نيل
الأوطار ط دار الحديث [نيل الأوطار]
[أَبْوَابُ مَا يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِأَجْلِهِ] [بَابُ
اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ
وَالرُّخْصَةُ فِي تَرْكِهِ]
قَوْلُهُ: (أَثْوَارِ أَقِطٍ) الْأَثْوَارُ جَمْعُ ثَوْرٍ
هِيَ الْقِطْعَةُ وَهِيَ مِنْ الْأَقِطِ بِالثَّاءِ
الْمُثَلَّثَةِ وَالْأَقِطُ: لَبَنٌ جَامِدٌ مُسْتَحْجِرٌ
وَهُوَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ. قَوْلُهُ: (يَتَوَضَّأُ
عَلَى الْمَسْجِدِ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ
الْوُضُوءِ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ
الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِهِ مَا
لَمْ يُؤْذِ بِهِ أَحَدًا. وَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى
وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، وَقَدْ
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ
الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ
وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَسُ
بْنِ مَالِكٍ وَجَابِرُ بْنِ سَمُرَةَ وَزَيْدُ بْنُ
ثَابِتٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ
وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو طَلْحَةَ وَعَامِرُ بْنُ
رَبِيعَةَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ
وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةُ وَجَمَاهِيرُ
التَّابِعِينَ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ
وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ
وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى
وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي خَيْثَمَةَ وَسُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ
إلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِأَكْلِ مَا
مَسَّتْهُ النَّارُ.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ
الشَّرْعِيِّ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، وَقَدْ
ذَكَرْنَاهُمْ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ
الْإِبِلِ، اسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بِالْأَحَادِيثِ
الَّتِي سَيَأْتِي ذِكْرُهَا فِي هَذَا الْبَابِ،
وَاسْتَدَلَّ الْآخَرُونَ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا
الْأَمْرُ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، وَقَدْ
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهَا هَهُنَا. وَأَجَابَ
الْأَوَّلُونَ عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابَيْنِ. الْأَوَّلُ:
أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْآتِي. الثَّانِي:
أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ غَسْلُ الْفَمِ
وَالْكَفَّيْنِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: ثُمَّ إنَّ هَذَا
الْخِلَافَ الَّذِي حَكَيْنَاهُ كَانَ فِي الصَّدْرِ
الْأَوَّلِ ثُمَّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ
أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ أَكْلِ مَا مَسَّتْهُ
النَّارُ، وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ
إنَّمَا يَتِمُّ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَارِضُ الْقَوْلَ
الْخَاصَّ بِنَا وَيَنْسَخُهُ، وَالْمُتَقَرِّرُ فِي
الْأُصُولِ خِلَافًا وَقَدْ نَبَّهْنَاك عَلَى ذَلِكَ فِي
بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ الثَّانِي فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ
الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا،
وَحَقِيقَةُ الْوُضُوءِ الشَّرْعِيَّةُ: هِيَ غَسْلُ
جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ الَّتِي تُغْسَلُ لِلْوُضُوءِ فَلَا
يُخَالِفُ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ إلَّا لِدَلِيلٍ. وَأَمَّا
دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فَهِيَ مِنْ الدَّعَاوَى الَّتِي لَا
يَهَابُهَا طَالِبُ الْحَقِّ وَلَا تَحُولُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ مُرَادِهِ مِنْهُ نَعَمْ، الْأَحَادِيثُ
الْوَارِدَةُ فِي تَرْكِ التَّوَضُّؤِ مِنْ لُحُومِ
الْغَنَمِ مُخَصِّصَةٌ
(1/262)
267 - وَعَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: «أَكَلَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ
كَتِفِ شَاةٍ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» .
268 - (وَعَنْ «عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ
قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، فَأَكَلَ
مِنْهَا فَدُعِيَ إلَى الصَّلَاةِ، فَقَامَ وَطَرَحَ
السِّكِّينَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِمَا) .
269 - (وَعَنْ «جَابِرٍ قَالَ: أَكَلْت مَعَ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ خُبْزًا وَلَحْمًا فَصَلَّوْا وَلَمْ
يَتَوَضَّئُوا» رَوَاهُ أَحْمَدُ.)
270 - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ» رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ
وَمَا عَدَا لُحُومَ الْغَنَمِ دَاخِلٌ تَحْتَ ذَلِكَ
الْعُمُومِ.
267 - وَعَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: «أَكَلَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كَتِفِ شَاةٍ،
ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» .
268 - (وَعَنْ «عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ
قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، فَأَكَلَ
مِنْهَا فَدُعِيَ إلَى الصَّلَاةِ، فَقَامَ وَطَرَحَ
السِّكِّينَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِمَا) . قَوْلُهُ: (يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ)
قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ جَوَازُ قَطْعِ اللَّحْمِ
بِالسِّكِّينِ وَذَلِكَ قَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ
لِصَلَابَةِ اللَّحْمِ أَوْ كِبَرِ الْقِطْعَةِ قَالُوا:
وَيُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. قَوْلُهُ: (فَدُعِيَ إلَى
الصَّلَاةِ) فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ
اسْتِدْعَاءِ الْأَئِمَّةِ إلَى الصَّلَاةِ إذَا حَضَرَ
وَقْتُهَا. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ
الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، وَقَدْ عَرَفْت
الْخِلَافَ وَالْكَلَامَ فِيهِ فَلَا نُعِيدُهُ.
269 - (وَعَنْ «جَابِرٍ قَالَ: أَكَلْت مَعَ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ خُبْزًا وَلَحْمًا فَصَلَّوْا وَلَمْ
يَتَوَضَّئُوا» رَوَاهُ أَحْمَدُ.)
