نيل
الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ط مكتبة الدعوة
الإسلامية ج / 6 ص -54-
كتاب الفرائض
1 - عن أبي هريرة قال
"قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"تعلموا الفرائض وعلموها فإنها نصف العلم وهو
ينسي وهو أول شيء ينزع من أمتي".
رواه ابن ماجه والدارقطني.
2 - وعن عبد اللّه بن
عمرو "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
وسلم قال
"العلم ثلاثة وما سوى ذلك فضل أية محكمة أو
سنة قائمة أو فريضة عادلة". رواه أبو داود وابن ماجه.
3 - وعن الأحوص عن ابن
مسعود قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم "تعلموا
القرآن وعلموه الناس وتعلموا الفرائض وعلموها
فإني امرؤ مقبوض والعلم مرفوع ويوشك أن يختلف
اثنان في الفريضة والمسألة فلا يجدان أحدا
يخبرهما".
ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد اللّه.
4 - وعن أنس قال "قال
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"أرحمن أمتي بأمتي أبو بكر وأشدها في دين اللّه عمر
وأصدقها حياء عثمان وأعلمها بالحلال والحرام
معاذ بن جبل واقرؤها لكتاب اللّه عز وجل أبي
وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت ولكل أمة أمين
وأمين هذه الأمة أبو عبيد بن الجراح".
رواه أحمد وابن ماجه والنسائي.
حديث أبي هريرة أخرجه
أيضا الحاكم ومداره على حفص بن عمر بن أبي
العطاف وهو متروك وحديث عبد اللّه بن عمرو في
إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي
وقد تكلم فيه غير واحد وفيه أيضا عبد الرحمن
بن رافع التنوخي قاضي افريقية وقد غمزه
البخاري وابن أبي حاتم. وحديث ابن مسعود
أخرجه أيضا النسائي والحاكم والدارمي
والدارقطني من رواية عن سليمان بن جابر عنه
وفيه انقطاع بين عوف وسليمان ورواه النضر بن
شميل وشريك وغيرهما متصلا. وأخرجه أيضا
الطبراني في الأوسط وفي إسناده محمد بن عقبة
السدوسي وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم وفيه
أيضا سعيد بن أبي بن كعب وقد ذكره ابن حبان في
الثقات وأخرجه أيضا أبو يعلى والبزار وفي
إسنادهما من لا يعرف. وأخرج نحوه الطبراني
في الأوسط عن أبي بكر والترمذي عن أبي
هريرة. وحديث أنس صححه الترمذي والحاكم وابن
حبان وقد أعل بالإرسال وسماع أبي قلاة من أنس
صحيح الا أنه قيل لم يسمع منه هذا. وقد ذكر
الدارقطني الاختلاف على أبي قلابة في العلل
ورجح هو والبيهقي والخطيب في المدرج ان
الموصول منه ذكر أبي عبيدة والباقي مرسل.
ورجح ابن المواق وغيره رواية الموصول وله طريق
أخرى عن أنس أخرجها الترمذي.
ـ وفي الباب ـ عن جابر
عند الطبراني في الصغير
ج / 6 ص -55-
بإسناد ضعيف. وعن أبي سعيد عند العقيلي في
الضعفاء. وعن ابن عمر عند ابن عدي وفي
إسناده كوثر وهو متروك. قوله "الفرائض"
جمع فريضة كحدائق جمع حديقة وهي مأخوذة من
الفرض وهو القطع يقال فرضت لفلان كذا أي قطعت
له شيئا من المال وقيل هي من الفرض وهو القطع
يقال فرضت لفلان كذا أي قطعت له شيئا من المال
وقيل هي من فرض القوس وهو الحز الذي في طرفه
حيث يوضع الوتر ليثبت فيه ويلزمه ولا يزول كذا
قال الخطابي. وقيل الثاني خاص بفرائض اللّه
تعالى وهي ما الزم به عباده لمناسبة اللزوم
لما كان الوتر يلزم محله قوله: "فإنه نصف
العلم" قال ابن الصلاح لفظ النصف ههنا عبارة
عن القسم الواحد وان لم يتساويا. وقال ابن
عيينة إنما قيل له نصف العلم لأ،ه يبتلي به
الناس وفيه الترغيب في تعلم الفرائض وتعليمها
والتحريض على حفظها لانها كانت تنسى وكانت أول
ما ينزع من العلم كان الأعتناء بحفظها أهم من
معرفتها لذلك أقوم. قوله "وما سوى ذلك
فضل" فيه دليل على أن العلم الذي ينبغي
تعلمه وتعليمه هو الثلاثة المذكورة وما عداها
ففضل لا تمس إليه حاجة. قوله "فلا يجدان
احدا يخبرهما" فيه الترغيب في طلب العلم
خصوصا علم الفرائض لما سلف من أنه ينسي وأول
ما ينزع قوله: "وعن أنس" الخ فيه دليل
على فضيلة كل واحد من الصحابة المذكورين وان
زيد بن ثابت أعلمهم بالفرائض فيكون الرجوع
إليه عند الاختلاف فيها أولى من الرجوع إلى
غيره ويكون قوله فيها مقدما على أقوال سائر
الصحابة ولهذا اعتمده الشافعي في الفرائض.
باب البداءة
بذوي الفروض وإعطاء العصبة ما بقي
1 - وعن ابن عباس عن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولي رجل ذكر". متفق عليه.
قوله "ألحقوا الفرائض
بأهلها" الفرائض الأنصباء المقدرة وأهلها
المستحقون لها بالنص. قوله "فما بقي" أي
ما فضل بعد إعطاء ذوي الفروض المقدرة
فروضهم. وقوله "لأولي" أفعل تفضيل من
الولى بمعنى القرب أي لأقرب رجل من الميت.
قال الخطابي المعنى أقرب رجل من العصبة.
وقال ابن بطال المراد إن الرجال من العصبة بعد
أهل الفروض إذا كان فيهم من هو أقرب من الميت
استحق دون من هو أبعد فإن استووا اشتركوا.
وقال ابن التين المراد به العم مع العمة وابن
الأخ مع بنت الأخ وابن العم مع بنت العم فإن
الذكور يرثون دون الإناث وخرج من ذلك الأخ مع
الأخت لأبوين أو لأب فإنهم يشتركون بنص قوله
تعالى {وَإِنْ
كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً
فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} وكذلك الأخوة لأم فإنهم يشتركون هم والأخوات لام لقوله تعالى
{فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ
مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}
قوله "رجل ذكر" هكذا في جميع الروايات
ووقع عند صاحب النهاية والغزالي وغيرهما من
أهل الفقه فلأولي عصبة ذكر واعترض ذلك ابن
الجوزي والمنذري بأن لفظة العصبة ليست
ج / 6 ص -56-
محفوظة. وقال ابن الصلاح فيها بعد عن
الصحة من حيث اللغة فضلا عن الرواية لأن
العصبة اللغة اسم للجمع لا للواحد وتعقب ذلك
الحافظ فقال إن العصبة اسم جنس يقع على الواحد
فأكثر ووصف الرجل بأنه ذكر زيادة في البيان.
وقال ابن التين أنه للتوكيد وتعقبه القرطبي
بأن العرب تعتبر حصول فائدة في التأكيد ولا
فائدة هنا ويؤيد ذلك ما سرح به أئمة المعاني
من أن التأكيد لا بد له من فائدة وهي إما دفع
توهم التجوز أو السهو أو عدم الشمول وقيل إن
الرجل قد يطلق على مجرد النجدة والقوة في
الأمر فيحتاج إلى ذكر ذكر وقيل قد يراد برجل
معنى الشخص فيعم الذكر الأنثى وقال ابن العربي
فائدته هي أن الإحاطة بالميراث جميعه إنما
تكون للذكر لا للأنثى وأما البنت المفردة
فأخذها للمال جميعه بسببين الفرض والرد.
وقيل احترز به عن الخنثى. وقيل إنه قد يطلق
الرجل على الأنثى تغليبا كما في حديث من وجد
متاعه عند رجل وحديث
"أيما رجل ترك مالا"
وقال السهيلي إن ذكر صفة لقوله أولى لا لقوله
رجل وأطال الكلام في تقوية ذلك وتضعيف ما عداه
وتبعه الكرماني وقيل غير ذلك.
والحديث يدل على أن
الباقي بعد استيفاء أهل الفروض المقدرة
لفروضهم يكون لاقرب العصبات من الرجال لا
يشاركه من هو أبعد منه وقد حكى النووي الإجماع
على ذلك وقد استدل به ابن عباس ومن وافقه على
أن الميت إذا ترك بنتا وأختا وأخا يكون للبنت
النصف والباقي للأخت ولا شيء للأخت.
2 - وعن جابر قال
"جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول اللّه
صلى اللّه عليه وآله وسلم بابنتها من سعد
فقالت يا رسول اللّه هاتان ابنتا سعد بن
الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وأن عمهما
أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان الا
بمال فقال يقضي اللّه في ذلك فنزلت آية
الميراث فأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
وسلم إلى عمهما فقال
أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي
فهو لك".
وراه الخمسة إلا النسائي.
الحديث حسنه الترمذي
وأخرجه أيضا الحاكم وفي إسناده عبد اللّه بن
محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي ولا يعرف
الا من حديثه كما قال الترمذي وقد اختلف
الأئمة فيه. قال الترمذي هو صدوق سمعت محمدا
يقول كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديثه
وروى هذا الحديث أبو داود بلفظ "فقالت يا
رسول اللّه هاتان بنتا ثابت بن قيس قتل معك
يوم أحد" قال أبو داود أخطأ فيه بشروهما
بنتا سعد بن الربيع وثابت بن قيس قتل يوم
اليمامة. قوله: "ولا ينكحان الا بمال"
يعني أن الأزواج لا يرغبون في نكاحهن الا إذا
كان معهن مال وكان ذلك معروفا في العرب.
قوله: "فنزلت آية الميراث" أي قوله
تعالى {يُوصِيكُمُ
اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ
حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً
فَوْقَ اثْنَتَيْنِ}
الآية.
