نيل
الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ط مكتبة الدعوة
الإسلامية كتاب اللعان
1 - عن نافع عن ابن
عمر: "أن رجلاً لاعن امرأته وانتفى من
ولدها ففرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة". رواه
الجماعة.
2 - وعن سعيد بن جبير:
"أنه قال لعبد اللّه بن عمر: يا أبا عبد
الرحمن المتلاعنان أيفرق بينهما قال: سبحان
اللّه إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان
قال: يا رسول اللّه أرأيت لو وجد أحدنا
امرأته على فاحشة كيف يصنع إن تكلم تكلم بأمر
عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك قال: فسكت
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فلم يجبه فلما
كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه
ابتليت به فأنزل اللّه عز وجل هؤلاء الآيات في
سورة النور {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ
شُهَدَاءُ} فتلاهن عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب
الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال: لا والذي
بعثك بالحق ما كذبت عليها ثم دعاها فوعظها
وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة
فقالت: لا والذي بعثك بالحق إنه لكاذب فبدأ
بالرجل فشهد أربع شهادات باللّه إنه لمن
الصادقين والخامسة أن لعنة اللّه عليه إن كان
من الكاذبين ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات
باللّه إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب
اللّه عليها إن كان من الصادقين ثم فرق
بينهما".
2 - وعن ابن عمر قال:
"فرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
بين أخوي عجلان وقال:
اللّه يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب
ثلاثاً".
متفق عليهما.
ج / 6 ص -268-
3 - وعن سهل بن سعد: "أن عويمرا العجلاني
أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
فقال: يا رسول اللّه أرأيت رجلاً وجد مع
امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم:
قد نزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم فلما فرغ قال عويمر: كذبت عليها
يا رسول اللّه إن أمسكتها فطلقها ثلاثاً قبل
أن يأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
قال ابن شهاب: فكانت سنة المتلاعنين".
رواه الجماعة إلا الترمذي. وفي رواية متفق
عليها: "فقال النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم:
"ذاكم التفريق بين كل متلاعنين"
وفي لفظ لأحمد ومسلم: "وكان فراقه إياها
سنة في المتلاعنين".
قوله: "لاعن
امرأته" قال في الفتح: اللعان مأخوذ من
اللعن لأن الملاعن يقول في الخامسة لعنة اللّه
عليه إن كان من الكاذبين واختير لفظ اللعن دون
الغضب في التسمية لأنه قول الرجل وهو الذي بدئ
به في الآية وهو أيضاً يبدأ به وقيل سمي
لعاناً لأن اللعن الطرد والإبعاد وهو مشترك
بينهما وإنما خصت المرأة بلفظ الغضب لعظم
الذنب بالنسبة إليها ثم قال: وأجمعوا على أن
اللعان مشروع وعلى أنه لا يجوز مع عدم التحقق
واختلف في وجوبه على الزوج وظاهر أحاديث الباب
أن اللعان إنما يشرع بين الزوجين وكذلك قوله
تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الآية فلو قال أجنبي لأجنبية يا زانية وجب عليه حد القذف.
قوله: "ففرق رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بينهما"
استدل به من قال إن الفرقة بين المتلاعنين لا
تقع بنفس اللعان حتى يوقعها الحاكم وأجاب من
قال إن الفرقة تقع بنفس اللعان إن ذلك بيان
حكم لا إيقاع فرقة واحتجوا بما وقع منه صلى
اللّه عليه وآله وسلم في رواية بلفظ: "لا سبيل لك عليها"
وتعقب بأن الذي وقع جواب لسؤال الرجل عن ماله
الذي أخذته منه وأجيب بأن العبرة بعموم اللفظ
وهو نكرة في سياق النفي فيشمل المال والبدن
ويقتضي نفي تسلطه عليها بوجه من الوجوه ووقع
في حديث لأبي داود عن ابن عباس: "وقضى أن
ليس عليه قوت ولا سكنى من أجل أنهما يفترقان
بغير طلاق ولا متوفى عنها" وهو ظاهر في أن
الفرقة وقعت بينهما بنفس اللعان وسيأتي تمام
الكلام في الفرقة في الباب الذي بعد هذا.
قوله: "وألحق الولد
بالمرأة" قال الدارقطني: تفرد مالك بهذه
الزيادة وقال ابن عبد البر: ذكروا أن مالكاً
تفرد بهذه اللفظة وقد جاءت من أوجه أخر وقد
جاءت في حديث سهل بن سعد عند أبي داود بلفظ:
"فكان الولد ينسب إلى أمه" ومن رواية
أخرى: "وكان الولد يدعى إلى أمه" ومعنى
قوله ألحق الولد بأمه أي صيره لها وحدها ونفاه
عن الزوج فلا توارث بينهما وأما الأم فترث منه
ما فرض اللّه لها.
وقد وقع في رواية من
حديث سهل بن سعد بلفظ: "وكان ابنها يدعى
لأمه" ثم جرت السنة في ميراثهما أنها ترثه
ويرث منها ما فرض اللّه لهما وقيل معنى إلحاقه
بأمه أنه صيرها له أباً
ج / 6 ص -269-
وأماً فترث جميع ماله إذا لم يكن له وارث
آخر من ولد ونحوه وهو قول ابن مسعود ووائلة
وطائفة ورواية عن أحمد وروي أيضاً عن ابن
القاسم وقيل إن عصبة أمه تصير عصبة له وهو قول
علي وابن عمر وهو المشهور عن أحمد وبه قالت
الهادوية وقيل ترثه أمه وأخته منها بالفرض
والرد وهو قول أبي عبيد ومحمد بن الحسن ورواية
عن أحمد قال: فإن لم يرثه ذو فرض بحال
فعصبته عصبة أمه واستدل بحديث ابن عمر المذكور
على مشروعية اللعان لنفي الولد. وعن أحمد
ينتفي الولد بمجرد اللعان وإن لم يتعرض الرجل
لذكره في اللعان.
قال الحافظ: وفيه نظر
لأنه لو استلحقه لحقه وإنما يؤثر اللعان دفع
حد القذف عنه وثبوت زنا المرأة.
وقال الشافعي: إن نفى
الولد في الملاعنة انتفى وإن لم يتعرض له فله
أن يعيد اللعان لانتفائه ولا إعادة على المرأة
وإن أمكنه الرفع إلى الحاكم فأخر بغير عذر
وحتى ولدت لم يكن له أن ينفيه كما في الشفعة
واستدل به أيضاً على أنه لا يشترط في نفي
الولد التصريح بأنها ولدته من زنا ولا بأنه
استبرأها بحيضة وعن المالكية يشترط ذلك.
قوله: "أرأيت لو وجد
أحدنا" أي أخبرني عن حكم من وقع له ذلك.
قوله: "على فاحشة"
اختلف العلماء فيمن وجد مع امرأته رجلاً وتحقق
وجود الفاحشة منهما فقتله هل يقتل به أم لا
فمنع الجمهور الإقدام وقالوا يقتص منه إلا أن
يأتي ببينة الزنا أو يعترف المقتول بذلك بشرط
أن يكون محصناً وقيل بل يقتل به لأنه ليس له
أن يقيم الحد بغير أذن الإمام وقال بعض السلف
لا يقتل أصلاً ويعذر فيما فعله إذا ظهرت
أمارات صدقه وشرط أحمد وإسحاق ومن تبعهما أن
يأتي بشاهدين أنه قتله بسبب ذلك ووافقهم ابن
القاسم وابن حبيب من المالكية لكن زاد أن يكون
المقتول قد أحصن وعند الهادوية أنه يجوز للرجل
أن يقتل من وجده مع زوجته وأمته وولده حال
الفعل وأما بعده فيقاد به إن كان بكرًا.
قوله: "ووعظه
وذكره" فيه دليل على أنه يشرع للإمام موعظة
المتلاعنين قبل اللعان تحذيراً لهما منه
وتخويفاً لهما من الوقوع في المعصية.
قوله: "فبدأ
بالرجل" فيه دليل على أنه يبدأ الإمام في
اللعان بالرجل وقد حكى الإمام المهدي في البحر
الإجماع على أن السنة تقديم الزوج واختلف في
الوجوب فذهب الشافعي ومن تبعه وأشهب من
المالكية ورجحه ابن العربي إلى أنه واجب وهو
قول المؤيد باللّه وأبي طالبوأبي العباس
والإمام يحيى. وذهبت الحنفية ومالك وابن
القاسم إلى أنه لو وقع الابتداء بالمرأة صح
واعتد به واحتجوا بأن اللّه تعالى عطف في
القرآن بالواو وهو لا يقتضي الترتيب.
