مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة

الباب الثامن
كتاب القضاء
ويشتمل على ما يلي:
1 - معنى القضاء وحكمه
2 - فضل القضاء
3 - خطر القضاء
4 - آداب القاضي
5 - صفة الحكم
6 - الدعاوى والبينات

(1/999)


كتاب القضاء

1 - معنى القضاء وحكمه
- القضاء: هو تبيين الحكم الشرعي، والإلزام به، وفصل الخصومات.
- حكمة مشروعية القضاء:
شرع الله القضاء لحفظ الحقوق، وإقامة العدل، وصيانة الأنفس والأموال والأعراض، والله خلق الناس وجعل بعضهم محتاجاً لبعض في القيام بالأعمال كالبيع والشراء، وسائر الحرف، والنكاح، والطلاق، والإجارة، والنفقات ونحوها من ضروريات الحياة، ووضع الشرع لذلك قواعد وشروطاً تحكم التعامل بين الناس فيسود العدل والأمن.
ولكن قد تحدث بعض المخالفات لتلك الشروط والقواعد إما عمداً، أو جهلاً، فتحدث المشاكل، ويحصل النزاع والشقاق، والعداوة والبغضاء، وقد تصل الحال إلى نهب الأموال، وإزهاق الأرواح، وتخريب الديار، فشرع الله العليم بمصالح عباده القضاء بشرع الله لإزالة تلك الخصومات، وحل المشكلات، والقضاء بين العباد بالحق والعدل.
قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ... } [المائدة/48].
- حكم القضاء:
القضاء فرض كفاية، ويجب على الإمام أن ينصب للناس قاضياً أو أكثر في كل إقليم أو بلد حسب الحاجة؛ لفصل الخصومات، وإقامة الحدود، والحكم بالحق والعدل، ورد الحقوق، وإنصاف المظلوم، والنظر في مصالح المسلمين ونحو ذلك.

(1/1001)


والحكم بين الناس بالعدل فرض كفاية؛ لأن المقصود الفعل دون الفاعل، وإن كان المقصود الفعل والفاعل فهو فرض عين كالصلاة، وصوم رمضان ونحوهما.
قال الله تعالى {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص/26].
- شروط القاضي:
يشترط فيمن يتولى القضاء ما يلي:
1 - أن يكون القاضي قوياً أميناً، فالقاضي لا بد أن يكون قوياً في علمه، أميناً على القيام بعمله.
2 - أن يكون مسلماً؛ لأن القاضي يجب أن يحكم بما أنزل الله.
3 - أن يكون بالغاً عاقلاً؛ لأن الصغير والمجنون قاصر التصرف.
4 - أن يكون عدلاً؛ لأن الفاسق لا يؤمن أن يحيف لفسقه.
5 - أن يكون سميعاً؛ لأن الأصم لا يستطيع سماع كلام الخصوم.
6 - أن يكون متكلماً؛ ليستطيع الكلام مع الخصوم.
7 - أن يكون مجتهداً عارفاً بالأحكام؛ لأن المقلد والعامي لا يصلح أن يتولى القضاء.
8 - أن يكون ذكراً؛ لأن المرأة ناقصة العقل، سريعة العاطفة، ولهذا تُخدع كثيراً.
وهذه الشروط تعتبر حسب الإمكان، ويفضل البصير على الأعمى، وتجب ولاية الأمثل فالأمثل.

(1/1002)


- اختيار القاضي:
الذي يعين القضاة إمام المسلمين.
ويجب على إمام المسلمين أن يختار للقضاء بين الناس أفضلهم علماً وورعاً، وأحسنهم ذكاء وفراسة؛ لأن الناس منهم المحق والمبطل، ولئلا يضيع الحق ويخدعه الفاجر.
ويختار أشدهم ورعاً؛ لأن الوَرِع لا يأكل الحرام، ولا يحابي أحداً.
ويختار الأتقى؛ لأن في التقوى تسهيل الأمور، وتيسير كل عسير، ومعرفة الحق، ومحبته، والحكم به.
ويختار القوي في علمه، الأمين في عمله، الصادق الفقيه.
قال الله تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)} [القصص/26].