الحديث فيه دليل على أن
للبنتين الثلثين وإليه
ج / 6 ص -57-
ذهب الأكثر. وقال ابن عباس بل للثلاث
فصاعدا لقوله تعالى {فَوْقَ
اثْنَتَيْنِ}
وحديث الباب نص في محل النزاع ويؤيده أن اللّه
سبحانه جعل للأختين الثلثين والبنتان أقرب إلى
الميت منما.
3 - وعن زيد بن ثابت
"أنه سئل عن زوج وأخت لأبوين فأعطى الزوج
النصف والأخت النصف وقال حضرت رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم قضى بذلك". رواه
أحمد.
4 - وعن أبي هريرة "أن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال "ما من مؤمن الا أنا أولى به في الدنيا والآخرة
وأقرأ وإن شئتم النبي أولى بالمؤمنين من
أنفسهم فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته
من كانوا ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا
مولاه". متفق عليه .
الحديث الأول في إسناده
أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط وبقية رجاله
رجال الصحيح وفيه دليل على أن الزوج يستحق
النصف والأخت النصف من مال الميت الذي لم يترك
غيرهما وذلك مصرح به في القرآن الكريم أما
الزوج فقال اللّه تعالى
{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} الأية. وأما الأخت فقال اللّه تعالى {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا
نِصْفُ مَا تَرَكَ}
قوله:
"فليرثه عصبته"
في لفظ للبخاري
"فلورثته" وفي رواية لمسلم
"فهو لورثته"
وفي لفظ له "فالى العصبة".
قوله: "ومن ترك دينا أو ضياعا" الضياع
بفتح المعجمة بعدها تحتانية قال الخطابي هو
وصف لمن خلفه الميت بلفظ المصدر أي ترك ذوي
ضياع أي لا شيء لهم قوله: "فليأتني" في
لفظ آخر "فعلى والى" وقد اختلف هل كان
رسول اللّه يقضي دين المديونين من مال المصالح
أو من خالص مال نفسه وقد تقدم في كتاب الحوالة
حديث جابر بلفظ "فلما فتح على رسوله" وفي
لفظ "فلما فتح اللّه عليه" وفي ذلك اشعار
بأنه كان يقضي من مال المصالح واختلفوا هل كان
القضاء واجبا عليه صلى اللّه عليه وآله وسلم
أم لا وقد تقدم بقية الكلام على الحديث في
كتاب الحوالة.
باب سقوط ولا
الأب بالأخوة من الأبوين
1 - وعن علي رضي اللّه
عنه قال "إنكم تقرؤن هذه الآية من بعد وصية
يوصى به أو دين وان رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم قضى بالدين قبل الوصية وان أعيان
بني الأم يتوارثون دون بني العلات الرجل يرث
أخاه لأبيه وامه دون أخيه لأبيه". رواه
أحمد وابن ماجه. وللبخاري منه تعليقا "قضى
بالدين قبل الوصية".
الحديث أخرجه الحاكم وفي
إسناده الحرث الأعور وهو ضعيف وقد قال الترمذي
ج / 6 ص -58-
إنه لا يعرفه الا من حديثه لكن العمل عليه
وكان عالما بالفرائض وقد قال النسائي لا بأس
به. قوله: "فضى بالدين قبل الوصية" قد
تقدم الكلام على هذا في آخر كتاب الوصايا.
قوله: "وان أعيان بني الأم" الأعيان من
الأخوة هم الأخوة من أب وأم. قال في القاموس
في مادة عين وواحد الأعيان للأخوة من أب وأم
وهذه الأخوة تسمى المعاينة انتهى. قوله:
"دون بني العلات" هو أولاد الأمهات
المتفرقة من أب واحد. قال في القاموس والعلة
الضرة وبنو العلات بن أمهات شتى من رجل
انتهى. ويقال للأخوة لأم فقط أخياف بالخاء
المعجمة والياء التحتية وبعد الألف فاء
والحديث يدل على أنه تقدم الأخوة لأب وأم على
الأخوة لأب ولا أعلم في ذلك خلافا.
باب الأخوات مع
البنات عصبة
1 - عن هزيل بن شرحبيل
قال "سئل أبو موسى عن ابنه وابنة ابن وأخت
فقال للابنة النصف وأثت ابن مسعود فسئل ابن
مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال لقد ضللت إذا
وما أنا من المهتدين أقضى فيها بما قضى النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم للبنت ولابنة الابن
السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت" روه
الجاعة إلا مسلما والنسائيئز وزاد أحمد
والبخاري "فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول
ابن مسعود فقال لا تسألوني ما دام هذا الحبر
فيكم".
2 - وعن الأسود: "أن
معاذ بن ورث أختا وابنة جعل لكل منهما النصف
وهو باليمين ونبي اللّه يؤمئذ حي". رواه
أبو داود قوله "هزيل" قال النووي هو
بالزاي اجماعا انتهى.
ووقع في كلام كثير من
الفقهاء هذيل بالذال المعجمة قال الحافظ وهو
تحريف. قوله: "سئل أبو موسى" هذا لفظ
البخاري ولفظ غيره جاء رجل إلى أبو موسى
الأشعري وسلمان بن ربيعة فسألهما عن ابنه
وابنة ابن وأخت لأب وأم فقالا للابنة النصف
وللأخت لأب ولأم النصف ولم يورثا ابنة الابن
شيئا. وبقية الحديث كلفظ البخاري وفيه دليل
على أنه الأخت مع البنت عصبة تأخذ الباقي بعد
فرضها إن لم يكن معها ابنة ابن كما في حديث
معاذ وتأخذ الباقي بعد فرضها وفرض بنت الابن
كما في حديث هزيل وهذا مجمع عليه. وقد رجع
أبو موسى إلى ما رواه ابن مسعود وكانت هذه
الواقعة في أيام عثمان لأن أبا موسى كان وقت
السؤال أميرا على الكوفة وسلمان بن ربيعة
قاضيا بها وإمارة أبي موسى على الكوفة كانت في
ولاية عثمان. قال ابن بطال يؤخذ من هذه
القصة أن للعالم أن يجتهد إذا ظن أن لا نص في
المسألة ولا يترك الجواب إلى أن يبحث عن ذلك
وأن الحجة عند التنازع هي السنة فيجب الرجوع
ج / 6 ص -59-
إليها قال ولا خلاف بين الفقهاء فيما رواه
ابن مسعود. قال ابن عبد البر لم يخالف في
ذلك إلا أبو موسى وسلمان بن ربيعة الباهلي.
وقد رجع أبو موسى عن ذلك ولعل سلمان أيضا رجع
عن ذلك كأبي موسى انتهى. وقد اختلف في صحبة
سلمان المذكور. قوله "لقد ضللت إذا" أي
إذا وقعت مني المتابعة لهما وترك ما وردت به
السنة. قوله: "هذا الحبر" بفتح
المهملة وبكسرها أيضا وسكون الموحدة ورجح
الجوهري الكسر للمهملة وإنما سمي حبرا لتحبيره
الكلام وتحسينه قال أبو عبيد الهروي. وقيل
سمي باسم الحبر الذي يكتب به. قال في الفتح
وهو بالفتح في رواية جميع المحدثين وأنكر أبو
الهيثم الكسر وقال الراغب يسمي العالم حبرا
لما يبقي من أثر علومه قوله: "ونبي اللّه
يومئذ حي" فيه أشارة إلى أن معاذ لا يقضي
بمثل هذا القضاء في حياته صلى اللّه عليه وآله
وسلم ألا لدليل يعرفه ولو لم يكن لديه دليل لم
يعجل بالقضية.
باب ما جاء في
ميراث الجدة والجد
1 - عن قبيصة بن دؤيب
قال "جاءت الجدة إلى أبي بكر فسألته ميراثها
فقال مالك في كتاب اللّه شيء وما علمت لك في
سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم شيئا
فأرجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس فقال
المغيرة بن شعبة حضرت رسول اللّه صلى اللّه
عليه وآله وسلم أعطاها السدس فقال هل معك غيرك
فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال
المغيرة بن شعبة فانفذه لها أبو بكر قال ثم
جاءت الجدة الأخرى إلى عمر فسألته ميراثها
فقال مالك في كتاب شيء ولكن هو ذاك السدس فإن
اجتمعما فهو بينكما وأيكما خلت به فهو
لها". رواه الخمسة إلا النسائي وصححه
الترمذي.
2 - وعن عبادة ابن
الصامت "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
قضى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما".
رواه عبد اللّه بن أحمد في المسند.
3 - وعن بريدة "إن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جعل للجدة
السدس إذا لم يكن دونها أم". رواه أبو
داود.
4 - وعن عبد الرحمن بن
يزيد "قال أعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم ثلاثة جدات السدس ثنتين من قبل الأب
وواحدة من قبل الأم". رواه الدارقطني هكذا
مرسلا.
5 - وعن القاسم بن محمد
قال "جاءت الجدتان إلى أبي بكر الصديق فأراد
أن يجعل السدس للتي من قبل الأم فقال له رجل
من الأنصار
ج / 6 ص -60-
أما أنك تترك التي لو ماتت وهو حي كان إياها
يرث فجعل السدس بينهما". رواه مالك في
الموطأ.
حديث قبيصة أخرجه أيضا
ابن حبان والحاكم قال الحافظ وإسناده صحيح
لثقة رجاله الا أن صورته مرسل فإن قبيصة لا
يصح سماعه من الصديق ولا يمكن شهوده القصة قال
ابن عبد البر. وقد اختلف في مولده والصحيح
أنه ولد عام الفتح فيبعد شهوده القصة وقد أعله
عبد الحق تبعا لابن حزم بالإنقطا. وقال
الدارقطني في العلل بعد أن ذكر الأختلاف فيه
على الزهري يشبه أن يكون الصواب قوله مالك ومن
تابعه. وحديث عبادة بن الصامت أخرجه أيضا
أبو القاسم بن منده في مستخرجه والطبراني في
الكبير بإسناد منقطع لأن إسحاق ابن يحيى لم
يسمع من عبادة. وحديث بريدة أخرجه أيضا
النسائي وفي إسناده عبيد اللّه العتكي وهو
مختلف فيه وصححه ابن السكن وابن خزيمة وابن
الجارود وقواه ابن عدي. وحديث عبد الرحمن بن
يزيد هو مرسل كما ذكر المصنف ورواه أبو داود
في المراسيل بسند آخر عن إبراهيم النخعي.
