نيل
الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ط مكتبة الدعوة
الإسلامية كتاب الصلح
وأحكام الجوار
باب جواز الصلح عن المعلوم والمجهول والتحليل
منهما
1 - عن أم سلمة قالت جاء رجلان يختصمان إلى رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
ج / 5 ص -253-
في مواريث بينما قد درست ليس بينهما بينة
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم:
"إنكم تختصمون إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم وإنما أنا بشر ولعل بعضكم ألحن
بحجته من بعض وإنما أقضي بينكم على نحو مما
أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه
فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها اسطاما
في عنقه يوم القيامة فبكى الرجلان وقال كل
واحد منهما حقي لاخي فقال رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم أما إذا قلتما فاذهبا
فاقتسما ثم توخيا الحق ثم استهما ثم ليحلل كل
واحد منكما صاحبه".
رواه أحمد وأبو داود وفي
رواية لأبي داود.:
"وإنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل على فيه". الحديث أخرجه أيضا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري. وفي
إسناده أسامة بن زيد بن أسلم المدني مولى عمر
قال النسائي وغيره ليس بالقوي. واصل هذا
الحديث في الصحيحين وسيأتي في باب إن حكم
الحاكم ينفذ ظاهر الا باطنا من كتاب
الأقضية: قوله: "إنكم تختصمون إلى رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم" يعني في
الأحكام. قوله: "وإنما أنا بشر" البشر
يطلع على الواحد كما في الحديث وعلى الجمع نحو
قوله تعالى:
{نَذِيراً لِلْبَشَرِ}
والمراد إنما أنا مشارك لغيري في البشرية وإن
كان صلى اللّه عليه وآله وسلم زائدا عليهم بما
أعطاه اللّه تعالى من المعجزات الظاهرة
والاطلاع على بعض الغيوب الحصر ههنا مجازي أي
باعتبار علم الباطن.وقد حققه علماء المعاني
وأشرنا إلى طرف من تحقيقه في كتاب الصلاة:
قوله: "ألحن" أي أفطن وأعرف ويجوز أن يكون
معناه أفصح تعبيرا عنها أظهر احتجاجا فربما
جاء بعبارة تخيل إلى السامع أنه محق وهو في
الحقيقة مبطل والأظهر أن يكون معناه أبلغ كما
في رواية في الصحيحين أي أحسن ايرادا للكلام
وأصل اللحن الميل عن جهة الاستقامة يقال لحن
فلان في كلامه إذا مال عن صحيح النطق ويقال
لحنت لفلان إذا قلت له قولا يفهمه ويخفى على
غيره لأنه بالتورية ميل كلامه عن الواضح
المفهوم. قوله: "وإنما أقضي" الخ فيه
دليل على أن الحاكم إنما يحكم بظاهر ما يسمع
من الألفاظ مع جواز كون الباطن خلافه ولم
يتعبد بالبحث عن البواطن باستعمال الأشياء
التي تفضي في بعض الأحوال إلى ذلك كأنواع
السياسة والمداهاة قوله: "فلا يأخذه" فيه
ان حكم الحاكم لا يحل به الحرام كما زعم بعض
أهل العلم قوله: "قطعة" بكسر القاف أي
طائفة: قوله: "اسطاما" بضم الهمزة وسكون
السين المهملة. قال في القاموس السطام
بالكسر المسعار لحديدة مفطوحة تحرك بها النار
ثم قال والاسطام المسعار اه. والمراد هنا
الحديدة التي تسعر بها النار أي يأتي يوم
القيامة حاملا لها مع أثقاله: قوله: "حقي
لأخي" فيه دليل على صحة هبة
ج / 5 ص -254-
المجهول وهبة المدعي قبل ثبوته وهبة الشريك
لشريكه: قوله: "أما إذا قلتما" لفظ أبي
داود: "أما إذا فعلتما ما فعلتماه فاقتسما"
قال في شرح السنن أما بتخفيف الميم يحتمل أن
يكون بمعنى حقا وإذ للتعليل: قوله:
"فاقتسما" فيه دليل على أنه الهبة إنما
تملك بالقبول لأن النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم أمرها بالاقتسام بعد أن وهب كل واحد
نصيبه من الآخر. قوله: "ثم توخيا" بفتح
الواو والخاء المعجمة. قال في النهاية أي
اقصدا الحق فيما تصنعان من القسمة يقال توخيت
الشيء أتوخاه توخيا إذا قصدت إليه وتعمدت
فعله: قوله: "ثم استهما" أي ليأخذ كل
واحد منكما ماتخرجه القرعة من القسمة ليتميز
سهم كل واحد منكما عن الآخر. وفيه الأمر