(1/1003)


2 - فضل القضاء
- للقضاء بين الناس فضل عظيم لمن قوي عليه وأَمِنَ على نفسه من الظلم والحيف، وهو من أفضل القربات؛ لما فيه من الإصلاح بين الناس، وإنصاف المظلوم، ورد الظالم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، وأداء الحقوق إلى أهلها، وهو وظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
فلهذه الأمور العظيمة جعل الله فيه أجراً مع الخطأ، وأسقط عن القاضي حكم الخطأ إذا وقع باجتهاد، فإن أصاب فله أجران: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد وهو أجر الاجتهاد ولا إثم عليه.
1 - قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء/114].
2 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتاهُ الله حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا». متفق عليه (1).
3 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ الله عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا». أخرجه مسلم (2).
4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ الله تَعَالَى فِي
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (73)، ومسلم برقم (816) واللفظ له
(2) أخرجه مسلم برقم (1827).

(1/1004)


ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: إمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ الله، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي الله، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إنِّي أَخَافُ الله، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (1).
5 - وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ». متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1423)، واللفظ له، ومسلم برقم (1031).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7352)، ومسلم برقم (1716).

(1/1005)


3 - خطر القضاء
1 - القضاء موضوعه الحكم بين الناس في دمائهم وأعراضهم وأموالهم وسائر حقوقهم، فلذلك خطره عظيم جداً؛ لأنه يُخشى حصول ميل من القاضي إلى أحد الخصمين، إما لكونه قريباً له، أو صديقاً له، أو صاحب جاه ترجى منفعته، أو صاحب رئاسة تُخاف سلطته ونحو ذلك، فيجور في الحكم متأثراً بما سبق.
2 - والقاضي يبذل جهداً كبيراً في معرفة الحكم الشرعي، والبحث في الأدلة، وإجهاد النفس للوصول إلى الصواب، مما يُنهك بدنه ويرهقه ويضعفه، والله مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار وكله إلى نفسه.
- أقسام القضاة وأعمالهم:
1 - قال الله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص/26].
2 - وعن بريدة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «القُضَاةُ ثَلاثَةٌ، اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الجَنَّةِ، رَجُلٌ عَلِمَ الحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الجَنَّةِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ جَارَ فِي الحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (1).
3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ جُعِلَ قَاضِياً بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّيْنٍ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (2).
_________
(1) صحيح/أخرجه أبو داود برقم (3573)، وأخرجه ابن ماجه برقم (2315)، وهذا لفظه.
(2) صحيح/أخرجه أبو داود برقم (3572)، وأخرجه ابن ماجه برقم (2308).

(1/1006)


- حكم طلب القضاء:
لا ينبغي طلب القضاء أو الحرص عليه، لقوله عليه الصلاة والسلام: «يَا عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لا تَسْأَلِ الإمَارَةَ فَإنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إلَيْهَا، وَإنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا». متفق عليه (1).
- حكم تولية أهل البدع القضاء:
القضاء بين الناس من أعظم المناصب في الإسلام، فلا يجوز توليته أهل البدع، لانتفاء الشروط اللازمة عنهم.
وأهل البدع قسمان:
الأول: أهل بدع مكفرة، فهؤلاء انتفى عنهم شرط الإسلام.
الثاني: أهل بدع مفسقة، فهؤلاء انتفى عنهم شرط العدالة.
فلا يولى القضاء لا هؤلاء، ولا هؤلاء، ولو على جنسهم.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7147)، واللفظ له، ومسلم برقم (1652).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697)، واللفظ له، ومسلم برقم (1718).

