نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ط مكتبة الدعوة الإسلامية

كتاب النكاح
باب الحث عليه وكراهة تركه للقادر عليه
1 - عن ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء‏"‏‏.‏ رواه الجماعه‏.‏
2 - وعن سعد بن أبي وقاص قال ‏"‏رد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا‏"‏‏.‏
3 - وعن أنس ‏"‏أن نفرا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال بعضهم لا أتزوج وقال بعضهم أصلي ولا أنام وقال بعضهم أصوم ولا أفطر فبلغ ذلك

 

ج / 6 ص -100-       النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني‏"‏‏.‏ متفق عليهما‏.‏
4 - وعن سعيد بن جبير قال ‏"‏قال لي ابن عباس هل تزوجت قلت لا قال تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء‏"‏‏.‏
رواه أحمد والبخاري‏.‏
5 - وعن قتادة عن الحسن عن سمرة ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن التبتل وقرأ قتادة
{وقد رسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية‏}"‏‏.‏ رواه الترمذي وابن ماجه‏.‏
حديث سمرة قال الترمذي أنه حسن غريب قال وروى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ويقال كلا الحديثين صحيح انتهى‏.‏ وفي سماع الحسن عن سمرة خلاف مشهور قد ذكرناه فيما تقدم‏.‏ وحديث عائشة الذي أشار إليه الترمذي أخرجه أيضا النسائي
ـ وفي الباب ـ عن ابن عمر عند الديلمي في مسند الفردوس قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
حوا تستغنوا وسافروا تصحوا وتناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم‏"‏ وفي إسناده محمد بن الحرث عن محمد بن عبد الرحمن البيلماني وهما ضعيفان‏.‏ ورواه البيهقي أيضا عن الشافعي أنه ذكره بلاغا وزاد في آخره حتى بالسقط‏.‏ وعن أبي أمامة عند البيهقي بلفظ ‏"‏تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ولا تكونوا كرهبانية النصارى‏"‏ وفي إسناده محمد بن ثابت وهو ضعيف‏.‏ وعن حرملة بن النعمان عند الدارقطني في المؤتلف وابن قانع في الصحابة بلفظ ‏"‏امرأة ولود أحب إلى اللّه من امرأة حسناء لا تلد إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة‏"‏ قال الحافظ وإسناده ضعيف‏.‏ وعن عائشة أيضا عند ابن ماجه ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينحك ومن لم يجد فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء‏"‏ وفي إسناده عيسى بن ميمون وهو ضعيف‏.‏ وعن عمرو بن العاص عند مسلم عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏"‏حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة‏"‏ وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في باب الاكتحال والأدهان والتطيب من كتاب الطهارة‏.‏ وعن عائشة أيضا عند الحاكم وأبي داود في المراسيل بلفظ ‏"‏تزوجوا النساء فإنهن يأتينكم بالمال‏"‏ وقد اختلف في وصله وغرساله ورجح الدارقطني المرسل على الموصول‏.‏ وعن أبي هريرة عند الترمذي والحاكم والدارقطني وصححه بلفظ ‏"‏ثلاثة حق على اللّه إعانتهم المجاهد في سبيل اللّه والناكح يريد أن

 

 

ج / 6 ص -101-       يستعفف والمكاتب يريد الأداء‏"‏ وعن أنس أيضا عند الحاكم بلفظ ‏"‏من رزقه اللّه امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق اللّه في الشطر الثاني‏"‏ قال الحافظ وسنده ضعيف‏.‏ وعنه أيضا ‏"‏من تزوج امرأة صالحة فقد أعطى نصف العبادة‏"‏ وفي إسناده زيد العمي وهو ضعيف‏.‏ وعن ابن عباس عند أبي داود والحاكم بلفظ ‏"‏ألا أخبركم بخير مما يكنز المرء المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا غاب عنها حفظته وإذا أمرها أطاعته‏"‏ وعن ثوبان عند الترمذي نحوه ورجاله ثقات إلا أن انقطاعا‏.‏
وعن أبي نجيح عند البيهقي والبغوي في معجم الصحابة بلفظ ‏
"‏من كان موسرا فلم ينكح فليس منا‏"‏ قال البيهقي هو مرسل وكذا جزم به أبو داود والدولابي وغيرهما‏.‏ وعن ابن عباس عند ابن ماجه والحاكم ‏"‏لم ير للمتحابين مثل التزويج‏"‏ وعنه أيضا عند أحمد وأبي داود والحاكم وصححه والطبراني ‏"‏ولا صرورة في الإسلام‏"‏ وهو من رواية عطاء عن عكرمة عنه‏.‏ قال ابن طاهر هو ابن وراز وهو ضعيف‏.‏ وفي رواية الطبراني ابن أبي الجوار وهو موثوق هكذا في التلخيص أنه من رواية عطاء عن عكرمة ولا رواية له ولعله من رواية عمرو بن عطاء بن وراز وهو مجهول من السادسة أو عمرو بن عطاء بن أبي الجوار وهو مقبول من الخامسة وكأنه سقط من التلخيص اسم عمرو‏.‏ والصرورة بفتح الصاد المهملة الذي لم يتزوج والذي لم يحج‏.‏ وعن عياض بن غنم عند الحاكم بلفظ ‏"‏لا تزوجوا عاقرا ولا عجوزا فإني مكاثر بكم الأمم‏"‏ وإسناده ضعيف‏.‏ وفيه أيضا عن الصنابح بن الأعسر وسهل بن حنيف وحرملة بن النعمان ومعاوية بن حيدة أشار إلى ذلك الحافظ في الفتح‏.‏
ـ وفي الباب ـ عن أنس أيضا وعبد اللّه بن عمرو‏.‏ ومعقل بن يسار‏.‏ وأبي هريرة أيضا وجابر وسيأتي ذلك في الباب الذي بعد هذا‏.‏ قوله ‏"‏كتاب النكاح‏"‏ هو في اللغة الضم والتداخل‏.‏ وفي الشرع عقد بين الزوجين يحل به الوطء وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء وهو الصحيح لقوله تعالى ‏
{فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ‏}‏ والوطء لا يجوز بالأذن وقال أبو حنيفة هو حقيقة في الوطء مجاز في العقد لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏"‏تناكحوا تكثروا‏"‏ وقوله ‏"‏لعن اللّه ناكح يده‏"‏ وقال الإمام يحيى وبعض أصحاب أبي حنيفة أنه مشترك بينهما وبه قال أبو القاسم الزجاجي‏.‏ وقال الفارسي إنه إذا قيل نكح فلانة أو بنت فلان فالمراد به العقد وإذا قيل نكح زوجته فالمراد به الوطء ويدل على القول الأول ما قيل أنه لم يرد في القرآن إلا للعقد كما صرح بذلك الزمخشري في كشافه في أوائل سورة النور ولكنه منتقض لقوله تعالى ‏{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}‏ وقال أبو الحسين بن فارس إن النكاح لم يرد في القرآن إلا للتزويج إلا قوله تعالى ‏{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ}‏ فإن المراد به الحلم‏.‏
قوله ‏"‏يا معشر الشباب‏"‏ المعشر جماعة يشملهم وصف ما والشباب جمع شاب قال الأزهري لم يجمع فاعل علي فعال غيره وأصله الحركة والنشاط‏.‏ وهو اسم لمن بلغ إلى أن يكمل ثلاثين هكذا أطلق الشافعية حكى ذلك عنهم صاحب الفتح‏.‏ وقال القرطبي في المفهم يقال له حدث إلى ست عشرة سنة ثم شاب إلى اثنين وثلاثين ثم كهل‏.‏ قال الزمخشري إن الشباب من لدن البلوغ إلى اثنين وثلاثين‏.‏ وقال ابن شاس المالكي في الجواهر إلى أربعين‏.‏ وقال

 

ج / 6 ص -102-       النووي الأصح المختار إن الشباب من لدن البلوغ إلى اثنين وثلاثي‏.‏ وقال ابن شاس المالكي في الجواهر إلى أربعين‏.‏ وقال النووي الأصح المختار أن الشباب من بلغ ولم يجاوز الثلاثين ثم هو كهل إلى أن يجاوز الأربعين ثم هو شيخ‏.‏ وقال الروياني وطائفة من جاوز الثلاثين سمي شيخا زاد ابن قتيبة إلى أن يبلغ الخمسين وقال أبو إسحاق الأسفرايني عن الأصحاب المرجع في ذلك اللغة وأما بياض الشعر فيختلف باختلاف الأمزجة هكذا في الفتح‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏الباءة‏"‏ بالهمز وتاء التأنيث ممدودا وفيها لغة أخرى بغير همز ولا مد وقد تهمز وتمد بلا هاء‏.‏ قال الخطابي المراد بالباء النكاح وأصله الموضع يتبوؤه ويأوي إليه‏.‏ وقال النووي اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد أصحهما أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنة وهي مؤنة النكاح فليتزوج ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنة فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منية مكا يقطعه الوجاء‏.‏ والقول الثاني إن المراد بالباءة مؤنة النكاح سميت باسم ما يلازمها وتقديره من استطاع منكم مؤنة النكاح فليتزوج ومن لم يستطع فليصم قالوا والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة فوجب تأويل الباءة على المؤن‏.‏ وقال القاضي عياض لا يبعد أن تختلف الاستطاعتان فيكون المراد بقوله من استطاع الباءة أي بلغ الجماع وقدر عليه فليتزوج ويكون‏.‏ قوله ‏"‏ومن لم يستطع‏"‏ أي لم يقدر على التزويج وقيل الباءة بالمد القدرة على مؤن النكاح وبالقصر الوطء‏.‏
قال الحافظ ولا مانع من الحمل على المعنى الأعم بأن يراد بالباءة القدرة على الوطء ومؤن التزويج وقد وقع في رواية عند الإسماعيلي من طريق أبي عوانة بلفظ
‏"‏من استطاع منكم أن يتزوج فليتزوج‏"‏ وفي رواية للنسائي ‏"‏من كان ذا طول فلينكح‏"‏ ومثله لابن ماجه من حديث عائشة والبزار من حديث أنس‏.‏ قوله ‏"‏أغض للبصر‏"‏ الخ أي أشد غضا وأشد إحصانا له ومنعا من الوقوع في الفاحشة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏فعليه‏"‏ قيل هذا من اغراء الغائب ولا تكاد العرب تغري إلا الشاهد تقول عليك زيدا ولا تقول عليه زيدا‏.‏ قال الطيبي وجوابه أنه لما كان الضمير للغائب راجعا إلى لفظة من وهي عبارة عن المخاطبين في قوله ‏"‏يا معشر الشباب‏"‏ وبيان لقوله ‏"‏منكم‏"‏ جاز قوله عليه لانه بمنزلة الخطاب‏.‏ وأجاب القاضي عياض بأن الحديث ليس فيه إغراء الغائب بل الخطاب للحاضرين الذي خاطبهم أولا بقوله ‏"‏من استطاع منكم‏"‏ وقد استحسنه القرطبي والحافظ والارشاد إلى الصوم لما فيه من الجوع والامتناع عن مثيرات الشهوة ومستدعيات طغيانها‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏وجاء‏"‏ بكسر الواو والمد وأصله الغمز ومنه وجأ في عنقه إذا غمزه وجأه بالسيف إذا طعنه به وجأه الثييه غمزهما حتى رضهما‏.‏ وتسمية الصيام وجاء استعارة والعلامة المشابهة لأن الصوم لما كان مؤثرا في ضعف شهوة النكاح شبه بالوجاء‏.‏ وقد استدل بهذا الحديث على أن من لم يستطع الجماع فالمطلوب منه ترك التزويج لإرشاده صلى اللّه عليه وآله وسلم من كان كذلك إلى مافيه ويضعف داعيه‏.‏ وذهب بعض أهل العلم إلى أنه مكروه في حقه‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏رد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على عثمان ابن مظعون التبتل‏"‏ هو في الأصل الإنقطاع والمراد به هذا الإنقطاع من النكاح وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة والمراد بقوله تعالى ‏{وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً‏}‏ انقطع إليه انقطاعا

 

ج / 6 ص -103-       وفسره مجاهد بالإخلاص وهو لازم للإنقطاع‏.‏ قوله ‏"‏ولو أذن له لاختصينا‏"‏ الخصى هو شق الأنثيين وانتزاع البيضتين‏.‏ قال الطيبي كان الظاهر أن يقول ولو أذن له لتبتلنا لكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله لاختصينا لإرادة المبالغة أي لبالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الأمر إلى الاختصاء ولم يرد به حقيقة الاختصاء لانه حرام وقيل بل هو على ظاهره وكان ذلك قبل النهي عن الاختصاء‏.‏ وأصل حديث عثمان ابن مظعون أنه قال ‏"‏يا رسول اللّه أني رجل يشق على العزوبة فأذن لي في الاختصاء قال لا ولكن عليك بالصيام‏"‏‏.‏
الحديث في لفظ آخر ‏"‏أنه قال يا رسول اللّه أتأذن لي في الاختصاء قال
إن اللّه أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة‏"‏ وأخرج ذلك من طريق عثمان بن مظعون الطبري‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏إن نفرا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏ الخ أصل الحديث ‏"‏جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه ما تأخر فقال بعضهم‏"‏ الحديث‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏لكني أصوم وأفطر‏"‏ الخ فيه دليل على أن المشروع هو الاقتصاد في الطاعات لأن أتعاب النفس فيها والتشديد عليها يفضي إلى ترك الجميع والدين يسر ولن يشاد أحد الدين الا غلبه والشريعة المطهرة مبنية على التيسير وعدم التنفير‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏فمن رغب عن سنتي فليس مني‏"‏ المراد بالسنة الطريقة‏.‏ والرغبة الاعراض‏.‏ وأراد صلى اللّه عليه وآله وسلم أن التارك لهديه القويم المائل إلى الرهبانية خارج عن الاتباع إلى الابتداع وقد أسلفنا الكلام على مثل هذه العبارة في مواطن من هذا الشرح‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء‏"‏ قيل مراد ابن عباس بخير هذه الأمة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كما يدل على ذلك ما وقع عند الطبراني بلفظ ‏"‏فان خيرنا كان أكثرنا نساء‏"‏ وعلى هذا فيكون التقييد بهذه الأمة لاخراج مثل سليمان فإنه كان أكثر نساء‏.‏ وقيل أراد ابن عباس ان خير أمة محمد من كان أكثرها نساء من غيره ممن يساويه فيما عدا ذلك من الفضائل‏.‏
قال الحافظ والذي يظهر ان مراد ابن عباس بالخير النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وبالأمة أخصاء أصحابه وكأنه أشار إلى ان ترك التزويج مرجوح إذ لو كان راجحا ما آثر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم غيره‏"‏‏.‏ قوله ‏"‏نهى عن التبتل‏"‏ قد استدل بهذا النهي‏.‏ وبقوله في الحديث الأول ‏
"‏فليتزوج‏"‏ وبقوله ‏"‏فمن رغب عن سنتي‏"‏ وبسائر ما في أحاديث الباب من الأوامر ونحوها من قال بوجوب النكاح‏.‏ قال في الفتح وقد قسم العلماء الرجل في التزويج إلى أقسام‏.‏ التائق إليه القادر على مؤنة الخائف على نفسه فهذا يندب له النكاح عند الجميع وزاد الحنابلة في رواية أنه يجب وبذلك قال أبو عوانة الأسفرايني من الشافعية وصرح به في صحيحه أنه يجب بذلك قال أبو عوانة الاسفرايني من الشافعية وصرح به في صحيحه ونقله المصعبي في شرح مختصر الجويني وجها وهو قول داود وأتباعه انتهى‏.‏ وبه قالت الهادوية مع الخشية على النفس من المعصية‏.‏ قال ابن حزم وفرض على كل قادر على الوطء إن وجد ما يتزوج به أو يتسري ان يفعل أحدهما فإن عجز عن ذلك فليكثر من الصوم وهو قول جماعة من السلف انتهى‏.‏ والمشهور عن أحمد أنه لا يجب على القادر التائق الا إذا خشي العنت وعلى هذه الرواية اقتصر ابن هبيرة‏.‏ وقال الماوردي الذي نطق به

 

ج / 6 ص -104-       مذهب مالك أنه مندوب وقد يجب عندنا في حق من لا ينكف عن الزنا الا به‏.‏ وقال القرطبي المستطيع الذي يخاف الضرر على نفسه ودينه من العزوبة لا يرتفع عنه ذلك الا بالتزويج لا يختلف في وجوب التزويج عليه‏.‏ وحكى ابن دقيق العيد الوجوب على من خاف العنت عن المازري وكذلك حكى عنه التحريم على من يخل بالزوجة في الوطء والانفاق مع عدم قدرته عليه‏.‏ والكراهة حيث لا يضر بالزوجة مع عدم التوقان إليه وتزداد الكراهة إذا كان ذلك يفضي إلى الإخلال بشيء من الطاعات التي يعتادها والاستحباب فيما إذا حصل به معنى مقصود من كسر شهوة واعفاف نفس وتحصين فرج ونحو ذلك والأباحة فيما إذا اتفقت الدواعي والموانع‏.‏ وقد ذهبت الهادوية إلى مثل هذا التفضيل‏.‏ ومن العلماء من جزم بالأستحباب فمن هذه صفته لما تقدم من الأدلة المقتضية للترغيب في مطلق النكاح‏.‏ قال القاضي عياض هو مندوب في حق كل من يرجى منه النسل ولو لم يكن له في الوطء شهوة وكذا في حق من له رغبة في نوع من الاستمتاع بالنساء غير الوطء فاما من لانسل له ولا أرب له في النساء ولا في الاستمتاع فهذا مباح في حقه إذا علمت المرأة بذلك ورضيت‏.‏ وقد يقال انه مندوب أيضا لعموم ‏"‏لا رهبانية في الإسلام‏"‏ قال الحافظ لم أره بهذا اللفظ لكن في حديث سعد بن أبي وقاص عند الطبراني إن اللّه أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة‏.‏

باب صفة المرأة التي يستحب خطبتها
1 - عن أنس ‏"‏ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يأمر بالباءة وينهي عن التبتل نهيا شديدا ويقول
تزوجوا الودود الولود فإني مكائر بكم الأنبياء يوم القيامة‏"‏‏.‏
2 - وعن عبد اللّه بن عمر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏"‏انكحوا أمهات الأولاد فأني اباهي بكم يوم القيامة‏"‏‏.‏ رواهما أحمد‏.‏
3 - وعن معقل بن يسار قال ‏"‏جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال أني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وأنها لا تلد فاتزوجها قال
لا ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فقال تزوجوا الودود الولود فأن مكاثر بكم‏"‏‏.
رواه أبو داود والنسائي‏.‏
حديث أنس أخرجه أيضا ابن حبان وصححه وذكره في مجمع الزوائد في موضعين فقال في أحدهما رواه أحمد والطبراني في الأوسط من طريق حفص بن عمر عن أنس وقد ذكره ابن أبي حاتم وروى عنه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح وقال في موضع آخر وإسناده حسن‏.‏ وحديث عبد اللّه بن عمرو أشار إليه الترمذي وقال في مجمع الزوائد وفيه جريربن عبد اللّه العامري وقد وثق وهو ضعيف‏.‏ وحديث معقل أخرجه أيضا ابن حبان وصححه الحاكم‏.‏
ـ وفي الباب ـ أحاديث قد قدمت الإشارة وقد تقدم تفسير التبتل‏.‏ والولود كثيرة الولد والودود المودودة

 

ج / 6 ص -105-       لما هي عليه من حسن الخلق والتودد إلى الزوج وهو فعول بمعنى مفعول‏.‏ والمكائرة يوم القيامة إنما تكون بكثرة أمته صلى اللّه عليه وآله وسلم وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على مشروعية النكاح ومشروعية أن تكون المنكوحة ولودا‏.‏ قال الحافظ في الفتح بعد أن ذكر بعض أحاديث الباب ما لفظه وهذه الأحاديث وإن كان في الكثير منها ضعف فمجموعها يدل على أن لما يحصل به المقصود من الترغيب في الزويج أصلا لكن في حق من يتأتى منه النسل انتهى‏.‏ وقد تقدم الكلام على أقسام النكاح‏.‏
4 - وعن جابر ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال له
يا جابر تزوجت بكرا أم ثيبا قال ثيبا قال هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك‏"‏‏.‏ رواه الجماعة‏.‏
5 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏
"‏تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فأظفر بذات الدين تربت يداك‏"‏‏.‏ رواه الجماعة إلا الترمذي‏.‏
6 - وعن جابر ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
‏"‏إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك‏"‏‏.‏ رواه مسلم والترمذي وصححه‏.‏
قوله ‏"‏بكرا‏"‏ هي التي لم توطأ والثيب هي التي قد وطئت قوله‏:‏ ‏"‏تلاعبها وتلاعبك‏"‏ زاد البخاري في رواية له في النفقات ‏"‏وتضاحكها وتضاحكك‏"‏ وفي رواية لأبي عبيد ‏"‏تداعبها تداعبك‏"‏ بالدال المهملة مكان اللام وفيه دليل على استحباب نكاح الأبكار الا لمقتض لنكاح الثيب كما وقع لجابر فإنه قال للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما قال له ذلك ‏"‏هلك أبي وترك سبع بنات أوتسع بنات فتزوجت ثيبا كرهت أن أجيئهن بمثلهن فقال
بارك اللّه لك‏"‏ هكذا في البخاري في النفقات وفي رواية له ذكرها في المغازي من صحيحه ‏"‏كن لي تسع أخوات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن ولكن امرأة تقوم عليهن وتمشطهن قال أصبت‏"‏‏.
قوله ‏"‏تنكح المرأة لأربع‏"‏ أي لأجل أربع‏.‏ قوله ‏"‏لحسبها‏"‏ بفتح الحاء والسين المهملتين بعدها باء موحدة أي شرفها والحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره‏.‏ وقيل المراد بالحسب ههنا الأفعال الحسنة وقيل المال وهو مردود بذكره قبله ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة الا أن تعارض نسيبة غير دينة وغير نسيبة دينة فتقدم ذات الدين وهكذا في كل الصفات‏.‏ وأما ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه
‏"‏ان أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال" فقال الحافظ يحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له ومنه حديث سمرة رفعه ‏"‏الحسب المال

 

ج / 6 ص -106-       والكرم التقوى‏"‏ أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم قوله‏:‏ ‏"‏وجمالها‏"‏ يؤخذ منه استحباب نكاح الجميلة ويلحق بالجمال في الذات الجمال في الصفات قوله‏:‏ ‏"‏فاظفر بذات الدين‏"‏ فيه دليل على أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته كالزوجة وقد وقع في حديث عبد اللّه بن عمرو عند ابن ماجه والبزار والبيهقي رفعه ‏"‏لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تزوجهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولأمة سوداء ذات دين أفضل‏"‏ ولهذا قيل إن معنى حديث الباب الاخبار منه صلى اللّه عليه وآله وسلم بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع وآخرها عندهم ذات الدين فاظفر أيها المسترشد بذات الدين‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏تربت يداك‏"‏ أي لصقت بالتراب وهي كناية عن الفقر قال الحافظ وهو خبر بمعنى الدعاء لكن لا يراد به حقيقته وبهذا جزم صاحب العمدة وزاد غيره ان صدور ذلك من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في حق مسلم لا يستجاب لشرطه ذلك على ربه‏.‏ وحكى ابن العربي ان المعنى استغنت ورد بأن المعروف أترب إذا استغنى وترب إذا افتقر‏.‏ وقيل معناه ضعف عقلك وقيل افتقرت من العلم وقيل فيه شرط مقدر أي وقع لك ذلك لم تفعل ورجحه ابن العربي‏.‏ وقيل معنى تربت خابت قال القرطبي معنى الحديث ان هذه الخصال الأربع هي التي يرغب في نكاح المرأة لاجلها فهو خير عما في الوجود من ذلك لا انه وقع الأمر به بل ظاهره إباحة النكاح لقصد كل من ذلك قال ولا يظن من هذا الحديث إن هذه الأربع يؤخذ منها الكفاءة أي تنحصر فيها فإن ذلك لم يقل به أحد فيما علمت وإن كانوا اختلفوا في الكفاءة ما هي وسيأتي الكلام على الكفاءة‏.‏

باب خطبة المجبرة إلى وليها والرشيدة إلى نفسها
1 - عن عراك عن عروة ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم خطب عائشة إلى أبي بكر فقال له أبو بكر إنما أنا أخوك فقال
أنت أخي في دين اللّه وكتابه وهي لي حلال‏"‏‏.‏ رواه البخاري هكذا مرسلا‏.‏
2 - وعن أم سلمة قالت ‏"‏لما مات أبو سلمة أرسل إليّ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له فقلت له إن لي بنتا وأنا غيور فقال
أما ابنتها فتدعو اللّه أن يغنيها عنها وأدعو اللّه أن يذهب بالغيرة‏"‏‏.‏
مختصر من مسلم‏.‏
الحديث الأول فيه دليل على أن خطبة المرأة الصغيرة البكر تكون إلى وليها قال ابن بطال وفيه أن النهي عن انكاح البكر حتى تستأمر مخصوص بالمبالغة التي يتصور منها الأذن‏.‏ وأما الصغيرة فلا أذن لها وسيأتي الكلام على ذلك في باب ما جاء في الإجبار والاستئمار قوله‏:‏ ‏"‏وأنا غيور‏"‏ هذه الصيغة يستوي فيها المذكر والمؤنث فيقول كل واحد منهما أنا غيور والمراد بالغيرة

 

ج / 6 ص -107-       التي وصفت بها نفسها أنها تغار إذا تزود زوجها امرأة أخرى والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد كان له زوجات قبلها‏.‏ قال في القاموس واغار أهله تزوج عليها فغارت انتهى‏.‏ وفيه دليل على أن المرأة البالغة الثيبة تخطب إلى نفسها وسيأتي الكلام على هذا‏.‏

باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه
1 - عن عقبة بن عامر ‏"‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم‏.‏
2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
‏"‏لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك‏"‏‏.‏ رواه البخاري والنسائي‏.‏
3 - وعن ابن عمر ‏"‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏
"‏لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب‏"‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري والنسائي‏.‏
قوله ‏"‏أن يبتاع على بيع أخيه‏"‏ قد تقدم الكلام على هذا من كتاب البيع قوله ‏"‏ولا يخطب‏"‏ الخ استدل بهذا الحديث على تحريم الخطبة على الخطبة لقوله في أول الحديث ‏
"‏لا يحل‏"‏ وكذلك استدل بالنهي المذكور في حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر وفي لفظ للبخاري ‏"‏نهى أن يبيع بعضكم على بيع بعض أو يخطب‏"‏ وفي لفظ لأحمد من حديث الحسن عن سمرة ‏"‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه‏"‏ وقد ذهب إلى هذا الجمهور وجزموا بأن النهي التحريم كما حكى ذلك الحافظ في فتح الباري‏.‏ وقال الخطابي ان النهي ههنا للتأديب وليس بنهي تحريم يبطل العقد عند أكثر الفقهاء‏.‏ قال الحافظ ولاملازمة بين كونه للتحريم وبين البطلان عند الجمهور بل هو عندهم للتحريم ولا يبطل العقد وحكى النووي ان النهي فيه للتحريم بالإجماع ولكنهم اختلفوا في شروطه فقالت الشافعية والحنابلة محل التحريم إذا صرحت المخطوبة بالإجابة أو وليها الذي أذنت له وبذلك قال الهادوية فلو وقع التصريح بالرد فلا تحريم وليس في الأحاديث ما يدل على اعتبار الإجابة‏.‏ وأما ما احتج به من قول فاطمة بنت قيس للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إن معاوية وأبا جهم خطباها فلم ينكر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ذلك عليهما بل خطبها لأسامة فليس فيه حجة كما قال النووي لاحتمال أن يكونا خطباها معا أو لم يعلم الثاني بخطبة الأول والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أشار بأسامة ولم يخطب كما سيأتي‏.‏ وعلى تقدير أن يكون ذلك خطبة فلعله كان بعد ظهور رغبتها عنهما‏.‏ وظاهر حديث فاطمة الآتي قريبا أن أسامة خطبها مع معاوية وأبي جهم قبل مجيئها إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وعن بعض المالكية لا تمتنع الخطبة إلا بعد التراضي على الصداق ولا دليل على ذلك‏.‏ وقال داود الظاهري إذا تزوجها الثاني فسخ النكاح قبل الدخول وبعده

 

ج / 6 ص -108-       وللمالكية في ذلك قولان فقال بعضهم يفسخ قبله لا بعده قال في الفتح وحجة الجمهور أن المنهي عنه الخطبة وهي ليست شرطا في صحة النكاح فلا يفسخ النكاح بوقوعها غير صحيحة‏.‏ قوله ‏"‏لا يخطب الرجل على خطبة الرجل‏"‏ ظاهره أنه لا يجوز للرجل أن يخطب على خطبة الفاسق ولا على خطبة الكافر نحو أن يخطب ذمية فلا يجوز لمن يجوز نكاحها أن يخطبها ولكنه يقيد هذا الإطلاق بقوله في حديث أبي هريرة ‏"‏لا يخطب الرجل على خطبة أخيه‏"‏ فإنه لا أخوة بين المسلم والكافر وبقوله في حديث عقبة ‏"‏المؤمن أخو المؤمن‏"‏ الخ فإنه يخرج بذلك الفاسق وإلى المنع من الخطبة على خطبة الكافر والفاسق ذهب الجمهور قالوا والتعبير بالاخ خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له وذهب الأوزاعي وجماعة من الشافعية إلى أنها تجوز الخطبة على خطبة الكافر وهو الظاهر‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏حتى يترك‏"‏ وفي حديث عقبة حتى يذر في ذلك دليل على أنه يجوز للآخر أن يخطب بعد أن علم رغبة الأول عن النكاح وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي هريرة مرفوعا ‏"‏حتى ينكح أو يدع‏"‏ قال الحافظ وإسناده صحيح‏.‏

باب التعريض بالخطبة في العدة
1 - عن فاطمة بنت قيس ‏"‏أن زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لها رسول اللّه سكنى ولا نفقة قالت وقال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
إذا حللت فآذنيني فآذنته فخطبها معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد فقال رسول اللّه أما معاوية فرجل ترب لامال له وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء ولكن أسامة فقالت بيدها هكذا أسامة أسامة فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم طاعة اللّه وطاعة رسوله قالت فتزوجته فاغتبطت‏"‏‏.‏ رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏
2 - وعن ابن عباس ‏"‏فيما عرضتم به من خطبة النساء يقول أني أريد التزويج ولوددت أنه يسر لي امرأة صالحة‏"‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏
3 - وعن سكينة بنت حنظلة قالت ‏"‏استأذن عليّ محمد بن علي ولم ينقض عدتي من مهلكه زوجي فقال قد عرفت قرابتي من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقرابتي من علي وموضعي من العرب قلت غفر اللّه لك يا أبا جعفر إنك رجل يؤخذ عنك وتخطبني في عدتي فقال إنما أخبرتك بقرابتي من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ومن علي وقد دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة فقال لقد علمت انى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وخيرته من خلقه وموضعي من قومي كانت تلك خطبته‏"‏‏.‏ رواه الدارقطني‏.‏

 

ج / 6 ص -109-       حديث سكينة رواه الدارقطني من طريق عبد الحمن بن سليمان بن الغسيل عنها وهي عمته وهو منقطع لان محمد بن علي هو الباقر ولم يدرك النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ قوله ‏"‏لا سكنى ولانفقة‏"‏ سيأتي الكلام على ذلك‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏معاوية‏"‏ اختلف فيه فقيل هو ابن أبي سفيان وقيل غيره‏.‏ وفي صحيح مسلم بأنه هو‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏فرجل ضراب‏"‏ في رواية ‏"‏لا يضع عصاه عن عاتقه‏"‏ وهو كناية عن كثرة ضربه للنساء كما وقع التصريح بذلك في حديث الباب‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏فاغتبطت‏"‏ الغبطة بكسر الغين المعجمة حسن الحال والمسرة كما في القاموس‏.‏ قوله ‏"‏يقول أني أريد التزويج‏"‏ هو تفسير التعريض المذكور في الآية‏.‏ قال الزمخشري التعريض أن يذكر المتكلم شيئا يدل به على شيء لم يذكره وتعقب بأن هذا التعريف لا يخرج المجاز وأجاب سعد الدين بأنه لم يقصد التعريف ثم حقق التعريض بأنه ذكر شيء مقصود بلفظ حقيقي أو مجازي أو كنائي ليدل به على شيء آخر لم يذكر في الكلام مثل أن يذكر المجيء للتسليم ومراده التقاضي فالسلام مقصود والتقاضي عرض أي ميل إليه الكلام عن عرض أي جانب وامتاز عن الكناية فلم يشتمل على جميع أقسامها‏.‏ والحاصل أنهما يجتمعان ويفترقان فمثل جئت لا سلم عليك كناية وتعريض‏.‏ ومثل طويل النجاد كناية لا تعريض ومثل آذيتني فستعرف خطايا لغير المؤذى تعريض بتهديد المؤذى لا كناية وقد قيل في تفسير التعريض المذكور في الآية أن يقول لها أني فيك لراغب ولا يستلزم التصريح بالرغبة التصريح بالخطبة‏.‏ ومن التعريض ما وقع في حديث فاطمة بنت قيس عند أبي داود ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لها لا تفوتينا بنفسك‏"‏‏.‏ ومنه قول الباقر المذكور في الباب‏.‏ ومنه قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لام سلمة كما في الحديث المذكور‏.‏ قال في الفتح واتفق العلماء على أن المراد بهذا الحكم من مات زوجها واختلفوا في المعتدة من الطلاق البائن وكذا من وقف نكاحها‏.‏ وأما الرجعية فقال الشافعي لا يجوز لأحد أن يعرض لها بالخطبة فيها والحاصل أن التصريح بالخطبة حرام لجميع المعتدات والتعرض مباح للأولى وحرام في الأخيرة مختلف فيه في البائن‏.‏ واختلف فيمن صرح بالخطبة في العدة لكن لم يعقد الا بعد انقضائها فقال مالك يفارقها دخل أو لم يدخل‏.‏ وقال الشافعي يصح العقد وان ارتكب النهي بالتصريح المذكور لاختلاف الجهة‏.‏ وقال المهلب علة المنع من التصريح في العدة أن ذلك ذريعة إلى المواقعة في المدة التي هي محبوسة فيها على ماء الميت أو المطلق وتعقب بأن هذه العلة تصلح أن تكون لمنع العقد لا لمجرد التصريح الا أن يقال التصريح ذريعة إلى العقد والعقد ذريعة إلى الوقاع وقد وقع الاتفاق على أنه إذا وقع العقد في العدة لزم التفريق بينهما‏.‏ واختلفوا هل تحل له بعدذلك فقال مالك والليث والأوزاعي لا يحل نكاحها بعد وقال الباقون بل يحل له إذا انقضت العدة أن يتزوجها إذا شاء‏.‏

باب النظر في الخطوبة
1 - في حديث الواهبة المتفق عليه فصعد فيها النظر وصوبه‏.‏ وعن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
انظر إليها فإنه

 

ج / 6 ص -110-       أحرى أن يؤدم بينكما‏"‏‏.‏ رواه الخمسة إلا أبا داود‏.‏
2 - وعن أبي هريرة قال ‏"‏خطب رجل امرأة فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا‏"‏‏.‏ رواه أحمد والنسائي‏.‏
3 - وعن جابر قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول
‏"‏إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏
4 - وعن موسى بن عبد اللّه عن أبي حميد أو حميدة قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
إذا خطب أحدكم أحدكم إمرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لا تعلم‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
5 - وعن محمد بن مسلمة قال ‏"‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول
إذا ألقي اللّه عز وجل في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها‏"‏‏.‏ رواه أحمد وابن ماجة‏.‏
حديث الواهبة نفسها سيأتي في باب جعل تعليم القرآن صداقا ويأتي الكلام عنه هنالك إن شاء اللّه‏.‏ وحديث المغيرة أخرجه أيضا الدارمي وابن حبان وصححه‏.‏ وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا مسلم في صحيحه من حديث أبي حازم عنه ولفظه ‏"‏كنت عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
انظرت إليها قال لا قال فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا‏"‏ وحديث جابر أخرجه أيضا الشافعي وعبد الرزاق والبزار والحاكم وصحه‏.‏ قال الحافظ ورجاله ثقات وفي إسناده محمد بن إسحاق وأعله ابن القطان بواقد بن عبد الرحمن وقال المعروف واقد بن عمرو‏.‏ ورواية الحاكم فيها واقد بن عمرو وكذلك رواية الشافعي وعبد الرزاق وحديث أبي حميدة أخرجه أيضا الطبراني والبزار وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه‏.‏ وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح‏.‏ وحديث محمد بن سلمة أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وسكت عنه الحافظ في التلخيص‏.‏
ـ وفي الباب ـ عن أنس عند ابن حبان والدارقطني والحاكم وابن عوانة وصححوه وهو مثل حديث المغيرة‏.‏ وعنه أيضا عند أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعث أم سلمة إلى امرأة فقال
انظري إلى عرقوبيها وشمي معاطفها‏"‏ واستنكره احمد والمشهور فيه من طريق عمارة عن ثابت عنه‏.‏ ورواه أبو داود في المراسيل عن موسى بن اسمعيل عن حماد مرسلا‏.‏ قال ورواه محمد بن كثير الصنعاني عن حماد موصولا‏.‏
وعن محمد بن الحنفية عن عبد الرزاق وسعيد بن منصور ‏"‏أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم فذكر له صغرها فقال أبعث بها أليك فإن رضيت فهي امرأتك

 

ج / 6 ص -111-       فارسل بها إليه فكشف عن ساقها فقالت لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينيك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏أن يؤدم بينكما‏"‏ أي تحصل الموافقة والملائمة بينكما قوله‏:‏ ‏"‏فإن في أعين الأنصار شيئا‏"‏ قيل عمش وقيل صغر قال في الفتح الثاني وقع في رواية أبي عوانة في مستخرجه فهو المعتمد وأحاديث الباب فيها دليل على أن لا بأس بنظر الرجل إلى المرأة التي يريد أن يتزوجها والأمر المذكور في حديث أبي هريرة وحديث المغيرة وحديث جابر للإباحة بقرينة قوله في حديث أبي حميد فلا جناح عليه وفي حديث محمد بن مسلمة فلا بأس وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء‏.‏ وحكى القاضي عياض كراهته وهو خطأ مخالف للأدلة المذكورة ولأقوال أهل العلم‏.‏ وقد وقع الخلاف في المواضع الذي يجوز النظر إليه من المخطوبة فذهب الأكثر إلى أنه يجوز إلى الوجه والكفين فقط وقال داود يجوز النظر إلى جميع البدن وقال الأوزاعي ينظر إلى مواضع اللحم وظاهر الأحاديث أن يجوز له النظر إليها سواء كان ذلك بإذنها أم لا وروى عن مالك اعتبار الإذن‏.‏

باب النهي عن الخلوة بالأجنبية والأمر بغض النظر والعفو عن نظر الفجاة
1 - عن جابر ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يخلون بامراة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان‏"‏‏.‏
2 - وعن عامر بن ربيعة قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم "لا يخلون رجل بامرأة لا تحل له فإن ثالثهما الشيطان إلا محرم‏"‏‏.‏ رواهما أحمد‏.‏ وقد سبق معناه لابن عباس في حديث متفق عليه‏.‏
3 - وعن أبي سعيد ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد‏".‏
4 - وعن جرير بن عبد اللّه قال ‏"‏سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن نظر الفجأة فقال
"أصرف بصرك‏"‏‏.‏ رواهما أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي‏.‏
5 - وعن بريدة قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لعلي
"يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود والترمذي‏.‏
6 - وعن عقبة بن عامر ‏"‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار يا رسول اللّه أفرأيت الحمو فقال "الحمو الموت‏"‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه‏.‏ قال ومعنى الحمو يقال أخو الزوج كأنه كره أن يخلو بها‏.‏

 

ج / 6 ص -112-       حديث جابر وعامر يشهد لهما حديث ابن عباس الذي أشار إليه المصنف وقد تقدم في باب النهي عن سفر المرأة للحج من كتاب الحج وقد أشار الترمذي إلى حديث عامر‏.‏ وحديث بريدة قال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك وأخرجه بهذا اللفظ من حديث علي البزار والطبراني في الأوسط قال في مجمع الزوائد ورجال الطبراني ثقات والخلوة بالأجنبية مجمع على تحريمها كما حكى ذلك الحافظ في الفتح‏.‏ وعلى التحريم ما في الحديث من كون الشيطان ثالثهما وحضوره يوقعهما في المعصية وأما مع وجود المحرم فالخلوة بالأجنبية جائزة لامتناع وقوع المعصية مع حضوره واختلفوا هل يقوم غيره مقامه في ذلك كالنسوة الثقات فقيل يجوز لضعف التهمة‏.‏ وقيل لا يجوز وهو ظاهر الحديث‏.‏ حديث أبي سعيد أخرج نحوه أحمد والحاكم من حديث جابر وأخرجه أيضا أحمد وابن حبان والحاكم من حديث ابن عباس وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط من حديث أبي موسى وأخرجه أيضا البزار من حديث سمرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل‏"‏ الخ فيه دليل على أنه يحرم على الرجل نظر عورة الرجل وعلى المرأة نظر عورة المرأة وقد تقدم في كتاب الصلاة بيان العورة من الرجل والعورة من المرأة‏.‏ والمراد هنا العورة المغلظة‏.‏ فقال في البحر فصل يجب ستر العورة المغلظة من غير له الوطء إجماعا لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم
‏"‏احفظ عورتك‏"‏ الخبر ونحوه انتهى‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏ولا يفضي الرجل‏"‏ الخ فيه دليل على أنه يحرم أن يضطجع الرجل مع الرجل أو المرأة مع المرأة في ثوب واحد من الإفضاء ببعض البدن لأن ذلك مظنة لوقوع المحرم من المباشرة أو مس العورة أو غير ذلك‏.‏ وحديث بريدة فيه دليل على أن النظر الواقع فجأة من دون قصد وتعمل لا يوجد اثم الناظر لأن التكليف به خارج عن الاستطاعة وإنما الممنوع منه النظر الواقع على طريقة التعميد أو ترك صرف البصر بعد الفجأة وقد استدل بذلك من قال بتحريم النظر إلى الأجنبية ولم يحكه في البحر إلا عن المؤيد باللّه وأبي طالب‏.‏ وحكى في البحر أيضا عن الفقهاء والإمام يحيى أنه يجوز ولو لشهوة وتعقبه صاحب المنار أن كتب الفقهاء ناطقة بالتحريم قال ففي منهاج النووي وهو عمدتهم ويحرم نظر فحل لالغ إلى عورة حرة أجنبية وكذا وجهها وكفيها عند خوف فتنة وكذا عند الأمن على الصحيح ثم قال في نظر الأجنبية إلى الأجنبي كهو اليها‏.‏ وفي المنتهى من كتب الحنابلة ولشاهد ومعامل نظر وجه مشهود عليها ومن تعامله وكفيها لحاجة والحنفية لا يجيزون النظر إلى الوجه والكفين مع الشهوة ولفظ الكنز ولا ينظر من اشتهى‏.‏ قال الشارح العيني في الشاهد لا يجوز له وقت التحمل أن يننظر إليها لشهوة هذا ما تعقب به صاحب المنار قال بهجة المحافل للعامري الشافعي في حوادث السنة الخامسة ما لفظه‏.‏ وفيها نزول الحجاب وفيه مصالح جليلة وعوائد في الإسلام جميلة ولم يكن لأحد بعده النظر إلى أجنبية لشهوة أو لغير شهوة وعفى عن نظر الفجأة انتهى‏.‏ وفي شرح السيلفية للإمام يحيى في شرح الحديث الرابع والعشرين في شرح‏.‏ قوله ‏"‏إياكم وفضول النظر فإنه يبذر الهوى ويولد الغفلة‏"‏ التصريح بتحريم النظر إلى النساء

 

ج / 6 ص -113-       الأجانب الشهوة أو الغير شهوة‏.‏ وقال ابن مظفر في البيان إنه يحرم النظر إلى الأجنبية مع الشهوة اتفاقا‏.‏ وقال الإمام عز الدين في جواب له والصحيح المعمول عليه رواية شرح الأزهار وهي رواية البحر أن الإمام يحيى ومن يجوزون النظر ولو مع شهوة انتهى‏.‏ ومن جملة ما استدل به المانعون من النظر مطلقا قوله تعالى ‏{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}‏ وقوله تعالى ‏{فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ‏}‏ وأجيب بأن ذلك خاص بأزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لأنه إنما شرع قطعا لذريعة وقوف أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في بيته ولا يخفى أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب‏.‏
ـ ومن جملة ـ ما استدلوا به حديث ابن عباس عند البخاري ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أردف الفضل بن العباس يوم النحر خلفه وفيه قصة المرأة الوضيئة الخثعمية فطفق الفضل ينظر إليها فأخذ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بذقن الفضل فحول وجهه عن النظر إليها‏"‏‏.‏ وأجيب بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما فعل ذلك لمخافة الفتنة لما أخرجه الترمذي وصححه من حديث علي وفيه فقال العباس لويت عنق ابن عمك فقال رأيت شابا وشابة فلم آمن عليهما الفتنة‏.‏
وقد استنبط منه ابن القطان جواز النظر عند أمن الفتنة حيث لم يأمرها بتغطية وجهها فلو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل ولو لم يكن ما فهمه جائزا ما أقره عليه‏.‏ وهذا الحديث أيضا يصلح للاستدلال به على اختصاص آية الحجاب السابقة بزوجات النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لأن قصة الفضل في حجة الوداع وآية الحجاب في نكاح زينب في السنة الخامسة من الهجرة كما تقدم‏.‏ وأما قوله تعالى
‏{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}‏ فروى البيهقي عن ابن عباس أن المراد بما ظهر الوجه والكفان وروى البيهقي أيضا عن عائشة نحوه وكذلك روى الطبراني عنها‏.‏ وروى الطبراني أيضا عن ابن عباس قال هي الكحل‏.‏ وروى نحو ذلك عنه البيهقي‏.‏ وقال في الكشاف الزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بابدائه للأجانب وما خفي منها كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والأكليل والوشاح والقرط فلا تبديه الا لهؤلاه المذكورين وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر لان هذه الزين واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء وهي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن فنهى عن ابداء الزين نفسها ليعلم أن النظر إليها إذا لم يحل لملابستها تلك المواقع بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها لا مقال في حله كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكنا في الحظر ثابت القدم في الحرمة شاهدا على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتقين اللّه في الكشف عنها انتهى‏.‏
ـ والحاصل ـ أن المرأة تبدي من مواضع الزينة ما تدعو الحاجة إليه عند مزاولة الأشياء والبيع والشراء والشهادة فيكون ذلك مستثنى من عموم النهي عن إبداء مواضع الزينة وهذا على فرض عدم ورود تفسير مرفوع وسيأتي في الباب الذي الذي بعد هذا ما يدل على أن الوجه والكفين مما يستثني‏.‏ قوله ‏"‏الحمو الموت‏"‏ أي الخوف منه أكثر من غيره كما أن الخوف من

 

ج / 6 ص -114-       الموت أكثر من الخوف من غيره قال الترمذي يقال هو أخو الزوج وروى مسلم عن الليث أنه‏.‏ قال الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ابن العم ونحوه‏.‏ وقال النووي اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم وأن الأختان أقارب زوجة الرجل وأن الأصهار تقع على النوعين انتهى‏.‏

باب أن المرأة عورة إلا الوجه والكفين وأن عبدها كمحرمها في نظر ما يبدو منها غالبا
1 - عن خالد بن دريك عن عائشة ‏"‏أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال
يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه‏"‏‏.‏ رواه أبو داود وقال هذا مرسل خالد بن دريك لم يسمع من عائشة‏.‏
2 - وعن أنس ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها قال وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ما تلقى قال
إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك‏"‏‏.‏ رواه أبو داود ويعضد ذلك قوله ‏"‏إذا كان أحدا كن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه‏"‏‏.‏
حديث عائشة في إسناده سعيد بن بشير أبو عبد الرحمن النصري نزيل دمشق مولى بني نصر وقد تكلم فيه غير واحد‏.‏ وذكر الحافظ أبو أحمد الجرجاني هذا الحديث ولا أعلم رواه عن قتادة غير سعيد بن بشير وقال مرة فيه عن خالد بن دريك عن أم سلمة بدل عائشة‏.‏ وحديث أنس أخرجه أيضا البيهقي وابن مردويه وفي إسناده أبو جميع سالم بن دينار الهجيمي البصري‏.‏ قال ابن معين ثقة‏.‏ وقال أبو زرعة الرازي بصري لين الحديث والحديث الذي أشار إليه المصنف وجعله عاضدا لحديث أنس قد تقدم في باب المكاتب من كتاب العتق‏.‏
قوله ‏"‏دريك‏"‏ بضم الدال مصغرا وهو ثقة‏.‏ وقيل بفتح الدال والضم أكثر‏.‏ قوله ‏"‏لم يصلح‏"‏ بفتح الياء وضم اللام قوله‏:‏ ‏"‏الا هذا وهذا‏"‏ فيه دليل لمن قال أنه يجوز نظر الأجنبية‏.‏ قال ابن رسلان وهذا عند أمن الفتنة مما تدعو الشهوة إليه من جماع أو ما دونه أماعند خوف الفتنة فظاهر إطلاق الآية والحديث عدم اشتراط الحاجة ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساق‏.‏ وحكى القاضي عياض عن العلماء أنه لا يلزمها ستر وجهها في طريقها وعلى الرجال غض البصر للآية وقد تقدم الخلاف في أصل المسألة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏إذا قنعت‏"‏ بفتح النون المشددة سترت وغطت‏.‏ قوله ‏"‏إنما هو أبوك وغلامك‏"‏ فيه

 

ج / 6 ص -115-       دليل على أنه يجوز للعبد النظر إلى سيدته وأنه من محارمها يخلو بها ويسافر معها وينتظر منها ما ينظر إليه محرمها وإلى ذلك ذهبت عائشة وسعيد بن المسيب والشافعي في أحد قوليه وأصحابه وهو قول أكثر السلف وذهب الجمهور إلى أن المملوك كالأجنبي بدليل صحة تزوجها اياه بعد العتق وحمل الشيخ أبو حامد هذا الحديث على أن العبد كان صغيرا لإطلاق لفظ الغلام ولأنها واقعة حال واحتج أهل القول الأول أيضا بحديث الاحتجاب من المكاتب الذي أشار إليه المصنف وبقوله تعالى ‏{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}‏ وقد تقدم ما أجاب به سعيد بن المسيب من أن الآية خاصة بالأماء كما رواه عنه ابن أبي شيبة‏.‏

باب في غير أولي الأربة
1 - عن أم سلمة ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان عندها وفي البيت مخنث فقال لعبد اللّه بن أبي أمية أخي أم سلمة يا عبد اللّه إن فتح اللّه عليكم الطائف فإني أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان وقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم "لا يدخلن هؤلاء عليكم‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
2 - وعن عائشة ‏"‏قالت كان يدخل على أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مخنث قالت وكانوا يعدونه من غير أولي الأربة فدخل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة قال إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
أرى هذا يعرف ما هنا لا يدخلن عليكم هذا فاحجبوه‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم وأبو داود وزاد في رواية له ‏"‏وأخرجه وكان بالبيداء كل جمعة يستطعم‏"‏‏.‏
3 - وعن الاوزاعي في هذه القصة ‏"‏فقيل يا رسول اللّه إنه إذ يموت من الجوع فأذن له أن يدخل في كل جمعة مرتين فيسأل ثم يرجع‏"‏‏.‏ رواه أبو داود‏.‏
قوله ‏"‏مخنث‏"‏ بفتح والنون وكسرها والفتح المشهور وهو الذي يلين في قوله ويتكسر في مشيته ويتثنى فيها كالنساء وقد يكون خلقة وقد يكون تصنعا من الفسقة ومن كان ذلك فيه خلقة فالغالب من حاله أنه لا أرب له في النساء ولذلك كان أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يعددن هذا المخنث من غير أولى الاربة وكن لا يحجبنه إلا أن ظهر منه ما ظهرمن هذا الكلام واختلف في اسمه فقال القاضي الأشهر أن اسمه هيت بكسر الهاء ثم تحتية ثم فوقية وقيل صوابه هنب بالنون والباء الموحدة قاله ابن درستويه وقال أن ماسواه تصحيف وأنه الأحمق المعروف وقيل اسمه ماتع بالمثناة فوق مولى فاختة المخزومية بنت عمرو بن بن عائد‏.‏ قوله ‏"‏تقبل بأربع وتدبر بثمان‏"‏

 