ورواه الدارقطني والبيهقي من مرسل الحسن
أيضا. وأخرج نحوه الدارقطني من طريق أبي
الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه
كان يورث ثلاث جدات إذا استوين ثنتان من قبل
الأب وواحدة من قبل الأم. ورواه البيهقي من
طرق عن زيد بن ثابت. وروى الدارقطني من حديث
قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد بلفظ حديث عبد
الرحمن المذكور وحديث القاسم بن محمد روه مالك
عن يحيى بن سعيد عن القاسم وهو منقطع لأن
القاسم لم يدرك جده أبا بكر. ورواه
الدارقطني من طريق ابن عيينة وفي الباب عن
معقل بن يسار عند أبي القاسم بن منده وقد ذكر
القاضي حسين أن الجدة التي جاءت إلى الصديق أم
الأم وان التي جاءت إلى عمر أم الأب. وفي
رواية ابن ماجه ما يدل له والأحاديث المذكورة
في الباب تدل على أن فرض الجدة الواحدة السدس
وكذلك فرض الجدتين والثلاث وقد نقل محمد بن
نصر من أصحاب الشافعي اتفاق الصحابة والتابعين
على ذلك حكى ذلك عنه البيهقي. قال في البحر
مسألة فرضهن يعني الجدات السدس وإن كثرن إذا
استوين وتستوي أم الأم وأم الأب لافضل بينهما
فإن اختلفن سقط الابعد بالأقرب ولا يسقطهن إلا
الأمهات والأب ويسقط الجدات من جهته والأم من
الطرفين وكل جدة ادرجت أبا بين امين وأما بين
الأبوين فهي ساقطة. مثال الأول أم أبي الأم
فبينها وبين الميت أب. ومثال الثاني أم أبي
أم الأب انتهى. ولأهل الفرائض في الجدات
كلام طويل ومسائل متعدده فمن أحب الوقوف على
تحقيق ذلك فليرجع إلى كتب الفن.
6 - وعن عمران بن حصين
"أن رجلا أتى النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم فقال ان ابن ابني مات فمالي من ميراثه
قال
لك السدس
فلما أدبر دعاه قال لك سدس آخر
فلما أدبر دعاه فقال
إن السدس الآخر طعمة".
رواه أحمد
ج / 6 ص -61-
وأبو داود والترمذي وصححه.
7 - وعن الحسن "أن عمر
سأل عن فريضة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
وسلم في الجد فقام معقل بن يسار المزني فقال
قضي فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
قال ماذا قال السدس مع من قال لا أدري قال
لادريت فما تغني اذن". رواه أحمد.
حديث عمران بن حصين هو
من رواية الحسن البصري عنه وقد قال علي بن
المديني وأبو حاتم الرازي وغيرهما أنه لم يسمع
منه. وحديث معقف بن يسار أخرجه أيضا أبو
داود والنسائي وابن ماجه ولكنه منقطع لأن
الحسن البصري لم يدرك السماع من عمر فإنه ولد
إحدى وعشرين وقتل عمر في سنة ثلاث وعشرين.
وقيل سنة أربع وعشرين وذكر أبو حاتم الرازي
أنه لم يصح للحسن سماع من معقل بن يسار وقد
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيما حديث الحسن عن
معقل. وحديث عمران يدل على أن الجد يستحق ما
فرض له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
قال قتادة لاندري مع أي شيء ورثه قال وأقل ما
يرثه الجد السدس. قيل هذه المسألة انه ترك
الميت بنتين وهذا السائل فللبنتين الثلثان
والباقي ثلث دفع صلى اللّه عليه وآله وسلم منه
إلى الجد سدسا بالفرض لكونه جدا ولم يدفع إليه
السدس الآخر الذي يستحقه بالتعصيب لئلا يظن أن
فرضه الثلث وتركه حتى ولى أي ذهب فدعاه وقال
لك السدس آخر ثم أخبره إن هذا السدس طعمة أي
زائد على السهم المفروض وما زاد على المفروض
فليس بلازم كالفرض.
ـ وقد اختلف ـ الصحابة
في الجد اختلافا طويلا ففي البخاري تعليقا
يروى عن علي وعمر وزيد بن ثابت وابن مسعود في
الجد قضايا مختلفة. وقد ذكر البيهقي في ذلك
آثارا كثيرة وروى الخطابي في الغريب بإسناد
صحيح عن محمد بن سيرين قال سألت عبيدة عن الجد
فقال ما يصنع بالجد لقد حفظت فيه عن عمر مائة
قضية يخالف بعضها بعضا ثم أنكر الخطابي هذا
انكارا شديدا وسبقه إلى ذلك ابن قتيبة. قال
الحافظ هو محمول على المبالغة كما حكى ذلك
البزار وجعله ابن عباس كالأب كما رواه البيهقي
عنه وعن غيره وروى أيضا من طريق الشعبي قال
كان من رأي أبي بكر وعمر أن الجد أولى من الأخ
وكان عمر يكره الكلام فيه ورورى البيهقي أيضا
على أنه شبه الجد بالبحر والنهر الكبير والأب
بالخليج المأخوذ منه والميت وأخوته كالساقيتين
الممتدتين من الخليخ والساقية إلى الساقية
أقرب منها إلى البحر الا ترى إذا سدت إحداهما
أخذت الأخرى ماءها ولم يرجع إلى البحر وشبهه
زيد بن ثابت الأنصاري بساق الشجرة وأصلها
والأب كغصن منها والأخوة كغصنين تفرعا من ذلك
الغصن وأحد الغصنين إلى الآخر أقرب منه إلى
أصل الشجرة الاترى أنه إذا قطع أحدهما امتص
الآخر ما كان يمتص المقطوع ولا يرجع إلى الساق
هكذا رواه البيهقي. ورواه الحاكم بغير هذا
السياق
ج / 6 ص -62-
وأخرجه ابن حزم في الأحكام من طريق اسماعيل
القاضي عن إسماعيل بن أبي أويس عن أبي الزناد
عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه فذكر
قصة زيد بن ثابت قال في البحر مسألة على وابن
مسعود وزيد بن ثابت والأكثر ولا يسقط الأخوة
الجد بل يقاسمهم بخلاف الأب وإن اختلفوا في
كيفية المقاسمة أبو بكر وعائشة وابن الزبير
ومعاذ والحسن البصري وبشر بن غياث بل يسقط
الأخوة كالأب إذ سماه اللّه أبا فقال
{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} لنا قوله تعالى في الأب {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} وهذا عام لا يخرج منه إلا ما خصه دليل ولولا الإجماع لما سقط مع
الأب لهذه الآية وان الأخوة كالبنين بدليل
تعصيبهم اخواتهم فوجب أن لا يسقط مع الجد وأما
تسمية الجدايا فمجاز فلا يلزمنا قال فرع اختلف
في كيفية المقاسمة فقال علي وابن أبي ليلى
والحسن ين زياد والأمامية يقاسمهم ما لم تنقصه
المقاسمة عن السدس فإن نقصته رد إلى السدس وعن
علي أنه يقاسم إلى التسع روته الإمامية قلنا
روايتنا أشهر إذ راويها زيد بن علي عن أبيه عن
جده وقال ابن مسعود وزيد بن علي والشافعي وأبو
يوسف ومحمد والناصر ومالك بل يقاسمهم إلى
الثلث فإن نقضته المقاسمة عنه رد إليه ثم
استدل لهم بحديث عمران بن حصين المذكور وقال
الناصر إن الجد يقاسم الأخوة أبدا وقد روى ابن
حزم عن قوم من السلف إن الأخوة يسقطون الجد
وقد قيل أن المثل الذي ذكره علي والمثل الذي
ذكره ابن مسعود يستلزمان أن يكون الأخوة أولى
من الأب ولا قائل به وللأب مزايا منها النص
على ميراثه في القرآن وتعصيبه لأخته وأجيب عن
الأولى بأن الجد مثله فيها لأنه أب وهو منصوص
على ميراثه في القرآن ورد بأن ذلك مجاز لا
حقيقة وأجيب بأن الأصل في الإطلاق الحقيقة
وأيضا للجد مزايا. منها أنه يرث مع
الأولاد. ومنها أنه يسقط الأخوة لأم
اتفاقا.
باب ما جاء في
ذوي الأرحام والمولى من أسفل ومن أسلم على يد
رجل وغير ذلك
1 - عن المقدام بن معد
يكرب عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال "من ترك مالا فلورثته وأنا وارث من لا وارث له أعقل
عنه وأرث والخال وارث من لا وارث له يعقل عنه
ويرثه". رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
2 - وعن أبي أمامة بن
سهل "أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله وليس له
وارث الا خال فكتب في ذلك أبو عبيدة بن الجراح
إلى عمر فكتب عمر أن النبي صلى اللّه عليه
وآله وسلم قال
اللّه ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث
من لا وارث له".
رواه أحمد وابن ماجه وللترمذي منه المرفوع
وقال حديث حسن.