270 - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ» رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ) . الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ
أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالضِّيَاءُ فِي
الْمُخْتَارَةِ. وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا
ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد:
هَذَا اخْتِصَارٌ مِنْ حَدِيثِ (قَرَّبْت لِلنَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُبْزًا وَلَحْمًا
فَأَكَلَهُ ثُمَّ دَعَا بِالْوَضُوءِ فَتَوَضَّأَ قَبْلَ
الظُّهْرِ ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ طَعَامِهِ فَأَكَلَ ثُمَّ
قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) وَقَالَ ابْنُ
أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ
وَزَادَ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي
حَمْزَةَ حَدَّثَ بِهِ مَنْ حَفِظَهُ فَوَهِمَ فِيهِ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ نَحْوًا مِمَّا قَالَهُ أَبُو
دَاوُد، وَلَهُ عِلَّةٌ أُخْرَى، قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي
سُنَنِ حَرْمَلَةَ: لَمْ يَسْمَعْ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ
هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ جَابِرٍ إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ فِي الْأَوْسَطِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
الْمَدِينِيِّ قَالَ: قُلْت لِسُفْيَانَ: إنَّ أَبَا
عَلْقَمَةَ الْفَرْوِيَّ رَوَى عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ
عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - (أَكَلَ لَحْمًا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فَقَالَ:
أَحْسَبُنِي سَمِعْت ابْنَ الْمُنْكَدِرِ قَالَ:
أَخْبَرَنِي
(1/263)
بَابُ فَضْلِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ
271 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْلَا أَنْ
أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ
بِوُضُوءٍ، وَمَعَ كُلِّ وُضُوءٍ بِسِوَاكٍ» رَوَاهُ
أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ) .
272 - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ عِنْدَ
كُلِّ صَلَاةٍ، قِيلَ لَهُ فَأَنْتُمْ كَيْفَ تَصْنَعُونَ؟
قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ
مَا لَمْ نُحْدِثْ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
مَنْ سَمِعَ جَابِرًا. قَالَ الْحَافِظُ: وَيَشْهَدُ
لِأَصْلِ الْحَدِيثِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي
الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قُلْت لِجَابِرٍ:
الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ قَالَ: لَا،
وَلِلْحَدِيثِ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ
مَسْلَمَةُ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ
وَلَفْظُهُ: (أَكَلَ آخِرَ أَمْرِهِ لَحْمًا ثُمَّ صَلَّى
وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ: حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ
السُّنَنِ بِأَسَانِيدِهِمْ الصَّحِيحَةِ، وَالْحَدِيثُ
يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ
النَّارُ
، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ
الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذِهِ النُّصُوصُ
إنَّمَا تَنْفِي الْإِيجَابَ لَا الِاسْتِحْبَابَ
وَلِهَذَا قَالَ لِلَّذِي سَأَلَهُ: (أَنَتَوَضَّأُ مِنْ
لُحُومِ الْغَنَمِ قَالَ: إنْ شِئْت فَتَوَضَّأْ وَإِنْ
شِئْت فَلَا تَتَوَضَّأْ) وَلَوْلَا أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ
ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لَمَا أَذِنَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ
إسْرَافٌ وَتَضْيِيعٌ لِلْمَاءِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ
انْتَهَى
[بَابُ فَضْلِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ]
الْحَدِيثُ أَخْرَجَ نَحْوَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ
خُزَيْمَةَ، وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا مِنْ حَدِيثِهِ،
وَرَوَى نَحْوَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ
حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ
الْوُضُوءِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ
مَذْهَبُ الْأَكْثَرِ، بَلْ حَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ
الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّهُ أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ
الْفَتْوَى، وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ، وَقَدْ
قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ: إيجَابِ
الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ.
272 - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ عِنْدَ
كُلِّ صَلَاةٍ، قِيلَ لَهُ فَأَنْتُمْ كَيْفَ تَصْنَعُونَ؟
قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ
مَا لَمْ نُحْدِثْ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا)
. قَوْلُهُ: (عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ) قَالَ الْحَافِظُ:
أَيْ مَفْرُوضَةٍ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ
حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ (طَاهِرًا أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ)
وَظَاهِرُهُ أَنَّ تِلْكَ كَانَتْ عَادَتَهُ. قَالَ
الطَّحَاوِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَاجِبًا
عَلَيْهِ خَاصَّةً ثُمَّ نُسِخَ يَوْمَ الْفَتْحِ
بِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
«أَنَّهُ صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ
وَاحِدٍ» . قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ
اسْتِحْبَابًا،
(1/264)
273 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
حَنْظَلَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ «أُمِرَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ
طَاهِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ، فَلَمَّا شُقَّ
ذَلِكَ عَلَيْهِ أُمِرَ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ
صَلَاةٍ، وَوُضِعَ عَنْهُ الْوُضُوءُ إلَّا مِنْ حَدَثٍ،
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَرَى أَنَّ بِهِ
قُوَّةً عَلَى ذَلِكَ، كَانَ يَفْعَلُهُ حَتَّى مَاتَ»
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد)
274 - (وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ
ضَعِيفٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ
عَلَى طُهْرٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهِ عَشْرَ حَسَنَاتٍ)
» .
بَابُ اسْتِحْبَابِ الطَّهَارَةِ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ وَالرُّخْصَةِ فِي تَرْكِهِ
275 - (عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ «أَنَّهُ سَلَّمَ
عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى فَرَغَ
مِنْ وُضُوئِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إنَّهُ لَمْ
يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْك إلَّا أَنِّي كَرِهْت
أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ» رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِنَحْوِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
ثُمَّ خَشِيَ أَنْ يُظَنَّ وُجُوبُهُ فَتَرَكَهُ لِبَيَانِ
الْجَوَازِ قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا أَقْرَبُ، وَعَلَى
تَقْدِيرِ الْأَوَّلِ فَالنَّسْخُ كَانَ قَبْلَ الْفَتْحِ
بِدَلِيلِ حَدِيثِ سُوَيْد بْنِ النُّعْمَانِ، فَإِنَّهُ
كَانَ فِي خَيْبَرَ، وَهِيَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِزَمَانٍ.
قَوْلُهُ: (كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ) الْقَائِلُ
عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ، وَالْمُرَادُ الصَّحَابَةُ
وَلِابْنِ مَاجَهْ وَكُنَّا نُصَلِّي الصَّلَوَاتِ
كُلَّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَعَدَمِ
وُجُوبِهِ.
