نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ط مكتبة الدعوة الإسلامية

كتاب المساقاة والمزارعة
1 - عن ابن عمر ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع‏"‏‏.‏ رواه الجماعة‏.‏ وعنه أيضا ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما ظهر على خيبر سألته اليهود أن يقرهم بها على أن يكفوه عملها ولهم نصف الثمرة فقال لهم "
نقركم بها على ذلك ما شئنا‏"‏ متفق عليه‏.‏ وهو حجة في أنها عقد جائز‏.‏ وللبخاري ‏"‏أعطى يهود خيبر أن يعملوها وبزرعوها وهم شطر ما يخرج منها‏"‏ ولمسلم وأبي داود والنسائي ‏"‏دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم ولرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم شطر ثمرها‏"‏ قلت وظاهر هذا أن البذر منهم وان تسمية نصيب العامل تغني عن تسمية نصيب رب المال ويكون الباقي له‏.‏
2 - وعن عمر ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عامل يهود خيبر على أن نخرجهم متى شئنا‏"‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري بمعناه‏.‏
3 - وعن ابن عباس ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم دفع خيبر ارضها ونخلها مقاسمة على النصف‏"‏‏.‏ رواه أحمد وابن ماجه‏.‏
4 - وعن أبي هريرة قال ‏"‏قالت الأنصار للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اقسم بيننا وبين أخواننا النخل قال
لا فقالوا تكفونا العمل ونشرككم في الثمرة فقالوا سمعنا وأطعنا‏"‏‏.‏ رواه البخاري
5- وعن طاوس أن معاذ بن جبل أكرى الأرض على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان على الثلث والربع فهو يعمل به إلى يومك هذا‏"‏‏.‏ رواه ابن ماجه‏.‏ قال البخاري وقال قيس بن مسلم

 

ج / 5 ص -273-       عن أبي جعفر قال ما بالمدينة أهل بيت الهجرة إلا يزرعون على الثلث والربع وزارع علي عيه السلام وسعد ابن مالك وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل علي وآل عمر‏.‏ قال وعامل عمر الناس على أن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا‏.‏
حديث ابن عباس رواه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن توبة وهو صدوق وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏ وحديث معاذ رجال إسناده رجال الصحيح ولكن طاوس لم يسمع من معاذ وفيه نكارة لأن معاذ مات في خلافة عمر ولم يدرك أيام عثمان قوله‏:‏كتاب المساقاة والمزارعة المساقاة ما كان في النخل والكرم وجميع الشجر الذي يثمر بجزء معلوم من الثمرة للأجير وإليه ذهب الجمهور وخصها الشافعي في قوله الجديد بالنخل والكرم وخصها داود بالنخل وقال مالك لا تجوز في الزرع والشجر ولا تجوز في البقول عند الجمع‏.‏ وروى عن ابن دينار أنه أجازها فيها - والحاصل - أن من قال أنها واردة على خلاف القياس قصرها على مورد النص ومن قال أنها واردة على القياس الحق بالمنصوص غيره‏.‏ والمزارعة مفاعلة من الزراعة قال المطرزي‏.‏ وقال صاحب الإقليد من الزرع‏.‏ والمخابرة مشتقة من الخبير على وزن العليم وهو الإكار بهمزة مفتوحة وكاف مشددة وراء مهملة وهو الزارع والفلاح الحراث وإلى هذا الاشتقاق ذهب أبو عبيد والأكثرون من أهل اللغة والفقهاء‏.‏ وقال آخرون هي مشتقة من الخبار بفتح الخاء المعجمة وتخفيف الباء الموحدة وهي الأرض الرخوة وقيل من الخبر بضم الخاء وهو النصيب من سمك أو لحم وقال ابن الأعرابي هي مشتقة من خبير لأن أول هذه المعاملة فيها‏.‏ وفسر أصحاب الشافعي المخابرة بأنها العمل على الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل‏.‏ وقيل أن المساقاة والمزارعة والمخابرة بمعنى واحد وإلى ذلك يشير كلام الشافعي فإنه قال في الأم في باب المزرعة وإذا دفع رجل إلى رجل أرضا بيضاء على أن يزرعها المدفوع إليه ما خرج منها من شيء فله منه جزء من الأجزاء فهذه المحاقلة والمخابرة والمزارعة التي ينهى عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم اه‏.‏ وإلى نحو ذلك يشير كلام البخاري وهو وجه للشافعية‏.‏ وقال في القاموس المزارعة المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها ويكون البذر من مالكها‏.‏ وقال المخابرة أن يزرع على النصف ونحوه اه‏.‏ قوله ‏"‏بشطر ما يخرج‏"‏ فيه جواز المزارعة بالجزء المعلوم من نصف أو ربع أو ثمن أو نحوها والشطر هنا بمعنى النصف وقد يأتي بمعنى النحو والقصد‏.‏ ومنه قوله تعالى ‏
{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}‏ أي نحوه قوله‏:‏ ‏"‏نقركم بها على ذلك ما شئنا‏"‏ المراد أنا نمكنكم من المقام إلى ان نشاء إخراجكم لأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان عازما على إخراجهم من جزيرة العرب كما أمر بذلك عند موته‏.‏

 

ج / 5 ص -274-       واستدل به على جواز المساقاة مدة مجهولة وبه قال أهل الظاهر وخالفهم الجمهور وتأولوا الحديث بأن المراد مدة العهد وأن لنا إخراجكم بعد إنقضائها ولا يخفى بعده‏.‏ وقيل أن ذلك كان في أول الأمر خاصة للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهذا يحتاج إلى دليل قوله‏:‏ ‏"‏ما بالمدينة أهل بيت هجرة‏"‏ الخ هذا الأثر أورده البخاري ووصله عبد الرزاق قوله‏:‏ ‏"‏وزارع علي عليه السلام‏"‏ الخ أما أثر علي عليه السلام فوصله ابن أبي شيبة وأما أثر عمر بن عبد العزيز فوصله ابن أبي شيبة أيضا‏.‏ وأما أثر القاسم وهو ابن محمد بن أبي بكر فوصله عبد الرزاق‏.‏ وأما أثر عروة وهو ابن الزبير فوصله ابن أبي شيبة‏.‏ وأما أثر آل أبي بكر وآل علي وآل عمر فوصله ابن أبي شيبة أيضا وعبد الرزاق‏.‏ وأما أثر عمر في معاملة الناس فوصله ابن أبي شيبة أيضا والبيهقي وقد ساق البخاري في صحيحه عن السلف غير هذه الآثار ولعله أراد بذكرها الإشارة إلى أن الصحابة لم ينقل عنهم الخلاف في الجواز خصوصا أهل المدينة‏.‏
وقد تمسك بالأحاديث المذكورة في الباب جماعة من السلف‏.‏ قال الحازمي روى عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه وعبد اللّه بن مسعود وعمار بن ياسر وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وابن شهاب الزهري ومن أهل الرأي أبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن فقالوا تجوز المزارعة والمساقاة بجزء من الثمر أو الزرع قالوا ويجوز العقد على المزارعة والمساقاة مجتمعتين فتساقيه على النخل وتزارعه على الأرض كما جرى في خيبر ويجوز العقد على كل واحدة منهما منفردة وأجابوا عن الأحاديث القاضية بالنهي عن المزارعة بأنها محمولة على التنزيه وقيل أنها محمولة على ما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها معينة‏.‏ وقال طاوس وطائفة قليلة لا يجوز كراء الأرض مطلقا لا بجزء من الثمر والطام ولا بذهب ولا بفضة ولا بغير ذلك وذهب إليه ابن حزم وقواه واحتج له بالأحاديث المطلقة في ذلك وستأتي وقال الشافعي وأبو حنيفة والعترة وكثيرون أنه يجوز كراء الأرض بكل ما يجوز أن يكون ثمنا في المبيعات من الذهب والفضة والعروض بالطعام سواء كان من جنس ما يزرع في الأرض أو غيره لا يجزء من الخارج منها وقد أطلق ابن المنذر أن الصحابة أجمعوا على جواز كراء الأرض بالذهب والفضة ونقل ابن بطال اتفاق فقهاء الأمصار عليه وتمسكوا بما سيأتي من النهي عن المزارعة بجزء من الخارج وأجابوا عن أحاديث الباب بأن خيبر فتحت عنوة فكان أهلها عبيدا له صلى اللّه عليه وآله وسلم فما أخذه من الخارج منها فهو له وما تركه فهو له وروى الحازمي هذا المذهب عن عبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن عباس ورافع بن خديج وأسيد بن حضير وأبي هريرة ونافع قال وإليه ذهب مالك والشافعي ومن الكوفيين أبو حنيفة اهـ‏.‏ وقال مالك أنه يجوز كراء الأرض بغير طعام والثمر لأبهما لئلا يصير من بيع الطعام بالطعام وحمل النهي على ذلك هكذا حكى عنه صاحب الفتح‏.‏ قال ابن المنذر ينبغي أن يحمل ما قاله مالك على ما إذا كان المكري به من الطعام جزأ مما يخرج منها فأما إذا اكتراها

 

ج / 5 ص -275-       بطعام معلوم في ذمة المكتري أو بطعام حاضر يقضيه المالك فلا مانع من الجواز‏.‏ وقال أحمد بن حنبل يجوز إجارة الأرض بجزء من الخارج منها إذا كان البذر من رب الأرض حكى ذلك عن الحازمي وأعلم أنه قد وقع لجماعة ولا سيما من المتأخرين في نقل المذاهب في هذه المسألة حتى أفضي ذلك إلى أن بعضهم يروي عن العالم الواحد الأمرين المتناقضين وبعضهم يروي قولا لعالم آخر ويروي عنه نقيصة ولا جرم فالمسألة باعتيار اختلاف المذاهب فيها وتعيين راجحها من مرجوحها من المعضلات وقد جمعت فيها رسالة مستقلة وسيأتي تحقيق ما هو الحق وتفصيل بعض المذاهب والإشارة إلى حجة كل طائفة ودفعها‏.‏