حديث المقدام أخرجه ايضا
النسائي والحاكم وابن حبان وصححاه وحسنه أبو
زرعة
ج / 6 ص -63-
الرازي وأعله البيهقي بالاضطراب ونقل عن
يحيى بن معين أنه كان يقول ليس فيه حديث
قوي. وحديث عمر ذكره في التلخيص ولم يتكلم
عليه وقد حسنه الترمذي كما ذكره المصنف ورواه
عن بندار عن أبي أحمد الزبيري عن سفيان عن عبد
الرحمن بن الحرث عن حكيم بن حكيم بن عباد بن
حنيف عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال كتب عمر
بن الخطاب فذكره في الباب عن عائشة عند
الترمذي والنسائي والدارقطني من رواية طاوس
عنها قالت: "قال رسول اللّه صلى اللّه
عليه وآله وسلم
"الخال وارث لا وارث له" قال الترمذي حسن غريب وأعله النسائي بالاضطراب ورجح الدارقطني
والبيهقي وقفه قال الترمذي وقد أرسله بعضهم
ولم يذكر فيه عائشة. وقال البزار أحسن إسناد
فيه حديث أبي أمامة بن سهل وأخرجه عبد الرزاق
عن رجل من أهل المدينة والعقيلي وابن عساكر عن
أبي الدرداء وابن النجار عن أبي هريرة كلها
مرفوعة. وقد استدل بحديثي الباب وما في
معناهما على أن الخال من جملة الورثة. قال
الترمذي واختلف أصحاب النبي صلى اللّه عليه
وآله وسلم فورث بعضهم الخال والخالة والعمة
وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث
ذوي الأرحام وأما زيد بن ثابت فلم يورثهم وجعل
الميراث في بيت المال اه وقد حكى صاحب البحر
القول بتوريث ذوي الأرحام عن علي وابن مسعود
وأبي الدرداء والشعبي ومسروق ومحمد بن الحنفية
والنخعي والثوري والحسن بن صالح وأبي نعيم
ويحيى بن آدم والقاسم بن سلام والعترة وأبي
حنيفة وإسحاق والحسن ابن زياد قالوا إذا لم
يكن معهم أحد من العصبة وذوي السهام وإلى ذلك
ذهب فقهاء العراق والكوفة والبصرة وغيرهم وحكى
في البحر أيضا عن زيد بن ثابت والزهري ومكحول
والقاسم بن إبراهيم والأمام يحيى ومالك
والشافعي أنه لا ميراث لهم وبه قال فقهاء
الحجاز احتج الأولون بالأحاديث المتقدمة
وبحديث عائشة الآتي وبعموم قوله تعالى
{وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى
بِبَعْضٍ}
وقوله تعالى
{لِلرِّجَالِ
نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ
مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
وَالْأَقْرَبُونَ}
ولفظ الرجال والنساء والأقربين يشملهم والدليل
على مدعي التخصيص. وأجاب الآخرون عن ذلك
فقالوا عمومات الكتاب محتملة وبعضها منسوخ
والأحاديث فيها ما تقدم من المقال ويجاب عن
ذلك بأن دعوى الاحتمال إن كانت لأجل العموم
فليس ذلك مما يقدح في الدليل والاستلزام ابطال
بكل دليل عام وهو باطل وإن كانت لأمر آخر فما
هو. وأما الاعتذار عن أحاديث الباب بما فيها
من المقال فقد عرفت من صححها من الأئمة ومن
حسنها ولا شك في انتهاض مجموعها للاستدلال إن
لم ينتهض الأفراد.
ـ ومن جملة ـ ما استدلوا
به على ابطال ميراث ذوي الأرحام حديث ان النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم "قال سألت اللّه
عز وجل عن ميراث العمة والخالة فسارني أن لا
ميراث لهما" أخرجه أبو داود في المراسيل
والدارقطني من طريق الدراوردي عن زيد بن أسلم
عن عطاء بن يسار مرسلا وأخرجه النسائي من مرسل
زيد بن أسلم ويجاب بأن المرسل لا تقوم به
الحجة قالوا وصله الحاكم في المستدرك من حديث
أبي سعيد والطبراني ويجاب بأن إسناد الحاكم
ضعيف وإسناد الطبراني فيه محمد بن الحرث
ج / 6 ص -64-
المخزومي. قالوا وصله أيضا الطبراني من
حديث أبي هريرة. ويجاب بأنه ضعفه بمسعدة ابن
اليسع الباهلي قالوا وصله الحاكم أيضا من حديث
ابن عمر وصححه. ويجاب بإن في إسناده عبد
اللّه بن جعفر المديني وهو ضعيف قالوا روى له
الحاكم شاهدا من حديث شريك بن عبد اللّه ابن
أبي نمر عن الحرث بن عبد مرفوعا. ويجاب بإن
في إسناده سليمان بن داود الشاذكوني وهو متروك
قالوا أخرجه الدارقطني من وجه آخر عن شريك.
ويجاب بأنه مرسل ولك هذه الطرق لا تقوم بها
حجة وعلى فرض صلاحيتها للاحتجاج فهي واردة في
الخالة والعمة فغايتها أنه لاميراث لهما وذلك
لا يستلزم ابطال ذوي الأرحام على أنه قد قيل
ان المراد بقوله لا ميراث لهما أي مقدور ومما
يؤيد ثبوت ميراث ذوي الأرحام ما سيأتي في باب
ميراث ابن الملاعنة من جعله صلى اللّه عليه
وآله وسلم ميراثه لورثتها من بعدها وهم أرحام
له لا غير ومن المؤيدات لميراث ذوي الأرحام ما
أخرجه أبو داود من حديث أبي موسى أنه صلى
اللّه عليه وآله وسلم قال
"ابن أخت القوم منهم" وأخرجه النسائي من حديث أنس بلفظ
"من أنفسهم"
قال المنذري في مختصر السنن وقد أخرج البخاري
ومسلم والنسائي والترمذي قوله صلى اللّه عليه
وآله وسلم "ابن أخت القوم منهم" مختصرا ومطولا. ومن الأجوبة المتعسفة قول ابن العربي أن المراد
بالخال السلطان وأما ما يقال من أن قوله صلى
اللّه عليه وآله وسلم
"الخال وارث من لاوارث له" يدل على انه غير وراث فيجاب عنه بأن المراد من لا وارث له سواه
ونظير هذا التركيب كثير في كلام العرب على أن
محل النزاع هو إثبات الميراث له وقد أثبته له
صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو المطلوب.
3 - وعن ابن عباس "أن
رجلا مات على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم ولم يترك وارثا الا عبدا هو أعتقه
فأعطاه ميراثه".
4 - وعن قبيصة عن تميم
الداري قال "سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم ما السنة في الرجل من أهل الشرك
يسلم على يد رجل من المسلمين فقال هو أولى الناس بميحاه ومماته" وهو مرسل قبيصة لم يلق تميما الداري.
5 - وعن عائشة "أن
مولى للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم خر من
عذق نخلة فمات فأتى به النبي صلى اللّه عليه
وآله وسلم فقال هل له من نسيب أو رحم قالوا
الا قال
اعطوا ميراثه بعض أهل قريته". رواهن الخمسة إلا النسائي.
6 - وعن بريدة قال
"توفي رجل من الأزد فلم يدع وارثا فقال رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
ادفعوه إلى أكبر خزاعة".
رواه أحمد وأبو داود.
7 - وعن ابن عباس "ان
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم آخى بين
أصحابه وكانوا يتوارثون بذلك حتى نزلت وأولوا
الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه
فتوارثوا بالنسب". رواه الدارقطني.
ج / 6 ص -65-
حديث ابن عباس الأول حسنه الترمذي وهو من
رواية عوسجة عن ابن عباس. قال البخاري عوسجة
مولى ابن عباس الهاشمي روى عنه ابن دينار ولم
يصح. وقال أبو حاتم ليس بالمشهور. وقال
النسائي عوسجة ليس بالمشهور ولا نعلم أحد يروى
عنه غير عمرو. وقال أبو زرعة الرازي ثقة.
وحديث تميم قال الترمذي لا نعرفه الا من حديث
عبد اللّه بن موهب ويقال ابنوهب عن تميم
الداري وقد أدخل بعضهم بين عبد اللّه بن موهب
وتميم الداري قبيصة بن ذؤيب وهو عندي ليس
بمتصل اه وقال الشافعي في هذا الحديث ليس
بثابت إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن
وهب عن تميم الداري وابن وهب ليس بالمعروف
عندنا ولا نعلمه لقى تميما. ومثل هذا لا
يثبت عندنا ولاعندك من قبل أنه مجهول ولا
أعلمه متصلا. وقال الخطابي ضعف أحمد بن حنبل
تميم الداري هذا وقال عبد العزيز رواية ليس من
أهل الحفظ والاتقان وقال البخاري في الصحيح
وختلفوا في صحة هذا الخبر. وقال أبو مسهر
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ضعيف الحديث
وقد احتج بعبد العزيز المذكور البخاري في
صحيحه وأخرج له هوومسلم وقال يحيى بن معين عبد
العزيز بن عمر بن عبد العزيز ثقة. وقال ابن
عمار ثقة ليس بين الناس فيه اختلاف. وحديث
عائشة حسنه الترمذي وقد عزا المنذري في مختصر
السنن حديث عائشة هذا والحديثين اللذين قبله
إلى النسائي فينظر في قول المصنف رواهن الخمسة
إلا النسائي. وحديث بريدة أخرجه أيضا
النسائي مسندا ومرسلا وقال جبريل بن أحمر ليس
بالقوي والحديث منكر اه. وقال الموصلي فيه
نظر. وقال أبو زرعة الرازي شيخ. وقال يحيى
بن معين كوفي ثقة. ولفظ أبي داود عن بريدة
قال أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رجل
فقال إن عندي ميراث رجل من الأزد ولست أجد
أزديا أدفعه إليه قال
فأذهب فالتمس أزديا فالتمس أزديا حولا قال فأتاه بعد الحول فقال يا رسول اللّه لم أجد
أزديا أدفعه إليه قال
فانطلق فانظر أول خزاعي تلقاه فادفعه إليه
فلما ولى قال على بالرجل فلما جاء قال
انظر أكبر خزاعة فادفعه إليه. وفي لفظ له آخر قال مات رجل من خزاعة فأتى
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بميراثه فقال
"التمسوا وارثا أو ذا رحم فلمن يجدوا له
وارثا فقال انظروا أكبر رجل من خزاعة" وحديث ابن عباس الثاني أخرجه أيضا أبو داود بلفظ "كان الرجل
يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما من
الآخر فنسخ ذلك الأنفال فقال
وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض" وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال. وأخرج نحوه ابن
سعد عن عروة بن الزبير وفيه فصارت المواريقث
بعد للأرحام والقرابة وانقطعت تلك المواريث
بالمؤخاة ذكره الأسيوطي في أسباب النزول
ومعناه في الدر المنثور. قوله: "فأعطاه
ميراثه" قيل إن ذلك من باب الصرف لا من باب
التوريث. قوله: "هو أولى الناس بمحياه
ومماته" فيه دليل على أن من أسلم على يد رجل
من المسلمين ومات ولا وارث له غيره كان له
ميراثه. وقال الناصر والشافعي ومالك
والأوزاعي لا وارث له بل بصرف الميراث إلى بيت
المال
ج / 6 ص -66-
دونه وقالت الحنفية والقاسمية وزيد بن علي
وإسحاق أنه يرث الا أن الحنفية والمؤيد باللّه
يشترطون في إرثه المحالفة. قوله: "هل له
من نسيب أو رحم" فيه دليل على توريث ذوي
الأرحام وقد تقدم الكلام على ذلك. قوله
"أعطوا ميراثه بعض أهل قريته" فيه دليل
على جواز صرف ميراث من لا وارث له معلوم إلى
واحد من أهل بلده وظاهر قوله ادفعوه إلى أكبر
خزاعة ان ذلك من باب التوريث لان الرجل إذا
كان يجتمع هو وقبيلته في جد معلوم ولم يعلم له
وارث منهم على التعيين فأكبرهم سنا أقربهم
إليه نسبا لان كبر السن مظنة لعلو الدرجة.
