد: وَإِذا لم تصدقوني، فاقرءوا {إِن الله لَا يظلم مِثْقَال ذرة وَإِن تَكُ حَسَنَة يُضَاعِفهَا} ، فَيشفع النَّبِيُّونَ وَالْمَلَائِكَة

(3/402)


والمؤمنون، فَيَقُول الْجَبَّار - جلّ وَعز -: بقيت شَفَاعَتِي. فَيقبض قَبْضَة من النَّار، فَيخرج أَقْوَامًا قد [امتحشوا] فيلقون فِي نهر بأفواه الْجنَّة يُقَال لَهُ الْحَيَاة، فيبنون فِي حافتيه كَمَا تنْبت الْحبَّة فِي حميل السَّيْل، وَقد رأيتموها إِلَى جَانب الصَّخْرَة، وَإِلَى جَانب الشَّجَرَة، فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْس مِنْهَا كَانَ أَخْضَر، وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظل كَانَ أَبيض، فَيخْرجُونَ كَأَنَّهُمْ اللُّؤْلُؤ، فَيجْعَل فِي رقابهم الخواتيم فَيدْخلُونَ الْجنَّة، فَيَقُول أهل الْجنَّة: هَؤُلَاءِ عُتَقَاء الرَّحْمَن، فأدخلهم الْجنَّة بِغَيْر عمل عملوه، وَلَا خير قدموه، فَيُقَال لَهُم: لكم مَا رَأَيْتُمْ، وَمثله مَعَه ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن ابْن شهَاب، عَن عَطاء بن يزِيد اللَّيْثِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة " أَن النَّاس قَالُوا: يَا رَسُول الله، هَل نرى رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: هَل تضَارونَ فِي الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُول الله. قَالَ: فَإِنَّكُم تَرَوْنَهُ كَذَلِك، يجمع الله النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول: من كَانَ يعبد شَيْئا فليتبعه. فَيتبع من كَانَ يعبد الشَّمْس الشَّمْس، وَيتبع من كَانَ يعبد الْقَمَر الْقَمَر، وَيتبع من كَانَ يعبد الطواغيت الطواغيت، وَتبقى هَذِه الْأمة فِيهَا شافعوها - أَو منافقوها، شكّ إِبْرَاهِيم - فيأتيهم الله، فَيَقُول: أَنا ربكُم. فَيَقُولُونَ: هَذَا مَكَاننَا حَتَّى يأتينا رَبنَا، فَإِذا جَاءَنَا رَبنَا عَرفْنَاهُ، فيأتيهم الله فِي صورته الَّتِي يعْرفُونَ، فَيَقُول: أَنا ربكُم. فَيَقُولُونَ: أَنْت رَبنَا، فيتبعونه، وَيضْرب الصِّرَاط بَين ظَهْري جَهَنَّم، فَأَكُون أَنا وَأمتِي أول من (يُجِيز) وَلَا يتَكَلَّم يَوْمئِذٍ إِلَّا الرُّسُل، وَدَعوى الرُّسُل يَوْمئِذٍ: اللَّهُمَّ سلم سلم ... " وَذكر بَقِيَّة حَدِيثه.

(3/403)


وللبخاري: أَيْضا فِي بعض أَلْفَاظه من الحَدِيث: " فَأَكُون أول من يجوز من الرُّسُل بأمته " رَوَاهُ عَن أبي الْيَمَان، عَن شُعَيْب، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد وَعَطَاء، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَلمُسلم بن الْحجَّاج - رَحمَه الله - فِي هَذَا الحَدِيث: " قَالُوا: يَا رَبنَا، فارقنا النَّاس فِي الدُّنْيَا أفقر مَا كُنَّا إِلَيْهِم، وَلم نصاحبهم، فَيَقُول: أَنا ربكُم، فَيَقُولُونَ: نَعُوذ بِاللَّه مِنْك، وَلَا نشْرك بِاللَّه شَيْئا - مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ". وَقد تقدم فِي كتاب الْإِيمَان.
مُسلم: حَدثنَا عبيد الله بن سعيد وَإِسْحَاق بن مَنْصُور، كِلَاهُمَا عَن روح، قَالَ عبيد الله: ثَنَا روح بن عبَادَة الْقَيْسِي، ثَنَا ابْن جريج، أَخْبرنِي أَبُو الزبير " أَنه سمع جَابر بن عبد الله يسْأَل عَن الْوُرُود، فَقَالَ: (نجيء نَحن يَوْم الْقِيَامَة عَن كَذَا وَكَذَا انْظُر أَي ذَلِك، فَوق النَّاس) قَالَ: فَتُدْعَى الْأُمَم بأوثانها، وَمَا كَانَت تعبد الأول فَالْأول، ثمَّ يأتينا رَبنَا بعد ذَلِك، فَيَقُول: من تنْظرُون؟ (فَنَقُول: رَبنَا) . فَيَقُول: أَنا ربكُم. فَيَقُولُونَ: حَتَّى نَنْظُر إِلَيْك. فيتجلى لَهُم تبَارك وَتَعَالَى يضْحك / قَالَ: فَينْطَلق بهم ويتبعونه، وَيُعْطِي كل إِنْسَان مِنْهُم مُنَافِق أَو مُؤمن نورا، ثمَّ يتبعونه، وعَلى جسر جَهَنَّم كلاليب وحسك تَأْخُذ من شَاءَ الله، ثمَّ يطفأ نور الْمُنَافِقين، ثمَّ ينجو الْمُؤْمِنُونَ، فتنجو أول زمرة وُجُوههم كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر سَبْعُونَ ألفا لَا يحاسبون، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ كأضوأ نجم فِي السَّمَاء، ثمَّ كَذَلِك ثمَّ تحل الشَّفَاعَة، ويشفعون حَتَّى يخرج من النَّار من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَكَانَ فِي قلبه من الْخَيْر مَا يزن شعيرَة، فيجعلون بِفنَاء الْجنَّة، وَيجْعَل أهل الْجنَّة يرشون عَلَيْهِم المَاء حَتَّى يَنْبُتُونَ نَبَات الشَّيْء فِي السَّيْل، وَيذْهب حراقه، ثمَّ يسْأَل حَتَّى تجْعَل لَهُ الدُّنْيَا، وَعشرَة أَمْثَالهَا مَعهَا ".

(3/404)


أَبُو بكر بن أبي شيبَة: قَالَ: ثَنَا [هَاشم] بن الْقَاسِم، ثَنَا أَبُو عقيل [عبد الله] بن عقيل الثَّقَفِيّ، عَن برد بن سِنَان الرهاوي، أَخْبرنِي أَبُو يحيى الكلَاعِي قَالَ: سَمِعت أَبَا أُمَامَة يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِنِّي لأعْلم آخر رجل من أمتِي يجوز الصِّرَاط رجل يتلوى على الصِّرَاط كالغلام حِين يضْربهُ أَبوهُ، تزل يَده مرّة فتصيبها النَّار، وتزل رجله مرّة فتصيبها النَّار، قَالَ: فَتَقول لَهُ الْمَلَائِكَة: أَرَأَيْت إِن بَعثك الله من مقامك فمشيت سوياً أتخبرنا بِكُل عمل عملته؟ قَالَ: فَيَقُول: إِي وعزته لَا أكتمكم من عَمَلي شَيْئا. قَالَ: فَيَقُولُونَ لَهُ: قُم فأمش سويا. قَالَ: فَيقوم فَيَمْشِي حَتَّى يُجَاوز الصِّرَاط. فَيَقُولُونَ لَهُ أخبرنَا
بأعمالك الَّتِي عملت فَيَقُول فِي نَفسه: إِن أَخْبَرتهم بِمَا عملت ردوني إِلَى مَكَاني
قَالَ: فَيَقُول: لَا، وعزته مَا أذنبت ذَنبا قطّ. قَالَ: فَيَقُولُونَ: إِنَّا لنا عَلَيْك بَيِّنَة: قَالَ: فيلتفت يَمِينا وَشمَالًا هَل يرى من الْآدَمِيّين مِمَّن كَانَ يشْهد فِي الدُّنْيَا فَلَا يرى فَيَقُول: هاتوا بينتكم. فيختم الله على فِيهِ وتنطق يَدَاهُ وَرجلَاهُ وَفَخذه بِعَمَلِهِ، فَيَقُول: إِي وَعزَّتك لقد عملتها، وَإِن عِنْدِي للعظائم المطمرات. قَالَ: فَيَقُول الله: اذْهَبْ، فقد غفرتها لَك ".
وَأَبُو يحيى اسْمه سليم بن عَامر.

بَاب بعث النَّار
البُخَارِيّ: حَدثنَا عمر بن حَفْص، حَدثنَا أبي، ثَنَا الْأَعْمَش، ثَنَا أَبُو صَالح، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَقُول الله: يَا آدم فَيَقُول: لبيْك

(3/405)


وَسَعْديك. فينادى بِصَوْت: إِن الله يَأْمُرك أَن تخرج من ذريتك بعثاً إِلَى النَّار ".

بَاب مَا جَاءَ أَن بعث النَّار من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ
مُسلم: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة، ثَنَا جرير، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَقُول الله - عز وَجل -: يَا آدم. فَيَقُول: لبيْك وَسَعْديك وَالْخَيْر فِي يَديك. قَالَ: يَقُول: أخرج بعث النَّار. قَالَ: وَمَا بعث النَّار؟ قَالَ: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين. قَالَ: فَذَاك حِين يشيب الصَّغِير، وتضع كل ذَات حمل حملهَا، وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى، وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد. قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِك عَلَيْهِم، قَالُوا: يَا رَسُول الله، أَيّنَا ذَلِك الرجل؟ فَقَالَ: أَبْشِرُوا فَإِن من يَأْجُوج وَمَأْجُوج ألفا ومنكم رجل. قَالَ: ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأطمع أَن تَكُونُوا ربع أهل الْجنَّة. فحمدنا الله - عز وَجل - وَكَبَّرْنَا، ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأطمع أَن تَكُونُوا ثلث أهل الْجنَّة. فحمدنا الله وَكَبَّرْنَا. ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأطمع أَن تَكُونُوا شطر أهل الْجنَّة، إِن مثلكُمْ فِي الْأُمَم كَمثل الشعرة الْبَيْضَاء فِي جلده الثور الْأسود، أَو كالرقمة فِي ذِرَاع الْحمار ".
وَفِي بعض الْأَلْفَاظ الحَدِيث من الزِّيَادَة: " اللَّهُمَّ هَل بلغت ".

بَاب مَا جَاءَ فِي أهل الفترة
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا معَاذ بن هِشَام، حَدثنِي أبي، عَن قَتَادَة، [عَن الْحسن] عَن الْأسود بن سريع عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يعرض على الله - تبَارك وَتَعَالَى -: الْأَصَم الَّذِي لَا يسمع شَيْئا، والأحمق، والهرم، وَرجل

(3/406)


مَاتَ فِي الفترة، فَيَقُول: الْأَصَم: رب جَاءَ الْإِسْلَام وَمَا أسمع شَيْئا. وَيَقُول الأحمق: رب جَاءَ وَمَا أَعقل شَيْئا. وَيَقُول الَّذِي مَاتَ فِي الفترة: رب مَا أَتَانِي ذَلِك من رَسُول - قَالَ أَبُو بكر: وَذهب عني مَا قَالَ الرَّابِع - قَالَ: فَيَأْخُذ مواثيقهم ليطيعنه، فَيُرْسل إِلَيْهِم - تبَارك وَتَعَالَى -: ادخُلُوا النَّار. فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ، لَو دخلوها لكَانَتْ عَلَيْهِم بردا وَسلَامًا ".
وَحدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا معَاذ بن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن أبي رَافع، عَن أبي هُرَيْرَة مثل هَذَا الحَدِيث غير أَنه قَالَ فِي آخرهَا: " فَمن دَخلهَا كَانَت عَلَيْهِ بردا وَسلَامًا، وَمن لم يدخلهَا دخل النَّار ".
وَهَذَا الحَدِيث قد رُوِيَ عَن غير أبي هُرَيْرَة، وَلَا نعلمهُ يرْوى عَن أبي هُرَيْرَة إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَقد روى ثَوْبَان عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَعَن الْأسود بن سريع من غير وَجه، وَعَن أنس، وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ.

بَاب فِي سَعَة رَحْمَة الله تَعَالَى وَأَنَّهَا تغلب غَضَبه
مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا الْمُغيرَة - يَعْنِي: الْحزَامِي - عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لما خلق الله الْخلق كتب فِي كِتَابه فَهُوَ عِنْده فَوق الْعَرْش: إِن رَحْمَتي تغلب غَضَبي ".
مُسلم: حَدثنِي عَليّ بن خشرم، ثَنَا أَبُو ضَمرَة، عَن الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن، عَن عَطاء بن ميناء، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لما قضى الله الْخلق كتب فِي كِتَابه على نَفسه فَهُوَ مَوْضُوع عِنْده: إِن رَحْمَتي تغلب غَضَبي ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان، أَنا شُعَيْب، ثَنَا أَبُو الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج،

(3/407)


عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الله لما قضى الْخلق كتب عِنْده فَوق الْعَرْش: إِن رَحْمَتي سبقت غَضَبي ".
مُسلم: حَدثنَا حَرْمَلَة بن يحيى التجِيبِي، أَنا ابْن وهب، أَخْبرنِي يُونُس، عَن ابْن شهَاب، أَن سعيد بن الْمسيب أخبرهُ، أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " جعل الله الرَّحْمَة مائَة جُزْء، فَأمْسك عِنْده تِسْعَة وَتِسْعين، وَأنزل فِي الأَرْض جُزْءا وَاحِدًا، فَمن ذَلِك الْجُزْء يتراحم الْخَلَائق حَتَّى ترفع الدَّابَّة حافرها عَن وَلَدهَا خشيَة أَن تصيبه ".
وَلمُسلم فِي لفظ آخر: " كل رَحْمَة مِنْهَا طباق مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أكملها بِهَذِهِ الرَّحْمَة ".
وَفِي لفظ آخر: " أخر الله تِسْعَة وَتِسْعين يرحم الله بهَا خلقه يَوْم الْقِيَامَة ". وَقد تقدم الحديثان فِي كتاب الْأَدَب.

بَاب فِي الشَّفَاعَة
مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة وَإِسْحَاق، قَالَا: ثَنَا جرير، عَن الْمُخْتَار بن فلفل، عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنا أول النَّاس يشفع فِي الْجنَّة، وَأَنا الْأَكْثَر الْأَنْبِيَاء تبعا ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا أَبُو عَامر، ثَنَا زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن الطُّفَيْل بن أبي، عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة كنت إِمَام النَّبِيين وخطبيهم وَصَاحب شفاعتهم غير فَخر ".
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا يُونُس بن مُحَمَّد، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن

(3/408)


عَاصِم بن بَهْدَلَة، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَحْرُسهُ أَصْحَابه، فَقُمْت ذَات لَيْلَة فَلم أره فِي مَنَامه، فأخذني مَا حدث وَمَا قدم، فَقُمْت أنظر، فَإِذا معَاذ بن جبل قد لَقِي مثل الَّذِي لقِيت، فَسمِعت صَوتا مثل هدير الرحاوين يجوزهما، فوقفا على مكانيهما فجَاء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من قبل الصَّوْت، فَقَالَ: هَل تدريان أَيْن كنت، أَو فيمَ كنت؟ قَالَا: أَيْن؟ قَالَ: أَتَانِي آتٍ من رَبِّي فخيرني بَين أَن يدْخل شطر أمتِي الْجنَّة، وَبَين الشَّفَاعَة، فاخترت الشَّفَاعَة. فَقَالَا: يَا رَسُول الله، ادْع الله أَن يجعلنا فِي شفاعتك. فَدَعَا لَهما، وَأَقْبل وأقبلا مَعَه، فَكلما لقِيه رجل سَأَلَهُ حَتَّى استقبله عظم النَّاس، فَأخْبرهُم، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، ادْع الله أَن يجعلنا فِي شفاعتك. فَقَالَ: أَنْتُم فِي شَفَاعَتِي، وَمن لَقِي الله لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا فَهُوَ فِي شَفَاعَتِي ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن مقَاتل، أَنا عبد الله، أَنا أَبُو حَيَّان التَّيْمِيّ، عَن أبي زرْعَة بن عَمْرو بن جرير، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " أُتِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِلَحْم، فَرفع إِلَيْهِ الذِّرَاع، وَكَانَت تعجبه، فنهش مِنْهَا نهشة، ثمَّ قَالَ: أَنا سيد النَّاس يَوْم الْقِيَامَة، وَهل تَدْرُونَ مِم ذَلِك؟ (يجمع الله النَّاس) الْأَوَّلين والآخرين فِي صَعِيد وَاحِد، يسمعهم الدَّاعِي وَينْفذهُمْ الْبَصَر، وتدنو الشَّمْس، ويبلغ النَّاس من الْغم وَالْكرب مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يحْتَملُونَ، فَيَقُول النَّاس: أَلا ترَوْنَ مَا قد بَلغَكُمْ، أَلا تنْظرُون من يشفع لكم إِلَى ربكُم؟ فَيَقُول: بعض النَّاس لبَعض: عَلَيْكُم بِآدَم. فَيَأْتُونَ آدم فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْت أَبُو الْبشر خلقك الله [بِيَدِهِ] وَنفخ فِيك من روحه، وَأمر الْمَلَائِكَة فسجدوا لَك، اشفع لنا إِلَى رَبك، أَلا ترى إِلَى مَا نَحن فِيهِ، أَلا ترى إِلَى مَا قد بلغنَا. فَيَقُول آدم: إِن رَبِّي قد غضب الْيَوْم غَضبا لم يغْضب قبله مثله، وَلنْ يغْضب بعده مثله، وَإنَّهُ قد نهاني عَن الشَّجَرَة فعصيته، نَفسِي نَفسِي نَفسِي،

(3/409)


اذْهَبُوا إِلَى غبري اذْهَبُوا إِلَى نوح. فَيَأْتُونَ نوحًا، فَيَقُولُونَ: إِنَّك أَنْت أول الرُّسُل إِلَى أهل الأَرْض، وَقد سماك الله عبدا شكُورًا، اشفع لنا إِلَى رَبك أَلا ترى إِلَى مَا نَحن فِيهِ؟ فَيَقُول: إِن رَبِّي قد غضب الْيَوْم غَضبا لم يغْضب قبله مثله، وَلنْ يغْضب بعده مثله، وَإنَّهُ قد كنت لي دَعْوَة دعوتها على قومِي، نَفسِي نَفسِي نَفسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيم. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيم، فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيم، أَنْت نَبِي الله وخليله من أهل الأَرْض اشفع لنا إِلَى رَبك أَلا ترى إِلَى مَا نَحن فِيهِ؟ فَيَقُول لَهُم: إِن رَبِّي قد غضب الْيَوْم غَضبا لم يغْضب قبله مثله، وَلنْ بغضب بعده مثله، وَإِنِّي قد كنت كذبت ثَلَاث كذبات - فَذَكرهنَّ أَبُو حَيَّان فِي الحَدِيث - نَفسِي نَفسِي
نَفسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى. فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى
أَنْت رَسُول الله فضلك الله بِرِسَالَاتِهِ وبكلامه على النَّاس، اشفع لنا إِلَى رَبك،
أَلا ترى إِلَى مَا نَحن فِيهِ؟ فَيَقُول: إِن رَبِّي قد غضب الْيَوْم غَضبا لم يغْضب قبله
مثله، وَلنْ يغْضب بعده مثله، وَإِنِّي قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نَفسِي نَفسِي
نَفسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى. فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى، أَنْت رَسُول الله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ، وَكلمت النَّاس فِي المهد، اشفع لنا إِلَى رَبك، أَلا ترى إِلَى مَا نَحن فِيهِ؟ فَيَقُول عِيسَى: إِن رَبِّي قد غضب الْيَوْم غَضبا لم يغْضب قبله مثله قطّ، وَلنْ يغْضب بعده مثله - وَلم يذكر ذَنبا - نَفسِي نَفسِي نَفسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّد. فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا، فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّد، أَنْت رَسُول الله وَخَاتم الْأَنْبِيَاء، وَقد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر، اشفع لنا إِلَى رَبك أَلا ترى إِلَى مَا نَحن فِيهِ؟ فأنطلق، فآتى تَحت الْعَرْش، فأقع سَاجِدا لرَبي، ثمَّ يفتح الله عَليّ من محامده وَحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ شَيْئا لم يَفْتَحهُ على أحد قبلي، ثمَّ يُقَال: يَا مُحَمَّد، ارْفَعْ [رَأسك] ، وسل تعطه، وَاشْفَعْ تشفع. فأرفع رَأْسِي، فَأَقُول: أمتِي يَا رب، أمتِي يَا رب، أمتِي يَا رب.

(3/410)


فَيُقَال: يَا مُحَمَّد، أَدخل من أمتك من لَا حِسَاب عَلَيْهِ من الْبَاب الْأَيْمن من أَبْوَاب الْجنَّة، وهم شُرَكَاء النَّاس فِيمَا سوى ذَلِك من الْأَبْوَاب ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن مَا بَين المصراعين من مصَارِع الْجنَّة كَمَا بَين مَكَّة وحمير، أَو كَمَا بَين مَكَّة وَبصرى ".
مُسلم: حَدثنِي هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي، عَن ابْن وهب، أَنا مَالك بن أنس، عَن عَمْرو بن يحيى بن عمَارَة، أَخْبرنِي أبي، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يدْخل الله أهل الْجنَّة الْجنَّة، يدْخل من يَشَاء برحمته، وَيدخل أهل النَّار النَّار، ثمَّ يَقُول: انْظُرُوا من وجدْتُم فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من الْإِيمَان، فأخرجوه. فَيخْرجُونَ مِنْهَا حمماً قد امتحشوا، فيلقون فِي نهر الْحَيَاة - أَو الْحيَاء - فينبتون فِيهِ كَمَا تنْبت الْحبَّة إِلَى جَانب السَّيْل، ألم تَرَوْهَا كَيفَ تخرج صفراء ملتوية؟ ! ".
وَحدثنَا حجاج بن الشَّاعِر، ثَنَا عَمْرو بن عون، أَنا خَالِد، عَن عَمْرو بن يحيى بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَقَالَ: " فيلقون فِي نهر يُقَال لَهُ: الْحَيَاة " وَلم يشك وَقَالَ: " كَمَا ينْبت الغثاء فِي جَانب السَّيْل ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا هناد، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي سُفْيَان، عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يعذب نَاس من أهل التَّوْحِيد فِي النَّار حَتَّى يَكُونُوا حمماً، ثمَّ تُدْرِكهُمْ الرَّحْمَة، فَيخْرجُونَ، ويطرحون على أَبْوَاب الْجنَّة، قَالَ: فيرش عَلَيْهِم أهل الْجنَّة المَاء فينبتوا كَمَا ينْبت الغثاء فِي حميل السَّيْل، ثمَّ يدْخلُونَ الْجنَّة ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.

(3/411)


الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن مثنى، ثَنَا سَالم بن نوح، ثَنَا الْجريرِي، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أما أهل النَّار الَّذين هم أَهلهَا فَلَا يموتون فِيهَا وَلَا يحيون، وَأما الَّذين يُرِيد الله - تبَارك وَتَعَالَى - إخراجهم فتميتهم النَّار، ثمَّ يخرجُون مِنْهَا، فيلقون على نهر الْحَيَاة، فيرش عَلَيْهِم من مَائِهَا، فينبتون كَمَا تنْبت الْحبَّة فِي حميل السَّيْل، ويدخلون الْجنَّة فيسميهم أهل الْجنَّة: الجهنميين، فَيدعونَ الله - تَعَالَى - فَيذْهب ذَلِك الِاسْم عَنْهُم ".
ثَنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثَنَا شُعْبَة، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَحوه.
البُخَارِيّ: حَدثنَا هدبة بن خَالِد، ثَنَا همام، عَن قَتَادَة، عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يخرج قوم من النَّار بعد مَا مسهم مِنْهَا سفع، فَيدْخلُونَ الْجنَّة، فيسميهم أهل [الْجنَّة] : الجمهنميين ".
أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: ثَنَا (شُعْبَة، عَن حَمَّاد) عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: ليخرجن أَقوام من النَّار منتنين قد محشتهم النَّار، فَيدْخلُونَ الْجنَّة برحمة الله وشفاعة الشافعين، يسمون: الجهنميين ".
الْبَزَّار: حَدثنَا زُهَيْر بن مُحَمَّد وَالْحُسَيْن بن مهْدي - وَاللَّفْظ لزهير - أخبرنَا عبد الرَّزَّاق، أَنا معمر، عَن ثَابت، أَنه سمع أنس بن مَالك يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الرجل ليشفع للرجلين وَالثَّلَاثَة ".

(3/412)


الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن دَاوُد، ثَنَا أَحْمد بن عمرَان الأخنسي قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر بن عَيَّاش، عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله أهل الْجنَّة صُفُوفا وَأهل النَّار صُفُوفا، فَينْظر الرجل من صُفُوف أهل النَّار إِلَى الرجل من صُفُوف أهل الْجنَّة فَيَقُول لَهُ: يَا فلَان، أما تذكر يَوْم اصطنعت إِلَيْك مَعْرُوفا فِي الدُّنْيَا. فَيَقُول: اللَّهُمَّ إِن هَذَا اصْطنع لي مَعْرُوفا فِي الدُّنْيَا. قَالَ: فَيُقَال لَهُ: خُذ بِيَدِهِ، وَأدْخلهُ الْجنَّة برحمة الله - عز وَجل. قَالَ أنس: أشهد أَنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُوله ".
وَذكر الطَّحَاوِيّ أَيْضا قَالَ: ثَنَا عَليّ بن شيبَة، ثَنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي، أَنا النَّضر بن شُمَيْل، أَنا أَبُو نعَامَة الْعَدوي، ثَنَا أَبُو هنيدة الْبَراء بن نَوْفَل، عَن والان الْعَبْدي، عَن حُذَيْفَة، عَن أبي بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: " أصبح رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَات يَوْم ... . " فَذكر حَدِيثا طَويلا من حَدِيث يَوْم الْقِيَامَة، ثمَّ ذكر فِيهِ شَفَاعَة الشُّهَدَاء قَالَ: " ثمَّ يَقُول الله - عز وَجل -: أَنا أرْحم الرَّاحِمِينَ انْظُرُوا فِي النَّار هَل فِيهَا من أحد عمل خيرا قطّ، فيجدون فِي النَّار رجلا، فَيُقَال لَهُ: هَل عملت خيرا قطّ؟ فَيَقُول: لَا، غير أَنِّي أمرت وَلَدي إِذا مت فاحرقوني بالنَّار، ثمَّ اطحنوا فِي حَتَّى إِذا كنت مثل الْكحل، فاذهبوا بِي إِلَى الْبَحْر فاذروني فِي الرّيح، فوَاللَّه لَا يقدر عَليّ رب الْعَالمين أبدا، فيعاقبني إِذْ عَاقَبت نَفسِي فِي الدُّنْيَا عَلَيْهِ. قَالَ الله: لم فعلت ذَلِك؟ قَالَ: من مخافتك. فَيَقُول: انْظُر ملكا، أعظم ملك، فَإِن لَك مثله وَعشرَة أَمْثَاله ".
أَبُو نعَامَة الْعَدوي اسْمه عَمْرو بن عِيسَى بن سُوَيْد، بَصرِي ثِقَة، وَأَبُو هنيدة ثِقَة، وَكَذَلِكَ والان، وَهُوَ والان بن بيهس، وَيُقَال: والان بن قرفة، ذكر ذَلِك البُخَارِيّ - رَحمَه الله.
مُسلم: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي، كِلَاهُمَا

(3/413)


عَن جرير، قَالَ عُثْمَان: ثَنَا [جرير] عَن مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عُبَيْدَة، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنِّي لأعْلم آخر أهل النَّار خُرُوجًا مِنْهَا، وَآخر أهل الْجنَّة دُخُولا الْجنَّة: رجل يخرج من النَّار حبواً، فَيَقُول الله - تبَارك وَتَعَالَى - لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجنَّة. فيأتيها فيخيل إِلَيْهِ أَنَّهَا ملأى، فَيرجع، فَيَقُول: يَا رب، وَجدتهَا ملأى. فَيَقُول الله لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجنَّة. قَالَ: فيأتيها، فيخيل إِلَيْهِ أَنَّهَا ملأى، فَيَقُول: يَا رب وَجدتهَا ملأى. فَيَقُول الله لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجنَّة، فَإِن لَك مثل الدُّنْيَا وَعشرَة أَمْثَالهَا - أَو إِن لَك عشرَة أَمْثَال الدُّنْيَا - قَالَ: فَيَقُول: أَتسخر بِي - أَو تضحك بِي - وَأَنت الْملك. قَالَ: لقد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه، قَالَ: فَكَانَ يُقَال: ذَاك أدنى أهل الْجنَّة منزلا ".
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَأَبُو كريب - وَاللَّفْظ لأبي كريب - قَالَا: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عُبَيْدَة عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنِّي لأعرف آخر أهل النَّار خُرُوجًا من النَّار: رجل يخرج مِنْهَا زحفاً، فَيُقَال لَهُ: انْطلق فَادْخُلْ الْجنَّة. قَالَ: فَيذْهب، فَيدْخل الْجنَّة، فيجد النَّاس قد أخذُوا الْمنَازل، فَيُقَال لَهُ: أَتَذكر الزَّمَان الَّذِي كنت فِيهِ؟ فَيَقُول: نعم. فَيُقَال لَهُ: تمنى. فيتمنى، فَيُقَال لَهُ: لَك الَّذِي تمنيت وَعشرَة أَضْعَاف الدُّنْيَا. فَيَقُول: أَتسخر بِي وَأَنت الْملك. قَالَ: فَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه ".
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا عَفَّان بن مُسلم، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، ثَنَا ثَابت، عَن أنس، عَن ابْن مَسْعُود أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " آخر من يدْخل الْجنَّة رجل، فَهُوَ يمشي مرّة، ويكبو مرّة، وتسفعه النَّار مرّة، فَإِذا مَا جاوزها الْتفت إِلَيْهَا، فَقَالَ: تبَارك الَّذِي نجاني مِنْك، لقد أَعْطَانِي الله شَيْئا مَا أعطَاهُ

(3/414)


أحدا من الْأَوَّلين والآخرين. فَترفع لَهُ شَجَرَة فَيَقُول: أَي رب أدنني من هَذِه الشَّجَرَة فلأستظل بظلها، وأشرب من مَائِهَا. فَيَقُول: - الله عز وَجل -: يَا ابْن آدم، لعَلي إِن أعطيتكها تَسْأَلنِي غَيرهَا. فَيَقُول: لَا يَا رب. ويعاهده أَن لَا يسْأَله غَيرهَا، وربه يعذرهُ؛ لِأَنَّهُ يرى مَا لَا صَبر لَهُ عَلَيْهِ، فيدنيه مِنْهَا، فيستظل بظلها، وَيشْرب من مَائِهَا، ثمَّ ترفع لَهُ شَجَرَة هِيَ أحسن من الأولى، فَيَقُول: يَا رب، أدنني من هَذِه لأشرب من مَائِهَا، وأستظل بظلها، لَا أَسأَلك غَيرهَا. فَيَقُول: يَا ابْن آدم، ألم تعاهدني أَن لَا تَسْأَلنِي غَيرهَا. فَيَقُول: لعَلي إِن أدنيتك مِنْهَا تَسْأَلنِي غَيرهَا، فيعاهده أَن لَا يسْأَله غَيرهَا، وربه يعذرهُ؛ لِأَنَّهُ يرى مَا لَا صَبر لَهُ عَلَيْهِ فيدنيه مِنْهَا، فيستظل
بظلها، وَيشْرب من مَائِهَا، ثمَّ ترفع لَهُ شَجَرَة عِنْد بَاب الْجنَّة هِيَ أحسن من
الأولتين فَيَقُول: أَي رب، أدنني من هَذِه لأستظل بظلها، وأشرب من مَائِهَا، لَا
أَسأَلك غَيرهَا. فَيَقُول: يَا ابْن آدم، ألم تعاهدني أَن لَا تَسْأَلنِي غَيرهَا؟ قَالَ. بلَى يَا
رب لَا أَسأَلك غَيرهَا. وربه يعذرهُ؛ لِأَنَّهُ يرى مَا لَا صَبر لَهُ عَلَيْهِ، فيدنيه مِنْهَا،
فَإِذا أدناه مِنْهَا فَيسمع أصوات أهل الْجنَّة، فَيَقُول: يَا رب أدخلنيها. فَيَقُول: يَا ابْن آدم مَا يصريني مِنْك؟ أيرضيك أَن أُعْطِيك الدُّنْيَا وَمثلهَا مَعهَا؟ قَالَ: يَا رب، أتستهزئ مني وَأَنت رب الْعَالمين؟ فَضَحِك ابْن مَسْعُود فَقَالَ: أَلا تَسْأَلُونِي مِم
أضْحك؟ قَالَ: هَكَذَا ضحك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالُوا: مِم تضحك يَا رَسُول الله؟ قَالَ: من ضحك رب الْعَالمين حِين قَالَ: أتستهزئ مني وَأَنت رب الْعَالمين؟ فَيَقُول: إِنِّي لَا أستهزئ مِنْك، ولكنى على مَا أَشَاء قَادر ".
ثَنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا يحيى - يَعْنِي ابْن أبي بكير - ثَنَا زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن النُّعْمَان بن أبي عَيَّاش، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة رجل صرف الله وَجهه عَن النَّار قبل الْجنَّة، وَمثل لَهُ شَجَرَة ذَات ظلّ، فَقَالَ: أَي [رب] قدمني إِلَى هَذِه الشَّجَرَة أكون فِي ظلها ... " وسَاق الحَدِيث بِنَحْوِ حَدِيث ابْن مَسْعُود فَلم يذكر

(3/415)


فِيهِ: " فَيَقُول: يَا ابْن آدم مَا يصريني مِنْك ... " إِلَى آخر الحَدِيث، وَزَاد فِيهِ: " ويذكره الله سل كَذَا وَكَذَا، فَإِذا انْقَطَعت بِهِ الْأَمَانِي قَالَ الله: هُوَ لَك وَعشرَة أَمْثَاله، ثمَّ يدْخل بَيته، فَيدْخل عَلَيْهِ زوجتاه من الْحور الْعين، فَيَقُولَانِ: الْحَمد لله الَّذِي أحياك وَأَحْيَانا لَك. قَالَ: فَيَقُول: مَا أعطي أحد مثل مَا أَعْطَيْت ".
قد تقدم فِي كتاب الْإِيمَان فِي أَبْوَاب الشَّفَاعَة جملَة شافية من هَذَا الْبَاب، وَالْحَمْد لله.

بَاب ذكر أول من يدْخل الْجنَّة
مُسلم: حَدثنِي عَمْرو بن مُحَمَّد النَّاقِد وَزُهَيْر بن حَرْب، قَالَا: ثَنَا هَاشم ابْن الْقَاسِم، ثَنَا سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة، عَن ثَابت، عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " آتِي بَاب الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة فأستفتح، فَيَقُول الخازن: من أَنْت؟ فَأَقُول: مُحَمَّد. [فَيَقُول] : بك أمرت، لَا أفتح لأحد قبلك ".

بَاب ذكر كم يدْخل الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب
مُسلم: حَدثنِي حَرْمَلَة بن يحيى، أَنا ابْن وهب، أَنا يُونُس، عَن ابْن شهَاب، حَدثنِي سعيد بن الْمسيب، أَن أَبَا هُرَيْرَة حَدثهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " يدْخل الْجنَّة من أمتِي زمرة هم سَبْعُونَ ألفا تضيء وُجُوههم إضاءة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَقَامَ عكاشة بن مُحصن الْأَسدي يرفع نمرة عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، ادْع الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُم. ثمَّ قَامَ رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ: يَا رَسُول الله، ادْع الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: سَبَقَك بهَا عكاشة ".

(3/416)


مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، ثَنَا عبد الْعَزِيز - يَعْنِي ابْن أبي حَازِم - عَن أبي حَازِم، عَن سهل بن سعد أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " ليدخلن الْجنَّة من أمتِي سَبْعُونَ ألفا، أَو سَبْعمِائة ألف - لَا يدْرِي أَبُو حَازِم أَيهمَا قَالَ - متماسكون آخذ بَعضهم بَعْضًا، لَا يدْخل أَوَّلهمْ حَتَّى يدْخل آخِرهم، وُجُوههم على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر ".
الْبَزَّار: ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الْملك، ثَنَا أَبُو عَاصِم الْعَبادَانِي، ثَنَا حميد، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يدْخل الْجنَّة من أمتِي سَبْعُونَ ألفا، مَعَ كل وَاحِد من السّبْعين ألفا سَبْعُونَ ألفا ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلم رَوَاهُ عَن حميد عَن أنس إِلَّا أَبُو عَاصِم. انْتهى كَلَام أبي بكر الْبَزَّار - رَحمَه الله.
أَبُو عَاصِم اسْمه عبد الله بن عبيد الله، قَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنِي أبي قَالَ: ثَنَا عَمْرو بن عَليّ قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِم الْعَبادَانِي وَكَانَ صَدُوقًا ثِقَة. وَقَالَ يحيى بن معِين: أَبُو عَاصِم الْعَبادَانِي صَالح الحَدِيث مَا بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: أَبُو عَاصِم شيخ.
التِّرْمِذِيّ حَدثنَا الْحسن بن عَرَفَة، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن مُحَمَّد بن زِيَاد الْأَلْهَانِي، سَمِعت أَبَا أُمَامَة يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " وَعَدَني رَبِّي أَن يدْخل الْجنَّة من أمتِي سبعين ألفا لَا حِسَاب عَلَيْهِم وَلَا عَذَاب، مَعَ كل ألف سَبْعُونَ ألفا، وَثَلَاث حثيات من حثياته ".
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا ابْن أبي عدي، ثَنَا هِشَام ابْن عبد الله بن أبي عبد الله، عَن يحيى بن أبي كثير.

(3/417)


أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: حَدثنَا هِشَام الدستوَائي، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن هِلَال بن أبي مَيْمُونَة، عَن عَطاء بن يسَار، عَن رِفَاعَة بن عرابة قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى إِذا كُنَّا بالقديد - أَو قَالَ: بِقديد - جعل رجال منا يستأذنون إِلَى أَهْليهمْ، فَيَأْذَن لَهُم، فَحَمدَ الله، وَقَالَ خيرا، ثمَّ قَالَ: مَا بَال شقّ الشَّجَرَة الَّذِي يَلِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أبْغض إِلَيْكُم من الشق الآخر؟ فَلم تَرَ عِنْد ذَلِك [من] الْقَوْم إِلَّا باكياً، فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله، إِن الَّذِي يستأذنك بعد هَذَا لسفيه - وَقَالَ أَبُو بكر: لشقي - فَحَمدَ الله، وَقَالَ خيرا، وَقَالَ: أشهد عِنْد الله إِلَّا يَمُوت عبد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله من قبله، ثمَّ يسدد إِلَّا سلك فِي الْجنَّة. ثمَّ قَالَ: وَعَدَني رَبِّي أَن يدْخل الْجنَّة من أمتِي سبعين ألفا لَا حِسَاب عَلَيْهِم وَلَا عَذَاب، وَإِنِّي لأرجو أَلا يدخلوها حَتَّى تبوءوا أَنْتُم وَمن صلح من أزواجكم وذرياتكم مسَاكِن الْجنَّة ".
اللَّفْظ لأبي دَاوُد، حَدِيث أبي بكر بِمَعْنَاهُ.

بَاب مَا أول طَعَام أهل الْجنَّة
البُخَارِيّ: حَدثنَا حَامِد بن عمر البكراوي، عَن بشر بن الْمفضل، ثَنَا حميد، عَن أنس بن مَالك " أَن عبد الله بن سَلام بلغه مقدم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَدِينَة، فَأَتَاهُ يسْأَله، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلك عَن ثَلَاث لَا يعلمهُنَّ إِلَّا نَبِي: مَا أول أَشْرَاط السَّاعَة؟ وَمَا أول طَعَام يَأْكُلهُ أهل الْجنَّة؟ وَمَا بَال الْوَلَد ينْزع إِلَى أَبِيه أَو إِلَى أمه؟ قَالَ: أَخْبرنِي بِهِ جِبْرِيل آنِفا. قَالَ ابْن سَلام: ذَلِك عَدو الْيَهُود من الْمَلَائِكَة. قَالَ: أما أول أَشْرَاط السَّاعَة: فَنَار تَحْشُرهُمْ من الْمشرق إِلَى الْمغرب، وَأما أول طَعَام يَأْكُلهُ أهل الْجنَّة فَزِيَادَة كبد الْحُوت، وَأما الْوَلَد فَإِذا سبق مَاء الرجل مَاء الْمَرْأَة نزع الْوَلَد، فَإِذا سبق مَاء الْمَرْأَة مَاء الرجل نزعت الْوَلَد. قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَنَّك رَسُول الله. قَالَ: يَا رَسُول الله، إِن الْيَهُود قوم بهت، فَسلم عني قبل أَن يعلمُوا إسلامي.

(3/418)


فَجَاءَت الْيَهُود، فَقَالَ: أَي رجل عبد الله فِيكُم قَالُوا: خيرنا وَابْن خيرنا، وأفضلنا وَابْن أفضلنا. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَرَأَيْتُم إِن أسلم عبد الله بن سَلام؟ قَالُوا: أَعَاذَهُ الله من ذَلِك. فَأَعَادَ عَلَيْهِم، فَقَالُوا مثل ذَلِك، فَخرج إِلَيْهِم عبد الله، فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. فَقَالُوا: شَرنَا وَابْن شَرنَا. وتنقصوه، قَالَ: هَذَا كنت أَخَاف يَا رَسُول الله ".

بَاب من صفة الْجنَّة وَمَا أعد الله لأَهْلهَا فِيهَا
مُسلم: حَدثنَا سعيد بن عَمْرو الأشعثي وَزُهَيْر بن حَرْب، قَالَ زُهَيْر: ثَنَا، وَقَالَ سعيد: أَنا سُفْيَان، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " قَالَ الله - عز وَجل -: أَعدَدْت لعبادي الصَّالِحين مَا لَا عين رَأَتْ، وَلَا أذن سَمِعت، وَلَا خطر على قلب بشر. مصداق ذَلِك فِي كتاب الله - عز وَجل - {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} ".
مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا لَيْث، عَن سعيد بن أبي سعيد، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " إِن فِي الْجنَّة لشَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة سنة ".
وثنا قُتَيْبَة، ثَنَا الْمُغيرَة الْحزَامِي، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمثلِهِ، وَزَاد: " لَا يقطعهَا ".

(3/419)


قَالَ مُسلم: وثنا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي، أَنا المَخْزُومِي، ثَنَا وهيب، عَن أبي حَازِم، عَن سهل بن سعد، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن فِي الْجنَّة لشَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام لَا يقطعهَا ".
قَالَ أَبُو حَازِم: فَحدثت بِهِ النُّعْمَان بن أبي عَيَّاش، فَقَالَ: حَدثنِي أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب الْجواد الْمُضمر السَّرِيع مائَة عَام مَا يقطعهَا ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب، ثَنَا عَبدة بن سُلَيْمَان وَعبد الرَّحِيم بن سُلَيْمَان، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، ثَنَا أَبُو سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَقُول الله - عز وَجل -: أَعدَدْت لعبادي الصَّالِحين مَا لَا عين رَأَتْ، وَلَا أذن سَمِعت، وَلَا خطر على قلب بشر. اقْرَءُوا إِن شِئْتُم: {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} وَفِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام لَا يقطعهَا، واقرءوا إِن شِئْتُم: {وظل مَمْدُود} وَمَوْضِع سَوط فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، واقرءوا إِن شِئْتُم: ^) فَمن زحزح عَن النَّار وَأدْخل الْجنَّة فقد فَازَ وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغرُور} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سِنَان، ثَنَا فليح بن سُلَيْمَان، ثَنَا هِلَال بن عَليّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:

(3/420)


" إِن فِي الْجنَّة لشَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة سنة، واقرءوا إِن شِئْتُم: {وظل مَمْدُود} ".
" وَلَقَاب قَوس أحدكُم فِي الْجنَّة خير مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس، أَو تغرب ".
التِّرْمِذِيّ: ثَنَا أَبُو سعيد الْأَشَج، ثَنَا زِيَاد بن الْحسن بن الْفُرَات الْقَزاز، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا فِي الْجنَّة شَجَرَة إِلَّا وساقها من ذهب ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
مُسلم: حَدثنِي هَارُون بن سعيد، ثَنَا ابْن وهب، حَدثنِي مَالك بن أنس، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الله - عز وَجل - يَقُول لأهل الْجنَّة: يَا أهل الْجنَّة. فَيَقُولُونَ: لبيْك رَبنَا وَسَعْديك، وَالْخَيْر فِي يَديك. فَيَقُول: هَل رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لنا لَا نرضى يَا رب، وَقد أَعطيتنَا مَا لم تعط أحدا من خلقك. فَيَقُول: أَلا أُعْطِيكُم أفضل من ذَلِك. فَيَقُولُونَ: يَا رب، وَأي شَيْء أفضل من ذَلِك؟ فَيَقُول: أحل عَلَيْكُم رِضْوَانِي، فَلَا أَسخط عَلَيْكُم بعده أبدا ".
مُسلم: حَدثنِي هَارُون بن سعيد، ثَنَا عبد الله بن وهب، أَخْبرنِي مَالك بن أنس، عَن صَفْوَان بن سليم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن أهل الْجنَّة ليتراءون [أهل الغرف] من فَوْقهم كَمَا

(3/421)


تتراءون الْكَوْكَب الدُّرِّي الغابر من الْأُفق من الْمشرق أَو الْمغرب لتفاضل مَا بَينهم. قَالُوا: يَا رَسُول الله، تِلْكَ منَازِل الْأَنْبِيَاء لَا يبلغهَا غَيرهم. قَالَ: بلَى وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ رجال آمنُوا بِاللَّه، وَصَدقُوا الْمُرْسلين ".
مُسلم: حَدثنَا عَمْرو النَّاقِد وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي، جَمِيعًا عَن ابْن علية - وَاللَّفْظ ليعقوب - قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيل بن علية، أَنا أَيُّوب، عَن مُحَمَّد قَالَ: " إِمَّا تفاخروا وَإِمَّا تَذَاكَرُوا: الرِّجَال أَكثر فِي الْجنَّة أم النِّسَاء؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: أَو لم يقل أَبُو الْقَاسِم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِن أول زمرة تدخل الْجنَّة على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر، وَالَّتِي تَلِيهَا على أَضْوَأ كَوْكَب دري فِي السَّمَاء، لكل امْرِئ مِنْهُم زوجتان اثْنَتَانِ يرى مخ سوقهما من وَرَاء اللَّحْم، وَمَا فِي الْجنَّة أعزب ".
ثَنَا ابْن أبي عمر، ثَنَا سُفْيَان، عَن أَيُّوب، عَن ابْن سِيرِين قَالَ: " اخْتصم الرِّجَال وَالنِّسَاء أَيهمْ فِي الْجنَّة أَكثر فسألوا أَبَا هُرَيْرَة، فَقَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. . " مثل حَدِيث ابْن علية.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُفْيَان بن وَكِيع، ثَنَا أبي، عَن فُضَيْل بن مَرْزُوق، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن أول زمرة يدْخلُونَ الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة ضوء وُجُوههم على مثل ضوء الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر، والزمرة الثَّانِيَة على مثل أحسن كَوْكَب دري فِي السَّمَاء، لكل رجل مِنْهُم زوجتان، على كل زَوْجَة سَبْعُونَ حلَّة يرى مخ سَاقهَا من وَرَائِهَا ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن.
مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة وَزُهَيْر بن حَرْب - وَاللَّفْظ لقتيبة - قَالَا: ثَنَا جرير، عَن عمَارَة، عَن أبي زرْعَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن

(3/422)


أول زمرة يدْخلُونَ الْجنَّة على صور الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر، وَالَّذين يَلُونَهُمْ على أَشد كَوْكَب دري فِي السَّمَاء إضاءة، لَا يَبُولُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يتمخطون، وَلَا يَتْفلُونَ، أمشاطهم الذَّهَب، ورشحهم الْمسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الْحور الْعين، أَخْلَاقهم على خلق رجل وَاحِد، على صُورَة أَبِيهِم آدم - عَلَيْهِ السَّلَام - سِتُّونَ ذِرَاعا فِي السَّمَاء ".
مُسلم: حَدثنَا أَبُو كريب وَأَبُو بكر بن أبي شيبَة، قَالَا: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أول زمرة تدخل الْجنَّة من أمتِي على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ على أَشد نجم فِي السَّمَاء إضاءة، ثمَّ هم بعد ذَلِك منَازِل، لَا يَبُولُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يتمخطون، وَلَا يبزقون، أمشاطهم الذَّهَب، ومجامرهم الألوة، ورشحهم الْمسك، وأخلاقهم على خلق رجل وَاحِد على طول أَبِيهِم - آدم عَلَيْهِ السَّلَام - سِتُّونَ ذِرَاعا " قَالَ ابْن أبي شيبَة: " على خلق رجل " وَقَالَ أَبُو كريب: " على خلق " وَقَالَ ابْن أبي شيبَة: " على صُورَة أَبِيهِم ".
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن رَافع، ثَنَا عبد الرَّزَّاق، ثَنَا معمر، عَن همام بن مُنَبّه قَالَ: هَذَا مَا حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر أَحَادِيث مِنْهَا، وَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أول زمرة تلج الْجنَّة صورهم على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر لَا يبصقون فِيهَا، وَلَا يتمخطون، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ فِيهَا، آنيتهم وأمشاطهم من الذَّهَب وَالْفِضَّة، ومجامرهم من الألوة، ورشحهم الْمسك، وَلكُل وَاحِد مِنْهُم زوجتان يرى مخ سوقهما من وَرَاء اللَّحْم من الْحسن، لَا اخْتِلَاف بَينهم وَلَا تباغض، قُلُوبهم قلب وَاحِد يسبحون الله بكرَة وعشياً ".

(3/423)


مُسلم: حَدثنَا الْحسن الْحلْوانِي، ثَنَا أَبُو عَاصِم، عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي أَبُو الزبير، أَنه سمع جَابر بن عبد الله يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَأْكُل أهل الْجنَّة فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يتمخطون، وَلَا يَبُولُونَ، وَلَكِن طعامهم ذَلِك جشاء كَرَشْحِ الْمسك، يُلْهمُون التَّسْبِيح وَالْحَمْد كَمَا يُلْهمُون النَّفس ".
الْبَزَّار " حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، ثَنَا الْأَعْمَش، عَن ثُمَامَة بن عقبَة، عَن زيد بن أَرقم قَالَ: " جَاءَ رجل من الْيَهُود إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِم، تزْعم أَن أهل الْجنَّة يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الرجل مِنْهُم ليؤتى قُوَّة مائَة رجل فِي الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع والشهوة. قَالَ: فَإِن الَّذِي يَأْكُل وَيشْرب يكون لَهُ الْحَاجة. قَالَ: عرق يفِيض مثل ريح الْمسك، فَإِذا كَانَ ذَلِك ضمر لَهُ بَطْنه ".
قَالَ أَبُو بكر: لَا نعلم حدث الْأَعْمَش عَن ثُمَامَة غير يَعْنِي هَذَا الحَدِيث، وحديثاً آخر. انْتهى كَلَام أبي بكر.
قَالَ يحيى بن معِين: ثُمَامَة بن عقبَة ثِقَة. ذكر ذَلِك ابْن أبي حَاتِم.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، أخبرنَا عبد الله بن مسلمة، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم، عَن أَبِيه، عَن أنس بن مَالك قَالَ: " سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا الْكَوْثَر؟ قَالَ: ذَلِك نهر أعطانيه الله - يَعْنِي: فِي الْجنَّة - أَشد بَيَاضًا من اللَّبن، وَأحلى من الْعَسَل، فِيهِ طير أعناقها كأعناق الجزر. قَالَ عمر: إِن هَذِه لناعمة. قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: آكلها أنعم مِنْهَا ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن، وَمُحَمّد بن عبد الله بن مُسلم هُوَ ابْن أخي ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ، وَعبد الله بن مُسلم قد روى عَن ابْن عمر.

(3/424)


مُسلم: حَدثنِي زُهَيْر بن حَرْب، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت، عَن أبي رَافع، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من يدْخل الْجنَّة ينعم لَا يبأس، لَا تبلى ثِيَابه، وَلَا يفنى شبابه ". مُسلم: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعبد بن حميد - وَاللَّفْظ لإسحاق - قَالَ: أَنا عبد الرَّزَّاق قَالَ: قَالَ الثَّوْريّ: حَدثنِي أَبُو إِسْحَاق، أَن الْأَغَر حَدثهُ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يُنَادي مُنَاد: إِن لكم أَن تصحوا فَلَا تسقموا أبدا، وَإِن لكم أَن تحيوا فَلَا تَمُوتُوا أبدا [وَإِن لكم أَن تشبوا فَلَا تهرموا أبدا] وَإِن لكم أَن تنعموا فَلَا تبأسوا أبدا. فَذَلِك قَوْله عز وَجل -: {ونودوا أَن تلكم الْجنَّة أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} .
مُسلم: حَدثنِي سعيد بن مَنْصُور، عَن أبي قدامَة - وَهُوَ الْحَارِث بن عبيد - عَن أبي عمرَان الْجونِي، عَن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (قَالَ) : " إِن لِلْمُؤمنِ فِي الْجنَّة لخيمة من لؤلؤة وَاحِدَة مجوفة طولهَا سِتُّونَ ميلًا، لِلْمُؤمنِ فِيهَا أهلون يطوف عَلَيْهِم الْمُؤمن، فَلَا يرى بَعضهم بَعْضًا ".
وحَدثني أَبُو غَسَّان المسمعي، ثَنَا أَبُو عبد الصَّمد، ثَنَا أَبُو عمرَان بِهَذَا الْإِسْنَاد، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي الْجنَّة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضهَا سِتُّونَ ميلًا فِي كل زَاوِيَة مِنْهَا أهل مَا يرَوْنَ الآخرين يطوف عَلَيْهِم الْمُؤمن ".

(3/425)


وثنا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا يزِيد بن هَارُون، أَنا همام، عَن أبي عمرَان بِهَذَا الْإِسْنَاد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: الْخَيْمَة درة طولهَا فِي السَّمَاء سِتُّونَ ميلًا، فِي كل زَاوِيَة مِنْهَا أهل لِلْمُؤمنِ لَا يراهم الْآخرُونَ ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَليّ بن حجر، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر، عَن حميد، عَن أنس أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لغدوة فِي سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَاب قَوس أحدكُم أَو مَوضِع يَده فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَو أَن امْرَأَة من نسَاء أهل الْجنَّة اطَّلَعت إِلَى الأَرْض لَأَضَاءَتْ مَا بَينهمَا، ولملأت مَا بَينهمَا ريحًا، ونصيفها على رَأسهَا خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث صَحِيح.
النَّسَائِيّ: أخبرنَا عَمْرو بن مَنْصُور، أَنا حرمي بن حَفْص، ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن علاثة، حَدثنِي الْعَلَاء بن عبد الله، أَنا حنان بن خَارِجَة حَدثهُ، عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: " بَينا نَحن عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ جَاءَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أخبرنَا عَن ثِيَاب الْجنَّة أخلق تخلق أَو نسج تنسج؟ فَضَحِك بعض الْقَوْم، فَقَالَ لَهُم: تضحكون أَن جَاهِلا يسْأَل عَالما؟ فَجَلَسَ يَسِيرا أَو قَلِيلا فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَيْن السَّائِل عَن ثِيَاب الْجنَّة؟ قَالَ: هَا هُوَ ذَا يَا رَسُول الله. قَالَ: بل تشقق عَنْهَا ثَمَر الْجنَّة. قَالَهَا ثَلَاثًا ".
حنان لَا أعلم روى عَنهُ إِلَّا الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار ومحمود بن غيلَان قَالَا: ثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن عمرَان الْقطَّان، عَن قَتَادَة، عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يعْطى الْمُؤمن فِي الْجنَّة قُوَّة كَذَا وَكَذَا من الْجِمَاع. قيل: يَا رَسُول الله، أَو يُطيق

(3/426)


ذَلِك؟ قَالَ: يعْطى قُوَّة مائَة ".
وَفِي الْبَاب عَن زيد بن أَرقم، قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث صَحِيح غَرِيب لَا نعرفه من حَدِيث قَتَادَة عَن أنس إِلَّا من حَدِيث عمرَان الْقطَّان.
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن ثَوَاب، ثَنَا حُسَيْن - يَعْنِي ابْن عَليّ - عَن زَائِدَة، عَن هِشَام، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " قيل: يَا رَسُول الله، أنفضي إِلَى نسائنا فِي الْجنَّة؟ فَقَالَ: إِي وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، إِن الرجل ليفضى فِي الْيَوْم الْوَاحِد إِلَى مائَة عذراء ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلم رَوَاهُ عَن هِشَام عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة إِلَّا حُسَيْن ابْن عَليّ.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن، أَنا عَاصِم بن عَليّ، ثَنَا المَسْعُودِيّ، عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد، عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه: " أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، هَل فِي الْجنَّة من خيل؟ قَالَ: إِن الله أدْخلك الْجنَّة فَلَا تشَاء أَن تحمل فِيهَا على فرس من ياقوتة حَمْرَاء يطير بك فِي الْجنَّة حَيْثُ شِئْت. قَالَ: وَسَأَلَهُ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، هَل فِي الْجنَّة من إبل؟ قَالَ: فَلم يقل لَهُ مَا قَالَ لصَاحبه، قَالَ: إِن يدْخلك الله الْجنَّة يكن لَك فِيهَا مَا اشتهت نَفسك ولذت عَيْنك ".
روى عَلْقَمَة [عَن] عبد الرَّحْمَن بن سابط عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَحوه بِمَعْنَاهُ قَالَ: وَهَذَا أصح من حَدِيث المَسْعُودِيّ.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن، أَنا يزِيد بن هَارُون، أَنا همام، ثَنَا زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

(3/427)


قَالَ: " فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة مَا بَين كل دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، والفردوس أَعْلَاهَا دَرَجَة، وَمِنْهَا تفجر أَنهَار الْجنَّة الْأَرْبَعَة، وَمن فَوْقهَا يكون الْعَرْش، فَإِذا أسلمتم الله فسلوه الفردوس ".
حَدثنَا أَحْمد بن منيع، ثَنَا يزِيد بن هَارُون بِإِسْنَادِهِ نَحوه.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَبَّاس الْعَنْبَري، ثَنَا يزِيد بن هَارُون، أَنا إِسْرَائِيل، عَن مُحَمَّد بن جحادة، عَن عَطاء، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة مَا بَين كل دَرَجَتَيْنِ مائَة عَام ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا أَبُو أُسَامَة، عَن الْجريرِي، عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد " أَن ابْن صياد سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن تربة الْجنَّة؟ فَقَالَ درمكة بَيْضَاء مسك خَالص ".
مُسلم: حَدثنَا نصر بن عَليّ، ثَنَا بشر - يَعْنِي ابْن مفضل - عَن أبي مسلمة، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد قَالَ: " قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِابْنِ صياد: مَا تربة الْجنَّة؟ قَالَ: درمكة بَيْضَاء مسك يَا أَبَا الْقَاسِم. قَالَ: صدقت ".
النَّسَائِيّ: أخبرنَا هِشَام بن عمار، عَن يحيى بن حَمْزَة، حَدثنِي زيد بن وَاقد، حَدثنِي خَالِد بن عبد الله بن حُسَيْن، حَدثنِي أَبُو هُرَيْرَة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة، وَمن شرب الْخمر فِي الدُّنْيَا لم يشْربهَا فِي الْآخِرَة، وَمن شرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي الدُّنْيَا لم يشرب فِيهَا فِي الْآخِرَة. ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لِبَاس أهل الْجنَّة، وشراب أهل الْجنَّة، وآنية أهل الْجنَّة ".

(3/428)


البُخَارِيّ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الله، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الصَّمد، عَن أبي عمرَان، عَن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " جنتان من فضَّة آنيتهما وَمَا فيهمَا، وجنتان من ذهب آنيتهما وَمَا فيهمَا، وَمَا بَين الْقَوْم وَبَين أَن ينْظرُوا إِلَى رَبهم إِلَّا رِدَاء الْكبر على وَجهه فِي جنَّة عدن ".
مُسلم: حَدثنِي حَرْمَلَة بن يحيى، أَنا ابْن وهب، أَخْبرنِي يُونُس، عَن ابْن شهَاب، عَن أنس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أدخلت الْجنَّة فَإِذا فِيهَا جنابذ اللُّؤْلُؤ، وَإِذا ترابها الْمسك ".
هَذَا مُخْتَصر من حَدِيث طَوِيل قد تقدم فِي أول الْكتاب فِي بَاب الْإِسْرَاء.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا يزِيد بن هَارُون، أَنا الْجريرِي، عَن حَكِيم بن مُعَاوِيَة، عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن فِي الْجنَّة بَحر المَاء، وبحر الْعَسَل، وبحر الْخمر، وبحر اللَّبن، ثمَّ تشقق الْأَنْهَار [بعد] ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَحَكِيم بن مُعَاوِيَة هُوَ وَالِد بهز بن حَكِيم، والجريري اسْمه سعيد بن إِيَاس، ويكنى أَبَا مَسْعُود.

(3/429)


البُخَارِيّ: حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم، ثَنَا مُحَمَّد بن مطرف، ثَنَا أَبُو حَازِم، عَن سهل بن سعد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي الْجنَّة ثَمَانِيَة أَبْوَاب، فِيهَا بَاب يُسمى الريان لَا يدْخلهُ إِلَّا الصائمون ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا بنْدَار، ثَنَا معَاذ بن هِشَام، حَدثنِي أبي، عَن عَامر الْأَحول، عَن أبي الصّديق النَّاجِي، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْمُؤمن إِذا اشْتهى الْوَلَد فِي الْجنَّة كَانَ حمله وَوَضعه وسنه فِي سَاعَة كَمَا يَشْتَهِي ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وَقد اخْتلف أهل الْعلم فِي هَذَا، فَقَالَ بَعضهم: فِي الْجنَّة جماع، وَلَا يكون ولد، هَكَذَا رُوِيَ عَن طَاوس وَمُجاهد وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَقَالَ مُحَمَّد: قَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم فِي حَدِيث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا اشْتهى الْمُؤمن الْوَلَد [فِي الْجنَّة] كَانَ فِي سَاعَة كَمَا يَشْتَهِي " وَلَكِن لَا يَشْتَهِي. قَالَ مُحَمَّد: وَقد رُوِيَ عَن أبي رزين الْعقيلِيّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن أهل الْجنَّة لَا يكون لَهُم فِيهَا ولد ".

بَاب مَا جَاءَ أَن أهل الْجنَّة لَا ينامون
الْبَزَّار: حَدثنَا الْفضل بن يَعْقُوب، ثَنَا مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ، عَن سُفْيَان، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر قَالَ: " قيل: يَا رَسُول الله، أَيَنَامُ أهل الْجنَّة؟ قَالَ: النّوم أَخُو الْمَوْت ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلم أحدا أسْندهُ عَن ابْن الْمُنْكَدر عَن جَابر إِلَّا الثَّوْريّ وَلَا عَن الثَّوْريّ إِلَّا الْفرْيَابِيّ.

(3/430)


بَاب مَا جَاءَ فِي زِيَارَة أهل الْجنَّة رَبهم
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا هِشَام بن عمار، ثَنَا عبد الحميد ابْن حبيب بن أبي الْعشْرين، ثَنَا الْأَوْزَاعِيّ، ثَنَا حسان بن عَطِيَّة، عَن سعيد بن الْمسيب " أَنه لَقِي أَبَا هُرَيْرَة، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: أسأَل الله أَن يجمع بيني وَبَيْنك فِي سوق الْجنَّة. فَقَالَ سعيد: أفيها سوق؟ قَالَ: نعم، أَخْبرنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن أهل الْجنَّة إِذا دخلوها نزلُوا فِيهَا بِفضل أَعْمَالهم، ثمَّ يُؤذن فِي مِقْدَار يَوْم الْجُمُعَة من أَيَّام الدُّنْيَا فيزورون رَبهم، ويبرز لَهُم عَرْشه، ويتبدى لَهُم فِي رَوْضَة من رياض الْجنَّة، فتوضع لَهُم مَنَابِر من نور، ومنابر من لُؤْلُؤ، ومنابر بن ياقوت، ومنابر من زبرجد، ومنابز من ذهب، ومنابر من فضَّة، وَيجْلس أَدْنَاهُم - وَمَا فيهم من دني - على كُثْبَان الْمسك والكافور أَن يرَوْنَ مَا أَصْحَاب الكراسي بِأَفْضَل مِنْهُم مَجْلِسا. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: قلت: يَا رَسُول الله، وَهل نرى رَبنَا؟ قَالَ: نعم، قَالَ: هَل تتمارون فِي رُؤْيَة الشَّمْس وَالْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: كَذَلِك لَا تتمارون فِي رُؤْيَة ربكُم، وَلَا يبْقى فِي ذَلِك الْمجْلس رجل إِلَّا حاضره الله محاضرة حَتَّى يَقُول للرجل مِنْهُم: يَا فلَان ابْن فلَان، أَتَذكر يَوْم قلت كَذَا وَكَذَا. فيذكر بعض غدراته فِي الدُّنْيَا، فَيَقُول: يَا رب أفلم تغْفر لي. فَيَقُول: بلَى، فسعة مغفرتي بلغت بك منزلتك هَذِه. فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك، غشيتهم سَحَابَة من فَوْقهم فأمطرت عَلَيْهِم طيبا لم يَجدوا مثل رِيحه شَيْئا قطّ، وَيَقُول رَبنَا: قومُوا إِلَى مَا أَعدَدْت لكم من الْكَرَامَة فَخُذُوا مَا اشتهيتم. فنأتي سوقاً قد حفت بِهِ الْمَلَائِكَة [فِيهِ] مَا لم تنظر الْعُيُون إِلَى مثله وَلم تسمع الآذان، وَلم يخْطر على الْقُلُوب، (فَيجْعَل) لنا مَا اشتهينا لَيْسَ يُبَاع فِيهَا وَلَا يشترى، وَفِي ذَلِك السُّوق يلقى أهل الْجنَّة بَعضهم بَعْضًا، فَيقبل الرجل ذُو الْمنزلَة المرتفعة فَيلقى من هُوَ دونه - وَمَا فيهم دني - فيروعه مَا يرى عَلَيْهِ من اللبَاس، فَمَا يَنْقَضِي آخر حَدِيثه حَتَّى يتخيل إِلَيْهِ مَا هُوَ أحسن مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنه لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يحزن فِيهَا، ثمَّ ننصرف إِلَى مَنَازلنَا، فتتلقانا أَزوَاجنَا فيقلن: مرْحَبًا

(3/431)


وَأهلا لقد جِئْت وَإِن بك من الْجمال أفضل مِمَّا فارقتنا عَلَيْهِ. فَيَقُول: إِنَّا جالسنا الْيَوْم رَبنَا الْجَبَّار - جلّ جَلَاله - وبحقنا أَن ننقلب بِمثل مَا انقلبنا ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.

بَاب
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، ثَنَا حَمَّاد ابْن سَلمَة، عَن ثَابت الْبنانِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، عَن صُهَيْب، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِي قَوْله تَعَالَى: {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} قَالَ: إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة نَادَى مُنَاد: إِن لكم عِنْد الله موعداً. قَالُوا: ألم يبيض وُجُوهنَا، وينجينا من النَّار، ويدخلنا الْجنَّة؟ قَالُوا: بلَى. قَالَ: فَيكْشف الْحجاب، قَالَ: فوَاللَّه مَا أَعْطَاهُم شَيْئا أحب إِلَيْهِم من النّظر إِلَيْهِ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث إِنَّمَا أسْندهُ حَمَّاد بن سَلمَة وَرَفعه، وروى سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة هَذَا الحَدِيث عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَوْله.

بَاب مَا جَاءَ أَن فِي الْجنَّة سوقاً
مُسلم: حَدثنَا أَبُو عُثْمَان سعيد بن عبد الْجَبَّار الْبَصْرِيّ، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت الْبنانِيّ، عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن فِي الْجنَّة لسوقاً يأتونها كل جُمُعَة، فتهب ريح الشمَال فتحثو فِي وُجُوههم وثيابهم

(3/432)


فيزدادون حسنا وجمالاً فيرجعون إِلَى أَهْليهمْ وَقد ازدادوا حسنا وجمالاً فَيَقُولُونَ لَهُم أهلوهم: وَالله لقد ازددتم بَعدنَا حسنا وجمالاً ".

بَاب من صفة النَّار وَصفَة أَهلهَا وَمَا أعد الله لَهُم فِيهَا
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب، ثَنَا عَبدة بن سُلَيْمَان، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، ثَنَا أَبُو سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لما خلق الله الْجنَّة وَالنَّار أرسل جِبْرِيل إِلَى الْجنَّة، فَقَالَ: انْظُر إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعدَدْت لأَهْلهَا فِيهَا. قَالَ: فَجَاءَهَا وَنظر إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أعد الله لأَهْلهَا فِيهَا، قَالَ: فَرجع إِلَيْهِ، قَالَ: فوعزتك لَا يسمع بهَا أحد إِلَّا دَخلهَا. فَأمر بهَا فحفت بالمكاره، فَقَالَ: ارْجع إِلَيْهَا فَانْظُر مَا أَعدَدْت لأَهْلهَا فِيهَا. قَالَ: فَرجع إِلَيْهَا فَإِذا هِيَ قد حفت بالمكاره، فَرجع إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعزَّتك لقد خفت أَن لَا يدخلهَا أحد. قَالَ: فَذهب إِلَى النَّار فَانْظُر إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعدَدْت لأَهْلهَا فِيهَا. فَإِذا هِيَ يركب بَعْضهَا بَعْضًا، فَرجع إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعزَّتك لَا يسمع بهَا أحد فيدخلها. فَأمر بهَا فحفت بالشهوات، فَقَالَ: ارْجع إِلَيْهَا. فَرجع إِلَيْهَا فَقَالَ: وَعزَّتك لقد خشيت أَن لَا ينجو مِنْهَا أحد إِلَّا دَخلهَا ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
مُسلم: حَدثنَا عمر بن حَفْص بن غياث، ثَنَا أبي، عَن الْعَلَاء بن خَالِد الْكَاهِلِي، عَن شَقِيق، عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يُؤْتى بجهنم يَوْمئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ ألف زِمَام، مَعَ كل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك يجرونها ".

(3/433)


مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا الْمُغيرَة - يَعْنِي ابْن عبد الرَّحْمَن الْحزَامِي - عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " نَاركُمْ هَذِه الَّتِي يُوقد ابْن آدم جُزْء من سبعين جُزْءا من حر جَهَنَّم. قَالُوا: وَالله إِن كَانَت لكَافِيَة يَا رَسُول الله. قَالَ: فَإِنَّهَا فضلت عَلَيْهَا [بِتِسْعَة] وَسِتِّينَ جُزْءا كلهَا مثل حرهَا ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَبَّاس بن مُحَمَّد الدوري الْبَغْدَادِيّ، ثَنَا يحيى بن أبي بكير، ثَنَا شريك، عَن عَاصِم - هُوَ ابْن بَهْدَلَة - عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أوقد على النَّار ألف سنة حَتَّى احْمَرَّتْ، ثمَّ أوقد عَلَيْهَا ألف سنة حَتَّى ابْيَضَّتْ، ثمَّ أوقد عَلَيْهَا ألف سنة حَتَّى اسودت، فَهِيَ سَوْدَاء مظْلمَة ".
روى هَذَا مَوْقُوفا، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَهُوَ أصح - يَعْنِي: الْمَوْقُوف - قَالَ: وَلَا نعلم أحدا رَفعه غير يحيى بن أبي بكير عَن شريك.
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب، ثَنَا خلف بن خَليفَة، ثَنَا يزِيد بن كيسَان، عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ سمع وجبة، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: تَدْرُونَ مَا هَذَا؟ قَالَ: قُلْنَا: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: هَذَا حجر رمي بِهِ فِي النَّار مُنْذُ سبعين خَرِيفًا، فَهُوَ يهوي فِي النَّار الْآن حِين انْتهى إِلَى قعرها ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، ثَنَا أَبُو دَاوُد، أَنا شُعْبَة، عَن الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَرَأَ هَذِه الْآيَة {اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَو أَن قَطْرَة من الزقوم قطرت فِي الدُّنْيَا لأفسدت على أهل الدُّنْيَا مَعَايشهمْ، فَكيف بِمن يكون

(3/434)


طَعَامه ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُوَيْد، أَنا عبد الله، عَن سعيد بن يزِيد أبي شُجَاع، عَن أبي السَّمْح، عَن عِيسَى بن هِلَال الصَّدَفِي، عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَو أَن رضاضة مثل هَذِه - وَأَشَارَ إِلَى مثل الجمجمة - أرْسلت من السَّمَاء إِلَى الأَرْض، وَهِي مسيرَة خَمْسمِائَة سنة لبلغت إِلَى الأَرْض قبل اللَّيْل، وَلَو أَنَّهَا أرْسلت من رَأس السلسلة لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْل وَالنَّهَار قبل أَن تبلغ أَصْلهَا أَو قعرها ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا إِسْنَاد حسن صَحِيح.
قَاسم بن أصبغ: أخبرنَا مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة، ثَنَا حَفْص بن مُحَمَّد، ثَنَا إِسْحَاق ابْن يسَار، ثَنَا أَحْمد بن صَالح، ثَنَا ابْن وهب، أَخْبرنِي عَمْرو بن الْحَارِث، عَن دراج أبي السَّمْح، عَن أبي الْهَيْثَم، عَن أبي سعيد، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَو أَن دلواً من غسلين يهراق فِي الدُّنْيَا لأنتن أهل الدُّنْيَا ".
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " ويل وَاد فِي جَهَنَّم يهوي فِيهِ الْكَافِر أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قبل أَن يبلغ قَعْره، والصعود جبل من نَار يتَصَعَّد فِيهِ سبعين خَرِيفًا، ثمَّ يهوي كَذَلِك أبدا ".
قَالَ قَاسم: وثنا مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة، ثَنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد، ثَنَا يزِيد - هُوَ ابْن خَالِد بن يزِيد بن عبد الله بن موهب - ثَنَا ابْن وهب بِهَذَا الْإِسْنَاد أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَو أَن مِقْمَعًا من حَدِيد وضع فِي الأَرْض، فَاجْتمع الثَّقَلَان مَا أَقلوهُ من الأَرْض ".

(3/435)


وَهَذَا الْإِسْنَاد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَو ضرب بمقمع من حَدِيد الْجَبَل لتفتت، فَصَارَ غباراً ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد الله بن مُعَاوِيَة [الجُمَحِي] ، حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُسلم، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يخرج عنق من النَّار يَوْم الْقِيَامَة لَهَا عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينْطق يَقُول: إِنِّي وكلت بِثَلَاث: بِكُل جَبَّار عنيد، وكل من دَعَا مَعَ الله إِلَهًا آخر وبالمصورين ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب صَحِيح.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُوَيْد، أخبرنَا عبد الله، عَن سعيد بن يزِيد أبي شُجَاع، عَن أبي السَّمْح، عَن أبي الْهَيْثَم، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " {وهم فِيهَا كَالِحُونَ} قَالَ: تَشْوِيه النَّار فتقلص شفته الْعليا حَتَّى تبلغ وسط رَأسه، وَتَسْتَرْخِي شفته السُّفْلى حَتَّى تضرب سرته ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب، وَأَبُو الْهَيْثَم اسْمه سُلَيْمَان ابْن عَمْرو العتواري، وَكَانَ يَتِيما فِي حجر أبي سعيد.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُوَيْد، أخبرنَا عبد الله، أَنا صَفْوَان بن عَمْرو، عَن عبيد الله بن بسر، عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِي قَوْله: {يسقى من مَاء صديد، بتجرعه} قَالَ: يقرب إِلَى فِيهِ فيكرهه، فَإِذا أدني مِنْهُ شوي وَجهه وَوَقعت فَرْوَة رَأسه، فَإِذا شربه قطع أمعاءه حَتَّى تخرج من دبره يَقُول الله: {وَسقوا مَاء حميماً فَقطع أمعاهم} وَيَقُول: {وَإِن يستغيوثوا يغاثوا بِمَاء كَالْمهْلِ يشوي

(3/436)


الْوُجُوه بئس الشَّرَاب} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَن عبيد الله بن بسر، وَلَا نَعْرِف عبيد الله [بن بسر إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث] وَقد روى صَفْوَان بن عَمْرو عَن عبد الله بن بسر صَاحب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غير هَذَا الحَدِيث.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُوَيْد، أَنا عبد الله، أَنا سعيد بن يزِيد، عَن أبي السَّمْح، عَن ابْن حجيرة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الْحَمِيم ليصب على رُءُوسهم فَينفذ الْحَمِيم حَتَّى يخلص إِلَى جَوْفه، فيسلت مَا فِي جَوْفه حَتَّى يَمْرُق من قَدَمَيْهِ وَهُوَ الصهر، ثمَّ يُعَاد كَمَا كَانَ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب، ابْن حجيرة هُوَ عبد الرَّحْمَن بن حجيرة الْمصْرِيّ.
مُسلم: حَدثنِي زُهَيْر بن حَرْب، ثَنَا جرير، عَن سُهَيْل، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " رَأَيْت عَمْرو بن لحي بن قمعة بن خندف أَخا بني كَعْب هَؤُلَاءِ يجر قصبه فِي النَّار ".
مُسلم: حَدثنَا عَمْرو النَّاقِد، ثَنَا يزِيد بن هَارُون، أَنا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت الْبنانِيّ، عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يُؤْتى بأنعم أهل الدُّنْيَا من أهل النَّار يَوْم الْقِيَامَة فيصبغ فِي النَّار صبغة، ثمَّ يُقَال: يَا ابْن آدم، هَل رَأَيْت خيرا قطّ؟ هَل مر بك نعيم قطّ؟ فَيَقُول: لَا وَالله يَا رب. وَيُؤْتى بأشد النَّاس بؤساً فِي الدُّنْيَا من أهل الْجنَّة فيصبغ صبغة فِي الْجنَّة فَيُقَال: يَا ابْن آدم، هَل رَأَيْت بؤساً قطّ؟ هَل مر بك شدَّة قطّ؟ فَيَقُول: لَا وَالله يَا رب، مَا مر بِي بؤس

(3/437)


قطّ، وَلَا رايت شدَّة قطّ ".
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن مُوسَى الْقطَّان الوَاسِطِيّ، ثَنَا عبد الرَّحِيم بن هَارُون، عَن هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن شبيب، عَن جَعْفَر بن أبي وحشية، عَن سعيد بن جُبَير، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَو كَانَ فِي الْمَسْجِد مائَة ألف أَو يزِيدُونَ ثمَّ تنفس رجل من أهل النَّار لأحرقهم ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلم رَوَاهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا أَبُو هُرَيْرَة، وَلَا نعلم لَهُ طَرِيقا غير هَذَا الطَّرِيق، وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عَن هِشَام أَبُو عُبَيْدَة الْحداد وَعبد الرَّحِيم، وَلم نَسْمَعهُ إِلَّا من مُحَمَّد بن مُوسَى، عَن عبد الرَّحِيم، وَإِنَّمَا يعرف هَذَا الحَدِيث بِأبي عُبَيْدَة الْحداد عبد الْوَاحِد بن وَاصل.
مُسلم: حَدثنَا سُرَيج بن يُونُس، ثَنَا حميد بن عبد الرَّحْمَن، عَن الْحسن ابْن صَالح، عَن هَارُون بن سعد، عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ضرس الْكَافِر - أَو نَاب الْكَافِر - مثل أحد، وَغلظ جلده مسيرَة ثَلَاث ".
مُسلم: حَدثنَا أَبُو كريب وَأحمد بن عَمْرو الوكيعي، قَالَا: ثَنَا ابْن فُضَيْل، عَن أَبِيه، عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ قَالَ: " مَا بَين مَنْكِبي الْكَافِر فِي النَّار مسيرَة (ثَلَاث) للراكب المسرع " وَلم يذكر الوكيعي: " فِي النَّار ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَبَّاس الدوري، ثَنَا عبيد الله بن مُوسَى، أَنا شَيبَان، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن غلظ جلد الْكَافِر اثْنَان وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعا، وَإِن ضرسه مثل أحد، وَإِن مَجْلِسه من جَهَنَّم

(3/438)


كَمَا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من حَدِيث الْأَعْمَش.
روى ابْن أبي شيبَة هَذَا الحَدِيث قَالَ فِيهِ: " أَرْبَعُونَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْجَبَّار " رَوَاهُ عَن عبيد الله بن مُوسَى بِإِسْنَاد التِّرْمِذِيّ.
وروى التِّرْمِذِيّ، عَن هناد بن السّري، عَن عَليّ بن مسْهر، عَن الْفضل بن يزِيد، عَن أبي الْمخَارِق، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الْكَافِر ليسحب لِسَانه الفرسخ والفرسخين يتوطؤه النَّاس ".
وَقَالَ: حَدِيث غَرِيب، وَأَبُو الْمخَارِق لَيْسَ بِمَعْرُوف.
وَأَبُو الْمخَارِق ذكره ابْن أبي حَاتِم، وَقَالَ: اسْمه مغراء، روى عَن ابْن عمر، روى عَنهُ: أَبُو إِسْحَاق الْهَمدَانِي، وَالْأَعْمَش، وَالْحسن بن عبيد الله، وَلَيْث بن أبي سليم، وَيُونُس بن أبي إِسْحَاق. وَقَالَ البُخَارِيّ: مغراء من بني عَائِذ أرَاهُ أَبَا الْمخَارِق، روى عَن ابْن عمر، روى عَنهُ أَبُو إِسْحَاق وَاللَّيْث وَالْحسن ابْن عبد الله.
مُسلم: حَدثنَا عبيد الله بن معَاذ، ثَنَا أبي، ثَنَا شُعْبَة، عَن أبي عمرَان الْجونِي، عَن أنس بن مَالك، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يَقُول الله لأهون أهل النَّار عذَابا: لَو كَانَت لَك الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا أَكنت مفتدياً بهَا؟ فَيَقُول: نعم. فَيَقُول: قد أردْت مِنْك أَهْون من هَذَا وَأَنت فِي صلب آدم آلا تشرك - أَحْسبهُ قَالَ: وَلَا أدْخلك النَّار - فأبيت إِلَّا الشّرك ".
البُخَارِيّ: حَدثنِي مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا غنْدر، ثَنَا شُعْبَة بِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ: " يَقُول الله - تبَارك وَتَعَالَى - لأهون أهل النَّار عذَابا يَوْم الْقِيَامَة: لَو أَن لَك مَا فِي الأَرْض من شَيْء أَكنت تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُول: نعم. فَيَقُول: أردْت مِنْك أَهْون من

(3/439)


هَذَا وَأَنت فِي صلب آدم: أَلا تشرك بِي شَيْئا، فأبيت إِلَّا أَن تشرك بِي ".

بَاب ذكر أَهْون أهل النَّار عذَابا
مُسلم: حَدثنَا عبيد الله بن عمر وَمُحَمّد بن أبي بكر الْمقدمِي وَمُحَمّد بن عبد الْملك الْأمَوِي، قَالُوا: ثَنَا أَبُو عوَانَة، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل، عَن الْعَبَّاس أَنه قَالَ: " يَا رَسُول الله، هَل نَفَعت أَبَا طَالب بِشَيْء فَإِنَّهُ كَانَ يحوطك ويغضب لَك؟ قَالَ: نعم، هُوَ فِي ضحضاح من نَار، وَلَوْلَا أَنا لَكَانَ فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار ".
مُسلم: ثَنَا ابْن أبي عمر، ثَنَا سُفْيَان، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ: سَمِعت الْعَبَّاس يَقُول: " قلت: يَا رَسُول الله، إِن أَبَا طَالب كَانَ يحوطك وينصرك ويغضب لَك، فَهَل نَفعه ذَلِك؟ قَالَ: نعم. وجدته فِي غَمَرَات من النَّار، فَأَخْرَجته إِلَى ضحضاح ".
مُسلم: وَحدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا أَبُو أُسَامَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي إِسْحَاق، عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن أَهْون أهل النَّار عذَابا من لَهُ نَعْلَانِ وشراكان من نَار يغلي مِنْهُمَا دماغه كَمَا يغلي الْمرجل، مَا يرى أَن أحدا أَشد مِنْهُ عذَابا، وَإنَّهُ لأهونهم عذَابا ".
قَالَ مُسلم: وثنا قُتَيْبَة بن سعيد، ثَنَا لَيْث، عَن ابْن الْهَاد، عَن عبد الله ابْن خباب، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذكر عِنْده عَمه أَبُو طَالب، فَقَالَ: لَعَلَّه تَنْفَعهُ شَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة، فَيجْعَل فِي ضحضاح من النَّار يبلغ كعبيه يغلي مِنْهُ دماغه ".

(3/440)


مُسلم: وَحدثنَا مُحَمَّد بن مثنى وَابْن بشار - وَاللَّفْظ لِابْنِ مثنى - قَالَا: ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثَنَا شُعْبَة، سَمِعت أَبَا إِسْحَاق يَقُول: سَمِعت النُّعْمَان بن بشير يخْطب، وَهُوَ يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن أَهْون أهل النَّار عذَابا يَوْم الْقِيَامَة لرجل تُوضَع فِي أَخْمص قَدَمَيْهِ جمرتان يغلي مِنْهُمَا دماغه ".

بَاب ذكر من أَشد النَّاس عذَابا
قَاسم بن أصبغ قَالَ: حَدثنَا التِّرْمِذِيّ، ثَنَا الْحميدِي، ثَنَا سُفْيَان، عَن الْأَعْمَش، عَن مُسلم، عَن مَسْرُوق، عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن أَشد النَّاس عذَابا عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة: رجل قتل نَبيا أَو قَتله بني، أَو مُصَور يصور التماثيل ".

بَاب أَخذ النَّار من الْمُعَذَّبين على قدر أَعْمَالهم
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا يُونُس بن مُحَمَّد، ثَنَا شَيبَان بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: قَالَ قَتَادَة: سَمِعت أَبَا نَضرة يحدث، عَن سَمُرَة، أَنه سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن مِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى كعبيه، وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ إِلَى حجزته، وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ إِلَى عُنُقه ".
وحَدثني عَمْرو بن زُرَارَة، أَنا عبد الْوَهَّاب - يَعْنِي: ابْن عَطاء - عَن سعيد، عَن قَتَادَة بِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ: " مِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى كعبيه، وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى حجزته، وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى ترقوته ".

(3/441)


الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا الْحجَّاج بن الْمنْهَال، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن الْجريرِي، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن أَهْون أهل النَّار عذَابا: رجل منتعل بنعلين من نَار يغلي مِنْهُمَا دماغه مَعَ أَجزَاء الْعَذَاب، وَمِنْهُم من فِي النَّار إِلَى صَدره مَعَ أَجزَاء الْعَذَاب، وَمِنْهُم من فِي النَّار إِلَى ترقوته مَعَ أَجزَاء الْعَذَاب، وَمِنْهُم من قد اغتمس فِيهَا ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلم رَوَاهُ عَن الْجريرِي عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد إِلَّا حَمَّاد بن سَلمَة.

بَاب ذكر الخلود
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن الْعَلَاء، بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يجمع الله النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فِي صَعِيد وَاحِد، ثمَّ يطلع عَلَيْهِم رب الْعَالمين فَيَقُول: أَلا يتبع كل إِنْسَان مَا كَانُوا يعْبدُونَ. فيمثل لصَاحب الصَّلِيب صليبه، وَلِصَاحِب التصاوير تصاويره، وَلِصَاحِب النَّار ناره، فيتبعون مَا كَانُوا يعْبدُونَ، وَيبقى الْمُسلمُونَ، فَيطلع عَلَيْهِم رب الْعَالمين، فَيَقُول: أَلا تتبعون النَّاس؟ فَيَقُولُونَ: نَعُوذ بِاللَّه مِنْك، نَعُوذ بِاللَّه مِنْك، الله رَبنَا وَهَذَا مَكَاننَا حَتَّى نرى رَبنَا. وَهُوَ يَأْمُرهُم ويثبتهم، ثمَّ يتَوَارَى، ثمَّ يطلع فَيَقُول: أَلا تتبعون النَّاس؟ فَيَقُولُونَ: نَعُوذ بِاللَّه مِنْك، نَعُوذ بِاللَّه مِنْك، الله رَبنَا وَهَذَا مَكَاننَا حَتَّى نرى رَبنَا. وَهُوَ يَأْمُرهُم ويثبتهم، قَالُوا: وَهل نرَاهُ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: وَهل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُول الله. قَالَ: فَإِنَّكُم لَا تضَارونَ فِي رُؤْيَته تِلْكَ السَّاعَة ثمَّ يتَوَارَى، ثمَّ يطلع، فيعرفهم نَفسه، ثمَّ يَقُول: أَنا ربكُم فَاتبعُوني. فَيَقُول الْمُسلمُونَ، وَيُوضَع الصِّرَاط فيمر عَلَيْهِ مثل جِيَاد الْخَيل والركاب وَقَوْلهمْ عَلَيْهِ: سلم سلم، وَيبقى أهل النَّار فيطرح مِنْهُم فِيهَا فَوْج، ثمَّ يُقَال: هَل امْتَلَأت؟ فَتَقول: هَل من مزِيد؟ ثمَّ يطْرَح فِيهَا فَوْج،
فَيُقَال: هَل امْتَلَأت؟ فَتَقول: هَل من مزِيد؟ حَتَّى إِذا أوعبوا فِيهَا وضع الرَّحْمَن قدمه فِيهَا وأزوى بَعْضهَا إِلَى بعض، ثمَّ قَالَ: قطّ. قَالَت: قطّ قطّ. فَإِذا أَدخل الله

(3/442)


أهل الْجنَّة الْجنَّة، وَأهل النَّار النَّار، قَالَ: أُتِي بِالْمَوْتِ ملبياً، فَيُوقف على السُّور الَّذِي بَين أهل الْجنَّة وَأهل النَّار، ثمَّ يُقَال: يَا أهل الْجنَّة، فيطلعون خَائِفين، ثمَّ يُقَال: يَا أهل النَّار، فيطلعون مستبشرين يرجون الشَّفَاعَة، فَيُقَال لأهل الْجنَّة وَأهل النَّار: هَل تعرفُون هَذَا؟ فَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء: قد عَرفْنَاهُ هَذَا الْمَوْت وكل بِنَا، فيضجع فَيذْبَح ذبحا على السُّور، ثمَّ يُقَال: يَا أهل الْجنَّة، خُلُود لَا يَمُوت، وَيَا أهل النَّار، خُلُود لَا موت ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَأَبُو كريب - وتقاربا فِي اللَّفْظ - قَالَا: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يجاء بِالْمَوْتِ يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُ كَبْش أَمْلَح - زَاد أَبُو كريب: فَيُوقف بَين الْجنَّة وَالنَّار، واتفقا فِي الحَدِيث - فَيُقَال: يَا أهل الْجنَّة: هَل تعرفُون هَذَا؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُونَ: نعم، هَذَا الْمَوْت. ثمَّ يُقَال: يَا أهل النَّار، هَل تعرفُون هَذَا؟ قَالَ: فيشربون وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نعم، هَذَا الْمَوْت. قَالَ: فَيُؤْمَر
بِهِ فَيذْبَح، قَالَ: ثمَّ يُقَال: يَا أهل الْجنَّة، خُلُود فَلَا موت، وَيَا أهل النَّار، خُلُود فَلَا موت. ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الْحَسْرَة إِذْ قضي الْأَمر وهم فِي غَفلَة وهم لَا يُؤمنُونَ} وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدُّنْيَا ".
مُسلم: حَدثنَا زُهَيْر بن حَرْب وَحسن الْحلْوانِي وَعبد بن حميد، قَالَ عبد: أَخْبرنِي، وَقَالَ الْآخرَانِ: ثَنَا يَعْقُوب - وَهُوَ ابْن إِبْرَاهِيم بن سعد - ثَنَا أبي، عَن صَالح قَالَ: ثَنَا نَافِع، أَن عبد الله قَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يدْخل الله أهل الْجنَّة الْجنَّة، وَيدخل أهل النَّار النَّار، ثمَّ يقوم مُؤذن بَينهم، فَيَقُول: يَا أهل

(3/443)


الْجنَّة، لَا موت، وَيَا أهل النَّار، لَا موت، كل خَالِد فِيمَا هُوَ فِيهِ ".
مُسلم: وحَدثني هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي وحرملة بن يحيى، قَالَا: ثَنَا ابْن وهب، ثَنَا عمر بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - أَن أَبَاهُ حَدثهُ، عَن عبد الله بن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا صَار أهل الْجنَّة إِلَى الْجنَّة وَصَارَ أهل النَّار إِلَى النَّار أُتِي بِالْمَوْتِ حَتَّى يَجْعَل بَين الْجنَّة وَالنَّار ثمَّ يذبح، ثمَّ يُنَادي مُنَاد: يَا أهل الْجنَّة لَا موت، وَيَا أهل النَّار لَا موت. فَيَزْدَاد أهل الْجنَّة فَرحا إِلَى فَرَحهمْ، ويزداد أهل النَّار حزنا إِلَى حزنهمْ ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُفْيَان بن وَكِيع، ثَنَا أبي، عَن فُضَيْل بن مَرْزُوق، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد يرفعهُ قَالَ: " إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أُتِي بِالْمَوْتِ (كالتيس) الأملح، فَيُوقف بَين الْجنَّة وَالنَّار، فَيذْبَح وهم ينظرُونَ، فَلَو أَن أحدا مَاتَ فَرحا مَاتَ أهل الْجنَّة، وَلَو أَن أحدا مَاتَ حزنا لمات أهل النَّار ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
الْبَزَّار: حَدثنَا أَحْمد بن مَنْصُور، ثَنَا عُثْمَان بن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَليّ ابْن زيد، عَن عبد الله بن أبي عتبَة مولى أنس بن مَالك، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من كتب عَلَيْهِ الخلود لم يخرج مِنْهَا. يَعْنِي من النَّار ".
عَليّ بن زيد ضعفه البُخَارِيّ وَجَمَاعَة غَيره، وَقَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار: عَليّ بن زيد ثِقَة مَشْهُور بَصرِي.
تمّ كتاب الْحَشْر وَالْجنَّة بِحَمْد الله وعونه يتلوه إِن شَاءَ الله تَعَالَى كتاب الْقدر

(3/444)