باب فساد العقد إذا شرط أحدهما لنفسه التبن أو بقعة بعينها ونحوه
1 - عن رافع بن خديج قال ‏"‏كنا أكثر الأنصار حقلا فكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك فأما الورق فلم ينهنا‏"‏‏.‏
أخرجاه‏.‏ وفي لفظ ‏"‏كنا أكثر أهل الأرض مزدرعا كنا نكري الأرض بالناحية منها تسمى لسيد الرض قال فربما يصاب ذلك وتسلم الأرض وربما تصاب الأرض ويسلم ذلك فنهينا فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ‏"‏ رواه البخاري‏.‏ وفي لفظ ‏"‏قال إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بما على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا ويسلم هذا ويهلك هذا ولم يكن للناس كرى إلا هذا فلذلك زجر عنه فأما لاشيء معلوم مضمون فلا بأس به‏"‏ رواه مسلم وأبو داود والنسائي‏.‏ وفي رواية عن رافع ‏"‏قال حدثني عمامي أنهما كانا يكريان الأرض على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بما ينبت على الأربعاء وبشيء يستثنيه صاحب الأرض قال فنهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ذلك‏"‏ رواه أحمد والبخاري والنسائي‏.‏ وفي رواية عن رافع ‏"‏أن الناس كانوا يكرون المزارع في زمان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بالماذيانات وما يسقي الربيع وشيء من التبن فكره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كرى المزارع بهذا ونهى عنها‏"‏ رواه أحمد‏.‏
قوله ‏"‏حقلا‏"‏ أي أهل مزارعة قال في القاموس المحاقل المزارع والمحاقلة بيع الزرع قبل بدو صلاحه أو بيعه في سنبله بالحنطة أو المزارعة بالثلث والربع أو أقل أو أكثر وإكراء الأرض بالحنطة اه قوله ‏"‏فنهانا عن ذلك‏"‏ أي عن كري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه‏.‏

 

ج / 5 ص -276-       فيصلح التمسك بهذا المذهب من قال أن النهي عنه إنما هو هذا النوع ونحوه من المزارعة‏.‏ وقد حكى في الفتح عن الجمهور أن النهي محمول على الوجه المفضي إلى الغرر والجهالة لا عن إكرائها مطلقا حتى بالذهب والفضة قال ثم اختلف الجمهور في جواز إكرائها بجزء مما يخرج منها فمن قال بالجواز حمل أحاديث النهي على التنزيه قال ومن لم يجز إجارتها بجزء مما يخرج قال النهي عن كرائها محمول علىما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها أو شرط ما ينبت على النر لصاحب الأرض لما في كل ذلك من الغرر والجهالة اه قوله‏:‏ ‏"‏فأما الورق فلم ينهنا‏"‏ لا منافاة بين هذه الرواية وبين الرواية الثانية أعني قوله فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ لأن عدم النهي عن الورق لا يستلزم وجوده ولا وجود المعاملة به وفي رواية عن نافع عند البخاري أنه قال ليس بها بأس بالدينار والدرهم‏.‏ قال في الفتح يحتمل أن يكون رافع قال ذلك باجتهاده ويحتمل أن يكون علم ذلك بطريق التنصيص على جوازه أو علم أن النهي عن كري الأرض ليس على إطلاقه بل بما إذا كان بشيء مجهول ونحو ذلك فاستنبط من ذلك جواز الكري بالذهب والفضة ويرجح كونه مرفوعا بما أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عنه قال ‏"‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة وقال إنما يزرع ثلاثة رجل له ارض ورجل منح أرضا ورجل اكترى أرضا بذهب أو فضة‏"‏ لكن بين النسائي كم وجه آخر أن المرفوع منه النهي عن المحاقلة والمزابنة وأن بقيته مدرج من كلام سعيد بن المسيب‏.‏ وقد أخرج أبو داود والنسائي ما هو أظهر في الدلالة على الرفع من هذا وهو حديث سعد بن أبي وقاص الآتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏بما على الماذيانات‏"‏ بذال معجمة مكسورة ثم مثناة تحتية ثم ألف ثم نون ثم ألف ثم مثناة فوقية هذا هو المشهور‏.‏ وحكى القاضي عياض عن بعض الرواة فتح الذال في غير صحيح مسلم وهو ما ينبت على حافة النهر ومسايل الماء وليست عربية لكنها سوادية وهي في الأصل مسايل المياه فتسمية لنا بت عليها باسمها كما وقع في بعض الروايات بلفظ يؤاجرون على الماذيانات مجاز مرسل والعلاقة المجاورة أو الحالية والمحلية قوله‏:‏ ‏"‏وإقبال الجادول‏"‏ بفتح الهمزة وسكون القاف وتخفيف الموحدة أي أوائل‏.‏ والجداول السواقي جمع جدول وهو النهر الصغير قوله‏:‏ ‏"‏واشياء من الزرع‏"‏ يعني مجهول المقدار ويدل على ذلك قوله في آخر الحديث فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به قوله‏:‏ ‏"‏فيهلك‏"‏ بكسر اللام أي فربما يهلك‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏زجر عنه‏"‏ على البناء للمجهول أي نهى عنه وذلك لما فيه من الغرر المؤدي إلى التشاجر وأكل أموال الناس بالباطل قوله‏:‏ ‏"‏على الأربعاء‏"‏ جمع ربع وهو النهر الصغير كنبي وأنبياء ويجمه أيضا ربعان كصبي وصبيان‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏يستثنيه‏"‏ من الاستثناء كأنه يشير إلى استثناء الثلث والربع كذا قال في الفتح واستدل على أن هذا هو المراد برواية أخرى ذكرها البخاري ولكنه ينافي هذا التفسير قوله في الرواية الأولى ‏"‏فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به‏"‏ وهذا الحديث يدل على تحريم المزارعة على ما يفضي إلى الغرر والجهالة ويوجب المشاجرة وعليه تحمل الأحاديث الواردة في النهي عن المخابرة كما هو شأن حمل المطلق على المقيد ولا يصح حملها على المخابرة التي فعلها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في خيبر لما ثبت من أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم

 

ج / 5 ص -277-       استمر عليها إلى موته واستمر على مثل ذلك جماعة من الصحابة ويؤيد هذا تصريح رافع في هذا الحديث بجواز المزارعة على شيء معلوم مضمون ولا يشكل على جواز المزارعة بجزء معلوم حديث أسيد بن ظهير الآتي فإن النهي فيه ليس بمتوجه إلى المزارعة بالنصف والثلث والربع فقط بل إلى ذلك مع اشتراط ثلاث جداول والقصارة وما يسقى الربيع ولا شك أن مجموع ذلك غير المخابرة التي أجازها صلى اللّه عليه وآله وسلم وفعلها في خيبر نعم حديث رافع عند أبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ ‏"‏من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها ولا يكارها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمي‏"‏ وكذلك حديثه أيضا عند أبي داود بإسناد فيه بكر بن عامر البجلي الكوفي وهو متكلم فيه ‏"‏قال أنه زرع أرضا فمر به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو يسقيها فسأله لمن الزرع ولمن الأرض فقال زرعي ببذري وعملي ولي الشطر ولبنى فلان الشطر فقال أربيتما فرد الأرض على أهلها وخذ نفقتك‏"‏ ومثله حديث زيد بن ثابت عند أبي داود قال ‏"‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن المخابرة قلت وما المخابرة قال أن يأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع‏"‏ فيها دليل على المنع من المخابرة بجزء معلوم ومثل هذه الأحاديث حديث أسيد الآتي على فرض أنه نهى عن المزارعة بجزء معلوم وعدم تقييده بما فيه من كلام أسيد كما سيأتي ولكنه لا سبيل إلى جعلها ناسخة لما فعله صلى اللّه عليه وآله وسلم في خيبر لموته وهو مستمر على ذلك وتقريره لجماعة من الصحابة عليه ولا سبيل إلى جعل هذه الأحاديث المشتملة على النهي منسوخة بفعله صلى اللّه عليه وآله وسلم لصدور النهي عنه في أثناء مدة معاملته ورجوع جماعة من الصحابة إلى رواية من روى النهي والجمع ما أمكن هو الواجب وقد أمكن هنا بحمل النهي على معناه المجازي وهو الكراثة ولا يشكل على هذا قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏"‏أربيتما‏"‏ في حديث رافع المذكور وذلك بأن يقال قد وصف النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم هذه المعاملة بأنها ربا والربا حرام بالإجماع فلا يمكن الجمع بالكراهة لانا نقول الحديث لا ينتهض للاحتجاج به للمقال الذي فيه ولا سيما مع معارضته للأحاديث الصحيحة الثابتة من طرق متعددة الواردة بجواز المعاملة بجزء معلوم وكيف يصح أن يكون ذلك ربا وقد مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ومات عليه جماعة من أجلاء الصحابة بل يبعد أن يعامل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم المعاملة المكروهة وبموت عليها ولكنه ألجأنا إلى القول بذلك الجمع بين الأحاديث وهذا ما نرجحه في هذه المسألة ولا يصح الأعتذار عن الأحاديث القاضية بالجواز بأنها مختصة به صلى اللّه عليه وآله وسلم لما تقرر من أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا نهى عن شيء نهيا مختصا بالأمة وفعل ما يخالفه كان ذلك الفعل مختصا به لانا نقول أولا النهي غير مختص بالأمة وثانيا أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قرر جماعة من الصحابة على مثل معاملته في خيبر إلى عند موته‏.‏ وثالثا أنه قد استمر على ذلك بعد موته صلى اللّه عليه وآله وسلم جماعة من أجلاء الصحابة ويبعد كل البعد أن يخفى عليهم مثل هذا ومن أوضح ما استدل به على كراهة المزارعة بجزء معلوم حديث ابن عباس الآتي‏.‏
2 - وعن أسيد بن ظهير قال‏:‏ ‏"‏كان أحدنا إذا استغنى عن أرضه أو افتقر إليه أعطاها بالنصف والثلث والربع ويشترط ثلاث

 