273 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ
«أُمِرَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا كَانَ أَوْ
غَيْرَ طَاهِرٍ، فَلَمَّا شُقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ أُمِرَ
بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَوُضِعَ عَنْهُ
الْوُضُوءُ إلَّا مِنْ حَدَثٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عُمَرَ يَرَى أَنَّ بِهِ قُوَّةً عَلَى ذَلِكَ، كَانَ
يَفْعَلُهُ حَتَّى مَاتَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد)
274 - (وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ
ضَعِيفٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ
عَلَى طُهْرٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهِ عَشْرَ حَسَنَاتٍ)
» .
أَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُولَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
حَنْظَلَةَ، فَفِي إسْنَادِهَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ،
وَقَدْ عَنْعَنَ، وَفِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ خِلَافٌ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
فَفِي إسْنَادِهَا الْإِفْرِيقِيُّ عَنْ أَبِي غُطَيْفٍ،
وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ،
وَهَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ.
وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ
وُجُوبِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَعَلَى
اسْتِحْبَابِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مَعَ الطَّهَارَةِ، وَقَدْ
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (عَشْرَ
حَسَنَاتٍ) قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ
الْمُرَادُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهِ عَشْرَ وُضُوآتٍ،
فَإِنَّ أَقَلَّ مَا وَعَدَ بِهِ مِنْ الْأَضْعَافِ
الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَقَدْ وَعَدَ
بِالْوَاحِدَةِ سَبْعَمِائَةِ، وَوَعَدَ ثَوَابًا بِغَيْرِ
حِسَابٍ
(1/265)
276 - (وَعَنْ أَبِي جُهَيْمِ بْنِ
الْحَارِثِ قَالَ: «أَقْبَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ
فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى
أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ
وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ. وَمِنْ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ، وَحَدِيثُ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ.
وَسَنَذْكُرُهُمَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ اسْتِحْبَابِ الطَّهَارَةِ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ وَالرُّخْصَةِ فِي تَرْكِهِ]
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ
الذِّكْرِ لِلْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ، وَلَفْظُ أَبِي
دَاوُد وَهُوَ يَبُولُ، وَيُعَارِضُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ
حَدِيثِ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ
لَا يَحْجِزُهُ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ
الْجَنَابَةَ، فَإِذَا كَانَ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ لَا
يَمْنَعُهُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَهُوَ أَفْضَلُ
الذِّكْرِ كَانَ جَوَازُ مَا عَدَاهُ مِنْ الْأَذْكَارِ
بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ،
فَإِنَّ قَوْلَهَا (كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
أَحْيَانِهِ) مُشْعِرٌ بِوُقُوعِ الذِّكْرِ مِنْهُ حَالَ
الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ
الْأَحْيَانِ الْمَذْكُورَةِ، فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ
بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ خَاصٌّ فَيُخَصُّ بِهِ ذَلِكَ
الْعُمُومُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْكَرَاهَةِ عَلَى
كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَمِثْلُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي
بَعْدَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا تَرَكَ
الْجَوَابَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْشَ فَوْتَ مَنْ سَلَّمَ
عَلَيْهِ فَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ التَّرَاخِي
مَعَ عَدَمِ خَشْيَةِ الْفَوْتِ لِمَنْ كَانَ مُشْتَغِلًا
بِالْوُضُوءِ، وَلَكِنَّ التَّعْلِيلَ بِكَرَاهَتِهِ
لِذِكْرِ اللَّهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الْحَدَثَ سَبَبُ الْكَرَاهَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى
غَيْرِهِ.
276 - (وَعَنْ أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ:
«أَقْبَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ
عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ
فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ
السَّلَامَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمِنْ الرُّخْصَةِ فِي
ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ
عَلِيٍّ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتّ عِنْدَ
خَالَتِي مَيْمُونَةَ. وَسَنَذْكُرُهُمَا) .
قَوْلُهُ (: بِئْرِ جَمَلٍ) بِجِيمٍ وَمِيمٍ
مَفْتُوحَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ (بِئْرِ
الْجَمَلِ) بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ
بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى
الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ) وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى
أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ
عَادِمًا لِلْمَاءِ حَالَ التَّيَمُّمِ، فَإِنَّ
التَّيَمُّمَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ
لِلْقَادِرِينَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ:
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَضِيقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ
وَبَيْنَ أَنْ يَتَّسِعَ. وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ
صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ إذَا خَافَ فَوْتَهُمَا،
وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ مَعَ
وُجُودِ الْمَاءِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ إذَا
خَافَ فَوْتَهُمَا انْتَهَى. وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ
الْهَادَوِيَّةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ
مِنْ الْجِدَارِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ غُبَارٌ. قَالَ
النَّوَوِيُّ: وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ
الْجُمْهُورِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. وَاحْتَجَّ بِهِ
مَنْ جَوَّزَ التَّيَمُّمَ بِغَيْرِ تُرَابٍ. وَأُجِيبُ
بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى جِدَارٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِلنَّوَافِلِ
وَالْفَضَائِلِ، كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ
وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهَا، كَمَا يَجُوزُ
لِلْفَرَائِضِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً،
قَالَهُ النَّوَوِيُّ.
