نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ط مكتبة الدعوة الإسلامية

كتاب الوليمة والبناء على النساء وعشرتهن
باب استحباب الوليمة بالشاة فأكثر وجوازها بدونها
1 - قال صلى اللّه عليه وآله وسلم لعبد الرحمن ‏"‏أولم ولو بشاة‏"‏‏.‏
2 - وعن أنس قال ‏"‏ما أولم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب أولم بشاة‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
3 - وعن أنس ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أولم على صفية بتمر وسويق‏"‏‏.‏ رواه الخمسة إلا النسائي‏.‏
4 - وعن صفية بنت شيبة أنها ‏"‏قالت أولم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير‏"‏‏.‏
أخرجه البخاري هكذا مرسلا‏.‏
5 - وعن أنس في قصة صفية ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جعل وليمتها التمر والأقط والسمن‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم‏.‏ وفي رواية ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني بصفية فدعون المسلمين إلى وليمنته ما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها الا أن أمر بالأنطاع فالقي عليها ما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها إلا أن أمر بالإنطاع فبسطت فالقي عليها التمر والأقط والسمن فقال المسلمون إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه فقالوا أن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه فلما ارتحل وطأ لها خلفه ومد الحجاب‏"‏ متفق عليه‏.‏
حديث ‏"‏أولم ولو بشاة‏"‏ قد تقدم في أول كتاب الصداق‏.‏ وحديث أنس الثاني أخرجه أيضا ابن حبان‏.‏ قوله ‏"‏أولم‏"‏ قال الأزهري الوليمة مشتقة من الولم وهو الجمع لأن الزوجين يجتمعان‏.‏ وقال ابن الأعرابي أصلها تمام الشيء واجتماعه وتقع على كل طعام يتخذ لسرور وتستعمل في وليمة الأعراس بلا تقييد وفي غيرها مع التقييد فيقال مثلا وليمة مأدبة هكذا‏.‏ قال بعض الفقهاء وحكاه في الفتح عن الشافعي وأصحابه وحكى ابن عبد البر عن أهل اللغة وهو المنقول عن الخليل وثعلب وبه جزم الجزهري وابن الأثير أن الوليمة هي الطعام في العرس خاصة قال ابن

 

ج / 6 ص -176-       رسلان وقول أهل اللغة أقوى لأنهم اللسان وهو أعرف بموضوعات اللغة وأعلم بلسان العرب انتهى‏.‏ ويمكن أن يقال الوليمة في اللغة وليمة العرس فقط وفي الشرع للولائم المشروعة‏.‏ وقال في القاموس طعام العرس أوكل طعام صنع لدعوة وغيرها وأولم صنعها‏.‏ وقال صاحب المحكم الوليمة طعام العرس والأملاك وسيأتي تفسير الولائم وظاهر الأمر الوجوب وقد روى القول به القرطبي عن مذهب مالك وقال مشهور المذهب أنها مندوبة وروى ابن التين الوجوب أيضا عن مذهب مالك وقال مشهور المذهب أنها مندوبة وروى ابن التين الوجوب أيضا عن مذهب أحمد لكن الذي في المغنى أنها سنة وكذلك حكي الوجوب في البحر عن أحد قولي الشافعي وحكاه ابن الحزم عن أهل الظاهر وقال سليم الرازي أنه ظاهر نص الأم ونقله أبو إسحاق الشيرازي عن النص وحكاه في الفتح أيضا عن بعض الشافعية وبهذا يظهر ثبوت الخلاف في الوجوب لا كما قال ابن بطال ولا أعلم أحدا أوجبها وكذا قال صاحب المغني ومن جملة ما استدل به من أوجبها ما أخرجه الطبراني من حديث وحشي بن حرب رفعه ‏"‏الوليمة حق‏"‏ وفي مسلم ‏"‏شر الطعام طعام الوليمة ثم قال وهو حق‏"‏ وفي رواية لأبي الشيخ والطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة رفعه ‏"‏الوليمة حق وسنة فمن دعى إليها فلم يجب فقد عصى‏"‏ وأخرج أحمد من حديث بريدة قال لما خطب على فاطمة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم "أنه لا بد للعروس من وليمة" قال الحافظ وسنده لا بأس به قال ابن بطال قوله حق أي ليست بباطل بل يندب إليها وهي سنة فضيلة وليس لمراد بالحق الوجوب وأيضا هو طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة والأمر محمول على الاستحباب ولكونه أمر بشاة وهي غير واجبة اتفاقا‏.‏ قال في الفتح وقد اختلف السلف وفي وقتها هل هو عند العقد أو عقبة أو عند الدخول أو عقبة أو يوسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول على أقوال قال النووي اختلفوا فحكي القاضي عياض أن الأصح عند المالكية استحبابها بعد الدخول وعن جماعة منهم عند العقد‏.‏ وعن ابن جندب عند العقد وبعد الدخول قال السبكي والمنقول من فعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أ،ها بعد الدخول انتهى‏.‏ وفي حديث أنس عند البخاري وغيره التصريح بأنها بعد الدخول لقوله أصبح عروسا بزينب فدعا القوم‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏ولو بشاة‏"‏ لو هذه ليست إلا متناعية وإنما هي التي للتقليل‏.‏
وفي الحديث دليل على أن الشاة أقل ما يجزي في الوليمة عن الموسر ولولا ثبوت أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أو لم على بعض نسائه بأقل من الشاة لكان يمكن أن يستدل به على أن الشاة أقل ما يجزي في الوليمة مطلقا ولكن هذا الأمر من خطاب الواحد وفي تناوله لغيره خلاف في الأصول معروف‏.‏
قال القاضي عياض وأجمعوا على أنه لأحد لأكثر ما يولم به وأما أقله فكذلك ومهما تيسير أجزأ والمستحب أنها على قدر حال الزوج‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏ما أولم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم على شيء من نسائه‏"‏ الخ هذا محمول على ما انتهى إليه علم أنس أو لما وقع من البركة في وليمتها حيث أشبع خبزا ولحما من الشاة الواحدة وإلا فالذي يظهر أنه أو لم على ميمونة بنت الحرث التي تزوجها في عمرة القضية بمكة وطلب من أهل مكة أن يحضروا وليمتها فامتنعوا أن يكون ما أولم به عليها أكثر من شاة

 

ج / 6 ص -177-       لوجود التوسعة عليه في تلك الحال لأن ذلك كان بعد فتح خيبر وقد وسع اللّه على المسلمين في فتحها عليهم هكذا في الفتح وما ادعاه من الظهور ممنوع لأن كونه دعا أهل مكة لا يستلزم أن تكون تلك الوليمة بشاة أو بأكثر منها بل غايته أن يكون فيها طعام كثير يكفي من دعاهم مع أنه يمكن أن يكون في تلك الحال الطعام الذي دعاهم إليه قليلا ولكنه يكفي الجميع بتبريكه صلى اللّه عليه وآله وسلم عليه فلا تدل كثرة المدعوين على كثرة الطعام ولا سيما وهو في تلك الحال مسافر فإن السفر مظنة لعدم التوسعة في الوليمة الواقعة فيه فيعارض هذا مظنة التوسعة لكون الوليمة واقعة بعد فتح خيبر‏.‏ قال ابن بطال لم يقع من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم القصد إلى تفضيل بعض النساء على بعض بل باعتبار ما اتفق وأنه لو وجد الشاة في كل منهن لأولم بها لأنه كان أجود الناس ولكن كان لا يبالغ فيما يتعلق بأمور الدنيا في التأنق وقال غيره يجوز أن يكون فعل ذلك لبيان الجواز وقال الكرماني لعل السبب في تفضيل زينب في الوليمة على غيرها كان الشكر للّه على ما أنعم به عليه من تزويجه أياها بالوحي‏.‏ وقال ابن المنير يؤخذ من تفضيل بعض النساء على بعض في الوليمة جواز تخصيص بعضهن دون بعض في الأتحاف والألطاف‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏وعن صفية بنت شيبة‏"‏ صفية هذه ليست بصحابية وحديثها مرسل وقد رواه البعض عنها عن عائشة ورجح النسائي قوله من لم يقل يقل عن عائشة ولكنه قد روى البخاري عنها في كتاب الحج أنها قالت ‏"‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏ وقد ضعف ذلك المزي بأنه مروى من طريق أبان بن صالح زكذلك صرح بتضعيفه ابن عبد البر في التمهيد ويجاب بأنه قد وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم حتى قال الذهبي في مختصر التهذيب ما رأيت أحدا ضعف إبان بن صالح ومما يدل على ثبوت صحبتها ما أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديثها ‏"‏قالت طاف النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم على بعير يستلم الحجر بمحجن وأنا أنظر إليه‏"‏ قال المزي هذا يضعف قول من أنكر أن يكون لها رؤية فإن إسناده حسن فيحتمل أن يكون مراد من أطلق أنه مرسل يعني من مراسيل الصحابة لأنها ما حضرت قصة زواج المرأة المذكورة في الحديث لأنها كانت بمكة طفلة أو لم تولد بعد والتزوج كان بالمدينة قوله ‏"‏على بعض نسائه‏"‏ قال الحافظ لم أقف على تعيين اسمها صريحا وأقرب ما يفسر به أم سلمة فقد أخرج ابن سعد عن شيخة الواقدي بسنده إلى أم سلمة ‏"‏قالت لما خطبني النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكر قصة تزويجه قالت فأدخلني بيت زينب بنت خزيمة فإذا جرة فيها شيء من شعير فأخذته فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت شيئا من إهالة فادمته فكان ذلك طعام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏
وأخرج ابن سعد أيضا بإسناد صحيح إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث إن أم سلمة أخبرته فذكرت قصة خطبتها وقصة الشعير‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏يبني بصفية‏"‏ أصله يبنى خباء جديدا مع صفية أو بسببها ثم استعمل البناء في الدخول بالزوجة يقال بني الرجل بالمرأة أي دخل بها‏.‏
ـ وفيه دليل ـ على أنها تؤثر المرأة الجديدة ولو في السفر‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏التمر والأقط والسمن‏"‏ هذه الأمور الثلاثة

 

ج / 6 ص -178-       إذا خلط بعضها بعض سميت حيسا‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏بالانطاع‏"‏ جمع نطع بفتح النون وكسرها مع فتح الطاء واسكانها أفصحهن كسر النون مع فتح الطاء والأقط بفتح الهمزة وكسر القاف وقد تسكن بعدها طاء مهملة وقد تقدم تفسيره في الفطرة وفي هذه القصة دليل على اختصاص الحجاب بالحرائر من زوجاته صلى اللّه عليه وآله وسلم لجعل الصحابة رضي اللّه عنهم الحجاب أمارة كونها حرة‏.‏

باب إجابة الداعي
1 - عن أبي هريرة قال
‏"‏شر الطعام طعام الوليمة تدعي لها الأغنياء وتترك الفقراء ومن لم يجب الدعوة فقد عصى اللّه ورسوله‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ وفي رواية قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ومن لم يجب فقد عصي اللّه ورسوله‏"‏ رواه مسلم‏.‏
2 - وعن ابن عمر ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها وكان ابن عمر يأتي الدعوة في العرص وغير العرس ويأتيها وهو صائم‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ وفي رواية ‏"‏إذا دعى أحدكم إلى الوليمة فليأتها‏"‏ متفق عليه ورواه أبو داود وزاد ‏"‏فإن كان مفطر فليطعم وإن كان صائما فليدع‏"‏ وفي رواية ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم "من دعى فلم يجب فقد عصى اللّه" لفظ ‏"‏إذا دعا أحدكم أخاه فليجب‏"‏ رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏ وفي لفظ ‏"‏إذا دعى أحدكم إلى وليمة عرس فليجب‏"‏ وفي لفظ ‏"‏من دعى إلى عرس أو نحوه فليجب‏"‏ رواهما مسلم وأبو داود‏.‏
3 - وعن جابر قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه وقال فيه ‏"‏وهو صائم‏"‏‏.‏
4 - وعن أبي هريرة قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"إذا دعى أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطرا فليطعم‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏ وفي لفظ ‏"‏إذا دعي أحدكم إلى الطعام وهو صائم فليقل أني صائم‏"‏ رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي‏.‏

 

ج / 6 ص -179-       5 - وعن أبي هريرة عن ‏"‏النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا دعى أحدكم إلى الطعام فجاء مع الرسول فذلك له أذن‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏
الرواية التي أنفرد بها أبو داود بلفظ ‏
"‏ومن دخل على غير دعوة دخل سارقا‏"‏ الخ في إسنادها أبان بن طارق البصرى سئل عنه أبو زرعة الرازي فقال شيخ مجهول وقال أبو أحمد بن عدي وابان بن طارق لا يعرف الا بهذا الحديث وهذا الحديث معروف به وليس له أنكر من هذا الحديث‏.‏ وفي إسناده أيضا درست بن زياد ولا يحتج بحديثه ويقال هو درست بن حممزة وقيل بل هما أثنان ضعيفان‏.‏وحديث أبي هريرة الآخر رجال إسناده ثقات لكنه قال أبو داود يقال قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئا‏.‏ قوله ‏"‏شر الطعام طعام الوليمة‏"‏ إنما سماه شرا لما ذكره عقبه فكأنه قال شر الطعام الذي شأنه كذا‏.‏ وقال الطيبي اللام في الوليمة للعهد إذ كان من عادة الجاهلية أن يدعوا الأغنياء ويتركوا الفقراء‏.‏ وقوله ‏"‏يدعي‏"‏ الخ استنئاف وبيان لكونها شر الطعام وقال البيضاوي من مقدرة كما يقال شر الناس من أكل وحده أي من شرهم‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏تدعى‏"‏ الخ الجملة في موضع الحال‏.‏ ووقع في رواية للطبراني من حديث ابن عباس ‏"‏بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجيعان‏"‏‏.‏ قوله ‏"‏فقد عصى اللّه ورسوله‏"‏ احتج بهذا من قال بوجوب الإجابة إلى الوليمة لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب وقد نقل ابن عبد البر والقاضي عياض والنووي الاتفاق على وجوب الإجابة لوليمة العرس‏.‏ قال في الفتح وفيه نظر نعم المشهور من أقوال العلماء الوجوب وصرح جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين ونص عليه مالك‏.‏ وعن بعض الشافعية والحنابلة أنها مستحبة وذكر اللخمي من المالكية أنه المذهب وعن بعض الشافعية والحنابلة هي فرض كفاية‏.‏ وحكى في البحر عن العترة والشافعية أن الإجابة إلى وليمة العرس مستحبة كغيرها ولم يحك الوجوب إلا عن أحد قولي الشافعي فانظركم التفاوت بين من حكى الإجماع على الوجوب وبين من لم يحكه إلا عن قول لبعض العلماء الظاهر الوجوب للأوامر الواردة بالإجابة من غير صارف لها عن الوجوب ولجعل الذي لم يجب عاصيا وهذا في وليمة شرعا كما سلف في أول الباب كانت الإجابة إليها واجبة‏.‏
ـ لا يقال ـ ينبغي حمل مطلق الوليمة على الوليمة المقيدة بالعرس كما وقع في رواية حديث ابن عمر المذكور بلفظ
‏"‏إذا دعى أحدكم إلى وليمة عرس فليجب‏"‏‏.‏
ـ لأنا نقول ـ ذلك غير ناتج للتقييد لما وقع في الرواية المتعقبة لهذه الرواية بلفظ من دعى إلى عرس أو نحوه وأيضا قوله ‏"‏من لم يجب الدعوة فقد عصى اللّه‏"‏ يدل على وجوب الإجابة إلى غير وليمة العرس‏.‏ قال في الفتح وأما الدعوة فهي أعم من الوليمة وهي بفتح الدال على المشهور وضمها قطرب في مثلثاته وغلطوه في ذلك على ما قال النووي‏.‏ وقال في الفتح أيضا في باب آخر والذي يظهر من اللام في الدعوة للعهد من الوليمة المذكورة أولا‏.‏ قال وقد تقدم أن الوليمة إذا اطلقت حملت على طعام

 

ج / 6 ص -180-       العرس بخلاف سائر الولائم فإنها تقيد انتهى‏.‏ ويجاب أولا بأن هذا مصادرة على المطلوب لأن الوليمة المطلقة هي محل النزاع وثانيا بأن في أحاديث الباب ما يشعر بالإجابة إلى كل دعوة ولا يمكن فيه ما ادعاه في الدعوة وذلك نحو ما في رواية ابن عمر بلفظ ‏"‏من دعي فلم يجب فقد عصى اللّه‏"‏ وكذلك قوله ‏"‏من دعى إلى عرس أو نحوه فليجب‏"‏ وقد ذهب إلى وجوب الإجابة مطلقا بعض الشافعية ونقله عبد البر عن عبيد اللّه بن الحسن العنبري قاضي البصرة وزعم ابن حزم أنه قال جمهور الصحابة والتابعين‏.‏
وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية وبالغ السرخسي منهم فنقل فيه الإجماع وحكاه البحر عن العترة ولكن الحق ما ذهب إليه الأولون لما عرفت قال في الفتح بعد أن حكى وجوب الإجابة إلى وليمة العرس إن شرط وجوبها أن يكون الداعي مكلفا حرا رشيدا وأن لا يختص الأغنياء دون الفقراء وأن لا يظهر قصد التودد لشخص لرغبة فيه أو رهبة منه وأن يكون الداعي مسلما على الأصح وأن يختص باليوم الأول وعلى المشهور وأن لا يسبق فمن سبق تعينت الإجابة له دون الثاني وأن لا يكون هناك ما يتأذى بحضوره من منكر أو غيره وأن لا يكون له عذر وسيأتي البحث عن أدلة هذه الأمور إن شاء اللّه تعالى‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏دخل سارقا وخرج مغيرا‏"‏ بضم الميم وكسر الغين المعجمة اسم فاعل من أغار يغير إذا نهب مال غيره فكأنه شبه دخوله على الطعام الذي لم يدع إليه بدخول السارق الذي يدخل بغير أرادة المالك لأنه اختفى بين الداخلين وشبه خروجه بخروج من نهب قوما وخرج ظاهرا بعد ما أكل بخلاف الدخول فإنه دخل مختفيا خوفا من أن يمنع وبعد الخروج قد قضي حاجته فلم يبق له حاجة إلى التستر‏.‏ قوله ‏"‏فإن شاء طعم‏"‏ بفتح الطاء وكسر العين أي أكل‏.‏ قوله ‏"‏وإن شاء ترك‏"‏ فيه دليل على إن نفس الأكل لا يجب على المدعي في عرس أو غيره وإنما الواجب الحضور وصحح النووي وجوب الأكل ورجحه أهل الظاهر ولعل متمسكه ما في الرواية الأخرى من قوله
‏"‏وإن كان مفطرا فليطعم‏"‏‏.‏ قوله ‏"‏فإن كان صائما فليصل‏"‏ وقع في رواية هشام بن حسان في آخره والصلاة الدعاء ويؤيده ما وقع عند أبي داود من طريق أبي أسامة عن عبيد اللّه بن عمر بن نافع في آخر الحديث المرفوع ‏"‏فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليدع‏"‏ وهو يرد قول بعض الشراح أنه محمول على ظاهره وإن المراد فليشتغل بالصلاة ليحصل له فضلها ويحصل لأهل المنزل والحاضرين بركتها ويرده أيضا حديث ‏"‏لا صلاة بحضرة طعام‏"‏‏.‏
وفي الحديث دليل على أنه يجب الحضور على الصائم ولا يجب عليه الأكل ولكن هذا بعد أن يقول للداعي أني صائم ما في الرواية الأخرى فإن عذره من الحضور بذلك وإلا حضر وهل يستحب له أن يفطر ان كان صومه تطوعا قال أكثر الشافعية وبعض الحنابلة إن كان يشق على صاحب الدعوة صومه فالأفضل الفطر وإلا فالصوم واطلق الروباني استحباب الفطر وهذا على رأي من يجوز الخروج من صوم النفل وأما من يوجب الأستمرار فيه بعد التلبس به فلا يجوز قوله ‏"‏فذلك أذن له‏"‏ فيه دليل على أنه لا يجب الاستئذان على المدعو إذا كان معه رسول الداعي وإن كون الرسول معه بمنزلة الإذن‏.

 

ج / 6 ص -181-       باب ما يصنع إذا اجتمع الداعيان
1 - عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن رجل من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏"‏إذا أجتمع الداعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا فإذا سبق أحدهما فأجب الذي سبق‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏
2 - وعن عائشة ‏"‏أنها سألت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت إن لي جارين فإلى أيهما أهدي فقال
إلى أقربهما منك بابا‏"‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري‏.‏
الحديث الأول في إسناده أبو خالد يزيد بن عبد الرحمن المعروف بالدالاني وقد وثقه أبو حاتم الرازي وقال الإمام أحمد لا بأس به‏.‏ وقال ابن معين ليس به بأس‏.‏ وقال ابن حبان لا يجوز الأحتجاج به‏.‏ وقال ابن عدي في حديثه لين الا أنه يكتب حديثه وحكى عن شريك أنه قال كان مرجئا وقال في التلخيص إن إسناد هذا الحديث ضعيف ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من رواية حميد بن عبد الرحمن عن أبيه وقد جعل الحافظ حديث عائشة المذكور شاهدا للحديث الأول ووجه ذلك إن ايثار الأقرب بالهدية يدل على أنه أحق من الأبعد في الإحسان إليه فيكون أحق منه بإجابة دعوته مع اجتماعهما في وقت واحد فإن تقدم أحدهما كان أولى بالإجابة من الآخر سواء كان السابق هو الأقرب أو الأبعد فالقرب وإن كان سببا للإيثار ولكنه لا يعتبر الا مع عدم السبق فإن وجد السبق فلا اعتبار بالقرب فإن وقع الأستواء في قرب الدار وبعدها مع الأجتماع في الدعوة فقال الإمام يحيى يقرع بينهما وقد قيل أن من مرجحات الإجابة لأحد الداعيين كونه رحما أو من أهل العلم أو الورع أو القرابة من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏

باب إجابة من قال لصاحبه ادع من لقيت وحكم الإجابة في اليوم الثاني والثالث
1 - عن أنس قال ‏"‏تزوج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فدخل بأهله فصنعت أمي أم سليم حيسا فجعلته في تور فقالت يا أنس أذهب به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فذهبت به قال ضعه ثم قال
أذهب فادع لي فلانا وفلانا ومن لقيت فدعوت من سمي ومن لقيت‏"‏‏.‏ متفق عليه ولفظه لمسلم‏.‏
قوله ‏"‏حيسا‏"‏ بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها سين مهملة وهو ما يتخذ من الأقط والسمن وقد يجعل عوض الأقط الدقيق‏.‏ قوله ‏"‏في تور‏"‏ يفتح الفوقية وسكون الواو وآخره راء مهملة وهو إناء من نحاس أوغيره‏.‏
والحديث فيه دليل على جواز الدعوة إلى

 

ج / 6 ص -182-       الطعام على الصفة التي أمر بها صلى اللّه عليه وآله وسلم من دون تعيين المدعو وفيه جواز إرساله الصغير إلى من يريد المرسل دعوته إلى طعامه وقبول الهدية من المرأة الأجنبية ومشروعية هدية الطعام وفيه معجزة ظاهرة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فإنه قد روى إن ذلك الطعام كفى جميع من حضر إليه وكانوا جميعا كثيرا مع كونه شيئا يسيرا كما يدل على ذلك قوله فجعلته في تور وكون الحامل له ذلك الصغير‏.‏
2 - وعن قتادة عن الحسن عن عبد اللّه بن عثمان الثقفي عن رجل من ثقيف يقال أن له معروفا وأثني عليه قتادة إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"الوليمة أول يوم حق واليوم الثاني معروف واليوم الثالث سمعة ورياء‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود ورواه الترمذي من حديث ابن مسعود وابن ماجه من حديث أبي هريرة‏.‏
الحديث الأول أخرجه أيضا النسائي والدارمي والبزار وأخرجه البغوي في معجم الصحابة فيمن اسمه زهير قال ولا أعلم له غيره وقال ابن عبد البر في إسناده نظر يقال أنه مرسل وليس له غيره وذكر البخاري هذا الحديث في تاريخه الكبير في ترجمة زهير بن عثمان وقال لا يصح إسناده ولا يعرف له صحبة ووهم ابن قانع فذكره في الصحابة فيمن اسمه معروف وذلك أنه وقع في السنن والسمند عن رجل من ثقيف كان يقال له معروفا أي يثني عليه وحديث ابن مسعود استغر به الترمذي‏.‏ وقال الدارقطني تفرد به زياد بن عبد اللّه عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عنه قال الحافظ وزياد مختلف في الأحتجاج به ومع ذلك فسماعه عن عطاء بعد الأختلاط‏.‏ وحديث أبي هريرة في في إسناده عبد الملك بن حسين النخعي الواسطي قال الجافظ ضعيف وفي الباب عن أنس عند البيهقي وفي إسناده بكر بن خنيس وهو ضعيف وذكر ابن أبي حاتم والدارقطني في العلل من حديث الحسن عن أنس ورجحا رواية من أرسله عن الحسن‏.‏
ـ وفي الباب ـ أيضا عن وحشي بن حرب عند الطبراني بإسناد ضعيف وعن ابن عباس عنده أيضا بإسناد كذلك‏.‏
الحديث فيه دليل على مشروعية الوليمة في اليوم الأول وهو من متمسكات من قال بالوجوب كما سلف وعدم كراهتها في اليوم الثاني لأنها معروف والمعروف ليس بمنكر ولا مكروه وكراهتها في اليوم الثالث لأن الشيء إذا كان للسمعة والرياء لم يكن حلالا‏.‏ قال النووي إذا أولم ثلاثا فالإجابة في اليوم الثالث مكروهة وفي الثاني لا تجب قطعا ولا يكون استحبابها فيه كاستحبابها في اليوم الأول انتهى‏.‏ وذهب بعض العلماء إلى الوجوب في اليوم الثاني وبعضهم إلى الكراهة وإلى كراهة الإجابة في اليوم الثالث ذهبت الشافعية والحنابلة والهادوية وأخرج ابن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام فلما كان يوم الانصار دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهما فكان أبي صائما فلما طعموا دعا أبي‏.‏

 

ج / 6 ص -183-       وأخرجه عبد الرزاق وقال فيه ثمانية أيام‏.‏ وقد ذهب إلى استحباب الدعوة إلى سبعة أيام المالكية كما حكى ذلك القاضي عياض عنهم وقد أشار البخاري إلى ترجيح هذا المذهب فقال باب إجابة الوليمة والدعوة ومن أولم سبعة أيام ولم يؤقت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يوما ولا يومين انتهى ولا يخفى أن أحاديث الباب يقوى بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها على أن الدعوة بعد اليومين مكروهة‏.‏

باب من دُعي فرأى منكرا فلينكره وإلا فليرجع
1 - قد سبق قوله
‏"‏من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه‏"‏‏.‏
2 - وعن علي رضي اللّه عنه قال ‏"‏صنعت طعاما فدعوت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع‏"‏‏.‏ رواه ابن ماجه‏.‏
3 - وعن ابن عمر قال ‏"‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن مطعمين عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل وهو منبطح‏"‏‏.‏ رواه أبو داود‏.‏
4 - وعن عمر قال ‏"‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول
"من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يدخل الحمام الا بازار ومن كانت تؤمن باللّه واليوم الآخر فلا دخل الحمام‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏ ورواه البخاري بمعناه من رواية جابر وقال حديث حسن غريب قال أحمد وقد خرج أبو أيوب حين دعاه ابن عمر فرأي البيت قد ستر ودعي حذيفة فخرج وإنما رأى شيئا من زي الأعاجم‏.‏ قال البخاري ورأى ابن مسعود صورة في البيت فرجع‏.‏
الحديث الأول الذي أشار المصنف إليه قد سبق في باب خطبة العيد وأحكامها من كتاب العيدين‏.‏ وحديث علي أخرجه ابن ماجه بإسناد رجاله رجال الصحيح وسياقه هكذا حدثنا أبو كريب قال حدثنا وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن علي فذكره‏.‏ وتشهد له أحاديث قد تقدمت في الباب حكم مافيه صورة من الثياب من كتاب اللباس‏.‏ وحديث ابن عمر أخرجه أيضا النسائي والحاكم وهو من رواية جعفر بن برقان عن الزهري ولم يسمع منه وقد أعل الحديث بذلك أبو داود والنسائي وأبو حاتم ولكنه قد روى أحمد والنسائي والترمذي والحاكم عن جابر مرفوعا
‏"‏من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار

 

ج / 6 ص -184-       عليها الخمر‏"‏ وأخرجه أيضا الترمذي من طريق ليث بن أبي سليم عن طاوس عن جابر‏.‏ وهذا الحديث هو الذي أشار إليه المصنف وقد حسنه الترمذي وقال الحافظ جيد‏.‏ وأما الطريق الأخرى التي أنفرذ بها الترمذي فإسنادها ضعيف‏.‏ وأخرج نحوه البزار من حديث أبي سعيد والطبراني من حديث ابن عباس وعمران بن حصين‏.‏ وحديث عمر إسناده ضعيف كما قاله الحافظ في التلخيص وأثر أبي أيوب رواه البخاري في صحيحه معلقا بلفظ ‏"‏ودعا ابن عمر أبا أيوب فرأى في البيت سترا فقال غلبنا عليه النساء فقال من كنت أخشي عليه فلم أكن أخشى عليك واللّه لا أطعم لكم طعاما فرجع‏"‏ وقد وصله أحمد في كتاب الورع ومسدد في مسنده والطبراني وأثر ابن مسعود قال الحافظ كذا في رواية المستملى والأصيلي والقابسي‏.‏ وفي رواية الباقين أبو مسعود والأول تصحيف فيما أظن فأني لم أر الأثر المعلق الا عن أبي مسعود عقبة بن عمرو أخرجه البيهقي من طريق عدي بن ثابت عن خالد بن سعد عن أبي مسعود وسنده صحيح وخالد بن سعد هومولى أبي مسعود الأنصاري ولا أعرف له عن عبد اللّه بن مسعود رواية ويحتمل أن يكون ذلك وقع لعبد اللّه بن مسعود أضا لكن لم أقف عليه‏.‏ وأخرج أحمد في كتاب الزهد من طريق عبد اللّه بن عتبة قال ‏"‏دخل ابن عمر بيت رجل دعاه إلى عرس فإذا بيته قد ستر بالكرور فقال ابن عمر يافلان متى تحولت الكعبة في بيتك فقال لنفر معه من أصحاب محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم ليهتك كل رجل ما يليه‏"‏‏.‏
وأحاديث الباب وآثاره فيها دليل على أنه لا يجوز الدخول في الدعوة يكون فيها منكر مما نهى اللّه ورسوله عنه لما في ذلك اظهار الرضا بها‏.‏ قال في الفتح وحاصله ان كان هناك محرم وقدر على إزالته فإزاله فلا بأس وإن لم يقدر فليرجع وإن كان مما يكره كراهة تنزيه فلا يخفى الورع‏.‏ قال وقد فصل العلماء في ذلك فإن كان هناك لهو مما اختلف فيه فيجوز الحضور والأولى الترك وإن كان هناك حرام كشرب الخمر نظر فإن كان المدعو ممن إذا حضر رفع لاجله فليحضر وان لم يكن كذلك ففيه للشافعية وجهان أحدهما يحضر وينكر بحسب قدرته وإن كان الأولى أن لا يحضر قال البيهقي وهو ظاهر نص الشافعي وعليه جرى العراقيون من أصحابه وقال صاحب الهداية من الحنفية لا بأس أن يقعد ويأكل إذا لم يقتدي به فإن كان ولم يقدر على منعهم فليخرج لما فيه من شين الدين وفتح باب المعصية وحكى عن أبي حنيفة أنه قعد وهو محمول على أنه وقع له ذلك قبل أن يصير مقتدى به قال وهذا كله بعد الحضور فإن علم قبله لم يلزمه الإجابة‏.‏ والوجه الثاني للشافعية تحريم الحضور لأنه كالرضا بالمنكر وصححه المروزي فإن لم يعلم حتى حضر فلينههم فإن لم ينتهوا فليخرج الا أن خاف على نفسه من ذلك وعلى ذلك جرى الحنابلة وكذا اعتبر المالكية في وجوب الأجاب أن لا يكون هناك منكر وكذلك الهادوية وحكى ابن بطال وغيره عن مالك أن الرجل إذا كان من أهل الهيبة لا ينبغي له أن يحضر موضعا فيه لهو أصلا ويؤيد منع الحضور حديث عمران بن حصين ‏"‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن إجابة طعام الفاسقين‏"‏ أخرجه الطبراني في الأوسط‏.‏
قوله ‏"‏فلا يدخل الحمام‏"‏ الخ قد تقدم الكلام على ذلك في باب ما جاء في دخول الحمام من

 

ج / 6 ص -185-       كتاب الغسل‏.‏ قوله ‏"‏فرأى البيت قد ستر‏"‏ اختلف العلماء في حكم ستر البيوت والجدران فجزم جمهور الشافعية بالكراهة‏.‏ وصرح الشيخ نصر الدين المقدسي منهم بالتحريم واحتج بحديث عائشة عند مسلم ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال "إن اللّه لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين وجذب الستر حتى هتكه‏"‏ قال البيهقي هذه اللفطة تدل على كراهة ستر الجدر وان كان في بعض الفاظ الحديث ان المنع كان بسبب الصورة وقال غيره ليس في السياق ما يدل على التحريم وإنما فيه نفي الأمر بذلك ونفي الأمر لا يستلزم ثبوت النهي لكن يمكن أن يحتج بفعله صلى اللّه عليه وآله وسلم في هتكه‏.‏ وقد جاء عن ستر الجدر صريحا منها في حديث ابن عباس عند أبي داود وغيره ‏"‏لا تستروا الجدر بالثياب‏"‏ وفي إسناده ضعيف وله شاهد مرسل عن علي بن الحسين أخرجه ابن وهب ثم البيهقي من طريقه وعند سعيد بن منصور من حديث سلمان موقوفا أنه أنكر ستر البيت وقال أمحموم بيتكم وتحولت الكعبة عندكم ثم قال لا أدخله حتى يهتك‏.‏ وأخرج الحاكم والبيهقي من حديث محمد بن كعب عن عبد اللّه بن يزيد الخطمي أنه رأى بيتا مستورا فقعد وبكى وذكر حديثا عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فيه ‏"‏كيف بكم إذا سترتم بيوتكم‏"‏ الحديث وأصله في النسائي‏.‏

باب حجة من كره النثار والانتهاب منه
1 - عن زيد بن خالد ‏"‏أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ينهي عن النهبة والخلس‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
2 - وعن عبد اللّه بن يزيد الأنصاري ‏"‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن المثلة والنهبي‏"‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري‏.‏
3 - وعن أنس ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"من انتهب فليس منا‏"‏‏.‏ رواه أحمد والترمذي وصححه وقد سبق من حديث عمران بن حصين مثله‏.‏
حديث زيد بن خالد قال في مجمع الزوائد أخرجه أحمد والطبراني وفي إسناده رجل لم يسم‏.‏ وحديث عمر ان قد تقدم وتقدم في شرحه الكلام عليه وعلى النثار‏.‏
ـ والحاصل ـ إن أحاديث النهي عن النهبي ثابتة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من طريق جماعة من الصحابة في الصحيح وغيره وهي تقتضي تحريم كل انتهاب ومن جملة ذلك انتهاب النثار ولم يأت ما يصلح لتخصيصه ولو صح حديث جابر الذي أورده الجويني وصححه وأورده الغزالي والقاضي حسين من الشافعية لكان مخصصا لعموم النهي عن النهبي ولكنه لم يثبت عند أئمة الحديث المعتبرين حتى قال الحافظ أنه لا يوجد ضعيفا فضلا عن صحيح والجويني وإن كان من أكابر العلماء فليس هو من علماء الحديث وكذلك الغزالي والقاضي حسين وإنما هم من الفقهاء الذي لا يميزون بين الموضوع وغيره كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنة واطلاع على مؤلفات هؤلاء‏.‏ ولفظ حديث جابر عندهم ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حضر في أملاك فأتى بأطباق فيها جوز ولوز فنثرت فقبضنا أيدينا فقال مالكم

 

ج / 6 ص -186-       لا تأخذون فقالوا إنك نهيت عن النهبى فقال إنما نهيتكم عن نهبى العساكر خذوا على اسم اللّه فتجاذبناه‏"‏ ولكنه قد روى هذا الحديث البيهقي من حديث معاذ بن جبل بإسناد ضعيف منقطع ورواه الطبراني من حديث عائشة عن معاذ وفيه بشر بن إبراهيم المفلوح قال ابن عدي هو عندي ممن يضع الحديث وساقه العقيلي من طريقه ثم قال لا يثبت في الباب شيء وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ورواه أيضا من حديث أنس وفي إسناده خالد بن اسمعيل قال ابن عدي يضع الحديث وقال غيره كذاب‏.‏ وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن الحسن والشعبي أنهما كانا لا يريان به بأسا وأخرج كراهيته‏.‏ عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وعكرمة قال في البحر فصل والنثار بضم النون وكسرها ما ينثر في النكاح أو غيره مسألة الحسن البصري ثم القاسم وأبو حنيفة وأبو عبيد وابن المنذر من أصحاب الشافعي وهو مباح إذ ما نثره مالكه إلا إباحة له ‏(‏الأمام يحيى‏)‏ ولا قول للّهادي فيه لا نصا ولا تخريجا عطاء وعكرمة وابن أبي ليلى وابن شبرمة ثم الشافعي ومالك بل يكره لمنافاته المروءة والوقار الصميري يندب ويكره الانتهاب لذلك قلت ندبهما لخير جابر انتهى‏.‏ وقد تقدم في باب من أذن في انتهاب أضحيته من أبواب الضحايا حديث جعله المصنف حجة لمن رخص في النثار‏.‏

باب ما جاء في إجابة دعوة الختان
1 - عن الحسن قال ‏"‏دعي عثمان ابن أبي العاص إلى ختان فأبي أن يجيب فقيل له فقال انا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولاندعي له‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
الأثر هو في مسند أحمد بإسناد لا مطعن فيه الا أن فيه ابن إسحاق وهوثقة ولكنه مدلس وقد أخرجه الطبراني في الكبير بإسناد أحم وأخرجه ايضا بإسند آخر في حمزة العطار وثقه ابن أبي حاتم وضعفه غيره‏.‏ وقد استدل به على عدم مشروعية إجابة وليمة الختان لقوله ‏"‏كنا لا نأتي الختان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏ وقد قدمنا إن مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وجوب الإجابة إلى سائر الولائم وهي على ما ذكره القاضي عياض والنووي ثمان‏.‏ الأعذار بعين مهملة وذال معجمة للختان‏.‏ والعقيقة للولادة‏.‏ والخرس بضم المعجمة وسكون الرء بعدها السين المهملة لسلامة المرأة من الطلق وقيل هو طعام الولادة‏.‏ والعقيقة مختص بيوم السابع‏.‏ والنقيعة لقدوم المسافر مشتقة من النقع وهو الغبار‏.‏ والوكيرة للمسكن المتجدد مأخوذ من الوكير وهو المأوى‏.‏ والمستقر والوضيمة‏.‏ بضاد معجمة لما يتخذ عند المصيبة‏.‏ والمأدبة لما يتخذ بلا سبب ودالها مضمومة ويجوز فتحها انتهى‏.‏ وقد زيد وليمة الاملاك وهو التزوج ووليمة الدخول وهو العرس وقل من غاير بينهما ومن الولائم الأحذاق بكسر الهمزة وسكون المهملة وتخفيف الذال المعجمة وآخره قاف الطعام الذي يتخذ عند حذق الصبي ذكره ابن الصباغ في الشامل وقال ابن الرفعة هو الذي يصنع عند ختم القرآن‏.‏ وذكر المحاملي في الولائم العتيرة بفتح المهملة ثم مثناة مكسورة وهي شاة تذبح في أول رجب وتعقب بأنها في معنى الأضحية فلامعنى لذكرها مع الولائم قيل ومن جملة الولائم تحفة الزائر‏.

 

ج / 6 ص -187-       باب الدف واللّهو في النكاح
1 - عن محمد بن حاطب قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح‏"‏‏.‏ رواه الخمسة إلا أبا داود‏.‏
2- وعن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"أعلنوا هذا النكاح وأضربوا عليه بالغربال‏"‏ روه ابن ماجه‏.‏
3 - وعن عائشة ‏"‏أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
"ما معكم من لهو فإن الأنصار يعجبهم اللّهو‏"‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري‏.‏
4 - وعن عمرو بن يحيى المازني عن جده أبي حسن ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يكره نكاح السر تى يضرب بدف ويقال أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم‏"‏‏.‏ رواه عبد اللّه بن أحمد وفي المسند‏.‏
5 - وعن ابن عباس قال ‏"‏أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال "أهديتكم الفتاة قالوا نعم قال أرسلتم معها من يغني قالت لا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
إن الأنصار قوم فيها غزل فلو بعثتم معها من يقول أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم‏"‏‏.‏ رواه ابن ماجه‏.‏
6 - وعن خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ قالت ‏"‏دخل على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم غداة بني علي فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويرات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائي يوم بدر حتى قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
لا تقولي هكذا وقولي كما كنت تقولين‏"‏‏.‏ رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي‏.‏
حديث محمد بن حاطب حسنه الترمذي قال ومحمد بن حاطب قد رأي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو صغير وأخرجه الحاكم‏.‏ وحديث عائشة في إسناده خالد بن الياس وهو متروك وقد أخرجه أيضا الترمذي بلفظ ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف‏"‏ قال الترمذي هذا حديث غريب وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث

 

ج / 6 ص -188-       وعيسى بن ميمون الذي يروي عن ابن أبي نجيح هو ثقة انتهى‏.‏ وقد روى الترمذي هذا الحديث من طريق الأول‏.‏ وأخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده خالد بن الياس وهو منكر الحديث‏.‏ وحديث عمرو بن يحيى سياقه في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا جعفر بن عون أخبرنا الأجلح عن أبي الزبير عن ابن عباس فذكره والأجلح وثقه ابن معين العجلي وضعفه النسائي وبقية رجال الإسناد رجال الصحيح يشهد له حديث ابن عباس المذكور‏:‏ وحديث ابن عباس في إسناده الحسين بن عبد اللّه بن ضميرة قال في مجمع الزوائد وهو متروك وأخرجه أيضا الطبراني وابو الشيخ‏.‏
ـ وفي الباب ـ عن عامر بن سعد قال دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس ‏"‏وإذا جوار يغنين فقلت أي صاحبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أهل بدر يفعل هذا عندكم فقالا أجلس إن شئت فاستمع معنا وإن شئت فأذهب فإنه قد رخص لنا اللّهو عند العرس‏"‏ أخرجه النسائي والحاكم وصححه وأخرج الطبراني من حديث السائب بن يزيد ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رخص في ذلك‏"‏ قوله الدف والصوت أي ضرب الدف ورفع الصوت‏.‏ وفي ذلك دليل على أنه يجوز في النكاح ضرب الأدفاف ورفع الأصوات بشيء من الكلام نحو أتيناكم ونحوه لا بالأغاني المهيجة للشرور المشتملة على وصف الجمال والفجور ومعاقرة الخمور فإن ذلك يحرم في النكاح كما يحرم‏.‏ في غيره وكذلك سائر الملاهي المحرمة‏.‏ قال في البحر الأكثر وما يحرم من الملاهي في غير النكاح يحرم في لعموم النهي النخعي وغيره يباح في النكاح لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم واضربوا عليه بالدفوف فيقاس المزمار وغيره قال قلنا هذا لا ينافي عموم قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما نهيت عن صوتين أحمقين الخبر ونحوه فيحمل على ضربة غير ملهية قال الإمام يحيى دف الملاهي مدور جلده من رق أبيض ناعم في عرضه سلاسل يسمى الطار له صوت يطرب لحلاوة نغمته وهذا لا إشكال في تحريمه وتعلق النهي به وأما دف العرب فهو على شكل الغربال خلا أنه لا خروق فيه وطوله إلى أربعة أشباب فهو الذي أراده صلى اللّه عليه وآله وسلم لأنه المعهود حينئذ وقد حكى أبو طالب عن الهادي إنه محرم أيضا إذ هو آلة لهو وحكى المؤيد باللّه عن الهادي أنه يكره فقط وهو الذي في الأحكام‏.‏ وقال أبو العباس وأبو حنيفة وأصحابه بل مباح لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم اللّه واضربوا عليه بالدفوف وهذا هو الظاهر للأحاديث المذكورة في الباب بل لا يبعد أن يكون ذلك مندوبا ولأن ذلك أقل ما يفيده الأمر في قوله أعلنوا هذا النكاح الحديث ويؤيد ذلك ما في حديث المازني المذكور ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يكره نكاح السر حتى يضرب بدف‏:‏ قوله ‏"‏ما كان معكم لهو‏"‏ قال في الفتح في رواية شريك فقال فهل بعثتم جارية تضرب بالدف وتغني قلت تقول ماذا قال تقول‏:‏
أتيناكم أتيناكـــم ** فحيانا وحياكم
ولولا الذهب الأحم ** ر ماحلت بواديكم
ولولا الحنطة السمراء * ما سمنت عذاريكم

 

ج / 6 ص -189-       قوله ‏"‏بني على‏"‏ أي تزوج بي‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏كمجلسك‏"‏ بكسر اللام أي مكانك قال الكرماني هو محمول على أن ذلك كان من وراء حجاب أو كان قبل نزول الآية الحجاب أو عند الأمن من الفتنة قال الحافظ والذي صح لنا بالأدلة القوية أن من خصائصه صلى اللّه عليه وآله وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها‏.‏ قال الكرماني ويجوز أن تكون الرواية كمجلسك بفتح اللام‏.‏ قوله ‏"‏يندبن‏"‏ من الندبة بضم النون وهي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه قال المهلب وفي هذا الحديث اعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح وفي اقبال الامام إلى العرس وإن كان فيه لهو ما لم يخرج عن حد المباح وسيأتي الكلام في الغناء وآلات الملاهي مبسوطا في أبواب السبق إن شاء اللّه تعالى‏.‏

باب الأوقات التي يستحب فيها البناء على النساء وما يقول إذا زفت إليه
1 - عن عائشة قالت ‏"‏تزوجني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في شوال وبني بي في شوال فأي نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان أحظى عنده مني وكانت عائشة تستحب أن يدخل نساؤها في شوال‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏
2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
‏"‏إذا افاد أحدكم امرأة أو خادما أو دابة فليأخذ بناصيتها وليقل اللّهم أي أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ماجبلتها عليه‏"‏‏.‏ رواه ابن ماجه وأبو داود بمعناه‏.‏
حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود ورجال إسناده إلى عمرو بن سعيد ثقات وقد تقدم اختلاف الأئمة في حديث عمرو بن شعيب ولفظه في سنن أبي داود
‏"‏إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل اللّهم أني أسألك خيرها وخير ماجبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك‏"‏ وفي رواية ‏"‏ثم ليأخذ بناصيتهما‏"‏ يعني المرأة والخادم وليدع بالبركة‏.‏
ـ استدل ـ المصنف بحديث عائشة على استحباب البناء بالمرأة في شوال وهو إنما يدل على ذلك إذا تبين ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قصد ذلك الوقت لخصوصية له لا توجد في غيره لا إذا كان وقوع ذلك منه صلى اللّه عليه وآله وسلم على طريق الأتفاق وكونه بعض أجزاء الزمان فإنه لا يدل على الأستحباب لأنه حكم شرعي يحتاج إلى دليل وقد تزوج صلى اللّه عليه وآله وسلم بنسائه في أوقات مختلفة على حسب الأتفاق ولم يتحر وقتا مخصوصا ولو كان مجرد الوقوع يفيد الأستحاب لكان كل وقت من الأوقات التي تزوج فيها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يستحب البناء فيه وهو غير مسلم‏.‏ والحديث الثاني فيه استحباب الدعاء بما تضمنه الحديث عند تزوج المرأة وملك الخادم والدابة وهو دعاء جامع لأنه إذا لقي الإنسان الخير من زوجته أو خادمه أو دابته وجنب الشر من تلك الأمور كان في ذلك جلب النفع واندفاع الضرر‏:‏ قوله ‏"‏إذا أفاد أحدكم‏"‏ قال في القاموس أفدت المال استفدته وأعطيته انتهى والمراد هنا الأول‏.‏

 

ج / 6 ص -190-       باب ما يكره من تزين النساء به ومالا يكره
1 - عن أسماء بنت أبي بكر قالت ‏"‏أتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم امرأة فقالت يا رسول اللّه ان لي ابنة عريسا وأنه أصحابها حصبة فتمرق شعرها أفاصله فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"لعن اللّه الواصلة والمستوصلة‏"‏‏.‏ متفق عليه متفق على مثله من حديث عائشة‏.‏
2 - وعن ابن عمر ‏"‏ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة‏"‏‏.‏
3 - عن ابن مسعود أنه قال ‏
"‏لعن اللّه الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق اللّه تعالى وقال مالي لا ألعن من لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏‏.‏
4 - وعن معاوية أنه قال ‏"‏وتناول قصة من شعر سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ينهي عن مثل هذه ويقول
"إنما هلكت بنو اسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم"‏‏.‏ متفق عليهن‏."‏
5 - وعن معاوية قال ‏"‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"أيما امرأة أدخلت في شعرها من شعر غيرها فإنما تدخله زورا‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏ وفي لفظ ‏"‏أيما امرأة زادت في شعرها شعرا ليس منه فإنه زور تزيد فيه‏"‏ رواه النسائي ومعناه متفق عليه‏.‏
6 - وعن ابن مسعود قال ‏"‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ينهي عن النامصة والواشرة والواصلة والواشمة الا من داء‏"‏‏.‏
7 - وعن عائشة قالت ‏"‏كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يلعن القاشرة والمقشورة والواشمة والموشومة والواصلة والموصولة‏"‏‏.‏ رواهما أحمد والنامصة ناتفة الشعر من الوجه والواشرة التي تشر الأسنان حتى تكون لها أشر أي تحدد ورقة تفعله المرأة الكبيرة تتشبه بالحديثة السن والواشمة التي تغرز من اليد بارة ظهر الكف والمعصم ثم تحشى بالكحل أو بالنؤر وهو دخان الشحم حتى يخضر والمنتمصة والمؤتشرة والمستوشمة اللاتي يفعل بهن ذلك بأذنهن وأما القاشرة والمقشورة فقال أبو عبيد نراه أراد هذه الغمرة التي يعالج بها النساء وجوههن

 

ج / 6 ص -191-       حتى ينسحق أعلى الجلد ويبدو ما تحته من البشرة وهو شبيه بما جاء في النامصة‏.‏
حديث عائشة الثاني قال في مجمع الزوائد وفيه من لم أعرفه من النساء‏.‏
ـ وفي الباب ـ عن ابن عباس قال
‏"‏لعنت الواصلة والمستوصلة والنامصة والمنتمصة والواشمة والمستوشمة غير داء‏"‏ أخرجه أبو داود وعن جابر عند مسلم ‏"‏زجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم المرأة أن تصل شعرها بشيء‏"‏ وعن معقل بن يسار عند أحمد والطبراني‏.‏ وعن أبي أمامة عند الطبراني بإسناد صحيح‏.‏ وعن ابن عباس أيضا حديث آخر عند الطبراني‏.‏
قوله ‏"‏عريسا‏"‏ بضم العين وفتح الراء وتشديد الياء المكسورة تصغير عروس والعروس يقع على المرأة والرجل في وقت الدخول‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏حصبة‏"‏ بفتح الحاء واسكان الصاد المهملتين ويقال أيضا بفتح الصاد وكسرها ثلاث لغات حكاهن جماعة والاسكان أشهر وهي بئر تخرج في الجلد تقول منه حصب جلده بكسر الصاد يحصب‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏فتمرق‏"‏ بالراء المهملة بمعنى تساقط هكذا حكى القاضي عياض في المشارق عن جمهور الرواة وحكى عن جماعة من رواة صحيح مسلم أنه بالزاي قال وهذا وإن كان قريبا من معنى الأول ولكنه لا يستعمل في الشعر في حال المرض قوله‏:‏ الواصلة هي التي تصل شعر امرأة بشعر امرآة أخرى لتكثر به شعر المرأة والمستوصلة هي التي تستدعي أن يفعل بها ذلك ويقال لها موصولة كما في الرواية الأخرى والواشمة فاعلة الوشم وهو أن يغرز في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة حتى يسيل الدم ثم يحشي ذلك الموضع بالكحل أو النؤر فيخضر ذلك الموضع وهو مما تستحسنه الفساق والنؤر الذي ذكره المصنف قال المصنف قال في القاموس كصبور وهو دخان الشحم كما ذكر وقد يطلق على أشياء أخر كما في القاموس وقد يكون الوشم بدارات ونقوش وقد يكثر وقد يقلل والوصل حرام لأن اللعن لا يكون على أمر غير محرم قال النووي وهذا هو الظاهر المختار قال وقد فصله أصحابنا فقالوا إن وصلت شعرها بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف وسواء كان شعر رجل أو امرأة وسواء شعر المحرم والزوج وغيرهما بلا خلاف لعموم الأدلة ولأنه يحرم الأنتفاع بشعر الآدمي وسائر اجزائه لكرامته بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه وان وصلته بشعر غير آدمي فإن كان شعرا نجسا وهو شعر الميتة وشعر مالا يؤكل لحمه إذا انفصل في حياته فهو حرام أيضا للحديث ولأنه حمل نجاسة في صلاتها وغيرها عمدا وسواء في هذين النوعين المزوجة وغيرها من النساء والرجال وأما الشعر الطاهر من غير الآدمي فإن لم يكن لها زوج ولا سيد فهو حرام أيضا وان كان فثلاثة أوجه أحدها لا يجوز لظاهر الأحاديث والثاني يجوز وأصحها عندهم إن فعلته بأذن الزوج أو السيد جاز ولا فهو حرام انتهى وقال القاضي عياض اختلف العلماء في المسألة فقال مالك والطبري وكثيرون أو الأكثرون الوصل ممنوع بكل شيء سواء وصلته بشعر أو صوف أو خرق واحتجوا بحديث جابر أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم زجر أن تصل المرأة برأسها شيئا‏.‏ وقال الليث بن سعد النهي مختص بالوصل

 