ج / 5 ص -278-       جداول والقصارة وما يسقى الربيع وكان يعمل فيها عملا شديدا ويصيب منها منفعة فاتانا رافع بن خديج فقال نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن أمر كان نافعا وطاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خير لكم نهاكم عن الحقل‏"‏‏.‏ رواه أحمد وابن ماجه والقصارة بقية الحب في السنبل بعدما يداس‏.‏
الحديث أخرجه أيضا أبو داود والنسائي بدون كلام أسيد بن ظهير ورجال إسناد الحديث رجال الصحيح‏.‏ قوله ‏"‏والقصارة‏"‏ قال في القاموس والقصارة بالضم والقصرى بالكسر والقصر والقصرة محركتين والقصرى كبشرى ما يبقى في المنخل بعد الأنتخال أو ما يخرج من القت بعد الدوسة الأولى والقشرة العليا من الحبة اه‏.‏ قوله ‏"‏عن الحقل‏"‏ بفتح الحاء المهملة واسكان القاف أصله كما قال الجوهري الحقل الزرع إذا تشعب ورقه قبل أن تغلظ سوقه فالحقل القراح الطيب يعني من الأرض الصالحة للزراعة والمحاقل مواضع الزراعة كما أن المزارع مواضعها‏.‏ وقد بين البخاري المحاقل التي نهى عنها صلى اللّه عليه وآله وسلم من رواية رافع قال فيه ‏"‏ماتصنعون بمحاقلكم قالوا نؤاجرها على الربع وعلى الأوسق من التمر والشعير قال لا تفعلوا‏"‏‏.‏
والحديث يدل على عدم جواز مطلق المزارعة ولكنه ينبغي أن يقيد بما في أوله من كلام أسيد من ضم الأشتراط المقتضي للفساد وعلى فرض عدم تقييده بذلك فيحمل على كراهة التنزيه لما أسلفنا‏"‏‏.‏
3 - وعن جابر قال‏:‏ ‏"‏كنا نخابر على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فنصيب من القصرى ومن كذا ومن كذا فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
"من كان له أرض فليزرعها وليحرثها أخاه وإلا فليدعها‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم والقصرى القصارة‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏والقصرى‏"‏ قد سبق ضبطه وتفسيره‏.‏ قوله ‏"‏فليزرعها‏"‏ بفتح التحتية والراء أي بنفسه قوله‏:‏ ‏"‏أو ليحرثها‏"‏ بضم التحتية وكسر الراء أي يجعلها مزرعة لاخيه بلا عوض وذلك بأن يعيره أياها ويشهد لهذا المعنى الرواية الآتية بلفظ
‏"‏لان يمنح أحدكم أخاه‏"‏ أي يجعلها منحة له والمنحة العارية وفيه دليل على المنع من مؤاجرة الأرض مطلقا لقوله ‏"‏وإلا فليدعها‏"‏ ولكن ينبغي أن يحمل هذا المطلق على المقيد بما سلف في حديث رافع أو يكون الأمر للندب فقط لما أسلفنا ولما سيأتي وقد كره بعض العلماء تعطيل الأرض عن الزراعة لأن فيه تضييع المال وقد نهى صلى اللّه عليه وآله وسلم عن اضاعة المال وقدم في هذا الحديث زراعة الأرض من المالك بنفسه لما في ذلك من الفضيلة فإن الاشتغال بالعمل فيها والاستغناء عن الناس بما يحصل من القرب العظيمة مع ما في ذلك من الأشتغال عن الناس والتنزه عن مخالطتهم التي هي لا سيما في مثل هذا الزمان سم قاتل وشغل عن

 

ج / 5 ص -279-       الرب جل جلاله شاغل إذا لم يكن في الاقبال على الزراعة تثبط عن شيء من الأمور الواجبة كالجهاد وقد أورد البخاري في صحيحه حديثا في فضل الزرع والغرس وترجم عليه باب فضل الزرع والغرس وروه مسلم من حديث أنس‏.‏
4 - وعن سعد بن أبي وقاص ‏"‏أن أصحاب المزارع في زمن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كانوا يكرون مزارعهم بما يكون على السواقي وما سعد بالماء مما حول النبت فجاؤا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فاختصموا في بعض ذلك فنهاهم أن يكروا بذلك وقال أكروا بالذهب والفضة‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود والنسائي وما ورد من النهي المطلق عن المخابرة والمزارعة يحمل على مافيه مفسدة كما يبنته هذه الأحاديث أويحمل على اجتنابها ندبا واستحبابا فقد جاء ما يدل على ذلك فروى عمرو بن دينار قال قلت لطاوس لو تركت المخابرة فانهم يزعمون أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عنها فقال أن أعلمهم يعني ابن عباس أخبرني ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم ينه عنها وقال
"لان يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما‏"‏ رواه أحمد والبخاري وابن ماجه وأبو داود‏.‏
5 - وعن ابن عباس ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يحرم المزارعة ولكن أمر أن يرفق بعضهم بعض‏"‏ رواه الترمذي وصححه‏.‏
6 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"من كانت له أرض فليزرعها أو ليحرثها أخاه فإن أبى فليمسك أرضه‏"‏‏.‏ أخرجاه بالإجماع تجوز الأجارة ولا تجب الأعارة فعلم أنه أراد الندب‏.‏
- حديث سعد سكت عنه أبو داود والمنذري‏.‏ قال في الفتح ورجاله ثقات الا أن محمد بن عكرمة المخزومي لم يرو عنه الا إبراهيم بن سعد‏.‏ قوله ‏"‏وما سعد‏"‏ بفتح السين وكسر العين المهملتين قيل معناه بما جاء من الماء سيحا لا يحتاج إلى ساقية وقيل معناه ما جاء من الماء من غير طلب‏.‏ وقال الأزهري والسعيد النهر مأخوذ من هذا وسواعد النهر التي تنصب إليه مأخوذة من هذا وفي رواية ما صعد بالصاد بدل السين أي ما ارتفع من النبت بالماء دون ما سفل منه قوله‏:‏ ‏"‏بالذهب والفضة‏"‏ فيه رد على طاوس حيث كره اجارة الأرض بالذهب والفضة كما روى عنه مسلم والنسائي عن طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قال كان طاوس يكره أن يؤاجر أرضه بالذهب والفضة ولا يرى بالثلث والربع بأسا فقال له مجاهدا ذهب إلى ابن رافع بن خديج فاسمع حديثه

 

ج / 5 ص -280-       عن أبيه فقال لو أعلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عنه لم أفعله ولكن حدثني من هو أعلم منه ابن عباس فذكر الحديث الذي ذكره المصنف‏.‏ وللنسائي أيضا من طريق عبد الكريم عن مجاهد قال أخذت بيد طاوس فأدخلته إلى ابن رافع ابن خديج فحدثه عن أبيه ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض فأبى طاوس وقال سمعت ابن عباس لا يرى بذلك بأسا‏"‏ وهذه الرواية عن طاوس تدل على أنه كان لا يمنع من كراء الأرض مطلقا وقد حكى صاحب الفتح عنه أنه يمنع مطلقا كما قدمنا‏.‏ واستدل بهذا الحديث من جوز كراء الأرض بالذهب والفضة وقد تقدم ذكرهم وألحقوا بهما غيرهما من الأشياء المعلومة لأنهم رأوا أن محل النهي فيما لم يكن معلوما ولا مضمونا وفي هذا الحديث أيضا رد على من منع كراء الأرض مطلقا كما تقدم‏.‏ قوله ‏"‏وما ورد من النهي‏"‏ الخ مثل حديث جابر عند أبي داود بلفظ ‏"‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول "من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من اللّه ورسوله‏"‏ وحديث زيد بن ثابت عند أبي داود قال ‏"‏نهى رسول اللّه عن المخابرة‏"‏ وقد تقدم‏.‏ ومثل حديث جابر أيضا عند مسلم وأبي داود وابن ماجه بلفظ ‏"‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة‏"‏ الحديث‏.‏ ومثل حديث ثابت من الضحاك عند مسلم ‏"‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن المزارعة‏"‏ وحديث رافع عند أبي داود ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض‏"‏ وأصله في الصحيحين ونحو هذه الأحاديث الواردة بالنهي على الأطلاق وقد ذكر المصنف في هذا الباب طرفا منها وأوردنا بعضا من ذلك فيما سلف وكلام المصنف هذا كلام حسن ولا بد من المصير إليه للجمع بين الأحاديث المختلفة وهو الذي رجحناه فيما سلف‏.‏ قوله ‏"‏لم ينه عنها‏"‏ هذا لا ينافي رواية من روى النهي عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم لأن المثبت مقدم على النافي ومن علم حجة على من لم يعلم ولكن قوله ‏"‏لأن يمنح أحدكم أخاه خير له‏"‏ الخ يصلح جعله قرينة لصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة كما سلف‏.‏ وقوله ‏"‏يمنح‏"‏ بفتح التحتية وسكون الميم وفتح النون بعدها حاء مهملة ويجوز كسر النون والمراد بجعلها منيحة أي عطية وعارية كما تقدم وهكذا يدل على أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم على حقيقته ما في الرواية الثانية عن ابن عباس من أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يحرم المزارعة ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض قوله‏:‏ ‏"‏فليزرعها أو ليحرثها‏"‏ قد تقدم الكلام على هذا قوله‏:‏ ‏"‏فليمسك أرضه‏"‏ قد قدمنا أن بعض العلماء كره تعطيل الأرض عن الزراعة لما ورد من النهي عن إضاعة المال وهذه الرواية والتي سلفت في حديث جابر يدلان على جواز ترك الأرض بغير زراعة وقد جمع بين الرواية القاضية بالنهي عن ذلك وبين ما هنا بحمل النهي عن الإضاعة على إضاعة عين المال أو المنفعة التي لا يخلفها منفعة والأرض إذا تركت بغير زرع لم تتعطل منفعتها فإنها تنبت من الحطب والحشيش وسائر الكلأ ما ينفع في الرعي وغيره وعلى تقدير أن لا يحصل ذلك فقد يكون التأخير للزرع عن الأرض اصلاحا لها فتخلف في السنة التي تليها ما لعله فات في سنة الترك وهذا كله ان حمل النهي على عمومه فاما لوحمل على ما كان مألوفا لهم من الكراء بجزء مما يخرج منها ولا سيما إذا كان غير معلوم فلا يستلزم ذلك تعطيل الانتفاع بها في

 