قوله "كانوا يتوارثون بذلك" قال في البحر
أراد بالآية أن العصبات وذوي السهام أولى
بالميراث من الحلفاء والمدعين قال أبو عبيد
نسخت ميراثهما وقوله تعالى:{إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً} أي إلى حلفائكم. وقال جابر بن زيد ومقاتل ابن محمد وعطاء بل إلى
قرابتهم المشركين فاجازوا الوصية لهم للآية
قال المهدي وهو ظاهر البطلان لقوله تعالى {لا
تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ
أَوْلِيَاءَ}
فيكف سماهم أولياء المؤمنين اه.
باب ميراث ابن
الملاعنة والزانية منهما وميراثهم منهم
وانقطاعهم من الأب
1 - في حديث المتلاعنين
الذي يرويه سهل بن سعد "قال وكانت حاملا
وكان ابنها ينسب إلى أمه فجرت السنة أنه يرثها
وترث منه ما فرض اللّه". أخرجاه.
2 - وعن ابن عباس "قال
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"لا مساعاة في الإسلام من ساعي في الجاهلية فقد
ألحقته بعصبته ومن ادعى ولدا من غير رشدة فلا
يرث ولا يورث". رواه أحمد وأبو داود.
3 - وعن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده "أن النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم قال
"ايما رجل عاهر بحرة أو أمة فالولد ولد زنا لا
يرث ولا يورث".
رواه الترمذي.
4 - وعن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده عن النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم "أنه جعل ميراث ابن الملاعنة لامه
ولورثتها من بعدها". رواه أبو داود.
حديث ابن عباس في إسناده
مجهول في سنن أبي داود وأخرج أبو داود أيضا من
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى إن كل ولد زنا
لأهل أمه من كانوا حرة أو أمة" وذلك فيما
استلحق في أول الإسلام وفي إسناده محمد بن
راشد المكحول الشامي وفيه مقال وثقه أحمد وابن
معين والنسائي وقال دحيم يذكر بالقدر وحديث
ج / 6 ص -67-
عمرو بن شعيب الأول في إسناده أبو محمد عيسى
بن موسى القرشي الدمشقي قال البيهقي ليس
بمشهور وحديث عمرو بن شعيب الثاني في إسناده
ابن لهيعة وفيه مقال معروف قال الترمذي وروى
يونس هذا الحديث عن الزهري عن سعيد بن المسيب
وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه
عليه وآله وسلم نحوه. وروى مالك عن الزهري
عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم مرسلا.
ـ وفي الباب ـ عن وائلة
بن الأسقع عند أبي داود والترمذي والنسائي
وابن ماجه "أن النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم قال
"المرأة تحوز ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عنه" قال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من
حديث محمد بن حرب اه وفي إسناده عمر بن رويبة
التغلبي قال البخاري فيه نظر وسئل عنه أبو
حاتم الرازي فقال صالح الحديث قيل تقوم به
الحجة فقال لا ولكن صالح وقال الخطابي هذا
الحديث غير ثابت عند أهل النقل. وقال
البيهقي لم يثبت البخاري ولا مسلم هذا الحديث
لجهالة بعض رواته اه. وقد صححه الحاكم
وأحاديث الباب تدل على أنه لا يرث ابن
الملاعنة من الملاعن له ولا من قرابته شيئا
وكذلك لا يرثون منه. وكذلك ولد الزنا وهو
مجمع على ذلك ويكون ميراثه لأمه ولقرابتها كما
يدل على ذلك حديث عمرو بن شعيب المذكور وتكون
عصبته عصبة أمه. وقد روي نحو ذلك عن علي
وابن عباس فيكون للأم سهمها ثم لعصبتها على
الترتيب وهذا حيث لم يكن غير الأم وقرابتها من
ابن الميت أو زوجة فلو كان له ابن أو زوجة
أعطي كل واحد ما يستحقه كما في سائر
المواريث.
قوله: "لا مساعاة في
الإسلام" المساعاة الزنا وكان الأصمعي
يجعلها في الإماء دون الحرائر لأنهن كن يسعين
لمواليهن فيكتسبن لضرائب كانت عليهن يقال ساعت
الأمة إذا فجرت وساعاها فلان إذا فجر بها كذا
في النهاية.
باب ميراث الحمل
1 - عن أبي هريرة عن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"إذا استهل المولود ورث". رواه أبو داود.
2 - وعن سعيد بن المسيب
عن جابر بن عبد اللّه والمسور ابن مخرمة قالا
قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا
يرث الصبي حتى يستهل". ذكره أحمد بن حنبل
في رواية ابنه عبد اللّه.
حديث أبي هريرة في
إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف وقد روى
عن ابن حبان تصحيح الحديث. وحديث جابر اخرجه
أيضا الترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي
بلفظ
"إذا استهل صلى عليه وورث" وفي إسناده اسمعيل ابن مسلم وهو ضعيف قال
الترمذي وروى مرفوعا والموقوف أصح وبه جزم
النسائي وقال الدارقطني في العلل لا يصح
رفعه. قوله "إذا استهل" قال ابن الأثير
استهل المولود إذا بكى عند ولادته وهو كناية
عن ولادته حيا وإن لم يستهل بل وجدت منه إمارة
تدل علة حياته وقد تقدم الكلام على الاستهلال
في
ج / 6 ص -68-
كتاب الجنائز والحديثان يدلان على أن
المولود إذا وقع منه الاستهلال أو ما يقوم
مقامه ثم مات ورثه قرابته وورث هو منهم وذلك
ما لا خلاف فيه. وقد اختلف في الأمر الذي
تعلم به حياة المولود فأهل الفرائض قالوا
بالصوت أو الحركة وهو ول الكرخي وروى عن علي
وزفر والشافعي. وروى عن ابن عباس وجابر بن
عبد اللّه وشريح والنخعي ومالك وأهل المدينة
أنه لا يرث مالم يستهل صارخا. وفي شرح
الإبانة الاستهلال عند الهادي والفريقين
الحركة أو الصوت وعند الناصر ومالك ورواية عن
أبي حنيفة وأبي طالب الصوت فقط ويكفي عند
الهادوية خبر عدلة بالاستهلال وعند مالك
والهادي لابد من عدلتين وعند الشافعي أربع.
باب الميراث
بالولاء
1 - صح عن النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم أنه قال
"الولاء لمن أعتق"
وللبخاري في رواية
"الولاء لمن أعطى الورق وولى النعمة".
2 - وعن قتادة عن سلمى بنت حمزة "أن مولاها مات وترك ابنته
فورث النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ابنته
النصف وورث يعلى النصف وكان ابن سلمى".
رواه أحمد.
3 - وعن جابر ابن زيد عن
ابن عباس "أن مولى لحمزة توفي وتك ابنته
حمزة فاعطى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
ابنته النصف وابنة حمزة النصف". رواه
الدارقطني. واحتج أحمد بهذا الخبر في رواية
أبي طالب وذهب إليه وكذلك روى عن إبراهيم
النخعي ويحيى بن آدم وإسحاق بن راهوية إن
المولى كان لحمزة. وقد روى أنه كان لبنت
حمزة فروى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن
الحكم عن عبد اللّه بن شداد عن بنت حمزة وهي
أخت ابن شداد لامه "قالت مات مولاي وترك
ابنته فقسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
وسلم ماله بيني وبين ابنته فجعل لي النصف ولها
النصف". رواه ابن ماجه. وابن أبي ليلى
فيه ضعف فإن صح هذا لم يقدح في الرواية الأولى
فإن من المحتمل تعدد الواقعة ومن المحتمل أنه
أضاف مولى الوالد إلى الولد بناء على القول
بانتقاله إليه أو توريثه به.
الحديث الذي أشار إليه
المصنف بقوله صح عن النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم قد تقدم في باب من اشترى عبدا بشرط أن
يعتقه من كتاب البيع وتقدم أيضا في باب من شرط
الولاء أو شرطا فاسدا من كتاب
ج / 6 ص -69-
البيع أيضا وسيأتي أيضا في باب المكاتب
وحديث قتادة ذكره الحافظ في التلخيص وسكت
عنه. وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات
الا أن قتادة لم يسمع من سلمي بنت حمزة قال
وأخرجه يأسانيد رجال بعضها رجال الصحيح.
