نيل
الأوطار ط دار الحديث [أَبْوَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ]
[بَابُ الْوُضُوءِ بِالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلِ]
قَوْلُهُ: (لَا يَقْبَلُ) الْمُرَادُ بِالْقَبُولِ هُنَا
وُقُوعُ الطَّاعَةِ مُجْزِئَةً رَافِعَةً لِمَا فِي
الذِّمَّةِ وَهُوَ مَعْنَى الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهَا
تُرَتِّبُ الْآثَارَ أَوْ سُقُوطَ الْقَضَاءِ عَلَى
الْخِلَافِ. وَتَرَتُّبُ الْآثَارِ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ،
وَلَمَّا كَانَ الْإِتْيَانُ بِشُرُوطِ الطَّاعَةِ
مَظِنَّةَ إجْزَائِهَا وَكَانَ الْقَبُولُ مِنْ
ثَمَرَاتِهِ عَبَّرَ عَنْهُ بِهِ مَجَازًا. فَالْمُرَادُ
بِلَا تُقْبَل: لَا تُجْزِئُ. قَالَ الْحَافِظُ فِي
الْفَتْحِ: وَأَمَّا الْقَبُولُ الْمَنْفِيُّ فِي مِثْلِ
قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ
أَتَى عَرَّافًا لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ» فَهُوَ
الْحَقِيقِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِحُّ الْعَمَلُ
وَيَتَخَلَّفُ الْقَبُولُ لِمَانِعٍ وَلِهَذَا كَانَ
بَعْضُ السَّلَفِ يَقُولُ: لَأَنْ تُقْبَلَ لِي صَلَاةٌ
وَاحِدَةٌ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ جَمِيعِ الدُّنْيَا قَالَهُ
ابْنُ عُمَرَ، قَالَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ
{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}
[المائدة: 27] وَمَنْ فَسَّرَ الْإِجْزَاءَ بِمُطَابَقَةِ
الْأَمْرِ وَالْقَبُولَ بِتَرَتُّبِ الثَّوَابِ لَمْ
يَتِمَّ لَهُ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ عَلَى نَفْيِ
الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ أَخَصُّ مِنْ الصِّحَّةِ،
عَلَى هَذَا فَكُلُّ مَقْبُولٍ صَحِيحٌ وَلَيْسَ كُلُّ
صَحِيحٍ مَقْبُولًا.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إلَّا أَنْ يُقَالَ: دَلَّ
الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ الْقَبُولِ مِنْ لَوَازِمِ
الصِّحَّةِ، فَإِذَا انْتَفَى
(1/235)
بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ الْخَارِجِ
النَّجِسِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ
239 - (عَنْ مَعْدَانُ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَاءَ فَتَوَضَّأَ فَلَقِيت ثَوْبَانَ فِي
مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: صَدَقَ
أَنَا صَبَبْت لَهُ وَضُوءَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا
الْبَابِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
انْتَفَتْ فَيَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِنَفْيِ الْقَبُولِ
عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ، وَيَحْتَاجُ فِي الْأَحَادِيثِ
الَّتِي نَفَى عَنْهَا الْقَبُولَ مَعَ بَقَاءِ الصِّحَّةِ
كَحَدِيثِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا
بِخِمَارٍ» عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ.
وَحَدِيثُ «إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ
صَلَاةٌ» عِنْدَ مُسْلِمٍ.
وَحَدِيثُ (مَنْ أَتَى عَرَّافًا) عِنْدَ أَحْمَدَ
وَالْبُخَارِيِّ. وَفِي شَارِبِ الْخَمْرِ عِنْدَ
الطَّبَرَانِيِّ إلَى تَأْوِيلٍ أَوْ تَخْرِيجِ جَوَابٍ،
قَالَ عَلَى أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى مَنْ فَسَّرَ الْقَبُولَ
بِكَوْنِ الْعِبَادَةِ مُثَابًا عَلَيْهَا أَوْ
مَرْضِيَّةً أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إذَا كَانَ
مَقْصُودُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ نَفَى
الْقَبُولَ نَفْيُ الصِّحَّةِ أَنْ يُقَالَ: الْقَوَاعِدُ
الشَّرْعِيَّةُ أَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا أَتَى بِهَا
مُطَابِقَةً لِلْأَمْرِ كَانَ سَبَبًا لِلثَّوَابِ
وَالدَّرَجَاتِ وَالْإِجْزَاءِ وَالظَّوَاهِرُ فِي ذَلِكَ
لَا تُحْصَى. قَوْلُهُ: (إذَا أَحْدَثَ) الْمُرَادُ
بِالْحَدَثِ الْخَارِجُ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ،
وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِأَخَصَّ مِنْ
ذَلِكَ تَنْبِيهًا بِالْأَخَفِّ عَلَى الْأَغْلَظِ
وَلِأَنَّهُمَا قَدْ يَقَعَانِ فِي الصَّلَاةِ أَكْثَرُ
مِنْ غَيْرِهِمَا وَهَذَا أَحَدُ مَعَانِي الْحَدَثِ.
الثَّانِي: خُرُوجُ ذَلِكَ الْخَارِجِ. الثَّالِثُ: مَنَعَ
الشَّارِعُ مِنْ قُرْبَانِ الْعِبَادَةِ الْمُرَتَّبِ
عَلَى ذَلِكَ الْخُرُوجِ. وَإِنَّمَا كَانَ الْأَوَّلُ
هُوَ الْمُرَادُ هُنَا لِتَفْسِيرِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَهُ
بِنَفْسِ الْخَارِجِ لَا بِالْخُرُوجِ وَلَا بِالْمَنْعِ.
وَالْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَا عَدَا
الْخَارِجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ كَالْقَيْءِ
وَالْحِجَامَةِ وَلَمْسِ الذَّكَرِ غَيْرُ نَاقِضٍ،
وَلَكِنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِتَفْسِيرِ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى خِلَافٍ فِي الْأُصُولِ.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ
لِكُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْيَ الْقَبُولِ
مُمْتَدًّا إلَى غَايَةٍ هِيَ الْوُضُوءُ وَمَا بَعْدَ
الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا فَيَقْتَضِي ذَلِكَ
قَبُولَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوُضُوءِ مُطْلَقًا
وَتَدْخُلُ تَحْتَهُ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ قَبْلَ
الْوُضُوءِ لَهَا ثَانِيًا قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ
الْعِيدِ.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْحَدَثِ
سَوَاءٌ كَانَ خُرُوجُهُ اخْتِيَارِيًّا أَوْ
اضْطِرَارِيًّا. قَوْلُهُ: (وَفِي حَدِيثِ صَفْوَانَ)
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَهُنَا لِمُطَابَقَتِهِ
لِلتَّرْجَمَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْبَوْلِ
وَالْغَائِطِ، وَذَكَرَهُ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ
النَّوْمِ لِمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ النَّوْمِ.
[بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ الْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِ
السَّبِيلَيْنِ]
الْحَدِيثُ هُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ
الثَّلَاثِ وَابْنِ الْجَارُودِ وَابْنِ حِبَّانَ
وَالدَّارَقُطْنِيّ
(1/236)
240 - (وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ
عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ أَوْ
مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ
عَلَى صَلَاتِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ»
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ
الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ جُرَيْجٍ يَرْوُونَهُ
عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
وَالْبَيْهَقِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ وَابْنِ مَنْدَهْ
وَالْحَاكِمِ بِلَفْظِ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاءَ فَأَفْطَرَ قَالَ
مَعْدَانُ: فَلَقِيت ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ
فَقُلْت لَهُ: إنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ أَخْبَرَنِي
فَذَكَرَهُ، فَقَالَ: صَدَقَ أَنَا صَبَبْت عَلَيْهِ
وَضُوءَهُ» قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ
مُتَّصِلٌ وَتَرَكَهُ الشَّيْخَانِ لِاخْتِلَافٍ فِي
إسْنَادِهِ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: جَوَّدَهُ حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ،
وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ
ذَكَرِهِ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِي إسْنَادِهِ
فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَيْءِ عَامِدًا
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إسْنَادُهُ مُضْطَرِبٌ، وَلَا
تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ وَهُوَ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ
الْمُصَنِّفُ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ وَالتَّيْسِيرِ
مَنْسُوبًا إلَى أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ،
وَالْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْقَيْءَ مِنْ
نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ
الْعِتْرَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَقَيَّدَهُ
بِقُيُودٍ.
الْأَوَّلُ: كَوْنُهُ مِنْ الْمَعِدَةِ. الثَّانِي:
كَوْنُهُ مِلْءَ الْفَمِ. الثَّالِثُ: كَوْنُهُ دَفْعَةً
وَاحِدَةً. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ
وَالنَّاصِرُ وَالْبَاقِرُ وَالصَّادِقُ إلَى أَنَّهُ
غَيْرُ نَاقِضٍ، وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ
الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَيُرَدَّ
بِأَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ
وَهُوَ فِيهَا لِغَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَغَسْلُ
بَعْضِهَا مَجَازٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا
بِعَلَاقَةٍ وَقَرِينَةٍ، قَالُوا: الْقَرِينَةُ أَنَّهُ
اسْتِقَاءَ بِيَدِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ
وَالْعَلَاقَةُ ظَاهِرَةٌ. وَأَجَابُوا أَيْضًا بِأَنَّهُ
فِعْلٌ وَهُوَ لَا يَنْتَهِضُ عَلَى الْوُجُوبِ.
وَاسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ أَيْضًا بِحَدِيثِ إسْمَاعِيلَ
بْنِ عَيَّاشٍ الْآتِي بَعْدَ هَذَا، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ
لَا يَصْلُح لِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَقَال الَّذِي
سَيَذْكُرُهُ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا فِي كُتُبِ
الْأَئِمَّةِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ: «الْوُضُوءُ كَتَبَهُ
اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ الْحَدَثِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ مِنْ سَبْعٍ وَفِيهَا
وَدَفْعَةٌ تَمْلَأُ الْفَمَ» قَالُوا: مُعَارَضٌ بِمَا
فِي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ أَيْضًا فِي الِانْتِصَار
وَالْبَحْر وَغَيْرهمَا مِنْ حَدِيث ثَوْبَانِ قَالَ:
«قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلْ يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ
الْقَيْءِ؟ قَالَ: لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَوَجَدْته فِي
كِتَابِ اللَّهِ» قَالَ فِي الْبَحْرِ: قُلْنَا: مَفْهُومٌ
وَحَدِيثُنَا مَنْطُوقٌ وَلَعَلَّهُ مُتَقَدِّمٌ انْتَهَى.
وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ لَا يُفِيدُ
إلَّا بَعْدَ تَصْحِيحِ الْحَدِيثِ وَالْجَوَابُ الثَّانِي
مِنْ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي لَا تَقَعُ لِمُنْصِفٍ لَا
مُتَيَقِّظٍ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ
مِثْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَهِيَ غَيْرُ نَافِقَةٍ فِي
أَسْوَاقِ الْمُنَاظَرَةِ وَقَدْ كَثُرَتْ أَمْثَالُ
هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ.
240 - (وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ
جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَصَابَهُ
قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ أَوْ مَذْيٌ
فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى
صَلَاتِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ» رَوَاهُ
ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ الْحُفَّاظُ
مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ جُرَيْجٍ يَرْوُونَهُ عَنْ ابْنِ
جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا) .
(1/237)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
الْحَدِيثُ أَعَلَّهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ مِنْ
رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ
وَهُوَ حِجَازِيٌّ وَرِوَايَةُ إسْمَاعِيلَ عَنْ
الْحِجَازِيِّينَ ضَعِيفَةٌ، وَقَدْ خَالَفَهُ الْحُفَّاظُ
مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ جُرَيْجٍ فَرَوَوْهُ مُرْسَلًا كَمَا
قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَصَحَّحَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ
الْمُرْسَلَةَ الذُّهْلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي
الْعِلَلِ وَأَبُو حَاتِمٍ وَقَالَ، رِوَايَةُ إسْمَاعِيلَ
خَطَأٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: حَدِيثٌ ضَعِيفٌ. وَقَالَ
أَحْمَدُ: الصَّوَابُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ
عَيَّاشٍ أَيْضًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ وَعَبَّادِ
بْنِ كَثِيرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ،
وَقَالَ بَعْدَهُ: عَطَاءٌ وَعَبَّادٌ ضَعِيفَانِ. وَقَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: الصَّوَابُ إرْسَالُهُ، وَقَدْ رَفَعَهُ
أَيْضًا سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ
الدَّارَقُطْنِيّ وَابْنِ عَدِيٍّ وَالطَّبَرَانِيِّ
بِلَفْظِ «إذَا رَعَفَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ
فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَغْسِلْ عَنْهُ الدَّمَ ثُمَّ
لِيُعِدْ وُضُوءَهُ وَلْيَسْتَقْبِلْ صَلَاتَهُ» قَالَ
الْحَافِظُ: وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ
مَتْرُوكٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ
بِلَفْظِ: «إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ أَوْ رَعَفَ وَهُوَ فِي
الصَّلَاةِ أَوْ أَحْدَثَ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ
ثُمَّ لِيَجِئْ فَلْيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى» وَفِيهِ أَبُو
بَكْرٍ الزَّاهِرِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، رَوَاهُ عَبْدُ
الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ
وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ قَالَهُ الْحَافِظُ، وَعَنْ
سَلْمَانَ نَحْوَهُ.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ
(أَنَّهُ كَانَ إذَا رَعَفَ رَجَعَ فَتَوَضَّأَ وَلَمْ
يَتَكَلَّمْ ثُمَّ يَرْجِعُ وَيَبْنِي) وَرَوَى
الشَّافِعِيُّ مِنْ قَوْلِهِ نَحْوَهُ قَوْلُهُ: (قَلَسٌ)
هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ وَيُرْوَى بِسُكُونِهَا
قَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ مَا خَرَجَ مِنْ الْحَلْقِ مِلْءَ
الْفَمِ أَوْ دُونَهُ وَلَيْسَ بِقَيْءٍ وَإِنْ عَادَ
فَهُوَ الْقَيْءُ، وَفِي النِّهَايَةِ الْقَلَسُ: مَا
خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ كَلَامِ
الْخَلِيلِ. وَالْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ
الْقَيْءَ وَالرُّعَافَ وَالْقَلَسَ وَالْمَذْيَ نَوَاقِضُ
لِلْوُضُوءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي
الْقَيْءِ وَالْخِلَافُ فِي الْقَلَسِ مِثْلُهُ، وَأَمَّا
الرُّعَافُ فَهُوَ نَاقِضٌ لِلْوَضُوءِ، وَقَدْ ذَهَبَ
إلَى أَنَّ الدَّمَ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ
الْقَاسِمِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ
وَقَيَّدُوهُ بِالسَّيَلَانِ، وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَالنَّاصِرُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي
أَوْفَى وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَابْنُ
الْمُسَيِّبِ وَمَكْحُولٌ وَرَبِيعَةُ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ
نَاقِضٍ.
اسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَرُدَّ
بِأَنَّ فِيهِ الْمَقَالَ الْمَذْكُورَ وَاسْتَدَلُّوا
بِحَدِيثِ (بَلْ مِنْ سَبْعٍ) الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي
الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَمْ
يَثْبُتْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ
الْمُعْتَبَرِينَ، وَبِالْمُعَارَضَةِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ
الَّذِي سَيَأْتِي، وَأُجِيبُ بِأَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ
حِكَايَةُ فِعْلٍ فَلَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ، وَلَكِنْ
هَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ وَلَمْ
يَصِحَّ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ
أَوْ رِيحٍ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ.
وَقَدْ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى إخْرَاجِ مَعْنَاهُ
مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَرَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ
(1/238)
241 - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «احْتَجَمَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى غَسْلِ
مَحَاجِمِهِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ خَبَّابُ بِلَفْظِ: «لَا
وُضُوءَ إلَّا مِنْ رِيحٍ أَوْ سَمَاعٍ» وَقَالَ ابْنُ
أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْت أَبِي، وَذَكَرَ حَدِيثَ شُعْبَةَ
عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا «لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ»
فَقَالَ أَبِي: هَذَا وَهْمٌ اخْتَصَرَ شُعْبَةُ مِنْ
الْحَدِيثِ، وَقَالَ: (لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ
رِيحٍ) وَرَوَاهُ أَصْحَابُ سُهَيْلٍ بِلَفْظِ: «إذَا
كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَدَ رِيحًا مِنْ
نَفْسِهِ فَلَا يَخْرُجْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ
يَجِدَ رِيحًا» وَشُعْبَةُ إمَامٌ حَافِظٌ وَاسِعُ
الرِّوَايَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا اللَّفْظُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ
الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْحَصْرِ وَدِينُهُ وَإِمَامَتُهُ
وَمَعْرِفَتُهُ بِلِسَانِ الْعَرَبِ يَرُدُّ مَا ذَكَرَهُ
أَبُو حَاتِمٍ، فَالْوَاجِبُ الْبَقَاءُ عَلَى
الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ الْمُعْتَضَدَةِ بِهَذِهِ
الْكُلِّيَّةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ،
فَلَا يُصَارُ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الدَّمَ أَوْ
الْقَيْءَ نَاقِضٌ إلَّا لِدَلِيلٍ نَاهِضٍ، وَالْجَزْمُ
بِالْوُجُوبِ قَبْلَ صِحَّةِ الْمُسْتَنَدِ كَالْجَزْمِ
بِالتَّحْرِيمِ قَبْلَ صِحَّةِ النَّقْلِ وَالْكُلُّ مِنْ
التَّقَوُّلِ عَلَى اللَّهِ بِمَا لَمْ يَقُلْ، وَمِنْ
الْمُؤَيِّدَاتِ لِمَا ذَكَرْنَا حَدِيثُ (أَنَّ عَبَّادَ
بْنَ بِشْرٍ أُصِيبَ بِسِهَامٍ وَهُوَ يُصَلِّي
فَاسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ) عِنْدَ الْبُخَارِيِّ
تَعْلِيقًا، وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَيَبْعُدُ
أَنْ لَا يَطَّلِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ
الْعَظِيمَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ
صَلَاتَهُ قَدْ بَطَلَتْ، وَأَمَّا الْمَذْيُ فَقَدْ
صَحَّتْ الْأَدِلَّةُ فِي إيجَابِهِ لِلْوُضُوءِ، وَقَدْ
أَسْلَفْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ. فِي بَابِ مَا جَاءَ
فِي الْمَذْيِ مِنْ أَبْوَابِ تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ،
وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا
تَفْسُدُ عَلَى الْمُصَلِّي إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ،
وَلَمْ يَتَعَمَّدْ خُرُوجَهُ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَمَالِكٌ.
وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَقَدِيمِ قَوْلَيْ
الشَّافِعِيِّ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ لِلْهَادِي
وَالنَّاصِرِ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ،
فَإِنْ تَعَمَّدَ خُرُوجَهُ فَإِجْمَاعٌ عَلَى أَنَّهُ
نَاقِضٌ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى النَّقْضِ بِحَدِيثِ: «إذَا
فَسَا أَحَدُكُمْ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ
وَلْيَسْتَأْنِفْ الصَّلَاةَ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد
وَلَعَلَّهُ يَأْتِي فِي الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَمَامُ تَحْقِيقِ الْبَحْثِ.
241 - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى وَلَمْ
يَتَوَضَّأْ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى غَسْلِ مَحَاجِمِهِ» .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) . الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَيْضًا
الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي إسْنَادِهِ
صَالِحُ بْنُ مُقَاتِلٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَادَّعَى ابْنُ
الْعَرَبِيِّ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ صَحَّحَهُ وَلَيْسَ
كَذَلِكَ بَلْ قَالَ عَقِبَهُ فِي السُّنَنِ: صَالِحُ بْنُ
مُقَاتِلٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ
فِي فَصْلِ الضَّعِيفِ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خُرُوجَ الدَّمِ لَا
يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ
عَلَيْهِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَقَدْ صَحَّ عَنْ جَمَاعَةٍ
مِنْ الصَّحَابَةِ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِنْ يَسِيرِ الدَّمِ
وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَنَسٍ
(1/239)
بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ لَا
الْيَسِيرِ مِنْهُ عَلَى إحْدَى حَالَاتِ الصَّلَاةِ
242 - (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: «كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ
خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ إلَّا
مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ»
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
عَلَيْهِ وَمَا قَبْلَهُ عَلَى الْكَثِيرِ الْفَاحِشِ
كَمَذْهَبِ أَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُ جَمْعًا بَيْنَهُمَا
انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْجَمْعَ مَا أَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا: «لَيْسَ فِي الْقَطْرَةِ وَلَا فِي
الْقَطْرَتَيْنِ مِنْ الدَّمِ وُضُوءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ
دَمًا سَائِلًا» وَلَكِنْ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ
بْنِ عَطِيَّةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. قَالَ الْحَافِظُ:
وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا
رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ
أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ (أَنَّهُ عَصَرَ بَثْرَةً
فِي وَجْهِهِ فَخَرَجَ شَيْءٌ مِنْ دَمِهِ فَحَكَّهُ
بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) .
وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْهُ أَيْضًا: «أَنَّهُ كَانَ إذَا احْتَجَمَ غَسَلَ
أَثَرَ الْمَحَاجِمِ» ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ لِابْنِ
حَجَرٍ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: (اغْسِلْ
أَثَرَ الْمَحَاجِمِ عَنْك وَحَسْبُك) رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ وَعَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ذَكَرَهُ
الشَّافِعِيُّ وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي
الْمَعْرِفَةِ وَكَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا.
وَعَنْ جَابِرٍ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَوَصَلَهُ ابْنُ
خُزَيْمَةَ وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ عَقِيلِ بْنِ
جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ وَذَكَرَ قِصَّةَ الرَّجُلَيْنِ
اللَّذَيْنِ حَرَسَا فَرُمِيَ أَحَدُهُمَا بِسِهَامٍ
وَهُوَ يُصَلِّي وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَعَقِيلُ بْنُ جَابِرٍ
قَالَ فِي الْمِيزَانِ: فِيهِ جَهَالَةٌ. قَالَ فِي
الْكَاشِفِ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَدْ
رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ الْحَافِظُ:
لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فَهَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةُ مِنْ
الصَّحَابَةِ هُمْ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ
عَرَفْت مَا هُوَ الْحَقُّ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الَّذِي
قَبْلَ هَذَا.
[بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ لَا الْيَسِيرِ مِنْهُ
عَلَى إحْدَى حَالَاتِ الصَّلَاةِ]
الْحَدِيثُ رُوِيَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرُوِيَ بِالشَّرْطِ
الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ: اشْتِرَاطِ
الطَّهَارَةِ قَبْلَ لُبْسِ الْخُفِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا
هُنَالِكَ أَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَاصِمِ بْنِ أَبِي
النَّجُودِ، وَقَدْ تَابَعَهُ جَمَاعَةٌ. وَمَعْنَى
قَوْلِهِ: «لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ» أَيْ لَكِنْ لَا
نَنْزِعُ خِفَافَنَا مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ. وَلَفْظُ
الْحَدِيثِ فِي بَابِ: اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ «وَلَا
نَخْلَعُهُمَا مِنْ غَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ وَلَا نَوْمٍ
وَلَا نَخْلَعُهُمَا إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ» فَذَكَرَ
الْأَحْدَاثَ الَّتِي يُنْزَعُ مِنْهَا الْخُفُّ،
وَالْأَحْدَاثُ الَّتِي لَا يُنْزَعُ مِنْهَا، وَعَدَّ
مِنْ جُمْلَتِهَا النَّوْمَ، فَأَشْعَرَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ
مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ لَا سِيَّمَا بَعْدَ جَعْلِهِ
مُقْتَرِنًا بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ اللَّذَيْنِ هُمَا
نَاقِضَانِ بِالْإِجْمَاعِ، وَبِالْحَدِيثِ اسْتَدَلَّ
مَنْ قَالَ: بِأَنَّ النَّوْمَ
(1/240)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
نَاقِضٌ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذَاهِبَ
ثَمَانِيَةٍ، ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ: أَنَّ النَّوْمَ لَا يَنْقُضُ
الْوُضُوءَ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ، قَالَ: وَهُوَ
مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَسَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَحُمَيْدَ
الْأَعْرَجِ، وَالشِّيعَةِ يَعْنِي الْإِمَامِيَّةَ،
وَزَادَ فِي الْبَحْرِ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ،
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي. الْمَذْهَبُ
الثَّانِي: أَنَّ النَّوْمَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِكُلِّ
حَالٍ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ
مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَأَبِي
عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ
رَاهْوَيْهِ: وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ لِلشَّافِعِيِّ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَبِهِ أَقُولُ، قَالَ: وَرُوِيَ
مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ،
وَنَسَبَهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْعِتْرَةِ إلَّا
أَنَّهُمْ يَسْتَثْنُونَ الْخَفْقَةَ وَالْخَفْقَتَيْنِ،
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ
وَمُعَاوِيَةَ وَسَيَأْتِيَانِ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ
«فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَلَمْ يُفَرِّقْ فِيهِ
بَيْنَ قَلِيلِ النَّوْمِ وَكَثِيرِهِ. الْمَذْهَبُ
الثَّالِثُ: أَنَّ كَثِيرَ النَّوْمِ يَنْقُضُ بِكُلِّ
حَالٍ وَقَلِيلَهُ لَا يَنْقُضُ بِكُلِّ حَالٍ، قَالَ
النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ
وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَنَسٍ
الْآتِي فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَلِيلِ،.
وَحَدِيثُ: «مَنْ اسْتَحَقَّ النَّوْمَ فَعَلَيْهِ
الْوُضُوءُ» عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ أَيْ اسْتَحَقَّ أَنْ
يُسَمَّى نَائِمًا، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْقَلِيلِ فِي هَذَا
الْمَذْهَبِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْخَفْقَةِ
وَالْخَفْقَتَيْنِ فَهُوَ غَيْرُ مَذْهَبِ الْعِتْرَةِ،
وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْخَفْقَةُ وَالْخَفْقَتَانِ فَهُوَ
مَذْهَبُهُمْ. الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: إذَا نَامَ عَلَى
هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ الْمُصَلِّي كَالرَّاكِعِ
وَالسَّاجِدِ وَالْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ لَا يَنْتَقِضُ
وُضُوءُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ،
وَإِنْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا عَلَى
قَفَاهُ انْتَقَضَ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا مَذْهَبُ
أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ
غَرِيبٌ.
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ «إذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي
سُجُودِهِ بَاهَى اللَّهُ بِهِ الْمَلَائِكَةَ» رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ، وَقَدْ ضُعِّفَ، وَقَاسُوا سَائِرَ
الْهَيْئَاتِ الَّتِي لِلْمُصَلِّي عَلَى السُّجُودِ.
الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ إلَّا
نَوْمُ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ. قَالَ النَّوَوِيُّ
وَرُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنْ أَحْمَدَ، وَلَعَلَّ وَجْهُهُ
أَنَّ هَيْئَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَظِنَّةٌ
لِلِانْتِقَاضِ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْمَذْهَبَ صَاحِبُ
الْبَدْرِ التَّمَامِ وَصَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ
بِلَفْظِ: (إنَّهُ يَنْقُضُ إلَّا نَوْمُ الرَّاكِعِ
وَالسَّاجِدِ) بِخَذْفِ لَا، وَاسْتَدَلَّا لَهُ
بِحَدِيثِ: «إذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي سُجُودِهِ» .