ج / 6 ص -116-       المراد بالأربع هو العكن جمع عكنة وهي الطية التي تكون في البطن يقال تعكن البطن إذا صار ذلك فيه ولكل عكنة طرفان فإذا رأهن الرائي من جهة البطن وجدهن أربعا وإذا رآهن من جهة الظهر وجدهن ثمانيا‏.‏ وقال ابن حبيب عن مالك معناه أن أعكانها ينعطف بعضها على بعض وهي في بطنها أربع طرائق وتبلغ أطرافها أي خاصرتها وفي كل جانب أربع‏.‏ قال الحافظ وتفسير مالك المذكور تبعه فيه الجمهور وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن وذلك لا يكون إلا للسمينة من النساء وجرت عادة الرجال غالبا في الرغبة فمن تكون بتلك الصفة وقيل الأربع هي الشعب التي هي اليدان والرجلان والثمان الكتفان والمتنتان والليتان والساقان ولا يخفي ضعف ذلك لأن كل امرأة فيها ما ذكر فلا وجه لجعله من صفات المدح المقصودة في المقام‏.‏ قوله ‏"‏هؤلاء‏"‏ اشارة إلى جميع المخنثين وروى البيهقي أنه كان المخنثون على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثلاثة ماتع وهدم وهيت‏.‏ قوله ‏"‏من غير أولي الأربة‏"‏ الأربة والأرب الحاجة والشهوة إلى النساء لكبر أو تخنيث أو عنة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏أرى هذا‏"‏ الخ بفتح الهمزة الراء قال القرطبي هذا يدل على أنهم كانوا يظنون أنه لا يعرف شيئا من أحوال النساء ولا يخطر له ببال ويشبه بأن التخنيث فيه خلقة وطبيعة ولم يعرف إلا ذلك ولهذا كانوا يعدونه من غير الأربة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏وأخرجه‏"‏ لفظ البخاري ‏"‏أخرجوهم من بيوتكم قال فأخرج فلانا وفلانا‏"‏ ورواه البيهقي وزاد وأخرج عمر مخنثا وفي رواية وأخرج أبو بكر أخر‏.‏ قال العلماء إخراج المخنث ونفيه كان لثلاثة معان أحدها أنه كان يظن أنه من غير أولي الأربة ثم لما وقع منه ذلك الكلام زال الظن‏.‏ والثاني وصفه النساء ومحاسنهم وعوراتهن بحضرة الرجال وقد نهى أن يصف المرأة زوجها فكيف إذا وصفها غيره من الرجال لسائرهم‏.‏ الثالث أنه ظهر له منه أنه كان يطلع من النساء وأجسامهن وعوراتهن على مالا يطلع عليه كثير من النساء‏.‏ قوله ‏"‏فيسأل ثم يرجع‏"‏ أي يسأل الناس شيئا ثم يرجع إلى البادية والبيداء بالمد القفر وكل صحراء فهي بيداء كأنها تبيد سالكها أي تكاد تهلكه وفي ذلك دليل على جواز العقوبة بالإخراج من الوطن لما يخاف من الفساد والفسق وجواز الأذن بالدخول في بعض الأوقات للحاجة‏.‏

باب في نظر المرأة للرجل
1 - عن أم سلمة قالت ‏"‏كنت عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وميمونة فأقبل ابن أم مكتوم حتى دخل عليه وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
احتجبا منه فقلنا يا رسول اللّه أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا فقال أفعميا وأن أنتما ألستما تبصرانه‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه‏.‏

 

ج / 6 ص -117-       2 - وعن عائشة قالت ‏"‏رأيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا الذي أسأمه فاقدروا وأقدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللّهو‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
ولأحمد ‏"‏أن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في يوم عيد قالت فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لي منكبيه فجعلت أنظر اليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت‏"‏‏.‏
حديث أم سلمة أخرجه أيضا النسائي وابن حبان وفي إسناده نبهان مولى أم سلمة شيخ الزهري وقد وثق‏.‏ وفي الباب عن عائشة عند مالك في الموطأ أنها احتجبت من أعمى فقيل لها أنه لا ينظر اليك قالت لكني أنظر إليه‏.‏ وقد استدل بحديث أم سلمة هذا من قال انه يحرم على المرأة نظر الرجل كما يحرم على الرجل نظر المرأة وهو أحد قولي الشافعي وأحمد والهادوية‏.‏ قال النووي وهو الأصح ولقوله تعالى
‏{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}‏ ولأن النساء أحد نوعي الآدميين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسا على الرجال ويحققه أن المعنى المحرم للنظر هو خوف الفتنة وهذا في المرأة أبلغ فإنها اشد شهوة وأقل عقلا فتسارع إليها الفتنة أكثر من الرجل واحتج من قال بالجواز فيما عدا ما بين سرته وركبته بحديث عائشة المذكور في الباب ويجاب عنه بأنها كانت يومئذ غير مكلفة على ما تقضي به العبارة المذكورة في الباب ويؤيد هذا احتجابها من الأعمى كما تقدم وقد جزم النووي بأن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ أو كان ذلك قبل الحجاب وتعقبه الحافظ بأن في بعض طرق الحديث ان ذلك كان بعد قدوم وفد الحبشة وان قدومهم كان سنة سبع‏.‏ ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة‏.‏ واحتجوا ايضا بحديث فاطمة بنت قيس المتفق عليه انه صلى اللّه عليه وآله وسلم امرها ان تعتد في بيت أم مكتوم وقال انه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ويجاب بأنه يمكن ذلك مع غض البصر منها ولا ملازمة بين الأجتماع في البيت والنظر واحتجوا أيضا بالحديث الصحيح في مضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى النساء في يوم العيد عند الخطبة فذكرهن ومعه بلال فأمرهن بالصدقة وقد تقدم ويجاب أيضا بأن ذلك لا يستلزم النظر منهن لامكان سماع الموعظة ودفع الصدقة مع غض البصر وقد جمع أبو داود بين الأحاديث فجعل حديث أم سلمة مختصا بازواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وحديث فاطمة وما في معناه لجميع النساء‏.‏ قال الحافظ في التلخيص قلت وهذا جمع حسن وبه جمع المنذري في حواشيه واستحسنه شيخنا انتهى‏.‏ وجمع في الفتح بأن الأمر بالأحتجاب من ابن أم مكتوم لعله لكون الأعمى مظنة أن ينكشف منه شيء ولا يشعر به فلا يستلزم عدم جواز النظر مطلقا‏.‏ قال ويؤيد الجواز استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال ولم يؤمر الرجال قد بالأنتقاب لئلا يراهم النساء فدل على مغايرة الحكم بين الطائفتين

 

ج / 6 ص -118-       وبهذا احتج الغزالي‏.‏
قوله ‏"‏يلعبون في المسجد‏"‏ فيه دليل على جواز ذلك في المسجد وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ في القرآن والسنة أما القرآن فقوله تعالى ‏
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}‏ وأما السنة فحديث ‏"‏جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم‏"‏ وتعقب بأن الحديث ضعيف وليس فيه ولا في الآية تصريح بما أدعاه ولا عرف التاريخ فيثبت النسخ‏.‏ وحكى بعض المالكية عن مالك أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجد وهذا لا يثبت عن مالك فإنه خلاف ما صرح به في طرق هذا الحديث كذا قال في الفتح‏.‏ وفي الحديث أيضا جواز النظر إلى اللّهو المباح وفيه حسن خلقه مع أهله وكرم معاشرته قوله‏:‏ ‏"‏حتى شبعت‏"‏ فيه استعارة الشبع لقضاء الوطر من النظر‏.‏

اب لا نكاح الا بولي
1 - عن أبي موسى عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
‏"‏لا نكاح إلا بولي‏"‏‏.‏
2 - وعن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
أيما امرأة نكحت بغير أذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له‏"‏‏.‏ رواهما الخمسة إلا النسائي‏.‏ وروى الثاني أبو داود الطيالسي ولفظه ‏"‏لانكاح إلا بولي وأيما امرأة نكحت بغير أذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له‏"‏‏.‏
3 - وعن أبي هريرة قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها‏"‏‏.‏ رواه ابن ماجه والدارقطني‏.‏ وعن عكرمة بن خالد ‏"‏جمعت الطريق ركبا فجعلت امرأة منهن ثيب أمرها بيد رجل غير ولي فأنكحها فبلغ ذلك عمر فجلد الناكح والمنكح ورد نكاحها‏"‏ رواه الشافعي والدارقطني‏.‏ وعن الشعبي ‏"‏ما كان أحد من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أشد في النكاح بغير ولي من علي كان يضرب فيه‏"‏ رواه الدارقطني‏.‏
حديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وذكر له الحاكم طرقا‏.‏ قال وقد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش ثم سرد تمام ثلاثين صحابيا وقد طرقه الدمياطي من المتأخرين وقد اختلف في وصله وإرساله فرواه

 

ج / 6 ص -119-       شعبة والثوري عن أبي إسحاق مرسلا ورواه اسرائيل عنه فأسنده وأبو إسحاق مشهور بالتدليس وأسند الحاكم من طريق علي بن المديني ومن طريق البخاري والذهلي وغيرهم أنهم صححوا حديث اسرائيل‏.‏ وحديث عائشة أخرجه أيضا أبو عوانة وابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي وقد أعل بالإرسال وتكلم فيه بعضهم من جهة أن ابن جريج قال ثم لقيت الزهري فسألته عنه فأنكره وقد عد أبو القاسم بن منده عدة من رواه عن ابن جريج فبلغوا عشرين رجلا وذكر أن معمرا وعبيد اللّه بن زحر تابعا ابن جريج على روايته اياه عن سليمان بن موسى وأن قرة وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وأيوب بن موسى وهشام بن سعد وجماعة تابعوا سليمان بن موسى عن الزهري‏.‏ قال ورواه أبو مالك الجنبي ونوح بن دراج ومندل وجعفر بن برقان وجماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة‏.‏ وقد أعل ابن حبان وابن عدي وابن عبد البر والحاكم وغيره الحكاية عن ابن جريج بإنكار الزهري وعلى تقدير الصحة لا يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم فيه‏.‏ وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا البيهقي قال ابن كثير الصحيح وقفه على أبي هريرة وقال الحافظ رجاله ثقات وفي لفظ للدارقطني كنا نقول التي تزوج نفسها هي الزانية‏.‏ قال الحافظ فتبين أن هذه الزيادة من قول أبي هريرة وكذلك رواها البيهقي وقوفة في طريق ورواها مرفوعة في أخرى
ـ وفي الباب ـ عن ابن عباس عند أحمد وابن ماجه والطبراني بلفظ ‏"‏لانكاح إلا بولي‏"‏ وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف ومداره عليه قال الحافظ وغلط بعض الرواة فرواه عن ابن المبارك عن خالد الحذاء عن عكرمة والصواب حجاج بدل خالد‏.‏ وعن أبي بردة عند أبي داود الطيالسي بلفظ حديث ابن عباس‏.‏ وعن غيرهما كما تقدم في كلام الحاكم‏.‏ قوله
‏"‏لا نكاح إلا بولي‏"‏ هذا النفي يتوجه إما إلى الذات الشرعية لأن الذات الموجودة أعني صورة العقد بدون ولي ليست بشرعية أو يتوجه إلى الصحة التي هي أقرب المجازين إلى الذات فيكون النكاح بغير ولي باطل كما هو مصرح بذلك في حديث عائشة المذكور وكما يدل عليه حديث أبي هريرة المذكور لأن النهي يدل على الفساد المرادف للبطلان‏.‏ وقد ذهب إلى هذا علي وعمر وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وأبو هريرة وعائشة والحسن البصري وابن المسيب وابن شبرمة وابن أبي ليلى والعترة وأحمد وإسحاق والشافعي وجمهور أهل العلم فقالوا لا يصح العقد بدون ولي‏.‏ قال ابن المنذر إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك‏.‏ وحكى في البحر عن أبي حنيفة أنه لا يعتبر الولي مطلق لحديث الثيب أحق بنفسها من وليها وسيأتي وأجيب بأن المراد اعتبار الرضى منها جمعا بين الإخبار كذا في البحر‏.‏ وعن أبي يوسف ومحمد للولي الخيار في غير الكفء وتلزمه الإجازة في الكفء وعن مالك يعتبر الولي في الرفيعة دون الوضيعة وأجيب عن ذلك بأن الأدلة لم تفصل وعن الظاهرية أنه يعتبر في البكر فقط وأجيب عنه بمثل ما أجيب به عن الذي قبله ‏.‏ وقال أبو ثور يجوز لها أن تزوج نفسها بإذن وليها آخذا بمفهوم‏.‏ قوله ‏"‏أيما امرأة نكحت

 

ج / 6 ص -120-       بغير أذن وليها‏"‏ ويجاب عن ذلك بحديث أبي هريرة المذكور والمراد بالولي هو الأقرب من العصبة من النسب ثم من السبب ثم من عصبته وليس لذوي السهام ولا لذوي الأرحام ولاية وهذا مذهب الجمهور وروي عن أبي حنيفة أن ذوي الأرحام من الأولياء فإذا لم يكن ثم ولى أو كان موجودا وعضل انتقل الأمر إلى السلطان لأنه ولي من لا ولي له كما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس وفي إسناده الحجاج بن أرطاة‏.‏

باب ما جاء في الإجبار والاستئمار
1 - عن عائشة ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين وأدخلت عليه وهي بنت تسع سنين ومكثت عنده تسعا‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ وفي رواية ‏"‏تزوجها وهي بنت سبع سنين وزفت إليه وهي بنت تسع سنين‏"‏رواه أحمد ومسلم‏.‏
الحديث أورده المصنف للاستدلال به على أنه يجوز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بغير استئذانها ولعله أخذ ذلك من عدم ذكر الاستئذان وكذلك صنع البخاري قال الحافظ وليس بواضح الدلالة بل يحتمل أن يكون ذلك قبل ورود الأمر باستئذان البكر وهو الظاهر فإن القصة وقعت بمكة قبل الهجرة‏.‏ وفي الحديث أيضا دليل على أنه يجوز للأب أن يزوج ابنته قبل البلوغ‏.‏ قال المهلب أجمعوا أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها الا أن الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ وحكى ابن حزم عن ابن شبرمة مطلقا إن الأب لا يزوج ابنته الصغيرة حتى تبلغ وتأذن وزعم أن تزوج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصة ويقابله تجويز الحسن والنخعي للأب أن يجبر ابنته كبيرة كانت أو صغيرة بكرا كانت أو ثيبا‏.‏ وفي الحديث أيضا دليل على أنه يجوز تزويج الصغيرة بالكبير وقد بوب لذلك البخاري وذكر حديث عائشة وحكى في الفتح الإجماع على جواز ذلك‏.‏ قال ولو كانت في المهد لكن لا يمكن منها حتى تصلح للوطء‏.‏
2 - وعن ابن عباس قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وأذنها صمائها‏"‏‏.‏ رواه الجماعة إلا البخاري وفي رواية لأحمد ومسلم وأبي داود والنسائي ‏"‏والبكر يستأمرها أبوها‏"‏ وفي رواية لأحمد والنسائي ‏"‏واليتيمة تستأذن في نفسها‏"‏ وفي رواية لأبي داود والنسائي ‏"‏ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها‏"‏‏.‏
3 - وعن خنساء بنت خدام الأنصارية ‏"‏إن أباها زوجها وهي ثيب

 

ج / 6 ص -121-       فكرهت ذلك فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فرد نكاحها‏"‏‏.‏ أخرجه الجماعة إلا مسلما‏.‏
4 - وعن أبي هريرة قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"لا تنكح الأيّم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول اللّه وكيف أذنها قال أن تسكت‏"‏‏.‏ رواه الجماعة‏.‏
5 - وعن عائشة ‏"‏قالت قلت يا رسول اللّه تستأمر النساء في ابضاعهن قال
نعم قلت ان البكر تستأمر فتستحي فتسكت فقال "سكاتها أذنها‏"‏‏.‏ وفي رواية قالت ‏"‏قال رسول اللّه "البكر تستأذن" قلت أن البكر تستأذن وتستحي قال "أذنها صماتها‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
6 - وعن أبي موسى ‏"‏إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فقد أذنت وإن أبت لم تكره‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
7 - وعن أبي هريرة قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
تستأمر اليتيمة في نفسها فان سكتت فهو أذنها وان أبت فلا جواز عليها‏"‏‏.‏ رواه الخمسة الا ابن ماجه‏.‏
8 - وعن ابن عباس ‏"‏ان جارية بكرا أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكرت ان أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني‏.‏ ورواه الدارقطني أيضا عن عكرمة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مرسلا وذكر أنه أصح‏.‏
9 - وعن ابن عمر قال ‏"‏توفي عثمان بن مظعون وترك ابنة له من خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون قال عبد اللّه وهما خالاي فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون فزوجنيها ودخل المغيرة بن شعبة يعين إلى أمها فارغبها في المال فحطت إليه وحطت الجارية إلى هوى أمها فأبتا حتى ارتفع أمرها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال قدامة بن مظعون يا رسول اللّه ابنة أخي أوصى بها إلي فزوجتها ابن عمتها فلم اقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة ولكنها امرأة وإنما حطت إلى هوى أمها قال فقال رسول اللّه

 

ج / 6 ص -122-       صلى اللّه عليه وآله وسلم هي يتيمة ولا تنكح إلا بأذنها قال فانتزعت واللّه مني بعد أن ملكتها فزوجوها المغيرة بن شعبة‏"‏‏.‏ رواه أحمد والدارقطني وهو دليل على أن اليتيمة لا يجبرها وصي ولا غيره‏.‏
10 - وعن ابن عمر ‏"‏ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
آمروا النساء في بناتهن‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏
حديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وأبو يعلى والدارقطني والطبراني قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح‏.‏ وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي‏.‏ وحديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن أبي شيبة‏.‏ قال الحافظ ورجاله ثقات واعل بالإرسال ويتفرد جرير بن حازم عن أيوب ويتفرد حسين عن جرير وأجيب بأن أيوب بن سويد رواه عن الثوري عن أيوب موصولا وكذلك رواه معمر بن سليمان الرقي عن زيد بن حباب عن أيوب موصولا وإذا اختلف في وصل الحديث وإرساله حكم لمن وصله على طريقة الفقهاء وعن الثاني بأن جريرا توبع عن أيوب كما ترى‏.‏ وعن الثالث بأن سليمان بن حرب تابع حسين بن محمد عن جرير وانفصل البيهقي عن ذلك بأنه محمول على أنه زوجها من غير كفء‏.‏ وحديث ابن عمر الأول أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه‏.‏ قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد ثقات‏.‏ وحديثه الثاني فيه رجل مجهول‏.‏
ـ وفي الباب ـ عن جابر عند النسائي وعن عائشة غير ما ذكره المصنف عند النسائي أيضا قوله يستأمرها أبوها الاستئمار طلب الأمر والمعنى لا يعقد عليها حتى يطلب الأمر منها‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏خنساء بنت خدام‏"‏ هي بخاء معجمة ثم نون مهملة على وزن حمراء وأبوها بكسر الخاء المعجمة وتخفيف المهملة كذا في الفتح‏.‏ قوله ‏"‏لاتنكح الأيّم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن‏"‏ عبر للثيب بالاستئمار والبكر بالاستئذان ويؤخذ منه فرق بينهما من جهة إن الاستئمار يدل على تأكيد المشاورة وجعل الأمر إلى المستأمرة ولهذا يحتاج الولي إلى صريح أذنها فإذا صرحت بمنعه امتنع اتفاقا والبكر بخلاف ذلك والأذن دائر بين القول والسكوت بخلاف الأمر فإنه صريح في القول هكذا في الفتح ويعكر عليه ما في رواية حديث ابن عباس من ان البكر يستأمرها أبوها وان اليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها‏.‏ وفي حديث عائشة ان البكر تستأمر الخ وكذلك في حديث أبي موسى وأبي هريرة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏فحطت إليه‏"‏ أي مالت إليه وأسرعت بفتح الحاء المهملة وتشديد الطاء المهملة أيضا وقد استدل بأحاديث الباب على اعتبار الرضا من المرأة التي يراد تزويجها وأنه لا بد من صريح الأذن من الثيب ويكفي السكوت من البكر والمراد بالبكر التي أمر الشارع باستئذانها هي البالغة إذ لا معنى لاستئذان الصغيرة لأنها لا تدري ما الأذن‏.‏ قال ابن المنذر يستحب اعلام البكر أن سكوتها أذن لكن لو قالت بعد العقد ما علمت ان صمتي أذن لم يبطل العقد بذلك عند الجمهور وأبطله

 

ج / 6 ص -123-       بعض المالكية‏.‏ وقال ابن شعبان منهم يقال لها ثلاثا إن رضيتي فاسكتي وإن كرهتي فانطقي‏.‏ ونقل ابن عبد البر عن مالك ان سكوت البكر اليتيمة قبل أذنها وتفويضها لا يكون رضا منها بخلاف ما إذا كان بعد تفويضها إلى وليها وخص بعض الشافعية الاكتفاء بسكوت البكر البالغ بالنسبة إلى الأب والجد دون غيرهما لأ،ها تستحي منهما أكثر من غيرهما والصحيح الذي عليه الجمهور استعمال الحديث في جميع الابكار وظهر أحاديث الباب ان البكر البالغة إذا زوجت بغير إذنها لم يصح العقد وإليه ذهب الأوزاعي والثوري والعترة والحنفية وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم وذهب مالك والشافعي والليث وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق إلى أنه يجوز للأب أن يزوجها بغير استئذان ويرد عليهم ما في أحاديث الباب من قوله ‏"‏وللبكر يستأمرها أبوها‏"‏ ويرد عليهم أيضا حديث عبد اللّه بن بريدة الذي سيأتي في باب ما جاء في الكفاءة وأما ما احتجوا به من مفهوم‏.‏
قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم
‏"‏الثيب أحق بنفسها من وليها‏"‏ فدل على أن ولي البكر أحق بها منها فيجاب عنه بأن المفهوم لا ينتهض للتمسك به في مقابلة المنطوق وقد أجابوا عن دليل أهل القول الأول بما قاله الشافعي من أن المؤامرة قد تكون على استطابة النفس ويؤيده حديث ابن عمر المذكور بلفظ ‏"‏وآمروا النساء في بناتهن‏"‏ قال ولا خلاف انه ليس للأم أمر لكنه على معنى استطابة النفس وقال البيهقي زيادة ذكر الأب في حديث ابن عباس غير محفوظة قال الشافعي زادها ابن عيينة في حديثه وكان ابن عمر والقاسم وسالم يزوجون الأبكار لا يستأمرونهن‏.‏
قال الحافظ وهذا لا يدفع زيادة الثقة الحافظ انتهى‏.‏ وأجاب بعضهم بأن المراد بالبكر المذكورة في حديث ابن عباس اليتيمة لما وقع في الرواية الأخرى من حديثه واليتيمة تستأمر فيحمل المطلق على المقيد واجيب بأن اليتيمة هي البكر وأيضا الروايات الواردة بلفظ تستأمرها وتستأذن بضم أوله هي تفيد مفاد قوله يستأمرها أبوها وزيادة بأنه يدخل فيه الأب وغيره فلا تعارض بين الروايات ومما يؤيد ما ذهب إليه الأولون حديث ابن عباس المذكور إن جارية بكرا الخ وأما الثيب فلا بد من رضاها من غير فرق بين أن يكون الذي زوجها هو الأب أو غيره وقد حكى في البحر الاجماع على اعتبار رضاها وحكى أيضا الإجماع على أنه لا بد من تصريحها بالرضا بنطق أو ما في حكمه والظاهر ان استئذان الثيب والبكر شرط في صحة العقد لرده صلى اللّه عليه وآله وسلم لنكاح خنساء بنت خدام كما في الحديث المذكور وكذلك تخييره صلى اللّه عليه وآله وسلم للجارية كما في حديث ابن عباس المذكور وكذلك حديث ابن عمر المذكور أيضا ويدل على ذلك أيضا حديث أبي هريرة المذكور لما فيه من النهي‏.‏ وظاهر قوله الثيب أحق بنفسها أنه لا فرق بين الصغيرة والكبيرة وبين من زالت بكارتها توطء حلال أو حرام وخالف في ذلك أبو حنيفة فقال هي كالبكر واحتج بأن علة الأكتفاء بسكوت البكر هي الحياء وهو باق فيمن زالت بكارتها بزنا لأن المسألة مفروضة فيمن لم يتخذ الزنا ديدنا وعادة وأجيب بأن الحديث نص على أن الحياء يتعلق بالبكر وقابلها بالثيب فدل على أن حكمهما مختلف وهذه ثيب لغة وشرعا وأما بقاء حيائها كالبكر فممنوع‏.‏

 

ج / 6 ص -124-       باب الابن يزوج أمه
1 - عن أم سلمة ‏"‏أنها لما بعث النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يخطبها قالت ليس أحد من أوليائي شاهد فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
ليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك فقالت لابنها يا عمر قم فزوج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فزوجه‏"‏‏.‏ رواه أحمد والنسائي‏.‏
الحديث قد أعل بأن عمر المذكور كان عند تزوجه صلى اللّه عليه وآله وسلم بأمه صغيرا له من العمر سنتان لأنه ولد في الحبشة في السنة الثانية من الهجرة وتزوجه صلى اللّه عليه وآله وسلم بأمه كان في السنة الرابعة‏.‏ قيل رواية قم يا غلام فزوج أمك فلا أصل لها وقد استدل بهذا الحديث من قال بأن الولد من جملة الأولياء في النكاح وهم الجمهور‏.‏ وقال الشافعي ومحمد بن الحسن وروى عن الناصر ان ابن المرأة إذا لم يجمعها وأياه جد فلا ولاية له ورد بأن الابن يسمي عصبة اتفاقا وبأنه داخل في عموم قوله تعالى
‏{وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ}‏ لأنه خطاب للأقارب وأقربهم الأبناء وأجاب عن هذا الرد في ضوء النهار بأن ظاهر انكحوا صحة عقد غير الأقارب وإنما خصصهم الإجماع استنادا إلى العادة والمعتادة إنما هو غير الابن كيف والابن متأخر عن التزويج في الغالب والمطلق يقيد بالعادة كما عرف في الأصول والعموم لا يشمل النادر ولان نكاح العاقلة خاصة مفوض إلى نظرها وإنما الولي وكيل في الحقيقة ولهذا لو لم يمتثل الولي أمرها بالعقد لكفء لصح توكيلها غيره والوكالة لا تلزم لمعين ودفع بأن هذا يستلزم أن لا يبقى للولي حق وأنه خلاف الإجماع والتحقيق أنه ليس إلى نظر المكلفة إلا الرضا ويجاب عن دعوى خروج الابن بالعادة بالمنع أن أراد عدم الوقوع وان أراد الغلبة فلا يضرنا ولا ينفعه ومن جملة ما أجاب به القائلون بأنه لا ولاية للابن أن هذا الحديث لا يصح الاحتجاج به لأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يفتقر في نكاحه إلى ولي ومن جملة ما يستدل به على عدم ولاية الابن في النكاح قول أم سلمة ليس أحد من أوليائي شاهد مع كون ابنها حاضرا ولم ينكر عليها صلى اللّه عليه وآله وسلم ذلك‏.‏

باب العضل
1 - عن مقعل بن يسار قال ‏"‏كانت لي أخت تخطب إلى فأتاني ابن عم لي فانحكهتها أياه ثم طلقها طلاقا له رجعة ثم تركها حتى انقضت عدتها فلما خطبت إلى أتاني يخطبها فقلت لا واللّه لا أنكحكها أبدا‏.‏ قال ففي نزلت هذه الآية
{وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن ان ينكحن أزواجهن} الآية‏.‏ قال فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه‏"‏‏.‏ رواه البخاري وأبو داود والترمذي وصححه

 