وَفِي الْحَدِيثِ: (إنَّ الْمُسْلِمَ فِي حَالِ قَضَاءِ
الْحَاجَةِ لَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا) وَهَذَا مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ:
(1/266)
277 - (وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى
كُلِّ أَحْيَانِهِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا
النَّسَائِيّ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِغَيْرِ إسْنَادٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
وَيُكْرَهُ لِلْقَاعِدِ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَنْ
يَذْكُرَ اللَّهَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَذْكَارِ. قَالُوا:
فَلَا يُسَبِّحُ وَلَا يُهَلِّلُ، وَلَا يَرُدُّ
السَّلَامَ، وَلَا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ، وَلَا يَحْمَدُ
اللَّهَ إذَا عَطَسَ، وَلَا يَقُولُ مِثْل مَا يَقُولُ
الْمُؤَذِّنُ، وَكَذَلِكَ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ مِنْ
هَذِهِ الْأَذْكَارِ فِي حَالِ الْجِمَاعِ، وَإِذَا عَطَسَ
فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى فِي
نَفْسِهِ، وَلَا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانُهُ، وَهَذَا
الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ الذِّكْرِ، هُوَ
كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ، فَلَا إثْمَ عَلَى
فَاعِلِهِ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْأَكْثَرُونَ،
وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَعَطَاءٍ وَمَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَعِكْرِمَةَ، وَقَالَ
إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَابْنُ سِيرِينَ: لَا بَأْسَ
بِالذِّكْرِ حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَلَا خِلَافَ
أَنَّ الضَّرُورَةَ إذَا دَعَتْ إلَى الْكَلَامِ كَمَا
إذَا رَأَى ضَرِيرًا يَقَعُ فِي بِئْرٍ أَوْ رَأَى حَيَّةً
تَدْنُو مِنْ أَعْمَى كَانَ جَائِزًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ
طَرَفٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَطَرَفٌ مِنْ شَرْحِهِ فِي
بَابِ: كَفِّ الْمُتَخَلِّي عَنْ الْكَلَامِ. قَوْلُهُ:
(وَمِنْ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ) سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ
فِي بَابِ تَحْرِيمِ الْقُرْآنِ عَلَى الْحَائِضِ
وَالْجُنُبِ.
وَفِيهِ (أَنَّهُ كَانَ لَا يَحْجِزُهُ عَنْ الْقُرْآنِ
شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ) فَأَشْعَرَ بِجَوَازِ
قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ إلَّا فِي
حَالَةِ الْجَنَابَةِ، وَالْقُرْآنُ أَشْرَفُ الذِّكْرِ،
فَجَوَازُ غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى. وَمِنْ جُمْلَةِ
الْحَالَاتِ حَالَةُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ. قَوْلُهُ:
(وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتّ عِنْدَ خَالَتِي
مَيْمُونَةَ) مَحَلُّ الدَّلَالَةِ مِنْهُ قَوْلُهُ ثُمَّ
قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ أَوَّلُهَا {إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة: 164] إلَى آخِرِ
السُّورَةِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَمَنْ تَبِعَهُ فِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى رَدِّ قَوْلِ مَنْ كَرِهَ قِرَاءَةَ
الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ هَذِهِ الْآيَاتِ
بَعْدَ قِيَامِهِ مِنْ النَّوْمِ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ،
وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ وَغَيْرُهُ، بِأَنَّ
ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ فِي حَقِّهِ
يَنْقُضُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: «تَنَامُ
عَيْنَايَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» .
وَأَمَّا كَوْنُهُ تَوَضَّأَ عَقِبَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّهُ
جَدَّدَ الْوُضُوءَ أَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ
فَتَوَضَّأَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ تَعَقُّبٌ جَيِّدٌ
بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِ ابْنِ بَطَّالٍ بَعْدَ
قِيَامِهِ مِنْ النَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ
كَوْنُهُ أَحْدَثَ فِي النَّوْمِ، لَكِنْ لَمَّا عَقَّبَ
ذَلِكَ بِالْوُضُوءِ كَانَ ظَاهِرًا فِي كَوْنِهِ
أَحْدَثَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ نَوْمِهِ لَا
يَنْقُضُ وُضُوءَهُ أَنْ لَا يَقَعَ مِنْهُ حَدَثٌ وَهُوَ
نَائِمٌ نَعَمْ خُصُوصِيَّتُهُ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ شَعَرَ
بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَمَا ادَّعَوْهُ مِنْ
التَّجْدِيدِ وَغَيْرِهِ. الْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَقَدْ
سَبَقَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ إلَى مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ
ابْنُ الْمُنِيرِ.
277 - (وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
أَحْيَانِهِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ
وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِغَيْرِ إسْنَادٍ)
(1/267)
بَابُ اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لِمَنْ
أَرَادَ النَّوْمَ
278 - (عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا
أَتَيْت مَضْجَعَك فَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ ثُمَّ
اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّك الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ:
اللَّهُمَّ أَسْلَمْت نَفْسِي إلَيْك، وَوَجَّهْت وَجْهِي
إلَيْك، وَفَوَّضْت أَمْرِي إلَيْك، وَأَلْجَأْت ظَهْرِي
إلَيْك رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْك لَا مَلْجَأَ وَلَا
مَنْجَى مِنْك إلَّا إلَيْك، اللَّهُمَّ آمَنْت بِكِتَابِك
الَّذِي أَنْزَلْت وَنَبِيِّك الَّذِي أَرْسَلْت، فَإِنْ
مِتّ مِنْ لَيْلَتِك فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ،
وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ قَالَ:
فَرَدَّدْتهَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَلَمَّا بَلَغْت: اللَّهُمَّ آمَنْت
بِكِتَابِك الَّذِي أَنْزَلْت، قُلْت: وَرَسُولِك قَالَ:
لَا وَنَبِيِّك الَّذِي أَرْسَلْت» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ) .
بَابُ تَأْكِيدِ ذَلِكَ لِلْجُنُبِ وَاسْتِحْبَابِ
الْوُضُوءِ لَهُ لِأَجْلِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ
وَالْمُعَاوَدَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، قَالَ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هَذَا الْحَدِيثُ
أَصْلٌ فِي ذِكْرِ اللَّهِ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ
وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَشِبْهِهَا مِنْ
الْأَذْكَارِ. وَهَذَا جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ
الْمُسْلِمِينَ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي
جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ،
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ: تَحْرِيمِ
الْقِرَاءَةِ عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ. وَاعْلَمْ
أَنَّهُ يُكْرَهُ الذِّكْرُ فِي حَالَةِ الْجُلُوسِ عَلَى
الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَفِي حَالَةِ الْجِمَاعِ. وَقَدْ
ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا،
فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مَخْصُوصًا بِمَا سِوَى هَذِهِ
الْأَحْوَالِ، وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ
تَعَالَى مُتَطَهِّرًا وَمُحْدِثًا وَجُنُبًا وَقَائِمًا
وَقَاعِدًا وَمُضْطَجِعًا وَمَاشِيًا، قَالَهُ
النَّوَوِيُّ. .
