أصول الشاشي بحث بَيَان الْوَاجِب على الْمُجْتَهد
فصل الْوَاجِب على الْمُجْتَهد
طلب حكم الْحَادِثَة من كتاب الله تَعَالَى ثمَّ من سنة رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَرِيح النَّص أَو دلَالَته
على مَا مر ذكره فانه لَا سَبِيل الى الْعَمَل بِالرَّأْيِ
مَعَ إِمْكَان الْعَمَل بِالنَّصِّ
وَلِهَذَا إِذا إشتبهت عَلَيْهِ الْقبْلَة فَأخْبرهُ وَاحِد
عَنْهَا لَا يجوز لَهُ التَّحَرِّي وَلَو وجد مَاء فَأخْبرهُ
عدل أَنه نجس لَا يجوز لَهُ التوضي بِهِ بل يتَيَمَّم
وعَلى اعْتِبَار أَن الْعَمَل بِالرَّأْيِ دون الْعَمَل
بِالنَّصِّ قُلْنَا
أَن الشُّبْهَة بِالْمحل أقوى من الشُّبْهَة فِي الظَّن حَتَّى
سقط اعْتِبَار ظن العَبْد فِي الْفَصْل الأول
ومثاله فِي مَا إِذا وطئ جَارِيَة ابْنه لَا يحد وان قَالَ
علمت أَنَّهَا عَليّ حرَام وَيثبت نسب الْوَلَد مِنْهُ
لَان شُبْهَة الْملك لَا تثبت بِالنَّصِّ فِي مَال الإبن قَالَ
عَلَيْهِ الصلوة وَالسَّلَام
(أَنْت وَمَالك لأَبِيك) فَسقط إعتبار ظَنّه فِي الْحل
وَالْحُرْمَة فِي ذَلِك
وَلَو وطئ الإبن جَارِيَة أَبِيه يعْتَبر ظَنّه فِي الْحل
وَالْحُرْمَة
حَتَّى لَو قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا عَليّ حرَام يجب الْحَد
(1/300)
وَلَو قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا عَليّ حَلَال
لَا يجب الْحَد لَان شُبْهَة الْملك فِي مَال الْأَب
أَو يثبت بِالنَّصِّ فَاعْتبر رَأْيه وَلَا يثبت نسب الْوَلَد
وان ادَّعَاهُ
(1/301)
بحث إِذا تعَارض الدليلان مَا يفعل
الْمُجْتَهد
ثمَّ اذا تعَارض الدليلان عِنْد الْمُجْتَهد
فان كَانَ التَّعَارُض بَين الْآيَتَيْنِ يمِيل الى السّنة
وان كَانَ بَين السنتين يمِيل الى آثَار الصَّحَابَة رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُم وَالْقِيَاس الصَّحِيح
ثمَّ اذا تعَارض القياسان عِنْد الْمُجْتَهد يتحَرَّى وَيعْمل
بِأَحَدِهِمَا لانه لَيْسَ دون الْقيَاس دَلِيل شَرْعِي يُصَار
إِلَيْهِ
وعَلى هَذَا قُلْنَا اذا كَانَ مَعَ الْمُسَافِر إناءان طَاهِر
ونجس لَا يتحَرَّى بَينهمَا بل يتَيَمَّم
وَلَو كَانَ مَعَه ثَوْبَان طَاهِر ونجس يتحَرَّى بَينهمَا
لَان للْمَاء بَدَلا وَهُوَ التُّرَاب وَلَيْسَ للثوب بدل
يُصَار إِلَيْهِ
فَثَبت بِهَذَا أَن الْعَمَل بِالرَّأْيِ انما يكون عِنْد
انعدام دَلِيل سواهُ شرعا
ثمَّ اذا تحرى وتأكد تحريه بِالْعَمَلِ لَا ينْتَقض ذَلِك
بِمُجَرَّد التَّحَرِّي
وَبَيَانه فِيمَا اذا تحرى بَين الثَّوْبَيْنِ وَصلى الظّهْر
باحدهما ثمَّ وَقع تحريه عِنْد الْعَصْر على الثَّوْب الآخر
لَا يجوز لَهُ أَن يُصَلِّي الْعَصْر بِالْآخرِ لَان الأول
تَأَكد بِالْعَمَلِ فَلَا يبطل بِمُجَرَّد التَّحَرِّي
وَهَذَا بِخِلَاف مَا اذا تحرى فِي الْقبْلَة ثمَّ تبدل رَأْيه
وَوَقع تحريه على جِهَة أُخْرَى توجه اليه لَان الْقبْلَة
مِمَّا يحْتَمل الإنتقال فَأمكن نقل
(1/304)
الحكم بِمَنْزِلَة نسخ النَّص وعَلى هَذَا
مسَائِل الْجَامِع الْكَبِير فِي تَكْبِيرَات الْعِيد وتبدل
رَأْي العَبْد كَمَا عرف
(1/305)
بحث حجية الْقيَاس ووجول الْعَمَل بِهِ
الْبَحْث الرَّابِع فصل فِي الْقيَاس
الْقيَاس حجَّة من حجج الشَّرْع يجب الْعَمَل بِهِ عِنْد
انعدام مَا فَوْقه من الدَّلِيل فِي الْحَادِثَة وَقد ورد فِي
ذَلِك الْأَخْبَار والْآثَار قَالَ عَلَيْهِ الصلوة
وَالسَّلَام لِمعَاذ بن جبل حِين بَعثه الى الْيمن قَالَ
(بِمَ تقضي يَا معَاذ) قَالَ بِكِتَاب الله تَعَالَى قَالَ
(فان لم تَجِد) قَالَ بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ
(فان لم تَجِد)
قَالَ اجْتهد برأيي فصوبه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي وفْق رَسُول رَسُول الله على مَا
يحب ويرضاه
وَرُوِيَ أَن إمرأة خثعمية أَتَت إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت إِن أبي كَانَ شَيخا كَبِيرا أدْركهُ
الْحَج وَلَا يسْتَمْسك على الرَّاحِلَة فيجزئني أَن أحج عَنهُ
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام (أَرَأَيْت لَو كَانَ على أَبِيك دين
فقضيته أما كَانَ يجزئك فَقَالَت بلَى فَقَالَ عَلَيْهِ
السَّلَام
فدين الله أَحَق وَأولى)
الْحق رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام الْحَج فِي حق الشَّيْخ
الفاني بالحقوق الْمَالِيَّة وَأَشَارَ الى عِلّة مُؤثرَة فِي
الْجَوَاز وَهِي (الْقَضَاء) وَهَذَا هُوَ الْقيَاس
(1/308)
بحث الْأَخْبَار الَّتِي توجب حجية
الْقيَاس
1 - وروى ابْن الصّباغ وَهُوَ من سَادَات أَصْحَاب الشَّافِعِي
فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالشامل عَن قيس بن طلق بن عَليّ أَنه
قَالَ جَاءَ رجل الى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَأَنَّهُ بدوي فَقَالَ يَا نَبِي الله مَا ترى فِي مس الرجل
