أصول الشاشي بحث بَيَان الضَّرُورَة وَبَيَان الْحَال
فصل وَأما بَيَان الضَّرُورَة
فمثاله فِي قَوْله تَعَالَى {وَورثه أَبَوَاهُ فلأمه الثُّلُث}
أوجب الشّركَة بَين الْأَبَوَيْنِ ثمَّ بَين نصيب الْأُم
فَصَارَ ذَلِك بَيَانا لنصيب الْأَب وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا
بَينا نصيب الْمضَارب وسكتا عَن نصيب رب المَال صحت الشّركَة
وَكَذَلِكَ لَو بَينا نصيب رب المَال وسكتا عَن نصيب الْمضَارب
كَانَ بَيَانا
وعَلى هَذَا حكم الْمُزَارعَة
وَكَذَلِكَ لَو أوصى لفُلَان وَفُلَان بِأَلف ثمَّ بَين نصيب
احدهما كَانَ ذَلِك بَيَانا لنصيب الآخر
وَلَو طلق أحدى امرأتيه ثمَّ وطىء إِحْدَاهمَا كَانَ ذَلِك
بَيَانا للطَّلَاق فِي الْأُخْرَى بِخِلَاف الْوَطْء فِي
الْعتْق الْمُبْهم عِنْد أبي حنيفَة لِأَن حل الْوَطْء فِي
الْإِمَاء يثبت بطريقين فَلَا يتَعَيَّن جِهَة الْملك
بِاعْتِبَار حل الْوَطْء
فصل وَأما بَيَان الْحَال
فمثاله فِيمَا إِذا رأى صَاحب الشَّرْع أمرا مُعَاينَة فَلم
ينْه عَن ذَلِك
(1/261)
كَانَ سُكُوته بِمَنْزِلَة الْبَيَان أَنه
مَشْرُوع
وَالشَّفِيع إِذا علم بِالْبيعِ وَسكت كَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة
الْبَيَان بِأَنَّهُ رَاض بذلك
وَالْبكْر إِذا علمت بتزويج الولى وسكتت عَن الرَّد كَانَ
ذَلِك بِمَنْزِلَة الْبَيَان بالرضاء وَالْإِذْن
وَالْمولى إِذا رأى عَبده يَبِيع وَيَشْتَرِي فِي السُّوق
فَسكت كَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة الْإِذْن فَيصير مَأْذُونا فِي
التِّجَارَات
وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ إِذا نكل فِي مجْلِس الْقَضَاء يكون
الِامْتِنَاع بِمَنْزِلَة الرضاء بِلُزُوم المَال بطرِيق
الْإِقْرَار عِنْدهمَا أَو بطرِيق الْبَذْل عِنْد أبي حنيفَة
رح فَالْحَاصِل أَن السُّكُوت فِي مَوضِع الْحَاجة إِلَى
الْبَيَان بِمَنْزِلَة الْبَيَان وَبِهَذَا الطَّرِيق قُلْنَا
الْإِجْمَاع ينْعَقد بِنَصّ الْبَعْض وسكوت البَاقِينَ
(1/262)
بحث بَيَان الْعَطف
فصل وَأما بَيَان الْعَطف
فَمثل أَن تعطف مَكِيلًا أَو مَوْزُونا على جملَة مجملة يكون
ذَلِك بَيَانا للجملة المجملة مِثَاله إِذا قَالَ لفُلَان
عَليّ مائَة دِرْهَم أَو مائَة وقفيز حِنْطَة كَانَ الْعَطف
بِمَنْزِلَة الْبَيَان أَن الْكل من ذَلِك الْجِنْس
وَكَذَا لَو قَالَ مائَة وَثَلَاثَة أَثوَاب أَو مائَة
وَثَلَاثَة دَرَاهِم أَو مائَة وَثَلَاثَة أعبد فَإِنَّهُ
بَيَان أَن الْمِائَة من ذَلِك الْجِنْس بِمَنْزِلَة قَوْله
أحد وَعِشْرُونَ درهما
بِخِلَاف قَوْله مائَة وثوب أَو مائَة وشَاة حَيْثُ لَا يكون
ذَلِك بَيَانا للمائة
واختص ذَلِك فِي عطف الْوَاحِد بِمَا يصلح دينا فِي الذِّمَّة
كالمكيل وَالْمَوْزُون