قَالَا: وَقَاسَ الرُّكُوعَ عَلَى السُّجُودِ، وَاَلَّذِي
فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ بِلَفْظِ: (إنَّهُ لَا
يَنْقُضُ) بِإِثْبَاتِ (لَا) فَلْيُنْظَرْ
(1/241)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
الْمَذْهَبُ السَّادِسُ: أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ إلَّا
نَوْمُ السَّاجِدِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: يُرْوَى أَيْضًا
عَنْ أَحْمَدَ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مَظِنَّةَ
الِانْتِقَاضِ فِي السُّجُودِ أَشَدُّ مِنْهَا فِي
الرُّكُوعِ.
الْمَذْهَبُ السَّابِعُ: أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ النَّوْمُ
فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ حَالٍ، وَيَنْقُضُ خَارِجَ
الصَّلَاةِ، وَنَسَبَهُ فِي الْبَحْرِ إلَى زَيْدِ بْنِ
عَلِيٍّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمَا
بِحَدِيثِ: «إذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي سُجُودِهِ»
وَلَعَلَّ سَائِرَ هَيْئَاتِ الْمُصَلِّي مُقَاسَةٌ عَلَى
السُّجُودِ. الْمَذْهَبُ الثَّامِنُ: أَنَّهُ إذَا نَامَ
جَالِسًا مُمَكِّنًا مَقْعَدَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ لَمْ
يُنْقَضْ، سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي
الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجِهَا، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَعِنْدَهُ أَنَّ النَّوْمَ
لَيْسَ حَدَثًا فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ
عَلَى خُرُوجِ الرِّيحِ، وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ
حَدِيثُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ
وَسَيَأْتِي وَهَذَا أَقْرَبُ الْمَذَاهِبِ عِنْدِي وَبِهِ
يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.
وَقَوْلُهُ: إنَّ النَّوْمَ لَيْسَ حَدَثًا فِي نَفْسِهِ
هُوَ الظَّاهِرُ. وَحَدِيثُ الْبَابِ وَإِنْ أَشْعَرَ
بِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ بِاعْتِبَارِ اقْتِرَانِهِ
بِمَا هُوَ حَدَثٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَخْفَى ضَعْفُ
دَلَالَةِ الِاقْتِرَانِ وَسُقُوطِهَا عَنْ الِاعْتِبَارِ
عِنْدَ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ، وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّ
النَّوْمَ مَظِنَّةُ اسْتِطْلَاقِ الْوِكَاءِ، كَمَا فِي
حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ، وَاسْتِرْخَاءُ الْمَفَاصِلِ كَمَا
فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُشْعِرٌ أَتَمَّ إشْعَارٍ
بِنَفْيِ كَوْنِهِ حَدَثًا فِي نَفْسِهِ. وَحَدِيثُ «إنَّ
الصَّحَابَةَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُونَ ثُمَّ
يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» مِنْ الْمُؤَيِّدَاتِ
لِذَلِكَ، وَيَبْعُدُ جَهْلُ الْجَمِيعِ مِنْهُمْ كَوْنُهُ
نَاقِضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُطْلَقَةَ
فِي النَّوْمِ تُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ
بِالِاضْطِجَاعِ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ
بِلَفْظِ الْحَصْرِ، وَالْمَقَالُ الَّذِي فِيهِ
مُنْجَبِرٌ بِمَا لَهُ مِنْ الطُّرُقِ وَالشَّوَاهِدِ
وَسَيَأْتِي.
وَمِنْ الْمُؤَيِّدَاتِ لِهَذَا الْجَمْعِ حَدِيثُ ابْنِ
عَبَّاسٍ الْآتِي بِلَفْظِ: «فَجَعَلْت إذَا أَغْفَيْت
يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي» وَحَدِيثُ: «إذَا نَامَ
الْعَبْدُ فِي صَلَاتِهِ بَاهَى اللَّهُ بِهِ
مَلَائِكَتَهُ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَابْنُ
شَاهِينَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْبَيْهَقِيُّ
مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَابْنُ شَاهِينَ أَيْضًا مِنْ
حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَفِي جَمِيعِ طُرُقِهِ مَقَالٌ.
وَحَدِيثُ: «مَنْ اسْتَحَقَّ النَّوْمَ وَجَبَ عَلَيْهِ
الْوُضُوءُ» عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَلَكِنَّهُ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: رَوَى ذَلِكَ مَرْفُوعًا وَلَا يَصِحُّ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَقْفُهُ أَصَحُّ، وَقَدْ
فَسَّرَ اسْتِحْقَاقَ النَّوْمِ بِوَضْعِ الْجَنْبِ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْأَقْوَالَ الثَّمَانِيَةَ الَّتِي
أَسْلَفْنَاهَا مَا لَفْظُهُ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ
زَوَالَ الْعَقْلِ بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ
وَالسُّكْرِ بِالْخَمْرِ أَوْ النَّبِيذِ أَوْ الْبَنْجِ
أَوْ الدَّوَاءِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ
كَثُرَ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُمَكِّنَ الْمِقْعَدَةِ أَوْ
غَيْرَ مُمَكِّنِهَا انْتَهَى.
وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ السُّكْرَ كَالْجُنُونِ عِنْدَ
الْأَكْثَرِ، وَعِنْدَ الْمَسْعُودِيِّ أَنَّهُ غَيْرُ
نَاقِضٍ إنْ لَمْ يَغْشَ.
(فَائِدَةٌ أُخْرَى) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَكَانَ مِنْ خَصَائِصِ
(1/242)
243 - (وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ»
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ) .
244 - (وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
«الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ، فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنَانِ
اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالدَّارَقُطْنِيّ. السَّهِ: اسْمٌ لِحَلْقَةِ الدُّبُرِ،
وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ فِي
ذَلِكَ، فَقَالَ: حَدِيثُ عَلِيٍّ أَثْبَتُ وَأَقْوَى) .
245 - (وَعَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ
خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُمْت إلَى جَنْبِهِ
الْأَيْسَرِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَعَلَنِي مِنْ شِقِّهِ
الْأَيْمَنِ فَجَعَلْت إذَا أَغْفَيْت يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ
أُذُنِي قَالَ: فَصَلَّى إحْدَى عَشَرَةَ رَكْعَةً» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَنْ لَا يَنْتَقِضَ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ مُضْطَجِعًا
لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَامَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
حَتَّى سَمِعْت غَطِيطَهُ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ
يَتَوَضَّأْ» انْتَهَى.
وَفِيهِ أَنَّهُ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ
أَنَسٍ «لَقَدْ رَأَيْت أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوقَظُونَ
لِلصَّلَاةِ حَتَّى أَنَّى لَأَسْمَعُ لِأَحَدِهِمْ
غَطِيطًا، ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ وَلَا
يَتَوَضَّئُونَ» وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُد زِيَادَةُ "
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - " وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
243 - (وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَيْنُ وِكَاءُ
السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ) .
244 - (وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
«الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ، فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنَانِ
اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالدَّارَقُطْنِيّ. السَّهِ: اسْمٌ لِحَلْقَةِ الدُّبُرِ،
وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ فِي
ذَلِكَ، فَقَالَ: حَدِيثُ عَلِيٍّ أَثْبَتُ وَأَقْوَى) .
أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا
الدَّارَقُطْنِيّ، وَهُوَ عِنْدَ الْجَمِيعِ مِنْ
رِوَايَةِ بَقِيَّةَ عَنْ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ
الْجُوزَجَانِيُّ: وَاهٍ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ هَذَا
الْحَدِيثَ عَنْ مَحْفُوظِ بْنِ عَلْقَمَةَ - وَهُوَ
ثِقَةٌ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ وَهُوَ
تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ عَنْ عَلِيٍّ، لَكِنْ قَالَ
أَبُو زُرْعَةَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي هَذَا النَّفْيِ نَظَرٌ؛
لِأَنَّهُ يَرْوِي عَنْ عُمَرَ كَمَا جَزَمَ بِهِ
الْبُخَارِيُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فَأَخْرَجَهُ
أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَفِي
إسْنَادِهِ بَقِيَّةُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
مَرْيَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ ضَعَّفَ الْحَدِيثَيْنِ
أَبُو حَاتِمٍ، وَحَسَّنَ الْمُنْذِرِيُّ وَابْنُ
الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ حَدِيثَ عَلِيٍّ.
قَوْلُهُ: (وِكَاءُ السَّهِ) الْوِكَاءُ بِكَسْرِ
الْوَاوِ: الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ الْخَرِيطَةُ.
وَالسَّهِ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ
الْهَاءِ الْمُخَفَّفَةِ: الدُّبُرُ. وَالْمَعْنَى
الْيَقَظَةُ وِكَاءُ الدُّبُرِ أَيْ حَافِظَةٌ مَا فِيهِ
مِنْ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ مُسْتَيْقِظًا
أَحَسَّ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَالْحَدِيثَانِ
يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ مَظِنَّةُ النَّقْضِ لَا
أَنَّهُ بِنَفْسِهِ نَاقِضٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ
عَلَى ذَلِكَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ.
245 - (وَعَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ
خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُمْت إلَى جَنْبِهِ
الْأَيْسَرِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَعَلَنِي مِنْ شِقِّهِ
الْأَيْمَنِ فَجَعَلْت إذَا أَغْفَيْت يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ
أُذُنِي قَالَ: فَصَلَّى إحْدَى عَشَرَةَ رَكْعَةً» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
(1/243)
246 - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ
أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حَتَّى
تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا
يَتَوَضَّئُونَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) .
247 - (وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: «لَيْسَ عَلَى مَنْ نَامَ سَاجِدًا وُضُوءٌ حَتَّى
يَضْطَجِعَ فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ
مَفَاصِلُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَيَزِيدُ هُوَ
الدَّالَانِيُّ قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ. قُلْت:
وَقَدْ ضَعَّفَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ الدَّالَانِيِّ هَذَا
لِإِرْسَالِهِ قَالَ شُعْبَةُ إنَّمَا سَمِعَ قَتَادَةَ
مِنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ
فَذَكَرَهَا وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ
اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى إخْرَاجِهِ، وَفِيهِ
فَوَائِدُ وَأَحْكَامٌ لَيْسَ هَذَا مَحَلُّ بَسْطِهَا.
قَوْلُهُ: (إذَا أَغْفَيْت) الْإِغْفَاءُ: النَّوْمُ أَوْ
النُّعَاسُ - ذَكَرَ مَعْنَاهُ فِي الْقَامُوسِ، وَفِي
الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ الْيَسِيرَ
حَالَ الصَّلَاةِ غَيْرُ نَاقِضٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي
الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ.
246 - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حَتَّى تَخْفِقَ
رُءُوسُهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) .
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ فِي
الْأُمِّ، وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ. قَالَ أَبُو
دَاوُد: وَزَادَ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، «لَقَدْ
رَأَيْت - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يُوقَظُونَ لِلصَّلَاةِ حَتَّى إنِّي لَأَسْمَعُ
لِأَحَدِهِمْ غَطِيطًا ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُصَلَّوْنَ
وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» .
قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: هَذَا عِنْدَنَا وَهُمْ
جُلُوسٌ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هَذَا الْحَدِيثُ سِيَاقُهُ
فِي مُسْلِمٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَى نَوْمِ
الْجَالِسِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَزَّلَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ،
لَكِنْ فِيهِ زِيَادَةٌ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ رَوَاهَا
يَحْيَى بْنُ الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْتَظِرُونَ
الصَّلَاةَ فَيَضَعُونَ جُنُوبَهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ
يَنَامُ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الصَّلَاةِ» .
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يُحْمَلُ عَلَى النَّوْمِ
الْخَفِيفِ، لَكِنْ يُعَارِضُهُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ
الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا الْغَطِيطَ، وَقَدْ رَوَاهُ
أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ،
وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ بِدُونِ يَضَعُونَ
جَنُوبَهُمْ. وَأَخْرَجَهُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ
الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ وَالْخَلَّالُ.
قَوْلُهُ: (تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ) فِي الْقَامُوسِ خَفَقَ
فُلَانٌ: حَرَّكَ رَأْسَهُ إذَا نَعَسَ. وَالْحَدِيثُ
يَدُلُّ عَلَى أَنْ يَسِيرَ النَّوْمِ لَا يَنْقُضُ
الْوُضُوءَ، إنْ ثَبَتَ التَّقْرِيرُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ
مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ.