ذكره بَعْدَمَا تَوَضَّأ
فَقَالَ هَل هُوَ إِلَّا بضعَة مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الْقيَاس
2 - وَسُئِلَ ابْن مَسْعُود عَمَّن تزوج إمرأة وَلم يسم لَهَا
مهْرا وَقد مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا قبل الدُّخُول فاستمهل شهرا
ثمَّ قَالَ
أجتهد فِيهِ برأيي فان كَانَ صَوَابا فَمن الله وَإِن كَانَ
خطأ فَمن ابْن أم عبد فَقَالَ أرى لَهَا مهر مثل نسائها لَا
وكس فِيهَا وَلَا شطط
(1/312)
بحث كَون شُرُوط صِحَة الْقيَاس خَمْسَة
فصل شُرُوط صِحَة الْقيَاس خَمْسَة
أَحدهَا أَن لَا يكون فِي مُقَابلَة النَّص
وَالثَّانِي أَن لَا يتَضَمَّن تَغْيِير حكم من أَحْكَام
النَّص
وَالثَّالِث أَن لَا يكون المعدى حكما لَا يعقل مَعْنَاهُ
وَالرَّابِع أَن يَقع التَّعْلِيل لحكم شَرْعِي لَا لأمر
لغَوِيّ
وَالْخَامِس أَن لَا يكون الْفَرْع مَنْصُوصا عَلَيْهِ
وَمِثَال الْقيَاس فِي مُقَابلَة النَّص فِيمَا حُكيَ أَن
الْحسن بن زِيَاد سُئِلَ عَن القهقهة فِي الصلوة فَقَالَ
انتقضت الطَّهَارَة بهَا
قَالَ السَّائِل لَو قذف مُحصنَة فِي الصلوة لَا ينْتَقض بِهِ
الْوضُوء مَعَ أَن قذف المحصنة أعظم جِنَايَة فَكيف ينْتَقض
بالقهقهة وَهِي دونه
فَهَذَا قِيَاس فِي مُقَابلَة النَّص وَهُوَ حَدِيث
الْأَعرَابِي الَّذِي فِي عينه سوء
وَكَذَلِكَ اذا قُلْنَا جَازَ حج الْمَرْأَة مَعَ الْمحرم
فَيجوز مَعَ الأمينات كَانَ هَذَا قِيَاسا بِمُقَابلَة النَّص
وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام
(لَا يحل لإمرأة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تُسَافِر
فَوق ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها الا وَمَعَهَا أَبوهَا أَو
زَوجهَا أَو ذُو رحم محرم مِنْهَا)
وَمِثَال الثَّانِي
وَهُوَ مَا يتَضَمَّن تَغْيِير حكم من أَحْكَام النَّص مَا
يُقَال النِّيَّة شَرط فِي الْوضُوء بِالْقِيَاسِ على
التَّيَمُّم فان هَذَا يُوجب
(1/314)
تَغْيِير آيَة الْوضُوء من الْإِطْلَاق الى
التَّقْيِيد
(1/315)
بحث بَيَان أَمْثِلَة شُرُوط الْقيَاس
وَكَذَلِكَ اذا قُلْنَا الطّواف بِالْبَيْتِ صلوة بالْخبر
فَيشْتَرط لَهُ الطَّهَارَة وَستر الْعَوْرَة كالصلوة كَانَ
هَذَا قِيَاسا يُوجب تَغْيِير نَص الطّواف من الاطلاق الى
الْقَيْد
وَمِثَال الثَّالِث وَهُوَ مَا لَا يعقل مَعْنَاهُ فِي حق
جَوَاز التوضي بنبيذ التَّمْر فانه لَو قَالَ جَازَ بِغَيْرِهِ
من الأنبذة بِالْقِيَاسِ على نَبِيذ التَّمْر
أَو قَالَ لَو شج فِي صلَاته أَو احْتَلَمَ يَبْنِي على صلَاته
بِالْقِيَاسِ على مَا اذا سبقه الْحَدث لَا يَصح
لَان الحكم فِي الأَصْل لم يعقل مَعْنَاهُ فاستحال تعديته الى
الْفَرْع
وبمثل هَذَا قَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي رح قلتان نجستان اذا
اجتمعتا صارتا طاهرتين فاذا افترقتا بَقِيَتَا على الطَّهَارَة
بِالْقِيَاسِ على مَا اذا وَقت النَّجَاسَة فِي الْقلَّتَيْنِ
لَان الحكم لَو ثَبت فِي الأَصْل كَانَ غير مَعْقُول مَعْنَاهُ
وَمِثَال الرَّابِع وَهُوَ مَا يكون التَّعْلِيل لأمر شَرْعِي
لَا لأمر لغَوِيّ فِي قَوْلهم الْمَطْبُوخ الْمنصف خمر لَان
الْخمر انما كَانَ خمرًا لِأَنَّهُ يخَامر الْعقل وَغَيره
يخَامر الْعقل أَيْضا فَيكون خمرًا بِالْقِيَاسِ
وَالسَّارِق انما كَانَ سَارِقا لِأَنَّهُ أَخذ مَال الْغَيْر
بطريقة الْخفية وَقد شَاركهُ النباش فِي هَذَا الْمَعْنى
فَيكون سَارِقا بِالْقِيَاسِ وَهَذَا قِيَاس فِي اللُّغَة مَعَ
اعترافه أَن الإسم لم يوضع لَهُ فِي اللُّغَة
(1/318)
وَالدَّلِيل على فَسَاد هَذَا النَّوْع من
الْقيَاس أَن الْعَرَب يُسَمِّي الْفرس أدهم لسواده وكميتا
لحمرته ثمَّ لَا يُطلق هَذَا الإسم على الزنْجِي وَالثَّوْب
الْأَحْمَر
وَلَو جرت المقايسة فِي الْأَسَامِي اللُّغَوِيَّة لجَاز ذَلِك
لوُجُود الْعلَّة
وَلِأَن هَذَا يُؤَدِّي الى ابطال الْأَسْبَاب الشَّرْعِيَّة
وَذَلِكَ لِأَن الشَّرْع جعل السّرقَة سَببا لنَوْع من
الْأَحْكَام
فاذا علقنا الحكم بِمَا هُوَ أَعم من السّرقَة وَهُوَ أَخذ
مَال الْغَيْر على طَرِيق الْخفية تبين أَن السَّبَب كَانَ فِي
الأَصْل معنى هُوَ غير السّرقَة
وَكَذَلِكَ جعل شرب الْخمر سَببا لنَوْع من الْأَحْكَام
فاذا علقنا الحكم بِأَمْر أَعم من الْخمر تبين أَن الحكم كَانَ
فِي الأَصْل مُتَعَلقا بِغَيْر الْخمر
وَمِثَال الشَّرْط الْخَامِس وَهُوَ (مَا لَا يكون الْفَرْع
مَنْصُوصا عَلَيْهِ) كَمَا يُقَال اعتاق الرَّقَبَة
الْكَافِرَة فِي كَفَّارَة الْيَمين وَالظِّهَار لَا يجوز
بِالْقِيَاسِ على كَفَّارَة الْقَتْل
وَلَو جَامع الْمظَاهر فِي خلال الْإِطْعَام يسْتَأْنف
الْإِطْعَام بِالْقِيَاسِ على الصَّوْم وَيجوز للمحصر أَن
يتَحَلَّل بِالصَّوْمِ بِالْقِيَاسِ على الْمُتَمَتّع