وَقَالَ أَبُو يُوسُف رح يكون بَيَانا فِي مائَة وشَاة
وَمِائَة وثوب على هَذَا الأَصْل
(1/266)
بحث سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
فصل وَأما بَيَان التبديل
وَهُوَ النّسخ فَيجوز ذَلِك من صَاحب الشَّرْع وَلَا يجوز
ذَلِك من الْعباد
وعَلى هَذَا بَطل اسْتثِْنَاء الْكل عَن الْكل لِأَنَّهُ نسخ
الحكم
وَلَا يجوز الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار وَالطَّلَاق وَالْعتاق
لِأَنَّهُ نسخ وَلَيْسَ للْعَبد ذَلِك
وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف قرض أَو ثمن الْمَبِيع وَقَالَ
وَهِي زيوف
كَانَ ذَلِك بَيَان التَّغْيِير عِنْدهمَا فَيصح مَوْصُولا
وَهُوَ بَيَان التبديل عِنْد أبي حنيفَة رح فَلَا يَصح وَأَن
وصل
وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف من ثمن جَارِيَة باعنيها وَلم
أقبضها وَالْجَارِيَة لَا أثر لَهَا
كَانَ ذَلِك بَيَان التبديل عِنْد أبي حنيفَة رح لِأَن
الْإِقْرَار بِلُزُوم الثّمن إِقْرَار بِالْقَبْضِ عِنْد
هَلَاك الْمَبِيع إِذْ لَو هلك قبل الْقَبْض يَنْفَسِخ البيع
فَلَا يبْقى الثّمن لَازِما
الْبَحْث الثَّانِي
(فِي سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَهِي أَكثر من
عدد الرمل والحصى
(1/268)
فصل فِي أَقسَام الْخَبَر
خبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَنْزِلَة الْكتاب
فِي حق لُزُوم الْعلم وَالْعَمَل بِهِ
فَإِن من أطاعه فقد أطَاع الله فَمَا مر ذكره من بحث الْخَاص
وَالْعَام والمشترك والمجمل فِي الْكتاب فَهُوَ كَذَلِك فِي حق
السّنة إِلَّا إِن الشُّبْهَة فِي بَاب الْخَبَر فِي ثُبُوته
من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واتصاله بِهِ
وَلِهَذَا الْمَعْنى صَار الْخَبَر على ثَلَاثَة أَقسَام
1 - قسم صَحَّ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَثَبت
مِنْهُ بِلَا شُبْهَة وَهُوَ الْمُتَوَاتر
2 - وَقسم فِيهِ ضرب الشُّبْهَة وَهُوَ الْمَشْهُور
3 - وَقسم فِيهِ احْتِمَال وشبهة وَهُوَ الْآحَاد
(1/269)
بحث كَون الْمُتَوَاتر مُوجبا للْعلم
الْقطعِي
فالمتواتر مَا نَقله جمَاعَة عَن جمَاعَة لَا يتَصَوَّر
توافقهم على الْكَذِب لكثرتهم واتصل بك هَكَذَا أَمْثَاله نقل
الْقُرْآن وإعداد الرَّكْعَات ومقادير الزَّكَاة
وَالْمَشْهُور مَا كَانَ أَوله كالآحاد ثمَّ اشْتهر فِي
الْعَصْر الثَّانِي وَالثَّالِث وَتَلَقَّتْهُ الْأمة
بِالْقبُولِ فَصَارَ كالمتواتر حَتَّى اتَّصل بك وَذَلِكَ مثل
حَدِيث الْمسْح على الْخُف وَالرَّجم فِي بَاب الزِّنَا
ثمَّ الْمُتَوَاتر يُوجب الْعلم الْقطعِي وَيكون رده كفرا
وَالْمَشْهُور يُوجب علم الطُّمَأْنِينَة وَيكون رده بِدعَة
وَلَا خلاف بَين الْعلمَاء فِي لُزُوم الْعَمَل بهما
وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي الْآحَاد
