نيل
الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ط مكتبة الدعوة
الإسلامية ج / 6 ص -2-
بسم الله الرحمن الرحيم
من يرد الله به خيرا
يفقهه في الدين
باب ما جاء من
قبول هدايا الكفار والإهداء لهم
1 - عن علي رضي اللّه
عنه قال "أهدى كسرى لرسول اللّه صلى اللّه
عليه وآله وسلم فقبل منه وأهدى له قيصر فقبل
واهدت به الملوك فقبل منها" رواه أحمد
والترمذي.
2 - وفي حديث عن بلال
المؤذن قال "انطلقت حتى أتيته يعني النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم وإذا أربع وكائب
مناخات عليهن أحمالهن فأستأذنت فقال لي
"أبشر فقد جاءك اللّه بقضائك قال ألم تر
الركائب المناخات الأربع" فقلت بلى فقال
"إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة طعام
اهداهن إلى عظيم فدك فأقبضهن واقض دينك
ففعلت".
مختصر لأبي داود.
حديث علي أخرجه أيضا
البزار وأورده في التلخيص ولم يتكلم عليه ولم
يذكره صاحب مجمع الزوائد في باب هدايا الكفار
وقد حسنه الترمذي وفي إسناده نوير بن أبي
فاختة وهو ضعيف. وحديث بلال سكت عنه أبو
داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وهوحديث طويل
أورده أبو داود في باب الامام يقبل هدايا
المشركين من كتاب الخراج وفيه "أن بلالا كان
يتولى نفقة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
وكان إذا أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
انسان مسلما عاريا يأمر بلالا أن يستقرض له
البرد حتى لزمته ديون فقضاها عنه رسول اللّه
صلى اللّه عليه وآله وسلم بالأربع الركائب وما
عليها.
- وفي الباب - عن عبد
الرحمن بن علقمة الثقفي عند النسائي قال لما
قدم وفد ثقيف قدموا معهم بهدية فقال النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم أهدية أم صدقة فإن كانت
هدية فإنما ينبغي بها وجه رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم وقضاء الحاجة وإن كانت
صدقة فإنما ينبغي بها وجه اللّه قالوا الأبل
هدية فقبلها منهم. وعن أنس عند الشيخين
"إن أكيدر دومة أهدى لرسول اللّه صلى اللّه
عليه وآله وسلم جبة سندس".ولأبي داود أن
ملك الروم "أهدى إلى النبي صلى اللّه عليه
وآله وسلم مستقة سندس فلبسها" الحديث.
والمستقة بضم الفوقانية وفتحها الفروة الطويلة
الكمين وجمعها مساتق. وعن أنس أيضا عند أبي
داود أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم حلة أخذها بثلاثة
وثلاثين بعيرا فقبلها. وعن علي أيضا عند
الشيخين إن أكيدر دومة الجندل أهدى إلى النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم ثوب حرير فأعطاه
عليا فقال شققه خمرا بين الفواطم. وعن أبي
حميد الساعدي عند البخاري قال غزونا مع رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم تبوك وأهدى
ابن العلماء للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
بردا وكتب له ببحرهم وجاء
ج / 6 ص -3-
إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم صاحب
ايلة بكتاب وأهدى إليه بغلة بيضاء. الحديث
وفي مسلم أهدى فروة الجذامى إلى رسول اللّه
صلى اللّه عليه وآله وسلم بغلة بيضاء ركبها
يوم حنين. وعن بريدة عند إبراهيم الحربي
وابن خزيمة وابن أبي عاصم ان أمير القبط أهدى
إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
جاريتين وبغلى فكان يركب البغلة بالمدينة وأخذ
إحدى الجاريتين لنفسه فولدت له إبراهيم ووهب
الأخرى لحسان وفي كتاب الهدايا لأبراهيم
الحربي أهدى يوحنا ابن رؤبة إلى النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم بغلته البيضاء. وعن
أنس أيضا عند البخاري وغيره أن يهودية أتت
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بشاة مسمومة
فأكل منها الحديث. والأحاديث المذكورة في
الباب تدل على جواز قبول الهدية من الكافر
ويعارضها حديث عياض بن حمال الآتي وسيأتي
الجمع بينها وبين.
3 - وعن أسماء بنت أبي
بكر "قالت أتتني أمي راغبة في عهد قريش وهي
مشركة فسألت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
أصلها قال
"نعم".
متفق عليه زاد البخاري. قال ابن عيينة
"فأنزل اللّه فيها
{لا ينهاكم اللّه عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} ومعني راغبة أي طامعة تسألني شيئا.
4 - وعن عامر بن عبد
اللّه بن الزبير "قال قدمت قتيلة ابنة عبد
العزي بن سعد على ابنتها أسماء بهدايا ضباب
واقط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل
هديتها وتدخلها بيتها فسألت عائشة النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم فأنزل اللّه تعالى
{لا ينهاكم اللّه عن الذين لم يقاتلوكم في
الدين}
إلى آخر الآية فأمرها أن تقبل هديتها وأن
تدخلها بيتها". رواه أحمد.
حديث عامر بن عبد اللّه
بن الزبير ذكره المصنف هكذا مرسلا ولم يقبل عن
أبيه وقد أخرجه ابن سعد وأبو داود الطيالسي
والحاكم من حديث عبد اللّه بن الزبير وأخرجه
أيضا الطبراني كأحمد وفي إسنادهما مصعب بن
ثابت ضعفه أحمد وغيره ووثقه ابن حبان.
قوله: "أتتني أمي" في رواية للبخاري في
الأدب مع ابنها وذكر الزبير إن اسم ابنها
المذكور الحرث بن مدرك بن عبيد بن عمر بن
محروم. قوله: "راغبة" اختلف في تفسيره
فقيل ما ذكره المصنف من أنها راغبة في شيء
تأخذه من بنتها وهي على شركها وقيل راغبة في
الاسلام وتعقب بأن الرغبة لوكانت في الإسلام
لم يحتج إلى الأستئذان. وقيل معناه راغبة عن
ديني وقيل راغبة في القرب مني ومجاورتي ووقع
في رواية لأبي داود راغمة بالميم أي كارهة
للاسلام ولم تقدم مهاجرة. قوله "قال
نعم" فيه دليل على جواز الهدية للقريب
الكافر والآية المذكورة تدل على جواز الهدية
للكافر
ج / 6 ص -4-
مطلقا من القريب وغيره ولامنافاة ما بين ذلك
وما بين قوله تعالى
{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}
الآية فإنها عامة في حق من قاتل ومن لم يقاتل
والآية المذكورة خاصة بمن لم يقاتل وأيضا البر
والصلة والإحسان لا تستلزم التحاب والتواد
المنهى عنه ومن الأدلة القاضية بالجواز قوله
تعالى
{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي
مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}
ومنها أيضا حديث ابن عمر عند البخاري وغيره أن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كسا عمر حلة
فأرسل بها إلى أخ له م أهل مكة قبل أن يسلم.
قوله: "قال ابن عيينة" الخ لا ينافي هذا
ما رواه ابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في
ناس من المشركين كانوا الين جانبا للمسلمين
وأحسن أخلاقا من سائر الكفار لأن السبب خاص
واللفظ عام فيتناول كل من كان في معنى والدة
أسماء كذا قال الحافظ ولا يخفى ما فيه لأن محل
الخلاف تعيين سبب النزول وعموم اللفظ لا يرفعه
وقيل إن هذه الآية منسوخة بالأمر بقتل
المشركين حيث وجدوا. قوله: "قتيلة"
بضم القاف وفتح الفوقية وسكون التحتية مصغرا
ووقع عند الزبيري بن بكار أن اسمها قيلة بفتح
القاف وسكون التحتية وضبطه ابن ماكولا بسكون
الفوقية. قوله: "ضباب واقط" في رواية
غير احمد زبيب وسمن وقرظ. ووفع في نسخة من
هذا الكتاب قرظ مكان اقط. قوله "فأمرها أن
تقبل هديتها" الخ فيه دليل على جواز قبول
هدية المشرك كما دلت على ذلك الأحاديث السالفة
وعلى جواز إنزاله منازل المسلمين.