[بَابُ اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لِمَنْ أَرَادَ النَّوْمَ]
قَوْلُهُ: (فَتَوَضَّأَ) ظَاهِرُهُ اسْتِحْبَابُ تَجْدِيدِ
الْوُضُوءِ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ النَّوْمَ، وَلَوْ كَانَ
عَلَى طَهَارَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا
بِمَنْ كَانَ مُحْدِثًا. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ
الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طُرُقٍ عَنْ الْبَرَاءِ
لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْوُضُوءِ إلَّا فِي هَذِهِ
الرِّوَايَةِ، وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ وَرَدَ
فِي الْبَابِ حَدِيثٌ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُد، وَحَدِيثٌ عَنْ عَلِيٍّ أَخْرَجَهُ
الْبَزَّارُ، وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى شَرْطِ
الْبُخَارِيِّ.
قَوْلُهُ: (فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ) الْمُرَادُ
بِالْفِطْرَةِ هُنَا السُّنَّةُ. قَوْلُهُ:
(وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ) فِي
رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيُّ مِنْ آخِرَ وَهِيَ تُبَيِّنُ
أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُنَّ شَيْئًا
مِنْ الْمَشْرُوعِ مِنْ الذِّكْرِ قَوْلُهُ: (لَا
وَنَبِيِّك) قَالَ الْخَطَّابِيِّ: فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ
مَنَعَ رِوَايَةَ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى، قَالَ:
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَنَبِيِّك
الَّذِي أَرْسَلْت إلَى أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا قَبْل أَنْ
يَكُونَ رَسُولًا، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ:
وَرَسُولِك الَّذِي أَرْسَلْت وَصْفٌ زَائِدٌ بِخِلَافِ
قَوْلِهِ: وَنَبِيِّك الَّذِي أَرْسَلْت، وَقَالَ
غَيْرُهُ: لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ؛
لِأَنَّ لَفْظَ الرَّسُولِ لَيْسَ بِمَعْنَى لَفْظِ
النَّبِيِّ، وَلَا خِلَافَ فِي
(1/268)
279 - ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ «أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟
قَالَ: نَعَمْ. إذَا تَوَضَّأَ» .
280 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ
يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ
وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» رَوَاهُمَا الْجَمَاعَةُ) .
281 - (وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا
كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ
تَوَضَّأَ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
الْمَنْعِ إذَا اخْتَلَفَ الْمَعْنَى، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ
أَنْ يَجْمَعَ الْوَصْفَيْنِ صَرِيحًا، وَإِنْ كَانَ
وَصْفُ الرِّسَالَةِ يَسْتَلْزِمُ وَصْفَ النُّبُوَّةِ،
أَوْ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْأَذْكَارِ تَوْقِيفِيَّةَ فِي
تَعْيِينِ اللَّفْظِ، وَتَقْدِيرِ الثَّوَابِ، فَرُبَّمَا
كَانَ فِي اللَّفْظِ سِرٌّ لَيْسَ فِي الْآخَرِ، وَلَوْ
كَانَ يُرَادِفُهُ فِي الظَّاهِرِ، أَوْ لَعَلَّهُ أُوحِيَ
إلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَرَأَى أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ،
أَوْ ذَكَرَهُ احْتِرَازًا مِمَّنْ أُرْسِلَ مِنْ غَيْرِ
نُبُوَّةٍ، كَجِبْرِيلَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ؛
لِأَنَّهُمْ رُسُلٌ لَا أَنْبِيَاءُ، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ
تَخْلِيصَ الْكَلَامِ مِنْ اللَّبْسِ، أَوْ؛ لِأَنَّ
لَفْظَ النَّبِيِّ أَمْدَحُ مِنْ لَفْظِ الرَّسُولِ؛
لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ فِي الْإِطْلَاقِ عَلَى كُلِّ مَنْ
أُرْسِلَ، بِخِلَافِ لَفْظِ النَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا
اشْتِرَاكَ فِيهِ عُرْفًا.
وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: كُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ
مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، لَا يَصِحُّ إطْلَاقُهُ، قَالَهُ
الْحَافِظُ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ
لَا يَجُوزُ إبْدَالُ لَفْظٍ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ
مَثَلًا فِي الرِّوَايَةِ بِلَفْظِ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ، وَكَذَا عَكْسُهُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَوْ
أَجَزْنَا الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى فَلَا حُجَّةَ لَهُ
فِيهِ، وَكَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ أَجَازَ
الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي، لِكَوْنِ الْأَوَّلِ أَخَصَّ
مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّا نَقُولُ الذَّاتُ الْمُخْبَرُ
عَنْهَا فِي الرِّوَايَةِ وَاحِدَةٌ، فَبِأَيِّ وَصْفٍ
وُصِفَتْ تِلْكَ الذَّاتِ مِنْ أَوْصَافِهَا اللَّائِقَةِ
بِهَا عُلِمَ الْقَصْدُ بِالْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَلَوْ
تَبَايَنَتْ مَعَانِي الصِّفَاتِ، كَمَا لَوْ أَبْدَلَ
اسْمًا بِكُنْيَةٍ أَوْ كُنْيَةً بِاسْمٍ فَلَا فَرْقَ
وَلِلْحَدِيثِ فَوَائِدُ مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ
الدَّعَوَاتِ مِنْ الْفَتْحِ.