247 - (وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: «لَيْسَ عَلَى مَنْ نَامَ سَاجِدًا وُضُوءٌ حَتَّى
يَضْطَجِعَ فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ
مَفَاصِلُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَيَزِيدُ هُوَ
الدَّالَانِيُّ قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ. قُلْت:
وَقَدْ ضَعَّفَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ الدَّالَانِيِّ هَذَا
لِإِرْسَالِهِ قَالَ شُعْبَةُ إنَّمَا سَمِعَ قَتَادَةَ
مِنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ
فَذَكَرَهَا وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا)
(1/244)
بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْمَرْأَةِ
248 - (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ
النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}
[المائدة: 6] وَقُرِئَ أَوْ لَمَسْتُمْ وَعَنْ مُعَاذِ
بْنِ جَبَلٍ قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ لَقِيَ امْرَأَةً يَعْرِفُهَا
فَلَيْسَ يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ شَيْئًا
إلَّا قَدْ أَتَاهُ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ
يُجَامِعْهَا؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظِ: «لَا
وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَاعِدًا إنَّمَا الْوُضُوءُ
عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا، فَإِنَّ مَنْ نَامَ
مُضْطَجِعًا اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» وَأَخْرَجَهُ
الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ: «لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى
مَنْ نَامَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا أَوْ سَاجِدًا حَتَّى
يَضَعَ جَنْبَهُ» وَمَدَارُهُ عَلَى يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ
الدَّالَانِيِّ وَعَلَيْهِ اُخْتُلِفَ فِي أَلْفَاظِهِ،
وَضَعَّفَ الْحَدِيثَ مِنْ أَصْلِهِ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي
الْعِلَلِ الْمُفْرَدَةِ. وَضَعَّفَهُ أَيْضًا أَبُو
دَاوُد فِي السُّنَنِ، وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي
عِلَلِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ: تَفَرَّدَ بِهِ
أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ، وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ
جَمِيعُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ فِي السُّنَنِ: أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ جَمِيعُ
الْحُفَّاظِ، وَأَنْكَرُوا سَمَاعَهُ مِنْ قَتَادَةَ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي
عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ
قَوْلِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا الْعَالِيَةِ وَلَمْ
يَرْفَعْهُ، وَيَزِيدُ الدَّالَانِيُّ هَذَا الَّذِي
ضَعُفَ الْحَدِيثُ بِهِ، وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ
النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ
أَحْمَدُ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ ابْنُ
عَدِيٍّ: فِي حَدِيثِهِ لِينٌ، وَأَفْرَطَ ابْنُ حِبَّانَ
فَقَالَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَقَالَ
الذَّهَبِيُّ فِي الْمُغْنِي: مَشْهُورٌ حَسَنُ
الْحَدِيثِ. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ
حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
حَدِيثُ: «لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ
رَاكِعًا» وَفِيهِ مَهْدِيُّ بْنُ هِلَالٍ وَهُوَ
مُتَّهَمٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ. وَمِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ
بْنِ هَارُونَ الْبَلْخِيّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. وَمِنْ
رِوَايَةِ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَهُوَ مُتَّهَمٌ.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ
بِلَفْظِ قَالَ: «كُنْت فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ
جَالِسًا أَخْفِقُ، فَاحْتَضَنَنِي رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي،
فَالْتَفَتّ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت: هَلْ وَجَبَ
عَلَيَّ الْوُضُوءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَا
حَتَّى تَضَعَ جَنْبَك» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ
بِهِ بَحْرُ بْنُ كَنِيزٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ لَا يُحْتَجُّ
بِهِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ قَسِيطٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «لَيْسَ
عَلَى الْمُحْتَبِي النَّائِمِ، وَلَا عَلَى الْقَائِمِ
النَّائِمِ وُضُوءٌ حَتَّى يَضْطَجِعَ، فَإِذَا اضْطَجَعَ
تَوَضَّأَ» قَالَ الْحَافِظُ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَهُوَ
مَوْقُوفٌ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ
لَا يَكُونُ نَاقِضًا إلَّا فِي حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ،
وَقَدْ سَلَفَ أَنَّهُ الرَّاجِحُ. .
(1/245)
قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ
الْآيَةَ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ
وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114] الْآيَةَ. فَقَالَ
لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
تَوَضَّأْ ثُمَّ صَلِّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالدَّارَقُطْنِيّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْمَرْأَةِ]
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ
وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ جَمِيعًا مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ هَكَذَا عِنْدَهُمْ
جَمِيعًا مَوْصُولًا بِذِكْرِ مُعَاذٍ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ؛
لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ.
وَأَيْضًا قَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
قَالَ: (إنَّ رَجُلًا) فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا كَمَا رَوَاهُ
النَّسَائِيّ. وَأَصْلُ الْقِصَّةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَغَيْرِهِمَا بِدُونِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ
وَالصَّلَاةِ. وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ اسْتَدَلَّ بِهَا
مَنْ قَالَ بِأَنَّ لَمْسَ الْمَرْأَةِ يَنْقُضُ
الْوُضُوءَ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ
وَابْنُ عُمَرَ وَالزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَصْحَابُهُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَغَيْرُهُمْ.
وَذَهَبَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ
وَالْعِتْرَةُ جَمِيعًا وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ
إلَى أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو
يُوسُفَ: إلَّا إذَا تَبَاشَرَ الْفَرْجَانِ وَانْتَشَرَ
وَإِنْ لَمْ يُمْذِ. قَالَ الْأَوَّلُونَ: الْآيَةُ
صَرَّحَتْ بِأَنَّ اللَّمْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْدَاثِ
الْمُوجِبَةِ لِلْوُضُوءِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي لَمْسِ
الْيَدِ. وَيُؤَيِّدُ بَقَاءَهُ عَلَى مَعْنَاهُ
الْحَقِيقِيِّ قِرَاءَةُ أَوْ لَمَسْتُمْ فَإِنَّهَا
ظَاهِرَةٌ فِي مُجَرَّدِ اللَّمْسِ مِنْ دُونِ جِمَاعٍ
قَالَ الْآخَرُونَ: يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى الْمَجَازِ
وَهُوَ أَنَّ اللَّمْسَ مُرَادٌ بِهِ الْجِمَاعَ لِوُجُودِ
الْقَرِينَةِ وَهِيَ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي سَيَأْتِي
فِي التَّقْبِيلِ وَحَدِيثُهَا فِي لَمْسِهَا لِبَطْنِ
قَدَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَأُجِيبُ بِأَنَّ فِي حَدِيثِ التَّقْبِيلِ
ضَعْفًا.
وَأَيْضًا فَهُوَ مُرْسَلٌ وَرُدَّ بِأَنَّ الضَّعْفَ
مُنْجَبِرٌ بِكَثْرَةِ رِوَايَاتِهِ وَبِحَدِيثِ لَمْسِ
عَائِشَةَ لِبَطْنِ قَدَمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ ثَبَتَ مَرْفُوعًا
وَمَوْقُوفًا، وَالرَّفْعُ زِيَادَةٌ يَتَعَيَّنُ
الْمَصِيرُ إلَيْهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ
الْأُصُولِ، وَالِاعْتِذَارُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي
لَمْسِهَا لِقَدَمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ
اللَّمْسَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ بِحَائِلٍ أَوْ عَلَى
أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ تَكَلُّفٌ وَمُخَالَفَةٌ
لِلظَّاهِرِ.
قَالُوا: أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - السَّائِلَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ
بِالْوُضُوءِ، وَصَرَّحَ ابْنُ عُمَرَ بِأَنَّ مَنْ
قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ
الْوُضُوءُ، رَوَاهُ عَنْهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيِّ،
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ:
«الْقُبْلَةُ مِنْ اللَّمْسِ وَفِيهَا الْوُضُوءُ
وَاللَّمْسُ مَا دُونَ الْجِمَاعِ» .
وَاسْتَدَلَّ الْحَاكِمُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ
بِاللَّمْسِ مَا دُونَ الْجِمَاعِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ
(مَا كَانَ أَوْ قَلَّ يَوْمٌ إلَّا وَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِينَا
فَيُقَبِّلُ وَيَلْمِسُ) الْحَدِيثَ، وَاسْتَدَلَّ
الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «الْيَدُ
زِنَاهَا اللَّمْسُ» وَفِي قِصَّةِ مَاعِزٍ: «لَعَلَّك
قَبَّلْت أَوْ لَمَسْت» وَبِحَدِيثِ عُمَرَ: «الْقُبْلَةُ
مِنْ اللَّمْسِ فَتَوَضَّئُوا مِنْهَا» وَيُجَابُ عَنْ
ذَلِكَ بِأَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلسَّائِلِ بِالْوُضُوءِ يُحْتَمَلُ
أَنَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْمَعْصِيَةِ.
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ مُكَفِّرَاتِ
الذُّنُوبِ، أَوْ لِأَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي وَصَفَهَا
مَظِنَّةُ خُرُوجِ الْمَذْيِ، أَوْ هُوَ طَلَبٌ لِشَرْطِ
الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ
نَظَرٍ إلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ وَعَدَمِهِ، وَمَعَ
الِاحْتِمَالِ يَسْقُطُ الِاسْتِدْلَال. وَأَمَّا مَا
رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمَا
ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فَنَحْنُ لَا
نُنْكِرُ
(1/246)
249 - (وَعَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ
عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ
يُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا
يَتَوَضَّأُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، قَالَ
أَبُو دَاوُد: هُوَ مُرْسَلٌ. إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ
لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ. وَقَالَ النَّسَائِيّ:
لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ
وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا) .
250 - (وَعَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
قَالَتْ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي وَإِنِّي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
صِحَّةَ إطْلَاقِ اللَّمْسِ عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ بَلْ
هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ، وَلَكِنَّا نَدَّعِي أَنَّ
الْمَقَامَ مَحْفُوفٌ بِقَرَائِنَ تُوجِبُ الْمَصِيرَ إلَى
الْمَجَازِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ بِأَنَّ الْقُبْلَةَ
فِيهَا الْوُضُوءُ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ
لَا سِيَّمَا إذَا وَقَعَ مُعَارِضًا لِمَا وَرَدَ عَنْ
الشَّارِعِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْبَحْرُ ابْنُ عَبَّاسٍ
الَّذِي عَلَّمَهُ اللَّهُ تَأْوِيلَ كِتَابِهِ
وَاسْتَجَابَ فِيهِ دَعْوَةَ رَسُولِهِ بِأَنَّ اللَّمْسَ
الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ هُوَ الْجِمَاعُ وَقَدْ
تَقَرَّرَ أَنَّ تَفْسِيرَهُ أَرْجَحُ مِنْ تَفْسِيرِ
غَيْرِهِ لِتِلْكَ الْمَزِيَّةِ.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ:
إنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ بَعْضِ الْأَعْرَابِ لِلنَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنَّ امْرَأَتَهُ
لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ) الْكِنَايَةُ عَنْ كَوْنِهَا
زَانِيَةً، وَلِهَذَا قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (طَلِّقْهَا) وَقَدْ أَبْدَى
بَعْضُهُمْ مُنَاسَبَةً فِي الْآيَةِ تَقْضِي بِأَنَّ
الْمُرَادَ بِالْمُلَامَسَةِ الْجِمَاعُ وَلَمْ
أَذْكُرْهَا هُنَا لِعَدَمِ انْتِهَاضِهَا عِنْدِي.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى
النَّقْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ كَانَ
مُتَوَضِّئًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوُضُوءِ وَلَا ثَبَتَ
أَنَّهُ كَانَ مُتَوَضِّئًا عِنْدَ اللَّمْسِ فَأَخْبَرَهُ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ
قَدْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ.
249 - (وَعَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ
أَزْوَاجِهِ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ» رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، قَالَ أَبُو دَاوُد: هُوَ
مُرْسَلٌ. إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ
عَائِشَةَ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ فِي هَذَا
الْبَابِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ
مُرْسَلًا) .
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ:
سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ
يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ
بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا
أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ الْمُزَنِيّ عَنْ
عَائِشَةَ. وَقَالَ الْقَطَّانُ: هَذَا الْحَدِيثُ شُبَهٌ
لَا شَيْءَ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ
يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَا
يَصِحُّ فِي الْبَابِ شَيْءٌ وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ
مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ قَبْلَ
نُزُولِ الْوُضُوءِ مِنْ اللَّمْسِ. وَرَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْبَدِ بْنِ نُبَاتَةَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ
عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ وَلَا
يَتَوَضَّأُ» قَالَ: وَلَا أَعْرِفُ حَالَ مَعْبَدٍ فَإِنْ
كَانَ ثِقَةً فَالْحُجَّةُ فِيمَا رَوَى عَنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْحَافِظُ:
رُوِيَ مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ أَوْرَدَهَا الْبَيْهَقِيُّ
فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَضَعَّفَهَا انْتَهَى.
وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَجَمَاعَةٌ وَشَهِدَ
لَهُ حَدِيثُهَا الْآتِي بَعْدَ هَذَا.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَمْسَ الْمَرْأَةِ لَا
يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ
فِيهِ.
250 - (وَعَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
قَالَتْ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي وَإِنِّي
(1/247)
لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ اعْتِرَاضَ
الْجِنَازَةِ حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ مَسَّنِي
بِرِجْلِهِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ) .
251 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «فَقَدْت رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً
مِنْ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَضَعْت يَدِي عَلَى
بَاطِنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا
مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ
بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك،
وَأَعُوذُ بِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ
كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ) .
بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ لَمْسِ الْقُبُلِ
252 - (عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ مَسَّ
ذَكَرَهُ فَلَا يُصَلِّي حَتَّى يَتَوَضَّأَ» رَوَاهُ
الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ،
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ بُسْرَةَ
أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ اعْتِرَاضَ الْجِنَازَةِ
حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ مَسَّنِي بِرِجْلِهِ»
رَوَاهُ النَّسَائِيّ) . الْحَدِيثُ قَالَ الْحَافِظُ فِي
التَّلْخِيصِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّ لَمْسَ الْمَرْأَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَقَدْ
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
وَتَأْوِيلُ ابْنِ حَجَرٍ لَهُ بِمَا سَلَفَ قَدْ
عَرَّفْنَاك أَنَّهُ تَكَلُّفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.
251 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «فَقَدْت رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً
مِنْ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَضَعْت يَدِي عَلَى
بَاطِنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا
مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ
بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك،
وَأَعُوذُ بِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ
كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ) . الْحَدِيثُ رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ
فِي الْعِلَلِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ خَبَّابُ عَنْ
عِيسَى بْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِ هَذَا. قَالَ:
لَا أَدْرِي عِيسَى أَدْرَكَ عَائِشَةَ أَمْ لَا.
وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: «خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِنَا لَيْلًا فَغِرْت عَلَيْهِ
فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ فَقَالَ: مَا لَك يَا
عَائِشَةُ أَغِرْتِ؟ قَالَتْ: وَمَا لِي لَا يَغَارُ
مِثْلِي عَلَى مِثْلِك فَقَالَ: لَقَدْ جَاءَك شَيْطَانُك
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ مَعِي شَيْطَانٌ؟»
الْحَدِيثَ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ مِنْ
حَدِيثِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «فَقَدْت
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقُلْت: إنَّهُ قَامَ إلَى جَارِيَتِهِ
مَارِيَةَ، فَقُمْت أَلْتَمِسُ الْجِدَارَ فَوَجَدْته
قَائِمًا يُصَلِّي فَأَدْخَلْت يَدِي فِي شَعْرِهِ
لِأَنْظُرَ أَغْتَسَلَ أَمْ لَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ،
قَالَ: أَخَذَكِ شَيْطَانُك يَا عَائِشَةُ» وَفِيهِ
مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّمْسَ غَيْرُ
مُوجِبٍ لِلنَّقْضِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
وَأَوْسَطُ مَذْهَبٍ يَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
مَذْهَبُ مَنْ لَا يَرَى اللَّمْسَ يَنْقُضُ إلَّا
لِشَهْوَةٍ انْتَهَى.
(1/248)
«وَيَتَوَضَّأُ مَنْ مَسَّ الذَّكَرَ» ،
وَهَذَا يَشْمَلُ ذَكَرَ نَفْسِهِ وَذَكَرَ غَيْرِهِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ لَمْسِ الْقُبُلِ]
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ
وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ
الْجَارُودِ قَالَ أَبُو دَاوُد قُلْت لِأَحْمَدَ: حَدِيثُ
بُسْرَةَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، قَالَ: بَلْ هُوَ صَحِيحٌ،
وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ،
حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَبُو حَامِدِ بْنُ
الشَّرَفِيِّ تِلْمِيذُ مُسْلِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ
وَالْحَازِمِيُّ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ لَمْ
يُخَرِّجْهُ الشَّيْخَانِ لِاخْتِلَافٍ وَقَعَ فِي سَمَاعِ
عُرْوَةَ مِنْهَا أَوْ مِنْ مَرْوَانَ فَقَدْ احْتَجَّا
بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ:
يَلْزَمُ الْبُخَارِيَّ إخْرَاجُهُ، فَقَدْ أَخْرَجَ
نَظِيرَهُ وَغَايَةُ مَا قَدَحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ
أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ مَرْوَانُ عُرْوَةَ، فَاسْتَرَابَ
بِذَلِكَ عُرْوَةُ فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إلَى بُسْرَةَ
رَجُلًا مِنْ حَرَسِهِ، فَعَادَ إلَيْهِ بِأَنَّهَا
ذَكَرَتْ ذَلِكَ، وَالْوَاسِطَةُ بَيْنَ عُرْوَةَ
وَبُسْرَةَ إمَّا مَرْوَانُ وَهُوَ مَطْعُونٌ فِي
عَدَالَتِهِ، أَوْ حَرَسُهُ وَهُوَ مَجْهُولٌ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ جَزَمَ ابْنُ خُزَيْمَةَ
وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ عُرْوَةَ
سَمِعَهُ مِنْ بُسْرَةَ، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ
وَابْنِ حِبَّانَ. قَالَ عُرْوَةُ: فَذَهَبْت إلَى
بُسْرَةَ فَسَأَلْتهَا فَصَدَّقْته، وَبِمِثْلِ هَذَا
أَجَابَ الدَّارَقُطْنِيّ وَابْنُ حِبَّانَ، قَالَ
الْحَافِظُ: وَقَدْ أَكْثَرَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ
حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ مِنْ سِيَاقِ
طُرُقِهِ، وَبَسَطَ الدَّارَقُطْنِيّ الْكَلَامَ عَلَيْهِ
فِي نَحْوٍ مِنْ كُرَّاسَتَيْنِ، وَنَقَلَ الْبَعْضُ
بِأَنَّ ابْنَ مَعِينٍ قَالَ: ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ لَا
تَصِحُّ: حَدِيثُ مَسِّ الذَّكَرِ، وَلَا نِكَاحَ إلَّا
بِوَلِيٍّ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. قَالَ الْحَافِظُ:
وَلَا يُعْرَفُ هَذَا عَنْ ابْنِ مَعِينٍ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إنَّ هَذَا لَا يَثْبُتُ عَنْ
ابْنِ مَعِينٍ، وَقَدْ كَانَ مَذْهَبُهُ انْتِقَاضَ
الْوُضُوءِ بِمَسِّهِ. وَرَوَى عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ
أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا يَطْعَنُ فِي حَدِيثِ بُسْرَةَ
مَنْ لَا يَذْهَبُ إلَيْهِ، وَطَعَنَ فِيهِ الطَّحَاوِيُّ
بِأَنَّ هِشَامًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ؛
لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ الطَّبَرَانِيُّ، فَوَسَّطَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ
بْنِ عَمْرٍو، وَهَذَا مُنْدَفِعٌ، فَإِنَّهُ قَدْ رَوَاهُ
تَارَةً عَنْ أَبِيهِ، وَتَارَةً عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمَّدٍ، وَصَرَّحَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ بِأَنَّ
أَبَاهُ حَدَّثَهُ. وَقَدْ رَوَاهُ الْجُمْهُورُ مِنْ
أَصْحَابِ هِشَامٍ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ فَلَعَلَّهُ
سَمِعَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ سَمِعَهُ
مِنْ أَبِيهِ، فَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ تَارَةً هَكَذَا،
وَتَارَةً هَكَذَا.
وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ
حَبِيبَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَزَيْدِ بْنِ
خَالِدٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ
سَلَمَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَلِيِّ بْنِ
طَلْقٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَأَنَسٍ وَأُبَيُّ
بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ وَقَبِيصَةَ،
وَأَرْوَى بِنْتِ أُنَيْسٌ، أَمَّا حَدِيثُ أَبِي
هُرَيْرَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو فَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا
الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ
مَاجَهْ وَالْأَثْرَمِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ:
إسْنَادُهُ صَالِحٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ
فَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَخْرَجَهُ
الْحَاكِمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَذَكَرَهُ
التِّرْمِذِيُّ، وَأَعَلَّهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَرَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ، وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ
فَذَكَرِهِ الْحَاكِمُ.
وَأَمَّا
(1/249)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي
إسْنَادِهِ الضَّحَّاكُ بْنُ حَمْزَةَ وَهُوَ مُنْكَرُ
الْحَدِيثِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَفِيهِ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ،
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
بْنِ أَبَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ
مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةُ، وَفِيهِ مَقَالٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ فَأَخْرَجَهُ
الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فَذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ،
وَكَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ
وَمُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ وَقَبِيصَةَ. وَأَمَّا
حَدِيثُ أَرْوَى بِنْتِ أُنَيْسٌ فَذَكَرَهُ
التِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَمْسَ الذَّكَرِ
يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ عُمَرُ
وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ
عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ
وَعَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ
وَمُجَاهِدٌ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ
يَسَارٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ،
وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ.
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ. وَكَذَلِكَ مَسُّ فَرْجِ
الْمَرْأَةِ لِحَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ الْآتِي،
وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي
سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَذَهَبَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَابْنُ
مَسْعُودٍ وَعَمَّارٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ
وَرَبِيعَةُ وَالْعِتْرَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو
حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ
نَاقِضٍ. وَقَدْ ذَكَرَ الْحَازِمِيُّ فِي الِاعْتِبَارِ
جَمَاعَةً مِنْ الْقَائِلِينَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ،
وَجَمَاعَةً مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْمَقَالَةِ الْأُولَى
مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَمْ نَذْكُرْهُمْ
هُنَا فَلْيُرْجَعْ إلَيْهِ وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ
بِحَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ
وَأَحْمَدَ وَالدَّارَقُطْنِيّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ:
«الرَّجُلُ يَمَسُّ ذَكَرَهُ أَعَلَيْهِ وُضُوءٌ؟ فَقَالَ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا هُوَ
بَضْعَةٌ مِنْك» ، وَصَحَّحَهُ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ
الْفَلَّاسُ وَقَالَ: هُوَ عِنْدَنَا أَثْبَتُ مِنْ
حَدِيثِ بُسْرَةَ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
هُوَ عِنْدَنَا أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: إسْنَادُهُ مُسْتَقِيمٌ غَيْرُ
مُضْطَرِبٍ بِخِلَافِ حَدِيثِ بُسْرَةَ، وَصَحَّحَهُ
أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حَزْمٍ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ ضَعَّفَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو
حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ
وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَادَّعَى فِيهِ
النَّسْخَ ابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ
الْعَرَبِيِّ وَالْحَازِمِيُّ، وَآخَرُونَ وَأَوْضَحَ
ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يَكْفِي فِي تَرْجِيحِ حَدِيثِ
بُسْرَةَ عَلَى حَدِيثِ طَلْقٍ أَنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ لَمْ
يَحْتَجَّ الشَّيْخَانِ بِأَحَدٍ مِنْ رُوَاتِهِ،
وَحَدِيثُ بُسْرَةَ قَدْ احْتَجَّا بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ،
وَقَدْ أُيِّدَتْ دَعْوَى النَّسْخِ بِتَأَخُّرِ إسْلَامِ
بُسْرَةَ وَتَقَدُّمِ إسْلَامِ طَلْقٍ، وَلَكِنْ هَذَا
لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى النَّسْخِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ
مِنْ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ، وَأُيِّدَ حَدِيثُ بُسْرَةَ
أَيْضًا بِأَنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ مُوَافِقٌ لِمَا كَانَ
الْأَمْرُ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ، وَحَدِيثُ بُسْرَةَ
نَاقِلٌ عَنْهُ فَيُصَارُ إلَيْهِ وَبِأَنَّهُ أَرْجَحُ
لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ وَصِحَّتِهَا، وَكَثْرَةِ مَنْ
صَحَّحَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَلِكَثْرَةِ شَوَاهِدِهِ،
وَلِأَنَّ بُسْرَةَ حَدَّثَتْ بِهِ فِي دَارِ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ،
وَأَيْضًا قَدْ رُوِيَ عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ نَفْسِهِ
أَنَّهُ رَوَى: «مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ، قَالَ:
(1/250)
253 - (وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ:
سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ
فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْأَثْرَمُ
وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو زُرْعَةَ) .
254 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: «مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ
دُونَهُ سِتْرٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ»
رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ
مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَبْلَ هَذَا، ثُمَّ سَمِعَ هَذَا بَعْدُ: فَوَافَقَ
حَدِيثَ بُسْرَةَ، وَأَيْضًا حَدِيثُ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ
مِنْ رِوَايَةِ قَيْسٍ ابْنِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَدْ سَأَلْنَا عَنْ قَيْسِ بْنِ
طَلْقٍ فَلَمْ نَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهُ. وَقَالَ أَبُو
حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ: قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ مِمَّنْ لَا
تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ اهـ. فَالظَّاهِرُ مَا ذَهَبَ
إلَيْهِ الْأَوَّلُونَ،
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ الْقَوْلُ بِنَدْبِ
الْوُضُوءِ، وَيَرُدُّهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ التَّصْرِيحِ
بِالْوُجُوبِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ: «وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَمَسُّونَ فُرُوجَهُمْ
وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ
دُعَاءٌ بِالشَّرِّ لَا يَكُونُ إلَى عَلَى تَرْكِ
وَاجِبٍ، وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ غَسْلُ جَمِيعِ
الْأَعْضَاءِ كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ
الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ، وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى
غَيْرِهَا عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ فِي الْأُصُولِ، وَقَدْ
اُشْتُرِطَ فِي الْمَسِّ النَّاقِضِ لِلْوُضُوءِ أَنْ
يَكُونَ بِغَيْرِ حَائِلٍ.
وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي،
وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا دَلِيلَ لِمَنْ اشْتَرَطَ أَنْ
يَكُونَ الْمَسُّ بِبَاطِنِ الْكَفِّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ بِالنَّقْضِ إنْ وَقَعَ
الْمَسُّ عَمْدًا إلَّا إنْ وَقَعَ سَهْوًا. وَأَحَادِيثُ
الْبَابِ تَرُدُّهُ وَرَفْعُ الْخَطَإِ بِمَعْنَى رَفْعِ
إثْمِهِ لَا حُكْمِهِ.
253 - (وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:
«مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ وَالْأَثْرَمُ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
زُرْعَةَ) . الْحَدِيثُ قَالَ ابْنُ السَّكَنِ: لَا
أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً. وَلَفْظُ مَنْ يَشْمَلُ الذَّكَرَ
وَالْأُنْثَى. وَلَفْظُ الْفَرْجِ يَشْمَلُ الْقُبُلَ
وَالدُّبُرَ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَبِهِ يُرَدُّ
مَذْهَبُ مَنْ خَصَّصَ ذَلِكَ بِالرِّجَالِ، وَهُوَ
مَالِكٌ.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ:
«إذَا مَسَّتْ إحْدَاكُنَّ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ»
وَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْعُمَرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَكَذَا ضَعَّفَهُ ابْنُ
حِبَّانَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَهُ شَاهِدٌ، وَسَيَأْتِي
حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَقَدْ
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الَّذِي قَبْلَهُ.