والمتمتع اذا لم يصم فِي أَيَّام التَّشْرِيق يَصُوم بعْدهَا
بِالْقِيَاسِ على قَضَاء رَمَضَان
(1/319)
بحث فِي تَعْرِيف الْقيَاس الشَّرْعِيّ
فصل الْقيَاس الشَّرْعِيّ
هُوَ ترَتّب الحكم فِي غير الْمَنْصُوص عَلَيْهِ على معنى هُوَ
عِلّة
لذَلِك الحكم فِي الْمَنْصُوص عَلَيْهِ
ثمَّ انما يعرف كَون الْمَعْنى عِلّة بِالْكتاب وبالسنة
وبالإجماع وبالإجتهاد والإستنباط
بحث الْعلَّة الْمَعْلُومَة بِالْكتاب
فمثال الْعلَّة الْمَعْلُومَة بِالْكتاب كَثْرَة الطّواف فانها
جعلت عِلّة لسُقُوط الْحَرج فِي الإستئذان فِي قَوْله تَعَالَى
{لَيْسَ عَلَيْكُم وَلَا عَلَيْهِم جنَاح بعدهن طَوَّافُونَ
عَلَيْكُم بَعْضكُم على بعض} ثمَّ أسقط رَسُول الله عَلَيْهِ
الصلوة وَالسَّلَام حرج نَجَاسَة سُؤْر الْهِرَّة بِحكم هَذِه
الْعلَّة فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام
(والهرة لَيست بنجسه فانها من الطوافين عَلَيْكُم والطوافات)
فقاس أَصْحَابنَا جَمِيع مَا يسكن فِي الْبيُوت كالفأرة والحية
على الْهِرَّة بعلة الطّواف
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا
يُرِيد بكم الْعسر} بَين الشَّرْع أَن الْإِفْطَار للْمَرِيض
وَالْمُسَافر لتيسير الْأَمر عَلَيْهِم ليتمكنوا من تَحْقِيق
مَا يتَرَجَّح فِي نظرهم من الْإِتْيَان بوظيفة الْوَقْت أَو
تَأْخِيره إِلَى أَيَّام أخر
(1/325)
وَبِاعْتِبَار هَذَا الْمَعْنى قَالَ أَبُو
حنيفَة رح الْمُسَافِر اذا نوى فِي أَيَّام رَمَضَان وَاجِبا
آخر يَقع عَن وَاجِب آخر لانه لما ثَبت لَهُ التَّرَخُّص بِمَا
يرجع الى مصَالح بدنه وَهُوَ الْإِفْطَار فَلِأَن يثبت لَهُ
ذَلِك بِمَا يرجع الى مصَالح دينه وَهُوَ اخراج النَّفس عَن
عُهْدَة الْوَاجِب أولى
(1/326)
بحث الْعلَّة الْمَعْلُومَة بِالسنةِ
وَمِثَال الْعلَّة الْمَعْلُومَة بالسنه فِي قَوْله عَلَيْهِ
السَّلَام والصلوة
(لَيْسَ الْوضُوء على من نَام قَائِما أَو قَاعِدا أَو رَاكِعا
أَو سَاجِدا انما الْوضُوء على من نَام مُضْطَجعا) فانه اذا
نَام مُضْطَجعا استرخت مفاصله جعل استرخاء المفاصل عِلّة
فيتعدى الحكم بِهَذِهِ الْعلَّة الى النّوم مُسْتَندا أَو
مُتكئا الى شئ لَو أزيل عَنهُ لسقط
وَكَذَلِكَ يتَعَدَّى الحكم بِهَذِهِ الْعلَّة الى الْإِغْمَاء
وَالسكر وَكَذَلِكَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام
(توضئي وَصلي وَإِن قطر الدَّم على الْحَصِير قطرا فانه دم عرق
انفجر)
جعل انفجار الدَّم عِلّة فتعدى الحكم بِهَذِهِ الْعلَّة الى
الفصد والحجامة
وَمِثَال الْعلَّة الْمَعْلُومَة بِالْإِجْمَاع فِيمَا قُلْنَا
(الصغر) عِلّة لولاية الْأَب فِي حق الصَّغِير فَيثبت الحكم
فِي حق الصَّغِيرَة لوُجُود الْعلَّة
وَالْبُلُوغ عَن عقل عِلّة لزوَال ولَايَة الْأَب فِي حق
الْغُلَام فيتعدى الحكم الى الْجَارِيَة بِهَذِهِ الْعلَّة
وانفجار الدَّم عِلّة الإنتقاض للطَّهَارَة فِي حق
الْمُسْتَحَاضَة فيتعدى الحكم الى غَيرهَا لوُجُود الْعلَّة
ثمَّ بعد ذَلِك نقُول الْقيَاس على نَوْعَيْنِ
(1/329)
أَحدهمَا أَن يكون الحكم المعدى من نوع
الحكم الثَّابِت فِي الأَصْل
وَالثَّانِي أَن يكون من جنسه
مِثَال الإتحاد فِي النَّوْع مَا قُلْنَا أَن الصغر عِلّة
لولاية الْإِنْكَاح فِي حق الْغُلَام فَيثبت ولَايَة
الْإِنْكَاح فِي حق الْجَارِيَة لوُجُود الْعلَّة فِيهَا وَبِه
يثبت الحكم فِي الثّيّب الصَّغِيرَة
(1/330)
بحث الْعلَّة المستفيدة بِالْإِجْمَاع
وَكَذَلِكَ قُلْنَا الطّواف عِلّة سُقُوط نَجَاسَة السؤر فِي
سُؤْر الْهِرَّة فيتعدى الحكم الى سُؤْر سواكن الْبيُوت
لوُجُود الْعلَّة
وبلوغ الْغُلَام عَن عقل عِلّة زَوَال ولَايَة الْإِنْكَاح
فيزول الْولَايَة عَن الْجَارِيَة بِحكم هَذِه الْعلَّة
وَمِثَال الإتحاد فِي الْجِنْس مَا يُقَال كَثْرَة الطّواف
عِلّة سُقُوط حرج الاسْتِئْذَان فِي حق مَا ملكت أَيْمَاننَا
فَيسْقط حرج نَجَاسَة السؤر بِهَذِهِ الْعلَّة فان هَذَا
الْحَرج من جنس ذَلِك الْحَرج لَا من نَوعه
وَكَذَلِكَ الصغر عِلّة ولَايَة التَّصَرُّف للْأَب فِي المَال
فَيثبت ولَايَة التَّصَرُّف فِي النَّفس بِحكم هَذِه الْعلَّة
وان بُلُوغ الْجَارِيَة عَن عقل عِلّة زَوَال ولَايَة الْأَب
فِي المَال فيزول ولَايَته فِي حق النَّفس بِهَذِهِ الْعلَّة
ثمَّ لَا بُد فِي هَذَا النَّوْع من الْقيَاس من تجنيس
الْعلَّة بِأَن نقُول انما يثبت ولَايَة الْأَب فِي مَال
الصَّغِيرَة لِأَنَّهَا عاجزة عَن التَّصَرُّف بِنَفسِهَا
فَأثْبت الشَّرْع ولَايَة الْأَب كَيْلا يتعطل مصالحها
الْمُتَعَلّقَة بذلك وَقد عجزت عَن التَّصَرُّف فِي نَفسهَا
فَوَجَبَ القَوْل بِولَايَة الْأَب عَلَيْهَا
وعَلى هَذَا نَظَائِره
(1/333)
وَحكم الْقيَاس الأول أَن لَا يبطل
بِالْفرقِ لِأَن الأَصْل مَعَ الْفَرْع لما أتحد فِي الْعلَّة
وَجب اتحادهما فِي الحكم وان افْتَرقَا فِي غير هَذِه الْعلَّة