[بَابُ تَأْكِيدِ الْوُضُوء لِلْجَنْبِ وَاسْتِحْبَابِ
الْوُضُوءِ لَهُ لِأَجْلِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ
وَالْمُعَاوَدَةِ]
[بَابُ جَوَازِ تَرْكِ الْوُضُوء لِلْجَنْبِ]
قَوْلُهُ: (قَالَ: نَعَمْ إذَا تَوَضَّأَ) فِي رِوَايَةِ
الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (لِيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَنَمْ)
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: (لِيَتَوَضَّأْ
وَيَرْقُدْ) .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا (تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك
ثُمَّ نَمْ) .
وَفِي
(1/269)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: (نَعَمْ وَيَتَوَضَّأُ)
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ
لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ وَيَأْكُلَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ
وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ مُعَاوَدَةُ الْأَهْلِ كَمَا
سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَكَذَلِكَ
الشُّرْبُ كَمَا يَأْتِي فِي حَدِيثِ عَمَّارٍ، وَهَذَا
كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ.
وَحَدِيثُ عُمَرَ جَاءَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَجَاءَ
بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَهُوَ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ
بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى الْجُنُبِ إذَا أَرَادَ أَنْ
يَنَامَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ وَهُمْ الظَّاهِرِيَّةُ
وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَذَهَبَ
الْجُمْهُورُ إلَى اسْتِحْبَابِهِ وَعَدَمِ وُجُوبِهِ.
وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي فِي الْبَابِ
الَّذِي بَعْدَ هَذَا: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا
يَمَسُّ مَاءً» وَهُوَ غَيْرُ صَالِحٍ لِلتَّمَسُّكِ بِهِ
مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ فِيهِ مَقَالًا لَا
يَنْتَهِضُ مَعَهُ لِلِاسْتِدْلَالِ وَسَنُبَيِّنُهُ فِي
شَرْحِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَثَانِيهَا: أَنَّ
قَوْلَهُ (لَا يَمَسُّ مَاءً) ، نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ
النَّفْيِ، فَتَعُمُّ مَاءَ الْغُسْلِ وَمَاءَ الْوُضُوءِ
وَغَيْرَهُمَا، وَحَدِيثُهَا الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ
بِلَفْظِ: «كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ
غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ»
خَاصٌّ بِمَاءِ الْوُضُوءِ فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى
الْخَاصِّ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (لَا يَمَسُّ
مَاءً) غَيْرَ مَاءِ الْوُضُوءِ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ
سُرَيْجٍ وَالْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَاءِ
مَاءُ الْغُسْلِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ
يَجْنُبُ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ
لِلصَّلَاةِ وَلَا يَمَسُّ مَاءً» . وَثَالِثُهَا أَنَّ
تَرْكَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْسَ
الْمَاءِ لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ الْخَاصَّ بِنَا كَمَا
تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فَيَكُونُ التَّرْكُ عَلَى
تَسْلِيمِ شُمُولِهِ لِمَاءِ الْوُضُوءِ خَاصًّا بِهِ.
وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ
مَرْفُوعًا: «إنَّمَا أُمِرْت بِالْوُضُوءِ إذَا قُمْت
إلَى الصَّلَاةِ» أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ. وَقَدْ
اسْتَدَلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ ابْنُ خُزَيْمَةَ
وَأَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحَةِ. قَالَ الْحَافِظُ:
وَقَدْ قَدَحَ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ ابْنُ زُبَيْدٍ
الْمَالِكِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ. قُلْت: فَيَجِبُ الْجَمْعُ
بَيْنَ الْأَدِلَّةِ بِحَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى
الِاسْتِحْبَابِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَخْرَجَ
ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سُئِلَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيَنَامُ أَحَدُنَا
وَهُوَ جُنُبٌ قَالَ: نَعَمْ وَيَتَوَضَّأُ إنْ شَاءَ»
وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ هُنَا وُضُوءُ الصَّلَاةِ لِمَا
عَرَّفْنَاك غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ هُوَ الْحَقِيقَةُ
الشَّرْعِيَّةُ وَأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا.
وَقَدْ صَرَّحَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ
الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَهُوَ يَرُدُّ مَا جَنَحَ إلَيْهِ
الطَّحَاوِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ
التَّنْظِيفُ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عُمَرَ رَوَى هَذَا
الْحَدِيثَ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ: (كَانَ يَتَوَضَّأُ
وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ) كَمَا رَوَاهُ
مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ. وَيُرَدُّ أَيْضًا
بِأَنَّ مُخَالَفَةَ الرَّاوِي لِمَا رَوَى لَا تَقْدَحُ
فِي الْمَرْوِيِّ وَلَا تَصْلُحُ لِمُعَارَضَتِهِ.
وَأَيْضًا قَدْ وَرَدَ تَقْيِيدُ الْوُضُوءِ بِوُضُوءِ
الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَتِهِ، وَمِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ
فَيُعْتَمَدُ ذَلِكَ، وَيُحْمَلُ تَرْكُ ابْنِ عُمَرَ
لِغَسْلِ رِجْلَيْهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِعُذْرٍ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. قَالَ الْحَافِظُ:
وَالْحِكْمَةُ فِي الْوُضُوءِ أَنَّهُ يُخَفِّفُ الْحَدَثَ
وَلَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَفْرِيقِ
الْغَسْلِ. وَيُؤَيِّدُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ
بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ شَدَّادِ بْنِ
(1/270)
282 - (وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«رَخَّصَ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ
يَشْرَبَ أَوْ يَنَامَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ
لِلصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ) .
283 - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَتَى
أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ
فَلْيَتَوَضَّأْ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا
الْبُخَارِيَّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
أَوْسٍ الصَّحَابِيِّ قَالَ: (إذَا أَجْنَبَ أَحَدُكُمْ
مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ
فَلْيَتَوَضَّأْ فَإِنَّهُ نِصْفُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ) .
وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي الْوُضُوءِ أَنَّهُ إحْدَى
الطَّهَارَتَيْنِ، وَقِيلَ: إنَّهُ يُنَشِّطُ إلَى
الْعَوْدِ أَوْ إلَى الْغُسْلِ.