254 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: «مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ
دُونَهُ سِتْرٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ»
رَوَاهُ أَحْمَدُ) . الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ
فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَنَدُهُ عُدُولٌ
نَقَلَتُهُ. وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ
فِي الصَّغِيرِ، وَقَالَ ابْنُ السَّكَنِ: هُوَ أَجْوَدُ
مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ
وَالْبَزَّارُ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ
بْنِ
(1/251)
255 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ مَسَّ
فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ
فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ
256 - (عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: إنْ شِئْت
تَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْت فَلَا تَتَوَضَّأْ، قَالَ:
أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ،
تَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، قَالَ أُصَلِّي فِي
مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكٌ،
وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ، وَهُوَ
يَرُدُّ مَذْهَبَ مَنْ قَالَ بِالنَّدْبِ، وَقَدْ
تَقَدَّمَ. وَيَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْحَائِلِ
بَيْنَ الْيَدِ وَالذَّكَرِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ
الشَّافِعِيَّةُ فِي أَنَّ النَّقْضَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا
مَسَّ الذَّكَرَ بِبَاطِنِ الْكَفِّ لِمَا يُعْطِيهِ
لَفْظُ الْإِفْضَاءِ. قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ:
لَكِنْ نَازَعَ فِي دَعْوَى أَنَّ الْإِفْضَاءَ لَا
يَكُونُ إلَّا بِبَطْنِ الْكَفِّ غَيْرُ وَاحِدٍ، قَالَ
ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ: أَفْضَى فُلَانٌ إلَى
فُلَانٍ وَصَلَ إلَيْهِ، وَالْوُصُولُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ
يَكُونَ بِظَاهِرِ الْكَفِّ أَوْ بَاطِنِهَا. وَقَالَ
ابْنُ حَزْمٍ: الْإِفْضَاءُ يَكُونُ بِظَاهِرِ الْكَفِّ
كَمَا يَكُونُ بِبَاطِنِهَا، قَالَ: وَلَا دَلِيلَ عَلَى
مَا قَالُوهُ - يَعْنِي مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْبَاطِنِ -
مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قَوْلِ
صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا رَأْيٍ صَحِيحٍ. قَالَ
الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ
يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ - يَمْنَعُ تَأْوِيلَ
غَيْرِهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَيَثْبُتُ بِعُمُومِهِ
النَّقْضُ بِبَطْنِ الْكَفِّ وَظَهْرِهِ، وَيَنْفِيه
بِمَفْهُومِهِ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ وَبِغَيْرِ الْيَدِ.
وَفِي لَفْظٍ لِلشَّافِعِيِّ: «أَذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ
إلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ شَيْءٌ
فَلْيَتَوَضَّأْ» اهـ.
255 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ مَسَّ فَرْجَهُ
فَلْيَتَوَضَّأْ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا
فَلْتَتَوَضَّأْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ) . الْحَدِيثُ
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ عَنْ الْبُخَارِيِّ:
وَهَذَا عِنْدِي صَحِيحٌ، وَفِي إسْنَادِهِ بَقِيَّةُ بْنُ
الْوَلِيدِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ
فِي عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ،
وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْفَرْجَ يَعُمُّ الْقُبُلَ
وَالدُّبُرَ؛ لِأَنَّهُ الْعَوْرَةُ كَمَا فِي
الْقَامُوسِ.
وَقَدْ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ حَدِيثِ طَلْقِ بْنِ
عَلِيٍّ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَمْ تَجْرِ لَهُ عَادَةٌ
بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ الْأَحَادِيثَ
الْمُتَعَارِضَةَ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا ضَعْفٌ،
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَوَّلِ الْبَابِ،
وَتَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ.
(1/252)
نَعَمْ قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ
الْإِبِلِ؟ قَالَ: لَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ]
الْحَدِيثُ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ
مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَكَذَلِكَ
رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ يَدُلُّ
عَلَى أَنَّ الْأَكْلَ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ مِنْ
جُمْلَةِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي
ذَلِكَ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ
الْوُضُوءَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: مِمَّنْ ذَهَبَ إلَى
ذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَابْنُ مَسْعُودٍ
وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو
الدَّرْدَاءِ وَأَبُو طَلْحَةَ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ
وَأَبُو أُمَامَةَ وَجَمَاهِيرُ مِنْ التَّابِعِينَ
وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَصْحَابُهُمْ.
وَذَهَبَ إلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَيَحْيَى بْنُ
يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ
خُزَيْمَةَ، وَاخْتَارَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ
الْبَيْهَقِيُّ، وَحُكِيَ عَنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ
مُطْلَقًا، وَحُكِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ،
كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ: وَنَسَبَهُ فِي الْبَحْرِ إلَى
أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَإِلَى مُحَمَّدِ بْنِ
الْحَسَنِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حُكِيَ عَنْ بَعْضِ
أَصْحَابِنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إنْ صَحَّ
الْحَدِيثُ فِي لُحُومِ الْإِبِلِ قُلْت بِهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَدْ صَحَّ فِيهِ حَدِيثَانِ:
حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ.
قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ
رَاهْوَيْهِ. احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالنَّقْضِ
بِأَحَادِيثِ الْبَابِ، وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ
بِعَدَمِهِ بِمَا عِنْدَ الْأَرْبَعَةِ وَابْنِ حِبَّانَ
مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ
مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَمَ
الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ» ، قَالَ النَّوَوِيُّ
فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عَامٌّ
وَحَدِيثُ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ خَاصٌّ
وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ.
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُبْنَى الْعَامُّ عَلَى
الْخَاصِّ مُطْلَقًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ
وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ وَهُوَ الْحَقُّ،
وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ الْعَامَّ الْمُتَأَخِّرَ
نَاسِخٌ فَيَجْعَلُ حَدِيثَ تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا
مَسَّتْ النَّارُ نَاسِخًا لِأَحَادِيثِ الْوُضُوءِ مِنْ
لُحُومِ الْإِبِلِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ
أَحَادِيثَ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ
لَمْ تَشْمَلْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَا بِالتَّنْصِيصِ وَلَا بِالظُّهُورِ بَلْ
فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ: (قَالَ لَهُ الرَّجُلُ
أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ)
وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ: (تَوَضَّئُوا مِنْهَا) وَفِي
حَدِيثِ ذِي الْغُرَّةِ الْآتِي: (أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ
لُحُومِهَا قَالَ: نَعَمْ) فَلَا يَصْلُحُ تَرْكُهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْوُضُوءِ مِمَّا
مَسَّتْ النَّارُ نَاسِخًا لَهَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعَارِضُ
الْقَوْلَ الْخَاصَّ بِنَا وَلَا يَنْسَخُهُ بَلْ يَكُونُ
فِعْلُهُ لِخِلَافِ مَا أَمَرَ بِهِ خَاصًّا بِالْأُمَّةِ
دَلِيلَ الِاخْتِصَاصِ بِهِ. وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ
مُدَوَّنَةٌ فِي الْأُصُولِ مَشْهُورَةٌ وَقَلَّ مَنْ
يَتَنَبَّهُ لَهَا مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فِي مَوَاطِنِ
التَّرْجِيحِ، وَاعْتِبَارُهَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ
وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ فِي كَثِيرٍ مِنْ
الْأَحْكَامِ الَّتِي تُعَدُّ مِنْ الْمَضَايِقِ، وَقَدْ
اسْتَرَحْنَا بِمُلَاحَظَتِهَا عَنْ التَّعَبِ فِي جُمَلٍ
مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي عَدَّهَا النَّاسُ مِنْ
الْمُعْضِلَاتِ وَسَيَمُرُّ بِك فِي هَذَا الشَّرْحِ مِنْ
مَوَاطِنَ اعْتِبَارِهَا مَا تَنْتَفِعُ بِهِ إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ أَسْلَفْنَا التَّنْبِيهَ عَلَى
ذَلِكَ.
فَإِنْ قُلْت: هَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُوقِعُك فِي الْقَوْلِ
بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ
(1/253)
257 - (وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ
قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ،
فَقَالَ: تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَسُئِلَ عَنْ لُحُومِ
الْغَنَمِ، فَقَالَ: لَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا، وَسُئِلَ
عَنْ الصَّلَاةِ فِي مُبَارَكِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: لَا
تُصَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ الشَّيَاطِينِ، وَسُئِلَ
عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، فَقَالَ:
صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ
بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ خَاصٌّ
بِالْأُمَّةِ، كَمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ: «تَوَضَّئُوا
مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ» وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ
حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي
أَيُّوبَ وَأَبِي طَلْحَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَزَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ فَلَا يَكُونُ تَرْكُهُ
لِلْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ نَاسِخًا لِلْأَمْرِ
بِالْوُضُوءِ مِنْهُ وَلَا مُعَارِضًا لِمِثْلِ مَا
ذَكَرْت فِي لُحُومِ الْإِبِلِ. قُلْت: إنْ لَمْ يَصِحَّ
مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا
مُجَرَّدُ الْفِعْلِ بَعْدَ الْأَمْرِ لَنَا بِالْوُضُوءِ
مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ فَالْحَقُّ عَدَمُ النَّسْخِ
وَتَحَتَّمَ الْوُضُوءُ عَلَيْنَا مِنْهُ وَاخْتِصَاصُ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِتَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْهُ، وَأَيُّ ضَيْرٍ فِي
التَّمَذْهُبِ بِهَذَا الْمَذْهَبِ، وَقَدْ قَالَ بِهِ
ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو طَلْحَةَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
وَأَبُو مُوسَى وَعَائِشَةُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو
هُرَيْرَةَ وَأَبُو غُرَّةَ الْهُذَلِيُّ وَعُمَرُ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو مِجْلَزٍ لَاحِقُ بْنُ حُمَيْدٍ
وَأَبُو قِلَابَةَ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَالْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ. صَرَّحَ بِذَلِكَ
الْحَازِمِيُّ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ. وَقَدْ
نَسَبَهُ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ إلَى أَكْثَرِ
هَؤُلَاءِ وَزَادَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَأَبَا
مِجْلَزٍ. وَكَذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ
الْمَنْسُوخَ هُوَ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ
النَّارُ، وَالنَّاسِخُ الْأَمْرُ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ
قَالَ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الزُّهْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ
وَذَكَرَ لَهُمْ مُتَمَسَّكًا.
وَيُؤَيِّدُ وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ
أَنَّ حَدِيثَ تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْهُ لَهُ عِلَّتَانِ
ذَكَرَهُمَا الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَحَدِيثُ
عَائِشَةَ: (مَا تَرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ
حَتَّى قُبِضَ) وَإِنْ قَالَ الْجُوزَجَانِيُّ: إنَّهُ
بَاطِلٌ فَهُوَ مُتَأَيَّدٌ بِمَا كَانَ مِنْهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْوُضُوءِ لِكُلِّ
صَلَاةٍ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ دَيْدَنًا لَهُ وَهَجِيرًا
وَإِنْ خَالَفَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ إذَا تَقَرَّرَ
لَك هَذَا. فَاعْلَمْ أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ
هُوَ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ، وَالْحَقَائِقُ
الشَّرْعِيَّةُ ثَابِتَةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا،
وَلَا مُتَمَسَّكَ لِمَنْ قَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِهِ
غَسْلُ الْيَدَيْنِ.
وَأَمَّا لُحُومُ الْغَنَمِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ
الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ مُخَصِّصَةٌ لَهُ مِنْ
عُمُومِ مَا مَسَّتْ النَّارُ، فَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ
الْآتِي: (لَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا) وَفِي حَدِيثِ ذِي
الْغُرَّةِ: أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِهَا - يَعْنِي
الْغَنَمَ - قَالَ: لَا وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ (إنْ شِئْت
تَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْت فَلَا تَتَوَضَّأْ) وَسَيَأْتِي
تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا فِي بَابِ اسْتِحْبَابِ
الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ.
257 - (وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «سُئِلَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، فَقَالَ:
تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَسُئِلَ عَنْ لُحُومِ الْغَنَمِ،
فَقَالَ: لَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا، وَسُئِلَ عَنْ
الصَّلَاةِ فِي مُبَارَكِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: لَا
تُصَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ الشَّيَاطِينِ، وَسُئِلَ
عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، فَقَالَ:
صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو
(1/254)
دَاوُد) .
258 - (وَعَنْ ذِي الْغُرَّةِ قَالَ: «عَرَضَ أَعْرَابِيٌّ
لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَرَسُولُ اللَّهِ يَسِيرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
تُدْرِكُنَا الصَّلَاةُ وَنَحْنُ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ
أَفَنُصَلِّي فِيهَا؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ:
أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ
أَفَنُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: نَعَمْ،
قَالَ: أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِهَا؟ قَالَ: لَا» ،
رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ
أَبِيهِ) .
بَابُ الْمُتَطَهِّرِ يَشُكُّ هَلْ أَحْدَثَ
259 - (عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ:
«شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ
الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى
يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
دَاوُد) . الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ الْجَارُودِ
وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَقَالَ فِي صَحِيحِهِ: لَمْ أَرَ
خِلَافًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا
الْخَبَرَ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ لِعَدَالَةِ
نَاقِلِيهِ.
وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ الْخِلَافَ فِيهِ عَلَى ابْنِ
أَبِي لَيْلَى هَلْ هُوَ عَنْ الْبَرَاءِ أَوْ عَنْ ذِي
الْغُرَّةِ أَوْ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ؟ وَصُحِّحَ
أَنَّهُ عَنْ الْبَرَاءِ. وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي
حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الْحَافِظُ:
وَقَدْ قِيلَ: إنَّ ذَا الْغُرَّةِ لَقَبُ الْبَرَاءِ بْنِ
عَازِبٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُهُ وَأَنَّ اسْمَهُ
يَعِيشُ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ
لُحُومِ الْإِبِلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ
وَعَدَمُ وُجُوبِهِ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ وَقَدْ
تَقَدَّمَ أَيْضًا. وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى الْمَنْعِ
مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ، وَالْإِذْنِ
بِهَا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ
عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْمَوَاضِعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا
وَالْمَأْذُونِ فِيهَا لِلصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى.
