نيل
الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ط مكتبة الدعوة
الإسلامية ج / 6 ص -166-
كتاب الصداق
باب جواز التزويج على القليل والكثير واستحباب
القصد فيه
1 - عن عامر بن ربيعة
"أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"أرضيت من نفسك ومالك بنعلين قالت نعم فأجازه". رواه أحمد وابن ماحه والترمذي وصححه.
2 - وعن جابر "أن رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"لو أن رجلا أعطى امرأة صداقا ملء يديه طعاما كانت له
حلالا".
رواه أحمد وأبو داود بمعناه.
3 - وعن أنس "أن النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم رأى على عبد الرحمن
بن عوف أثر صفرة فقال
ماهذا قال تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب قال
بارك اللّه لك أولم ولو بشاة".
رواه الجماعة ولم يذكر فيه أو داود "بارك
اللّه لك".
حديث عامر بن ربيعة قال الحافظ في بلوغ المرام بعد أن حكى
تصحيح الترمذي له أنه خولف في ذلك. وحديث
جابر في إسناده موسى بن مسلم وهو ضعيف هكذا في
مختصر المنذري وقال في التلخيص في إسناده مسلم
بن رومان وهو ضعيف انتهى. قال أبو داود إن
بعضهم رواه موقوفا ورواه أبو عاصم عن صالح بن
رومان عن أبي الزبير عن جابر قال "كنا على
عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
نستمتع بالقبضة من الطعام على معنى المتعة"
قال ورواه ابن جريج على أبي الزبير عن جابر
على معنى أبي عاصم وهذا الذي ذكره أبو داود
معلقا قد أخرجه مسلم في صحيحه من حديث ابن
جريج عن أبي الزبير قال "سمعت جابرا يقول
كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام
على عقد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
قال أبو بكر البيهقي وهذا وإن كان في نكاح
المتعة ونكاح المتعة صار منسوخا فإنما فسخ منه
شرط الأجل فأما ما يجعلونه صداقا فإنه لم يرد
فيه نسخ. قوله: "وزن نواة من ذهب" في
رواية للبخاري "نواة من ذهب" ورجحها
الداودي استنكر رواية من روى وزن نواة. قال
الحافظ واستنكاره المنكر لأن الذين جزموا بذلك
أئمة حفاظ قال عياض لا وهم في الرواية لأنها
إن كانت واة تمر أو غيره كان للنواة قدر معلوم
صح أن يقال في كل ذلك وزن نواة فقيل المراد
واحدة نوى التمر وإن القيمة عنها يومئذ كانت
خمسة دراهم. وقيل كان قدرها يومئذ ربع دينار
ورد بأن نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل
معيارا لما يوزن به وقيل لفظ النواة من ذهب
عبارة عما قيمته خمسة دراهم من الورق وجزم به
الخطابي واختاره الأزهري ونقله عياض عن أكثر
العلماء.
ج / 6 ص -167-
ويؤيده أن في رواية للبيهقي وزن نواة من ذهب
قومت خمسة دراهم وقيل وزنها من الذهب خمسة
دراهم حكاه ابن قتيبة وجزم به ابن فارس وجعله
البيضاوي الظاهر. ووقع في رواية للبيهقي
قومت ثلاثة دراهم وإسناده ضعيف ولكن جزم به
أحمد وقيل ثلاثة ونصف. وقيل ثلاثة وربع.