282 - (وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَخَّصَ لِلْجُنُبِ
إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَنَامَ
أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ) . الْوُضُوءُ عِنْدَ
إرَادَةِ الْأَكْلِ وَالنَّوْمِ ثَابِتٌ مِنْ حَدِيثِ
عَائِشَةَ وَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا
إحْدَى الرِّوَايَاتِ وَعَزَاهَا الْمُصَنِّفُ إلَى
أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ. وَعِنْدَ إرَادَةِ الشُّرْبِ مِنْ
حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا عِنْدَ النَّسَائِيّ وَلَكِنَّ
جَمِيعَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَا مِنْ قَوْلِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ
وَقَدْ رُوِيَ الْوُضُوءُ عِنْدَ الْأَكْلِ مِنْ حَدِيثِ
جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَمِنْ
حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ
الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ
عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْعَزِيمَةَ
أَفْضَلُ مِنْ الرُّخْصَةِ، وَالْخِلَافُ فِي الْوُضُوءِ
لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ قَدْ
ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا،
وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ فَقَدْ
اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ
عَلَيْهِ، وَحَكَى ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ
التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ وَاجِبٌ.
283 - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَتَى
أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ
فَلْيَتَوَضَّأْ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا
الْبُخَارِيَّ) . وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ
حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَزَادُوا: (فَإِنَّهُ أَنْشَطُ
لِلْعَوْدِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَابْنِ
خُزَيْمَةَ: (فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ)
وَيُقَالُ: إنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يُثْبِتُ مِثْلَهُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَعَلَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى
إسْنَادِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَوَقَفَ عَلَى إسْنَادِ
غَيْرِهِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ
بِإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ:
وَيُؤَيِّدُ هَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ الثَّابِتُ فِي
الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ
وَاحِدٍ» الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غُسْلَ
الْجَنَابَةِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّمَا
يَتَضَيَّقُ عَلَى الْإِنْسَانِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى
الصَّلَاةِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ،
وَلَا شَكَّ فِي اسْتِحْبَابِهِ قَبْلَ الْمُعَاوَدَةِ
لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ذَاتَ
لَيْلَةٍ يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ
وَقِيلَ: يَا
(1/271)
284 - (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا
أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ وَهُوَ جُنُبٌ
يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ» رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَجْعَلُهُ غُسْلًا وَاحِدًا
فَقَالَ: هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ» وَقَوْلُ أَبِي
دَاوُد: إنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ أَصَحُّ مِنْهُ لَا يَنْفِي
صِحَّتَهُ. وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ مَحْمُولٌ
عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ
مُخْتَلِفَيْنِ. وَقَدْ ذَهَبَتْ الظَّاهِرِيَّةُ وَابْنُ
حَبِيبٍ إلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى الْمُعَاوِدِ
وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ الْبَابِ. وَذَهَبَ مَنْ
عَدَاهُمْ إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَجَعَلُوا مَا ثَبَتَ
فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ بِلَفْظِ: (إنَّهُ أَنْشَطُ
لِلْعَوْدِ) صَارِفًا لِلْأَمْرِ إلَى النَّدْبِ.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ
حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجَامِعُ ثُمَّ يَعُودُ
وَلَا يَتَوَضَّأُ) وَيُؤَيِّدهُ أَيْضًا الْحَدِيثُ
الْمُتَقَدِّمُ بِلَفْظِ: (إنَّمَا أُمِرْت بِالْوُضُوءِ
إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ) (فَائِدَةٌ) طَوَافُهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نِسَائِهِ
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِرِضَاهُنَّ أَوْ بِرِضَا
صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ إنْ كَانَتْ نَوْبَةً وَاحِدَةً،
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَحْتَاجُ
إلَيْهِ مَنْ يَقُولُ: كَانَ الْقَسَمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ
فِي الدَّوَامِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا، وَأَمَّا مَنْ لَا
يُوجِبُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ فَإِنَّ لَهُ
أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ
بَابُ جَوَازِ تَرْكِ ذَلِكَ 284 - (عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ
وَهُوَ جُنُبٌ يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْكُلُ
وَيَشْرَبُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ) . هُوَ
طَرَفٌ مِنْ الْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ فِي النَّسَائِيّ:
«كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ
وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ
يَشْرَبَ غَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ»
وَقَدْ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ، وَابْنُ
سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، وَلَمْ
يَتَكَلَّمَا عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ ضَعْفًا، وَهُوَ مِنْ
سُنَنِ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ
بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَهُ. وَمُحَمَّدُ بْنُ
عُبَيْدٍ ثِقَةٌ وَبَقِيَّةُ رِجَالِ الْإِسْنَادِ
أَئِمَّةٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ
حَدِيثِهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَطْعَمَ وَهُوَ
جُنُبٌ غَسَلَ يَدَهُ ثُمَّ يَطْعَمُ» وَبِهِ اسْتَدَلَّ
مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوُضُوءِ لِإِرَادَةِ النَّوْمِ
وَالْوُضُوءِ لِإِرَادَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. قَالَ
الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: هُوَ
مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ
عَنْ مَالِكٍ.
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ:
إذَا أَرَادَ الْجُنُبُ أَنْ يَأْكُلَ غَسَلَ يَدَيْهِ
وَمَضْمَضَ فَاهُ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ فِي الْجُنُبِ: إذَا أَرَادَ
الْأَكْلَ أَنَّهُ يَغْسِلُ يَدَيْهِ وَيَأْكُلُ. وَعَنْ
الزُّهْرِيِّ مِثْلُهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ،
وَقَالَ:؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ فِي الْوُضُوءِ لِمَنْ
أَرَادَ النَّوْمَ، كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ
لِابْنِ سَيِّدِ النَّاسِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ
(1/272)
285 -
(وَعَنْهَا أَيْضًا قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ لَهُ حَاجَةٌ
إلَى أَهْلِهِ أَتَاهُمْ ثُمَّ يَعُودُ وَلَا يَمَسُّ
مَاءً» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلِأَبِي دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْهَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا
يَمَسُّ مَاءً) .