بالقرعة عند المساواة أو المشاحة وقد وردت
القرعة في كتاب اللّه في موضعين. أحدهما
قوله تعالى :
{إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ} والثاني قوله تعالى :
{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} وجاءت في خمسة أحاديث من السنة الأول هذا الحديث. الثاني حديث
أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم: "كان إذا أراد
سفرا أقرع بين نسائه" الثالث أنه صلى اللّه
عليه وآله وسلم:
"أقرع في ستة مملوكين"
الرابع قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: "لو يعلم
الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا
عليه" الخامس حديث الزبير: "أن صفية جاءت بثوبين لتكفن فيهما حمزة
فوجدنا إلى جنبه قتيلا فقلنا لحمزة ثوب
وللانصاري ثوب فوجدنا أحد الثوبين أوسع من
الآخر فأقرعنا عليهما ثم كفنا كل واحد في
الثوب الذي خرج له" والظاهر أن النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم اطلع على على هذا وقرره
لأنه كان حاضرا هنالك ويبعد أن يخفي عليه مثل
ذلك في حق حمزة وقد كانت الصحابة تعتمد القرعة
في كثير من الأمور كما روي: "أنه تشاح الناس
يوم القادسية في الأذان فأقرع يبنهم سعد":
قوله: "ثم ليحلل" الخ أي ليسأل كل واحد
منكما صاحبه أن يجعله في حل من قبله بابراء
ذمته وفيه دليل على أنه يصح الابراء من
المجهول لان الذي في ذمة كل واحد ههنا غير
معلوم وفيه أيضا صحة الصلح بمعلوم عن مجهول
ولكن لا بد مع ذلك من التحليل. وحكى في
البحر عن الناصر والشافعي أنه لا يصح بمعلوم
عن مجهول: قوله: "برأيي" هذا مما استدل
به أهل الأصول على جواز العمل بالقياس وإنه
حجة وكذا استدلوا بحديث بعث معاذ المعروف.
2 - وعن عمرو بن عوف أن النبي صلى اللّه عليه
وآله وسلم قال:
"الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا حزم حلالاً أو أحل حرامًا". رواه
أبو داود وابن ماجه والترمذي وزاد:
"المسلمون على
شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو أحل حرامًا"
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
الحديث أخرجه أيضا الحاكم وابن حبان وفي
إسناده كثير بن عبد اللّه بن عمرو بن عوف عن
أبيه وهو ضعيف جدا. قال فيه الشافعي وأبو
داود هو ركن من أركان الكذب وقال النسائي ليس
بثقة. وقال ابن حبان له عن أبيه عن جده نسخة
موضوعة وتركه أحمد. وقد نوقش الترمذي في
تصحيح حديثه قال الذهبي أما الترمذي فروى من
حديثه الصلح جائز بين المسلمين وصححه فلهذا لا
يعتمد العلماء على تصحيحه. وقال ابن كثير في
إرشاده قد نوقش أبو عيسى يعني الترمذي في
ج / 5 ص -255-
تصحيحه هذا الحديث وماشاكله اه. واعتذر له
الحافظ ـ قال في بلوغ المرام وكأنه اعتبره
بكثرة طرقه وقد صححه ابن جبان من حديث أبي
هريرة اه. ـ فقال وكأنه اعتبره بكثرة طرقه
وذلك لأنه رواه أبو داود والحاكم من طريق كثير
بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال
الحاكم على شرطهما وصححه ابن حبان وحسنه
الترمذي. وأخرجه أيضا الحاكم من حديث أنس.
وأخرجه أيضا من حديث عائشة وكذلك الدارقطني.
وأخرجه أحمد من حديث سليمان بن بلال عن العلاء
عن أبيه عن أبي هريرة وأخرجه ابن أبي شيبة عن
عطاء مرسلا. وأخرجه البيهقي موقوفا علي عمر
كتبه إلى أبي موسى. وقد صرح الحافظ بأن
إسناد حديث أنس وإسناد حديث عائشة واهيان وضعف
ابن حزم حديث أبي هريرة وكذلك ضعفه عبد
الحق. وقد روى من طريق عبد اللّه بن الحسين
المصيصي وهو ثقة وكثير بن زيد المذكور قال أبو
زرعة صدوق ووثقه ابن معين والوليد بن رباح
صدوق أيضا ولا يخفى ان الأحاديث المذكورة
والطرق يشهد بعضها لبعض فاقل أحوالها أن يكون
المتن الذي اجتمعت عليه حسنا: قوله: "الصلح
جائز" ظاهر هذه العبارة العموم فيشمل كل صلح
الاما استثنى ومن ادعى عدم جواز صلح زائد على
ما استثناه الشارع في هذا الحديث فعليه
الدليل. وإلى العموم ذهب أبو حنيفة ومالك