ج / 6 ص -125-       ولم يذكر التكفير‏.‏ وفيه رواية للبخاري ‏"‏وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه‏"‏ وهو حجة في اعتبار الولي‏.‏
قوله ‏"‏كانت لي أخت اسمها جميل‏"‏ بالضم مصغرا بنت يسار ذكره الطبري وجزم به ابن ماكولا وقيل اسمها ليلى حكاه السهيلي في مبهمات القرآن وتبعه المنذري‏.‏ وقيل فاطمة ذكره ابن إسحاق ويحمل على التعدد بأن يكون لهما اسمان ولقب أو لقبان واسم قوله‏:‏ ‏"‏ففي نزلت هذه الآية‏"‏ هذا تصريح بنزول هذه الآية في هذه القصة ولا يمنع ذلك كون ظاهر الخطاب في السياق للأزواج حيث وقع فيها وإذا طلقتم النساء لكن قوله فيها نفسها أن ينكحن أزواجهن ظاهر في أن ذلك يتعلق بالأولياء‏.‏ قوله ‏"‏فكفرت عن يميني وأنكحتها‏"‏ في لفظ للبخاري فقلت ‏"‏الآن أفعل يا رسول اللّه‏"‏‏.‏ قوله ‏"‏وكان رجلا لا بأس به‏"‏‏.‏ قال ابن التين أي كان جيدا وقد غيرته العامة فكنوا به عمن لا خير فيه
والحديث يدل على أنه يشترط الولي في النكاح ولو لم يكن شرطا لكان رغوب الرجل في زوجته ورغوبها فيه كافيا وبه يرد القياس الذي احتج به أبو حنيفة على عدم الأشتراط فإنه احتج بالقياس على البيع لأن المرأة تستقل به بغير أذن وليها فكذلك النكاح وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي المتقدمة على الصغيرة وخص بهذا القياس عمومها ولكنه قياس فاسد الأعتبار لحديث معقل هذا وانفصل بعضهم عن هذا الأيراد بالتزامهم اشتراط الولي ولكن لا يمنع ذلك تزويجها نفسها ويتوقف النفوذ على اجازة الولي كما في البيع وهو مذهب الأوزاعي وكذلك قال أبو ثور ولكنه يشترط أذن الولي لها في تزويج نفسها وتعقب بأن أذن الولي لا يصح الا لمن ينوب عنه والمرأة لا تنوب عنه في ذلك لأن الحق لها ولو أذن لها في انكاح نفسها صارت كمن أذن لها في البيع من نفسها ولا يصح وفي حديث معقل هذا دليل على أن السلطان لا يزوج المرأة إلا بعد أن يأمر وليها بالرجوع عن العضل فأن أحاب فذاك وإن أصر زوجها‏.‏

باب الشهادة في النكاح
1 - عن ابن عباس ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة‏"‏‏.‏ رواه الترمذي وذكر أنه لم يرفعه غير عبد الأعلى وأنه قد وقفه مرة وأن الوقف أصح وهذا لا يقدح لأن عبد الأعلى ثقة فيقبل رفعه وزيادته وقد يرفع الراوي الحديث وقد يقفه‏.‏
2 - وعن عمران بن حصين عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
‏"‏لانكاح الا بولي وشاهدي عدل‏"‏‏.‏ ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد اللّه‏.‏
3 - وعن عائشة قالت ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"لانكاح إلا بولي

 

ج / 6 ص -126-       وشاهدي عدل فإن تشاجروا 1 فالسلطان ولي من لا ولي له‏"‏‏.‏ رواه الدارقطني‏.‏ ولمالك في الموطأ عن أبي الزبير المكي ‏"‏أن عمر بن الخطاب أتى بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت‏"‏‏.‏
حديث ابن عباس قال الترمذي هذا حديث غير محفوظ لا نعلم أحدا رفعه إلا ما روى عن عبد الأعلى عن سعبد عن قتادة مرفوعا‏.‏ وروى عن عبد الأعلى عن سعبد هذا الحديث موقوفا والصحيح ما روى عن ابن عباس ‏
"‏لانكاح الا ببينة‏"‏ وهكذا روى غير واحد عن سعيد بن أبي عروبة نحو هذا موقوفا‏.‏ وحديث عمران ابن حصين أشار إليه الترمذي وأخرجه الدارقطني والبيهقي في العلل من حديث الحسن عنه وفي إسناده عبد اللّه بن محرز وهو متروك‏.‏ ورواه الشافعي من وجه آخرعن الحسن مرسلا‏.‏ وقال هذا وان كان مقطعا فإن أكثر أهل العلم يقولون به‏.‏ وحديث عائشة أخرجه أيضا البيهقي من طريق محمد بن أحمد بن الحجاج الرقي عن عيسى بن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة كذلك وقد توبع الرقي عن عيسى‏.‏ ورواه سعيد بن خالد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان ويزيد بن سنان ونوح بن دراج وعبد اللّه بن حكيم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة كذلك وقد ضعف ابن معين كله واقره البيهقي وقد تقدم في باب لانكاح الا بولي طرف منه
ـ وفي الباب ـ عن ابن عباس غير حديثه المذكور عند الشافعي والبيهقي من طريق ابن خيثم عن سعيد بن جبير عنه موقوفا بلفظ ‏
"‏لانكاح الا بولي مرشد وشاهدي عدل‏"‏ وقال البيهقي بعد أن رواه من طريق أخرى عن أبي خيثم بسنده مرفوعا بلفظ ‏"‏لانكاح الا بأذن ولي مرشد أو سلطان‏"‏ قال والمحفوظ الموقوف ثم رواه من طريق الثوري عن أبي خيثم به ومن طريق عدي بن الفضل عن أبي خيثم بسنده مرفوعا بلفظ ‏"‏لانكاح الا بولي وشاهدي عدل فإن نكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل‏"‏ وعدي بن الفضل ضعيف‏.‏ وعن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا عند البيهقي بلفظ ‏"‏لانكاح الا بأربعة خاطب وولي وشاهدين‏"‏ وفي إسناده المغيرة بن موسى البصري قال البخاري منكر الحديث‏.‏ وعن عائشة غير حديث الباب عند الدارقطني بلفظ ‏"‏لابد النكاح من أربعة الولي والزوج والشاهدين‏"‏ وفي إسناده أبو الخصيب نافع بن ميسرة مجهول وروي نحوه البيهقي في الخلافيات عن ابن عباس موقوفا وصححه وابن أبي شيبة بنحوه عنه أيضا‏.‏ وعن أنس أشار إليه الترمذي وقد استدل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ قوله‏:‏ فإن تشاجروا، الضمير عائد إلى الأولياء الدال عليه ذكر الولي والسياق والمراد بالاشتجار منع الأولياء عن العقد عليها وهذا هو العضل وبه تنتقل الولاية إلى السلطان ان عضل الأقرب وقيل بل تنتقل إلى الأكبر وانتقالها إلى السلطان مبني على منع الأقرب والأبعد وهو محتمل واللّه أعلم

 

ج / 6 ص -127-       بأحاديث الباب من جعل الأشهاد شرطا وقد حكى ذلك في البحر عن علي وعمر وابن عباس والعترة والشعبي وابن المسيب والأوزاعي والشافعي وأبي حنيفة أحمد بن حنبل‏.‏ قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ومن بعدهم من التابعين وغيرهم قالوا ‏"‏لانكاح الابشهود‏"‏ لم يختلفوا في ذلك من مضى منهم الا قوم من المتأخرين من أهل العلم وإنما اختلف أهل العلم في هذا إذا شهد واحد بعد واحد فقال أكثر أهل العلم من الكوفة وغيرهم لا يجوز النكاح حتى يشهد الشاهدان معا عند عقدة النكاح وقد روى بعض أهل المدينة إذا شهد واحد بعد واحد فإنه جائز إذا أعلنوا ذلك وهو قول مالك بن أنس وغيره‏.‏ وقال بعض أهل العلم يجوز شهادة رجل وامرأتين في النكاح وهو قول أحمد وإسحاق انتهى كلام الترمذي‏.‏ وحكى في البحر عن ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن ابن مهدي وداود انه لا يعتبر الاشهاد‏.‏ وحكى أيضا عن مالك أنه يكفي الاعلان بالنكاح والحق ما ذهب إليه الأولون لأن أحاديث الباب يقوي بعضها بعضا والنفي في قوله لانكاح يتوجه إلى الصحة وذلك يستلزم أن يكون الأشهاد شرطا لأنه قد استلزم عدمه عدم الصحة وما كان كذلك فهو شرط‏.‏ واختلفوا في اعتبار العدالة في شهود النكاح فذهبت القاسمية والشافعي إلى أنها تعتبر‏.‏ وذهب زيد بن علي وأحمد بن عيسى وأبو عبد اللّه الداعي وأبوحنيفة أنها لا تعتبر والحق القول الأول لتقييد الشهادة المعتبرة في حديث عمران بن حصين وعائشة اللذين ذكرهما المصنف وكذلك حديث ابن عباس الذي ذكرناه بالعدالة‏.

باب ما جاء في الكفاءة في النكاح
1 - عن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه قال ‏"‏جاءت فتاة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت ان أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته قال فجعل الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن اعلم النساء ان ليس إلى الآباء من الأمر شيء‏"‏‏.‏ رواه ابن ماجه ورواه أحمد والنسائي من حديث ابن بريدة‏.‏
2 - وعن عائشة وعن عمر قال ‏"‏لأمنعن تزوج ذوات الأحساب الا من الأكفاء‏"‏‏.‏ رواه الدارقطني‏.‏
3 - وعن أبي حاتم المزني قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه الا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" قالوا يا رسول اللّه وإن كان فيه قال "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه ثلاث مرات‏"‏‏.‏ رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب‏.‏

 

ج / 6 ص -128-       4 - وعن عائشة ‏"‏ان أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان ممن شهد بدرا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة ابن ربيعة وهو مولى امرأة من الأنصار‏"‏‏.‏ رواه البخاري والنسائي وأبو داود‏.‏
5 - وعن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أمه قالت ‏"‏رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلال‏"‏‏.‏ رواه الدارقطني‏.‏
حديث عبد اللّه بن بريدة أخرجه ابن ماجه بإسناد رجاله رجال الصحيح فإنه قل في سننه حدثنا هنا دين السري حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن ابن بريدة عن أبيه وأخرجه النسائي من طريق زياد بن أيوب وهو ثقة عن علي بن غراب وهو صدوق عن كهمس بهذا الإسناد ويشهد له ابن عباس في الجارية البكر التي زوجها أبوها وهي كارهة فخيرها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وكذلك تشهد له الأحاديث الواردة في استئمار النساء على العموم وكذلك حديث خنساء بنت خدام وقد تقدم جميع ذلك في باب ما جاء في الأجبار والاستئمار وإنما ذكر المصنف حديث بريدة ههنا لقولها فيه ليرفع بي خسيسته فإن ذلك مشعر بأنه غير كفؤ لها‏.‏ وحديث أبي حاتم المزني ذكر المصنف ان الترمذي حسنه ووافقه المناوي على نقل التحسين عن الترمذي ثم نقل البخاري أنه لم يعده محفوظا وعده أبو داود في المراسيل وأعله ابن القطان بالأرسال وضعف رواية وأبو حاتم المزني له صحبة ولا يعرف له عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم غير هذا الحديث وقد أخرج الترمذي أيضا هذا الحديث من حديث أبي هريرة ولفظه قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"إذا خطب اليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه الا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض‏"‏ وقال قد خولف عبد الحميد بن سليمان في هذا الحديث ورواه الليث بن سعد عن أبي عجلان عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال البخاري وحديث الليث أشبه ولم يعد حديث عبد الحميد محفوظا‏.‏
ـ وفي الباب ـ عن أبي هريرة عند أبي داود ‏"‏ان أبا هند حجم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في اليافوخ فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
"يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه‏"‏ وأخرجه ايضا الحاكم وحسنه الحافظ في التلخيص‏.‏ وعن علي عند الترمذي ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال له "ثلاث لا تؤخر.‏ الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفؤا‏"‏ وعن ابن عمر عند الحاكم أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏"‏العرب اكفاء بعضهم لبعض قبيلة لقبيلة وحي لحي ورجل لرجل الاحائك أو حجام‏"‏ وفي إسناده رجل مجهول وهو الراوي له عن ابن جريج وقد سأل ابن أبي حاتم اباه عن هذا الحديث فقال هذا كذب لا أصل له وقال في موضع أخر باطل ‏.‏ورواه ابن عبد البر في التمهيد من طريق أخرى عنه قال الدار قطني في العلل لا يصح انتهى‏.‏ وفي اسناد ابن عبد البر عمران بن أبي الفضل قال ابن حبان يروي الموضوعات عن الثقات وقال ابن أبي حاتم سألت عنه أبي

 

ج / 6 ص -129-       فقال منكر وقد حدث به هشام بن عبيد اللّه الرازى فزاد فيه بعد أوحجام او دباغ قال فاجتمع به الدباغون وهموا به‏.‏ وقال ابن عبد البر هذا منكرموضوع وذكره في العلل المتناهية من طريقين إلى ابن عمر في أحدهما علي بن عروة وقد رماه ابن حبان بالوضع وفي الأخرى محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك والأولى في ابن عدي والثانية في الدارقطني وله طريق أخرى عن غير ابن عمر رواها البزار في مسنده من حديث معاذ بن جبل رفعه ‏"‏العرب بعضها لبعض اكفاء‏"‏ وفيه سليمان بن أبي الجون‏.‏ قال ابن القطان لا يعرف ثم هو من رواية خالد بن معدان عن معاذ ولم يسمع منه وفي المتفق عليه من حديث أبي هريرة ‏"‏خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا‏"‏‏.‏
قوله ‏"‏إلا من الأكفاء‏"‏ جمع كفء بضم أوله وسكون الفاء بعدها همزة وهو المثل والنظير قوله ‏"‏من ترضون دينه وخلقه‏"‏ فيه دليل على اعتبار الكفاءة في الدين والخلق وقد جزم بأن اعتبار الكفاءة مختص بالدين مالك‏.‏ ونقل عن عمر وابن مسعود ومن التابعين عن محمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز ويدل علهي قوله تعالى ‏
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ‏}‏ واعتبر الكفاءة في النسب الجمهور‏.‏
وقال أبو حنيفة قريش أكفاء بعضهم بعضا والعرب كذلك وليس أحد من العرب كفؤا لقريش كما ليس أحد من غير العرب كفؤا للعرب وهو وجه للشافعية‏.‏ قال في الفتح والصحيح تقديم بني هاشم والمطلب على غيرهم ومن عدا هؤلاء أكفاء بعضهم لبعض‏.‏ وقال الثوري إذا نكح المولى العربية يفسخ النكاح وبه قال أحمد في رواية وتوسط الشافعي فقال ليس نكاح غير الأكفاء حراما فأردبه النكاح وإنما هو تقصير بالمرأة والأولياء فإذا رضوا صح ويكون حقا لهم تركوه فلو رضوا الاواحدا فله فسخه قال ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب من حديث وأما ما أخرجه البزار من حديث معاذ رفعه
‏"‏العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء بعض‏"‏ فإسناده ضعيف‏.‏ واحتج البيهقي بحديث ‏"‏ان اللّه اصطفى بني كنانة من بني اسماعيل‏"‏ الحديث وهو صحيح أخرجه مسلم لكن في الأحتجاج به لذلك نظر وقد ضم إليه بعضهم حديث قدموا قريشا ولا تقدموها ونقل ابن المنذر عن البويطي ان الشافعي قال الكفاءة في الدين وهو كذلك في مختصر البويطي قال الرافعي وهو خلاف المشهور قال في الفتح واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه فلاتحل المسلمة لكافر قال الخطابي إن الكفاءة معتبرة في قول أكثر العلماء بأربعة أشياء الدين والحرية والنسب والصناعة ومنهم من أعتبر السلامة من العيوب وأعتبر بعضهم اليسار ويدل على ذلك ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه أن احساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه المال وما أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم من حديث سمرة رفعه ‏"‏الحسب المال والكرم التقوي‏"‏ قال في الفتح أن يكون المراد أنه حسب من لاحسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لانسب له أو أن شأن أهل الدنيا رفعة من كان كثير المال ولو كان وضيعا وضعة من

 

ج / 6 ص -130-       كان مقلا ولو كان رفيع النسب كما هو موجود مشاهد فعلى الاحتمال الأول يمكن أن يؤخذ من الحديث اعتبار الكفاءة بالمال لا على الثاني وقد قدمنا الأشارة إلى شيء من هذا في باب صفة المرأة التي تستحب خطبتها‏.‏ قوله ‏"‏تبنى سالما‏"‏ بفتح المثناة الفوقية والموحدة وتشديد النون أي اتخذه ابنا وسالم هو ابن معقل مولى أبي حذيفة ولم يكن مولاه وإنما كان يلازمه بل هو مولى امرأة من الأنصار كما وقع في حديث الباب وهذا الحديث فيه دليل على أن الكفاءة تغتفر برضا الأعلى لا مع الرضا فقد خير النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بريرة لما لم يكن زوجها كفؤا لها بعد الحرية وقد قدمنا الخلاف هل كان عبدا أو حرا والراجح أنه كان عبدا كما سيأتي في باب الخيار للأمة إذا عتقت تحت عبد‏.‏ قال الشافعي اصل الكفاءة في النكاح حديث بريرة يعني هذا ومن جملة الأمور الموجبة لرفعة المتصف بها الصنائع العالية وأعلاها على الإطلاق العلم لحديث ‏"‏العلماء ورثة الأنبياء‏"‏ أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان من حديث أبي الدرداء وضعفه الدارقطني في العلل‏.‏ قال المنذري وهومضطرب الإسناد وقد ذكرنا فمن ذلك قوله تعالى ‏{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}‏ وقوله تعالى:{‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}‏ وقوله تعالى ‏{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ‏}‏ وغير ذلك من الآيات والاحاديث المتاكثرة منها حديث ‏"‏خياركم في الجاهلية‏"‏ وقد تقدم‏.‏

باب استحباب الخطبة وما يدعى به المتزوج
1 - عن ابن مسعود قال ‏"‏علمنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة وذكر تشهد الصلاة قال والتشهد في الحاجة
إن الحمد للّه نستغفره ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا من يهده اللّه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال ويقرأ ثلاث آيات ففسرها سفيان الثوري {واتقوا اللّه حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون} {اتقوا اللّه الذي تساءلون به والأرحام إن اللّه كان عليكم رقيبا اتقوا اللّه وقولوا قولا سديدا}‏"‏ الآية‏.‏ رواه الترمذي وصححه‏.‏
2 - وعن اسمعيل بن اراهيم عن رجل من بني سليم قال ‏"‏خطبت إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمامة بنت عبد المطلب فانكحني من غير أن يتشهد‏"‏‏.‏ رواه أبو داود‏.‏
3 - وعن أبي هريرة ‏"‏ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان إذا رفا انسانا إذا تزوج

 

ج / 6 ص -131-       قال "بارك اللّه لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير‏"‏‏.‏ رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي‏.‏
4 - وعن عقيل ابن أبي طالب ‏"‏أنه تزوج امرأة من بني جشم فقالوا بالرفاء والبنين فقال لا تقولوا هكذا ولكن قولوا كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
بارك لهم وبارك عليهم‏"‏‏.‏ رواه النسائي وابن ماجه وأحمد بمعناه‏.‏ وفي رواية له ‏"‏لاتقولوا ذلك فإن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد نهانا عن ذلك قولوا بارك اللّه فيك وبارك لك فيها‏"‏‏.‏
حديث ابن مسعود أخرجه أيضا أبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي وهو من رواية أبي عبيدة بن عبد اللّه بن مسعود عن أبيه ولم يسمع منه‏.‏ وقد رواه الحاكم من طريق أخرى عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن ابن مسعود وليس فيه الآيات‏.‏ ورواه أيضا من طريق اسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة أن عبد اللّه قال فذكر نحوه ورواه البيهقي من حديث واصل الأحدب عن شقيق عن ابن مسعود بتمامه‏.‏ وفي رواية للبيهقي
‏"‏إذا أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من النكاح أو غيره فليقل الحمد للّه نحمده ونستعينه‏"‏ الخ وروى المصنف عن الترمذي أنه صحح حديث ابن مسعود والذي رأيناه في نسخة صحيحة منه التحسين فقط وكذلك روى الحافظ عنه في بلوغ المرام والمنذري في مختصر السنن التحسين فقط ولكنه قال الترمذي بعد أن ذرك أن الحديث حسن مالفظه رواه الأعمش عن أبي إسحاق عن أي الأحوص عن عبد اللّه عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وكلا الحديثين صحيح لأن اسرائيل جمعهما فقال عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة عن عبد اللّه عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وحديث إسماعيل بن ابراهيم أخرجه ايضا البخاري في تاريخه الكبير وقال إسناده مجهول ووقع عند في رواية أمامة بنت ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب فكأنها نسبت في رواية أبي داود إلى جدها انتهى‏.‏ وأما جهالة الصحابي المذكور فغير قادحة كما قررنا في هذا الشرح غير مرة‏.‏ وحديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود والمنذري وقال الترمذي حسن صحيح وصححه أيضا ابن حبان والحاكم‏.‏ وحديث عقيل أخرجه أيضا أبو يعلى والطبراني وهو من رواية الحسن عن عقيل قال في الفتح ورجاله ثقات الا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال‏.‏
ـ وفي الباب ـ عن هبار عند الطبراني ‏"‏ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم شهد نكاح رجل فقال
على الخير والبركة والألفة والطائر الميمون والسعة والرزق بارك اللّه لكم‏"‏‏.‏ قوله ‏"‏إن الحمد للّه‏"‏ جاء في رواية بحذف ان وفي رواية للبيهقي بحذف إن وإثباتها بالشك فقال الحمد للّه أو أن الحمد للّه وفي آخره قال شعبة قلت لابي إسحاق هذه القصة في خطبة النكاح وفي غيرها قال في كل حاجة‏.‏ ولفظ ابن ماجه في أول هذا الحديث ‏"‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أوتى جوامع الخير وخواتيمه فعلمنا خطبة الصلاة وخطبة

 

ج / 6 ص -132-       الحاجة فذكر خطبة الصلاة ثم خطبة الحاجة‏.‏ قوله ‏"‏وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‏"‏ زاد أبو داود في رواية ‏"‏ومن يطع اللّه ورسوله فقد فاز فوزا عظيما‏"‏ وفي رواية أخرى بعد‏.‏ قوله ‏"‏ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة من يطع اللّه ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر اللّه شيئا‏"‏ وقد استدل بحديث ابن مسعود هذا على مشروعية الخطبة عند عقد النكاح وعند كل حاجة قال الترمذي في سننه وقد قال أهل العلم إن النكاح جائز بغير خطبة وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل العلم انتهى‏.‏ ويدل على الجواز حديث اسمعيل بن إبراهيم المذكور فيكون على هذا الخطبة في النكاح مندوبة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏رفأ‏"‏ قال في الفتح بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز معناه دعا له‏.‏ وفي القاموس رفأه ترفئة وترفيا قال له بالرفاء والبنين أي بالالتئام وجمع الشمل انتهى‏.‏ وذلك لأن الترفئة في الأصل الالتئام يقال رفأ الثوب لأم خرقه وضم بعضه إلى بعضه وكانت هذه ترفئة الجاهلية ثم نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ذلك وأرشد إلى ما في أحاديث الباب‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏تزوج امرأة من بني جشم‏"‏ في جامع الأصول عن الحسن أن عليا هو المتزوج من بني جشم وعزاه إلى النسائي واختلف في علة النهي عن الترفئة التي كانت تفعلها الجاهلية فقيل لأنه لأحمد فيها ولا ثناء ولا ذكر للّه‏.‏ وقيل لما فيه من الإشارة إلى بعض البنات لتخصيص البنين بالذكر وإلا فهو دعاء للزوج بالالتئام والائتلاف فلا كراهة فيه‏.‏ وقال ابن المنير الذي يظهر أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم كره اللفظ لما فيه من موافقة الجاهلية لأنهم كانوا يقولونه تفاؤلا لادعاء فيظهر أنه لو قيل بصورة الدعاء لم يكره كأن يقول اللّهم ألف بينما وارزقهما بنين صالحين‏.‏

باب ما جاء في الزوجين يوكلان واحدا في العقد
1 - عن عقبة بن عامر ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لرجل
أترضى أن أزوجك فلانة قال نعم وقال للمرأة أترضين أن أزوجك فلانا قالت نعم فزوج أحدهما صاحبه فدخل بها ولم يفرض لها صداقا ولم يعطها شيئا وكان ممن شهد الحديبية وكان من شهد الحديبية له سهم بخيبر فلما حضرته الوفاة قال إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم زوجني فلانة ولم أفرض لا صداقا ولم أعطها شيئا وأني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف‏"‏‏.‏ رواه أبو داود وقال عبد الرحمن بن عوف لأم حكيم بنت قارظ ‏"‏أتجعلين أمرك إلى قالت نعم قال فقد تزوجتك‏"‏ ذكره البخاري في صحيحه وهو يدل على أن مذهب عبد الرحمن ان من وكل في تزويج أو بيع شيء فله أن يبيع ويزوج من نفسه وأن يتولى ذلك بلفظ واحد‏.‏

 

ج / 6 ص -133-       حديث عقبة بن عامر سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده عبد العزيز بن يحيى صدوق يهم‏.‏ وأثر عبد الرحمن ذكره البخاري معلقا ووصله ابن سعد من طريق ابن أبي ذئب عن سعد بن خالج ان أم حكيم ينت قارظ قالت لعبد الرحمن ابن عوف أنه قد خطبني غير واحد فزوجني أيهم رأيت قال وتجعلين ذلك إلي فقالت نعم قال قد تزوجتك قال ابن أبي ذئب فجاز نكاحه‏.‏ وقد ذكر ابن سعد أم حكيم المذكورة في النساء اللواتي لم يدركن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وروين عن أزواجه وهي بنت قارظ بن خالد بن عبيد حليف بني زهرة‏.‏ وقد استدل بحديث عقبة من قال أنه يجوز أن يتولى طرفي العقد واحد وهو مروى عن الأوزاعي وربيعة والثوري ومالك وأبي حنيفة وأكثر أصحابه والليث والهادوية وأبي ثور وحكى في البحر عن الناصر والشافعي وزفر أنه لا يجوز لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏"‏كل نكاح لا يحضره أربعة‏"‏ وقد تقدم‏.‏ وأجيب بأنه أراد أومن يقوم مقامهم قال في الفتح وعن مالك لو قالت الثيب لوليها زوجني بمن رأيت فزوجها من نفسه أوممن أختار لزمها ذلك ولو لن تعلم عين الزوج‏.‏ وقال الشافعي يزوجه السلطان أو ولي آخر مثله أو أبعد منه ووافقه زفر وداود وحجتهم إن الولاية شرط في العقد فلا يكون الناكح منكحا كما لا يبيع من نفسه وروى البخاري عن المغيرة تعليقا أنه خطب امرأة هو أولى الناس بها فأمر رجلا فزوجه ووصل هذا الأثر وكيع في مصنفه‏.‏ وللبيهقي من طريقه عن الثوري عن عبد الملك بن عميران المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة هو وليها فجعل أمرها إلى رجل المغيرة أولى منه فزوجه‏.‏ وأخرجه عبد الرزاق عن الثوري وقال فيه فأمر أبعد منه فزوجه‏.‏ وأخرجه سعيد بن منصور من طريق الشعبي ولفظه أن المغيرة خطب بنت عمه عروة بن مسعود فأرسل إلى عبد اللّه بن أبي عقيل فقال زوجنيها فقال ما كنت لأفعل أنت أمير البلد وابن عمها فأرسل المغيرة إلى عثمان بن أبي العاص فزوجها منه‏.‏ والمغيرة هو ابن شعبة بن مسعود من ولد عوف بن ثقيف فهي بنت عمه وعبد اللّه بن أبي عقيل هو ابن عمها أيضا لأن جده هو مسعود المذكور‏.‏ وأما عثمان بن أبي العاص فهو وإن كان ثقفيا لكنه لا يجتمع معهم إلا في جدهم الأعلى ثقيف لأنه من ولد جشم ابن ثقيف‏.‏ وقد استدل محمد بن الحسن على الجواز بأن اللّه لما عاتب الأولياء في تزويج من كانت من أهل المال والجمال بدون صداقها وعاتبهم على ترك تزويج من كانت قليلة المال والجمال دل على أن الولي يصح منه تزويجها من نفسه إذ لا يعاتب أحدا على ترك ما هو حرام عليه‏.‏