فَنَقُول خبر الْوَاحِد هُوَ مَا نَقله وَاحِد عَن وَاحِد أَو
وَاحِد عَن جمَاعَة أَو جمَاعَة عَن وَاحِد وَلَا عِبْرَة
للعدد إِذا لم تبلغ حد الْمَشْهُور
وَهُوَ يُوجب الْعَمَل بِهِ فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة
بِشَرْط إِسْلَام الرَّاوِي وعدالته وَضَبطه وعقله واتصل بك
ذَلِك من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا
الشَّرْط
(1/272)
بحث تَقْسِيم الرَّاوِي على قسمَيْنِ
ثمَّ الرَّاوِي فِي الأَصْل قِسْمَانِ
1 - مَعْرُوف بِالْعلمِ وَالِاجْتِهَاد كالخلفاء الْأَرْبَعَة
وَعبد الله بن مَسْعُود وعبد الله بن عَبَّاس وعبد الله بن
عمروزيد بن ثَابت ومعاذ بن جبل وأمثالهم رَضِي الله عَنْهُم
فَإذْ صحت عنْدك روايتهم عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يكون الْعَمَل بروايتهم أولى من الْعَمَل بِالْقِيَاسِ
وَلِهَذَا روى مُحَمَّد رح حَدِيث الْأَعرَابِي الَّذِي كَانَ
فِي عينه سوء فِي مَسْأَلَة القهقهة وَترك الْقيَاس
وروى حَدِيث تَأْخِير النِّسَاء فِي مَسْأَلَة الْمُحَاذَاة
وَترك الْقيَاس
ورى عَن عَائِشَة حَدِيث الْقَيْء وَترك الْقيَاس بِهِ
وروى عَن باابن مَسْعُود حَدِيث السَّهْو بعد السَّلَام وَترك
الْقيَاس
وَالْقسم الثَّانِي من الروَاة هم المعروفون بِالْحِفْظِ
وَالْعَدَالَة دون الِاجْتِهَاد وَالْفَتْوَى كَأبي هُرَيْرَة
وَأنس بن مَالك
فَإِذا صحت رِوَايَة مثلهمَا عنْدك
فَإِن وَافق الْخَبَر الْقيَاس فَلَا خَفَاء فِي لُزُوم
الْعَمَل بِهِ
وَإِن خَالفه كَانَ الْعَمَل بِالْقِيَاسِ أولى مِثَاله مَا
روى أَبُو هُرَيْرَة الْوضُوء مِمَّا مسته النَّار
(1/275)
فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس أَرَأَيْت لَو
تَوَضَّأت بِمَاء سخين أَكنت تتوضأ مِنْهُ فَسكت
وَإِنَّمَا رده بِالْقِيَاسِ إِذْ لَو كَانَ عِنْده خبر لرواه
وعَلى هَذَا ترك أَصْحَابنَا رِوَايَة أبي هُرَيْرَة فِي
مَسْأَلَة الْمُصراة بِالْقِيَاسِ وَبِاعْتِبَار اخْتِلَاف
أَحْوَال الروَاة
(1/276)
بحث شَرط الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد
قُلْنَا شَرط الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد أَن لَا يكون
مُخَالفا للْكتاب وَالسّنة الْمَشْهُورَة وَأَن لَا يكون
مُخَالفا للظَّاهِر قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام
(تكْثر لكم الْأَحَادِيث بعدِي فَإِذا رُوِيَ لكم عني حَدِيث
فاعرضوه على كتاب الله فَمَا وَافق فاقبلوه وَمَا خَالف
فَردُّوهُ)
وَتَحْقِيق ذَلِك فِيمَا رُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه
قَالَ كَانَت الروَاة على ثَلَاثَة أَقسَام
1 - مُؤمن مخلص صحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعرف
معنى كَلَامه