وعن بعض المالكية النواة عند أهل المدينة ربع
دينار ووقع في رواية للطبراني قال أنس حزرناها
ربع دينار. وقال الشافعي ربع النش والنش نصف
أوقية والأوقية أربعون درهما فيكون خمسة
دراهم. وكذا قال أبو عبيد أن عبد الرحمن دفع
خمسة دراهم وهي تسمى نواة كما تسمى الأربعون
أوقية وبه جزم أبو عوانة وآخرون
ـ والأحاديث ـ المذكورة
تدل على أنه يجوز أن يكون المهر شيئا حقيرا
كالنعلين والمد من الطعام ووزن نواة من ذهب
قال القاضي عياض الإجماع على أن مثل الشيء
الذي لا يتمول ولاله قيمة لا يكون صداقا ولا
يحل به النكاح فإن ثبت نقله فقد خرق هذا
الإجماع أبو محمد ابن حزم فقال يجوز بكل شيء
ولو كان حبة من شعير ويؤيد ما ذهب إليه الكافة
قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم "التمس ولو خاتما من حديد" كما سيأتي لأنه أورده مورد التقليل بالنسبة فما فوقه ولا شك أن
الخاتم من الحديد له قيمة وهو أعلى خطرا من
النواة وحبة الشعير. وكذلك حكى في البحر
الإجماع على أنه لا يسمح تسمية ما لا قيمة
له. قال الحافظ وقد وردت أحاديث في أقل
الصداق لا يثبت منها شيء وذكر منها حديث عامر
بن ربيعة وحديث جابر المذكورين في الباب وحديث
أبي لبيبة مرفوعا عند ابن أبي شيبة
"من استحل بدرهم في النكاح فقد استحل" وحديث أبي سعيد عند الدارقطني في أثناء حديث في المهر
"ولو على سواك من أراك" قال وأقوى شيء في ذلك حديث جابر عند مسلم. كنا نستمتع بالقبضة
من التمر والدقيق على عهد رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم ثم ذكر كلام البيهقي
الذي قدمناه.
ـ وقد اختلف ـ في أقل
المهر فحكى في البحر عن العترة جميعا وأبي
حنيفة وأصحابه أن أقله عشرة دراهم أو ما
يوازيها واستدلوا بما أخرجه الدارقطني من حديث
جابر بلفظ "لا
مهر أقل من عشرة دراهم" وهذا الوصح لكان معارضا لما تقدم من
الأحاديث الدالة على أنه يصح أن يكون المهر
دونها ولكنه لم يصح فإن في إسناده مبشر بن
عبيد وحجاج بن أرطاة وهم ضعيفان وقد اشتهر
حجاج بالتدليس ومبشر متروك كما قال الدارقطني
وغيره وقال البخاري منكر الحديث.
وقال أحمد روى عنه بقية
أحاديث كذب وقد روى الحديث البيهقي من طرق
منها عن علي عليه السلام وفي إسناده داود
الأودي وهذا الاسم يطلق على اثنين أحدهما داود
ابن زيد وهو ضعيف لا خلاف والثاني داود بن عبد
اللّه وقد وثقه أحمد واختلفت الرواية فيه عن
يحيى بن معين. ومنها عن جابر قال البيهقي
بعد اخراجه هو حديث ضعيف بمرة وروى أيضا عن
علي عليه السلام من طريق فيها أبو خالد
الواسطي فهذه طرق ضعيفة لا تقوم لها حجة وعلى
فرض أنها يقوى بعضها بعضا فهي لا تبلغ بذلك
إلى حد الأعتبار لا سيما وقد عارضها ما في
الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة مثل
حديث الخاتم الذي سيأتي وحديث نواة الذهب
وسائر الأحاديث التي قدمناها وحكى في البحر
أيضا عن
ج / 6 ص -168-
عمر وابن عباس والحسن البصري وابن المسيب
وربيعة والأوزاعي والثوري وأحم وإسحاق
والشافعي ان أقله ما يصح ثمنا أو أجرة وهذا
مذهب راجح وقال سعيد بن جبير أقله خمسون درهما
وقال النخعي أربعون وقال ابن شبرمة خمسة دراهم
وقال مالك ربع دينار وليس على هذه الأربعة
الأقوال دليل يدل على أن الأقل هو أحدها لا
دونه ومجرد موافقة مهر من المهور الواقعة في
عصر النبوة لواحد مها كحديث النواة من الذهب
فإنه موافق لقوله ابن شبرمة ولقول مالك على
حسب الأختلاف في تفسيرها لا يدل على أنه
المقدر الذي لا يجزى دونه الا مع التصريح بأنه
لا يجزى دون ذلك المقدار ولا تصريح. فلاح من
هذا التقريران كل ماله قيمة صح أن يكون مهرا
وسيأتي في باب جعل تعليم القرآن صداقا زيادة
تحقيق للمقام.