باب ما جاء في نكاح المتعة وبيان نسخه
1 - عن ابن مسعود قال ‏"‏كنا نغزو مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ليس معنا نساء فقلنا ألا نختصى فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن تنكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد اللّه
{يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل اللّه لكم}‏"‏ الآية‏.‏ متفق عليه‏.‏

 

ج / 6 ص -134-       2 - وعن أبي جمرة قال ‏"‏سألت ابن عباس عن متعة النساء فرخص فقال له مولى له إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة أو نحوه فقال ابن عباس نعم‏"‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏
3 - وعن محمد بن كعب عن ابن عباس قال ‏"‏إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية إلا على أزواجهم أوما ملكت أيمانهم قال ابن عباس فكل فرج سواهما حرام‏"‏‏.‏ رواه الترمذي‏.‏
4 - وعن علي رضي اللّه عنه ‏"‏إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهل زمن خيبر‏"‏ وفي رواية ‏"‏نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأنسية‏"‏‏.‏ متفق عليهما‏.‏
5 - وعن سلمة بن الأكوع قال ‏"‏رخص لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها‏"‏‏.‏
6 - وعن سبرة الجهني ‏"‏أنه غزا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فتح مكة قال فأقمنا بها خمسة عشر فأذن لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في متعة النساء‏"‏ وذكر الحديث إلى أن قال ‏"‏فلم أخرج حتى حرمها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏ وفي رواية ‏"‏أنه كان مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال
يا أيها الناس أني كنت أذنت لكم في الأستمتاع من النساء وإن اللّه قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا‏"‏‏.‏ رواهن أحمد ومسلم‏.‏ وفي لفظ عن سبرة قال ‏"‏أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها‏"‏‏.‏ رواه مسلم‏.‏ وفي رواية عنه ‏"‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حجة الوداع نهى عن نكاح المتعة‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏
حديث ابن عباس الذي رواه المصنف من طريق أبي جمرة ونسبه إلى البخاري قيل ليس هو في البخاري‏.‏ قال الحافظ في التلخيص وأغرب المجد بن تيمية يعني المصنف فذكره عن أبي جمرة الضبعي أنه سأل ابن عباس عن متعة النساء فرخص فيه فقال له مولى إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة فقال نعم ورواه البخاري وليس هذا في صحيح البخاري بل استغربه ابن

 

ج / 6 ص -135-       الأثير في جامع الأصول فعزاه إلى رزين وحده ثم قال الحافظ قلت قد ذكره المزي في الأطراف في ترجمة أبي جمرة عن ابن عباس وعزاه إلى البخاري بللفظ الذي ذكره ابن تيمية سواء ثم راجعته من الأصل فوجدته في باب النهي عن نكاح المتعة أخيرا ساقه بهذا الإسناد والمتن فأعلم ذلك‏.‏ وحديث ابن عباس الثاني الذي رواه المصنف من طريق محمد بن كعب في إسناده موسى بن عبيد الربذي وهو ضعيف‏.‏ وقد ورى الرجوع عن ابن عباس جماعة منهم محمد بن خلف القاضي المعروف بوكيع في كتابه الغرر من الأخبار بسنده المتصل بسعيد بن جبير قال قلت لابن عباس ما تقول في المتعة فقد أكثر الناس فيها حتى قال فيها الشاعر‏.‏ قال‏:‏ وما قال‏.‏ قال‏:‏ قال‏:‏
قد قلت للشيخ لما طال محبسـه ** يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس
وهل ترى رخصة الأطراف أنسة ** تكون مثواك حتى مصدر الناس
قال‏:‏ وقد قال في الشاعر‏.‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فكرهها أو نهى عنها‏.‏
ورواه الخطابي أيضا بإسناده إلى سعيد بن جبير قال‏:‏ قلت لابن عباس قد سارت بفتياك الركبان وقالت فيها الشعراء‏.‏ قال‏:‏ وما قالوا‏؟‏ فذكر البيتين‏.‏ فقال‏:‏ سبحان اللّه واللّه ما بهذا أفتيت وما هي الا كالميتة لا تحل الا للمضطر‏.‏ وروى الرجوع أيضا البيهقي وأبو عوانة في صحيحه قال في الفتح بعد أن ساق عن ابن عباس روايات الرجوع وساق حديث سهل بن سعد عند الترمذي بلفظ إنما رخص النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في المتعة لعزبة كانت بالناس شديدة ثم نهى عنها بعد ذلك ما لفظه فهذه أخبار يقوى بعضها بعضها‏.‏ وحاصلها أن المتعة إنما رخص فيها بسبب العزبة في حال السفر ثم قال وأخرج البيهقي من حديث أبي ذر بإسناد حسن إنما كانت المتعة لحربنا وخوفنا وروى عبد الرزاق في مصنفه أن ابن عباس يراها حلالا ويقرأ فما استمتعتم به منهن‏.‏ قال وقال ابن عباس في حرف أبي بن كعب إلى أجل مسمى قال وكان يقول يرحم اللّه عمر ما كانت المتعة الا رحمة رحم اللّه بها عباده ولولا نهي عمر لما احتيج إلى الزنا أبدا وذكر ابن عبد البر عن عمارة مولى الشريد سألت ابن عباس عن المتعة اسفاح هي أم نكاح فقال لا نكاح ولاسفاح قلت فما هي قال المتعة كما قال اللّه تعالى قلت وهل عليها حيضة قال نعم قلت ويتوارثان قال لا وقد روى ابن حزم في المحلى عن جماعة من الصحابة غير ابن عباس فقال وقد ثبت على تحليلها بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم جماعة من السلف منهم من الصحابة أسماء بنت أبي بكر وجابر بن عبد اللّه وابن مسعود وابن عباس ومعاوية وعمرو بن حريث وأبو سعيد وسلمة ابنا أمية بن خلف‏.‏ ورواه جابر عن الصحابة مدة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ومدة أبي بكر ومدة عمر إلى قرب آخر خلافته وروى عنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عد لأن فقط وقال بها من التابعين طاوس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكة انتهى كلامه‏.‏ ثم ذكر الحافظ في التلخيص بعد أن نقل هذا الكلام عن ابن حزم من روى من المحدثين حل المتعت عن المذكورين ثم قال ومن المشهورين بإباحتها ابن جريج فقيه مكة ولهذا قال الأوزاعي فيما رواه الحاكم في علوم الحديث يترك من قول أهل الحجاز خمس فذكر منها متعة النساء من

 

ج / 6 ص -136-       قول أهل مكة واتيان النساء في أدبارهن من قول أهل المدينة ومع ذلك فقد روى أبو عوانة في صحيحه عن ابن جريج أنه قال لهم بالبصرة اشهدوا أني قد رجعت عنها بعد أن حدثهم فيها ثمانية عشر حديثا أنه لا بأس بها‏.‏ وممن حكى القول بجواز المتعة عن ابن جريج الإمام المهدي في البحر وحكاه عن الباقر والصادق والأمامية انتهى‏.‏ وقال ابن المنذر جاء عن الأوائل الرخصة فيها ولا أعلم اليوم أحدا يحيزها الابعض الرافضة ولامعنى لقول يخالف كتاب اللّه وسنة رسوله‏.‏ وقال عياض ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها إلا الروافض وأما ابن عباس فروى عنه أنه أباحها وروى عنه أنه رجع عن ذلك‏.‏ قال ابن بطال روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة وروى عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة وإجازة المتعة عنه أصح وهو مذهب الشيعة قال وأجمعوا على أنه متى وقع الآن أبطل سواء كان قبل الدخول أم بعده إلا قول زفر أنه جعلها كالشروط الفاسدة ويرده‏.‏
قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم
‏"‏فمن كان عنده شيء فليخل سبيله‏"‏ وقال الخطابي تحريم المتعة كالإجماع الا عن بعض الشيعة ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المخالفات إلى على صح عن علي أنها نسخت ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال هي الزنا بعينه‏.‏ وقال ابن دقيق العيد ما حكاه بعض الحنفية عن مالك من الجواز خطأ فقد بالغ المالكية في منع النكاح المؤقت حتى أبطلوا توقيت الحل بسببه فقالوا لوعلق على وقت لا بد من مجيئه وقع الطلاق الآن لأنه توقيت للحل فيكون في معنى نكاح المتعة قال عياض وأجمعوا على أن شرط البطلان التصريح بالشرط فلو نوى عند العقد أن يفارق بعد مدة صح نكاحه إلا الأوزاعي فأبطله واختلفوا هل يحد ناكح المتعة أو يعذر على قولين‏.‏ وقال القرطبي الروايات كلها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل وأنه حرم ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها الا من لا يلتفت إليه من الروافض وجزم جماعة من الأئمة بتفرد ابن عباس بإباحتها ولكن قال ابن عبد البر أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن على إباحتها ثم اتفق فقهاء الأمصار على تحريمها وقد ذكر الحافظ في فتح الباري بعد ما حكى عن ابن حزم كلامه السالف المتضمن لرواية جواز المتعة عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم مناقشات فقال وفي جميع ما أطلقه نظر أما ابن مسعود إلى آخر كلامه فليراجع‏.‏
وقال الحازمي في الناسخ والمنسوخ بعد أن ذكر حديث ابن مسعود المذكور في الباب مالفظه وهذا الحكم كان مباحا مشروعا في صدر الإسلام وإنما أباحه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم للسبب الذي ذكره ابن مسعود وإنما ذلك يكون في أسفارهم ولم يبلغنا أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إباحة لهم وهم في بيوتهم ولهذا نهاهم عنه غير مرة ثم إباحه لهم في أوقات مختلفة حتى حرمه عليهم في آخر أيامه صلى اللّه عليه وآله وسلم وذلك في حجة الوداع وكان تحريم تأييد لا توقيت فلم يبق اليوم في ذلك خلاف بين فقهاء الأمصار وأئمة الأمة الا شيئا ذهب إليه بعض الشيعة ويروى أيضا عن ابن جرير جوازه انتهى‏.‏ إذا تقرر لك معرفة من قال بإباحة المتعة فدليلهم على الإباحة ما ثبت من إباحته صلى اللّه عليه وآله وسلم في مواطن متعددة‏.‏ منها في عمرة القضاء كما أخرجه

 

ج / 6 ص -137-       عبد الرزاق عن الحسن البصري وابن حبان في صحيحه من حديث سبرة‏.‏ ومنها في خيبر كما في حديث علي المذكور في الباب‏.‏ ومنها عام الفتح كما في حديث سبرة بن معبد المذكور أيضا‏.‏ ومنها يوم حنين رواه النسائي من حديث علي قال الحافظ ولعله تصحيف عن خيبر وذكره الدارقطني عن يحيى بن سعيد بلفظ حنين‏.‏ ووقع في حديث سلمة المذكور في الباب في عام أوطاس‏.‏ قال السهيلي هو موافق في رواية من روى عام الفتح فإنهما كانا في عام واحد‏.‏ ومنها في تبوك رواه الحازمي والبيهقي عن جابر ولكنه لم يبحها لهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم هنالك فإن لفظ حديث جابر عند الحازمي ‏"‏قال خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند الثنية مما بلى الشام جاءتنا نسوة تمتعنا بهن يطفن برحالنا فسألنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عنهم فأخبرناه فغضب وقام فينا خطيبا فحمد اللّه وأثنى عليه ونهى عن المتعة فتوادعنا يومئذ ولم نعد ولا نعود فيها أبدا فلهذا سميت ثنية الوداع‏"‏‏.‏ قال الحافظ وهذا إسناد ضعيف لكن عند ابن حبان من حديث أبي هريرة ما يشهد له وأخرجه البيهقي أيضا وأجيب بما قاله الحافظ في الفتح أنه لا يصح من روايات الأذن بالمتعة شيء بغير علة إلا في غزوة الفتح وذلك لأن الأذن في عمرة القضاء لا يصح لكونه من مراسيل الحسن ومراسيله ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد وعلى تقدير ثبوته فلعله أراد أيام خيبر لأنهما كانا في سنة واحدة كما في الفتح وأوطاس أنهما في غزوة واحدة ويبعد كل البعد أن يقع الأذن في غزوة أوطاس بعد أن يقع التصريح في أيام الفتح قبلها فإنها حرمت إلى يوم القيامة وأما في غزوة خيبر فطريق توجيه الحديث وإن كانت صحيحة ولكنه قد حكى البيهقي عن الحميدي ان سفيان كان يقول أن قوله في الحديث يوم خيبر يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة‏.‏ وذكر السهيلي أن ابن عيينة روى عن الزهري بلفظ نهى عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر وعن المتعة بعد ذلك أو في غير ذلك اليوم انتهى‏.‏
وروى ابن عبد البر أن الحميدي ذكر عن ابن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأما المتعة فكان في غير يوم خيبر قال ابن عبد البر وعلى هذا أكثر الناس وقال أبو عوانة في صحيحه سمعت أهل العلم يقولون معنى حديث على أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأما المتعة فسكت عنها وإنما نهى عنها يوم الفتح انتهى‏.‏ قال في الفتح والحامل لهؤلاء على هذا ما ثبت من الرخصة فيها بعد زمن خيبر كما أشار البيهقي ولكنه يشكل على كلام هؤلاء ما في البخاري في الذبائح من طريق مالك بلفظ ‏"‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية‏"‏ وهكذا أخرجه مسلم من رواية ابن عيينة‏.‏ وأما في غزوة حنين فهو تصحيف كما تقدم والأصل خيبر وعلى فرض عدم ذلك التصحيف فيمكن أن يراد ما وقع في غزوة أوطاس لكونها هي وحنين واحدة وأما في غزوة تبوك لم يقع منه صلى اللّه عليه وآله وسلم أذن بالاستمتاع كما تقدم وإذا تقرر هذا فالأذن الواقع منه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالمتعة يوم الفتح منسوخ بالنهي عنها المؤبد كما في حديث سبرة الجهني وهكذا لو فرض وقوع الأذن منه صلى اللّه عليه وآله وسلم في موطن من المواطن قبل يوم الفتح كان نهيه عنها يوم الفتح ناسخا له‏.‏ وأما رواية النهي عنها في حجة الوداع فهو

 

ج / 6 ص -138-       اختلاف على الربيع بن سبرة والرواية عنه بأن النهي في يوم الفتح أصح وأشهر ويمكن الجمع بأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أراد إعادة النهي ليشيع ويسمعه من لم يسمعه قبل ذلك ولكنه يعكر على ما في حديث سبرة من التحريم المؤبد ما أخرجه مسلم وغيره عن جابر قال كنا نستمتع بالقبضة من الدقيق والتمر الأيام على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدرأ من خلافة عمر حتى نهانا عنها عمر في شأن حديث عمر وبن حريث فإنه يبعد كل البعد أن يجهل جمع من الصحابة النهي المؤبد الصادر عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم في جمع كثير من الناس ثم يستمرون على ذلك حياته صلى اللّه عليه وآله وسلم وبعد موته حتى ينهاهم عنها عمر‏.‏ وقد اجيب عن حديث جابر هذا بأنهم فعلوا ذلك في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم لم يبلغه النسخ حتى نهى عنها عمر وأعتقد أن الناس باقون على ذلك لعدم الناقل وكذلك يحمل فهل غيره من الصحابة ولذا ساغ لعمر ان ينهى ولهم الموافقة‏.‏
وهذا الجواب وإن كان لا يخلو عن تعسف ولكنه أوجب المصير إليه حديث سبرة الصحيح المصرح بالتحريم المؤبد وعلى كل حال فنحن متعبدون بما بلغنا عن الشارع وقد صح لنا عنه التحريم المؤبد ومخالفة طائفة من الصحابة له غير قادحة في حجيته ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به كيف والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به ورووه لنا حتى قال ابن عمر فيما أخرجه عنه ابن ماجه بإسناد صحيح ‏"‏إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها واللّه لا أعلم أحد تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة‏"‏ وقال أبو هريرة فيما يرويه عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏
"‏هدم المتعة الطلاق العدة والميراث‏"‏ أخرجه الدارقطني وحسنه الحافظ ولا يمنع من كونه حسنا كون في إسناده مؤمل بن إسماعيل لأن الاختلاف فيه لا يخرج حديثه عن حد الحسن إذا أنضم إليه من الشواهد ما يقويه كما هو الشأن الحسن لغيره وأما ما يقال من أن تحليل المتعة مجمع عليه والمجمع عليه قطعى وتحريمها مختلف فيه المختلف فيه ظني والظني لا ينسخ القطعى فيجاب عنه أولا بمنع هذه الدعوى أعني كون القطعي لا ينسخه الظني فما الدليل عليها ومجرد كونها مذهب الجمهور غير مقنع لمن قام في مقام المنع يسائل خصمه عن دليل العقل والسمع بإجماع المسلمين وثانيا بأن النسخ بذلك الظني إنما هو لاستمرار الحل لا لنفس الحل والاستمرار ظني لا قطعي‏.‏ وأما قراءة ابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب وسعيد بن جبير ‏{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمى‏}‏ فليست بقرآن عند مشترطي التواتر ولا سنة لأجل روايتها قرآنا فيكون من قبيل التفسير للآية وليس ذلك بحجة‏.‏ وأما عند من لم يشترط التواتر فلا مانع من نسخ ظني القرآن بظني السنة كما تقرر في الأصول‏.‏

باب نكاح المحلل
1 - عن ابن مسعود قال ‏"‏لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم المحلل والمحلل له‏"‏‏.‏ رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه والخمسة إلا النسائي من حديث علي مثله‏.‏
2 - وعن عقبة بن عامر قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ألا أخبركم

 

ج / 6 ص -139-       تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم عتقا يتزوجها ويكون على واحدة على حديث عمر بن معتب وقال في رواية أبي طالب في هذه المسألة يتزوجها ولا يبالي في العدة عتقاً أو بعد العدة قال وهو قول ابن عباس وجابر بن عبد اللّه وأبي سلمة وقتادة‏.‏
حديث ابن عباس أخرجه أيضاً الطبراني وابن عدي وفي إسناد ابن ماجه ابن لهيعة وكلام الأئمة فيه معروف وفي إسناد الطبراني يحيى الحماني وهو ضعيف وفي إسناد ابن عدي والدارقطني عصمة بن مالك كذا قيل وفي التقريب إنه صحابي وطرقه يقوي بعضها بعضاً‏.‏
وقال ابن القيم‏:‏ إن حديث ابن عباس وإن كان في إسناده ما فيه فالقرآن يعضده وعليه عمل الناس وأراد بقوله القرآن يعضده نحو قوله تعالى‏:‏ ‏
{إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} ‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}‏ الآية‏.‏
وحديث عمر بن معتب أخرجه أيضاً النسائي وابن ماجه وقد ذكر أبو الحسن المذكور بخير وصلاح ووثقه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان غير أن الراوي عنه عمر بن معتب وقد قال علي بن المديني‏:‏ إنه منكر الحديث وسئل عنه أيضاً فقال‏:‏ مجهول لم يرو عنه غير يحيى بن أبي كثير وقال النسائي‏:‏ ليس بالقوي وقال الأمير أبو نصر‏:‏ منكر الحديث وقال الذهبي‏:‏ لا يعرف‏.‏ ومعتب بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد المثناة الفوقية وكسرها وبعدها باء موحدة‏.‏
وقد استدل بحديث ابن عباس المذكور من قال إن طلاق امرأة العبد لا يصح إلا منه لا من سيده وروي عن ابن عباس أنه يقع طلاق السيد على عبده والحديث المروي من طريقه حجة عليه وابن لهيعة ليس بساقط الحديث فإنه إمام حافظ كبير ولهذا أورده الذهبي في تذكرة الحفاظ وقال أحمد بن حنبل من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه‏.‏ وقال أحمد بن صالح‏:‏ كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلاباً للعلم وقال يحيى بن القطان وجماعة‏:‏ إنه ضعيف‏.‏ وقال ابن معين‏:‏ ليس بذاك القوي وهذا جرح مجمل لا يقبل عند بعض أئمة الجرح والتعديل‏.‏ وقد قيل إن السبب في تضعيفه احتراق كتبه وأنه بعد ذلك حدث من حفظه فخلط وأن من حدث عنه قبل احتراق كتبه كابن المبارك وغيره حديثهم عنه قوي وبعضهم يصححه وهذا التفصيل هو الصواب وقال الذهبي‏:‏ إنها تؤدى أحاديثه في المتابعات ولا يحتج به‏.‏
وأما يحيى الحماني فقال في التذكرة‏:‏ وثقه يحيى بن معين وقال ابن عدي‏:‏ أرجو أنه لا بأس به‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ يكذب جهاراً ويسرق الأحاديث واستدل أيضاً بحديث ابن عباس الثاني أيضاً أن العبد يملك من الطلاق ثلاثاً كما يملك الحر وقال الشافعي‏:‏ إنه لا يملك من الطلاق إلا اثنتين حرة كانت زوجته أو أمة وقال أبو حنيفة والناصر‏:‏ إنه لا يملك في الأمة إلا اثنتين لا في الحرة فكالحر‏.‏
واستدلوا بحديث ابن مسعود الطلاق بالرجال والعدة بالنساء عند الدارقطني والبيهقي وأجيب بأنه موقوف‏.‏ قالوا أخرج الدارقطني والبيهقي أيضاً عن ابن عباس نحوه وأجيب بأنه موقوف أيضاً وكذلك روى نحوه أحمد من حديث علي وهو أيضاً موقوف قالوا

 

ج / 6 ص -140-       شرط عليه ذلك قبل العقد أو لم يشرط نوى ذلك أو لم ينوه‏.‏ قال أبو ثور وهو مأجور‏.‏ وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل هذا سواء‏.‏ وروى أيضا عن محمد وأبي يوسف عن أبي حنيفة أنه إذا نوى الثاني والمرأة التحليل للأول لم تحل له بذلك‏.‏ وروى الحسن بن زياد عن زفر وأبي حنيفة أنه إن شرط عليه في نفس العقد أنه إنما تزوجها ليحلها للأول فإنه نكاح صحيح ويبطل الشرط وله أن يقيم معها فهذه ثلاث روايات عن أبي حنيفة قالوا وقد قال اللّه تعالى: {‏فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}‏ وهذا زوج قد عقد بمهر وولى ورضاها وخلوها عن الموانع الشرعية وهو راغب في ردها إلى زوجها الأول فيدخل في حديث ابن عباس ‏‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال "لا إلا نكاح رغبة‏"‏ وهذا نكاح رغبة في تحليلها للمسلم كما أمر اللّه تعالى بقوله ‏{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}‏ والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما شرط في عودها إلى الأول مجرد ذوق العسيلة بينهما فالعسيلة حلت له بالنص‏.‏
وأما لعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم للمحلل فلا ريب أنه لم يرد كل محلل ومحلل له فإن الولي محلل لما كان حراما قبل العقد والحاكم المزوج محلل بهذا الاعتبار والبائع أمته محلل للمشتري وطأها فإن قلنا العام إذا خصص صار مجملا فلا احتجاج بالحديث وإن قلنا هو حجة فيما عدا التخصيص فذلك مشروط ببيان المراد منه ولسنا ندري المحلل المراد من هذا النص أهو الذي نوى التحليل أو شرطه قبل العقد أو شرطه في صلب العقد أو الذي أحل ما حرمه اللّه تعالى ورسوله ووجدنا كل من تزوج مطلقة ثلاثا فإنه محلل ولو لم يشترط التحليل أو لم ينوه فإن الحل حصل بوطئه وعقده ومعلوم قطعا أنه لم يدخل في النص فعلم أن النص إنما أراد به من أحل الحرام بفعله أو عقده وكل مسلم لا يشك في أنه أهل للعنة وأما من قصد الإحسان إلى أخيه المسلم ورغب في جمع شمله بزوجته ولم شعثه وشعث أولاده وعياله فهو محسن وما على المحسنين من سبيل فضلا عن أن يلحقهم لعنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا يخفاك أن هذا كله بمعزل عن الجواب بل هو من المجادلة بالباطل البحث ودفعه لا يخفى على عارف‏.‏

باب نكاح الشغار
1 - عن نافع عن ابن عمر ‏"‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على ان يزوّجه ابنته وليس بينهما صداق‏"‏‏.‏ رواه الجماعة لكن الترمذي لم يذكر تفسير الشغار وأبو داود جعله من كلام نافع وهو كذلك في رواية متفق عليه‏.‏
2 - وعن ابن عمر ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"لا شغار في الإسلام‏"‏‏.‏ رواه مسلم‏.‏
3 - وعن أبي هريرة قال ‏"‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الشغار والشغار أن يقول الرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي أو

 