2 - وأعرابي جَاءَ من قَبيلَة فَسمع بعض مَا سمع وَلم يعرف
حَقِيقَة كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرجع
إِلَى قبيلته فروى بِغَيْر لفظ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَتغير الْمَعْنى وَهُوَ يظنّ أَن الْمَعْنى لَا
يتَفَاوَت
3 - ومنافق لم يعرف نفَاقه فروى مالم يسمع وافترى فَسمع مِنْهُ
أنَاس فظنوه مُؤمنا مخلصا فرووا ذَلِك واشتهر بَين النَّاس
فَلهَذَا الْمَعْنى وَجب عرض الْخَبَر على الْكتاب وَالسّنة
الْمَشْهُورَة
وَنَظِير الْعرض على الْكتاب فِي حَدِيث مس الذّكر فِيمَا
يرْوى عَنهُ من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ)
فعرضناه على الْكتاب فَخرج مُخَالفا لقَوْله تَعَالَى {فِيهِ
رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} فَإِنَّهُم كَانُوا يستنجون
بالأحجار ثمَّ يغسلون بِالْمَاءِ
وَلَو كَانَ مس الذّكر حَدثا لَكَانَ هَذَا تنجيسا لَا
تَطْهِيرا على الْإِطْلَاق
وَكَذَلِكَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام
أَيّمَا امْرَأَة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها
بَاطِل بَاطِل بَاطِل خرج مُخَالفا لقَوْله تَعَالَى {فَلَا
تعضلوهن أَن ينكحن أَزوَاجهنَّ}
(1/280)
فَإِن الْكتاب يُوجب تَحْقِيق النِّكَاح
مِنْهُنَّ
وَمِثَال الْعرض على الْخَبَر الْمَشْهُور رِوَايَة الْقَضَاء
بِشَاهِد وَيَمِين
فَإِنَّهُ خرج مُخَالفا لقَوْله عَلَيْهِ
(الْبَيِّنَة على من ادّعى وَالْيَمِين على من أنكر)
(1/281)
بحث ترك الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد إِذا
يُخَالف الظَّاهِر
وَبِاعْتِبَار هذالمعنى قُلْنَا خبر الْوَاحِد إِذا خرج
مُخَالفا للظَّاهِر لَا يعْمل بِهِ
وَمن صور مُخَالفَة الظَّاهِر عدم اشتهار الْخَبَر فِيمَا يعم
بِهِ الْبلوى فِي الصَّدْر الأول وَالثَّانِي لأَنهم لَا
يتهمون بالتقصير فِي مُتَابعَة السّنة
فَإِذا لم يشْتَهر الْخَبَر مَعَ شدَّة الْحَاجة وَعُمُوم
الْبلوى كَانَ ذَلِك عَلامَة عدم صِحَّته
ومثاله فِي الحكميات إِذا أخبر وَاحِد أَن امْرَأَته حرمت
عَلَيْهِ بِالرّضَاعِ الطارىء جَازَ أَن يعْتَمد على خَبره
ويتزوج اختها
وَلَو أخبر ان العقد كَانَ بَاطِلا بِحكم الرَّضَاع لَا يقبل
خَبره
كَذَلِك إِذا أخْبرت الْمَرْأَة بِمَوْت زَوجهَا أَو طَلَاقه
إِيَّاهَا وَهُوَ غَائِب
جَازَ أَن تعتمد على خَبره وتتزوج بِغَيْرِهِ
وَلَو اشتبهت عَلَيْهِ الْقبْلَة فَأخْبرهُ وَاحِد عَنْهَا
وَجب الْعَمَل بِهِ
وَلَو وجد دِمَاء لَا يعلم حَاله فَأخْبرهُ وَاحِد عَن
النَّجَاسَة لَا يتَوَضَّأ بِهِ بل يتَيَمَّم
(1/284)
بحث حجية خبر الْوَاحِد فِي أَرْبَعَة
مَوَاضِع
فصل خبر الْوَاحِد حجَّة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع
خَالص حق الله تَعَالَى مَا لَيْسَ بعقوبة
وخالص حق العَبْد مَا فِيهِ إِلْزَام مَحْض
وخالص حَقه مَا لَيْسَ فِي إِلْزَام
وخالص حَقه مَا فِيهِ إِلْزَام من وَجه
أما ألآول فَيقبل فِيهِ خبر الْوَاحِد فَإِن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قبل شَهَادَة الْأَعرَابِي فِي هِلَال
رَمَضَان
أما الثَّانِي فَيشْتَرط فِيهِ الْعدَد وَالْعَدَالَة
وَنَظِيره المنازعات
وَأما الثَّالِث فَيقبل فِيهِ خبر الْوَاحِد عدلا كَانَ أَو
فَاسِقًا وَنَظِيره الْمُعَامَلَات
وَأما الرَّابِع فَيشْتَرط فِيهِ إِمَّا الْعدَد أَو
الْعَدَالَة عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَنَظِيره
الْعَزْل وَالْحجر
الْبَحْث الثَّالِث فِي الْإِجْمَاع
فصل
إِجْمَاع هَذِه الْأمة بَعْدَمَا توفّي رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي فروع
(1/287)
الدّين حجَّة مُوجبَة للْعَمَل بهَا شرعا
كَرَامَة لهَذِهِ الْأمة
ثمَّ الاجماع على أَرْبَعَة أَقسَام
1 - إِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم على حكم
الْحَادِثَة نصا
2 - ثمَّ إِجْمَاعهم بِنَصّ الْبَعْض وسكوت البَاقِينَ عَن
الرَّد
(1/288)
بحث كَون الْإِجْمَاع على أَرْبَعَة
أَقسَام
3 - ثمَّ إِجْمَاع من بعدهمْ فِيمَا لم يُوجد فِيهِ قَول
السّلف
4 - ثمَّ الْإِجْمَاع على أحد أَقْوَال السّلف
أما الأول فَهُوَ بِمَنْزِلَة آيَة من كتاب الله تَعَالَى
ثمَّ الْإِجْمَاع بِنَصّ الْبَعْض وسكوت البَاقِينَ فَهُوَ
بِمَنْزِلَة الْمُتَوَاتر
ثمَّ إِجْمَاع من بعدهمْ بِمَنْزِلَة الْمَشْهُور من
الْأَخْبَار
ثمَّ أجماع الْمُتَأَخِّرين على أحد أَقْوَال السّلف
بِمَنْزِلَة الصَّحِيح من الْآحَاد
وَالْمُعْتَبر فِي هَذَا الْبَاب إِجْمَاع أهل الرَّأْي
وَالِاجْتِهَاد فَلَا يعْتَبر بقول الْعَوام والمتكلم والمحدث
الَّذِي لَا بَصِيرَة لَهُ فِي أصُول الْفِقْه
ثمَّ بعد ذَلِك الْإِجْمَاع على نَوْعَيْنِ مركب وَغير مركب
فالمركب مَا اجْتمع عَلَيْهِ الآراء فِي حكم الْحَادِثَة مَعَ
وجود الِاخْتِلَاف فِي الْعلَّة ومثاله الْإِجْمَاع على وجود
الانتقاض عِنْد الْقَيْء وَمَسّ الْمَرْأَة
أما عندنَا فبناء على الْقَيْء
وَأما عِنْده فبناء على الْمس
ثمَّ هَذَا النَّوْع من الْإِجْمَاع لَا يبقي حجَّة بعد ظُهُور
الْفساد
(1/291)
فِي أحد المأخذين حَتَّى لَو ثَبت أَن
الْقَيْء غير نَاقض
فَأَبُو حنيفَة لَا يَقُول بالانتقاض فِيهِ
وَلَو ثبث أَن الْمس غير نَاقض فالشافعي لَا يَقُول بالانتقاض
فِيهِ لفساد الْعلَّة الَّتِي بني عَلَيْهَا الحكم
وَالْفساد متوهام فِي الطَّرفَيْنِ لجَوَاز أَن يكون أَبُو
حنيفَة رح مصيبا فِي مَسْأَلَة الْمس مخطئا فِي مَسْأَلَة
الْقَيْء وَالشَّافِعِيّ مصيبا فِي مَسْأَلَة الْقَيْء مخطئا
فِي مَسْأَلَة الْمس فَلَا يُؤَدِّي هَذَا إِلَى بِنَاء وجود
الْإِجْمَاع على الْبَاطِل
(1/292)
بحث نوع من الْإِجْمَاع وَهُوَ عدم
الْقَائِل بِالْفَصْلِ
بِخِلَاف مَا تقدم من الْإِجْمَاع فَالْحَاصِل أَنه جَازَ
ارْتِفَاع هَذَا الْإِجْمَاع لظهورالفساد فِيمَا بنى هُوَ
عَلَيْهِ
وَلِهَذَا إِذا قضى القَاضِي فِي حَادِثَة ثمَّ ظهر رق
الشُّهُود أَو كذبهمْ بِالرُّجُوعِ بَطل قَضَاؤُهُ وَأَن لم
يظْهر ذَلِك فِي حق الْمُدَّعِي
وَبِاعْتِبَار هَذَا الْمَعْنى سَقَطت الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم
عَن الْأَصْنَاف الثَّمَانِية لانْقِطَاع الْعلَّة
وَسقط سهم ذَوي الْقُرْبَى لانْقِطَاع علته
وعَلى هَذَا إِذا غسل الثَّوْب النَّجس بالخل فَزَالَتْ
النَّجَاسَة يحكم بِطَهَارَة الْمحل لانْقِطَاع علتها أَو
بِهَذَا ثَبت الْفَارِق بَين الْحَدث والخبث
فَإِن الْخلّ يزِيل النَّجَاسَة عَن الْمحل فَأَما الْخلّ لَا
يُفِيد طَهَارَة الْمحل وَإِنَّمَا يفيدها المطهر وَهُوَ
المَاء
فصل
ثمَّ بعد ذَلِك نوع من الْإِجْمَاع وَهُوَ عدم الْقَائِل
بِالْفَصْلِ وَذَلِكَ نَوْعَانِ أَحدهمَا مَا إِذا كَانَ منشأ
الْخلاف فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدًا
(1/295)
الله تبَارك وَتَعَالَى رَضِي الله عَنْهُن
الرب عز وَجل
وَالثَّانِي مَا إِذا كَانَ المنشأ مُخْتَلفا
وَالْأول حجَّة
وَالثَّانِي لَيْسَ بِحجَّة
مِثَال الأول فِيمَا خرج الْعلمَاء من الْمسَائِل
الْفِقْهِيَّة على أصل وَاحِد ونطيره إِذا أثبتنا أَن النَّهْي
عَن التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة يُوجب تقريرها
قُلْنَا يَصح النّذر بِصَوْم يَوْم النَّحْر وَالْبيع
الْفَاسِد يُفِيد الْملك لعدم الْقَائِل بِالْفَصْلِ
وَلَو قُلْنَا أَن التَّعْلِيق سَبَب عِنْد وجودالشرط
قُلْنَا تَعْلِيق الطَّلَاق
وَالْعتاق بِالْملكِ وَسبب الْملك صَحِيح
وَكَذَا لَو أثبتنا أَن ترَتّب الحكم على اسْم مَوْصُوف بِصفة
لَا يُوجب تَعْلِيق الحكم بِهِ
قُلْنَا طول الْحرَّة لَا يمْنَع جَوَاز نِكَاح الْأمة إِذْ
صَحَّ بِنَقْل السّلف أَن الشَّافِعِي رح فرع مَسْأَلَة طول
الْحرَّة على هَذَا الأَصْل
وَلَو أثبتنا جَوَاز نِكَاح الْأمة المؤمنة مَعَ الطول جَازَ
نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة بِهَذَا الأَصْل
وعَلى هَذَا مِثَاله مِمَّا ذكرنَا فِي مَا سبق
وَنَظِير الثَّانِي إِذا قُلْنَا إِن الْقَيْء نَاقض فَيكون
البيع الْفَاسِد مُفِيدا للْملك لعدم الْقَائِل بِالْفَصْلِ
أَو يكون مُوجب الْعمد الْقود لعدم الْقَائِل بِالْفَصْلِ
وبمثل هَذَا الْقَيْء غير نَاقض فَيكون الْمس ناقضا وهذاليس
بِحجَّة لِأَن صِحَة الْفَرْع وَإِن دلّت على صِحَة اصله
وَلكنهَا لَا توجب صِحَة أصل آخر حَتَّى تفرعت عَلَيْهِ
الْمَسْأَلَة الْأُخْرَى
(1/296)
|