وَحكم الْقيَاس الثَّانِي فَسَاده بممانعة التَّجْنِيس
وَالْفرق الْخَاص وَهُوَ بَيَان أَن تَأْثِير الصغر فِي
ولَايَة التَّصَرُّف فِي المَال فَوق تَأْثِيره فِي ولَايَة
التَّصَرُّف فِي النَّفس
(1/334)
بحث الْعلَّة الْمَعْلُومَة بِالرَّأْيِ
والإجتهاد
وَبَيَان الْقسم الثَّالِث وَهُوَ الْقيَاس بعلة مستنبطة
بِالرَّأْيِ والإجتهاد ظَاهر وَتَحْقِيق ذَلِك
اذا وجدنَا وَصفا مناسبا للْحكم وَهُوَ بِحَال يُوجب ثُبُوت
الحكم ويتقاضاه بِالنّظرِ إِلَيْهِ وَقد اقْترن بِهِ الحكم فِي
مَوضِع الْإِجْمَاع يُضَاف الحكم إِلَيْهِ للمناسبة لَا لشهادة
الشَّرْع بِكَوْنِهِ عِلّة
وَنَظِيره اذا رَأينَا شخصا أعْطى فَقِيرا درهما غلب على
الظَّن أَن الْإِعْطَاء لدفع حَاجَة الْفَقِير وَتَحْصِيل
مصَالح الثَّوَاب
اذا عرف هَذَا فَنَقُول اذا رَأينَا وَصفا مناسبا للْحكم وَقد
اقْترن بِهِ الحكم فِي مَوضِع الْإِجْمَاع يغلب الظَّن باضافة
الحكم الى ذَلِك الْوَصْف
وَغَلَبَة الظَّن فِي الشَّرْع توجب الْعَمَل عِنْد انعدام مَا
فَوْقهَا من الدَّلِيل بِمَنْزِلَة الْمُسَافِر اذا غلب على
ظَنّه أَن بِقُرْبِهِ مَاء لم يجز لَهُ التَّيَمُّم وعَلى
هَذَا مسَائِل التَّحَرِّي
وَحكم هَذَا الْقيَاس أَن يبطل بِالْفرقِ الْمُنَاسب لِأَن
عِنْده يُوجد مُنَاسِب سواهُ فِي صُورَة الحكم فَلَا يبْقى
الظَّن باضافة الحكم اليه فَلَا يثبت الحكم بِهِ لانه كَانَ
بِنَاء على غَلَبَة الظَّن وَقد بَطل ذَلِك بِالْفرقِ
وعَلى هَذَا كَانَ الْعَمَل بالنوع الأول بِمَنْزِلَة الحكم
بِالشَّهَادَةِ بعد تَزْكِيَة الشَّاهِد وتعديله
(1/338)
وَالنَّوْع الثَّانِي بِمَنْزِلَة
الشَّهَادَة عِنْد ظُهُور الْعَدَالَة قبل التَّزْكِيَة
وَالنَّوْع الثَّالِث بِمَنْزِلَة شَهَادَة المستور
(1/339)
بحث الأسولة المتوجهة على الْقيَاس
فصل الأسولة المتوجهة على الْقيَاس ثَمَانِيَة
الممانعة وَالْقَوْل بِمُوجب الْعلَّة وَالْقلب وَالْعَكْس
وَفَسَاد الْوَضع وَالْفرق والنقض والمعارضة
أما الممانعة فنوعان
أَحدهمَا منع الْوَصْف
وَالثَّانِي منع الحكم
ومثاله فِي قَوْلهم صَدَقَة الْفطر وَجَبت بِالْفطرِ فَلَا
تسْقط بِمَوْتِهِ لَيْلَة الْفطر
قُلْنَا لَا نسلم وُجُوبهَا بِالْفطرِ بل عندنَا تجب بِرَأْس
يمونه ويلي عَلَيْهِ
وَكَذَلِكَ اذا قيل قدر الزَّكَاة وَاجِب فِي الذِّمَّة فَلَا
يسْقط بِهَلَاك النّصاب كَالدّين
قُلْنَا لَا نسلم ان قدر الزَّكَاة وَاجِب فِي الذِّمَّة بل
أَدَاؤُهُ وَاجِب
وَلَئِن قَالَ الْوَاجِب أَدَاؤُهُ فَلَا يسْقط بِالْهَلَاكِ
كَالدّين بعد الْمُطَالبَة
قُلْنَا لَا نسلم أَن الْأَدَاء وَاجِب فِي صُورَة الدّين بل
حرم الْمَنْع حَتَّى يخرج عَن الْعهْدَة بِالتَّخْلِيَةِ
وَهَذَا من قبيل منع الحكم
وَكَذَلِكَ اذا قَالَ الْمسْح ركن فِي بَاب الْوضُوء فَلَيْسَ
تثليثه كالغسل
(1/341)
قُلْنَا لَا نسلم ان التَّثْلِيث مسنون فِي
الْغسْل بل اطالة الْفِعْل فِي مَحل الْفَرْض زِيَادَة على
الْمَفْرُوض كاطالة الْقيام وَالْقِرَاءَة فِي بَاب الصلوة غير
ان الإطالة فِي بَاب الْغسْل لَا يتَصَوَّر إِلَّا بالتكرار
لاستيعاب الْفِعْل للمحل وبمثله نقُول فِي بَاب الْمسْح بَان
الإطالة مسنون بطرِيق الإستيعاب
وَكَذَلِكَ يُقَال التَّقَابُض فِي بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ
شَرط كالنقود
قُلْنَا لَا نسلم أَن التَّقَابُض شَرط فِي بَاب النُّقُود بل
الشَّرْط تَعْيِينهَا كَيْلا يكون بيع النسئة بالنسئة غير أَن
النُّقُود لَا تتَعَيَّن إِلَّا بِالْقَبْضِ عندنَا
(1/342)
بحث القَوْل بِمُوجب الْعلَّة
وَأما القَوْل بِمُوجب الْعلَّة فَهُوَ تَسْلِيم كَون الْوَصْف
عِلّة وَبَيَان أَن معلولها غير مَا ادَّعَاهُ الْمُعَلل
ومثاله الْمرْفق حد فِي بَاب الْوضُوء فَلَا يدْخل تَحت
الْغسْل لِأَن الْحَد لَا يدْخل فِي الْمَحْدُود
قُلْنَا الْمرْفق حد السَّاقِط فَلَا يدْخل تَحت حكم السَّاقِط
لِأَن الْحَد لَا يدْخل فِي الْمَحْدُود
وَكَذَلِكَ يُقَال صَوْم رَمَضَان صَوْم فرض فَلَا يجوز
بِدُونِ التَّعْيِين كالقضاء
قُلْنَا صَوْم الْفَرْض لَا يجوز بِدُونِ التَّعْيِين إِلَّا
أَنه وجد التَّعْيِين هَهُنَا من جِهَة الشَّرْع
وَلَئِن قَالَ صَوْم رَمَضَان لَا يجوز بِدُونِ التَّعْيِين من
العَبْد كالقضاء
قُلْنَا لَا يجوز الْقَضَاء بِدُونِ التَّعْيِين إِلَّا أَن
التَّعْيِين لم يثبت من جِهَة الشَّرْع وَالْقَضَاء فَلذَلِك
يشْتَرط تعْيين العَبْد وَهنا وجد التَّعْيِين من جِهَة
الشَّرْع فَلَا يشْتَرط تعْيين العَبْد
وَأما الْقلب فنوعان أَحدهمَا أَن يَجْعَل مَا جعله الْمُعَلل
عِلّة للْحكم معلولا لذَلِك الحكم ومثاله فِي الشرعيات
جَرَيَان الرِّبَا فِي الْكثير يُوجب جَرَيَانه فِي الْقَلِيل
كالأثمان فَيحرم بيع الحفنة من الطَّعَام بالحفنتين مِنْهُ
(1/346)