أَبْوَابُ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ بَابُ الْغُسْلِ مِنْ
الْمَنِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
إلَى أَنَّهُ كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا
فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِهَا بِلَفْظِ: «كَانَ إذَا
أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ
تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» وَبِمَا سَبَقَ مِنْ
حَدِيثِ عَمَّارٍ. وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ
بِأَنَّهُ كَانَ تَارَةً يَتَوَضَّأُ وُضُوءَ الصَّلَاةِ
وَتَارَةً يَقْتَصِرُ عَلَى غَسْلِ الْيَدَيْنِ لَكِنَّ
هَذَا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ خَاصَّةً، وَأَمَّا فِي
النَّوْمِ وَالْمُعَاوَدَةِ فَهُوَ كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ
لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ لِلْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ
فِيهِمَا بِأَنَّهُ كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ.
285 - (وَعَنْهَا أَيْضًا قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ لَهُ
حَاجَةٌ إلَى أَهْلِهِ أَتَاهُمْ ثُمَّ يَعُودُ وَلَا
يَمَسُّ مَاءً» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلِأَبِي دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْهَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا
يَمَسُّ مَاءً) . الْحَدِيثُ قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ
بِصَحِيحٍ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هُوَ وَهْمٌ. وَقَالَ
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: هُوَ خَطَأٌ. وَقَالَ مُهَنَّا
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ: لَا يَحِلُّ أَنْ يُرْوَى
هَذَا الْحَدِيثُ.
وَفِي عِلَلِ الْأَثْرَمِ لَوْ لَمْ يُخَالِفْ أَبَا
إِسْحَاقَ فِي هَذَا إلَّا إبْرَاهِيمُ وَحْدَهُ لَكَفَى
قَالَ ابْنُ مُفَوِّزٍ: أَجْمَعَ الْمُحَدِّثُونَ أَنَّهُ
خَطَأٌ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ الْحَافِظُ:
وَتَسَاهَلَ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ، فَقَدْ صَحَّحَهُ
الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: إنَّ أَبَا إِسْحَاقَ قَدْ
بَيَّنَ سَمَاعَهُ مِنْ الْأَسْوَدِ فِي رِوَايَةِ
زُهَيْرٍ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ
التِّرْمِذِيِّ: تَفْسِيرُ غَلَطِ أَبِي إِسْحَاقَ هُوَ
أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ
مُخْتَصَرًا وَاقْتَطَعَهُ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ
فَأَخْطَأَ فِي اخْتِصَارِهِ إيَّاهُ. وَنَصُّ الْحَدِيثِ
الطَّوِيلِ مَا رَوَاهُ أَبُو غَسَّانَ قَالَ: أَتَيْت
الْأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ وَكَانَ لِي أَخًا وَصَدِيقًا
فَقُلْت: يَا أَبَا عُمَرَ «حَدِّثْنِي مَا حَدَّثَتْك
عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ:
قَالَتْ: كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَيُحْيِي
آخِرَهُ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ قَضَى حَاجَتَهُ
ثُمَّ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ مَاءً، فَإِذَا كَانَ
عِنْدَ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ وَثَبَ وَرُبَّمَا قَالَتْ:
قَامَ فَأَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَمَا قَالَتْ:
اغْتَسَلَ وَأَنَا أَعْلَمُ مَا تُرِيدُ وَإِنْ نَامَ
جُنُبًا تَوَضَّأَ وُضُوءَ الرَّجُلِ لِلصَّلَاةِ»
فَهَذَا الْحَدِيثُ الطَّوِيلُ فِيهِ " وَإِنْ نَامَ
وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَ الرَّجُلِ لِلصَّلَاةِ "
فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: " ثُمَّ إنْ
كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ قَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ يَنَامُ
قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ مَاءً " يَحْتَمِلُ أَحَدَ وَجْهَيْنِ
إمَّا أَنْ يُرِيدَ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ مِنْ الْبَوْلِ
وَالْغَائِطِ فَيَقْضِيهِمَا ثُمَّ يَسْتَنْجِي وَلَا
يَمَسَّ مَاءً وَيَنَامُ فَإِنْ وَطِئَ تَوَضَّأَ كَمَا
فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ
بِالْحَاجَةِ حَاجَةَ الْوَطْءِ وَبِقَوْلِهِ " ثُمَّ
يَنَامُ وَلَا يَمَسُّ مَاءً " يَعْنِي مَاءَ
الِاغْتِسَالِ، وَمَتَى لَمْ يُحْمَلْ الْحَدِيثُ عَلَى
أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ تَنَاقَضَ أَوَّلُهُ
وَآخِرُهُ فَتَوَهَّمَ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ الْحَاجَةَ
حَاجَةُ الْوَطْءِ فَنَقَلَ الْحَدِيثَ عَلَى مَعْنَى مَا
فَهِمَهُ انْتَهَى.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ
عَلَى الْجُنُبِ إذَا أَرَادَ النَّوْمَ أَوْ
الْمُعَاوَدَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ
أَنَّهُ غَيْرُ
(1/273)
ِّ
286 - عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «كُنْت
رَجُلًا مَذَّاءً فَسَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: فِي الْمَذْيِ الْوُضُوءُ
وَفِي الْمَنِيِّ الْغُسْلُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ
مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَلِأَحْمَدَ
فَقَالَ: «إذَا حَذَفْت الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ مِنْ
الْجَنَابَةِ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَاذِفًا فَلَا
تَغْتَسِلْ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
صَالِحٍ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ لِوُجُوهٍ
ذَكَرْنَاهَا هُنَالِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى -: وَهَذَا لَا يُنَاقِضُ مَا قَبْلَهُ
بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ الْوُضُوءَ
أَحْيَانًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَيَفْعَلُهُ غَالِبًا
لِطَلَبِ الْفَضِيلَةِ انْتَهَى. وَبِهَذَا جَمَعَ ابْنُ
قُتَيْبَةَ وَالنَّوَوِيُّ |