وأحمد والجمهور. وحكى في البحر عن العترة
والشافعي وابن أبي ليلى أنه لا يصح الصلح عن
أنكار وقد استدل لهم بقوله صلى اللّه عليه
وآله وسلم:
"لا يحل مال أمرئ مسلم الا بطيبة من نفسه" وبقوله تعالى :
{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} ويجاب بأن الرضا بالصلح مشعر بطيبة النفس فلا يكون أكل المال به من
أكل أموال الناس بالباطل - وقد جمع بين
الأدلة بجمع حسن صاحب السبل قال ومعنى عدم
صحته أنه لا يطيب مال الخصم مع انكار المصالح
وذلك حيث يدعى عليه آخر عينا أو دينا فيصالح
ببعض العين او الدين مع انكار خصمه فإن الباقي
لا يطيب له بل يجب عليه تسليمه لقوله صلى
اللّه عليه وآله وسلم:
"لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيبة من نفس"
وقوله تعالى:
{عَنْ
تَرَاضٍ} وأجيب بأنها قد وقعت طيبة النفس بالرضى وعند الصلح قد صار في حكم
عقد المعاوضة فيحل له ما بقي. قلت الأولى أن
يقال إن كان المدعي يعلم إن حقا عند خصمه جاز
له قبض ما صولح به والمدعى عليه إن كان عنده
حق يعلمه جاز له إعطاء جزء من ماله في دفع
شجار غريم وأذيته وحرم على المدعي أخذه وبهذا
تجتمع الادلة فلا يقال الصلح على الإنكار لا
يصلح ولا أنه يصح على الإطلاق بل يفصل فيه
اه. ـ واحتج لهم في البحر بأن الصلح معاوضة
فلا يصح مع الإنكار كالبيع. وأجيب بأنه لا
معنى للإنكار في البيع لعدم ثبوت حق لاحدهما
على الآخر يتعلق به الإنكار قبل صدور البيع
فلا يصح القياس. وقله: "بين المسلمين"
هذا خرج مخرج الغالب لأن الصلح جائز بين
الكفار وبين المسلم والكافر. ووجه التخصيص
إن المخاطب بالأحكام في الغالب هم المسلمون
ج / 5 ص -256-
لأنهم هم المنقادون لها: قوله: "الا
صلحا" بالنصل على الأستثناء. وفي رواية
لأبي داود والترمذي بالرفع. والصلح الذي
يحرم الحلال كمصالحة الزوجة للزوج على ان لا
يطلقها أو لا يتزوج عليها أو لا يبيت عند
ضرتها والذي يحلل الحرام كأن مصالحه على وطء
أمة لا يحل له وطؤها أو أكل مال لا يحل له
أكله أو نحو ذلك: قوله: "المسلمون على
شروطهم" ـ وفي الاتيان بعلى ووصفهم
بالاسلام والإيمان دلالة على علو مرتبتهم
وأنهم لا يخلون بشروطهم فهلا يتنبه لذلك أهل
هذا العصر ويقتدون بسلفهم وبما جاءت به
شريعتهم لا سيما أهل العلم منهم ومن كان حائزا
للشهادة والوظيفة نسأل اللّه التوفيق ـ أي
ثابتون عليها لا يرجعون عنها. قال المنذري
وهذا في الشروط الجائزة دون الفاسدة ويدل على
هذا قوله: "الا شرطا حرم حلالا" الخ ويؤيده
ماثبت في حديث بريرة من قوله صلى اللّه عليه
وآله وسلم:
"كل شرك ليس في كتاب اللّه فهو باطل" وحديث:
"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"
والشرط الذي يحل الحرام كأن يشرط نصرة الظالم
أو الباغي أو غزو المسلمين والذي يحرم الحلال
كأن يشرط عليه أن لا يطأ أمته أو زوجته أو نحو
ذلك.
3 - وعن جابر: "أن أباه
قتل يوم أحد شهيدا وعليه دين فاشتد الغرماء في
حقوقهم قال فأتيت النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم فسألهم ان يقبلوا ثمرة حائطي ويحللوا أبي
فأبوا فلم يعطهم النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم حائطي وقال سنغدو عليك فغدا علينا حين
أصبح فطاف في النخل ودعا في ثمرها بالبركة
فجددتها فقضيتهم وبقي لنا من ثمرها". وفي
لفظ: "أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقا
لرجل من اليهود فاستنظره جابر فابى أن ينظره
فكلم جابر رسول اللّه يشفع له إليه فجاء رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وكلم اليهودي
ليأخذ ثمرة نخله بالذي له فأبى فدخل النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم النخل فمشى فيها ثم قال
لجابر
جدله فأوف له الذي له فجده بعد ما رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأوفاه
ثلاثين وسقا وفضلت سبعة عشر وسقا".
رواهما البخاري.
قوله: "فجددتها"
بالجيم ودالين مهملتين والجداد صرام النخل.