"واحتج الأولون" أيضاً بأن اللعان يشرع
لدفع الحد عن الرجل ويؤيده قوله صلى اللّه
عليه وآله وسلم لهلال: "البينة
وإلا حد في ظهرك"
وسيأتي فلو بدأ بالمرأة لكان دفعاً لأمر لم
يثبت.
قوله: "بين أخوي بني
عجلان" بفتح العين المهملة وسكون الجيم وهو
ابن حارثة بن ضبيعة من بني بكر ابن عمرو
والمراد بقوله أخوي الرجل وامرأته واسم الرجل
عويمر كما في الرواية المذكورة واسم المرأة
خولة بنت عاصم بن عدي العجلاني قاله ابن منده
في كتاب الصحابة وأبو نعيم وحكى القرطبي عن
مقاتل بن سليمان أنها خولة بنت قيس وذكر ابن
مردويه أنها بنت أخي عاصم المذكور والرجل الذي
رمى عويمر امرأته به هو شريك
ج / 6 ص -270-
ابن
سحماء ابن عم عويمر وفي صحيح مسلم من حديث أنس
أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء
وكان أخا البراء بن مالك لأمه وسيأتي وكان أول
رجل لاعن في الإسلام.
قال النووي في شرح مسلم: السبب في نزول آية
اللعان قصة عويمر العجلاني واستدل على ذلك
بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم له: "قد أنزل اللّه فيك وفي صاحبتك قرآنًا" وقال الجمهور: السبب قصة هلال بن أمية لما تقدم من أنه كان أول
من لاعن في الإسلام وقد حكى أيضاً الماوردي عن
الأكثر من أن قصة هلال أسبق من قصة عويمر.
وقال الخطيب والنووي وتبعهما الحافظ: يحتمل
أن يكون هلال سأل أولاً ثم سأل عويمر فنزلت في
شأنهما معاً.
وقال ابن الصباغ في الشامل: قصة هلال بن
أمية نزلت فيها الآية وأما قوله صلى اللّه
عليه وآله وسلم لعويمر:
"إن اللّه قد أنزل فيك وفي صاحبتك"
فمعناه ما نزل في قصة هلال لأن ذلك حكم عام
لجميع الناس واختلف في الوقت الذي وقع فيه
اللعان فجزم الطبري وأبو حاتم وابن حبان أنه
كان في شهر شعبان سنة تسع وقيل كان في السنة
التي توفي فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم لما وقع في البخاري عن سهل بن سعد
أنه شهد قصة المتلاعنين وهو ابن خمس عشرة سنة
وقد ثبت عنه أنه قال توفي رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة
وقيل كانت القصة في سنة عشر ووفاته صلى اللّه
عليه وآله وسلم في سنة إحدى عشرة.
قوله: "فطلقها ثلاثاً" وفي رواية أنه
قال:
"فهي الطلاق فهي الطلاق فهي الطلاق"وقد استدل بذلك من قال إن الفرقة بين المتلاعنين تتوقف على تطليق
الرجل كما تقدم نقله عن عثمان البتي.
وأجيب بما في حديث سهل نفسه من تفريقه صلى
اللّه عليه وآله وسلم بينهما. وبما في حديث
ابن عمر كما ذكر ذلك المصنف فإن ظاهرهما أن
الفرقة وقعت بتفريق النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم وإنما طلقها عويمر لظنه أن اللعان لا
يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق فقال هي
طالق ثلاثاً فقال له النبي صلى اللّه عليه
وآله وسلم:
"لا سبيل لك عليها" أي لا ملك لك عليها فلا يقع طلاقك.
قال الحافظ: وقد توهم أن قوله لا سبيل لك
عليها وقع منه صلى اللّه عليه وآله وسلم عقب
قول الملاعن هي طالق. وإنه موجود في كذلك في
حديث سهل. وإنما وقع في حديث ابن عمر عقب
قوله اللّه يعلم أن أحدكم كاذب لا سبيل لك
عليها انتهى. وقد قدمنا في باب ما جاء في
طلاق البتة الجواب عن الاستدلال بهذا الحديث
على أن الطلاق المتتابع يقع.
قوله: "فكانت سنة المتلاعنين" زاد أبو
داود عن القعنبي عن مالك فكانت تلك وهي إشارة
إلى الفرقة وفي الرواية الأخرى المذكورة ذاكم
التفريق بين كل متلاعنين وقال مسلم: إن قوله
وكان فراقه إياها سنة بين المتلاعنين مدرج.
وكذا ذكر الدارقطني في غريب مالك اختلاف
الرواة على ابن شهاب ثم على مالك في تعيين من
قال فكان فراقهما سنة هل هو من قول سهل أو من
قول ابن شهاب. وذكر ذلك الشافعي وأشار إلى
نسبته إلى ابن شهاب لا تمنع نسبته إلى سهل.
ويؤيد ذلك ما وقع في رواية لأبي داود عن سهل
قال فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم فأنفذه رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم وكان ما صنع عند رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سنة وسيأتي
قريباً.
وفي نسخة الصغاني قال أبو عبد اللّه قوله ذلك
تفريق بين المتلاعنين من قول الزهري وليس من
الحديث.
ج / 6 ص -271-
باب لا يجتمع المتلاعنان أبدًا
1 - عن ابن عمر قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
للمتلاعنين:
"حسابكما على اللّه أحدكما كاذب لا سبيل لك
عليها"
قال: يا رسول اللّه مالي قال:
"لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت
من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك
منها". متفق عليه وهو حجة في أن كل فرقة بعد الدخول لا تؤثر في إسقاط
المهر. 2 - وعن سهل بن سعد في خبر
المتلاعنين قال: "فطلقها ثلاث تطليقات
فأنفذه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
وكان ما صنع عند النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم سنة قال سهل: حضرت هذا عند النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم فمضت السنة بعد في
المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان
أبدًا". رواه أبو داود.
3 - وعن سهل بن سعد في
قصة المتلاعنين: "ففرق رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم بينهما وقال:
لا يجتمعان أبداً".
4 - وعن ابن عباس: "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
قال:
"المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداُ".
5 - وعن علي قال:
"مضت السنة في المتلاعنين أن لا يجتمعان
أبداً".
6 - وعن علي وابن مسعود
قالا: "مضت السنة أن لا يجتمع
المتلاعنان". رواهن الدارقطني.
حديث سهل بن سعد الأول
سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال
الصحيح. وحديثه الثاني في إسناده عياض بن
عبد اللّه قال في التقريب: فيه لين ولكنه قد
أخرج له مسلم. وحديث ابن عباس أخرج نحوه أبو
داود في قصة طويلة في إسنادها عباد بن منصور
وفيه مقال. وحديث علي وابن مسعود أخرجهما
أيضاً عبد الرزاق وابن أبي شيبة - وفي الباب -
عن عمر نحو حديثهما أخرجه أيضاً عبد الرزاق
وابن أبي شيبة.
قوله: "أحدكما
كاذب" قال عياض: إنه قال هذا الكلام بعد
فراغهما من اللعان فيؤخذ منه عرض التوبة على
المذنب بطريق الإجمال وأنه يلزم من كذب التوبة
من ذلك. وقال الداودي: قال ذلك قبل اللعان
تحذيراً لهما منه قال الحافظ: والأول أظهر
وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
قوله: "لا سبيل لك
عليها" فيه دليل على أن المرأة تستحق ما صار
إليها من المهر بما استحل الزوج من فرجها وقد
تقدم أن هذه الصيغة تقتضي العموم لأنها نكرة
في سياق النفي وأراد بقوله مالي الصداق الذي
سلمه إليها يريد أن يرجع به عليها فأجابه صلى
اللّه عليه وآله وسلم بأنها قد استحقته بذلك
السبب وأوضح لها استحقاقها له بذلك التقسيم
على
ج / 6 ص -272-
فرض صدقه وعلى فرض كذبه لأنه مع الصدق قد
استوفى منها ما يوجب استحقاقها له وعلى فرض
كذبه كذلك مع كونه قد ظلمها برميها بما رماها
به وهذا مجمع عليه في المدخولة.
وأما في غيرها فذهب
الجمهور إلى أنها تستحق النصف كغيرها من
المطلقات قبل الدخول وقال حماد والحكم وأبو
الزناد: أنها تستحقه جميعه.
وقال الزهري ومالك: لا
شيء لها.
قوله: "فطلقها" قد
تقدم الكلام عليه.