4 - وعن عائشة "أن
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة". رواه أحمد.
5 - وعن أبي هريرة قال
"كان صداقنا إذ كان فينا رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم عشر أواقى". رواه
النسائي وأحمد وزاد "وطبق بيديه وذلك
أربعمائة".
6 - وعن أبي سلمة قال
"سألت عائشة كم كان صداق رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم قالت كان صداقه لا زواجه
اثنتي عشرة أوقية ونشا قالت أتدري ما النش لا
قالت نصف أوقية فتلك خمسمائة درهم". رواه
الجماعة إلا البخاري والترمذي.
7 - وعن أبي العجفاء قال
"سمعت عمر يقول لا تغلوا صدق النساء فإنها
لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة
كان أولاكم بها النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم ما أصدق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته
أكثر من ثنتي عشرة أوقية". رواه الجماعة
وصححه الترمذي.
8 - وعن أبي هريرة قال
"جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم فقال اني تزوجت امرأة من الأنصار فقال له
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم هل نظرت إليها
فإن في عيون الانصار شيئا قال قد نظرت إليها
قال علي كم تزوجتها قال على أربع أواق فقال له
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ماعندنا ما نعطيك
ولكن عيسى أن نبعثك
ج / 6 ص -169-
في بعث تصيب منه قال فبعث بعثا إلى بني عيسى بعث ذلك الرجل فيهم". رواه مسلم.
9 - وعن عروة بن أم
حبيبة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
تزوجها وهي بأرض الحبشة زوجها النجاشي وأمهرها
أربعة آلاف وجهزها من عنده وبعث بها مع شرحبيل
بن حسنة ولم يبعث إليها رسول اللّه صلى اللّه
عليه وآله وسلم بشيء وكان مهر نسائه أربعمائة
درهم". رواه أحمد والنسائي.
حديث عائشة الأول أخرجه
أيضا الطبراني في الأوسط بلفظ
"أخف النساء صداقا أعظمهن بركة" وفي إسناده الحرث بن شبل وهو ضعيف وأخرج أيضا الطبراني في الكبير
والأوسط بنحوه. وأخرج نحوه أبو داود والحاكم
وصححه عن عقبة بن عامر قال "قال رسول اللّه
صلى اللّه عليه وآله وسلم
"خير الصداق أيسره"
وحديث أبي هريرة رجال إسناده ثقات. وحديث
أبي العجفاء صححه ايضا ابن حبان والحاكم وأبو
العجفاء اسمه هرمز بن نسيب قال يحيى بن معين
بصرى ثقة وقال البخاري في حديثه نظر. وقال
أبو أحمد الكرابيسي حديثه ليس بالقائم.