258 - (وَعَنْ ذِي الْغُرَّةِ قَالَ: «عَرَضَ أَعْرَابِيٌّ
لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَرَسُولُ اللَّهِ يَسِيرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
تُدْرِكُنَا الصَّلَاةُ وَنَحْنُ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ
أَفَنُصَلِّي فِيهَا؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ:
أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ
أَفَنُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: نَعَمْ،
قَالَ: أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِهَا؟ قَالَ: لَا» ،
رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ
أَبِيهِ) .
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ قَالَ فِي مَجْمَعِ
الزَّوَائِدِ: وَرِجَالُ أَحْمَدَ مُوَثَّقُونَ، وَقَدْ
عَرَفْت مَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَدْ صَرَّحَ
أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الَّذِي صَحَّ فِي
الْبَابِ حَدِيثَانِ: حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ،
وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ، وَهَكَذَا قَالَ إِسْحَاقُ،
ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ.
وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ: قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ
رَاهْوَيْهِ: صَحَّ فِي الْبَابِ حَدِيثَانِ عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ اهـ.
وَقَدْ عَرَفْت الْكَلَامَ عَلَى فِقْهِ الْحَدِيثِ فِي
أَوَّلِ الْبَابِ. وَذُو الْغُرَّةِ قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ
غَيْرُ الْبَرَاءِ وَأَنَّ اسْمَهُ يَعِيشُ.
(1/255)
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا
التِّرْمِذِيَّ) .
260 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
عَنْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: «إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا
فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا
فَلَا يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا
أَوْ يَجِدَ رِيحًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ)
.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الْمُتَطَهِّرِ يَشُكُّ هَلْ أَحْدَثَ]
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا، أَخْرَجَهُ أَبُو
دَاوُد فِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ
وَالْحَاكِمِ وَابْنِ حِبَّانَ، وَفِي إسْنَادِ أَحْمَدَ
عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ. وَعَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَفِي
إسْنَادِهِ أَبُو أُوَيْسٍ لَكِنْ تَابَعَهُ
الدَّرَاوَرْدِيُّ. قَوْلُهُ: (يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ
يَجِدُ الشَّيْءَ) يَعْنِي خُرُوجَ الْحَدَثِ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا)
قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ يَعْلَمُ وُجُودَ
أَحَدِهِمَا وَلَا يُشْتَرَطُ السَّمَاعُ وَالشَّمُّ
بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اطِّرَاحِ الشُّكُوكِ
الْعَارِضَةِ لِمَنْ فِي الصَّلَاةِ، وَالْوَسْوَسَةُ
الَّتِي جَعَلَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مِنْ تَسْوِيلِ الشَّيْطَانِ وَعَدَمِ الِانْتِقَالِ إلَّا
لِقِيَامِ نَاقِلٍ مُتَيَقِّنٍ كَسَمَاعِ الصَّوْتِ
وَشَمِّ الرِّيحِ وَمُشَاهَدَةِ الْخَارِجِ. قَالَ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا الْحَدِيثُ
أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَقَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ
مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ، وَهِيَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ
يُحْكَمُ بِبَقَائِهَا عَلَى أُصُولِهَا حَتَّى
يُتَيَقَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ الشَّكُّ
الطَّارِئُ عَلَيْهَا.
فَمِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْبَابِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا
الْحَدِيثُ وَهِيَ أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ
وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ حُكِمَ بِبَقَائِهِ عَلَى
الطَّهَارَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُصُولِ هَذَا الشَّكِّ
فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَحُصُولِهِ خَارِجِ الصَّلَاةِ،
هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ
مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ
رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْوُضُوءُ
إنْ كَانَ شَكُّهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُهُ
إنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ، وَالثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ
بِكُلِّ حَالٍ. وَحُكِيَتْ الرِّوَايَةُ الْأُولَى عَنْ
الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ وَجْهٌ شَاذٌّ مَحْكِيٌّ
عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا فَرْقَ فِي شَكِّهِ بَيْنَ أَنْ
يَسْتَوِيَ الِاحْتِمَالَانِ فِي وُقُوعِ الْحَدَثِ
وَعَدَمِهِ أَوْ يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا وَيَغْلِبُ فِي
ظَنِّهِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ، قَالَ:
أَمَّا إذَا تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ
فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِإِجْمَاعِ
الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: وَمِنْ مَسَائِلِ الْقَاعِدَةِ
الْمَذْكُورَةِ أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ
أَوْ فِي عِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ
الطَّاهِرِ أَوْ طَهَارَةِ النَّجِسِ أَوْ نَجَاسَةِ
الثَّوْبِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أَنَّهُ
صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ أَمْ أَرْبَعًا أَمْ أَنَّهُ
رَكَعَ وَسَجَدَ أَمْ لَا أَوْ أَنَّهُ نَوَى الصَّوْمَ
أَوْ الصَّلَاةَ أَوْ الْوُضُوءَ أَوْ الِاعْتِكَافَ
وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ وَمَا أَشْبَهَ
هَذِهِ الْأَمْثِلَةَ، فَكُلُّ هَذِهِ الشُّكُوكِ لَا
تَأْثِيرَ لَهَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْحَادِثِ اهـ.
وَإِلْحَاقُ غَيْرِ حَالَةِ الصَّلَاةِ بِهَا لَا يَصِحُّ
أَنْ يَكُونَ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ حَالَةَ
الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ لِمَا يَطْرُقُ مِنْ الشُّكُوكِ
(1/256)
بَابُ إيجَابِ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ
وَالطَّوَافِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ
261 - (عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَقْبَلُ
اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ وَلَا صَدَقَةً مِنْ
غُلُولٍ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَاسْتِفَادَتُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ لِعَدَمِ ذِكْرِ الصَّلَاةِ فِيهِ. وَأَمَّا
ذِكْرُ الْمَسْجِدِ فَوَصْفٌ طَرْدِيٌّ لَا يَقْتَضِي
التَّقْيِيدَ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ عَقِبَ
سِيَاقِهِ: وَهَذَا اللَّفْظُ عَامٌّ فِي حَالِ الصَّلَاةِ
وَغَيْرِهَا اهـ. عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالصَّلَاةِ
فِي حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ إنَّمَا وَقَعَ فِي
سُؤَالِ السَّائِلِ وَفِي جَعْلِهِ مُقَيِّدًا لِلْجَوَابِ
خِلَافٌ فِي الْأُصُولِ مَشْهُورٌ. .
[بَابُ إيجَابِ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ
وَمَسِّ الْمُصْحَفِ]
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا. وَفِي
الْبَابِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ وَالِدِ أَبِي
الْمَلِيحِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَأَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَافِظُ:
وَقَدْ أَوْضَحْت طُرُقَهُ وَأَلْفَاظَهُ فِي الْكَلَامِ
عَلَى أَوَائِلِ التِّرْمِذِيِّ. قَوْلُهُ: (لَا يَقْبَلُ
اللَّهُ) قَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي بَابِ
الْوُضُوءِ بِالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلِ. قَوْلُهُ:
(وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ) الْغُلُولُ بِضَمِّ
الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: هُوَ الْخِيَانَةُ، وَأَصْلُهُ
السَّرِقَةُ مِنْ مَالِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَقَدْ
أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ
فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَاخْتَلَفُوا مَتَى فُرِضَتْ
الطَّهَارَةُ لِلصَّلَاةِ، فَذَهَبَ ابْنُ الْجَهْمِ إلَى
أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ سُنَّةً،
ثُمَّ نَزَلَ فَرْضُهُ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ. وَقَالَ
الْجُمْهُورُ: بَلْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَرْضًا، وَقَدْ
اسْتَوْفَى الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ الْحَافِظُ فِي
أَوَّلِ كِتَابِ الْوُضُوءِ فِي الْفَتْحِ، وَاخْتَلَفُوا
هَلْ الْوُضُوءُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إلَى
الصَّلَاةِ أَمْ عَلَى الْمُحْدِثِ خَاصَّةً؟ ، فَذَهَبَ
ذَاهِبُونَ مِنْ السَّلَفِ إلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لِكُلِّ
صَلَاةٍ فَرْضٌ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {إِذَا
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] الْآيَةَ وَذَهَبَ
قَوْمٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ ثُمَّ نُسِخَ.
وَقِيلَ: الْأَمْرُ بِهِ عَلَى النَّدْبِ. وَقِيلَ: لَا
بَلْ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا لِمَنْ يُحْدِثُ، وَلَكِنْ
تَجْدِيدُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مُسْتَحَبٌّ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: حَاكِيًا عَنْ الْقَاضِي: وَعَلَى
هَذَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْفَتْوَى بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَمْ
يَبْقَ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ، وَمَعْنَى الْآيَةِ
عِنْدَهُمْ: إذَا قُمْتُمْ مُحْدِثِينَ، وَهَكَذَا
نَسَبَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إلَى الْأَكْثَرِ،
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ
الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِرَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ
طَاهِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ، فَلَمَّا شُقَّ
عَلَيْهِ وُضِعَ عَنْهُ الْوُضُوءُ إلَّا مِنْ حَدَثٍ» .
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ «كَانَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ عِنْدَ
كُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ صَلَّى
الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:
إنَّك فَعَلْت
(1/257)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ، فَقَالَ: عَمْدًا
فَعَلْتُهُ» أَيْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَاسْتَدَلَّ
الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا وُضُوءَ إلَّا
مِنْ حَدَثٍ» فَالْحَقُّ اسْتِحْبَابُ الْوُضُوءِ عِنْدَ
الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ، وَمَا شَكَّك بِهِ صَاحِبُ
الْمَنَارِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ نَيِّرٍ، فَإِنَّ
الْأَحَادِيثَ مُصَرِّحَةٌ بِوُقُوعِ الْوُضُوءِ مِنْهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُلِّ صَلَاةٍ إلَى
وَقْتِ التَّرْخِيصِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ
لِحَدَثٍ وَلِغَيْرِهِ، وَالْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى هَذَا
وَلَيْسَ فِيهَا التَّقْيِيدُ بِحَالِ الْحَدَثِ،
وَحَدِيثُ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي
لَأَمَرْتهمْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ بِوُضُوءٍ، وَمَعَ
كُلِّ وُضُوءٍ بِسِوَاكٍ» عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ
عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ هَذَا
الْحَدِيثَ فِي بَابِ: فَضْلِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ،
وَقَدْ أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ
يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» زَادَ التِّرْمِذِيُّ:
(طَاهِرًا أَوْ وَغَيْرَ طَاهِرٍ) وَفِي حَدِيثِ عَدَمِ
التَّوَضُّؤِ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ دَلِيلٌ عَلَى
تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ أَكْلَ
لُحُومِهَا غَيْرُ نَاقِضٍ، ثُمَّ قَالَ لِلسَّائِلِ عَنْ
الْوُضُوءِ: (إنْ شِئْت) . وَقَدْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ
الصَّحِيحَةُ فِي فَضْلِ الْوُضُوءِ كَحَدِيثِ: «مَا
مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ،
ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، إلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ
الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ» أَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ
عَامِرٍ، وَحَدِيثِ (أَنَّهَا تَخْرُجُ خَطَايَاهُ مَعَ
الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) عِنْدَ
مُسْلِمٍ وَمَالِكٍ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ. وَحَدِيثِ «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي
هَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَكَانَتْ
صَلَاتُهُ وَمَشْيُهُ إلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً»
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ،
وَحَدِيثُ: «إذَا تَوَضَّأْت اغْتَسَلْت مِنْ خَطَايَاك
كَيَوْمِ وَلَدَتْك أُمُّك» عِنْدَ مُسْلِمٍ
وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ،
وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ، فَهَلْ يَجْمُلُ بِطَالِبِ
الْحَقِّ الرَّاغِبِ فِي الْأَجْرِ أَنْ يَدَعَ هَذِهِ
الْأَدِلَّةَ الَّتِي لَا تَحْتَجِبُ أَنْوَارُهَا عَلَى
غَيْرِ أَكْمَهَ وَالْمَثُوبَاتِ الَّتِي لَا يَرْغَبُ
عَنْهَا إلَّا أَبْلَهَ، وَيَتَمَسَّكُ بِأَذْيَالِ
تَشْكِيكٍ مُنْهَارٍ وَشُبْهَةٍ مَهْدُومَةٍ هِيَ
مَخَافَةُ الْوُقُوعِ بِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ
صَلَاةٍ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ فِي الْوَعِيدِ الَّذِي وَرَدَ
فِي حَدِيثِ: «فَمَنْ زَادَ فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى
وَظَلَمَ» بَعْدَ أَنْ تَتَكَاثَرَ الْأَدِلَّةُ عَلَى
أَنَّ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَزِيمَةٌ، وَأَنَّ
الِاكْتِفَاءَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ لِصَلَوَاتٍ
مُتَعَدِّدَةٍ رُخْصَةٌ بَلْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى
الْوُجُوبِ عِنْدَ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ كَمَا
أَسْلَفْنَا، دَعْ عَنْك هَذَا كُلَّهُ.
هَذَا ابْنُ عُمَرَ يَرْوِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ
تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهِ عَشْرَ
حَسَنَاتٍ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد،
فَهَلْ أَنَصَّ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْ هَذَا، وَهَلْ
يَبْقَى بَعْدَ هَذَا التَّصْرِيحِ ارْتِيَابٌ؟ .