(1/1007)


4 - آداب القاضي
- يسن أن يكون القاضي قوياً من غير عنف؛ لئلا يطمع فيه الظالم، لَيِّناً من غير ضعف؛ لئلا يهابه صاحب الحق.
- وينبغي للقاضي أن يكون حليماً؛ لئلا يغضب من كلام الخصم، فتأخذه العجلة والتسرع وعدم التثبت.
وأن يكون ذا أناة؛ لئلا تؤدي عجلته إلى ما لا ينبغي، وأن يكون ذا فطنة؛ لئلا يخدعه بعض الخصوم.
وأن يكون عفيفاً نزيهاً في نفسه وماله عن الحرام.
وأن يكون أميناً مخلصاً عمله للهِ عز وجل، يبتغي بذلك الأجر والثواب، ولا يخاف في الله لومة لائم.
وأن يكون بصيراً بأحكام القضاة قبله؛ ليسهل عليه الحكم.
- وينبغي أيضاً للقاضي أن يحضر مجلسه الفقهاء والعلماء، وأن يشاورهم فيما يشكل عليه.
- ويجب على القاضي أن يسوِّي بين الخصمين في الدخول عليه، والجلوس بين يديه، والإقبال عليهما، والاستماع لهما، والحكم بينهما بما أنزل الله.
- يحرم على القاضي أن يقضي وهو غضبان كثيراً، أو حاقن، أو في شدة جوع أو عطش، أو هَمّ، أو ملل، أو كسل، أو نعاس، فإن خالف وأصاب الحق نفذ.
- ويسن للقاضي أن يتخذ كاتباً مسلماً، مكلفاً، عدلاً، يكتب له الوقائع والقضايا ونحو ذلك.

(1/1008)


- ما يجتنبه القاضي:
يحرم على القاضي كغيره قبول رشوة، ولا يقبل هدية إلا ممن كان يهاديه قبل ولايته، والأَوْلى عدم قبولها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «هَدَايَا العُمَّالِ غُلُولٌ». أخرجه أحمد (1).
- هل يقضي القاضي بعلمه؟:
يجب على القاضي أن يحكم حسب الأمور الحسية الظاهرة، ولا يحكم بعلمه ولو كان متيقناً لئلا يُتهم.
لكن لو تحاكم إليه خصمان يعلم علم اليقين أن الحق مع أحدهما، حوّل القضية إلى قاض آخر، وصار شاهداً.
ولا يقضي القاضي بعلمه؛ لأن ذلك يفضي إلى تهمته، بل يقضي على نحو ما يسمع، ويجوز له أن يقضي بعلمه إذا لم يخف الظنون والتهمة، أو يكون الأمر قد تواتر عنده وتظافرت به الأخبار، بحيث اشترك في العلم به هو وغيره، أو بما علمه في مجلس الحكم.
- فضل الإصلاح بين الناس ورحمتهم:
يستحب للقاضي أن يصلح بين المتخاصمين، ويرغبهم في العفو والتسامح ما لم يتضح الحكم الشرعي فيحكم به.
1 - قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء/114].
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (23999)، انظر الإرواء رقم (2622).

(1/1009)


2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} [الحجرات/10].
3 - وقال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح/29].
4 - وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَرْحَمُ الله مَنْ لا يَرْحَمُ النَّاسَ». متفق عليه (1).
- حكم وعظ الخصوم قبل الحكم:
يستحب للقاضي موعظة الخصوم قبل الحكم.
عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئاً فَلا يَأْخُذْهُ، فَإنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ». متفق عليه (2).
- لا ينفذ حكم القاضي لنفسه، ولا لمن لا تقبل شهادته له كعمودي نسبه، والزوجية ونحوهما.
- إذا حَكَّم اثنان فأكثر بينهما شخصاً صالحاً للقضاء نفذ حكمه بينهما.
- خطر الحكم بغير ما أنزل الله:
يجب على القاضي أن يحكم بين الناس بما أنزل الله، ولا يجوز لأحد أن يحكم بينهم بغير ما أنزل الله مهما كانت الأحوال فالحكم بغير ما أنزل الله من أعمال أهل الكفر.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7376)، واللفظ له، ومسلم برقم (2319).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7169)، واللفظ له، ومسلم برقم (1713).