5 - وعن عياض بن حمار
"أنه أهدى للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
هدية أو ناقة فقال النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم "أسلمت"
قال لا قال
"أني نهيت عن زبد المشركين". رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه.
الحديث صححه أيضا ابن
خزيمة. وفي الباب عن عبد الرحمن بن كعب بن
مالك عند موسى بن عقبة في المغازي أن عامر بن
مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو مشرك
فأهدي له فقال
"اني لا أقبل هدية مشرك".
الحديث قال في الفتح رجاله ثقات الا أنه مرسل
وقد وصله بعضهم ولا يصح قوله "زبد
المشركين" بفتح الزاي وسكون الموحدة بعدها
دال. قال في الفتح هو الرقد انتهى يقال زبده
بالكسر وأما بزبده بالضم فهو اطعام الزبد قال
الخطابي يشبه ان يكون هذا الحديث منسوخا لانه
صلى اللّه عليه وآله وسلم قد قبل هدية غير
واحد من المشركين وقيل إنما ردها ليغيظه
فيحمله ذلك على الاسلام وقيل ردها لان للّهدية
موضعا من القلب ولا يجوز أن يميل إليه بقلبه
فردها قطعا لسبب الميل وليس مناقضا لقبول هدية
النجاشي وأدكيدر دومة والمقوقس لأنهم أهل كتاب
كذا في النهاية وجمع الطبراني بين الأحاديث
فقال الامتناع فيما أهدى له خاصة والقبول فيما
أهدى للمسلمين وفيه نظر لأن من جملة أدلة
الجواز السابقة ما وقعت الهدية فيه له صلى
اللّه عليه وآله وسلم خاصة وجمع غيره بأن
الامتناع في حق من يريد بهديته التودد
والموالاة والقبول في حق من يرجى ذلك تأنيسه
وتأليفه على الأسلام قال الحافظ وهذا أقوى من
الذي قبله وقيل يمتنع
ج / 6 ص -5-
ذلك لغيره من الأمراء ويجوز له خاصة. وقال
بعضهم أن أحاديث الجواز منسوخة بحديث الباب
عكس ماتقدم عن الخطابي ولا يخفى أن النسخ لا
يثبت بمجرد الاحتمال وكذا الأختصاص وقد أورد
البخاري في صحيحه حديثا استنبط منه جواز قبول
هدية الوثني ذكره في باب قبول الهدية من
المشركين من كتاب الهبة والهدية. قال الحافظ
في الفتح وفيه فساد قول من حمل الهدية على
الوثنى دون الكتابي وذلك. لأن الواهب
المذكور في ذلك الحديث وثني.
باب الثواب على
الهدية والهبة
1 - عن عائشة قالت
"كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقبل
الهدية ويثيب عليها". رواه أحمد والبخاري
وأبو داود والترمذي.
2 - وعن ابن عباس "أن
أعرابيا وهب للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
هبة فأثابه عليها قال
"رضيت" قال لا فزاده قال
"أرضيت" قال فلا فزاده قال
"أرضيت" قال لا فزاده قال أرضيت قال نعم فقال النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم :"لقد هممت ألا أتهب هبة الا من قرشي أو أنصاري أو
ثقفي".
رواه أحمد.
حديث ابن عباس أخرجه
أيضا ابن حبان في صحيحه. وقال في مجمع
الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح وأخرجه أبو
داود والنسائي من حديث أبي هريرة بنحوه وطوله
الترمذي ورواه من وجه آخر وبين أن الثواب كان
ست بكرات وكذا رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم
قوله: "ويثيب عليها" أي يعطي المهدي
بدلها والمراد بالثواب المجازات وافله ما
يساوي قيمة الهدية ولفظا ابن أبي شيبة ويثيب
ما هو خير منها وقد أمل حديث عائشة المذكور
بالأرسال قال البخاري لم يذكر وكيع ومحاضر عن
هشام عن أبيه عن عائشة وفيه اشارة إلى أن عيسى
بن يونس تفرد بوصله عن هشام وقال الترمذي
والبزار لانعرفه الا من حديث عيسى بن يونس
وقال أبو داود تفرد بوصله عيسى بن يونس وهو
عند الناس مرسل انتهى. وقد استدل بعض
المالكية بهذا الحديث على وجوب المكافأة على
الهدية. إذا اطلق المهدي وكان ممن مثله يطلب
الثواب كالفقير للغني بخلاف ما يهبه الأعلى
للأدنى. ووجه الدلالة منه مواضبته صلى اللّه
عليه وآله وسلم ومن حيث المعنى إن الذي أهدى
قصد أن يعطي أكثر مما أهدي فلا أقل أن يعوض
بنظير هديته وبه قال الشافعي في القديم
والهادوية ويجاب بأن مجرد الفعل لا يدل على
الوجوب ولو وقعت المواهبة كما تقرر في الأصول
وذهبت الحنفية والشافعي في الجديد إن الهبة
للثواب باطلة لا تنعقد لأنها بيع مجهول ولأن
موضع الهبة التبرع. قوله: "الا من
قرشي" الخ لفظ أبي داود
"وأيم اللّه لا أقيل هدية بعد يومي هذا من
أحد الا أن يكون مهاجريا أو قرشيا أو أنصاريا
أو روسيا أو ثقفيا"
وسبب همه صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك ما
رواه الترمذي من حديث أبي هريرة قال "أهدى
رجل من فزارة إلى النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم ناقة من أبله فعوضه منها بعض العوض
فتسخطه فسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
وسلم
ج / 6 ص -6-
يقول على المنبر أن رجالا من العرب يهدى أحدهم
الهدية فأعوضه عنها بقدر ماعندي فيظل يسخط
عليّ" الحديث وقد كان بعض أهل العلم والفضل
يمتنع هو وأصحابه من قبول الهدية من أحد أصلا
لا من صديق ولا من قريب ولاغيرهما وذلك لفساد
النيات في هذا الزمان حكى ذلك ابن رسلان.
باب التعديل بين
الأولاد في العطية والنهي أن يرجع أحد في
عطيته إلا الوالد
1 - عن النعمان بن بشير قال "قال النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم
"اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم
اعدلوا بين أبنائكم".
رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
2 - وعن جابر قال
"قالت امرأة بشير انحل ابني غلاما وأشهد لي
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأتى
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال إن
ابنة فلان سألتني أن انحل ابنها غلامي فقال
له أخوة
قال نعم قال
فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته
قال لا قال
فليس يصلح هذا وأني لا أشهد إلا على حق". رواه أحمد ومسلم وأبو داود ورواه أحمد من حديث النعمان بن بشير
وقال فيه "لا تشهدني على جور أن لبنيك عليك من الحق أن
تعدل بينهم".
3 - وعن النعمان بن بشير "أن أباه أتى به رسول اللّه فقال
اني نحلته ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
أكل ولدك نحلته مثل هذا فقال لا فقال فارجعه" .
متفق عليه ولفظ مسلم قال
"تصدق علي أبي ببعض ماله فقالت أمي عمرة بنت
رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول اللّه صلى اللّه
عليه وآله وسلم فانطلق أبي إليه يشهده علي
صدقتي فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
وسلم
أفعلت هذا بولدك كلهم
قال لا فقال
اتقوا اللّه واعدلوا في أولادكم
فرجع أبي في تلك الصدقة" وللبخاري مثله لكن
ذكره بلفظ العطية لا بلفظ الصدقة. حديث
النعمان بن بشير الأول سكت عنه أبو داود
والمنذري ورجال إسناده ثقات إلا المفضل بن
المهلب بن أبي صفرة وهو صدوق.