وحديث أم حبيبة أخرجه أيضا أبو داود بلفظ
"أنه زوجها النجاشي النبي صلى اللّه عليه
وآله وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف وبعث بها
إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مع
شرحبيل بن حسنة" وأخرج أبو داود أيضا عن
الزهري مرسلا "أن النجاشي زوج أم حبيبة بنت
أبي سفيان من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
وسلم على صداق أربعة آلاف درهم وكتب بذلك إلى
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقيل
بمائتي دينار. قوله: "أسره مؤنة" فيه
دليل على أفضلية النكاح مع قلة المهر وأن
الزواج بمهر قليل مندوب إليه لأن المهر إذا
كان قليلا لم يستصعب النكاح من يريده فيكثر
الزواج المرغب فيه ويقدر عليه الفقراء ويكثر
النساء الذي هو أهم مطالب النكاح بخلاف ما إذا
كان المهر كثيرا فإنه لا يتمكن منه إلا أرباب
الأموال فيكون الفقراء الذين هم الأكثر في
الغالب غير مزوجين فلا تحصل المكاثرة التي
ارشد إليها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
كما سلف في أول النكاح. قوله: "وذلك
أربعمائة" أي درهم لأن الأوقية كانت قديما
عبارة عن أربعين درهما كما صرح به صاحب
النهاية. قوله "كان صداقه لأزواجه" الخ
ظاهره أن زوجات النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم كلهن كان صداقهن ذلك المقدار وليس الأمر
كذلك وإنما هو محمول على الأكثر فإن أم حبيبة
أصدقها المقدار وليس الأمر كذلك وإنما هو
محمول على الأكثر فإن أم حبيبة أصدقها النجاشي
عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم المقدار
المتقدم. وقال ابن إسحاق عن أبي جعفر أصدقها
أربعمائة دينار أخرجه ابن أبي شيبة م طريقه
وأخرج الطبراني عن أنس أنه أصدقها مائتي دينار
وإسناده ضعيف وصفية كان عتقها صداقها وخديجة
وجويرية لم يكونا كذلك كما قال الحافظ. قوله
"ونش" بفتح النون بعدها شين معجمة وقع
مرفوعا في هذا الكتاب والصواب ونشا بالنصب مع
وجود لفظ كان كما في غير هذا الكتاب أو الرفع
مع عدمها كما في رواية أبي داود. قوله
"لاتغلوا صدق
ج / 6 ص -170-
النساء" الخ ظاهر النهي التحريم. وقد
أخرج عبد الرزاق عن عمر أنه قال "لا تغالوا
في مهر النساء فقالت امرأة ليس ذلك لك يا عمر
ان اللّه تعالى يقول
{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً من ذهب} كما في قراءة ابن مسعود فقال عمر امرأة خاصمت عمر فخصمته" وأخرجه
الزبير بن بكار بلفظ "امرأة أصابت ورج
أخطأ" وأخرجه أبو يعلى مطولا وقد وقع
الإجماع على أن المهر لأحد لأكثره بحيث تضير
الزيادة على ذلك الحد باطلة للآية. وقد
اختلف في تفسير القنطار المذكور في الآية فقال
أبو سعيد الخدري هو ملء مسك ثور ذهبا وقال
معاذ الف ومائتا أوقية ذهبا وقيل سبعون ألف
مثقال وقيل مائة رطل ذهبا. قوله "زوجها
النجاشي" فيه دليل على جواز التوكيل من
الزوج لمن يقبل عنه النكاح وكانت أم حبيبة
المذكورة مهاجرة بأرض الحبشة مع زوجها عبد
اللّه بن جحش فمات بتلك الأرض فزوجها النجاشي
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم. وأم حبيبة
هي بنت أبي سفيان وقد تقدم اختلاف الروايات في
مقدار صداقها.
باب جعل تعليم
القرآن صداقا
1 - عن سهل بن سعد "أن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جاءته امرأة
فقالت يا رسول اللّه إني قد وهبت نفسي لك
فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال يا رسول
اللّه زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم هل عندك من شيء تصدقها اياه فقال ما عندي إلا إزاري هذا فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك فالتمس شيئا فقال ما أجد شيئا فقال ألتمس
ولو خاتما من حديد
فالتمس فلم يجد شيئا فقال له النبي صلى اللّه
عليه وآله وسلم
هل معك من القرآن شيء قال نعم سورة كذا وسورة كذا لسور يسميها فقال له
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
قد زوجتكها بما معك من القرآن".
متفق عليه. وفي رواية متفق عليها
"قد ملكتكها بما معك من القرآن" وفي رواية متفق عليها "فصعد فيها النظر وصوبه".
2 - وعن أبي النعمان
الأزدي "قال زوج رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم امراة على سورة من القرآن ثم قال لا
يكون لأحد بعدك مهرا". رواه سعيد في سننه
وهو مرسل.
حديث أبي النعمان مع
إرساله قال الفتح فيه لا يعرف. وفي الباب عن
أبي هريرة عند أبي داود والنسائي. وعن ابن
مسعود عند الدارقطني. وعن ابن عباس عند أبي
الشيخ وأبي عمر بن حيويه في فوائده. وعن
ضمير جد حسين بن عبد اللّه عند الطبراني.
وعن أنس عند البخاري والترمذي. وعن أبي
أمامة عند تمام في فوائده وعن جابر عند أبي
الشيخ. قوله "جاءته
ج / 6 ص -171-
امرأة" قال الحافظ هذه المرأة لم أقف على
اسمها ووقع في الأحكام لابن الطلاع أنها خولة
بنت حكيم أو أم شريك وهذا نقل من اسم الواهبة
الواردة في قوله تعالى
{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} صلى اللّه عليه وآله وسلم ولكن هذه غيرها. قوله "وهبت نفسي"
هو على ذف مضاف أي امر نفسي لأن رقبة الحر لا
تملك قوله "فقام رجل" قال الحافظ لم أقف
على اسمه ووقع في رواية للطبراني فقام رجل
أحسبه من الأنصار. قوله "ولو خاتما" وفي
رواية "ولو خاتم" بالرفع على تقدير حصل.
ولو في قوله ولو خاتما تعليلية. قال عياض
ووهم من زعم خلاف ذلك ووقع في رواية عند
الحاكم والطبراني من حديث سهل زوج رجلا بخاتم
من حديد فصه فضة. قوله "هل معك من القرآن
شيء" المراد هنا بالمعية الحفظ عن ظهر
قلبه. وقد وقع في رواية "أتقرؤهن
على ظهر قلبك"
بعد قوله سورة كذا ومعي سورة كذا وكذلك في
رواية الثوري عند الإسماعيلي بلفظ "قال عن
ظهر قلبك
قال نعم". قوله "سورة كذا وسورة كذا"
وقع في رواية من حديث أبي هريرة "سورة
البقرة أو التي تليها" كذا عند أبي داود
والنسائي ووقع في حديث ابن مسعود "نعم سورة
البقرة وسورة من المفصل" وفي حديث ضميرة
"زوج صلى اللّه عليه وآله وسلم رجلا على
سورة البقرة لم يكن عنده شيء" وفي حديث أبي
أمامة "زوج صلى اللّه عليه وآله وسلم رجلا
من أصحابه امرأة على سورة من المفصل جعلها
مهرا وأدخلها عليه وقال علمها" وفي حديث أبي
هريرة "فعلمها عشرين آية وهي امرأتك" وفي
حديث ابن عباس
"أزوجها منك على أن تعلمها أربع أو خمس سور من كتاب اللّه" وفي حديث ابن عباس وجابر
"هل تقرأ من القرآن شيئا
قال نعم إنا أعطيناك الكوثر قال
اصدقها اياها" قال الحافظ ويجمع بين هذه الألفاظ بأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ
بعض أو أن القصص متعددة.
ـ والحديث يدل ـ على
جواز جعل المنفعة صداقا ولو كانت تعليم القرآن
قال المازري هذا ينبني على أن الباء للتعويض
كقولك بعتك ثوبي بدينا وقال وهذا هو الظاهر
وإلا لو كانت بمعنى اللام على معنى تكرمه
لكونه حاملا للقرآن لصارت المرأة بمعنى
الموهوبة والموهوبة خاصة بالنبي صلى اللّه
عليه وآله وسلم.
وقال الطحاوي والأبهري
وغيرهما بأن هذا خاص بذلك الرجل لكون النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يجوز له نكاح
الواهبة فكذلك يجوز له إنكاحها من شاء بغير
صداق واحتجوا على هذا بمرسل أبي النعمان
المذكور لقوله فيه
"لا يكون لأحد بعدك مهر" وأجيب عنه بما تقدم من إرساله وجهالة بعض رجال اسناده. وأخرج
أبو داود من طريق مكحول قال ليس هذا لأحد بعد
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأخرج أبو
عوانة من طريق الليث بن سعد نحوه ولا حجة في
أقوال التابعين قال عياض يحتمل قوله بما معك
من القرآن وجهين أظهرهما أن يعلمها ما معه من
القرآن أو مقدارا معينا منه ويكون ذلك صداقها
وقد جاء هذا التفسير عن مالك ويؤيده قوله في
بعض طرقه الصحيحة فعلمها من القرآن وعين في
حديث أبي هريرة مقدار ما يعلمها وهو عشرون آية
ويحتمل أن تكون الباء بمعنى اللام أي لأجل ما
معك من القرآن فأكرمه بأن زوجه المرأة بلا مهر
لأجل كونه حافظا للقرآن أو لبعضه ونظيره قصة
أبي طلحة مع أم سليم وذلك فيما أخرجه
ج / 6 ص -172-
النسائي وصححه عن أنس قال خطب أبو طلحة أم
سليم فقالت واللّه ما مثلك يرد ولكنك كافر
وأنا مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك فإن تسلم
فذلك مهري ولا أسألك غيره فكان ذلك مهرها"
وأخرج النسائي أيضا نحوه من طريق أخرى ويؤيده
الاحتمال الأول ابن أبي شيبة والترمذي من حديث
أنس "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سأل
رجلا من أصحابه
يا فلان هل تزوجت
قال لا وليس عندي ما أتزوج به قال
أليس معك قل هو اللّه أحد" وأجاب بعضهم عن الحديث بأن النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم زوجها أياه لأجل ما معه
من القرآن الذي حفظه وسكت عن المهر فيكون
ثابتا في ذمته إذا أيسر كنكاح التفويض ويؤيده
ما في حديث ابن عباس حيث قال فيه فإذا رزقك
اللع فعوضها قال في الفتح لكنه غير ثابت وأجاب
البعض باحتمال أن النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم زوجه لأجل ما حفظه من القرآن وأصدق عنه
كما كفر عن الذي واقع امرأـه في رمضان ويكون
ذكر القرآن وتعليمه على سبيل التحريض على تعلم
القرآن وتعليمه والتنويه بفضل أهله وأجيب بما
تقدم من التصريح بجعل التعليم عوضا. وقد ذهب
إلى جواز جعل المنفعة صداقا الشافعي وإسحاق
والحسن بن صالح وبه قالت العترة وعند المالكية
فيه خلاف ومنعه الحنفية في الحر وأجازوه في
العبد إلا في الإجارة في تعليم القرآن فمنعوه
مطلقا بناء على أصلهم في أن أخذ الأجرة على
تعلم القرآن لا يجوز وقد تقدم الكلام على ذلك
وقد نقل القاضي عياض جواز الاستئجار لتعليم
القرآن عن العلماء كافة إلا الحنفية وقال ابن
العربي من العلماء من قال زوجه علي أن يعلمها
من القرآ، فكأنها كانت إجارة وهذا كرهه مالك
ومنعه أبو حنيفة. وقال ابن القاسم يفسخ قبل
الدخول ويثبت بعده قال والصحيح جوازه
بالتعليم. وقال القرطبي قوله علمها نص في
الأمر بالتعليم والسياق يشهد بأن ذلك لأجل
النكاح فلا يلتفت لقول من قال أن ذلك كان
إكراما للرجل ولا مساقا.
ـ وفي الحديث ـ فوائد
منها ثبوت ولاية الإمام على المرأة التي لا
قريب لها وقد أطال الكلام على ما يتعلق
بالحديث من فوائد في الفتح وذكر أكثر من
ثلاثين فائدة فمن أحب الوقوف على ذلك فليرجع
إليه.
باب من تزوج ولم
يسم صداقا
عن علقمة قال أتى عبد
اللّه في امرأة تزوجها رجل ثم مات عنها ولم
يفرض لها صداقا ولم يكن دخل بها قال فاختلفوا
إليه فقال أرى لها مثل مهر نسائها ولها
الميراث وعليها العدة فشهد معقل بن سنان
الأشجعي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
قضى في بروع ابنة واشق بمثل ما قضى". رواه
الخمسة وصححه الترمذي.