(1/1010)


ولما كانت الشريعة الإسلامية كفيلة بإصلاح أحوال البشرية في جميع المجالات، فيجب على القاضي النظر في كل ما يرد إليه من القضايا مهما كانت، والحكم فيها بما أنزل الله، فدين الله كامل كافٍ شافٍ.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [المائدة/44].
2 - وقال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)} [المائدة/49].
- الفرق بين القاضي والمفتي:
القاضي له ثلاث صفات، فهو من جهة الإثبات شاهد، ومن جهة بيان الحكم مفتٍ، ومن جهة الإلزام بالحكم ذو سلطان، والفرق بين القاضي والمفتي:
أن القاضي يبين الحكم الشرعي ويُلزم به، والمفتي يبينه فقط.

(1/1011)


5 - صفة الحكم
- إذا حضر عند القاضي خصمان قال: أيكما المدعي؟ وله أن يسكت حتى يَبدأ أحدهما، فمَنْ سبق بالدعوى قدَّمه، فإن أقر له خصمه حكم له عليه.
- وإن أنكر الخصم قال القاضي للمدعي: إنْ كان لك بينة فأحضرها، فإن أحضرها سمعها وحكم بها، ولا يحكم بعلمه إلا في حالات خاصة كما سبق.
- وإن قال المدعي ليس لي بينة، أعلمه القاضي أن له اليمين على خصمه، فإن طلب المدعي إحلاف خصمه أحلفه القاضي وخلَّى سبيله.
- وإن نكل المدعى عليه عن اليمين وأبى أن يحلف قضى عليه بالنكول وهو السكوت؛ لأنه قرينة ظاهرة على صدق المدعي.
وللقاضي أن يرد اليمين على المدعي إذا امتنع عنها المدعى عليه لا سيما إذا قوي جانب المدعي، فإذا حلف قضى له.
- وإن حلف المنكِر وخلَّى القاضي سبيله ثم أحضر المدعي بينة حكم بها؛ لأن يمين المنكِر مزيلة للخصومة لا مزيلة للحق.
ولا يُنقض حكم القاضي إلا إذا خالف الكتاب أو السنة، أو إجماعاً قطعياً.
- الأصل في المسلمين العدالة، ما لم تظهر على المسلم الريبة.
فإذا ظهرت عليه الريبة، فلا بد من تحقق العدالة ظاهراً وباطناً؛ لأنه لا يجوز استباحة دماء الناس وأموالهم إلا بمن عُرف بالعدالة ظاهراً وباطناً؛ لئلا يقع القاضي فيما حرم الله.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} [الحجرات/6].

(1/1012)


6 - الدعاوى والبيِّنات
- الدعوى: هي إضافة الإنسان إلى نفسه استحقاق شيء في يد غيره.
- المدَّعي: هو الطالب للحق، وإذا سكت تُرك.
- المدَّعى عليه: هو المطالَبُ بالحق، وإذا سكت لم يُترك.
- أركان الدعوى:
أركان الدعوى ثلاثة: المدعي، والمدعى عليه، والمدعى فيه، أو المدعى به.
- البينة: هي كل ما يبين الحق من شهود، أو يمين، وقرائن الأحوال ونحوها.
- صفة البينة:
البينة: هي ما أبان الشيء وأظهره.
سواء كانت حجة شرعية يجب قبولها كالشهادة، أم قرينة يباح الأخذ بها.
وسمي الشهود بينة لأنهم يبينون من له الحق، ومن عليه الحق.
- شروط صحة الدعوى:
لا تصح الدعوى إلا محرَّرة مفصَّلة؛ لأن الحكم مرتب عليها، وأن تكون معلومة المدَّعى به، وأن يصرح المدعي بطلبه، وأن يكون المدَّعى به حالًّا إن كان دَيْناً.
- صفة الدعوى:
الدعوى أن يضيف الإنسان لنفسه شيئاً على غيره، سواء كان هذا الشيء عيناً، أو منفعة، أو حقاً، أو دَيناً.
والإضافة ثلاثة أقسام:
الأول: أن يضيف الإنسان لنفسه شيئاً على غيره، وهذه دعوى كأن يقول: لي على فلان كذا.