- وفي الباب - عن ابن
عباس عن الطبراني والبيهقي وسعيد بن منصور
بلفظ "سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مفضلا
أحدا لفضلت النساء"
وفي
ج / 6 ص -7-
إسناده سعيد بن يوسف وهو ضعيف وذكر ابن عدي في
الكامل أنه لم يرله أنكر من هذا وقد حسن
الحافظ في الفتح إسناده قوله: "اعدلوا بين
أولادكم" تمسك به من أوجب التسوية بين
الأولاد في العطية وبه صرح البخاري وهو قول
طاوس والثوري وأحمد وإسحاق وبعض المالكية قال
في الفتح والمشهور عن هؤلاء أنها باطلة وعن
أحمد تصح ويجب أن يرجع وعنه يجوز التفاضل إن
كان له سبب كأن يحتاج الولد لزمانته أو دينه
أو نحو ذلك دون الباقين.
وقال أبو يوسف تجب التسوية إن قصد بالتفضيل
الأضرار
وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فإن فضل
بعضا صح وكره وحملوا الأمر على الندب وكذلك
حملوا النهي الثابت في رواية لمسلم بلفظ "أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء قال بلى قال
فلا أذن" على التنزيه
وأجابوا عن حديث النعمان بأجوبة عشرة ذكرها في
فتح الباري وسنوردها ههنا مختصرة مع زيادات
مفيدة فقال.
أحدها إن الموهوب للنعمان كان
جميع مال والده حكاه ابن عبد البر وتعقبه بأن
كثيرا من طرق الحديث مصرحة بالبعضية كما في
حديث الباب إن الموهوب كان غلاما وكما في لفظ
مسلم المذكور قال "تصدق على أبي ببعض
ماله"
الجواب الثاني إن العطية
المذكورة لم تنجز وإنما جاء بشير يستشير النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم في ذلك فأشار عليه
بأن لا يفعل فترك حكاه الطبري ويجاب عنه بأن
أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم له بالارتجاع
يشعر بالتنجيز وكذلك قول عمرة لا أرضى حتى
تشهد اله.
الجواب الثالث إن النعمان كان
كبيرا ولم يكن قبض الوهوب جاز لأبيه الرجوع
ذكره الطحاوي. قال الحافظ وهو خلاف ما في
أكثر طرق الحديث خصوصا قوله ارجعه فإنه يدل
على تقدم وقوع القبض والذي تظافرت عليه
الروايات أنه كان صغيرا وكان أبوه قابضا له
لصغره فأمره برد العطية المذكورة بعدما كانت
في حم المقبوض.
الرابع إن قوله ارجعه دليل
الصحة ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع وإنما
أمره الرجوع لأن للوالد أن يرجع فيما وهب
لولده وإن كان الأفضل خلاف ذلك لكن استحباب
التسوية رجح على ذلك فلذلك أمره به قال في
الفتح وفي الأحتجاج بذلك نظر والذي يظهر أن
معنى قوله أرجعه أي لا تمض الهبة المذكورة ولا
يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة.
الخامس أن قوله أشهد على هذا
غيري أذن بالأشهاد على ذلك وإنما امتنع من ذلك
لكونه الامام وكأنه قال لا أشهد لان الأمام
ليس من شأنه أن يشهد وإنما من شأنه أن يحكم
حكاه الطحاوي وارتضاه ابن القصار وتعقب بأنه
لا يلزم من كون الامام ليس من شأنه أن يشهد أن
يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها إذا
تعينت عليه والأذن المذكور مراد به التوبيخ
لما تدل عليه بقية ألفاظ الحديث. قال الحافظ
وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع وقال ابن
حبان قوله أشهد صيغة أمر والمراد به نفي
الجواز وهي كقوله لعائشة
"اشترطي لهم الولاء" اه ويؤيد هذا تسميته صلى اللّه عليه وآله وسلم لذلك جورا كما في
الرواية المذكورة في الباب.
السادس التمسك بقوله ألا سويت
بينهم على أن المراد بالأمر الاستحباب وبالنهي
التنزيه. قال الحافظ وهذا جيد لولا ورود تلك
الألفاظ الزائدة على هذه اللفظة ولاسيما رواية
سو بينهم.
ج / 6 ص -8-
السابع قالوا المحفوظ في حديث النعمان
"قاربوا بين أولادكم"
لا سووا وتعقب بأنكم لا توجبون المقاربة كما
لا توجبون التسوية.
الثامن
في التشبيه الواقع بينهم في التسوية بينهم
بالتسوية منهم في البر قرينة تدل على أن الأمر
للندب ورد بأن إطلاق الجور على عدم التسوية
والنهي عن التفضيل يدلان على الوجوب فلا تصلح
تلك القرينة لصرفهما وإن صلحت لصرف الأمر.
التاسع
ما تقدم عن أبي بكر من نحلته لعائشة. وقوله
لها فلو كنت احترثته كما تقدم في أول كتاب
الهبة وكذلك ما رواه الطحاوي عن عمر أنه نحل
ابنه عاصما دون سائر ولده ولو كان التفضيل غير
جائز لما وقع من الخليفتين. قال في الفتح
وقد أجاب عروة عن قصة لعائشة بأن اخوتها كانوا
راضين ويجاب بمثل ذلك عن قصة عاصم اه على أنه
لا حجة في فعلهما لا سيما إذا عارض المرفوع.
العاشر
ان الإجماع انعقد على جواز عطية الرجل ماله
لغير ولده فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من
ماله لتمليك الغير جاز له أن يخرج بعض أولاده
بالتمليك لبعضهم ذكره ابن عبد البر. قال
الحافظ ولا يخفى ضعفه لأنه قياس مع وجود النص
اه .
فالحق أن التسوية واجبة
وان التفضيل محرم
واختلف الموجبون في
كيفية التسوية فقال محمد بن الحسن وأحمد
وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية العدل أن يعطي
الذكر حظين كالميراث واحتجوا بأن ذلك حظه من
المال لو مات عنه الواهب وقال غيرهم لا فرق
بين الذكر والأنثى وظاهر الأمر بالتسوية معهم
ويؤيده حديث ابن عباس المتقدم. قوله "وعن
النعمان بن بشير أن أباه" الخ قد روى هذا
الحديث عن النعمان عدد كثير من التابعين منهم
عروة بن الزبير عند مسلم والنسائي وأبي داود
وأبو الضحى عند النسائي وابن حبان وأحمد
والطحاوي والمفضل بن المهلب عند أحمد وأبي
داود والنسائي وعبد اللّه بن عتبة بن مسعود
عند أحمد وعون بن عبد اللّه عند أبي عوانة
والشعبي عند الشيخين وأبي داود وأحمد والنسائي
وابن ماجه وابن حابن وغيرهم وقد رواه النسائي
من مسند بشيء والد النعمان فشذ بذلك.
قوله: "نحلت ابني هذا" بفتح النون
والحاء المهملة أي أعطيت والنحلة بكسر النون
وسكون المهملة العطية بغير عوض. قوله
"غلاما" في رواية لابن حبان والطبراني عن
الشعبي أن النعمان خطب بالكوفة فقال ان والدي
بشير بن سعد أتى النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم فقال ان عمرة بنت رواحة نفست بغلام وأني
سميته النعمان وأنها أبت أن تربيه حتى جعلت له
حديثة من أفضل مال هو لي وأنها قالت أشهد على
ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وفيه
قوله:
"لا أشهد على جور"وجمع ابن حبان بين الروايتين بالحمل على واقعتين احداهما عند ولادة
النعمان وكانت العطية حديقة والأخرى بعد أن
كبر النعمان وكانت العطية عبدا قال في الفتح
وهو جمع لا بأس به الا أنه يعكر عليه أنه يبعد
أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في
المسألة حتى يعود إلى النبي صلى اللّه عليه
وآله وسلم فيستشهده على العطية الثانية بعد أن
قال له في الأولى لا أشهد على جور وجوز ابن
حبان أن يكون بشير ظن نسخ الحكم وقال غيره
يحتمل أن يكون حمل الأمر الأول على كراهة
التنزيه أو ظن أنه لا يلزم من الامتناع في
الحديقة الامتناع في العبد لأن ثمن الحديقة في
الأغلب أكثر
ج / 6 ص -9-
من ثمن العبد. قال الحافظ ثم ظهر وجه آخر من
الجمع يسلم من هذا الخدش ولا يحتاج إلى جوابه
وهو أن عمرة لما امتنعت من تربيته الا أن يهب
له شيئا يخصه به وهبه الحديثة المذكورة تطيبا
لخاطرها ثم بدا له فارتجعها لأنه لم يقبضها
منه غيره فعاودته عمرة في ذلك فمطلها سنة أو
سنتين ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة
غلاما ورضيت عمرة بذلك الا أنها خشيت ان
يرتجعه أيضا فقالت له أشهد على ذلك رسول اللّه
صلى اللّه عليه وآله وسلم تريد بذلك تثبيت
العطية وان تأمن رجوعه فيها ويكون مجيئه
للاشهاد إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
مرة واحدة وهي الأخيرة وغاية ما فيه ان بعض
الرواة حفظ مالم يحفظ غيره أو كان النعمان يقص
بعض القصة تارة وبعضها أخرى فسمع كل ما رواه
فاقتصر عليه اه ولا يخفى ما في هذا الجمع من
التكلف وقد وقع في رواية عند ابن حبان عن
النعمان قال سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من
ماله زاد مسلم والنسائي من هذا الوجه فالتوى
بها سنة أي مطلها وفي رواية لابن حبان أيضا
بعد حولين ويجمع بينهما بأن المدة كانت سنة
وشيئا فجبر الكسر تارة وألغاه أخرى.
وفي رواية له قال فأخذ بيدي وأنا غلام ولمسلم
انطلق بن أبي يحملني إلى رسول اللّه صلى اللّه
عليه وآله وسلم ويجمع بينهما بأنه أخذ بيده
فمشي معه بعض الطريق وحمله في بعضها لصغر
سنه. قوله: "فقال ارجعه" لفظ مسلم
أردده وله أيضا النسائي فرجع فرد عطيته.
ولمسلم أيضا فرد تلك الصدقة زاد في رواية لابن
حبان "لا تشهدني على جور" ومثله لمسلم وقد تقدم لابن حبان أيضا والطبراني مثل ذلك وذكر هذا
اللفظ البخاري تعليقا في الشهادات. وفي
رواية لابن حبان من طريق أخرى لا تشهدني أذن
فأني لا أشهد على جور. وله في طريق أخرى
أيضا
"فأني لا أشهد على جور أشهد على هذا غيري" وله وللنسائي من طريق أخرى
"فأشهد على هذا غيري" ولعبد الرزاق عن طاوس مرسلا
"لا أشهد إلا على الحق لا أشهد بهذه". وللنسائي
"فكره أن يشهد له". وفي
رواية لمسلم
"اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر". ولأحمد
"أيسرك أن يكونوا اليك في البر سواء قال بلى قال فلا أذن". ولأبي داود
"ان لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم كما لك
عليهم أن يبروك". وللنسائي
"ألا سويت بينهم". وله
ولابن حبان
"سو بينهم".
قال الحافظ واختلاف الألفاظ في هذه القصة
الواحدة يرجع إلى معنى واحد. قوله "أفعلت
هذا بولدك كلهم": قال مسلم أما معمل ويونس
فقالا
"أكل بينك"
وأما الليث وابن عيينة فقالا
"أكل
ولدك" قال الحافظ ولا منافاة بينهما لأن لفظ الولد يشمل الذكور والإناث
وأما لفظ البنين فإن كانوا ذكورا فظاهر وإن
كانوا إناثا وذكورا فعلى سبيل التغليب.
4 - وعن ابن عباس "أن النبي صلى اللّه عليه
وآله وسلم قال
"العائد في هبته كالعائد يعود في قيئه".
متفق عليه وزاد أحمد والبخاري
"ليس لنا مثل السوء"
ولأحمد في رواية قال قتادة ولا أعلم القئ
الاحراما.
ج / 6 ص -10-
5 - وعن طاوس ان ابن عمر وابن عباس رفعاه إلى
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها
إلا الوالد فيما يعطي ولده مثل الرجل يعطي
العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب أكل حتى إذا
شبع قاء ثم رجع في قيئه". رواه الخمسة وصححه الترمذي.
حديث طاوس أخرجه أيضا
ابن حبان والحاكم وصححاه قوله: "العائد في
هبته" الخ استدل بالحديث على تحريم الرجوع
في الهبة لان القئ حرام فالمشبه به مثله ووقع
في رواية أخرى للبخاري وغيره كالكلب يرجع في
قيئه وهي تدل على عدم التحريم لان الكلب غير
متعبد فالقئ ليس حراما عليه وهكذا قوله في
حديث طاوس المذكور كمثل الكلب الخ وتعقب بأن
ذلك للمبالغة في الزجر كقوله صلى اللّه عليه
وآله وسلم فيمن لعب بالنرد
"فكأنما غمس يده في لحم خنزير"
وأيضا الرواية الدالة على تحريم غير منافية
للرواية الدالة على الكراهة على تسليم دلالتها
على الكراهة فقط لأن الدال على التحريم قد دل
على الكراهة وزيادة وقد قدمنا في باب نهي
المتصدق أن يشتري ما تصدق به من كتاب الزكاة
عن القرطبي أن التحريم هو الظاهر من سياق
الحديث وقدمنا أيضا أن الأكثر حملوه على
التنفير خاصة لكونه القئ مما يستقذر ويؤيد
القول بالتحريم قوله ليس لنا مثل السوء وكذلك
قوله لا يحل للرجل. قال في الفتح وإلى القول
بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تقبض ذهب جمهول
العلماء إلا هبة الوالد لولده وستأتي: وذهبت
الحنفية والهادوية إلى حل الرجوع في الهبة دون
الصدقة الا إذا حصل مانع من الرجوع كالهبة لذي
رحم ونحو ذلك مما هو مذكور في كتب الفقه من
الموانع. قال الطحاوي ان قوله لا يحل لا
يستلزم التحريم قال وهو كقوله لا تحل الصدقة
لغني وإنما معناه لا يحل له من حيث يحل لغيره
من ذوي الحاجة وأراد بذلك التغليظ في الكراهة
قال الطبري يخص من عموم هذا الحديث من وهب
بشرط الثواب ومن كان والدا والموهوب له ولده
والهبة لم تقبض والتي ردها الميراث إلى الواهب
لثبوت الأخبار باستثناء كل ذلك وأما ما عدا
ذلك كالغني يثيب الفقير ونحو م يصل رحمه فلا
رجوع قال ومما لا رجوع فيه مطلقا الصدقة براد
ثوب الآخرة قال في الفتح اتفقوا على أنه لا
يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض اه وقد أخرج
مالك عن عمر أنه قال من وهب هبة يرجو ثوابها
فهي رد على صاحبها ما لم يثب منه. ورواه
البيهقي عن ابن عمر مرفوعا وصححه الحاكم قال
الحافظ صححه الحاكم من رواية ابن عمر عن عمر
ورواه عبد اللّه بن موسى مرفوعا قيل وهو
وهم. قال الحافظ صححه الحاكم وابن حزم ورواه
ابن حزم أيضا عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ الواهب
أحق بهبته ما لم يثب منها. وأخرجه أيضا ابن
ماجه والدارقطني ورواه الحاكم من حديث الحسن
عن سمرة مرفوعا بلفظ
"إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع". ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس قال الحافظ وسنده ضعيف. قال