ج / 5 ص -281-       أبواب الإجارة
باب ما يجوز الاستئجار عليه من النفع المباح

1 - عن عائشة في حديث الهجرة قالت ‏"‏واستأجر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبو بكر من بني الديل هاديا خريتا والخريت الماهر بالهداية وهو على دين كفار قريش وأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال فاتاهما براحلتيمها صبيحة ليال ثلاث فارتحلا‏"‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏واستأجر‏"‏ الواو ثابتة في نفس الحديث الطويل لأن هذه القصة معطوفة على قصة قبلها وقد ساقها البخاري مستوفاة في الهجرة‏.‏ قوله ‏"‏الديل‏"‏ بالكسر للدال حي من عبد القيس ذكره صاحب القاموس في مادة دول وذكر في مادة دأل أنه يطلق على قبائل وأنه يأتي بفتح الدال وبضمها وكعنب قوله‏:‏ ‏"‏خريتا‏"‏ بكسر العجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة بفتح الهمزة وكسر الميم المخففة ضد الخيانة قوله‏:‏ ‏"‏غار ثور‏"‏ هو الغار المذكور في التنزيل وثور جبل بمكة وليس هو الجبل الذي في المدينة المذكور في الحديث الصحيح إن المدين حرام ما بين عير إلى ثور وقد سبق الاختلاف فيه في كتاب الحج ‏"‏والحديث‏"‏ فيه دليل على جواز استئجار المسلم للكافر على هداية الطريق إذا أمن إليه وقد ذكر البخاري هذا الحديث في كتاب الاجارة وترجم عليه باب استئجار المشركين عند الضرورة وإذا لم يوجد أهل الأسلام فكأنه أراد الجمع بين هذا وبين قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم
‏"‏أنا لا أستعين بمشرك‏"‏ أخرجه مسلم وأصحاب السنن قال ابن بطال الفقهاء يجيزون استئجارهم يعني المشركين عند الضرورة وغيرها لما في ذلك من الذلة لهم وإنما الممتنع أن يؤجر المسلم نفسه من المشرك لما فيه من الإذلال‏.‏
2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏"‏قال
ما بعث اللّه نبيا إلا رعى الغنم فقال أصحابه وأنت قال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة‏"‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري وابن ماجه، وقال سويد

 

ج / 5 ص -282-       ابن سعيد، يعني كل شاة بقيراط، وقال إبراهيم الحربي قراريط اسم موضع ".
" قوله على قراريط " في رواية ابن ماجه كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط وكذا رواه الإسماعيلي وقد صوب ابن الجوزي وابن ناصر لتفسير الذي ذكره إبراهيم الحربي لكن رجح تفسير سويد بأن أهل مكة لا يعرفون بها يقال له قراريط وقد روى النسائي من حديث نصر بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون قال ‏"‏افتخر أهل الإبل والغنم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"بعث موسى وهو راعي غنم وبعث داود وهو راعي غنم وبعثت أنا راعي غنم أهلي بجياد‏"‏ وزعم بعضهم أن في هذه الرواية ردا لتأويل سويد بن سعيد لأنه ما كان يرعى بالأجرة لأهله فيتعين أنه أراد المكان فعبر تارة بقراريط وتعقب بأنه لا مانع من الجمع وأنه كان يرعى لأهله بغير أجرة ولغيرهم بأجرة وهم المراد بقوله ‏"‏أهل مكة‏"‏‏.‏ ويؤيد تفسير سويد قوله على قراريط فإن المجيء بعلى يدل على ما قاله وينافي ذلك جعلها بمعنى الباء التي للسببية وأما جعلها بمعنى الباء التي للظرفية فبعيد‏.‏ قال العلماء الحكمة في الهام رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرين برعيها على ما سيكلفونه من اقيام بأمر أمتهم لأن في مخالطتهم ما يحصل الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفريقها في الرعي وتفريقها في الرعي ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق وعلموا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها وورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام به من أول وهلة لما يحصل لهم من التدرج وبذلك وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر دونها‏.‏
وفي الحديث دليل على جواز الإجارة على رعي الغنم ويلحق بها في الجواز غيرها من الحيوانات‏.‏
3 - وعن سويد بن قيس قال ‏"‏جلبت أنا ومخرمة العبدي بزامن هجر فأتينا به مكة فجائنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يمشي فساومنا سراويل فبعناه وثم رجل يزن بالأجر فقال له
زن وأرجح‏"‏‏.‏
رواه الخمسة وصححه الترمذي وفيه دليل على أن من وكل رجلا في إعطاء شيء لآخر ولم يقدر جاز ويحمل على ما يتعارفه الناس في مثله ويشهد لذلك حديث جابر في بيعه جملة ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
يا بلال إقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا‏"‏‏.‏ رواه البخاري ومسلم‏.‏
4 - وعن رافع بن رفاعة قال ‏"‏نهانا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن كسب الأمة

 

ج / 5 ص -283-       إلا ما عملت بيدها وقال هكذا بإصابعه نحو الخبز والغزل والنقش‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏
حديث سويد بن قيس سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرج نحوه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي صفوان بن عمير‏.‏ وقد تقدم في كتاب اللباس وحديث رافع بن رفاعة اسناده ثقات ولكنه قال أبو القاسم الدمشقي الحافظ في افشراق عقب هذا الحديث رافع هذا غير معروف وقال غيره هو مجهول وقد أخرجه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة لكن بدون قوله ‏"‏إلا ما عملت بيدها‏"‏ الخ قوله‏:‏ ‏"‏ومخرمة‏"‏ بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح الراء وهو حليف بني عبد شمس قوله‏:‏ ‏"‏بزا‏"‏ بفتح الباء الموحدة بعدها زاي مشددة وهو الثياب وهجر بفتح الهاء والجيم وهي مدينة قرب البحرين بينها وبينها عشر مراحل‏.‏ قوله ‏"‏سراويل‏"‏ معرب جاء على لفظ الجمع وهو واحد أشبه مالا ينصرف قوله‏:‏ ‏"‏بالأجر‏"‏ أي بالأجرة وفيه دليل على جواز الاستئجار على الوزن لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر الوزان أن يزن ثمن السراويل‏.‏ قال أصحاب الشافعي وأجرة وزان الثمن على المشتري كما أن أجرة وازن السلعة إذا احتيج إليه على البائع قوله‏:‏ ‏"‏وأرجح‏"‏ بفتح الهمزة وكسر الجيم أي أعطه راجحا وفيه وفي حديث جابر الذي بعده دليل على استحباب ترجيح المشتري في وزن الثمن ويقاس عليه ترجيح البائع في وزن المبيع أو كيله وفيهما أيضا دليل على جواز هبة المشاع وذلك لأن مقدار الرجحان هبة منه للبائع وهو غير متميز من الثمن وفيهما أيضا جواز التوكيل في الهبة المجهولة ويحمل على ما يتعارفه الناس كما قال المصنف وقد ذكر ههنا طرفا من حديث جابر وقد تقدم طرف منه في البيع قوله‏:‏ ‏"‏عن كسب الأمة‏"‏ الكسب في الأصل مصدر تقول كسبت المال أكسبه كسبا والمراد به ههنا المكسوب وفي الموطأ عن عثمان أنه خطب فقال لا تكلفوا الأمة غير ذات الصنعة فإنكم متى ما كلفتموها ذلك كسبت بفرجها ولا تكلفوا الصغير الكسب فإنه إذا لم يجد سرق‏.‏ وفي حديث ‏"‏أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن كسب الأمة مخافة أن تبغي‏"‏ وقد كانت الجاهلية تجعل عليهن ضرائب فيوقعهن ذلك في الزنا وربما أكرهوهن عليه فلما جاء الإسلام نهى عن ذلك ونزل قوله تعالى ‏
{وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}‏ الآية قوله‏:‏ ‏"‏وقال هكذا بأصابعه‏"‏ يعني الثلاث والخبز بفتح الخاء وسكون الباء بعدها زاي يعني عجن العجين وخبزه والغزل غزل الصوف والقطن والكتان والشعر وقد روى الطبراني في الأوسط عن عائشة قال‏:‏ ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن الغزل وسورة النور‏"‏ وفي إسناده محمد بن إبراهيم الشامي قال الدارقطني كذاب‏.‏ وأخرج الطبراني أيضا عن هند بنت المهلب بن أبي صفرة وهي امرأة الحجاج بن يوسف ان زياد بن عبد اللّه القرشي دخل عليها وبيدها مغزل تغزل به فقال لها تغزلين وأنت امرأة أمير فقالت سمعت أمي تحدث عن جدي قال‏:‏ ‏"‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول أطولكن طاقة أعظمكن أجرا‏"‏ والمراد بالطاقة طاقة الغزل من الكتان أو القطن وفي

 

ج / 5 ص -284-       إسناده يزيد بن مروان الخلال قال ابن معين كذاب‏.‏ قوله ‏"‏والنفش‏"‏ بفتح النون وسكون الفاء‏.‏ بعدها شين معجمة والمراد به نفش الصوف والشعر وندف القطن والصوف ونحو ذلك‏.‏ وفي رواية النقش بالقاف وهو التطريز‏.‏

باب ما جاء في كسب الحجام
1 - عن أبي هريرة ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن كسب الحجام ومهر البغى وثمن الكلب‏"‏‏.‏
رواه أحمد‏.‏
2 - وعن رافع بن خديج ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"كسب الحجام خبيث ومهر البغى خبيث وثمن الكلب خبيث‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه النسائي ولفظه ‏"‏شر المكاسب ثمن الكلب وكسب الحجام ومهر البغي‏"‏‏.‏
3 - وعن محيصة بن مسعود أنه ‏"‏كان له غلام حجام فزجره النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن كسبه فقال لا أطعمه أيتاما لى قال لا قال أفلا أتصدق به قال لا فرخص له أن يعلفه ناضحه‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏ وفي لفظ ‏"‏أنه استأذن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في إجارة الحجام فنهاه عنها ولم يزل يسأله فيها حتى قال أعلفه ناضحك أو أطعمه رفيقك‏"‏ رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن‏.‏
حديث أبي هريرة قال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح‏.‏ وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط وأخرجه ايضا الحازمي في الناسخ والمنسوخ بلفظ ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"من السحت مهر البغى وأجرة الحجام‏"‏ ويشهد له ما أخرجه الحازمي أيضا عن ابن مسعود عقبة بن عمرو قال ‏"‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن كسب الحجام‏"‏ وحديث رافع أخرجه أيضا مسلم وحديث محيصة أخرجه أيضا مالك وابن ماجه قال في الفتح ورجاله ثقات وأخرج نحوه أحمد في مسنده من حديث جابر ولفظه ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سئل عن الحجام فقال "أطعمه ناضحك‏"‏ وقال في مجمع الزوائد أنه أخرج محديث محيصة المذكور أهل السنن الثلاث باختصار والطبراني في الأوسط قال في مجمع الزوائد أيضا ورجال أحمد رجال الصحيح‏:‏ وقال في حديث جابر الذي ذكرناه أن رجاله رجال الصحيح‏.‏ قوله ‏"‏البغى‏"‏ بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد الياء فعيل بمعنى فاعلة أو مفعولة وهي الزانية ومنه قوله تعالى ‏{وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ‏}‏ أي على الزنا وأصل البغى الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل في طلب الفساد والزنا والمراد ماتكتسبه الأمة بالفجور لا بالصنائع الجائزة وقد قدمنا في أول كتاب البيع أنه مجمع على تحريم مهر البغى‏.‏ قوله ‏"‏وثمن

 

ج / 5 ص -285-       الكلب‏"‏ قد تقدم الكلام عليه في أول البيع وقد استدل بأحاديث الباب من قال بتحريم كسب الحجام وهو بعض أصحاب الحديث كما في البحر لأن النهي حقيقة في التحريم والخبيث حرام ويؤيد هذا تسمية ذلك سحتا كما في حديث أبي هريرة الذي ذكرناه وذهب الجمهور من العترة وغيرهم إلى انه حلال وأحتجوا بحديث أنس وابن عباس الآتيين وحملوا النهي على التنزيه لأن في كسب الحجام دناءة واللّه يحب معالي الأمور ولأن الحجامة من الاشياء التي تجب للمسلم على المسلم للاعانة له عند الأحتياج إليها ويؤيد هذا أذنه صلى اللّه عليه وآله وسلم لما سأله عن الجرة الحجامة أن يطعم منها ناضحه ورقيقه ولو كانت حراما لما جاز الانتفاع بها بحال‏.‏ ومن أهل هذا القول من زعم أن النهي منسوخ وجنح إلى ذلك الطحاوي وقد عرفت إن صحة النسخ متوقفة على العلم بتأخر الناسخ وعدم امكان الجمع بوجه والأول غير ممكن هنا والثاني ممكن بحمل النهي على كراهة التنزيه بقرينة أذنه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالانتفاع في بعض المنافع وبإعطائه صلى اللّه عليه وآله وسلم الأجر لمن حجمه ولو كان حراما لما مكنه منه ويمكن أن يحمل النهي عن كسب الحجام على ما يكتسبه من بيع الدم فقد كانوا في الجاهلية يأكلونه ولا يبعد ان يشتروه للأكل فيكون ثمنه حراما ولكن الجمع بهذا الوجه بعيد فتيعين المصير إلى الجمع بالوجه الأول ويبقى الإشكال في صحة إطلاق اسم الخبث والسحت على المكروه وتنزيها‏.‏ قال في القاموس الخبيث ضد الطيب وقال السحت بالضم وبضمتين الحرام أو ما خبث من المكاسب فلزم عنه العار انتهى وهذا يدل على جواز إطلاق اسم الخبث والسحت على المكاسب الدنية وإن لم تكن محرمة والحجامة كذلك فيزول الإشكال‏.‏ وجمع ابن العربي بين الأحاديث بأن محل الجواز إذا كانت الأجرة على عمل معلوم ومحل الزجر على ما إذا كانت على عمل مجهول‏.‏ وحكى صاحب الفتح عن أحمد وجماعة الفرق بين أخر والعبد فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة وقالوا يحرم عليه الانفاق على نفسه منها ويجوز له الانفاق على الرقيق والدواب منها وأباحوها للعبد مطلقا وعمدتهم حديث محيصة لأنه أذن له صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يعلف منه ناضحه‏.‏ والناضح اسم للبعير والبقرة التي ينطح عليها من البئر أو النهر ورواية الموطأ وأطعمه نضاحك بضم النون وتشديد الضاد جمع ناضح‏.‏ قال ابن حبيب النضاح الذين يسقون النخيل واحده ناضح من الغلمان ومن الأبل وإنما يفترقون في الجمع فجمع الأبل نواضح والغلمان نضاح‏.‏
4 - وعن أنس ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم احتجم حجمه أبو طيبة وأعطاه صاعين من طعام وكلم مواليه فحففوا عنه‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ وفي لفظ ‏"‏دعا غلاما منا حجمه فأعطاه أجره صاعا أو صاعين وكلم مواليه أن يخففوا عنه من ضريبته‏"‏ رواه أحمد والبخاري‏.‏
5 - وعن ابن عباس ‏"‏قال احتجم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأعطى الحجام

 

ج / 5 ص -286-       أجره ولو كان سحتا لم يعطه‏"‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري ومسلم‏.‏ ولفظه ‏"‏حجم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عبد لبني بياضة فأعطاه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أجره وكلم سيده فخفف عنه من ضريبته ولو كان سحتا لم يعطه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏‏.‏
قوله ‏"‏أبو طيبة‏"‏ بفتح الطاء المهملة وسكون التحتية بعدها موحدة واسمه نافع قوله‏:‏ ‏"‏وأعطاه صاعين من طعام‏"‏ في الرواية الأخرى صاعا أو صاعين‏.‏وفي رواية أبي داود ‏"‏فأمر له بصاع من تمر‏"‏ وفي رواية لمسلم ‏"‏فأمر له بصاع أو مد أو مدين‏"‏ على الشك قوله‏:‏ ‏"‏وكلم مواليه‏"‏ في رواية أبي داود ‏"‏فأمر أهله‏"‏ والمراد بمواليه ساداته وجمع لكونه كان مملوكا لجماعة كما يدل على ذلك رواية مسلم ‏"‏حجم النبي عبد لبنى بياضة‏"‏‏.‏ قوله ‏"‏فخفقوا عنه‏"‏ في الكلام حذف والتقدير كلم مواليه أن يخففوا عنه فخففوا عنه كما في الرواية الأخرى‏.‏ ولفظ أبي داود ‏"‏فأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه‏"‏ وفيه جواز للشفاعة للعبد إلى مواليه في تخفيف الخراج عنه قوله‏:‏ ‏"‏ولو كان سحتا‏"‏ قد تقدم ضبطه وتفسير معناه في شرح الأحاديث التي قبل هذا‏.‏ وفي رواية للبخاري ‏"‏لو علم كراهة لم يعطه‏"‏ يعني كراهة تحريم‏.‏ وفي رواية له أيضا ‏"‏ولو كان حراما لم يعطه‏"‏ وذلك ظاهر في الجواز ‏:‏قوله ‏"‏من ضريبته‏"‏ الضريبة تطلق على أمور منها غلة العبد كما في القاموس وهي بفتح المعجمة فعليه بمعنى مفعولة وجحعها ضرائب‏.‏ ويقال لها خراج وغلة وأجر ‏"‏والحديثان‏"‏ يدلان على أن أجرة الحجامة حلال وقد قدمنا الخلاف في ذلك وما هو الحق‏.‏

باب ما جاء في الأجرة على القرب
1 - عن عبد الرحمن بن شبل عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏"‏اقرؤا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
2 - وعن عمران بن حصين عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
‏"‏اقرؤا القرآن واسألوا اللّه به فإن من بعدكم قوما يقرؤن القرآن يسالون به الناس‏"‏‏.‏ رواه أحمد والترمذي‏.‏
3 - وعن أبي بن كعب قال ‏"‏علمت رجلا القرآن فأهدى لي قوسا فذكرت ذلك للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال
"إن أخذتها أخذت قوسا من نار فرددتها‏"‏‏.‏ رواه ابن ماجه‏.‏ ولأبي داود وابن ماجه نحو ذلك من حديث عبادة بن الصامت ‏"‏قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لعثمان بن أبي العاص "لا تتخذ مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا‏"‏‏.‏
أما حديث عبد الرحمن بن شبل فقال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات‏.‏ وأخرجه أيضا

 

ج / 5 ص -287-       البزار ويشهد له أحاديث‏.‏ منها حديث عمران بن حصين وأبي بن كعب المذكور أن الباب‏.‏ ومنها حديث جابر عند أبي داود قال ‏"‏خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والعجمي فقال "اقرؤا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه‏"‏ ومنها حديث سهل ابن سعد عند أبي داود أيضا وفيه ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال "اقرؤه قبل أن يقرأه قوم يقيمونه كما يقام السهم يتعجل أجره ولا يتأجله‏"‏ وأما حديث عمران بن حصين فقال الترمذي بعد اخراجه هذا حديث حسن ليس اسناده بذاك‏.‏ وأما حديث أبي ابن كعب فأخرجه أيضا البيهقي والروياني في مسنده قال البيهقي وابن عبد البر هو منقطع يعني بين عطية الكلاعي وأبي بن كعب‏.‏ وكذلك قال المزي وتعقبهم الحافظ بأن عطية ولد في زمن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأعله ابن القطان بالجهل بحال عبد الرحمن بن سلم الراوي عن عطية وله طرق عن أبي قال ابن القطان لا يثبت منها شيء قال الحافظ وفيما قال نظر وذكر المذى في ألأطراف له طرقا‏.‏ منها أن الذي أقرأه أبي هو الطفيل بن عمرو ويشهد له ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن الطفيل بن عمرو الدوسى قال ‏"‏أقرأني أبي بن كعب القرآن فأهديت إليه قوسا فغدا إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقد تقلدها فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تقلدها من جهنم قلت يا رسول اللّه انا ربما حضر طعامهم فأكلنا فقال أما ما عمل لك فإنما تأكله بخلاقك وأما ما عمل لغيرك فحضرته فأكلت منه فلا بأس‏"‏ وما أخرجه الأثرم في سننه عن أبي قال ‏"‏كنت أختلف إلى رجل مسن قد أصابته علة قد احتبس في بيته أقرئه القرآن فيؤتى بطعام لا آكل مثله بالمدينة فحاك في نفسي شيء فذكرته للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال "إن كان ذلك الطعام طعامه وطعام أهله فكل منه وإن كان بحقك فلا تأكل‏"‏ وأما حديث عبادة الذي أشار إليه المصنف فلفظه ‏"‏قال علمت ناسا من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إليّ رجل منهم قوسا فقلت ليس بمال وارمي عليها في سبيل اللّه عز وجل لأتينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فلا سألته فأتيته فقلت يا رسول اللّه إنه رجل أهدى إليّ قوسا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمى عليها في سبيل اللّه فقال "إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها‏"‏ وفي إسناده المغيرة بن زياد أبو هاشم الموصلي وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وتكلم فيه جماعة‏.‏ وقال الإمام أحمد ضعيف الحديث حدث بأحاديث مناكير وكل حديث رفعه فهو منكر‏.‏ وقال أبو زرعة الرازي لا يحتج بحديثه ولكنه قد روي عن عبادة من طريق أخرى عند أبي داود بلفظ ‏"‏فقلت ما ترى فيها يا رسول اللّه فقال "جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها‏"‏ وفي هذه الطريق بقية من الوليد وقد تكلم فيه جماعة ووثقه الجمهور إذا روى عن الثقات‏.‏ وقد أورد الحافظ حديث عبادة هكذا في كتاب النفقات من التلخيص وتكلم عليه فليراجع‏.‏
- وفي الباب - عن معاذ عند الحاكم والبزار بنحو حديث أبي وعن أبي الدرداء عند الدارمى بإسناد على شرط مسلم بنحوه أيضا‏.‏ وأما حديث عثمان بن أبي العاص فقد تقدم الكلام عليه في الأذان‏.‏ وقد استدل بأحاديث الباب من قال أنها لا تحل الأجرة على تعليم القرآن وهو أحمد بن حنبل وأصحابه وأبو حنيفة والهادوية وبه قال عطاء والضحاك بن قيس والزهري وإسحاق وعبد اللّه بن شقيق وظاهره

 

ج / 5 ص -288-       عدم الفرق بين أخذها على تعليم من كان صغيرا و كبيرا وقالت الهادوية إنما يحرم أخذها على تعليم الكبير لأجل وجوب تعليمه القدر الواجب وهو غير متعين ولا يحرم على تعليم الصغير لعدم الوجوب عليه وذهب الجمهور إلى أنها تحل الأجرة على تعليم القرآن وأجابوا عن أحاديث الباب بأجوبة‏.‏ منها أن حديث أبي وعبادة قضيتان في عين فيحتمل أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم علم أنهما فعلا ذلك خالصا للّه فكره أخذ العوض عنه‏.‏ وأما من علم القرآن على أنه للّه وأن يأخذ من المتعلم ما دفعه إليه بغير سؤال ولا استشراف نفسه فلا بأس به‏.‏ وأما حديث عمران بن حصين فليس فيه إلا تحريم السؤال بالقرآن وهو غير إتخاذ الأجر على تعليمه وأما حديث عيد الرحمن بن شبل فهو أخص من محل النزاع لأن المنع من التأكل بالقرآن لا يستلزم المنع من قبول ما دفعه المتعلم بطيبة من نفسه‏.‏
وأما حديث عثمان بن أبي العاص فالقياس للتعلم عليه فاسد الاعتبار لما سيأت هذا غاية ما يمكن أن يجاب به عن أحاديث الباب ولكنه لا يخفى أن ملاحظة مجموع ما تقضي به يفيد ظن عدم الجواز وينتهض للاستدلال به على المطلوب وإن كان في كل طريق من طرق هذه الأحاديث مقال فبعضها يقوي بعضا ويؤيد ذلك أن الواجبات إنما تفعل لوجوبها والمحرمات إنما تترك لتحريمها فمن أخذ على شيء من ذلك أجرا فهو من الآكلين لأموال الغير بالباطل لأن الإخلاص شرط ومن أخذ الأجرة غير مخلص والتبليغ للأحكام الشرعية واجب على كل فرد من الأفراد قبل قيام غيره به‏.‏ ومن جملة ما أجاب به المجوزون دعوى النسخ بحديث ابن عباس الآتي وسيأتي الجواب عن ذلك واستدلوا على الجواز أيضا بما أخرجه الشيخان وغيرهما عن سهل بن سعد ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جاءته امرأة فقالت يا رسول اللّه إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال يا رسول اللّه زوجينها إن لم يكن لك بها حاجة فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم
"هل عندك من شيء تصدقها إياه" فقال ما عندي إلا ازرارى هذه فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم "أن أعطيتها أزارك جلست لا إزار لك فالتمس شيئا" فقال ما أجد شيئا فقال "التمس ولو خاتما من حديد" فالتمس فلم يجد شيئا فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم "هل معك من القرآن شيء" فقال نعم سورة كذا وسورة كذا يسميها فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم "قد زوحتكها بما معك من القرآن‏"‏ وفي رواية ‏"‏قدملكتكها بما معك من القرآن‏"‏ ولمسلم ‏"‏زوجتهكا تعلمها من القرآن‏"‏ وفي رواية لأبي داود ‏"‏علمها عشرين آية وهي امرأتك‏"‏ ولأحمد ‏"‏قد أنكحتكها على ما معك من القرآن‏"‏ وقد أجاب المانعون من الجواز عن هذا الحديث بأجوبة منها أنه زوجها به بغير صداق إكراما له لحفظه ذلك المقدار من القرآن ولم يجعل التعليم صداقا وهذا مردود برواية مسلم وأبي داود المذكورة‏.‏ ومنها أن هذا مختص بتلك المرأة وذلك الرجل ولا يجوز لغيرهما ويدل على ذلك ما أخرجه سعيد بن منصور عن أبي النعمان الأزدي ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم زوج امرأة على سورة من القرآن ثم قال "لا يكون لأحد بعدك مهرا‏"‏ ومنها أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يسم لها مهرا ولم يعطها صداقا وأوصى لا بذلك عند موته ويؤيده ما أخرجه أبو داود من حديث عقبة بن عامر ‏"‏أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم زوج رجلا امرأة ولم يفرض لها مهرا ولم يعطها شيئا فأوصى لها عند موته بسهمه من

 

ج / 5 ص -289-       خيبر فباعته بمائة الف‏.‏ ومنها أنها قضية فعل لا ظاهر لها‏.‏ ومن حملة ما احتجوا به على الجواز حديث عمر بن الخطاب المتقدم في الزكاة ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال له "ما أتاك من هذا المال من غير مسألة ولا اشراف نفس فخذه‏"‏ الحديث ويجاب عنه بأنه عموم مخصص بأحاديث الباب‏.‏
4 - وعن ابن عباس ‏"‏أن نفرا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال هل فيكم من راق فإن في الماء رجلا لديغا أو سليما فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا أخذت على كتاب اللّه أجرا حتى قدموا المدينة فقالوا يا رسول اللّه أخذ على كتاب اللّه اجرا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللّه‏"‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏
5 - وعن أبي سعيد قال ‏"‏انطلق نفر من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء فقال بعضهم لوأتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عندهم بعض الشيء فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط أن سيدنا لدغ وسعينا بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء قال بعضهم إني واللّه لارقي ولكن واللذه لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من غنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد للّه رب العالمين فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم اقتسموا فقال الذي رقي لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فنذكر له الذي كان فننظر الذي يأمرنا فقدموا على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكروا له ذلك فقال
"وما يدريك أنها رقية" ثم قال "قد أصبتم اقتسموا واضربوا لي معكم سهما وضحك النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏‏.‏ رواه الجماعة إلا النسائي وهذا لفظ البخاري وهو أتم‏.‏
قوله ‏"‏فيهم لدغ‏"‏ اللديغ بالدال المهملة والغين المعجمة هو اللسيع وزنا ومعنى واللدغ اللسع

 