والحديث فيه دليل على جواز المصالحة بالمجهول
عن المعلوم وذلك لأن النبي صلى اللّه عليه
وآله وسلم سأل الغريم أن يأخذ ثمر الحائط وهو
مجهول القدر في الأوساق التي له وهي معلومة
ولكنه ادعى في البحر الإجماع على عدم الجواز
فقال ما لفظه مسألة ويصح بمعلوم عن معلوم
إجماعا بمجهول إجماعا ولوعن معلوم كأن يصالح
بشيء عن شيء أو عن ألف بما يكسبه هذا العام
اه. فينبغي أن ينظر في صحة هذا الإجماع
ج / 5 ص -257-
فإن الحديث مصرح بالجواز. وقال المهلب لا
يجوز عند أحد من العلماء أن يأخذ من له دين
تمر تمرا مجازفة بدينه لما فيه من الجهل
والغرر وإنما يجوز أن يأخذ مجازفة في حقه أقل
من دينه إذا علم الآخذ بذلك رضي اه. وهكذا
قال الدمياطي وتعقبهما ابن المنير فقال بيع
المعلوم بالمجهول موابنة فإن كان تمرا نحوه
فمزابنة وربا لكن اغتفر ذلك في الوفاء وتبعه
الحافظ على ذلك فقال أنه يغتفر في القضاء من
المعاوضة مالا يغتفر ابتداء لأن بيع الرطب
بالتمر لا يجوز في غير العرايا ويجوز في
المعاوضة عند الوفاء قال وذلك بين في حديث
الباب انتهى. والحاصل أن هذا الحديث مخصص
للعمومات المتقدمة في البيع القاضية بوجوب
معرفة مقدار كل واحد من البدلين المتساوينن
جنسا وتقديرا فيجوز القضاء مع الجهالة إذا وقع
الرضا ويؤيد هذا حديث أم سلمة السالف فإنها
وقعت فيه المصالحة بمعلوم عن مجهول.
والمواريث الدارسة تطلق على الأجناس الربوية
وغيرها فهو يقضي بعمومه أنها تجوز المصالحة مع
جهالة أحد العوضين وإن كان المصالح به
والمصالح عنه ربوين ولكن لابد من وقوع التحليل
كما هو مصرح به في الحديثين وقد استدل المقبلي
في الأبحاث بهذا الحديث على جواز صرف الفضة
بالفضة مع التصريح بتطييب الزائد وأنه لا يلزم
من ذلك إبطال المقصد الشرعي في الربا لأن كل
حيلة توصل بها إلى السلامة من الإثم فهي جائزة
وإنما المحرم الحيلة التي توصل بها إلى إبطال
مقصد شرعي قال فعلى هذا يجوز الصرف للقروش
بالمحلقة وهما ضربتان كبيرة وصغيرة ونحو ذلك
مما دعت الضرورة إليه قال ولنحو ذلك رخص في
بيع العرية وإلا فكان يمكن بيع التمر بالدراهم
ثم شراء رطب بالدراهم أما لو كان الغرض طلب
التجارة والأرباح كالصيارفة فلا يجوز إلى آخر
كلامه. وصرح أيضا بأنه لا حاجة في الصرق إلى
تكليف شراء سلعة ثم بيعها كما في حديث تمر
الجمع والجنيب السالف قال لأن ذلك يلحق
بالممتنع للضرورة إليه في أكثر الأحوال
وغالبها ففيه غاية المشقة وأنت خبير بأن
الحديث ورد على خلاف ما تقتضيه الأصول فلا
يجوز أن يجاوز به مورده وهو صورة القضاء فلا
يصح القياس وهذا على فرض عدم صحة الإجماع على
خلاف ما يقتضيه الحديث فإن صح فالعمل به في
تلك الصورة المخصوصة لا يجوز فكيف يصح إلحاق
غيرها بها وأيضا خبر القلادة السالف مشعر بعدم
جواز بيع الفضة بالفضة وإن وقعت المرضاة
والكباراة فهذا القياس الذي عول عليه فاسد
الاعتبار فإن قال إن صرف الدراهم بالقروش
يحتاج إليه كل أحد وتدعو الضرورة إليه بخلاف
بيع الفضة التي ليست بمضروبة بمثلها فنقول هذا
تخصيص بمجرد الحاجة والمشقة ومثل ذلك لا ينتهض
لتخصيص النصوص ولا سيما مع إمكان التخلص عن
تلك الورطة بأن يشتري بأحد البدلين عينا
ويبيعها بالنقد الآخر كما أرشد إليه الشارع في
قضية تمر الجمع والجنيب فإن بهذه الوسيلة
تنتفي الضرورة الحاملة على ارتكاب ما لا يحل
ولو كان مجرد حصول المشقة مجوز
ج / 5 ص -258-
المخالفة الدليل ومسوغا للمحرم لكان في ذلك
معذرة لمن لا رغبة له القيام بالواجبات لأن
كثيرا منها مصحوب بالمشقة كالحج والجهاد
ونحوهما.
4 - وعن أبي هريرة قال
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم:
"من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلل
منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن
كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم
تكن له حسنات أخذ من سيآت صاحبه فحمل
عليه".
رواه البخاري وكذلك أحمد والترمذي وصححه وقالا فيه: "مظلمة من مال
أو عرض".