ابن الجوزي أحاديث ابن عمر وأبي هريرة وسمرة
ضعيفة وليس منها ما يصح. وأخرج الطبراني في
الكبير عن ابن عباس مرفوعا
"من وهب هبة فهو أحق بها حتى يثاب عليها فإن
رجع في هبته فهو
ج / 6 ص -11-
كالذي يقئ ويأكل منه" فإن صحت هذه الأحاديث كانت مخصصة لعموم حديث الباب فيجوز الرجوع في
الهبة قبل الأثابة عليها ومفهوم حديث سمرة يدل
على جواز الرجوع في الهبة لغير ذي الرحم قوله
"إلا الوالد فيما يعطي ولده" استدل به على
أن للأب أن يرجع فيما وهب لابنه وإليه ذهب
الجمهور وقال أحمد لا يحل للواهب أن يرجع في
هبته مطلقا وحكاه في البحر عن أبي حنيفة
والناصر والمؤيد باللّه تجريجا له. وحكى في
الفتح عن الكوفيين أنه لا يجوز للأب الرجوع
إذا كان الابن الموهوب له صغيرا أو كبيرا
وقبضها وهذا التفضيل لا دليل عليه واحتج
المانعون مطلقا بحديث ابن عباس المذكور في
الباب ويرد عليهم الحديث المذكور بعده المقترن
بمخصصه. ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور
والأحاديث الآتية في الباب الذي بعد هذا
المصرحة بأن الولد وما ملك لأبيه فليس رجوعه
في الحقيقة رجوعا وعلى تقدير كونه رجوعا فربما
اقتضته مصلحة التأديب ونحو ذلك. واختلف في
الأم هل حكمها حكم الأب في الرجوع أم لا فذهب
أكثر الفقهاء إلى الأول كما قال في صاحب الفتح
واحتجوا بأن لفظ الوالد يشملها وحكى في البحر
عن الأحكام والمؤيد باللّه وأبي طالب والأمام
يحيى أنه لا يجوز لها الرجوع إذ رجوع الأب
مخالف للقياس فلا يقاس عليه والمالكية فرقوا
بين الأب والأم فقالوا للأم أن ترجع إذا كان
الأب حيا دون ما إذا مات وقيدوا رجوع الأب بما
إذا كان الابن الموهوب له لم يستحدث دينا أو
ينكح وبذلك قال إسحاق والحق أنه يجوز للأب بما
الرجوع في هبته لولده مطلقا وكذلك الأم إن صح
إن لفظ الوالد يشملها لغة أو شرعا لأنه خاص
وحديث المنع من الرجوع عام فيبنى العام على
الخاص. قال في المصباح الوالد الأب وجمعه
بالواو والنون والوالدة الأم جمعها بالأف
والتاء والوالدان الأب والأم للتغليب اه وحديث
سمرة المتقدم بلفظ
"إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع"
مخصص بحديث الباب لأن الرحم على فرض شموله
للابن أعم من هذا الحديث مطلقا وقد قيل ان
الرحم غلب إلى غير الولد فهو حقيقة عرفية
لغوية فيما عداه فإن صح ذلك فلا تعارض.
باب ما جاء في
أخذ الوالد من مال ولده
1 - عن عائشة قالت
"قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"ان أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم" رواه أخمسة وفي لفظ
"ولد الرجل من أطيب كسبه فكلوا من أموالهم هنيئا" رواه أحمد.
2 - وعن جابر "أن رجلا
قال يا رسول اللّه إن لي مالا وولدا وإن أبي
يريد أن يجتاح مالي فقال
"أنت ومالك لأبيك" رواه ابن ماجه.
3 - وعن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده "أن أعرابيا أتى
ج / 6 ص -12-
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال إن أبي
يريد أن يجتاح مالي فقال
"أنت ومالك لوالدك إن أطيب ما أكلتم من كسبكم
وإن أولادكم من كسبكم فكلوه هنيئا" رواه أحمد وأبو داود وقال فيه "إن رجلا أتى النبي فقال إن لي
مالا وولدا وإن والدي" الحديث.
حديث عائشة أخرجه أيضا
ابن حبان في صحيحه والحاكم ولفظ أحمد أخرجه
أيضا الحاكم وصححه أبو حاتم وأبو زرعة واعله
ابن القطان بأنه من عمارة عن عمته وتارة عن
أمه وكلتاهما لا يعرفان. وزعم الحاكم في
موضع من مستدركه بعد أن أخرجه من طريق حماد بن
أبي سليمان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة
بلفظ
"أموالهم لكم إذا احتجتم إليها" أن الشيخين أخرجاه باللفظ الأول الذي فيه الأمر بالأكل من أموال
الأولاد ووهم في ذلك فإنهما لم يخرجاه. وقال
أبو داود زيادة
"إذا احتجتم إليها منكرة" ونقل عن ابن المبارك عن سفيان قال حدثني به حماد ووهم فيه.
وحديث جابر قال ابن القطان إسناده صحيح.
وقال المنذري رجال ثقات. وقال الدارقطني
تفرد به عيسى بن يونس بن أبي إسحاق وطريق أخرى
عند الطبراني في الصغير والبيهقي في الدلائل
فيها قصة مطولة. وحديث عمرو بن شعيب أخرجه
أيضا ابن خزيمة وابن الجارود.
ـ وفي الباب ـ عن سمرة
عند البزار وعن عمر عند البزار أيضا. وعن
ابن مسعود عند الطبراني. وعن ابن عمر عند
أبي يعلى وبمجموع هذه الطرق ينتهض للاحتجاج
فيدل على أن الرجل مشارك لولده في ماله فيجوز
له الأكل منه سواء أذن الولد أو لم يأذن يجوز
له أيضا أن يتصرف به كما يتصرف بماله ما لم
يكن ذلك على وجه السرف والسفه وقد حكى في
البحر الإجماع على أنه يجب على الولد الموسر
مؤنة الأبوين المعسرين. قوله: "يريد أن
يجتاح" بالجيم بعدها فوقية وبعد الألف حاء
مهملة وهو الأستئصال كالاجاحة ومن الحائجة
للشدة المجتاحة للمال كذا في القاموس.
قوله: "أنت ومالك لأبيك" قال ابن رسلان
اللام للإباحة لا للتمليك فإن مال الولد له
وزكاته عليه وهو موروث عنه.
باب العمري
والرقبي
1 - عن أبي هريرة عن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"العمري ميراث لأهلها أو قال جائزة" متفق عليه.
2 - وعن يزيد بن ثابت
قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
وسلم
"من أعمر عمري فهي لمعمره محياه ومماته لا
ترقبوا من أرقب شيئا فهي سبيل الميراث"
رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وفي لفظ "أن النبي صلى اللّه
عليه وآله وسلم قال
"الرقبى جائزة" رواه النسائي. وفي لفظ "جعل الرقبى للذي أرقبها" رواه أحمد
والنسائي. وفي لفظ "جعل الرقبى للوارث"
رواه أحمد.
ج / 6 ص -13-
3 - وعن ابن عباس قال "قال رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم
"العمري جائزة لمن أعمرها والرقبى جائز لمن أرقبها"
رواه أحمد والنسائي.
4 - وعن ابن عمر قال
"قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه
فهو له حياته ومماته"
رواه أحمد والنسائي.
5 - وعن جابر قال "قضى
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالعمري
لمن وهبت له" متفق عليه. وفي لفظ قال
"أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فمن أعمر عمري فهي للذي أعمر حيا
وميتا ولعقبه"
رواه أحمد ومسلم. وفي رواية قال
"العمري جائزة لاهلها والرقبى جائزة لاهلها"
رواه الخمسة. وفي رواية
"من أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه
فيها وهي لمن أعمر وعقبه"
رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه . وفي
رواية قال
"إيما رجل أعمر عمري له ولعقبه فإنها للذي
يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى
عطاء وقعت فيه المواريث"
رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه. وفي
لفظ عن جابر "إنما العمري التي أجازها رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن تقول هي لك
ولعقبك فأما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع
إلى صاحبها" رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
وفي رواية "أن النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم قضى بالعمري أن يهب الرجل للرجل ولعقبه
الهبة ويستثنى أن حدث بكل حدث ولعقبك فهي إلى
وإلى عقبى أنها لمن أعطيها ولعقبه" رواه
النسائي.
