مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة

2 - كتاب الحدود
ويشتمل على ما يلي:
1 - حد الزنى
2 - حد القذف
3 - حد السرقة
4 - حد قطاع الطريق
5 - حد أهل البغي
(التعزير، الردة، الأيمان، النذر)

(1/953)


قال الله تعالى:

كتاب الحدود

أحكام الحدود
- الحد: هو عقوبة مقدرة شرعاً في معصية لأجل حق الله تعالى.

- أقسام الحدود:
الحدود في الإسلام خمسة، وهي:
حد الزنى .. والقذف .. والسرقة .. وقطاع الطريق .. وأهل البغي.
ولكل جريمة من هذه الجرائم عقوبة محددة شرعاً.

- حكمة مشروعية الحدود:
أمر الله عز وجل بعبادته وطاعته، وفعل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، وحَدَّ حدوداً لمصالح عباده، ووعد على الالتزام بشرعه الجنة، وعلى مخالفته النار، فإذا جمحت نفس الإنسان وقارفت الذنب فتح الله لها باب التوبة والاستغفار.
لكنها إذا أصرت على معصية الله وأبت إلا أن تغشى حماه، وتتجاوز حدوده كالتعدي على أموال الناس وأعراضهم فلا بد من كبح جماحها بإقامة حدود الله تعالى؛ ليتحقق للأمة الأمن والطمأنينة، والحدود كلها رحمة من الله تعالى، ونعمة على الجميع.

- حفظ الضرورات الخمس:
حياة الإنسان قوامها حفظ الضرورات الخمس، وإقامة الحدود تحمي تلك الضرورات، وتحافظ عليها.
فبالقصاص تُصان الأنفس.
وبإقامة حد السرقة تُصان الأموال.

(1/955)


وبإقامة حد الزنى والقذف تُصان الأعراض.
وبإقامة حد الحرابة يُصان الأمن والمال والأنفس والأعراض.
وبجلد السكران تُصان العقول.
وبإقامة الحدود والتعزيرات يُصان الدين كله، والحياة كلها.

- فقه الحدود:
الحدود الشرعية: عقوبات مقدرة شرعاً على معصية، وليس هناك عقوبة في الشرع على غير معصية، فلا عقوبة على ترك واجب، أو مباح.
وترك الواجب يتضمن فعل المحرم، لكن ليس فيه عقوبة إلا إذا كانت ردة ففيه القتل، والقتل بالردة، والقصاص بقتل العمد، ليسا من الحدود؛ لأن الحد حق لله لا بد من تنفيذه، ولا يمكن أن يسقط حتى لو تاب صاحبه.
وأما القصاص فيسقط بالعفو؛ لأنه حق آدمي، فله أن يسقطه.
والردة يسقط القتل فيها بالتوبة، والرجوع إلى الإسلام.

- فقه إقامة الحدود:
الحدود زواجر عن المعاصي، وجوابر لمن أقيمت عليه، تطهره من دنس الجريمة وإثمها، وتردع غيره عن الوقوع فيما وقع فيه.

- حدود الله الشرعية:
هي محارمه التي منع من ارتكابها وانتهاكها كالزنى، والسرقة ونحوهما، ومن حدوده ما حدَّه وقدَّره كالمواريث.
والحدود المقدرة الرادعة عن محارم الله كحد الزنى والقذف ونحوهما مما حده الشرع لا تجوز فيه الزيادة ولا النقصان.

(1/956)


- الفرق بين القصاص والحدود:
جرائم القصاص الحق فيها لأولياء القتيل، والمجني عليه نفسه إن كان حياً من حيث استيفاء القصاص، أو العفو، والإمام منفذ لطلبهم.
أما الحدود: فأمرها إلى الحاكم، فلا يجوز إسقاطها بعد أن تصل إليه.
وكذلك جرائم القصاص قد يُعفى عنها ببدل كالدية، أو يُعفى عنها بلا مقابل.
أما الحدود فلا يجوز العفو عنها ولا الشفاعة فيها مطلقاً بعوض أو بدون عوض.

- من يقام عليه الحد:
لا يُقام الحد إلا على بالغ، عاقل، متعمد، ذاكر، عالم بالتحريم، ملتزم لأحكام الإسلام من مسلم وذمي.
1 - عن علي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ المَجْنُوْنِ حَتَّى يَعْقِلَ». أخرجه أحمد وأبو داود (1).
2 - ولما نزلت: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة/286]، قال الله: «قَدْ فَعَلْتُ». أخرجه مسلم (2).

- حكم تأخير إقامة الحد:
يجب إقامة الحد فوراً إذا ثبت.
ويجوز تأخير إقامة الحد لعارض يترتب عليه مصلحة للإسلام كما في الغزو، أو يترتب عليه مصلحة للمحدود ذاته كما في تأخيره عنه لحر أو بردٍ، أو مرض، أو لمصلحة مَنْ تعلق به كالحمل والرضيع ونحوهما.
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (940)، وأخرجه أبو داود برقم (4403)، وهذا لفظه.
(2) أخرجه مسلم برقم (126).

(1/957)


- من يتولى إقامة الحدود:
يتولى إقامة الحد إمام المسلمين، أو من ينيبه، بحضرة طائفة من المؤمنين، في مجامع الناس، ولا تقام الحدود في المساجد.

- حكم إقامة الحدود في مكة:
يجوز إقامة الحدود والقصاص في مكة، فالحرم لا يعيذ جانياً، فمن وجب عليه حد من حدود الله تعالى سواء كان جلداً، أو حبساً، أو قتلاً أقيم عليه الحد في الحرم وغيره.

- صفة الجلد في الحدود:
يكون الجلد بسوط لا جديد ولا خَلِق، ولا يُجرَّد المضروب من ملابسه، ويُفرَّق الضرب على بدنه، ويَتقي الوجه، والرأس، والفرج، والمقاتل، وتُشد على المرأة ثيابها.

- الحكم إذا اجتمعت عليه حدود:
إذا اجتمعت حدود للهِ تعالى من جنس واحد بأن زنى مراراً، أو سرق مراراً تداخلت، فلا يُحد إلا مرة واحدة.
وإن كانت من أجناس كبكر زنى وسرق فلا تتداخل.
ويُبدأ بالأخف، فيُجلد للزنى، ثم يُقطع.

- أنواع الجلد في الحدود:
أشد الجلد في الحدود جلد الزنى، ثم جلد القذف.

- حكم من أقر بالحد عند الإمام:
من أقر بحد عند الإمام ولم يبينه فالسنة أن يستر عليه ولا يسأله عنه.
عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَهُ رَجُلٌ فقَالَ: يَا

(1/958)


رَسُولَ الله، إِنِّي أصَبْتُ حَدّاً، فَأقِمْهُ عَلَيَّ، قَالَ: وَلَمْ يَسْألْهُ عَنْهُ، قَالَ: وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاةَ، قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي أصَبْتُ حَدّاً، فَأقِمْ فِيَّ كتاب الله.
قَالَ: «ألَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا؟». قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَإِنَّ الله قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ، أوْ قَالَ: حَدَّكَ». متفق عليه (1).

- فضل الستر على النفس والغير:
يستحب لمن أتى ذنباً أن يستر نفسه ويتوب إلى الله، ويستحب لمن علم به أن يستر عليه ما لم يعلن بفجوره حتى لا تشيع الفاحشة في الأمة.
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَى إلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحُ وَقَدْ سَتَرَهُ الله فَيَقُولُ: يَا فُلانُ عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ الله عَنْهُ». متفق عليه (2).
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ الله عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ الله فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالله فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ». أخرجه مسلم (3).

- حكم الشفاعة في الحدود:
يجب إقامة الحد على القريب والبعيد، والشريف والوضيع.
وإذا بلغت الحدود الحاكم حَرُم أن يشفع في إسقاطها أحد، أو يعمل على تعطيلها.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6823) واللفظ له، ومسلم برقم (2764).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6069) واللفظ له، ومسلم برقم (2990).
(3) أخرجه مسلم برقم (2699).

(1/959)


ويحرم على الحاكم قبول الشفاعة، ويجب عليه إقامة الحد إذا بلغه، ولا يجوز أخذ المال من الجاني ليسقط عنه الحد.
ومن أخذ المال من الزاني أو السارق ونحوهم ليعطل حدود الله فقد جمع بين فسادين عظيمين: تعطيل الحد، وأكل السحت، وترك الواجب، وفعل المحرم.
عن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَكَلَّمَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُوْدِ الله؟» ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا ضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإذَا سَرَقَ الضَعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ الله لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا». متفق عليه (1).

- حكم الصلاة على المقتول:
المقتول قصاصاً أو حداً أو تعزيراً إن كان مسلماً يُغسَّل ويُصَلَّى عليه، ويُدفن في مقابر المسلمين.
والمقتول مرتداً كافر لا يُغسل ولا يُصَلَّى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، فيحفر له حفرة ويوارى فيها كالكافر.
- وجوب إقامة الحدود:
الجرائم لا يحسمها ويقي المجتمع من شرها إلا إقامة الحدود الشرعية على مرتكبيها.
أما أخذ الغرامة المالية، أو سجنهم ونحو ذلك من العقوبات الوضعية فهو حكم بغير ما أنزل الله، وضياع، وزيادة شر.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6788) واللفظ له، ومسلم برقم (1688).

(1/960)


- الأنفس المعصومة:
الأنفس المعصومة أربع:
المسلم .. والذمي .. والمستأمن .. والمعاهد.
أما الملتزمون لأحكام الإسلام فصنفان:
المسلم .. والذمي.
فالذمي ملتزم لأحكام الإسلام، لكنه لا يطالب بالعبادات، ولا يقام عليه الحد إلا فيما يعتقد تحريمه كالزنى.
فالزنى محرم في كل شريعة، فإذا زنى بامرأة مثله أقمنا عليه الحد؛ لأن الزنى فيه علتان: المنع من الوقوع في مثلها، وتكفير الذنب، فإذا كان ليس أهلاً للتكفير لأنه كافر، أقمنا عليه الحد للعلة الثانية, وهي المنع من الوقوع في مثلها.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ. متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1329) واللفظ له، ومسلم برقم (1699).

(1/961)


أقسام الحدود

1 - حد الزنى
- الزنى: هو فعل الفاحشة في قُبل امرأة لا تحل له.

- حكم الزنى:
الزنى محرم، وهو من أعظم الجرائم، وأكبر الكبائر بعد الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق.
وهو يتفاوت في الشناعة والقبح، فالزنى بذات زوج، والزنى بذات المحرم، والزنى بحليلة الجار من أعظم أنواعه.

- أضرار الزنى:
مفسدة الزنى من أعظم المفاسد، وهي منافية لمصلحة نظام العالم في حفظ الأنساب، وحماية الفروج، وحفظ الحرمات، والزنى يجمع خلال الشر كلها، ويفتح على العبد أبواباً من المعاصي، ويولِّد الأمراض النفسية والقلبية، ويورث الفقر والمسكنة، ونفور العباد من الزناة، وسقوطهم من أعينهم، ويولد سيماء الفساد في وجه فاعله، ووحشته من الناس.
وللزنى عقوبة شديدة، فعقوبته في الدنيا: الحد الصارم بالرجم للمحصن، والجلد والتغريب لغير المحصن، وعقوبته في الآخرة إن لم يتب: الوعيد الشديد، حيث يجمع الزناة والزواني عراة في تنور في نار جهنم.
1 - قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} [النور/2].
2 - وعَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمْ أَتَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَحَدَّثَهُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ فَأَمَرَ بِهِ

(1/962)


رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَرُجِمَ وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ. متفق عليه (1).

- المحصن: هو الثيّب، وهو من وطئ زوجته في قُبلها بنكاح صحيح، وهما حران مكلفان، والبكر من ليس كذلك.
- سبل الوقاية من الزنى:
نظم الإسلام بالنكاح الشرعي أسلم طريقة لتصريف الغريزة الجنسية وحِفْظ النسل، وَمَنَعَ أي تصرف في غير هذا الطريق المشروع فأمر بالحجاب، وغض البصر، ونهى عن ضرب النساء بالأرجل، والتبرج، والاختلاط، وإبداء الزينة، وخلو الرجل بالأجنبية، أو مصافحتها، كما نهى عن سفر المرأة بغير محرم، وذلك كله لئلا يقع كل من الرجل والمرأة في فاحشة الزنى.

- زنى الجوارح:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كُتِبَ عَلَى ابنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الكَلامُ، وَاليَدُ زِنَاهَا البَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الخُطَا، وَالقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ». متفق عليه (2).

- عقوبة الزاني:
1 - عقوبة الزاني المحصن: هي أن يُرجم بالحجارة حتى يموت، رجلاً كان أو امرأة، مسلماً أو كافراً.
2 - عقوبة الزاني غير المحصن: هي أن يجلد مائة جلدة، ويغرَّب سنة، رجلاً كان أو امرأة، والرقيق يُجلد خمسين جلدة، ولا يغرَّب، رجلاً كان أو امرأة.
- إذا حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد فإنها تحد إن لم تَدَّع شبهة أو إكراهاً، ومن
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6814)، واللفظ له، ومسلم برقم (1691).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6243)، ومسلم برقم (2657) واللفظ له.

(1/963)


استكره امرأة على الزنى فعليه الحد دونها؛ لأنها معذورة، ولها المهر.

- شروط حد الزنى:
يشترط لوجوب الحد في الزنى ثلاثة شروط:
1 - تغييب حشفة أصلية كلها في قُبل امرأة حية.
2 - انتفاء الشبهة، فلا حد على من وَطئ امرأة ظنها زوجته ونحوه.
3 - ثبوت الزنى:
1 - إما بالإقرار: بأن يُقر به من عُرف بالعقل مرة واحدة، ويُقر به أربع مرات من كان متهماً في ضعف عقله، وفي كليهما يصرح بحقيقة الوطء، ويستمر على إقراره إلى إقامة الحد عليه.
2 - وإما بالشهادة: بأن يشهد عليه بالزنى أربعة رجال عدول مسلمين.

- من يقام عليه حد الزنى:
1 - يقام حد الزنى على الزاني مسلماً كان أو كافراً؛ لأنه حد ترتب على الزنى فوجب على الكافر كوجوب القود في القتل والقطع في السرقة.
2 - إذا زنى المحصن بغير المحصنة، فلكلٍّ حده من رجم، أو جلد وتغريب.
3 - إذا زنى الحر بأمة وعكسه بأن زنت حرة بعبد فلكل واحد حكمه في الحد.
4 - يقام الحد على الزاني إذا كان مكلفاً، مختاراً، عالماً بالتحريم، بعد ثبوته عند الحاكم بإقرار أو شهادة، مع انتفاء الشبهة.
- لا يُحفر للمرجوم في الزنى رجلاً كان أو امرأة، لكن المرأة تُشدُّ عليها ثيابها؛ لئلا تنكشف.
- أيما امرأة حبلت من الزنى، أو اعترفت به فالإمام أول من يرجم، ثم الناس، فإن ثبت حد الزنى بشهادة أربعة شهود فهم أول من يرجم، ثم الإمام، ثم الناس.

(1/964)


- الجهل الذي يمنع من إقامة الحد:
الجهل بما يترتب على الفعل المحرم ليس بعذر، أما الجهل بالفعل هل هو حرام أو ليس بحرام فهذا عذر، فمن يعلم أن الزنى حرام ولا يعلم أن حده الرجم أو الجلد فهذا لا يعذر بجهله، بل يقام عليه الحد وهكذا.

- حكم الزوجية بعد الزنى:
إذا زنى رجل وهو متزوج فلا تحرم عليه زوجته، وكذا لو زنت المرأة لا تحرم على زوجها، لكنهما ارتكبا إثماً عظيماً، فعليهما التوبة والاستغفار.
1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)} [الإسراء/ 32].
2 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدّاً وَهُوَ خَلَقَكَ» قَالَ: قُلْتُ لَهُ إنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ». متفق عليه (1).

- حكم من زنى بذات محرم:
من زنى بذات محرم كأخته وبنته وامرأة أبيه ونحوهن وهو عالم بتحريم ذلك وجب قتله؛ لشناعة جرمه.
1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)} [النساء/ 22].
2 - وعن البراء رضي الله عنه قالَ: أَصَبْتُ عَمِّي وَمَعَهُ رَايةٌ فَقُلتُ أينَ تُريدُ؟ فقالَ: بَعثني رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ أَبِيهِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ وآخُذَ مَالَهُ. أخرجه الترمذي والنسائي (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6811)، ومسلم برقم (86) واللفظ له.
(2) صحيح/أخرجه الترمذي برقم (1362)، وأخرجه النسائي برقم (3332)، وهذا لفظه.

(1/965)


- عمل قوم لوط:
هو فعل الفاحشة في الدبر، والاستغناء بالرجال عن النساء.

- شناعة عمل قوم لوط:
هو من أكبر الجرائم المفسدة للخُلق والفطرة، وعقوبته أغلظ من عقوبة الزنى؛ لغلظ حرمته، لأن الزنى فعل فاحشة في فرج يباح بالنكاح، أما عمل قوم لوط فهو فعل فاحشة في دبر لايباح أبداً.
وعمل قوم لوط شذوذ جنسي خطير يسبب الأمراض النفسية والبدنية الخطيرة، وقد خسف الله بمن فعله، وأمطر عليهم حجارة من سجيل، ولهم النار يوم القيامة.
1 - قال الله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)} [الأعراف/ 80 - 81].
2 - وقال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} [هود/ 82 - 83].

- حكم عمل قوم لوط:
عمل قوم لوط محرم.
وعقوبته: أن يُقتل الفاعل والمفعول به محصناً أو غير محصن بما يراه الإمام من قَتْل بالسيف، أو رَجْم بالحجارة ونحوهما؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ وَجَدْتُمُوْهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الفَاعِلَ وَالمَفْعُولَ بِهِ». أخرجه أبو داود والترمذي (1).
_________
(1) صحيح/أخرجه أبو داود برقم (4462)، وأخرجه الترمذي برقم (1456).

(1/966)


- حكم السحاق:
السحاق هو إتيان المرأة المرأة، وهو محرم، وفيه التعزير.

- حكم الاستمناء:
الاستمناء باليد أو نحوها حرام، وفي الصوم وقاية منه.
1 - قال الله تعالى مبيناً ما يباح للإنسان: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} [المؤمنون/5 - 7].
2 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قَالَ لَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». متفق عليه (1).
- مَنْ وقع على بهيمة عُزِّر بما يراه الإمام، وتُذبح البهيمة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5066)، ومسلم برقم (1400) واللفظ له.

(1/967)


2 - حد القذف
- القذف: هو الرمي بزنى أو لواط، أو نفي نسب موجب للحد فيهما.

- حكمة مشروعية حد القذف:
حث الإسلام على حفظ الأعراض عما يدنسها ويشينها، وأمر بالكف عن أعراض الأبرياء، وحرم الوقوع في أعراضهم بغير حق؛ صيانة للأعراض وحماية لها من التلوث.
وبعض النفوس تُقْدِمُ على ماحَرَّم الله من قذف، وتدنيس أعراض المسلمين لنوايا مختلفة، ولمَّا كانت النوايا من الأمور الخفية كُلِّف القاذف أن يأتي بما يثبت قوله بأربعة شهداء، فإن لم يفعل أقيم عليه حد القذف ثمانين جلدة.

- حكم القذف:
القذف محرم، وهو من الكبائر، وقد أوجب الله على القاذف عقوبات غليظة في الدنيا والآخرة.
1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} ... [النور/4].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)} [النور/23].
3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوْبِقَاتِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِالله، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ الله إلا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ». متفق عليه (1).
- حد القذف: ثمانون جلدة للحر، وأربعون جلدة للعبد.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2766)، واللفظ له، ومسلم برقم (89).

(1/968)


- ألفاظ القذف:
1 - القذف الصريح: كأن يقول: يا زاني، يا لوطي، يا عاهر، يا منيوكة ونحوها.
2 - الكناية: أن يقول ما يحتمل القذف وغيره، كقوله: يا قحبة، يا فاجرة ونحوهما، فإن قصد الرمي بالزنى حُدَّ للقذف، وإن لم يقصده لم يُحَدّ وعُزِّر.
- شروط وجوب حد القذف:
يشترط لوجوب حد القذف ما يلي:
1 - أن يكون القاذف مكلفاً، مختاراً.
2 - أن يكون المقذوف مسلماً، مكلفاً، حراً، عفيفاً، يجامع مثله.
3 - أن يطالب المقذوف بالحد.
4 - أن يقذفه بالزنى الموجب للحد، ولم يثبت قذفه.

- ثبوت حد القذف:
يثبت حد القذف إذا أقر القاذف على نفسه، أو شهد عليه رجلان عدلان بالقذف.

- عقوبة القذف:
تختلف عقوبة القذف باختلاف القاذف، واختلاف المقذوف.
والقاذف قسمان:
الأول: إذا كان القاذف حراً أو عبداً، والمقذوف محصناً، فحده ثمانون جلدة.
الثاني: إذا قذف غير محصن فلا حد عليه، لكنه يعزر بما يردعه.
والمحصن هنا: هو المسلم الحر المكلف العفيف الملتزم الذي يجامع مثله.

(1/969)


وحد القذف حق للمقذوف، ويترتب على ذلك ما يلي:
أن حد القذف يسقط بعفوه. ولا يقام الحد حتى يطالب به المقذوف .. وأن العبد يحد كاملاً ثمانين جلدة.

- سقوط حد القذف:
يسقط حد القذف إذا اعترف المقذوف بالزنى، أو قامت عليه البينة بالزنى، أو قذف الرجل زوجته ولاعنها.

- ما يترتب على ثبوت حد القذف:
إذا ثبت حد القذف ترتب عليه:
الجلد .. عدم قبول شهادة القاذف إلا بعد التوبة .. الحكم عليه بالفسق حتى يتوب.

- حكم من قذف أحداً بغير الزنى أو عمل قوم لوط:
إذا قذف غيره بغير الزنى أو عمل قوم لوط وهو كاذب فقد ارتكب محرماً، ولا يُحدُّ حد القذف، ولكن يعزر بما يراه الحاكم ملائماً لما حصل منه.
ومثال القذف بغير الزنى: أن يرميه بالكفر، أو النفاق، أو السكر، أو السرقة، أو الخيانة ونحو ذلك.

- صفة توبة القاذف:
تحصل توبة القاذف بالاستغفار، والندم، والعزم على ألّا يعود، وأن يكذب نفسه فيما رمى غيره به.

(1/970)


3 - حد السرقة
- السرقة: هي أخذ مال محترم لغيره لا شبهة فيه من موضع مخصوص، بقدر مخصوص، على وجه الخفية.

- حكم السرقة:
1 - السرقة محرمة، وهي من كبائر الذنوب.
2 - أمر الإسلام بحفظ المال، وحرَّم الاعتداء عليه، فنهى عن السرقة والاغتصاب والنهب والاختلاس؛ لأن ذلك أكلٌ لأموال الناس بالباطل.

- حكمة مشروعية حد السرقة:
صان الله الأموال بإيجاب قطع يد السارق، فإن اليد الخائنة بمثابة عضو مريض يجب بتره ليسلم الجسم، وفي قطع يد السارق عبرة لمن تحدثه نفسه بسرقة أموال الناس، وتطهير للسارق من ذنبه، وإرساء لقواعد الأمن والطمأنينة في المجتمع، وحفظٌ لأموال الأمة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ». متفق عليه (1).

- عقوبة السارق:
1 - قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)} [المائدة/38 - 39].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2475) واللفظ له، ومسلم برقم (57).

(1/971)


2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَعَنَ الله السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ». متفق عليه (1).

- شروط قطع يد السارق:
يجب القطع في حد السرقة إذا توفرت الشروط الآتية:
1 - أن يكون السارق مكلفاً (وهو البالغ العاقل)، مختاراً، مسلماً كان أو ذمياً.
2 - أن يكون المسروق مالاً محترماً، فلا قطع بسرقة آلة لهو، أو خمر ونحوهما.
3 - أن يبلغ المال المسروق نصاباً، وهو ربع دينار من الذهب فصاعداً، أو عَرض قيمته ربع دينار فصاعداً.
4 - أن يكون أخذ المال على وجه الخفية والاستتار.
فإن لم يكن كذلك فلا قطع كالاختلاس، والاغتصاب، والانتهاب ونحوها، ففيها التعزير.
5 - أن يأخذ المال من حرزه ويخرجه منه.
والحرز: ما تُحفظ فيه الأموال، ويختلف بحسب العادة والعرف، وحرز كل مال بحسبه، فحرز الأموال في الدور والبنوك والدكاكين، والمراح للغنم وهكذا.
6 - انتفاء الشبهة عن السارق، فلا يُقطع بالسرقة من مال والديه وإن علوا، ولا من مال ولده وإن سفل، ولا يُقطع أحد الزوجين بالسرقة من مال الآخر، وكذا مَنْ سرق في مجاعة.
7 - مطالبة المسروق منه بماله.
8 - ثبوت السرقة بأحد أمرين:
1 - الإقرار بالسرقة على نفسه مرتين.
2 - الشهادة، بأن يشهد عليه رجلان عدلان بأنه سرق.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6799) واللفظ له، ومسلم برقم (1687).

(1/972)


- ما يترتب على ثبوت السرقة:
يترتب على ثبوت السرقة ما يلي:
1 - السارق عليه حقان:
حق خاص، وهو المسروق إن وجد، أو مثله أو قيمته إن كان تالفاً.
وعليه حق عام هو حق الله تعالى، وهو قطع يده إن كملت الشروط، أو تعزيره إن لم تكمل الشروط.
2 - إذا وجب القطع قُطعت يده اليمنى من مفصل الكف، وحسمت بغمسها بزيت مغلي أو بما يقطع الدم.
وعليه رد ما أخذ من مال أو بدله لمالكه، وتحرم الشفاعة في حد السرقة بعد بلوغه الحاكم.
3 - إذا عاد السارق مرة أخرى قُطعت رجله اليسرى من منتصف ظهر القدم، فإن عاد حُبس وعُزر حتى يتوب ولا يُقطع.
- تقطع يد الطَّرَّار وهو الذي يبطُّ الجيب أو غيره، ويأخذ منه المال خفية، إن بلغ ما أخذه نصاباً؛ لأنه سارق من حرز.

- مقدار نصاب السرقة:
ربع دينار من الذهب فصاعداً، أو عَرض يساويه.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تُقْطَعُ اليَدُ فِي رُبْعِ دِيْنارٍ فَصَاعِداً». متفق عليه (1).

- حكم درء الحدود بالشبهات:
إذا اعترف السارق بالسرقة ولم توجد معه فيُشرع للقاضي تلقينه الرجوع عن اعترافه، فإن أصر ولم يرجع عن إقراره قُطع، وإذا اعترف السارق بالسرقة ثم
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6789)، واللفظ له، ومسلم برقم (1684).

(1/973)


رجع فلا قطع؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات.

- حكم من سرق من بيت المال:
مَنْ سرق من بيت المال فإنه يُعزَّر ويُغرَّم غرامة مثليَّة ولا يُقطع، لأن له نصيباً منه، ومثله مَنْ سرق من الغنيمة أو الخمس.

- حكم جاحد العارية:
يجب القطع على جاحد العارية إذ هو داخل في اسم السرقة.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَتِ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ المَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُقْطَعَ يَدُهَا .... أخرجه مسلم (1).

- حكم المال المسروق:
من تمام توبة السارق ضمان المسروق لربه إذا كان تالفاً، فإن كان موسراً دفعه لصاحبه، وإن كان معسراً فنظرة إلى ميسرة، وإن كانت العين المسروقة موجودة بعينها فَرَدُّها لصاحبها شرط لصحة توبته.

- حكم من تاب قبل القدرة عليه:
مَنْ وجب عليه حد سرقة أو زنى أو غيرهما فتاب منه قبل ثبوته عند حاكم سقط عنه، ولا يشرع له كشف نفسه بعد أن ستره الله، لكن عليه رد ما أخذ من مال.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1688).

(1/974)


4 - حد قطاع الطريق
- قطاع الطريق: هم الذين يعرضون للناس بالسلاح في الصحراء أو البنيان، فيغصبونهم المال قهراً، مجاهرة لا سرقة، ويسمون محاربين.

- صفات قطاع الطريق:
مَنْ أشهر السلاح وأخاف الطريق وله قوة بنفسه أو بغيره من العصابات المختلفة كعصابة القتل، وعصابة اللصوص للسطو على البيوت والبنوك، وعصابة خطف البنات للفجور بهن، وعصابة خطف الأطفال ونحوهم، فهؤلاء قطاع طريق.

- حكم الحرابة:
الحرابة هي التعرض للناس بالسلاح في الصحراء، أو البنيان، في البيوت، أو وسائل النقل؛ لسفك دمائهم، وانتهاك أعراضهم، وغصب أموالهم ونحو ذلك.
ويدخل في حكم الحرابة كل ما يقع من ذلك في الطرق والمنازل والسيارات والقطارات والسفن والطائرات، سواء كان تهديداً بالسلاح، أو زرعاً لمتفجرات، أو نسفاً لمباني، أو حرقاً بالنار، أو أخذاً لرهائن.
والحرابة من أعظم الجرائم، ولذا كانت عقوبتها من أقسى العقوبات.

- عقوبة قطاع الطريق:
قطاع الطريق لهم أربعة أحوال:
1 - إذا قتلوا وأخذوا المال قُتلوا وصُلبوا.
2 - إذا قتلوا ولم يأخذوا المال قُتلوا ولم يُصلبوا.
3 - إذا أخذوا المال ولم يَقتلوا قُطع من كل واحد منهم يده اليمنى ورجله اليسرى.
4 - إذا لم يَقتلوا ولم يأخذوا المال لكن أخافوا السبيل نُفوا من الأرض، وللإمام أن يجتهد في شأنهم بما يراه رادعاً لهم ولغيرهم؛ قطعاً لدابر الشر والفساد.

(1/975)


1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} [المائدة/33 - 34].
2 - وعَنْ أنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ، فَأسْلَمُوا، فَاجْتَوَوُا المَدِينَةَ، فَأمَرَهُمْ أنْ يَأْتُوا إبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أبْوَالِهَا وَألْبَانِهَا، فَفَعَلُوا فَصَحُّوا، فَارْتَدُّوا وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا، وَاسْتَاقُوا الإبِلَ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أيْدِيَهُمْ وَأرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أعْيُنَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا. متفق عليه (1).

- شروط وجوب الحد على قطاع الطريق:
يشترط لوجوب الحد على قاطع الطريق ما يلي:
1 - أن يكون قاطع الطريق -ويسمى المحارب- مكلفاً، مسلماً أو ذمياً، ذكراً أو أنثى.
2 - أن يكون المال الذي أخذه محترماً.
3 - أن يأخذ المال من حرز قليلاً كان أو كثيراً.
4 - ثبوت قطع الطريق منه بإقرار أو شاهدي عدل.
5 - انتفاء الشبهة كما ذكر في السرقة.

- كيفية النفي من الأرض:
قطاع الطريق إذا أخافوا الناس، ولم يقتلوا، ولم يأخذوا مالاً، ينفون من الأرض، فيطردون من الأرض التي قطعوا فيها الطريق، لإزالة شرهم عن الناس، وليرتدعوا.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6802)، واللفظ له، ومسلم برقم (1671).

(1/976)


وقد يحصل النفي بالحبس؛ لأن الحبس سجن الدنيا، والمحبوس كالمنفي من الأرض، وحبسه أقرب إلى السلامة من شره.
فإذا أمكن اتقاء شرهم بنفيهم نفيناهم، وإذا لم يمكن إلا بحبسهم حبسناهم؛ لدفع شرهم عن الناس.

- حكم توبة المحارب:
مَنْ تاب من قُطاع الطريق قبل أن يُقدر عليه سقط عنه ما كان للهِ من نفي، وقطع، وصلب، وتحتُّم قتل، وأُخذ بما للآدميين من نفس، وطرف، ومال إلا أن يُعفى له عنها، وإن قُبض عليه قبل التوبة أُقيم عليه حد الحرابة، لئلا يُتخذ ذلك ذريعة إلى تعطيل حدود الله عز وجل.

- صفة الدفاع عن النفس:
مَنْ صال على نفسه أو أهله أو ماله آدمي أو بهيمة دفعه بأسهل ما يغلب على ظنه، فإن لم يندفع إلا بالقتل فله ذلك، ولا ضمان عليه، فإن قُتل المعتدى عليه فهو شهيد.

- حكم الزنديق:
الزنديق: هو من يظهر الإسلام ويبطن الكفر.
والزنديق محارب للهِ ورسوله، ومحاربة الزنديق للإسلام بلسانه أعظم من محاربة قاطع الطريق بيده وسنانه، فإن فتنة هذا في الأموال والأبدان، وفتنة الزنديق في القلوب والإيمان.
فإن تاب قبل القدرة عليه فتقبل توبته ويُحقن دمه، وأما بعد القدرة عليه فلا تقبل توبته بل يُقتل حداً من غير استتابة، إلا إن علمنا صدق توبته فلا نقتله.

(1/977)


5 - حد أهل البغي
- البغاة: هم قوم لهم شوكة ومَنَعة يخرجون على الإمام بتأويل سائغ، يريدون خلعه، أو مخالفته، وشق عصا الطاعة له.

- صفة البغاة:
كل طائفة منعت الحق الذي عليها، أو تميزت عن إمام المسلمين، أو خلعت طاعته، فهم بغاة ظلمة، والبغاة المسلمون ليسوا كفاراً.

- كيفية معاملة البغاة:
1 - إذا خرج البغاة على الإمام فعليه أن يراسلهم، ويسألهم ما ينقمون منه، فإن ذكروا مظلمة أزالها، وإن ادعوا شبهة كشفها.
فإن رجعوا وإلا وعظهم وخَوَّفهم القتال، فإن أصروا قاتلهم، وعلى رعيته معونته حتى يندفع شرهم وتطفأ فتنتهم.
2 - إذا قاتلهم الإمام فلا يقتلهم بما يعم كالقذائف المدمرة، ولا يجوز قتل ذريتهم، ومُدْبِرهم، وجريحهم، ومَنْ ترك القتال منهم.
ومَنْ أُسر منهم حُبس حتى تخمد الفتنة، ولا تُغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم.
3 - بعد انقضاء القتال وخمود الفتنة ما تلف من أموالهم حال الحرب فهو هدر، ومَنْ قُتل منهم فهو غير مضمون، وهم لا يضمنون مالاً، ولا أنفساً تلفت حال القتال.

- ما يجب فعله عند اقتتال طائفتين:
إذا اقتتلت طائفتان لعصبية، أو رئاسة فهما ظالمتان، وتضمن كل واحدة ما أتلفت على الأخرى، ويجب الإصلاح بينهما.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} [الحجرات/9].

(1/978)


2 - وعن عرفجة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيْعٌ، عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوْهُ». أخرجه مسلم (1).

- حكم الخروج على إمام المسلمين:
1 - نصب الإمام من أعظم واجبات الدين، وتحرم معصيته والخروج عليه ولو جار وظلم، ما لم يرتكب كفراً بواحاً عندنا من الله فيه برهان، سواء ثبتت إمامته بإجماع المسلمين، أو بعهد من الإمام الذي قبله، أو باجتهاد أهل الحل والعقد، أو بقهره للناس حتى أذعنوا له ودعوه إماماً، ولا يُعزل بفسقه، ما لم يرتكب كفراً بواحاً عندنا من الله فيه برهان.
2 - الخارجون عن طاعة الإمام إما أن يكونوا قطاع طريق، أو يكونوا بغاة، أو يكونوا خوارج وهم الذين يُكفِّرون مرتكب الكبيرة، ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم، وهؤلاء فسقة يجوز قتالهم ابتداء.
فهؤلاء الثلاثة خارجون عن طاعة الإمام، من مات منهم فحكمه حكم عصاة الموحدين.

- ما يجب على إمام المسلمين:
1 - إمام المسلمين يجب أن يكون من الرجال لا من النساء، فلن يفلح قوم وَلَّوا أمرهم امرأة.
ويلزم الإمام حماية بلاد الإسلام، وحفظ الدين، وتنفيذ أحكام الله، وإقامة الحدود، وتحصين الثغور، وجباية الصدقات، والحكم بالعدل، وجهاد الأعداء، والدعوة إلى الله، ونشر الإسلام.
2 - يجب على الإمام أن ينصح لرعيته، ولا يشق عليهم، وأن يرفق بهم في سائر أحوالهم، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ الله رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1852).

(1/979)


وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إلَّا حَرَّمَ الله عَلَيْهِ الجَنَّةَ». متفق عليه (1).

- يجب على الأمة طاعة الإمام في غير معصية الله عز وجل:
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} [النساء/59].
2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيْمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ إلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ». متفق عليه (2).

- توبة من ارتكب جريمة توجب حداً:
إن كانت توبته بعد القدرة عليه فهذه التوبة لا تُسقط الحد.
وإن كانت توبة مرتكب الجريمة الحدِّيَّة قبل القدرة عليه فتُقبل توبته، وتُسْقِط عنه الحد، رحمة من رب العالمين برفع العقاب عن المذنبين التائبين.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} [المائدة/33 - 34].
2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)} [الأعراف/153].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7151)، ومسلم برقم (142) واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2955)، ومسلم برقم (1839) واللفظ له.

(1/980)


التعزير
- التعزير: هو عقوبة غير مقدرة على معاص لا حد فيها ولا قصاص ولا كفارة.
- العقوبة على المعاصي ثلاثة أنواع:
1 - ما فيه حد مقدر كالزنى، والسرقة، والقتل عمداً، فهذا لا كفارة فيه ولا تعزير،
2 - ما فيه كفارة ولا حد فيه كالجماع حال الإحرام، وفي نهار رمضان، والقتل خطأ، فهذا فيه الكفارة.
3 - ما ليس فيه حد ولا كفارة كالخمر والمخدرات ونحوها من المعاصي، فهذا فيه التعزير.
- حكمة مشروعية التعزير:
شرع الله عز وجل عقوبات مقدرة لا يزاد عليها ولا ينقص منها على الجرائم المخلة بمقومات الأمة من حفظ الدين، والنفس، والمال، والعرض، والعقل، وشرع لذلك حدوداً زاجرة، وهي جواهر لا يمكن للأمة أن تعيش إلا بالمحافظة عليها بإقامة الحدود.
ولهذه الحدود شروط وضوابط، قد لا يثبت بعضها، فتتحول العقوبة من عقوبة محددة إلى عقوبة غير محددة يراها الإمام، وهي التعزير.
- حكم التعزير:
التعزير واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، سواء كانت فعلاً للمحرمات، أو تركاً للواجبات، كاستمتاع لا حد فيه، وسرقة لا قطع فيها، وجناية لا قود فيها، وإتيان المرأة المرأة، والقذف بغير الزنى ونحوها، أو ترك الواجبات مع قدرته كقضاء الديون، وأداء الأمانات والودائع، ورد المغصوب والمظالم ونحو ذلك.
ومن ارتكب معصية لا حد فيها ثم جاء تائباً نادماً فإنه لا يعزر.

(1/981)


- أقسام التعزير:
ينقسم التعزير إلى قسمين:
1 - تعزير على التأديب والتربية: كتأديب الوالد لولده، والزوج لزوجته، والسيد لخادمه، في غير معصية، فهذا لا يجوز أن يزيد على عشرة أسواط لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ إلا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ».
متفق عليه (1).
2 - تعزير على المعاصي: فهذا تجوز فيه الزيادة للحاكم بحسب المصلحة والحاجة، وحجم المعصية، وكثرتها وقلتها، وليس لها حد معين، لكن إن كانت المعصية في عقوبتها مقدرة من الشارع كالزنى والسرقة ونحوها، فلا يبلغ بالتعزير الحد المقدر.
- أنواع التعزير:
التعزير مجموعة من العقوبات تبدأ بالنصح والوعظ، والهجر، والتوبيخ، والتهديد، والإنذار، والعزل عن الولاية، وتنتهي بأشد العقوبات كالحبس والجلد، وقد تصل إلى القتل تعزيراً إذا اقتضت المصلحة العامة كقتل الجاسوس، والمبتدع، وصاحب الجرائم الخطيرة.
وقد يكون التعزير بالتشهير، أو الغرامة المالية، أو النفي.
- عقوبة التعزير:
عقوبة التعزير غير مقدرة، وللحاكم اختيار العقوبة التي تلائم الجاني كما سبق بشرط ألّا تخرج عما أمر الله به، أو نهى الله عنه، وذلك يختلف باختلاف الأماكن، والأزمان، والأشخاص، والمعاصي، والأحوال.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6850)، واللفظ له، ومسلم برقم (1708).

(1/982)


- عقوبة السكران:
جميع الحدود التي رتبها الشارع على الجرائم لا يزاد فيها ولا يُنقص.
وعقوبة السكران من باب التعزير الذي لا ينقص عن أقل تقدير وردت به السنة، وهو أربعون جلدة.
وللحاكم أن يزيد عليه إذا رأى المصلحة في ذلك.
وعقوبة شارب الخمر تعزير لا حد؛ لأنه لم يرد ذكر حده في القرآن ولا في السنة، وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا جيء بشارب الخمر ضربوه بالجريد والنعال ونحوها، ولو كان له حد لوجب ضبطه كغيره من الحدود.
وجُلد شارب الخمر في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو أربعين، وكذلك في عهد أبي بكر رضي الله عنه، ولما أكثر الناس من شربه جَلد عمر رضي الله عنه شاربه ثمانين، وألحقه بعد مشاورة الصحابة بأخف الحدود وهو القذف ولو كان للخمر حد ما استطاع عمر رضي الله عنه ولا غيره تجاوزه؛ لأن الحدود لا تغير.
فتبين بهذا أن عقوبة شارب الخمر تعزير لا حد.
- حكم الخمر:
اسم لكل ما خامر العقل وغطاه من أي نوع من الأشربة.
- كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البِتْعِ - وهو شراب العسل- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5586) واللفظ له، ومسلم برقم (2001).

(1/983)


- حكمة تحريم الخمر:
الخمر أم الخبائث، ويحرم تعاطيها بأي صورة كانت، شرباً، أو بيعاً، أو شراء، أو تصنيعاً، أو أيَّ خدمة تؤدي إلى شربها، وهي تغطي عقل شاربها فيتصرف تصرفات تضر البدن والروح، والمال والولد، والعرض والشرف، والفرد والمجتمع، وهي تزيد في ضغط الدم، وتسبب له ولأولاده البله، والجنون، والشلل، والميل إلى الإجرام.
والسكر لذة ونشوة يغيب معها العقل الذي يحصل به التمييز، فلا يعلم صاحبه ما يقول، ومن أجل ذلك حرمها الإسلام وشرع عقوبة تعزيرية رادعة لمتعاطيها.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} ... [المائدة/90 - 91].
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ». متفق عليه (1).
- ثبوت شرب الخمر:
يثبت شرب الخمر بأحد أمرين:
1 - إقرار شاربها بأنه شرب الخمر.
2 - شهادة شاهدين عدلين.

- عقوبة شارب الخمر:
1 - إذا شرب المسلم الخمر مختاراً عالماً أن كثيره يُسكر جُلد أربعين جلدة، وللإمام
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6772) واللفظ له، ومسلم برقم (57).

(1/984)


أن يبلغ به الثمانين تعزيراً إن رأى انهماك الناس في الشراب.
2 - مَنْ شرب الخمر في المرة الأولى جُلد أربعين، فإن شرب ثانية جُلد، فإن شرب ثالثة جُلد، فإن شرب رابعة فللإمام حبسه أو قتله تعزيراً؛ صيانة للعباد، وردعاً للفساد.
3 - مَنْ شرب الخمر في الدنيا ولم يتب لم يشربها في الآخرة وإن أُدخل الجنة، ولا يدخل الجنة مدمن خمر، ومَنْ شربها وسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، وإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، ومَنْ كرر شربها سقاه الله يوم القيامة من عصارة أهل النار.
1 - عن جابر رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ وَجَيْشَانُ مِنْ الْيَمَنِ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنْ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَوَمُسْكِرٌ هُوَ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ». رواه مسلم (1).
2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ». متفق عليه (2).
- يجوز للإمام التعزير بكسر أواني الخمر وتحريق أمكنة الخمارين بحسب المصلحة فيما يراه رادعاً وزاجراً عن شربها.

- حكم المخدرات:
المخدرات: مواد تفسد الجسم، وتورث الخدر والفتور على الجسم والعقل.
والمخدرات داء عضال تسبب الشرور والأمراض.
ويحرم تعاطيها، وتهريبها وترويجها، والتجارة فيها، وللإمام عقوبة مَنْ فعل
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2002).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5575) واللفظ له، ومسلم برقم (2003).

(1/985)


ذلك بما يحقق المصلحة من قتل، أو جلد، أو سجن، أو غرامة؛ قطعاً لدابر الشر والفساد، وحفظاً للأنفس والأموال والأعراض والعقول.
- عقوبة أهل المخدرات:
لخطر المخدرات العظيم، وضررها المهلك، أفتى بعض كبار العلماء بما يلي:
1 - مهرب المخدرات عقوبته القتل؛ لعظيم ضرره وشره.
2 - مُرَوِّج المخدرات بالبيع، والشراء، أو التصنيع، أو الاستيراد، أو الإهداء في المرة الأولى يعزر تعزيراً بليغاً بالحبس، أو الجلد، أو المال، أو بها كلها حسب رأي الحاكم.
وإن تكرر منه ذلك فيعزر بما يقطع شره عن الأمة حتى ولو كان ذلك بالقتل؛ لأنه بفعله هذا من المفسدين في الأرض.
- حكم المفترات:
المفترات: هي كل ما يورث الفتور في البدن، والخدر في الأطراف.
والمفترات تسبب الفتور والخدر في البدن كالدخان، والجراك، والقات، ونحوها مما لا يصل إلى حد الإسكار، ولا يغيب العقل، وهي محرمة لا يجوز تعاطيها لضررها الديني والصحي، والبدني، والمالي، والعقلي.
- عقوبة تعاطي المفترات عقوبة تعزيرية يقدرها الحاكم حسب ما يحقق المصلحة.
- كفارة من قَبَّل امرأة لا تحل له وجاء نادماً:
عن ابن مسعود رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِن امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود/114]. قَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ الله أَلِيَ هَذَا؟ قَالَ: «لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (526)، واللفظ له، ومسلم برقم (2763).

(1/986)


الردة
- المرتد: هو مَنْ كفر بعد إسلامه طوعاً.
- حكم المرتد:
المرتد أغلظ كفراً من الكافر الأصلي، والردة كفر مخرج من الملة، وموجب للخلود في النار إن لم يتب قبل الموت، وإذا قُتل المرتد أو مات ولم يتب فهو كافر لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين.
1 - قال الله تعالى: ... {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} [البقرة/217].
2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ بَدَّلَ دِيْنَهُ فَاقْتُلُوهُ». أخرجه البخاري (1).
- حكمة مشروعية قتل المرتد:
الإسلام منهج كامل للحياة، ونظام شامل لكل ما يحتاجه البشر، موافق للفطرة والعقل، قائم على الدليل والبرهان، وهو من أكبر النعم، وبه تتحقق سعادة الدنيا والآخرة.
ومن دخل فيه ثم ارتد عنه فقد انحط إلى أسفل الدركات، ورد ما رضيه الله لنا من الدين، وخان الله ورسوله، فيجب قتله؛ لأنه أنكر الحق الذي لا تستقيم الدنيا والآخرة إلا به.
- أقسام الردة:
تنقسم الردة إلى ثلاثة أقسام:
1 - الردة بالاعتقاد: كأن يعتقد الإنسان وجود شريك مع الله في ربوبيته، أو ألوهيته،
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (3017).