قوله: "مظلمة" بكسر
اللام على المشهور وحكى ابن قتيبة وابن التين
والجوهري فتحها وأنكره ابن القوطية وحكى
القزاز الضم. قوله: "أو شيء" هو من عطف
العام على الخاص فيدخل فيه المال بأصنافه
والجراحات حتى اللطمة ونحوها: قوله: "قبل
أن لا يكون دينار ولا درهم" أي يوم القيامة
كما ثبت في رواية الإسماعيلي قوله: "أخذ من
سيآت صاحبه" أي صاحب المظلمة فحمل عليه:
"أي على الظالم". وفي رواية مالك:
"فطرحت عليه" وقد أخرج هذا الحديث مسلم من
وجه آخر وهو أوضح سياقا من هذا. ولفظه:
"المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة
وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وسفك دم هذا
وأكل مال هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من
حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه
أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في
النار". ولا تعارض بين هذا وبين قوله
تعالى :
{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لأنه إنما يعاقب بغير جناية منه بل بجنايته فقوبلت الحسنات
بالسيئات على ما اقتضاه عدل اللّه تعالى في
عباده ـ وفي الحديث ـ دليل على صحة الأبراء من
المجهول لإطلاقه. وزعم ابن بطال إن في هذا
الحديث دليل على اشتراك التعيين لأن قوله
مظلمة يقتضي أن تكون معلومة القدر مشار
إليها. قال الحافظ ولا يخفى ما فيه. قال
ابن المنير إنما وقع في الحديث التقدير حيث
يقتص المظلوم من الظالم حتى يأخذ منه بقدر حقه
وهذا متفق عليه والخلاف إنما هو فيما إذا أسقط
المظلوم حقه في الدنيا هل يشترط أن يعرف قدره
أم لا وقد أطلق ذلك في الحديث نعم قام الإجماع
على صحة التحليل من المعين المعلوم فإن كانت
العين موجودة صحت هبتها دون الإبراء منها.
وفي الحديث أيضا دليل على أن من حلل خصمه من
مظلمة لا رجوع له في ذلك أما المعلوم فلا خلاف
فيه. وأما المجهول فعند من يجيزه قال في
الفتح وهو فيما مضى باتفاق وأما فيما سيأتي
ففيه الخلاف.
باب الصلح عن دم
العمد بأكثر من الدية وأقل
1 - عن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده أن النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم قال:
"من قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول فإن
شاؤا قتلوا وإن شاؤا
ج / 5 ص -259-
أخذوا الدية وهي ثلاثون حقه وثلاثون جذعة
وأربعون خلفة وذلك عقل العمد وما صالحوا عليه
فهو لهم وذلك تشديد العقل". رواه أحمد وابن ماجه والترمذي.
الحديث حسنه الترمذي وفي
إسناده أحمد على بن زيد بن جدعان وفيه مقال عن
يعقوب السدوسي ويقال فيه عقبة بن أوس عن ابن
عمرو وروى البيهقي بإسناده إلى ابن خزيمة قال
حضرت مجلس المزني يوما وسأله سائل من
العراقيين عن شبه العمد فقال السائل إن اللّه
وصف القتل في كتابه صنفين عمدا وخطأ فلم قلتم
أنه ثلاثة أصناف فاحتج المزني بحديث ابن عمرو
فقال له ناظره أتحتج بعلي بن زيد بن جدعان
فسكت المزني فقلت لناظره قد روى هذا الحديث عن
غير علي بن زيد فقال من رواه غيره فقلت أيوب
السختياني وجابر الحذاء قال لي فمن عقبة بن
أوس قلت رجل من أخل البصرة روى عنه ابن سيرين
على جلالته فقال للمزني أنت تناظر أم هذا فقال
إذا جاء الحديث فهو يناظر لأنه أعلم به مني اه
فدل كلام ابن خزيمة هذا على أن علي بن زيد قد
توبع. وايضا الترمذي رواه عن أحمد بن سعيد
الدارمي عن حبان بن هلال عن محمد بن راشد عن
سليمن بن موسى عن عمرو بن شعيب: قوله:
"خلفة" أي حاملة. ووقع في رواية أربعون
خلفة في بطونها أولادها واستشكل ذلك لأن
الخلفة هي التي في بطنها ولدها وأجيب بأن هذا
التفسير لا تقييد وقيل تأكيد وأيضاح وقيل غير
ذلك والحديث يأتي الكلام على ما اشتمل عليه في
أبواب الديات وإنما ساقه المصنف ههنا
للاستدلال بقوله فيه:
"وما صالحوا عليه فهو لهم" فإنه يدل على جواز الصلح في الدماء بأكثر من الدية.
باب ما جاء في
وضع الخشب في جدار الجار وإن كره
1 - ن أبي هريرة أن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال:
"لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره ثم يقول أبو هريرة مالي
أراكم عنها معرضين واللّ لأرمين بها بين
أكتافكم". رواه الجماعة إلا النسائي.
2 - وعن ابن عباس قال
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم:
"لا ضرر ولا ضرار وللرجل أن يضع خشبه في حائط جاره
وإذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة
أذرع".