6 - وعن جابر أيضا
"أن رجلا من الأنصار أعطى أمه حديقة من نخيل
حياتها فماتت فجاء أخوته فقالوا نحن فيه شرع
سواء قال فأبى فاحتصموا إلى النبي صلى اللّه
عليه وآله وسلم فقسمها بينهم ميراثا" رواه
أحمد .
حديث زيد بن ثابت أخرجه
أيضا ابن ماجه وابن حبان وحديث ابن عباس قال
الحافظ في الفتح إسناده صحيح وحديث ابن عمر هو
من طريق ابن جريج عن عطاء عن حبيب بن أبي ثابت
عنه وقد اختلف في سماع حبيب من ابن عمر فصرح
به النسائي ورجال إسناده ثقات. وحديث جابر
الآخر أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري.
وقال ابن رسلان في شرح السنن
ج / 6 ص -14-
ما لفظه هذا الحديث رواه أحمد ورجاله رجال
الصحيح اه ويشهد لصحته أحاديث الباب المصرحة
بأن المعمر والمرقب يكون أولى بالعين في حياته
وورثته من بعده.
- وفي الباب - عن سمرة
عند أحمد وأبي داود والترمذي وهو من سماع
الحسن عنه وفيه مقال كما تقدم.
قوله:"العمري" بضم العين المهملة وسكون
الميم مع القصر. قال في الفتح وحكى ضم الميم
مع ضم أوله وحكى فتح أوّله مع السكون وهي
مأخوذة من العمر وهو الحياة سميت بذلك لأنهم
كانوا في الجاهلية يعطي الرجل الرجل الدار
ويقول له أعمرتك أياها أي أبحتا لك مدة عمرك
وحياتك فقيل لها عمري لذلك. والرقبي بوزن
العمرى مأخوذة من المراقبة لأن كلا منهما
يراقب الآخر متى يموت لترجع إليه وكذا ورثته
يقومون مقامه هذا أصلها لغة. قال في الفتح
ذهب الجمهور إلى أن العمري إذا وقعت كانت ملكا
للآخر ولا ترجع إلى الأول الا إذا صرح باشتراط
ذلك وإلى أنها صحيحة جائزة وحكى الطبري عن بعض
الناس والماوردي عن داود وطائفة وصاحب البحر
عن قوم من الفقهاء أنها غير مشروعة ثم اختلف
القائلون بصحتها إلى ما يتوجه التمليك
فالجمهور أنه يتوجه إلى الرقبة كسائر الهبات
حتى لوكان المعمر عبدا فأعتقه الموهوب له نفذ
بخلاف الواهب وقيل يتوجه إلى المنفعة دون
الرقبة وهو قول مالك والشافعي في القديم وهل
يسلك بها مسلك العارية أو الوقف روايتان عند
المالكية وعند الحنفية التمليك في العمري
يتوجه إلى الرقبة وفي الرقبى إلى المنفعة
وعنهم أنها باطلة وقد حصل من مجموع الروايات
ثلاثة أحوال.
الأول
أن يقول أعمرتكها ويطلق فهذا تصريح بأنها
للموهوب له وحكمها حكم المؤبدة لا ترجع إلى
الواهب وبذلك قالت الهادوية والحنفية والناصر
ومالك لأن المطلقة عندهم حكمها حكم المؤبدة
وهو أحد قولي الشافعي والجمهور وله قول آخر
أنها تكون عارية ترجع بعد الموت إلى المالك
وقد قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
بأن المطلقة للمعمر ولورثته من بعده كما في
أحاديث الباب.
الحال الثاني
أن يقول هي لك ما عشت فإذا مت رجعت إلى فهذه
عارية مؤقتة ترجع إلى المعيير عند موت المعمر
وبه قال أكثر العلماء ورجحه جماعة من الشافعية
والأصح عند أكثرهم لا ترجع إلى الواهب واحتجوا
بأنه شرط فاصد فيلغى واحتجوا بحديث جابر
الأخير فإن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
حكم على الأنصاري الذي أعطى أمه الحديقة
حياتها أن لا ترجع إليه بل تكون لورثتها.
ويؤيد هذا الحديث الرواية التي قبله أن النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى في العمري مع
الأستثناء بأنها لمن أعطيها ويعارض ذلك ما في
حديث جابر أيضا المذكور في الباب بلفظ
"فأما إذا قلت هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها" ولكنه قال معمر كان الزهري يفتي به ولم يذكر التعليل وبين من طريق
ابن أبي ذئب عن الزهري أن التعليل من قول أبي
سلمة. قال الحافظ وقد أوضحته في كتاب
المدرج.
ـ والحاصل ـ إن الروايات
المطلقة في أحاديث الباب تدل على أن العمري
والرقبى تكون للمعمر والمرقب ولعقبه سواء كانت
مقيدة بمدة العمر أو مطلقة أو مؤيدة ويؤيد ذلك
الروايتان المتقدمتان في دليل من قال إن
المقيدة بمدة الحياة لها حكم المؤبدة وهذا
الرواية القاضية بالفرق
ج / 6 ص -15-
بين التقييد بمدة الحياة وبين الإطلاق
والتأييد معلوة بالأدراج فلا تنتهض تقييد
المطلقات ولا لمعارضة ما يخالفها.
الحال الثالث
أن يقول هي لك ولعقبك من بعدك أو يأتي بلفظ
يشعر بالتأبيد فهذه حكمها حكم الهبة عند
الجمهور وروى عن مالك أنه يكون حكمها حكم
الوقف إذا انقرض المعمر وعقبه رجعت إلى الواهب
وأحاديث الباب القاضية بأنها ملك للموهوب له
ولعقبه ترد عليه. قوله "فهي لمعمره" بضم
الميم الأولى وفتح الثانية اسم مفعول من
أعمر. قوله "محياه ومماته" بفتح الميمين
أي مدة حياته وبعد موته. قوله
"لاتعمروا" الخ. قال القرطبي لا يصح حمل
هذا النهي على التحريم لصحة الأحاديث المصرحة
بالجواز. وقيل أن النهي يتوجه إلى اللفظ
الجاهلي لأن الجاهلية كانت تستعملها كما
تقدم. وقيل النهي يتوجه إلى الحكم ولا ينافي
الصحة وفيه نظر لأن معنى النهي حقيقة التحريم
المسلتزم للفساد المرادف للبطلان الا أن يحمل
على الكراهة بقرينه قوله صلى اللّه عليه وآله
وسلم العمري جائزة. قوله:"فمن أعمر"
بضم الهمزة وكذا قوله أو أرقبه". قوله
"ولعقبه" بكسر القاف وسكونها للتخفيف
والمراد ورثته الذين يأتون بعده.
قوله:"حديقة" هي البستان يكون عليه
الحائط فعليه بمعنى مفعولة لأن الحائط أحدق
بها أي أحاط ثم توسعوا حتى أطلقوا الحديقة على
البستان وإن كان بغير حائط.
قوله:"شرع" بفتح
الشين المعجمة والراء أي سواء. ذكر معنى ذلك
في القاموس.
باب ما جاء في
تصرف المرأة في مالها ومال زوجها
1 - عن عائشة رضي اللّه
عنها قالت "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم
"إذا انفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة
كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب
وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض
شيئا"
رواه الجماعة.