ج / 5 ص -290-       وأما اللذع بالذال المعجمة والعين المهملة فهو الإحراق الخفيف واللدغ المذكور في الحديث هو ضرب ذات الحمة من حية أو عقرب أو غيرهما وأكثر ما يستعمل في العقرب وقد صرح الأعمش في روايته بالعقرب‏.‏ قوله ‏"‏أو سليم‏"‏ هو اللديغ أيضا قوله ‏"‏أن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللّه‏"‏ استدل به الجمهور على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وأجيب عن ذلك بأن المراد بالأجر هنا الثواب ويرد بأن سياق القصة يأبى ذلك وادعى بعضهم نسخة بالأحاديث السابقة وتعقب بأن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال وبأن الأحاديث القاضية بالمنع وقائع أعيان محتملة للتأويل لتوافق الأحاديث الصحيحة كحديثي الباب وبأنها مما لا تقوم به الحجة فلا تقوى على معارضة ما في الصحيح وقد عرفت مما سلف أنها تنتهض للاحتجاج بها على المطلوب والجمع ممكن أما بحمل الأجر المذكور ههنا على الثواب كما سلف وفيه ما تقدم أو المراد أخذ الأجرة على الرقية فقط كما يشعر به السياق فيكون مخصصا للأحاديث القاضية بالمنع أو بحمل الأجر هنا على عمومه فيشمل الأجر على الرقية والتلاوة والتعليم ويخص أخذها على التعليم بالأحاديث المتقدمة ويجوز ما عداه وهذا أظهر وجوه الجمع فينبغي المصير إليه قوله ‏"‏فاستضافوهم‏"‏ أي طلبوا منهم الضيافة‏.‏ وفي رواية للترمذي أنهم ثلاثون رجلا قوله‏:‏ ‏"‏فلم يضيفوهم‏"‏ بالتشديد للأكثر وبكسر الضاد المعجمة مخففا‏.‏ قوله ‏"‏فسعوا له بكل شيء‏"‏ أي مما جرت العادة أن يتداوى به من اللدغة‏.‏ قوله ‏"‏إني واللّه لارقى‏"‏ ضبطه صاحب الفتح بكسر القاف والرقية كلام يستشفى به من كل عارض‏.‏ قال في القاموس والرقية بالضم العوذة الجمع رقي ورقاه رقيا ورقيا ورقيه نفث في عوذته‏.‏ قوله ‏"‏جعلا‏"‏ بضم الجيم وسكون المهملة ما يعطي على عمل‏.‏ قوله ‏"‏على قطيع‏"‏ قال ابن التين هو طائفة من الغنم وتعقب بأن القطيع هو الشيء المنقطع من غنم كان أو من غيرها‏:‏ قال بعضهم الغالب استعماله فيما بين العشرة والأربعين‏.‏ وفي رواية للبخاري ‏"‏انا نعطيكم ثلاثين شاة‏"‏ وهو مناسب لعدد الرهط المذكور سابقا فكأنهم جعلوا لكل رجل شاة قوله‏:‏ ‏"‏يتفل‏"‏ بضم الفاء وكسرها وهو نفخ معه قليل بزاق وقد سبق تحقيقه في الصلاة قال ابن أبي جمرة محل التفل في الرقية يكون بعد القراءة لتحصل بركة القراءة في الجوارح التي يمر عليها الريق‏.‏ قوله ‏"‏ويقرأ الحمد للّه رب العالمين‏"‏ فيرواية ‏"‏أنه قرأها سبع مرات‏"‏ وفي أخرى ‏"‏ثلاث مرات‏"‏ والزيادة أرجح قوله ‏"‏نشط‏"‏ بضم النون وكسر المعجمة من الثلاثي كذا لجميع الرواة‏:‏ قال الخطابي وهو لغة والمشهور نشط إذا عقد وأنشط إذا حل واصله الأنشوطة بضم الهمزة والمعجمة بينهما نون ساكنة وهي الحبل والعقال بكسر المهملة بعدها قاف هو الحبل الذي يشد به ذراه البهيمة‏.‏ قوله ‏"‏وما به قلبة‏"‏ بفتح القاف واللام أي علة وسميت العلة قلبة لأن الذي تصيبه يقلب من جنب إلى جنب ليعلم موضع الداء قاله ابن الأعرابي‏.‏ ومنه قول الشاعر‏:
‏وقد برئت فما بالصدر من قلبه‏.‏ وحكي عن ابن الأعرابي أن القلبة داء مأخوذ من القلاب يأخذ البعير فيؤلمه قلبه فيموت من يومه قوله ‏"‏فقال الذي رقى‏"‏ بفتح القاف قوله‏:‏ ‏"‏وما يدريك أنها

 

ج / 5 ص -291-       رقية‏"‏ قال الداودي معناه وما أدراك وقد روى كذلك ولعله هو المحفوظ لأن ابن عيينة قال إذا قال وما يدريك فلم يعلم وإذا قال وما أدراك فقد علم وتعقبه ابن التين بأن ابن عيينه إنما قال ذلك فيما وقع في القرآن وإلا فلا فرق بينهما في اللغة في نفي الدراية وهي كلمة تقال عند التعجب من لاشيء وتستعمل في تعظيم الشيء أيضا وهو لائق هنا كما قال الحافظ‏.‏ وفي رواية بعد قوله ‏"‏وما يدريك أنها رقية قلت القي في روعي‏"‏ وللدارقطني ‏"‏قلت با رسول اللّه ألقي في روعي‏"‏ وذلك ظاهر في أنه لم يكن عنده علم متقدم بمشروعية الرقي بالفاتحة قوله‏:‏ ‏"‏ثم قال قد أصبتم‏"‏ يحتمل أن يكون صوب فعلهم في الرقية ويحتمل أن يكون ذلك في توقفهم عن التصرف في الجعل حتى استأذنوه ويحتمل ما هو أعم من ذلك قوله‏:‏ ‏"‏واضربوا لي معكم سهما‏"‏ أي إجعلوا منه نصيبا وكأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أراد المبالغة في تأنيسهم كما وقع في قصة الحمار الوحشي وغير ذلك‏.‏
- وفي الحديث - دليل على جواز الرقية بكتاب اللّه تعالى ويلتحق بما كان بالذكر والدعاء المأثور وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور‏:‏ وأما الرقي بغير ذلك فليس في الأحاديث ما يثبته ولاما ينفيه إلا ما سيأتي في حديث خارجة‏.‏ وفي حديث أبي سعيد مشروعية الضيافة على أهل البوادي والنزول على مياه العرب وطلب ما عندهم على سبيل القرى أو الشراء وفيه مقابلة من امتنع من المكرمة بنظير صنعه وفيه الأشتراك في العطية وجواز طلب الهدية ممن يعلم رغبته في ذلك واجابته إليه‏.‏
6 - وعن خارجة بن الصلت عن عمه ‏"‏أنه أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم أقل راجعا من عنده فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد فقال أهله أنا قد حدثنا ان صاحبكم هذا قد جاء بخير فهل عندك شيء تداويه وقال فرقيته فاتحة الكتاب ثلاثة أيام كل يوم مرتين فبرأ فأعطوني مائتي شاة فأتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبرته فقال خذها فلعمري من أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏ وقد صح ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم زوج امرأة رجلا على أن يعلمها سورا من القرآن‏"‏ ومن ذهب إلى الرخصة لهذه الأحاديث حمل حديث أبي وعبادة على أن التعليم كان قد يتعين عليهما وحمل فيما سواهما من الأمر والنهي على الندب والكراهة‏.‏
حديث خارجة أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح الا خارجة المذكور وقد وثقه ابن حبان‏.‏ وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه‏.‏ وحديث تزويج المرأة قد ذكرناه في أول الباب‏.‏
قوله ‏"‏عن عمه‏"‏ هو علاقة بن صحار بضم الصاد وتخفيف الحاء المهملة التميمي الصحاب وقال خليفة هو عبد اللّه بن عثير بكسر العين المهملة وسكون المثلثة بعدها مثناة تحتية مفتوحة ثم راء مهملة‏.‏ وقيل اسمه علاثة ويقال سحار بالسين

 

ج / 5 ص -292-       والأول أكثر قوله‏:‏ ‏"‏ثلاثة أيام‏"‏ لفظ أبي داود ثلاثة أيام غدوة وعشية كلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل قوله‏:‏ ‏"‏فلعمري‏"‏ اقسم بحياة نفسه كما اقسم اللّه بحياته والعمر والعمربفتح العين وضمها واحد الا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لا يثار الأخف وذلك لأن الحلف كثير الدور على ألسنتهم ولذلك حذفوا الخبر وتقديره لعمرك مما أقسم كما حذفوا الفعل في قولك باللّه قوله‏:‏ ‏"‏برقية باطل‏"‏ أي برقية كلام باطل فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والرقى الباطلة المذمومة هي التي كلامها كفر أو التي لا يعرف معناها كالطلاسم المجهولة المعنى قوله‏:‏ ‏"‏على أن يعلمها سورا من القرآن‏"‏ قد تقدم الجواب عن الاستدلال بهذا الحديث وتحقيق ماهو الحق والأحاديث المذكورة في هذا الباب تدل على أنه يجوز للانسان ان يسترقي ويحمل الحديث الوارد في الذين يدخلون الجنة بغير حساب وهم الذي لا يرقون ولا يسترقون على بيان الأفضلية واستحباب التوكل والاذن لبيان الجواز ويمكن أن يجمع بحمل الأحاديث الدالة ترك الرقية على قوم كانوا يعتقدون نفعها وتأثيرها بطبعها كما كانت الجاهلية يزعمون في أشياء كثيرة‏.‏

باب النهي أن يكون النفع والأجر مجهولا وجواز استئجار الأجير بطعامه وكسوته
1 - عن أبي سعيد قال ‏"‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن استئجار الاجير حتى يبين له أجره وعن النجش واللمس وإلقاء الحجر‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
2 - وعن أبي سعيد أيضا قال ‏"‏نهى عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان‏"‏‏.‏ رواه الدارقطني وفسر قوم فقيز الطحان بطحن الطعام بجزء منه مطحونا لما فيه من استحقاق طحن قدر الأجرة لكل واحد منهما على الآخر وذلك متناقض‏.‏ وقيل لا بأس بذلك مع العلم بقدره وإنما المنهي عنه طحن الصبرة لا يعلم كلها بقفيز منها وإن شرط حبا لان ماعداه مجهول فهو كبيعها الا قفيزا منها‏.‏
3 - وعن عتبة بن الندر ‏"‏فقال كنا عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقرأ طس حتى بلغ قصة موسى عليه السلام فقال
"إن موسى أجر نفسه ثمان سنين أو عشر سنين على عفة فرجه وطعام بطنه‏"‏‏.‏ رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

 