3 - وعن عكرمة بن سلمة بن ربيعة: "أن أخوين من بني المغيرة
أعتق أحدهما أن لا يغرز خشبا في جداره فلقيا
مجمع بن زيد الأنصاري ورجالا كثيرا فقالوا
نشهد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
قال
لا يمنع
ج / 5 ص -260-
جار جاره فقال الحالف أي أخي قد علمت أنك مقضي
لك على وقد حلفت فاجعل اسطوانا دون جداري ففعل
الآخر فغرز في الأسطوان خشبه". رواهما أحمد وابن ماجه.
أما حديث ابن عباس
فأخرجه أيضا ابن ماجه والبيهقي والطبراني وعبد
الرزاق قال ابن كثير أما حديث:
"لا ضرر ولا ضرار" فرواه ابن ماجه عن عبادة بن الصامت. وروى
من حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري وهو حديث
مشهور اه. وهو أيضا عند أبو ماجه والدارقطني
والحاكم والبيهقي من حديث أبي سعيد وعند
البيهقي أيضا من حديث عبادة. وعند الطبراني
في الكبير وأبي نعيم من حديث ثعلبة بن مالك
القرظي وما فيه من جعل الطريق سبعة أذرع ثابت
في الصحيحين من حديث أبي هريرة كما سيأتي.
وأما حديث مجمع فأخرجه ابن ماجه والبيهقي وسكت
عنه الحافظ في التلخيص. وعكرمة بن سلمة بن
ربيعة المذكور المجهول: قوله: "لا يمنع"
بالجزم على النهي: قوله: "خشبه" قال
القاضي عياض رويناه في مسلم وغيره من الأصول
بصيغة الجمع والإفراد ثم قال وقال عبد الغني
بن سعيد كل الناس تقول بالجمع إلا الطحاوي
فإنه قال عن روح بن الفرج سألت أبا زيد والحرث
بن بكير ويونس بن عبد الأعلى عنه فقالوا كلهم
خشبة بالتنوين ورواية مجمع تشهد لمن رواه بلفظ
الجمع ويؤيدها أيضا ما رواه البيهقي من طريق
شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ: "إذا سأل أحدكم جاره أن يدعم جذوعه على حائطه فلا يمنعه" قال القرطبي وإنما اعتنى هؤلاء الأئمة بتحقيق الرواية في هذا
الحرف لأن أمر الخشبة الواحدة يخف على الجار
الماسحة به بخلاف الأخشاب الكثيرة. ـ
والأحاديث ـ تدل على أنه لا يحل للجار أن يمنع
جاره من غرز الخشب في جداره ويجبره الحاكم إذا
امتنع وبه قال أحمد وإسحاق وابن حبيب من
المالكية والشافعي في القديم وأهل الحديث.
وقالت الحنفية والهادوية ومالك والشافعي في
أحد قوليه والجمهور أنه يشترط إذن المالك ولا
يجبر صاحب الجدار إذا امتنع وحملوا النهي على
التنزيه جمعا بينه وبين الأدلة القاضية بأنه:
"لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه"
وتعقب بأن هذا الحديث أخص من تلك الأدلة مطلقا
فيبني العام على الخاص قال البيهقي لم نجد في
السنن الصحية ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات
لا يستنكرأن يخصها وحمل بعضهم الحديث على ما
إذا تقدم استئذان الجار كما وقع في رواية لأبي
داود بلفظ:
"إذا استأذن أحدكم أخاه" وفي رواية لأحمد:
"من سأله جاره" وكذا في رواية لابن حبان فإذا تقدم
الاستئذان لم يكن للجار المنع لا إذا لم
يتقدم: قوله: "في جداره" الظاهر عود
الضمير إلى المالك أي في جدار نفسه وقيل
الصمير يعود على الجار الذي يريد الغرز أي لا
يمنعه من وضع خشبه على جدار نفسه وإن تضرر به
من جهة منع الضوء مثلا. ووقع لأبي عوانة من
طريق زياد بن سعد عن الزهري أنه يضع
ج / 5 ص -261-
جذعه على جدار نفسه ولو تضرر به جاره
والظاهر الأول ويؤيده قوله في حديث ابن عباس:
"في حائط جاره" وكذا قوله في يالحديث الآخر:
"فاجعل اسطوانا دون جداري"
قيل وهذا الحكم كشروط
عند القائلين بأنه يجب ذلك على الجار بحاجة من
يريد الغرز إليه وعدم تضرر المالك فإن تضرر لم
يقدم حاجة جاره على حاجته ولكنه لا يخفي أن
إطلاق الأحاديث قاض بعدم اعتبار عدم تضرر
المالك ولكنه يجب على من يريد الغرز أن يتوقى
الضرر بما أمكن فإن لم يمكن إلا بضرر وجب على
الغارز إصلاحه وذلك كما يقع عند فتح الجدار
لغرز الجذوع وأما اعتبار حاجة الغارز إلى
الغرز فأمر لا بد منه: قوله: "ما لي أراكم
عنها معرضين" أي عن هذه المقالة التي جائت
بها السنة أو عن هذه الوصية أو الموعظة:
قوله: "واللّه لأرمين بها بين أكتافكم"
بالتاء الفوقية أي لأقر عنكم بها كما يضرب
الإنسان بالشيء بين كتفيه ليستيقظ من غفلته.