الحديث أخرجه أيضا
الحاكم والبيهقي وابن حبان وصححه أيضا ابن
مهدي. وقال ابن حزم لا مغمرز ـ مغمز؟؟
ـ فيه لصحة إسناده وقال الشافعي لا أحفظه من
وجه يثبت مثله ولو ثبت حديث بروع لقلت
ج / 6 ص -173-
به وقد قيل ان في راوي الحديث اضطرابا فروي
مرة عن مقعل بن سنان ومرة عن رجل من أشجع أو
ناس من أشجع وقيل غير ذلك: قال البيهقي قد
سمي فيه ابن سنان وهو صحابي مشهور والاختلاف
فيه لا يضر فإن جميع الروايات فيه صحيحة وفي
بعضها ما دل على أن جماعة من أشجع شهدوا
بذلك. وقال ابن أبي حاتم قال أبو زرعة الذي
قال معقل بن سنان أصح وروى الحاكم في المستدرك
عن حرملة بن يحيى أنه قال شيخنا أبو عبيد
اللّه لوحضرت الشافعي لقمت على رؤوس الناس
وقلت بن عامر أن النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم زوج امرأة رجلا فدخل بها ولم يفرض لها
صداقها فحضرته الوفاة فقال أشهدكم ان سهمي
بخيبر لها.
والحديث فيه دليل على أن
المرأة تستحق بموت زوجها بعد العقل قبل فرض
الصداق جميع المهر وان لم يقع منه دخول
ولاخلوة وبه قال ابن مسعود وابن سيرين وابن
أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق
وأحمد.وعن علي عليه السلام وابن عباس وابن
عمر ومالك والأوزاعي والليث والهادي وأحد قولي
الشافعي وإحدى الروايتين عن القاسم أنها لا
تستحق إلا الميراث فقط ولا تستحق مهرا ولامتعة
لأن المتعة لم ترد إلا للمطلقة والمهر عن
الوطء ولم يقع من الزوج وأجابوا عن حديث الباب
بالاضطراب ورد بما سلف قالوا روي عن علي أنه
قال لا نقبل قول أعرابي بوال على عقبيه فيما
يخالف كتاب اللّه وسنة نبيه ورد بأن ذلك لم
يثبت عنه من وجه صحيح ولم سلم ثبوته فلم ينفرد
بالحديث معقل المذكور بل روى من طريق غيره بل
معه الجراح كما وقع عند أبي داود والترمذي
وناس من أشجع كما سلف وأيضا الكتاب والسنة
إنما نفيا مهر المطلقة قبل المس والفرض لا مهر
من مات عنها زوجها وأحكام الموت غير أحكام
الطلاق. وفي رواية عن القاسم أن لها
المتعة. قوله: "ولها الميراث" هو مجمع
على ذلك كما في البحر وإنما اتفق على أنها
تستحقه لأنه يجب لها بالعقد إذ هو سببه لا
الوطء. قوله: "بروع" قال في القاموس
كجدول ولا يكسر بنت وأشق صحابية وفي المغني
بفتح الباء عند أهل اللغة وكسرها عند أهل
الحديث.
باب تقدمة شيء
من المهر قبل الدخول والرخصة في تركها
1 - عن ابن عباس "قال
لما تزوج علي فاطمة قال له رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم
أعطها شيئا قال ما عندي شيء قال
أين درعك الحطمية".
رواه أبو داود والنسائي. وفي رواية "أن
عليا لما تزوج فاطمة أراد أن يدخل بها فمنعه
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى
يعطيها شيئا فقال يا رسول اللّه ليس لي شيء
فقال له
أعطها درعك الحطمية فأعطاها درعه ثم دخل بها" رواه أبو داود وهو دليل على جواز
الامتناع من تسليم المرأة ما لم تقبض مهرها.
