نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ط مكتبة الدعوة الإسلامية

كتاب الوكالة
باب ما يجوز التوكيل فيه من العقود وإيفاء الحقوق وأخراج الزكوات واقامة الحدود وغير ذلك

1 - قال أبو رافع‏:‏ ‏"‏استسلف النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بكرا فجاءت إبل

 

ج / 5 ص -268-       الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره‏"‏‏.‏
2 - وقال ابن أبي أوفى‏:‏ ‏"‏أتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بصدقة مال أبي فقال
اللّهم صل علي آل أبي أوفي‏"‏‏.‏
3 - وقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏إن الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملا موفرا طيبة به نفسه حتى يدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين‏"‏‏.‏
4 - وقال‏:‏ ‏"‏واغديا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها‏"‏‏.‏
5 - وقال علي عليه السلام‏:‏ ‏"‏أمرني النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن أقوم على بدنه وأقسم جلودها وجلالها‏"‏‏.‏ 6 - وقال أبو هريرة‏:‏ ‏"‏وكلني النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في حفظ زكاة رمضان وأعطى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عقبة بن عامر غنما يقسمها بين أصحابه‏"‏‏.‏
هذه الأحاديث لم يذكر المصنف في هذا الموضع من خرجها‏.‏ وحديث أبي رافع قد تقدم في باب استقراض الحيوان من كتاب القرض وأورده ههنا للاستدلال به على جواز التوكيل في قضاء القرض‏.‏ وحديث ابن أبي أوفى تقدم في باب تفرقة الزكاة في بلدها من كتاب الزكاة وذكره المصنف ههنا للاستدلال به على جواز توكيل صاحب الصدقة من يوصلها إلى الامام‏.‏ وحديث الخازن ذكره المصنف في باب العاملين على الصدقة من كتاب الزكاة وسيذكر الأحاديث الواردة في تصرف المرأة في مال زوجها والعبد في مال سيده والخازن في مال من جعله خازنا في آخر كتاب الهبة والعطية‏.‏ وذكر حديث الخازن ههنا للاستدلال به على جواز التوكيل في الصدقة لقوله فيه ‏"‏الذي يعطي ما أمر به كاملا‏"‏ وقوله ‏"‏اغديا أنيس‏"‏ سيأتي في كتاب الحد ودوفيه دليل على أنه يجوز للامام توكيل من يقيم الحد على من وجب عليه‏.‏ وحديث علي عليه السلام تثدم في باب الصدقة بالجلود من أبواب الضحايا والهدايا وفيه دليل على جواز توكيل صاحب الهدى لرجل أن يقسم جلودها وجلالها‏.‏ وحديث أبي هريرة هو في صحيح البخاري وغيره وقد أورده في كتاب الوكالة وبوب عليه باب إذا وكل رجل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز وان أقرضه إلى أجل مسمى جاز وذكر فيه مجيء السارق إلى أبي هريرة وأنه شكا إليه الحاجة فتركه يأخذ فكأنه أسلفه إلى أجل وهو وقت أخراج زكاة الفطر‏.‏ وحديث عقبة بن عامر تقدم في باب السن الذي يجزيء في الأضحية وفيه دليل على جواز التوكيل في قسمة الضحايا‏.‏
- وهذه الأحاديث - تدل على صحة الوكالة وهي بفتح الواو وقد تكسر التفويض والحفظ تقول وكلت فلانا إذا استحفظته ووكلت الأمر إليه بالتخفيف

 

ج / 5 ص -269-       إذا فوضته إليه وهي في الشرع إقامة الشخص غيره مقام نفسه مطلقا وقد استدل على جواز الوكالة من القرآن بقوله تعالى ‏{فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ‏}‏ وقوله تعالى ‏{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ}‏ وقد دل على جوازها أحاديث كثيرة منها ما ذكر المصنف في هذا الكتاب وقد أورد البخاري في كتاب الوكالة ستة وعشرين حديثا ستة معلقة والباقية موصولة‏.‏ وقد حكى صاحب البحر الإجماع على كونها مشروعة وفي كونها نيابة أو ولاية وجهان فقيل نيابة لتحريم المخالفة وقيل ولاية لجواز المخالفة إلى الأصلح كالبيع بمعجل وقد أمر بمؤجل‏.‏
7 - وعن سليمان بن يسار‏:‏ ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحرث وهو بالمدينة قبل أن يخرج‏"‏‏.‏ رواه مالك في الموطأ‏.‏ وهو دليل على أن تزوجه بها سبق احرامه وأنه خفي على ابن عباس‏.‏
8 - وعن جابر قال‏:‏ ‏"‏أردت الخروج إلى خيبر فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
"إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته‏"‏‏.‏ رواه أبو داود والدارقطني‏.‏
9 - وعن يعلى بن أمية عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏
‏"‏إذا أتتك رسلي فاعطهم درعا وثلاثين بعيرا فقال له العارية مؤداة يا رسول اللّه قال نعم‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود وقال فيه ‏"‏قلت يا رسول اللّه عارية مضمومة أو عارية مؤداة قال بل مؤداة‏"‏‏.‏
الحديث الأول أخرجه أيضا الشافعي وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وقد أعله ابن عبد البر بالإنقطاع بين سليمان بن يسار وأبي رافع لأنه لم يسمع منه وتعقب بأنه قد وقع التصريح بسماعه في تاريخ ابن أبي خيثمة نزول الأبطح ورجح ابن القطان اتصاله ورجح ان مولد سليمان سنة سبع وعشرين ووفاة أبي رافع سنة ست وثلاثين فيكون سنه عند موت أبي رافع ثمان سنين وقد تقدم الكلام على زواجه صلى اللّه عليه وآله وسلم بميمونة واختلاف الأحاديث في ذلك في كتاب الحج في باب ما جاء في نكاح المحرم وفيه دليل على جواز التوكيل في عقد النكاح من الزوج والحديث الثاني علق البخاري طرفا منه في الخمس وحسن الحافظ في التلخيص إسناده ولكنه من حديث محمد بن إسحاق قوله فإن ابتغى منك آية علامة‏.‏ قوله ترقوته بفتح المثناة من فوق وضم القاف وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجانبين‏.‏
- وفي الحديث - دليل على صحة الوكالة وإن الامام له أن يوكل ويقيم عاملا على الصدقة في قبضها وفي دفعها إلى مستحقها وإلى من يرسله إليه بإمارة‏.‏ وفيه أيضا دليل على جواز العمل بالأمارة أي العلامة وقبول قول الرسول إذا عرف المرسل إليه صدقه وهل يجب الدفع إليه قيل لا يجب لأن الدفع

 

ج / 5 ص -270-       إليه غير مبرئ لاحتمال أن ينكر الموكل أو المرسل إليه وبه قال الهادي واتباعه وقيل يجب مع التصديق بأمارة أو نحوها لكن له الامتناع من الدفع إليه حتى يشهد عليه بالقبض وبه قال أبو حنيفة ومحمد‏.‏
- وفي الحديث - أيضا دليل على استحباب اتخاذ علامة من الوكيل موكله لا يطلع عليها غيرهما ليعتمد الوكيل عليها في الدفع لأنها أسهل من الكتابة فقد لا يكون أحدهما ممن يحسنها ولان الخط يشتبه‏.‏
والحديث الثالث أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص‏.‏ وقال ابن حزم أنه أحسن ما ورد في هذا الباب وقد ورد في معناه أحاديث يأتي ذكرها في العارية عند الكلام على حديث صفوان إن شاء اللّه وفيه دليل على جواز التوكيل من المستعير لقبض العارية‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏العارية مؤداة‏"‏ سيأتي الكلام على هذا في العارية إن شاء اللّه تعالى‏.‏

باب من وكل في شراء شيء فاشترى بالثمن أكثر منه وتصرف في الزيادة
1 - عن عروة بن أبي الجعد البارقي‏:‏ ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعطاه دينارا ليشتري به له شاة فاشترى له به شاتين فباع أحدهما بدينار وجاءه بدينار وشاة فدعا له بالبركة في بيعه وكان لو اشترى التراب لربح فيه‏"‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري وأبو داود‏.‏
2 - وعن حبيب بن أبي ثابت عن حكيم بن حزام‏:‏ ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعثه ليشتري له أضحية بدينار فاشترى أضحية فاربح فيها دينارا فاشترى أخرى مكانها فجاء بالأضحية والدينار إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال
ضح بالشاة وتصدق بالدينار‏"‏‏.‏ رواه الترمذي وقال لانعرفه الا من هذا الوجه وحبيب بن أبي ثابت لم يسمع عندي من حكيم‏.‏ ولأبي داود نحوه من حديث أبي حصين عن شيخ من أهل المدينة عن حكيم‏.‏
الحديث الأول أخرجه أيضا الترمذي وابن ماجه والدارقطني‏.‏ وفي إسناد من عدا البخاري سعيد بن زيد أخو حماد وهو مختلف فيه عن أبي لبيد لمازة بن زبار‏.‏ وقد قيل أنه مجهول لكنه قال الحافظ أنه وثقه ابن سعد‏.‏ وقال حرب سمعت أحمد يثني عليه‏.‏ وقال في التقريب أنه ناصبي جلد‏.‏ قال المنذري والنووي إسناده صحيح لمجيئه من وجهين وقد رواه البخاري من طريق ابن عيينة عن شبيب بن غرقد سمعت الحي يحدثون عن عروة ورواه الشافعي عن ابن عيينة وقال إن صح قلت به‏.‏ ونقل المزني عنه أنه ليس بثابت عنده قال البيهقي إنما ضعفه لأن الحي غير معروفين وقال في موضع آخر هو مرسل لأن شبيب بن غرقد لم يسمعه من عروة وإنما سمعه من الحي وقال الرافعي هو مرسل قال الحافظ الصواب أنه متصل في إسناده مبهم‏.‏ والحديث