قال القاضي عياض وابن عبد البر وقد رواه بعض
رواة الموطأ أكنافكم بالنون والكنف الجانب
ونونه مفتوحة والمعنى لأصرخن بها بين جماعتكم
ولا أكتمها أبدا. وقال الخطابي معناه أن لم
تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلنها
أس الخشبة على رقابكم كارهين أراد بذلك
المبالغة. وفي تعليق القاضي حسين أن أبا
هريرة قال ذلك حين كان متوليا بمكة أو المدينة
وكأنه قال لما رآهم تةقفوا عن قبول هذا الحكم
كما وقع في رواية لأبي داود أنهم نكسوا رؤوسهم
لما سمعوا ذلك: قوله:
"لا ضرر ولا ضرار" هذا فيه دليل على تحريم الضرار على أي صفة
كان من غير فرق بين الجار وغيره فلا يجوز في
صورة من الصور إلا بدليل يخص به هذا العموم
فعليك بمطالبة من جوز المضارة في بعض الصور
بالدليل فإن جاء به قبلته وإلا ضربت بهذا
الحديث وجهه فإنه قاعدة من قواعد الدين تشهد
له كليات وجزئيات. وقد ورد الوعيد لمن ضار
غيره فأخرج أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه
من حديث أبي صرمة بكسر الصاد المهملة مالك بن
قيس الأنصاري وهو ممن شهد بدرا وما بعدها من
المشاهد قال ابن عبد البر بلا خلاف قال قال
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم:
"من ضار أضر اللّه به ومن شاق شاق اللّه عليه" واختلفوا في الفرق بين الضر والضرار فقيل أن الضر فعل الواحد
والضرار فعل الاثنين فصاعدا. وقيل الضرار أن
تضره من غير أن تنتفع والضر أن تضره وتنتفع
أنت به. وقيل الضرار الجزاء على الضر والضر
الابتداء وقيل هما بمعنى قوله: "وللرجل أن
يضع خشبه في حائط جاره" فيه دليل على جواز
وضع الخشبة في جدار الجار وإذا جاز الغرز جاز
الوضع بالأولى لأنه أخف منه. قوله:
"فاجعلوه سبعة أذرع"
هذا محمول على الطريق التي هي مجرى عامة
للمسلمين بأحمالهم ومواشيهم فإذا تشاجر من له
أرض يتصل مع من له فيها حق جعل عرضها سبعة
أذرع بالذراع المتعارف في ذلك البلد بخلاف
بنيات الطريق فإن الرجل إذا جعل في بعض أرضه
طريقا مسبلة للمارين كان تقديرها إلى خيرته
والأفضل توسيعها وليس هذه الصورة مراد الحديث
لأن المفروض أن هذه لا مدافعة فيها ولا اختلاف
وسيأتي تمام الكلام على الطريق في الباب الذي
بعد هذا. قوله: "أعتق أحدهما" أي حلف
بالعتق.
ج / 5 ص -262-
باب في الطريق إذا اختلفوا فيه كم تجعل
1 - عن أبي هريرة أن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: "إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع". رواه الجماعة إلا النسائي. وفي لفظ لأحمد:
"إذا اختلفوا في الطريق رفع من بينهم سبعة أذرع".
2 - وعن عبادة بن
الصامت: "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
قضى في الرحبة تكون في الطريق ثم يريد أهلها
البنيان فيها فقضى أن يترك الطريق سبعة أذرع
وكانت تلك الطريق تسمى الميتاء". رواه عبد
اللّه بن أحمد في مسند أبيه. حديث عبادة
أخرجه أيضا الطبراني بلفظ: "قضى رسول اللّه
صلى اللّه عليه وآله وسلم في الطريق
الميتاء". الحديث والراوي له عن عبادة
إسحاق بن يحيى ولم يدركه ويشهد له ما أخرجه
عبد الرزاق عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه
عليه وآله وسلم بلفظ:
"إذا اختلفتم في الطريق الميتاء فاجعلوها
سبعة أذرع" وما أخرجه ابن عدي من حديث أنس بلفظ: "قضى رسول اللّه صلى اللّه
عليه وآله وسلم في الطريق الميتاء التي تؤتى
من كل مكان" فذكر الحديث. قال في الفتح
وفي كل من الأسانيد الثلاثة مقال اه ولكنه
يقوي بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها كما لا
يخفى: قوله:
"إذا اختلفتم"
في لفظ للبخاري:
"إذا تشاجروا"
وللإسماعيلي:
"إذا اختلف الناس في الطريق"
وزاد المستملي بعد ذكر الطريق فقال:
"الميتاء" قال الحافظ ولم يتابع عليه وليست
محفوظة في حديث أبي هريرة وإنما ذكرها البخاري
في الترجمة مشيرا بها إلى الأحاديث الني
ذكرناها كما جرت بذلك قاعدته: قوله: "سبعة
أذرع" قال في الفتح الذي يظهر أن المراد
بالذراع ذراع الآدمي فيعتبر ذلك بالمعتدل.
وقيل المراد ذراع البنيان المتعارف ولكن هذا
المقدار إنما هو في الطريق التي هي مجرى عامة
المسلمين للجمال وسائر المواشي كما أسلفنا لا
الطريق المشروعة بين الأملاك والطرق التي يمر
بها بنو آدم فقط ويدل على ذلك التقييد
بالميتاء كما في الأحاديث المذكورة والميتاء
بميم مكسورة وتحتانية ساكنة وبعدها فوقانية
ومد بوزن مفعال من الإتيان والميم زائدة.
قال أبو عمر والشيباني الميتاء أعظم الطرق وهي
التي يكثر مرور الناس فيها. وقال غيره هي
الطرق الواسعة وقيل العامرة. وحكى في البحر
عن الهادي أنه إذا التبس عرض الطريق الواسعة
بين الأملاك أو كان حوليها ارض موات بقي لما
تجتازه العماريات أثنا عشر ذراعا ولدونه سبعة
وفي المنسدة مثل أعرض باب فيها انتهى. وبهذا
التفصيل قالت الهادوية - والحكمة - في ورود
الشرع بتقدير الطريق سبعة أذرع هي أن تسلكها
الأحمال والأثقال دخولا وخروجلا وتسع ما لا بد
منه كما يطرح عند الأبواب. قوله:
"الرحبة" بفتح الحاء المهملة وتسكن على ما
في القاموس وهي المكان بناحية ومتسعه ومن
الوادي مسيل مائة من جانبيه. والمراد هنا
المكان بجانب الطريق كما في الحديث.
ج / 5 ص -263-
باب إخراج ميازيب المطر إلى الشارع
1 - عن عبد اللّه بن
عباس قال: "كان للعباس ميزاب على طريق عمر
فلبس ثيابه يوم الجمعة وقد كان ذبح للعباس
فرخان فلما وافى الميزاب صب ماء بدم الفرخين
فأمر عمر بقلعه ثم رجع فطرح ثيابه ولبس ثيابه
ثم فصلى بالناس فأتاه العباس فقال واللّه إنه
للموضع الذي وضعه النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم فقال عمر للعباس وأنا أعزم عليك لما صعدت
على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضع رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ففعل ذلك
العباس". الحديث لم يذكر المصنف من أخرجه
كما في النسخ الصحيحة من هذا الكتاب وفي نسخة
أنه أخرجه أحمد وهو في مسند أحمد بلفظ: "كان
للعباس ميزاب على طريق عمر فلبس ثيابه يوم
الجمعة فأصابه منه ماء بدم فأتاه العباس فقال
واللّه إنه للموضع الذي وضعه رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم فقال أعزم عليك لما صعدت
على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم " وذكر ابن
أبي حاتم أنه سأل أباه عنه فقال هو خطأ.
ورواه البيهقي من وجه آخر ضعيفة أو منقطعة
ولفظ أحدهما: "واللّه ما وضعه حيث كان إلا
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بيده"
وأورده الحاكم في المستدرك وفي إسناده عبد
الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف. قال الحاكم
ولم يحتج الشيخان بعبد الرحمن ورواه أبو داود
في المراسيل من حديث أبي هرون المذني قال كان
في دار العباس ميزاب فذكره - والحديث - فيه
دليل هلى جواز إخراج الميازيب إلى الطريق لكن
بشرط أن لا تكون محدثة تضر بالمسلمين فإن كانت
كذلك منعت لأحاديث المنع من الضرار قال في
البحر مسألة العترة ويمنع في الطريق الغرس
والبناء والحفر ومرور احمال الشوك ووضع الحطب
والذبح فيها وطرح القمامة والرماد وقشر الموز
واحداث السواحل والميازيب وربط الكلاب الضارية
لما فيها من الأذى اه ثم حكى في البحر أيضا عن
أبي حنيفة والهادوية أنها لا تضيق قرار السكك
النافذة ولا هواؤها بشء وإن اتسعت إذا الهواء
تابع للقرار في كونه حقا كتبعية هواء الملك
لقراره. وعن الشافعي والمؤيد باللّه في أحد
قوليه إنما حق المار في القرار لا الهواء
فيجوز الروشن والساباط حيث لا ضرر وكذلك
الميزاب قال المؤيد باللّه ويجوز تضييق
النافذة المسبلة بما لا ضرر فيه لمصلحة عامة
باذن الإمام. وكذلك يجوز تضييق هوائها
بالأولى وإلى مثل ما ذهب إليه المؤيد ذهب
الهادوية وقالوا يجوز أيضا التضيق لمصلحة خاصة
في الطرق المشروعة بين الأملاك. |