(1/1013)


الثاني: أن يضيف الإنسان شيئاً لغيره على نفسه، وهذا إقرار.
الثالث: أن يضيف الإنسان شيئاً لغيره على غيره، وهذه شهادة.
- أحوال البينة:
1 - البينة تارة تكون بشاهدين، وتارة برجل وامرأتين، وتارة بأربعة شهداء، وتارة بثلاثة شهداء، وتارة بشاهد ويمين المدعي كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
2 - يشترط في الشهادة عدالة البينة، ويحكم بها القاضي، فإن علم خلاف ما شهدت به لم يجز له الحكم بها، ومن جُهلت عدالته سأل عنه، وإن جَرح الخصم الشهود كُلِّف البينة به، وأُنظر ثلاثاً، فإن لم يأت ببينة حكم عليه.
- الناس في التُّهم ثلاثة أصناف:
1 - صنف معروف عند الناس بالدين والورع، وأنه ليس من أهل التهم، فهذا لا يُحبس ولا يُضرب، ويؤدب من يتهمه.
2 - أن يكون المتَّهَم مجهول الحال لا يُعرف ببر ولا فجور، فهذا يُحبس حتى يكشف عن حاله؛ حفظاً للحقوق.
3 - أن يكون المتَّهَم معروفاً بالفجور والإجرام، ومثله يقع في الاتهام، وهذا أشد من القسم الثاني، فهذا يمتحن بالضرب والحبس حتى يقر؛ حفظاً لحقوق العباد.
- إذا علم القاضي عدالة البينة حكم بها ولم يحتج إلى التزكية، وإن علم عدم عدالتها لم يحكم بها، وإن جهل حال البينة طلب من المدعي تزكيتهم بشاهدين عدلين.
- صفة حكم القاضي:
حُكْم القاضي لا يُحل حراماً، ولا يُحرم حلالاً، فإن كانت البينة صادقة حَلَّ للمدعي أخذ الحق، وإن كانت البينة كاذبة كشهادة الزور، وحكم له القاضي، فلا يحل له أخذه.

(1/1014)


عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئاً بِقَوْلِهِ، فَإنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، فَلا يَأْخُذْهُ». متفق عليه (1).
- صفة الحكم على الغائب:
يجوز الحكم على الغائب إذا ثبت عليه الحق بالبينة، وكان في حقوق الآدميين لا في حق الله، والغائب بعيد مسافة قصر فأكثر، وتعذَّر حضوره، فإن حضر الغائب فهو على حجته.
- أين تقام الدعوى:
تقام الدعوى في بلد المدعى عليه؛ لأن الأصل براءة ذمته، فإن هرب، أو ماطل، أو تأخر عن الحضور من غير عذر لزم تأديبه.
- لا يُقبل في التزكية والجرح والرسالة إلا قول عدلين، ويُقبل في الترجمة قول واحد عدل، والاثنان إن أمكن أولى.
- حكم كتاب القاضي إلى القاضي:
يُقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق لآدمي كالبيع، والإجارة، والوصية، والنكاح، والطلاق، والجناية، والقصاص ونحوها، وفي كل حق لله كالحدود والواجبات.
ولا ينبغي أن يكتب القاضي إلى القاضي في حدود الله كالزنى، والسكر ونحوها؛ لأنها مبنية على الستر، والدرء بالشبهات.
وفائدة الكتابة إلى قاض آخر: راحة الخصوم من عناء السفر والتردد، أو يكون القاضي المكتوب إليه أكثر عملاً، فيحررها بشهودها من هو أقل عملاً، ثم يدفعها للقاضي الثاني ليحكم بهاونحو ذلك من المصالح.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2680)، واللفظ له، ومسلم برقم (1713).