ج / 6 ص -174-
2 - وعن عائشة قالت "أمرني رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم أن أدخل امرأة على زوجها
قبل أن يعطيها شيئا". رواه أبو داود وابن
ماجه.
حديث ابن عباس صححه
الحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري والرواية
الثانية منه هي في سنن أبي داود عن محمد بن
عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من أصحاب النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يقل عن ابن عباس
كما في الرواية الأولى. وحديث عائشة سكت عنه
أبو داود والمنذري إلا أن أبا داود قال خثيمة
لم يسمع من عائشة انتهى. وفي شريك مقال.
وقال البيهقي وصله شريك وأرسله غيره.
ـ وقد استدل ـ بحديث ابن
عباس من قال أنه يجوز الامتناع من تسليم
المرأة حتى يسلم الزوج مهرها وكذلك للمرأة
الامتناع حتى يسمي الزوج مهرها وقد تعقب بأن
المرأة إذا كانت قد رضيت بالعقد بلا تسمية أو
أجازته فقد نفذ وتعين به مهر المثل ولم يثبت
لها الامتناع وإن لم يكن رضيت به بغير تسمية
ولا إجازة فلا عقد رأسا فضلا عن الحكم بجواز
الامتناع وكذلك يجوز للمرأة أن تمتنع حتى يعين
الزوجمهرها ثم حتى يسلمه قيل وظاهر الحديث أن
المهر لم يكن مسمى عند العقد وتعقب بأنه يحتمل
أنه كان مسمى عند العقد ووقع التأجيل به ولكنه
صلى اللّه عليه وآله وسلم أمره بتقديم شيء منه
كرانة للمرأة وتأنيسا. وحديث عائشة المذكور
يدل على أنه لا يشترط في صحة النكاح أن يسلم
الزوج إلى المرأة مهرها قبل الدخول ولا أعرف
في ذلك خلافا. قوله "الحطمية" بضم الحاء
المهملة وفتح الطاء المهملة أيضا منسوبة إلى
الحطم سميت بذلك لأنها تحطم السيوف وقيل
منسوبة إلى بطن من عبد قيس يقال له حطمة بن
محارب كانوا يعملون الدروع كذا في النهاية.
باب حكم هدايا
الزوج للمرأة وأوليائها
1 - عن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم قال:
"أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل
عصمة النكاح فهو لها وما كان بعد العصمة
النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما يكرم عليه الرجل
ابنته وأخته".
رواه الخمسة إلا الترمذي.
الحديث سكت عنه أبو داود
وأشار المنذري إلى أنه من رواية عمرو بن شعيب
وفيه مقال معروف قد تقدم بيانه في أوائل هذا
الشرح ومن دون عمرو بن شعيب ثقات وفيه دليل
على أن المرأة تستحق جميع ما يذكر قبل العقد
من صداق أو حباء وهو العطاء أو عدة بوعد ولو
كان ذلك الشيء مذكورا لغيرها وما يذكر بعد عقد
النكاح فهو لمن جعل له سواء كان وليا أو غير
ولي أو المرأة نفسها. وقد ذهب إلى هذا عمر
بن عبد العزيز والثوري وأبو عبيد ومالك
والهادوية. وقال أبو يوسف أن ذكر قبل العقد
لغيرها استحقه. وقال الشافعي إذا سمي لغيرها
كانت التسمية فاسدة وتستحق مهر المثل وقد وهم
صاحب الكافي فقالف أنه لم يقل بالقول الأول
إلا الهادي وإن
ج / 6 ص -175-
ذلك القول خلاف الإ>ماع قال والصحيح أن ما
شرطه الولي لنفسه سقط وعليه عامة السادة
والفقهاء وقد عرفت من قال بذلك وأنه الظاهر من
الحديث. قوله "وأحق ما يكرم عليه" الخ
فيه دليل على مشروعية صلة أقارب الزوجة
وإكرامهم والإحسان إليهم وأن ذلك حلال لهم
وليس من قبيل الرسوم المحرمة إلا أن يمتنعوا
من التزويج إلا به. |