قُلْنَا لَا بل جَرَيَان الرِّبَا فِي
الْقَلِيل يُوجب جَرَيَانه فِي الْكثير كالأثمان
وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَة الملتجىء بِالْحرم حُرْمَة إِتْلَاف
النَّفس يُوجب حُرْمَة إِتْلَاف الطّرف كالصيد
قُلْنَا بل حُرْمَة إِتْلَاف الطّرف يُوجب حُرْمَة إِتْلَاف
النَّفس كالصيد فَإِذا جعلت علته معلولة لذَلِك الحكم لَا تبقى
عِلّة لَهُ لِاسْتِحَالَة أَن يكون الشَّيْء الْوَاحِد عِلّة
للشَّيْء ومعلولا لَهُ
(1/347)
بحث تَقْسِيم الْقلب على قسمَيْنِ
وَالنَّوْع الثَّانِي من الْقلب أَن يَجْعَل السَّائِل مَا
جعله الْمُعَلل عِلّة لما ادَّعَاهُ من الحكم عِلّة لضد ذَلِك
الحكم فَيصير حجَّة للسَّائِل بعد أَن كَانَ حجَّة للمعلل
مِثَاله صَوْم رَمَضَان صَوْم فرض فَيشْتَرط التَّعْيِين لَهُ
كالقضاء
قُلْنَا لما كَانَ الصَّوْم فرضا لَا يشْتَرط التَّعْيِين لَهُ
بعد مَا تعين الْيَوْم لَهُ كالقضاء
وَأما الْعَكْس فنعني بِهِ أَن يتَمَسَّك السَّائِل بِأَصْل
الْمُعَلل على وَجه يكون الْمُعَلل مُضْطَرّا إِلَى وَجه
الْمُقَارنَة بَين الأَصْل وَالْفرع ومثاله الْحلِيّ أعدت
للابتذال فَلَا يجب فِيهَا الزَّكَاة كثياب البذلة
قُلْنَا لَو كَانَ الْحلِيّ بِمَنْزِلَة الثِّيَاب فَلَا تجب
الزَّكَاة فِي حلي الرِّجَال كثياب البذلة
(1/350)
بحث الْعَكْس وَفَسَاد الْوَضع والنقض
وَأما فَسَاد الْوَضع فَالْمُرَاد بِهِ أَن يَجْعَل الْعلَّة
وصف لَا يَلِيق بذلك الحكم
مِثَاله فِي قَوْلهم فِي إِسْلَام أحد الزَّوْجَيْنِ اخْتِلَاف
الدّين طَرَأَ على النِّكَاح فيفسده كارتداد أحد الزَّوْجَيْنِ
فَإِنَّهُ جعل الْإِسْلَام عِلّة لزوَال الْملك
قُلْنَا الْإِسْلَام عهد عَاصِمًا للْملك فَلَا يكون مؤثرا فِي
زَوَال الْملك
وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَة طول الْحرَّة إِنَّه حر قَادر على
النِّكَاح فَلَا يجوز لَهُ الْأمة كَمَا لَو كَانَت تَحْتَهُ
حرَّة
قُلْنَا وصف كَونه حرا قَادِرًا يَقْتَضِي جَوَاز النِّكَاح
فَلَا يكون مؤثرا فِي عدم الْجَوَاز
وَأما النَّقْض فَمثل مَا يُقَال الْوضُوء طَهَارَة فَيشْتَرط
لَهُ النِّيَّة كالتيمم
قُلْنَا ينْتَقض بِغسْل الثَّوْب والإناء
وَأما الْمُعَارضَة فَمثل مَا يُقَال الْمسْح ركن فِي الْوضُوء
فَيسنّ تثليثه كالغسل
قُلْنَا الْمسْح ركن فَلَا يسن تثليثه كمسح الْخُف
وَالتَّيَمُّم
(1/352)
فصل الحكم
يتَعَلَّق بِسَبَبِهِ وَيثبت بعلته وَيُوجد عِنْد شَرطه
فالسبب مَا يكون طَرِيقا إِلَى الشَّيْء بِوَاسِطَة
كالطريق فَإِنَّهُ سَبَب للوصول إِلَى الْمَقْصد بِوَاسِطَة
الْمَشْي
وَالْحَبل فَإِنَّهُ سَبَب للوصول إِلَى المَاء بالإدلاء
فعلى هَذَا كل مَا كَانَ طَرِيقا إِلَى الحكم بِوَاسِطَة يُسمى
سَببا لَهُ شرعا وَيُسمى الْوَاسِطَة عِلّة
مِثَاله فتح بَاب الإصطبل والقص وَحل قيد العَبْد فَإِنَّهُ
سَبَب الْمُتْلف بِوَاسِطَة تُوجد من الدَّابَّة وَالطير
وَالْعَبْد
(1/353)
بحث الْفرق بَين السَّبَب وَالْعلَّة
وَالسَّبَب مَعَ الْعلَّة إِذا اجْتمعَا يُضَاف الحكم إِلَى
الْعلَّة دون السَّبَب إِلَّا إِذا تَعَذَّرَتْ الْإِضَافَة
إِلَى الْعلَّة فيضاف إِلَى السَّبَب حِينَئِذٍ
وعَلى هَذَا قَالَ أَصْحَابنَا إِذا دفع السكين إِلَى صبي
فَقتل بِهِ نَفسه لَا يضمن
وَلَو سقط من يَد الصَّبِي فجرحه يضمن
وَلَو حمل الصَّبِي على دَابَّة فسيرها فجالت يمنة ويسرة فَسقط
وَمَات لَا يضمن
وَلَو دلّ إنْسَانا على مَال الْغَيْر فسرقه أَو على نَفسه
فَقتله أَو على قافلة فَقطع عَلَيْهِم الطَّرِيق لَا يجب
الضَّمَان على الدَّال وَهَذَا بِخِلَاف الْمُودع إِذا دلّ
السَّارِق على الْوَدِيعَة فسرقها أَو دلّ الْمحرم غَيره على
صيد الْحرم فَقتله
لِأَن وجوب الضَّمَان على الْمُودع بِاعْتِبَار ترك الْحِفْظ
الْوَاجِب عَلَيْهِ لَا بِالدّلَالَةِ
وعَلى الْمحرم بِاعْتِبَار أَن الدّلَالَة مَحْظُور إِحْرَامه
بِمَنْزِلَة مس الطّيب وَلبس الْمخيط فَيضمن بارتكاب
الْمَحْظُور لَا بِالدّلَالَةِ إِلَّا أَن الْجِنَايَة
إِنَّمَا تتقرر بِحَقِيقَة الْقَتْل فإمَّا قبله فَلَا حكم
لَهُ لجَوَاز ارْتِفَاع أثر الْجِنَايَة بِمَنْزِلَة
الِانْدِمَال فِي بَاب الْجراحَة
(1/356)
بحث كَون السَّبَب تَارَة بِمَعْنى
الْعلَّة
وَقد يكون السَّبَب بِمَعْنى الْعلَّة فيضاف الحكم إِلَيْهِ
ومثاله فِيمَا يثبت الْعلَّة بِالسَّبَبِ فَيكون السَّبَب فِي
معنى الْعلَّة لِأَنَّهُ لما ثَبت الْعلَّة بِالسَّبَبِ فَيكون
فِي معنى عِلّة الْعلَّة فيضاف الحكم إِلَيْهِ
وَلِهَذَا قُلْنَا إِذا سَاق دَابَّة فأتلف شَيْئا ضمن
السَّائِق
وَالشَّاهِد إِذا أتلف بِشَهَادَتِهِ مَالا فَظهر بُطْلَانهَا
بِالرُّجُوعِ ضمن لِأَن سير الدَّابَّة يُضَاف إِلَى السُّوق
وَقَضَاء القَاضِي يُضَاف إِلَى الشَّهَادَة لما أَنه لَا
يَسعهُ ترك الْقَضَاء بعد ظُهُور الْحق بِشَهَادَة الْعدْل