وحديث جابر بن زيد ذكره أيضا في التلخيص وسكت
عنه. وحديث محمد بن عبد الرحمن رواه النسائي
من حديث ابنة حمزة أيضا وفي إسناده ابن أبي
ليلى المذكور وهو القاضي وهو ضعيف كما قال
المصنف وأعل الحديث النسائي بالإرسال وصحح هو
والدارقطني الطريق المرسلة وأخرجه أيضا الحاكم
وصرح بأن أسمها أمامة وهو يخالف ما في حديث
أحمد المذكور في الباب من التصريح بأن اسمها
سلمى. وفي مصنف ابن أبي شيبة أنها فاطمة قال
البيهقي اتفق الرواة على ان ابنة حمزة هي
المعتقة وقال إن قول إبراهيم النخعي إنه مولى
حمزة غلط والأولى الجمع بين الروايتين بمثل ما
ذكره المصنف رحمه اللّه. وحديث ابنة حمزة
فيه على فرض أنها هي المعتقة دليل على أن
المولى الأسفل إذا مات وترك أحدا من ذوي سهامه
ومعتقه كان لذوي السهام من قرابته مقدار
ميراثهم المفروض والباقي للمعتق ولا فرق بين
أن يكون ذكرا أو أنثى ويؤيد ذلك عموم قوله صلى
اللّه عليه وآله وسلم "الولاء
لمن أعتق والولاء لمن أعطى الورق وولى
النعمة"
وقد وقع الخلاف فيمن ترك ذوي أرحامه ومعتقه
فروى عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس
وزيد بن علي والناصر أن مولى العتاق لا يرث
الا بعد ذوي أرحام الميت وذهب غيرهم إلى أنه
يقدم على ذوي أرحام الميت ويأخذ الباقي بعد
ذوي السهام ويسقط مع العصبات والرواية
المذكورة عن قتادة تدل على أن العتيق إذا مات
وترك ذوي سهامه وعصبة مولاه كان لذوي السهام
فرضهم والباقي لعصبة المولى. ورواية ابن
عباس المذكورة تدل على أن العتيق إذا مات وترك
ذوي سهامه وذوي سهام مولاه كان لذوي سهامه
نصيبهم والباقي لذوي سهام مولاه والذي جزم به
جماعة من أهل الفرائض أن ذوي سهام الميت
يسقطون ذوي سهام المعتق ويدل على ذلك ما أخرجه
ابن أبي شيبة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال "ميراث
الولاء للأكبر من الذكور ولا ترث النساء من
الولاء الا ولاء من أعتقن أو أعتقه من
أعتقن"
وأخرج البيهقي عن علي وعمر وزيد بن ثابت أنهم
كانوا لا يورثون النساء من الولاء الا ولاء من
أعتقن.
باب النهي عن
بيع الولاء وهبته وما جاء في السائبة
1 - عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
"أنه نهى عن بيع الولاء وهبته". رواه
الجماعة.
2 - وعن علي عن النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"من والى قوما بغير أذن مواليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين
لا يقبل اللّه منه يوم القيامة صرفا ولا
عدلا". متفق عليه وليس لمسلم فيه بغير أذن مواليه لكن
ج / 6 ص -70-
له مثله بهذه الزيادة من حديث أبي هريرة.
3 - وعن هزيل بن شرحبيل
قال "جاء رجل إلى عبد اللّه فقال أني أعتقت
عبدا لي وجعلته سائبة فمات وترك مالا ولم يدع
وارثا فقال عبد اللّه ان أهل الإسلام لا
يسيبون وإنما كان أهل الجاهلية يسيبون وأنت
ولى نعمته ولك ميراثه وإن تأثمت وتحرجت في شيء
فنحن نقبله ونجعله في بيت المال". رواه
البرقاني على شرط الصحيح. وللبخاري منه
"إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية
كانوا يسيبون".
في الباب عن عبد اللّه
بن عمر عند الحاكم وابن حبان وصححه والبيهقي
وأعله قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم
الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب".
قوله: "نهى عن بيع
الولاء وعن هبته" فيه دليل على أنه لا يصح
بيع الولاء ولا هبته لأنه أمر معنوي كالنسب
فلا يتأتى انتقاله قال ابن بطال أجمع العلماء
على أنه لا يجوز تحويل النسب وحكم الولاء حكمه
لحديث
"الولاء لحمة كلحمة النسب" وحكي في البحر عن مالك أنه يجوز بيع الولاء. وقال ابن بطال
وغيره جاء عن عثمان جواز بيع الولاء وكذا عن
عروة وجاء عن ميمونة جواز هبته قال الحافظ قد
أنكر ذلك ابن مسعود في زمن عثمان فأخرج عبد
الرزاق عنه أنه كان يقول أيبيع أحدكم
نسبه.ومن طريق علي الولاء شعبة من النسب.
ومن طريق جابر أنه أنكر بيع الولاء وهبته.
ومن طريق ابن عمر وابن عباس أنها كانا ينكران
ذلك وسنده صحيح ويغني عن ذلك حديث ابن عمر
المذكور في الكتاب وحديثه الثاني الذي ذكرناه
فإنه حديث صحيح ويغني عن ذلك كله حديث صحيح
وقد جمع أبو نعيم طرقه فرواه عن نحوه من خمسين
رجلا من أصحاب عبد اللّه بن دينار عنه.
ورواه أبو جعفر الطبري في تهذيبه والطبراني في
الكبير وأبو نعيم أيضا من حديث عبد اللّه بن
أبي أوفى فلا وجه لما قاله البيهقي من أنه
يروى بأسانيد كلها ضعيفة.
قوله: "صرفا ولا
عدلا" الصرف التوبة. وقيل النافلة والعدل
الفدية وقيل الفريضة.
والحديث يدل على أنه
يحرم على المولى أن يوالي غيره مواليه لأن
اللعن لمن فعل ذلك من الأدلة القاضية بأنه من
الذنوب الشديدة. قوله "وجعلته سائبة"
قال في القاموس السائبة المهملة والعبد يعتق
على أن لا ولاء له انتهى. وقد كان أهل
الجاهلية يفعلون ذلك ثم هدمه الإسلام.
باب الولاء هل
يورث أو يورث به
1 - عن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده قال "تزوج رباب بن حذيفة بن
سعيد بن سهم أم وائل بنت معمر الجمحبة فلدت له
ثلاثة فتوفيت أمهم فورثها بنوها رباعها وولاء
مواليها فخرج بهم عمرو بن العاص معه إلى الشام
فماتوا في طاعون عمواس فورثهم عمرو
ج / 6 ص -71-
وكان عصبتهم فلما رجع عمرو وجاء بنو معمر بن
حبيب يخاصمونه في ولاء أختهم إلى عمر بن
الخطاب فقال اقضي بينكم بما سمعت رسول اللّه
صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول
ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان
فقضى لنا به وكتب لنا كتابا فيه شهادة عبد
الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت". رواه ابن
ماجه وأبو داود بمعناه. ولأحمد زسطه من قوله
"فلما رجع عمرو وجاء بنو معمر إلى قوله فقضى
لنا به" قال أحمد في رواية ابنه صالح حديث
عمر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ما
أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان هكذا
يرويه عمرو بن شعيب. وقد روى عن عمر وعثمان
وعلي وزيد وابن مسعود أنهم قالوا الولاء للكبر
فهذا الذي نذهب إليه وهو قول أكثر الناس فيما
بلغنا.
الحديث أخرجه أيضا
النسائي مسندا ومرسلا وصححه ابن المديني وابن
عبد البر وزاد أبو داود بعد قوله وزيد بن ثابت
ورجل آخر فلما استخلف عبد الملك اختصموا إلى
هشام بن اسمعيل أو إلى اسمعيل بن هشام فرفعهم
إلى عبد الملك فقال هذا من القضاء الذي ما كنت
أراه قال فقضى لنا بكتاب عمر بن الخطاب فنحن
فيه إلى الساعة. وأثر عمر وعثمان وعلي وزيد
وابن مسعود أخرجه أيضا عبد الرزاق والبيهقي
وسعيد بن منصور. قوله: "رياب" بكسر
الراء المهملة وبعدها ياء مثناة تحتية وبعد
الألف باء موحدة وذكره صاحب القاموس في مادة
المهموز قوله "عمواس" هي قرية بين الرملة
وبيت المقدس. قوله "أنهم قالوا الولاء
للكبر" الخ أراد أحمد بن حنبل أن مذهب
الجمهور ذكر معنى ذلك في نهاية المجتهد.
وحديث عمر وفعله يقتضي تقديم البنين ثم رده
إلى الأخوة بعدهم وهو مذهب شريح وجماعة وححتهم
ظاهر خبر عمر لأن البنين عصبتها ولما كان عمرو
بن العاص ليس بعصبة لها رد الولاء إلى أخواتها
لأنهم عصبتها وفي ذلك دلالة على أن الولاء لا
يورث وإلا لكان عمرو أحق به منهم. قال في
البحر مسألة الأكثر ولا يورث يعني الولاء بل
تختص العصبات للخبر العترة والفريقان ولا يعصب
فيه ذكر أنثى فيختص به ذكور أولاد المعتق
وأخوته إذ قد ثبت أن الأعمام لا يعصبون لضعفهم
والولاء ضعيف فلم يقع فيه تعصيب بحال شريح
وطاوس بل يورث ويعصبون لقوله صلى اللّه عليه
وآله وسلم كلحمة النسب قلت مخصص بالقياس.
وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم "لا يورث"
انتهى ومراده بالقياس القياس على عدم تعصيب
الأعمام لأخواتهم. ومعنى كون الولاء للكبر
أنها لا تجري فيه قواعد الميراث وإنما يختص
بارثه الكبر من أولاد المعتق أو غيرهم فإذا
خلف رجل ولدين وقد كان أعتق عبدا فمات أحد
الولدين وخلف ولدا ثم مات العتيق اختص بولائه
ابن المعتق دون ابن ابنه وكذلك لو أعتق رجل
عبدا ثم مات وترك
ج / 6 ص -72-
أخوين ثم مات أحدهما وترك ابنا ثم مات
المعتق فميراثه لأخي المعتق دون ابن أخيه.
ووجه الاستدلال بما روي عن هؤلاء الصحابة أنهم
لا يخالفون التوريث إلا توقيفا.
باب ميراث
المعتق بعضه
1 - عن ابن عباس "أن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
المكاتب يعتق بقدر ما أدري ويقام عليه الحد بقدر ما
عتق منه ويورث بقدر ما عتق منه".