قوله: "لا يجتمعان
أبداً" فيه دليل على تأبيد الفرقة. وإليه
ذهب الجمهور وروي عن أبي حنيفة ومحمد أن
اللعان لا يقتضي التحريم المؤبد لأنه طلاق
زوجة مدخولة بغير عوض لم ينو به التثليث فيكون
كالرجعي. ولكن المروي عن أبي حنيفة أنها
إنما تحل له إذا أكذب نفسه لا إذا لم يكذب
نفسه فإنه يوافق الجمهور كما ذكره صاحب الهدى
عنه. وعن محمد وسعيد بن المسيب والأدلة
الصحيحة الصريحة قاضية بالتحريم المؤبد وكذلك
أقوال الصحابة وهو الذي يقتضيه حكم اللعان ولا
يقتضي سواه فإن لعنة اللّه وغضبه قد حلت
بأحدهما لا محالة وقد وقع الخلاف هل اللعان
فسخ أو طلاق فذهب الجمهور إلى أنه فسخ وذهب
أبو حنيفة ورواية عن محمد إلى أنه طلاق.
باب إيجاب الحد
بقذف الزوج وأن اللعان يسقطه
1 - عن ابن عباس:
"أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم بشريك بن سحماء فقال
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم:
"البينة أو حد في ظهرك فقال: يا رسول اللّه إذا رأى أحدنا على امرأته رجل ينطلق يلتمس
البينة فجعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
يقول:
البينة وإلا حد في ظهرك
فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق
ولينزلن اللّه ما يبرئ ظهري من الحد فنزل
جبريل وأنزل عليه
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}
فقرأ حتى بلغ
{إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فانصرف النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأرسل إليهما فجاء هلال
فشهد والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول:
إن اللّه يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب
ثم قامت فشهدت فلما كان عند الخامسة وقفوها
فقالوا إنها موجبة فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها
ترجع ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت
فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم:
انظروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الآليتين خدلج الساقين فهو
لشريك بن سحماء
فجاءت به كذلك فقال النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم:
لولا ما مضى من كتاب اللّه لكان لي ولها
شأن".
رواه الجماعة إلا مسلماً والنسائي.
قوله: "البينة أو حد
في ظهرك" فيه دليل على أن الزوج إذا قذف
امرأته بالزنا وعجز عن إقامة البينة وجب عليه
حد القاذف وإذا وقع اللعان سقط وهو قول
الجمهور. وذهب أبو حنيفة
ج / 6 ص -273-
وأصحابه إلى أن اللازم بقذف الزوج إنما هو
اللعان فقط ولا يلزمه الحد والحديث وما في
معناه حجة عليه.
قوله: "فنزل
جبريل" الخ فيه التصريح بأن الآية نزلت في
شأن هلال وقد تقدم الخلاف في ذلك.
قوله: "إن اللّه
يعلم" الخ فيه مشروعية تقديم الوعظ للزوجين
قبل اللعان كما يدل على ذلك قوله: "ثم
قامت" فإن ترتيب القيام على ذلك مشعر بما
ذكرنا وقد تقدم الإشارة إلى الخلاف.
قوله: "وقفوها" أي
أشاروا عليها بأن ترجع وأمروها بالوقف عن تمام
اللعان حتى ينظروا في أمرها فتلكأت وكادت أن
تعترف ولكنها لم ترض بفضيحة قومها فاقتحمت
وأقدمت على الأمر المخوف الموجب للعذاب الآجل
مخافة من العار لأنه يلزم قومها من إقرارها
العار بزناها ولم يردعها عن ذلك العذاب العاجل
وهو حد الزنا.
وفي هذا دليل على أن
مجرد التلكيء من أحد الزوجين والتكلم بما يدل
على صدق الآخر دلالة ظنية لا يعمل به بل
المعتبر هو التصريح من أحدهما بصدق الآخر
والاعتراف المحقق بالكذب إن كان الزوج أو
الوقوع في المعصية إن كانت المرأة.
قوله: "انظروها فإن
جاءت به" الخ فيه دليل على أن المرأة كانت
حاملاً وقت اللعان. وقد وقع في البخاري
التصريح بذلك وسيأتي التصريح به أيضاً في باب
ما جاء في اللعان على الحمل.
قوله: "أكحل
العينين" الأكحل الذي منابت أجفانه سود كأن
فيها كحلاً.
قوله: "سابغ
الآليتين" بالسين المهملة وبعد الألف باء
موحدة ثم غين معجمة أي عظيمهما.
قوله: "خدلج
الساقين" بفتح الخاء والدال المهملة وتشديد
اللام أي ممتلئ الساقين والذراعين.
قوله: "فجاءت به
كذلك" في رواية للبخاري: "فجاءت به على
الوجه المكروه" وفي أخرى له: "فجاءت به
على النعت الذي نعت رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم" وفي ذلك روايات أخر ستأتي.
قوله: "لولا ما مضى
من كتاب اللّه" وفي رواية للبخاري:
"من حكم اللّه" والمراد أن اللعان يدفع الحد عن المرأة ولولا ذلك لأقام رسول اللّه
صلى اللّه عليه وآله وسلم عليها الحد من أجل
ذلك الشبه الظاهر الذي رميت به ويستفاد منه
أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يحكم
بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه وحي خاص فإذا
نزل الوحيبالحكم في تلك المسألة قطع النظر
وعمل بما نزل وأجرى الأمر على الظاهر ولو قامت
قرينة تقتضي خلاف الظاهر.
باب من قذف
زوجته برجل سماه
1 - عن أنس: "أن
هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان
أخاً لبراء بن مالك لأمه وكان أول رجل لاعن في
الإسلام قال: فلاعنها فقال رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم:
أبصروها فإن جاءت به أبيض سبطاً قضيء العينين
فهو لهلال بن أمية وإن جاءت به أكحل جعد أحمش
الساقين فهو لشريك بن سحماء
قال: فأنبئت أنها جاءت به أكحل جعد أحمش
الساقين". رواه أحمد ومسلم والنسائي.
وفي رواية:
ج / 6 ص -274-
"أن أول لعان كان في الإسلام أن هلال بن أمية
قذف شريك بن السحماء بامرأته فأتى النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم فأخبره بذلك فقال النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم:
أربعة شهداء وإلا فحد في ظهرك يردد عليه ذلك مراراً فقال له هلال: واللّه يا
رسول اللّه إن اللّه عز وجل ليعلم أني لصادق
ولينزلن اللّه عليك ما يبرئ ظهري من الحد
فبينما هم كذلك إذ نزلت عليه آية اللعان {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} إلى آخر الآية وذكر الحديث". رواه النسائي.
الرواية الأخرى من هذا
الحديث رجالها رجال الصحيح ويشهد لصحتها حديث
ابن عباس المتقدم في الباب الذي قبل هذا فإن
سياقه وسياق هذا الحديث متقاربان.
قوله: "وكان أول رجل
لاعن في الإسلام" قد تقدم الكلام على هذا.
قوله: "سبطاً"
بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة بعدها
طاء مهملة وهو المسترسل من الشعر وتام الخلق
من الرجال.
قوله: "قضيء
العينين" بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة
بعدها همزة على وزن حذر وهو فاسد العينين
والأكحل قد تقدم الكلام عليه. والجعد بفتح
الجيم وسكون المهملة بعدها دال مهملة أيضاً.
قال في القاموس: الجعد من الشعر خلاف السبط
أو القصير منه.
قوله: "حمش
الساقين" بالحاء المهملة ثم معجمة وهو لغة
في أحمش. قال في القاموس: حمش الرجل حمشاً
وحمشاً صار دقيق الساقين فهو أحمش الساقين
وحمشهما بالفتح وسوق حماش وقد حمشتالساق كضرب
وكرم حموشة انتهى.
قوله: "إن أول لعان
كان في الإسلام" قد تقدم الكلام على ذلك
وظاهر الحديث أن حد القذف يسقط باللعان ولو
كان قذف الزوجة برجل معين.
باب في أن
اللعان يمين
1 - عن ابن عباس قال:
"جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين
خلفوا فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلاً
فذكر حديث تلاعنهما إلى أن قال ففرق النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم بينهما وقال:
إن جاءت به أصيهب أربسح حمش الساقين فهو لهلال وإن جاء به أورق جعداً
جمالياً خدلج الساقين سابغ الآليتين فهو للذي
رميت به فجاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الآليتين فقال رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم:
لولا الأيمان لكان لي ولها شأن".
رواه أحمد وأبو داود.
الحديث أورده أبو داود
مطولاً وفي إسناده عباد بن منصور وقد تكلم فيه
غير واحد. وقد قيل: إنه كان قدرياً
داعية.
قوله: "أصيهب"
تصغير الأصهب وهو من الرجال الأشقر ومن الإبل
الذي يخالط بياضه حمرة.
قوله: "أريسح"
تصغير الأرسح بالسين والحاء المهملتين وروي
بالصاد المهملة بدلاً من السين ويقال الأرصع
بالصاد والعين المهملتين وهو خفيف لحم الفخذين
ج / 6 ص -275-
والآليتين. وقد تقدم تفسير حمش الساقين
والجعد وخدلج الساقين وسابغ الآليتين.