 

ج / 5 ص -271-       الثاني منقطع في الطريق الأولى لعد سماع حبيب من حكيم وفي الطريق الثانية في إسناده مجهول قال الخطابي إن الخبرين معا غير متصلين لأن في أحدهما وهو خبر حكيم رجلا مجهولا لا يدرى من هو وفي خبر عروة إن الحي حدثوه وما كان هذا سبيله من الرواية لم تقم به الحجة‏.‏ وقال البيهقي ضعف حديث حكيم من أجل هذا الشيخ‏.‏
- وفي الحديثين - دليل على أنه يجوز للوكيل إذا قال له المالك اشتري بهذا الدينار شاة ووصفها ان يشتري به شاتين بالصفة المذكورة لأن مقصود الموكل قد حصل وزاد الوكيل خيرا ومثل هذا لو أمره أن يبيع شاة بدرهم فباعها بدرهمين أو بان يشتريها بدرهم فاشتراها بنصف درهم وهو الصحيح عند الشافعية كما نقله النووي في زيادات الروضة‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏فباع أحدهما بدينار‏"‏ فيه دليل على صحة بيع الفضولي وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه والشافعي في القديم وقواه النووي في الروضة وهو مروي عن جماعة من السلف منهم علي عليه السلام وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وإليه ذهبت الهادوية وقال الشافعي في الجديد وأصحابه والناصر إن البيع الموقوف والشراء الموقوف باطلان للحديث المتقدم في البيع أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏
‏"‏لا تبع ماليس عندك‏"‏ وأجابوا عن حديثي الباب بما فيهما من المقال وعلى تقدير الصحة فيمكن أنه كان وكيلا بالبيع بقرينة فهمها منه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وقال أبو حنيفة أنه يكون البيع الموقوف صحيحا دون الشراء والوجه أن الأخراج عن ملك المالك مفتقر إلى أذنه بخلاف الأدخال ويجاب بأن الأدخال للمبيع في الملك يستلزم الأخراج من الملك للثمن وروي عن مالك العكس من قول أبي حنيفة فإن صح فهو قوي لأن فيه جمعا بين الأحاديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏فاشترى أخرى مكانها‏"‏ فيه دليل على أن الأضحية لا تصير أضحية بمجرد الشراء وأنه يجوز البيع لا بدال مثل أو أفضل‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏وتصدق بالدينار‏"‏ جعل جماعة من أهل العلم هذا أصلا فقالوا من وصل إليه مال من شبهة وهو لا يعرف له مستحقا فإن يتصدق به‏:‏ ووجه الشبهة ههنا أنه لم يأذن لعروة في بيع الأضحية ويحتمل أن يتصدق به لأنه قد خرج عنه للقربة للّه تعالى في الأضحية فكره أكل ثمنها‏.‏

باب من وكل في التصديق بماله فدفعه إلى ولد الموكل
1 - عن معن بن يزيد قال ‏"‏كان أبي خرج بدنانير يتصدق لها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها‏.‏ فقال واللّه ما إياك أردت بها فخاصمه إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال
"لك مانويت يا يزيد ولك يا معن ما أخذت‏"‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏عند رجل‏"‏ قال في الفتح لم أقف على اسمه‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏فأتيته بها‏"‏ أي أتيت أبي بالدنانير المذكورة
قوله‏:‏ ‏"‏واللّه ما إياك أردت‏"‏ يعني لو أردت انك تأخذها لاعطيتك اياها من غير توكيل وكأنه كان يرى أن الصدقة على الولد لا تجزئ أو تجزيء ولكن الصدقة على الأجنبي أفضل‏.‏

 

ج / 5 ص -272-       قوله‏:‏ ‏"‏لك ما نويت‏"‏ أي أنك نويتت أن تتصدق بها على من يحتاج إليها وابنك محتاج فقد وقعت موقعها وإن كان لم يخطر ببالك أنه يأخذها ولابنك ما أخذ لأنه أخذها محتاجا إليها واستدل بالحديث على جواز دفع الصدقة إلى كل أصل وفرع ولو كان ممن تلزمه نفقته قال في الفتح ولا حجة فيه لأنها واقعة حال فاحتمل أن يكون معن كان مستقلا لا يلزم اباه نفقته والمراد بهذه الصدقة صدقة التطوّع لا صدقة الفرض فإنه قد وقع الإجماع على أنها لا تجزئ في الولد كما تقدم في الزكاة‏.‏ وفي الحديث جواز التوكيل في صرف الصدقة ولهذا الحكم ذكر المصنف هذا الحديث ههنا‏.‏