ج / 6 ص -141-       زوجني أختك وأزوجك أختي‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم‏.‏
4 - وعن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ‏"‏أن العباس بن عبد اللّه بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته وقد كانا جعلاه صداقا فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينما وقال في كتابه هذا الشغار الذي نهى عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏
5 - وعن عمران بن حصين ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام ومن انتهب فليس منا‏"‏‏.‏ رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه‏.‏
حديث معاوية في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم اختلاف الأئمة في الأحتجاج بحديثه
ـ وفي الباب ـ عن أنس عند أحمد والترمذي وصححه والنسائي وعن جابر عند مسلم وأخرج البيهقي عن جابر أيضا نهى عن الشغار والشغار أن تنكح هذه بهذه بغير صداق بضع هذه صداق هذه وبضع هذه صداق هذه وأخرج عبد الرزاق عن أنس أيضا مرفوعا لا شغار في الاسلام والشغار أن يزوج الرجل الرجل أخته بأخته‏.‏ وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي ريحانة أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن المشاغرة والمشاغرة أن يقول زوج هذا من هذه وهذه من هذا بلا مهر‏.‏ وأخرج الطبراني عن أبيّ بن كعب مرفوعا ‏
"‏لا شغار قالوا يا رسول اللّه وما الشغار قال إنكاح المرأة بالمرأة لا صداق بينهما‏"‏ قال الحافظ وإسناده وإن كان ضعيفا لكنه يستأنس به في هذا المقام‏.‏ قوله ‏"‏الشغار‏"‏ بمعجمتين الأولى مكسورة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏والشغار ان يزوج‏"‏ الخ قال الشافعي لا أدري التفسير عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أو عن ابن عمر أو عن نافع أو عن مالك هكذا حكى عن الشافعي البيهقي في المعرفة قال الخطيب تفسير الشغار ليس من كلام النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وإنما هو من قول مالك وهكذا قال غير الخطيب قال القرطبي تفسير الشغار وصحيح موافق لما ذكره أهل اللغة فإن كان مرفوعا فهو المقصود وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضا لأنه أعلم بالمقال وأقعد بالحال‏.‏ وللشغار صورتان إحداهما المذكورة في الأحاديث وهي خلو بضع كل منهما من الصداق والثانية أن يشرط كل واحد من الوليين على الآخر أن يزوجه وليته فمن العلماء من اعتبر الأولى فقط فمنعها دون الثانية وليس المقتضي للبطلان عندهم مجرد ترك ذكر الصداق لأن النكاح يصح بدون تسميته بل المقتضى لذلك جعل البضع صداقا واختلفوا فيما إذا لم يصرح بذكر البضع فالأصح عندهم الصحة‏.‏ قال القفال العلة في البطلان التعليق والتوقيف وكأنه يقول لا ينعقد لك نكاح ابنتي حتى ينعقد لي نكاح ابنتك وقال الخطابي كان ابن أبي هريرة يشبهه برجل تزوج امرأة ويستثني عضوا منها وهذا مما لا خلاف في فساده‏.‏ قال الحافظ

 

ج / 6 ص -142-       وتقرير ذلك أنه يزوج وليته ويستثني بضعها حيث يجعله صداقا للأخرى وقال المؤيد باللّه وأبو طالب العلة كون البضع صار ملكا للأخرى‏.‏ قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز ولكن اختلفوا في صحته فالجمهور على البطلان‏.‏ وفي رواية عن مالك يفسخ قبل الدخول لا بعده وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وذهبت الحنفية إلى صحته ووجوب المهر وهو قول الزهري ومكحول والثوري والليث ورواية عن أحمد وإسحاق وأبي ثور هكذا في الفتح قال وهو قوي على مذهب الشافعي لاختلاف الجهة لكن قال الشافعي النساء محرمات إلا ما أحل اللّه أو ملك يمين فإذا ورد النهي عن نكاح تأكد التحريم انتهى‏.‏ وظاهر ما في الأحاديث من النهي والنفي إن الشغار حرام باطل وهو غير مختص بالبنات والأخوات قال النووي اجمعوا على ان غير البنات من الأخوات وبنات الأخ وغيرهن كالبنات في ذلك انتهى‏.‏ وتفسير الجلب والجنب قد تقدم في الزكاة‏.‏

باب الشروط في النكاح وما نهى عنه منها
1 - عن عقبة بن عامر قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"أحق الشروط أن يوفي به ما استحللتم به الفروج‏"‏‏.‏ رواه الجماعة‏.‏
2 - وعن أبي هريرة ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه أو يبيع على بيعه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفي ما في صحفتها أو إنائها فإنما رزقها على اللّه تعالى‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ وفي لفظ عليه ‏"‏نهى أن تشترط المرأة طلاق أختها‏"‏‏.‏
3 - وعن عبد اللّه بن عمرو ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"لا يحل أن تنكح امرأة بطلاق أخرى‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
قوله ‏"‏أحق الشروط أن يوفى به‏"‏ في رواية للبخاري
‏"‏أحق ما أوفيتم من الشروط‏"‏ وفي أخرى له ‏"‏أحق الشروط أن توفوا به‏"‏‏.‏ قوله ‏"‏ما استحللتم به الفروج‏"‏ أي أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح لان أمره أحوط وبابه أضيق‏.‏ قال الخطابي الشروط في النكاح مختلفة فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا وهو ما أمر اللّه به من أمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وعليه حمل بعضهم هذا الحديث ومنها ما لا يوفى به اتفاقا كسؤال المرأة طلاق أختها‏.‏ ومنها اختلف فيه كاشتراط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله وعند الشافعية الشروط في النكاح على ضربين منها ما يرجع إلى الصداق فيجب الوفاء به وما يكون خارجا عنه فيختلف الحكم فيه‏"‏‏.‏ قوله ‏"‏نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه‏"‏ قد تقدم الكلام على هذا في أول الكتاب النكاح‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏أو يبيع على بيعه‏"‏ قد تقدم الكلام عليه في كتاب البيع‏.‏ قوله ‏"‏ولا تسأل المرأة طلاق أختها‏"‏ ظاهر هذا التحريم وهو محمول على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوز ذلك لريبة

 

ج / 6 ص -143-       في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج ويكون ذلك على سبيل النصيحة المحضة أو لضرر يحصل لها من الزوج أو للزوج منها أو يكون سؤالها ذلك تفويضا وللزوج رغبة في ذلك فيكون كالخلع من الأجنبي إلى غير ذلك من المقاصد المختلفة‏.‏ وقال ابن حبيب حمل العلماء هذا النهي على الندب فلو فعل ذلك لم يفسخ النكاح وتعقبه ابن بطال بأن نفي الحل صريح في التحريم ولكن لا يلزم منه فسخ النكاح وإنما فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق الأخرى ولترض بما قسم اللّه لها والتصريح بنفي الحل وقع في رواية أحمد المذكورة في الباب ووقع أيضا في رواية للبخاري‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏لتكتفي‏"‏ بفتح التاء المثناة الأولى وسكون الكاف من كفأت الاناء إذا قلبته وأفرغت ما فيه‏.‏ وفي رواية للبخاري ‏"‏لتستفرغ ما في صحفتها‏"‏ وفي رواية له ‏"‏لتكفأ‏"‏ وأخرجه أبو نعيم في المستخرج بلفظ ‏"‏لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها لتكتفيء إناءها‏"‏ وأخرجه الإسماعيلي وقال ‏"‏لتكتفيء‏"‏ وكذا البيهقي وهو بفتح المثناة وسكون الكاف وبالهمزة‏.‏ وفي رواية للبخاري ‏"‏لتكفيء‏"‏ بضم المثناة من أكفأته بمعنى أملته والمراد بقوله ما في صحفتها ما يحصل لها من الزوج وكذلك معنى أوانائها‏.‏ قوله ‏"‏طلاق أختها‏"‏ قال الثوري معنى هذا الحديث نهى المرأة الأجنبية أن تسأل رجلا طلاق زوجته وأن يتزوجها هي فيصير لها من نفقته ومعونته ومعاشرته ما كان للمطلقة فعبر عن ذلك بقوله لتكتفيء ما في صفحتها والمراد بأختها غيرها سواء كانت أختها من النسب أو الرضاع أو الدين‏.‏ وحمل ابن عبد البر الأخت هنا على الضرة ومن الشروط التي هي من مقتضيات النكاح ومقاصده شرطها عليه العشرة بالمعروف والإنفاق والكسوة والسكنى وأن لا يقصر في شيء من حقها من قسمة ونحوها وشرطه عليها أن لا تخرج إلا بأذنه ولا تمنعه نفسها ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه‏.‏ وأما الشروط التي تنافي مقتضى العقد كأن تشترط عليه أن لا يقسم لضرتها أولا ينفق علياه أولا يتسرى أو يطلق من كانت تحته فلا يجب الوفاء بشيء من ذلك ويصح النكاح‏.‏ وفي قول للشافعي يبطل النكاح‏.‏وقال أحمد وجماعة يجب الوفاء بالشروط مطلقا وقد استشكل ابن دقيق العيد حمل الحديث على الشروط التي هي من مقتضيات النكاح‏.‏ وقال تلك الأمور لا تؤثر الشروط في ايجادها وسياق الحديث يقتضي الوفاء بها والشروط التي هي من مقتضى العقد مستوية في وجوب الوفاء بها
ـ واختلف ـ أهل العلم في اشتراط المرأة أن لا يخرجها زوجها من بلدها‏.‏ فحكى الترمذي عن أهل العلم من الصحابة قال ومنهم عمر أنه يلزم قال وبه يقول الشافعي وأحمد واسحاق‏.‏ وروى ابن وهب بإسناد جيد أن رجلا تزوج امرأة فشرط أن لا يخرجها من دارها فارتفعوا إلى عمر فوضع الشرط وقال المرأة مع زوجها قال أبو عبيدة تضادت الروايات عن عمر في هذا‏.‏ وحكى الترمذي عن علي أنه قال سبق شرط اللّه شرطها قال وهو قول الثوري وبعض أهل الكوفة قال أبو عبيدة وقد قال بقول عمر عمرو بن العاص ومن التابعين طاوس وأبو الشعثاء وهو قول الأوزاعي‏.‏
وقال الليث والثوري والجمهور بقول

 

ج / 6 ص -144-       علي حتى لو كان صداق مثلها مائة مثلا فرضيت بخمسين على أن لا يخرجها فله إخراجها ولا يلزمه إلا المسمى‏.‏ وقالت الحنفية لها أن ترجع عليه بما نقصت له من الصداق‏.‏ وقال الشافعي يصح النكاح ويلغو الشرط ويلزمه مهر المثل وعنه يصح وتستحق الكل كذا في الفتح قال أبو عبيدة والذي نأخذ به انا نأمره بالوفاء بشرطه من غير أن نحكم عليه بذلك‏.‏ قال وقد أجمعوا على أنها لو اشترطت عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك اشترط فكذلك هذا ومما يقوي حمل حديث عقبة على الندب حديث عائشة في قصة بريرة المتقدم بلفظ ‏"‏كل شرط ليس في كتاب اللّه فهو باطل‏"‏ وقد تقدم أيضا حديث ‏"‏المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا‏"‏ وأخرج الطبراني في الصغير بإسناد حسن عن جابر ‏"‏إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم خطب أم مبشر بنت البراء بن معرور فقالت إني شرطت لزوجي أن لا أتزوج بعده فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم "أن هذا لا يصلح‏"‏‏.‏

باب نكاح الزاني والزانية
1 - عن أبي هريرة قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏
2 - وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ‏"‏أن رجلا من المسلمين أستأذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في امرأة يقال لها أم مهزول كانت تسافح وتشترط له أن تنفق عليه قال فاستأذن نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أو ذكر له أمرها فقرأ عليه نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
{والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك}‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏"‏أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأساري بمكة وكان بمكة بغي يقال لها عناق وكانت وكانت صديقته قال فجئت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلت يا رسول اللّه أنكح عناقا قال فسكت عني فنزلت
{والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} فدعاني فقرأها عليّ وقال "لا تنكحها‏"‏‏.‏ رواه أبو داود والنسائي والترمذي‏.‏
حديث أبي هريرة قالا لحافظ في بلوغ المرام رجال ثقات‏.‏ وحديث عبد اللّه بن عمرو أخرجه أيضا الطبراني في الكبير والأوسط‏.‏ قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد ثقات وحديث عمرو بن شعيب حسنه الترمذي‏.‏
ـ وفي الباب ـ عن عمرو بن الأحوص ‏"‏أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال
"استوصوا في النساء خيرا فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع

 

ج / 6 ص -145-       واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا‏"‏ أخرجه ابن ماجه والترمذي وصححه‏.‏ وعن ابن عباس عند أبي داود والنسائي قال ‏"‏جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال غربها قال أخاف أن تتبعها نفسي قال فاستمتع بها‏.‏ قال المنذري ورجال إسناده يحتج بهم في الصحيحين‏.‏ وذكر الدارقطني أن الحسن بن واقد تفرد به عن عمارة ابن أبي حفصة وأن الفضل بن موسى السيناني بكسر المهملة ثم التحتية ثم نونين بينهما ألف تفرد به عن الحسن بن واقد وأخرجه النسائي من حديث عبد اللّه بن عبيد بن عمير عن ابن عباس وبوب عليه في سننه تزويج الزانية‏.‏ وقال هذا الحديث ليس بثابت وذكر أن المرسل فيه أولى بالصواب وقال الإمام أحمد يدلامس تعطي من ماله قلت فإن أبا عبيد يقول من الفجور قال ليس عندنا إلا أنها تعطى من ماله ولم يكن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ليأمره بإمساكها وهي تفجر‏.‏ وسئل عنه ابن الأعرابي فقال من الفجور‏.‏ وقال الخطابي معناه الزانية وأنها مطاوعة لمن أراد لا ترد يده‏.‏ وعن جابر عند البيهقي بنحو حديث ابن عباس‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏الزاني المجلود‏"‏ الخ هذا الوصف خرج مخرج الغالب باعتبار من ظهر منه الزنا وفيه دليل على أنه لا يحل للمرأة أن تتزوج من ظهر منه الزنا وكذلك لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا ويدل على ذلك الآية المذكورة في الكتاب لأن في آخرها
‏{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}‏ فإنه صرح في التحريم قال في نهاية المجتهد اختلفوا في قوله تعالى ‏{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ هل خرج مخرج الذم أو مخرج التحريم وهل الإشارة في قوله ذلك على الزنا أو إلى النكاح قال وإنما صار الجمهور إلى حمل الآية على الذم لا على التحريم لحديث ابن عباس الذي قدمناه‏.‏ وقد حكى في البحر عن علي وابن عباس وابن عمر وجابر وسعيد بن المسيب وعروة والزهري والعترة ومالك والشافعي وربيعة وأبي ثور أنها لا تحرم المرأة على من زنى بها لقوله تعالى ‏{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}‏ وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏"‏لا يحرم الحلال الحرام‏"‏ أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر‏.‏ وحكى عن الحسن البصري أنه يحرم على الرجل نكاح من زنى بها واستدل بالآية‏.‏ وحكاه أيضا عن قتادة وأحمد الا إذا تابا لارتفاع سبب التحريم وأجاب عنه في البحر بأنه أراد بالآية الزاني المشرك واستدل على ذلك بقوله تعالى ‏{أَوْ مُشْرِكَةً‏}‏ قال وهي تحرم على الفاسق المسلم بالإجماع‏.‏ وأراد أيضا الزانية المشركة بدليل قوله أو مشرك وهو يحرم على الفاسقة المسلمة بالإجماع‏.‏ ولا يخفى ما في هذا الجواب لأن حاصله أن المراد المشرك الزاني والمشركة الزانية وهذا تأويل يفضي إلى تعطيل فائدة الآية إذ منع النكاح مع المشرك والزنا حاصل بغير هذه الآية ويستلزم أيضا امتناع عطف المشرك والمشركة على الزاني والزانية إذ قد ألغى خصوصية الزنا وأيضا قد تقرر في الأصول إن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب‏.‏ قال ابن القيم وأما نكاح الزانية فقد صرح اللّه بتحريمه في سورة النور وأخبر أن من نكحها فهو زان أو مشرك فهو إما أن يلتزم حكمه تعالى ويعتقد وجوبه عليه أولا فإن لم يعتقد

 

ج / 6 ص -146-       فهو مشرك وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان ثم صرح بتحريمه فقال ‏{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}‏ وأما جعل الإشارة في قوله ‏{وَحُرِّمَ ذَلِكَ‏}‏ إلى الزنا فضعيف جدا إذ يصير معنى الآية الزاني لا يزني الا بزانية أو مشركة والزانية لا يزني بها الا زان أو مشرك وهذا مما ينبغي أن يصان عنه القرآن ولا يعارض ذلك حديث عمرو بن الأحوص‏.‏
وحديث ابن عباس المذكوران فإنهما في الأستمرار على نكاح الزوجة الزانية والآية وحديث أبي هريرة في ابتداء النكاح فيجوز للرجل أن يستمر على نكاح من زنت وهي تحته ويحرم عليه أن يتزوج بالزانية وأما ما ذكره المقبلي في المنار من أنه لا يصح أن يراد به لقوله لا ترد يد لامس الزنا بل عدم نفورها عن الريبة فقصر للفظ المحتمل على أحد المحتملات بغير دليل فالأولى أن ينزل ترك استفصاله صلى اللّه عليه وآله وسلم عن مراده بقوله لا ترد يدلامس منزلة العموم ولا ريب أن العرب تكنى بمثل هذه العبارة عن عدم العفة عن الزنا‏.‏ وأيضا حديث عمرو بن الأحوص من أعظم الأدلة الدالة على جواز إمساك الزانية لقوله فيه
‏{‏الا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن‏}‏ الخ فتفسير حديث لا ترد يدلامس بغير الزنا لا يأتي بفائدة باعتبار محل النزاع‏.‏ وقد حكى صاحب البحر عن الأكثر ان من زنت لم ينفسخ نكاحها‏.‏ وحكى أيضا عن المؤيد باللّه أنه يجب تطليقها ما لم تتب‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏إن مرثد‏"‏ بفتح الميم وسكون الراء وفتح المثلثة بعدها دال مهملة‏.‏ والغنوى بفتح الغين المعجمة وبعدها نون مفتوحة نسبة إلى غني بفتح الغين وكسر النون وهو غني بن يعصر وقال أعصر بن سعد بن قيس عيلان‏.‏ عناق بفتح العين المهملة وبعدها نون وبعد الألف قاف‏.‏ قال المنذري وللعلماء في الآية خمسة أقوال‏:‏ أحدها أنها منسوخة قاله سعيد بن المسيب وقال الشافعي في الآية القول فيها كما قال سعيد أنها منسوخة وقال غيره الناسخ ‏{وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ}‏ فدخلت الزانية في أيامي المسلمين وعلى هذا أكثر العلماء يقولون من زنى بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها والثاني أن النكاح ههنا الوطء والمراد أن الزاني لا يطاوعه على فعله ويشاركه في مراده إلا زانية مثله أو مشركة لا تحرم الزنا وتمام الفائدة في قوله سبحانه ‏{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}‏ يعني الذين امتثلوا الأوامر واجتنبوا النواهي‏.‏ الثالث أن الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة أو مشركة وكذلك الزانية‏.‏ الرابع أن هذا كان في نسوة كان الرجل يتزوج إحداهن على أن تنفق عليه مما كسبته من الزنا واحتج بأن الآية نزلت في ذلك‏.‏ الخامس أنه عام في تحريم نكاح الزانية على العفيف والعفيف على الزانية انتهى‏.‏

باب النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها
1 - عن أبي هريرة قال ‏"‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها‏"‏‏.‏ رواه الجماعة‏.‏ وفي رواية ‏"‏نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها‏"‏ رواه الجماعة إلا ابن ماجه والترمذي‏.‏ ولأحمد والبخاري والترمذي من حديث جابر مثل اللفظ الأول‏.‏

 

ج / 6 ص -147-       2 - وعن ابن عباس ‏"‏أنه جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها بعد طلقتين وخلع‏"‏‏.‏
3 - وعن رجل من أهل مصر ‏"‏كانت له صحبة يقال له جبلة أنه جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها‏"‏‏.‏ رواهما الدارقطني قال البخاري وجمع عبد اللّه بن جعفر بين ابنة علي وامرأة علي‏.‏
حديث أبي هريرة قال ابن عبد البر أكثر طرقه متواترة عنه وزعم قوم أنه تفرد به وليس كذلك‏.‏ وقال البيهقي عن الشافعي إن هذا الحديث لم يروى من وجه يثبته أهل الحديث إلا عن أبي هريرة وروى من وجوه لا يثبتها أهل العلم بالحديث‏.‏ قال البيهقي هوكما قال جاء من حديث علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعبد اللّه بن عمرو وأنس وأبي سعيد وعائشة وليس فيها شيء على شرط الصحيح وإنما اتفقا على إثبات حديث أبي هريرة‏.‏ وأخرج البخاري رواية عاصم عن الشعبي عن جابر وبين الأختلاف علي الشعبي فيه قال والحفاظ يرون رواية عاصم خطأ والصواب رواية ابن عون وداود بن أبي هند انتهى‏:‏ قال الحافظ وهذا الاختلاف لم يقدح عند البخاري لأن الشعبي أشهر بجابر منه بأبي هريرة وللحديث طريق أخرى عن جابر بشرط الصحيح أخرجها النسائي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر‏.‏ وقول من نقل عنهم البيهقي تضعيف حديث جابر معارض بتصحيح الترمذي وابن حبان وغيرهما له وكفي بتخريج البخاري له موصولا قوة‏.‏ قال ابن عبد البر كان بعض أهل الحديث يزعم أنه لم يرو هذا الحديث غير أبي هريرة يعني من وجه يصح وكأنه لم يصح حديث الشعبي عن جابر وصححه عن أبي هريرة والحديثان جميعا صحيحان‏.‏ قال الحافظ وأما من نقل البيهقي أنهم رووه من الصحابة غير هذين فقد ذكر مثل ذلك الترمذي بقوله وفي الباب لكن لم يذكر ابن مسعود ولا ابن عباس ولا أنسا وزاد بدلهم أبا موسى وأبا أمامة وسمرة قال ووقع لي أيضا من حديث أبي الدرداء ومن حديث عتاب بن أسيد ومن حديث سعد بن أبي وقاص ومن حديث زينب امرأة ابن مسعود‏.‏ قال وأحاديثهم موجودة عند ابن أبي شيبة وأحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه وأبي يعلى والبزار والطبراني وابن حبان وغيرهم ولو لا خشية التطويل لأوردها مفصلة قال لكن في لفظ حديث ابن عباس عند أبي داود أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين‏.‏ وفي رواية عند ابن حبان نهى أن تزوج المرأة على العمة والخالة وقال إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن انتهى‏.‏ وأخرج أبو داود في المراسيل عن عيسى بن طلحة قال ‏"‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة‏"‏ وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وأخرج الخلال من طريق إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافة الضغائن‏.‏
وأحاديث الباب تدل على تحريم الجمع بين من ذكر

 

ج / 6 ص -148-       في حديث أبي هريرة لأن ذلك هو معنى النهي حقيقة وقد حكاه الترمذي عن عامة أهل العلم وقال لا نعلم بينهم اخلافا في ذلك وكذلك حكاه الشافعي عن جميع المفتين وقال لا اختلاف بينهم في ذلك وقال ابن المنذر لست أعلم في منع ذلك اختلافا اليوم وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج وهكذا حكى الإجماع القرطبي استثنى الخوارج‏.‏ قال ولا يعتد بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين وهكذا نقل الإجماع ابن عبد البر ولم يستثن‏.‏
ونقله أيضا ابن حزم واستثنى عثمان البتي‏.‏ ونقله أيضا النووي واستثنى طائفة من الخوارج والشيعة‏.‏ ونقله ابن دقيق العيد عن جمهور العلماء ولم يعين المخالف وحكاه صاحب البحر عن الأكثر وحكى الخلاف عن البتي وبعض الخوارج والروافض واحتجوا بقوله تعالى ‏
{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}‏ وحملوا النهي المذكور في الباب على الكراهة فقط وجعلوا القرينة ما في حديث ابن عباس من التعليل بلفظ ‏"‏فإنكن إذا فتلتن ذلك قطعتن أرحامكن‏"‏ وقد رواه ابن حبان هكذا بلفظ الخطاب للنساء‏.‏ وفي رواية ابن عدي بلفظ الخطاب للرجال‏.‏ والمراد بذلك أنه إذا جمع الرجل بينهما صارا من نسائه كارحامه فيقطع بينهما بما ينشأ بين الضرائر من التشاحن فنسب القطع إلى الرجل لأنه السبب وأضيفت إليه الرحم لذلك‏.‏ وحديث ابن عباس هذا المصرح بالعلة في إسناده أبو حريز بالحاء المهملة ثم الزاي اسمه عبد اللّه بن حسين وقد ضعفه جماعة ولكنه قد علق له البخاري ووثقه ابن معين وأبو زرعة قال في التلخيص فهو حسن الحديث ويقويه المرسل الذي ذكرنا قالوا ولا شك إن مجرد مخافة القطيعة لا يستلزم حرمة النكاح والالزم حرمة الجمع بين بنات عمين وخالين لوجود علة النهي في ذلك ولا سيم مع التصريح بذلك كما في مرسل عيسى بن طلحة فإنه يعم جميع القرابات وأجيب بأن قطيعة الرحم من الكبائر بالأتفاق فما كان مفضيا إليها من الأسباب يكون محرما وأما الإلزام بتحريم الجمع بين سائر القرابات فيرده الإجماع على خلافه فهو مخصص لعموم العلة أو لقياسها وأما قوله تعالى ‏{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}‏ فعموم مخصص بأحاديث الباب‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏وجمع عبد اللّه بن جعفر‏"‏ هذا وصله البغوي في الجعديان وسعيد بن منصور من وجه آخر وبنت علي هي زينب وامرأته هي ليلى بنت مسعود النهتلية وفي رواية سعيد بن منصور أن بنت علي هي أم كلثوم بنت فاطمة ولا تعارض بين الروايتين في زينب وأم كلثوم لأنه تزوجهما عبد اللّه بن جعفر واحدة بعد أخرى مع بقاء ليلى في عصمته وقد وقع مبينا عند ابن سعد وحكى البخاري عن ابن سيرين أنه قال لا بأس به يعني الجمع بين زوجة الرجل وبنته من غيرها ووصله سعيد بن منصور بسند صحيح والأثر عن الرجل الذي من أهل مصر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة مطولا من طريق أيوب عن عكرمة بن خالد أن عبد اللّه بن صفوان تزوج امرأة رجل من ثقيف وابنته أي من غيرها‏.‏ قال أيوب فسئل عن ذلك ابن سيرين فلم ير به بأسا وقال نبئت أن رجلا كان نمصر اسمه جبلة جمع بين امرأة رجل وبنته من غيرها‏.‏ وروى البخاري عن الحسن البصري أنه كرهه مرة ثم قال لابأس به ووصله الدارقطني وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة أنه كرهه‏.‏ وعن

 

ج / 6 ص -149-       سليمان بن يسار ومجاهد والشعبي أنهم قالوا لا بأس به واعتبرت الهادوية في الجمع المحرم أن يكون بين من لو كان أحدهما ذكرا حرم على الآخر من الطرفين وزوجة الرجل وابنته من غيرها التحريم إنما هو طرف واحد لانا لو فرضنا فإنه أجنبي عن البنت ضرورة فتحل له وحكى البخاري عن الحسن بن الحسن بن علي أنه جمع بين ابنتي عمر قال وكره جابر بن زيد القطيعة وليس فيه تحريم لقوله ‏{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}‏ وحكى في الفتح عن ابن المنذر أنه قال لا أعلم أحدا أبطل هذا النكاح قال وكان يلزم من يقول بدخول القياس في مصل هذا أن يحرمه‏.‏