قوله: "أورق" هو
الأسمر.
قوله: "جمالياً"
بضم الجيم وتشديد الميم هو العظيم الخلق كأنه
الجمل.
قوله: "لولا
الأيمان" استدل به من قال إن اللعان يمين
وإليه ذهبت العترة والشافعي والجمهور وذهب أبو
حنيفة وأصحابه ومالك والإمام يحيى والشافعي في
قول إنه شهادة. واحتجوا بقوله تعالى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} وبقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم في حديث ابن عباس السابق في
الباب الأول: "فجاء هلال فشهد ثم قامت
فشهدت" وقيل: إن اللعان شهادة فيها شائبة
يمين وقيل بالعكس.
وقال بعض العلماء: ليس
بيمين ولا شهادة حكى هذه الثلاثة المذاهب صاحب
الفتح وقال: الذي تحرر لي إنها من حيث الجزم
بنفيالكذب وإثبات الصدق يمين لكن أطلق عليها
شهادة لاشتراط أن لا يكتفى في ذلك بالظن بل لا
بد من وجود علم كل منهما بالأمرين علماً يصح
معه أن يشهد.
باب ما جاء في
اللعان على الحمل والاعتراف به
1 - عن ابن عباس: "أن رسول اللّه صلى اللّه
عليه وآله وسلم لاعن على الحمل". رواه
أحمد.
وفي حديث سهل:
"وكانت حاملاً وكان ابنها ينسب إلى أمه"
وقد ذكرناه.
وفي حديث ابن عباس:
"أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لاعن
بين هلال بن أمية وامرأته وفرق بينهما وقضى أن
لا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها ومن رماها
أو رمى ولدها فعليه الحد. قال عكرمة: فكان
بعد ذلك أميراً على مصر وما يدعى لأب" رواه
أحمد وأبو داود. وقد أسلفنا في غير حديث أن
تلاعنهما قبل الوضع.
2 - وعن قبيصة بن ذؤيب
قال: "قضى عمر بن الخطاب في رجل أنكر ولد
امرأته وهو في بطنها ثم اعترف به وهو في بطنها
حتى إذا ولد أنكره فأمر به عمر فجلد ثمانين
جلدة لفريته عليها ثم ألحق به ولدها".
رواه الدارقطني.
حديث ابن عباس الأول هو
بمعناه في الصحيحين من حديثه بلفظ: "لاعن
بين هلال بن أمية وزوجته وكانت حاملاً ونفى
الحمل". وحديث سهل هو في البخاري كما
قدمنا ولم يذكره المصنف فيما سلف صريحاً.
وحديث ابن عباس الثاني هو من حديثه الطويل
الذي ساقه أبو داود وفي إسناده عباد بن منصور
كما تقدم وأثر عمر أخرجه أيضاً البيهقي وحسن
الحافظ إسناده.
وقد استدل بأحاديث الباب
من قال إنه يصح اللعان قبل الوضع مطلقاً ونفي
الحمل. وقد حكاه في الهدى عن الجمهور وهو
الحق للأدلة المذكورة وذهبت الهادوية وأبو
يوسف ومحمد إلى أنه لا يصح قبل الوضع مطلقاً
لاحتمال أن يكون الحمل ريحاً. ورد بأن هذا
احتمال بعيد لأن للحمل قرائن قوية يظن معها
وجوده ظناً قوياً وذلك كاف في اللعان كما جاز
العمل بها في إثبات عدة
ج / 6 ص -276-
الحامل وترك قسمة الميراث ولا يدفع الأمر
المظنون بالاحتمال البعيد. وذهب أبو حنيفة
والمزني وأبو طالب إلى أنه لا يصح اللعان
والنفي قبل الوضع إلا مع الشرط لعدم اليقين
ورد بأنه مشروط إن لم يتلفظ به.
وأثر عمر المذكوراستدل
به من قال إنه لا يصح نفي الولد بعد الإقرار
به وهم العترة وأبو حنيفة وأصحابه ويؤيده أنه
لو صح الرجوع بعده لصح عن كل إقرار فلا يتقرر
حق من الحقوق والتالي باطل بالإجماع فالمقدم
مثله.
باب الملاعنة
بعد الوضع لقذف قبله وإن شهد الشبه لأحدهما
1 - عن ابن عباس:
"أنه ذكر التلاعن عند رسول اللّه صلى اللّه
عليه وآله وسلم فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا
ثم انصرف فأتاه رجل من قومه يشكو إليه أنه وجد
مع أهله رجلا فقال عاصم: ما ابتليت بهذا إلا
لقولي فيه فذهب به إلى رسول اللّه صلى اللّه
عليه وآله وسلم فأخبره بالذي وجد عليه امرأته
وكان ذلك الرجل مصفرًا قليل اللحم سبط الشعر
وكان الذي ادعى عليه أنه وجد عند أهله خدلا
آدم كثير اللحم فقال رسول اللّه صلى اللّه
عليه وآله وسلم:
اللّهم بين فوضعت شبيهًا بالذي ذكر زوجها أنه وجده عندها فلاعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بينهما فقال رجل لابن
عباس في المجلس: أهي التي قال رسول اللّه
صلى اللّه عليه وآله وسلم
لو رجمت أحدًا بغير بينة رجمت هذه
فقال ابن عباس: لا تلك امرأة كانت تظهر في
الإسلام السوء". متفق عليه.
قوله: "فقال عاصم في
ذلك قولا" أي كلامًا لا يليق به كالمبالغة
في الغيرة وعدم الرجوع إلى إرادة اللّه
وقدرته. وقال الحافظ: إن المراد بالقول
المذكور هو ما وقع في حديث سهل بن سعد أنه سأل
عن الحكم الذي أمره عويمر أن يسأل عنه.
قوله: "فأتاه رجل من
قومه" قال في الفتح: هو عويمر ولا يمكن
تفسيره بهلال بن أمية لأنه لا قرابة بينه وبين
عاصم. قوله: "ما ابتليت بهذا إلا
لقولي" أي بسؤالي عما لم يقع فكأنه عرف أنه
عوقب بذلك وإنما جعله ابتلاء لأن امرأة عويمر
هي بنت عاصم المذكور واسمها خولة بنت عاصم كما
ذكره الكلبي وذكر ابن مردويه أنها بنت أخي
عاصم.
وروى ابن أبي حاتم في
التفسير عن مقاتل بن حيان أن الزوج وزوجته
والرجل الذي رمي بها ثلاثتهم بنو عم عاصم.
قوله: "مصفرًا"
بضم أوله وسكون الصاد المهملة وفتح الفاء
وتشديد الراء أي قوي الصفرة وهذا لا يخالف ما
في حديث سهل أنه كان أحمر أو أشقر لأن ذلك
لونه الأصلي والصفرة عارضة والمراد بقليل
اللحم نحيف الجسم والسبط قد تقدم تفسيره.
قوله: "خدلا"
بالخاء المعجمة والدال المهملة قال في
القاموس: الخدل الممتلئ وساق خدلة بينة
الخدل محركة ثم قال: والخدلة المرأة الغليظة
الساق وممتلئة الأعضاء لحمًا في رقة عظام
انتهى. وقال في الفتح: خدلا بفتح المعجمة
وتشديد اللام أي ممتلئ الساقين. وقال أبو
ج / 6 ص -277-
الحسن بن فارس: ممتلئ الأعضاء وقال
الطبري: لا يكون إلا مع غلظ العظم مع
اللحم.
قوله: "آدم" بالمد
أي لونه قريب من السواد.
قوله: "كثير
اللحم" أي في جميع جسده. قال في الفتح:
يحتمل أن يكون صفة شارحة لقوله خدلًا بناء على
أن الخدل الممتلئ البدن.
قوله: "اللّهم
بين" قال ابن العربي: ليس معنى هذا الدعاء
طلب ثبوت صدق أحدهما فقط بل معناه أن تلد
ليظهر الشبه ولا يمتنع ولادتها بموت الولد
مثلا فلا يظهر البيان والحكمة في البيان
المذكور ردع من شاهد ذلك عن التلبس بمثل ما
وقع لما يترتب عليه من القبح.
قوله: "فلاعن" الخ
ظاهره أن الملاعنة تأخرت إلى وضع المرأة وعلى
ذلك بوّب المصنف وقد تقدم في حديث سهل أن
اللعان وقع بينهما قبل أن تضع. ورواية ابن
عباس هذه هي القصة التي في حديث سهل كما تقدم
فعلى هذا تكون الفاء في قوله فلاعن لعطف لاعن
على فأخبره بالذي وجد عليه امرأته ويكون ما
بينهما اعتراضًا.
قوله: "فقال رجل
لابن عباس" هو عبد اللّه بن شداد بن الهاد
وهو ابن خالة ابن عباس سماه أبو الزناد كما
ذكره البخاري في الحدود.
قوله: "كانت تظهر في
الإسلام السوء" أي كانت تعلن بالفاحشة ولكنه
لم يثبت ذلك عليها ببينة ولا اعتراف قال
الداودي: فيه جواز من يسلك مسالك السوء
وتعقب بأنه لم يسمها فإن أراد إظهار الغيبة
على طريق الإبهام فمسلم.
باب ما جاء في
قذف الملاعنة وسقوط نفقتها.
1 - عن ابن عباس في قصة
الملاعنة: "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى أن لا قوت لها ولا سكنى من
أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى
عنها". رواه أحمد وأبو داود.
2 - وعن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده قال:
"قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في ولد المتلاعنين أنه يرث
أمه وترثه أمه ومن رماها به جلد ثمانين ومن
دعاه ولد زنا جلد ثمانين".
رواه أحمد.
حديث ابن عباس هو طرف من
حديثه الطويل الذي ساقه أبو داود وفي إسناده
عباد بن منصور وفيه مقال كما تقدم. وحديث
عمرو بن شعيب أشار إليه في التلخيص ولم يتكلم
عليه وقد قدمنا الاختلاف في حديثه.
وقال في مجمع الزوائد:
في إسناده ابن إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله
ثقات.
قوله: "أن لا قوت
ولا سكنى" فيه دليل على أن المرأة المفسوخة
باللعان لا تستحق في مدة العدة نفقة ولا سكنى
لأن النفقة إنما تستحق في عدة الطلاق لا في
عدة الفسخ وكذلك السكنى ولا سيما إذا كان
الفسخ بحكم كالملاعنة ومن قال إن اللعان طلاق
كأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن محمد فلعله
يقول بوجوب النفقة والسكنى والحديث حجة
عليه.
قوله: "إنه يرث أمه
وترثه" فيه دليل على أن قرابة الولد المنفى
قرابة أمه وقد قدمنا الكلام على ذلك في أول
كتاب اللعان.
قوله: "ومن رماها به
جلد ثمانين" فيه دليل على أنه يجب الحد على
من رمى المرأة التي لاعنها
ج / 6 ص -278-
زوجها بالرجل الذي اتهمها به وكذلك يجب على
من قال لولدها إنه ولد زنا وذلك لأنه لم يتبين
صدق ما قاله الزوج والأصل عدم الوقوع في
المحرم ومجرد وقوع اللعان لا يخرجها عن العفاف
والأعراض محمية عن الثلب ما لم يحصل اليقين.
باب النهي أن
يقذف زوجته لأن ولدت ما يخالف لونهما
1 - عن أبي هريرة قال:
"جاء رجل من بني فزارة إلى رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم فقال: ولدت امرأتي
غلامًا أسود وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه فقال له
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم:
هل لك من إبل
قال: نعم قال:
فما ألوانها
قال: حمر قال:
هل فيها من أورق
قال: إن فيها لورقًا قال:
فأنى أتاها ذلك
قال: عسى أن يكون نزعه عرق قال:
فهذا عسى أن يكون نزعه عرق ولم يرخص له في
الانتفاء منه".
رواه الجماعة.
ولأبي داود في رواية:
"إن امرأتي ولدت غلامًا أسود وإني
أنكره".
قوله: "جاء رجل"
اسمه ضمضم بن قتادة.
قوله: "يعرض أن
ينفيه" وجه التعريض أنه قال غلام أسود أي
وأنا أبيض فكيف يكون مني وفيه دليل على أن
التعريض بالقذف لا يكون قذفًا وإليه ذهب
الجمهور. وعن المالكية يجب به الحد إذا
كانوا يفهمونها وكذلك قالت الهادوية إلا أنهم
اشترطوا أن يقر بأن قصده القذف وأجابوا عن
حديث الباب بأنه لا حجة فيه لأن الرجل لم يرد
قذفًا بل جاء سائلًا مستفتيًا عن الحكم بما
وقع له من الريبة فلما ضرب له المثل أذعن.
وقال المهلب: التعريض إذا كان على سبيل
السؤال لا حد فيه وإنما يجب الحد في التعريض
إذا كان على سبيل المواجهة.
وقال ابن المنير:
الفرق بين الزوج والأجنبي في التعريض أن
الأجنبي يقصد الأذية المحضة والزوج يعذر
بالنسبة إلى صيانة النسب.
قوله: "من أورق"
هو الذي يميل إلى الغبرة ومنه قيل للحمامة
ورقاء.
قوله: "فأنى ذلك"
بفتح النون الثقيلة أي من أين أتاها اللون
الذي خالفها هل هو بسبب فحل من غير لونها طرأ
عليها أو لأمر آخر.
قوله: "نزعه عرق"
المراد بالعرق الأصل من النسب تشبيهًا بعرق
الشجرة ومنه قولهم فلان عريق في الأصالة أي أن
أصله متناسب وكذا معرق في الكرم وهو ضرب مثل
لتعريف السائل وتوضيح البيان بتشبيه المجهول
بالمعلوم وهو من قياس التشبيه كما قال
الخطابي. قال ابن العربي: فيه دليل على
صحة القياس والاعتبار بالنظير وتوقف فيه ابن
دقيق العيد فقال: هو تشبيه في أمر وجودي
والنزاع إنما هو في التشبيه في الأحكام
الشرعية من طريق واحدة قوية. وفي الحديث
دليل على أنه لا يجوز للأب أن ينفي ولده بمجرد
كونه مخالفًا له في اللون وقد حكى القرطبي
وابن رشد الإجماع على ذلك وتعقبهما الحافظ بأن
الخلاف في ذلك ثابت عند الشافعية فقالوا إن لم
ينضم إلى المخالفة في اللون قرينة زنا لم يجز
النفي فإن اتهمها فأتت بولد على لون الرجل
الذي اتهمها به جاز النفي على الصحيح عندهم
وعند الحنابلة يجوز النفي مع القرينة مطلقًا.
ج / 6 ص -279-
باب أن الولد للفراش دون الزاني
1 - عن أبي هريرة قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم:
"الولد للفراش وللعاهر الحجر". رواه الجماعة إلا أبا داود. وفي لفظ للبخاري: "لصاحب الفراش".
2 - وعن عائشة قالت:
"اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة إلى
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال
سعد: يا رسول اللّه ابن أخي عتبة بن أبي
وقاص عهد إلي أنه ابنه انظر إلى شبهه وقال عبد
بن زمعة: هذا أخي يا رسول اللّه ولد على
فراش أبي فنظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
وسلم إلى شبهه فرأى شبهًا بينًا بعتبة فقال:
هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر
الحجر واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة قال: فلم ير سودة قط". رواه الجماعة إلا الترمذي. وفي
رواية أبي داود ورواية للبخاري: "هو
أخوك يا عبد".
3 - وعن ابن عمر:
"أن عمر قال: ما بال رجال يطؤن ولائدهم ثم
يعتزلونهن لا يأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد
ألم بها إلا ألحقت به ولدها فاعزلوا بعد ذلك
أو اتركوا". رواه الشافعي.
حديث
"الولد للفراش" مروي من طريق بضعة وعشرين نفسًا من الصحابة كما أشار إليه
الحافظ.
قوله: "الولد
للفراش" اختلف في معنى الفراش فذهب الأكثر
إلى أنه اسم للمرأة وقد يعبر به عن حالة
الافتراش وقيل إنه اسم للزوج روي ذلك عن أبي
حنيفة وأنشد ابن الأعرابي مستدلًا على هذا
المعنى قول جرير:
**بانت تعانقه وبات
فراشها**
وفي القاموس أن الفراش
زوجة الرجل قيل ومنه
{فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ}
والجارية يفترشها الرجل انتهى.
قوله: "وللعاهر
الحجر" العاهر الزاني يقال عهر أي زنى قيل
ويختص ذلك بالليل قال في القاموس: عهر
المرأة كمنع عهرًا ويكسر ويحرك وعهارة بالفتح
وعهورًا وعهورة وعاهرها عهارًا أتاها ليلًا
للفجور أو نهارًا انتهى. ومعنى له الحجر
الخيبة أي لا شيء له في الولد والعرب تقول له
الحجر وبفيه الترب يريدون ليس له إلا
الخيبة. وقيل المراد بالحجر أنه يرجم
بالحجارة إذا زنى ولكنه لا يرجم بالحجارة كل
زان بل المحصن فقط.
وظاهر الحديث أن الولد
إنما يلحق بالأب بعد ثبوت الفراش وهو لا يثبت
إلا بعد إمكان الوطء في النكاح الصحيح أو
الفاسد وإلى ذلك ذهب الجمهور وروي عن أبي
حنيفة أنه يثبت بمجرد العقد واستدل له بأن
مجرد المظنة كافية ورد بمنع حصولها بمجرد
العقد بل لا بد من إمكان الوطء ولا شك أن
اعتبار مجرد العقد في ثبوت الفراش جمود
ج / 6 ص -280-
ظاهر فإنه قد حكى ابن القيم عن أبي حنيفة
أنه يقول بأن نفس العقد وإن علم أنه لم يجتمع
بها بل لو طلقها عقبه في المجلس تصير به
الزوجة فراشًا وهذا يدل على أنه لا يلاحظ
المظنة أصلا ويؤيد ذلك أنه روى عنه في الغيث
أنه يقول بثبوت الفراش ولحوق الولد وإن علم
أنه ما وطىء بأن يكون بينه وبين الزوجة مسافة
طويلة لا يمكن وصوله إليها في مقدار مدة الحمل
وذهب ابن تيمية إلى أنه لا بد من معرفة الدخول
المحقق وذكر أنه أشار إليه أحمد ورجحه ابن
القيم وقال: وهل يعد أهل اللغة والعرف
المرأة فراشًا قبل البناء بها وكيف تأني
الشريعة بإلحاق نسب من لم يبن بامرأته ولا دخل
بها ولا اجتمع بها بمجرد إمكان ذلك وهذا
الإمكان قد قطع بانتفائه عادة فلا تصير المرأة
فراشًا إلا بدخول محقق انتهى. وأجيب بأن
معرفة الوطء المحقق متعسرة فاعتبارها يؤدي إلى
بطلان كثير من الأنساب وهو يحتاط فيها واعتبار
مجرد الإمكان يناسب ذلك الاحتياط ولا بد في
ثبوت نسب الولد أن تأتي المرأة به بعد مضي أقل
مدة الحمل من وقت إمكان الوطء عند الجمهور أو
العقد عند أبي حنيفة أو معرفة الوطء المحقق
عند ابن تيمية وهذا مجمع عليه فلو ولدت قبل
مضيها حصل القطع بأن الولد من قبل فلا يلحق.
وظاهر الحديث أيضًا أن
فراش الأمة كفراش الحرة لأنه يدخل تحت عموم
الفراش وحديث عائشة المذكور نص في ذلك فإن
النزاع بين عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص في
ابن وليدة زمعة وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا
يعتبر في ثبوت فراش الأمة الدعوة وروي عن أبي
حنيفة والثوري وهو مذهب الهادوية أن الأمة لا
يثبت فراشها إلا بدعوة الولد ولا يكفي الإقرار
بالوطء فإن لم يدعه كان ملكًا له وأجيب بأن
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ألحق ولد زمعة
به ولم يستفصل هل ادعاه زمعة أم لا بل جعل
العلة في الإلحاق أنه صاحب الفراش وأما قولهم
إنه لم يلحقه بعبد بن زمعة على أنه أخ له
وإنما جعله مملوكًا له كما في قوله هو لك يا
عبد بن زمعة واللام للتمليك ويؤيد ذلك ما في
آخر الحديث من أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم
لسودة بالاحتجاب منه ولو كان أخًا لها لم تؤمر
بالاحتجاب منه وما وقع في رواية احتجبي منه
فإنه ليس بأخ لك فقد أجيب عنه بأن اللام في
قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم هو لك للاختصاص
لا للتمليك ويؤيد ذلك ما في الرواية الأخرى
المذكورة بلفظ: هو أخوك يا عبد وبأن أمره
لسودة بالاحتجاب على سبيل الاحتياط والورع
والصيانة لأمهات المؤمنين لما رآه من الشبه
بعتبة بن أبي وقاص كما في حديث كيف وقد قيل.
قال ابن القيم بعد ذكر
هذا الجواب: أو يكون مراعاة للشيئين
وإعمالًا للدليلين فإن الفراش دليل لحوق النسب
والشبه بغير صاحبه دليل نفيه فأعمل أمر الفراش
بالنسبة إلى المدعي وأعمل الشبه بعتبة بالنسبة
إلى ثبوت المحرمية بينه وبين سودة وهذا من
أحسن الأحكام وأبينها وأوضحها ولا يمنع ثبوت
النسب من وجه دون وجه انتهى.
وأما الرواية التي فيها
احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك فقد طعن البيهقي
في إسنادها وقال فيها جرير وقد نسب في آخر
عمره إلى سوء الحفظ وفيها يوسف مولى آل الزبير
وهو غير معروف.
قوله: "اختصم سعد
وعبد بن زمعة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم" لم يذكر ما وقع فيه الاختصام
ولعل هذا اللفظ أحد الألفاظ التي روي بها
ج / 6 ص -281-
هذا الحديث وفي بقية الألفاظ في الصحيحين
وغيرهما التصريح بأن الاختصام وقع في غلام.
قوله "وقال عبد بن
زمعة" الخ فيه دليل على أنه يجوز لغير الأب
أن يستلحق الولد مثل استلحاق عبد بن زمعة للأخ
وكذلك للوصي الاستلحاق لأنه صلى اللّه عليه
وآله وسلم لم ينكر على سعد الدعوى المذكورة
وقد أجمع العلماء على أن للأب أن يستلحق
واختلفوا في الجد.
قوله: "فرأى شبهًا
بينًا بعتبة" سيأتي الكلام على العمل بالشبه
والقافة قريبًا.
قوله: "يعترف سيدها
أن قد ألم بها" فيه تقوية لمذهب الجمهور من
أنه لا يشترط في فراش الأمة الدعوة بل يكفي
مجرد ثبوت الفراش.
باب الشركاء
يطؤن الأمة في طهر واحد
1 - عن زيد بن أرقم
قال: "أتى أمير المؤمنين علي رضي اللّه
عنه وهو باليمن في ثلاثة وقعوا على امرأة في
طهر واحد فسأل اثنين فقال: أتقران لهذا
بالولد قالا: لا ثم سأل اثنين: أتقران
لهذا بالولد قالا: لا. فجعل كلما سأل
اثنين أتقران لهذا بالولد قالا لا فأقرع بينهم
فألحق الولد بالذي أصابته القرعة وجعل عليه
ثلثي الدية فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه
وآله وسلم فضحك حتى بدت نواجذه". رواه
الخمسة إلا الترمذي. ورواه النسائي وأبو
داود موقوفًا على علي بإسناد أجود من إسناد
المرفوع. وكذلك رواه الحميدي في مسنده وقال
فيه: "فأغرمه ثلثي قيمة الجارية
لصاحبيه". الحديث في إسناده يحيى بن عبد
اللّه الكندي المعروف بالأجلج.
قال المنذري: لا يحتج
بحديثه وقال في الخلاصة: وثقه يحيى بن معين
والعجلي.
وقال ابن عدي: يعد في
الشيعة مستقيم الحديث وضعفه النسائي قال
المنذري: ورواه بعضهم مرسلا وقال النسائي:
هذا صواب وقال الخطابي: وقد تكلم في إسناد
حديث زيد بن أرقم انتهى.
وقد رواه أبو داود من
طريقين الأولى من طريق عبد اللّه بن الخليل عن
زيد بن أرقم عنه والثانية من طريق عبد خير عن
زيد عنه قال المنذري: أما حديث عبد خير
فرجال إسناده ثقات غير أن الصواب فيه الإرسال
انتهى. وعلى هذا لم تخل كل واحدة من
الطريقين من علة فالأولى فيها الأجلج والثانية
معلولة بالإرسال والمراد بالإرسال ههنا الوقف
كما عبر عن ذلك المصنف لا ما هو الشائع في
الاصطلاح من أنه قول التابعي قال رسول اللّه
صلى اللّه عليه وآله وسلم. والحديث يدل على
أن الابن لا يلحق بأكثر من أب واحد قاله
الخطابي وقال أيضًا وفيه إثبات القرعة في
إلحاق الولد انتهى.
وقد أخذ بالقرعة مطلقًا
مالك والشافعي وأحمد والجمهور حكى ذلك عنهم
ابن رسلان في كتاب العتق من شرح سنن أبي داود
وقد ورد العمل بها في مواضع منها في إلحاق
الولد ومنها في الرجل الذي أعتق ستة أعبد
فجزأهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم كما في حديث عمران بن
حصين عند مسلم وأبي داود والنسائي والترمذي
وابن
ج / 6 ص -282-
ماجه. ومنها في تعيين المرأة من نسائه
التي يريد أن يسافر بها كما في حديث عائشة عند
البخاري ومسلم وهكذا ثبت اعتبار القرعة في
الشيء الذي وقع فيه التداعي إذا تساوت
البينتان وفي قسمة المواريث مع الالتباس لأجل
إفراز الحصص بها وفي مواضع أخر فمن العلماء من
اعتبر القرعة في جميعها ومنهم من اعتبرها في
بعضها وممن قال بظاهر حديث الباب إسحاق بن
راهويه وقال هذه السنة في دعوى الولد حكى ذلك
عنه الخطابي وقال: إنه كان الشافعي يقول به
في القديم وقيل لأحمد في حديث زيد بن أرقم هذا
فقال حديث القافة أحب إلي وسيأتي قريبًا ويأتي
الكلام على الجمع بينهما وقد قال بعضهم: إن
حديث القرعة منسوخ وقال المقبلي في الأبحاث:
إن حديث الإلحاق بالقرعة إنما يكون بعد انسداد
الطرق الشرعية انتهى.
ومن المخالفين في اعتبار
القرعة الحنفية وكذلك الهادوية وقالوا إذا وطئ
الشركاء الأمة المشتركة في طهر واحد وجاءت
بولد وادعوه جميعًا ولا مرجح للإلحاق بأحدهم
كان الولد ابنًا لهم جميعًا يرث كل واحد منهم
ميراث ابن كامل ومجموعهم أب يرثونه ميراث أب
واحد.
باب الحجة في
العمل بالقافة
1 - عن عائشة قالت:
"أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
دخل عليَّ مسرورًا تبرق أسارير وجهه فقال:
ألم تري أن مجززًا نظر آنفًا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال:
إن هذه الأقدام بعضها من بعض".
رواه الجماعة.
وفي لفظ أبي داود وابن
ماجه ورواية لمسلم والنسائي والترمذي: "ألم تري أن مجززًا المدلجي رأى زيدًا وأسامة قد
غطيا رؤوسهما بقطيفة وبدت أقدامهما فقال: إن
هذه الأقدام بعضها من بعض".
وفي لفظ: "قالت:
دخل قائف والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
شاهد وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان
فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض فسر بذلك
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأعجبه وأخبر
به عائشة" متفق عليه. قال أبو داود:
"كان أسامة أسود وكان زيد أبيض".
قوله: "تبرق
أسارير" الأسارير جمع سرر أو سرارة بفتح
أولهما ويضمان وهما في الأصل خطوط الكف كما في
القاموس أطلق على ما يظهر على وجه من سره أمر
من الإضاءة والبريق.
قوله: "أن مجززًا"
هو بضم الميم وفتح الجيم الزاي الأولى اسم
فاعل من الجز لأنه جز نواصي قوم هكذا قيده
جماعة من الأئمة وذكر الدارقطني وعبد الغني عن
ابن جريج أنه محرز بالحاء المهملة بعدها راء
ثم زاي على صيغة اسم الفاعل.
قال الخطابي: في هذا
الحديث دليل على ثبوت العمل بالقافة وصحة
الحكم بقولهم في إلحاق الولد وذلك لأن رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يظهر
السرور إلا
ج / 6 ص -283-
بما هو حق عنده وكان الناس قد ارتابوا في
زيد بن حارثة وابنه أسامة وكان زيد أبيض
وأسامة أسود كما وقع في الرواية المذكورة
فتمارى الناس في ذلك وتكلموا بقول كان يسوء
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فلما سمع
قول المدلجي فرح به وسرى عنه وقد أثبت الحكم
بالقافة عمر بن الخطاب وابن عباس وعطاء
والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وذهبت العترة
والحنفية إلى أنه لا يعمل بقول القائف بل يحكم
بالولد الذي ادعاه اثنان لهما.
واحتج لهم صاحب البحر
بحديث الولد للفراش وقد تقدم. ووجه
الاستدلال به أن تعريف المسند إليه واللام
الداخلة على المسند للاختصاص يفيدان الحصر
ويجاب بأن حديث الباب بعد تسليم الحصر المدعى
مخصص لعمومه فيثبت به النسب في مثل الأمة
المشتركة إذا وطئها المالكون لها وروي عن
الإمام يحيى أن حديث القافة منسوخ ويجاب بأن
الأصل عدم النسخ ومجرد دعواه بلا برهان كما لا
ينفع المدعي لا يضر خصمه.
وأما ما قيل من أن حديث
مجزز لا حجة فيه لأنه إنما يعرف القائف بزعمه
أن هذا الشخص من ماء ذاك لا أنه طريق شرعي فلا
يعرف إلا بالشرع فيجاب بأن في استبشاره صلى
اللّه عليه وآله وسلم من التقرير ما لا يخالف
فيه مخالف ولو كان مثل ذلك لا يجوز في الشرع
لقال له إن ذلك لا يجوز لا يقال إن أسامة قد
ثبت فراش أبيه شرعًا وإنما لما وقعت القالة
بسبب اختلاف اللون وكان قول المدلجي المذكور
دافعًا لها لاعتقادهم فيه الإصابة وصدق
المعرفة استبشر صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك
فلا يصح التعلق بمثل هذا التقرير على إثبات
أصل النسب لأنا نقول لو كانت القافة لا يجوز
العمل بها إلا في مثل هذه المنفعة مع مثل
أولئك الذين قالوا مقالة السوء لما قرره صلى
اللّه عليه وآله وسلم على قوله "هذه الأقدام
بعضها من بعض" وهو في قوة هذا ابن هذا فإن
ظاهره أنه تقرير للإلحاق بالقافة مطلقًا لا
إلزام للخصم بما يعتقده. ولا سيما والنبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم لم ينقل عنه إنكار
كونها طريقًا يثبت بها النسب حتى يكون تقريره
لذلك من باب التقرير على مضي كافر إلى كنيسة
ونحوه مما عرف منه صلى اللّه عليه وآله وسلم
إنكاره قبل السكوت عنه ومن الأدلة المقوية
للعمل بالقافة حديث الملاعنة المتقدم حيث أخبر
صلى اللّه عليه وآله وسلم بأنها إن جاءت به
على كذا فهو لفلان وإن جاءت به على كذا فهو
لفلان فإن ذلك يدل على اعتبار المشابهة لا
يقال لو كان ذلك معتبرًا لما لاعن بعد أن جاءت
بالولد مشابهًا لأحد الرجال وتبين له صلى
اللّه عليه وآله وسلم ذلك حتى قال
"لولا الأيمان لكان لي ولها شأن" لأنا نقول إن النسب كان ثابتًا بالفراش وهو أقوى ما يثبت به فلا
تعارضه القافة لأنها إنما تعتبر مع الاحتمال
فقط ولا سيما بعد وجود الأيمان التي شرعها
اللّه تعالى بين المتلاعنين ولم يشرع في
اللعان غيرها ولهذا جعلها صلى اللّه عليه وآله
وسلم مانعة من العمل بالقافة وفي ذلك إشعار
بأنه يعمل بقول القائف مع عدمها.
ومن المؤيدات للعمل
بالقافة ما تقدم من جوابه صلى اللّه عليه وآله
وسلم على أم سليم حيث قالت: أو تحتلم المرأة
فقال:
"فيم يكون الشبه"
وقال:
"إن ماء الرجل إذا سبق ماء المرأة كان الشبه له" الحديث المتقدم لا يقال إن بيان سبب الشبه لا يدل على اعتباره في
الإلحاق لأنا نقول إن إخباره صلى اللّه عليه
وآله وسلم بذلك يستلزم أنه مناط شرعي وإلا لما
كان للإخبار
ج / 6 ص -284-
فائدة يعتد بها وأما عدم تمكينه صلى اللّه عليه وآله وسلم لمن ذكر له أن
ولده أسود من اللعان كما تقدم فلمخالفته لما
يقتضيه الفراش الذي لا يعارضه العمل بالشبه
إذا تقرر هذا فاعلم أنه لا معارضة بين حديث
العمل بالقافة وحديث العمل بالقرعة الذي تقدم
لأن كل واحد منهما دل على أن ما اشتمل عليه
طريق شرعي فأيهما حصل وقع به الإلحاق فإن حصلا
معًا فمع الاتفاق لا إشكال ومع الاختلاف
الظاهر أن الاعتبار بالأول منهما لأنه طريق
شرعي يثبت به الحكم ولا ينقضه طريق آخر يحصل
بعده.
قوله: "دخل قائف"
قال في القاموس: والقائف من يعرف الآثار
الجمع قافة وقاف أثره تبعه كقفاه واقتفاه
انتهى.
باب حد القذف
1 - عن عائشة قالت:
"لما أنزل عذري قام رسول اللّه صلى اللّه
عليه وآله وسلم على المنبر فذكر ذلك وتلا
القرآن فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا
أحدهم". رواه الخمسة إلا النسائي.