2 - وعن أبي هريرة قال
"قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره
فله نصف أجره"
متفق عليه. ورواه أبو داود وروي أيضا عن أبي
هريرة موقوفا "في المرأة تصدق من بيت زوجها
قال لا الا من قوتها والأجر بينهما ولا يحل أن
تصدق من مال زوجها إلا بأذنه"
3 - وعن أسماء بنت أبي
بكر أنها "قالت يا رسول اللّه ليس لي شيء
إلا ما ادخل علي الزبير فهل علي جناح أن أرضخ
مما يدخل على فقال
"أرضخي ما أستطعت ولا توعي فيوعى اللّه عليك" متفق عليه. وفي لفظ عنها "أنها سألت النبي صلى اللّه عليه
وآله وسلم إن الزبير رجل شديد ويأتيني
ج / 6 ص -16-
المسكين فأتصدق عليه من بيته بغير أذنه فقال
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"ارضخي ولا توعي فيوعى اللّه عليك"
رواه أحمد. أثر أبي هريرة الموقوف عليه سكت
عنه أبو داود والمنذري وإسناده لا بأس به.
ومحمد بن سوار وثقه ابن حبان وقال يغرب.
ـ وفي الباب ـ عن أبي
أمامة عند الترمذي وحسنه قال "قال رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"لا تنفق المرأة من بيت زوجها الا بأذنه"
قيل يا رسول اللّه ولا الطعام قال
"ذلك أفضل أموالنا".
قوله "إذا انفقت المرأة" الخ قال ابن
العربي اختلف السلف فيما إذ تصدقت المرأة من
بيت زوجها فمنهم من أجازه لكن في الشيء اليسير
الذي لا يؤبه له ولا يظهر به النقصان ومنهم من
حمله على ما إذا أذن الزوج ولو بطريق الاجمال
وهو اختيار البخاري واما التقييد بغير الأفساد
فمتفق عليه. ومنهم من قال المراد بنفقة
المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب
المال في مصالحه وليس ذلك بأن ينفقوا علي
الغرباء بغير أذن. ومنهم من فرق بين المرأة
فقال المرأة لها حق مال الزوج والنظر فجاز لها
أن تتصدق بخلاف الخادم فليس له تصرف في متاع
مولاه فيشترط الأذن فيه. قال الحافظ وهو
متعقب بأن المرأة ان استوفت حقها فتصدقت منه
فقد تخصصت به وإن تصدقت من غير حقها رجعت
المسألة كما كانت. قوله "وللخازن" في
رواية للبخاري من حديث أبي موسى التقييد بكون
الخازن مسلما فأخرج الكافر لكونه لانية له
وبكونه أمينا فأخرج الخائن لأنه مأزور وتكون
نفسه بذلك طيبة لئلا تعدم النية فيفقد الأجر
وهي قيود لا بد منها. قوله: "مثل ذلك"
ظاهره يقتضي تساويهم في الأجر ويحتمل أن يكون
المراد بالمثل حصول الأجر في الجملة وإن كان
أجر الكاسب أوفر لكن قوله في حديث أبي هريرة
فله نصف أجره يشعر بالتساوي. قوله: "لا
ينقص بعضهم" الخ المراد عدم المساهمة
والمزاحمة في الأجر ويحتمل أن يراد مساواة
بعضهم بعضا. قوله "عن غير أمره" ظاهر
هذه الرواية أنه يجوز للمرأة أن تنفق من بيت
زوجها بغير إذنه ويكون لها أوله نصف أجره على
اختلاف النسختين كما سيأتي وكذلك ظاهر رواية
أحمد المذكورة في حديث أسماء ولكن ليس فيها
تعرض لمقدار الأجر ويمكن أن يقال يحمل المطلق
على المقيد ولا يعارض ذلك قول أبي هريرة
المذكور في الباب لأن أقوال الصحابة ليست بحجة
ولا سيما إذا عارضت المرفوع وإنما يعارضه حديث
أبي أمامة الذي ذكرناه فإن ظاهره نهى المرأة
عن الانفاق من مال الزوج إلا بأذن والنهي عن
حقيقة في التحريم والمحرم لا يستحق فاعله عليه
ثوابا ويمكن أن يقال أن النهي للكراهة فقط
والقرينة الصارفة إلى ذلك حديث أبي هريرة
وحديث أسماء وكراهة التنزيه لا تنافي الجواز
ولا تستلزم عدم استحقاق الثواب. قال في
الفتح والأولى أن يحمل يعني حديث أبي هريرة
على ما إذا أنفقت من الذي يخصها إذا تصدقت به
بغير استئذانه فإنه يصدق كونه من كسبه فيؤجر
عليه وكونه بغير أمره ويحتمل أن يكون اذن لها
بطريق الأجمال لكن انتفى ما كاه بطريق التفصيل
قال ولا بد من الحمل على أحد هذين المعنيين
وإلا فحيث كان من ماله بغير إذنه لا اجمالا
ولا تفصيلا فهي مأزورة بذلك لا مأجورة
ج / 6 ص -17-
وقد ورد فيه حديث ابن عمر عند الطيالسي
وغيره اه. قوله "فله نصف أجره" هكذا في
رواية للبخاري. وفي رواية أخرى "فلها نصف أجره" وعلى النسخة الأولى يكون للرجل الذي تصدقت امرأته من كسبه بغير
إذنه نصف أجره على تقدير وقوع الأذن منه لها
وعلى النسخة الثانية يكون للمرأة المتصدقة
بغير أذن زوجها نصف أجرها على تقدير أذنه
له. قال في الفتح أو المعنى بالنصف أن أجره
وأجرها إذا جمعا كان لها النصف من ذلك فلكل
منهما أجر كامل وهما أثنان فكأنهما نصفان.
قوله: "إن أرضخ" بالصاد والخاء
المعجمتين قال في القاموس رضخ له أعطاه عطاء
غير كثير. قوله "ولا توعى فيوعي اللّه
عليك" بالنصب لكونه جواب النهي والمعنى لا
تجمعي في الوعاء وتبخلى بالنفقة فتجازى بمثل
ذلك.
4 - وعن سعد قال "لما
بايع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم النساء
قالت امرأة جليلة كأنها من نساء مضر يا نبي
اللّه أنأكل على آبائنا وأبنائنا" قال أبو
داود وأرى فيه "وأزواجنا فما يحل لنا من
أموالهم قال
"الرطب تأكلنه وتهدينه". رواه أبو داود. وقال الرطب الخبز والبقل والرطب.
5 - وعن جابر قال شهدت
العيد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا أقامة
ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى اللّه وحثه
على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى
النساء فوعظهن وذكرهن وقال "تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم" فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت لم يا رسول اللّه
قال
"لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشيرة" قالت فجعلن يتصدقن من حلبهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن
وخواتيمهن" متفق عليه.
حديث سعد سكت عنه أبو
داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح إلا
محمد بن سوار وقد وثقه ابن حبان وقال يغرب.
قوله: "قال الرطب" بفتح الراء وسكون
الطاء المهملة والرطب المذكور آخرا بضم الراء
وفتح الطاء. قال في القاموس الرطب ضد اليابس
ثم قال وبضمة وبضمتين الرعي الأخضر م البقل
والشجر قل وثمر رطيب مرطب وارطب النخل حاو
أوان رطبه.
وفي الحديث دليل على أنه
يجوز للمرأة أن تأكل من مال ابنها وأبيها
وزوجها بغير أذنهم وتهادي ولكن ذلك مختص
بالأمور المأكولة التي لا تدخر فلا يجوز لها
أن تهادي بالثياب والدارهم
ج / 6 ص -18-
والدنانير والحبوب وغير ذلك. وقوله
"إناكل" بكسر الهمزة وتشديد النون وكل
بفتح الكاف وتشديد اللام خير أن أي نحن عيال
عليهم ليس لنا من الأموال ما ننتفع به.