(1/1015)


- حكم المدعى به:
المدعي والمدعى عليه إذا تداعيا عيناً فلا تخلو من ست حالات:
1 - إن كانت العين في يد أحدهما فهي له مع يمينه إن لم يكن للخصم بينة، فإن أقام كل منهما بينة فهي لمن هي في يده مع يمينه.
2 - أن تكون العين في يديهما ولا بينة فيتحالفان، وتقسم بينهما.
3 - أن تكون العين بيد غيرهما ولا بينة فيقترعان عليها، فمن خرجت له القرعة حلف وأخذها.
4 - ألّا تكون العين بيد أحد ولا بينة لأحدهما، فيتحالفان ويتناصفاها.
5 - أن يكون لكل واحد بينة وليست في يد واحد منهما، فهي بينهما على السوية.
6 - إذا تنازعا دابة أو سيارة وأحدهما راكب والآخر آخذ بزمامها فهي للأول بيمينه إن لم تكن بينة.
- خطر اليمين الكاذبة:
يحرم أن يحلف يميناً فاجرة يقتطع بها مال أخيه بغير حق؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ الله لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الجَنَّةَ» فَقَالَ لَه رَجُلٌ: وَإنْ كَانَ شَيْئاً يَسِيراً يَا رَسُولَ الله قَالَ: «وَإنْ قَضِيباً مِنْ أَرَاكٍ». أخرجه مسلم (1).
- حكم قسمة الأملاك:
لا تجوز قسمة الأملاك التي لا تنقسم إلا بضرر أو رد عوض إلا برضا الشركاء، وما لا ضرر فيه ولا رد عوض في قسمته، فإذا طلب الشريك قسمتها أُجبر الآخر عليها، وللشركاء أن يتقاسموا بأنفسهم، أو بقاسم يختارونه، أو يسألون الحاكم نصبه وأجرته على قدر الأملاك، فإذا اقتسموا أو اقترعوا لزمت القسمة.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (137).

(1/1016)


كيفية إثبات الدعوى
تثبت الدعوى بواحد مما يلي: الإقرار .. الشهادة .. اليمين.
1 - الإقرار
- الإقرار: هو إظهار مكلف مختار ما وجب عليه.
- من يصح منه الإقرار:
يصح الإقرار من كل بالغ، عاقل، مختار، غير محجور عليه، والإقرار سيد الأدلة.
- حكم الإقرار:
1 - الإقرار واجب إذا كان في ذمة الإنسان حق للهِ كالزكاة ونحوها، أو حق لآدمي كالدين ونحوه.
2 - يجوز الإقرار إذا كان على المكلف حد من حدود الله تعالى كالزنى، والستر على نفسه والتوبة من ذلك أولى.
3 - إذا صح الإقرار وثبت، فإن كان متعلقاً بحق من حقوق الآدميين فلا يجوز الرجوع عنه ولا يُقبل.
وإن كان متعلقاً بحق من حقوق الله كحد الزنى، أو الخمر، أو السرقة ونحوها فإنه يجوز الرجوع عنه؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات.
2 - الشهادة
- الشهادة: هي الإخبار بما علمه بلفظ أشهد، أو رأيت، أو سمعت، أو نحو ذلك، شرعها الله لإثبات الحقوق.

(1/1017)


قال الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق/2].
- شروط وجوب أداء الشهادة:
أن يُدعى لذلك، وأن يقدر عليه، وألّا يترتب على أدائه لها ضرر يلحقه في بدنه، أو عرضه، أو ماله، أو أهله.
- حكم أداء الشهادة:
1 - تَحمُّل الشهادة فرض كفاية إذا كانت في حقوق الآدميين، وأداؤها فرض عين على مَنْ تَحَمَّلها إن كانت في حقوق الآدميين، لقوله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة/283].
2 - أداء الشهادة في حق الله تعالى كمن شهد بحد من حدود الله كالزنى ونحوه فأداؤها مباح، وتركها أولى؛ لوجوب ستر المسلم، إلا إن كان مجاهراً معروفاً بالفساد فأداؤها أفضل؛ لقطع دابر الفساد والمفسدين.
3 - لا يحل لأحد أن يشهد إلا بعلم، والعلم يحصل بالرؤية، أو السماع، أو الاستفاضة، وهي الشهرة كزواج أحد، أو موته ونحوهما.
- حكم شهادة الزور:
شهادة الزور من أكبر الكبائر، وأعظم الذنوب فهي سبب في أكل أموال الناس بالباطل، وسبب لإضاعة الحقوق، وسبب لإضلال الحكام ليحكموا بغير ما أنزل الله.
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ» ثَلَاثاً؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «الْإِشْرَاكُ بِاللهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ -وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ:- أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ». قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ. متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2654)، واللفظ له، ومسلم برقم (87).