(1/258)
262 - (وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَتَبَ
إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا وَكَانَ فِيهِ: لَا
يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ
وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ
مُرْسَلًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إنَّ فِي الْكِتَابِ
الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ " أَنْ لَا
يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ ". وَقَالَ الْأَثْرَمُ:
وَاحْتَجَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي أَحْمَدَ -
بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، «وَلَا يَمَسَّ الْمُصْحَفَ إلَّا
عَلَى طَهَارَةٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
262 - (وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَتَبَ إلَى أَهْلِ
الْيَمَنِ كِتَابًا وَكَانَ فِيهِ: لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ
إلَّا طَاهِرٌ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ،
وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ مُرْسَلًا عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ حَزْمٍ إنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو
بْنِ حَزْمٍ " أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ
". وَقَالَ الْأَثْرَمُ: وَاحْتَجَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
- يَعْنِي أَحْمَدَ - بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، «وَلَا
يَمَسَّ الْمُصْحَفَ إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ) » .
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ، وَالطَّبَرَانِيُّ
وَفِي إسْنَادِهِ سُوَيْد بْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَهُوَ
ضَعِيفٌ. وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ
أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ، وَحَسَّنَ الْحَازِمِيُّ
إسْنَادَهُ، وَقَدْ ضَعَّفَ النَّوَوِيُّ وَابْنُ كَثِيرٍ
فِي إرْشَادِهِ وَابْنُ حَزْمٍ حَدِيثَ حَكِيمِ بْنِ
حِزَامٍ، وَحَدِيثَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ جَمِيعًا، وَفِي
الْبَابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ
وَالطَّبَرَانِيِّ قَالَ الْحَافِظُ: وَإِسْنَادُهُ لَا
بَأْسَ بِهِ، لَكِنْ فِيهِ سُلَيْمَانُ الْأَشْدَقُ وَهُوَ
مُخْتَلَفٌ فِيهِ، رَوَاهُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ
ابْنِ عُمَرَ، قَالَ الْحَافِظُ: ذَكَرَ الْأَثْرَمُ أَنَّ
أَحْمَدَ احْتَجَّ بِهِ.
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي
الْعَاصِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، وَابْنِ أَبِي دَاوُد
فِي الْمَصَاحِفِ، وَفِي إسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ.
وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ مَنْ لَا يُعْرَفُ،
وَعَنْ ثَوْبَانَ أَوْرَدَهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ فِي مُنْتَخَبِ مُسْنَدِهِ، وَفِي إسْنَادِهِ
حَصِيبُ بْنُ جَحْدَرٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ. وَرَوَى
الدَّارَقُطْنِيّ فِي قِصَّةِ إسْلَامِ عُمَرَ أَنَّ
أُخْتَهُ قَالَتْ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ: إنَّهُ
رِجْسٌ، وَلَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ. قَالَ
الْحَافِظُ: وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَفِيهِ عَنْ
سَلْمَانَ مَوْقُوفًا، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ
وَالْحَاكِمُ. وَكِتَابُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ تَلَقَّاهُ
النَّاسُ بِالْقَبُولِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ
إنَّهُ أَشْبَهَ الْمُتَوَاتِرَ لِتَلَقِّي النَّاسِ لَهُ
بِالْقَبُولِ، وَقَالَ يَعْقُوب بْنُ سُفْيَانَ: لَا
أَعْلَمُ كِتَابًا أَصَحَّ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، فَإِنَّ
أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَالتَّابِعِينَ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ
وَيَدَعُونَ رَأْيَهُمْ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: قَدْ شَهِدَ
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيُّ لِهَذَا
الْكِتَابِ بِالصِّحَّةِ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَسُّ
الْمُصْحَفِ إلَّا لِمَنْ كَانَ طَاهِرًا، وَلَكِنَّ
الطَّاهِرَ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى الْمُؤْمِنِ،
وَالطَّاهِرِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ،
وَمَنْ لَيْسَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ. وَيَدُلُّ
لِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْأَوَّلِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى
{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] وَقَوْلُهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي
هُرَيْرَةَ: (الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ) وَعَلَى الثَّانِي
{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]
وَعَلَى الثَّالِثِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: (دَعْهُمَا
فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ) وَعَلَى
الرَّابِعِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي
لَيْسَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ حِسِّيَّةً وَلَا حُكْمِيَّةً
يُسَمَّى طَاهِرًا، وَقَدْ وَرَدَ إطْلَاقُ ذَلِكَ فِي
كَثِيرٍ، فَمَنْ أَجَازَ حَمَلَ الْمُشْتَرَكَ عَلَى
جَمِيعِ مَعَانِيهِ
(1/259)
»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
حَمَلَهُ عَلَيْهَا هُنَا.
وَالْمَسْأَلَةُ مُدَوَّنَةٌ فِي الْأُصُولِ، وَفِيهَا
مَذَاهِبُ. وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ
مُجْمَلٌ فِيهَا فَلَا يُعْمَلُ بِهِ حَتَّى يُبَيَّنَ،
وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
لِلْمُحْدِثِ حَدَثًا أَكْبَرَ أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ،
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ دَاوُد. اسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ
لِلْجُنُبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَمَسُّهُ إِلا
الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] وَهُوَ لَا يَتِمُّ إلَّا
بَعْدَ جَعْلِ الضَّمِيرِ رَاجِعًا إلَى الْقُرْآنِ،
وَالظَّاهِرُ رُجُوعُهُ إلَى الْكِتَابِ، وَهُوَ اللَّوْحُ
الْمَحْفُوظُ؛ لِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ، وَالْمُطَّهَرُونَ
الْمَلَائِكَةُ، وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ الطَّهُورِ فَلَا
أَقَلَّ مِنْ الِاحْتِمَالِ فَيَمْتَنِعُ الْعَمَلُ
بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَيَتَوَجَّهُ الرُّجُوعُ إلَى
الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَلَوْ سَلِمَ رُجُوعُهُ
إلَى الْقُرْآنِ عَلَى التَّعْيِينِ لَكَانَتْ دَلَالَتُهُ
عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَهُوَ مَنْعُ الْجُنُبِ مِنْ مَسِّهِ
غَيْرَ مُسَلَّمَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُطَّهَرَ مَنْ لَيْسَ
بِنَجِسٍ، وَالْمُؤْمِنُ لَيْسَ بِنَجِسٍ دَائِمًا
لِحَدِيثِ: «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» وَهُوَ مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ الْمُطَّهَرِ عَلَى مَنْ
لَيْسَ بِجُنُبٍ أَوْ حَائِضٍ أَوْ مُحْدِثٍ أَوْ
مُتَنَجِّسٍ بِنَجَاسَةٍ عَيْنِيَّةٍ، بَلْ يَتَعَيَّنُ
حَمْلُهُ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمُشْرِكٍ كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]
لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ السَّفَرِ
بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَلَوْ سَلِمَ
صَدَقَ اسْمُ الطَّاهِرِ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمُحْدِثٍ
حَدَثًا أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ، فَقَدْ عَرَفْت أَنَّ
الرَّاجِحَ كَوْنُ الْمُشْتَرَكِ مُجْمَلًا فِي مَعَانِيهِ
فَلَا يُعَيَّنُ حَتَّى يُبَيَّنَ.
وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ هَهُنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ
غَيْرُهُ لِحَدِيثِ: «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» وَلَوْ
سَلِمَ عَدَمُ وُجُودِ دَلِيلٍ يَمْنَعُ مِنْ إرَادَتِهِ،
لَكَانَ تَعْيِينُهُ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ تَرْجِيحًا
بِلَا مُرَجِّحٍ، وَتَعْيِينُهُ لِجَمِيعِهَا
اسْتِعْمَالًا لِلْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ،
وَفِي الْخِلَافِ، وَلَوْ سَلِمَ رُجْحَانُ الْقَوْلِ
بِجَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ لِلْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ
مَعَانِيهِ، لَمَا صَحَّ لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ
حَدِيثُ: (الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ) وَاسْتَدَلُّوا
أَيْضًا بِحَدِيثِ الْبَابِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ غَيْرُ
صَالِحٍ لِلِاحْتِجَاجِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَحِيفَةٍ غَيْرِ
مَسْمُوعَةٍ، وَفِي رِجَالِ إسْنَادِهِ خِلَافٌ شَدِيدٌ
وَلَوْ سَلِمَ صَلَاحِيَّتُهُ لِلِاحْتِجَاجِ لَعَادَ
الْبَحْثُ السَّابِقُ فِي لَفْظٍ طَاهِرٍ، وَقَدْ
عَرَفْته. قَالَ السَّيِّدُ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ الْوَزِيرُ: إنَّ إطْلَاقَ اسْمِ النَّجِسِ
عَلَى الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَيْسَ بِطَاهِرٍ مِنْ
الْجَنَابَةِ أَوْ الْحَيْضِ أَوْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ
لَا يَصِحُّ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَا لُغَةً،
صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ وَرَدَ عَلَيْهِ،
فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فَالْمُؤْمِنُ طَاهِرٌ دَائِمَا فَلَا
يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ سَوَاءٌ كَانَ جُنُبًا أَوْ
حَائِضًا أَوْ مُحْدِثًا أَوْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ،
فَإِنْ قُلْت: إذَا تَمَّ مَا تُرِيدُ مِنْ حَمْلِ
الطَّاهِرِ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمُشْرِكٍ فَمَا جَوَابُك
فِيمَا ثَبَتَ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ:
أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِك اللَّهُ أَجْرَك
مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْت فَإِنَّ عَلَيْك إثْمُ
الْأَرِيسِيِّينَ "، وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا
إِلَى كَلِمَةٍ} [آل عمران: 64] إلَى قَوْلِهِ
{مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] مَعَ كَوْنِهِمْ جَامِعِينَ
بَيْنَ نَجَاسَتَيْ الشِّرْكِ وَالِاجْتِنَابِ، وَوُقُوعُ
اللَّمْسِ مِنْهُمْ
(1/260)
263 - (وَعَنْ طَاوُسٍ عَنْ رَجُلٍ قَدْ
أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: «إنَّمَا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ فَإِذَا
طُفْتُمْ فَأَقِلُّوا الْكَلَامَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ) .
أَبْوَابُ مَا يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِأَجْلِهِ
بَابُ اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ
وَالرُّخْصَةُ فِي تَرْكِهِ
264 - (عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ
أَنَّهُ وَجَدَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ عَلَى
الْمَسْجِدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
لَهُ مَعْلُومٌ.
قُلْت: أَجْعَلُهُ خَاصًّا بِمِثْلِ الْآيَةِ
وَالْآيَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَمْكِينُ الْمُشْرِكِ
مِنْ مَسِّ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ لِمَصْلَحَةٍ، كَدُعَائِهِ
إلَى الْإِسْلَامِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ ذَلِكَ،
بِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِاخْتِلَاطِهِ بِغَيْرِهِ لَا
يُحْرَمُ لَمْسُهُ كَكُتُبِ التَّفْسِيرِ فَلَا تُخَصَّصُ
بِهِ الْآيَةُ وَالْحَدِيثُ. إذَا تَقَرَّرَ لَك هَذَا
عَرَفْت عَدَمَ انْتِهَاضَ الدَّلِيلِ عَلَى مَنْعِ مَنْ
عَدَا الْمُشْرِكِ، وَقَدْ عَرَفْت الْخِلَافَ فِي
الْجُنُبِ. وَأَمَّا الْمُحْدِثُ حَدَثًا أَصْغَرَ
فَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ
وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ
وَالْهَادَوِيَّةُ وَقَاضِي الْقُضَاةِ وَدَاوُد إلَى
أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ.
وَقَالَ الْقَاسِمُ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْإِمَامُ
يَحْيَى: لَا يَجُوزُ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا سَلَفَ،
وَقَدْ سَلَفَ مَا فِيهِ
263 - (وَعَنْ طَاوُسٍ عَنْ رَجُلٍ قَدْ أَدْرَكَ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
«إنَّمَا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ فَإِذَا طُفْتُمْ
فَأَقِلُّوا الْكَلَامَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ) . الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا
التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ
وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ: رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وَلَا
يُعْرَفُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ،
وَمَدَارُهُ عَلَى عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ طَاوُسٍ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاخْتُلِفَ عَلَى عَطَاءٍ فِي
رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَرَجَّحَ الْمَوْقُوفَ النَّسَائِيّ
وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُنْذِرِيُّ
وَالنَّوَوِيُّ وَزَادَ أَنَّ رِوَايَةَ الرَّفْعِ
ضَعِيفَةٌ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي إطْلَاقِ ذَلِكَ
نَظَرٌ، فَإِنَّ عَطَاءَ بْنَ السَّائِبِ صَدُوقٌ، وَإِذَا
رُوِيَ عَنْهُ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا تَارَةً وَمَوْقُوفًا
تَارَةً، فَالْحُكْمُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ
لِلرَّفْعِ، وَالنَّوَوِيُّ مِمَّنْ يَعْتَمِدُ ذَلِكَ،
وَيُكْثِرُ مِنْهُ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَعْلِيلِ
الْحَدِيثِ بِهِ إذَا كَانَ الرَّافِعُ ثِقَةً. وَقَدْ
أَخْرَجَ الْحَدِيثَ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ
عَنْ عَطَاءٍ وَهُوَ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ
الِاخْتِلَاطِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ مِنْ
طَرِيقِهِ. وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ فِي التَّلْخِيصِ
فَلْيُرْجَعْ إلَيْهِ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ الطَّوَافُ عَلَى طَهَارَةٍ كَطَهَارَةِ
الصَّلَاةِ، وَفِيهِ خِلَافٌ مَحَلُّهُ كِتَابُ الْحَجِّ.
(1/261)
فَقَالَ: إنَّمَا أَتَوَضَّأُ مِنْ أَثْوَارِ أَقِطٍ
أَكَلْتهَا لِأَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «تَوَضَّئُوا
مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ» ) .
265 - وَعَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتْ
النَّارُ» .
266 - (وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ رَوَاهُنَّ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ |