أصول الشاشي بحث بَيَان التَّغْيِير فصل وَإِمَّا
بَيَان التَّغْيِير
فَهُوَ أَن يتَغَيَّر ببيانه معنى كَلَامه وَنَظِيره
التَّعْلِيق وَالِاسْتِثْنَاء
وَقد اخْتلف الْفُقَهَاء فِي الْفَصْلَيْنِ
فَقَالَ أَصْحَابنَا الْمُعَلق بِالشّرطِ سَبَب عِنْد وجود
الشَّرْط لَا قبله
وَقَالَ الشَّافِعِي رح التَّعْلِيق سَبَب فِي الْحَال إِلَّا
أَن عدم الشَّرْط مَانع من حكمه
وَفَائِدَة الْخلاف تظهر فِيمَا إِذا قَالَ لأجنبية أَن
تَزَوَّجتك فَأَنت طَالِق
أَو قَالَ لعبد الْغَيْر إِن مَلكتك فَأَنت حر يكون
التَّعْلِيق بَاطِلا عِنْده لِأَن حكم التَّعْلِيق انْعِقَاد
صدر الْكَلَام عِلّة وَالطَّلَاق وَالْعتاق هَهُنَا لم ينْعَقد
عِلّة لعدم إِضَافَته إِلَى الْمحل فَبَطل حكم التَّعْلِيق
فَلَا يَصح التَّعْلِيق
وَعِنْدنَا كَانَ التَّعْلِيق صَحِيحا حَتَّى لَو تزَوجهَا
يَقع الطَّلَاق لِأَن كَلَامه إِنَّمَا ينْعَقد عِلّة عِنْد
وجود الشَّرْط وَالْملك ثَابت عِنْد وجود الشَّرْط فَيصح
التَّعْلِيق
وَلِهَذَا الْمَعْنى قُلْنَا شَرط صِحَة التَّعْلِيق للوقوع
فِي صُورَة
(1/249)
عدم الْملك أَن يكون مُضَافا إِلَى الْملك
وَإِلَى سَبَب الْملك حَتَّى لَو قَالَ لأجنبية إِن دخلت
الدَّار فإنت طَالِق ثمَّ تزَوجهَا وَوجد الشَّرْط لَا يَقع
الطَّلَاق
وَكَذَلِكَ طول الْحرَّة يمْنَع جَوَاز نِكَاح الْأمة عِنْده
لِأَن الْكتاب علق نِكَاح الْأمة بِعَدَمِ الطول
فَعِنْدَ وجود الطول كَانَ الشَّرْط عدما
وَعدم الشَّرْط مَانع من الحكم فَلَا يجوز
وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِي لَا نَفَقَة للمبتوتة إِلَّا
إِذا كَانَت حَامِلا
لِأَن الْكتاب علق الْإِنْفَاق بِالْحملِ لقَوْله تَعَالَى
{وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضعن
حَملهنَّ}
فَعِنْدَ عدم الْحمل كَانَ الشَّرْط عدما وَعدم الشَّرْط مَانع
من الحكم عِنْده
وَعِنْدنَا لما لم يكن عدم الشَّرْط مَانِعا من الحكم جَازَ
أَن يثبت الحكم بدليله فَيجوز نِكَاح الْأمة وَيجب الْإِنْفَاق
بالعمومات
وَمن تَوَابِع هَذَا النَّوْع ترَتّب الحكم على الِاسْم
الْمَوْصُوف بِصفة فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة تَعْلِيق الحكم بذلك
الْوَصْف عِنْده
وعَلى هَذَا قَالَ الشَّافِعِي رح لَا يجوز نِكَاح الْأمة
الْكِتَابِيَّة لِأَن النَّص رتب الحكم على أمة مُؤمنَة
لقَوْله تَعَالَى {من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات} فيتقيد
بالمؤمنة فَيمْتَنع الحكم عِنْد عدم الْوَصْف فَلَا يجوز
نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة
وَمن صور بَيَان التَّغْيِير الِاسْتِثْنَاء
(1/250)
بحث كَون الِاسْتِثْنَاء من صور بَيَان
التَّغْيِير
ذهب أَصْحَابنَا إِلَى أَن الِاسْتِثْنَاء تكلم بِالْبَاقِي
بعد الثنيا كَأَنَّهُ لم يتَكَلَّم إِلَّا بِمَا بقى
وَعِنْده صدرالكلام ينْعَقد عِلّة لوُجُوب لكل إِلَّا أَن
الِاسْتِثْنَاء يمْنَعهَا من الْعَمَل بِمَنْزِلَة عدم
الشَّرْط فِي بَاب التَّعْلِيق
وَمِثَال هَذَا فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام
لاتبيعوا الطَّعَام بِالطَّعَامِ إِلَّا سوء بِسَوَاء
فَعِنْدَ الشَّافِعِي رح صدر الْكَلَام انْعَقَد عِلّة
لحُرْمَة بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ على الْإِطْلَاق وَخرج
عَن هَذِه الْجُمْلَة صُورَة الْمُسَاوَاة بِالِاسْتِثْنَاءِ
فَبَقيَ الْبَاقِي تَحت حكم الصَّدْر
ونتيجة هَذَا حُرْمَة بيع الحفنة من الطَّعَام بحفنتين مِنْهُ
وَعِنْدنَا بيع الحفنة لَا يدْخل تَحت النَّص لِأَن المُرَاد
بالمنهي يتَقَيَّد بِصُورَة بيع يتَمَكَّن العَبْد من إِثْبَات
التَّسَاوِي والتفاضل فِيهِ كَيْلا يُؤَدِّي إِلَى نهي
الْعَاجِز
فَمَا لَا يدْخل تَحت المعيار المسوى كَانَ خَارِجا عَن
قَضِيَّة الحَدِيث
وَمن صور بَيَان التَّغْيِير مَا إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ ألف
وَدِيعَة
فَقَوله عَليّ يُفِيد الْوُجُوب
(1/256)
وَهُوَ بقوله وَدِيعَة غَيره إِلَى
الْحِفْظ
وَقَوله اعطيتني أَو أسلفتني ألفا فَلم أقبضها من جملَة بَيَان
التَّغْيِير
وَكَذَا لَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف زيوف
وَحكم بَيَان التَّغْيِير
أَنه يَصح مَوْصُولا وَلَا يَصح مَفْصُولًا
ثمَّ بعد هَذَا مسَائِل اخْتلف فِيهَا الْعلمَاء
أَنَّهَا من جملَة بَيَان التَّغْيِير فَتَصِح بِشَرْط
الْوَصْل أَو من جملَة بَيَان التبديل فَلَا تصح وَسَيَأْتِي
طرف مِنْهَا فِي بَيَان التبديل
(1/257)
|