(1/1018)


- شروط من تُقبل شهادته:
1 - أن يكون بالغاً عاقلاً، فلا تقبل شهادة الصبيان إلا فيما بينهم.
2 - الكلام، فلا تقبل شهادة الأخرس إلا إذا أداها بخطه.
3 - الإسلام: فلا تجوز شهادة الكافر على المسلم إلا في الوصية أثناء السفر إن لم يوجد مسلم، وتجوز شهادة الكفار بعضهم على بعض.
4 - الحفظ: فلا تقبل من مغفل.
5 - العدالة: وهي في كل زمان ومكان بحسبها، ويعتبر لها شيئان:
1 - الصلاح في الدين: وهو أداء الفرائض، واجتناب المحرمات.
2 - استعمال المروءة: وهي فعل ما يجمِّله كالكرم، وحسن الخلق ونحوهما، واجتناب ما يُدَنِّسه كالقمار، والشعوذة، والشهرة بالرذائل ونحو ذلك.
6 - نفي التهمة.
- تُقبل الشهادة على الشهادة في كل شيء إلا في الحدود، فإذا تعذَّرت شهادة الأصل بموت، أو مرض، أو غَيْبة قَبِل الحاكم شهادة الفرع إذا أنابه كقوله: اشهد على شهادتي ونحوه.

(1/1019)


موانع الشهادة
- موانع الشهادة ثمانية، وهي:
1 - قرابة الولادة: وهم الآباء وإن علوا، والأولاد وإن سفلوا، فلا تقبل شهادة بعضهم لبعض؛ للتهمة بقوة القرابة، وتقبل عليهم، وأما بقية القرابة كالإخوة والأعمام ونحوهما، فتقبل لهم وعليهم.
2 - الزوجية: فلا تقبل شهادة الزوج لزوجته، ولا الزوجة لزوجها، وتقبل عليهم.
3 - مَنْ يجر إلى نفسه نفعاً كشهادته لشريكه أو رقيقه.
4 - مَنْ يدفع عن نفسه ضرراً بتلك الشهادة.
5 - العداوة الدنيوية، فمن سره مساءة شخص، أو غمه فرحه فهو عدوه.
6 - مَنْ شهد عند حاكم ثم رُدَّت شهادته لخيانة ونحوها.
7 - العصبية، فلا شهادة لمن عُرف بالتعصب.
8 - إذا كان المشهود له مالكاً للشاهد أو خادماً عنده.

أقسام المشهود به وعدد الشهود
- ينقسم ذلك إلى سبعة أقسام:
1 - الزنى وعمل قوم لوط، لا بد فيه من شهادة أربعة رجال عدول، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} [النور/4].

(1/1020)


2 - إذا ادعى مَنْ عُرف بالغنى أنه فقير ليأخذ من الزكاة فلا بد من شهادة ثلاثة رجال عدول.
3 - ما أوجب قصاصاً أو حداً غير الزنى أو تعزيراً فلا بد فيه من شهادة رجلين عدلين.
4 - قضايا الأموال كالبيع، والقرض، والإجارة ونحوها، والحقوق كالنكاح، والطلاق، والرجعة ونحوها، وكل ما سوى الحدود والقصاص فيُقبل فيه شهادة رجلين، أو رجل وامرأتين، ويُقبل في الأموال خاصة رجل ويمين المدعي إن تعذر إتمام الشهود.
1 - قال الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة/282].
2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ.
أخرجه مسلم (1).
5 - ما لا يطَّلع عليه الرجال غالباً كالرضاع، والولادة، والحيض ونحو ذلك مما لا يحضره الرجال فيُقبل فيه رجلان، أو رجل وامرأتان، أو أربع نسوة، ويجوز من امرأة عدل، والأحوط اثنتان، أو رجل عدل، والأكمل كما سبق.
6 - ما يُقبل فيه قول واحد عدل، وهو رؤية هلال رمضان أو غيره.
7 - داء دابة، وموضحة، وهاشمة ونحوها يُقبل فيه قول طبيب، وبيطار واحد لعدم غيره، فإن لم يتعذر فاثنان.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1712).