عِنْده صَار كالمجبور فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة الهيمة بِفعل
السَّائِق
ثمَّ السَّبَب قد يُقَام مقَام الْعلَّة
(1/359)
عِنْد تعذر الِاطِّلَاع على حَقِيقَة
الْعلَّة تيسرا لِلْأَمْرِ على الْمُكَلف
وَيسْقط مَعَ اعْتِبَار الْعلَّة ويدار الحكم على السَّبَب
ومثاله فِي الشرعيات النّوم الْكَامِل فَإِنَّهُ لما أقيم
مقَام الْحَدث سقط اعْتِبَار حَقِيقَة الْحَدث ويدار الانتقاض
على كَمَال النّوم
وَكَذَلِكَ الْخلْوَة الصَّحِيحَة لما أُقِيمَت مقَام الْوَطْء
سقط اعْتِبَار حَقِيقَة الْوَطْء فيدار الحكم على صِحَة
الْخلْوَة فِي حق كَمَال الْمهْر وَلُزُوم الْعدة
وَكَذَلِكَ السّفر لما أقيم مقَام الْمَشَقَّة فِي حق
الرُّخْصَة سقط اعْتِبَار حَقِيقَة الْمَشَقَّة ويدار الحكم
على نفس السّفر حَتَّى أَن السُّلْطَان لَو طَاف فِي أَطْرَاف
مَمْلَكَته يقْصد بِهِ مِقْدَار السّفر كَانَ لَهُ الرُّخْصَة
فِي الْإِفْطَار وَالْقصر
وَقد يُسمى غير السَّبَب سَببا مجَازًا كاليمين يُسمى سَببا
لِلْكَفَّارَةِ وَإِنَّهَا لَيست بِسَبَب فِي الْحَقِيقَة
فَإِن السَّبَب لَا يُنَافِي وجود الْمُسَبّب وَالْيَمِين
يُنَافِي وجوب الْكَفَّارَة
فَإِن الْكَفَّارَة إِنَّمَا تجب بِالْحِنْثِ وَبِه يَنْتَهِي
الْيَمين
(1/361)
وَكَذَلِكَ تَعْلِيق الحكم بِالشّرطِ
كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق يُسمى سَببا مجَازًا وَأَنه لَيْسَ
بِسَبَب فِي الْحَقِيقَة
لِأَن الحكم إِنَّمَا يثبت عِنْد الشَّرْط وَالتَّعْلِيق
يَنْتَهِي بِوُجُود الشَّرْط فَلَا يكون سَببا مَعَ وجود
التَّنَافِي بَينهمَا
(1/362)
بحث تعلق الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة
بأسبابها
فصل الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة تتَعَلَّق بأسبابها
وَذَلِكَ لِأَن الْوُجُوب غيب عَنَّا فَلَا بُد من عَلامَة
يعرف العَبْد بهَا وجوب الحكم وَبِهَذَا الاعتيار أضيفت
الْأَحْكَام إِلَى الْأَسْبَاب
فسبب وجوب الصلوة الْوَقْت بِدَلِيل أَن الْخطاب بأَدَاء
الصلوة لَا يتَوَجَّه قبل دُخُول الْوَقْت وَإِنَّمَا
يتَوَجَّه بعد دُخُول الْوَقْت وَالْخطاب مُثبت لوُجُوب
الْأَدَاء ومعرف للْعَبد سَبَب الْوُجُوب قبله وَهَذَا
كَقَوْلِنَا أد ثمن الْمَبِيع وأد نَفَقَة المنكوصة وَلَا
مَوْجُود يعرفهُ العَبْد هَهُنَا إِلَّا دُخُول الْوَقْت
فَتبين أَن الْوُجُوب يثبت بِدُخُول الْوَقْت
وَلِأَن الْوُجُوب ثَابت على من لَا يتَنَاوَلهُ الْخطاب
كالنائم والمغمى عَلَيْهِ وَلَا وجوب قبل الْوَقْت فَكَانَ
ثَابتا بِدُخُول الْوَقْت وَبِهَذَا ظهر أَن الْجُزْء الأول
سَبَب للْوُجُوب ثمَّ بعد ذَلِك طَرِيقَانِ
أَحدهمَا نقل السَّبَبِيَّة من الجز الأول إِلَى الثَّانِي
إِذا لم يؤد فِي الْجُزْء الأول ثمَّ إِلَى الثَّالِث
وَالرَّابِع إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى آخر الْوَقْت فيتقرر
الْوُجُوب حِينَئِذٍ وَيعْتَبر حَال العَبْد فِي ذَلِك
الْجُزْء وَيعْتَبر صفة ذَلِك الْجُزْء
وَبَيَان اعْتِبَار حَال العَبْد فِيهِ إِنَّه لَو كَانَ صَبيا
فِي أول الْوَقْت بَالغا فِي ذَلِك الْجُزْء
(1/364)
أَو كَانَ كَافِرًا فِي أول الْوَقْت
مُسلما فِي ذَلِك الْجُزْء
أَو كَانَت حَائِضًا أَو نفسَاء أول الْوَقْت طَاهِرَة فِي
ذَلِك الْجُزْء وَجَبت الصلوة
وعَلى هَذَا جَمِيع صور حُدُوث الْأَهْلِيَّة فِي آخر الْوَقْت
وعَلى الْعَكْس بِأَن يحدث حيض أَو أنفاس أَو جُنُون مستوعب
أَو إِغْمَاء ممتد فِي ذَلِك الْجُزْء سَقَطت عَنهُ الصلوة
وَلَو كَانَ مُسَافِرًا فِي أول الْوَقْت مُقيما فِي آخِره
يُصَلِّي أَرْبعا
وَلَو كَانَ مُقيما فِي أول الْوَقْت مُسَافِرًا فِي آخِره
يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ
وَبَيَان اعْتِبَار صفة ذَلِك الْجُزْء إِن ذَلِك الْجُزْء إِن
كَانَ كَامِلا تقررت الْوَظِيفَة كَامِلَة فَلَا يخرج عَن
الْعهْدَة بأدائها فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة
ومثاله فِيمَا يُقَال إِن آخر الْوَقْت فِي الْفجْر كَامِل
وَإِنَّمَا يصير الْوَقْت فَاسِدا بِطُلُوع الشَّمْس وَذَلِكَ
بعد خُرُوج الْوَقْت فيتقرر الْوَاجِب بِوَصْف الْكَمَال
فَإِذا طلعت الشَّمْس فِي أثْنَاء الصلوة بَطل الْفَرْض
لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ إتْمَام الصلوة إِلَّا بِوَصْف
النُّقْصَان بِاعْتِبَار الْوَقْت وَلَو كَانَ ذَلِك الْجُزْء
نَاقِصا
كَمَا فِي صلوة الْعَصْر فَإِن آخر الْوَقْت وَقت احمرار
الشَّمْس وَالْوَقْت عِنْده فَاسد فتقررت الْوَظِيفَة بِصفة
النُّقْصَان وَلِهَذَا وَجب القَوْل بِالْجَوَازِ عِنْده مَعَ
فَسَاد الْوَقْت
وَالطَّرِيق الثَّانِي أَن يَجْعَل كل جُزْء من أَجزَاء
الْوَقْت سَببا لَا على طَرِيق الِانْتِقَال فَإِن القَوْل