2 - وعن أبي هريرة
قال: "سمعت أبا القاسم صلى اللّه عليه
وآله وسلم يقول:
من قذف مملوكه يقام عليه الحد يوم القيامة إلا
أن يكون كما قال".
متفق عليه.
3 - وعن أبي الزناد أنه
قال: "جلد عمر بن عبد العزيز عبدًا في
فرية ثمانين قال أبو الزناد: فسألت عبد
اللّه بن عامر بن ربيعة عن ذلك فقال: أدركت
عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والخلفاء هلم
جرا فما رأيت أحدًا جلد عبدًا في فرية أكثر من
أربعين". رواه مالك في الموطأ عنه.
حديث عائشة حسنه الترمذي
وقال: لا يعرف إلا من حديث محمد بن إسحاق
قال المنذري: وقد أسنده ابن إسحاق مرة
وأرسله أخرى انتهى. وقد عنعن ههنا وقد قدمنا
أنه لا يحتج بعنعنته لتدليسه. وقد أشار إلى
الحديث البخاري في صحيحه. والأثر الذي رواه
أبو الزناد عن عبد اللّه بن عامر بن ربيعة
أخرجه أيضًا البيهقي ورواه أيضًا الثوري في
جامعه.
قوله: "لما أنزل
عذري" أي براءتي مما نسب إليَّ أهل الإفك.
والمراد بالمنزل قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالأِفْكِ عُصْبَةٌ} إلى قوله {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}
هكذا رواه ابن أبي حاتم والحاكم من مرسل سعيد
بن المسيب. وفي البخاري إلى قوله تعالى {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} وعن الزهري إلى قوله تعالى {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
قوله: "أمر برجلين
وامرأة" الرجلان حسان بن ثابت ومسطح والمرأة
حمنة بنت جحش. وأخرج الحاكم في الإكليل أن
من جملة من حده النبي صلى اللّه عليه وآله
وسلم في قصة الإفك عبد اللّه بن أبيّ رأس
المنافقين.
والحديث يرد على
الماوردي حيث قال: إن النبي صلى اللّه عليه
وآله وسلم لم يحد قذفة عائشة ولا مستند
ج / 6 ص -285-
له إلا توهم أن الحد إنما يثبت بالبينة أو
الإقرار وغفل عن النص القرآني المصرح بكذبهم
وصحة الكذب تستلزم ثبوت الحد.
وقد أجمع العلماء على
ثبوت حد القذف وأجمعوا أيضًا على أن حده
ثمانون جلدة لنص القرآن الكريم بذلك.
واختلفوا هل ينصف الحد للعبد أم لا فذهب
الأكثر إلى الأول. وذهب ابن مسعود والليث
والزهري والأوزاعي وعمر بن عبد العزيز وابن
حزم إلى أنه لا ينصف لعموم الآية. وأجاب
الأولون بأن العبد مخصص من ذلك العموم بالقياس
على حد الزنا ويؤيده فعل أكابر الصحابة رضي
اللّه عنهم وقد تعقب القياس المذكور بأن حد
الزنا إنما نصف ففي العبد لعدم أهليته للعفة
وحيلولة الملك بينه وبين التحصن بخلاف الحر
وبأن القذف حق لآدمي وهو أغلظ واعلم أنه لا
فرق بين قاذف الرجل والمرأة في وجوب حد القذف
عليه. ولا يعرف في ذلك خلاف بين أهل العلم
وقد نازع الجلال في وجوبه على قاذف الرجل
واستدل على عدم الوجوب بما تقدم عنه صلى اللّه
عليه وآله وسلم في اللعان أنه لم يحد هلال بن
أمية لقذفه شريك بن سحماء ولم يحد أهل الإفك
إلا لعائشة فقط لا لصفوان بن المعطل ولو كان
يجب على قاذف الرجل لحد أهل الإفك حدين. وقد
أطال الكلام على ذلك في ضوء النهار والبسط
ههنا يقود إلى تطويل يخرج عن المقصود.
قوله: "يقام عليه
الحد يوم القيامة" فيه دليل على أنه لا يحد
من قذف عبده لأن تعليق إيقاع الحد عليه بيوم
القيامة مشعر بذلك. وقد ذهب الجمهور إلى أنه
لا يحد قاذف العبد مطلقًا. وحكى صاحب البحر
عن داود أنه يحد. وأجاب عليه بأنه مخالف
للإجماع وذهب الجمهور أيضًا إلى أنه لا يحد
قاذف أم الولد إلحاقًا لها بالقن. وقال
مالك: يحد مطلقًا. وقال محمد: يحد إن
كان معها ولد. ولعل مالكًا يجعل المحصنات
المذكورات في الآية هن العفائف لا الحرائر.
باب من أقر
بالزنا بامرأة لا يكون قاذفًا لها
1 - عن نعيم بن هزال
قال: "كان ماعز بن مالك يتيمًا في حجر أبي
فأصاب جارية من الحي فقال له أبي: ائت رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبره بما
صنعت لعله يستغفر لك فأتاه فقال: يا رسول
اللّه إني زنيت فأقم عليَّ كتاب اللّه فأعرض
عنه فعاد فقال: يا رسول اللّه إني زنيت فأقم
عليَّ كتاب اللّه فأعرض عنه ثم أتاه الثالثة
فقال: يا رسول اللّه إني زنيت فأقم عليَّ
كتاب اللّه ثم أتاه الرابعة فقال: يا رسول
اللّه إني زنيت فأقم عليَّ كتاب اللّه فقال
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم:
إنك قد قلتها أربع مرات فبمن
قال: بفلانة قال:
ضاجعتها
قال: نعم قال:
جامعتها
قال: نعم فأمر به أن يرجم فخرج به إلى الحرة
فلما رجم فوجد مس الحجارة جزع
ج / 6 ص -286-
فخرج يشتد فلقيه عبد اللّه بن أنيس وقد أعجز
أصحابه فنزع بوظيف بعير فرماه به فقتله ثم أتى
النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكر ذلك له
فقال:
هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب اللّه عليه".
رواه أحمد وأبو داود.
الحديث سكت عنه أبو داود
والمنذري وحسنه الحافظ وفي صحبة نعيم بن هزال
خلاف
وروى أبو داود من طريق
محمد بن إسحاق قال: ذكرت لعاصم بن قتادة قصة
ماعز بن مالك فقال لي حدثني حسن بن محمد بن
علي بن أبي طالب قال حدثني ذلك من قول رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: "فهلا تركتموه
من شئتم من رجال أسلم ممن لا أتهم قال: ولا
أعرف الحديث قال: فجئت جابر بن عبد اللّه
فقلت: إن رجالا من أسلم يحدثون أن رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لهم حين
ذكروا له جزع ماعز من الحجارة حين أصابته
ألا تركتموه وما أعرف الحديث قال: يا ابن أخي أنا أعلم الناس بهذا الحديث كنت
فيمن رجم الرجل إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد
مس الحجارة صرخ بنا يا قوم ردوني إلى رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فإن قومي
قتلوني وغروني من نفسي وأخبروني أن رسول اللّه
صلى اللّه عليه وآله وسلم غير قاتلي فلم ننزع
عنه حتى قتلناه فلما رجعنا إلى رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم وأخبرناه قال
فهلا تركتموه وجثتموني به
ليستثبت رسول اللّه منه فأما لترك حد فلا قال فعرفت وجه الحديث"
وأخرجه النسائي وفي إسناده محمد بن إسحاق وقد
اتفق الشيخان على طرف من هذا الحديث وسيأتي
الكلام على حديث ماعز هذا في أبواب حد الزاني
إن شاء اللّه تعالى وإنما أورده المصنف ههنا
للاستدلال به على أنه لا يلزم من أقر بالزنا
حد القذف إذا قال زنيت بفلانة لأن النبي صلى
اللّه عليه وآله وسلم طلب منه تعيين من زنى
بها فعينها ثم لم يحد للقذف وإلى ذلك ذهبت
الشافعية والحنفية والهادوية وقال مالك يحد
والحديث يرد عليه وسيأتي تمام الكلام وتحقيق
ما هو الحق في باب من أقر أنه زنى بامرأة
فجحدت من أبواب الحدود.
قوله: "بوظيف"
بفتح الواو وكسر الظاء المعجمة ثم ياء تحتية
ساكنة بعدها فاء وهو دقيق الساق من الجمال
والخيل وفي النهاية خف الجمل هو الوظيف وسيأتي
في باب ما يذكر في الرجوع عن الإقرار من حديث
أبي هريرة بلفظ: "فر يشتد حتى مر برجل معه
لحي جمل فضربه به وضربه الناس حتى مات". |