(1/1021)


- يجوز للقاضي الحكم بشهادة الرجل الواحد مع يمين المدعي في غير الحدود والقصاص إذا ظهر صدقه.
- إذا حكم القاضي بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد غَرِمَ الشاهد المال كله.
- الحكم إذا رجع الشهود عن الشهادة:
إذا رجع شهود المال بعد الحكم لم يُنقض، ويلزمهم الضمان دون من زكاهم، وإن رجع الشهود عن الشهادة قبل الحكم أُلغي، لا حكم ولا ضمان.
3 - اليمين
- اليمين: هي الحلف بالله، أو باسم من أسمائه، أو بصفة من صفاته.
- مشروعية اليمين:
تُشرع اليمين في دعوى حقوق الآدميين خاصة، فهي التي يُستحلف فيها، أما حقوق الله كالعبادات والحدود فلا يُستحلف فيها، فلا يُستحلف إذا قال دفعت زكاة مالي، ولا يُستحلف منكر لحد من حدود الله كالزنى والسرقة؛ لأنه يستحب سترها، والتعريض بالرجوع عنها.
- حكم اليمين في الدعوى:
إذا عجز المدعي بحق على آخر عن البينة وأنكر المدعى عليه فليس له إلا يمين المدعى عليه، وهذا خاص بالأموال ونحوها، ولا يجوز في دعوى القصاص والحدود.
اليمين تقطع الخصومة ولا تُسقط الحق، والبينة على المدعي، واليمين على من أنكر، هذا هو الأصل، فإذا أحضر المدعى البينة حكم القاضي بموجبها.

(1/1022)


وإذا لم يحضرها طُلب من المدعي عليه الذي أنكر أن يحلف، فإذا لم يحلف رد اليمين على المدعي؛ لأنه لما نكل المدعى عليه قوي جانب المدعي، فيرد عليه اليمين ليتأكد.
وللقاضي أن يقضي على المدعى عليه بالنكول، ولا يحلِّف المدعي.
ويجوز للقاضي أن يُحلِّف المدعي، أو يحلِّف المدعى عليه حسب ما يراه، وهي مشروعة في أقوى الجانبين؛ لأن الأصل براءة الذمة إلا ببينة، فإذا لم تكن اكتفى منه باليمين.
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ اليَمِينَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ». متفق عليه (1).
2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «البَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِي، وَاليَمِينُ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ». أخرجه الترمذي (2).
- حكم تغليظ اليمين:
يجوز للقاضي تغليظ اليمين فيما له خطر كجناية لا توجب قوداً، ومالٍ كثير ونحوهما إذا طلبها من توجهت له اليمين.
والتغليظ في الزمان بعد العصر، وفي المكان في المسجد عند المنبر، وإن رأى القاضي ترك التغليظ كان مصيباً، ومن أبى التغليظ لم يكن ناكلاً عن اليمين، ومن حُلف له بالله فليرض.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4552)، ومسلم برقم (1711) واللفظ له.
(2) صحيح/أخرجه الترمذي برقم (1341).

(1/1023)


- تُشرع اليمين في حق كل مدعى عليه، سواء كان مسلماً، أو من أهل الكتاب، فيحلف بالله إن لم تكن للمدعي بينة، ويَستحلف أهل الكتاب.
فيقول لليهود مثلاً: «أُذَكِّرُكُمْ بِالله الَّذِي نَجَّاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَونَ، وَأَقْطَعَكُمُ البَحْرَ، وَظلَّلَ عَلَيْكُمُ الغَمَامَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الَمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى ... ». أخرجه أبو داود (1).
- شر الناس:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ». متفق عليه (2).
2 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إلَى الله الأَلَدُّ الخَصِمُ». متفق عليه (3).
_________
(1) صحيح/أخرجه أبو داود برقم (3626).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7179)، واللفظ له، ومسلم برقم (2526).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7188)، واللفظ له، ومسلم برقم (2668).

(1/1024)