ج / 6 ص -192-       بالشعر ولا بأس بوصله بصوف وخرق وغيرهما‏.‏ وقال الإمام المهدي أن وصل شعر النساء بشعر الغنم لا وجه لتحريمه ويرده عموم حديث جابر المذكور فإنه شامل للشعر والصوف والوبر وغيرها‏.‏ وحكى النووي عن عائشة أنه يجوز الوصل مطلقا قال ولا يصح عنها بل الصحيح عنها كقول الجمهور‏.‏ قال القاضي عياض فأما ربط خيوط الحرير الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر فليس بمنهي عنه لأنه ليس بوصل ولا هو في معنى مقصود الوصل وإنما هو للتجمل والتحسين ويجاب بأن يخصيص عموم حديث جابر لا يكون الا لدليل فما هو وذهبت الهادوية إلى جواز الوصل بشعر المحرم ويجاب بأن تحريم مطلق الوصل يستلزم تحريم الوصل بشعر المحرم وكذلك عموم حديث جابر وحديث معاوية وقال الإمام يحيى إنما يحرم على غير ذوات الأزواج ويجاب بحديث أسماء المذكور فإنه مصرح بأن الوصل فيه للعروس ولم يجزء صلى اللّه عليه وآله وسلم فهو حرام أيضا لما تقدم‏.‏
قال أصحاب الشافعي هذا الموضع الذي وشم يصير نجسا فإن أمكن إزالته بالعلاج وجب إزالته وإن لم يكن الا بالجرح فإن خافت منه التلف أو فوات عضو أو منفعته أو شيئا فاحشا في عضو ظاهر لم تجب إزالته وإذا تابت لم يبق عليها أثم وإن لم تخف شيئا من شيء ونحوه لزمها إزالته وتعصى بتأخيره وسواء في هذا كله الرجل والمرأة‏.‏ قوله ‏"‏والمتنمصات‏"‏ بالتاء الفوقية ثم النون ثم الصاد المهملة جمع متنمصة وهي التي تستدعي نتف الشعر من وجهها ويروى بتقديم النون على التاء قال النووي والمشهور تأخيرها والنامصة المزيلة له من نفسها أو من غيرها وهو حرام قال النووي وغيره الا إذا نبت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالتها بل تستحب وقال ابن جرير لا يجوز حلق لحيتها ولا عنفقتها ولا شاربها‏.‏ قوله ‏"‏والمتفلجات‏"‏ بالفاء والجيم جمع متفلجة وهي التي تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات وهو من الفلج بفتح الفاء واللام وهو الفرجة بين الثنايا والرباعيات تفعل ذلك العجوز ومن قاربها في السن اظهارا للصغر وحسن الأسنان لان هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغائر فإذا عجزت المرأة كبرت سنها فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر وتوهم كونها صغيرة‏.‏ قال النووي ويقال له الوشر وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها‏.‏ قوله ‏"‏قصة‏"‏ بضم القاف وتشديد الصاد المهملة وهو القطعة من الشعر من قصصت الشعر أي قطعته‏.‏ قال الأصمعي وغيره وهو شعر مقدم الرأس المقبل على الجبهة وقيل شعر الناصية‏.‏ قوله ‏"‏عن مثل هذه‏"‏ أي عن التزين بمثل هذه القصة من الشعر‏.‏ قوله ‏"‏إنما هلكت بنو اسرائيل‏"‏ الخ هذا تهديد شديد لأن كون مثل هذا الذنب كان سببا لهلاك مثل تلك الأمة يدل على أنه من أشد الذنوب قال القاضي عياض قيل يحتمل أنه كان محرما عليهم فعوقبوا باستعماله وهلكوا بسببه وقيل يحتمل أن ذلك الهلاك كان به وبغيره مما ارتكبوه من المعاصي فعند ظهور ذلك فيهم هلكوا وفيه معاقبة العامة بظهور المنكر انتهى‏.‏ قوله ‏"‏الا من داء‏"‏ ظاهره ان التحريم المذكور وإنما هو فيما إذا كان القصد التحسين لا لداء وعلة فإنه ليس بمحرم وظاهر قوله المغيرات خلق اللّه أنه لا يجوز تغيير شيء من

 

ج / 6 ص -193-       الخلقة عن الصفة التي هي عليها‏.‏ قال أبو جعفر الطبري في هذا الحديث دليل على أنه لا يجوز تغيير شيء مما خلق اللّه المرأة عليه بزيادة أو نقص التماسا للتحسين لزوج أو غيره كما لوكان لها سن زائدة أو عضو زائد فلا يجوز لها قطعه ولا نزعه لأنه من تغيير خلق اللّه وهكذا لو كان لها أسنان طوال فأرادت تقطيع أطرافها وهكذا قال القاضي عياض وزاد أن تكون هذه الزوائد مؤلمة وتتضرر بها فلا بأس بنزعها قيل وهذا إنما هو في التغيير الذي يكون باقيا فأما ما لا يكون باقيا كالكحل ونحوه من الخضابات فقد أجازه مالك وغيره من العلماء‏.‏ وقوله ‏"‏هذه الغمرة‏"‏ بفتح الغين المعجمة وسكون الميم بعدها راء طلاء من الورس وفي القاموس في مادة الغمر وبالضم الزعفران كالغمرة‏.‏
8 - وعن عائشة قالت ‏"‏كانت امرأة عثمان بن مظعون تخضب وتطيب فتركته فدخلت علي فقلت أمشهد أم مغيب فقالت مشهد قالت عثمان لا يريد الدنيا ولا يريد النساء قالت عائشة فدخل عليّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبرته بذلك فلقى عثمان فقال يا عثمان تؤمن بما نؤمن به قال نعم يا رسول اللّه قال قال فأسوة مالك بنا‏"‏‏.‏
9 - وعن كريمة بنت همام قالت ‏"‏دخلت المسجد الحرام فأخلوه لعائشة فسألتها امرأة ما تقولين يا أم المؤمنين في الحناء فقالت كان حبيبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يعجبه لونه ويكره ريحه وليس بمحرم عليكن بين كل حيضتين أو عند كل حيضة‏"‏‏.‏ رواها أحمد‏.‏
10 - وعن أنس قال
‏"‏لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال‏"‏ وفي رواية ‏"‏لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال أخرجوهم من بيوتكم فأخرج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فلانة وأخرج عمر فلانا‏"‏‏.‏ رواهما أحمد والبخاري‏.‏
حديث عائشة الأول أخرجه أحمد من طرق مختلفة متعددة هذه المذكورة هنا أحدها قال في مجمع الزوائد وأسانيد أحمد رجالها ثقات وقد تقدم ما يشهد له في أول كتاب النكاح وحديثها الثاني أيضا تقدم ما يشهد له في كتاب الطهارة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏أمشهد أم مغيب‏"‏ أو أزوجك شاهد أم غائب والمراد أن ترك الخضاب والطيب إن كان لأجل غيبة الزوج فذاك وإن كان

 

ج / 6 ص -194-       لأمر آخر مع حضوره فما هو فأخبرتها إن زوجها لا حاجة له بالنساء فهي في حكم من لا زوج لها واستنكار عائشة عليها ترك الخضاب والطيب يشعر بأن ذوات الأزواج يحسن منهن التزين للأزواج بذلك وكذلك قوله في الحديث الآخر وليس بمحرم عليكن بين كل حيضتين يدل على أنه لا بأس بالأختضاب بالحناء وقد تقدم الكلام في الخضاب في الطهارة وقد ذكر في البحر أنه يستحب الخضاب للنساء‏.‏ قوله ‏"‏لعن اللّه المتشبهين من الرجال‏"‏ الخ فيه دليل على أنه يحرم على الرجال التشبه بالنساء وعلى النساء التشبه بالرجال في الكلام واللباس والمشي وغير ذلك والمترجلات من النساء المتشبهات بالرجال وقد تقدم الكلام على المخنثين ضبطا وتفسيرا وذكر من أخرجه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم منهم‏.‏ وقد أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة قال ‏"‏أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم "ما بال هذا قالوا يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع بالنون فقيل يا رسول اللّه الا تقتله‏:‏ فقال أني نهيت أن أقتل المصلين‏"‏ وروى البيهقي أن أبا بكر خرج مخنثا وأخرج عمر واحدا وأخرج الطبراني من حديث وائلة بن الأسقع أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أخرج الخنيث‏.‏

باب التسمية والتستر عند الجماع
1 - عن ابن عباس ‏"‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال بسم اللّه جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقنا فإن قدر بينهما في ذلك ولد لن يضر ذلك الولد الشيطان أبدا‏"‏‏.‏ رواه الجماعة إلا النسائي‏.‏
2 - وعن عتبة بن عبد السلمى ‏"‏قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجردا تجرد العيرين‏"‏‏.‏ رواه ابن ماجه‏.‏
2 - وعن ابن عمر ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"أياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم الا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم‏"‏‏.‏ رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب‏.‏
زاد الترمذي بعد قوله حديث غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه‏.‏ وحديث عتبة في إسناده رشدين بن سد وهوضعيف‏.‏ وكذلك في إسناده الأحوص بن حكيم وهو أيضا ضعيف ولكنه قد تابع رشدين بن سعد عبد الأعلى بن عدي وهو ثقة ويشهد لصة الحديثين حديث عتبة بن عبد السلمي وحديث ابن عمر الأحاديث الواردة في الأم بستر العورة والمبالغة في ذلك منها حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال ‏"‏قلت يا نبي اللّه عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال احفظ

 

ج / 6 ص -195-       عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت يا رسول اللّه إذا كان القوم بعضهم في بعض قال إن استطعت ان لا يراها أحد فلا يراها قال قلت إذا كان أحدنا خاليا قال فاللّه أحق أن يستحيا من الناس‏"‏ هذا لفظ الترمذي وقال حديث حسن ففي هذا الحديث الأمر بستر العورة في جميع الأحوال والأذن بكشف ما لا بد منه للزوجات والمملوكات حال الجماع ولكنه ينبغي الاقتصار على كشف المقدار الذي تدعو الضرورة إليه حال الجماع ولا يحل التجرد كما في حديث عتبة المذكور‏.‏ قوله ‏"‏إذا أتى أهله‏"‏ في رواية للبخاري ‏"‏حين يأتي أهله‏"‏ وفي رواية للإسماعيلي ‏"‏حين يجامع أهله‏"‏ وذلك ظاهر في أن القول يكون مع الفعل‏.‏ وفي رواية لأبي داود إذا أراد أن يأتي أهله وهي مفسرة لغيرها من الروايات فيكون القول قبل الشروع ويحمل ما عدا هذه الرواية على المجاز كقوله تعالى ‏{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}‏ أي إذا أردت القراءة‏.‏ قوله ‏"‏جنبنا‏"‏ في رواية للبخاري بالأفراد قوله ‏"‏فإن قدر بينهما في ذلك ولد‏"‏ في رواية للبخاري ‏"‏فإن قضى اللّه بينهما ولداً‏"‏‏.‏ قوله ‏"‏لن يضر ذلك الولد الشيطان‏"‏ في رواية لمسلم وأحمد ‏"‏لم يسلط عليه الشيطان" ولفظ البخاري ‏"‏لم يضره شيطان‏"‏ واللفظ الذي ذكره المصنف لأحمد واختلف في الضرر المنفي بع الأتفاق على عدم الحمل على العموم في أنواع الضرر على ما نقل القاضي عياض وإن كان ظاهرا في الحمل على عموم الأحوال من صيغة النفي مع التأييد وكأنه سبب ذلك الأتفاق ما ثبت في الصحيح إن كل بني آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد الا من استثنى فإن هذا الطعن نوع من الضرر ثم اختلفوا فقيل المعنى لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية بل يكون من جملة العباد الذين قبل فيهم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وقيل المراد لم يطعن في بطنه وهو بعيد لمنابذته لظاهر الحديث المتقدم وليس تخصيصه بأولى من تخصيص هذا وقيل المراد لم يصرعه وقيل لم يضره في بدنه‏.‏ وقال ابن دقيق العيد يحتمل أن لا يضره في دينه أيضا ولكن يبعده انتفاء العصمة لاختصاصها بالأنبياء وتعقب بأن اختصاص من خص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز فلا مانع أن يوجد من لا يصدر منه معصية عمدا وإن لم يكن ذلك واجبا له‏.‏ وقال الداودي بمعنى لم يضره أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر وليس المراد عصمته منه عن المعصية‏.‏ وقيل لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه كما جاء عن مجاهد ان الذي يجامع ولا يسمى يلتف الشيطان على إحليله فيجامع معه‏.‏

باب ما جاء في العزل
1 - عن جابر قال ‏"‏كنا نعزل على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم والقرآن ينزل‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ ولمسلم ‏"‏كذا نعزل على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فبلغه ذلك فلم ينهنا‏"‏‏.‏
2 - وعن جابر ‏"‏أن رجلا أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال لي جارية هي

 

ج / 6 ص -196-       خادمتنا وسانيتنا في النخل وأنا لوف عليها وأكره أن تحمل فقال أعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏
3 - وعن أبي سعيد قال ‏"‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من العرب فأشتهينا النساء وأشتدت العزبة وأحببنا العزل فسألنا عن ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال
ما عليكم أن لا تفعلوا فإن اللّه عز وجل قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
4 - وعن أبي سعيد قال ‏"‏قالت اليهود العزل الموؤدة الصغرى فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
كذبت يهود أن اللّه عز وجل لو أراد أن يخلق شيئا لم يستطع أحد أن يصرفه‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏
5 - وعن أبي سعيد قال ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
في العزل أنت تخلقه أنت ترزقه أقره قراره فإنما ذلك القدر‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
6 - وعن أسامة بن زيد ‏"‏أن رجلا جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال أني أعزل عن امرأتي فقال له صلى اللّه عليه وآله وسلم
لم تفعل ذلك فقال له الرجل اشفق على ولدها أو على أولادها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لو كان ضارا ضر فارس والروم‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم‏.‏
7 - وعن جذامة بنت وهب الأسدية قالت ‏"‏حضرت رسول اللّه في أناس وهو يقول
لقد هممت ان أنهي عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم شيئا ثم سألوه عن العزل فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ذلك الوأد الخفي وهي وإذا الموؤدة سئلت‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم‏.‏
8 - وعن عمر بن الخطاب ‏"‏قال نهي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يعزل عن الحرة الا بأذنها‏"‏‏.‏
رواه أحمد وابن ماجه وليس إسناده بذلك‏.‏
حديث أبي سعيد الثاني أخرجه أيضا الترمذي والنسائي‏.‏ قال الحافظ ورجاله ثقات وقال في مجمع الزوائد البزار وفيه موسى بن وردان وهو ثقة وقد ضعف وبقية رجاله ثقات‏.‏ وأخرج نحوه النسائي من حديث جابر وأبي هريرة وجزم الطحاوي بكونه منسوخا وعكسه ابن حزم‏.‏

 

ج / 6 ص -198-       يهود‏"‏ فيه دليل على جواز العزل ومثله ما أخرجه الترمذي وصححه عن جابر قال ‏"‏كانت لنا جوار وكنا نعزل فقالت اليهود ان تلك الموؤدة الصغرى فسئل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ذلك فقال كذبت اليهود لو أراد اللّه خلقه لم يستطع رده‏"‏ وأخرج نحوه النسائي من حديث أبي هريرة ولكنه يعارض ذلك ما في حديث جذامة المذكور من تصريحه صلى اللّه عليه وآله وسلم بأن الوأد الخفي فمن العلماء من جمع بين هذا الحديث وما قبله فحمل هذا على التنزيه وهذه طريقة البيهقي ومنهم من ضعف حديث جزامة هذا لمعارضته لما هو أكثر منه طرقا قال الحافظ وهذا دفع للأحاديث الصحيحة بالتوهم والحديث صحيح لا ريب فيه والجمع ممكن ومنهم من أدعى أنه منسوخ ورد بعدم معرفة التاريخ وقال الطحاوي يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الأمر أولا من موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم أعلمه اللّه بالحكم فكذب اليهود فيم كانوا يقولونه وتعقبه ابن رشد وابن العربي بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يحرم شيئا تبعا لليهود ثم يصرح بتكذيبهم فيه ومنهم من رجح جذامة بثبوته في الصحيح وضعف مقابله بالأختلاف في إسناده والاضطراب قال الحافظ ورد بأنه إنما يقدح في حديث لا فيما يقوي بعضه بعضا فإنه يعمل به وهو هنا كذلك والجمع ممكن ورجح ابن حزم العمل بحديث جذامة بأن أحاديث غيرها موافقة لأصل الإباحة وحديثها يدل على المنع قال فمن ادعى انه ابيح بعد أن منع فعليه البيان وتعقب من حديثها ليس بصريح في المنع إذ لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون حراما وجمع ابن القيم فقال الذي كذب فيه صلى اللّه عليه وآله وسلم اليهود هو زعمهم ان العزل لا يتصور معه الحمل أصلا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فاكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء اللّه خلقه وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدا حقيقة وإنما سماه وأدا خفيا في حديث جذامة لأن الرجل إنما يعزل هربا من الحمل فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد لكن الفرق بينهما ان الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل والعزل يتعلق فقط فلذلك وصفه بكونه خفيا وهذا الجمع قوي وقد ضعف أيضا حديث جذامة أعني الزيادة التي في آخره بأنه تفرد بها سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود ورواه مالك ويحيى بن أيوب عن أبي الأسود فلم يذكرها وبمعارضتها لجميع أحاديث الباب وقد حذف هذه الزيادة أهل السنن الأربع وقد احتج بحديث جذامة هذا من قال بالمنع من العزل كابن حبان‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏اشفق علي ولدها‏"‏ هذا أحد الأمور التي تحمل على العزل ومنها الفرار من كثرة العيال والفرار من حصولهم من الأصل ومنها خشية علوق الزوجة الأمة لئلا يصير الولد رقيقا وكل ذلك لا يغني شيئا لاحتمال أن يقع الحمل بغير الأختيار‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏أن أنهي عن الغيلة‏"‏ بكسر الغين المعجمة بعدها تحتية ساكنة ويقال لها الغيل بفتح الغين والياء والغيال بكسر الغين المعجمة والمراد بها أن يجامع امرأته وهي مرضع‏.‏ وقال ابن السكيت هي أن ترضع المرأة وهي حامل وذلك لما يحصل على الرضيع من الضرر بالحبل

 

ج / 6 ص -199-       حال إرضاعه فكان ذلك سبب همه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالنهي ولكنه لما رأى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن الغيلة لا تضر فارس والروم ترك النهي عنها‏.‏

باب نهي الزوجين عن التحدث بما يجري حال الوقاع
1 - عن أبي سعيد ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال "إن من شر الناس عند اللّه منزلة يوم القيامة يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم‏.‏
2 - وعن أبي هريرة ‏"‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فلما سلم أقبل عليهم بوجهه فقال
مجالسكم هل منكم الرجل إذا أتى أهله أغلق بابه وأرخى ستره ثم يخرج فيحدث فيقول فعلت بأهلي كذا وفعلت بأهلي كذا فسكتوا فأقبل على النساء فقال هل منكم من تحدث فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها وتطاولت ليراها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ويسمع كلامها فقالت أي واللّه أنهم يتحدثون وأنهن ليتحدثن فقال هل تدرون مامثل من فعل ذلك أن مثل من فعل مثل شيطان وشيطانة لقى أحدهما صاحبه بالسكة فقضى حاجته منها والناس ينظرون إليه‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏ ولأحمد نحوه من حديث أسماء بنت يزيد‏.‏
حديث أبي هريرة أخرجه أيضا النسائي والترمذي وحسنه وقال الا أن الطفاوي لانعرفه إلا في هذا الحديث ولا نعرف اسمه‏.‏ وقال أبو الفضل محمد بن طاهر والطفاوي مجهول‏.‏ وقد رواه أبو داود من طريقه فقال عن أبي نضرة قال حدثني شيخ من طفاوة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏إن من شر الناس‏"‏ لفظ مسلم ‏"‏أشر‏"‏ قال القاضي عياض وأهل النحو يقولون لا يجوز أشر وأخيرو وإنما يقال هو خير منه وشر منه قال وقد جاءت الأحاديث الصحيحة باللغتين جميعا وهي حجة في جواز الجميع‏.‏ قوله ‏"‏كعاب‏"‏ على وزن سحاب وهي الجارية المكعب‏.‏
والحديثان يدلان على تحريم إفشاء أحد الزوجين لما يقع بينهما من أمور الجماع وذلك لأن كون الفاعل لذلك من أشر الناس وكونه بمنزلة شيطان لقي شيطانة فقضى حاجته منها والناس ينظرون من أعظم الأدلة الدالة على تحريم نشر أحد الزوجين للأسرار الواقعة بينما الراجعة إلى الوطء ومقدماته فإن مجرد فعل المكروه لا يصير به فاعله من الأشرار فضلا عن كونه من شرهم وكذلك الجماع بمرأى من الناس لا شك في تحريمه وإنما خص النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في حديث أبي سعيد الرجل فجعل الزجر المذكور خاصا به ولم يتعرض للمرأة لأن وقوع ذلك الأمر في الغالب من الرجال قيل وهذا التحريم إنما هو في نشر أمور الأستمتاع ووصف التفاصيل الراجعة إلى الجماع وإفشاء ما يجري من المرأة من قول

 

ج / 6 ص -200-       أو فعل حالة الوقاع وأما مجرد ذكر نفس الجماع فإن لم يكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروأة من التكلم بما لا يعني ومن حسن اسلام المرء تركه مالا يعنيه وقد ثبت في الصحيح عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏"‏من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت‏"‏ فإن كان إليه حاجة أو ترتيب عليه فائدة فلاكرهة في ذكره وذلك نحو أن تنكر المرأة نكاح الزوج لها وتدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك كما روى أن الرجل الذي دعت عليه امرأته العنة قال يا رسول اللّه أني لانفضها نفض الأديم ولم ينكر عليه وما روى عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال أني لافعله أنا وهذه وقال لأبي طلحة أعرستم الليلة ونحو ذلك كثير‏.‏

باب النهي عن اتيان المرأة في دبرها
1 - عن أبي هريرة قال ‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"ملعون من أتى امرأة في دبرها‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏ وفي لفظ ‏"‏لا ينظر اللّه إلى رجل جامع امرأته في دبرها‏"‏‏.‏ رواه أحمد وابن ماجه‏.‏
2 - وعن أبي هريرة ‏"‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏‏.‏ رواه أحمد والترمذي وأبو دواد وقال ‏"‏فقد بريء مما أنزل‏"‏‏.‏
3 - وعن خزيمة بن ثابت ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها‏"‏‏.‏ رواه أحمد وابن ماجه‏.‏
4 - وعن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي اللّه عنه ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"لا تأتوا النساء في أعجازهن أو قال في أدبارهن‏"‏‏.‏
5 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال "في الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى‏"‏‏.‏ رواهما أحمد‏.‏
6 - وعن علي بن طلق قال ‏"‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول
"لا تأتوا النساء في أستاههن فإن اللّه لا يستحي من الحق‏"‏‏.‏ رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن‏.‏
7 - وعن ابن عباس قال ‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"لا ينظر اللّه إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر‏"‏‏.‏ رواه الترمذي وقال حديث غريب‏.‏
حديث أبي هريرة الأول أخرجه أيضا بقية أهل السنن والبزار وفي إسناده الحرث بن مخلد‏.‏ قال البزار ليس بمشهور وقال ابن القطان لا يعرف حاله وقد اختلف فيه على سهيل بن أبي صالح

 

 

ج / 6 ص -201-       فرواه عنه إسماعيل بن عياش عن محمد بن المنكدر عن جابر كما أخرجه الدارقطني وابن شاهين ورواه عمر مولى عفرة عن سهيل عن أبيه عن جابر كما أخرجه ابن عدي بإسناد ضعيف قال الحافظ في بلوغ المرام إن رجال حديث أبي هريرة هذا ثقات لكن أعل بالإرسال‏.‏ وحديث أبي هريرة الثاني هو من رواية أبي تميمة عن أبي هريرة قال الترمذي لا نعرفه الا من حديث أبي تميمة عن أبي هريرة وقال البخاري لا يعرف لأبي تميمة سماع عن أبي هريرة وقال البزار هذا حديث منكر وفي الإسناد أيضا حكيم الأثرم قال البزار لا يحتج به وما تفرد به فليس بشيء ولأبي هريرة حديث ثالث نحو حديثه الأول أخرجه النسائي من رواية الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وفي إسناده عبد الملك بن محمد الصنعاني وقد تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وغيرهما ولأبي هريرة ايضا حديث رابع أخرجه النسائي من طريق بكر بن خنيس عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏من أتى شيئا من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر‏"‏ وفي إسناده بكر بن خنيس وليث ابن أبي سليم وهم ضعيفان‏.‏ ولأبي هريرة أيضا حديث خامس رواه عبد اللّه بن عمر بن ابان عن مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ملعون من أتى النساء في أدبارهن‏"‏ وفي إسناده مسلم بن خالد وهو ضعيف‏.‏ وحديث خزيمة بن ثابت أخرجه الشافعي أيضا بنحوه وفي إسناده عمر بن أحيحة وهو مجهول واختلف في إسناده اختلافا كثيرا ورواه النسائي من طريق أخرى وفيها هرمى بن عبد اللّه ولا يعرف حاله وأخرجه أيضا من طريق هرمي أحمد وابن حبان وحديث الأمام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال في مجمع الزوائد ورجاله ثقات وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا النسائي وأعله قال الحافظ والمحفوظ عن عبد اللّه بن عمرو من قوله كذا أخرجه عبد الرزاق وغيره وحديث علي بن طلق قال الترمذي بعد أن حسنه سمعت محمدا يقول لا أعرف لعلي بن طلق عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم غير هذا الحديث الواحد ولا أعرف هذا الحديث الواحد من حديث طلق بن علي السحيمي وكأنه رأى أن هذا آخر من اصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وحديث ابن عباس أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والبزار وقال لا نعلمه يروى عن ابن عباس بإسناد حسن وكذا قال ابن عدي ورواه النسائي عن هناد بن وكيع عن الضحاك موقوفا وهو أصح عندهم من المرفوع ولابن عباس حديث آخر من طريق أخرى موقوفة رواها عبد الرزاق إن رجلا سأل ابن عباس عن اتيان المرأة في دبرها فقال سألتني عن الكفر‏.‏ وأخرجه النسائي بإسناد قوي وفي الباب عن جماعة من الصحابة منها ما سيأتي ومنها عن أبي بن كعب عند الحسن بن عرفة بإسناد ضعيف‏.‏ وعن ابن مسعود عند ابن عدي بإسناد واه وعن عقبة بن عامر عند أحمد بإسناد فيه ابن لهيعة وعن عمر عند النسائي والبزار بإسناد فيه زمعة بن صالح وهو ضعيف‏.‏
ـ وقد استدل ـ بأحاديث الباب من قال أنه يحرم اتيان النساء في أدبارهن وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال لم يصح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في تحريمه ولا في تحليله شيء والقياس أنه حلال‏.‏ وقد أخرجه عنه ابن أبي حاتم في

 

ج / 6 ص -202-       مناقب الشافعي وأخرجه الحاكم في مناقب الشافعي عن الأصم عنه وكذلك رواه الطحاوي عن ابن عبد الحكم عن الشافعي‏.‏
وروى الحاكم عن محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال سألني محمد بن الحسن فقلت له إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم وإن تكلمت بالمناصفة كلمتك قال علي المناصفة قلت فبأي شيء حرمته قال يقول اللّه عز وجل
‏{فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ‏}‏ وقال ‏{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}‏ والحرث لا يكون الا في الفرج قلت أفيكون ذلك محرما لما سواه قال نعم قلت فما تكون لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أو تحت إبطيها أو أخذت ذكره بيدها أو في ذلك حرث قال لا قلت فيحرم ذلك قال لا قلت فلم تحتج بمالا حجة فيه قال فإن اللّه قال ‏{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}‏ الآية قال فقلت له هذا مما يحجون به للجواز إن اللّه أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته وماملكت يمينه فقلت له أنت تتحفظ من زوجتك وما ملكت يمينك انتهى‏.‏ وقد أجيب عن هذا بأن الأصل التحريم المباشرة إلا ما أحل اللّه بالعقد ولا يقاس عليه غيره لعدم المشابهة في كونه مثله محلا للزرع وأما تحليل الاستمتاع فيما عدا الفرج فهو مأخوذ من دليل آخر ولكنه لا يخفى ورود ما أورده الشافعي على من استدل بالآية وأما دعوى أن الأصل تحريم المباشرة فهذا محتاج إلى دليل ولو سلم فقوله تعالى ‏{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}‏ رافع للتحريم المستفاد من ذلك الأصل فيكون الظاهر بعد هذه الآية الحل ومن ادعى تحريم الأتيان في محل مخصوص طولب يخصص عموم هذه الآية ولا شك إن الأحاديث المذكورة في الباب القاضية بتحريم اتيان النساء في أدبارهن يقوي بعضها بعضا فتنتهض لتخصيص الدبر من ذلك العموم وأيضا الدبر في أصل اللغة اسم لخلاف الوجه ولا اختصاص له بالمخرج كما قال اللّه تعالى ‏{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ}‏ فلا يبعد حمل ما ورد من الأدبار على الأستمتاع بين الأليتين وأيضا قد حرم اللّه الوطء في الفرج لأجل الأذى فما الظن بالحش الذي هو موضع الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل الذي هو العلة الغائية في مشروعية النكاح والذريعة القريبة جدا الحاملة على الانتقال من ذلك إلى أدبار المرد‏.‏ وقد ذكر ابن القيم لذلك مفاسد دينية ودنيوية فليراجع وكفى مناديا على خساسته أنه لا يرضى أحد من أن ينسب إليه ولا إلى إمامه تجويز ذلك إلاما كان من الرافضة مع أنه مكروه عندهم وأوجبوا للزوجة فيه عشرة دنانير عوض النطفة وهذه المسألة هي إحدى مسائلهم التي شذوا بها وقد حكى الإمام المهدي في البحر عن العترة جميعا وأكثر الفقهاء أنه حرام قال الحاكم بعد أن حكى عن الشافعي ما سلف لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم فأما الجديد فالمشهور أنه حرمه‏.‏ وقد روى الماوردي في الحاوي وأبو نصر بن الصباغ في الشامل وغيرهما عن الربيع أنه قال كذب واللّه يعني ابن عبد الحكم فقد نص الشافعي على تحريمه في ستة كتب وتعقبه الحافظ في التلخيص فقال لا يعني لها التكذيب فإن عبد الحكم لم يتفرد بذلك بل قد تابعه عليه عبد الرحمن بن عبد اللّه أخوه عن الشافعي ثم قال أنه

 

ج / 6 ص -203-       لاخلاف في ثقة ابن عبد الحكم وأمانته وقد روى الجواز أيضا عن مالك قال القاضي أبو الطيب في تعليقه أنه روى ذلك عنه أهل مصر وأهل المغرب ورواه عنه أيضا ابن رشد في كتاب البيان والتحصيل وأصحاب مالك العراقيون لم يثبتوا هذه الرواية وقد رجع متأخر وأصحابه عن ذلك وأفتوا بتحريمه وقد استدل للمجوزين بما رواه الدارقطني عن ابن عمر أنه لما قرأ قوله تعالى ‏{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}‏ فقال ما تدري يا نافع فيما أنزلت هذا الآية قال قلت لا قال لي في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فأنزل اللّه تعالى {نساؤكم حرث لكم} قال نافع فقلت لابن عمر من دبرها في قبلها قال لا الا في دبرها وروى نحو ذلك عنه الطبراني والحاكم وأبو نعيم وروى النسائي والطبراني من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر نحوه ولم يذكر قوله ‏"‏لا الا في دبرها‏"‏ وأخرج أبو يعلى وابن مردوية في تفسيره والطبري والطحاوي من طرق عن أبي سعيد الخدري أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه فأنزل اللّه {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} وسيأتي بقية الأسباب في نزول الآية‏.‏
8 - وعن جابر ‏"‏أن يهود كانت تقول إذا أتيت المرأة في دبرها ثم حملت كان ولدها أحول قال فنزلت
{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}‏"‏‏.‏
رواه الجماعة إلا النسائي وزاد مسلم ‏
"‏إن شاء مجبية وإن شاء غير مجيبة غير أن ذلك في صمام واحد‏"‏‏.‏
9 - وعن أم سلمة ‏"‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في قوله تعالى:
{‏نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}‏ يعني صمام واحدا‏"‏‏.‏ رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن‏.‏
10 - وعنها أيضا قالت ‏"‏لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم وكان المهاجرون يجبون وكانت الأنصار لا تجبى فأراد رجل امرأته من المهاجرين على ذلك فأبت عليه حتى تسأل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال فأته فاستحيت أن تسأله فسألته أم سلمة فنزلت
{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} وقال لا الا في صمام واحد‏"‏‏.‏ رواه أحمد ولأبي داود هذا المعنى من رواية ابن عباس‏.‏
11 - وعن ابن عباس قال ‏"‏جاء عمر إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال يا رسول اللّه هلكت قال
وما الذي أهلكت قال حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه بشيء قال فأوحى اللّه إلى رسوله هذه الآية {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أقبل وأدبر واتقوا الدبر والحيضة‏"‏‏.‏

 

ج / 6 ص -204-       رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب‏.‏
12 - وعن جابر ‏"‏ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"استحيوا فإن اللّه لا يستحي من الحق لا يحل مأتاك النساء في حشوشهن‏"‏‏.‏ رواه الدارقطني‏.‏
حديث أم سلمة أورده في التلخيص وسكت عنه ويشهد له حديث ابن عباس الذي أشار إليه المصنف وهو من رواية محمد بن إسحاق عن ابان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس وفيه إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم من العلم وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذ بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرخون النساء شرخا منكرا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فانكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتننبني فسرى أمرهما حتى بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأنزل اللّه عز وجل
{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} مقبلات ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد وحديث ابن عباس الثاني في قصة عمر لعله الحديث الذي تقدمت الإشارة إليه من طريق عمر نفسه وقد سبق ما فيه وحديث جابر الآخر قد قدمنا في أول الباب الإشارة إليه بضم من الاختلاف على سهيل بن أبي صالح وقد أخرجه من تقدم ذكره‏.‏ قوله‏:‏ مجبية بضم الميم وبعدها جيم مفتوحة ثم موحدة أي باركة والتجبية الإنكباب على الوجه وأخرج الإسماعيلي من طريق يحيى بن أبي زائدة عن سفيان الثوري بلفظ باركة مدبرة في فرجها من ورائها وهذا يدل على أن المراد بقولهم إذا أتيت من دبرها يعتني في قبلها ولا شك أن ذلك هو المراد ويزيد ذلك وضحوحا قوله عقب ذلك ثم حملت فإن الحمل لا يكون إلا من الوطء في القبل‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏غير أن ذلك في صمام واحد‏"‏ هذه الزيادة تشبه أن تكون من تفسير الزهري لخلوها من رواية غيره من أصحاب ابن المنكدر مع كثرتهم كذا قيل وهو الظاهر ولو كانت مرفوعة لما صح قول البزار في الوطء في الدبر لا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا لا في الحصر ولا في الإطلاق وكذا روى نحو ذلك الحاكم عن أبي علي النيسابوري ومثله عن النسائي وقاله قبلهما البخاري كذا قال الحافظ والصمام بكسر الصاد المهملة وتخفيف الميم وهو في الأصل سدادة القارورة ثم سمى به المنفذ كفرج المرأة وهذا أحد الأسباب في نزول الآية وقد ورد ما يدل على أن ذلك هو السبب من طرق عن جماعة من الصحابة في بعضها التصريح بأنه لا يحل إلا في القبل وفي أكثره الارد على اعتراض اليهود وهذا أحد الأقوال والقول الثاني أن السبب النزول اتيان الزوجة في الدبر وقد تقدم ذلك عن ابن عمر وأبي سعيد والثالث أنها نزلت في الإذن بالعزل عن الزوجة وروى ذلك عن ابن عباس

 

ج / 6 ص -205-       أخرجه عنه جماعة منهم ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وروى ذلك أيضا عن ابن عمر أخرجه عنه ابن أبي شيبة قال {فأتوا حرثكم اني شئتم} أن شاء عزل وأن شاء لم يعزل وروى عن سعيد بن المسيب أخرجه عنه ابن أبي شيبة القول الرابع أن أني شئتم بمعنى إذا شئتم روى ذلك عبد بن حميد عن محمد بن الحنفية عليه السلام‏.‏

باب احسان العشرة وبيان حق الزوجين
1 - عن أبي هريرة قال ‏‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"إنّ المرأة كالضلع أن ذهبت تقيمها كسرتها وأن تركتها استمتعت بها على عوج‏"‏ وفي لفظ ‏"‏استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن اعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
2 - وعن أبي هريرة ‏"‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم‏.‏
قوله ‏"‏كالضلع‏"‏ بكسر الضاد وفتح اللام ويسكن فليلا والأكثر الفتح وهو واحد الأضلاع والفائدة في تشبيه المرأة بالضلع التنبيه على أنها معوجة الأخلاق لا تستقيم أبدا فمن حاول حملها على الأخلاق المستقيمة أفسدها ومن تركها على ما هي عليه من الأعوجاج انتفع بها كما أن الضلع المعوج ينكسر عند إرادة جعله مستقيما وإزالة اعوجاجه فإذا تركه الإنسان على ما هو عليه انتفع به وأراد بقوله وأن أعوج شيء في الضلع أعلاه المبالغة في الإعوجاج والتأكيد لمعنى الكسر بأن تعذر الإقامة في الجهة العليا أمره أظهر وقيل يحتمل أن يكون ذلك مثلا لا على المرأة لأن أعلاها رأسها وفيه لسانها وهو ينشأ منه الإعوجاج قيل وأعوج ههنا من باب الصفة لا من التفضيل لأن أفعل التفضيل لا يضاع من الألوان والعيوب وأجيب بأن الظاهر ههنا أنه من التفضيل وقد جاء ذلك على قلة مع عدم الالتباس بالصفة والضمير في قوله فإن ذهبت تقيمه يرجع إلى الضلع لا إلى أعلاه وهو يذكر ويؤنث ولهذا قال الرواية الأولي تقيمها وفي هذه تقيمه‏.‏ قوله ‏"‏استوصوا بالنساء‏"‏ أي أقبلوا الوصية والمعنى أني أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا أو بمعنى ليوص بعضكم بعضا بهن‏.‏ قوله ‏"‏خلقت من ضلع‏"‏ أي من ضلع آدم الذي خلقت منه حواء‏.‏ قال الفقهاء أنها خلقت من ضلع آدم ويدل على ذلك قوله ‏
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}‏ وقد روى ذلك من حديث ابن عباس عند ابن إسحاق وروى من حديث مجاهد مرسلا عند ابن أبي حاتم‏.‏ قوله ‏"‏لا يفرك‏"‏ بالفاء ساكنة بعدها راء وهو البغض قال في القاموس الفرك بالكسر ويفتح البغضة عامة كالفروك والفركان أو خاص ببغضة الزوجين فركها وفركته كسمع فيهما وكنصر شاذ فركا وفروكا فهي فارك ورجل مفرك كمعظم تبغضه

 

ج / 6 ص -206-       النساء ومفركة يبغضها الرجال انتهى‏.‏
والحديث الأول فيه الإرشاد إلى ملاطفة النساء والصبر على ما لا يستقيم من أخلاقهن والتنبيه على أنهن خلقن على تلك الصفة التي لا يفيد معها التأديب ولا ينجع عندها النصح فلم يبق إلا الصبر والمحاسنة وترك التأنيب والمخاشنة‏.‏
والحديث الثاني فيه الإرشاد إلى حسن العشرة والنهي عن البغض للزوجة بمجرد كراهة خلق من أخلاقها فإنها لا تخلوا مع ذلك عن أمر يرضاه منها وإذا كانت مشتملة على المحبوب والمكروه فلا ينبغى ترجيح مقتضى الكراهة على مقتضى المحبة‏.‏ قال النووي ضبط بعضهم قوله استمتعت بها على عوج بفتح العين وضبطه بعضهم بكسرها ولعل الفتح أكثر وضبطه ابن عساكر وآخرون بالكسر قال وهو الأرجح ثم ذكر كلام أهل اللغة في تفسير معنى المكسور والمفتوح وهو معروف وقد صرح صاحب المطالع بأن أهل اللغة يقولون في الشخص المرئي عوج بالفتح وفيما ليس بمرئي كالرأي والكلام عوج بالكسر قال وانفرد أبو عمرو الشيباني فقال كلاهما بالكسر ومصدرهما بالفتح وكسرها طلاقها‏.‏ وقد حقق صاحب الكشاف الكلام في ذلك في تفسير قوله تعالى
‏{لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً}‏‏
3 - وعن عائشة قال ‏"‏كنت ألعب بالبنات عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في بيته وهن اللعب وكان لي صواحب يلعبن معي وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا دخل ينقمعن منه فيسر بهن إلي فيلعبن معي‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
4 - وعن أبي هريرة قال ‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم‏"‏‏.‏ رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏
5 - وعن عائشة قالت ‏‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"خيركم خيركم لأهله وأنا خيرك لأهلي‏"‏‏.‏ رواه الترمذي وصححه‏.‏
قوله ‏"‏بالبنات‏"‏ قال في القاموس والبنات التماثيل الصغار يلعب بها انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏للعب‏"‏ بضم اللام جمع لعبة قال في القاموس واللعبة بالضم التمثال وما يلعب به كالشطرنج ونحوه والأحمق يسخر به‏.‏ قوله ‏"‏ينقمعن‏"‏ قال في القاموس انقمع دخل البيت مستخفيا‏.‏
وفي الحديث دليل على أنه يجوز تمكين الصغار من اللعب بالتماثيل وقد روى عن مالك أنه كرهه للرجل أن يشتري لبنته ذلك‏.‏ وقال القاضي عياض أن اللعب بالبنات للبنات الصغار رخصة وحكى النووي عن بعض العلماء أن إباحة اللعب لهن بالبنات منسوخة بالأحاديث الواردة في تحريم التصوير ووجوب تغييره‏.‏ قوله ‏"‏فيسر بهن‏"‏ بضم حرف المضارعة وفتح السين المهملة وكسر الراء المشددة بعدها موحدة والتسرب الدخول‏.‏ قال في القاموس وانسرب في جحره وتسرب دخل والمراد أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يدخل البنات إلى عائشة ليلعبن معها‏.‏ قوله ‏"‏أكمل المؤمنين‏"‏ الخ فيه دليل على أن من

 

ج / 6 ص -207-       ثبت له مزية حسن الخلق كان من أهل الإيمان الكامل فإن كان أحسن الناس خلقا كان أكمل الناس إيمانا وأن خصلة يختلف حال الأيمان باختلافها لخليقة بأن ترغب إليها نفوس المؤمنين‏.‏ قوله ‏"‏وخياركم خياركم لنسائهم‏"‏ وكذلك قوله في الحديث الآخر ‏"‏خيركم خيركم لأهله‏"‏ في ذلك تنبيه على أعلى الناس رتبة في الخير وأحقهم بالاتصاف به هو من كان خير الناس لأهله فإن الأهل هم الأحقاء بالبشر وحسن الخلق والإحسان وجلب النفع ودفع الضر فإذا كان الرجل كذلك فهو خير الناس وإن كان على العكس من ذلك فهو في الجانب الآخر من الشر وكثيرا ما يقع الناس في هذه الورطة فترى الرجل إذا لقي أهله كان أسوأ الناس أخلاقا وأشحهم نفسا وأقلهم خيرا وإذا لقي غير الأهل من الأجانب لانت عريكته وانبسطت أخلاقه وجادت نفسه وكثر خيره ولا شك أن من كان كذلك فهو محروم التوفيق زائغ عن سواء الطريق نسأل اللّه السلامة‏.‏
6 - وعن أم سلمة ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة‏"‏‏.‏ رواه ابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن غريب‏.‏
7 - وعن أبي هريرة قال ‏قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
"إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
8 - وعن أبي هريرة ‏‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها‏"‏‏.‏ رواه الترمذي وقال حديث حسن‏.‏
9 - وعن أنس بن مالك ‏‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر ان يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنجبس بالقيح والصديد ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه‏"‏‏.
رواه أحمد‏.‏ وعن عائشة ‏‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو أن رجلا أمر أمرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود ومن جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نوالها أن تفعل‏"‏‏.‏ رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

 

ج / 6 ص -208-       11 - وعن عبد اللّه بن أبي أوفى قال ‏"‏لما تقدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال ما هذا يا معاذ قال أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فرددت في نفسي أن أفعل ذلك لك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم "فلا تفعلوا فإني لو كنت آمر أحدا أن يسجد لغير اللّه لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه‏"‏‏.‏ رواه أحمد وابن ماجه‏.‏
حديث أم سلمة ذكر المصنف أن الترمذي قال فيه حديث حسن غريب والذي وقفنا عليه في نسخه صحيحة هذا حديث غريب وقد صححه الحاكم وأقره الذهبي واللفظ الذي ذكره المصنف هو في الترمذي بعد الحديث الذي قبل هذا وهو حديث طلق بن علي قال ‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور‏"‏ قال الترمذي هذا حديث حسن غريب‏.‏ وحديث أبي هريرة الثاني ذكر المصنف أن الترمذي حسنه والذي وجدناه في نسخة صحيحة ما لفظه قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث غريب من هذا الوجه من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة انتهى‏.‏ وحديث أنس وعائشة وعبد اللّه بن أبي أوفى أشار إليها الترمذي لأنه قال في جامعه بعد إخراج حديث أبي هريرة المذكور ما لفظه‏.‏
ـ وفي الباب ـ عن معاذ بن جبل وسراقة بن مالك ابن جعشم وعائشة وابن عباس وعبد اللّه بن أبي أوفى وطلق بن علي وأسامة بن زيد وأنس وابن عمر انتهى‏.‏ وقد روى حديث أبي هريرة المذكور البزار بإسناده فيه سليمان بن داود اليمامي وهو ضعيف‏.‏ وروى البزار بإسناد رجاله رجال الصحيح عن أبي سعيد مرفوعا إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
‏"‏حق الزوج على زوجته لو كان به قرحة فلحستها أو أنتن منخراه صديدا أو دما ثم ابتلعته ما أدت حقه‏"‏ وأخرج مثل هذا اللفظ البزار من حديث أبي هريرة وأخرج قصة معاذ المذكورة في الباب البزار بإسناد رجاله رجال الصحيح وأخرجها ايضا البزار والطبراني بإسناد آخر وفيه النهاس بن قهم وهو ضعيف وأخرجها ايضا البزار والطبراني بإسناد آخر رجاله ثقات وقضية السجود ثابتة من حديث ابن عباس عند البزار ومن حديث سراقة عند الطبراني ومن حديث عائشة عند أحمد وابن ماجه ومن حديث عائشة عند أحمد وابن ماجة ومن حديث عصمة عند الطبراني وعن غير هؤلاء‏.‏ وحديث عائشة الذي ذكره المصنف ساقه ابن ماجه بإسناد فيه علي بن زيد بن جدعان وفيه مقال وبقية إسناده من رجال الصحيح‏.‏ وحديث عبد اللّه ابن أبي أوفى ساقه ابن ماجه بإسنادصالح فإن ازهر بن مروان والقاسم الشيباني صدوقان فهذه أحاديث في أنه لو صلح السجود لبشر لأمرت به الزوجة لزوجها يشهد بعضها لبعض ويقوي بعضها بعضا‏.‏ ويؤيد أحاديث الباب ما أخرجه أبو داود عن قيس بن سعد‏.‏ قال ‏"‏أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فقلت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أحق أن يسجد له قال فأتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلت أني أتيت الحيرة فرأيتهم

 

ج / 6 ص -209-       يسجدون لمرزبان لهم فأنت يا رسول اللّه أحق أن يسجد لك قال "أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له" قال قلت لا قال "فلا تفعلوا لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل اللّه لهم عليهن من الحق‏"‏ وفي إسناده شريك بن عبد اللّه القاضي وقد تكلم فيه غير واحد وأخرج له مسلم في المتابعات‏.‏ قوله ‏"‏دخلت الجنة‏"‏ فيه ترغيب العظيم إلى طاعة الزوج وطلب مرضاته وأنها واجبة للجنة‏.‏ قوله ‏"‏إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه" قال ابن أبي حمزة الظاهر أن الفراش كناية عن الجماع ويقويه قوله "الولد للفراش" أي لمن يطأ في الفراش والكناية عن الأشياء التي يستحيا منها كثيرة في القرآن والسنة وظاهر الحديث اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلا لقوله حتى تصبح وكأن السر فيه تأكيد ذلك لا أنه يجوز لها الامتناع في النهار وإنما خص الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك‏.‏
قال في الفتح وقد وقع في رواية يزيد ابن كيسان عن أبي حازم عند مسلم بلفظ
‏"‏والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها‏"‏ ولابن خزيمة وابن حبان من حديث جابر رفعه ‏"‏ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا تصعد لهم إلى السماء حسنة العبد الآبق حتى يرجع والسكران حتى يصحو والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى‏"‏ فهذه الإطلاقات تتناول الليل والنهار‏.‏ قوله فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها‏"‏ المعصية منها تتحق بسبب الغضب منه بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك فلا تكون المعصية متحققة أما لأنه عذرها وإما لأنه ترك حقه من ذلك وقد وقع في رواية للبخاري ‏"‏إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها‏"‏ وليس لفظ المفاعلة على ظاهره بل المراد أنها هي التي هجرت وقد تأتي لفظ المفاعلة ويراد بها نفس الفعل ولا يتجه إليها اللوم إلا إذا بدأت هي بالهجرة فغضب هو لذلك أو هجرها وهي ظالمة فلم تتنصل من ذنبها وهجرته أما لو بدأ هو بهجرها ظالما لها فلا ووقع في رواية مسلم ‏"‏إذا باتت المرأة هاجرة‏"‏ قوله ‏"‏لعنتها الملائكة حتى تصبح‏"‏ في رواية للبخاري ‏"‏حتى ترجع‏"‏ وهو كما قال الحافظ أكثر فائدة قال والأولى محمولة على الغالب كما تقدم وأخرج الطبراني والحاكم وصححه من حديث عمر مرفوعا ‏"‏اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما عبد آبق وامرأة عصت زوجها حتى ترجع‏"‏ قال في الفتح حاكيا عن المهلب‏.‏
وفي الحديث جواز لعن العاصي المسلم إذا كان على وجه الإرهاب عليه لئلا يواقع الفعل فإذا واقعه فإنما يدعي له بالتوبة والهداية‏.‏ قال الحافظ ليس هذا التقييد مستفادا من هذا الحديث بل من أدلة أخرى قال وقد ارتضى بعض مشايخنا ما ذكره المهلب من الاستدلال لهذا الحديث على جواز لعن العاصي المعين وفيه نظر‏.‏ والحق أن الذي منع اللعن أراد به المعنى اللغوي وهو الإبعاد من الرحمة وهذا لا يليق أن يدعي به على المسلم بل يطلب له الهداية والتوبة والرجوع عن المعصية والذي أجازه أراد به معناه

 

ج / 6 ص -210-       العرفي وهو مطلق السب قال ولا يخفى أن محله إذا كان بحيث يرتدع العاصي به وينزجر‏.‏ وأما حديث الباب فليس فيه إلا أن الملائكة تفعل ذلك ولا يلزم منه جواز على الإطلاق‏.‏
وفي الحديث دليل على أن الملائكة تدعو على المغاضبة لزوجها الممتنعة من إجابته إلى فراشه وأما كونها تدعو على أهل المعاصي على الإطلاق كما قال في الفتح فإن كان من هذا الحديث فليس فيه إلا الدعاء على فاعل هذه المعصية الخاصة وإن كان من دليل آخر فذاك وأما الاستدلال بهذا الحديث على أنهم يدعون لأهل الطاعة كما فعل أيضا في الفتح ففاسد فإنه لا يدل على ذلك بوجه من وجوه الدلالة وغايته أنه يدل بالمفهوم على أن غير العاصية لا تلعنها الملائكة فمن أين أن المطيعة تدعو لها الملائكة بل من أين أن كل صاحب طاعة يدعون له نعم قول اللّه تعالى ‏
{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}‏ يدل على أنهم يدعون للمؤمنين بهذا الدعاء الخاص‏.‏ وحكي في الفتح عن ابن أبي جمرة أنه قال وهل الملائكة التي تلعنها هم الحفظة أو غيرهم يحتمل الأمرين‏.‏ قال الحافظ يحتمل أن يكون بعض الملائكة موكلا بذلك ويرشد إلى التعميم ما في رواية لمسلم بلفظ ‏"‏لعنتها الملائكة الذي في السماء‏"‏ فإن المراد به سكانها وإخبار الشارع بأن هذه المعصية يستحق فاعلها لعن ملائكة السماء يدل أعظم دلالة على تأكيد وجوب طاعة الزوج وتحريم عصيانه ومغاضبته‏.‏ قوله ‏"‏قرحة‏"‏ أي جرح‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏تنجبس‏"‏ بالجيم والسين المهملة‏.‏ قال في القاموس بجس الماء والجرح يبجسه شقه قال وبجسه تبجيسا فجره فانبجس وتبجس‏.‏ قوله ‏"‏بالقيح‏"‏ قال في القاموس القيح المدة لا تخالطها دم قاح الجرح يقيح كقاح يقوح‏.‏ والصديد ماء الجرح الرقيق على ما في القاموس‏.‏ قوله ‏"‏نولها‏"‏ بفتح النون وسكون الواو أي حظها وما يجب عليها أن تفعل والنوول العطاء في الأصل قوله ‏"‏لاساقفتهم‏"‏ الأسقف من النصارى العالم الرئيس والبطريق الرجل العظيم وفي هذا الحديث دليل على أن من سجد جاهلا لغير اللّه لم يكفر‏.‏
12 - وعن عمرو بن الأحوص ‏"‏أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال
"استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا أن لكم من نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا توطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون إلا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن‏"‏ رواه ابن ماجه والترمذي وصححه وهو دليل على أن شهادته عليها بالزنا لا تقبل لأنه شهد لنفسه بترك حقه والجناية عليه‏.‏

 

ج / 6 ص -211-       13 - وعن معاوية القشيري ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سأله رجل ما حق المرأة على الزوج قال "تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏
14 - وعن معاذ بن جبل ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سأله قال
"انفق على عيالك من طولك ولا ترفع عنهم عصاك ادبا وأخفهم في اللّه‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
15 - وعن أبي هريرة ‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ وفي رواية ‏"‏لا تصوم امرأة وزوجها شاهد يوما من غير رمضان إلا بإذنه‏"‏ رواه إلا النسائي وهو حجة لمن يمنعها من صوم النذر وإن كان معينا إلا بإذنه‏.‏
حديث عمر بن الأحوص أخرجه أيضا بقية أهل السنن‏.‏ وحديث معاوية القشيري أخرجه النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري وصححه الحاكم وابن حبان‏.‏ وحديث معاذ أخرج نحوه الطبراني في الصغير والأوسط عن ابن عمر مرفوعا ولفظه
‏"‏لاترفع العصا عن أهلك وأخفهم في اللّه عز وجل‏"‏ قال في مجمع الزوائد وإسناده جيد‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏عوان‏"‏ جمع عانية والعاني الأسير‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏فإن فعلن فاهجروهن‏"‏ الخ في صحيح مسلم في حديث ‏"‏فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح‏"‏ وظاهر حديث الباب أنه لا يجوز الهجر في المضجع والضرب إلا إذا أتين بفاحشة مبينة لا بسبب غير ذلك‏.‏ وقد ورد النهي عن ضرب النساء مطلقا فأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث اياس بن عبد اللّه بن أبي ذياب بضم الذال المعجمة وبموحدتين مرفوعا بلفظ ‏"‏لا تضربوا اماء اللّه فجاء عمر فقال قد ذئر النساء على أزواجهن فإذن لهم فضربوهن فاطاف بآل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نساء كثيرة فقال لقد أطاف بآل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سبعون امرأة كلهن يشكين أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم‏"‏ ولفظ أبي داود ‏"‏لقد طاف بأل محمد نساء كثيرة يشكون أزواجهن ليس أولئك بخيارهم‏"‏ وله شاهد من حديث ابن عباس في صحيح ابن حبان وآخر مرسل من حديث أم كلثوم بنت أبي بكر عند البيهقي‏.‏ وذئر النساء بفتح الذال المعجمة وتكسر الهمزة بعدها راء أن نشزن وقيل عصين‏.‏ قال الشافعي يحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن يعني قوله تعالى ‏{وَاضْرِبُوهُنَّ}‏ ثم أذن بعد نزولها فيه ومحل ذلك أن يضربها تأديبا إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته فإن أكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإبهام لا يعدل إلى الفعل لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية اللّه وقد أخرج النسائي عن عائشة قالت ‏"‏ما ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم امرأة

 

ج / 6 ص -212-       له ولا خادما ولا ضرب بيده شيئا قط إلا في سبيل اللّه أو تنتهب محارم اللّه فينتقم للّه‏"‏ وفي الصحيحين ‏"‏لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في أخر اليوم‏"‏ وفي رواية ‏"‏من أخر الليلة‏"‏ وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏"‏لا يسئل الرجل فيم ضرب امرأته‏"‏‏.‏ قوله ‏"‏فلا يوطئن فراشكم من تركهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون‏"‏ هذا محمول على عدم العلم برضا الزوج أما لو علمت رضاه بذلك فلا حرج عليها كما جرت عادته بإدخال الضيفان موضعا معدا لهم فيجوز إدخالهم سواء كان حاضرا أو غائبا فلا يفتقر ذلك إلى الأذن من الزوج وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ ‏"‏ولا يأذن في بيته إلا بأذنه‏"‏ وهو يفيد أن حديث الباب مقيد بعدم الأذن‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏ولا تضرب الوجه‏"‏ فيه دليل على وجوب اجتناب الوجه عند التأديب‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏ولا تقبح‏"‏ أي لا تقول لامرأتك قبحها اللّه ‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏ولا تهجر إلا في البيت‏"‏ المراد أنه إذا رابه منها أمر فيهجرها في المضجع ولا يتحول عنها إلى دار أخرى أو يحولها إليها ولكنه قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم هجر نساءه وخرج إلى مشربة له‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏ولا ترفع عنهم عصاك‏"‏ فيه أنه ينبغي لمن كان له عيال أن يخوفهم فيحذرهم الوقوع فيما لا يليق ولا يكثر تأنيسهم ومداعبتهم فيفضي ذلك إلى الأستخفاف به ويكون سببا لتركهم للآداب المستحسنة وتخلقهم بالأخلاق السيئة‏.‏
قوله ‏"‏لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد‏"‏ أي حاضر ويلحق بالزوج السيد بالنسبة إلى أمته التي يحل له وطؤها‏.‏ ووقع في رواية للبخاري
‏"‏وبعلها حاضر‏"‏ وهي أفيد لأن ابن حزم نقل عن أهل اللغة أن البعل اسم للزوج والسيد فإن ثبت وإلا كان السيد ملحقا بالزوج للاشتراك في المعنى‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏إلا بأذنه‏"‏ يعني في غير صيام أيام رمضان وكذا سائر الصيامات الواجبة ويدل على اختصاص ذلك بصوم التطوع قوله في حديث الباب من غير رمضان وما أخرجه عبد الرزاق من طريق الحسن بن علي بلفظ ‏"‏لا تصوم المرأة غير رمضان‏"‏ وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا في اثناء حديث ‏"‏ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعا إلا بأذنه فإن فعلت لم يقبل منها‏"‏ والحديث يدل على تحريم صوم التطوع على المرأة بدون أذن زوجها الحاضر وهو قول الجمهور وقال بعض أصحاب الشافعي يكره‏.‏ قال النووي والصحيح الأول قال فلو صامت بغير أذنه صح وأثمت لاختلاف الجهة وأمر القبول إلى اللّه‏.‏ قال النووي أيضا ويؤكد التحريم ثبوت الخبر بلفظ النهي ووروده بلفظ الخبر لا يمنع ذلك بل هو أبلغ لأنه يدل على تأكيد الأمر فيه فيكون على التحريم قال وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت وحقه واجب على الفور فلا تفوته بالتطوع وإذا أراد الأستمتاع بها جاز ويفسد صومها وظاهر التقييد بالشاهد أنه يجوز لها التطوع إذا كان الزوج غائبا فلو صامت وقدم في أثناء الصيام قيل فله إفساد صومها ذلك من غير كراهة وفي معنى الغيبة أن يكون مريضا بحيث لا يستطيع الجماع‏.‏ وحمل المهلب النهي المذكور على التنزيه فقال هو من حسن المعاشرة ولها أن تفعل من غير الفرائض بغير اذنه ما لا يضره وليس له أن يبطل شيئا من طاعة اللّه إذا دخلت فيه بغير أذنه‏.‏ قال الحافظ وهو خلاف ظاهر الحديث‏.

 

ج / 6 ص -213-       باب نهي المسافر أن يطرق أهله بقدومه ليلا
1 - عن أنس قال ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان لا يطرق أهله ليلا وكان يأتيهم غدوة أو عشية‏"‏‏.‏
2 - وعن جابر ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال
"إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا‏"‏‏.‏
3 - وعن جابر قال ‏"‏كنا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في غزوة فلما قدمنا ذهبنا لندخل فقال
"أمهلوا حتى ندخل ليلا أي عشاء لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة‏"‏‏.‏ متفق عليهما‏.‏
4 - وعن جابر قال ‏"‏نهى نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم‏"‏‏.‏
رواه مسلم‏.‏ قوله ‏"‏كان لا يطرق‏"‏ قال أهل اللغة بالضم المجيء بالليل من سفر أو غيره على غفلة لكل أت بالليل طارق ولا يقال في النهار إلا مجازا‏.‏ وقال بعض أهل اللغة أصل الطروق الدفع والضرب وبذلك سميت الطريق لأن المارة تدفعها بأرجلها وسمي الأتي بالليل طارقا لأنه محتاج غالبا إلى دق الباب وقيل أصل الطروق السكون ومنه أطرق رأسه فلما كان الليل يسكن فيه سمى الأتي فيه طارقا‏.‏ قوله ‏"‏إذا أطال أحدكم الغيبة‏"‏ فيه إشارة إلى أن علة النهي إنما توجد حينئذ فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما فلما كان الذي يخرج لحاجته مثلا نهارا ويرجع ليلا لا يتأتى له ما يحذر من الذي يطيل الغيبة قيد الشارع النهي عن الطروق بالغيبة الطويلة والحكمة في النهي عن الطروق أن المسافر ربما وجد أهله مع الطروق وعدم شعورهم بالقدوم على غير أهبة من التنظيف والتزين المطلوب من المرأة فيكون ذلك سبب النفرة بينهما وقد اشار إلى ذلك في الحديث الذي بعده وقد أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن ابن عمر ‏"‏قال قدم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من غزوة فقال لا تطرق النساء وأرسل من يؤذن للناس أنهم قادمون وأخرج ابن خزيمة أيضا من حديث ابن عمر ‏"‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يطرق النساء ليلا فطرق رجل فوجد مع امرأته ما يكره‏"‏ وأخرج نحوه من حديث ابن عباس وقال ‏"‏رجلان فكيلاهما وجد مع امرأته رجلا وأخرج أبو عوانة في صحيحه عن جابر ‏"‏أن عبد اللّه بن رواحة أتى امرأته ليلا وعندها امرأة تمشطها فظنها رجلا فأشار إليه بالسيف فلما ذكر للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ذلك نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا‏"‏‏.‏ قوله ‏"‏حتى تدخل ليلا‏"‏ ظاهره المعارضة بما تقدم من النهي عن الطروق ليلا وقد جمع بأن

 

ج / 6 ص -214-       المراد بالليل ههنا أوله وبالنهي الدخول في أثناءه فيكون أول الليل إلى وقت العشاء مخصصا من عموم ذلك النهي والأولي في الجمع أن الأذن في الدخول ليلا لمن كان قد أعلم أهله بقدومه فأستعدوا له والنهي لمن لم يكن قد أعلنه‏.‏ قوله ‏"‏الشعثة‏"‏ بفتح المعجمة وكسر العين المهملة بعدها مثلثة وهي التي لم تدهن شعرها وتمشطه‏.‏ قوله ‏"‏وتستحد‏"‏ بحاء مهملة أي تستعمل الحديدة وهي الموسي والمغيبة بضم الميم وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة أي التي غاب عنها زوجها والمراد إزالة الشعر عنها وعبر بالأستحداد لأن الغالب استعماله في إزالة الشعر وليس فيه منع من الإزالة بغير الموسى‏.‏ قوله ‏"‏يتخونهم أو يطالب عثراتهم‏"‏ هكذا بالشك قال سفيان لا أدري هكذا في الحديث أم لا يعني يتخونهم أو يطلب عثراتهم والتخون أن يظن وقوع الخيانة من أهله وعثراتهم بفتح المهملة والمثلثة جمع عثرة وهي الزلة ووقع في حديث جابر عند أحمد والترمذي بلفظ ‏"‏لا تجلوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم‏"‏‏.‏

باب القسم للبكر والثيب الجديدتين
1 - عن أم سلمة ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام وقال
أنه ليس بك هوان على أهلك فإن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه‏.‏ ورواه الدارقطني ولفظه ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لها حين دخل بها ليس بك على أهلك هوان إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك وإن شئت سبعت لك وسبعت لنسائي قالت تقيم معي ثلاثا خالصة‏"‏‏.‏
2 - وعن أبي قلابة عن أنس قال ‏"‏من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم قال أبو قلابة ولو شئت لقلت أن أنسا رفعه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏‏.‏ أخرجها‏.‏
3 - وعن أنس قال ‏"‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول
للبكر سبعة أيام وللثيب ثلاث ثم يعود إلى نسائه‏"‏‏.‏ رواه الدارقطني‏.‏
4 - وعن أنس قال ‏"‏لما أخذ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم صفية أقام عندها ثلاثا وكانت ثيبا‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏ لفظ الدارقطني في حديث أم سلمة في إسناده الواقدي وهو ضعيف جدا وحديث أنس الآخر في الإقامة عند صفية أخرجه أيضا النسائي ورجال أبي داود رجال الصحيح‏.‏ قوله ‏"‏سبعت لك‏"‏ في رواية لمسلم ‏"‏وإن شئت ثلثت ثم درت قالت ثلث‏"‏ وفي رواية للحاكم أنها أخذت

 

ج / 6 ص -215-       بثوبه مانعة له من الخروج من بيتها فقال لها إن شئت الحديث وفي حديث أم سلمة دليل على أن الزوج إذا تعدى السبع للبكر والثلاث للثيب بطل الإيثار ووجب قضاء سائر الزوجات مثل تلك المدة بالنص في الثيب والقياس في البكر ولكن إذا وقع من الزوج تعدي تلك المدة بأذن الزوجة ومعنى قوله ‏"‏ليس بك على أهلك هوان‏"‏ أن لا يلحقك هوان ولا يضيع من حقك قال القاضي عياض المراد بأهلك هنا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نفسه أي أني لا أفعل فعلا به هوانك‏.‏ قوله ‏"‏قال أبو قلابة‏"‏ الخ قال ابن دقيق العيد قول أبي قلابة يحتمل وجهين‏.‏ أحدهما أن يكون ظن أنه سمعه عن أنس مرفوعا لفظا فتحرز عنه تورعا والثاني أن يكون رآي أن قول أنس من السنة في حكم المرفوع فلو عبرعنه بأنه مرفوع على حسب اعتقاده لصح لأنه في حكم المرفوع قال والأول أقرب لأن قوله من السنة يقتضي أن يكون مرفوعا بطريق اجتهادي محتمل‏.‏ وقوله أنه رفعه نص في رفعه وليس للراوي أن ينقل ما هو ظاهر محتمل إلى ما هو نص في رفعه وبهذا يندفع ما قاله بعضهم من عدم الفرق بين قوله من السنة كذا وبين رفعه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وقد روى هذا الحديث جماعة عن أنس وقالوا فيه قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كما في البيهقي ومستخرج الإسماعيلي وصحيح أبي عوانة وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان والدارمي والدارقطني وأحاديث الباب تدل على أن البكر تؤثر بسبع والثيب قيل وهذا في حق من كان له زوجة قبل الجديدة وقال ابن عبد البر حاكيا عن جمهور العلماء أن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف وسواء كان عند زوجة أم لا وحكى النووي أنه يستحب إذا لم يكن عند غيرها وإلا فيجب‏.‏ قال في الفتح وهذا يوافق كلام أكثر الأصحاب وأختار النووي أن لا فرق وإطلاق الشافعي يعضده ويمكن التمسك بقول من أشترط أن يكون عند زوجة قبل الجديدة بقوله في حديث أنس المذكور ‏"‏إذا تزوج البكر على الثيب‏"‏ ويمكن الاستدلال لمن لم يشترط بقوله في حديث أنس أيضا للبكر سبع وللثيب ثلاث‏.‏ قال الحافظ لكن القاعدة أن المطلق محمول على المقيد قال وفيه يعني حديث أنس المذكور حجة على الكوفيين في قولهم أن البكر والثيب سواء في الثلاث وعلى الأوزاعي في قوله للبكر ثلاث وللثيب يومان وفيه حديث مرفوع عن عائشة أخرجه الدارقطني بسند ضعيف جدا انتهى‏.‏ وحكى في البحر عن أبي حنيفة وأصحابه والحكم وحماد أنها تؤثر البكر على الثيب بذلك المقدار تقديما ويقتضي البواقي مثله وحكى في البحر أيضا عن الحسن البصري وابن المسيب أنها تؤثر البكر بليلتين والثيب بليلة‏.‏ قال في الفتح تنبيه يكره أن يتأخر في السبع أو الثلاث عن الصلاة وسائر أعمال البر قال وعن ابن دقيق العيد أنه قال أفرط بعض الفقهاء فجعل مقامه عندها عذرا في إسقاط الجمعة وبالغ في التشنيع وأجيب بأنه قياس قول من يقول بوجوبا المقام عندها وهو قول الشافعية ورواه ابن قاسم عن مالك وعنه يستحب وهو وجه للشافعية فعلى الأصح يتعارض عنده الواجبان فيقدم حق الآدني فليس بشنيع وإن كان مرجوحا انتهى‏.‏ ولا يخفى أن مثل هذا لا يرد به على تشنيع ابن دقيق لأنه شنع

 

ج / 6 ص -216-       على القائل كائن من كان وهو قول شنيع كما ذكر فكيف يجاب عنه بأن هذا قد قال به فلان وفلان اللّهم إلا أن يكون ابن دقيق العيد في وجوب المقام بلا استثناء‏.‏

باب ما يجب فيه التعديل بين الزوجات وما لا يجب
1 - عن أنس قال ‏"‏كان للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تسع نسوة وكان إذا قسم بيهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلى تسع فكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها‏"‏‏.‏ رواه مسلم‏.‏
2 - وعن عائشة قالت ‏"‏كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا امرأة امرأة فيدنو ويلمس من غير مسيس حتى يفضي إلى التي هو يومها فيبيت عندها‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود بنحوه‏.‏ وفي لفظ ‏"‏كان إذا انصرف من صلاة العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
3 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏
"‏من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا أو مائلا‏"‏‏.‏ رواه الخمسة‏.‏
حديث عائشة أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححه ولفظ أبي داود في رواية ‏"‏كان لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا وكان ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها‏"‏ وحديث أبي هريرة أخرجه الدارمي وابن حبان والحاكم قال واسناده على شرط الشيخين واستغر به الترمذي مع تصحيحه وقال عبد الحق هو خير ثابت لكن علته أن هماما تفرد به وأن هشاما رواه عن قتادة فقال كان يقال وأخرج أبو نعيم عن أنس نحوه‏.‏ قوله ‏"‏إلي تسع‏"‏ فيه دليل على أن القسمة كانت بين تسع ولكن المشهور أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يقسم بين ثمان من نسائه فقط فكان يجعل لعائشة يومين يومها ويوم سودة الذي وهبته لها ولكن واحدة يوما وفيه دليل على أنه لا يشترط في العدل بين الزوجات أن يفرض لكل واحدة ليلة بحيث لا يجتمع فيها مع غيرها بل يجوز مجالسة غير صاحبة النوبة ومحادثتها ولهذا كن يجتمعن كل ليلة في بيت صاحبة النوبة وكذلك يجوز للزوج دخول غير صاحبة النوبة والدنو منها واللمس إلا الجماع كما في حديث عائشة المذكور‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏يميل لأحداهما‏"‏ فيه دليل على تحريم الميل إلى إحدى الزوجتين دون الأخرى إذا كان ذلك في أمر يملكه الزوج كالقسمة والطعام والكسوة ولا يجب على الزوج التسوية بين الزوجات فيما لا يملكه كالمحبة ونحوها لحديث عائشة الآتي

 

ج / 6 ص -217-       وقد ذهب أكثر الأئمة إلى وجوب القسمة بين الزوجات‏.‏ وحكى في البحر عن قوم مجاهيل أنه يجوز لمن له زوجتان أن يقف مع احداهما ليلة ومع الأخرى ثلاثا لأن له أن ينكح أربعا وله أيثار أيهما شاء بالليلتين ومثله عن الناصر لكن حمله أصحابه على الحكاية دون أن يكون مذهبه ولا شك إن مثل هذا يعد من الميل الكلي واللّه يقول ‏{فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}‏‏.‏
4 - وعن عائشة قالت ‏"‏كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقسم فيعدل ويقول
اللّهم هذا قسمى فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك‏"‏‏.‏ رواه الخمسة الا أحمد‏.‏
5 - وعن عمر ‏"‏قال قلت يا رسول اللّه لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لها لا يغرنك إن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يريد عائشة فتبسم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
6 - وعن عائشة ‏"‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه أين أنا غدا يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها متفق عليه‏"‏‏.‏
7 - وعن عائشة ‏"‏ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
حديث عائشة أخرجه أيضا الدرامي وصححه ابن حيان والحاكم ورجح الترمذي إرساله فقال رواية حماد بن زيد عن ايوب عن أبي قلابة مرسلاً أصح وكذا أعله النسائي والدارقطني‏.‏ وقال أبو زرعة لا أعلم أحداً تابع حماد بن سلمة على وصله‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقسم فيعدل‏"‏ استدل به من قال ان القسم كان واجبا عليه وذهب بعض المفسرين والأصطخري والمهدي في البحر إلى أنه لا يجب عليه واستدلوا بقوله تعالى ‏
{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ}‏ الآية وذلك من خصائصه‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏فلا تلمني فيما تملك ولا أملك قال الترمذي يعني به الحب والمودة كذلك فسره أهل العلم وقد أخرج البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ‏{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ}‏ قال في الحب والجماع وعند عبيدة بن عمر والسلماني مثله‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏إن كانت جارتك‏"‏ بالفتح للّهمزة وبالكسر كما في الفتح والمراد بالجارة ههنا الضرة أو هو على حقيقته لأنها كانت مجاورة لها قال في الفتح والأولى أن يحمل هنا على معنييه لصلاحيته لك منهما والعرب تطلق على الضرة جارة لتجاورهما المعنوي لكونهما عند شخص واحد وإن لم يكن حسيا‏.‏ قوله ‏"‏أوضأ منك والوضاءة‏"‏ ووقع في رواية معمر أوسم من الوسامة والمراد أجمل كأن الجمال وسمة أي علامة‏.‏ قوله ‏"‏يريد يوم عائشة‏"‏ فيه دليل على أنه مجرد إرادة

 

ج / 6 ص -218-       الزوج أن يكون عند بعض نسائه في مرضه أو في غيره لا يكون محرما عليه بل يجوز له ذلك ويجوز للزوجات الأذن له بالوقوف مع واحدة منهن‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏إذا أراد أن يخرج سفرا‏"‏ مفهومه اختصاص القرعة بحالة السفر وليس على عمومه بل لتعين القرعة من يسافر بها ويجري القرعة أيضا فيما إذا أراد أن يقسم بين نسائه فلا يبدأ بأيتهن شاء بل يقرع بينهن فيبدأ بالتي تخرج لها القرعة إلا أن يرضين بتقديم من أختاره جاز بلا قرعة‏.‏ قوله ‏"‏أقرع‏"‏ استدل بذلك على مشروعية القرعة في القسمة بين الشركاء وغير ذلك والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة‏.‏ قال القاضي عياض هو مشهور عن مالك وأصحابه لأنها من باب الخطر والقمار وحكى عن الحنفية إجازتها انتهى‏.‏

باب المرأة تهب يومها لضرتها أو تصالح الزوج على إسقاطه
1 - عن عائشة ‏"‏أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة وكان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
2 - وعن عائشة في قوله تعالى"‏في قوله تعالى
‏{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً‏}‏ قالت هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج غيرها تقول له أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري وأنت في حل من النفقة علي والقسم لي فذلك قوله تعالى ‏{فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ‏}‏‏"‏ وفي رواية ‏"‏قالت هو الرجل يرى من امرأته ما لا يعجبه كبرا أو غيره فيريد فراقها فتقول أمسكني وأقسم لي ما شئت قالت فلا بأس إذا تراضيا‏"‏‏.‏ متفق عليهما‏.‏
3 - وعن عطاء عن ابن عباس قال ‏"‏كان عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم تسع وكان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة قال عطاء التي لا يقسم لها صفية بن حيي بن أخطب‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم والتي ترك القسم لها يحتمل أن يكون عن صلح ورضا منها ويحتمل أنه كان مخصوصا بعدم وجوبه عليه لقوله تعالى ‏
{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} الآية‏.‏
قوله ‏"‏إن سودة‏"‏ قال في الفتح هي زوج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان تزوجها وهو بمكة بعد موت خديجة ودخل عليها بها وهاجرت معه‏.‏ ووقع لمسلم من طريق شريك عن هشام في آخر حديث الباب قالت عائشة وكانت امرأة تزوجها بعدي ومعناه عقد عليها بعد أن عقد على عائشة وأما الدخول بعائشة فكان بعد سودة بالأتفاق وقد نبه على ذلك ابن الجوزي قوله ‏"‏وهبت

 

ج / 6 ص -219-       يومها‏"‏ في لفظ البخاري في الهبة يومها وليلتها وزاد في آخره تبتغي بذلك رضا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولفظ أبي داود ‏"‏ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وخافت أن يفارقها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يا رسول اللّه يومي لعائشة فقيل ذلك منها ففيها وأشباهها نزلت {وان امرأة خافت من بعلها نشوزا}‏"‏ الآية ورواه أيضا ابن سعد وسعيد بن منصور والترمذي وعبد الرزاق‏.‏ قال الحافظ في الفتح فتواردت هذه الروايات على أنها خشيت الطلاق فوهبت قال وأخرج ابن سعد بسند رجاله ثقات من رواية القاسم بن أبي برة مرسلا ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم طلقها فقعدت له على طريقه فقالت والذي بعثك بالحق مالي في الرجال حاجة ولكن أحب أن أبعث مع نسائك يوم القيامة فأنشدك الذي أنزل عليك الكتاب هل طلقتني لموجدة وجدتها على قال لا قالت فأنشدك لما راجعتني فراجعها قالت فأني قد جعلت يومي وليلتي لعائشة حبة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏ قوله ‏"‏يومها ويوم سودة‏"‏ لا نزاع أنه يجوز إذا كان يوم الواهبة واليا ليوم الموهوب لها بلا فصل أن يوالي الزوج بين اليومين للموهوب لها وأما إذا كان بينهما نوبة زوجة أخرى أو زوجات فقال العلماء أنه لا يقدمه عن رتبته في القسم الا برضا من بقي وهل يجوز للموهوب لها أن تمتنع عن قبول النوبة الموهوبة فإن كان قد قبل الزوج لم يجز لها الامتناع وإن لم يكن قد قبل لم يكره على ذلك حكى ذلك في الفتح عن العلماء قال وإن وهبت يومها لزوجها ولم تتعرض للضرة فهل له أن يخص واحدة إن كان عنده أكثر من أثنتين أو يوزعه بين من بقي قال وللواهبة في جميع الأحوال الرجوع عن ذلك متى أحبت لكن فيما يستقبل لا فيما مضى‏.‏ قال في البحر وللواهبة الرجوع متى شاءت فيقضيها ما فوت بعد العلم برجوعها لا قبله‏.‏ وحديث عائشة يدل على أنه يجوز للمرأة أن تهب يومها لضرتها وهو مجمع عليه كما في البحر والآية المذكورة تدل على أنه يجوز للمرأة أن تصالح زوجها إذا خافت منه أن يطلقها بما تراضيا عليه من اسقاط نفقته أو اسقاط قسمها أو هبة نوبتها أو غير ذلك مما يدخل تحت عموم الآية‏.‏ قوله‏:‏ قال عطاء التي لا يقسم لها صفية‏.‏ قد ذكر ابن القيم في أول الهدى عن الكلام على هديه صلى اللّه عليه وآله وسلم في النكاح والقسم ان هذا غلط وإن صفية إنما اسقطت نوبتها من القسمة مرة واحدة وقالت هل لك أن تطيب نفسك عني وأجعل يومي لعائشة أي ذلك اليوم بعينه في تلك المرة هذا معنى كلامه فليراجع فإنه لم يحضرني وقت الرقم‏.‏

كتاب الطلاق

باب جوازه للحاجة وكراهته مع عدمها وطاعة الوالد فيه
1 - عن عمر بن الخطاب‏:‏ ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم طلق حفصة ثم راجعها‏"‏‏.‏ - رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وهو لأحمد من حديث عاصم بن عمر‏.‏

 

ج / 6 ص -220-       2 - وعن لقيط بن صبرة قال‏:‏ ‏"‏قلت يا رسول اللّه إن لي امرأة فذكر من بذائها قال‏:‏ طلقها قلت إن لها صحبة وولداً قال‏:‏ مرها أو قل لها فإن يكن فيها خير ستفعل ولا تضرب ظعينتك ضربك أمتك‏"‏‏.‏ - رواه أحمد وأبو داود‏.‏
3 - وعن ثوبان قال‏:‏ ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏
أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة‏"‏‏.‏ - رواه الخمسة إلا النسائي‏.‏
وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أبغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق ".- رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏
5 - وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏"‏كانت تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني أن أطلقها فأبيت فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏
يا عبد اللّه بن عمر طلق امرأتك‏"‏‏.‏ - رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي‏.‏
- حديث عمر بن الخطاب سكت عنه أبو داود والمنذري وحديث لقيط أخرجه أيضاً البيهقي ورجاله رجال الصحيح‏.‏
وحديث ثوبان حسنه الترمذي وذكر أن بعضهم لم يرفعه‏.‏ وحديث ابن عمر الأول أخرجه أيضاً الحاكم وصححه ورواه أيضاً أبو داود وفي إسناد أبي داود يحيى بن سليم وفيه مقال والبيهقي مرسلاً ليس فيه ابن عمر ورجح أبو حاتم والدارقطني والبيهقي المرسل وفي إسناده عبيد اللّه بن الوليد الوصافي وهو ضعيف ولكنه قد تابعه معرف بن واصل ورواه الدارقطني عن معاذ بلفظ‏:‏
‏"‏ما خلق اللّه شيئاً أبغض إليه من الطلاق‏"‏ قال الحافظ‏:‏ وإسناده ضعيف ومنقطع‏.‏
وأخرج ابن ماجه وابن حبان من حديث أبي موسى مرفوعاً‏:‏
‏"‏ما بال أحدكم يلعب بحدود اللّه يقول قد طلقت قد راجعت‏"‏ وحديث ابن عمر الثاني قال الترمذي بعد إخراجه‏:‏ هذا حديث حسن صحيح إنما نعرفه من حديث ابن أبي ذئب انتهى‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏طلق حفصة‏"‏ قال في الفتح‏:‏ الطلاق في اللغة حل الوثاق مشتق من الإطلاق وهو الإرسال والترك وفلان طلق اليد بالخير أي كثير البذل وفي الشرع حل عقدة التزويج فقط وهو موافق لبعض أفراد مدلوله اللغوي‏.‏ قال إمام الحرمين‏:‏ هو لفظ جاهلي ورد الشرع بتقريره وطلقت المرأة بفتح الطاء وضم اللام وبفتحها أيضاً وهو أفصح وطلقت أيضاً بضم أوله وكسر اللام الثقيلة فإن خففت فهي خاص بالولادة والمضارع فيهما بضم اللام والمصدر في الولادة طلقاً ساكنة اللام فهي طالق فيهما ثم الطلاق قد يكون حراماً ومكروهاً وواجباً ومندوباً وجائزاً

 

ج / 6 ص -221-       أما الأول ففيما إذا كان بدعياً وله صور‏.‏ وأما الثاني ففيما إذا وقع بغير سبب مع استقامة الحال‏.‏ وأما الثالث ففي صور منها الشقاق إذا رأى ذلك الحكمان‏.‏ وأما الرابع ففيما إذا كانت غير عفيفة‏.‏ وأما الخامس فنفاه النووي وصوره غيره بما إذا كان لا يريدها ولا تطيب نفسه أن يتحمل مؤنتها من غير حصول غرض الاستمتاع فقد صرح الإمام أن الطلاق في هذه الصورة لا يكره انتهى‏.‏
وفي حديث عمر هذا دليل على أن الطلاق يجوز للزوج من دون كراهة لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما يفعل ما كان جائزاً من غير كراهة ولا يعارض هذا حديث‏:‏ ‏
"‏أبغض الحلال إلى اللّه‏"‏ الخ لأن كونه أبغض الحلال لا يستلزم أن يكون مكروهاً كراهة أصولية‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏طلقها‏"‏ فيه أنه يحسن طلاق من كانت بذية اللسان ويجوز إمساكها ولا يحل ضربها كضرب الأمة وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏فحرام عليها رائحة الجنة‏"‏ فيه دليل على أن سؤال المرأة الطلاق من زوجها محرم عليها تحريماً شديداً لأن من لم يرح رائحة الجنة غير داخل لها أبداً وكفى بذنب يبلغ بصاحبه إلى ذلك المبلغ منادياً على فظاعته وشدته‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏أبغض الحلال إلى اللّه‏"‏ الخ فيه دليل على أن ليس كل حلال محبوباً بل ينقسم إلى ما هو محبوب وإلى ما هو مبغوض‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏طلق امرأتك‏"‏ دليل صريح يقتضي أنه يجب على الرجل إذا أمره أبوه بطلاق زوجته أن يطلقها وإن كان يحبها فليس ذلك عذراً له في الإمساك ويلحق بالأب الأم لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد بين أن لها من الحق على الولد ما يزيد على حق الأب كما في حديث‏:‏
‏"‏من أبر يا رسول اللّه فقال أمك ثم سأله فقال أمك ثم سأله فقال أمك وأباك‏"‏ وحديث‏:‏ ‏"‏الجنة تحت أقدام الأمهات‏"‏ وغير ذلك‏.‏

باب النهي عن الطلاق في الحيض وفي الطهر بعد أن يجامعها ما لم يبن حملها
1 - عن ابن عمر‏:‏ ‏"‏أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏
مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً‏"‏‏.‏ - رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏
وفي رواية عنه‏:‏ ‏"‏أنه طلق امرأة له وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فتغيظ فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم قال‏:‏
ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمر اللّه تعالى‏"‏ وفي لفظ‏:‏ ‏"‏فتلك العدة التي أمر اللّه أن يطلق لها النساء‏"‏ رواه الجماعة إلا الترمذي فإن له منه إلى الأمر بالرجعة‏.‏ ولمسلم والنسائي نحوه وفي آخره قال ابن عمر ‏"‏وقرأ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}‏‏"‏‏.‏
وفي رواية متفق عليها‏:‏ ‏"‏وكان عبد اللّه طلق

 

ج / 6 ص -222-       تطليقة فحسبت من طلاقها‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏"‏كان ابن عمر إذا سئل عن ذلك قال لأحدهم أما إن طلقت امرأتك مرة أو مرتين فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمرني بهذا وإن كنت طلقت ثلاثاً فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجاً غيرك وعصيت اللّه عز وجل فيما أمرك به من طلاق امرأتك‏"‏ رواه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏
وفي رواية‏:‏ ‏"‏أنه طلق امرأته وهي حائض تطليقة فانطلق عمر فأخبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏
مر عبد اللّه فليراجعها فإذا اغتسلت فليتركها حتى تحيض فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها وإن شاء أن يمسكها فليمسكها فإنها العدة التي أمر اللّه أن يطلق لها النساء‏"‏ رواه الدارقطني وفيه تنبيه على تحريم الوطء والطلاق قبل الغسل‏.‏
2 - وعن عكرمة قال‏:‏ ‏"‏قال ابن عباس‏:‏ الطلاق على أربعة أوجه وجهان حلال ووجهان حرام فأما اللذان هما حلال فأن يطلق الرجل امرأته طاهراً من غير جماع أو يطلقها حاملاً مستبيناً حملها وأما اللذان هما حرام فأن يطلقها حائضاً أو يطلقها عند الجماع لا يدري اشتمل الرحم على ولد أم لا‏"‏‏.‏ - رواه الدارقطني‏.‏
- قوله‏:‏ ‏"‏طلق امرأته‏"‏ اسمها آمنة بنت غفار كما حكاه جماعة منهم النووي وابن باطش‏.‏ وغفار بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وفي مسند أحمد أن اسمها النوار‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏وهي حائض‏"‏ في رواية‏:‏ ‏
"‏وهي في دمها حائض‏"‏ وفي أخرى للبيهقي‏:‏ ‏"‏أنه طلقها في حيضها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏فذكر ذلك عمر‏"‏ قال ابن العربي‏:‏ سؤال عمر محتمل لأن يكون ذلك لكونهم لم يروا قبلها مثلها فسأله ليعلم ويحتمل أن يكون لما رأى في القرآن ‏
{‏فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}‏ ويحتمل أن يكون سمع من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم النهي فجاء ليسأل عن الحكم بعد ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏مره فليراجعها‏"‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ يتعلق بذلك مسألة أصولية وهي أن الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء أو لا فإنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لعمر مره والمسألة معروفة في كتب الأصول والخلاف فيها مشهور‏.‏
وقد ذكر الحافظ في الفتح أن من مثل بهذا الحديث لهذه المسألة فهو غالط فإن القرينة واضحة في أن عمر في هذه الكائنة كان مأموراً بالتبليغ ولهذا وقع في رواية أيوب عن نافع فأمره أن يراجعها إلى آخر كلام صاحب الفتح‏.‏ وظاهر الأمر الوجوب فتكون مراجعة من طلقها زوجها على تلك الصفة واجبة وقد ذهب إلى ذلك مالك وأحمد في رواية والمشهور عنه وهو قول الجمهور الاستحباب فقط قال في الفتح‏:‏ واحتجوا بأن ابتداء النكاح لا يجب فاستدامته كذلك لكن صحح صاحب الهداية من الحنفية أنها واجبة والحجة لمن قال بالوجوب ورود الأمر بها ولأن الطلاق لما كان محرماً في الحيض

 

ج / 6 ص -223-       كانت استدامة النكاح فيه واجبة واتفقوا على أنه لو طلق قبل الدخول وهي حائض لم يؤمر بالمراجعة إلا ما نقل عن زفر وحكى ابن بطال وغيره الاتفاق إذا انقضت العدة أنه لا رجعة والاتفاق أيضاً على أنه إذا طلقها في طهر قد مسها فيه لم يؤمر بالمراجعة وتعقب الحافظ ذلك بثبوت الخلاف فيه كما حكاه الحناطي من الشافعية وجهاً‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً‏"‏ ظاهره جواز الطلاق حال الطهر ولو كان هو الذي يلي الحيضة التي طلقها فيها وبه قال أبو حنيفة وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد الوجهين عن الشافعية وذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه والشافعية في الوجه الآخر وأبو يوسف ومحمد إلى المنع وحكاه صاحب البحر عن القاسمية وأبي حنيفة وأصحابه وفيه نظر فإن الذي في كتب الحنفية هو ما ذكرناه من الجواز عن أبي حنيفة والمنع عن أبي يوسف ومحمد واستدل القائلون بالجواز بظاهر الحديث وبأن المنع إنما كان لأجل الحيض فإذا طهرت زال موجب التحريم فجاز الطلاق في ذلك الطهر كما يجوز في غيره من الأطهار واستدل المانعون بما في الرواية الثانية من حديث الباب المذكور بلفظ‏:‏
‏"‏ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر‏"‏ الخ وكذلك قوله في الرواية الأخرى‏:‏ ‏"‏مر عبد اللّه فليراجعها فإذا اغتسلت‏"‏ الخ‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏فتغيظ‏"‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ تغيظ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إما لأن المعنى الذي يقتضي المنع كان ظاهراً فكان مقتضى الحال التثبت في ذلك أو لأنه كان مقتضى الحال مشاورة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في ذلك إذا عزم عليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏ثم يمسكها‏"‏ أي يستمر بها في عصمته حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر‏.‏
وفي رواية للبخاري‏:‏
‏"‏ثم ليدعها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى فإذا طهرت فليطلقها‏"‏ قال الشافعي‏:‏ غير نافع إنما روى‏:‏ ‏"‏حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها ثم إن شاء أمسكها وإن شاء طلق‏"‏ رواه يونس ابن جبير وابن سيرين وسالم‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وهو كما قال لكن رواية الزهري عن سالم موافقة لرواية نافع وقد نبه على ذلك أبو داود والزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظاً‏.‏
وقد اختلف في الحكمة في الأمر بالإمساك كذلك فقال الشافعي‏:‏ يحتمل أن يكون أراد بذلك أي بما في رواية نافع أن يستبرئها بعد الحيضة التي طلقها فيها بطهر تام ثم حيض تام ليكون تطليقها وهي تعلم عدتها إما بحمل أو بحيض أو ليكون تطليقها بعد علمه بالحمل وهو غير جاهل بما صنع أو ليرغب في الحمل إذا انكشفت حاملاً فيمسكها لأجله‏.‏
وقيل في الحكمة في ذلك أن لا تصير الرجعة لغرض الطلاق فإذا أمسكها زماناً يحل له فيه طلاقها ظهرت فائدة الرجعة لأنه قد يطول مقامه معها فيجامعها فيذهب ما في نفسه فيمسكها‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏قبل أن يمسها‏"‏ استدل بذلك على أن الطلاق في طهر جامع فيه حرام وبه صرح الجمهور وهل يجبر على الرجعة إذا طلقها في طهر وطئها فيه كما يجبر إذا طلقها حائضاً قال بذلك بعض المالكية والمشهور عندهم الإجبار إذا طلق في الحيض لا إذا طلق في طهر وطئ فيه وقال داود يجبر إذا طلقها حائضاً نفساء قال في الفتح‏:‏ واختلف الفقهاء في المراد بقوله طاهراً هل المراد انقطاع الدم أو التطهر بالغسل على قولين وهما روايتان عن أحمد والراجح الثاني لما أخرجه النسائي بلفظ‏:‏
‏"‏مر عبد اللّه

 

ج / 6 ص -224-       فليراجعها فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها وإن شاء أن يمسكها فليمسكها‏"‏ وهذا مفسر لقوله ‏"‏فإذا طهرت‏"‏ فليحمل عليه وقد تمسك بقوله أو حاملاً من قال بأن طلاق الحامل سني وهم الجمهور‏.‏ وروي عن أحمد أنه ليس بسني‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏فحسبت من طلاقها‏"‏ بضم الحاء المهملة من الحسبان‏.‏ وفي لفظ البخاري‏:‏ حسبت علي بتطليقة وأخرجه أبو نعيم كذلك وزاد يعني حين طلق امرأته فسأل عمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقد تمسك بذلك من قال بأن الطلاق البدعي يقع وهم الجمهور‏.‏ وذهب الباقر والصادق وابن حزم وحكاه الخطابي عن الخوارج والروافض إلى أنه لا يقع‏.‏ وحكاه ابن العربي وغيره عن ابن عليه يعني إبراهيم بن إسماعيل بن علية وهو من فقهاء المعتزلة‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ لا يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال‏.‏
قال‏:‏ وروي مثله عن بعض التابعين وهو شذوذ وقد أجاب ابن حزم عن قول ابن عمر المذكور بأنه لم يصرح بمن حسبها عليه ولا حجة في أحد دون رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وتعقب بأنه مثل قول الصحابة أمرنا في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بكذا فإنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وعندي أنه لا ينبغي أن يجيء فيه الخلاف الذي في قول الصحابي أمرنا بكذا فإن ذلك محله حيث يكون إطلاع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم على ذلك ليس صريحاً وليس كذلك في قصة ابن عمر هذه فإن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم هو الآمر بالمراجعة وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك وإذا أخبر ابن عمر أن الذي وقع منه حسب عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعيداً جداً مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك وكيف يتخيل أن ابن عمر يفعل في القصة شيئاً برأيه وهو ينقل أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تغيظ من صنعه حيث لم يشاوره فيما يفعل في القصة المذكورة‏.‏ واستدل الجمهور أيضاً بما أخرجه الدارقطني عن ابن عمر أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال هي واحدة‏.‏
قال في الفتح‏:‏ وهذا نص في محل النزاع يجب المصير إليه وقد أورده بعض العلماء على أن ابن حزم فأجابه بأن قوله هي واحدة لعله ليس من كلام النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فألزمه بأنه نقض أصله لأن الأصل لا يدفع بالاحتمال وقد أجاب ابن القيم عن هذا الحديث بأنه لا يدري أقاله يعني قوله هي واحدة ابن وهب من عنده أم ابن أبي ذئب أم نافع فلا يجوز أن يضاف إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ما لا يتيقن أنه من كلامه ولا يخفى أن هذا التجويز لا يدفع الظاهر المتبادر من الرفع ولو فتحنا باب دفع الأدلة بمثل هذا ما سلم لنا حديث فالأولى في الجواب المعارضة لذلك بما سيأتي‏.‏
ومن حجج الجمهور ما أخرجه الدارقطني أيضاً‏:‏ ‏"‏أن عمر قال‏:‏ يا رسول اللّه أفتحتسب بتلك التطليقة قال‏:‏
نعم‏"‏ ورجاله إلى شعبة ثقات كما قال الحافظ وشعبة رواه عن أنس بن سيرين عن ابن عمر واحتج الجمهور أيضاً بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم "راجعها" فإن الرجعة لا تكون إلا بعد طلاق‏.‏ وأجاب ابن القيم عن ذلك بأن الرجعة قد وقعت في كلام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على ثلاثة معان‏:‏ أحدها بمعنى النكاح قال اللّه تعالى ‏{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا}‏ ولا خلاف بين أحد من أهل العلم أن المطلق ههنا هو الزوج الثاني وأن التراجع بينها وبين الزوج الأول وذلك كابتداء

 

ج / 6 ص -225-       النكاح وثانيها الرد الحسن إلى الحالة الأولى التي كانت عليها أولاً كقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لأبي النعمان بن بشير لما أنحل ابنه غلاماً خصه به دون ولده‏:‏ ‏"‏أرجعه‏"‏ أي رده فهذا رد ما لم تصح فيه الهبة الجائزة‏.‏ والثالث الرجعة التي تكون بعد الطلاق ولا يخفى أن الاحتمال يوجب سقوط الاستدلال ولكنه يؤيد حمل الرجعة هنا على الرجعة بعد الطلاق ما أخرجه الدارقطني عن ابن عمر‏:‏ ‏"‏أن رجلاً قال‏:‏ إني طلقت امرأتي البتة وهي حائض فقال‏:‏ عصيت ربك وفارقت امرأتك‏"‏ قال‏:‏ فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر ابن عمر أن يراجع امرأته قال‏:‏ إنه أمر ابن عمر أن يراجعها بطلاق بقي له وأنت لم تبق ما ترتجع به امرأتك‏.‏
قال الحافظ‏:‏ وفي هذا السياق رد على من حمل الرجعة في قصة ابن عمر على المعنى اللغوي ولكنه لا يخفى أن هذا على فرض دلالته على ذلك لا يصلح للاحتجاج به لأن مجرد فهم ابن عمر لا يكون حجة وقد تقرر أن معنى الرجعة لغة أعم من المعنى الاصطلاحي ولم يثبت أنه ثبت فيها حقيقة شرعية يتعين المصير إليها‏.‏ ومن حجج القائلين بعدم الوقوع أثر ابن عباس المذكور في الباب ولا حجة لهم في ذلك لأنه قول صحابي ليس بمرفوع ومن جملة ما احتج به القائلون بعدم وقوع الطلاق البدعي ما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عمر بلفظ‏:‏ ‏"‏طلق عبد اللّه بن عمر امرأته وهي حائض قال عبد اللّه‏:‏ فردها عليَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولم يرها شيئاً‏"‏ قال الحافظ‏:‏ وإسناد هذه الزيادة على شرط الصحيح وقد صرح ابن القيم وغيره بأن هذا الحديث صحيح لأنه رواه أبو داود عن أحمد بن صالح عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال‏:‏ ‏"‏أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل ابن عمر كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضاً فقال ابن عمر‏:‏ طلق ابن عمر امرأته حائضاً على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فسأل عمر عن ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ إن عبد اللّه طلق امرأته وهي حائض قال عبد اللّه‏:‏ فردها عليَّ ولم يرها شيئاً‏"‏ الحديث‏.‏
فهؤلاء رجال ثقات أئمة حفاظ وقد أخرجه أحمد عن روح بن عبادة عن ابن جريج فلم يتفرد به عبد الرزاق عن ابن جريج ولكنه قد أعل هذا الحديث بمخالفة أبي الزبير لسائر الحفاظ‏.‏ قال أبو داود‏:‏ روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة وأحاديثهم على خلاف ما قال أبو الزبير وقال ابن عبد البر‏:‏ قوله ولم يرها شيئاً منكر لم يقله غير أبي الزبير وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف إذا خالفه من هو أوثق منه ولو صح فمعناه عندي واللّه أعلم ولم يرها شيئاً مستقيماً لكونها لم تكن عن السنة‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ قال أهل الحديث لم يروي أبو الزبير حديثاً أنكر من هذا وقد يحتمل أن يكون معناه ولم يرها شيئاً تحرم معه المراجعة أو لم يرها شيئاً جائزاً في السنة ماضيًا في الاختيار‏.‏ وقد حكى البيهقي عن الشافعي نحو ذلك ويجاب بأن أبا الزبير غير مدفوع في الحفظ والعدالة وإنما يخشى من تدليسه فإذا قال سمعت أو حدثني زال ذلك وقد صرح هنا بالسماع وليس في الأحاديث الصحيحة ما يخالف حديث أبي الزبير حتى يصار إلى الترجيح ويقال قد تخالفه الأكثر بل غاية ما هناك الأمر

 

ج / 6 ص -226-       بالمراجعة على فرض استلزامه لوقوع الطلاق وقد عرفت اندفاع ذلك على أنه لو سلم ذلك الاستلزام لم يصلح لمعارضة النص الصريح أعني ولم يرها شيئاً على أنه يؤيد رواية أبي الزبير ما أخرجه سعيد بن منصور من طريق عبد اللّه بن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ليس ذلك بشيء‏.‏ وقد روى ابن حزم في المحلى بسنده المتصل إلى ابن عمر من طريق عبد الوهاب الثقفي عن عبيد اللّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض‏:‏ لا يعتد بذلك‏.‏ وهذا إسناد صحيح وروى ابن عبد البر عن الشعبي أنه قال إذا طلق امرأته وهي حائض لم يعتد بها في قول ابن عمر‏.‏
وقد روى زيادة أبي الزبير الحميدي في الجمع بين الصحيحين وقد التزم أن لا يذكر فيه إلا ما كان صحيحاً على شرطهما‏.‏ وقال ابن عبد البر في التمهيد‏:‏ أنه تابع أبا الزبير على ذلك أربعة عبد اللّه بن عمر ومحمد بن عبد العزيز ابن أبي رواد ويحيى بن سليم وإبراهيم بن أبي حسنة ولا شك أن رواية عدم الاعتداد بتلك الطلقة أرجح من رواية الاعتداد المتقدمة فإذا صرنا إلى الترجيح بناء على تعذر الجمع فرواية عدم الاعتداد أرجح لما سلف ويمكن أن يجمع بما ذكره ابن عبد البر ومن معه كما تقدم‏.‏
قال في الفتح‏:‏ وهو متعين وهو أولى من تغليط بعض الثقات وقد رجح ما ذهب إليه من قال بعدم الوقوع بمرجحات منها قوله تعالى ‏
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}‏ والمطلق في حال الحيض أو الطهر الذي وطئ فيه لم يطلق بتلك العدة التي أمر اللّه بتطليق النساء لها كما صرح بذلك الحديث المذكور في الباب وقد تقرر في الأصول أن الأمر بالشيء نهي عن ضده والمنهي عنه نهياً لذاته أو لجزئه أو لوصفه اللازم يقتضي الفساد والفاسد لا يثبت حكمه‏.‏ ومنها قول اللّه تعالى:{‏فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}‏ ولا أقبح من التسريح الذي حرمه اللّه ومنها قوله تعالى ‏{‏الطَّلاقُ مَرَّتَانِ}‏ ولم يرد إلا المأذون فدل على أن ما عداه ليس بطلاق لما في هذا التركيب من الصيغة الصالحة للحصر أعني تعريف المسند إليه باللام الجنسية‏.‏ ومنها قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏"‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏"‏ وهو حديث صحيح شامل لكل مسألة مخالفة لما عليه أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ومسألة النزاع من هذا القبيل فإن اللّه لم يشرع هذا الطلاق ولا أذن فيه فليس من شرعه وأمره وممن ذهب إلى هذا المذهب أعني عدم وقوع البدعي شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وأطال الكلام عليها في الهدى والحافظ محمد بن إبراهيم الوزير وألف فيها رسالة طويلة في مقدار كراستين في القطع الكامل وقد جمعت فيها رسالة مختصرة مشتملة على الفوائد المذكورة في غيرها‏.‏

باب ما جاء في طلاق البتة وجمع الثلاث واختيار تفريقها
1 - عن ركانة بن عبد اللّه‏:‏ ‏"‏أنه طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك فقال‏:‏ واللّه ما أردت إلا واحدة فقال رسول اللّه

 

ج / 6 ص -227-       صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ واللّه ما أردت إلا واحدة قال ركانة‏:‏ واللّه ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وطلقها الثانية في زمان عمر بن الخطاب والثالثة في زمن عثمان‏"‏‏.‏ - رواه الشافعي وأبو داود والدارقطني وقال‏:‏ قال أبو داود‏:‏ هذا حديث حسن صحيح‏.‏
- الحديث أخرجه أيضاً الترمذي وصححه أيضًا ابن حبان والحاكم قال الترمذي‏:‏ لا يعرف إلا من هذا الوجه وسألت محمداً عنه يعني البخاري فقال فيه اضطراب انتهى‏.‏ وفي إسناده الزبير بن سعيد الهاشمي وقد ضعفه غير واحد وقيل إنه متروك وذكر الترمذي عن البخاري أنه يضطرب فيه تارة يقال فيه ثلاثاً وتارة قيل واحدة وأصحها أنها طلقها البتة وأن الثلاث ذكرت فيه على المعنى‏.‏
قال ابن كثير‏:‏ لكن قد رواه أبو داود من وجه آخر وله طرق أخر فهو حسن إن شاء اللّه‏.‏ وقال ابن عبد البر في التمهيد‏:‏ تكلموا في هذا الحديث انتهى‏.‏ وهو مع ضعفه مضطرب ومعارض أما الاضطراب فكما تقدم وقد أخرج أحمد أنه طلق ركانة امرأته في مجلس واحد ثلاثاً فحزن عليها وروى ابن إسحاق عن ركانة أنه قال‏:‏ ‏"‏يا رسول اللّه إني طلقتها ثلاثاً قال‏:‏
قد علمت أرجعها ثم تلا {إذا طلقتم النساء}‏"‏ الآية‏.‏ أخرجه أبو داود وأما معارضته فبما روى ابن عباس أن طلاق الثلاث كانت واحدة وسيأتي وهو أصح إسناداً وأوضح متناً‏.‏
وروى النسائي عن محمود بن لبيد قال‏:‏ ‏"‏أخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً فقام غضبان ثم قال
أيلعب بكتاب اللّه وأنا بين أظهركم حتى قام رجل فقال‏:‏ يا رسول اللّه ألا أقتله‏"‏ قال ابن كثير‏:‏ إسناده جيد‏.‏ وقال الحافظ في بلوغ المرام‏:‏ رواته موثقون‏.‏
وفي الباب عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏طلق أبو ركانة أم ركانة فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏
راجع امرأتك فقال‏:‏ إني طلقتها ثلاثاً قال‏:‏ قد علمت راجعها‏"‏ أخرجه أبو داود ورواه أحمد والحاكم وهو معلول بابن إسحاق فإنه في سنده‏.‏
والحديث يدل على أن من طلق بلفظ البتة وأراد واحدة كانت واحدة وإن أراد ثلاثاً كانت ثلاثاً ورواية ابن عباس التي ذكرناها أنه أعني ركانة طلقها ثلاثاً فأمره صلى اللّه عليه وآله وسلم بمراجعتها يدل على أن من طلق ثلاثاً دفعة كانت في حكم الواحدة وسيأتي الخلاف في ذلك وبيان ما هو الحق‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم واللّه ما أردت إلا واحدة‏"‏ الخ فيه دليل على أنه لا يقبل قول من طلق زوجته بلفظ البتة ثم زعم أنه أراد واحدة إلا بيمين ومثل هذا كل دعوى يدعيها الزوج راجعة إلى الطلاق إذا كان له فيها نفع‏.‏ 2 - وعن سهل بن سعد قال‏:‏ ‏"‏لما لاعن أخو بني عجلان امرأته قال يا رسول اللّه ظلمتها إن أمسكتها هي الطلاق وهي الطلاق وهي الطلاق‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏
3 - وعن الحسن قال‏:‏ ‏"‏حدثنا عبد اللّه بن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين آخرتين عند

 

ج / 6 ص -228-       القرأين فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ يا ابن عمر ما هكذا أمرك اللّه تعالى إنك قد أخطأت السنة والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء وقال فأمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فراجعتها ثم قال إذا هي طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك فقلت يا رسول اللّه أرأيت لو طلقتها ثلاثاً أكان يحل لي أن أراجعها قال لا كانت تبين منك وتكون معصية‏"‏‏.‏ رواه الدارقطني‏.‏
حديث سهل بن سعد هو عند الجماعة إلا الترمذي بلفظ‏:‏ ‏"‏فلما فرغا قال عويمر كذبت عليك يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إن أمسكتها فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فكانت سنة المتلاعنين‏"‏‏.‏ وسيأتي في كتاب اللعان والغرض من إيراده ههنا أن الثلاث إذا وقعت في موقف واحد وقعت كلها وبانت الزوجة وأجاب القائلون بأنها لا تقع إلا واحدة فقط عن ذلك بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما سكت عن ذلك لأن الملاعنة تبين بنفس اللعان فالطلاق الواقع من الزوج بعد ذلك لا محل له فكأنه طلق أجنبية ولا يجب إنكار مثل ذلك فلا يكون السكوت عنه تقريراً‏.‏
وحديث الحسن في إسناده عطاء الخراساني وهو مختلف فيه وقد وثقه الترمذي وقال النسائي وأبو حاتم‏:‏ لا بأس به وكذبه سعيد بن المسيب وضعفه غير واحد‏.‏ وقال البخاري‏:‏ ليس فيمن روى عنه مالك من يستحق الترك غيره‏.‏ وقال شعبة‏:‏ كان نسيًا‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ كان من خيار عباد اللّه غير أنه كان كثير الوهم سيء الحفظ يخطئ ولا يدري فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به وأيضاً الزيادة التي هي محل الحجة أعني قوله‏:‏ ‏"‏أرأيت لو طلقتها‏"‏ الخ مما تفرد به عطاء وخالف فيها الحفاظ فإنهم شاركوه في أصل الحديث ولم يذكروا الزيادة وأيضاً في إسنادها شعيب بن زريق الشامي وهو ضعيف‏.‏
وقد استدل القائلون بأن الثلاث تقع بأحاديث من جملتها هذا الحديث وأجاب عنه القائلون بأنها تقع واحدة فقط بعدم صلاحيته للاحتجاج لما سلف على أن لفظ الثلاث محتمل‏.‏
4 - وعن حماد بن زيد قال‏:‏ ‏"‏قلت لأيوب هل علمت أحد قال في أمرك بيدك أنها ثلاث إلا الحسن قال‏:‏
لا ثم قال‏:‏ اللّهم غفراً إلا ما حدثني قتادة عن كثير مولى ابن سمرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ثلاث قال أيوب‏:‏ فلقيت كثيراً مولى ابن سمرة فسألته فلم يعرفه فرجعت إلى قتادة فأخبرته فقال‏:‏ نسي‏"‏‏.‏
رواه أبو داود والترمذي وقال‏:‏ هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث سليمان بن حرب عن حماد بن زيد‏.‏

 

ج / 6 ص -229-       5 - وعن زرارة بن ربيعة عن أبيه عن عثمان‏:‏ ‏"‏في أمرك بيدك القضاء ما قضت‏"‏‏.‏ رواه البخاري في تاريخه‏.‏
6 - وعن علي قال‏:‏ ‏"‏الخلية والبرية والبتة والبائن والحرام ثلاثاً لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره‏"‏‏.‏ رواه الدارقطني‏.‏
7 - وعن ابن عمر‏:‏ ‏"‏أنه قال في الخلية والبرية ثلاثاً ثلاثاً‏"‏‏.‏ رواه الشافعي‏.‏
8 - وعن يونس بن يزيد قال‏:‏ ‏"‏سألت ابن شهاب عن رجل جعل أمر امرأته بيد أبيه قبل أن يدخل بها فقال أبوه هي طالق ثلاثاً كيف السنة في ذلك فقال أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مولى بني عامر بن لؤي أن محمد بن إياس بن بكر الليثي وكان أبوه شهد بدراً أخبره أن أبا هريرة قال‏:‏ بانت عنه فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره وأنه سأل ابن عباس عن ذلك فقال مثل قول أبي هريرة وسأل عبد اللّه بن عمرو بن العاص فقال مثل قولهما‏"‏‏.‏ رواه أبو بكر البرقاني في كتابه المخرج على الصحيحين‏.‏
9 - وعن مجاهد قال‏:‏ ‏"‏كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال أنه طلق امرأته ثلاثاً فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه ثم قال ينطلق أحدكم فيركب الحموقة ثم يقول يا ابن عباس يا ابن عباس وإن اللّه قال ‏
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ً‏}‏ وإنك لم تتق اللّه فلم أجد لك مخرجاً عصيت ربك فبانت منك امرأتك وإن اللّه قال ‏{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ‏‏"‏‏.‏ رواه أبو داود‏.‏
10 - وعن مجاهد عن ابن عباس‏:‏ ‏"‏أنه سئل عن رجل طلق امرأته مائة قال‏:‏ عصيت ربك وفارقت امرأتك لم تتق اللّه فيجعل لك مخرجاً‏"‏‏.‏
11 - وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس‏:‏ ‏"‏أن رجلاً طلق امرأته ألفاً قال‏:‏ يكفيك من ذلك ثلاث وتدع تسعمائة وسبعاً وتسعين‏"‏‏.‏

 

ج / 6 ص -230-       12 - وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس‏:‏ ‏"‏أنه سئل عن رجل طلق امرأته عدد النجوم فقال أخطأ السنة وحرمت عليه امرأته‏"‏‏.‏ رواهن الدارقطني‏.‏
وهذا كله يدل على إجماعهم على صحة وقوع الثلاث بالكلمة الواحدة‏.‏
وقد روى طاوس عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏كان الطلاق على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب‏:‏ إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم‏"‏ رواه أحمد ومسلم‏.‏
وفي رواية عن طاوس‏:‏ ‏"‏أن أبا الصهباء قال لابن عباس هات من هناتك ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر واحدة قال قد كان ذلك فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم‏"‏ رواه مسلم‏.‏
وفي رواية‏:‏ ‏"‏أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر قال ابن عباس‏:‏ بلى كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال أجيزوهن عليهم‏"‏ رواه أبو داود‏.‏
حديث حماد بن زيد أخرجه أيضاً النسائي‏.‏ وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال إنما هو عن أبي هريرة موقوفاً ولم يعرف حديث أبي هريرة مرفوعاً‏.‏
وقال النسائي‏:‏ هذا حديث منكر وأما إنكار الشيخ أنه حدث بذلك فإن كان على طريقة الجزم كما وقع في رواية أبي داود بلفظ قال أيوب فقدم علينا كثير فسألته فقال ما حدثت بهذا قط فذكرته لقتادة فقال بلى ولكنه نسي انتهى‏.‏ فلا شك أنه علة قادحة وإن لم تكن على طريقة الجزم بل عدم معرفة ذلك الحديث وعدم ذكر الجملة والتفصيل بدون تصريح بالإنكار كما في الرواية المذكورة في الباب فليس ذلك مما يعد قادحاً في الحديث وقد بين هذا في علم اصطلاح الحديث وقد استدل بهذا الحديث على أن من قال لامرأته أمرك بيدك كان ذلك ثلاثًا وقد اختلف في قول الرجل لزوجته أمرك بيدك وأمرك إليك هل هو صريح تمليك للطلاق أو كناية فحكى في البحر عن الحنفية والشافعية ومالك أنه صريح فلا يقبل قول الزوج بعد ذلك أنه أراد التوكيل وذهب المؤيد باللّه والهادوية إلى أنه كناية تمليك فيقبل قول الزوج أنه أراد التوكيل‏.‏
قوله‏:‏ قال الخلية الخ هذه الألفاظ من ألفاظ الطلاق الصريح وأما كونها بمنزلة إيقاع ثلاث تطليقات فقد تقدم في لفظ البتة ما يدل على أنه بمنزلة الطلاق

 

ج / 6 ص -231-       الثلاث إلا أن يحلف الزوج أنه ما أراد به إلا واحدة فيمكن أن يكون علي رضي اللّه عنه ألحق به بقية الألفاظ المذكورة وأما لفظ الحرام فسيأتي الكلام عليه في باب من حرم زوجته أو أمته من كتاب الظهار‏.‏
قوله‏:‏ ‏
{‏فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ هذا الأثر إسناده صحيح كما قال صاحب الفتح وأخرج له أبو داود متابعات عن ابن عباس وذكر نحو الآثار التي عزاها المصنف إلى الدارقطني وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر أنه رفع إليه رجل طلق امرأته ألفاً فقال له عمر‏:‏ أطلقت امرأتك قال‏:‏ لا إنما كنت ألعب فعلاه عمر بالدرة وقال‏:‏ إنما يكفيك من ذلك ثلاث‏.‏
وروى وكيع عن علي رضي اللّه عنه وعثمان نحو ذلك وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن مسعود أنه قيل له إن رجلاً طلق امرأته البارحة مائة قال‏:‏ قلتها مرة واحدة قال‏:‏ نعم قال‏:‏ تريد أن تبين منك امرأتك قال‏:‏ نعم قال‏:‏ هو كما قلت‏.‏ وأتاه آخر فقال‏:‏ رجل طلق امرأته عدد النجوم قال‏:‏ قلتها مرة واحدة قال‏:‏ نعم قال‏:‏ تريد أن تبين منك امرأتك قال‏:‏ نعم قال‏:‏ هو كما قلت واللّه لا تلبسون على أنفسكم ونتحمله عنكم‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏أناة‏"‏ في الصحاح أنه على وزن قناة وفي القاموس والأناة كقناة الحلم والوقار‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏من هناتك‏"‏ جمع هنَّ كأخَّ وهو الشيء يقول هذا هنك أي شيئك هذا معنى ما في القاموس فكأن أبا الصهباء قال لابن عباس هات من الأشياء العلمية التي عندك‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏تتابع الناس‏"‏ بتاءين فوقيتين بعد الألف مثناة تحتية بعدها عين مهملة وهو الوقوع في الشر من غير تماسك ولا توقف‏.‏
واعلم أنه قد وقع الخلاف في الطلاق الثلاث إذا أوقعت في وقت واحد هل يقع جميعها ويتبع الطلاق الطلاق أم لا فذهب جمهور التابعين وكثير من الصحابة وأئمة المذاهب الأربعة وطائفة من أهل البيت منهم أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه والناصر والإمام يحيى حكى ذلك عنهم في البحر وحكاه أيضاً عن بعض الإمامية إلى أن الطلاق يتبع الطلاق وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن الطلاق لا يتبع الطلاق بل يقع واحدة فقط‏.‏ وقد حكى ذلك صاحب البحر عن أبي موسى ورواية عن علي عليه السلام وابن عباس وطاوس وعطاء وجابر بن زيد والهادي والقاسم والباقر والناصر وأحمد بن عيسى وعبد اللّه بن موسى بن عبد اللّه ورواية عن زيد بن علي وإليه ذهب جماعة من المتأخرين منهم ابن تيمية وابن القيم وجماعة من المحققين وقد نقله ابن مغيث في كتاب الوثائق عن محمد بن وضاح ونقل الفتوى بذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن بقي ومحمد بن عبد السلام وغيرهما ونقله ابن المنذري عن أصحاب ابن عباس كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار وحكاه ابن مغيث أيضاً في ذلك الكتاب عن علي رضي اللّه عنه وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير وذهب بعض الإمامية إلى أنه لا يقع بالطلاق المتتابع شيء لا واحدة ولا أكثر منها وقد حكى ذلك عن بعض التابعين‏.‏
وروى عن ابن علية وهشام بن الحكم وبه قال أبو عبيدة وبعض أهل الظاهر وسائر من يقول أن الطلاق البدعي لا يقع لأن الثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متتابعة منه وعدم وقوع البدعي هو أيضاً مذهب الباقر والصادق والناصر وذهب جماعة من أصحاب ابن عباس وإسحاق بن راهويه أن المطلقة إن كانت مدخولة وقعت الثلاث وإن لم تكن مدخولة فواحدة‏.‏

 

ج / 6 ص -232-       واستدل القائلون بأن الطلاق يتبع الطلاق بأدلة منها قوله تعالى ‏{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}‏ وظاهرها جواز إرسال الثلاث أو الثنتين دفعة أو مفرقة ووقوعها قال الكرماني‏:‏ إن قوله ‏{‏الطَّلاقُ مَرَّتَانِ}‏ يدل على جواز جمع الثنتين وإذا جاز جمع الثنتين دفعة جاز جمع الثلاث وتعقبه الحافظ بأنه قياس مع الفارق لأن جمع الثنتين لا يستلزم البينونة الكبرى بخلاف الثلاث‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ إن التسريح بإحسان عام يتناول إيقاع الثلاث دفعة وتعقب بأن التسريح في الآية إنما هو بعد إيقاع الثنتين فلا يتناول إيقاع الثلاث دفعة‏.‏ وقد قيل إن هذه الآية من أدلة عدم التتابع لأن ظاهرها أن الطلاق المشروع لا يكون بالثلاث دفعة بل على الترتيب المذكور وهذا أظهر واستدلوا أيضاً بظواهر سائر الآيات القرآنية نحو قوله تعالى‏:‏ ‏
{‏فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}‏ ولم يفرق في هذه الآيات بين إيقاع الواحدة والثنتين والثلاث وأجيب بأن هذه عمومات مخصصة وإطلاقات مقيدة بما ثبت من الأدلة الدالة على المنع من وقوع فوق الواحدة واستدلوا أيضاً بحديث سهل بن سعد المتقدم في قضية عويمر العجلاني وقد قدمنا الجواب عن ذلك واستدلوا أيضًا بالحديث المذكور بعده فيما تقدم من رواية الحسن وقد تقدم أيضاً الجواب عنه واستدلوا أيضًا بما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن يحيى بن العلاء عن عبد اللّه بن الوليد الوصافي عن إبراهيم بن عبد اللّه بن عبادة بن الصامت قال‏:‏ ‏"‏طلق جدي امرأة له ألف تطليقة فانطلق إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكر له ذلك فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ما اتقى اللّه جدك أما ثلاث فله وأما تسعمائة وسبع وتسعون فعدوان وظلم إن شاء اللّه عذبه وإن شاء غفر له‏"‏ وفي رواية‏:‏ ‏"‏إن أباك لم يتق اللّه فيجعل له مخرجاً بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبع وتسعون إثم في عنقه‏"‏ وأجيب بأن يحيى بن العلاء ضعيف وعبيد اللّه بن الوليد هالك وإبراهيم بن عبيد اللّه مجهول فأي حجة في رواية ضعيف عن هالك عن مجهول ثم والد عبادة بن الصامت لم يدرك الإسلام فكيف بجده واستدلوا أيضاً بما في حديث ركانة السابق أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم استحلفه أنه ما أراد إلا واحدة وذلك يدل على أنه لو أراد الثلاث لوقعت ويجاب بأن أثبت ما روي في قصة ركانة أنه طلقها البتة لا ثلاثاً وأيضاً قد تقدم في رواية أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال له‏:‏ أرجعها بعد أن قال له‏:‏ أنه طلقها ثلاثاً‏.‏ وأيضاً قد تقدم فيه من المقال ما لا ينتهض معه للاستدلال‏.‏
واستدل القائلون بأنه لا يقع من المتعدد إلا واحدة بما وقع في حديث ابن عباس عن ركانة‏:‏ ‏"‏أنه طلق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً فسأله النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
كيف طلقتها فقال ثلاثاً في مجلس واحد فقال له صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إنما تلك واحدة فارتجعها‏"‏ أخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه وأجيب عن ذلك بأجوبة منها أن في إسناده محمد بن إسحاق ورد بأنهم قد احتجوا في غير واحد من الأحكام بمثل هذا الإسناد ومنها معارضته لفتوى ابن عباس المذكورة في الباب ورد بأن

 

ج / 6 ص -233-       المعتبر روايته لا رأيه ومنها أن أبا داود رجح أن ركانة إنما طلق امرأته البتة كما تقدم ويمكن أن يكون من روى ثلاثاً حمل البتة على معنى الثلاث وفيه مخالفة للظاهر والحديث نص في محل النزاع‏.‏
واستدلوا أيضاً بحديث ابن عباس المذكور في الباب أن الطلاق كان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى آخره وقد أجيب عنه بأجوبة منها ما نقله المصنف رحمه اللّه في هذا الكتاب بعد إخراجه له ولفظه وقد اختلف الناس في تأويل هذا الحديث فذهب بعض التابعين إلى ظاهره في حق من لم يدخل بها كما دلت عليه رواية أبي داود وتأوله بعضهم على صورة تكرير لفظ الطلاق بأن يقول أنت طالق أنت طالق أنت طالق فإنه يلزمه واحدة إذا قصد التوكيد وثلاث إذا قصد تكرير الإيقاع فكان الناس في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر على صدقهم وسلامتهم وقصدهم في الغائب الفضيلة والاختيار ولم يظهر فيهم خب ولا خداع وكانوا يصدقون في إرادة التوكيد فلما رأى عمر في زمانه أموراً ظهرت وأحوالاً تغيرت وفشا إيقاع الثلاث جملة بلفظ لا يحتمل التأويل ألزمهم الثلاث في صورة التكرير إذ صار الغالب عليهم قصدها وقد أشار إليه بقوله أن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة‏.‏
وقال أحمد بن حنبل‏:‏ كل أصحاب ابن عباس رووا عنه خلاف ما قال طاوس سعيد بن جبير ومجاهد ونافع عن ابن عباس بخلافه وقال أبو داود في سننه‏:‏ صار قول ابن عباس فيما حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس أن ابن عباس وأبا هريرة وعبد اللّه بن عمرو بن العاص سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثاً فكلهم قال لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره انتهى كلام المصنف‏.‏ وقوله وتأوله بعضهم على صورة تكرير لفظ الطلاق الخ هذا البعض الذي أشار إليه هو ابن سريج وقد ارتضى هذا الجواب القرطبي وقال النووي‏:‏ إنه أصح الأجوبة ولا يخفى أن من جاء بلفظ يحتمل التأكيد وادعى أنه نواه يصدق في دعواه ولو في آخر الدهر فكيف بزمن خير القرون ومن يليهم وإن جاء بلفظ لا يحتمل التأكيد لم يصدق إذا ادعى التأكيد من غير فرق بين عصر وعصر ويجاب عن كلام أحمد المذكور بأن المخالفين لطاوس من أصحاب ابن عباس إنما نقلوا عن ابن عباس رأيه وطاوس نقل عنه روايته فلا مخالفة وأما ما قاله ابن المنذر من أنه لا يظن بابن عباس أن يحفظ عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم شيئاً ويفتي بخلافه فيجاب عنه بأن الاحتمالات المسوغة لترك الرواية والعدول إلى الرأي كثيرة منها النسيان ومنها قيام دليل عند الراوي لم يبلغنا ونحن متعبدون بما بلغنا دون ما لم يبلغ‏.‏ وبمثل هذا يجاب عن كلام أبي داود المذكور‏.‏
ومن الأجوبة من حديث ابن عباس المذكور ما نقله البيهقي عن الشافعي أنه قال يشبه أن يكون ابن عباس علم شيئاً نسخ ويجاب بأن النسخ إن كان بدليل من كتاب أو سنة فما هو وإن كان بالإجماع فأين هو على أنه يبعد أن يستمر الناس أيام أبي بكر وبعض أيام عمر على أمر منسوخ وإن كان الناسخ قول عمر المذكور فحاشاه أن ينسخ سنة ثابتة بمحض رأيه وحاشا أصحاب

 

ج / 6 ص -234-       رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يجيبوه إلى ذلك‏.‏
ومن الأجوبة دعوى الاضطراب كما زعمه القرطبي في المفهم وهو زعم فاسد لا وجه له‏.‏
ومنها ما قاله ابن العربي أن هذا حديث مختلف في صحته فكيف يقدم على الإجماع ويقال أين الإجماع الذي جعلته معارضاً للسنة الصحيحة‏.‏
ومنها أنه ليس في سياق حديث ابن عباس أن ذلك كان يبلغ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى يقرره والحجة إنما هي في ذلك وتعقب بأن قول الصحابة كنا نفعل كذا في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حكم المرفوع على ما هو الراجح وقد علمتم بمثل هذا في كثير من المسائل الشرعية والحاصل أن القائلين بالتتابع قد استكثروا من الأجوبة على حديث ابن عباس وكلها غير خارجة عن دائرة التعسف والحق أحق بالإتباع فإن كانت تلك المحاماة لأجل مذاهب الأسلاف فهي أحقر وأقل من أن تؤثر على السنة المطهرة وإن كانت لأجل عمر بن الخطاب فأين يقع المسكين من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم أي مسلم من المسلمين يستحسن عقله وعلمه ترجيح قول صحابي على قول المصطفى‏.‏
واحتج القائلون بأنه لا يقع شيء لا واحدة ولا أكثر منها بقوله تعالى:
{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ‏ فشرط في وقوع الثالثة أن تكون في حال يصح من الزوج فيها الإمساك إذ من حق كل مخير بينهما أن يصح كل واحد منهما وإذا لم يصح الإمساك إلا بعد المراجعة لم تصح الثالثة إلا بعدها لذلك وإذا لزم في الثالثة لزم في الثانية كذا قيل وأجيب بمنع كون ذلك يدل على أنه لا يقع الطلاق إلا بعد الرجعة ومن الأدلة الدالة على عدم وقوع شيء الأدلة المتقدمة في الطلاق البدعي واستدلوا أيضاً بحديث‏:‏ ‏"‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏"‏ وهذا الطلاق ليس عليه أمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأجيب بتخصيص هذا العموم بما سبق من أدلة القولين الأولين من الحكم بوقوع الطلاق المثلث لأنا وإن منعنا وقوع المجموع لم نمنع من وقوع الفرد والقائلون بالفرق بين المدخولة وغيرها أعظم حجة لهم حديث ابن عباس فإن لفظه عند أبي داود أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة الحديث ووجهوا ذلك بأن غير المدخول بها تبين إذا قال لها زوجها أنت طالق فإذا قال ثلاثاً لغا العدد لوقوعه بعد البينونة ويجاب بأن التقييد يقبل الدخول لا ينافي صدق الرواية الأخرى الصحيحة على المطلقة بعد الدخول وغاية ما في هذه الرواية أنه وقع فيها التنصيص على بعض أفراد مدلول الرواية الصحيحة المذكورة في الباب وذلك لا يوجب الاختصاص بالبعض الذي وقع التنصيص عليه وأجاب القرطبي عن ذلك التوجيه بأن قوله أنت طالق ثلاثاً كلام متصل غير منفصل فكيف يصح جعله كلمتين وتعطى كل كلمة حكماً هذا حاصل ما في هذه المسألة من الكلام وقد جمعت في ذلك رسالة مختصرة‏.

باب ما جاء في كلام الهازل والمكره والسكران بالطلاق وغيره
1 - عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏
ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة‏"‏‏.‏ رواه الخمسة إلا النسائي وقال الترمذي‏:‏ حديث حسن غريب‏.‏

 

ج / 6 ص -235-       الحديث أخرجه أيضاً الحاكم وصححه وأخرجه الدارقطني وفي إسناده عبد الرحمن بن حبيب بن أزدك وهو مختلف فيه قال النسائي‏:‏ منكر الحديث ووثقه غيره‏.‏ قال الحافظ‏:‏ فهو على هذا حسن‏.‏
وفي الباب عن فضالة بن عبيد عند الطبراني بلفظ‏:‏ ‏
"‏ثلاث لا يجوز فيهن اللعب الطلاق والنكاح والعتق‏"‏ وفي إسناده ابن لهيعة وعن عبادة بن الصامت عند الحارث بن أبي أسامة في مسنده رفعه بلفظ‏:‏ ‏"‏لا يجوز اللعب فيهن الطلاق والنكاح والعتاق فمن قالهن فقد وجبن‏"‏ وإسناده منقطع‏.‏
وعن أبي ذر عند عبد الرزاق رفعه‏:‏
‏"‏من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز ومن نكح وهو لاعب فنكاحه جائز‏"‏ وفي إسناده انقطاع أيضاً‏.‏ وعن علي موقوفاً عند عبد الرزاق أيضاً وعن عمر موقوفاً عنده أيضاً‏.‏
والحديث يدل على أن من تلفظ هازلاً بلفظ نكاح أو طلاق أو رجعة أو عتاق كما في الأحاديث التي ذكرناها وقع منه ذلك أما في الطلاق فقد قال بذلك الشافعية والحنفية وغيرهم وخالف في ذلك أحمد ومالك فقال‏:‏ إنه يفتقر اللفظ الصريح إلى النية وبه قال جماعة من الأئمة منهم الصادق والباقر والناصر واستدلوا بقوله تعالى ‏
{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ}‏ فدلت على اعتبار العزم والهازل لا عزم منه وأجاب صاحب البحر بالجمع بين الآية والحديث فقال‏:‏ يعتبر العزم في غير الصريح لا في الصريح فلا يعتبر والاستدلال بالآية على تلك الدعوى غير صحيح من أصله فلا يحتاج إلى الجمع فإنها نزلت في حق المولى‏.‏
2 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏"‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏
"لا طلاق ولا عتاق في إغلاق‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏
3 - وفي حديث بريدة في قصة ماعز أنه قال‏:‏ ‏"‏يا رسول اللّه طهرني قال‏:‏
مم أطهرك قال‏:‏ من الزنا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أبه جنون‏.‏ فأخبر أنه ليس بمجنون فقال‏:‏ أشرب خمراً فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر فقال: رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أزنيت قال‏:‏ نعم فأمر به فرجم‏.‏ رواه مسلم والترمذي وصححه‏: ‏وقال عثمان‏:‏ "ليس لمجنون ولا لسكران طلاق"‏. ‏وقال ابن عباس‏:‏ "طلاق السكران والمستكره ليس بجائز"‏.‏ وقال ابن عباس "فيمن يكرهه اللصوص فيطلق فليس بشيء‏".‏ وقال علي‏:‏ "كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه"‏.‏ ذكرهن البخاري في صحيحه‏.‏
3 - وعن قدامة بن إبراهيم‏:‏ ‏"‏أن رجلاً على عهد عمر بن الخطاب تدلى يشتار عسلاً فأقبلت امرأته فجلست على الحبل فقالت ليطلقها

 

ج / 6 ص -236-       ثلاثاً وإلا قطعت الحبل فذكرها اللّه والإسلام فأبت فطلقها ثلاثاً ثم خرج إلى عمر فذكر ذلك له فقال ارجع إلى أهلك فليس هذا بطلاق‏"‏‏.‏ رواه سعيد بن منصور وأبو عبيد القاسم بن سلام‏.‏
حديث عائشة أخرجه أيضاً أبو يعلى والحاكم والبيهقي وصححه الحاكم وفي إسناده محمد بن عبيد بن أبي صالح وقد ضعفه أبو حاتم الرازي ورواه البيهقي من طريق ليس هو فيها لكن لم يذكر عائشة وزاد أبو داود وغيره ولا عتاق‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏في إغلاق‏"‏ بكسر الهمزة وسكون الغين المعجمة وآخره قاف فسره علماء الغريب بالإكراه روى ذلك في التلخيص عن ابن قتيبة والخطابي وابن السيد وغيرهم وقيل الجنون واستبعده المطرزي وقيل الغضب وقع ذلك في سنن أبي داود وفي رواية ابن الأعرابي وكذا فسره أحمد ورده ابن السيد فقال لو كان كذلك لم يقع على أحد طلاق لأن أحداً لا يطلق حتى يغضب وقال أبو عبيدة‏:‏ الإغلاق التضييق وقد استدل بهذا الحديث من قال إنه لا يصح طلاق المكره وبه قال جماعة من أهل العلم حكى ذلك في البحر عن علي وعمر وابن عباس وابن عمر والزبير والحسن البصري وعطاء ومجاهد وطاوس وشريح والأوزاعي والحسن بن صالح والقاسمية والناصر والمؤيد باللّه ومالك والشافعي وحكى أيضاً وقوع طلاق المكره عن النخعي وابن المسيب والثوري وعمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة وأصحابه والظاهر ما ذهب إليه الأولون لما في الباب ويؤيد ذلك حديث‏:‏
‏"‏رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه‏"‏ أخرجه ابن ماجه وابن حبان والدارقطني والطبراني والحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس وحسنه النووي وقد أطال الكلام عليه الحافظ في باب شروط الصلاة من التلخيص فليراجع‏.‏ واحتج عطاء بقوله تعالى ‏{إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ‏}‏ وقال‏:‏ الشرك أعظم من الطلاق أخرجه سعيد بن منصور عنه بإسناد صحيح‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏أبه جنون‏"‏ لفظ البخاري‏:‏
‏"‏أبك جنون‏"‏ وهذا طرف من حديث يأتي إن شاء اللّه تعالى في الحدود وفيه دليل على أن الإقرار من المجنون لا يصح وكذا سائر التصرفات والإنشاءات ولا أحفظ في ذلك خلافاً‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏فقال أشرب خمرًا‏"‏ فيه دليل أيضاً على أن إقرار السكران لا يصح وكأن المصنف رحمه اللّه تعالى قاس طلاق السكران على إقراره وقد اختلف أهل العلم في ذلك فأخرج ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عدم وقوع طلاق السكران عن أبي الشعثاء وعطاء وطاوس وعكرمة والقاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز‏.‏
قال في الفتح‏:‏ وبه قال ربيعة والليث وإسحاق والمزني واختاره الطحاوي واحتج بأنهم أجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع قال والسكران معتوه بسكره وقال بوقوعه طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم والزهري والشعبي وبه قال الأوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وعن الشافعي قولان المصحح منهما وقوعه والخلاف عند الحنابلة وقد حكى القول بالوقوع في البحر عن علي وابن عباس وابن عمر ومجاهد والضحاك وسليمان بن

 

ج / 6 ص -237-       يسار وزيد بن علي والهادي والمؤيد باللّه وحكى القول بعدم الوقوع عن عثمان وجابر بن زيد ورواية عن ابن عباس والناصر وأبي طالب والبتي وداود‏.‏
احتج القائلون بالوقوع بقوله تعالى
‏{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}‏ ونهيهم حال السكر عن قربان الصلاة يقتضي عدم زوال التكليف وكل مكلف يصح منه الطلاق وغيره من العقود والإنشاءات وأجيب بأن النهي في الآية المذكورة إنما هو من أصل السكر الذي يلزم منه قربان الصلاة كذلك‏.‏ وقيل إنه نهي يشمل الذي يعقل الخطاب وأيضاً قوله في آخر الآية ‏{‏حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}‏ دليل على أن السكران يقول ما لا يعلم ومن كان كذلك فكيف يكون مكلفاً وهو غير فاهم شرط التكليف كما تقرر في الأصول‏.‏
واحتجوا ثانياً بأنه عاص بفعله فلا يزول عنه الخطاب بالسكر ولا الإثم لأنه يؤمر بقضاء الصلوات وغيرها مما وجب عليه قبل وقوعه في السكر وأجاب الطحاوي بأنها لا تختلف أحكام فاقد العقل بين أن يكون ذهاب عقله بسبب من جهته أو من جهة غيره إذ لا فرق بين من عجز عن القيام في الصلاة بسبب من قبل اللّه أو من قبل نفسه كمن كسر رجل نفسه فإنه يسقط عنه فرض القيام وتعقب بأن القيام انتقل إلى بدل وهو القعود فافترقا وأجاب ابن المنذر عن الاحتجاج بقضاء الصلوات بأن النائم يجب عليه قضاء الصلاة ولا يقع طلاقه لأنه غير مكلف حال نومه بلا نزاع‏.‏
واحتجوا ثالثاً بأن ربط الأحكام بأسبابها أصل من الأصول المأنوسة في الشريعة والتطليق سبب للطلاق فينبغي ترتيبه عليه وربطه به وعدم الاعتداد بالسكر كما في الجنايات وأجيب بالاستفسار عن السبب للطلاق هل هو إيقاع لفظه مطلقاً إن قلتم نعم لزمكم أن يقع من المجنون والنائم والسكران الذي لم يعص بسكره إذا وقع من أحدهم لفظ الطلاق وإن قلتم أنه إيقاع اللفظ من العاقل الذي يفهم ما يقول فالسكران غير عاقل ولا فاهم فلا يكون إيقاع لفظ الطلاق منه سبباً‏.‏
واحتجوا رابعاً بأن الصحابة رضي اللّه عنهم جعلوه كالصاحي ويجاب بأن ذلك محل خلاف بين الصحابة كما بينا ذلك في أول الكلام وكما ذكره المصنف عن عثمان وابن عباس فلا يكون قول بعضهم حجة علينا كما لا يكون حجة على بعضهم بعضاً‏.‏
واحتجوا خامسًا بأن عدم وقوع الطلاق من السكران مخالف للمقاصد الشرعية لأنه إذا فعل حراماً واحداً لزمه حكمه فإذا تضاعف جرمه بالسكر وفعل المحرم الآخر سقط عنه الحكم مثلاً لو أنه ارتد بغير سكر لزمه حكم الردة فإذا جمع بين السكر والردة لم يلزمه حكم الردة لأجل السكر ويجاب بأنا لم نسقط عنه حكم المعصية الواقعة منه حال السكر لنفس فعله للمحرم الآخر وهو السكر فإن ذلك مما لا يقول به عاقل وإنما أسقطنا عنه حكم المعصية لعدم مناط التكليف وهو العقل وبيان ذلك أنه لو شرب الخمر ولم يزل عقله كان حكمه حكم الصاحي فلم يكن فعله لمعصية الشرب هو المسقط‏.‏ ومن الأدلة الدالة على عدم الوقوع ما في صحيح البخاري وغيره أن حمزة سكر وقال للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما دخل عليه هو وعلي وهل أنتم إلا عبيد لأبي في قصة مشهورة فتركه صلى اللّه عليه وآله وسلم وخرج ولم يلزمه حكم تلك الكلمة مع أنه لو قالها غير سكران لكان كفراً

 

ج / 6 ص -238-       كما قال ابن القيم‏.‏ وأجيب بأن الخمر كانت إذ ذاك مباحة والخلاف إنما هو بعد تحريمها‏.‏ وحكى الحافظ في الفتح عن ابن بطال أنه قال‏:‏ الأصل في السكران العقل والسكر شيء طرأ على عقله فمهما وقع منه من كلام مفهوم فهو محمول على الأصل حتى يثبت فقدان عقله انتهى‏.‏
والحاصل أن السكران الذي لا يعقل لا حكم لطلاقه لعدم المناط الذي تدور عليه الأحكام وقد عين الشارع عقوبته فليس لنا أن نجاوزها برأينا ونقول يقع طلاقه عقوبة له فيجمع له بين غرمين ‏"‏لا يقال‏"‏ إن ألفاظ الطلاق ليست من الأحكام التكليفية بل من الأحكام الوضعية وأحكام الوضع لا يشترط فيها التكليف لأنا نقول الأحكام الوضعية تقيد بالشروط كما تقيد الأحكام التكليفية وأيضاً السبب الوضعي هو طلاق العاقل لا مطلق الطلاق بالاتفاق وإلا لزم وقوع طلاق المجنون‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏وقال عثمان‏"‏ الخ علقه البخاري ووصله ابن أبي شيبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏وقال ابن عباس‏"‏ الخ وصله ابن أبي شيبة أيضاً وسعيد بن منصور‏.‏ وأثر على وصله البغوي في الجعديات وسعيد بن منصور وقد ساق البخاري في صحيحه آثاراً عن جماعة من الصحابة والتابعين‏.‏ وأثر عمر بن الخطاب في قصة الرجل الذي تدلى ليشتار عسلاً إسناده منقطع لأن الراوي له عن عمر عبد الملك بن قدامة بن محمد بن إبراهيم بن حاطب الجمحي عن أبيه قدامة وقدامة لم يدرك عمر وقد روي ما يعارضها أخرج العقيلي من حديث صفوان بن عمران الطائي‏:‏ ‏"‏أن امرأة أخذت المدية ووضعتها على نحر زوجها وقالت إن لم تطلقني نحرتك بهذه فطلقها ثم استقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الطلاق فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏
لا قيلولة في الطلاق‏"‏ وقد تفرد به صفوان وحمله بعضهم على من نوى الطلاق‏.‏

باب ما جاء في طلاق العبد
1 - عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رجل فقال‏:‏ يا رسول اللّه سيدي زوجني أمته وهو يريد أن يفرق بيني وبينها قال‏:‏ فصعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم المنبر فقال‏:‏
يا أيها الناس ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ثم يريد أن يفرق بينهما إنما الطلاق لمن أخذ بالساق‏"‏‏.‏ رواه ابن ماجه والدارقطني‏.‏
2 - وعن عمر بن معتب‏:‏ ‏"‏أن أبا حسن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس في مملوك تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم عتقا هل يصح له أن يخطبها قال‏:‏ نعم قضى بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏‏.‏ رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏"‏بقيت لك واحدة قضى بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏"‏ رواه أبو داود‏.‏
وقال ابن المبارك ومعمر‏:‏ لقد تحمل أبو حسن هذا صخرة عظيمة وقال أحمد بن حنبل في رواية ابن منصور في عبد

 

ج / 6 ص -239-       سقطت هذه الصفحة

 

ج / 6 ص -240-       أخرج ابن ماجه والدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعًا‏:‏ ‏"‏طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان‏"‏ وأجيب بأن في إسناده عمر بن شبيب وعطية العوفي وهما ضعيفان‏.‏ وقال الدارقطني والبيهقي‏:‏ الصحيح أنه موقوف قالوا في السنن نحوه من حديث عائشة وأجيب بأن في إسناده مظاهر بن أسلم قال الترمذي‏:‏ حديث عائشة هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث مظاهر بن أسلم ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو قول سفيان الثوري والشافعي وإسحاق انتهى‏.‏
لا يقال هذه الطرق تقوى على تخصيص عموم الطلاق مرتان وغيرها من العمومات الشاملة للحر والعبد لأنا نقول قد دل على أن ذلك العموم مراد غير مخرج منه العبد حديث ابن عباس المذكور في الباب فهو معارض لما دل على أن طلاق العبد ثنتان‏.‏

باب من علق الطلاق قبل النكاح
1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏
لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق له فيما لا يملك ولا طلاق له فيما لا يملك‏"‏‏.‏ رواه أحمد والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب وأبو داود وقال فيه‏:‏ ‏"‏ولا وفاء نذر إلا فيما يملك‏"‏ ولابن ماجه منه‏:‏ ‏"‏لا طلاق فيما لا يملك‏"‏‏.‏ 2 - وعن مسور بن مخرمة‏:‏ ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك‏"‏‏.‏ رواه ابن ماجه‏.‏
- حديث عمرو بن شعيب أخرجه بقية أهل السنن والبزار والبيهقي وقال‏:‏ هو أصح شيء في هذا الباب وأشهر‏.‏
وحديث المسور حسنه الحافظ في التلخيص ولكنه اختلف فيه على الزهري فروى عنه عن عروة عن المسور وروى عنه عن عروة عن عائشة وفي الباب عن أبي بكر الصديق وأبي هريرة وأبي موسى الأشعري وأبي سعيد الخدري وعمران بن حصين وغيرهم ذكر ذلك البيهقي في الخلافيات - وفي الباب - أيضاً عن جابر مرفوعاً بلفظ‏:‏
‏"‏لا طلاق إلا بعد نكاح ولا عتق إلا بعد ملك‏"‏ أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه وقال‏:‏ وأنا متعجب من الشيخين كيف أهملاه وقد صح على شرطهما من حديث ابن عمر وعائشة وعبد اللّه بن عباس ومعاذ بن جبل وجابر انتهى‏.‏
وحديث ابن عمر أخرجه أيضاً ابن عدي ووثق إسناده الحافظ وقال ابن صاعد‏:‏ غريب لا أعرف له علة‏.‏
وحديث عائشة قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه‏:‏ حديث منكر‏.‏
وحديث ابن عباس في إسناده عند الحاكم من لا يعرف وله طريق أخرى عند الدارقطني وفي إسناده ضعيف‏.‏
وحديث معاذ أعل بالإرسال وله طريق أخرى عند الدارقطني وفيها انقطاع وفي إسناده أيضاً يزيد بن عياض وهو متروك‏.‏
وحديث جابر صحح الدارقطني إرساله وأعله ابن معين وغيره

 

ج / 6 ص -241-       وفي الباب أيضاً عن علي عند البيهقي وغيره ومداره على جوبير وهو متروك ورواه ابن الجوزي من طريق أخرى عنه وفيها عبد اللّه بن زياد بن سمعان وهو متروك وله طريق أخرى في الطبراني وقال ابن معين‏:‏ لا يصح عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏"‏لا طلاق قبل نكاح‏"‏ وأصح شيء فيه حديث ابن المنكدر عمن سمع طاوساً عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مرسلاً‏.‏ وقال ابن عبد البر في الاستذكار‏:‏ روي من وجوه إلا أنها عند أهل العلم بالحديث معلولة انتهى‏.‏
ولا يخفى عليك أن مثل هذه الروايات التي سقناها في الباب من طريق أولئك الجماعة من الصحابة مما لا يشك منصف أنها صالحة بمجموعها للاحتجاج وقد وقع الإجماع على أنه لا يقع الطلاق الناجز على الأجنبية وأما التعليق نحو أن يقول إن تزوجت فلانة فهي طالق فذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أنه لا يقع‏.‏ وحكى عن أبي حنيفة وأصحابه والمؤيد باللّه في أحد قوليه إنه لا يصح التعليق مطلقاً وذهب مالك في المشهور عنه وربيعة والثوري والليث والأوزاعي وابن أبي ليلى إلى التفصيل وهو أنه إن جاء بحاصر نحو أن يقول كل امرأة أتزوجها من بني فلان أو بلد كذا فهي طالق صح الطلاق ووقع وإن عمم لم يقع شيء وهذا التفصيل لا وجه له إلا مجرد الاستحسان كما أنه لا وجه للقول بإطلاق الصحة والحق أنه لا يصح الطلاق قبل النكاح مطلقاً للأحاديث المذكورة في الباب وكذا العتق قبل الملك والنذر بغير الملك‏.‏

باب الطلاق بالكنايات إذا نواه بها وغير ذلك
1 - عن عائشة قالت‏:‏ ‏"‏خيرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فاخترناه فلم يعدها شيئاً‏"‏‏.‏ رواه الجماعة‏.‏
وفي رواية‏:‏ ‏"‏قالت‏:‏ لما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمر أبويك قالت‏:‏ وقد علم أن أبويَّ لم يكونا ليأمراني بفراقه قالت ثم قال إن اللّه عز وجل قال لي ‏
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}‏ الآية ‏{وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ‏}‏ الآية قالت‏:‏ فقلت في هذا أستأمر أبويَّ فإني أريد اللّه ورسوله والدار الآخرة قالت‏:‏ ثم فعل أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مثل ما فعلت‏"‏‏.‏ رواه الجماعة إلا أبو داود‏.‏
- قوله‏:‏ ‏"‏خيرنا‏"‏ في لفظ لمسلم‏:‏ ‏"‏خير نساءه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏فلم يعدها شيئاً‏"‏ بتشديد الدال المهملة وضم العين من العدد‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏"‏فلم يعدد‏"‏ بفك الإدغام وفي أخرى ‏"‏فلم يعتد‏"‏ بسكون العين وفتح المثناة وتشديد الدال من الاعتداد‏.‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ ‏"‏فلم يعده طلاقاً‏"‏ وفي رواية للبخاري أفكان طلاقاً على طريقة الاستفهام الإنكاري‏.‏ وفي رواية لأحمد فهل كان طلاقاً

 

ج / 6 ص -242-       وكذا للنسائي‏.‏
وقد استدل بهذا من قال إنه لا يقع بالتخيير شيء إذا اختارت الزوج وبه قال جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار لكن اختلفوا فيما إذا اختارت نفسها هل يقع طلقة واحدة رجعية أو بائنة أو يقع ثلاثاً فحكى الترمذي عن علي عليه السلام أنها إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية وعن زيد بن ثابت إن اختارت نفسها فثلاث وإن اختارت زوجها فواحدة بائنة‏.‏ وعن عمرو بن مسعود إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وعنهما رجعية وإن اختارت زوجها فلا شيء ويؤيد قول الجمهور من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين فلو كان اختيارها لزوجها طلاقاً لاتحدا فدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق زاذان قال‏:‏ ‏"‏كنا جلوساً عند علي عليه السلام فسئل عن الخيار فقال‏:‏ سألني عنه عمر فقلت إن اختارت نفسها فواحدة رجعية قال ليس كما قلت إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية قال ليس كما قلت إن اختارت زوجها فلا شيء قال فلم أجد بداً من متابعته فلما وليت رجعت إلى ما كنت أعرف قال علي وأرسل عمر إلى زيد بن ثابت قال فذكر مثل ما حكاه عنه الترمذي وأخرج ابن أبي شيبة من طريق علي نظير ما حكاه عنه زاذان من اختياره وأخذ مالك بقول زيد بن ثابت واحتج بعض أتباعه لكونها إذا اختارت نفسها يقع ثلاثاً بأن معنى الخيار بت أحد الأمرين إما الأخذ أو الترك فلو قلنا إذا اختارت نفسها يكون طلقة رجعية لم يعمل بمقتضى اللفظ لأنها تكون بعد في أسر الزوج وتكون كمن خير بين شيئين فاختار غيرهما وأخذ أبو حنيفة بقول عمر وابن مسعود فيما إذا اختارت نفسها فواحدة بائنة وقال الشافعي التخيير كناية فإذا خير الزوج امرأته وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبين أن تستمر في عصمته فاختارت نفسها وأرادت بذلك الطلاق طلقت فلو قالت لم أرد باختيار نفسي الطلاق صدقت‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ يؤخذ من قول عائشة فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقاً أنها لو اختارت نفسها لكان ذلك طلاقاً ووافقه القرطبي في المفهم فقال‏:‏ في الحديث إن المخيرة إذا اختارت نفسها أن نفس ذلك الاختيار يكون طلاقاً من غير احتياج إلى نطق بلفظ يدل على الطلاق قال وهو مقتبس من مفهوم قول عائشة المذكور‏.‏ قال الحافظ‏:‏ لكن الظاهر من الآية أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقاً بل لا بد من إنشاء الزوج الطلاق لأن فيها
‏{فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ}‏ أي بعد الاختيار ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم‏.‏ واختلفوا في التخيير هل هو بمعنى التمليك أو بمعنى التوكيل وللشافعي فيه قولان المصحح عند أصحابه أنه تمليك وهو قول المالكية بشرط المبادرة منها حتى لو تراخت بمقدار ما ينقطع القبول عن الإيجاب ثم طلقت لم يقع وفي وجه لا يضر التأخير ما دام المجلس وبه جزم ابن القاص وهو الذي رجحته المالكية والحنفية والهادوية وهو قول الثوري والليث والأوزاعي وقال ابن المنذر‏:‏ الراجح أنه لا يشترط فيه الفور بل متى طلقت نفذ وهو قول الحسن والزهري وبه قال أبو عبيدة ومحمد بن نصر من الشافعية

 

ج / 6 ص -243-       والطحاوي من الحنفية واحتجوا بما في حديث الباب من قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لعائشة إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك وذلك يقتضي عدم اشتراط الفور في جواب التخيير‏.‏
قال الحافظ‏:‏ ويمكن أن يقال يشترط الفور إلا أن يقع التصريح من الزوج بالفسحة لأمر يقتضي ذلك فيتراخى كما وقع في قصة عائشة ولا يلزم من ذلك أن يكون كل خيار كذلك‏.‏
2 - وعن عائشة‏:‏ ‏"‏أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ودنا منها قالت أعوذ باللّه منك فقال لها
لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك‏"‏‏.‏ رواه البخاري وابن ماجه والنسائي وقال الكلابية بدل ابنة الجون‏.‏
وقد تمسك به من يرى لفظة الخيار والحقي بأهلك واحدة لا ثلاثاً لأن جمع الثلاث يكره فالظاهر أنه عليه السلام لا يفعله‏.‏
3 - وفي حديث تخلف كعب بن مالك قال‏:‏ ‏"‏لما مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحي وإذا رسول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يأتيني فقال‏:‏ إن رسول اللّه يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل قال بل اعتزلها فلا تقربنها قال فقلت لامرأتي الحقي بأهلك‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
ويذكر فيمن قال لزوجته أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه‏.‏
4 - ما روي عن ابن عمر قال‏:‏ ‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"الشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني ثلاثين ثم قال‏:‏ وهكذا وهكذا وهكذا يعني تسعاً وعشرين يقول مرة ثلاثين ومرة تسعة وعشرين‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
5 - ويذكر في مسألة من قال لغير مدخول بها أنت طالق وطالق أو طالق ثم طالق ما روى حذيفة قال‏:‏ ‏‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏
"لا تقولوا ما شاء اللّه وشاء فلان وقولوا ما شاء اللّه ثم شاء فلان‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏ ولابن ماجه معناه‏.‏
6 - وعن قتيلة بنت صيفي قالت‏:‏ ‏"‏أتى حبر من الأخبار إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون للّه نداً قال‏:‏
سبحان اللّه وما ذاك قال‏:‏ تقولون ما شاء اللّه وشئت قال‏:‏ فأمهل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم شيئاً ثم قال‏:‏ إنه قد قال فمن قال ما شاء اللّه فليفصل بينهما ثم شئت‏"‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏

 

ج / 6 ص -244-       7 - وعن عدي بن حاتم‏:‏ ‏"‏أن رجلاً خطب عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ "من يطع اللّه ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ "بئس الخطيب أنت قل ومن يعص اللّه ورسوله‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏
8 - ويذكر فيمن طلق بقلبه ما روى أبو هريرة قال‏:‏ ‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏
"إن اللّه تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم به‏"‏‏.‏ متفق عليه‏.‏
- حديث حذيفة أخرجه أيضاً النسائي وابن أبي شيبة والطبراني والبيهقي وقد ساقه الحازمي في الاعتبار بإسناده وذكر فيه قصة وهي‏:‏ ‏"‏أن رجلاً من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلاً من أهل الكتاب فقال نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون قال تقولون ما شاء اللّه وشاء محمد فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال لهم‏:‏
واللّه إن كنت لأعرفها لكم قولوا ما شاء اللّه ثم شاء محمد‏"‏ وأخرج أيضاً بإسناده إلى الطفيل بن سخيرة أخي عائشة لأمها أنه قال‏:‏ ‏"‏رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على رهط من اليهود فقلت من أنتم فقالوا نحن اليهود فقلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون عزير بن اللّه قالوا وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء اللّه وشاء محمد ثم أتيت على رهط من النصارى فقلت من أنتم فقالوا نحن النصارى فقلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح بن اللّه فقالوا وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء اللّه وشاء محمد فلما أصبح أخبر بها من أخبر ثم أخبر بها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال هل أخبرت بها أحداً قال نعم فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خطيباً فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال‏:‏ أما بعد فإن طفيلاً رأى رؤيا فأخبر بها من أخبر منكم وإنكم لتقولون الكلمة يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها فلا تقولوا ما شاء اللّه وشاء محمد‏"‏‏.‏ وأخرج أيضاً بإسناده المتصل بابن عباس قال‏:‏ ‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا حلف أحدكم فلا يقول ما شاء اللّه وشئت ولكن ليقل ما شاء اللّه ثم شئت‏"‏‏.‏
وأخرج أيضاً بإسناده إلى عائشة أنها قالت‏:‏ ‏"‏قالت اليهود نعم القوم قوم محمد لولا أنهم يقولون ما شاء اللّه وشاء محمد فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏
لا تقولوا ما شاء اللّه وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء اللّه وحده‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏إن ابنة الجون‏"‏ قيل هي الكلابية واختلف في اسمها فقال ابن سعد‏:‏ اسمها فاطمة بنت الضحاك بن سفيان وروى عن الكلبي أنها عالية بنت ظبيان بن عمرو وحكى ابن سعد أيضاً أن اسمها عمرة بنت يزيد بن عبيد وقيل بنت يزيد بن الجون وأشار ابن سعد أيضاً إلى أنها واحدة اختلف في اسمها‏.‏ قال الحافظ‏:‏ والصحيح أن التي استعاذت منه هي الجونية واسمها أميمة بنت النعمان بن شراحيل وذكر ابن سعد أنها لم تستعذ منه امرأة غيرها‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ أجمعوا على أن التي تزوجها هي الجونية واختلفوا في سبب فراقه لها فقال قتادة‏:‏ لما دخل عليها دعاها فقالت تعال أنت فطلقها وقيل‏:‏ كان بها وضح وزعم بعضهم أنها قالت أعوذ باللّه منك

 

ج / 6 ص -245-       فقال قد عذت بمعاذ وقد أعاذك اللّه مني فطلقها قال‏:‏ وهذا باطل إنما قال له هذا امرأة من بني العنبر وكانت جميلة فخاف نساؤه أن تغلبهن عليه فقلن لها إنه يعجبه أن يقال له نعوذ باللّه منك ففعلت فطلقها‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وما أدري لم حكم ببطلان ذلك مع كثرة الروايات الواردة فيه وثبوته في حديث عائشة في صحيح البخاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏إلحقي بأهلك‏"‏ بكسر الهمزة من الحقي وفتح الحاء وفيه دليل على أن من قال لامرأته الحقي بأهلك وأراد الطلاق طلقت فإن لم يرد الطلاق لم تطلق كما وقع في حديث تخلف كعب المذكور فيكون هذا اللفظ من كنايات الطلاق لأن الصريح لا يفتقر إلى النية على ما ذهب إليه الشافعية والحنفية وأكثر العترة‏.‏ وذهب الباقر والصادق والناصر ومالك إلى أنه يفتقر إلى نية‏.‏ وحديث ابن عمر في إخباره صلى اللّه عليه وآله وسلم بعدد الشهر قد تقدم في باب ما جاء في يوم الغيم والشك من كتاب الصيام وتقدم شرحه هنالك‏.‏ وإنما أورده المصنف ههنا للاستدلال به على صحة العدد بالإشارة بالأصابع واعتباره من دون تلفظ باللسان فإذا قال الرجل لزوجته أنت طالق هكذا وأشار بثلاث من أصابعه كان ذلك ثلاثاً عند من يقول إن الطلاق يتبع الطلاق‏.‏
وأورد حديث حذيفة وحديث قتيلة للاستدلال بهما على أن من قال لزوجته التي لم يدخل بها أنت طالق وطالق كان كالطلقة الواحدة لأن المحل لا يقبل غيرها فتكون الثانية لغواً بخلاف ما لو قال أنت طالق ثم طالق وقعت عليها الطلقة الأولى في الحال ووقعت عليها الثانية بعد أن تصير قابلة لها وذلك لأن الواو لمطلق الجمع فكأنه إذا جاء بها موقع لمجموع الطلاقين عليها في حالة واحدة بخلاف ثم فإنها للترتيب مع تراخ فيصير الزوج في حكم الموقع لطلاق بعده طلاق متراخ عنه‏.‏ ولهذا قال الشافعي في سبب نهيه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن قول الرجل ما شاء اللّه وشئت وأذنه له بأن يقول ما شاء اللّه ثم شاء فلان أن المشيئة إرادة اللّه تعالى قال اللّه عز وجل‏:‏ ‏
{وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ‏}‏ قال‏:‏ فأعلم اللّه خلقه أن المشيئة له دون خلقه وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء اللّه فيقال لرسوله ما شاء اللّه ثم شئت ولا يقال ما شاء اللّه وشئت انتهى‏.‏ ولكنه يعارض هذا الاستنباط حديث عدي بن حاتم الذي ذكره المصنف في الرجل الذي خطب بحضرته صلى اللّه عليه وآله وسلم فإنه أنكر عليه الجمع بين الضميرين وأرشده إلى أن يقول ومن يعص اللّه ورسوله فدل على أن توسيط الواو بين اللّه ورسوله له حكم غير حكم قوله ومن يعصهما ولو كانت الواو لمطلق الجمع لم يكن بين العبارتين فرق‏.‏
وقد قدمنا الكلام على علة هذا النهي عند الكلام على حديث ابن مسعود في باب اشتمال الخطبة على حمد اللّه من أبواب الجمعة هذا ما ظهر في بيان وجه استدلال المصنف بحديثي المشيئة وحديث الخطبة ويمكن أن يكون مراد المصنف بإيراد الأحاديث المذكورة مجرد التنظير لا الاستدلال وقد قدمنا أن الطلاق المتعدد سواء كان بلفظ واحد أو ألفاظ من غير فرق بين أن يكون العطف بثم أو بالواو أو بغيرهما يكون طلقة واحدة سواء كانت الزوجة مدخولة أو غير مدخولة وأورد حديث أبي هريرة للاستدلال به على أن من طلق زوجته بقلبه ولم يلفظ بلسانه لم يكن لذلك حكم الطلاق لأن خطرات القلب مغفورة للعباد إذا كانت فيما فيه ذنب فكذلك

 

ج / 6 ص -246-       لا يلزم حكمها في الأمور المباحة فلا يكون حكم خطور الطلاق بالقلب أو إرادته حكم التلفظ به وهكذا سائر الإنشاءات قال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث ما لفظه‏:‏ والعمل على هذا عند أهل العلم أن الرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيء حتى يتكلم به انتهى‏.‏ وحكى في البحر عن عكرمة أنه يقع بمجرد النية‏.‏