ج / 5 ص -293-       حديث أبي سعيد الأول قال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح الا أن إبراهيم النخعي لم يسمع من أبي سعيد فيما احسب اه وأخرجه أيضا البيهقي وعبد الرزاق وإسحاق في مسنده وأبو داود في المراسيل والنسائي في الزراعة غير مرفوع ولفظ ‏"‏من استأجر أجيرا فليسم له أجرته‏"‏ وحديثه الثاني أخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده هشام أبو كليب قال ابن القطان لا يعرف‏.‏ وكذا قال الذهبي وزاد وحديثه منكر‏.‏ وقال مغلطاي هو ثقة وأورده ابن حبان في الثقات‏.‏ وحديث عتبة بن الندر بضم النون وتشديد المهملة في إسناده مسلمة بن علي الحسني وهو متروك وقيل اسمه مسلم والأول أصح قوله‏:‏ ‏"‏حتى يبين له أجره‏"‏ فيه دليل لمن قال إنه يجب تعيين قدر الأجرة وهم العترة والشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال مالك وأحمد بن حنبل وابن شبرمة لا يجب للعرف واستحسان المسلمين‏.‏ قال في البحر قلنا لانسلم بل الإجماع على خلافه اه ويؤيد القول الأول القياس على ثمن المبيع قوله‏:‏ ‏"‏وعن النجش‏"‏ إلى آخر الحديث قد تقدم الكلام على ذلك في البيع وإلقاء الحجر هو بيع الحصاة الذي تقدم تفسيره وإذا أخذ النهي عن النجش على عمومه صح الاستدلال به على عدم جواز الاستئجار عليه ولكنه يبعد ذلك عطف اللمس وإلقاء الحجر عليه‏.‏ قوله ‏"‏نهى عن عسب الفحل‏"‏ قد سبق ضبطه وتفسيره في البيع والمراد به الكراهة كما قال الجوهري يقال عسبت الرجل أي أعطيته الكراء وقيل ماء الفحل نفسه لقول زهير
ولولا عسبه لتركتموه ** وشر منيحة فحل معار
وقد ذهبت الشافعية والحنفية والعترة إلى أنه لا يجوز تأخير الفحل للضراب‏.‏ وقال مالك وابن أبي هريري يصح كالاعارة وهو قياس فاسد الأعتبار‏.‏ قوله ‏"‏وعن قفيز الطحان‏"‏ حكى الحافظ في التلخيص عن ابن المبارك أحد رواة الحديث بأن صورته أن يقال للطحان اطحن بكذاوكذا وزيادة قفيز من نفس الطحين وقد استدل بهذا الحديث أبو حنيفة والشافعي ومالك والليث والناصر على أنه لا يجوز أن تكون الأجرة بعض المعمول بعد العمل‏.‏ وقالت الهادوية والامام يحيى والمزني أنه يصح بمقدار منه معلوم وأجابوا عن الحديث بأن مقدار القفيز مجهول أو أنه كان الاستئجار على طحن صبة بقفيز منها بعد طحنها وهو فاسد عندهم قوله‏:‏ ‏"‏وطعام بطنه‏"‏ فيه متمسك لمن قال بجواز الاستئجار بالنفقة ومثلها الكسوة وهو أبو حنيفة والامام يحيى‏.‏ وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد والهادوية والمنصور باللّه لا يصح للجهالة‏.

باب الاستئجار على العمل مياومة أو مشاهرة أو معاومة أو معاددة
1 - عن علي رضي اللّه عنه قال ‏"‏جعت مرة جوعا شديدا فخرجت لطلب العمل في عوالي المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا فطننتها تريد بله فقاطعتها كل ذنوب على تمرة فمددت ستة عشر

 

ج / 5 ص -294-       ذنوبا حتى مجلت يداي ثم أتيتها فعدت لي ست عشرة تمرة فأتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبرته فأكل معي منها‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
2 - وعن أنس ‏"‏لما قدم المهاجرون من مكة المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء فكانت الأنصار أهل الارض والعقار فقاسمهم الأنصار على ان أعطوهم نصف ثمار أموالهم كل عام ويكفوهم العمل والمؤنة‏"‏‏.‏ أخرجاه قال البخاري وقال ابن عمر أعطى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم خيبر بالشطر فكان ذلك على عهد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددا الأجارة بعد ما قبض النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏
حديث عليه عليه السلام جود الحافظ إسناده وأخرجه ابن ماجه بسند صححه ابن السكن‏.‏ وأخرج البيهقي وابن ماجه من حديث ابن عباس بلفظ ‏"‏أن عليا عليه السلام أجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة وعندهما إن عدد التمر سبعة عشر‏"‏ وفي إسناده حنش راوية عن عكرمة وهو ضعيف‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏ذنوبا‏"‏ هو لدلو مطلقا أو التي فيها ماء أو الممتلئة أو التي هي غير ممتلئة أفاد معنى ذلك في القاموس‏.‏ وقد قدمنا تحقيقه في أول هذا الشرح‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏مجلت‏"‏ بكسر الجيم أي غلطت وتنفطت وبفتح الجيم غلظت فقط‏.‏ قال في القاموس مجلت يده كنصر وفرح مجلا ومجولا نفطت من العمل فمرنت كامجلت وقد أمجلها العمل أو المجل أن يكون بين الجلد واللحم ماء أو المجلة جلدة رقيقة يجتمع فيها ماء من أثر العمل‏.‏ وحديث علي عليه السلام فيه بيان ما كانت الصحابة عليه من الحاجة وشدة الفاقة والصبر على الجوع وبذل الأنفس واتعابها في تحصيل القوام من العيش للتعفف عن السؤال وتحمل المتنن وان تأجير النفس لا يعد دناءة وإن كان المستأجر غير شريف أو كافرا والأجير من أشراف الناس وعظمائهم‏.‏ وأورده المصنف للاستدلال به على جواز الاجارة معاددة يعني ان يفعل الأجير عددا معلوما من العمل بعدد معلوم من الأجرة وإن لم يبين في الأبتداء مقدار جميع العمل والأجرة‏.‏ وحديث أنس فيه دليل على جواز اجارة الأرض بنصف الثمرة الخارجة منها في كل عام وكذلك حديث ابن عمر وقد تقدم بسط الكلام على اجارة الأرض وما يصح منها ومالا يصح في المزارعة‏.‏

باب ما يذكر في عقد الأجارة بلفظ البيع
1 - عن سعيد بن ميناء عن جابر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏"‏قال
من كان له فضل أرض فيزرعها أو لزرعها أخاه ولا تبيعوها قيل لسعيد مالا تبيعوها يعني الكراء قال نعم‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم‏.‏

 

ج / 5 ص -295-       قد تقدم الكلام على ما اشتمل عليه الحديث في المزارعة وأعاده المصنف ههنا للاستدلال له على صحة إطلاق لفظ البيع على الأجارة وهو مجاز من باب إطلاق الحكم على الشيء وهو لما هو من الأشياء التابعة له كإطلاق البيع هنا على الأرض وهو لمنفعتها‏.‏

باب الأجير على عمل متى يستحق الأجرة وحكم سراية عمله
1 - عن أبي هريرة ‏"‏قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"يقول اللّه عز وجل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا وأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره‏"‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري‏.‏
2 - وعن أبي هريرة في حديث له عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
‏"‏أنه يغفر لامته في آخر ليلة من رمضان" قيل يا رسول اللّه أهي ليلة القدر قال "لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
‏"‏من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن‏"‏‏.‏ رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏
حديث أبي هريرة الثاني أخرجه أيضا البزار وفي إسناده هشام بن زياد أبو المقدام وهو ضعيف‏.‏ وحديث عمرو بن شعيب قال أبو داود بعد إخراجه هذا لم يروه إلا الوليد بن مسلم لا يدري هو صحيح أم لا‏.‏ وأخرجه النسائي مسندا ومنقطعا‏.‏ - وفي الباب - عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال حدثني بعض الوفد الذين قدموا على أبي قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن‏"‏ أخرجه أبو داود وفي إسناده مجهول لا يعلم هل له صحبة أم لا قوله‏:‏ ‏"‏ثلاثة أنا خصمهم‏"‏ قال ابن التين هو سبحانه وتعالى خصم لجميع الظالمين الا أنه أراد التشديد على هولاء بالتصريح والخصم يطلق على الواحد والاثنين وعلى أكثر من ذلك‏.‏ وقال الهروي الواحد بكسر أوله قال الفراء الأول قول الفصحاء ويجوز في الاثنين خصمان وفي الثلاثة خصوم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ومن كنت خصمه خصمته‏"‏ هذه الزيادة ليست في صحيح البخاري ولكنه أخرجها أحمد وابن حبان وابن خزيمة والإسماعيلي‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏أعطى بي ثم غدر‏"‏ المفعول محذوف والتقدير أعطى يمينه بن أي عاهد وحلف باللّه ثم لم يف‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏باع حرا وأكل ثمنه‏"‏ خص الأكل لأنه أعظم مقصود وفي رواية لأبي داود ورجل اعتبد

 

ج / 5 ص -296-       محرره وهو أعم من الأول في الفعل وأخص منه في المفعول‏.‏ قال الخطابي اعتباد الحر يقع بأمرين أن يعتقه ثم يكتم ذلك أو يجحده والثاني أن يستخدمه كرها بعد العتق والأول أشدهما قال في الفتح والأول أشد لأن فيه مع كتم الفعل أو جحده العمل بمقتضى ذلك مع البيع وأكل الثمن فمن ثم كان الوعيد عليه أشد‏.‏ قال المهلب وإنما كان إثمه شديدا لأن المسلمين اكفاء بالحرية فمن بباع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح اللّه له والزمه الذي أنقذه اللّه منه‏.‏ وقال ابن الجوزي الحر عبد اللّه فيمن جني عليه فخصمه سيده قال ابن المنذر لم يختلفوا في أن من باع حرا أنه لا يقطع عليه يعني إذا لم يسرقه من حرز مثله إلا ما يروى عن علي عليه السلام أنه تقطع يد من باع حرا قال وكان في جواز بيع الحر خلاف قديم ثم ارتفع فروى عن علي رضي اللّه عنه أنه قال من أقر على نفسه بأنه عبد فهو عبد‏.‏ وروى ابن أبي شيبة من طريق قتادة أن رجلا باع نفسه فقضى عمر بأنه عبد وجعل ثمنه في سبيل اللّه‏.‏ ومن طريق زرارة ابن حزم أن الحر كان يباع في الدين حتى نزلت ‏{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}‏ ونقل عن الشافعي مثل ذلك ولا يثبت أكثر أصحابه‏.‏ وقد استقر الإجماع على المنع‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏ولم يوفه أجره‏"‏ هو في معنى من باع حرا وأكل ثمنه لأنه استوفى منفعته بغير عوض فكأنه أكلها ولأنه استخدمه بغير أجرة فكأنه استعبده‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏إنما يوفى أجره إذا قضي عمله‏"‏ فيه دليل على أن الأجرة تستحق بالعمل وأما الملك فعند العترة وأبي حنيفة وأصحابه إنما تملك بالعقد فتتبعها أحكام الملك‏.‏ وعند الشافعي وأصحابه أنها تستحق بالعقد وهذا في الصحيحة وأما الفاسدة فقال في البحر لا تحب بالعقد إجماعا وتجب بالاستيفاء إجماعا قوله‏:‏ ‏"‏فهو ضامن‏"‏ فيه دليل على أن متعاطي الطب يضمن ما حصل من الجناية بسبب علاجه وأما من علم منه أنه طبيب فلا ضمان عليه وهو من يعرف العلة ودوائها وله مشايخ في هذه الصناعة شهدوا له بالحذق فيها وأجازوا له المباشرة‏.‏