رواه النسائي وكذلك أبو داود والترمذي. وقال
حديث حسن ولفظهما "إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق منه" والدارقطني مثلهما وزاد
"وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه"
وقال أحمد في رواية محمد بن الحكم إذا كان
العبد نصفه حرا ونصفه عبدا ورث بقدر الحرية
كذلك روى عن النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم.
الحديث رجال إسناده ثقات
كما قال الحافظ في الفتح لكنه اختلف في إرساله
ووصله وقد اختلف في حكم المكاتب إذا ادى بعض
مال الكتابة فذهب أبو دطالب والمؤيد باللّه
إلى أنه إذا سلم شيئا من مال الكتابة صار
لقدره حكم الحرية فيما يتبعض من الأحكام حيا
وميتا كالوصية والميراث والحد والأرش وفيما لا
يتبعض كالوقود والرجم والوطء بالملك له حكم
العبد. وقال أبو حنيفة والشافعي أنه لا يثبت
عنه شيء من أحكام الأحرار بل حكمه حكم العبد
حتى يستكمل الحرية وحكاه الحافظ في الفتح عن
الجمهور. وحكى في البحر عن عمرو وابن عباس
وزيد بن ثابت وعائشة وأم سلمة والحسن البصري
وسعيد بن المسيب والزهري والثوري والعترة وأبي
حنيفة والشافعي ومالك أن المكاتب لا يعتق حتى
يوفي ولو سلم الأكثر واحتجوا بما أخرجه أبو
داود عن جده مرفوعا "المكاتب قن ما بقي عليه
درهم" ورواه النسائي وابن حبان من وجه آخر
من حديثه بلفظ "ومن
كان مكاتبا على مائة درهم فقضاها إلا أوقية
فهو عبد"
وروى عن على المكاتب إذا ادى الشطر عتق ويطالب
بالباقي وروى عنه أيضا أنه يعتق منه بقدر ما
أدى وعن ابن مسعود لو كتابته عتق. وعن شريح
إذا ادى ثلثا عتق وما بقي اداه في الحرية.
وحديث الباب يدل على ما قاله المؤيد باللّه
وأبو طالب ويؤيده ما أخرجه النسائي عن عكرمة
عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"يؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقي دية عبد" قال البيهقي قال أبو عيسى فيما بلغني عنه سألت البخاري عن هذا
الحديث قال روى بعضهم هذا الحديث عن أيوب عن
عكرمة عن علي قال البيهقي ما اختلف عن عكرمة
فيه وروى عنه مرسلا. ورواه حماد بن زيد
وإسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة عن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مرسلا وجعله
إسماعيل من قول عكرمة وروى موقوفا عن علي
ج / 6 ص -73-
أخرجه البيهقي من طرق مرفوعا. وفي مسألة
مذهب آخر وهو أن المكاتب يعتق بنفس الكتابة
ورجح هذا المذهب بأن الحكم الكتابة حكم البيع
لأن المكاتب اشترى نفسه من السيد ورجح مذهب
الجمهور لبأنه أحوط لأن ملك السيد لا يزول إلا
بعد تسليم ما قد رضي به من المال وإذا لم يمكن
الجمع بين الحديثين المذكورين فالحديث الذي
تمسك به الجمهور ارجح من حديث الباب وسيأتي
حديث عمرو بن شعيب في باب المكاتب من كتاب
العتق.
باب امتناع
الأرث باختلاف الدين وحكم من أسلم على ميراث
قبل أن يقسم
1 - عن أسامة بن زيد عن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم "قال لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم". رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي. وفي رواية "قال يا رسول
اللّه أتنزل غدا في دارك بمكة قال وهل ترك
لناعقيل من رباع أو دور وكان عقيل ورث أبا
طالب هو وطالب ولم يرث جعفر ولا علي شيئا
لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين"
أخرجاه.
2 - وعن عبد اللّه بن
عمرو "ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
قال
لا يتوارث أهل ملتين شتى". رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
وللترمذي مثله من حديث جابر.
3 - وعن جابر "أن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
لا يرث المسلم النصراني الا أن يكون عبده أو أمته". رواه الدارقطني ورواه من طريق آخر موقوفا على جابر وقال موقوف وهو
محفوظ. وعن ابن عباس قال قال رسول اللّه
صلى اللّه عليه وآله وسلم
"كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الإسلام فإنه
على ما قسم الإسلام"
رواه أبو داود وابن ماجه.
حديث أسامة بن زيد هو
باللفظ الأول في مسلم لا كما زعم المصنف قال
الحافظ وأغرب ابن تيمية في المنتقي فادعى إن
مسلما لم يخرجه وكذا ابن الأثير في الجامع
ادعى ان النسائي لم يخرجه اه وحديث عبد اللّه
بن عمرو أخرجه ايضا الدارقطني وابن السكن وسند
أبي داود فيه إلى عمرو بن شعيب صحيح. وحديث
جابر الأول استغربه الترمذي وفي إسناده ابن
أبي ليلى ولفظه
"لا يتوارث أهل ملتين"
وحديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري
وأخرجه أيضا أبو يعلى والضياء في المختارة.
ـ وفي الباب ـ عن ابن
عمر عند ابن حبان بنحو حديث عمرو
ج / 6 ص -74-
ابن شعيب. وعن أبي هريرة عند البزار بلفظ
"لاترث ملة من ملة" وفيه عمر بن راشد تفرد به وهو لين الحديث وأحاديث الباب تدل على
أنه لا يرث المسلم من الكافر ولا الكافر من
المسلم قال في البحر إجماعا واختلف في ميراث
المرتد فقيل يكون للمسلمين قال في البحر قيل
إجماعا إذ هي كموته الأكثر ولا يرث المسلم من
الذمي معاذ ومعاوية والناصر والأمامية بل يرث
لنا
"لاتوارث بين أهل ملتين" قالوا قال صلى اللّه عليه وآله وسلم "الاسلام يعلو ولا يعلى" قلنا نقول بموجبه والأرث ممنوع بما رويناه قالوا قال صلى اللّه
عليه وآله وسلم
"نرثهم ولا يرثونا" قلنا لعله أراد المرتدين جمعا بين الأخبار
ثم قال مسألة الهادي وأبو يوسف ومحمد ويرث
المرتد ورثته المسلمون الشافعي لا بل لبيت
المال أبو حنيفة ما كسبه قبل الردة فلورثته
المسلمين وبعدها لبيت المال لنا قتل على عليه
السلام المستورد العجلي حين ارتد وجعل ميراثه
لورثته المسلمين ولم يفصل. قالوا لا يرث
المسلم الكافر قلنا مخصوص بعمل علي قالا غنم
أموال أهل الردة قلنا كان لهم منعة فصاروا
حربيين اه كلام البحر. وقوله صلى اللّه عليه
وآله وسلم
"الاسلام يعلو" هو حديث أخرجه أبو داود والحاكم وصححه. وأما قوله نرث أهل
الكتاب ولا يرثونا فليس من قول النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم كما زعم في البحر بل هو
من قول معاوية كما روى ذلك ابن أبي شيبة وقد
قال بقول معاوية ومن معه عبد اللّه بن مغفل
ومسروق وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي ولكنه
اجتهاد مصادم لعموم قوله صلى اللّه عليه وآله
وسلم
"لا يرث المسلم الكافر"
وما في معناه. ومصادم أيضا لنص حديث جابر
المذكور في الباب ولتقريره صلى اللّه عليه
وآله وسلم لما فعله عقيل.
ـ والحاصل ـ أن أحاديث
الباب قاضية بأنه لا يرث المسلم من الكافر من
غير فرق بين أن يكون حربيا أو ذميا أو مرتدا
فلا يقبل التخصيص الا بدليل. وظاهر قوله
"لا يتوارث أهل ملتين"
أنه أهل ملة كفرية من أهل ملة كفرية أخرى وبه
قال الأوزاعي ومالك وأحمد والهادوية وحمله
الجمهور على أن المراد بإحدى الملتين الاسلام
وبالأخرى الكفر ولا يخفى بعد ذلك. وفي ميراث
المرتد أقوال أخر غير ما سلف والظاهر ما
قدمنا.
باب أن القاتل
لا يرث وأن دية المقتول لجميع ورثته من زوجة
وغيرها
1 - عن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده عن النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم قال
"لا يرث القاتل شيئا". رواه أبو داود.
2 - وعن عمر قال "سمعت
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول
ليس لقاتل ميراث". رواه مالك في الموطأ وأحمد وابن ماجه.
3 - وعن سعيد بن المسيب
"ان عمر قال الدية للعاقلة لا ترث المرأة من
دية زوجها حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي
إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كتب إلى
أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها".
رواه
ج / 6 ص -75-
أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ورواه مالك
من رواية ابن شهاب عن عمر وزاد قال ابن شهاب
وكان قتلهم أشيم خطأ.
4 - وعن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده "أن النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم قضى ان العقل ميراث بين ورثة القتيل على
فرائضهم". رواه الخمسة إلا الترمذي.
5 - وعن قرة بن دعموص
قال "أتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
أنا وعمي فقلت يا رسول اللّه عند هذا دية أبي
قمره يعطنيها وكان قتل في الجاهلية فقال أعطه
دية أبيه فقلت هل لامي فيها حق قال نعم وكانت
ديته مائة من الأبل". رواه البخاري في
تاريخه.