باب العدد المباح للحر والعبد وما خص به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في ذلك
1 - عن قيس بن الحرث قال ‏"‏أسلمت وعندي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكرت ذلكك له فقال
اختر منهن أربعا‏"‏‏.‏ رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏
2 - وعن عمر بن الخطاب قال ‏"‏ينكح العبد أمرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين‏"‏‏.‏ رواه الداقطني‏.‏
3 - وعن قتادة عن أنس ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة‏"‏‏.‏ وفي رواية ‏"‏كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة قلت لأنس وكان يطيقه قال كنا نتحده أنه أعطي قوة ثلاثين‏"‏‏.‏ رواهما أحمد والبخاري‏.‏
حديث قيس بن الحرث وفي رواية الحرث بن قيس في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد ضعفه غير واحد من الأئمة‏.‏ وقال أبو اقاسم البغوي ولا أعلم للحرث بن قيس حديثاغير هذا‏.‏ وقال أبو عمر النمري ليس له إلا حديث واحد ولم يأت من وجه صحيح‏.‏ وفي معنى هذا الحديث غيلان الثقفي لما أسلم وتحته عشر نسوة وسيأتي في باب من أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع ويأتي الكلام عليه هنالك وفي الباب عن نوفل بن معاوية عند الشافعي أنه أسلم وتحته خمس نسوة فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمسك أربعا وفارق الأخرى‏.‏ وفي إسناده رجل مجهول لان الشافعي قال حدثنا بعض أصحابنا عن أبي الزناد عن عبد المجيد بن سهل عن عوف بن الحرث عن نوفل بن معاوية قال أسلمت فذكره‏.‏ وفي الباب أيضا عن عروة بن مسعود وصفوان بن أمية عند البيهقي وأثر عمر يقويه مارواه البيهقي وابن أبي شيبة من طريق الحكم بن عتيبه أنه أجمع الصحابة على أنه لا ينكح العبد أكثر من أثنتين‏.‏ وقال الشافعي بعد أن روى عن علي وعمر وعبد الرحمن بن عوف أنه لا يعرف لهم من الصحابة مخالف وأخرجه ابن أبي شيبة عن جماهير

 

ج / 6 ص -150-       التابعين عطاء والشعبي والحسن وغيرهم‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏اختر منهن أربعا‏"‏ استدل به الجمهور على تحريم الزيادة على أربع‏.‏ وذهبت الظاهرية إلى أنه يحل للرجل أن يتزوج تسعا وحكى ذلك عن ابن الصباغ والعمراني وبعض الشيعة وحكى أيضا عن القاسم بن إبراهيم وأنكر الإمام يحيى الحكاية عنه وحكام صاحب البحر عن الظاهرية وقوم مجاهيل وأجابوا عن حديث غيلان الثقفي بما سيأتي فيه من المقال وكذلك أجابوا عن حديث نوفل بن معاوية بما قدمنا من كون في إسناده مجهول قالوا ومثل هذا الأصل العظيم لا يكتفي فيه بمثل ذلك وولا سيما وقد ثبت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم جمع بين تسع أو إحدى عشرة‏.‏ وقد قال تعالى ‏{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}‏ وأما دعوى اختصاصه بالزيادة على الأربع فهو محل النزاع ولم يقم عليه دليل وأما قوله تعالى ‏{مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}‏ قالوا وفيه للجمع لا للتخيير وأيضا لفظ مثنى معدول به عن اثنين اثنين وهو يدل على تناول ما كان متصفا من الأعداد بصفة الاثنينية وإن كان في غاية الكثرة البالغة إلى ما فوق الألوف فإنك تقول جاءني القوم مثنى أي اثنين اثنين وهكذا ثلاث ورباع وهذا معلوم في لغة العرب لا يشك فيه أحد فالآية المذكورة تدل بأصل الوضع على أنه يجوز للإنسان أن يتزوج من النساء اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا وليس من شرط ذلك أن لا تأتي الطائفة الأخرى من العدد إلا بعد مفارقته للطائفة التي قبلها فإنه لا شك أنه يصح لغة وعرفا أن يقول الرجل لألف رجل عنده وجاءني هؤلاء اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة‏.‏ فحينئذ الآية تدل على إباحة الزواج بعدد من النساء‏.‏ كثير سواء كانت الواو للجمه أو للتخيير لأن خطاب الجماعة بحكم من الأحكام بمنزلة الخطاب به لكل واحد منهم فكأن اللّه سبحانه قال لكل فرد من الناس انكح ما طاب لك من النساء مثنى وثلاث ورباع ومع هذا فالبراءة الأصلية مستصحبة وهي بمجردها كافية في الحل حتى يوجد ناقل صحيح ينقل عنها‏.‏ وقد يجاب بأن مجموع الأحاديث المذكورة في الباب لا يقتصر عن رتبة الحسن لغيره فتنتهض بمجموعها للاحتجاج وإ، كان كل واحد منها لا يخلو عن مقال‏.‏ ويؤيد ذلك كون الأصل في الفروج الحرمة كما صرح به الخطابي فلا يجوز الإقدام على شيء منها إلا بدليل وأيضا هذا الخلاف مسبوق بالإجماع على عدم جواز الزيادة على الأربع كما صرح بذلك في البحر وقال في الفتح اتفق العلماء على أن من خصائصه صلى اللّه عليه وآله وسلم الزيادة على أربع نسوة يجمه بينهن‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏ينكح العبد امرأتين‏"‏ قد تمسك بهذا من قال أنه لا يجوز للعبد أن يتزوج فوق اثنتين وهو مروي عن علي وزيد بن علي والناصر والحنفية والشافعية‏.‏
ولا يخفى أن قول الصحابي لا يكون حجة على من لم يقل بحجيته نعم لو صح إجماع الصحابة على ذلك كما أسلفنا لكان دليلا عند القائلين بحجية الإجماع‏.‏ ولكنه قد روى عن أبي الدرداء ومجاهد وربيعة وأبي ثور والقاسم بن محمد وسالم والقاسمية أنه يجوز له أن ينكح أربعا كالحر حكى ذلك عنهم صاحب البحر فالأولى الجزم بدخوله تحت قوله تعالى
‏{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ  مِنَ النِّسَاءِ}

 

ج / 6 ص -151-       والحكم له وعليه بما للأحرار وعليهم إلا أن يقوم دليل يقتضي المخالفة كما في المواضع المعروفة بالتخالف بين حكميهما‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏ويطلق تطليقتين‏"‏ سيأتي الكلام على هذا في باب ما جاء في طلاق العبد وكذلك يأتي الكلام على عدة الأمة‏.‏ قوله ‏"‏تسع نسوة هن‏"‏ عائشة وسودة وحفصة وأم سلمة وزينب بنت جحش وصفية وجويرية وأم حبيبة وميمونة هؤلاء الزوجات اللاتي مات عنهن واختلف في ريحانة هل كانت زوجة أو سرية وهل ماتت في حياته أو بعده ودخل أيضا بخديجة ولم بتزوج عليها حتى ماتت وبزينب أم المساكين وماتت في حياته قبل أن يتزوج صفية ومن بعدها قال الحافظ في التلخيص‏.‏ وأما حديث أنس أنه تزوج خمس عشرة امرأة ودخل منهمن بإحدى عشرة ومات عن تسعة فقد قواه الضياء في المختارة‏.‏ قال وأما من عقد عليها ولم يدخل بها أو خطبها ولم يعقد عليها فضبطنا منهن نحوا من ثلاثين امرأة وقد حررت ذلك في كتابي في الصحابة‏.‏ وقد ذكر الحافظ في الفتح والتلخيص الحكمة في تكثير نسائه صلى اللّه عليه وآله وسلم فليراجع ذلك‏.

باب العبد يتزوج بغير إذن سيده
1 - عن جابر قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن‏.‏
الحديث أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وأخرجه أيضا ابن ماجه من حديث ابن عمر‏.‏ قال الترمذي لا يصح إنما هو عن جابر وأخرجه أيضا أبو داود من حديث العمري عن نافع عن ابن عمر بلفظ
‏"‏فنكاحه باطل‏"‏ وتعقبه بالتضعيف وبتصويب وقفه ورواه ابن ماجه من حديث ابن عمر وفي إسناده مندل بن علي وهو ضعيف وقال أحمد بن حنبل هذا حديث منكر وصوب الدارقطني وقفه على ابن عمر وأخرجه ايضا عبد الرزاق عن ابن عمر موقوفا‏.‏ وقد استدل بحديث جابر من قال أن نكاح العبد لا يصح إلا بإذن سيده وذلك للحكم عليه بأنه عاهر والعاهر الزاني والزنا باطل وقال الإمام ييى أراد أنه كالعاهر وليس بزان حقيقة لاستناده إلى عقد قال في البحر قلت بل زان إن علم بالتحريم فيحد ولا مهر وقال داود أن نكاح العبد بغير أذن مولاه صحيح لأن النكاح عنده فرض عين وفروض الأعيان لا تحتاج إلى أذن وهو قياس في مقابلة النص واختلفوا هل ينفذ بالإجازة من السيد أم لا فذهبت العترة والحنفية إلى أن عقد العبد بغير أذن مولاه موقوف ينفذ بالإجازة‏.‏ وقال الناصر والشافعي أنه لا ينفذ بالإجازة بل هو باطل والإجازة لا تلحق العقود الباطلة‏.‏ وقال مالك أن العقد نافذ وللسيد فسخه ورد بأنه لا وجه لنفوذه مع قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم باطل كما وقع في رواية من حديث جابر قالت العترة والشافعي ولا يحتاج في طلانه إلى فسخ وخالف في ذلك مالك

 

ج / 6 ص -152-       باب الخيار للأمة إذا عتقت تحت عبد
1 - عن القاسم عن عائشة ‏"‏أن بريرة كانت تحت عبد فلما أعتقها قال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
اختاري فإن شئت أن تمكثي تحت هذا العبد وإن شئت أن تفارقيه‏"‏‏.‏ رواه أحمد والدارقطني‏.‏
2 - عن القاسم عن عائشة ‏"‏أن بريرة خبرها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان زوجها عبداً‏"‏‏.‏ رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة‏.‏
3 - وعن عروة عن عائشة ‏"‏أن بريرة أعتقت وهي عند مغيث عبد لآل أبي أحمد فخيرها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقال
إن قربك فلا خيار عليك‏"‏‏.‏ رواه أبو داود وهو دليل على أن الخيار على التراخي ما لم تطأ‏.‏
5 - وعن ابن عباس قال ‏"‏كان زوج بريرة عبداً أسود يقال له مغيث عبداً لبني فلان كأني أنظر إليه يطوف وراءها في سكك المدينة‏"‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏ وفي لفظ ‏"‏أن زوج بريرة كان عبداً أسود لبني مغيرة يوم أعتقت بريرة واللّه لكأني به في المدينة ونواحيها وإن دموعه لتسيل على لحيته يترضاها لتختاره فلم تفعل‏"‏ رواه الترمذي وصححه وهو صريح ببقاء عبوديته يوم العتق‏.‏
6 - وعن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت ‏"‏كان زوج بريرة حراً فلما أعتقت خيرها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فاختارت نفسها‏"‏‏.‏ رواه الخمسة‏.‏ قال البخاري قول الأسود منقطع ثم عائشة عمة القاسم وخالت عروة فروايتهما عنها أولى من رواية أجنبي يسمع من وراء الحجاب‏.‏ رواية أنه كان عبداً ثابتة أيضاً عن طريق ابن عمر عن الدارقطني والبيهقي كان زوج بريرة وفي اسناده ابن أبي ليلى وهو ضعيف ومن طريق صفية بنت أبى عبيد عند النسائي والبيهقي باسناد صحيح‏.‏ وروى ابن سعد في الطبقات عن عبد الوهاب عن داود بن عطاء عن أبي هند عن عامر الشعبي ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لبريرة لما عتقت
قد عتق بضعك فاختاري‏"‏ ووصل هذا المرسل الدارقطني من طريق ابان بن صالح عن هشام عن أبيه وهذه رواية مطلقة

 

ج / 6 ص -153-       ليس فيها ذكر أنه كان عبداً أو حراً‏.‏ وروى شعبة عن عبد الرحمن أنه قال ما أدرى احرام عبد وهذا شك وهو غير قادح في روايات الجزم وكذلك الرواية المطلقة تحمل على الروايات المقيدة‏.‏
ـ والحاصل ـ أنه قد ثبت من طريق ابن عباس وابن عمر وصفية بنت أبي عبيد أنه كان عبد ولم يرو عنهم ما يخالف ذلك وثبت عن عائشة من طريق القاسم وعروة أنه كان عبدا ومن طريق الأسود أنه كان حرا ورواية اثنين أرجح من رواية واحد على فرض صحة الجمع فكيف إذا كانت رواية الواحد معلولة بالإنقطاع كما قال البخاري‏.‏ وروى عن البخاري أيضا أنه قال هي من قول الحكم وقول ابن عباس أنه كان عبدا أصح‏.‏ وقال البيهقي روينا عن القاسم ابن أخيها وعن عروة ومجاهد وعمرة كلهم عن عائشة أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لها أن شئت أن تثوي تحت العبد‏.‏ قال المنذري وروى عن الأسود أنه كان عبدا فاختلف عليهمع أن بعضهم يقول أن لفظ أنه كان حرا من قول إبراهيم وإذا تعارضت الرواية عن الأسود فتطرح ويرجع إلى رواية لجماعة عن عائشة على أنا لو فرضنا أن الروايات عن عائشة متعارضة ليس لبعضها مرجح على بعض كان الرجوع إلى رواية غيرها بعد اطراح روايتها وقد روى غيرها أنه كان عبدا على طريق الجزم فلم يبق حينئذ شك في رجحان عبوديته وقال أحمد بن حنبل إنما يصح أنه كان حرا عن الأسود وحده وما جاء عن غيره فليس بذاك وصح عن ابن عباس وغيره أنه كان عبدا ورواه علماء المدينة وإذا روى علماء المدينة شيئا وعملوا به فهو أصح وقال الدارقطني قال عمران بن جرير عن عكرمة عن عائشة كان حرا وهو وهم في شيئين في قوله كان حرا وفي قوله عن عائشة وإنما هو من رواية عكرمة عن ابن عباس ولم يختلف على ابن عباس أنه كان عبدا وكذا جزم الترمذي عن ابن عمر‏:‏ وقال ابن القيم في الهدى إن حديث عائشة رواه ثلاثة‏:‏ الأسود وعروة والقاسم‏.‏ فأما الأسود فلم يختلف عنه أنه كان حرا‏.‏ وأما عروة فعنه روايتان صحيحتان متعارضتان إحداهما أنه كان حرا والثانية أنه كان عبدا‏.‏ وأما عبد الرحمن بن القاسم فعنه روايتان صحيحتان إحداهما أنه كان حرا والثانية الشك انتهى‏.‏ وقد عرفت مما سلف ما يخالف هذا وعلى فرض صحته فغاية الأمر أن الروايات عن عائشة متعارضة فيرجع إلى رواية غيرها وقد عرفت أنها عرفت أنهات متفقة على الجزم بكونه عبدا‏.‏ وقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان الزوج حرا هل يثبت للزوجة الخيار أم لا فذهب الجمهور إلى أنه لا يثبت وجعلوا العلة في الفسخ عدم الكفاءة لأن المرأة إذا صارت حرة وكان زوجها عبدا لم يكفؤا لها ويؤيد هذا قول عائشة في حديث الباب ولوكان حرا لم يخيرها ولكنه قد تعقب ذلك بأن هذه الزيادة مدرجة من قول عروة كما صرح بذلك النسائي في سننه وبينه أيضا أبو داود في رواية مالك ولو سلم أنه من قولها فهو اجتهاد وليس بحجة‏.‏ وذهبت العترة والشعبي والنخعي والثوري والحنفية إلى أنه يثبت الخيار ولو كان الزوج حرا وتمسكوا أولا بتلك الرواية التي فيها أنه كان زوج بريرة حرا وقد عرفت عدم صلاحية ذلك للتمسك به ومما يصلح للتمسك به ما وقع في بعض روايات حديث بريرة ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لها
ملكت نفسك فاختارى‏"‏ فإن ظهر هذا مشعر

 

ج / 6 ص -154-       بأن السبب في التخيير هو ملكها لنفسها وذلك مما يستوي فيه الحر والعبد‏.‏ وقد أجيب عن ذلك بأنه يحتمل أن المراد من ذلك أنها استقلت بأمر النظر في مصالحها من غير إجبار عليها من سيدها كما كانت من قبل يحبرها سيدها على الزوج‏.‏
ومن جملة ما يصلح للاحتجاج به على عدم الفسخ إذا كان الزوج حراما في سنن النسائي ‏"‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"أيما أمة كانت تحت عبد فعتقت فهي بالخيار مالم يطأها زوجها‏"‏ وفي إسناده حسين بن عمرو بن أمية الضمري وهو مجهول وأخرج النسائي أيضا عن القاسم بن محمد قال ‏"‏كان لعائشة غلام وجارية قالت فأردت أن أعتقها فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال أبدئي بالغلام قبل الجارية‏"‏ قالوا ولم يكن التخيير ممتنعا إذا كان الزوج حرا لم يكن للبداءة بعتق الغلام فائدة فإذا بدأت به عتقت تحت حر فلا يكون لها اختيار وفي إسناد هذا الحديث عبد اللّه بن عبد الرحمن وهو ضعيف‏.‏ قال العقيلي لا يعرف الا به قال ابن حزم لا يصح هذا الحديث ولو صح لم يكن فيه حجة لأنه ليس فيه إنهما كانا زوجين ولو كانا زوجين يحتمل أن تكون البدائة بالرجل لفضل عتقه على الأنثى كما في الحديث الصحيح‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏وهي عند مغيث‏"‏ بضم الميم وكسر المعجمة ثم تحتية ساكنة ثم مثلثة‏.‏ ووقع عند العسكري بفتح المهملة وتشديد التحتية وآخره باء موحدة وجزم ابن ماكولا وغيره بالأول ووقع عند المستغفري في الصحابة ان اسمه مقسم‏.‏ قال الحافظ وما أظنه الا تصحيفا‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏ان قربك فلا خيار لك‏"‏ فيه دليل على ان خيار من عتقت على التراخي وأنه يبطل إذا مكنت الزوج من نفسها وإلى ذلك ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد والهادوية وهو قول للشافعي وله قول آخر أنه على الفور‏.‏ وفي رواية عنه أنه إلى ثلاثة أيام‏.‏ وقيل بقيامها من مجلس الحاكم وقيل من مجلسها وهذان القولان للحنفية والقول الأول هو الظاهر لإطلاق التخيير لها إلى غاية هي تمكينها من نفسها‏.‏ ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بلفظ ‏"‏إذا عتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها أن تشأ فارقته وان وطئها فلا خيار لها ولا تستطيع فراقه‏"‏ وفي رواية للدارقطني ‏"‏ان وطئك فلا خيار لك‏"‏‏.‏

باب من أعتق أمة ثم تزوجها
1 - عن أبي موسى قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران وأيما رجل مملوك أدى حق مواليه وحق ربه فله أجران‏"‏‏.‏ رواه الجماعة الا أبا داود فإنما له منه ‏"‏من أعتق أمته ثم تزوجها كان له أجران‏"‏ ولأحمد قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم "إذا أعتق الرجل أمته ثم تزوجها بمهر جديد كان له أجران‏"‏‏.‏

 

ج / 6 ص -155-       2 - وعن أنس ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعتق صفية وتزوجها فقال له ثابت ما أصدقها قال نفسها أعتقها وتزوجها‏"‏‏.‏ رواه الجماعة إلا الترمذي وأبا داود وفي لفظ ‏"‏أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها‏"‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏ وفي لفظ ‏"‏أعتق صفية ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها‏"‏ رواه الدارقطني‏.‏ وفي لفظ ‏"‏أعتق صفية وجعل عتقها صداقها‏"‏ رواه أحمد والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه‏.‏ وفي رواية ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اصطفى صفية بنت يحيى فأتخذها لنفسه وخيرها أن يعتقها وتكونه زوجته أو يلحقها بأهلها فأختارت أن يعتقها وتكون زوجته‏"‏ رواه أحمد وهو دليل على أن من مجرى عليه ملك المسلمين من السبي يجوز رده إلى الكفار إذا كان على دينه‏.‏
حديث أبي موسى فيه دليل على مشروعية تعليم الإماء وإحسان تأديبهن ثم اعتاقهن والتزوج بهن وأن ذلك مما يستحق به فاعله أجرين كما أن من آمن من أهل الكتاب يستحق أجرين بإيمانه بالنبي الذي كان على دينه وأجرا بإيمانه بنبينا صلى اللّه عليه وآله وسلم وكذلك المملوك الذي يؤدي حق اللّه وحق مواليه يستحق أجرين وليس في هذا الحديث ما يدل على أنه يصح أن يجعل العتق صداق المعتقة ولكن الذي يدل على ذلك حديث أنس المذكور لقوله فيه ‏"‏ما أصدقها قال نفسها‏"‏ وكذلك سائر الألفاظ المذكورة في بقية الروايات‏.‏ وقد أخذ بظاهر ذلك من القدماء سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وطاوس والزهري ومن فقهاء الأمصار الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحاق‏.‏ وحكاه في البحر عن العترة والأوزاعي والشافعي والحسن بن صالح فقالوا إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق والمهر‏.‏ وذهب من عدا هؤلاء إلى أنهم لا يصح أن يكون العتق مهرا لم يحك هذا القول في البحر إلا عن مالك وابن شبرمة‏.‏ وحكى في موضع آخر عن أبي حنيفة ومحمد أنها تستحق مهر النمثل لأنها قد صارت حرة فلا يستباح وطؤها إلا بالمهر‏.‏ وحكى بعضهم عدم صحة جعل العتق مهرا عن الجمهور وأجابوا عن ظاهر الحديث بأجوبة ذكرها في الفتح الباري‏.‏ منها أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجب له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوجها ولكنه لا يخفى أن ظاهر الروايات أنه جعل المهر نفس العتق لا قيمة المعتقة‏.‏ ومنها أنه جعل نفس العتق مهرا ولكنه من خصائصه ويجاب عنه بأن دعوى الاختصاص تفتقر إلى دليل‏.‏ ومنها أن معنى قوله أعتقها وتزوجها أنه أعتقها ثم تزوجها ولم يعلم أنه ساق لها صداقا فقال أصدقها نفسها أي لم يصدقها شيئا فيما أعلم ولم ينف الصداق ويجاب بأنه يبعد أن يأتي الصحابي الجليل بمثل هذه العبارة في مقام التبليغ ويكون مريدا لما ذكرتم فإن هذا لو صح لكان من باب الألغاز والتعمية وقد أيدوا هذا التأويل البعيد بما أخرجه البيهقي من حديث أميمة بنت زريبة عن أمها أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعتق صفية وخطبها

 

ج / 6 ص -156-       وتزوجها وأمهرها رزينة وكان أتى بها سبية من بني قريظة والنظير‏.‏ قال الحافظ وهذا لا يقوم به حجة لضعف اسناده ويعارضه ما أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها قالت ‏"‏أعتقني النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وجعل عتقي صداقي‏"‏ قال الحافظ وهذا موافق لحديث أنس وفيه رد على من قال أن أنسا قال ذلك بناء على ما ظنه‏.‏ ومنها أنه يحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها بغير مهر فلزمها الوفاء بذلك ويكون خاصا به صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا يخفى أن هذا تعسف لا مجئ إليه‏.‏ ومنها ما قاله ابن صلاح من أن العتق حل محل المهر وليس بمهر قال وهذا كقولهم ‏"‏الجوع زاد من لا زاد له‏"‏ وجعل هذا أقرب الوجوه إلى لفظ الحديث وتبعه النووي والحامل لمن خالف الحديث على هذه التآويل ظن مخالفته للقياس قالوا لأن العقد إما أن يقع قبل عتقها وهو محال لتناقض حكم الحرية والرق أو بعده وذلك غير لازم لها وأجيب بأن العقد يكون بعد العتق فإذا وقع منها الامتناع لزمتها السعاية بقيمتها ولا محذور في ذلك بالجملة فالدليل قد ورد بهذا ومجرد الاستبعاد لا يصلح لابطال ما صح من الأدلة والأقيسة مطرحة في مقابلة النصوص الصحيحة فليس بيد المانع برهان‏.‏ ويؤيد الجواز ما أخرجه الطحاوي عن ابن عمران أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جعل عتق جويرية بنت الحرث المصطلقية صداقها وأخرج نحوه أبو داود من طريق عائشة وقد نسب القول بالجواز ابن القيم في الهدى إلى علي بن أبي طالب وأنس بن مالك والحسن البصري وأبي سلمة قال وهو صحيح والموافق للسنة وأقوال الصحابة والقياس وأطال البحث في المقام بما لا يزيد عليه فليرجع‏.‏

باب ما يذكر في رد المنكوحة بالعيب
1 - عن جميل بن زيد قال حدثني شيخ من الأنصار ذكر أنه كانت له صحبة يقال له كعب بن زيد أو زيد بن كعب ‏"‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم تزوج امرأة من بني غفار فلما دخل عليها فوضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر  بكشحها بياضا فانحاز عن الفراش ثم قال
خذي عليك ثيابك ولم يأخذ مما آتاها شيئا‏"‏‏.‏ رواه أحمد ورواه سعيد في سننه‏.‏ وقال زيد بن كعب بن عجرة ولم يشك‏.‏
2 - وعن عمر ‏"‏أنه قال أيما امرأة غرّ بها رجل بها جنون أو جزام أو برص فلها مهرها بما أصاب منها وصداق الرجل على غره‏"‏‏.‏ رواه مالك في الموطأ والدارقطني‏.‏ وفي لفظ ‏"‏قضى عمر في البرصاء والجذماء والمجنونة إذا دخل بها فرق بينهما والصداق لها بمسيسه إياها وهو له على وليها‏"‏‏.‏ رواه الدارقطني‏.

 

ج / 6 ص -157-       حديث كعب بن زيد أو زيد بن كعب قد اختلف فيه فقيل هكذا وقيل إنه من حديث كعب بن عجرة وقيل من حديث ابن عمر وقد أخرجه أيضا من حديث كعب بن زيد أو زيد بن كعب والبيهقي ومن حديث كعب بن عجرة الحاكم في المستدرك‏.‏ ومن حديث ابن عمر أبو نعيم في الطب والبيهقي‏.‏ وجميل بن زيد المذكور هو ضعف وقد اضطرب في هذا الحديث‏.‏ وأثر عمر أخرجه أيضا سعيد ابن منصور عن هشيم عن يحيى بن سعيدعن ابن المسيب عنه ورواه الشافعي من طريق مالك وابن أبي شيبة عن أبي ادريس عن يحيى قال الحافظ في بلوغ المرام ورجاله ثقات‏.‏
ـ وفي الباب ـ عن علي أخرجه سعيد بن منصور‏.‏ قوله ‏"‏امرأة من بني غفار‏"‏ قيل اسمها الغالية وقيل أسماء بنت النعمان قاله الحاكم يعني الجونية وقال الحافظ الحق أ،ها غيرها‏.‏
ـ وقد استدل ـ بحديثي الباب على أن البرص والجنون والجذام عيوب يفسخ بها النكاح ولكن حديث كعب ليس بصريح في الفسخ لأن قوله ‏
"‏خذي عليك ثيابك‏"‏ وفي رواية ‏"‏الحقي بأهلك‏"‏ يمكن أن يكون كناية طلاق‏:‏ وقد ذهب جمهور أهل العلم من الصحابة فمن بعجهم إلى أنه يفسخ النكاح بالعيوب وأن اختلفوا في تفاصيل ذلك وفي تعيين العيوب التي يفسخ بها النكاح‏.‏ وقد روى عن علي وعمر وابن عباس أنها لا ترد النساء إلا بأربعة عيوب الجنون والجزام والبرص والدار في الفرج وخالف الناصر في البرص فلم يجعله عيبا يرد به النكاح والرجل يشارك المرأة في الجنون والجذام والبرص وتفسخه المرأة بالجب والعنة‏.‏ وذهب بعض الشافعية إلى أن المرأة ترد بكل عيب ترد به الجارية في البيع ورجحه ابن القيم واحتج له في الهدى بالقياس على البيع وقال الزهري يفسخ الناكح بكل داء عضال وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وهو قول للشافعي أن الزوج لا يرد الزوجة بشيء لأن الطلاق بيده والزوجة لا ترده بشيء إلا الجب والعنة وزاد محمد الجذام والبرص وزادت الهادوية على ما سلف الرق وعدم الكفاءة في الرجل أو المرأة والرتق والعقل والقرن في المرأة والجب والخصاء والسل في الرجل والكلام مبسوط على العيوب التي يثبت بها الرد والمقدار المعتبر منها وتعدادها في الكتب الفقهية ومن أمعن النظر لم يجد في الباب ما يصلح للاستدلال به على الفسخ بالمعنى المذكور عند الفقهاء‏.‏ أما حديث كعب فلما اسلفنا من كونه غير صريح في محل النزاع لذلك الاحتمال وأما أثر عمر فلما تقرر من أن قول الصحابي ليس بحجة نعم حديث بريرة الذي سلف دليل على ثبوت الفسخ للرق إذا أعتق وأما غير ذلك فيحتاج إلى دليل‏.‏ قوله ‏"‏وصداق الرجل على من غره‏"‏ قد ذهب إلى هذا مالك وأصحاب الشافعي والهادوية فقالوا إنه يرجع الزوج بالمهر على من غرر عليه بأن أوهمه أن المرأة لا عيب فيها فانكشف أنها معيبة بأحد تلك العيوب لكن بشرط أن يعلم بذلك العيب لا إذا جهل وذهب أبو حنيفة والشافعي أنه لا رجوع للزوج على أحد لأنه قد لزمه المهر بالمسيس‏.‏ وقال المؤيد باللّه وأبو طالب أنه يرجع الزوج بالمهر على المرأة ولا يخفي أن قول عمر لا يصلح للاحتجاج به وتضمين الغير بلا دليل لا يحل فإن كان الفسخ بعد الوطء فقد استوفى الزوج ما في مقابلة المهر

 

ج / 6 ص -158-       فلا يرجع به على أحد وإن كان قبل الوطء فالرجوع على المرأة أولى لأنه لم يستوف منها في مقابلة المهر ولا سيما على أصل الهادوية لأن الفسخ بعيب من جهة الزوجة ولا شيء لها عندهم فيما كان كذلك‏.‏

أبواب أنكحة الكفار
باب ذكر أنكحة الكفار وإقرارهم عليها

1 - عن عروة ‏"‏أن عائشة أخبرته أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها ونكاح آخر كان الرجل يقول لأمرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع‏.‏ ونكاح آخر يجتمع الرهط فيه دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم فيصيبونها فإذا حملت ووضعت ومر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان فتسمي من أحبت باسمه فيلفحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع عنه الرجل ونكاح رابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا ينصبن على أبوابهن الرايات وتكون علما فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت جمعوا لها ودعوا لها الفاقة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به ودعى ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه وآله وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم‏"‏‏.‏ رواه البخاري وأبو داود‏.‏
قوله ‏"‏أربعة أنحاء‏"‏ جمع نحو أي ضرب وزنا ومعنى ويطلق النحو أيضا على الجهة والنوع وعلى العلم المعروف اصطلاحا قال الداودي وغيره بقي عليها أنحاء لم تذكرها الأول نكاح الخدن وهو قوله تعالى ‏
{وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}‏ كانوا يقولون ما استثر فلا بأس به وما ظهر فهو لوم‏.‏ الثاني نكاح المتعة قد تقدم الثالث نكاح البدل وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة

 

ج / 6 ص -159-       كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل انزلي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وإسناده ضعيف جدا قال الحافظ الأول لا يرد لأنها أرادت ذكر بيان نكاح من لا زوج لها أو من أذن لها زوجها في ذلك والثاني يحتمل أن لا يرد لأن الممنوع منه كونه مقدرا بوقت لا أن عدم الولي فيه شرط وعدم ورود الثالث أظهر من الجميع انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏وليته أو ابنته‏"‏ التخيير للتنويع لا للشك‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏فيصدقها‏"‏ بضم أوله ثم ينكحها أي يعين صداقها ويسمى مقداره ثم يعقد عليها‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏من طمثها‏"‏ بفتح الطاء المهملة وسكون الميم بعدها مثلثة أي حيضها وكأن السر في ذلك أن يسرع علوقها منه‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏فاستبضعي منه‏"‏ بموحدة بعدها ضاد معجمة أي اطلبي منه المباضعة وهو الجماع‏.‏ ووقع في رواية الدارقطني استرضعي براء بدل الباء الموحدة قال محمد بن إسحاق الصغاني الأول هو الصواب والمعنى اطلبي الجماع منه لتحملي والمباضعة المجامعة مشتقة من البضع وهو الفرج‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏في نجابة الولد‏"‏ لأنهم كانوا يطلبون ذلك من أكابرهم ورؤسائهم في الشجاعة أو الكرم أو غير ذلك‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏فهو ابنك يا فلان‏"‏ هذا إذا كان الولد ذكرا أو تقول هي ابنتك إذا كانت انثى قال في الفتح لكن يحتمل أن لا يفعل ذلك إلا إذا كان ذكرا لما عرف من كراهتهم في البنت وقد كان منهم من يقتل ابنته التي يتحقق أنها ابنته فضلا عمن يكون بمثل هذه الصفة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏علما‏"‏ بفتح اللام أي علامة‏.‏ وأخرج الفاكهي من طريق ابن أبي مليكة قال تبرز عمر باجياد فدعا بماء فأتته أم مهزول وهي من البغايا التسع اللاتي كن في الجاهلية فقالت هذا ماء ولكنه في إناء لم يدبغ فقال هلم فإن اللّه جعل الماء طهورا‏.‏ وروى الدارقطني أيضا من طريق مجاهد قال في قوله تعالى ‏{الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً}‏ هن بغاياكن في الجاهلية معلومات لهن رايات يعرفن بها‏.‏ ومن طريق عاصم بن المنذر عن عروة مثله وزاد كرايات البيطار‏.‏ وقد ساق هشام بن الكلبي في كتاب المثالب أسامى صواحبات الرايات في الجاهلية فسمى منهن أكثر من عشرة نسوة مشهورات‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏القافة‏"‏ بقاف ثم فاء جمع قائف وهو الذي يعرف شبه الولد بالوالد بالآثار الخفية‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏فالتاط به‏"‏ بالمثناة الفوقية بعدها طاء مهملة أي استلحقه‏.‏ واصل اللوط بفتح اللام اللصوق‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏الا نكاح الناس اليوم‏"‏ أي الذي بدأت بذكره وهو أن يخطب الرجل فتزوجه وقد احتج بهذا الحديث على اشتراط الولي وتعقب بأن عائشة وهي الراوية كانت تجيز النكاح بغير ولي ويجاب بأن فعلها ليس بحجة‏.‏

باب من أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع
1 - عن الضحاك بن فيروز عن أبيه قال ‏"‏أسلمت وعندي امرأتان أختان فأمرني النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن أطلق أحداهما‏"‏‏.‏ رواه الخمسة إلا النسائي‏.‏ وفي لفظ الترمذي
‏"‏اختر أيتهما شئت‏"‏‏.‏ وعن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال ‏"‏أسلم غيلان الثقفي وتحته عشر نسوة

 

ج / 6 ص -160-       في الجاهلية فأسلمن معه فأمره النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يختار منهن أربعا‏"‏ رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وزاد أحمد في رواية ‏"‏فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه فبلغ ذلك عمر فقال أني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع وسمع موتك فقذفه في نفسك ولعلك لا تمكث إلا قليلا وأيم اللّه لتراجعن نساءك ولترجعن مالك أو لأورثهن منك ولآمرن بقبرك أن يرجم كما رجم قبر أبي رغال‏"‏‏.‏ قوله ‏"‏لتراجعن نساءك‏"‏ دليل على أنه كان رجعيا وهو يدل على أن الرجعية ترث وإن انقضت عدتها في المرض وإلا فنفس الطلاق الرجعي لا يقطع ليتخذ حيلة في المرض‏.‏
حديث الضحاك أخرجه أيضا الشافعي وصححه ابن حبان والدارقطني والبيهقي وحسنه الترمذي وأعله والعقيلي‏.‏
ـ وفي الباب ـ عن أم حبيبة عند الشيخين ‏"‏أنها عرضت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن ينكح أختها فقال
لا تحل لي‏"‏ وحديث ابن عمر أخرجه أيضا الشافعي عن الثقة عن معمر عن الزهري بإسناده المذكور وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه قال البزرا جوده معمر بالبصرة وأفسده باليمن فأرسله‏.‏ وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال هذا الحديث غير محفوظ‏.‏ قال البخاري وأما حديث الزهري عن سالم عن أبيه فإنما هو أن رجلا من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر لتراجعن نساءك أولا رجمنك وحكم أبو حاتم وأبو زرعة بأن المرسل أصح‏.‏ وحكى الحاكم عن مسلم إن هذا الحديث مما وهم فيه معمر بالبصرة قال فإن رواه عنه ثقة خارج البصرة حكمنا له بالصحة‏.‏ وقد أخذ ابن حبان والحاكم والبيهقي بظاهر الحكم فأخرجوه من طرق عن معمر من حديث أهل الكوفة وأهل خراسان وأهل اليمامة عنه قال الحافظ ولا يفيد ذلك شيئا فإن هؤلاء كلهم إنما سمعوا بالبصرة وعلى تقدير أنهم سمعوا منه بغيرها فديثه الذي حدث به في غير بلد مضطرب لأنه كان يحدث في بلده من كتبه على الصحة وأما إذا رحل فحدث من حفظه بأشياء وهم فيها اتفق على ذلك أهل العلم كابن المديني والبخاري وابن أبي حاتم ويعقوب بن شيبة وغيرهم وحكى الأثرم عن أحمد أن هذا الحديث ليس بصحيح والعمل عليه وأعله بتفرد معمر في وصله وتحديثه به في غير بلده‏.‏ وقال ابن عبد البر طرقه كلها معلولة‏.‏ وقد أطال الدارقطني في العلل تخريج طرقه‏.‏ ورواه ابن عيينة ومالك عن الزهري مرسلا ورواه عبد الرزاق عن معمر كذلك وقد وافق علىوصله بحر كنيز السقاء عن الزهري ولكنه ضعيف وكذا وصله يحيى بن سلام عن مالك ويحيى ضعيف وأما الزيادة التي رواها أحمد عن عمر فأخرجها أيضا النسائي والدارقطني قال الحافظ وإسناده ثقات وهذا الموقوف على عمر هو الذي حكم البخاري بصحته‏.‏
ـ وفي الباب ـ عن قيس بن الحرث أو الحرث بن قيس وقد تقدم في

 

ج / 6 ص -161-       باب العدد المباح للحر تقدم الكلام في تحريم الزيادة على الأربع هنالك فليرجع إليه‏.‏ وحديث الضحاك استدل به تحريم الجمع بين الأختين ولا أعرف في ذلك خلافا وهو نص القرآن قال اللّه تعالى ‏{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ}‏ فإذا أسلم كافر وعنده أختان أجبر على تطليق إحداهما وفي ترك استفصاله عن المتقدمة منهما من المتأخرة دليل على أنه يحكم لعقود الكفار بالصحة وان لم توافق الإسلام فإذا أسلموا أجرينا عليهم في الأنكحة أحكام المسلمين‏.‏ وقد ذهب إلى هذا مالك والشافعي وأحمد وداود‏.‏ وذهبت العترة وأبوحنيفة وأبو يوسف والثوري والأوزاعي والزهري وأحد قولي الشافعي إلى أنه لا يقر من أنكحة الكفار إلا ما وافق الإسلام فيقولون إذا أسلم الكافر وتحته أختان وجب عليه إرسال من تأخر عقدها وكذلك إذا كان تحته أكثر من خمس أمسك من تقدم العقد عليها منهن وأرسل من تأخر عقدها إذا كانت خامسة أو نحو ذلك وإذا وقع العقد على الأختين أو على أكثر من أربع مرة واحدة بطل وأمسك من شاء من الأختين وأرسل من شاء وأمسك أربعا من الزوجات يختارهن ويرسل الباقيات والظاهر ما قاله الأولون لتركه صلى اللّه عليه وآله وسلم للاستفصال في حديث الضحاك وحديث غيلان ولما في قوله ‏"‏أختر أيتهما‏"‏ وفي قوله ‏"‏أختر أربعا‏"‏ من الإطلاق‏.‏ قوله ‏"‏قبر أبي رغال‏"‏ بكسر الراء المهملة بعدها غين معجمة‏.‏ قال في القاموس في فصل الراء من باب اللام وأبو رغال ككتاب في سنن أبي داود ودلائل النبوة وغيرهما عن ابن عمر سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه الحديث وقول الجوهري كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكة فمات في الطريق غير معتد به وكذا قول ابن سيده كان عبدا لشعيب وكان عشارا جائرا انتهى‏.‏ قوله ‏"‏لتراجعن نساءك‏"‏ يمكن أن يكون المراد بهذه المراجعة المراجعة اللغوية أعني أرجاعهن إلى نكاحه وعدم الاعتداد بذلك الطلاق الواقع كما ذهب إلى ذلك جماعة من أهل العلم فيمن طلق زوجته أو زوجاته مريدا لإبطال ميراثهن منه أنه لا يقع الطلاق ولا يصح وقد جعل ذلك أئمة الأصول قسما من أقسام المناسب وجعلوا هذا الصورة مثالا له والمصنف رحمه اللّه لما فهم أن الرجعة هي الاصطلاحية أعني الواقعة بعد طلاق رجعي معتد به جعل ذلك الطلاق والواقع منه رجعيا ثم ذكر أن الرجعية ترث وإن أنقضت عدتها فأردف الإشكال بإشكال‏.‏

باب الزوجين الكافرين يسلم أحدهما قبل الأخر
1 - عن ابن عباس ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رد ابنته زينب على زوجها أبي العاص ابن الربيع بالنكاح الأول لم يحدث شيئا‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏ وفي لفظ ‏"‏رد ابنته زينب على أبي العاص زوجها بنكاحها الأول بعد

 

ج / 6 ص -162-       سنتين ولم يحديث صداقا‏"‏ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏ وفي لفظ ‏"‏رد ابنته زينب على أبي العاص وكان إسلامها قبل إسلامه بست سنين على النكاح الأول ولم يحدث شهادة ولا صداقا‏"‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏ وكذلك الترمذي وقال فيه ‏"‏لم يحدث نكاحا‏"‏ وقال هذا حديث ليس بإسناده بأس‏.‏
2 - وقد روى بإسناد ضعيف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رد ابنته على أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد‏"‏‏.‏
قال الترمذي في إسناده مقال وقال أحمد هذا حديث ضعيف‏.‏ والحديث الصحيح الذي روي أنه أقرهما على النكاح الأول‏.‏ وقال الدارقطني هذا حديث لا يثبت والصواب حديث ابن عباس ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ردها بالنكاح الأول‏"‏‏.‏
3 - وعن ابن شهاب ‏"‏أنه بلغه أن ابنة الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام فبعث إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمانا وشهد حنيفا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة فلم يفرق صلى اللّه عليه وآله وسلم بينهما حتى أسلم صفوان واستقرت عنده بذلك النكاح قال ابن شهاب وكان بين إسلام صفوان وبين إسلام زوجته نحو من شهر‏"‏ مختصر من الموطأ لمالك‏.‏
4 - وعن ابن شهاب ‏"‏أن أم حكيم ابنة الحرث بن هشام أسلمت يوم الفتح بمكة وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن فأرتحلت أم حكيم حتى قدمت على زوجها باليمن ودعته إلى الإسلام فأسلم وقدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فبايعه فثبتا على نكاحهما ذلك قال ابن شهاب ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى اللّه وإلى رسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها إلا أن يقدم مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها وأنه لم يبلغنا أن امرأة فرق بينها وبين زوجها إذا قدم وهي في عدتها‏"‏‏.‏ رواه عنه مالك في الموطأ‏.‏

 

ج / 6 ص -163-       حديث ابن عباس صححه الحاكم وقال الخطابي هو أصح من حديث عمرو بن شعيب وكذا قال البخاري‏.‏ قال ابن كثير في الارشاد هو حديث جيد قوي وهو من رواية ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس انتهى‏.‏ الا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخه وقد ضعف أمرها علي بن المديني وغيره من علماء الحديث وابن إسحاق فيه مقال معروف وحديث عمرو بن شعيب أخرجه ايضا ابن ماجه وفي إسناده حجاج بن أرطاة وهو معروف بالتدليس وأيضا لم يسمعه من عمرو بن شعيب كما قال أبوعبيدة وإنما حمله عن العرزمي وهو ضعيف وقد ضعف هذا الحديث جماعة من أهل العلم قد تقدم ذكر بعضهم وحديث ابن شهاب الأول هو مرسل وقد أخرجه ابن سعد في الطبقات وحديثه الثاني مرسل ايضا وأخرجه ابن سعد في الطبقات أيضا‏.‏
ـ وفي الباب ـ عن ابن عباس عند البخاري قال ‏"‏كان المشركون على منزلتين من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ومن المؤمنين كانوا مشركي أهل حرب يقالتهم ويقاتلونه ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم وكان إذا هاجرت المرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت حل لها النكاح وإن جاء زوجها قبل أن تنكح ردت إليه‏"‏ وروى البيهقي عن الشافعي عن جماعة من أهل العلم من قريش وأهل المغازي وغيرهم عن عدد مثلهم ‏"‏ان أبا سفيان أسلم بمر الظهران وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة ومكة يومئذ دار حرب وكذلك حكيم بن حزم ثم أسلم المرأتان بعد ذلك وأقر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم النكاح‏"‏‏.‏ قوله ‏"‏بعد سنتين‏"‏ وفي الرواية الثانية ‏"‏بست سنين‏"‏ ووقع في رواية ‏"‏بعد ثلاث سنين‏"‏ وأشار في الفتح إلى الجمع فقال المراد بالست ما بين هجرة زينب واسلامه وبالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى
‏{لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ}‏ وقدومه مسلما فإن بينهما سنتين وأشهرا‏.‏ قال الترمذي في حديث ابن عباس أنه لا يعرف وجهه قال الحافظ وأشار بذلك إلى أن ردها إليه بعد ست سنين أو بعد سنتين أو ثلاث مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة قال ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسلمة تحت المشرك إذا تأخر اسلامه عن اسلامها حتى انقضت عدتها وممن نقل الإجماع في ذلك ابن عبد البر وأشار إلى أن بعض أهل الظاهر قال بجوازه ورده بالاجماع وتعقب بثبوت الخلاف فيه قديما فقد أخرجه ابن أبي شيبة عن علي وإبراهيم النخعي بطرق قوية وأفتى به حماد شيخ أبي حنيفة‏.‏ وأجاب الخطابي عن الإشكال بأن بقاء العدة تلك المدة ممكن وإن لم تجربه عادة في الغالب ولا سيما إن كان المدة إنما هي سنتان وأشهر فإن الحيض قد يبطئ عن ذات الاقراء لعارض وبمثل هذا أجاب البيهقي قال الحافظ وهو أولى ما يعتمد في ذلك‏.‏ وقال السهيلي في شرح السيرة ان حديث عمرو بن شعيب هو الذي عليه العمل وأن كان حديث ابن عباس أصح إسنادا لكن لم يقل به أحد من الفقهاء لأن الإسلام قد كان فرق بينهما قال اللّه تعالى ‏{لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}‏ ومن جمع بين الحديثين‏.‏ قال معنى حديث ابن عباس ردها عليه على النكاح الأول في الصداق والحباء ولم يحدث زيادة على ذلك من شرط ولا غيره انتهى‏.‏ وقد أشار إلى مثل هذا الجمع ابن عبد البر وقيل

 

ج / 6 ص -164-       أن زينب لما أسلمت وبقي زوجها على الكفر لم يفرق النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إذ لم يكن قد نزل تحريم نكاح المسلمة على الكافر فلما نزل قوله تعالى ‏{لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ}‏ الآية أمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن تعتد فوصل أبو العاص مسلما قبل انقضاء العدة فقررها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بالنكاح الأول فيندفع الإشكال قال ابن عبد البر وحديث عمرو بن شعيب تعضده الأصول وقد صرح فيه بوقوع عقد جديد والأخذ بالصريح أولى من الأخذ بالمحتمل ويؤيده مخالفة ابن عباس لما رواه كما حكى ذلك عنه البخاري‏.‏ قال الحافظ وأحسن المسالك في تقرير الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الأئمة وحمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية التحريم وإسلام أبي العاص ولا مانع من ذلك وأغرب ابن حزم فقال إن قوله ردها إليه بعد كذا مراده جمع بينهما وإلا فاسلام أبي العاص كان قبل الحديبية وذلك قبل أن ينزل تحريم المسلمة على المشرك هكذا زعم‏.‏
قال الحافظ وهومخالف لما أطبق عليه أهل المغازي ان اسلامه كان بعد نزول آية التحريم‏.‏ وقال ابن القيم في الهدى ما محصله إن اعتبار العدة لم يعرف في شيء من الأحاديث ولا كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يسأل المرأة هل انقضت عدتها أم لا ولوكان الإسلام بمجرده فرقة لكانت طاقة بائنة ولا رجعة فيها فلا يكون الزوج أحق بها إذا أسلم وقد دل حكمه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن النكاح موقوف فإن أسلم الزوج قبل انقضاء العدة فهي زوجته وإن انقضت عدتها فإنها أن تنكح من شاءت وإن أحبت انتظرته وإذا أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح قال ولا نعلم أحدا جدد بعد الإسلام نكاحه البتة بل كان الواقع أحد الأمرين أما افتراقهما ونكاحها غيره واما بقاؤها على النكاح الأول إذا أسلم الزوج وأما تنجيز الفرقة أو مراعاة العدة فلم يعلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى بواحد منهما مع كثرة من أسلم في عهده وهذا كلام في غاية الحسن والمتانة قال وهذا اختيار الخلال وأبي بكر صاحبه وابن المنذر وابن حزم وهو مذهب الحسن وطاوس وعكرمة وقتادة والحكم‏.‏ قال ابن حزم وهو قول عمر بن الخطاب وجابر بن عبد اللّه وابن عباس هم عد آخرين وقد ذهب إلى أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها لم تخطب حتى تحيض وتطهر ابن عباس وعطاء وطاوس والثوري وفقهاء الكوفة ووافقهم أبو ثور واختاره ابن المنذر وإليه جنح البخاري وشرط أهل الكوفة ومن وافقهم أن يعرض على زوجها الإسلام في تلك المدة فيمتنع إن كانا معا في دار الإسلام‏.‏ وقد روى عن أحمد أن الفرقة تقع بمجرد الإسلام من غير توقف على مضى العدة كسائر أسباب الفرقة من رضاع أو خلع أو طلاق وقال في البحر مسألة المذهب والشافعي ومالك وأبو يوسف والفرقة بإسلام أحدهما فسخ لإطلاق إذ العلة اختلاف الدين كالردة‏.‏ وقال أبو العباس وأبو حنيفة ومحمد بل طلاق حيث أسلمت وأبي الزوج إذ امتناعه كالطلاق قلنا بل كالردة انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏وكان إسلامها‏"‏ الخ المراد بإسلامها هنا هجرتها وإلا فهي لم تزل مسلمة منذ بعثه اللّه تعالى كسائر بناته صلى اللّه عليه وآله وسلم هجرتها بعد بدر بقليل وبدر في رمضان من السنة الثانية وتحريم المسلمات على الكفار في الحديبية سنة ست في ذي القعدة فيكون مكثها بعد ذلك نحوا من سنتين هكذا قيل وفيه بعض مخالفة لما تقدم‏.‏

 

ج / 6 ص -165-       باب المرأة تسبى وزوجها بدار الشرك
1 - عن أبي سعيد ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلقى عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم واصابوا لهم سبايا فكأن ناسا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل اللّه تعالى في ذلك
{والمحصنات من النساء إلا ماملكت أيمانكم} أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن‏"‏‏.‏ رواه مسلم والنسائي وأبو داود وكذلك وأحمد وليس عنده الزيادة في آخره بعد الآية والترمذي مختصرا ولفظه ‏"‏أصبنا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج في قومهن فذكروا ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فنزلت ‏{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}‏‏"‏‏.‏
2 - وعن عرباض بن سارية ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن‏"‏‏.‏
رواه أحمد والترمذي وهو عام في ذوات الأزواج وغيرهن‏.‏
حديث العرباض رجال إسناده ثقات وقد أخرج الترمذي نحوه من حديث وريفع بن ثابت ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يسقى ماءه ولد غيره‏"‏ وحسنه الترمذي وأخرجه أيضا أبو داود وسيأتي في باب استبراء الأمة إذا ملكت من كتاب العدة ولأبي داود من حديث ‏"‏لا يحل لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبى حتى يستبرئها‏"‏ وسيأتي أيضا في ذلك الباب من حديث أبي سعيد في سبى أوطاس بلفظ ‏"‏لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة‏"‏ وسيأتي أيضا هنالك من حديث أبي الدرداء المنع من وطء الحامل والكلام على هذه الأحايث يأتي هنالك مستوفي إن شاء اللّه تعالى وإنما ذكر المصنف رحمه اللّه ما ذكره في هذا الباب للاستدلال به على أن البغايا حلال من غير فرق بين ذوات الأزواج وغيرهن وذلك مما لاخلاف فيه فيما أعلم ولكن بعد مضي العدة المعتبرة شرعا قال الزمخشري في تفسير الآية المذكورة ‏{إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}‏ يريد ماملكت أيمانكم من اللاتي سببن ولهن أزواج في دار الكفر فهن حلال لغزاة المسلمين وإن كن محصنات وفي معناه قول الفرزدق
وذات حليل أنكحتها رماحنا ** حلال لمن يبني بها لم تطلق