قوله: "فقامت امرأة" قال الحافظ لم أقف
على تسمية هذه المرأة الا أنه يختلج في خاطري
أنا أسماء بنت يزيد بن السكن التي تعرف بخطيبة
النساء فإنها روت أصل هذه القصة في حديث أخرجه
البيهقي والطبراني وغيرهما بلفظ "خرج رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى النساء
وأنا معهن فقال
"يامعشر النساء إنكن أكثر حطب جهنم"
فناديت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
وكنت عليه جريئة ولم يا رسول اللّه صلى اللّه
عليه وآله وسلم
"لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير"
فيبعد أن تكون هي التي أجابته فإن القصة
واحدة. قوله:"من سطة النساء" أن من
خيارهن والسفعاء التي في خذها غبرة وسواد.
والعشير المراد به ههنا الزوج.
والحديث فيه فوائد منها
ما ذكره المصنف ههنا لأجله وهو جواز صدقة
المرأة من مالها من غير توقف على أذن زوجها أو
على مقدار معين من مالها كالثلث. ووجه
الدلالة من القصة ترك الاستفصال عن ذلك كله.
قال القرطبي ولا يقال في هذا أن أزواجهن كانوا
حضورا لأن ذلك لم ينقل ولو نقل فليس ليه تسليم
أزواجهن لهن ذلك فإن من ثبت له حق فالأصل
بقاؤه حتى يصرح باسقاطه ولم ينقل أن القوم
صرحوا بذلك وسيأتي الخلاف في ذلك قريبا.
ومنها أن الصدقة من دوافع العذاب لانه أمرهن
بالصدقة ثم علل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع
منهن من كفران النعم وغير ذلك. ومنها بذل
النصيحة والإغلاظ بها بمن احتيج إلى ذلك في
حقه. ومنها جواز طلب الصدقة من الأغنياء
للمحتاجين ولو كان الطالب غير محتاج. ومنها
مشروعية وعظ النساء وتعليمهن أحكام الأسلام
وتذيرهن بما يجب عليهن وحثهن على الصدقة
وتخصيصهن بذلك في مجلس منفرد ومحل ذلك كله إذا
أمنت الفتنة والمفسدة.
6 - وعن عبد اللّه بن
عمرو "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
قال
"لا يجوز للمرأة عية الا بأذن زوجها"
رواه أحمد والنسائي وأبو داود. وفي لفظ "لا
يجوز للمرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها
عصمتها"
رواه الخمسة إلا الترمذي.
الحديث سكت عنه أبو داود
والمنذري وقد أخرجه البيهقي والحاكم في
المستدرك وفي إسناده عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده وحديثه من قسم الحسن وقد صحح له الترمذي
أحاديث ومن دون عمرو بن شعيب هم رجال الصحيح
عند أبي داود.
ـ وفي الباب ـ عن خيرة
امرأة كعب بن مالك عن النبي صلى اللّه عليه
وآله وسلم نحوه. قوله "أمر" أي عطية من
العطايا ولعله عدل عن العطية إلى الأمر لما
بين لفظ المرأة والأمر من الجناس الذي هو نوع
من أنواع البلاغة. وقد استدل بهذا الحديث
على أنه لا يجوز للمرأة أن تعطي من مالها بغير
أذن زوجها ولو كانت رشيدة وقد اختلف في ذلك
فقال الليث لا يجوز لها ذلك مطلقا الا في
الثلث ولا فيما دونه الا في الشيء التافه.
وقال طاوس ومالك أنه يجوز لها أن تعطي
مالها. بغير أذنه في الثلث لا فيما فوقه فلا
يجوز الا بأذنه وذهب الجمهور إلى أنه
ج / 6 ص -19-
يجوز لها مطلقا من غير أذن من الزوج إذا لم
تكن سفيهة فإن كانت سفيهة لم يجز. قال في
الفتح وأدلة الجمهور من الكتاب والسنة كثيرة
انتهى. وقد استدل البخاري في صحيحه على جواز
ذلك بأحاديث ذكرها في باب هبة المرأة لغير
زوجها من كتاب الهبة ومن جملة أدلة الجمهور
حديث جابر المذكور قبل هذا وحملوا حديث الباب
على ما إذا كانت سفيهة غير رشيدة وحمل مالك
أدلة الجمهور على الشيء اليسير وجعل حده الثلث
فما دونه ومن جملة أدلة الجمهور الأحاديث
المتقدمة في أول الباب القاضية بأنه يجوز لها
التصديق من مال زوجها بغير أذنه وإذا جاز لها
ذلك في ماله بغير أذنه فبالأولى الجواز في
مالها والأولى أن يقال يتعين الأخذ بعموم حديث
عبد اللّه بن عمرو وما ورد من الواقعات
المخالفة له تكون مقصورة على مواردها أو مخصصة
لمثل من وقعت له من هذا العموم وأما مجرد
الاحتمالات فليست مما تقوم به الحجة.
باب ما جاء في
تبرع العبد
1 - عن عمير مولى آبي
اللحم قال "كنت مملوكا فسألت النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم أتصدق من مالي مولاي
بشيء قال "نعم والأجر بينكما"
رواه مسلم.
2 - وعنه قال "أمرني
مولاي أن أقدر لحما فجاءني مسكين فأطعمته منه
فضربني فأتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
وسلم فذكرت له ذلك فدعاه فقال
"لم ضربته" فقال يعطى طعامي من غير أن آمره فقال
"الأجر بينكما".
رواه أحمد ومسلم والنسائي.
3 - وعن سلمان الفارسي
قال "أتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
بطعام وأنا مملوك فقلت هذه صدقة فأمر أصحابه
فأكلوا ولم يأكل ثم أتيته بطعام فقلت هذه هدية
أهديتها لك أكرمك بها فأني رأيتك لا تأكل
الصدقة فأمر أصحابه فأكلوا وأكل معهم" .
رواه أحمد.
4 - وعن سلمان قال
"كنت استأذنت مولاي في ذلك فطيب لي فأحتطبت
حطبا فبعته فأشتريت ذلك الطعام". رواه
أحمد.
حديث سلمان الأول في
إسناده ابن إسحاق وبقية رجاله رجال الصحيح
وحديث سلمان الثاني في إسناده أبو مرة سلمة بن
معاوية: قال في مجمع الزوائد ولم أجد من
ترجمه انتهى. ويشهد لصحة معناه ما في صحيح
البخاري من حديث عائشة قالت "كان رسول اللّه
صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا أتي بطعام يسأل
أهدية أم صدقة فإن قيل صدقة قال لاصحابه كلوا
وإن قيل هدية ضرب بيده فأكل معهم" والأحاديث
في هذا الباب كثيرة. قوله:"قال نعم
والأجر بينكما" فيه دليل على أنه يجوز للعبد
أن
ج / 6 ص -20-
يتصدق من مال مولاه وأنه يكون شريكا للمولى
في الأجر وقد بوب البخاري في صحيحه لذلك فقال
باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه.
وقال أبو موسى عن النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم هو أحد المتصدقين ثم أورد حديث عائشة
قالت "قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
"إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت
ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص
بعضهم أجر بعض" قال ابن رشد نبه يعني البخاري بالترجمة على أن هذا الحديث مفسر
لها لأن كلا من الخازن والخادم والمرأة أمين
ليس له أن يتصرف الا بأذن المالك نصا أو عرفا
اجمالا أو تفصيلا انتهى. ولكن الرواية
الأخرى من الحديث مشعرة بأن يكتب للعبد أجر
الصدقة وإن كان بغير أذن سيده لأن النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم حكم بأن الأجر بينهما
بعد أن قال له سيد العبد أنهي يعطى طعامه من
غير أمره. قوله: "إن أقدر لحما" بفتح
الهمزة وسكون القاف وكسر الدال المهملة أي
اجعله في القدر والقدير والقادر ما يطبخ في
القدر ويطلق على القسمة قال في القاموس قدر
الرزق قسمه وقال أيضا قدرته أقدره قدارة هيأت
ووقت وآبي اللحم المذكور هو بالمد مزنة فاعل
من الاباء وقد قدمنا في هذا الشرح التنبيه على
ذلك وإنما أعدناه ههنا لكثرة التباسه. |