بِهِ قَول بِإِبْطَال السَّبَبِيَّة الثَّابِتَة بِالشَّرْعِ
وَلَا يلْزم على هَذَا تضَاعف الْوَاجِب فَإِن الْجُزْء
الثَّانِي إِنَّمَا أثبت
(1/365)
عين مَا أثْبته الْجُزْء الأول فَكَانَ
هَذَا من بَاب ترادف الْعِلَل وَكَثْرَة الشُّهُود فِي بَاب
الْخُصُومَات
وَسبب وجوب الصَّوْم شُهُود الشَّهْر لتوجه الْخطاب عِنْد
شُهُود الشَّهْر وَإِضَافَة الصَّوْم إِلَيْهِ
وَسبب وجوب الزَّكَاة ملك النّصاب النامي حَقِيقَة أَو حكما
وَبِاعْتِبَار وجوب السَّبَب جَازَ التَّعْجِيل فِي بَاب
الْأَدَاء
وَسبب وجوب الْحَج الْبَيْت لِإِضَافَتِهِ إِلَى الْبَيْت
وَعدم تكْرَار الْوَظِيفَة فِي الْعُمر
وعَلى هَذَا لَو حج قبل وجود الِاسْتِطَاعَة يَنُوب ذَلِك عَن
حجَّة الْإِسْلَام لوُجُود السَّبَب وَبِه فَارق أَدَاء
الزَّكَاة قبل وجود النّصاب لعدم السَّبَب
(1/366)
بحث كَون الْمَوَانِع أَرْبَعَة
وَسبب وجوب صَدَقَة الْفطر رَأس يمونه ويلي عَلَيْهِ
وَبِاعْتِبَار السَّبَب يجوز التَّعْجِيل حَتَّى جَازَ
أَدَاؤُهَا قبل يَوْم الْفطر
وَسبب وجوب الْعشْر الْأَرَاضِي النامية بِحَقِيقَة الرّيع
وَسبب وجوب الْخراج الْأَرَاضِي الصَّالِحَة للزِّرَاعَة
فَكَانَت نامية حكما
وَسبب وجوب الْوضُوء الصلوة عِنْد الْبَعْض وَلِهَذَا وَجب
الْوضُوء على من وَجب عَلَيْهِ الصلوة وَلَا وضوء على من لَا
صلوة عَلَيْهِ
وَقَالَ الْبَعْض سَبَب وُجُوبه الْحَدث وَوُجُوب الصلوة شَرط
وَقد رُوِيَ عَن مُحَمَّد ذَلِك نصا
وَسبب وجوب الْغسْل الْحيض وَالنّفاس والجنابة
فصل
قَالَ القَاضِي الإِمَام أَبُو زيد الْمَوَانِع أَرْبَعَة
أَقسَام
مَانع يمْنَع انْعِقَاد الْعلَّة
ومانع يمْنَع تَمامهَا
ومانع يمْنَع ابْتِدَاء الحكم
ومانع يمْنَع دَوَامه
(1/373)
نَظِير الأول بيع الْحر وَالْميتَة
وَالدَّم فَإِن عدم الْمَحَلِّيَّة يمْنَع انْعِقَاد
التَّصَرُّف عِلّة إِفَادَة الحكم
وعَلى هَذَا سَائِر التعليقات عندنَا
فَإِن التَّعْلِيق يمْنَع انْعِقَاد التَّصَرُّف عِلّة قبل
وجود الشَّرْط على مَا ذَكرْنَاهُ
وَلِهَذَا لَو حلف لَا يُطلق امْرَأَته فعلق طَلَاق امْرَأَته
بِدُخُول الدَّار لَا يَحْنَث
وَمِثَال الثَّانِي
هَلَاك النّصاب فِي أثْنَاء الْحول وَامْتِنَاع أحد
الشَّاهِدين عَن الشَّهَادَة ورد شطر العقد
وَمِثَال الثَّالِث البيع بِشَرْط الْخِيَار وَبَقَاء الْوَقْت
فِي حق صَاحب الْعذر
وَمِثَال الرَّابِع خِيَار الْبلُوغ وَالْعِتْق والرؤية وَعدم
الْكَفَاءَة والاندمال فِي بَاب الْجِرَاحَات على هَذَا
الأَصْل
وَهَذَا على اعْتِبَار جَوَاز تَخْصِيص الْعلَّة الشَّرْعِيَّة
فإمَّا على قَول من لَا يَقُول بِجَوَاز تَخْصِيص الْعلَّة
فالمانع عِنْده ثَلَاثَة أَقسَام
مَانع يمْنَع ابْتِدَاء الْعلَّة
ومانع يمْنَع تَمامهَا
ومانع يمْنَع دوَام الحكم
وَأما عِنْد تَمام الْعلَّة فَيثبت الحكم لَا محَالة وعَلى
هَذَا كل مَا جعله الْفَرِيق الأول مَانِعا لثُبُوت الحكم جعله
الْفَرِيق الثَّانِي مَانِعا لتَمام الْعلَّة
(1/374)
وعَلى هَذَا الأَصْل يَدُور الْكَلَام بَين
الْفَرِيقَيْنِ
(1/375)
بحث بَيَان معنى الْفَرْض لُغَة وَشرعا
فصل
الْفَرْض لُغَة هُوَ التَّقْدِير ومفروضات الشَّرْع مقدراته
بِحَيْثُ لَا يحْتَمل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان
وَفِي الشَّرْع مَا ثَبت بِدَلِيل قَطْعِيّ لَا شُبْهَة فِيهِ
وَحكمه لُزُوم الْعَمَل بِهِ والاعتقاد بِهِ
وَالْوُجُوب هُوَ السُّقُوط يَعْنِي مَا يسْقط على العَبْد
بِلَا اخْتِيَار مِنْهُ
وَقيل هُوَ من الوجبة وَهُوَ الِاضْطِرَاب سمي الْوَاجِب
بذلك لكَونه مضطربا بَين الْفَرْض وَالنَّفْل
فَصَارَ فرضا فِي حق الْعَمَل حَتَّى لَا يجوز تَركه
ونفلا فِي حق الِاعْتِقَاد فَلَا يلْزمنَا الِاعْتِقَاد بِهِ
جزما
وَفِي الشَّرْع وَهُوَ مَا ثَبت بِدَلِيل فِيهِ شُبْهَة كالآية
المؤولة وَالصَّحِيح من الْآحَاد
وَحكمه مَا ذكرنَا
وَالسّنة عبارَة عَن الطريقه المسلوكة المرضية فِي بَاب اللين
سَوَاء كَانَت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو من
الصَّحَابَة قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام
(عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء من بعدِي عضوا عَلَيْهَا
النواجذ)
(1/379)
وَحكمهَا أَن يُطَالب الْمَرْء بإحيائها
وَيسْتَحق اللائمة بِتَرْكِهَا إِلَّا أَن يَتْرُكهَا بِعُذْر
وَالنَّفْل عبارَة عَن الزِّيَادَة وَالْغنيمَة تسمى نفلا
لِأَنَّهَا زِيَادَة على مَا هُوَ الْمَقْصُود من الْجِهَاد
وَفِي الشَّرْع عبارَة عَمَّا هُوَ زِيَادَة على الْفَرَائِض
والواجبات
وَحكمه أَن يُثَاب الْمَرْء على فعله وَلَا يُعَاقب بِتَرْكِهِ
وَالنَّفْل والتطوع نظيران
(1/380)
بحث الْعَزِيمَة ماهي لُغَة وَشرعا
فصل الْعَزِيمَة
هِيَ الْقَصْد اذا كَانَ فِي نِهَايَة الوكادة وَلِهَذَا