(1/987)


أو جحد ربوبيته، أو وحدانيته، أو صفة من صفاته، أو يعتقد تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام، أو جحد الكتب المنزلة، أو ينكر البعث، أو الجنة، أو النار، أو يبغض شيئاً من الدين ولو عمل به.
أو يعتقد أن الزنى أو الخمر ونحوهما من محرمات الدين الظاهرة حلال، أو جحد وجوب الصلاة، أو الزكاة، أو نحوهما من واجبات الدين الظاهرة ومثله لا يجهله، فإن جهله لم يكفر، فإن عرف حكمه وأصر على اعتقاده كفر، أو شك في شيء من واجبات الدين ومثله لا يجهله كالصلاة.
2 - الردة بالقول: كأن يسب الله، أو رسله، أو ملائكته، أو كتبه المنزلة، أو ادعى النبوة، أو دعا مع الله غيره، أو قال إن للهِ ولداً أو زوجة، أو أنكر تحريم شيء من المحرمات الظاهرة كالزنى والربا والخمر ونحوها، أو استهزأ بالدين أو شيء منه كوعد الله، أو وعيده، أو سب الصحابة أو أحداً منهم ونحو ذلك.
3 - الردة بالفعل: كأن يذبح لغير الله، أو يسجد لغير الله، أو يترك الصلاة.
أو بترك الحكم بما أنزل الله رغبة عنه، أو يعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، أو يظاهر المشركين ويعاونهم على المسلمين ونحو ذلك.
- ما يفعل بالمرتد:
مَنْ ارتد عن الإسلام وهو بالغ عاقل مختار دُعي إليه وَرُغِّبَ فيه، وعُرضت عليه التوبة لعله يتوب، فإن تاب فهو مسلم، وإن لم يتب وأصر على ردته قُتل بالسيف كفراً لا حداً.
عَنْ أبِي مُوسَى رضي الله عنه أنَّ رَجُلاً أسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، فَأتَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَهُوَ عِنْدَ أبِي مُوسَى، فَقَالَ: مَا لِهَذَا؟ قَالَ: أسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، قَالَ: لا أجْلِسُ حَتَّى أقْتُلَهُ، قَضَاءُ الله وَرَسُولِهِ؟. متفق عليه (1).
- مَنْ كانت ردته بجحد شيء من الدين فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7157)، واللفظ له، ومسلم برقم (1824) في كتاب الإمارة.

(1/988)


- حكم ردة الزوج:
إذا ارتد الزوج فلا تحل له زوجته، وله مراجعتها بعد التوبة ما دامت في العدة، فإن خرجت من العدة ولم يراجعها ملكت نفسها، فلم تحل إلا برضاها بعقد ومهر جديدين.
- السحر: عُقَد ورُقَى تؤثر في بدن المسحور وعقله.

- حكم السحر:
السحر يحرم تعلمه، وتعليمه، وفعله، والدلالة عليه.
وحكمه:
1 - إن كان السحر بواسطة الشياطين فإنه يكفر الساحر، ويُقتل إن لم يتب قَتْل ردة.
2 - وإن كان السحر بالأدوية والعقاقير فقط فليس هذا كفراً، بل معصية من الكبائر، يُقتل قتل الصائل إن لم يتب حسب اجتهاد الحاكم.
1 - قال الله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة/102].
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ» قَالُوا يَا رَسُولَ الله وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِالله وَالسِّحْرُ ... » متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2766)، واللفظ له، ومسلم برقم (89).

(1/989)


الأيْمان
- اليمين: هي توكيد الأمر المحلوف عليه بذكر الله، أو اسم من أسمائه، أو صفة من صفاته على وجه مخصوص، وتسمى الحلف أو القسم.
- اليمين المنعقدة:
اليمين التي تنعقد وتجب بها الكفارة إذا حنث هي اليمين بالله، أو اسم من أسمائه، أو صفة من صفاته، كأن يقول: والله، وبالله، وتالله، والرحمن، وعظمة الله، وجلاله وعزته، ورحمته ونحو ذلك.
- حكم الحلف بغير الله:
1 - الحلف بغير الله محرم وهو شرك أصغر؛ لأن الحلف تعظيم للمحلوف به، والتعظيم لا يكون إلا للهِ عز وجل.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الله فَقَدْ أَشْرَكَ». أخرجه أبو داود والترمذي (1).
2 - يحرم الحلف بغير الله كأن يقول: (والنبي، وحياتك، والأمانة، والكعبة، والآباء ونحو ذلك).
قال عليه الصلاة والسلام: «أَلا إنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوْا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ بِالله أَوْ لِيَصْمُتْ». متفق عليه (2).
- يجب حفظ الأيمان وعدم الاستهانة بها، وشأنها عظيم، فلا يجوز التساهل باليمين ولا الاحتيال للتخلص من حكمه، ويجوز القسم على الأمر المهم شرعاً.
_________
(1) صحيح/أخرجه أبو داود برقم (3251)، وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1535).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2679)، ومسلم برقم (1646) واللفظ له.

(1/990)


- أقسام اليمين:
أقسام اليمين من حيث الانعقاد ثلاثة:
الأول: اليمين المنعقدة: وهي كما سبق تنعقد، وفيها الكفارة إن حنث.
الثاني: اليمين الغموس: وهي محرمة، وصفتها أن يحلف على أمر ماض كاذباً عالماً، وهي التي تُهضم بها الحقوق، أو يُقصد بها الفسق والخيانة، وهي من أكبر الكبائر، وسميت غموساً؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم، ثم في النار، ولا كفارة فيها، ولا تنعقد، وتجب المبادرة بالتوبة منها.
الثالث: اليمين اللغو: وهي الحلف من غير قصد اليمين مما يجري على اللسان كقوله: لا والله، وبلى والله، أو والله لتأكلن، أو لتشربن ونحو ذلك، أو حلف على أمر ماضٍ يظن صدق نفسه فبان بخلافه.
وهذه اليمين لا تنعقد، ولا كفارة فيها، ولا يؤاخَذ بها الحالف؛ لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة/ 89].
- إذا استثنى في يمينه فقال: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، لم يحنث إذا لم يفعله.
- كفارة الحلف بغير الله:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: وَاللَّاتِ وَالعُزَّى فَلْيَقُلْ: لا إلَهَ إلا الله، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ». متفق عليه (1).
2 - وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه حلف باللات والعزى، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قُلْ لا إلَهَ إلَّا الله وَحْدَهُ ثَلاثاً، وَاتْفُلْ عَنْ شِمَالِكَ ثَلاثاً، وَتَعَوَّذ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ، وَلا تَعُدْ». اخرجه أحمد وابن ماجه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4860)، واللفظ له، ومسلم برقم (1647).
(2) صحيح/أخرجه أحمد برقم (1622)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (2097).

(1/991)


- أحكام اليمين:
لليمين خمسة أحكام:
1 - يمين واجبة: وهي التي يُنقذ بها إنساناً معصوماً من هلكة.
2 - مندوبة: كالحلف عند الإصلاح بين الناس، وإذا توقف عليها فعل مستحب.
3 - مباحة: كالحلف على فعل مباح، أو تركه، أو توكيد أمر ونحو ذلك.
4 - مكروهة: كالحلف على فعل مكروه، أو ترك مندوب، والحلف في البيع والشراء.
5 - محرمة: كمن حلف كاذباً متعمداً، أو حلف على فعل معصية، أو ترك واجب.
- حكم الحنث في اليمين:
يسن الحنث في اليمين إذا كان خيراً، كمن حلف على فعل مكروه، أو ترك مندوب، فيفعل الذي هو خير ويكفِّر عن يمينه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، فَلْيَأْتِهَا، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ». أخرجه مسلم (1).
- يجب نقض اليمين إذا حلف على ترك واجب كمن حلف لا يصل رحمه، أو حلف على فعل محرم كمن حلف ليشربن الخمر، فيجب نقض اليمين، ويكفر عنها.
- ويباح نقض اليمين كما إذا حلف على فعل مباح، أو حلف على تركه، ويكفر عن يمينه.
- شروط وجوب كفارة اليمين:
يشترط لوجوب كفارة اليمين ما يلي:
1 - أن تكون اليمين منعقدة من مكلف على أمر مستقبل ممكن، كمن حلف لا يدخل دار فلان.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1650).

(1/992)


2 - أن يحلف مختاراً، فإن حلف مكرهاً لم تنعقد يمينه.
3 - أن يكون قاصداً لليمين، فلا تنعقد بلا قصد، كمن يجري على لسانه (لا والله، وبلى والله) في حديثه.
4 - الحنث في يمينه، بأن يفعل ما حلف على تركه، أو يترك ما حلف على فعله مختاراً ذاكراً.
- صفة كفارة اليمين:
يخير من لزمته كفارة يمين بين:
1 - إطعام عشرة مساكين نصف صاع من قوت البلد لكل واحد من بر، أو تمر، أو أرز ونحوها، وإن غدَّى المساكين العشرة أو عشَّاهم جاز.
2 - كسوة عشرة مساكين ما يُجزئ في الصلاة.
3 - عتق رقبة مؤمنة.
وهو مخير في هذه الثلاثة السابقة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام، ولا يجوز الصيام إلا عند العجز عن الثلاثة السابقة.
- حكم تقديم كفارة اليمين:
يجوز تقديم الكفارة على الحنث، ويجوز تأخيرها عنه، فإن قدمها كانت محللة لليمين، وإن أخرها كانت مكفرة له.
قال الله تعالى في بيان كفارة اليمين: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة/89].
- من حق المسلم على أخيه إبرار قسمه إذا أقسم عليه إذا لم يكن في معصية، ولم تلحقه مشقة.

(1/993)


- إذا حلف لا يفعل هذا الشيء ففعله ناسياً، أو مكرهاً، أو جاهلاً أنه المحلوف عليه لم يحنث، ولا كفارة عليه، ويمينه باقية.
- إذا حلف على إنسان قاصداً إكرامه لا يحنث مطلقاً، فإن كان قاصداً إلزامه ولم يفعل فإنه يحنث.
- الأعمال بالنيات، فمن حلف على شيء وَوَرَّى بغيره فالعبرة بنيته لا بلفظه.
- حقيقة اليمين:
اليمين تكون على نية المستحلف، فإذا حلَّفه القاضي في الدعوى أو غيرها، فيجب أن تكون على نية المحلِّف لا على نية الحالف، وإذا حلف بدون استحلاف فعلى نية الحالف.
- حكم من حرم على نفسه حلالاً غير زوجته:
من حرَّم على نفسه حلالاً سوى زوجته من طعام أو غيره لم يحرم عليه، وعليه إن فعله كفارة يمين؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)} [التحريم/1 - 2].
- حكم من حلف على معصية:
مَنْ حلف لا يفعل الخير فلا يجوز له الإصرار على يمينه، بل يكفِّر عن يمينه ويفعل الخير؛ لقوله سبحانه: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)} [البقرة/224].

(1/994)


النذر
- النذر: هو إلزام مكلف مختار نفْسَه للهِ تعالى شيئاً غير لازم بأصل الشرع، بكل قول يدل عليه.
- حكم النذر:
النذر مكروه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه، وبين أنه لا يأتي بخير، وليس فيه فائدة، فهو لا يأت بخير، ولا يرد قدراً؛ لأن الله يفعل ما يشاء، سواء نذرت أو لم تنذر.
والله عز وجل لم يُثن على الناذرين، وإنما أثنى على الموفين بالنذر إذا نذروا.
فالنذر لا تحمد عقباه، وقد يتعذر الوفاء به فيلحقه الإثم، والناذر يشارط الله تعالى ويعاوضه على أنه إن حصل مطلوبه قام بما نذر، وإلا لم يقم، والله غني عن العباد وطاعاتهم.
1 - قال الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)} [الإنسان/7].
2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النذر وقال: «إنَّهُ ... لا يَرُدُّ شَيْئاً وَلَكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ». متفق عليه (1).
- حكم النذر لغير الله:
النذر نوع من العبادة، لا يجوز صرفه لغير الله تعالى؛ لأنه يتضمن تعظيم المنذور له، والتقرب إليه بذلك، فمن نذر لغير الله تعالى من قبر، أو ملك، أو نبي، أو ولي فقد أشرك بالله الشرك الأكبر، وهو باطل يحرم الوفاء به.
- من يصح منه النذر:
لا يصح النذر إلا من بالغ، عاقل، مختار، مسلماً كان أو كافراً.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6608)، واللفظ له، ومسلم برقم (1639).

(1/995)


- أقسام النذر:
ينقسم النذر إلى ستة أقسام:
1 - النذر المطلق: كقوله: للهِ عليّ نذر إن فعلت كذا وَفَعَله فيلزمه كفارة يمين.
2 - نذر اللجاج أو الغضب: وهو تعليق نذره بشرطٍ يقصد المنع منه، أو الحمل عليه، أو التصديق، أو التكذيب، كقوله: إن كلمتك فعليَّ الحج مثلاً، فيخير بين فعل ما نذره، وبين كفارة يمين.
3 - نذر فعل مباح: مثل أن ينذر أن يلبس ثوبه، أو يركب دابته ونحوهما، فيخير بين فعله، وكفارة يمين.
4 - النذر المكروه: كنذر الطلاق ونحوه فيسن أن يكفر عن يمينه ولا يفعله.
5 - نذر المعصية: مثل أن ينذر أن يقتل أحداً، أو يشرب الخمر، أو يزني، أو أن يصوم يوم العيد.
وهذا النذر لا يصح، ويحرم الوفاء به، وعليه كفارة يمين، لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ». أخرجه أبو داود والترمذي (1).
6 - نذر الطاعة: سواء كان مطلقاً كفعل الصلاة، والصوم، والحج، والعمرة، والاعتكاف ونحوها بقصد التقرب إلى الله تعالى فيجب الوفاء به.
أو كان معلقاً كقوله: إن شفى الله مرضي أو ربح مالي فلله عليَّ كذا من صدقة، أو صوم ونحوها، فإذا وُجِد الشرط لزمه الوفاء به، فالوفاء بالنذر عبادة يجب أداؤها، وقد مدح الله المؤمنين بأنهم يوفون بالنذر.
1 - قال الله تعالى في صفة الأبرار: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)} [الإنسان/7].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة/270].
_________
(1) صحيح/أخرجه أبو داود برقم (3290)، وأخرجه الترمذي برقم (1524).

(1/996)


3 - وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ الله فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ». أخرجه البخاري (1).
- مَنْ نذر فعل طاعة ومات قبل فِعْلها فَعَلها عنه وليه كصيام، وصدقة ونحوهما مما تدخله النيابة.
- حكم من عجز عن النذر:
من نذر فعل طاعة ثم عجز عن الوفاء بما نذر فعليه كفارة يمين.
ويكره له النذر، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النذر وقال: «إنَّهُ لا يَرُدُّ شَيْئاً وَلَكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ». متفق عليه (2).
- حكم النذر فيما يشق على الإنسان:
يكره النذر في كل ما يشق على العبد من الأعمال والطاعات.
فمن نذر نذراً لا يطيقه ويلحقه به مشقة كبيرة كمن نذر أن يقوم الليل كله، أو يصوم الدهر كله، أو يتصدق بماله كله، أو يحج أو يعتمر ماشياً لم يجب الوفاء بهذا النذر، وعليه كفارة يمين.
- مصرف النذر:
مصرف نذر الطاعة على ما نواه به صاحبه في حدود الشريعة المطهرة، فإن نوى بالمنذور من لحم أو غيره الفقراء فلا يجوز أن يأكل منه.
وإن نوى بنذره أهل بيته، أو رفقته، أو أصحابه جاز له أن يأكل كواحد منهم.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (6696).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6693)، واللفظ له، ومسلم برقم (1639).

(1/997)


- حكم من خلط في نذره طاعة بمعصية:
مَنْ خلط في نذره طاعة بمعصية لزمه فعل الطاعة، وترك المعصية.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ».
أخرجه البخاري (1).
- حكم من نذر أن يصوم أياماً فوافق النحر أو الفطر:
لا يجوز لأحد أن يصوم يومي العيد، ومن نذر ذلك كفر عن نذره.
عن زياد بن جبير قال: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ، فَسَألَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: نَذَرْتُ أنْ أصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثُلاثَاءَ أوْ أرْبِعَاءَ مَا عِشْتُ، فَوَافَقْتُ هَذَا اليَوْمَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: أمَرَ الله بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنُهِينَا أنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَأعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ مِثْلَهُ، لا يَزِيدُ عَلَيْهِ.
متفق عليه (2).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (6704).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6706)، واللفظ له، ومسلم برقم (1139).

(1/998)