حديث عمرو بن شعيب أخرجه
أيضا النسائي وأعله والدارقطني وقواه ابن عبد
البر. وحديث عمر أخرجه أيضا الشافعي وعبد
الرزاق والبيهقي وهو منقطع قال البيهقي ورواه
محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال الحافظ وكذا
أخرجه النسائي من وجه آخر عن عمرو قال أنه خطأ
وأخرجه ابن ماجه والدارقطني من وجه آخر عن عمر
أيضا
ـ وفي الباب ـ عن ابن
عباس عند الدارقطني بلفظ
"لا يرث القاتل شيئا"
وفي إسناده كثير بن مسلم وهو ضعيف. وعن ابن
عباس أيضا حديث آخر عند البيهقي بلفظ
"من قتل قتيلا فإنه لا يرث وإن لم يكن له وارث غيره" وفي لفظ
"وإن كان والده أو ولده" وفي إسناد عمرو بن برق وهو ضعيف وعن أبي
هريرة عند الترمذي وابن ماجه بلفظ "القاتل
لا يرث" وفي إسناده إسحاق بن عبد اللّه بن أبي
فروة تركه أحمد وغيره وأخرجه النسائي في السنن
الكبرى وقال إسحاق متروك وعن عمر بن شيبة بن
أبي كثير الأشجعي عند الطبراني في قصة وانه
قتل امرأته خطأ فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم
"اعقلها ولا ترثها"
وعن عدي الجذامي نحوه أخرجه الخطابي وحديث
سعيد بن المسيب أخرجه أيضا النسائي وقال
الترمذي حسن صحيح زاد أبو داود بعد قوله من
دية زوجها فرجع عمرو في رواية "وكان النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم استعمله على
الأعراب" وحديث عمرو بن شعيب هو حديث طويل
ساقه أبو داود بطوله في باب ديات الأعضاء وفي
إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد
اختلف فيه فتكلم فيه غير واحد ووثقه غير
واحد. وحديث قرة ابن دعموص يشهد له حديث
الضحاك المذكور. وحديث عمرو بن شعيب.
قوله:
"لا يرث القاتل شيئا"
استدل به من قال بأن القاتل لا يرث سواء كان
القتل عمدا أو خطأ وإليه ذهب الشافعي وأبو
حنيفة وأصحابه وأكثر أهل العلم قالوا ولا يرث
من المال ولا من الدية. وقال مالك والنخعي
والهادوية إن قاتل الخطأ يرث من المال دون
الدية ولا يخفى ان التخصيص لا يقبل الا
بدليل. وحديث عمر بن شيبة بن أبي كثير
الأشجعي نص في محل النزاع فإن النبي صلى اللّه
عليه وآله وسلم قال له
ولا ترثها. وكذلك حديث عدي الجذامي الذي اشرنا إليه ولفظه في سنن البيهقي
"إن عديا
ج / 6 ص -76-
كانت له امرأتان اقتتلنا فرمى احداهما فماتت
فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
أتاه فذكر له ذلك فقال له
اعقلها ولا ترثها"
وأخرج البيهقي أيضا "ان رجلا رمى بحجر فأصاب
أمه فماتت من ذلك فأراد نصيبه من ميراثها فقال
له أخوته لا حق لك فأرتفعوا إلى علي رضي اللّه
عنه فقال له حقك من ميراثها الحجر أو غرمه
الدية ولم يعطه من ميراثها شيئا. وأخرج أيضا
عن جابر بن زيد أنه قال "أيما رجل قتل رجلا
أو امرأة عمدا أو خطأ فلا ميراث له منهما
وأيما امرأة قتلت رجلا أو امرأة عمدا أو خطأ
فلا ميراث لها منهما" وقال قضي بذلك عمر بن
الخطاب وعلي وشريح وغيرهم من قضاة المسلمين.
وقد ساق البيهقي في الباب آثارا عن عمر وابن
عباس وغيرهما تفيد كلها أنه لا ميراث للقاتل
مطلقا قوله: "اشيم" بفتح الهمزة وسكون
الشين المعجمة وفتح الياء المثناة من تحت
قوله: "من دية زوجها" فيه دليل على أو
الزوجة ترث من دية زوجها كما ترث من ماله
وكذلك يدل على ذلك حديث عمرو بن شعيب المذكور
لعموم قوله فيه "بين ورثة القتيل" والزوجة
من جملتهم. وكذلك قوله في حديث قرة المذكور
"هل لامي فيها حق قال نعم".
باب في أن
الأنبياء لا يورثون
1 - عن أبي بكر الصديق
عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال "لا نورث ما تركناه صدقة".
2 - وعن عمر أنه قال
لعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد وعلي
والعباس "أنشدكم اللّه الذي بأذنه تقوم
السماء والأرض أتعلمون أن رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم قال
لا نورث ماتركنا صدقة قالوا نعم".
3 - وعن عائشة "أن
أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حين
توفى أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه
ميراثهن فقالت عائشة اليس قال النبي صلى اللّه
عليه وآله وسلم
لا نورث ماتركناه صدقة".
4 - وعن أبي هريرة قال
"قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
لا تقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي
ومؤنة عاملي فهو صدقة".
متفق عليهن. وفي لفظ لأحمد "لا يقتسم ورثتي دينارا أو لا درهما".
5 - وعن أبي هريرة "أن
فاطمة رضي اللّه عنها قالت لأبي بكر من يرثك
إذا مت قال ولدي وأهلي قالت فما لنا لانرث
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال سمعت
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول أن النبي
لا يورث ولكن أعول من كان رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم يعول وأنفق على من كان
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم".
رواه أحمد والترمذي وصححه.
ج / 6 ص -77-
قوله: "لا نورث" بالنون وهو الذي
توارد عليه أهل الحديث في القديم والحديث كما
قال الحافظ في الفتح وما تركنا في موضع الرفع
بالابتداء وصدقة خبره وقد زعم الرافضة أن لا
نورث بالياء التحتانية وصدقة بالنصب على الحال
وماتركناه في محل رفع على النيابة والتقدير لا
يورث الذي تركناه حال كونه صدقة وهذا خلاف ما
جاءت به الرواية ونقله الحافظ وما ذلك بأول
تحريف من أهل تلك النحلة ويوضح بطلانه ما في
حديث أبي هريرة المذكور في الباب بلفظ "فهو
صدقة" وقوله "لا تقتسم ورثتي دينارا"
وقوله "أن النبي لا يورث" ومما ينادى على
بطلانه أيضا أن أبا بكر أحتج بهذا الكلام على
فاطمة رضي اللّه عنهما فيما ألتمسته منه من
الذي خلفه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
وسلم من الأراضي وهما من أفصح الفصحاء وأعلمهم
بمدلولات الألفاظ فلوكان اللفظ كما تقرؤه
الروافض لم يكن فيما أحتج به أبو بكر حجة ولا
كان جوابه مطابقا لسؤالها. قوله:
"أنشدكم اللّه" أي اسألك رافعا نشدتي أي
صوتي وقد قدمنا الكلام على هذا التركيب
ومعناه. قوله: "ومؤنة عاملي" اختلف في
المراد به فقيل هو الخليفة بعده. قال الحافظ
وهذا هو المعتمد. وقيل يريد بذلك العامل على
النخل وبه جزم الطبري وابن بطال وأبعده من قال
المراد بعامله حافر قبره وقال ابن دحية في
الخصائص المراد بعامله خادمه وقيل العامل على
الصدقة. وقيل العامل فيها كالأخير ونبه
بقوله دينارا بالأدنى على الأعلى وظاهر
الأحاديث المذكورة في الباب أن الأنبياء لا
يورثون وإن جميع ما تركوه من الأموال صدقة ولا
يعارض ذلك قوله تعالى {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ}
فإن المراد بالوراثة المذكورة وراثة العلم لا
المال كما صرح بذلك جماعة من أئمة التفسير وقد
استشكل ما وقع في الباب عن عمر أنه قال لعثمان
وعبد الرحمن والزبير وسعد وعلي والعباس
"أتعلمون أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
وسلم قال
لا نورث ماتركناه صدقة
فقالوا نعم" ووجه الاستشكال ان أصل القصة
صريح في أن العباس وعليا قد علما بأنه صلى
اللّه عليه وآله وسلم قال
"لانورث" فإن كانا سمعاه من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فكيف يطلبانه
من أبي بكر وإن كانا إنما سمعاه من أبي بكر أو
في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك فكيف
يطلبانه بعد ذلك من عمر وأجيب يحمل ذلك على
أنهما اعتقدا أن عموم لانورث مخصوص ببعض ما
يخلفه دون بعض ولذلك نسب عمر إلى علي والعباس
أنهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما كما وقع في
صحيح البخاري وغيره. وأما مخاصمتها بعد ذلك
عند عمر فقال إسماعيل القاضي فيما رواه
الدارقطني من طريقه لم يكن في الميراث إنما
تنازعا في ولاية الصدقة وفي صرفها كيف تصرف
كذا قال لكن في رواية النسائي وعمر بن شبة من
طريق أبي البختري ما يدل على انهما أرادا أن
يقسم بينهما على سبيل الميراث ولفظه في آخره
"ثم جئتماني الآن تختصمان يقول هذا أريد
نصيبي من ابن أخي ويقول هذا أريد نصيبي من
امرأتي واللّه لا أقضي بينكما إلا بذلك" أي
إلا بما تقدم من تسليمها لها على سبيل
الولاية. وكذا وقع عند النسائي من طريق
عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس نحوه وفي السنن
لأبي داود وغيره أراد أن عمر يقسمها بينهما
لينفرد كل منهما بنظر ما يتولاه فامتنع عمر من
ذلك وأراد أن
ج / 6 ص -78-
أن لا يقع عليهما اسم القسمة ولذلك أقسم على
ذلك وعلى هذا اقتصر أكثر شراح الحديث
واستحسنوه وفيه من النظر ما تقدم. وأعجب من
ذلك جزم ابن الجوزي والنووي أنهما شرحا اللفظ
الوارد في مسلم دون اللفظ الوارد في
البخاري. وأما ما ثبت في الصحيح في قول عمر
جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك فإنما
عبر بذلك لبيان قسمة الميراث كيف يقسم بينهم
لو كان هناك ميراث لا أنه أراد الغض منهما في
هذا الكلام وزاد الإمامي عن ابن شهاب عند عمر
بن شبة ما لفظه "فأصلحا
أمركما وإلا لم يرجع واللّه إليكما".
قوله: "ولكن أعول من كان رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم يعول" الخ فيه دليل
على أنه يتوجب على الخليفة القائم بعد رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يعول من
كان الرسول صلوات اللّه عليه وآله وسلم يعوله
وينفق على من كان الرسول ينفق عليه. |