قُلْنَا أَن الْعَزْم على الْوَطْء عود فِي بَاب الظِّهَار
لانه كالموجود فَجَاز أَن يعْتَبر مَوْجُودا عِنْد قيام
الدّلَالَة وَلِهَذَا لَو قَالَ أعزم يكون حَالفا وَفِي
الشَّرْع عبارَة عَمَّا لزمنا من الْأَحْكَام ابْتِدَاء سميت
عَزِيمَة لِأَنَّهَا فِي غَايَة الوكادة لوكادة سَببهَا
وَهُوَ كَون الْأَمر مفترض الطَّاعَة بِحكم أَنه إلهنا وَنحن
عبيده وأقسام الْعَزِيمَة مَا ذكرنَا من الْفَرْض وَالْوَاجِب
(1/383)
بحث بَيَان الرُّخْصَة لُغَة وَشرعا
وَأما الرُّخْصَة فعبارة عَن الْيُسْر والسهولة
وَفِي الشَّرْع صرف الْأَمر من عسر الى يسر بِوَاسِطَة عذر فِي
الْمُكَلف
وأنواعها مُخْتَلفَة لاخْتِلَاف أَسبَابهَا وَهِي إعذار
الْعباد
وَفِي الْعَاقِبَة تؤول الى نَوْعَيْنِ
أَحدهمَا رخصَة الْفِعْل مَعَ بَقَاء الْحُرْمَة بِمَنْزِلَة
الْعَفو فِي بَاب الْجِنَايَة وَذَلِكَ نَحْو اجراء كلمة
الْكفْر على اللِّسَان مَعَ اطمئنان الْقلب عِنْد الْإِكْرَاه
وَسَب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَإِتْلَاف مَال الْمُسلم
وَقتل النَّفس ظلما
وَحكمه انه لَو صَبر حَتَّى قتل يكون مأجورا لامتناعه عَن
الْحَرَام تَعْظِيمًا لنهي الشَّارِع عَلَيْهِ السَّلَام
وَالنَّوْع الثَّانِي تَغْيِير صفة الْفِعْل بَان يصير مُبَاحا
فِي حَقه قَالَ الله تَعَالَى {فَمن اضْطر فِي مَخْمَصَة}
وَذَلِكَ نَحْو الاكراه على أكل الْميتَة وَشرب الْخمر
وَحكمه انه لَو امْتنع عَن تنَاوله حَتَّى قتل يكون آثِما
بامتناعه عَن الْمُبَاح وَصَارَ كقاتل نَفسه
(1/385)
بحث ان الِاحْتِجَاج بِلَا دَلِيل أَنْوَاع
فصل الِاحْتِجَاج بِلَا دَلِيل
أَنْوَاع مِنْهَا
1 - الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِ الْعلَّة على عدم الحكم مِثَاله
القئ غير نَاقض لانه لم يخرج من السَّبِيلَيْنِ
والاخ لَا يعْتق على الْأَخ لانه لَا ولاد بَينهمَا
وَسُئِلَ مُحَمَّد رح أيجب الْقصاص على شريك الصَّبِي قَالَ
لَا لِأَن الصَّبِي رفع عَنهُ الْقَلَم
قَالَ السَّائِل فَوَجَبَ أَن يجب على شريك الْأَب لَان الْأَب
لم يرفع عَنهُ الْقَلَم فَصَارَ التَّمَسُّك بِعَدَمِ الْعلَّة
على عدم الحكم هَذَا بِمَنْزِلَة مَا يُقَال لم يمت فلَان لانه
لم يسْقط من السَّطْح إِلَّا إِذا كَانَت عِلّة الحكم منحصرة
فِي معنى فَيكون ذَلِك الْمَعْنى لَازِما للْحكم فيستدل
بانتفائه على عدم الحكم
مِثَاله مَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد رح أَنه قَالَ ولد
الْمَغْصُوب لَيْسَ بمضمون لِأَنَّهُ لَيْسَ بمغصوب وَلَا قصاص
على الشَّاهِد فِي مَسْأَلَة شُهُود الْقصاص إِذا رجعُوا
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِل
وَذَلِكَ لِأَن الْغَصْب لَازم لضمان الْغَصْب وَالْقَتْل
لَازم لوُجُود الْقصاص
(1/388)
وَكَذَلِكَ التَّمَسُّك
(باستصحاب الْحَال) تمسك بِعَدَمِ الدَّلِيل إِذْ وجود
الشَّيْء لَا يُوجب بَقَاءَهُ فيصلح للدَّفْع دون الْإِلْزَام
وعَلى هَذَا قُلْنَا مَجْهُول النّسَب لَو ادّعى عَلَيْهِ أحد
رقا ثمَّ جنى عَلَيْهِ جِنَايَة لَا يجب عَلَيْهِ أرش الْحر
لِأَن إِيجَاب أرش الْحر إِلْزَام فَلَا يثبت بِلَا دَلِيل
وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا زَاد الدَّم على الْعشْرَة فِي
الْحيض وللمرأة عَادَة مَعْرُوفَة ردَّتْ إِلَى أَيَّام
عَادَتهَا وَالزَّائِد استحاضته لِأَن الزَّائِد على الْعَادة
اتَّصل بِدَم الْحيض وبدم الِاسْتِحَاضَة فَاحْتمل الْأَمريْنِ
جَمِيعًا
فَلَو حكمنَا بِنَقْض الْعدة لزمنا الْعَمَل بِلَا دَلِيل
وَكَذَلِكَ إِذا ابتدأت مَعَ الْبلُوغ مستحضاة فحيضها عشرَة
أَيَّام لِأَن مَا دون الْعشْرَة تحْتَمل الْحيض والاستحاضة
فَلَو حكمنَا بارتفاع الْحيض لزمنا الْعَمَل بِلَا دَلِيل
بِخِلَاف مَا بعد الْعشْرَة لقِيَام الدَّلِيل على أَن الْحيض
لَا تزيد على الْعشْرَة
وَمن الدَّلِيل على أَن لَا دَلِيل فِيهِ إِلَّا حجَّة
للدَّفْع دون الْإِلْزَام مَسْأَلَة الْمَفْقُود فَإِنَّهُ لَا
يسْتَحق غَيره مِيرَاثه
وَلَو مَاتَ من أَقَاربه حَال فَقده لَا يَرث هُوَ مِنْهُ
فَانْدفع اسْتِحْقَاق الْغَيْر بِلَا دَلِيل وَلم يثبت لَهُ
الِاسْتِحْقَاق بِلَا دَلِيل
(1/389)
بحث أَن العنبر لَا خمس فِيهِ عِنْد أبي
حنيفَة
فَإِن قيل قد رُوِيَ عَن أبي حنيفَة رح أَنه قَالَ لَا خمس فِي
العنبر لِأَن الْأَثر لم يرد بِهِ وَهُوَ التَّمَسُّك بِعَدَمِ
الدَّلِيل
قُلْنَا إِنَّمَا ذكر ذَلِك فِي بَيَان عذره فِي أَنه لم يقل
بالخمس فِي العنبر وَلِهَذَا رُوِيَ أَن مُحَمَّد عَن الْخمس
فِي العنبر فَقَالَ مَا بَال العنبر لاخمس فِيهِ قَالَ
لِأَنَّهُ كالسمك
فَقَالَ وَمَا بَال السّمك لَا خمس فِيهِ
قَالَ لِأَنَّهُ كَالْمَاءِ وَلَا خمس فِيهِ وَالله تَعَالَى
أعلم بِالصَّوَابِ تمّ أصُول الشَّاشِي مَعَ عُمْدَة
الْحَوَاشِي
(1/394)
|